الكتاب: التاج والإكليل لمختصر خليل المؤلف: محمد بن يوسف بن أبي القاسم بن يوسف العبدري الغرناطي، أبو عبد الله المواق المالكي (المتوفى: 897هـ) الناشر: دار الكتب العلمية الطبعة: الأولى، 1416هـ-1994م عدد الأجزاء: 8   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- التاج والإكليل لمختصر خليل محمد بن يوسف المواق الكتاب: التاج والإكليل لمختصر خليل المؤلف: محمد بن يوسف بن أبي القاسم بن يوسف العبدري الغرناطي، أبو عبد الله المواق المالكي (المتوفى: 897هـ) الناشر: دار الكتب العلمية الطبعة: الأولى، 1416هـ-1994م عدد الأجزاء: 8   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] [خِطْبَة الشَّارِح] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) بِاَللَّهِ أَسْتَعِينُ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 اسْتِخْرَاجِ نُصُوصٍ أُقَابِلُ بِهَا مَسَائِلَ مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ، يُسْتَعَانُ بِهَذِهِ النُّصُوصِ عَلَى فَهْمِهِ، وَتَكُونُ شَاهِدَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 عَلَى نَقْلِهِ، فَآتِي بِلَفْظِ خَلِيلٍ بِنَصِّهِ، ثُمَّ أَنْقُلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 بِإِزَائِهِ نَصَّ غَيْرِهِ، وَأَتَخَيَّرُ مِنْ النُّصُوصِ مَا يَكُونُ أَقْرَبَ لِلْفَهْمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وَأَوْجَزَ فِي اللَّفْظِ، وَلَا أَزِيدُ عَلَى مَا شَهَرَ إلَّا لِأَمْرٍ مَا أَوْ يَكُونُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 مُضَاهِيًا لَهُ فِي الشُّهْرَةِ أَوْ أَشْهَرَ وَأَكْتَفِي بِالنَّقْلِ دُونَ التَّنْزِيلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 عَلَى اللَّفْظِ إذْ الْمَقْصُودُ كَشْفُ النُّقُولِ كَمَا قَالَ السَّيِّدُ مُفْتِي تُونُسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 نَفَعَ اللَّهُ بِهِ. فَمَنْ اكْتَفَى بِنَقْلِي فَعَلَى عُهْدَتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وَإِنْ تَشَوَّفَتْ هِمَّتُهُ لِتَحْقِيقِ الْمَنَاطِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 أَعْنِي تَنْزِيلَ النَّقْلِ عَلَى اللَّفْظِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 فَمَا أَنَا أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِي كَانَ شَيْخِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 فِي مِثْلِ هَذَا: الْفِقْهُ أَنْ تَقْرَأَ أُمُّ خَلِيلٍ اكْتَفِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 بِالْفِقْهِ تَنْتَفِعُ وَيُحْكَى عَنْ سَيِّدِي ابْنِ عَلَاقٍ عَنْ كِتَابِهِ فِي الْقَضَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 وَيَقُولُ فِي هَذَا الْمَعْنَى: إنْ تَتَبَّعْت الْأَلْفَاظَ فِي الْأَلْفَاظِ تَمُوتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وَيُنَاسِبُ عَلَى هَذَا أَنْ أَقُولَ مَا قَالَ سَيِّدِي ابْنُ عَلَاقٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 أَيْضًا عَنْ كِتَابِهِ فِي الْقَضَاءِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 إنَّ النَّاظِرَ فِيهِ إذَا وَقَعَ عَلَى لَفْظٍ مُشْكِلٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 أَوْ عَلَى خَلَلٍ نَظَرَهُ فِي مَظَانِّهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وَمَنْ سَهُلَ بِهِ أَنْ يَكْتُبَ نَصَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 الْمُؤَلِّفِ بِصِبْغٍ يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَ نَقْلِي أَوْ يَكْتُبُهُمَا بِقَلَمَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 مُخْتَلِفَيْنِ فِي الْغِلَظِ وَالرِّقَّةِ، فَبَلَّغَهُ اللَّهُ قَصْدَهُ لِأَنَّ لِي فِي هَذَا مَقْصِدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وَأُسَمِّي تَأْلِيفِي هَذَا (بِالتَّاجِ وَالْإِكْلِيلِ لِمُخْتَصَرِ خَلِيلٍ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مَسْأَلَةٍ: إنَّ ابْنَ أَبِي زَيْدٍ نَقَلَهَا بِالْمَعْنَى نَقْلًا غَيْرَ صَحِيحٍ قَالَ: فَلِذَلِكَ رَأَى الْفُقَهَاءُ قِرَاءَةَ الْأُصُولِ أَوْلَى مِنْ قِرَاءَةِ الْمُخْتَصَرَاتِ ابْنُ شَاسٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ أَحَدَ عَشَرَ بَابًا: الْأَوَّلُ: فِي أَحْكَامِ الْمِيَاهِ. الثَّانِي: فِي أَحْكَامِ النَّجَاسَاتِ وَإِزَالَتِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الثَّالِثُ: فِي الِاجْتِهَادِ بَيْنَ الطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ. الرَّابِعُ: فِي الْأَوَانِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ أَبْوَابٌ مُقَدَّمَاتٌ وَالسَّبْعَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 الْبَاقِيَةُ مَقَاصِدُ. الْبَابُ الْأَوَّلُ مِنْ السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ: فَرَائِضُ الْوُضُوءِ وَسُنَنُهُ وَفَضَائِلُهُ الثَّانِي: فِي الِاسْتِنْجَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الثَّالِثُ: فِي مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ. الرَّابِعُ: فِي الْغُسْلِ. الْخَامِسُ: فِي التَّيَمُّمِ. السَّادِسُ: فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. السَّابِعُ: فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 [كِتَاب الطَّهَارَة] [مقدمات الطَّهَارَة] [بَاب أَحْكَام الْمِيَاه] ِ (يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ بِالْمُطْلَقِ وَهُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ) التَّلْقِينُ مَعْنَى رَفْعِ الْحَدَثِ اسْتِبَاحَةُ كُلِّ فِعْلٍ كَانَ الْحَدَثُ مَانِعًا مِنْهُ اُنْظُرْ الْفَرْقَ التَّاسِعَ وَالْخَمْسِينَ مِنْ قَوَاعِدِ الْقَرَافِيُّ الْجَلَّابُ لَا يَجُوزُ رَفْعُ الْحَدَثِ وَلَا إزَالَةُ نَجَسٍ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَائِعَاتِ كُلِّهَا سِوَى الْمَاءِ الطَّاهِرِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا أَزَالَ الْعَيْنَ بِغَيْرِ الْمُطْلَقِ بَقِيَ الْحُكْمُ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمُطْلَقُ طَهُورٌ وَهُوَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ ابْنُ عَرَفَةَ: يَبْطُلُ طَرْدُهُ مَاءَ الْوَرْدِ وَنَحْوَهُ ثُمَّ عَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ هُوَ مَا بَقِيَ بِصِفَةِ أَصْلِ خِلْقَتِهِ غَيْرَ مُخَرَّجٍ مِنْ نَبَاتٍ وَلَا حَيَوَانٍ وَلَا مُخَالِطٍ بِغَيْرِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 (وَإِنْ جُمِعَ مِنْ نَدًى) رُوِيَ عَلَى النَّدَى يُجْمَعُ مِنْ الْوَرِقِ طَهُورٌ (أَوْ ذَابَ بَعْدَ جُمُودِهِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 ابْنُ رُشْدٍ: الْمِلْحُ يَذُوبُ بَعْدَ جُمُودِهِ بِمَوْضِعِهِ كَمَاءِ السَّمَاءِ اللَّخْمِيِّ: مَا كَانَ عَنْ بَرَدٍ أَوْ جَلِيدٍ طَهُورٌ. (أَوْ كَانَ سُؤْرَ بَهِيمَةٍ) فِيهَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِسُؤْرِ الدَّوَابِّ وَهُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ. (أَوْ حَائِضٍ أَوْ جُنُبٍ) (أَوْ فَضْلَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 طَهَارَتِهِمَا) فِيهَا لَا بَأْسَ بِسُؤْرِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَمَا فَضَلَ عَنْهُمَا مِنْ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ لَا بَأْسَ بِشُرْبِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وَبِالْوُضُوءِ مِنْهُ وَالِاغْتِسَالِ بِهِ. (أَوْ كَثِيرًا خُلِطَ بِنَجِسٍ لَمْ يُغَيِّرْهُ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ لَا يُنَجِّسُهُ مَا حَلَّ فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ إلَّا أَنْ يُغَيِّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ. (أَوْ شَكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ يَضُرُّ) الْمَازِرِيُّ: إنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 شَكَّ فِي الْمُغَيِّرِ هَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يُؤَثِّرُ أَمْ لَا يُؤَثِّرُ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ مَالِكٌ: إنْ جَهِلَ سَبَبَ نَتِنِ مَاءِ بِئْرِ الدُّورِ تَرَكَ ابْنُ رُشْدٍ: بِخِلَافِ الْبِئْرِ وَالْغَدِيرِ بِالصَّحْرَاءِ عَلَى هَذَا إنْ شَكَّ فِي مُغَيِّرِهِ بَيْنَ آبَارِ الدُّورِ وَآبَارِ الصَّحْرَاءِ فَرْقٌ. (أَوْ تَغَيَّرَ بِمُجَاوِرِهِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ رَائِحَةُ الْمَاءِ عَنْ الْمُجَاوَرَةِ دُونَ الْحُلُولِ لَمْ تَنْجَسْ (وَإِنْ بِدُهْنٍ لَاصِقٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمُغَيَّرُ بِالدُّهْنِ طَهُورٌ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لِأَنَّهُ يُجَاوِرُ وَلَا يُمَازِجُ ابْنُ عَرَفَةَ: يُرَدُّ بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَاتِ أَنَّ كُلَّ تَغَيُّرٍ بِحَالٍ مُعْتَبَرٍ وَإِنْ لَمْ يُمَازِجْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 (أَوْ بِرَائِحَةِ قَطِرَانِ وِعَاءِ مُسَافِرٍ) سَنَدُ الْقَطِرَانِ تَبْقَى رَائِحَتُهُ فِي الْوِعَاءِ وَلَيْسَ لَهُ جِسْمٌ يُخَالِطُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 الْمَاءَ لَا بَأْسَ بِهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي السَّفَرِ وَفِي الْبَوَادِي (أَوْ بِمُتَوَلِّدٍ مِنْهُ أَوْ بِقَرَارِهِ) ابْنُ يُونُسَ: «حَكَمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَاءِ بِالطُّهْرِ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ» قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: إلَّا مَا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا مِمَّا هُوَ قَرَارُهُ أَوْ مُتَوَلِّدٌ عَنْهُ كَمَا تَغَيَّرَ بِطِينٍ أَوْ جَرَى عَلَى كِبْرِيتٍ، أَوْ تَغَيَّرَ لِطُولِ مُكْثٍ أَوْ بِالطُّحْلُبِ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ عَنْ مُكْثِهِ (كَمِلْحٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ ذَابَ بَعْدَ جُمُودِهِ ". (أَوْ بِمَطْرُوحٍ وَلَوْ قَصْدًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 مِنْ تُرَابٍ أَوْ مِلْحٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمَاءَ إنْ تَغَيَّرَ بِمَا هُوَ قَرَارُهُ وَمَا هُوَ عَادَتُهُ أَنْ يَتَوَلَّدَ فِيهِ بِنَقْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 نَاقِلٍ نَقَلَهُ إلَيْهِ لَا مُبَالَاةَ بِهِ وَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ (وَالْأَرْجَحُ السَّلْبُ بِالْمِلْحِ) ابْنُ يُونُسَ: الْمِلْحُ إذَا طُرِحَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 فِي الْمَاءِ فَالصَّوَابُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْوُضُوءُ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا فَارَقَ الْأَرْضَ كَانَ طَعَامًا وَلَا يُتَيَمَّمُ عَلَيْهِ (وَفِي الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إنْ صُنِعَ تَرَدُّدٌ) ابْنُ بَشِيرٍ: اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْمِلْحِ هَلْ هُوَ كَالتُّرَابِ فَلَا يُنْقَلُ حُكْمُ الْمَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، أَوْ كَالطَّعَامِ فَيَنْقُلُهُ، أَوْ الْمَعْدِنِيِّ مِنْهُ كَالتُّرَابِ وَالْمَصْنُوعِ كَالطَّعَامِ ثَلَاثُ طُرُقٍ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ بَعْدِهِمْ؛ هَلْ تَرْجِعُ هَذِهِ الطُّرُقُ إلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ مَنْ جَعَلَهُ كَالتُّرَابِ يُرِيدُ الْمَعْدِنِيَّ وَمَنْ جَعَلَهُ كَالطَّعَامِ يُرِيدُ الْمَصْنُوعَ أَوْ يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ كَمَا تَقَدَّمَ. (لَا بِمُتَغَيِّرٍ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا بِمَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا مِنْ طَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَا خُولِطَ وَغَيَّرَ مُخَالِطُهُ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ فَهُوَ مِثْلُ مُخَالِطِهِ، وَكَذَا مَا خُولِطَ وَغَيَّرَ مُخَالِطُهُ رِيحَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ (كَدُهْنٍ خَالَطَ) ابْنُ بَشِيرٍ: الْمُتَغَيِّرُ بِمُخَالَطَةِ الْأَدْهَانِ غَيْرُ مُطَهِّرٍ (أَوْ بُخَارِ مُصْطَكَى) اللَّخْمِيِّ: رَوَائِحُ الطِّيبِ إنْ كَانَتْ عَمَّا حَلَّ فِيهِ كَانَتْ مُضِيفَةً وَإِنْ كَانَتْ عَنْ مُجَاوَرَةٍ لَمْ تُضِفْهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ الْبَخُورِ فَإِنَّ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 حُكْمَ الْمُضَافِ، لِأَنَّهَا تَصْعَدُ بِأَجْزَاءٍ مِنْهُ وَيُوجَدُ طَعْمُ مَا يُبَخَّرُ بِالْمَصْطَكَى. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا صَوَابٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 (وَحُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ هُوَ مِثْلُ مُخَالِطِهِ. (وَيَضُرُّ بَيِّنُ تَغَيُّرٍ بِحَبْلِ سَانِيَةٍ) أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 بِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِحَبْلٍ اسْتَقَى بِهِ أَوْ بِالْكُوبِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَغَيُّرُهُ فَاحِشًا. (كَغَدِيرٍ بِرَوْثِ مَاشِيَةٍ) رَوَى ابْنُ غَانِمٍ مَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ بِبَوْلِ مَاشِيَةٍ تَرِدُهُ وَرَوْثِهَا لَا يُعْجِبنِي الْوُضُوءُ بِهِ وَلَا أُحَرِّمُهُ الْبَاجِيُّ: لِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا اللَّخْمِيِّ: الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَهِّرٍ (أَوْ بِئْرٍ بِوَرَقِ شَجَرٍ أَوْ تِبْنٍ) الْبَاجِيُّ: الْمُتَغَيِّرُ بِوَرَقِ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ مُطَهِّرٌ الْبَاجِيُّ: لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا وَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ: لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْوُضُوءِ بِهِ وَالتَّيَمُّمِ عَزَا هَذَا لِلَّخْمِيِّ وَقَالَ: إنَّهُ خَامِسُ الْأَقْوَالِ. (وَالْأَظْهَرُ فِي بِئْرِ الْبَادِيَةِ بِهِمَا الْجَوَازُ) أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ بِطَهُورِيَّةِ مَاءِ الْبِئْرِ الْبَادِيَةِ الْمُتَغَيِّرَةِ بِالْخَشَبِ وَالْحَشِيشِ اللَّذَيْنِ تُطْوَى بِهِمَا قَالَ: وَالْأَصْلُ إطْلَاقُ الْمَاءِ عَلَيْهِ صَافِيًا كَانَ أَوْ مُكَدَّرَ الرَّائِحَةِ أَوْ اللَّوْنِ أَوْ الطَّعْمِ لِرُكُودِهِ أَوْ حَمْأَتِهِ أَوْ طُحْلُبِهِ قَالَ: وَمِثْلُهُ مَا يُطْوَى بِالْخَشَبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وَالْعُشْبِ مِنْ آبَارِ الصَّحْرَاءِ لِلضَّرُورَةِ لِاسْتِوَائِهَا فِي الْعِلَّةِ وَهُوَ عَدَمُ الِانْفِكَاكِ بِمَا يُوجِبُ التَّغْيِيرَ، وَكَذَا آبَارُ الصَّحْرَاءِ لَا تَخْلُو مِنْ عُشْبٍ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ مَا تَغَيَّرَ بِخُبْزٍ أَوْ رُبٍّ أَوْ عَسَلٍ وَنَحْوِهِ. (وَفِي جَعْلِ الْمُخَالِطِ الْمُوَافِقِ كَالْمُخَالِفِ نَظَرٌ) ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي تَقْدِيرِ مُوَافِقِ صِفَةِ الْمَاءِ مُخَالِفًا نَظَرٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ثُمَّ قَالَ: إنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى التَّغَيُّرِ الْمَحْسُوسِ وَلِذَا قِيلَ مَا قِيلَ فِي مَسْأَلَةِ الْقَابِسِيِّ وَهِيَ أَنَّ الْمَاءَ الْيَسِيرَ يَنْضَافُ بِمَا حَلَّ فِيهِ مِنْ طَاهِرٍ يَسِيرٍ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ كَالنَّجَاسَةِ الْيَسِيرَةِ الَّتِي لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ الْقَابِسِيِّ شُذُوذٌ. (وَفِي التَّطْهِيرِ بِمَاءٍ جُعِلَ فِي الْفَمِ قَوْلَانِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 التَّطْهِيرُ بِمَا جُعِلَ فِي الْفَمِ ابْنُ رُشْدٍ: مَا لَمْ يُضِفْهُ رِيقُهُ أَشْهَبُ: لَا يُطَهِّرُ. (وَكُرِهَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَدَثٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لَا يُتَوَضَّأُ بِمَاءٍ قَدْ تُوُضِّئَ بِهِ إلَّا أَنْ يَجِدَ غَيْرَهُ وَكَانَ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ أَوَّلًا طَاهِرًا ابْنُ يُونُسَ: أَيْ طَاهِرَ الْأَعْضَاءِ مِنْ نَجَاسَةٍ أَوْ وَسَخٍ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا قَدْرَ وُضُوئِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 بِمُسْتَعْمَلِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ تَعَيَّنَ (وَفِي غَيْرِهِ تَرَدُّدٌ) نَقَلَ الْقَرَافِيُّ إنْ كَانَ الْمُتَوَضِّئُ بِالْمَاءِ مُجَدِّدًا فَالْمَاءُ طَهُورٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُحْدِثًا، وَمِثْلُ الْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ الْمُجَدِّدُ مَاءُ طُهْرِ الذِّمِّيَّةِ لِزَوْجِهَا مِنْ الْحَيْضِ نَقِيَّةِ الْجَسَدِ وَالْخِلَافُ أَيْضًا فِيهِمَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَاءِ الرَّابِعَةِ فَإِنَّهُ أَخَفُّ لِأَنَّهُ مَاءٌ لَمْ تُؤَدَّ بِهِ عِبَادَةٌ فَفَارَقَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 مَاءَ الْمُجَدِّدِ وَلَا رَفَعَ مَانِعًا فَفَارَقَ مَاءَ طُهْرِ الذِّمِّيَّةِ. (وَيَسِيرٌ كَآنِيَةِ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ بِنَجِسٍ لَمْ يُغَيِّرْ) ابْنُ رُشْدٍ: قَدْرُ إنَاءِ الْوُضُوءِ تَقَعُ فِيهِ قَطْرَةٌ مِنْ الْبَوْلِ وَالْخَمْرِ قَدْرَ الْقَصْرِيَّةِ يَحِلُّهُ أَذَى الْجُنُبِ أَطْلَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقَوْلَ: بِأَنَّهُ نَجِسٌ عَلَى طَرِيقِ التَّحَرُّزِ مِنْ الْمُتَشَابِهِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ مَنْ تَوَضَّأَ بِهِ بِإِعَادَةٍ أَبَدًا اُنْظُرْ هَذَا هُوَ رَابِعُ الْأَقْوَالِ فِيهِ، وَرَوَى ابْنُ مُصْعَبٍ أَنَّهُ طَهُورٌ. قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الصَّحِيحُ مِنْ النَّظَرِ وَجَيِّدِ الْأَثَرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْيَسِيرِ اُنْظُرْ حَدِيثَ خَامِسَ عَشَرَ لِإِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَانْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ خَلِيلٌ الْحُكْمَ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَالنَّصُّ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيَتْرُكُهُ. (أَوْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ تَوَضَّأَ مِنْ مَاءٍ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ فِي الْوَقْتِ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي الْوُضُوءُ بِهِ، وَانْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ خَلِيلٌ الْحُكْمَ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَالنَّصُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا يَتَيَمَّمُ. (وَرَاكِدٌ يَغْتَسِلُ فِيهِ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ لَا يُنَجِّسُهُ مَا حَلَّ فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْغُسْلِ بِهِ ابْتِدَاءً دُونَ أَنْ يَغْسِلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى فَكَرِهَهُ مَالِكٌ لِلْحَدِيثِ وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ انْتَهَى وَمَنَعَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ نَصْبَ مِرْحَاضٍ عَلَى ضِفَّةِ مَاءٍ جَارٍ وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا. (وَسُؤْرُ شَارِبِ خَمْرٍ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُتَوَضَّأُ بِسُؤْرِ نَصْرَانِيٍّ وَلَا بِمَاءٍ أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، وَنَصَّ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَى مَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَسَوَاءٌ وَجَدَ غَيْرَهُ أَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَيَتَيَمَّمُ إنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَإِنْ أَيْقَنَ بِنَجَاسَةِ يَدِهِ وَفَمِهِ إذْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ يَسِيرِ الْمَاءِ وَكَثِيرِهِ سَحْنُونَ: وَإِذَا أَمِنْت أَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا أَوْ يَأْكُلَ خِنْزِيرًا فَلَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ بِهِ وَإِنْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ اللَّخْمِيِّ: وَسُؤْرُ مَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَسُؤْرِ النَّصْرَانِيِّ. (وَمَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا مِنْ مَاءٍ لَا إنْ عَسُرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ أَوْ كَانَ طَعَامًا) ابْنُ بَشِيرٍ: سُؤْرُ مُعْتَادِ النَّجَسِ إنْ تَيَقَّنَ سَلَامَةَ فَمِهِ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 النَّجَاسَةِ فَطَاهِرٌ، وَإِنْ رُئِيَتْ بِفِيهِ فَكَحُلُولِهَا وَإِنْ شَكَّ هَلْ فِي فَمِهِ نَجَاسَةٌ أَمْ لَا، فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 الطَّعَامَ يُسْتَعْمَلُ لِحُرْمَتِهِ وَالْمَاءُ يُطْرَحُ لِيَسَارَتِهِ إلَّا مِنْ الْهِرِّ وَالْفَأْرَةِ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَلِنُذُورِ اسْتِعْمَالِهَا النَّجِسَ عَنْ اللَّخْمِيِّ الْمَازِرِيُّ: اسْتِعْمَالُ سُؤْرِ مَا لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَاتِ مَكْرُوهٌ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ شَرِبَ مِنْ إنَاءِ مَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَالنَّتِنَ تَرَكَهُ وَتَيَمَّمَ، فَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى أَعَادَ فِي الْوَقْتِ. (كَمُشَمَّسٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمُسَخَّنُ بِالنَّارِ وَالْمُشَمَّسُ كَغَيْرِهِ. وَفِي قَوَاعِدِ عِيَاضٍ: إنَّ الْمُشَمَّسَ مَكْرُوهٌ وَفِي الْمَسَالِكِ النَّهْيُ عَنْ التَّنَفُّسِ فِي الْإِنَاءِ نَهْيُ أَدَبٍ وَكُرِهَ ذَلِكَ كَمَا كُرِهَ الِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ وَنَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ حَدِيثًا بِالنَّهْيِ عَنْهُ انْتَهَى وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ الْقَبَّابِ لَعَلَّ هَذَا مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا الْمُتَّقَى مِنْ ذَلِكَ الْمُشَمَّسُ فِي أَوَانِي الصَّفَرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 (وَإِنْ رُئِيَتْ عَلَى فِيهِ وَقْتَ اسْتِعْمَالِهِ عُمِلَ عَلَيْهَا) تَقَدَّمَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ كَمُشَمَّسٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وَإِذَا مَاتَ بَرِّيٌّ ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ بِرَاكِدٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ نُدِبَ نَزْحٌ بِقَدْرِهِمَا) اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " بِرَاكِدٍ " وَنَصُّ التَّلْقِينِ الْبَرِّيُّ ذُو النَّفْسِ السَّائِلَةِ يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ وَيَنْجَسُ مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ مَائِعٍ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يُغَيِّرْهُ، وَلَا يَنْجَسُ الْمَاءُ إلَّا أَنْ يُغَيِّرَهُ، إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ نَزْحُ الْيَسِيرِ بِقَدْرِ الدَّابَّةِ وَقَدْرِ مَاءِ الْبِئْرِ، وَذَلِكَ تَوَقٍّ وَاسْتِحْبَابٌ، وَإِنْ تَغَيَّرَ نُزِحَ حَتَّى يَزُولَ التَّغَيُّرُ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ مَاتَ بَرِّيٌّ ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ بِمَاءٍ لَا مَادَّةَ لَهُ كَالْجُبِّ لَا يُشْرَبُ مِنْهَا وَلَا يُتَوَضَّأُ وَيُنْزَعُ الْمَاءُ كُلُّهُ بِخِلَافِ مَا لَهُ مَادَّةٌ ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَطْهِيرُ ذِي الْمَادَّةِ نَزْعُ مَا يُطَيِّبُهَا أَصْبَغُ: بِقَدْرِ مَائِهِ وَالدَّابَّةِ وَمُكْثِهَا. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ فِي ثِيَابٍ أَصَابَهَا مَاءُ بِئْرٍ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ فَمَاتَتْ وَتَسَلَّخَتْ: يُغْسَلُ الثَّوْبُ وَتُعَادُ الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إنْ كَانَ الْمَاءُ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَغَسْلُ الثَّوْبِ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ فِيمَا لَا يُفْسِدُهُ الْغَسْلُ التَّلْقِينُ: فَيُسْتَحَبُّ نَزْحُ الْبِئْرِ الَّتِي يَمُوتُ بِهَا ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِحَسَبِ كِبَرِ الدَّابَّةِ وَصِغَرِهَا الْمَازِرِيُّ: إنَّمَا كَانَ النَّزَحُ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّ الْمَاءَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النَّجَاسَةُ إلَّا إذَا غَيَّرَتْهُ، وَلِأَجْلِ قَوْلِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْحَيَّ إذَا مَاتَ خَرَجَتْ مِنْهُ بِلَّةٌ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ فَيُنْزَحُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ أَنَّهَا تَذْهَبُ بِذَهَابِهِ الْبَاجِيُّ: الْبِرَكُ الْكِبَارُ جِدًّا لَا تَفْسُدُ بِمَوْتٍ فِيهَا مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ. وَفِي التَّمْهِيدِ فِي الْحَدِيثِ الْخَامِسَ عَشَرَ لِإِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: لَا عِبْرَةَ بِمَا حَلَّ بِالْمَاءِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِدَلِيلِ بِئْرِ بُضَاعَةَ يُطْرَحُ فِيهَا لُحُومُ الْكِلَابِ وَالْعَذِرَةُ وَأَوْسَاخُ النَّاسِ. (لَا إنْ وَقَعَ مَيِّتًا) ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ وَقَعَتْ الدَّابَّةُ مَيِّتَةً وَأُخْرِجَتْ مِنْ سَاعَتِهَا لَمْ يَفْسُدْ ذَلِكَ الْمَاءُ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَأَمَّا غَيْرُ الْمَاءِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 أَنْ تَمُوتَ فِيهِ الْفَأْرَةُ وَبَيْنَ أَنْ تَقَعَ فِيهِ مَيْتَةٌ. (وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُ النَّجَسِ لَا بِكَثْرَةِ مُطْلَقٍ فَاسْتُحْسِنَ الطَّهُورِيَّةُ وَعَدَمُهَا أَرْجَحُ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ فِي طَهُورِيَّةِ النَّجَسِ يَزُولُ تَغَيُّرُهُ بِلَا نَزْحٍ قَوْلَانِ لَا أَعْرِفُهُ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْهُ فِي جِبَابٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 تُحْفَرُ بِالْمَغْرِبِ فَتَسْقُطُ فِيهَا الْمَيْتَةُ فَتُغَيِّرُ لَوْنَهُ وَرِيحَهُ ثُمَّ يَطِيبُ الْمَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى فَتَرْكُ نَقْلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَنَقْلِ غَيْرِهَا قُصُورٌ. (وَقُبِلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ إنْ بَيَّنَ وَجْهًا أَوْ اتَّفَقَا مَذْهَبًا وَإِلَّا فَقَالَ يُسْتَحْسَنُ تَرْكُهُ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ سَقَطَ عَلَيْهِ مَاءٌ عَكِرٌ فَسَأَلَ أَهْلَهُ فَقَالُوا: طَاهِرٌ صَدَّقَهُمْ إنْ لَمْ يَكُونُوا نَصَارَى ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ وَسُؤَالُهُمْ مُسْتَحَبٌّ فَيُصَدِّقُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَتَهُمْ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: يُقْبَلُ خَبَرُ وَاحِدٍ وَإِنْ امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ إنْ بَيَّنَ سَبَبَ النَّجَاسَةِ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا، وَمَذْهَبُهُ فِيهِ كَالْمُخْبِرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 فَإِنْ أَجْمَلَ مُخَالِفُ مَذْهَبِهِ اُسْتُحِبَّ تَرْكُهُ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِخَبَرِهِ مُشْتَبِهًا. (وَوُرُودُ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ كَعَكْسِهِ) الْمَازِرِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ أَوْ وُرُودِهَا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ حَصَلَتْ فِي الْحَالَتَيْنِ فَلَا اعْتِبَارَ بِتَقَدُّمِ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ. وَفِي الْقَبَسِ: الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ بَدِيعَةٌ قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي حَدِيثِ الْأَمْرِ بِغَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ دُخُولِهَا فِي الْإِنَاءِ فِيهِ: أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَهِيَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَرِدَ الْمَاءُ عَلَى النَّجَاسَةِ أَوْ تَرِدَ النَّجَاسَةُ عَلَى الْمَاءِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 [بَاب فِي أَحْكَامِ النَّجَاسَاتِ] [فَصَلِّ تَمْيِيز الْأَعْيَان الطَّاهِرَة عَنْ النَّجِسَة] (فَصْلٌ) ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ النَّجَاسَاتِ وَفِيهِ فُصُولٌ فِي تَمْيِيزِ الْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ عَنْ النَّجِسَةِ، وَفِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ (الطَّاهِرُ مَيْتُ مَا لَا دَمَ لَهُ) التَّلْقِينُ: مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً كَالزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالصِّرَارِ وَبَنَاتِ وَرْدَانَ وَشَبَهِ ذَلِكَ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ دَوَابِّ الْبَحْرِ لَا يَنْجَسُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 نَفْسِهِ وَلَا يَنْجَسُ مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ مَائِعٍ أَوْ مَاءٍ، وَكَذَلِكَ ذُبَابُ الْعَسَلِ وَالْبَاقِلَّاءُ وَدُودِ الْخَلِّ عِيَاضٌ: فِي قَوْلِ التَّلْقِينِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا يُؤْكَلَ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ إذَا كَانَ مُخْتَلِطًا بِالطَّعَامِ وَغَالِبًا عَلَيْهِ وَإِنْ تَمَيَّزَ الطَّعَامُ مِنْهُ أُكِلَ الطَّعَامُ دُونَهُ إذْ لَا يُؤْكَلُ الْخَشَاشُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ إلَّا بِذَكَاةٍ الْبَاجِيُّ: مَا لَا دَمَ فِيهِ وَلَا دَمَ لَهُ كَالْخُنْفُسَاءِ لَا يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ إلَّا أَنَّ مَنْ احْتَاجَهُ لِدَوَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ ذَكَّاهُ بِمَا يُذَكِّي بِهِ الْجَرَادَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ وَقَعَ خَشَاشٌ بِقِدْرٍ أَوْ إنَاءٍ أُكِلَ طَعَامُهُ وَتُوُضِّئَ بِمَائِهِ ابْنُ يُونُسَ: إنْ تَمَيَّزَ الْخَشَاشُ فَأُزِيلَ أَوْ لَمْ يَتَمَيَّزْ وَقَلَّ وَكَثُرَ الطَّعَامُ كَاخْتِلَاطِ قَمْلَةٍ بِكَثِيرِهِ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ، فَإِنْ بَاعَ الطَّعَامَ بَيَّنَ لِمَا يَكْرَهُ النَّاسُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا هَذَا الْخَشَاشُ وَالْخُنْفُسَاءُ وَنَحْوُهُ قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ إذَا بَاعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 طَافِيَ الْحُوتِ وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ. (وَالْبَحْرِيُّ وَلَوْ طَالَتْ حَيَاتُهُ بِبَرٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: رَابِعُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ الْبَحْرِيَّ وَلَوْ طَالَتْ حَيَاتُهُ بِبَرٍّ كَالضُّفْدَعِ وَالسُّلَحْفَاةِ وَتُرْسِ الْمَاءِ طَاهِرٌ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إنَّمَا يُذْبَحُ تُرْسُ الْمَاءِ اسْتِعْجَالًا لِمَوْتِهِ وَمَا أَكْرَهُ مَوْتَهُ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ عَلَى النَّاسِ شَكٌّ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ الْحَقِّ: وَأَمَّا مَيْتَةُ الضَّفَادِعِ الْبَرِّيَّةِ فَنَجِسَةٌ. (وَمَا ذُكِّيَ) ابْنُ عَرَفَةَ: مُذَكَّى الْمَأْكُولِ طَاهِرٌ (وَجُزْؤُهُ إلَّا مُحَرَّمَ الْأَكْلِ) ابْنُ شَاسٍ: كُلُّ حَيَوَانٍ غَيْرَ الْخِنْزِيرِ يَطْهُرُ بِذَكَاتِهِ كُلُّ أَجْزَائِهِ مِنْ لَحْمٍ وَعَظْمٍ وَجِلْدٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِالْبَخُورِ بِلُحُومِ السِّبَاعِ الْمُذَكَّاةِ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا عَلَى أَعْمَالِ الذَّكَاةِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلَّى عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ وَتُلْبَسَ إذَا ذُكِّيَتْ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَكْلَهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ انْتَهَى اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ شَاسٍ مِنْ غَيْرِ الْخِنْزِيرِ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْحِمَارَ الْأَهْلِيَّ مِثْلُهُ، وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا حُكْمَ الْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ. (وَصُوفٌ وَوَبَرٌ وَزَغَبُ رِيشٍ وَشَعْرٌ وَلَوْ مِنْ خِنْزِيرٍ إنْ جُزَّتْ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 ابْنُ عَرَفَةَ: الشَّعْرُ وَالصُّوفُ وَالْوَبَرُ مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ أُخِذَ مِنْ غَيْرِ قَلْعٍ مِنْ غَيْرِ مُذَكًّى طَاهِرٌ، وَكَذَا شَعْرُ الْخِنْزِيرِ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ اللَّخْمِيِّ: أَجَازَهُ مَالِكٌ لِلْخَرَّازَةِ انْتَهَى اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: مِنْ غَيْرِ قَلْعٍ وَقَدْ قَالُوا: لَا تَتَهَيَّأُ بِهِ الْخَرَّازَةُ إنْ جُزَّ، وَانْظُرْ زَغَبَ الرِّيشِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَقَصَبَةُ رِيشٍ. (وَالْجَمَادُ وَهُوَ جِسْمٌ غَيْرُ حَيٍّ وَمُنْفَصِلٌ عَنْهُ إلَّا الْمُسْكِرَ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْجَمَادُ غَيْرَ مُنْفَصِلٍ مِنْ حَيَوَانٍ وَلَا مُسْكِرٍ طَاهِرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 (وَالْحَيُّ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْحَيَوَانُ طَاهِرٌ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ " الْخِنْزِيرُ وَالْكَلْبُ نَجَسَانِ " حَمَلَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الْأَكْثَرُ عَلَى سُؤْرِهِمَا، وَرَجَّحَ أَبُو عُمَرَ نَجَاسَةَ غَيْرِ الْخِنْزِيرِ. (وَدَمْعُهُ وَعَرَقُهُ وَلُعَابُهُ وَمُخَاطُهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الدَّمْعُ وَالْعَرَقُ وَالْبُصَاقُ وَالْمُخَاطُ كَلَحْمِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِلُعَابِ الْكَلْبِ يُؤْكَلُ صَيْدُهُ فَكَيْفَ يُكْرَهُ لُعَابُهُ؟ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: عَرَقُ غَيْرِ الْآدَمِيِّ يَتْبَعُ لَحْمَهُ وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِعَرَقِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّوَقِّي مِنْهُ وَانْظُرْ عَرَقَ السَّكْرَانِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: عَلَى طَهَارَتِهِ حُذَّاقُ الْمَذْهَبِ، رَجَّحَ الْمَازِرِيُّ أَيْضًا طَهَارَتَهُ قَالَ التُّونُسِيُّ: كَتَخَلُّلِ الْخَمْرِ (وَبَيْضُهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: بَيْضُ الطَّيْرِ طَاهِرٌ وَبَيْضُ سِبَاعِهِ وَالْحَشَرَاتِ كَلَحْمِهَا. (وَلَوْ أَكَلَ نَجِسًا) ابْنُ الْقَاسِمِ: لَبَنُ الْجَلَّالَةِ طَاهِرٌ اللَّخْمِيِّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَمِثْلُهُ بَيْضُهَا وَلَبَنُ شَارِبَةِ الْخَمْرِ (إلَّا الْمَذِرَ) الصِّحَاحُ: مَذِرَتْ الْبَيْضَةُ فَسَدَتْ اُنْظُرْ فِي الْبُيُوعِ أَنَّ الْبَيْضَ يُرَدُّ لِفَسَادِهِ وَيَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالدَّاءِ وَهَذَا فَرْعُ طَهَارَتِهِ قَالَ اللَّخْمِيِّ: مُرَادُهُمْ بِهَذَا الْبَيْضِ هُنَا الْبَيْضُ الْمَمْدُوقُ لَا الَّذِي هُوَ كَمَيْتَةٍ، وَمِنْ نَحْوِ هَذَا هُوَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ يَغْسِلُ يَدَهُ مِنْ نَتْفِ إبْطِهِ وَكَذَا يَغْسِلُ ثَوْبَهُ إنْ أَصَابَهُ مَاءُ بَيْضٍ لَهُ رِيحٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا الْغُسْلُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِيهِمَا إنَّمَا هُوَ مُسْتَحْسَنٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُرُوءَةِ وَالنَّظَافَةِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَطْلَقَهُ الشَّيْخُ وَعِبَارَةُ الْكَافِي: إذَا وُجِدَ فِي الْبَيْضَةِ فَرْخٌ مَيِّتٌ أَوْ دَمٌ حَرُمَ أَكْلُهَا انْتَهَى اُنْظُرْ قَدْ يَتَّفِقُ أَنْ يُوجَدَ فِي الْبَيْضَةِ نُقْطَةُ دَمٍ قِيلَ: وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَكْلِهَا الْجَرَادَ الذَّخِيرَةُ: فَمُقْتَضَى مُرَاعَاةِ السَّفْحِ فِي الدَّمِ لَا تَكُونُ هَذِهِ الْبَيْضَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 نَجِسَةً وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا بَحْثٌ وَمَا ظَهَرَ غَيْرُهُ. (وَالْخَارِجَ بَعْدَ الْمَوْتِ) مَالِكٌ: الْبَيْضُ يَخْرُجُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا مِنْ مَيْتَةٍ نَجِسٌ. (وَلَبَنُ آدَمِيٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَبَنُ الْآدَمِيِّ طَاهِرٌ (إلَّا الْمَيِّتَ) فِي الرِّسَالَةِ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَبَنُ الْمَرْأَةِ فِي مَوْتِهَا وَحَيَاتِهَا سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ إنْ دَبَّ صَبِيٌّ وَهِيَ مَيْتَةٌ فَرَضَعَهَا وَقَعَتْ بِهِ الْحُرْمَةُ، وَلَا يَحِلُّ اللَّبَنُ فِي ضُرُوعِ الْمَيْتَةِ قِيلَ: فَكَيْفَ أُوقِعَتْ الْحُرْمَةُ بِلَبَنِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَةِ وَلَبَنُهَا لَا يَحِلُّ؟ قَالَ: لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَأَشْرَبَنَّ لَبَنًا فَشَرِبَ لَبَنًا مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ أَوْ شَرِبَ لَبَنَ شَاةٍ مَيْتَةٍ أَنَّهُ حَانِثٌ اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَالْأَظْهَرُ طَهَارَتُهُ ". (وَلَبَنُ غَيْرِهِ تَابِعٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَبَنُ الْخِنْزِيرِ نَجِسٌ وَلَبَنُ الْآدَمِيِّ وَمَأْكُولِ اللَّحْمِ طَاهِرٌ وَالْمَشْهُورُ فِي غَيْرِهِمَا التَّبَعِيَّةُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِلَبَنِ الْحِمَارَةِ ابْنُ رُشْدٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ لَا بَأْسَ بِالتَّدَاوِي بِهِ. (وَبَوْلٌ وَعَذِرَةٌ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 مُبَاحٍ إلَّا الْمُتَغَذِّيَ بِنَجِسٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَعْرُوفُ طَهَارَةُ بَوْلِ مُبَاحِ الْأَكْلِ وَرَوْثِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مِمَّا لَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ. (وَقَيْءٌ إلَّا الْمُتَغَيِّرَ عَنْ الطَّعَامِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْقَيْءُ قَيْآنِ: مَا خَرَجَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَمَا تَغَيَّرَ عَنْ حَالِ الطَّعَامِ فَهُوَ نَجِسٌ وَالْقَلْسُ مَاءٌ حَامِضٌ قَدْ تَغَيَّرَ عَنْ حَالِ الْمَاءِ لَيْسَ بِنَجِسٍ وَلَوْ كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 نَجِسًا مَا قَلَسَ رَبِيعَةُ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: وَرُبَّمَا كَانَ طَعَامًا فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا وَأَصَابَهُ فِي صَلَاتِهِ تَمَادَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا قَطَعَ وَتَمَضْمَضَ وَابْتَدَأَ صَلَاتَهُ، رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ قَارَبَ الْقَيْءُ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ فَهُوَ نَجِسٌ اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا فِي الرُّعَافِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمَنْ ذَرَعَهُ قَيْءٌ ". (وَصَفْرَاءُ وَبَلْغَمٌ وَمَرَارَةُ مُبَاحٍ) الْقَرَافِيُّ: الْمَعِدَةُ عِنْدَنَا طَاهِرَةٌ لِعِلَّةِ الْحَيَاةِ وَكَذَا الْبَلْغَمُ وَالصَّفْرَاءُ وَمَرَارَةُ مَا يُؤْكَلُ كُلُّ لَحْمِهِ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الطِّبِّ أَنَّهُ يَنْصَبُّ إلَى الْمَعِدَةِ عِنْدَ الْجُوعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 الشَّدِيدِ دَمٌ أَحْمَرُ مِنْ الْكَبِدِ فَيُغَذِّيهَا. (وَدَمٌ لَمْ يُسْفَحْ) اللَّخْمِيِّ: إنْ لَمْ يَظْهَرْ الدَّمُ أُكِلَ اتِّفَاقًا كَشَاةٍ شُوِيَتْ قَبْلَ تَقْطِيعِهَا، وَإِذَا قُطِّعَتْ فَظَهَرَ الدَّمُ فَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً: حَرَامٌ وَحَمَلَ الْإِبَاحَةَ فِيهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لِأَنَّ قَطْعَهُ مِنْ الْعُرُوقِ حَرَجٌ وَقَالَ مَرَّةً: حَلَالٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] فَلَوْ قُطِّعَ اللَّحْمُ عَلَى هَذَا بَعْدَ إزَالَةِ الْمَسْفُوحِ لَمْ يَحْرُمْ وَجَازَ أَكْلُهُ بِانْفِرَادِهِ. وَفِي الْقَبَسِ: قَوْلُهُ {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] يَقْتَضِي تَحْلِيلَ مَا خَالَطَ الْعُرُوقَ وَجَرَى عِنْدَ تَقْطِيعِ اللَّحْمِ سَفَحَ هَرَقَ ابْنُ يُونُسَ: الْفَرْقُ بَيْنَ قَلِيلِ الدَّمِ وَكَثِيرِهِ أَنَّ كُلَّ مَا حَرُمَ أَكْلُهُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] فَدَلَّ أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْفُوحًا حَلَالٌ طَاهِرٌ وَذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 لِلضَّرُورَةِ الَّتِي تَلْحَقُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ إذْ لَا يَخْلُو اللَّحْمُ وَإِنْ غُسِلَ أَنْ يَبْقَى فِيهِ دَمٌ يَسِيرٌ، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لَوْ حُرِّمَ قَلِيلُ الدَّمِ لَتَتَبَّعَ النَّاسُ مَا فِي الْعُرُوقِ، وَلَقَدْ كُنَّا نَطْبُخُ اللَّحْمَ وَالْمَرَقَةُ تَعْلُوهَا الصُّفْرَةُ، وَلِذَلِكَ فُرِّقَ بَيْنَ قَلِيلِ الدَّمِ وَبَيْنَ قَلِيلِ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ لِأَنَّ قَلِيلَ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ حَرَامٌ أَكْلُهَا وَشُرْبُهَا. (وَمِسْكٌ وَفَأْرَتُهُ) اللَّخْمِيِّ: اتَّفَقُوا عَلَى طَهَارَةِ الْمِسْكِ وَإِنْ كَانَ خُرَاجَ حَيَوَانٍ لِاتِّصَافِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 بِنَقِيضِ عِلَّةِ النَّجَاسَةِ إسْمَاعِيلُ: فَأْرَةُ الْمِسْكِ مَيْتَةٌ طَاهِرَةٌ الْبَاجِيُّ: إجْمَاعًا لِانْتِقَالِهَا عَنْ الدَّمِ كَالْخَمْرِ لِلْخَلِّ. (وَزَرْعٌ بِنَجِسٍ) ابْنُ يُونُسَ: الْقَمْحُ النَّجِسُ يُزْرَعُ فَيَنْبُتُ هُوَ طَاهِرٌ وَكَذَلِكَ الْمَاءُ النَّجِسُ يُسْقَى بِهِ شَجَرٌ أَوْ بَقْلٌ فَالثَّمَرَةُ وَالْبَقْلُ طَاهِرَتَانِ. (وَخَمْرٌ تَحَجَّرَ) ابْنُ بَشِيرٍ: مَا تَحَجَّرَ بِآنِيَةِ خَمْرٍ كَعَرَقِ السَّكْرَانِ الْمَازِرِيُّ: وَقَعَ اضْطِرَابٌ فِي الطَّرْطَرِ هَلْ هُوَ طَاهِرٌ (أَوْ خُلِّلَ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْخَمْرَ نَجِسَةٌ وَإِذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 تَخَلَّلَتْ مِنْ ذَاتِهَا طَهُرَتْ، ابْنُ زَرْقُونٍ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ تَحْرِيمَ تَخْلِيلِهَا. وَرَوَى أَشْهَبُ الْإِبَاحَةَ، فَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِمَالِكٍ قَوْلَانِ فِي أَكْلِهَا إذَا خُلِّلَتْ مَبْنِيَّانِ عَلَى النَّهْيِ هَلْ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَمْ لَا. (وَالنَّجَسُ مَا اُسْتُثْنِيَ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى كُلِّ مُسْتَثْنًى (وَمَيْتُ غَيْرِ مَا ذُكِرَ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَيْتَةُ بَرِّيٍّ ذِي نَفْسٍ سَائِلَةٍ غَيْرَ إنْسَانٍ كَالْوَزَغِ نَجِسٌ (وَلَوْ قَمْلَةً) ابْنُ بَشِيرٍ: الْبُرْغُوثُ لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً فَلَا يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ إلَّا أَنْ يَجْتَلِبَ دَمًا فَفِيهِ قَوْلَانِ، وَعَلَى هَذَا يَجْرِي قَتْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الْقَمْلَةِ فَلَا تُقْتَلُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا تُلْقَى فِيهِ. وَقَالَ سَحْنُونَ فِي بُرْغُوثٍ وَقَعَ فِي ثَرِيدٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤْكَلَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 يَنْجَسَ إذَا كَانَ فِيهِ دَمٌ الْبُرْزُلِيِّ: اُسْتُخِفَّ ابْنُ عَرَفَةَ جِلْدُ الْقَمْلَةِ. (وَآدَمِيًّا وَالْأَظْهَرُ طَهَارَتُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْ بَنِي آدَمَ لَيْسَ بِنَجِسٍ، وَقَالَهُ سَحْنُونَ وَابْنُ الْقَصَّارِ وَأَخَذَهُ اللَّخْمِيِّ مِنْ قَوْلِهَا يُكْرَهُ وَضْعُ النَّجَاسَةِ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يَنْجَسُ وَأَخَذَهُ اللَّخْمِيِّ مِنْ قَوْلِهَا لَبَنُ الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 نَجِسٌ. (وَمَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ وَمَيِّتٍ مِنْ قَرْنٍ وَعَظْمٍ وَظِلْفٍ وَعَاجٍ وَظُفُرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كُلُّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ بَعْدَ مَوْتِهَا مِثْلُ صُوفِهَا، وَكَرِهَ الْقَرْنَ وَالْعَظْمَ وَالظِّلْفَ وَالسِّنَّ مِنْهَا، وَرَآهُ مَيْتَةً وَكَرِهَ أَخْذَ الْقَرْنِ مِنْهَا فِي الْحَيَاةِ أَيْضًا، وَكَرِهَ الِادِّهَانَ فِي أَنْيَابِ الْفِيلِ وَالْمَشْطَ بِهَا وَالتِّجَارَةَ فِيهَا، وَلَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنْ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَلَا يُوقَدُ بِهَا لِطَعَامٍ وَلَا لِشَرَابٍ ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَفْسُدْ الشَّرَابُ وَالطَّعَامُ إلَّا أَنْ يَشْوِيَ عَلَيْهَا خُبْزًا أَوْ لَحْمًا لِأَنَّ وُدْكَ الْعِظَامِ يُنَجِّسُهُ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُحَرِّمَ مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا أَنَّ السُّنَّةَ خَصَّتْ الِانْتِفَاعَ بِالْجِلْدِ وَبَقِيَ مَا سِوَاهُ عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ، خَلَا أَنَّ مَالِكًا كَرِهَهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ لِلْخِلَافِ ابْنُ الْمَوَّازِ: كَرِهَ مَالِكٌ الْأَدْهَانَ فِي أَنْيَابِ الْفِيلِ وَعِظَامِ الْمَيْتَةِ وَالْمَشْطِ بِهَا وَبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وَلَمْ يُحَرِّمْهُ، لِأَنَّ رَبِيعَةَ وَعُرْوَةَ وَابْنَ شِهَابٍ أَجَازُوا ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ: لَا بَأْسَ بِتِجَارَةِ الْعَاجِ ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ إجَازَتِهِمْ الْمَشْطَ بِهَا قِيَاسًا عَلَى جِلْدِهَا ابْنُ رُشْدٍ: كَرِهَ مَالِكٌ أَخْذَ الْقَرْنِ حَالَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الصُّوفَ فِي أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْمَوْتُ وَلَا يُؤْلِمُ الْبَهِيمَةَ أَخْذُهُ حَالَ الْحَيَاةِ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَمَا قُطِعَ مِنْ طَرَفِ الْقَرْنِ وَالظِّلْفِ مَا لَمْ يُؤْلِمْ الْحَيَّ وَلَا يَنَالُهُ لَحْمٌ وَلَا دَمٌ فَهُوَ حَلَالٌ، أُخِذَ مِنْهَا حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً انْتَهَى وَأَتَى بِهِ ابْنُ يُونُسَ كَأَنَّهُ فِقْهُ مُسْلِمٍ وَلِمَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيِّ قَالَ: وَعَلَى ذَلِكَ يَجْرِي مَا قُصَّ مِنْ الظُّفُرِ إذَا قُطِعَ مِنْ الْأَنَامِلِ الْبُرْزُلِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ صَرَّ أَظْفَارَهُ فِي طَرَفِهِ وَصَلَّى بِهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَظْفَارِهِ نَجَاسَةٌ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَأَنْيَابُ الْفِيلِ كَالْقُرُونِ لَا كَالْعِظَامِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: الْعِظَامُ كُلُّهَا تَطْهُرُ بِالصَّلْقِ وَقَدْ جَعَلَ التُّونُسِيُّ طَرَفَ الْقَرْنِ كَالرِّيشِ. (وَقَصَبِ رِيشٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي رِيشِ الْمَيْتَةِ طُرُقٌ وَرَوَى الْبَاجِيُّ مَا لَهُ سِنْخٌ فِي اللَّحْمِ مِثْلُهُ وَمَا لَا كَالزَّغَبِ طَاهِرٌ ابْنُ عَلَاقٍ: رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يَجُوزُ بَيْعُ رِيشِ الْمَيْتَةِ الَّذِي لَهُ سِنْخٌ يَكُونُ فِيهِ الدَّمُ السِّنْخُ الْأَصْلُ وَأَسْنَاخُ الْأَسْنَانِ أُصُولُهَا، وَسَنَخَ فِي الْعِلْمِ رَسَخَ فِيهِ. (وَجِلْدٍ وَلَوْ دُبِغَ) ابْنُ رُشْدٍ: أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ يُطَهِّرُهُ الدِّبَاغُ فَيُبَاعُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ، وَفِي الصَّلَاةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَالْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ لَا يُطَهِّرُهُ الدِّبَاغُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ دُبِغَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ (وَرُخِّصَ فِيهِ مُطْلَقًا إلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 مِنْ خِنْزِيرٍ بَعْدَ دَبْغِهِ فِي يَابِسٍ وَمَاءٍ) ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ لَا يُطَهِّرُهُ الدِّبَاغُ، إلَّا لِلْمَنَافِعِ دُونَ الصَّلَاةِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ، الْآتِي مِنْهَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الَّذِي يَطْهُرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 بِذَلِكَ جَمِيعُ الْجُلُودِ إلَّا جُلُودَ الدَّوَابِّ وَجُلُودَ الْخِنْزِيرِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الضَّحَايَا وَإِذَا دُبِغَ جِلْدُ الْمَيْتَةِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْيَابِسَاتِ وَالْمَاءِ فَقَطْ. (وَفِيهَا كَرَاهَةُ الْعَاجِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ، وَكَذَا فَسَّرَ ابْنُ يُونُسَ الْمُدَوَّنَةَ قَالَ: كَرِهَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: كَرِهَ مَالِكٌ الْقَرْنَ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: نَابُ الْفِيلِ كَالْقَرْنِ انْتَهَى فَمُقْتَضَى نُصُوصِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْعَاجَ وَأَطْرَافَ الْقُرُونِ وَأَطْرَافَ الْأَظْفَارِ الْأَمْرُ فِيهَا قَرِيبٌ قُصَارَى مَا فِي ذَلِكَ الْكَرَاهَةُ، وَكَذَلِكَ مَا لَهُ سِنْخٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 مِنْ زَغَبِ الرِّيشِ تَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ بِجَوَازِ بَيْعِهِ فَعَلَى هَذَا الْأَمْرُ فِيهِ سَهْلٌ بِالنِّسْبَةِ لِرِيشِ السِّهَامِ فَلَا يَلْزَمُ الرَّامِي نَزْعُ كِنَانَتِهِ عِنْدَ الصَّلَاةِ. (وَالتَّوَقُّفُ فِي الْكِيمَخْتِ) ابْنُ رُشْدٍ: الْكِيمَخْتُ جُلُودُ الْحَمِيرِ وَقِيلَ: جُلُودُ الْخَيْلِ كِلَاهُمَا لَا يُؤْكَلُ عِنْدَ مَالِكٍ فَلَا تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِي لُحُومِهِمَا وَلَا يُطَهِّرُ الدِّبَاغُ جُلُودَهُمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُصَلَّى عَلَى جِلْدِ حِمَارٍ وَإِنْ ذُكِّيَ لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهِ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: وَقَفَ مَالِكٌ عَنْ الْجَوَابِ فِي الْكِيمَخْتِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: اسْتَحَبَّ مَالِكٌ تَرْكَهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ. وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الْعُتْبِيَّةِ: مَا زَالَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِالسُّيُوفِ وَفِيهَا الْكِيمَخْتُ ابْنُ رُشْدٍ: رَأْيُ مَالِكٍ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ بِهِ مِنْ التَّعَمُّقِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي. (وَمَنِيٌّ) أَبُو عُمَرَ: الْمَنِيُّ نَجِسٌ لِمَجْرَى الْبَوْلِ ابْنُ شَاسٍ: وَقِيلَ لِأَصْلِهِ وَعَلَيْهِمَا مَنِيُّ الْمُبَاحِ وَغَيْرُهُ. (وَمَذْيٌ وَوَدْيٌ وَقَيْحٌ وَصَدِيدٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْيُ وَالْوَدْيُ وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 نَجِسٌ. (وَرُطُوبَةُ فَرْجٍ) عِيَاضٌ: مَاءُ الْفَرْجِ وَرُطُوبَتُهُ عِنْدَنَا نَجِسَانِ. (وَدَمٌ مَسْفُوحٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَسْفُوحُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 الدَّمِ نَجِسٌ وَقَالَ عِزُّ الدِّينِ: وَيَجِبُ غَسْلُ مَحَلِّ الذَّكَاةِ بِالْمَاءِ انْتَهَى وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: يَجِبُ أَنْ يَرْفَعَ بِأَنْفِ الْبَهِيمَةِ لِيَخْرُجَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ (وَلَوْ مِنْ سَمَكٍ وَذُبَابٍ) ابْنُ يُونُسَ: الدَّمُ عِنْدَ مَالِكٍ كُلُّهُ سَوَاءٌ دَمُ حَيْضٍ أَوْ سَمَكٍ أَوْ ذُبَابٍ أَوْ غَيْرِهِ، يُغْسَلُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَخَرَّجَ اللَّخْمِيِّ دَمَ مَا لَا نَفْسَ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 سَائِلَةً عَلَى افْتِقَارِهِ لِلذَّكَاةِ وَعَدَمِهِ (وَسَوْدَاءُ) الذَّخِيرَةُ: الدَّمُ وَالسَّوْدَاءُ نَجِسَانِ. (وَرَمَادُ نَجِسٍ وَدُخَانُهُ) اللَّخْمِيِّ: انْعِكَاسُ دُخَانِ الْمَيْتَةِ فِي مَاءٍ أَوْ طَعَامٍ يُنَجِّسُهُ الْمَازِرِيُّ: الدُّخَانُ أَشَدُّ مِنْ الرَّمَادِ ابْنُ رُشْدٍ: الْأَظْهَرُ طَهَارَتُهُمَا لِأَنَّ الْجِسْمَ الْوَاحِدَ تَتَغَيَّرُ أَحْكَامُهُ بِتَغَيُّرِ صِفَاتِهِ، اُنْظُرْ سَمَاعَ سَحْنُونٍ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَالَ أَيْضًا: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَرِهَ دُخَانَ الْمَيْتَةِ مُرَاعَاةً لِمَنْ قَالَ بِنَجَاسَتِهِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَنَا غَيْرُ نَجِسٍ. وَقَالَ التُّونِسِيُّ: رَمَادُ الْمَيْتَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا لِأَنَّهُ كَالْخَمْرِ تَصِيرُ خَلًّا وَإِنْ انْعَكَسَ دُخَانُهَا فِي الْقِدْرِ نَجِسَتْ انْتَهَى اُنْظُرْ الْمُرْتَكَ مِنْ عَظْمِ الْمَيْتَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَجِبُ غَسْلُهُ وَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 ابْنُ حَبِيبٍ، وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَيْسَ بِنَجِسٍ الْبَاجِيُّ: هَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ. (وَبَوْلٌ وَعَذِرَةٌ مِنْ آدَمِيٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُغْسَلُ قَلِيلُ الْبَوْلِ وَكَثِيرُهُ، وَبَوْلُ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ سَوَاءٌ، وَيُغْسَلُ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلَا الطَّعَامَ. (وَمُحَرَّمٌ وَمَكْرُوهٌ) قَالَ ابْنُ عَلَاقٍ: الَّذِي يَحْكِيهِ الْأَشْيَاخُ أَنَّ الْأَبْوَالَ تَابِعَةٌ لِلُّحُومِ وَقَالَ فِي التَّلْقِينِ: بَوْلُ الْمَكْرُوهِ مَكْرُوهٌ وَنَحْوُهُ. قَالَ الْقَاضِي وَاللَّخْمِيُّ انْتَهَى وَكَانَ ابْنُ عَلَاقٍ أَنْكَرَ الْقَوْلَ بِأَنَّ بَوْلَ الْمَكْرُوهِ نَجِسٌ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مُسَاوَاةُ بَوْلِ الْخَيْلِ لِكَثِيرِ الدَّمِ. وَفِي الْمَسَالِكِ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ فِي جِلْدِ الْفَرَسِ أَنَّهُ جِلْدُ حَيَوَانٍ مَكْرُوهٌ لَا مُحَرَّمٌ ابْنُ يُونُسَ. قَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ: إنْ لَمْ تَصِلْ الْفَأْرَةُ لِنَجَاسَةٍ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهَا ابْنُ رُشْدٍ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَوْلُ الْفَأْرَةِ نَجِسًا يُعِيدُ مَنْ صَلَّى بِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يُعِيدُ لِلْخِلَافِ فِي أَكْلِهَا وَلِابْنِ الْحَاجِبِ: مَا بَالَ فِيهِ هِرٌّ وَفَأْرَةٌ مِنْ طَعَامٍ فَيُكْرَهُ أَكْلُهُ كَكَرَاهَةِ لَحْمِهَا إلَّا أَنْ يَأْكُلَا النَّجَاسَةَ ابْنُ حَبِيبٍ: بَوْلُ الْوَطْوَاطِ وَبَعْرُهُ نَجِسٌ الشَّامِلُ: وَقِيلَ: إنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 طَاهِرٌ. (وَيَنْجُسُ كَثِيرُ طَعَامٍ مَائِعٍ بِنَجِسٍ قَلَّ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الطَّعَامَ الْمَائِعَ يَنْجُسُ بِحُلُولِ يَسِيرِ نَجَاسَةٍ قَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ الْبَاجِيُّ: إذَا مَاتَتْ فَأْرَةٌ أَوْ نَحْوُهَا فِي كَثِيرِ زَيْتٍ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ فَقَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُهُ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: سَاوَى مَالِكٌ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْمَائِعِ وَوُجِّهَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ عَلَى الْمَاءِ، وَوَجْهُ التَّفْرِقَةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ، وَانْظُرْ فِي الصَّيْدِ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 كِتَابِ التُّونُسِيِّ قَالَ فِي النُّقْطَةِ مِنْ الْبَوْلِ تَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الطَّعَامِ لَا تَضُرُّ. (كَجَامِدٍ إنْ طَالَ وَأَمْكَنَ السَّرَيَانُ وَإِلَّا فَبِحَسَبِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ كَانَ الْعَسَلُ أَوْ السَّمْنُ يَعْنِي الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ الْفَأْرَةُ جَامِدًا لَطُرِحَتْ الْفَأْرَةُ وَمَا حَوْلَهَا وَأُكِلَ مَا بَقِيَ سَحْنُونَ: إلَّا أَنْ يَطُولَ مُقَامُهَا ابْنُ يُونُسَ: مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 يَذُوبُ فِي خِلَالِ ذَلِكَ فَلْيُطْرَحْ ذَلِكَ كُلُّهُ. (وَلَا يَطْهُرُ زَيْتٌ خُولِطَ وَلَحْمٌ طُبِخَ وَزَيْتُونٌ مُلِّحَ وَبَيْضٌ صُلِقَ بِنَجِسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ مِنْ عَسَلٍ أَوْ سَمْنٍ ذَائِبٍ فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُؤْكَلُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْلَفَ الْعَسَلَ النَّحْلُ وَيُسْتَصْبَحُ بِالزَّيْتِ إنْ تُحُفِّظَ مِنْهُ إلَّا فِي الْمَسَاجِدِ ابْنُ يُونُسَ: وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ إجَازَةُ غَسْلِ الزَّيْتِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِذَلِكَ كَانَ يُفْتِي ابْنُ اللَّبَّادِ بِخِلَافِ شَحْمِ الْمَيْتَةِ، إذْ لَا يُسْتَطَاعُ رَفْعُ نَجَاسَتِهِ، وَالزَّيْتُ يُسْتَطَاعُ رَفْعُ نَجَاسَتِهِ ابْنُ يُونُسَ: فَافْتَرَقَا اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ يُونُسَ: " فَافْتَرَقَا " فَكَأَنَّهُ يُرَشِّحُ جَوَازَ الْغَسْلِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ طَالَتْ إقَامَةُ الْفَأْرَةِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا دُهْنِيَّةٌ فَلَا يَطْهُرُ، فَفَرْقٌ بَيْنَ النَّجَاسَةِ الدُّهْنِيَّةِ وَالنَّجَاسَةِ الْعُضْوِيَّةِ، يُطَهِّرُ الْوَاحِدَةَ الْمَاءُ وَلَا يُطَهِّرُ الْأُخْرَى ابْنُ رُشْدٍ: الْقِيَاسُ جَوَازُ بَيْعِ الزَّيْتِ النَّجِسِ مِمَّنْ لَا يَغُشُّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الَّذِي أَرَى أَنَّ الزَّيْتَ النَّجِسَ يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ فَيَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْكَلُ لَحْمٌ طُبِخَ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَهُ تَطْهِيرُهُ ابْنُ يُونُسَ فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ: يُؤْكَلُ بَعْدَ غَسْلِهِ إنْ وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِيهِ بَعْدَ طَبْخِهِ وَعَزَا ابْنُ رُشْدٍ هَذَا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَرَشَّحَهُ وَقَالَ: هُوَ عَيْنُ الْفِقْهِ. وَقَالَ سَحْنُونَ فِي الزَّيْتُونِ: بِمِلْحٍ فَتَقَعُ فِيهِ النَّجَاسَةُ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ وُقُوعُهَا فِيهِ بَعْدَ طِيبِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ يُونُسَ غَيْرَ هَذَا ابْنُ عَرَفَةَ: رَوَى إسْمَاعِيلُ طَرْحَهُ وَخَرَّجَهُ اللَّخْمِيِّ عَلَى تَطْهِيرِ اللَّحْمِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تُؤْكَلُ بَيْضَةٌ طُبِخَتْ مَعَ أُخْرَى فِيهَا فَرْخٌ لَسَقْيِهَا إيَّاهَا اللَّخْمِيِّ: عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِي تَطْهِيرِ لَحْمٍ طُبِخَ بِمَاءٍ نَجِسٍ يُؤْكَلُ السُّلَيْمَانِيَّةُ قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ صَحِيحَ الْبَيْضِ لَا يَنْفُذُهُ مَائِعٌ انْتَهَى اُنْظُرْ قَدْ رَأَيْت بَيْضًا صَحِيحًا طُبِخَ بِمَاءِ زَعْفَرَانَ فَنَفَذَهُ. (وَفَخَّارٌ بِغَوَّاصٍ) الْبَاجِيُّ: فِي تَطْهِيرِ آنِيَةِ الْخَمْرِ يُطْبَخُ فِيهَا مَاءٌ رِوَايَتَانِ ابْنُ بَشِيرٍ: أَوَانِي الْفَخَّارِ تُسْتَعْمَلُ فِيهَا الْأَشْيَاءُ النَّجِسَةُ الْغَوَّاصَةُ كَالْخَمْرِ هَلْ تَطْهُرُ قَوْلَانِ. وَذَلِكَ خِلَافٌ فِي شَهَادَةٍ تَرْجِعُ إلَى الْحِسِّ وَفِي النَّوَادِرِ: فِي أَوَانِي الْخَمْرِ تُغْسَلُ وَيُنْتَفَعُ بِهَا وَلَا تَضُرُّهَا الرَّائِحَةُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يُنْتَفَعُ بِالزِّقَاقِ، وَأَمَّا الْقِلَالُ فَيُطْبَخُ فِيهَا الْمَاءُ مَرَّتَيْنِ وَتُغْسَلُ مِنْ الذَّخِيرَةِ أَبُو عُمَرَ: لَا بَأْسَ بِالِاسْتِمْتَاعِ بِظُرُوفِ الْخَمْرِ بَعْدَ تَطْهِيرِهَا وَغَسْلِهَا بِالْمَاءِ وَتَنْظِيفِهَا إلَّا أَنَّ الزِّقَاقَ الَّتِي بَالَغَتْهَا الْخَمْرُ وَدَاخَلَتْهَا إنْ عُرِفَ أَنَّ الْغَسْلَ لَا يَبْلُغُ مِنْهَا مَبْلَغَ التَّطْهِيرِ فَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا، اُنْظُرْ فِي النِّكَاحِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " بِقُلَّةِ خَلٍّ فَإِذَا هِيَ خَمْرٌ " اُنْظُرْ تَرْجَمَةَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ مِنْ الْمُنْتَقَى بَيْنَ مُخَالَطَةِ الْخَمْرِ لِلرُّبِّ أَوْ الْخَلِّ فَرْقٌ. وَانْظُرْ الْفَخَّارَ الْمُحَنْتَمَ فِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ إذَا غُسِلَ قِدْرُ الطَّبْخِ مِرَارًا وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ شَيْءٌ وَيُسَخَّنُ فِيهِ الْمَاءُ لِلْغَسْلِ فَالطُّهْرُ بِهِ جَائِزٌ انْتَهَى وَهَذَا فَرْعٌ أَنَّ الْمُحَنْتَمَ يَطْهُرُ، وَانْظُرْ إذَا طُفِيَ السِّكِّينُ فِي الْمَاءِ النَّجِسِ فَقِيلَ: يُطْفَأُ مَرَّةً أُخْرَى فِي الْمَاءِ الطَّاهِرِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَكْفِي غَسْلُهُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يَكْفِي غَسْلُهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ لِأَنَّ السِّكِّينَ لَا تَقْبَلُ أَجْزَاؤُهَا الْمَاءَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 (وَيُنْتَفَعُ بِمُتَنَجِّسٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: يُسْتَصْبَحُ بِالزَّيْتِ النَّجِسِ وَيُعْلَفُ الْعَسَلَ النَّحْلُ. (لَا نَجِسٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: تَخْرِيجُ اللَّخْمِيِّ عَلَى جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالْمُتَنَجِّسِ طَلْيُ السُّفُنِ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ فَاسِدُ الْوَضْعِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ ". وَقَالَ التِّلْمِسَانِيُّ وَغَيْرُهُ: الْقِيَاسُ الْمُقَابِلُ لِلنَّصِّ فَاسِدُ الْوَضْعِ الْأَبْهَرِيُّ: لَا بَأْسَ أَنْ يُوقَدَ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ إذَا تُحُفِّظَ مِنْهُ مُحَمَّدٌ: لَا يَحْمِلُ الْمَيْتَةَ لِكَلْبِهِ وَيَأْتِي بِهِ إلَيْهَا وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الَّذِي تَكُونُ بِهِ الْقُرْحَةُ أَيَغْسِلُهَا بِالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ؟ قَالَ: إذَا نُقِّيَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ بَعْدَ قَلْعِ ذَلِكَ وَإِنِّي لَأَكْرَهُ الْخَمْرَ فِي كُلِّ شَيْءٍ قِيلَ لَهُ: فَالْبَوْلُ عِنْدَك أَخَفُّ؟ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت الَّذِي يَشْرَبُ بَوْلَ الْإِنْسَانِ يَتَدَاوَى بِهِ؟ قَالَ: مَا أَرَى ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا بَأْسَ بِبَوْلِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ أَنْ يُشْرَبَ فَقُلْت لَهُ: كُلُّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُشْرَبُ بَوْلُهُ؟ قَالَ: أَنْتَ قُلْت هَذَا مِنْ عِنْدِك وَلَمْ أَقُلْهَا لَك وَلَكِنَّ أَبْوَالَ الْأَنْعَامِ ابْنُ رُشْدٍ: رَأَى غَسْلَ الْجُرْحِ بِالْبَوْلِ أَخَفَّ مِنْهُ بِالْخَمْرِ وَجَازَ الِانْتِفَاعُ بِالْبَوْلِ فِي غَسْلِ الْجُرْحِ وَشَبَهِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا أَجَازَتْهُ السُّنَّةُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ، وَيَحْرُمُ التَّدَاوِي بِشُرْبِ الْبَوْلِ وَفَرَّقَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ شُرْبِ أَبْوَالِ الْأَنْعَامِ وَبَيْنَ شُرْبِ أَبْوَالِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ غَيْرِهَا، وَالْقِيَاسُ إذَا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ فِي الطَّهَارَةِ أَنْ تَسْتَوِيَ فِي جَوَازِ التَّدَاوِي بِشُرْبِهَا الْبَاجِيُّ: وَقَعَ الْخِلَافُ فِي اسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ خَارِجَ الْبَدَنِ، جَوَّزَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ. وَأَمَّا أَكْلُهُ أَوْ شُرْبُهُ فَيَحْرُمُ فِي الْوَجْهَيْنِ، اُنْظُرْ آخِرَ مَسْأَلَةٍ قَبْلَ كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ الْمُنْتَقَى وَقَالَ أَصْبَغُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا بَأْسَ بِإِطْعَامِ مَا عُجِنَ بِمَاءٍ نَجِسٍ غَيْرِ مُتَغَيِّرٍ رَقِيقَهُ الْكُفَّارَ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يُطْعِمُهُمْ وَلَا يَمْنَعُهُمْ (فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا إلَّا فِي الْمَسَاجِدِ (وَآدَمِيٍّ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ عَزَّ وَابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ لِمَالِكٍ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِالنَّجَاسَةِ خَارِجَ الْبَدَنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 (وَلَا يُصَلَّى بِلِبَاسِ كَافِرٍ بِخِلَافِ نَسْجِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُصَلَّى بِمَا لَبِسَهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ خِفَافٍ حَتَّى تُغْسَلَ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا قَالَ: وَمَا نَسَجُوهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ مَضَى الصَّالِحُونَ عَلَى هَذَا انْتَهَى بَهْرَامَ: قَيَّدَ ابْنُ رُشْدٍ مَا لَبِسَهُ بِمَا إذَا لَمْ يَطُلْ مَغِيبُهُ عَلَيْهِ وَلُبْسُهُ لَهُ وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ نَصُّوا أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 مَا صَنَعُوهُ مِثْلُ الْخِفَافِ فَإِنَّهُ مِثْلُ مَا نَسَجُوهُ، اُنْظُرْ اللَّخْمِيَّ وَانْظُرْ الْفَرْقَ التَّاسِعَ وَالثَّلَاثِينَ وَالْمِائَتَيْنِ تَنْتَفِعُ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ اشْتَرَى ثَوْبًا مَلْبُوسًا مِنْ السُّوقِ فَأَجَابَ: لَهُ الصَّلَاةُ بِهِ إلَّا أَنْ يَسْتَرِيبَ أَمْرًا فَيَغْسِلَهُ، أَوْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ الْغَالِبُ عَلَيْهِ النَّصَارَى أَوْ يَبِيعُهُ شَارِبُ خَمْرٍ وَقَدْ لَبِسَهُ فَيَغْسِلُهُ. مِنْ الْبُرْزُلِيُّ (وَلَا بِمَا يَنَامُ فِيهِ مُصَلٍّ آخَرُ وَلَا بِثِيَابِ غَيْرِ مُصَلٍّ) اللَّخْمِيِّ: مَلْبُوسُ النَّوْمِ وَقَمِيصُ غَيْرِ الْمُصَلِّي نَجِسٌ، أَمَّا مَا يُنَامُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 فِيهِ فَلَا يُصَلِّي فِيهِ حَتَّى يَغْسِلَهُ كَانَ بَائِعُهُ مَنْ كَانَ، لِأَنَّ الشَّأْنَ قِلَّةُ التَّحَفُّظِ لِوُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ، وَأَمَّا مَا يُلْبَسُ فَإِنْ عَلِمَ بَائِعَهُ وَأَنَّهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُصَلِّي لَمْ يُصَلِّ بِهِ، اُنْظُرْ تَرْجَمَةَ بَابِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبِ الْكَافِرِ مِنْ اللَّخْمِيِّ، وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: " نَجَاسَةُ الْجَدِيدِ عَيْبٌ " وَمَعَ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ (إلَّا لِرَأْسِهِ) اللَّخْمِيِّ: لِبَاسُ رَأْسِ غَيْرِ الْمُصَلِّي أَخَفُّ. (وَلَا بِمُحَاذِي فَرْجِ غَيْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 عَالِمٍ) اللَّخْمِيِّ: لِبَاسُ الْوَسَطِ نَجِسٌ لِقِلَّةِ مَنْ يُحْسِنُ الِاسْتِبْرَاءَ قَالَ: وَمَا شَكَّ فِي حَالِ لَابِسِهِ غُسِلَ احْتِيَاطًا قَالَ: وَنَجَاسَةُ الْجَدِيدِ عَيْبٌ. (وَحَرُمَ اسْتِعْمَالُ ذَكَرٍ مُحَلَّى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ لِلصِّبْيَانِ الذُّكُورِ كَمَا كَرِهَهُ لِلرِّجَالِ عِيَاضٌ: هَذِهِ الْكَرَاهَةُ لِلتَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ: كَمَا كَرِهَهُ لِلرِّجَالِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلصِّبْيَانِ عَلَى بَابِهَا فَرْقٌ فِي الْبَيَانِ بَيْنَ تَحْلِيَتِهِمْ وَأَكْلِهِمْ الْمَيْتَةَ الْبَاجِيُّ: يَكْرَهُ ذَلِكَ لِلصِّبْيَانِ دُونَ تَحْرِيمٍ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ ابْنُ يُونُسَ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ إبَاحَةُ لُبْسِ الصِّغَارِ الْأَسْوِرَةَ وَالْخَلَاخِلَ ذَهَبَا وَفِضَّةً وَخَفَّفَ النَّاسُ لَهُمْ لُبْسَ الْحَرِيرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وَالْأَشْبَهُ تَكْلِيفُ الْوَلِيِّ مَنْعَهُمْ ذَلِكَ كَمَا يُتَعَبَّدُ أَنْ تَجِدَ الصَّغِيرَةَ (وَلَوْ مِنْطَقَةً وَآلَةَ حَرْبٍ) ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: لُبْسُ الْفِضَّةِ لِلذُّكُورِ الْبَالِغِينَ حَرَامٌ إلَّا الْخَاتَمَ وَالسَّيْفَ وَالْمُصْحَفَ، وَفِي الْمِنْطَقَةِ خِلَافٌ، وَلِابْنِ شَعْبَانَ: يُزَكِّي مَا حَلَّى بِهِ الدَّرَقَةَ وَالْمِنْطَقَةَ وَجَمِيعَ الْحِرَابِ إلَّا السَّيْفَ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 تُحَلَّى آلَةُ الْحَرْبِ إلَّا السَّيْفُ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا رَابِعُ الْأَقْوَالِ (إلَّا الْمُصْحَفَ وَالسَّيْفَ وَالْأَنْفَ وَرَبْطَ سِنٍّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 مُطْلَقًا) الْبَاجِيُّ: خَصَّ الْمُصْحَفَ بِالْحِلْيَةِ كَمَا خُصَّتْ الْكَعْبَةُ بِالْكُسْوَةِ ابْنُ بَشِيرٍ: وَيُحَلَّى الْمُصْحَفُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا السَّيْفُ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَالْمُوَطَّإِ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَجُوزُ اتِّخَاذُ الْأَنْفِ وَمَا سُدَّ بِهِ مَحَلُّ سِنٍّ سَقَطَتْ وَلَوْ مِنْ ذَهَبٍ. (وَخَاتَمَ فِضَّةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ التَّخَتُّمُ بِالذَّهَبِ إلَّا لِلنِّسَاءِ، وَأَمَّا بِالْفِضَّةِ فَمُبَاحٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِنْ صَحَّ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْخَاتَمِ إلَّا لِذِي سُلْطَانٍ، فَمَعْنَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 لَا يَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَلَا يَجُوزُ التَّخَتُّمُ بِالْحَدِيدِ وَلَا بِالشَّبَهِ، الْجَوْهَرِيُّ: الشَّبَهُ ضَرْبٌ مِنْ النُّحَاسِ أَبُو عُمَرَ: اُخْتُلِفَ فِي خَاتَمِ الْحَدِيدِ وَلُبْسِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ غَيْرَ مُتَّصِلٍ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْإِبَاحَةِ حَتَّى يَثْبُتَ النَّهْيُ. (لَا مَا بَعْضُهُ ذَهَبٌ وَلَوْ قَلَّ) كَرِهَ مَالِكٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْعَلَ فِي فَصِّ خَاتَمِهِ مِسْمَارًا ذَهَبًا أَوْ يَخْلِطَ مَعَ فِضَّةٍ حَبَّتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ لِئَلَّا تَصْدَأَ فِضَّتُهُ ابْنُ رُشْدٍ: الْمِسْمَارُ كَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ مَالِكٌ يَكْرَهُهُ وَغَيْرُهُ يُجِيزُهُ فَمَنْ تَرَكَهُ أُجِرَ وَمَنْ فَعَلَهُ لَمْ يَأْثَمْ، وَأَمَّا خَلْطُ يَسِيرِ الذَّهَبِ فَهُوَ كَالْخَزِّ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَجَازَهُ غَيْرُهُ. (وَإِنَاءُ نَقْدٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: آنِيَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنْ اُتُّخِذَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 لِلِاسْتِعْمَالِ فَجُمْهُورُ الْأَمَةِ عَلَى تَحْرِيمِهَا اللَّخْمِيِّ: وَتُكْسَرُ عَلَى مَالِكِهَا (وَاقْتِنَاؤُهُ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ لِلزِّينَةِ فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ الْبَاجِيُّ: مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا تَقْتَضِي جَوَازَ الِاتِّخَاذِ دُونَ الِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَهَا، وَانْظُرْ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ فِي الزَّكَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَصِيَاغَةً " وَنَحْوُ هَذَا لِابْنِ يُونُسَ فِي تَرْجَمَةِ جَامِعِ مَا يَقَعُ فِي الصَّرْفِ الْمَازِرِيُّ: يُؤْخَذُ جَوَازُ الِاتِّخَاذِ مِنْ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ " ظُهُورُ شَقِّهَا بَعْدَ بَيْعِهَا عَيْبٌ " عَبْدُ الْوَهَّابِ وَعِيَاضٌ عَنْ الْمَذْهَبِ: يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا وَاقْتِنَاؤُهَا انْتَهَى وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى ثِيَابَ الْحَرِيرِ الْمُعَدَّةَ لِلرِّجَالِ فِي نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ جَائِزٌ بَيْعُهَا (وَإِنْ لِامْرَأَةٍ) الْكَافِي: لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُ الْأَوَانِي مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَلَا لِلنِّسَاءِ. (وَفِي الْمَغْشِيِّ وَالْمُمَوَّهِ وَالْمُضَبَّبِ وَذِي الْحَلْقَةِ وَإِنَاءِ الْجَوْهَرِ قَوْلَانِ) ابْنُ سَابِقٍ: لَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 غُشِيَتْ آنِيَةُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِغَيْرِ ذَهَبٍ وَبِغَيْرِ فِضَّةٍ أَوْ كَانَتْ الْآنِيَةُ مِنْ غَيْرِ ذَهَبٍ وَمِنْ غَيْرِ فِضَّةٍ فَمُوِّهَتْ بِذَلِكَ أَوْ فِضَّةٍ فَقَوْلَانِ: قَالَ الْبُرْزُلِيِّ عَلَى قَوْلِ غَيْرِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: إذَا فُرِشَ عَلَى بِسَاطِ الْحَرِيرِ لِحَافُ صُوفٍ أَوْ كَتَّانٌ أَوْ قُطْنٌ أَجْرَيْت ذَلِكَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَغْشِيِّ، وَعَلَى مَسْأَلَةِ إذَا فُرِشَ عَلَى النَّجِسِ ثَوْبٌ طَاهِرٌ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ. وَقَدْ حَكَى لِي شَيْخُنَا الْبَطْرَنِيُّ أَنَّ سَيِّدِي الْمَرْجَانِيَّ كَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْحَائِلِ، وَانْظُرْ فِي النَّوَازِلِ الْمَذْكُورَةِ الْخِلَافَ فِي تَحْلِيَةِ الْأَجَايِزِ بِالذَّهَبِ قَالَ: وَرَأَيْت أَجَايِزَ كَثِيرَةً مُمَوَّهَةً بِالذَّهَبِ وَفِيهَا الْفَوَاصِلُ، كَذَلِكَ وَفِيهَا شَهَادَاتُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا، وَكَذَلِكَ رَأَيْت شُيُوخَنَا يَفْعَلُونَ قَالَ: وَاتَّبَعْنَاهُمْ نَحْنُ اقْتِدَاءً بِهِمْ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ إذْ هِيَ مِنْ اتِّبَاعِ كَتْبِ الْمُصْحَفِ وَتَعْظِيمِهِ وَرَأَيْت خَتِيمَةً بِجَامِعِ الْقَيْرَوَانِ أَدْرَكَتْ زَمَنَ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فَمَنْ بَعْدَهُ مُحْبَسَةً لِلْقِرَاءَةِ مَكْتُوبَةً كُلُّهَا بِالذَّهَبِ مُغَشَّاةً بِالْحَرِيرِ فِي نَحْوِ ثَلَاثِينَ جُزْءًا، وَلَا تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْقُرُونُ عَلَى ضَلَالَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبنِي أَنْ يُشْرَبَ فِي إنَاءٍ إذَا كَانَتْ فِيهِ حَلْقَةُ فِضَّةٍ أَوْ يُضَبَّبُ شُعَبُهُ بِهَا وَكَذَلِكَ الْمِرْآةُ يَكُونُ فِيهَا الْحَلْقَةُ مِنْ الْفِضَّةِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُنْظَرَ فِيهَا الْوَجْهُ حَمَلَ الْبَاجِيُّ قَوْلَ مَالِكٍ: " لَا يُعْجِبُنِي " عَلَى الْمَنْعِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: كُلُّهُ مَكْرُوهٌ ابْنُ رُشْدٍ: التَّضَبُّبُ وَالْحَلْقَةُ كَالْعَلَمِ مِنْ الْحَرِيرِ فِي الثَّوْبِ وَمَالِكٌ يَكْرَهُهُ وَأَجَازَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَجَازَهُ عَلَى قَدْرِ الْأَرْبَعِ أَصَابِعِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْآنِيَةُ مِنْ نَفِيسِ الْجَوْهَرِ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ مِنْ أَوَانِي الذَّهَبِ الْبَاجِيُّ: لَا يَتَعَدَّى التَّحْرِيمُ لَأَوَانِي الْجَوْهَرِ ابْنُ سَابِقٍ: وَتُكْرَهُ لِأَجْلِ السَّرَفِ. (وَجَازَ لِلْمَرْأَةِ الْمَلْبُوسُ مُطْلَقًا) ابْنُ عَرَفَةَ: حُلِيُّ مَلْبُوسِ النِّسَاءِ وَلَوْ ذَهَبًا مُبَاحٌ وَعَنْ ابْنُ يُونُسَ: مَا يَتَّخِذُهُ النِّسَاءُ لِشُعُورِهِنَّ وَأَزْرَارِ جُيُوبِهِنَّ وَأَقْفَالِ ثِيَابِهِنَّ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى لِبَاسِهِنَّ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَلَيْسَ كَمَا يَتَّخِذْنَهُ لِلْمَرَايَا وَأَقْفَالِ الصَّنَادِيقِ وَتَحْلِيَةِ الْمِذَبَّاتِ وَالْأَسِرَّةِ وَالْمُقَرَّمَاتِ وَشَبَهِ ذَلِكَ. (وَلَوْ نَعْلًا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 الْبُرْزُلِيِّ قَالَ أَبُو حَفْصٍ: يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ اتِّخَاذُ نِعَالٍ بِالْفِضَّةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَا يَجُوزُ وَذَلِكَ سَرَفٌ (لَا كَسَرِيرٍ) تَقَدَّمَ مَا لِابْنِ يُونُسَ وَلَيْسَ كَمَا يَتَّخِذْنَهُ لِلْأَسِرَّةِ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ لِبَاسُهَا وَفِرَاشُهَا مِنْ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 [فَصَلِّ فِي إزَالَة النَّجَاسَة] فَصْلٌ (هَلْ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْ ثَوْبِ مُصَلٍّ وَلَوْ طَرَفَ عِمَامَتِهِ وَبَدَنِهِ وَمَكَانِهِ لَا طَرَفَ حَصِيرِهِ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ وَإِلَّا أَعَادَ الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ خِلَافٌ) اُنْظُرْ لَا يَنْبَنِي عَلَى هَذَا حُكْمٌ فِي الْخَارِجِ وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ: " شَرْطُ الصَّلَاةِ طَهَارَةُ حَدَثٍ وَخَبَثٍ " فَانْظُرْهُ مَعَ هَذَا. ابْنُ عَرَفَةَ: إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْ لِبَاسِ الْمُصَلِّي وَمَحَلِّهِ وَجَسَدِهِ. قَالَ الْجَلَّابُ وَابْنُ رُشْدٍ: هِيَ سُنَّةٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اللَّخْمِيِّ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ هِيَ وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ عَالِمًا غَيْرَ مُضْطَرٍّ مُتَعَمِّدًا أَوْ جَاهِلًا أَعَادَ أَبَدًا. وَإِنْ صَلَّى بِهِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِنَجَاسَةٍ أَوْ مُضْطَرًّا إلَى الصَّلَاةِ فِيهِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ. ابْنُ يُونُسَ: حَرَكَةُ طَرَفِ عِمَامَتِهِ النَّجِسِ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّهُ لَابِسُهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: تَعْلِيلُهُ يُوجِبُ اعْتِبَارُهُ سَاكِنًا. ابْنُ الْحَاجِبِ: النَّجَاسَةُ عَلَى طَرَفِ حَصِيرٍ لَا تُمَاسُّ لَا تَضُرُّ عَلَى الْأَصَحِّ. ابْنُ حَبِيبٍ: الْمُعْتَبَرُ مَحَلُّ قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ وَسُجُودِهِ وَمَوْضِعُ كَفَّيْهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ صَلَّى عَلَى مَوْضِعٍ ذِي نَجَاسَةٍ جَفَّتْ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ كَانَتْ تَحْتَ جَبْهَتِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ غَيْرِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 عِيَاضٌ: وَسُقُوطُ طَرَفِ ثَوْبِهِ عَلَى جَافٍّ نَجَاسَةٌ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ لَغْوٌ. الْإِبْيَانِيُّ: مَنْ نَزَعَ نَعْلَهُ لِنَجَاسَةٍ أَسْفَلِهِ وَوَقَفَ عَلَيْهِ جَازَ كَظَهْرِ حَصِيرٍ. وَمِنْ نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ فِي الْمُقَرِّقَةِ الْمُحَفَّظَةِ بِالْقَرْنِ النَّجِسِ إنْ جَلَسَ عَلَيْهَا فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الْحَصِيرِ، فَإِنْ حَرَّكَهَا فَكَأَنَّهُ حَمَلَهَا. وَمِنْهَا أَيْضًا: إذَا تَشَوَّشَ بِمَا يَمْنَعُهُ مِنْ السُّجُودِ أَبْعَدَهُ عَنْهُ وَلَا يَرُدُّهُ مِنْ يَمِينِهِ إلَى يَسَارِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِصَلَاةِ الْمَرِيضِ عَلَى فِرَاشٍ نَجِسٍ إنْ بُسِطَ عَلَيْهِ طَاهِرًا كَثِيفًا. ابْنُ يُونُسَ: خَصَّهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِالْمَرِيضِ وَعَمَّمَهُ بَعْضُهُمْ فِي الصَّحِيحِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ فِي جَسَدِهِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَوَقْتُهُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ اصْفِرَارُ الشَّمْسِ، وَفِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ اللَّيْلُ كُلُّهُ. ابْنُ يُونُسَ: الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابٌ فَأَشْبَهَتْ التَّنَفُّلَ فَكَمَا لَا يَتَنَفَّلُ إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ فَكَذَلِكَ لَا يُعِيدُ فِيهِ مَتَى وَجَبَتْ إعَادَتُهُ فِي الْوَقْتِ، وَكَمَا جَازَ التَّنَفُّلُ اللَّيْلَ كُلَّهُ جَازَتْ الْإِعَادَةُ فِيهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُ ثَوْبٍ نَجِسٍ صَلَّى بِهِ فَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ أَوْ مَاءً يَغْسِلُهُ بِهِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 (وَسُقُوطُهَا فِي صَلَاةٍ مُبْطِلٌ كَذِكْرِهَا فِيهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ عَلِمَ بِنَجَاسَةٍ فِي صَلَاتِهِ قَطَعَ وَفِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ كَانَ مَأْمُومًا الْبَاجِيُّ: وَعَلَى هَذَا قَالَ سَحْنُونَ: إنْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ نَجِسٌ فَسَقَطَ مَكَانَهُ ابْتَدَأَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ رَأَى بِمَحَلِّ سُجُودِهِ نَجَاسَةً بَعْدَ رَفْعِهِ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُتِمُّ صَلَاتَهُ مُتَنَحِّيًا عَنْهُ. وَقُلْت أَنَا: يَقْطَعُ لِقَوْلِهَا مَنْ عَلِمَ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ قَطَعَ وَابْتَدَأَ صَلَاتَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 بِإِقَامَةٍ، وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ صَلَاتِهِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ (لَا قَبْلَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قِيلَ لَهُ: إنْ رَآهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ. زَادَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَنَسِيَ حَتَّى دَخَلَ قَالَ: هُوَ مِثْلُ هَذَا كُلِّهِ يَعْنِي إنْ صَلَّى بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ مَأْمُومًا، وَإِنْ كَانَ إمَامًا اسْتَخْلَفَ، ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ: وَلَوْ رَأَى النَّجَاسَةَ فِي صَلَاتِهِ فَهَمَّ بِالْقَطْعِ فَنَسِيَ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، إلَّا فِي الْوَقْتِ، وَكَذَا لَوْ رَآهَا بَعْدَ صَلَاتِهِ فَهَمَّ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ فَنَسِيَ. وَرَوَى الْأَخَوَانِ: يُعِيدُ أَبَدًا. وَانْظُرْ لَوْ تَرَكَ الْإِعَادَةَ عَمْدًا بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمَعَ ذِكْرِ تَرْتِيبِ حَاضِرَتَيْنِ " (أَوْ كَانَتْ أَسْفَلَ نَعْلٍ فَخَلَعَهَا) الْمَازِرِيُّ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 بَعْضِهِمْ: وَلَوْ عَلِمَ نَجَاسَةً بِنَعْلِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَأَخْرَجَ رِجْلَهُ دُونَ تَحْرِيكِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: " وَسُقُوطُهَا فِي صَلَاةٍ مُبْطِلٌ "، وَكَذَا يَظْهَرُ مِنْ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ هَذَا مُشْكِلٌ، اُنْظُرْهُ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ وَطِئَ عَلَى نَجَاسَةٍ. (وَعُفِيَ عَمَّا يَعْسُرُ) ابْنُ بَشِيرٍ: وَقِسْمٌ يَعْنِي مِنْ النَّجَاسَاتِ لَا يُؤْمَرُ بِإِزَالَتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 إلَّا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ كُلُّ مَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الِانْفِكَاكُ عَنْهَا (كَحَدَثِ مُسْتَنْكِحٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ خَرَجَ مِنْ ذَكَرِهِ بَوْلٌ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ أَوْ مَذْيٌ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ لِبَرْدٍ أَوْ عِلَّةٍ تَوَضَّأَ، إلَّا أَنْ يَسْتَنْكِحَهُ ذَلِكَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ كَالْمُسْتَحَاضَةِ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِبَرْدٍ أَوْ نَحْوِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ خَرَجَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَنْكِحِ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَكُفَّهُ بِخِرْقَةٍ وَيَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ إعْدَادُهُ مَا يَقِيهِ عَنْ ثَوْبِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ السَّلَسُ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 يَنْقَطِعُ عَلَى حَالٍ فَلَا وُضُوءَ قَالَ شَارِحُ التَّهْذِيبِ: أُوجِبُ فِي الْكِتَابِ الْوُضُوءَ مِنْ السَّلَسِ إنْ كَانَتْ مُفَارَقَتُهُ أَكْثَرَ، وَلَمْ يُوجِبْهُ الْعِرَاقِيُّونَ لِأَنَّهُمْ شَرَطُوا فِي الْخَارِجِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ. (وَبَلَلِ بَاسُورٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 فِي يَدٍ إنْ كَثُرَ الرَّدُّ أَوْ ثَوْبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: مَنْ بِهِ بَاسُورٌ يَخْرُجُ فَيَرُدُّهُ بِيَدِهِ عَلَيْهِ غَسْلُهَا إلَّا أَنْ يَكْثُرَ. عِيَاضٌ: هُوَ بِالْبَاءِ تَوَرُّمٌ دَاخِلُ الْمَقْعَدَةِ بِثَآلِيلَ، وَبِالنُّونِ انْفِتَاحُ عُرُوقِهَا الْقِبَابُ وَالثَّوْبُ كَالْيَدِ وَنَحْوِهِ. (وَثَوْبِ مُرْضِعَةٍ) فِي الذَّخِيرَةِ: ثَوْبُ الْمُرْضِعَةِ يُعْفَى عَنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 (تَجْتَهِدُ وَنُدِبَ لَهَا ثَوْبٌ لِلصَّلَاةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أُحِبُّ صَلَاةَ الْأُمِّ فِي ثَوْبٍ لَا تُرْضِعُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ غَسَلَتْ الْبَوْلَ جُهْدَهَا. التُّونِسِيُّ: لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَتَكَرَّرُ فَأَشْبَهَ إذَا كَانَتْ مُسْتَنْكَحَةً. قَالَ شَارِحُ التَّهْذِيبِ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى الْجَزَّارُ وَالْكَنَّافُ. وَانْظُرْ مَنْ شُغْلُهُ فِي الزِّبْلِ النَّجِسِ مُقْتَضَى مَا لِلْبَرْزَلِيِّ أَنَّهُ مِثْلُ الْمُرْضِعِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ: أَنْ يُعِدَّ لِلصَّلَاةِ ثَوْبًا غَيْرَهُ إنْ وَجَدَهُ وَإِلَّا فَلْيُصَلِّ عَلَى حَالِهِ وَلَا يُخْرِجْ الصَّلَاةَ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وَقْتِهَا. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: اُنْظُرْهُ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ عَلِمَ مُؤْتَمُّهُ ". (وَدُونَ دِرْهَمٍ مِنْ دَمٍ مُطْلَقًا) اُنْظُرْ هَذَا بَيْنَ رُؤْيَتِهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَهَا فَرْقٌ، خِلَافًا لِلدَّاوُدِيِّ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُغْسَلُ قَلِيلُ كُلِّ دَمٍ وَلَوْ كَانَ مِنْ ذُبَابٍ إلَّا أَنْ يَرَاهُ فِي صَلَاةٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: مَنْ رَأَى فِي صَلَاتِهِ دَمًا يَسِيرًا فِي ثَوْبِهِ دَمَ حَيْضٍ أَوْ غَيْرَهُ تَمَادَى وَلَوْ نَزَعَهُ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا، وَإِنْ كَثُرَ قَطَعَ وَنَزَعَهُ وَابْتَدَأَ الْفَرِيضَةَ بِإِقَامَةٍ وَإِنْ كَانَ نَافِلَةً قَطَعَ وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ قَدْرَ الْخِنْصَرِ قَلِيلٌ وَرَوَى عَلِيٍّ قَدْرِ الدِّرْهَمِ قَلِيلٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي يَسَارَةِ الدِّرْهَمِ رِوَايَتَا عَلِيٍّ وَابْنِ حَبِيبٍ. (وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ عِنْدَ مَالِكٍ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 (وَبَوْلِ فَرَسٍ لِغَازٍ بِأَرْضِ حَرْبٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَخْفِيفَ بَوْلِ فَرَسِ الْغَازِي يُصِيبُهُ بِأَرْضِ الْحَرْبِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُمْسِكٌ غَيْرُهُ وَيَتَّقِيهِ بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ مَا اسْتَطَاعَ وَدَيْنُ اللَّهِ يُسْرٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَرَكَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَيْدَ بَلَدِ الْحَرْبِ، وَتَرَكَ ابْنُ شَاسٍ قَيْدَ فَقْدِ الْمُمْسِكِ وَكِلَاهُمَا مُتَعَقَّبٌ انْتَهَى. اُنْظُرْ الْمُنْتَقَى فَإِنَّهُ قَالَ: بَوْلُ الدَّوَابِّ وَأَرْوَاثُهَا مَكْرُوهٌ. وَأَمَرَهُ فِي هَذَا السَّمَاعِ بِالتَّوَقِّي إلَّا إنْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ مِنْ مَعِيشَةٍ فِي السَّفَرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 بِالدَّوَابِّ. وَمِنْ أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ سُئِلَ سَحْنُونَ عَنْ بَوْلِ الدَّوَابِّ فِي الزَّرْعِ عِنْدَ دِرَاسِهِ، فَخَفَّفَهُ لِلضَّرُورَةِ كَاَلَّذِي لَا يَجِدُ بُدًّا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَيُمْسِكُ عِنَانَ فَرَسِهِ وَهُوَ قَصِيرٌ فَيَبُولُ فَيُصِيبُهُ بَوْلُهُ، وَخُفِّفَ هَذَا مَعَ الضَّرُورَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ كَمَا خُفِّفَ فِي الْمَشْيِ بِالنَّعْلِ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَا خِلَافَ فِي نَجَاسَتِهِ فَلَا يُخَفَّفُ مَعَ الضَّرُورَةِ. (وَأَثَرِ ذُبَابٍ مِنْ عَذِرَةٍ) سَنَدٌ: يَسِيرُ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ يَعْلَقُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 بِالذُّبَابِ ثُمَّ يَجْلِسُ عَلَى الْمَحَلِّ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. (وَمَوْضِعِ حِجَامَةٍ مُسِحَ فَإِذَا بَرِئَ غُسِلَ وَإِلَّا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَأُوِّلَ بِالنِّسْيَانِ وَبِالْإِطْلَاقِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَغْسِلُ الْمُحْتَجِمُ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ وَلَا يُجْزِئُ مَسْحُهَا فَإِنْ مَسَحَهَا وَصَلَّى أَعَادَ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ أَنْ يَغْسِلَهَا، يُرِيدُ إنْ مَسَحَهَا سَاهِيًا. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: إنْ مَسَحَهَا سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا فَإِنَّمَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ لِلِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَمَّا أَثَرُ الدَّمِ فَإِنَّ مَا فَوْقَ الدِّرْهَمِ مِنْهُ فَهُوَ فِي حَيِّزِ الْيَسِيرِ. (وَكَطِينِ مَطَرٍ وَإِنْ اخْتَلَطَتْ الْعَذِرَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 بِالْمُصِيبِ لَا إنْ غَلَبَتْهُ وَظَاهِرُهَا الْعَفْوُ وَلَا إنْ أَصَابَ عَيْنَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِطِينِ الْمَطَرِ الْمُسْتَنْقَعِ فِي السِّكَكِ وَالطُّرُقِ يُصِيبُ الثَّوْبَ أَوْ الْجَسَدَ وَالْخُفَّ وَالنَّعْلَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْعَذِرَةُ وَسَائِرُ النَّجَاسَاتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وَمَا زَالَتْ الطُّرُقُ وَهَذَا فِيهَا وَكَانُوا يَخُوضُونَ الْمَطَرَ وَطِينَهُ وَيُصَلُّونَ وَلَا يَغْسِلُونَهُ. الشَّيْخُ: مَا لَمْ تَكُنْ النَّجَاسَةُ غَالِبَةً أَوْ عَيْنُهَا قَائِمَةً. ابْنُ بَشِيرٍ: يَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ وَالْخِلَافَ قَالَ: كَمَا لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ وَافْتَقَرَ إلَى الْمَشْيِ فِيهِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ كَثَوْبِ الْمُرْضِعَةِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُعْفَى عَمَّا تَطَايَرَ مِنْ نَجَاسَةِ الطُّرُقِ وَخَفِيَتْ عَيْنُهُ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ. وَقَبِلَهُ الْمَازِرِيُّ، اُنْظُرْ الْفَرْقَ التَّاسِعَ وَالثَّلَاثِينَ وَالْمِائَتَيْنِ مِنْ قَوَاعِدِ شِهَابِ الدِّينِ. ذَكَرَ نَظَائِرَ لِطِينِ الْمَطَرِ قَدَّمَ الشَّرْعُ النَّادِرَ فِيهَا عَلَى الْغَالِبِ رَحْمَةً لِلْعِبَادِ. قَالَ: وَقَدْ غَفَلَ عَنْ هَذَا قَوْمٌ فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ الْوَسْوَاسُ وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ عَلَى قَاعِدَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَهِيَ الْحُكْمُ بِالْغَالِبِ وَهَذَا كَمَا قَالُوا، وَلَكِنَّ الشَّرْعَ أَلْغَى هَذَا ثُمَّ قَالَ: فَمَنْ رَاعَى الْغَالِبَ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ. وَمِمَّا أَلْغَى الشَّرْعُ فِيهِ الْغَالِبَ وَرَاعَى الْأَصْلَ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا سَتْرًا عَلَى الْعِبَادِ وَرَحْمَةً إلْحَاقُ الْوَلَدِ بِالْمُطَلِّقِ، إذَا وَضَعَتْهُ بَعْدَ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ، وَإِذَا أَتَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الدُّخُولِ بِوَلَدٍ، وَمَا يَصْنَعُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَمَا يَصْبُغُونَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَا يَتَحَفَّظُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 النَّجَاسَةِ وَالْبُسُطِ الَّتِي اسْوَدَّتْ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَتْ، وَدَعْوَى الصَّالِحِ عَلَى الْفَاسِقِ دِرْهَمًا، وَالتَّعْمِيرِ بِسَبْعِينَ سَنَةً لِأَنَّ الشُّيُوخَ فِي الْوُجُودِ أَقَلُّ. وَقَدْ أَلْغَى الشَّارِعُ النَّادِرَ وَالْغَالِبَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي شَهَادَةِ ثَلَاثَةٍ بِالزِّنَا وَشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَشَهَادَةِ الْعَدْلِ، كَذَلِكَ وَدَعْوَى السَّرِقَةِ عَلَى الْمُتَّهَمِينَ صَوْنًا لِلْأَعْرَاضِ وَالْأَطْرَافِ وَالْقُرْءِ الْوَاحِدِ فِي الْعِدَّةِ، وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ بَعْدَمَا غَابَ عَنْهَا سِنِينَ الْغَالِبُ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا، وَالنَّادِرُ شَغْلُهُ وَقَدْ أَلْغَاهُمَا صَاحِبُ الشَّرْعِ. (وَذَيْلِ امْرَأَةٍ مُطَالٍ لِلسَّتْرِ وَرَجُلٍ بَلَّتْ يَمُرَّانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 بِنَجَسٍ يَبِسَ بِمَا بَعْدَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَطْهُرُ ذَيْلُ الْمَرْأَةِ تُطِيلُهُ لِلسَّتْرِ مِنْ الْقَشَبِ الْيَابِسِ بِمُرُورِهِ عَلَى طَاهِرٍ، وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ وَطِئَ مَوْضِعًا قَذِرَا جَافًّا لَا بَأْسَ عَلَيْهِ قَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 هَذِهِ الْأُمَّةِ. اللَّخْمِيِّ: لِأَنَّ رَفْعَ رِجْلَيْهِ بِالْخَضِرَةِ يَمْنَعُ اتِّصَالَ النَّجَاسَةِ إلَّا مَا لَا قَدْرَ لَهُ. وَلِابْنِ رُشْدٍ تَعْلِيلٌ آخَرُ وَكَذَلِكَ لِلْبَاجِيِّ وَكَذَلِكَ لِلْمَازِرِيِّ وَكَذَلِكَ لِابْنِ اللَّبَّادِ، كُلُّهَا تَعَالِيلُ يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا كَأَنَّهَا تُشْعِرُ أَنَّهَا عَلَى الْأَصْلِ لَا فِي مَحَلِّ الْعَفْوِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ لَصِقَ ثَوْبَهُ بِجِدَارِ مِرْحَاضٍ إنْ كَانَ يُشْبِهُ الْبَوْلَ غَسَلَهُ، وَإِنْ كَانَ يُشْبِهُ الْغُبَارَ رَشَّهُ. (وَخُفٍّ وَنَعْلٍ مِنْ رَوْثِ دَوَابَّ وَبَوْلِهَا إنْ دُلِكَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ وَطِئَ بِخُفَّيْهِ أَوْ نَعْلَيْهِ عَلَى أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ الرَّطْبِ وَأَبْوَالِهَا دَلَّكَهُ وَصَلَّى بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي نَجَاسَتِهِ بِخِلَافِ الدَّمِ وَالْعَذِرَةِ. (لَا غَيْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَطِئَ بِخُفَّيْهِ أَوْ نَعْلَيْهِ عَلَى دَمٍ أَوْ عَذِرَةٍ أَوْ بَوْلٍ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَغْسِلَهُ. قَالَ مَالِكٌ: أَهْلُ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ أَبْوَالِ الْأَنْعَامِ شَيْئًا وَإِنْ أَصَابَ ثَوْبَهُ لَمْ يَغْسِلْهُ وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ أَبْوَالِ الدَّوَابِّ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ أَنْ يُغْسَلَ. (فَيَخْلَعُهُ الْمَاسِحُ لَا مَاءَ مَعَهُ وَيَتَيَمَّمُ) ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي مُسَافِرٍ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَأَصَابَتْ خُفَّهُ نَجَاسَةٌ وَلَا مَاءَ مَعَهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهَا وَيَتَيَمَّمُ. الْمَازِرِيُّ: وَعَلَى هَذَا، مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا قَدْرَ وَضُوئِهِ أَوْ مَا يَغْسِلُ بِهِ نَجَاسَةً بِغَيْرِ مَحَلِّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 فَإِنَّهُ يَغْسِلُهَا وَيَتَيَمَّمُ، وَجَزَمَ بِهَذَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَائِلًا: إذْ لَا بَدَلَ عَنْ غَسْلِهَا وَعَنْ الْوُضُوءِ بَدَلٌ. (وَاخْتَارَ إلْحَاقَ رِجْلِ الْفَقِيرِ وَفِي غَيْرِهِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَانِ) الْبَاجِيُّ: لَا نَصَّ فِي الرِّجْلِ وَأَرَاهَا كَالْخُفِّ، وَخَرَّجَهَا اللَّخْمِيِّ عَلَى النَّعْلِ وَاخْتَارَ هُوَ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ غَسْلَهَا لِغَيْرِ مَنْ شَقَّ عَلَيْهِ شِرَاءُ نَعْلٍ. (وَوَاقِعٍ عَلَى مَارٍّ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ سَقَطَ عَلَيْهِ مَاءُ السَّقَائِفِ هُوَ فِي سَعَةٍ مَا لَمْ يُوقِنْ بِنَجَاسَةٍ. (وَإِنْ سَأَلَ صُدِّقَ الْمُسْلِمُ) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقَبِلَ خَبَرَ الْوَاحِدِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 (وَكَسَيْفٍ صَقِيلٍ لِإِفْسَادِهِ مِنْ دَمٍ مُبَاحٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ عَلَى مُجَاهِدٍ غَسْلُ دَمِ سَيْفِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِلْعَمَلِ وَسَمِعَ: يَكْفِي مَسْحُ دَمِ السَّيْفِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ صَلَّى بِهِ دُونَهُ لَمْ يُعِدْ فِي الْوَقْتِ. عِيسَى: إنْ كَانَ فِي جِهَادٍ أَوْ صَيْدِ عَيْشِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ عِيسَى تَفْسِيرُ. بَهْرَامُ: مِثْلُ السَّيْفِ الْمُدْيَةُ وَالشَّفْرَةُ مِمَّا يُفْسِدُهُ الْغَسْلُ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ النَّجَاسَةِ شَيْءٌ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَكَطِينِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 مَطَرٍ ". (وَأَثَرِ دُمَّلٍ لَمْ يَنْكَأْ وَنُدِبَ إنْ تَفَاحَشَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُغْسَلُ دَمُ قُرْحَةٍ تَسِيلُ دُونَ إنْكَاءٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وَمُتَفَاحِشُهُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ، فَإِنْ نَكَاهَا يَعْنِي الْقُرُوحَ فَخَرَجَ مِنْهَا دَمٌ أَوْ غَيْرُهُ فَلْيَغْسِلْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ قَطَعَ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ فَلْيَفْتِلْهُ وَلَا يَنْصَرِفُ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ، فَإِنْ انْفَجَرَ دُمَّلُهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا مَضَى فِي صَلَاتِهِ وَإِلَّا قَطَعَ. ابْنُ رُشْدٍ: يَسِيرُهُ مَا يَفْتِلُهُ الرَّاعِفُ. (كَدَمِ بَرَاغِيثَ) بَيْنَ الْبَرَاغِيثِ وَالْقُرْحَةِ فَرْقٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وُجُوبُ غَسْلِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ إذَا تَفَاحَشَ بِخِلَافِ الْقُرْحَةِ. (إلَّا فِي صَلَاةٍ وَيُطَهِّرُ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ بِلَا نِيَّةٍ بِغَسْلِهِ إنْ عُرِفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 إنْ أَصَابَ ثَوْبَهُ نَجَاسَةٌ وَعَلِمَ نَاحِيَتَهَا غَسَلَهَا فَقَطْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي الِاسْتِنْجَاءِ: وَيُجْزِئُ فِعْلُهُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَكَذَلِكَ غَسْلُ الثَّوْبِ النَّجِسِ. (وَإِلَّا فَجَمِيعُ الْمَشْكُوكِ فِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ جَهِلَ مَوْضِعَ نَجَاسَةٍ أَيْقَنَ نَيْلَهَا ثَوْبَهُ غَسَلَهُ. (كَكُمَّيْهِ بِخِلَافِ ثَوْبَيْهِ فَيَتَحَرَّى) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إنْ أَصَابَ أَحَدَ كُمَّيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 نَجَاسَةٌ وَلَمْ يُمَيِّزْهُ تَحَرَّاهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ، إنْ فَصَلَهُمَا جَازَ الِاجْتِهَادُ إجْمَاعًا كَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَحَدِ ثَوْبَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَ هَذَا ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ عَرَفَةَ: وَاَلَّذِي لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ فِي سَفَرٍ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا ثَوْبَانِ أَصَابَتْ أَحَدَهُمَا نَجَاسَةٌ لَا يَدْرِي أَيَّهُمَا هُوَ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ: يُصَلِّي فِي وَاحِدٍ كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ إنْ وُجِدَ طَاهِرًا، وَلَسْت أَنَا أَرَى ذَلِكَ بَلْ يُصَلِّي فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ يُعِيدُ فِي الْآخَرِ مَكَانَهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إنْ وُجِدَ طَاهِرًا. ابْنُ رُشْدٍ: فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى عَلَى أَنْ يُعِيدَ لَمْ يَعْزِمْ فِي صَلَاتِهِ فِيهِ أَنَّهُ فَرَضَهُ وَكَذَلِكَ إذَا أَعَادَهَا فِي الْآخَرِ لَمْ يُخْلِصْ النِّيَّةَ لِلْفَرْضِ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَوَى أَنَّهَا صَلَاتُهُ إنْ كَانَ هَذَا الثَّوْبُ هُوَ الثَّوْبُ الطَّاهِرُ. وَنَحْوُ هَذَا لِابْنِ يُونُسَ فِي جَامِعِ الْقَوْلِ فِي الْإِمَامَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى صَلَاةً عَلَى أَنْ يُعِيدَهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تُجْزِئَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَوْلُ مَالِكٍ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ. وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُصَلِّي فِي أَحَدِهِمَا عَلَى أَنَّهُ فَرْضُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، فَإِنْ وَجَدَ فِي الْوَقْتِ ثَوْبًا يُوقِنُ بِطَهَارَتِهِ أَعَادَ اسْتِحْبَابًا. اُنْظُرْ فِي الذَّخِيرَةِ اعْتِرَاضَهُ عَلَى ابْنِ شَاسٍ. (بِطَهُورٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَحُكْمُ الْخَبَثِ بِالْمُطْلَقِ (مُنْفَصِلٍ كَذَلِكَ) ابْنُ عَرَفَةَ: غُسَالَةُ النَّجَاسَةِ مُتَغَيِّرَةٌ نَجِسَةٌ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَمَغْسُولِهَا وَغَيْرُ مُتَغَيِّرَةٍ طَاهِرَةٌ كَمَغْسُولِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا يَرِدُ بِانْتِقَالِ النَّجَاسَةِ مِنْهَا لَهَا. وَبِمَفْهُومِ الْمُدَوَّنَةِ مَا تُوُضِّئَ بِهِ لَا يُنَجِّسُ ثَوْبًا أَصَابَهُ إنْ كَانَ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ أَوَّلًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 طَاهِرًا. وَفِي الْعَارِضَةِ النَّجَاسَةِ إذَا كَثُرَتْ بِالْمَاءِ كَانَ الْحُكْمُ لِلْمَاءِ لَا لَهَا، فَكَفٌّ مِنْ مَاءٍ أَكْثَرُ مِنْ نُقْطَةٍ مِنْ مَذْيٍ انْتَهَى. وَانْظُرْ أَوَّلَ الْكَافِي لِأَبِي عُمَرَ. (وَلَا يَلْزَمُ عَصْرُهُ) الْعَارِضَةُ: قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَطْهُرُ الثَّوْبُ حَتَّى يُعْصَرَ، وَلَا الْإِنَاءُ حَتَّى يَسْتَقْصِيَ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَةِ عَنْهُ. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: يَطْهُرُ وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ نَجَاسَةٌ كَاثَرَهَا الْمَاءُ فَحُكِمَ بِطَهَارَتِهَا، وَلِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ مِنْ الْمَاءِ عَنْ الْمَحَلِّ جُزْءٌ مِنْ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلُ طَاهِرٌ فَالْمُتَّصِلُ مِثْلُهُ. (مَعَ زَوَالِ طَعْمِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: بَقَاءُ الطَّعْمِ مُعْتَبَرٌ. (لَا لَوْنٍ وَرِيحٍ عَسُرَا) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اللَّوْنُ وَالرِّيحُ إنْ عَسُرَا لَغْوٌ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ إنْ طَهُرَ مَا صُبِغَ بِبَوْلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَتَرْكُ الصَّبْغِ بِهِ أَحَبُّ إلَيَّ. الْكَافِي لَا يَضُرُّ لَوْنُ الدَّمِ إذَا ذَهَبَ عَيْنُهُ وَبَقِيَ أَثَرُهُ. وَلِعِزِّ الدِّينِ: وَلَا يَلْزَمُ فِي إزَالَةِ مَا يَبْقَى مِنْ أَثَرِ النَّجَاسَةِ بِالْعَقَاقِيرِ إذْ لَا يَضُرُّ الْأَثَرُ. قَالَ: وَأَمَّا الْأَدْهَانُ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَإِنْ كَانَتْ غَلِيظَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 جَامِدَةً تَمْنَعُ مُلَاقَاةَ الْمَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ صَحَّتْ الطَّهَارَةُ. (وَالْغُسَالَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ نَجِسَةٌ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: " مُنْفَصِلٌ كَذَلِكَ ". (وَلَوْ زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمُطْلَقِ لَمْ يَتَنَجَّسْ مُلَاقِي مَحَلِّهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ بِمُضَافٍ أَوْ قِلَاعٍ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْجَسُ رَطْبٌ بِمَحَلِّهَا. وَقَالَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 الشَّيْخُ التُّونِسِيُّ وَهُوَ مَعْرُوفٌ قَوْلُ الْقَابِسِيِّ. (وَإِنْ شَكَّ فِي إصَابَتِهَا لِثَوْبٍ وَجَبَ نَضْحُهُ) الْقَبَّابُ: النَّضْحُ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ اسْتِحْبَابٌ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: اشْتِغَالُ عُمَرَ بِالنَّضْحِ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ يَدُلُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 عَلَى وُجُوبِهِ. (وَإِنْ تَرَكَ أَعَادَ الصَّلَاةَ كَالْغَسْلِ) ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ شَكَّ هَلْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَمْ لَا وَصَلَّى نَاسِيًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَعَمْدًا أَوْ جَهْلًا أَعَادَ أَبَدًا. أَبُو عُمَرَ: النَّضْحُ لَا يُطَهِّرُ نَجَاسَةً وَإِنَّمَا هُوَ لِقَطْعِ الْوَسْوَسَةِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فِي النَّضْحِ نُكْتَةٌ بَدِيعَةٌ وَهُوَ أَنَّ الْغَسْلَ شُرِعَ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مَعَ ضَرْبٍ مِنْ التَّعَبُّدِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وَالنَّضْحُ تَعَبُّدٌ مَحْضٌ لِإِزَالَةٍ فِيهِ فَتَرْكُهُ تَرْكُ فَرْضٍ لَا يُؤَثِّرُ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ. (وَهُوَ رَشٌّ بِالْيَدِ) الْقَابِسِيُّ: يَرُشُّ مَوْضِعَ الشَّكِّ بِيَدِهِ رَشَّةً وَاحِدَةً وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ وَإِنْ رَشَّهُ بِفِيهِ أَجْزَأَهُ. عِيَاضٌ: لَعَلَّهُ بَعْدَ غَسْلِ فِيهِ مِنْ بُصَاقِهِ وَإِلَّا كَانَ مُضَافًا. عِيَاضٌ: وَفَائِدَةُ النَّضْحِ إنْ وُجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ بَلَّةٌ فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مِنْ النَّضْحِ فَتَطْمَئِنُّ نَفْسُهُ بِالْمَاءِ. وَفِي الْجَلَّابِ: إنْ شَكَّتْ هَلْ أَصَابَ ثَوْبَهَا شَيْءٌ مِنْ دَمِ حَيْضَتِهَا فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ مَصْبُوغًا نَضَحَتْهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا. أَبُو عُمَرَ: فِي حَدِيثِ مُلَيْكَةَ نُضِحَ الْحَصِيرُ لِشَكِّ نَجَاسَتِهِ إنْ تَطَيَّبَ النَّفْسُ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِي ثَوْبِ الْمُسْلِمِ وَأَرْضِهِ وَجِسْمِهِ الطَّهَارَةُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ بِالنَّجَاسَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَاءُ وَالنَّضْحُ لِمَنْ قَالَ بِهِ قَطْعٌ لِلْوَسْوَسَةِ وَحَزَازَاتِ النَّفْسِ. وَقِيلَ: النَّضْحُ لَا يَزِيدُ إلَّا نَشْرًا (بِلَا نِيَّةٍ) ابْنُ مُحْرِزٍ: وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ. ابْنُ بَشِيرٍ: هُوَ الْقِيَاسُ أَوْ لِأَنَّ النَّضْحَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 تَعَبُّدٌ وَالتَّعَبُّدُ مُفْتَقِرٌ إلَى النِّيَّةِ. (لَا إنْ شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ) الْبَاجِيُّ: وَإِنْ أَصَابَ ثَوْبَهُ شَيْءٌ لَا يَدْرِي أَطَاهِرٌ هُوَ أَمْ نَجِسٌ فَلَيْسَ فِيهِ نَضْحٌ وَلَا غَيْرُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُنْضَحُ. الْقَرَافِيُّ: قِيلَ: لَا نَضْحَ إذَا شَكَّ فِي الْمُصِيبِ لِأَنَّ الِاسْتِقْذَارَ سَبَبٌ وَالْإِصَابَةَ شَرْطٌ، وَتَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِسَبَبِهِ أَقْوَى مِنْ تَعَلُّقِهِ بِشَرْطِهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ السَّبَبِ وُجُودُ الْحُكْمِ بِخِلَافِ الشَّرْطِ، وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ: مَنْ اغْتَسَلَ بِمَاءِ بِئْرٍ مَاتَ فِيهَا قِطٌّ يَنْضَحُ مِنْ ثِيَابِهِ مَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ وَأَعَادَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 غَسْلَهُ وَلَا يُعِيدُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا مَا هُوَ فِي وَقْتِهِ، وَلَا يَأْكُلُ مَا بَقِيَ مِنْ الْخُبْزِ الْمَعْجُونِ بِذَلِكَ الْمَاءِ. (أَوْ فِيهِمَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ شَكَّ فِيهِمَا فَلَا نَضْحَ. وَانْظُرْ لِقَصْدِهِ اسْتِيفَاءَ الْفُرُوعِ نَصَّ عَلَى هَذَا: وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ لَهُ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ فِي الْخِيَارِ: " أَوْ مُنَازَعَةً ". (وَهَلْ الْجَسَدُ كَالثَّوْبِ أَوْ يَجِبُ غَسْلُهُ خِلَافٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ لُزُومُ غَسْلِ الْجَسَدِ، وَلِلْمَازِرِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُنْضَحُ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا خَشِيَ أَنْ يَكُونَ الْمَذْيُ أَصَابَ أُنْثَيَيْهِ غَسَلَهُمَا بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالْحَصِيرِ يَشُكُّ هَلْ أَصَابَهُمَا نَجَاسَةُ تِلْكَ تُنْضَحُ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ يُونُسَ جَعَلَ الْحَصِيرَ كَالثَّوْبِ فَانْظُرْ لَوْ شَكَّ فِي الْبُقْعَةِ هَلْ هِيَ كَالْجَسَدِ أَوْ يُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهَا تُغْسَلُ لِيُسْرِ الِانْتِقَالِ؟ اُنْظُرْ التَّرَدُّدَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 (وَاذَا اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِمُتَنَجِّسٍ أَوْ نَجِسٍ صَلَّى بِعَدَدِ النَّجَسِ وَزِيَادَةِ إنَاءٍ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ يُونُسَ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِلَّا فَبِجَمِيعِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ ". ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَالطُّرْطُوشِيُّ: اشْتِبَاهُ إنَاءِ بَوْلٍ كَمُتَنَجِّسٍ. ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَإِنْ اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِمُتَنَجِّسٍ وَلَا مَاءَ غَيْرَهُمَا تَوَضَّأَ وَصَلَّى بِعَدَدِ النَّجَسِ وَزِيَادَةِ إنَاءٍ وَاحِدٍ. زَادَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: وَيَغْسِلُ أَعْضَاءَهُ مِنْ الثَّانِي. الْبَاجِيُّ: وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْمَاءَ الثَّانِي إذَا غَلَبَ عَلَى آثَارِ الْمَاءِ الْأَوَّلِ فِي الْأَعْضَاءِ صَارَ لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ، فَإِمْرَارُ الْيَدِ مَعَهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يُجْزِئُ مِنْ الْوُضُوءِ بِهِ. التُّونِسِيُّ: خَلْطُ الْمَاءِ بِالسِّدْرِ يُضِيفُهُ وَصَبُّ الْمَاءِ عَلَى الْجَسَدِ بَعْدَ حَكِّهِ بِالسِّدْرِ لَا يُضِيفُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَلَى هَذَا يَطْهُرُ الثَّوْبُ النَّجَسُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ بَعْدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 طَلْيِهِ بِالصَّابُونِ اُنْظُرْ فِيهِ بَحْثَهُ مَعَ اللَّخْمِيِّ وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَالدَّلْكُ ". (وَنُدِبَ غَسْلُ إنَاءِ مَاءٍ وَيُرَاقُ لَا طَعَامٍ وَحَوْضٍ سَبْعًا تَعَبُّدًا بِوُلُوغِ كَلْبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ مِنْ لَبَنٍ أَوْ طَعَامٍ أُكِلَ وَلَا يُغْسَلُ مِنْهُ الْإِنَاءُ، وَإِنْ كَانَ يُغْسَلُ سَبْعًا لِلْحَدِيثِ فَفِي الْمَاءِ وَحْدَهُ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 يُطْرَحُ الْمَاءُ وَيُؤْكَلُ اللَّبَنُ: «وَوَرَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حَوْضٍ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الْكِلَابَ تَلَغُ فِي هَذَا الْحَوْضِ. فَقَالَ: لَهَا مَا أَخَذَتْ فِي بُطُونِهَا وَلَنَا مَا بَقِيَ شَرَابٌ وَطَهُورٌ» . الْبَاجِيُّ وَالْمَازِرِيُّ: وَغَسْلُ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ تَعَبُّدٌ. عِيَاضٌ: طَرَدَ بَعْضُهُمْ الْغَسْلَ حَتَّى إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ (مُطْلَقًا) الْبَاجِيُّ: فِي خُصُوصِ الْغَسْلِ بِالْمَنْهِيِّ عَنْ اتِّخَاذِهِ رِوَايَتَانِ (لَا غَيْرِهِ) فِي التَّفْرِيعِ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 نَفْيُ الْغَسْلِ سَبْعًا مِنْ وُلُوغِ الْخِنْزِيرِ. (عِنْدَ قَصْدِ الِاسْتِعْمَالِ) نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا يُغْسَلُ الْإِنَاءُ عِنْدَ إرَادَةِ اسْتِعْمَالِهِ كَالْوُضُوءِ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ إرَادَةِ الْإِنْسَانِ الصَّلَاةَ وَكَذَلِكَ غَسْلُ سَائِرِ الْأَنْجَاسِ. (بِلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 نِيَّةٍ) الْبَاجِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ: لَا يَفْتَقِرُ غَسْلُ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ لِنِيَّةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ. فِيهِ عَلَى التَّعَبُّدِ نَظَرٌ (وَلَا تَتْرِيبٍ) فِي الصَّحِيحِ «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» . عِيَاضٌ: حُجَّتُنَا أَنَّ التَّعْفِيرَ لَيْسَ فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ. (وَلَا يَتَعَدَّدُ بِوُلُوغِ كَلْبٍ أَوْ كِلَابٍ) الْمَازِرِيُّ: لَا نَصَّ فِي تَكْرَارِ الْغَسْلِ بِتَعَدُّدِ الْكِلَابِ وَالْأَظْهَرُ عَدَمُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 [مَقَاصِد الطَّهَارَة] [بَاب فِي الْوُضُوء] [فَصَلِّ فِي فَرَائِض الْوُضُوء وَسُنَنه وَفَضَائِله] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا قِسْمُ الْمَقَاصِدِ فَفِيهِ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي فُرُوضِ الْوُضُوءِ وَسُنَنِهِ وَفَضَائِلِهِ (فَرَائِضُ الْوُضُوءِ غَسْلُ مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ وَمَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ وَالذَّقَنِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فَرَائِضُ الْوُضُوءِ غَسْلُ الْوَجْهِ وَهُوَ مِنْ مَنْبَتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ حَتَّى الذَّقَنِ وَالْعِذَارَانِ مِنْهُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَكَذَلِكَ الْبَيَاضُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُذُنَيْنِ ابْنُ يُونُسَ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا تَحْتَ ذَقَنِهِ وَلَا مَا تَحْتَ اللَّحْيِ الْأَسْفَلِ مِنْهُ (وَظَاهِرِ اللِّحْيَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَاللِّحْيَةُ مِنْ الْوَجْهِ وَلِيَمُرَّ عَلَيْهَا مِنْ فَضْلِ مَاءِ الْوَجْهِ وَلَا يُجَدِّدُهُ لَهَا، وَعَابَ مَالِكٌ أَنْ يُخَلِّلَهَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 الْوُضُوءِ (فَيَغْسِلُ الْوَتَرَةَ وَأَسَارِيرَ جَبْهَتِهِ وَظَاهِرَ شَفَتَيْهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَ مَارِنِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 وَأَسَارِيرِ جَبْهَتِهِ وَظَاهِرِ شَفَتَيْهِ وَغَائِرِ جَفْنَيْهِ (بِتَخْلِيلِ شَعْرٍ تَظْهَرُ الْبَشَرَةُ تَحْتَهُ) التَّلْقِينُ: خَفِيفُ شَعْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 الْوَجْهِ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ لِبَشْرَتِهِ وَيَسْقُطُ فِي كَثِيفَةٍ (لَا جُرْحًا بَرِئَ أَوْ خُلِقَ غَائِرًا) ابْنُ يُونُسَ: لَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا غَارَ مِنْ جُرْحٍ بَرِئَ عَلَى اسْتِغْوَارٍ كَثِيرٍ أَوْ كَانَ خَلْقًا خُلِقَ بِهِ وَفِي رِسَالَةٍ فِي الْغَسْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وَيُتَابِعُ عُمْقَ سُرَّتِهِ. (وَيَدَيْهِ بِمِرْفَقَيْهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ غَسْلِ الْمِرْفَقَيْنِ انْتَهَى وَانْظُرْ هُنَا مَا لِابْنِ عَرَفَةَ فِي كِتَابِهِ لَمَّا نَقَلَ مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى مِدَادٍ بِيَدِهِ أَجْزَأَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 قَالَ: قَيَّدَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِدِقَّتِهِ وَعَدَمِ تَجَسُّدِهِ إذْ هُوَ مِدَادُ مَنْ مَضَى (وَبَقِيَّةُ مِعْصَمٍ إنْ قُطِعَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُغْسَلُ أَقْطَعُ الْمِرْفَقَيْنِ مَوْضِعَ الْقَطْعِ إذْ قَدْ أَتَى عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ أَقْطَعِ الرِّجْلَيْنِ، إلَّا إنْ عَرَفَ أَنَّهُ بَقِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 مِنْ الْمِرْفَقِ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يُغْسَلُ (كَكَفٍّ بِمَنْكِبٍ) فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ: لَوْ نَبَتَ كَفٌّ فِي عَضُدٍ دُونَ ذِرَاعٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 غُسِلَتْ فَقَطْ (بِتَخْلِيلِ أَصَابِعِهِ) ابْنُ حَارِثٍ: رَجَعَ مَالِكٌ عَنْ إنْكَارِ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ فِي الْوُضُوءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 إلَى وُجُوبِ تَخْلِيلِهَا (لَا إجَالَةُ خَاتَمِهِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أَرَى عَلَى أَحَدٍ أَنْ يُحَرِّكَ خَاتَمَهُ عِنْدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 الْوُضُوءِ. قِيلَ: أَيَسْتَنْجِي بِهِ وَفِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ؟ قَالَ: لَوْ نَزَعَهُ كَانَ أَحْسَنَ وَمَا كَانَ مَنْ مَضَى يَتَحَفَّظُ هَذَا التَّحَفُّظَ فِي مِثْلِ هَذَا وَلَا يَسْأَلُ عَنْهُ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يَدْخُلُ الْخِلَافُ الْمَوْجُودُ فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَقَدْ لَصِقَ بِظُفْرِهِ أَوْ بِذِرَاعِهِ الشَّيْءُ الْيَسِيرَ مِنْ الْعَجِينِ أَوْ الْقِيرَا وَالزِّفْتِ، وَإِنْ كَانَ الْأَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ تَخْفِيفُ ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ أَبَاحَ لِبَاسَ الْخَاتَمِ (وَنُقِضَ غَيْرُهُ) اُنْظُرْ أَنْتَ مَا مُرَادُهُ بِهَذَا، إنْ كَانَ يَعْنِي بِهِ غَيْرَ الشَّيْءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 الْيَسِيرِ مِنْ الْعَجِينِ وَنَحْوِهِ، وَانْظُرْ قَوْلَهُ: " وَنُقِصَ " إنْ كَانَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: " وَبَقِيَّةُ عَصْمٍ "، وَقَدْ أَشَارَ لِهَذَا بَهْرَامَ وَانْظُرْ النَّشَادِرَ قَالَ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحِنَّاءِ قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَكَانَ شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ يَقُولُ: هُوَ حَائِلٌ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ جِسْمُهُ عِنْدَ الْعَجِينِ، وَكَذَا عِنْدَهُ الْحُرْقُوصُ الَّذِي لَا يَزُولُ بِالْمَاءِ بَلْ بِالتَّقْشِيرِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَزُولُ بِالْمَاءِ كَالْحُرْقُوصِ الْمُسَمَّى بِالْغُبَارِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ أَيْضًا: الْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ لِلَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا جَائِزٌ وَلِلْمُعْتَدَّةِ حَرَامٌ، وَلِذَاتِ الزَّوْجِ مُسْتَحَبٌّ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ لِلشَّابَّةِ أَنْ تَدَعَ الْخِضَابَ " مَعْنَاهُ إذَا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذَلِكَ قَصْدًا مِنْهَا لِلتَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ مِنْ رَسْمِ شَكٍّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَحْمِيرُ الْوَجْهِ وَالْخِضَابُ بِالسَّوَادِ وَتَطْرِيفُ الْأَصَابِعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 وَقَالَ عِيَاضٌ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رُخْصَةٌ فِي جَوَازِ النَّمْصِ وَحَفِّ الْمَرْأَةِ جَبِينَهَا لِزَوْجِهَا وَقَالَتْ: أَمِيطِي عَنْك الْأَذَى عِيَاضٌ: وَأَجَازَ مَالِكٌ أَنْ تُوشِي الْمَرْأَةُ يَدَيْهَا بِالْحِنَّاءِ الْمُحَكَّمُ: وَشَاهُ نَقَشَهُ وَحَسَّنَهُ أَبُو عُبَيْدٍ: النَّامِصَةُ الَّتِي تَنْتِفُ الشَّعْرَ مِنْ الْوَجْهِ وَلَمَّا ذَكَرَ عِيَاضٌ الْوَعِيدَ فِي الْوَشْمِ قَالَ: وَهَذَا فِيمَا يَكُونُ بَاقِيًا وَأَمَّا مَا لَا يَكُونُ بَاقِيًا كَالْكُحْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِلنِّسَاءِ، وَكَرِهَ الْكُحْلَ لِلرِّجَالِ وَانْظُرْ قَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَبَقِيَّةُ مِعْصَمٍ إنْ قُطِعَ " مَا لِابْنِ عَرَفَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 (وَمَسْحُ مَا عَلَى الْجُمْجُمَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ مَسْحُ كُلِّ الرَّأْسِ وَمَا طَالَ مِنْ شَعْرِهِ وَهُوَ مِنْ مُلَاحِقِ الْوَجْهِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: آخِرُهُ حَتَّى شَعْرِ الْقَفَا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْجِرَاحِ: مُنْتَهَى الرَّأْسِ الْجُمْجُمَةُ، شَارِحُ التَّهْذِيبِ: عَارَضَ بَعْضُهُمْ مَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ بِمَا فِي كِتَابِ الْجِرَاحِ اللَّخْمِيِّ: الْمَذْهَبُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ الْمَعْلُومُ إلَى آخِرِ الْجُمْجُمَةِ ابْنُ رُشْدٍ: قَدْ قِيلَ: إنَّ مَا طَالَ مِنْ اللِّحْيَةِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ لَا يُغْسَلُ وَلَا يُمْسَحُ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ لَيْسَتْ بِوَجْهٍ، وَلَا شَعْرُ الرَّأْسِ بِرَأْسٍ، وَالْمَعْلُومُ مِنْ الْمَذْهَبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 الْقَوْلُ الْأَوَّلُ (بِعَظْمِ صُدْغَيْهِ) الشَّيْخُ: شَعْرُ الصُّدْغَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ الْبَاجِيُّ: مَعْنَاهُ عِنْدِي مَا فَوْقَ الْعَظْمِ مِنْ الصُّدْغِ مِنْ جِهَةِ الرَّأْسِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ يَحْلِقُهُ الْمُحْرِمُ، وَأَمَّا مَا دُونَهُ فَلَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ (مَعَ الْمُسْتَرْخِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تَمْسَحُ الْمَرْأَةُ مَا اسْتَرْخَى مِنْ شَعْرِهَا نَحْوَ الدَّلَالِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 هَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، اُنْظُرْ غَسْلَ مَا طَالَ مِنْ الظُّفُرِ نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ كَمَا طَالَ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ (وَلَا يَنْقُضُ ضَفْرَهُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 (وَيُدْخِلَانِ يَدَيْهِمَا تَحْتَهُ فِي رَدِّ الْمَسْحِ) ابْنُ يُونُسَ: إنْ كَانَ شَعْرُهَا مَعْقُوصًا مَسَحَتْ عَلَى ضَفْرِهَا وَلَا تَنْقُضُ شَعْرَهَا، وَكَذَلِكَ الطَّوِيلُ الشَّعْرَ مِنْ الرِّجَالِ قَدْ ضَفَّرَهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِ. قَالَ مَالِكٌ: يَمُرُّ بِيَدَيْهِ إلَى قَفَاهُ ثُمَّ يُعِيدُهُمَا مِنْ تَحْتِ شَعْرِهِ إلَى مُقَدِّمِ رَأْسِهِ ابْنُ حَبِيبٍ: فَانٍ كَانَتْ مُسْدَلَةَ الشَّعْرِ أَوْ الضَّفَائِرِ تَمَادَتْ بِيَدَيْهَا إلَى أَطْرَافِهِ ثُمَّ أَدْخَلَتْ يَدَيْهَا مِنْ تَحْتِهِ فَتَرُدُّ يَدَيْهَا إلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهَا وَأَطْرَافِ شَعْرِهَا قَابِضَةً عَلَيْهِ قَالَ: وَإِنْ كَثَّرَتْ شَعْرَهَا بِصُوفٍ أَوْ شَعْرٍ لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تَمْسَحَ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْزِعَهُ إذَا لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 شَعْرِهَا مِنْ أَجْلِهِ. وَقَدْ نَهَى أَنْ تَصِلَ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا بِشَيْءٍ الْمَازِرِيُّ: وَصْلُ الشَّعْرِ عِنْدَنَا مَمْنُوعٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَتَدْلِيسٌ قَالَ مَالِكٌ: الْوَصْلُ بِكُلِّ شَيْءٍ مَمْنُوعٌ وَعِيَاضٌ: وَأَمَّا رَبْطُ نَوَاصِي الْحَرِيرِ الْمُلَوَّنَةِ وَشَبَهِهَا مِمَّا لَا يَنْسُبُهُ الشَّعْرُ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْوَصْلِ وَلَا هُوَ مَقْصِدُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ التَّجَمُّلِ وَالتَّحْسِينِ كَمَا يُشَدُّ مِنْهُ فِي الْأَوَاسِطِ (وَغَسْلُهُ مُجْزِئٌ) ابْنُ شَعْبَانَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 يُجْزِئُ غَسْلُهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اتِّفَاقًا وَحَكَى ابْنُ سَابِقٍ فِي هَذَا خِلَافًا. (وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ غَسْلُ الرَّجُلَيْنِ (بِكَعْبَيْهِ) اللَّخْمِيِّ: الْكَعْبَانِ كَالْمِرْفَقَيْنِ عِيَاضٌ: يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا (النَّاتِئَيْنِ بِمِفْصَلَيْ السَّاقَيْنِ) عِيَاضٌ: الْكَعْبَانِ هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ فِي جَانِبَيْ طَرَفَيْ السَّاقِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْأَصَحُّ لُغَةً وَمَعْنَى قِيلَ يَشْهَدُ لِهَذَا الْحَدِيثِ: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ» قَالَ الرَّاوِي: فَلَقَدْ رَأَيْت الرَّجُلَ يُلْزِقُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ وَالْعُرْقُوبُ مَجْمَعُ مِفْصَلِ السَّاقِ مِنْ الْقَدَمِ وَالْعَقِبُ تَحْتَ الْعُرْقُوبِ (وَنُدِبَ تَخْلِيلُ أَصَابِعِهِمَا) الرِّسَالَةُ: التَّخْلِيلُ أَطْيَبُ لِلنَّفْسِ ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ مُرَغَّبٌ فِيهِ وَأَمَّا فِي الْغُسْلِ فَوَاجِبٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ: يَبْدَأُ فَيُخَلِّلُ خِنْصَرَ الْيُمْنَى ثُمَّ مَا يَلِيهِ وَإِبْهَامَ الْيُسْرَى ثُمَّ مَا يَلِيهِ لِلِابْتِدَاءِ بِالْمَيَامِنِ. (وَلَا يُعِيدُ مَنْ قَلَّمَ ظُفُرَهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ) فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ فَقَلَّمَ أَظْفَارَهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ لَمْ يُعِدْ مَسْحَهُ ابْنُ يُونُسَ: إذْ لَيْسَ الشَّعْرُ مِثْلَ الْخُفَّيْنِ لِأَنَّ الشَّعْرَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ الْبَاجِيُّ: مَسْحُ الشَّعْرِ أَصْلٌ فِي الطَّهَارَةِ وَلَيْسَ بِبَدَلٍ، فَمَنْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ حَلَقَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَسْحِ وَكَانَ أَصْلًا فِي الطَّهَارَةِ كَالْبَشَرَةِ اللَّخْمِيِّ: عَلَى مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ بِضْعَةٌ مِنْ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأَ غَسْلُ مَا ظَهَرَ بَعْدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 ذَلِكَ أَوْ مَسْحُهُ إنْ شَقَّ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ (وَفِي لِحْيَتِهِ قَوْلَانِ) ابْنُ الطَّلَّاعِ: يَجِبُ غَسْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 مَحَلِّ اللِّحْيَةِ لِسُقُوطِهَا ابْنُ الْقَصَّارِ: لَا يَجِبُ. (وَالدَّلْكُ) عِيَاضٌ: الْمَشْهُورُ وُجُوبُ التَّدَلُّكِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 تَجُوزُ الْوَكَالَةُ عَلَى صَبِّ الْمَاءِ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَلَا تَجُوزُ عَلَى عَرْكِهَا إلَّا إنْ كَانَ الْمُتَوَضِّئُ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَانْظُرْ إذَا دَلَكَ إحْدَى رِجْلَيْهِ بِالْأُخْرَى وَلَمْ يُمِرَّ عَلَيْهَا يَدَهُ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: وُجُوبُ التَّدَلُّكِ إنَّمَا هُوَ لِإِيصَالِ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ فَإِذَا بَقِيَ فِي الْمَاءِ زَمَنًا حَتَّى وَصَلَ لِجَمِيعِ جَسَدِهِ أَجْزَأَهُ الْبُرْزُلِيِّ: وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا اخْتَارَهُ الصَّائِغُ أَنَّ الدَّلْكَ وَاجِبٌ لِغَيْرِهِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ وَاجِبٌ لِنَفْسِهِ، اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ بَعْدَ هَذَا أَجْمَعُوا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ لَوْ تَدَلَّكَ الْجُنُبُ أَثَرَ انْغِمَاسِهِ فِي الْمَاءِ أَجْزَاهُ وَارْتَضَاهُ ابْنُ يُونُسَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَهُوَ الصَّحِيحُ بَعْضُ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ: لَوْ كَانَتْ بِجِسْمِهِ نَجَاسَةٌ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهَا لَا تَزُولُ إلَّا بِمُقَارَنَةِ الدَّلْكِ لِلصَّبِّ فَتَبْقَى لَمْعَةٌ وَلِابْنِ رُشْدٍ: أَجْمَعُوا أَنَّ الْجُنُبَ إذَا انْغَمَسَ فِي النَّهْرِ وَتَدَلَّكَ فِيهِ لِلْغُسْلِ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْقُلْ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ إلَيْهِ وَلَا صَبَّهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ وَلَا يَلْزَمُ نَقْلُ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ. (وَهَلْ الْمُوَالَاةُ وَاجِبَةٌ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ وَبَنَى بِنِيَّةٍ إنْ نَسِيَ مُطْلَقًا وَإِنْ عَجَزَ مَا لَمْ يَطُلْ جَفَافُ أَعْضَاءٍ بِزَمَنٍ اعْتَدَلَ أَوْ سُنَّةٌ خِلَافٌ) ابْنُ يُونُسَ: الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُوَالَاةَ مَعَ الذِّكْرِ وَاجِبَةٌ وَلَا يُفْسِدُهُ قَلِيلُ التَّفَرُّقِ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْفَوْرَ سُنَّةٌ فَإِنْ فَرَّقَهُ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَامِدًا أَعَادَ أَبَدًا لِتَهَاوُنِهِ ابْنُ بَشِيرٍ: الْمُوَالَاةُ أَنْ يَفْعَلَ الْوُضُوءَ كُلَّهُ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَقِيَتْ رِجْلَاهُ مِنْ وُضُوئِهِ فَخَاضَ بِهَا نَهْرًا فَدَلَّكَهُمَا فِيهِ بِيَدِهِ وَلَمْ يَنْوِ تَمَامَ وُضُوئِهِ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَنْوِيَهُ ابْنُ يُونُسَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ نَسِيَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ وَظَنَّ أَنَّهُ أَكْمَلَهُ فَلِذَلِكَ احْتَاجَ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ، وَأَمَّا لَوْ تَوَضَّأَ بِقُرْبِ النَّهْرِ ثُمَّ دَخَلَ النَّهْرَ لِغَسْلِ رِجْلَيْهِ فِيهِ لَأَجْزَاهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ تَمَامَ وُضُوئِهِ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ لِكُلِّ عُضْوٍ يَغْسِلُهُ نِيَّةً. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَاسُ النِّيَّةِ فِي خِلَالِ الْغَسْلِ وَلَا قَبْلَ الْغَسْلِ إذَا كَانَ الْأَمْرُ قَرِيبًا وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي دَخَلَ الْحَمَّامَ لِغُسْلِ جَنَابَةٍ فَنَسِيَ ذَلِكَ وَقْتَ الْغُسْلِ: إنَّهُ يُجْزِيهِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ لَمْ يَغْسِلْ مَا تَرَكَ سَهْوًا حِينَ ذَكَرَهُ يُرِيدُ وَطَالَ اسْتَأْنَفَ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ، وَإِنْ قَامَ لِعَجْزِ مَائِهِ وَقَرُبَ وَلَمْ يَجِفَّ بَنَى وَفِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَرَكَ فَرْضًا مِنْ فَرَائِضِ وُضُوئِهِ أَوْ سُنَّةً فَذَكَرَ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ فَعَلَ الْفَرْضَ وَمَا يَلِيهِ وَفَعَلَ السُّنَّةَ وَلَمْ يُعِدْ مَا يَلِيهَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ ذَكَرَ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ قَطَعَ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَلَمْ يُعِدْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، وَسَيَأْتِي هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 (وَنِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ) ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ النِّيَّةُ ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا الْمَازِرِيُّ: عَلَى الْمَشْهُورِ وَهِيَ الْقَصْدُ بِهِ رَفْعُ الْحَدَثِ أَعْنِي بِهِ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا لَا مِنْ جُزْئِيَّتِهِ إنَّمَا هَذَا فِي التَّيَمُّمِ فَلِذَا قَالُوا: لَا يُرْفَعُ الْحَدَثُ (عِنْدَ وَجْهِهِ) الْبَاجِيُّ: مُقْتَضَى قَوْلِ عَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّ مَحَلَّ النِّيَّةِ مِنْ الطَّهَارَةِ فِي أَوَّلِ طُهْرِهِ عِنْدَ التَّلَبُّسِ بِهِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ أَنَّ مَحَلَّهَا عِنْدَ ابْتِدَائِهِ بِفَرْضِ الطَّهَارَةِ ثُمَّ قَالَ أَثْنَاءَ كَلَامِهِ: لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تُفْتَتَحُ بِنَوَافِلِهَا فَلَوْ قَارَنَتْ النِّيَّةُ الْفَرْضَ لَعَرَا غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ عَنْ النِّيَّةِ. (أَوْ الْفَرْضِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ مَمْنُوعٍ) ابْنُ شَاسٍ: كَيْفِيَّةُ النِّيَّةِ أَنْ يَنْوِيَ بِهَا رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ مَا لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِطَهَارَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 أَوْ أَدَاءِ فَرْضِ الْوُضُوءِ الْبَاجِيُّ: إنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ فِعْلٍ بِعَيْنِهِ لَا اسْتِبَاحَةَ جَمِيعِ مَا يُمْنَعُ فَالْمَشْهُورُ إنْ كَانَتْ الطَّهَارَةُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ ذَلِكَ الْمَفْعُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ (وَإِنْ مَعَ تَبَرُّدٍ) الْمَازِرِيُّ: فِي صِحَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 الْوُضُوءِ لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالتَّبَرُّدِ قَوْلَانِ: ابْنُ الْقَاسِمِ: يُجْزِئُ لِلتَّعْمِيمِ وَرَفْعِ الْحَدَثِ. (أَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ الْمُسْتَبَاحِ) ابْنُ الْقَصَّارِ: مَنْ نَوَى بِطَهَارَتِهِ اسْتِبَاحَةَ صَلَاةٍ دُونَ غَيْرِهَا فَتَخَرَّجَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ فِي رَفْضِ نِيَّةِ الطَّهَارَةِ ابْنُ بَشِيرٍ: مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ: أَتَطَهَّرُ لِلظُّهْرِ دُونَ الْعَصْرِ (أَوْ نَسِيَ حَدَثًا) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 تَطَهَّرَتْ لِلْحَيْضَةِ نَاسِيَةً لِلْجَنَابَةِ أَجْزَأَهَا أَبُو الْفَرَجِ: وَكَذَا الْعَكْسُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ نَابَ عَنْ فَرْضٍ ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا صَوَابٌ. قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: لِأَنَّ الْأَحْدَاثَ إذَا كَانَ مُوجِبُهَا وَاحِدًا وَاجْتَمَعَتْ تَدَاخَلَ حُكْمُهَا وَنَابَ مُوجِبُ أَحَدِهَا عَنْ الْآخَرِ كَاجْتِمَاعِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ وَالْمَذْيِ يَنُوبُ عَنْ جَمِيعِهَا وُضُوءٌ وَاحِدٌ وَيُجْزِئُ الْوُضُوءُ لِأَحَدِهَا عَنْ الْجَمِيعِ وَقَوْلُ أَبِي الْفَرَجِ وِفَاقٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الشَّجَّةِ إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ الْوُضُوءِ إنْ غَسَلَهَا بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ يُجْزِئُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَانْظُرْ فِي كِتَابِ الْفُرُوقِ نَظَائِرَ يَتَدَاخَلُ حُكْمُهَا وَيَنُوبُ مُوجِبُ أَحَدِهَا عَنْ الْآخَرِ (لَا أَخْرَجَهُ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ تَعَدَّدَ الْحَدَثُ فَإِنْ نَوَى رَفْعَ وَاحِدٍ مِنْهُ ارْتَفَعَ جَمِيعُهُ، هَذَا إنْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ إلَّا مَا نَوَاهُ فَإِنْ خَطَرَ غَيْرُهُ وَقَصَدَ إلَى رَفْعِ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ فَيَجْرِي ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ دُونَ رَفْعِ الْحَدَثِ، وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ أَنْ يَنْوِيَ أَحَدَ ثَلَاثَةٍ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ امْتِثَالَ الْأَمْرِ أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ فَإِنْ خَطَرَ بِبَالِهِ بَعْضُهَا أَجْزَأَهُ عَنْ جَمِيعِهَا وَلَوْ خَطَرَ جَمِيعُهَا بِبَالِهِ وَقَصَدَ بِطَهَارَتِهِ بَعْضَهَا نَاوِيًا عَدَمَ حُصُولِ الْآخَرِ فَالطَّهَارَةُ بَاطِلَةٌ كَأَنْ يَقُولَ: أَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ وَلَا أَرْفَعُ الْحَدَثَ أَوْ أَمْتَثِلُ أَمْرَ اللَّهِ فِي الْإِيجَابِ وَلَا أَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ. (أَوْ نَوَى مُطْلَقَ الطَّهَارَةِ) الْمَازِرِيُّ: نِيَّةُ التَّطْهِيرِ الْأَعَمِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 مِنْ الْخَبَثِ وَالْحَدَثِ لَغْوٌ (أَوْ اسْتِبَاحَةَ مَا نُدِبَتْ لَهُ) الْبَاجِيُّ: إنْ نَوَى مَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الطَّهَارَةُ مِثْلُ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِدُخُولِ مَسْجِدٍ أَوْ لِقِرَاءَةٍ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، فَحَكَى أَبُو الْفَرَجِ أَنَّهُ يُصَلِّي بِوُضُوءِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يُصَلِّي بِوُضُوءِ النَّوْمِ الْبَاجِيُّ: وَمِثْلُهُ يَلْزَمُ فِي الْوُضُوءِ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَأَلْحَقَ ابْنُ حَبِيبٍ بِذَلِكَ مَنْ تَوَضَّأَ لِيَدْخُلَ عَلَى الْأَمِيرِ، وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يُصَلِّي بِوُضُوءِ الدُّخُولِ عَلَى الْأَمِيرِ اتِّفَاقًا انْتَهَى اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ مَالِكٍ مَنْ تَوَضَّأَ يُرِيدُ الطُّهْرَ لَا الصَّلَاةَ يُصَلِّي بِهِ، وَمَنْ تَوَضَّأَ لِيَكُونَ عَلَى طُهْرٍ أَجْزَأَهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَانْظُرْ أَيْضًا كَلَامَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ لَمَّا ذَكَرَ فِيهِ مَا ذَكَرَ قَالَ: إنَّمَا تَوَضَّأَ لِيَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ فَيَقُولُ فِي النَّوْمِ: أَلْقَى رَبِّي عَلَى طَهَارَةٍ إنْ مِتُّ وَيَقُولُ فِي الدُّخُولِ عَلَى الْأَمِيرِ: لَا أَدْرِي قَدْرَ مَا أَحْتَبِسُ رُبَّمَا تَحِينُ الصَّلَاةُ فَتَجِدُنِي طَاهِرًا وَأَمَّا ذِكْرُ اللَّهِ فَيَقُولُ: لَا أَتَكَلَّمُ بِهِ إلَّا عَلَى طُهْرٍ فَأَيُّ خِلَافٍ يُتَصَوَّرُ فِي هَذَا لَوْلَا الْغَفْلَةُ عَنْ وُجُوهِ النَّظَرِ فَيَبْقَى وُضُوءُ الْمُجَدِّدِ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّهُ لَا يُصَلِّي بِهِ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّهَارَةَ وَالْإِبَاحَةَ، اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى الْإِسْلَامِ (أَوْ قَالَ: إنْ كُنْت أَحْدَثْت فَلَهُ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اغْتَسَلَ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَتْ بِهِ جَنَابَةٌ فَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 لَهَا، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ جَنَابَةً أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ ابْنُ عَرَفَةَ: لَعَلَّ هَذَا فِي الْوَهْمِ لَا الشَّكِّ (أَوْ جَدَّدَ فَتَبَيَّنَ حَدَثُهُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُجَدِّدَ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا لَا يُصَلِّي بِهِ. (أَوْ تَرَكَ لَمْعَةً فَانْغَسَلَتْ بِنِيَّةِ الْفَضْلِ) عَبْدُ الْحَقِّ: مَا زَادَ عَلَى الْفَرْضِ فِي تَكْرَارِ الْوُضُوءِ يَجِبُ أَنْ يُفْعَلَ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ لِتَنُوبَ الثَّانِيَةُ عَمَّا نَقَصَ مِنْ الْأُولَى، فَإِنْ أَتَى بِهِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ تَخْرُجُ عَلَى مَنْ جَدَّدَ فَتَبَيَّنَ حَدَثُهُ الْبَاجِيُّ: الَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ التَّكْرَارُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَإِنَّمَا يُؤْتَى بِنِيَّةِ الْفَرْضِ بِمَنْزِلَةِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ. (أَوْ فَرَّقَ النِّيَّةَ عَلَى الْأَعْضَاءِ) ابْنُ بَشِيرٍ: فِي صِحَّةِ النِّيَّةِ مُفْتَرِقَةً عَلَى الْأَعْضَاءِ قَوْلَانِ: عَلَى طُهْرِ كُلِّ عُضْوٍ بِفِعْلِهِ أَوْ بِالْكُلِّ، سَنَدٌ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ الصِّحَّةِ اهـ اُنْظُرْ فِي ابْنِ عَرَفَةَ الْفَرْقَ بَيْنَ تَفْرِقَةِ النِّيَّةِ عَلَى الْأَعْضَاءِ أَوْ عَلَى رَكَعَاتِ الْفَرْضِ كَإِعْتَاقِ نِصْفِ عَبْدِهِ عَنْ ظِهَارِهِ ثُمَّ بَاقِيهِ عَنْهُ، وَعَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 هَذَا مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَثْنَاءَ غُسْلِهِ إذَا مَرَّ بِيَدِهِ عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ؟ (وَالْأَظْهَرُ فِي الْأَخِيرِ الصِّحَّةُ) اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ " ثُمَّ كَمَّلَ. (وَعُزُوبُهَا بَعْدَهُ وَرَفْضُهَا مُغْتَفَرٌ) بَهْرَامَ أَيْ بَعْدَ مَحِلِّهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ لَا يَضُرُّ اخْتِلَاسُ النِّيَّةِ فِي خِلَالِ الْغُسْلِ أَوْ قَبْلَهُ النُّكَتُ: رَفْضُ النِّيَّةِ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ يُبْطِلهَا بِخِلَافِ رَفْضِهَا أَثْنَاءَ الْوُضُوءِ وَالْحَجِّ فَإِنَّهُ إنْ عَادَ إلَى كَمَالِهَا بِنِيَّةٍ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ قَبْلَ الطُّولِ صَحَّ وُضُوءُهُ وَحَجُّهُ، اُنْظُرْ الْمَسْأَلَةَ التَّاسِعَةَ مِنْ الْأَسْبَابِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ الْأَحْكَامِ مِنْ الْمُوَافَقَاتِ، وَضَعَّفَ الْمَازِرِيُّ وَاللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَوْلَ مَالِكٍ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 مَنْ تَصَنَّعَ لِنَوْمٍ فَلَمْ يَنَمْ تَوَضَّأَ ". قَالَ اللَّخْمِيِّ: عَلَى هَذَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْوَطْءَ فَكَفَّ ابْنُ عَرَفَةَ: يُشَبِّهُ إرَادَةَ الْفِطْرِ أَثْنَاءَ الصَّوْمِ الرَّفْضَ أَثْنَاءَ الْوُضُوءِ لَا بَعْدَهُ. (وَفِي تَقَدُّمِهَا بِيَسِيرٍ خِلَافٌ) سَلَّمَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلَ أَبِي إِسْحَاقَ اخْتِلَاسَ النِّيَّةِ قَبْلَ الْغُسْلِ بِقُرْبٍ لَا يَضُرُّ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: تَقَدُّمُ النِّيَّةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِيَسِيرٍ جَائِزٌ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَصَحَّحَ الْمَازِرِيُّ خِلَافَ هَذَا كُلِّهِ. (وَسُنَنُهُ غَسْلُ يَدَيْهِ أَوَّلًا) ابْنُ يُونُسَ: لَيْسَ لِغَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ نَصٌّ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَسَقَطَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَرْضًا، وَثَبَتَ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةً (ثَلَاثًا) الْكَافِي: يَغْسِلُ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ. وَفِي الرِّسَالَةِ: ثَلَاثَةَ (تَعَبُّدٌ بِمُطْلَقٍ وَنِيَّةٍ) الْبَاجِيُّ: فِي افْتِقَارِ غَسْلِ يَدَيْهِ قَبْلَ دُخُولِهِمَا فِي الْإِنَاءِ لِنِيَّةٍ قَوْلَانِ: عَلَى أَنَّهُ تَعَبُّدٌ أَوْ لِلنَّظَافَةِ فَمَنْ جَعَلَهُمَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ كَابْنِ الْقَاسِمِ اعْتَبَرَ فِيهِمَا النِّيَّةَ، وَمَنْ رَأَى غَسَلَهُمَا لِلنَّظَافَةِ كَأَشْهَبَ فَلَا يَعْتَبِرُ نِيَّةً، وَعَنْ مَالِكٍ مَا يَقْتَضِي الْوَجْهَيْنِ. (وَلَوْ نَظِيفَتَيْنِ أَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَائِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُسَنُّ غَسْلُهُمَا لِلْقَرِيبِ الْعَهْدِ بِغَسْلِهِمَا كَمَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَحْدَثَ أَثْنَاءَ وُضُوئِهِ انْتَهَى اُنْظُرْ هَلْ يُدْخِلُهُمَا فِي هَذَا الْفَرْعِ فِي الْإِنَاءِ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُدْخِلُهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يُفْرِغَ عَلَيْهِمَا الْمَاءَ أَبُو عُمَرَ: مَنْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ وُضُوءَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ نَجَاسَةٌ رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَى أَصْلِهِ، وَكَانَ الصَّحَابَةُ يُدْخِلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الْمَاءِ وَهُمْ جُنُبٌ وَالنِّسَاءُ حُيَّضٌ فَلَا يُفْسِدُ ذَلِكَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَقُرِّبَ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَضُوءُهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا وَنُقِلَ لَهُ: أَمِثْلُكَ يَفْعَلُ هَذَا؟ فَقَالَ: لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ، أَرَأَيْت الْمِهْرَاسَ الَّذِي كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّئُونَ فِيهِ كَيْفَ كَانُوا يَصْنَعُونَ بِهِ؟ أَبُو عُمَرَ: هَذَا عِنْدَنَا عَلَى أَنَّ وُضُوءَهُ ذَلِكَ كَانَ فِي مَطْهَرَةٍ وَشَبَهِهَا مَا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَصُبَّ مِنْهُ عَلَى يَدِهِ فَلِذَلِكَ أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ مِنْ الْمَطَاهِرِ وَيُدْخِلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهَا وَلَا يَغْسِلُونَهَا، وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالْبَرَاءُ وَجَرِيرٌ يَتَوَضَّئُونَ مِنْ الْمَطَاهِرِ الَّتِي يَتَوَضَّأُ مِنْهَا الْعَوَامُّ وَيُدْخِلُونَ أَيْدِيَهُمْ قَبْلَ غَسْلِهَا (مُفْتَرِقَتَيْنِ) ابْنُ رُشْدٍ: سَمَاعُ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ مِثْلُ سَمَاعِ عِيسَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُمَا مُجْتَمَعَتَيْنِ مُسْلِمٌ: فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا الْمَازِرِيُّ: فِيهِ حُجَّةٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي غَسْلِهِمَا مُجْتَمِعَتَيْنِ ابْنُ اللُّبِّيِّ: تَحْدِيدُ غَسْلِهِمَا بِالثَّلَاثِ يَدُلُّ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ أَنَّهُ غَسَلَهُمَا مُجْتَمِعَتَيْنِ أَوْ مُفْتَرِقَتَيْنِ لِأَنَّ كَفَّيْهِ أَعَمُّ وَالْعَامُّ لَا إشْعَارَ لَهُ بِالْأَخَصِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 ابْنُ عَرَفَةَ: فَتَخْرِيجُ الْمَازِرِيِّ غَسْلَهُمَا مُفْتَرِقَتَيْنِ أَوْ مُجْتَمِعَتَيْنِ عَلَى التَّعَبُّدِ أَوْ النَّظَافَةِ قُصُورٌ. (وَمَضْمَضَةٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ الْمَضْمَضَةُ الْقَاضِي: هِيَ إدْخَالُ الْمَاءِ فَاهُ فَيُمَضْمِضُهُ ثُمَّ يَمُجُّهُ ثَلَاثًا (وَاسْتِنْشَاقٌ وَبَالَغَ مُفْطِرٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ الِاسْتِنْشَاقُ وَهُوَ جَذْبُ الْمَاءِ بِأَنْفِهِ وَنَثْرُهُ بِنَفَسِهِ وَيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ ثَلَاثًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 وَيُبَالِغُ غَيْرُ الصَّائِمِ (وَفِعْلُهُمَا بِسِتٍّ أَفْضَلُ وَجَازَا أَوْ إحْدَاهُمَا بِغُرْفَةٍ) الرِّسَالَةُ: يُمَضْمِضُ فَاهُ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ شَاءَ أَوْ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ ثُمَّ قَالَ: وَيُجْزِئُهُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثٍ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَلَهُ جَمْعُ ذَلِكَ فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ وَالنِّهَايَةُ أَحْسَنُ وَقَيَّدَ ابْنُ رُشْدٍ الْغَرْفَةَ الْوَاحِدَةَ إذَا قَدَرَ أَنْ يُمْسِكَ مِنْ الْمَاءِ بِكَفِّهِ مَا يَكْفِيهِ لِذَلِكَ قَالَ: وَالِاخْتِيَارُ لِلَّخْمِيِّ أَنْ يَأْخُذَ غَرْفَةً فَيُمَضْمِضُ بِهَا وَيَسْتَنْثِرُ ثُمَّ أُخْرَى كَذَلِكَ ثُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 أُخْرَى كَذَلِكَ (وَاسْتِنْثَارٌ) عِيَاضٌ: الِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ عِنْدَنَا سُنَّتَانِ، وَعَدَّهُمَا بَعْضُ شُيُوخِنَا سُنَّةً وَاحِدَةً، وَأَنْكَرَ مَالِكٌ تَرْكَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ عِنْدَهُ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ بِوَضْعِ يَدِهِ يَدْفَعُ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ مَعَ الْمَاءِ الَّذِي اسْتَنْشَقَهُ مِنْ أَنْ يَسِيلَ عَلَى فِيهِ أَوْ لِحْيَتِهِ. (وَمَسْحُ وَجْهَيْ كُلِّ أُذُنٍ) اُنْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 الصِّمَاخَ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْحَاوِي فَقَالَ: وَمَسْحُ وَجْهَيْ الْأُذُنَيْنِ وَالصِّمَاخِ انْتَهَى وَمَذْهَبُنَا نَحْنُ كَذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا سَقَطَ مِنْ الْأَصْلِ وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ: ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا ابْنُ عَبَّاسٍ: بَاطِنَهُمَا بِالسَّبَّابَةِ وَظَاهِرَهُمَا بِالْإِبْهَامِ اللَّخْمِيِّ: مَسْحُ الصِّمَاخَيْنِ سُنَّةٌ اتِّفَاقًا ابْنُ يُونُسَ: مَسْحُ دَاخِلِ الْأُذُنَيْنِ سُنَّةٌ وَمَسْحُ ظَاهِرِهِمَا قِيلَ: فَرْضٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ (وَتَجْدِيدُ مَائِهِمَا) ابْنُ يُونُسَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 تَجْدِيدُ الْمَاءِ لِمَسْحِ أُذُنَيْهِ سُنَّةٌ. (وَرَدُّ مَسْحِ رَأْسِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ رَدُّ الْيَدَيْنِ مِنْ مُنْتَهَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 الْمَسْحِ لِمَبْدَئِهِ. (وَتَرْتِيبُ فَرَائِضِهِ فَيُعَادُ الْمُنَكَّسُ وَحْدَهُ إنْ بَعُدَ بِجَفَافٍ وَإِلَّا مَعَ تَابِعِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 أَنَّ تَرْتِيبَ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ سُنَّةٌ ابْنُ يُونُسَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ: إنْ نَكَّسَ عَامِدًا أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ أَبَدًا لِأَنَّهُ عَابِثٌ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ نَكَّسَ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ أَعَادَ الْمُقَدَّمَ وَمَا بَعْدَهُ وَلَوْ كَانَ نَاسِيًا، فَإِنْ جَفَّ الْوُضُوءُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 فَفِيهَا لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ، ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُعِيدُ النَّاسِي مَا قَدَّمَ فَقَطْ. (وَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا أَتَى بِهِ وَبِالصَّلَاةِ وَسُنَّةً فَعَلَهَا لِمَا يُسْتَقْبَلُ) الرِّسَالَةُ: وَمَنْ ذَكَرَ مِنْ وُضُوئِهِ شَيْئًا مِمَّا هُوَ فَرِيضَةٌ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ بِالْقُرْبِ أَعَادَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 ذَلِكَ وَمَا يَلِيه، وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ أَعَادَهُ فَقَطْ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ، وَإِنْ ذَكَرَ مِثْلَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَمَسْحَ الْأُذُنَيْنِ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعِدْ مَا بَعْدَهُ، وَإِنْ تَطَاوَلَ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَا يُسْتَقْبَلُ وَلَمْ يُعِدْ مَا صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ. (وَفَضَائِلُهُ مَوْضِعٌ طَاهِرٌ) عَدَّ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ يُونُسَ مِنْ الْفَضَائِلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 أَنْ لَا يَتَوَضَّأَ فِي الْخَلَاءِ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي وُضُوئِهِ. (وَقِلَّةُ مَاءٍ بِلَا حَدٍّ كَالْغُسْلِ) الْبَاجِيُّ: أَقَلُّ مَاءِ الْوُضُوءِ مُدٌّ وَالْغُسْلِ صَاعٌ عِيَاضٌ: الْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّحْدِيدِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِمَا انْتَضَحَ مِنْ غُسْلِ الْجُنُبِ فِي إنَائِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ النَّاسُ الِامْتِنَاعَ مِنْ هَذَا وَلَيْسَ النَّاسُ فِيمَا يَكْفِيهِمْ مِنْ الْمَاءِ سَوَاءً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 (وَتَيَمُّنُ أَعْضَاءٍ وَإِنَاءٍ إنْ فُتِحَ) ابْنُ يُونُسَ: مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَيَامِنِ وَأَنْ يَضَعَ الْإِنَاءَ عَنْ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِنَقْلِ الْمَاءِ إلَى الْأَعْضَاءِ عِيَاضٌ: اخْتَارَ أَهْلُ الْعِلْمِ مَا ضَاقَ عَنْ إدْخَالِ الْيَدِ فِيهِ وُضِعَ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 الْيَسَارِ. (وَبَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ) ابْنُ يُونُسَ: الْبَدْءُ بِمُقَدَّمِ الرَّأْسِ ذَاهِبًا لِقَفَاهُ فَضِيلَةٌ. (وَشَفْعُ غَسْلِهِ وَتَثْلِيثُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وَهَلْ الرِّجْلَانِ كَذَلِكَ أَوْ الْمَطْلُوبُ الْإِنْقَاءُ وَهَلْ تُكْرَهُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ خِلَافٌ) قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ الْوَاحِدَةَ إلَّا مِنْ الْعَالِمِ بِالْوُضُوءِ، وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُنْقَصَ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَلَا يُزَادَ عَلَى الثَّلَاثِ وَلَا يُزَادَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْوَاحِدَةِ، وَأَمَّا غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ فَلَا حَدَّ فِي غَسْلِهِمَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَاهَدَ عَقِبَيْهِ انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ وَنَحْوُهُ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ الْمَعْرُوفُ عَدَمُ تَكْرَارِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إنْقَاؤُهُمَا خِلَافُ نَصِّ الرِّسَالَةِ وَظَاهِرُ غَيْرِهَا وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الرَّابِعَةُ مَمْنُوعَةٌ إجْمَاعًا ابْنُ رُشْدٍ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 الرَّابِعَةُ مَكْرُوهَةٌ. (وَتَرْتِيبُ سُنَنِهِ أَوْ مَعَ فَرَائِضِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: تَرْتِيبُ الْمَسْنُونِ مَعَ الْمَفْرُوضِ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ فِي الْمُوَطَّأِ: مَنْ غَسَلَ وَجْهَهُ قَبْلَ مَضْمَضَتِهِ لَمْ يُعِدْ غَسْلَهُ. (وَسِوَاكٌ) ابْنُ يُونُسَ السِّوَاكُ فَضِيلَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ بِالْيُمْنَى أَوْلَى الشَّارْمَسَاحِيُّ: هُوَ بِالْيَسَارِ أَوْلَى كَالِامْتِخَاطِ وَرَوَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِقَضْبِ الشَّجَرِ وَأَفْضَلُهَا الْأَرَاكُ، وَضَعُفَ قَوْلُ مَنْ كَرِهَهُ بِذِي صَبْغٍ لِلتَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ ابْنُ عَرَفَةَ: كَرِهَهُ أَيْضًا مَالِكٌ لِذَلِكَ، وَكَرِهَهُ ابْنُ حَبِيبٍ بِعُودِ الرُّمَّانِ وَالرَّيْحَانِ (وَإِنْ بِإِصْبَعٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاكًا فَأُصْبُعُهُ تُجْزِئُ (كَصَلَاةٍ بَعُدَتْ مِنْهُ) اللَّخْمِيِّ: يُسْتَحْسَنُ إذَا بَعُدَ مَا بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 يَسْتَاكَ عِنْدَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى وَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ تِلْكَ أَنْ يُعِيدَهُ لِلثَّانِيَةِ. (وَتَسْمِيَةٌ) رَوَى عَلِيٌّ: أَنْكَرَ مَالِكٌ التَّسْمِيَةَ عَلَى الْوُضُوءِ وَقَالَ: مَا سَمِعْت بِهَذَا أَيُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَ أَبُو عُمَرَ يُسْتَحَبُّ ذِكْرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 اسْمِ اللَّهِ عَلَى كُلِّ وُضُوءٍ وَذِكْرُ اللَّهِ حَسَنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ (وَتُشْرَعُ فِي غُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَزَكَاةٍ وَرُكُوبِ دَابَّةٍ وَسَفِينَةٍ وَدُخُولٍ وَضِدِّهِ لِمَنْزِلٍ وَمَسْجِدٍ وَلُبْسٍ وَغَلْقِ بَابٍ وَإِطْفَاءِ مِصْبَاحٍ وَوَطْءٍ وَصُعُودِ خَطِيبٍ مِنْبَرًا وَتَغْمِيضِ مَيِّتٍ وَلَحْدِهِ) قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَتُشْرَعُ فِي طَهَارَةٍ وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَزَكَاةٍ وَرُكُوبِ دَابَّةٍ وَسَفِينَةٍ وَدُخُولِ مَسْجِدٍ وَمَنْزِلٍ وَخُرُوجٍ مِنْهُمَا وَلُبْسِ ثَوْبٍ وَنَزْعِهِ وَغَلْقِ بَابٍ وَإِطْفَاءِ مِصْبَاحٍ وَوَطْءٍ مُبَاحٍ وَصُعُودِ خَطِيبٍ مِنْبَرًا وَتَغْمِيضِ مَيِّتٍ وَوَضْعِهِ بِلَحْدِهِ وَابْتِدَاءِ طَوَافٍ وَتِلَاوَةٍ وَنَوْمٍ قَالَ: وَلَا تُشْرَعُ فِي حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَذَانٍ وَذِكْرٍ وَصَلَاةٍ وَدُعَاءٍ، وَتُكْرَهُ فِي فِعْلِ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ، وَانْظُرْ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ الْقَرَافِيُّ أَنَّهُ عَسُرَ عَلَى الْفُضَلَاءِ مَا تُشْرَعُ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ قِيلَ: لَا تُشْرَعُ فِي ذِكْرٍ لِأَنَّهُ بَرَكَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَأَوْرَدَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْبَرَكَاتِ رَاجِعْهُ فِيهِ. (وَلَا تُنْدَبُ إطَالَةُ الْغُرَّةِ) كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أُحِبُّ أَنْ أُطِيلَ غُرَّتِي قَالَ عِيَاضٌ: وَالنَّاسُ مُجْمِعُونَ عَلَى خِلَافِهِ النَّوَوِيُّ: لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ أَصْحَابُنَا مُجْمِعُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي يَجِبُ غَسْلُهُ لِاسْتِيفَاءِ كَمَالِ الْوَجْهِ. (وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ) اللَّخْمِيِّ: يُكْرَهُ مَسْحُ الرَّقَبَةِ. (وَتَرْكُ مَسْحِ الْأَعْضَاءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِالْمَسْحِ بِالْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَرَوَاهُ عَلِيٌّ قَبْلَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَإِنِّي لَأَفْعَلُهُ. (وَإِنْ شَكَّ فِي ثَالِثَةٍ فَفِي كَرَاهَتِهَا قَوْلَانِ قَالَ كَشَكِّهِ فِي صَوْمِ يَوْمَ عَرَفَةَ هَلْ هُوَ الْعِيدُ) الْمَازِرِيُّ: لَوْ شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ فَقَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِ الْعَدَمِ وَتَرْجِيحِ السَّلَامَةِ مِنْ مَمْنُوعٍ عَلَى تَحْصِيلِ فَضِيلَةٍ قَالَ: وَعَلَيْهِمَا صَوْمُ مَنْ شَكَّ فِي كَوْنِ يَوْمِ عَرَفَةَ عَاشِرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 [بَاب فِي الِاسْتِنْجَاءِ] [فَصَلِّ فِي آدَابِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الثَّانِي فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَفِيهِ فُصُولٌ الْأَوَّلُ فِي آدَابِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ (نُدِبَ لِقَاضِي الْحَاجَةِ جُلُوسٌ وَمُنِعَ بِرَخْوٍ نَجِسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِالْبَوْلِ قَائِمًا فِي رَمْلٍ وَنَحْوِهِ أَكْرَهُهُ بِمَوْضِعٍ يَتَطَايَرُ فِيهِ ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَالْبَوْلُ جَالِسًا أَحْسَنُ وَأَسْتَرُ. ابْنُ عَرَفَةَ: عَنْ الْبَاجِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 وَابْنِ بَشِيرٍ قِيَامُهُ بِطَاهِرٍ رَخْوٍ جَائِزٌ مُقَابِلُهُ يَدَعُهُ وَجُلُوسُهُ بِصُلْبٍ طَاهِرٍ لَازِمٌ وَمُقَابِلُهُ مُقَابِلُهُ. التَّلْقِينُ: يَجُوزُ لَهُ الْبَوْلُ قَائِمًا فِي الرَّمْلِ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي يَأْمَنُ تَطَايُرَهُ عَلَيْهِ. (وَاعْتِمَادُهُ عَلَى رِجْلٍ وَاسْتِنْجَاءٌ بِيَدٍ يُسْرَيَيْنِ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مِنْ آدَابِ الْحَدَثِ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى. عِيَاضٌ: لَا يَأْخُذُ ذَكَرَهُ لِبَوْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 بِيَمِينِهِ. الْمَازِرِيُّ: يَأْخُذُ الْمُسْتَجْمِرُ ذَكَرَهُ بِشِمَالِهِ يَمْسَحُ بِهِ الْحَجَرَ. عِيَاضٌ: إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَمْسَكَ الْحَجَرَ بِيَمِينِهِ وَحَرَّكَ بِشِمَالِهِ ذَكَرَهُ إلَيْهِ. ابْنُ اللُّبِّيِّ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَمَسُّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ» حَمَلَهُ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَقُيِّدَ النَّهْيُ عَنْ مَسِّهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بِحَالَةِ الِاسْتِنْجَاءِ. قَالَ تَقِيُّ الدِّينِ: فَلَا يُرَدُّ الْمُطْلَقُ إلَى الْمُقَيَّدِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَدُّ الْمُطْلَقُ لِلْمُقَيَّدِ فِي الْأَمْرِ. (وَبَلُّهَا قَبْلَ لُقِيّ الْأَذَى) التَّلْقِينُ: يُفْرِغُ الْمَاءَ عَلَى يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُلَاقِيَ بِهَا الْأَذَى. (وَغَسْلُهَا بِتُرَابٍ بَعْدَهُ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مِنْ آدَابِ الْحَدَثِ غَسْلُ يَدَيْهِ بِالتُّرَابِ بَعْدَ الْفَرَاغِ. (وَسَتْرٌ إلَى مَحَلِّهِ) ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَرْفَعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْأَرْضِ. (وَإِعْدَادُ مُزِيلِهِ) عِيَاضٌ: مِنْ آدَابِ الْأَحْدَاثِ أَنْ يُعِدَّ الْمَاءَ وَالْأَحْجَارَ عِنْدَهُ. الْقَبَّابُ: فَائِدَةُ هَذَا ظَاهِرَةٌ لِيُزِيلَ النَّجَاسَةَ عِنْدَ فَرَاغِهِ أَنْ لَا يَبْقَى فَتَتَعَدَّى النَّجَاسَةُ لِثَوْبِهِ أَوْ لِجَسَدِهِ. (وَوِتْرُهُ) الْبَاجِيُّ: الْوَاجِبُ فِي الِاسْتِجْمَارِ الْإِنْقَاءُ وَيُسْتَحَبُّ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ. اللَّخْمِيِّ: إنْ أَنْقَى بِأَرْبَعٍ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 سِتٍّ طَلَبَ الْوِتْرَ. (وَتَقْدِيمُ قُبُلِهِ) الْبَاجِيُّ: تَقْدِيمُ قُبُلِهِ قَبْلَ دُبُرِهِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ أَفْضَلُ. (وَتَفْرِيجُ فَخِذَيْهِ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مِنْ آدَابِ الْحَدَثِ تَفْرِيجُ فَخِذَيْهِ لِلْبَوْلِ. (وَاسْتِرْخَاؤُهُ) الرِّسَالَةُ: وَيَسْتَرْخِي قَلِيلًا. (وَتَغْطِيَةُ رَأْسِهِ وَعَدَمُ الْتِفَاتِهِ وَذِكْرٌ وَرَدَ بَعْدَهُ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " وَعَدَمُ " وَعِبَارَةُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ يَلْتَفِتُ يَمِينًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 وَشِمَالًا وَيَسْتُرُ رَأْسَهُ حَيَاءً وَيَقُولُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ: اللَّهُمَّ غُفْرَانَك الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَدَّ غَنِيَّهُ طَيِّبًا وَأَخْرَجَهُ خَبِيثًا. (وَقَبْلَهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَذْكُرُ نَحْوَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ قَبْلَ فِعْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 فِي غَيْرِ مُعَدٍّ لَهُ، وَأَمَّا فِي الْعَدِّ لَهُ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: يَذْكُرُ اللَّهَ قَبْلَ دُخُولِهِ. وَرَوَى عِيَاضٌ جَوَازَهُ فِيهِ. الْقَاضِي: ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى جَوَازِ ذِكْرِ اللَّهِ فِي الْكَنِيفِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالنَّخَعِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا عَطَسَ وَهُوَ يَبُولُ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ. ابْنُ رُشْدٍ: الدَّلِيلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ اسْتَعَاذَ» . وَعَنْ عَائِشَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» ، وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ يَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ دَنَاءَةِ الْمَوْضِعِ شَيْءٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا بِنَصٍّ لَيْسَ فِيهِ احْتِمَالٌ. (فَإِنْ فَاتَ فَفِيهِ إنْ لَمْ يُعَدَّ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مِنْ الْآدَابِ الذِّكْرُ قَبْلَ مَوْضِعِهِ وَفِيهِ إنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 لَمْ يُعَدَّ. (وَسُكُوتٌ إلَّا لِمُهِمٍّ) التَّلْقِينُ: لَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فِي حَالِ جُلُوسِهِ لِلْحَدَثِ. عِيَاضٌ: وَلَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَلَا يَرُدُّ. (وَبِالْفَضَاءِ تَسَتُّرٌ وَبُعْدٌ) عِيَاضٌ: مِنْ آدَابِ الْأَحْدَاثِ إبْعَادُ الْمَذْهَبِ إلَى الْغَائِطِ فِي الصَّحْرَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 أَوْ حَيْثُ يَتَعَذَّرُ الْجِدَرَات بِحَيْثُ لَا يُرَى لَهُ شَخْصٌ وَلَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ. الْقَبَّابُ: وَلَا يُشَمُّ لَهُ رِيحٌ وَلِلْبَوْلِ بِحَيْثُ يَسْتَتِرُ وَيَأْمَنُ الصَّوْتَ. التَّلْقِينُ: يُؤْمَرُ مُرِيدٌ الْحَدَثَ أَنْ يَبْعُدَ وَلَوْ كَانَ بَوْلًا. الْقَبَّابُ: وَلَمْ يَقُلْ عِيَاضٌ فِي الْبَوْلِ وَلَا يُرَى لَهُ شَخْصٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْبَوْلِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ: السُّنَّةُ الْبُعْدُ مِنْ الْبَائِلِ إنْ كَانَ قَاعِدًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَائِمًا. (وَاتِّقَاءُ جُحْرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وَرِيحٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَتَّقِي الْجُحْرَ وَكَذَلِكَ الْمَهْوَاةَ وَلْيَبُلْ دُونَهُمَا فَيَجْرِي إلَيْهِمَا. (وَمَوْرِدٍ وَطَرِيقٍ) الْجَوْهَرِيُّ: الْمَوْرِدُ الطَّرِيقُ. الْمُحْكَمُ: الْمَوْرِدُ مَأْتَاةُ الْمَاءِ. ابْنُ حَبِيبٍ: يُكْرَهُ أَنْ يُتَغَوَّطَ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَضِفَّةِ الْمَاءِ وَقُرْبِهِ. عِيَاضٌ: وَرَاكِدِ الْمَاءِ وَلَوْ كَثُرَ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا الْجَارِي. وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَرَاكِدٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 يُغْتَسَلُ فِيهِ ". (وَظِلٍّ وَشَطٍّ وَمَاءٍ دَائِمٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُكْرَهُ أَيْضًا أَنْ يُتَغَوَّطَ فِي ظِلَالِ الْجُدُرِ وَالشَّجَرِ (وَصُلْبٍ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمُنِعَ بِرَخْوٍ ". (وَبِكَنِيفٍ نَحَّى ذِكْرَ اللَّهِ) الْحَاوِي: قَاضِي الْحَاجَةِ نَحَّى اسْمَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجُزُولِيُّ: مِنْ آدَابِ الْحَدَثِ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْخَلَاءَ بِمَا فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى إكْرَامًا لَهُ كَالدِّرْهَمِ وَالْخَاتَمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُعَامَلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِالدِّرْهَمِ عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ اسْمُ اللَّهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ بِهِ. سَنَدٌ: جَوَّزَ مَالِكٌ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ وَمَعَهُ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ اسْمُ اللَّهِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ: وَاخْتُلِفَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِخَاتَمٍ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ، فَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِنْجَائِهِ بِشِمَالٍ بِهَا خَاتَمٌ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وَقَبَّحَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ: " إنِّي لَأَفْعَلُهُ ". (وَيُقَدِّمُ يُسْرَاهُ دُخُولًا وَيُمْنَاهُ خُرُوجًا) الْحَاوِي: قَاضِي الْحَاجَةِ فَعَكْسُ الْمَسْجِدِ يُقَدِّمُ الْيُمْنَى خُرُوجًا وَالْيُسْرَى دُخُولًا (عَكْسُ مَسْجِدٍ) فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك» زَادَ، أَبُو دَاوُد فَقَالَ: «إذَا دَخَلَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَفِي الْبُخَارِيِّ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى فَإِذَا خَرَجَ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى. (وَالْمَنْزِلُ يُمْنَاهُ بِهِمَا) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ مِنْ تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ» قِيلَ: تَبَرُّكًا بِاسْمِ الْيَمِينِ وَبِمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْيُمْنِ. ابْنُ اللُّبِّيِّ: وَهَذَا مُخَصَّصٌ بِمَا تُقَدَّمُ فِيهِ الشِّمَالُ. وَالضَّابِطُ أَنَّ الْفِعْلَ إنْ اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ الْجَارِحَتَانِ قُدِّمَتْ الْيُمْنَى فِي فِعْلِ الرَّاجِحِ، وَالشِّمَالُ فِي فِعْلِ الْمَرْجُوحِ، وَهَذَا إنْ تَيَسَّرَ، فَإِنْ شِقَّ تُرِكَ كَالرُّكُوبِ فَإِنَّ الْبُدَاءَةَ بِوَضْعِ الْيُسْرَى فِي الرِّكَابِ أَيْسَرُ وَأَسْهَلُ. وَرَوَى وَنَعْلَيْهِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ " وَتَنَعُّلِهِ " اُنْظُرْ جَامِعَ التَّلْقِينِ. (وَجَازَ بِمَنْزِلٍ وَطْءٌ وَبَوْلٌ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَمُسْتَدْبِرَهَا وَإِنْ لَمْ يَلْجَأْ) ابْنُ شَاسٍ: لِمُرِيدِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَيَسْتَدْبِرَهَا إذَا كَانَ ذَا سَاتِرٍ أَوْ مَرَاحِيضَ يَلْجَأُ إلَيْهَا أَوْ مَرَاحِيضَ تَلْجِيءُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاتِرٌ انْتَهَى. وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا عَنَى بِالْحَدِيثِ الْفَيَافِيَ وَلَمْ يَعْنِ بِهِ الْمَدَائِنَ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 بِمَرَاحِيضَ تَكُونُ عَلَى السُّطُوحِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: لَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي السُّطُوحِ الَّتِي يَقْدِرُ أَنْ يَنْحَرِفَ فِيهَا، فَأَمَّا الْمَرَاحِيضُ الَّتِي عُمِلَتْ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِيهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا بَأْسَ بِمُجَامَعَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ لِأَنَّ مَالِكًا لَمْ يَرَ بِالْمَرَاحِيضِ فِي الْمَدَائِنِ وَالْقُرَى بَأْسًا وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْقِبْلَةِ. (وَأُوِّلَ بِالسَّاتِرِ وَبِالْإِطْلَاقِ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ بِمِرْحَاضٍ وَسَاتِرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 اتِّفَاقًا، وَبِمِرْحَاضٍ فَقَطْ طَرِيقَانِ، وَسَاتِرٍ فَقَطْ اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ جَائِزٌ، وَنَحْوُهُ فِي التَّلْقِينِ. وَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمُخْتَصَرِ لَا يَجُوزُ. (لَا فِي الْفَضَاءِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّمَا عَنَى بِالْحَدِيثِ الْفَيَافِيَ وَخَصَّ ابْنُ يُونُسَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ (وَبِسِتْرٍ قَوْلَانِ تَحْتَمِلُهُمَا وَالْمُخْتَارُ التَّرْكُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ كَانَ سَاتِرٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 فَقَوْلَانِ تَحْتَمِلُهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ لِلْمُصَلِّينَ أَوْ لِلْقِبْلَةِ. اللَّخْمِيِّ: وَالْقَوْلُ أَنَّ ذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ تَعْظِيمًا لَهَا وَتَشْرِيفًا هُوَ أَحْسَنُ وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الصَّحَارِي وَالْمُدُنُ. (لَا الْقَمَرَيْنِ) الْجُزُولِيُّ: مِنْ آدَابِ الْأَحْدَاثِ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الشَّمْسَ وَلَا الْقَمَرَ وَلَا يَسْتَدْبِرَهُمَا ابْنُ هَارُونَ: لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ. (وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ) حَكَاهُ بَهْرَامَ عَنْ سَنَدٍ. قَالَ: وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَرِهَهُ. (وَوَجَبَ اسْتِبْرَاءٌ بِاسْتِفْرَاغِ أَخْبَثَيْهِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 الْجَلَّابُ: الِاسْتِبْرَاءُ وَاجِبٌ مُسْتَحَقٌّ وَهُوَ اسْتِخْرَاجُ مَا بِالْمَحَلِّ مِنْ أَذًى. (مَعَ سَلْتِ ذَكَرٍ وَنَثْرٍ خَفَّا) ابْنُ عَرَفَةَ: رُوِيَ بِالسَّلْتِ وَالنَّثْرِ الْخَفِيفَيْنِ بِالْيُسْرَى، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ الْقِيَامُ وَالْقُعُودُ وَكَثْرَةُ السَّلْتِ بِصَوَابٍ. اللَّخْمِيِّ: مِنْ عَادَتِهِ احْتِبَاسُهُ فَإِذَا قَامَ نَزَلَ مِنْهُ وَجَبَ أَنْ يَقُومَ ثُمَّ يَقْعُدَ. وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الرَّجُلِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ الْمَاءِ وَقَدْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَيَكُونُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ سَائِرًا إلَيْهَا فَيَجِدُ نُقْطَةً هَابِطَةً فَيُفَتِّشُ عَلَيْهَا، فَتَارَةً يَجِدُهَا وَتَارَةً لَا يَجِدُهَا. فَأَجَابَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا اسْتَنْكَحَهُ ذَلِكَ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ. وَسُئِلَ رَبِيعَةُ عَنْ الرَّجُلِ يَمْسَحُ ذَكَرَهُ مِنْ الْبَوْلِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فَيَجِدُ الْبَلَلَ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ قَدْ بَلَغَ مِحْنَتَهُ وَأَدَّى فَرِيضَتَهُ. وَسُئِلَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ الْبَلَلِ يَجِدُهُ قَالَ: انْضَحْ مَا تَحْتَ ثَوْبِك بِالْمَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 وَالْهَ عَنْهُ، قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: إذَا اسْتَبْرَأْت وَفَرَغْت فَارْشُشْ بِالْمَاءِ. قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: وَقِيلَ هُوَ الْمَاءُ وَكَذَلِكَ أَيْضًا هُوَ سَلَسُ الْمَذْيِ. قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنِّي لَأَجِدُهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى فَخِذَيَّ يَنْحَدِرُ كَتَحَدُّرِ اللُّؤْلُؤِ فَمَا أَنْصَرِفُ حَتَّى أَقْضِيَ صَلَاتِي. (وَنُدِبَ جَمْعُ مَاءٍ وَحَجَرٍ ثُمَّ مَاءٌ) الرِّسَالَةُ: يَمْسَحُ مَا بِالْمَخْرَجِ مِنْ الْأَذَى بِمَدَرٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ وَإِنْ اسْتَجْمَرَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ تَخْرُجُ أُخْرَاهُنَّ نَقِيَّةً أَجْزَاهُ، وَالْمَاءُ أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ وَأَحَبُّ إلَى الْعُلَمَاءِ. اللَّخْمِيِّ: وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُبَالِغَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ السُّلَيْمَانِيَّةِ: لَا تُدْخِلُ يَدَيْهَا بَيْنَ الشُّفْرَيْنِ بَلْ تَغْسِلُهُ كَاللَّوْحِ (وَتَعَيَّنَ فِي مَنِيٍّ) نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنْ عَنَى بِهِ مَنِيَّ الصِّحَّةِ فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِإِيجَابِهِ غَسْلَ جَمِيعِ الْجَسَدِ، وَإِنْ عَنَى بِهِ مَنِيَّ ذِي السَّلَسِ فَلِمَ لَا يَكُونُ كَالْبَوْلِ؟ (وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَبَوْلِ امْرَأَةٍ) الْقَرَافِيُّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 لَا يُجْزِئُ الِاسْتِجْمَارُ مِنْ الْبَوْلِ لِتَعَدِّيهِ مَحَلَّهُ لِجِهَةِ الْمَقْعَدَةِ وَكَذَلِكَ الْخَصِيُّ (وَمُنْتَشِرٍ عَنْ مَخْرَجٍ كَثِيرًا) رَوَى ابْنُ حَارِثٍ وَابْنُ رُشْدٍ وَالشَّيْخُ مَا قَرُبَ جِدًّا مِنْ الْمَخْرَجِ كَالْمَخْرَجِ الْجَلَّابُ وَبِهِ أَقُولُ. (وَمَذْيٍ) أَبُو عُمَرَ: لَا يُخْتَلَفُ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْأَحْجَارِ فِي الْمَذْيِ (بِغَسْلِ ذَكَرِهِ كُلِّهِ) رَوَى عَلِيٌّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 يَغْسِلُ كُلَّ ذَكَرِهِ مِنْ الْمَذْيِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الرِّسَالَةِ. (فَفِي النِّيَّةِ وَبُطْلَانِ صَلَاةِ تَارِكِهَا أَوْ تَارِكِ كُلِّهِ قَوْلَانِ) الْبَاجِيُّ: الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ تَتَعَدَّى مَحَلَّ مُوجِبِهَا خِلَافًا لِأَبِي مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ. الْإِبْيَانِيُّ: مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى غَسْلِ مَحَلِّ الْأَذَى خَاصَّةً وَصَلَّى أَعَادَ أَبَدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: لَا إعَادَةَ. (وَلَا يَسْتَنْجِي مِنْ رِيحٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَسْتَنْجِي مِنْ رِيحٍ. (وَجَازَ بِيَابِسٍ طَاهِرٍ مُنَقٍّ غَيْرِ مُؤْذٍ وَلَا مُحْتَرَمٍ وَلَا مُبْتَلٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: سَائِرُ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ مِنْ زِرْنِيخٍ وَنَحْوِهِ كَالْجِمَارِ يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِجْمَارَ بِذَلِكَ جَائِزٌ. وَأَخْرَجَ عِيَاضٌ الْحَجَرَ الْمُبْتَلَّ وَالْيَدَ وَالرَّطْبَ وَالْجِدَارَ وَلَوْ لِمِرْحَاضٍ. الْمَازِرِيُّ: يَجُوزُ بِكُلِّ طَاهِرٍ مُنَقٍّ. الْكَافِي: لَا يُسْتَجْمَرُ بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثٍ وَلَا بِمَا يَجُوزُ أَكْلُهُ. وَتَعَقَّبَ ابْنُ زَرْقُونَ جَوَازَهُ بِالنُّخَالَةِ بِأَنَّ بِهَا طَعَامًا. وَمَنَعَ سَحْنُونَ غَسْلَ الْيَدِ بِهَا وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَجَازَهُ ابْنُ نَافِعٍ، وَلَعَلَّهُ فِي الْخَالِصَةِ، رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَنَجِسٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمَازِرِيِّ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: عِنْدِي إنْ اسْتَجْمَرَ بِنَجِسٍ فَقَدْ طَرَأَتْ عَلَى الْمَحَلِّ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مُعْتَادَةٍ فَلَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِالْغَسْلِ (وَأَمْلَسَ) الْمَازِرِيُّ: قَوْلُنَا " مُنَقٍّ " احْتِرَازٌ مِنْ نَحْوِ الزُّجَاجِ وَالْعَظْمِ (وَمُحَدَّدٍ وَمُحْتَرَمٍ مِنْ مَطْعُومٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْكَافِي (وَمَكْتُوبٍ) هَذَا نَصُّ ابْنِ شَاسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِخَاتَمٍ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى (وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ) اللَّخْمِيِّ وَيُمْنَعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 بِذِي سَرَفٍ كَالْيَاقُوتِ وَالْفِضَّةِ (وَجِدَارٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ عِيَاضٍ وَجِدَارٍ وَلَوْ لِمِرْحَاضٍ (وَرَوْثٍ وَعَظْمٍ) سَمِعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 ابْنُ الْقَاسِمِ النَّهْيَ عَنْ الِاسْتِجْمَارِ بِالْعَظْمِ وَالرَّوْثِ. (فَإِنْ أَنْقَتْ أَجْزَأَتْ كَالْيَدِ وَدُونَ الثَّلَاثِ) مَالِكٌ: إنْ اسْتَنْجَى بِعَظْمٍ أَجْزَأَهُ وَبِئْسَ مَا فَعَلَ. ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ اسْتَنْجَى بِمَا نُهِيَ عَنْهُ أَوْ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ. الْأَبْهَرِيُّ: عِنْدِي مَنْ اسْتَنْجَى بِمَكْرُوهٍ أَوْ مَأْكُولٍ أَنَّهُ قَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَنْ اسْتَنْجَى بِيَمِينِهِ، وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 الْعَفْوِ عَنْ عَرَقِ مَحَلِّ الِاسْتِجْمَارِ يُصِيبُ الثَّوْبَ وَنَجَاسَتِهِ قَوْلًا. الْبَاجِيُّ وَابْنُ الْقَصَّارِ: وَانْظُرْ إذَا دَخَلَتْ النَّجَاسَةُ بَاطِنَ الْجَسَدِ. قَالَ التُّونِسِيُّ: مَا يُدَاخِلُ الْجِسْمَ مِنْ نَجَاسَةٍ لَغْوٌ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ يُعِيدُ شَارِبُ الْخَمْرِ لَا يُسْكِرُهُ صَلَاتَهُ أَبَدًا مُدَّةَ مَا يَرَى بَقَاءَهُ بِبَطْنِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 [بَاب فِي مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ] [فَصَلِّ فِي نَوَاقِض الْوُضُوء] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ (نُقِضَ الْوُضُوءُ بِحَدَثٍ وَهُوَ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ فِي الصِّحَّةِ) التَّلْقِينُ: الْأَحْدَاثُ الْمُوجِبَةُ لِلْوُضُوءِ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ مِنْ الْمُعْتَادِ دُونَ النَّادِرِ الْخَارِجِ عَلَى وَجْهِ الْمَرَضِ وَالسَّلَسِ مِنْ غَائِطٍ وَرِيحٍ وَبَوْلٍ وَمَذْيٍ وَوَدْيٍ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ السَّلَسِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 وَالِاسْتِنْكَاحِ (لَا حَصًى وَدُودٍ وَلَوْ بِبِلَّةٍ) ابْنُ يُونُسَ: لَا شَيْءَ عَلَى مَا خَرَجَ مَنْ دُبُرِهِ دُودٌ عِنْدَ مَالِكٍ ابْنُ نَافِعٍ: إذَا لَمْ يُخَالِطْهُ أَذًى ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ الْحَصَاةُ تَخْرُجُ مِنْ الْإِحْلِيلِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ بِأَثَرِهَا بَوْلٌ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَادِ لَا يَنْقُضُ كَدُودٍ يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ خَرَجَتْ نَقِيَّةً أَوْ غَيْرَ نَقِيَّةٍ الْكَافِي: وَكَذَلِكَ الدَّمُ اللَّخْمِيِّ: وَسَوَاءٌ خَرَجَ مِنْ الذَّكَرِ أَوْ مِنْ الدُّبُرِ، ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَكَذَلِكَ الرِّيحُ مِنْ الْقُبُلِ لَا وُضُوءَ فِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ كَالْجُشَاءِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَبِسَلَسٍ فَارَقَ أَكْثَرَ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: مَنْ خَرَجَ مِنْ ذَكَرِهِ بَوْلٌ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ أَوْ مَذْيٌ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ لِبَرْدٍ أَوْ عِلَّةٍ تَوَضَّأَ إلَّا أَنْ يَسْتَنْكِحَهُ ذَلِكَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ كَالْمُسْتَحَاضَةِ، فَإِنْ شِقَّ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِبَرْدٍ أَوْ نَحْوِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ خَرَجَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَنْكِحِ فِي صَلَاةٍ فَلْيَكُفَّهُ بِخِرْقَةٍ وَيَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا قَطَعَ وَفِي لُزُومِ غَسْلِ الْخِرْقَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِلْإِبْيَانِيِّ وَالثَّانِي لِسَحْنُونٍ قَالَ بَكْرٌ: سَلَسُ الْبَوْلِ وَالِاسْتِحَاضَةُ اللَّذَانِ لَا يَنْقَطِعُ ذَلِكَ عَنْهُمَا عَلَى حَالٍ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِمَا انْتَهَى، مَا لِابْنِ يُونُسَ وَكَذَا قَرَّرَ الْبَاجِيُّ وَنَسَبَ قَوْلَ بَكْرٍ لِنَفْسِهِ، وَكَذَا قَرَّرَ ابْنُ رُشْدٍ وَعَزَا قَوْلَ بَكْرٍ لِبَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ قَالَ: هُوَ صَحِيحٌ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَثُرَتْ مُلَازَمَتُهُ اُسْتُحِبَّ وُضُوءُهُ وَعَكْسُهُ الْمَشْهُورُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ: لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، وَسُئِلَ الْإِبْيَانِيُّ عَمَّنْ تَأْخُذُهُ عِلَّةٌ لِكِبَرٍ وَنَحْوِهِ لَا يَسْتَطِيعُ حَبْسَ الرِّيحِ فَقَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ سَلَسِ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَرْخَتْ مَوَاسِكُهَا نَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّ إمَامَةَ هَذَا أَخَفُّ مِنْ إمَامَةِ ذِي سَلَسِ الْبَوْلِ لِأَنَّهُ بِالْبَوْلِ يُنَجَّسُ (كَسَلَسِ مَذْيٍ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ) الْجَلَّابُ: إنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُ سَلَسٍ بِنِكَاحٍ أَوْ تَسَرٍّ وَجَبَ الْوُضُوءُ، الْبَاجِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ (وَنُدِبَ إنْ لَازَمَ أَكْثَرَ لَا إنْ شَقَّ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ بَشِيرٍ وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ (وَفِي اعْتِبَارِ الْمُلَازَمَةِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ مُطْلَقًا تَرَدُّدٌ) ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَعْنَى الْمُلَازَمَةِ أَنْ يَأْتِيَهُ الْبَوْلُ مِقْدَارَ ثُلُثَيْ كُلِّ سَاعَةٍ لَيْلًا وَنَهَارًا وَقِيلَ: إنَّمَا تُعْتَبَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 مُلَازَمَتُهُ وَمُفَارَقَتُهُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ الزَّمَانُ الَّذِي يُخَاطَبُ فِيهِ بِالْوُضُوءِ (مِنْ مَخْرَجَيْهِ) الرِّسَالَةُ: يَجِبُ الْوُضُوءُ لِمَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ (أَوْ ثُقْبَةٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ إنْ انْسَدَّا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ) أَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَفِي الْحَاوِي: الْحَدَثُ خُرُوجُ الْمُعْتَادِ مِنْ الْمُعْتَادِ أَوْ ثُقْبَةٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ إنْ انْسَدَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 وَنَقَلَ خَلِيلٌ عَنْ ابْنِ بَزِيزَةَ: إذَا انْفَتَقَ بِخُرُوجِ الْحَدَثِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فَإِنْ انْسَدَّ أَوْ كَانَ تَحْتَ الْمَعِدَةِ نَقَضَ الْوُضُوءَ الْخَارِجُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْسَدَّا فَفِيهِ قَوْلَانِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فَوْقَ الْمَعِدَةِ. (وَبِسَبَبِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: نَاقِضُ الْوُضُوءِ بِمَظْنُونِهِ سَبَبُ حَدَثٍ (وَهُوَ زَوَالُ عَقْلٍ وَإِنْ بِنَوْمٍ ثَقُلَ) الرِّسَالَةُ: يَجِبُ الْوُضُوءُ بِزَوَالِ الْعَقْلِ بِنَوْمٍ مُسْتَثْقَلٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ تَخَبُّطِ جُنُونٍ (وَلَوْ قَصُرَ لَا خَفَّ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 النَّوْمَ سَبَبٌ اللَّخْمِيِّ: خَفِيفٌ قَصِيرُهُ لَغْوٌ وَمُقَابِلُهُ نَاقِضٌ، وَخَفِيفٌ طَوِيلُهُ يُسْتَحَبُّ وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 (وَلَمْسٌ يَلْتَذُّ صَاحِبُهُ بِهِ عَادَةً) ابْنُ رُشْدٍ: إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ مَا دُونَ الْجِمَاعِ مِنْ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَاللَّمْسِ بِالْيَدِ فَإِنْ قَصَدَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَى الِالْتِذَاذِ فَالْتَذَّ فَلَا خِلَافَ فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الِالْتِذَاذَ وَلَا الْتَذَّ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَاللَّمْسِ وَأَمَّا الْقُبْلَةُ فَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْهَا عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَهُوَ دَلِيلُ الْمُدَوَّنَةِ. وَعِلَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْقُبْلَةَ لَا تَنْفَكُّ مِنْ اللَّذَّةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَبِيَّةً صَغِيرَةً يُقَبِّلُهَا عَلَى سَبِيلِ الرَّحْمَةِ، أَوْ ذَاتَ مَحْرَمٍ يُقَبِّلُهَا عَلَى سَبِيلِ الْوَدَاعِ، وَأَمَّا إنْ قَصَدَ بِالْمُلَامَسَةِ اللَّذَّةَ فَلَمْ يَلْتَذَّ فَرَوَى عِيسَى عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ ابْتَغَاهَا بِلَمْسِهِ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِالْمُلَامَسَةِ اللَّذَّةَ وَلَكِنَّهُ الْتَذَّ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ مَسَّتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ الرَّجُلِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهَا ابْنُ رُشْدٍ: إذَا قَبَّلَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عَلَى غَيْرِ الْفَمِ أَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ بِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ الْفَاعِلُ، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 وُضُوءَ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، إلَّا أَنْ يَلْتَذَّ ابْنُ يُونُسَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنْ قَبَّلَهَا عَلَى الْفَمِ مُكْرَهَةً أَوْ طَائِعَةً فَلْيَتَوَضَّآ جَمِيعًا. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ: مَنْ غَلَبَتْهُ زَوْجَتُهُ فَقَبَّلَتْهُ وَهُوَ كَارِهٌ وَلَا يَجِدُ لَذَّةً فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ فِي هَذَا الْقَوْلِ وَلَوْ فِي غَيْرِ الْفَمِ وَكَذَلِكَ. قَالَ أَصْبَغُ: إنَّ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِنْ أُكْرِهَ وَاسْتُغْفِلَ لِمَا جَاءَ أَنَّ الْقُبْلَةَ فِيهَا الْوُضُوءُ مُجْمَلًا بِلَا تَفْصِيلٍ (وَلَوْ كَظُفْرٍ أَوْ شَعْرٍ) الْجَلَّابُ: مَسُّ الشَّعْرِ وَالسِّنِّ وَالظُّفْرِ نَاقِضٌ اللَّخْمِيِّ: فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ (أَوْ حَائِلٍ وَأُوِّلَ بِالْخَفِيفِ وَبِالْإِطْلَاقِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بِمَنْعِ الْحَائِلِ وَرَوَى عَلِيٌّ: إنْ كَانَ خَفِيفًا ابْنُ رُشْدٍ: تَفْسِيرُ اللَّخْمِيِّ رِوَايَةَ عَلِيٍّ أَحْسَنُ إنْ كَانَ بِالْيَدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 وَإِنْ ضَمَّهَا فَالْكَثِيفُ كَالْخَفِيفِ (إنْ قَصَدَ لَذَّةً أَوْ وَجَدَهَا) تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ إنْ قَصَدَ فَالْتَذَّ تَوَضَّأَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَصَدَهُ وَلَمْ يَجِدْ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ عَلَى رِوَايَةِ عِيسَى وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ وَجَدَ وَلَمْ يَقْصِدْ تَوَضَّأَ بِلَا خِلَافٍ (لَا انْتَفَيَا إلَّا الْقُبْلَةَ بِفَمٍ وَإِنْ بِكُرْهٍ أَوْ اسْتِغْفَالٍ) تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ إنْ لَمْ يَقْصِدْ وَلَمْ يَجِدْ فَلَا وُضُوءَ إلَّا فِي الْقُبْلَةِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهَا ابْنُ رُشْدٍ بِفَمِهِ وَعَزَاهُ لِرِوَايَةِ أَشْهَبَ. وَدَلِيلُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَتَى ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذَا بِثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هَذَا الثَّانِي لِغَيْرِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَنْتَقِضُ مُطْلَقًا الْقَوْلُ الثَّالِثُ: تَنْقُضُ إنْ كَانَتْ عَلَى الْفَمِ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مَعَ عِيَاضٍ عَنْ رِوَايَةِ الْمَجْمُوعَةِ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا لِابْنِ يُونُسَ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَلَوْ كَظُفْرٍ " (لَا لِوَدَاعٍ أَوْ رَحْمَةٍ) ابْنُ يُونُسَ. قَالَ مَالِكٌ: لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ فِي قُبْلَتِهِ امْرَأَتَهُ لِوَدَاعٍ أَوْ رَحْمَةٍ، إلَّا أَنْ يَلْتَذَّ (وَلَا لَذَّةَ بِنَظَرٍ) ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: قَوْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 ابْنِ بُكَيْر لَذَّةُ الْقَلْبِ تُنْقِضُ لَا أَعْلَمُ مَنْ قَالَهُ غَيْرُ الْمَازِرِيِّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّ لَذَّةَ النَّظَرِ لَا تُنْقِضُ (كَإِنْعَاظٍ) رَوَى ابْنُ نَافِعٍ لَا يَنْقُضُ الْإِنْعَاظَ عِيَاضٌ: وَتَأْوِيلُ الْبَاجِيِّ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَنْقُضُ بَعِيدٌ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَعَ الْإِنْعَاظِ قَرِينَةً (وَلَذَّةٌ بِمَحْرَمٍ عَلَى الْأَصَحِّ) ابْنُ رُشْدٍ: قَصْدُهَا مِنْ الْفَاسِقِ فِي الْمَحْرَمِ نَاقِضٌ وَلَوْ قَصَدَهَا فِي الصَّغِيرَةِ وَوَجَدَهَا فَلَا وُضُوءَ، إلَّا عَلَى النَّقْضِ لِلَذَّةِ التَّذَكُّرِ ابْنُ عَرَفَةَ: يُرَدُّ بِقُوَّةِ الْفِعْلِ عِيَاضٌ: وَلَمْسُ الْغِلْمَانِ وَفُرُوجِ سَائِرِ الْحَيَوَانِ لِلَّذَّةِ نَاقِضٌ. (وَمُطْلَقُ مَسِّ ذَكَرِهِ) ابْنُ يُونُسَ: لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ شَرَجٍ وَلَا رَفْغٍ إلَّا مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، وَحْدَهُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ أَوْ بِبَاطِنِ الْأَصَابِعِ، فَإِنْ مَسَّهُ بِظَاهِرِ يَدِهِ أَوْ بِبَاطِنِ ذِرَاعِهِ أَوْ بِظَاهِرِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ. وَمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ: لَا وُضُوءَ إلَّا إنْ تَعَمَّدَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ قِيلَ لِمَالِكٍ: فَإِنْ مَسَّهُ عَلَى غِلَالَةٍ خَفِيفَةٍ؟ قَالَ: لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِيمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ وَصَلَّى مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ قِيلَ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَقِيلَ لَا إعَادَةَ وَوَجْهُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ، وَقِيلَ: يُعِيدُ أَبَدًا انْتَهَى وَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ " ذَكَرَهُ ". قَالَ الْمَازِرِيُّ: الْجُمْهُورُ أَنَّ مَسَّ ذَكَرَ غَيْرِهِ كَذَكَرِ نَفْسِهِ وَعِنْدِي إنْ مَسَّهُ لِلَّذَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 نُقِضَ كَاللَّمْسِ، قَالَ: وَذَكَرُ الْبَهِيمَةِ كَالْغَيْرِ وَاَلَّذِي لِلْقَرَافِيِّ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْخَاتِنِ بِذَكَرِ الْمَخْتُونِ وَلَا بِذَكَرِ الْغَيْرِ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ مَسَّتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ الرَّجُلِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهَا انْتَهَى وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي الْمَلْمُوسِ ذَكَرُهُ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ قَالَ: وَقَالَ الْأَبِيُّ: يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَلْتَذَّ (الْمُتَّصِلِ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَسَّهُ مَقْطُوعًا لَغْوٌ (وَلَوْ خُنْثَى مُشْكِلًا) خَرَّجَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَالْمَازِرِيُّ مَسَّ الْخُنْثَى فَرْجَهُ عَلَى الشَّكِّ فِي الْحَدَثِ (بِبَطْنٍ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 ابْنُ حَبِيبٍ: يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ سَبْعَةِ أَوْجُهٍ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْهَا مَسُّ الذَّكَرِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ أَوْ بِبَاطِنِ الْأَصَابِعِ (أَوْ جَنْبِ الْكَفِّ أَوْ إصْبَعٍ وَإِنْ زَائِدًا) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي مَسِّهِ بِحَرْفِ الْيَدِ وَالْأَصَابِعِ أَوْ بِإِصْبَعٍ زَائِدَةٍ نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ. الطَّرَّازُ: إذَا مَسَّهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ أَوْ بِحَرْفِ كَفِّهِ أَوْ بِإِصْبَعٍ زَائِدَةٍ انْتَقَضَ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ (أَحَسَّ) الْجُزُولِيُّ: الْخِلَافُ فِي مَسِّ الذَّكَرِ بِإِصْبَعٍ زَائِدَةٍ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا يَجِبُ فِيهَا إذَا قُطِعَتْ، فَمَنْ قَالَ: فِيهَا دِيَةٌ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ، وَمَنْ قَالَ حُكُومَةٌ فَلَا وُضُوءَ، وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ إنْ كَانَتْ لِلْإِصْبَعِ قُوَّةٌ فَالدِّيَةُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ قُوَّةٌ فَلَا دِيَةَ، اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ الْقَوِيَّةِ عَشْرٌ ثُمَّ اطَّلَعْت عَلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ يَنْبَغِي إذَا تَسَاوَتْ الْأَصَابِعُ فِي التَّصَرُّفِ وَالْإِحْسَاسِ أَنْ تَنْقُضَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ شَكَّ فَعَلَى الشَّكِّ فِي الْحَدَثِ. (وَبِرِدَّةٍ) سَمِعَ مُوسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِضَ وُضُوءُهُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: بَلْ وَاجِبٌ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 أَنْ يَتَوَضَّأَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّ الْحَجَّ الَّذِي حَجَّ قَبْلَ ارْتِدَادِهِ لَا يُجْزِئُهُ وَكَذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ: قِيَاسُ هَذَا أَنَّ مَا ضَيَّعَ مِنْ الْفَرَائِضِ قُبَيْلَ ارْتِدَادِهِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا. (وَبِشَكٍّ فِي حَدَثِهِ بَعْدَ طُهْرٍ عُلِمَ) ابْنُ يُونُسَ: مَنْ شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ فَلْيَغْسِلْ مَا شَكَّ فِيهِ وَلَوْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ، أَحْدَثَ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَمْ لَا فَلْيُعِدْ وُضُوءَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَنْكِحًا فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ شَيْءٍ مِنْ وُضُوءٍ وَلَا صَلَاةٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِذَا خُيِّلَ إلَيْهِ أَنَّ رِيحًا خَرَجَ مِنْهُ فَلَا يَتَوَضَّأُ إلَّا أَنْ يُوقِنَ بِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلَهُ الشَّكُّ بِالْحِسِّ وَأَتَى بِالْحَدِيثِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا إنْ شَكَّ هَلْ بَالَ أَوْ أَحْدَثَ أَمْ لَا؟ فَهَذَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ انْتَهَى اُنْظُرْ هَذَا الْمَسَاقَ لِلْحَدِيثِ مَعَ مَسَاقِ ابْنِ رُشْدٍ لَهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رَسْمِ بِعْ: مَنْ شَكَّ أَثْنَاءَ صَلَاتِهِ هَلْ هُوَ عَلَى وُضُوءٍ أَمْ لَا، فَيَتَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ وَهُوَ عَلَى شَكِّهِ ذَلِكَ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ قَالَ: صَلَاتُهُ مُجْزِئَةٌ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَاهَا نَافِلَةً حِينَ شَكَّ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا قَالَ إنَّ صَلَاتَهُ تَامَّةٌ وَإِنْ تَمَادَى عَلَى شَكِّهِ، لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِطَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الشَّكُّ الطَّارِئُ عَلَيْهِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 صَلَاتِهِ لِحَدِيثِ «إنَّ الشَّيْطَانَ يُفْشِي بَيْنَ أَلْيَتَيْ أَحَدِكُمْ فَلَا يَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاتِهِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» وَلَيْسَ هَذَا بِخِلَافٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. مَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ كَأَنَّ الشَّكَّ طَرَأَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهَا إلَّا بِطَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ، وَهُوَ فَرْقٌ بَيِّنٌ وَأَظْهَرُ مِمَّا رَوَى سَحْنُونَ عَنْ أَشْهَبَ انْتَهَى. وَيَظْهَرُ مِنْ الْإِكْمَالِ أَنَّ طَرِيقَةَ ابْنِ حَبِيبٍ غَيْرُ طَرِيقَةِ غَيْرِهِ اُنْظُرْ فِي الْإِكْمَالِ قَبْلَ بَابِ التَّيَمُّمِ، وَانْظُرْ ذَلِكَ كُلَّهُ مَعَ مَا يَقْتَضِيهِ تَقْرِيرُ ابْنِ يُونُسَ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ أَثْلَاثًا صَلَّى» قَالَ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَصْلٌ عَظِيمٌ يَطَّرِدُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ أَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزِيلُهُ شَكٌّ، وَأَنَّ الشَّيْءَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِ الْمَعْرُوفِ حَتَّى تُزِيلَهُ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ مَعَهُ. وَالْأَصْلُ فِي الظُّهْرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فَلَا يُبْرِئُهُ إلَّا يَقِينٌ مِثْلُهُ وَقَدْ غَلِطَ بَعْضُهُمْ فَظَنَّ أَنَّ الشَّكَّ أَوْجَبَ الْإِتْيَانَ بِالرَّكْعَةِ وَهَذَا غَلَطٌ، بَلْ الْيَقِينُ أَنَّهَا أَرْبَعٌ أَوْجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامَهَا يُرَجِّحُهُ حَدِيثُ «لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» فَلَمْ يَنْقُلْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَصْلِ طَهَارَتِهِ الْمُتَيَقَّنَةِ بِشَكٍّ عَرَضَ لَهُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ الْحَدَثَ وَإِلَّا فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَى هَذَا غَيْرُهُ وَخَالَفَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَقَالَ: لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالطَّبَرِيِّ، وَأَنَّهُ عَلَى الْأَصْلِ، حَدَثًا كَانَ أَوْ طَهَارَةً. وَأَجْمَعُوا أَنَّ مَنْ أَيْقَنَ بِالْحَدَثِ وَشَكَّ فِي الْوُضُوءِ أَنَّ شَكَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَةً وَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَحَكَى ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ أَنْ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ أَيْضًا وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: الْوُضُوءُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ وَاحْتِيَاطٌ وَقَالَ فِي مُوَطَّئِهِ فِيمَنْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا وَقَدْ بَاتَ فِيهِ لَيَالِيَ وَأَيَّامًا: أَنَّهُ لَا يُعِيدُ صَلَاةً وَلَا يَغْتَسِلُ إلَّا مِنْ آخِرِ نَوْمٍ نَامَهُ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَهُ فِيمَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ انْتَهَى وَعِبَارَةُ الْبَاجِيِّ: مَا صَلَّى قَبْلَ تِلْكَ النَّوْمَةِ هُوَ فِيهَا شَاكٌّ، وَهَذَا الشَّكُّ إنَّمَا طَرَأَ بَعْدَ إكْمَالِ الصَّلَاةِ وَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْهَا فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيهَا كَمَا لَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ بَعْدَ طَهَارَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ شَكٌّ طَرَأَ بَعْدَ تَيَقُّنِ سَلَامَةِ الْعِبَادَةِ وَالثَّانِي: أَنَّ الشَّكَّ يُؤَثِّرُ فَيُعِيدُ مِنْ أَوَّلِ نَوْمِهِ. وَفِي التَّمْهِيدِ: نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ إطْرَاحًا لِأَعْمَالِ الشَّكِّ وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ الْفِقْهِ أَنْ لَا يَدَعَ الْإِنْسَانُ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَالِ الْمُتَيَقَّنَةِ إلَّا بِيَقِينٍ فِي انْتِقَالِهَا، وَلِشِهَابِ الدِّينِ: فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ بَيْنَ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ وَالشَّكِّ فِي الشَّرْطِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى جَمْعٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ قَالَ: شَرَعَ الشَّارِعُ الْأَحْكَامَ وَشَرَعَ لَهَا أَسْبَابًا وَجَعَلَ مِنْ جُمْلَةِ مَا شَرَعَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّكَّ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ: مُجْمَعٌ عَلَى اعْتِبَارِهِ كَمِنْ شَكَّ فِي الشَّاةِ الْمُذَكَّاةِ وَالْمَيِّتَةِ، وَكَمَنْ شَكَّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَأُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَمُجْمَعٌ عَلَى إلْغَائِهِ كَمَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا. وَهَلْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ أَمْ لَا، فَالشَّكُّ هُنَا لَغْوٌ وَقِسْمٌ ثَالِثٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَصْبِهِ سَبَبًا كَمَنْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا، اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ دُونَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ حَلَفَ يَمِينًا وَشَكَّ مَا هِيَ، وَمَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا وَقَالَ فِي الْفَرْقِ الْعَاشِرِ بَيْنَ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ وَالشَّكِّ فِي الشَّرْطِ: فَرْقٌ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ شَكٌّ فِي شَرْطٍ، وَالشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ شَكٌّ فِي سَبَبٍ، إذْ الطَّلَاقُ سَبَبُ زَوَالِ الْعِصْمَةِ، وَالْقَاعِدَةُ: كُلُّ مَشْكُوكٍ اجْعَلْهُ كَالْعَدَمِ، يَبْقَى فِي الْبَحْثِ فِيمَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ (إلَّا الْمُسْتَنْكِحَ) تَقَدَّمَ مَا لِابْنِ يُونُسَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَنْكِحًا وَهُوَ لِلْمُوَسْوَسِ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: يَبْنِي عَلَى أَوَّلِ خَاطِرَيْهِ إنْ سَبَقَ إلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ أَكْمَلَ وُضُوءَهُ أَوْ أَنَّهُ عَلَى وُضُوئِهِ فَلَا يُعِيدُ، وَإِنْ سَبَقَ إلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ أَعَادَ وَلِأَنَّهُ فِي الْخَاطِرِ الْأَوَّلِ مُشَابِهٌ لِلْعُقَلَاءِ، وَفِي الثَّانِي مُفَارِقٌ لَهُمْ. (وَبِشَكٍّ فِي سَابِقِهِمَا) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَوْ تَيَقَّنَ طُهْرًا وَحَدَثًا شَكَّ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا فَلَا نَصَّ لِعُلَمَائِنَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الْحُكْمُ نَقِيضُ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ صَحِيحُ أَقْوَالِنَا إلْغَاءُ الشَّكِّ، فَمَنْ كَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ مُحْدِثًا جَزَمَ بَعْدَهُ بِوُضُوءٍ وَحَدَثَ شَكٌّ فِي الْأَحْدَاثِ مِنْهَا يَتَوَضَّأُ لِتَيَقُّنِ وُضُوئِهِ وَشَكِّ نَقْضِهِ، وَلَوْ كَانَ مُتَوَضِّئًا فَمُحْدِثٌ لِتَيَقُّنِ حَدَثِهِ وَشَكِّ رَفْعِهِ ابْنُ مُحَرِّزٍ يَجِبُ الْوُضُوءُ فِيهِمَا. (لَا بِمَسِّ دُبُرٍ) رَوَى ابْنُ رُشْدٍ إلْغَاءَ مَسِّ الدُّبُرِ وَلَوْ الْتَذَّ (أَوْ أُنْثَيَيْنِ) التَّلْقِينُ: لَا وُضُوءَ مِنْ مَسِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا مِنْ أَكْلِ شَيْءٍ أَوْ شُرْبِهِ كَانَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ أَوْ مِمَّا لَمْ تَمَسَّهُ وَلَا مِنْ قَهْقَهَةٍ فِي الصَّلَاةِ وَلَا مِنْ ذَبْحِ بَهِيمَةٍ وَلَا مِنْ قَيْءٍ وَلَا مِنْ حِجَامَةٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ. (أَوْ فَرْجِ صَغِيرَةٍ) الْقَرَافِيُّ: مَسُّ ذَكَرِ الصَّبِيِّ وَفَرْجِ الصَّبِيَّةِ وَفَرْجِ الْبَهِيمَةِ لَا يُوجِبُ وُضُوءًا اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمُطْلَقُ مَسِّ ذَكَرِهِ " (وَقَيْءٍ وَأَكْلِ جَزُورٍ وَذَبْحٍ وَحِجَامَةٍ وَقَهْقَهَةٍ بِصَلَاةٍ) هَذَا كُلُّهُ نَصُّ التَّلْقِينِ. (وَمَسِّ امْرَأَةٍ فَرْجَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وَأُوِّلَتْ أَيْضًا بِعَدَمِ الْإِلْطَافِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا مَسَّتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهَا ابْنُ يُونُسَ: إنْ قَبَضَتْ عَلَيْهِ أَوْ أَلْطَفَتْ نُقِضَ اتِّفَاقًا ابْنُ بَشِيرٍ وَعَبْدُ الْحَقِّ: قَدْ قِيلَ بِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ أَبُو عُمَرَ: فَسَّرُوا الْإِلْطَافَ بِالِالْتِذَاذِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: سَأَلْت خَالِي مَالِكًا عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ لِي: تُدْخِلُ يَدَهَا فِيمَا بَيْنَ الشُّفْرَيْنِ. (وَنُدِبَ غَسْلُ فَمٍ مِنْ لَحْمٍ وَلَبَنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَمَضْمَضَ مِنْ اللَّبَنِ وَاللَّحْمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 وَيَغْسِلَ الْغَمْرَ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ. (وَتَجْدِيدُ وُضُوءٍ) اللَّخْمِيِّ: تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَضِيلَةٌ (إنْ صَلَّى بِهِ) عِيَاضٌ: الْوُضُوءُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ الْوُضُوءِ الْمَمْنُوعِ تَجْدِيدُهُ قَبْلَ صَلَاةِ فَرْضٍ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 (لَوْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ بَانَ الطُّهْرُ لَمْ يُعِدْ) تَقَدَّمَ لِسَمَاعِ مُوسَى عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِشَكٍّ فِي حَدَثِهِ (وَمَنَعَ حَدَثٌ صَلَاةً وَطَوَافًا) التَّلْقِينُ: الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَحْكَامِهَا مِنْ فَرْضٍ وَسُنَّةٍ وَنَفْلٍ وَسُجُودِ الْقُرْآنِ وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ كَذَلِكَ لَا يُجْزِئُ إلَّا بِالْوُضُوءِ. (وَمَسِّ مُصْحَفٍ وَإِنْ بِقَضِيبٍ وَحَمْلِهِ وَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 بِعِلَاقَةٍ أَوْ وِسَادَةٍ إلَّا بِأَمْتِعَةٍ قُصِدَتْ وَإِنْ عَلَى كَافِرٍ) قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْمِلُ الْمُصْحَفَ غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ لَا عَلَى وِسَادَةٍ وَلَا بِعِلَاقَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي تَابُوتٍ أَوْ خُرْجٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَهُ غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ أَوْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ لِأَنَّ الَّذِي يَحْمِلُ الْمُصْحَفَ عَلَى وِسَادَةٍ أَرَادَ حُمْلَانَهُ لَا حُمْلَانَ مَا سِوَاهُ. وَاَلَّذِي حَمَلَهُ عَلَى الْغِرَارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، إنَّمَا أَرَادَ حُمْلَانَ مَا سِوَاهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: وَلَا يُقَلَّبُ وَرَقُهُ بِعُودٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَا دِرْهَمٍ) ابْنُ شَاسٍ: لِغَيْرِ الْمُتَوَضِّئِ مَسُّ الدِّرْهَمِ الْمَنْقُوشِ ابْنُ رُشْدٍ: أَجَازَ سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِالدَّرَاهِمِ وَفِيهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَمَسَّهَا النَّجِسُ وَالْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ لِأَجْلِ مَا فِيهَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ. وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا مِنْ كَافِرٍ لِمَا فِيهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: فَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أُجِرَ وَمَنْ فَعَلَهُ لَمْ يَأْثَمْ، وَقَدْ أُجِيزَ لِلضَّرُورَةِ أَنْ يُعْطُوا الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ الْمَازِرِيُّ: رَأَى بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنْ لَا يَكْتُبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 الْبَسْمَلَةَ فِي عُقُودِ الْيَهُودِ (وَتَفْسِيرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ لَا بَأْسَ بِالتَّفْسِيرِ غَيْرِ ذَاتِ كُتُبِ الْآيِ مُطْلَقًا وَذَاتِ كُتُبِهَا إنْ لَمْ تُقْصَدْ (وَلَوْحٍ لِمُعَلِّمٍ وَمُتَعَلِّمٍ) فِي الْمُخْتَصَرُ: أَرْجُو أَنْ مَسَّ الصِّبْيَانِ الْمُصْحَفَ لِلتَّعْلِيمِ وَهُمْ عَلَى غَيْرِ الْوُضُوءِ خَفِيفٌ ابْنُ حَبِيبٍ. وَيُكْرَهُ لَهُمْ مَسُّ الْمُصْحَفِ الْجَامِعِ إلَّا عَلَى وُضُوءٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ: اُسْتُخِفَّ لِلرَّجُلِ يَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ إمْسَاكُ اللَّوْحِ فِيهِ الْقُرْآنُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ الْمُعَلِّمُ يُشَكِّلُ الْأَلْوَاحَ لِلصِّبْيَانِ (وَإِنْ حَائِضًا) سَمِعَ أَبُو زَيْدٍ بْنَ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ لِلْحَائِضِ تُمْسِكُ اللَّوْحَ فِيهِ الْقُرْآنُ فَتَقْرَأُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ (وَجُزْءٍ لِمُتَعَلِّمٍ وَإِنْ بَلَغَ) سَمِعَ أَشْهَبُ لَا بَأْسَ بِمَا تُعَلِّقُهُ الْحَائِضُ وَالْحَبَلَةُ وَالصَّبِيُّ مِنْ مَرَضٍ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ فِي اللَّوْحِ ابْنُ بَشِيرٍ: يَجُوزُ لِلْمُتَعَلِّمِ مَسُّ الْمُصْحَفِ خَلِيلٌ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ بَالِغًا (وَحِرْزٍ بِسَاتِرٍ وَإِنْ لِحَائِضٍ) سَمِعَ أَشْهَبُ لَا بَأْسَ بِمَا تُعَلِّقُهُ الْحَائِضُ وَالْحُبْلَى وَالصَّبِيُّ مِنْ مَرَضٍ أَوْ عَيْنٍ وَالْخَيْلُ وَالْبَهَائِمُ كَذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إجَازَةُ ذَلِكَ وَاسْتَخَفَّهُ بِالْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْهُ. وَإِنَّمَا شَرْطُ ذَلِكَ أَيْ الْحِرْزِ أَنْ يَكُونَ فِي طُهْرٍ مِنْ قَصَبَةِ حَدِيدٍ وَشَبَهِ ذَلِكَ صِيَانَةً مِنْ أَنْ تُصِيبَهُ نَجَاسَةٌ لَا أَنْ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ فِي مَسِّهِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الطَّاهِرِ حَمْلُ الْمُصْحَفِ بِعِلَاقَةٍ وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ. قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعَلَّقَ عَلَى النُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضِ الشَّيْءُ مِنْ الْقُرْآنِ إذَا خَرَّزَ عَلَيْهِ جِلْدًا وَكَانَ فِي قَصَبَةٍ، وَأَكْرَهُ قَصَبَةَ الْحَدِيدِ وَانْظُرْ تَعْلِيقَ هَذَا الْحِرْزِ هَلْ فِي حَالِ الْمَرَضِ أَوْ يَجُوزُ لِلصَّحِيحِ لِيَدْفَعَ مَا يُتَوَقَّعُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ عَيْنٍ؟ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: ذَلِكَ جَائِزٌ مُطْلَقًا عَلَى ظَاهِرِ هَذَا السَّمَاعِ، وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى شَمَّ الرَّيْحَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 وَالْخَلَّ فِي الْحُمَّى الْوَبَائِيَّةِ، نَصَّ الْأَطِبَّاءُ أَنَّ هَذَا مِنْ مُعَالَجَةِ الْعَلِيلِ، فَهَلْ لِلصَّحِيحِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِمَا يُتَوَقَّعُ مِنْ الْحُمَّى؟ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَتَعْلِيقِ الْحِرْزِ. [بَاب فِي الْغُسْلِ] [فَصَلِّ فِي مُوجِبَات الْغُسْل] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْغُسْلِ (يَجِبُ غُسْلُ ظَاهِرِ الْجَسَدِ بِمَنِيٍّ) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ مُوجِبَاتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 الْغُسْلِ الْجَنَابَةُ وَتَحْصُلُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَبِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ (وَإِنْ بِنَوْمٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ فَوَجَدَ فِي لِحَافِهِ بَلَلًا فَإِنْ كَانَ مَنِيًّا اغْتَسَلَ، وَإِنْ كَانَ مَذْيًا غَسَلَ فَرْجَهُ ابْنُ نَافِعٍ: فَإِنْ شَكَّ فِيهِ فَلْيَغْتَسِلْ ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ احْتِيَاطًا قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ مَنْ لَاعَبَ امْرَأَتَهُ فِي الْيَقِظَةِ أَوْ رَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ يُجَامِعُ فَإِنْ أَمْنَى اغْتَسَلَ، وَإِنْ أَمَذَى غَسَلَ فَرْجَهُ، وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ، فِيمَا يَرَاهُ فِي الْمَنَامِ أَوْ الْيَقِظَةِ، الْبَاجِيُّ: وَسَوَاءٌ ذَكَرَ أَنَّهُ جَامَعَ فِي مَنَامِهِ أَوْ الْتَذَّ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ رَأَى الْمَنِيَّ فِي ثَوْبِهِ فَإِنَّهُ يَغْتَسِلُ لِأَنَّ الْغَالِبَ خُرُوجُهُ عَلَى وَجْهِ اللَّذَّةِ، وَانْظُرْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ حَكَى فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الطِّرَازِ: لَا يُشْتَرَطُ فِي إنْزَالِ الْمَرْأَةِ خُرُوجُ مَائِهَا لِأَنَّ عَادَتَهُ أَنْ يَنْدَفِعَ إلَى دَاخِلِ الرَّحِمِ لِيَتَخَلَّقَ مِنْهُ الْوَلَدُ، وَرُبَّمَا دَفَعَتْهُ الرَّحِمُ إلَى خَارِجٍ انْتَهَى اُنْظُرْ هَذَا مَعَ نَصِّ الْمُوَطَّأِ «قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ ثُمَّ قَالَ: مَاءُ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ» أَبُو عُمَرَ: وَإِنْكَارُ عَائِشَةَ وَأَمِّ سَلَمَةَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي النِّسَاءَ مَنْ لَا تَحْتَلِمُ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الرِّجَالِ وَهُوَ فِي النِّسَاءِ أَحْرَى. (أَوْ بَعْدَ ذَهَابِ لَذَّةٍ بِلَا جِمَاعٍ) الْبَاجِيُّ: إنْ لَاعَبَ أَهْلَهُ وَوَجَدَ اللَّذَّةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 الْكُبْرَى وَلَمْ يُجَامِعْ وَلَمْ يُنْزِلْ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَنْزَلَ فَلِمَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَغْتَسِلُ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ عَنْ مُسْتَقَرِّهِ بِاللَّذَّةِ، وَذَلِكَ الْمُرَاعَى فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ دُونَ ظُهُورِهِ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يُعِيدُ وَرَوَى هَذَا ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ رَأَى أَنَّهُ يَحْتَلِمُ وَلَمْ يُنْزِلْ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَنْزَلَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ. وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ إنَّمَا صَارَ جُنُبًا بِخُرُوجِ الْمَاءِ وَذَلِكَ بَعْدَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ الْبَاجِيُّ: وَهَذَا عِنْدِي أَظْهَرُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ قَبْلَ خُرُوجِ الْمَاءِ لَمْ يَجْزِهِ وَذَكَرَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْغُسْلَ وَإِعَادَةَ الصَّلَاةِ رِوَايَةً لِابْنِ وَهْبٍ قَالَ: وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ لَا غُسْلَ وَلَا إعَادَةَ صَلَاةٍ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ مُقَارِنَةٍ (أَوْ بِهِ وَلَمْ يَغْتَسِلْ) اُنْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى هَذَا، وَمِنْ ابْنِ عَرَفَةَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 دُونَ لَذَّةٍ بَعْدَ تَذَكُّرٍ أَوْ مُلَاعَبَةٍ أَوْ مَغِيبٍ بِلَا إنْزَالٍ اغْتَسَلَ لَهُ. ثَالِثُهَا إلَّا فِي الْمَغِيبِ انْتَهَى وَالْقَصْدُ كَشْفُ الْمَنْقُولِ، وَأَمَّا تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ أَعْنِي تَنْزِيلَ الْمَنْقُولِ عَلَى لَفْظِ الْمُؤَلِّفِ فَمَا غَيْرِي بِدُونِيِّ فِي ذَلِكَ (لَا بِلَا لَذَّةٍ) اُنْظُرْ عَلَى مَا قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ فِيمَنْ تَقَدَّمَتْهُ لَذَّةٌ ثُمَّ بَعْدَ سُكُوتِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 خَرَجَ الْمَنِيُّ أَنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَعَلَى تَعْلِيلِ الْبَاجِيِّ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِأَنَّ الْمَنِيَّ انْفَصَلَ عَنْ مُسْتَقَرِّهِ فَيَقْتَضِي هَذَا كُلُّهُ أَنَّ الْمَنِيَّ إذَا خَرَجَ بِلَا لَذَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ وَلَا مُصَاحِبَةٍ أَنَّهُ لَا غُسْلَ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ فُقِدَتْ اللَّذَّةُ الْمُعْتَادَةُ وَغَيْرُ الْمُعْتَادَةِ وَلَمْ تَكُنْ مُقَارِنَةً وَلَا سَابِقَةً فَهَاهُنَا قَوْلَانِ، الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ (أَوْ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ) اُنْظُرْ هُنَا فُرُوعًا ثَلَاثَةً: الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: مَنْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ فَأَمْنَى أَوْ ضُرِبَ بِسَيْفٍ قَالَ سَحْنُونَ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ لَذَّةً، وَمُقْتَضَى مَا لِابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهَا لَذَّةٌ غَيْرُ مُعْتَادَةٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ حَكَّ جَرَبًا فَأَمْنَى. الْفَرْعُ الثَّانِي: لَذَّةٌ المتساحقتين نَصَّ سَحْنُونَ أَنَّ مَنْ أَنْزَلَتْ مِنْهُمَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ الْفَرْعُ الثَّالِثُ: الْمُنْزِلُ لِلَّذَّةِ الْحَكَّةُ أَوْ الْمُسَاحَقَةُ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: هِيَ لَذَّةٌ غَيْرُ مُعْتَادَةٍ كَلَذَّةِ مَنْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ، وَفِي الْغُسْلِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلَانِ. وَقَالَ سَحْنُونَ فِي الْمُنْزِلِ لِحَكَّةٍ: هُوَ مِثْلُ المتساحقتين قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُمَا يَجِدَانِ لَذَّةً، وَضَعَّفَ اللَّخْمِيِّ الْقَوْلَ الْآخَرَ فَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ خَلِيلٍ. (وَيَتَوَضَّأُ كَمَنْ جَامَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَمْنَى وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ) مِنْ سَمَاعِ عِيسَى: مَنْ جَامَعَ وَلَمْ يُنْزِلْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ الْمَاءُ الدَّافِقُ بَعْدَ أَنْ اغْتَسَلَ يَتَوَضَّأُ وَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، ابْنُ رُشْدٍ: وَجْهُ تَرْكِ الْغُسْلِ أَنَّ هَذَا الْمَاءَ قَدْ كَانَ اغْتَسَلَ لَهُ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ مَاءٌ خَرَجَ عَلَى غَيْرِ الْعَادَةِ إذْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ لَذَّةٌ فَأَشْبَهَ مَنْ ضُرِبَ بِسَيْفٍ، وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا: إنَّ عَلَيْهِ الْغُسْلَ الْبَاجِيُّ: وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَعْنِي الْقَوْلَ بِالْغُسْلِ يُخْتَلَفُ هَلْ يُعِيدُ الصَّلَاةَ؟ انْتَهَى. فَإِعَادَةُ الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ فَكَانَ خَلِيلٌ فِي غِنًى عَنْ قَوْلِهِ: " وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ " وَانْظُرْ مَنْ خَرَجَ بَقِيَّةُ مَنِيِّهِ بَعْدَ غُسْلِهِ وَسَوَاءٌ بَالَ أَمْ لَا قَالَ مَالِكٌ: يَغْسِلُ مَخْرَجَ الْبَوْلِ وَيَتَوَضَّأُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ اُنْظُرْ خُرُوجَ مَاءِ الرَّجُلِ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ غُسْلِهَا، رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ بَوْلِهَا. (وَبِمَغِيبِ حَشَفَةِ بَالِغٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ مَغِيبُ حَشَفَةِ غَيْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 خُنْثَى أَوْ مِثْلِهَا وَمِنْ مَقْطُوعِهَا فِي دُبُرِ أَوْ قُبُلِ غَيْرِ خُنْثَى وَلَوْ مِنْ بَهِيمَةٍ مَاتَتْ عَلَى مَنْ هِيَ مِنْهُ أَوْ غَابَتْ فِيهِ وَلَوْ مُكْرَهًا أَوْ ذَاهِبًا عَقْلُهُ أَبُو عُمَرَ: فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ فُعِلَ بِهِ مِنْ آدَمِيٍّ بَالِغٍ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، سَوَاءٌ كَانَ عَاصِيًا لَهُ بِفِعْلِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَمَا يَجِبُ عَلَى الْعَاصِي مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ الْمَازِرِيُّ: وَتَتَخَرَّجُ حَشَفَةُ الْخُنْثَى وَفَرْجُهُ عَلَى الشَّكِّ فِي الْحَدَثِ اللَّخْمِيِّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ: بَعْضُ الْحَشَفَةِ لَغْوٌ قَالَ: وَمَغِيبُ الْحَشَفَةِ مَلْفُوفَةً الْأَشْبَهُ إنْ كَانَتْ رَقِيقَةً أَوْجَبَ ابْنُ شَعْبَانَ: إنْ أَدْخَلَتْ زَوْجَةُ الْعِنِّينِ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا لَزِمَهَا الْغُسْلُ الشَّيْخُ: أَعْرِفُ فِيهِ اخْتِلَافًا انْتَهَى مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ. (لَا مُرَاهِقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تَغْتَسِلُ الْكَبِيرَةُ مِنْ وَطْءِ الصَّبِيِّ إلَّا أَنْ تُنْزِلَ هِيَ لِأَنَّ ذَكَرَ الصَّبِيِّ كَالْأُصْبُعِ (أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 فِي فَرْجٍ وَإِنْ مِنْ بَهِيمَةٍ وَمَيِّتٍ) هَذَا دَاخِلٌ كُلُّهُ فِي عِبَارَةِ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: مَغِيبُ الْحَشَفَةِ يُوجِبُ نَيِّفًا عَلَى مِائَتَيْنِ حُكْمٍ (وَنُدِبَ لِمُرَاهِقٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا عُدِمَ الْبُلُوغُ فِي الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ لَا غُسْلَ وَيُؤْمَرَانِ بِهِ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ (كَصَغِيرَةٍ وَطِئَهَا إلَخْ) . قَالَ أَشْهَبُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 إذَا وَطِئَ الْبَالِغُ صَبِيَّةً صَغِيرَةً تُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ اغْتَسَلَتْ ابْنُ يُونُسَ: لَمَّا كَانَتْ مَأْمُورَةً بِالصَّلَاةِ أُمِرَتْ بِالْغُسْلِ اللَّخْمِيِّ: هَذَا حَسَنٌ. وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ: لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَوَجَّهَهُ ابْنِ يُونُسَ. (لَا بِمَنِيٍّ وَصَلَ لِلْفَرْجِ وَلَوْ الْتَذَّتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ دَخَلَ فَرْجَهَا مَاءُ وَاطِئِهَا دُونَهُ فَلَا غُسْلَ مَا لَمْ تَلْتَذَّ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَيْ تُنْزِلْ. (وَبِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: انْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ يُوجِبُ الْغُسْلَ (بِدَمٍ وَاسْتُحْسِنَ وَبِغَيْرِهِ) سَمِعَ أَشْهَبُ: وَوَلَدَتْ دُونَ دَمٍ اغْتَسَلَتْ ابْنُ رُشْدٍ: أَيْ دُونَ دَمٍ كَثِيرٍ إذْ خُرُوجُهُ بِلَا دَمٍ مُحَالٌ عَادَةً اللَّخْمِيِّ: الْغُسْلُ لِلدَّمِ لَا لِلْوَلَدِ وَلَوْ نَوَتْ أَنْ تَغْتَسِلَ لِخُرُوجِ الْوَلَدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 دُونَ الدَّمِ لَمْ يُجِزْهَا، فَسَمَاعُ أَشْهَبَ مَنْ وَلَدَتْ دُونَ دَمٍ اغْتَسَلَتْ اسْتِحْسَانٌ. (لَا بِاسْتِحَاضَةٍ وَنُدِبَ لِانْقِطَاعِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا انْقَطَعَ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ وَكَانَتْ قَدْ اغْتَسَلَتْ لَا تُعِيدُ الْغُسْلَ ثُمَّ قَالَ: تَتَطَهَّرُ ثَانِيَةً أَحَبُّ إلَيَّ وَهَذَا اسْتَحَبَّ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَفِي الرِّسَالَةِ يَجِبُ الطُّهْرُ لِانْقِطَاعِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: اسْتَشْكَلُوا ظَاهِرَ الرِّسَالَةِ ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ كَانَ هَذَا الِاسْتِشْكَالُ لِمُخَالَفَتِهِ الْمُدَوَّنَةَ فَالْمَشْهُورُ قَدْ لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا وَإِنْ كَانَ لِعَدَمِ وُجُودِهِ فَقُصُورُ النَّصِّ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ: قَالَ مَرَّةً تَغْتَسِلُ وَمَرَّةً لَا تَغْتَسِلُ. (وَيَجِبُ غُسْلُ كَافِرٍ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِمَا ذُكِرَ) ابْنُ رُشْدٍ: سَمَاعُ سَحْنُونٍ إنَّمَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ إذَا كَانَ أَجْنَبَ مُفَسِّرٌ لِكُلِّ الرِّوَايَاتِ اللَّخْمِيِّ: إنْ لَمْ يَكُنْ جُنُبًا اغْتَسَلَ لِنَجَاسَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 جِسْمِهِ وَانْظُرْ إذَا أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ ارْتَدَّ، أَمَّا الْوُضُوءُ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ (وَصَحَّ قَبْلَهَا وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 الْإِسْلَامِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اغْتَسَلَ لِلْإِسْلَامِ وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَجْزَاهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فِيهِ الْجَنَابَةَ وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لِأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الطُّهْرَ (لَا الْإِسْلَامُ إلَّا لِعَجْزٍ) الَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ: إسْلَامُهُ بِالْقَلْبِ إسْلَامٌ حَقِيقِيٌّ لَوْ مَاتَ قَبْلَ نُطْقِهِ مَاتَ مُؤْمِنًا إلَّا أَنَّا لَا نَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ حَتَّى يُظْهِرَهُ إلَيْهَا بِلِسَانِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبْكَمَ يَصِحُّ إيمَانُهُ لِأَنَّ الْإِيمَانَ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ. (وَإِنْ شَكَّ أَمَذْيٌ أَمْ مَنِيٌّ اغْتَسَلَ) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا قَوْلَ ابْنِ نَافِعٍ إنْ شَكَّ اغْتَسَلَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ بِنَوْمٍ (وَأَعَادَ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ كَتَحَقُّقِهِ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَيَشُكُّ فِي حَدَثِهِ " نَصُّ الْمُوَطَّأِ وَكَلَامُ أَبِي عَمْرٍو الْبَاجِيِّ وَانْظُرْ ابْنَ يُونُسَ فِي تَرْجَمَةِ الْإِمَامِ يُصَلِّي وَهُوَ جُنُبٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 وَانْظُرْ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ نَوَاقِضِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ الرِّدَّةَ يَبْقَى النَّظَرُ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ. (وَوَاجِبُهُ نِيَّةٌ وَمُوَالَاةٌ كَالْوُضُوءِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فَرْضُ الْغُسْلِ النِّيَّةُ الْبَاجِيُّ يَنْوِي الْجَنَابَةَ أَوْ مَا يُغْسَلُ لَهُ كُلُّ الْجَسَدِ وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا أَوْ يَنْوِي اسْتِبَاحَةَ كُلِّ مَوَانِعِهَا أَوْ بَعْضِهَا ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُجْزِئُ مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ قَالَ: وَمُوَالَاتُهُ كَالْوُضُوءِ. (وَإِنَّ نَوَتْ الْحَيْضَ وَالْجَنَابَةَ أَوْ أَحَدَهُمَا نَاسِيَةً لِلْأُخْرَى أَوْ نَوَى الْجَنَابَةَ وَالْجُمُعَةَ أَوْ نِيَابَةً عَنْ الْجُمُعَةِ حَصَلَا) ابْنُ حَبِيبٍ: لَوْ حَاضَتْ جُنُبٌ أَوْ بِالْعَكْسِ فَلْتَنْوِهِمَا عِنْدَ الْغُسْلِ وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ نَسِيَ حَدَثًا " أَنَّهَا إنْ نَوَتْ وَاحِدًا نَاسِيَةً لِلْآخَرِ أَنَّهُ يُجْزِئُهَا وَهَذَا هُوَ رَابِعُ الْأَقْوَالِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ نَوَى الْجَنَابَةَ وَالْجُمُعَةَ مَعًا صَحَّ وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: إنْ قَصَدَ بِغُسْلِ جَنَابَتِهِ نِيَابَةً عَنْ جُمُعَةٍ أَجْزَأَ، وَإِنْ خَلَطَهُمَا فِي نِيَّةٍ لَمْ يُجْزِهِ (وَإِنْ نَسِيَ الْجَنَابَةَ أَوْ قَصَدَ نِيَابَةً عَنْهَا انْتَفَيَا) ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: إنْ نَوَى بِغُسْلِهِ الْجُمُعَةَ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ نِيَّةِ الْجَنَابَةِ الْبَاجِيُّ: وَجْهُهُ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَلَا يُجْزِئُهُ نِيَّتُهُ عَنْ نِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَهُوَ وَاجِبٌ. (وَتَخْلِيلُ شَعْرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: تَخْلِيلُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاجِبٌ ابْنُ يُونُسَ: وَالصَّوَابُ وُجُوبُ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ، وَسَمِعَهُ أَشْهَبُ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ سُقُوطَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 (وَضِغْثُ مَضْفُورِهِ لَا نَقْضُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تُضْغِثُ شَعْرَهَا بِيَدِهَا وَلَا تُنْقِضُ ضَفْرَهَا، ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ وَإِلَّا نَقْضُ الضَّفْرِ فَتْلُ بَعْضِ الشَّعْرِ بِبَعْضٍ وَالْعَقْصُ جَمْعُ مَا ضُفِرَ مِنْهُ قُرُونًا صَفًّا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. (وَدَلْكٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ وُجُوبُ التَّدَلُّكِ ابْنُ يُونُسَ: مِنْ شَرٍّ وَمَا كَوْنُهُ غُسْلًا، إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْبَدَنِ كُلِّهِ (وَلَوْ بَعْدَ الْمَاءِ) اُنْظُرْهُ فِي الْوُضُوءِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَالدَّلْكِ " وَنَصَّ ابْنُ يُونُسَ " وَتَدْلُكُ بِالْقُرْبِ " (أَوْ بِخِرْقَةٍ أَوْ اسْتِنَابَةٍ وَإِنْ تَعَذَّرَ سَقَطَ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَا عَجَزَ عَنْهُ سَاقِطٌ فَإِنْ أَمْكَنَهُ بِنِيَابَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ فَلِسَحْنُونٍ يَجِبُ، وَلِابْنِ حَبِيبٍ لَا يَجِبُ ابْنُ رُشْدٍ: الصَّوَابُ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَلِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِيُسْرِ الدِّينِ فَيُوَالِي صَبَّ الْمَاءِ خَاصَّةً وَيُجْزِئُهُ. (وَسُنَنُهُ غَسْلُ يَدَيْهِ أَوَّلًا) ابْنُ بَشِيرٍ: مِنْ سُنَنِ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ (وَصِمَاخِ أُذُنَيْهِ وَمَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ عِنْدَنَا سُنَّتَانِ فِي الْغُسْلِ وَكَذَا مَسْحُ دَاخِلِ الْأُذُنَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالدَّاخِلِ هُنَا الصِّمَاخُ وَأَمَّا خَارِجُهُ فَلَا خِلَافَ فِي فَرْضِيَّتِهِ. (وَنُدِبَ بَدْءٌ بِإِزَالَةِ الْأَذَى) اللَّخْمِيِّ: يَبْتَدِئُ الْجُنُبُ بِغَسْلِ مَوَاضِعِ الْأَذَى ثُمَّ يَغْسِلُ تِلْكَ الْمَوَاضِعَ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ عَنْ الْجَنَابَةِ، الْمَازِرِيُّ: لِيَسْلَمَ مِنْ مَسِّ ذَكَرِهِ فِي غُسْلِهِ اللَّخْمِيِّ: فَإِنْ نَوَى الْجَنَابَةَ فِي حِينِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَغَسَلَ غُسْلًا وَاحِدًا أَجْزَأَ ابْنُ أَبِي يَحْيَى: وَهَذَا عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ. (ثُمَّ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: مِنْ فَضَائِلِ الْغُسْلِ الِابْتِدَاءُ بِالْوُضُوءِ قَبْلَهُ اللَّخْمِيِّ: وَيَنْوِي بِهِ الْجَنَابَةَ وَإِنْ نَوَى الْوُضُوءَ أَجْزَأَهُ (كَامِلَةً) رَوَى عَلِيٌّ: يُتِمُّ وُضُوءَهُ فِي أَوَّلِ غُسْلِهِ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى تَأْخِيرِ الرِّجْلَيْنِ آخِرَهُ (مَرَّةً) عِيَاضٌ: لَمْ يَأْتِ فِي وُضُوءِ الْجُنُبِ تَكْرَارٌ وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ: يَتَوَضَّأُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 وُضُوءَ الصَّلَاةِ فَإِنْ شَاءَ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُمَا إلَى آخِرِهِ. (وَأَعْلَاهُ وَمَيَامِنِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ مِنْ فَضَائِلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 الْغُسْلِ أَنْ يَغْسِلَ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى وَالْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ. (وَتَثْلِيثُ رَأْسِهِ) ابْنُ يُونُسَ: مِنْ فَضَائِلِ الْغُسْلِ أَنْ يَغْمِسَ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ بَعْدَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُخَلِّلَ بِأَصَابِعِهِ أُصُولَ شَعْرِ رَأْسِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ مِنْ مَاءٍ بِيَدَيْهِ عِيَاضٌ: الْغَرْفَةُ الْأُولَى لِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ وَالثَّانِيَةُ لِلْأَيْسَرِ وَالثَّالِثَةُ لِلْوَسَطِ. (وَقِلَّةُ الْمَاءِ بِلَا حَدٍّ) اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقِلَّةُ مَاءٍ بِلَا حَدٍّ ". (كَغَسْلِ فَرْجِ جُنُبٍ لِعَوْدِهِ لِجِمَاعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لِلْجُنُبِ أَنْ يَأْكُلَ إذَا غَسَلَ يَدَهُ مِنْ الْأَذَى وَلَهُ أَنْ يُعَاوِدَ أَهْلَهُ ابْنُ يُونُسَ: يَعْنِي امْرَأَتَهُ الَّتِي كَانَ وَطِئَهَا أَوْ جَارِيَتَهُ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَطَأَ زَوْجَةً لَهُ أُخْرَى فِي يَوْمِ الْأُخْرَى الْبَاجِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُ فَرْجِهِ وَمَوَاضِعِ النَّجَاسَةِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُعَاوِدَ الْجِمَاعَ. (وَوُضُوئِهِ لِنَوْمٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: وُضُوءُ الْجُنُبِ لِنَوْمِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 مُسْتَحَبٌّ (لَا تَيَمُّمٍ وَلَمْ يَبْطُلُ إلَّا بِجِمَاعٍ) رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: وُضُوءَ الْجُنُبِ لِيَنْشَطَ لِغُسْلِهِ اللَّخْمِيِّ: فَعَلَيْهِ إنْ فَقَدَ الْمَاءَ أَنْ لَا يَتَيَمَّمَ وَلَا يَنْتَقِضَ بِحَدَثٍ غَيْرِ الْجِمَاعِ. (وَتَمْنَعُ الْجَنَابَةُ مَوَانِعَ الْأَصْغَرِ وَالْقِرَاءَةَ) ابْنُ عَرَفَةَ: تَمْنَعُ الْجَنَابَةُ كَالْحَدَثِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ (إلَّا كَآيَةٍ لِتَعَوُّذٍ وَنَحْوِهِ) قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ إلَّا الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ عِنْدَ أَخْذِهِ مَضْجَعَهُ أَوْ يَتَعَوَّذُ لِارْتِيَاعٍ وَنَحْوِهِ لَا عَلَى جِهَةِ التِّلَاوَةِ، فَأَمَّا الْحَائِضُ فَلَهَا أَنْ تَقْرَأَ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ طُهْرَهَا، يُرِيدُ فَإِنْ طَهُرَتْ وَلَمْ تَغْتَسِلْ بِالْمَاءِ فَلَا تَقْرَأُ حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 قَدْ مَلَكَتْ طُهْرَهَا اُنْظُرْ الصَّلَاةَ الثَّانِي مِنْ ابْنِ يُونُسَ، اُنْظُرْ الْمَرْأَةَ إذَا أَصَابَتْهَا الْحَيْضَةُ وَهِيَ جُنُبٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الصَّوَابُ أَنَّ لَهَا أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ لِلْجَنَابَةِ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ مُرْتَفِعٌ مَعَ الْحَيْضِ، وَانْظُرْ قِرَاءَةَ الْجُنُبِ آيَةً لِغَيْرِ تَعَوُّذٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: تَوَقَّفَ بَعْضُهُمْ فِي قِرَاءَةِ آيَةِ الدَّيْنِ لِطُولِهَا وَلِمَفْهُومِ نَقْلِ الْبَاجِيِّ: يَقْرَأُ الْجُنُبُ الْيَسِيرَ وَلَا حَدَّ فِيهِ تَعَوُّذًا وَتَبَرُّكًا. (وَدُخُولَ مَسْجِدٍ وَلَوْ مُجْتَازًا) ابْنُ عَرَفَةَ، تَمْنَعُ الْجَنَابَةُ دُخُولَ الْمَسْجِدِ وَلَوْ عَابِرَ سَبِيلٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَمُرَّ فِيهِ وَيَقْعُدَ مَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَمُرَّ الْجُنُبُ فِي الْمَسْجِدِ عَابِرَ سَبِيلٍ، وَتَأَوَّلَ مَالِكٌ {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} [النساء: 43] الْآيَةُ أَيْ لَا تَفْعَلُوا فِي حَالِ السُّكْرِ صَلَاةً وَلَا تَفْعَلُوهَا وَأَنْتُمْ جُنُبٌ إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ أَيْ وَأَنْتُمْ مُسَافِرُونَ بِالتَّيَمُّمِ وَأَجَازَ ابْنُ مَسْلَمَةَ دُخُولَهُ مُطْلَقًا فَأَلْزَمَهُ اللَّخْمِيِّ الْحَائِضَ مُسْتَثْفِرَةً. وَرَدَّهُ عِيَاضٌ بِمَنْعِهِ إدْخَالَ الْمَسْجِدِ النَّجَاسَةَ ابْنُ عَرَفَةَ لَعَلَّهُ يُجِيزُ ذَلِكَ مَسْتُورًا دَمُهُ بِبَعْضِهِ وَهُوَ أَحَدُ نَقْلَيْ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنَاءً لِبَوْلٍ " ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ تَذَكَّرَ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّهُ جُنُبٌ خَرَجَ وَلَمْ يَتَيَمَّمْ، وَكَذَا اتَّفَقَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْظُرْ عَكْسَ هَذَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ مَاءً إلَّا فِي الْمَسْجِدِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَسَكَتَ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ ابْنِ قَدَّاحِ: إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَالدَّلْوُ بِالْمَسْجِدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 فَلْيَتَيَمَّمْ الْجُنُبُ وَيَدْخُلُ لِأَخْذِهِ وَانْظُرْ مَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَتَيَمَّمَ هَلْ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ؟ (كَكَافِرٍ وَإِنْ أَذِنَ مُسْلِمٌ) ابْنُ رُشْدٍ: لَمْ يُنْكِرْ مَالِكٌ بُنْيَانَ النَّصَارَى فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَحَبَّ أَنْ يَدْخُلُوا مِمَّا يَلِي مَوْضِعَ عَمَلِهِمْ، وَخَفَّفَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنْ يُمْنَعُوا مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ مُرَاعَاةً لِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ إذْ مِنْهُمْ مَنْ أَبَاحَ أَنْ يَدْخُلُوا كُلَّ مَسْجِدٍ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامِ لِحَدِيثِ ثُمَامَةَ وَرَبَطَهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ غَيْرُ مُتَعَبِّدٍ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ فَافْتَرَقَا فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ. (وَلِلْمَنِيِّ تَدَفُّقٌ وَرَائِحَةُ طَلْعٍ أَوْ عَجِينٍ) ابْنُ شَاسٍ: مَنِيُّ الرَّجُلِ فِي اعْتِدَالِ الْحَالِ أَبْيَضُ ثَخِينٌ دَافِقٌ ذُو دَفَعَاتٍ يَخْرُجُ بِشَهْوَةٍ وَيَعْقُبُ خُرُوجَهُ فُتُورٌ وَرَائِحَةٌ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ وَيَقْرُبُ مِنْ رَائِحَةِ الطَّلْعِ رَائِحَةُ الْعَجِينِ، وَمَنِيُّ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ. (وَيُجْزِئُ عَنْ الْوُضُوءِ وَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُ جَنَابَتِهِ) اللَّخْمِيِّ: النِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ تُجْزِئُ عَنْ الْغُسْلِ، وَفِي الْغُسْلِ تُجْزِئُ عَنْ الْوُضُوءِ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا فَرْضٌ. (وَغَسْلُ الْوُضُوءِ عَنْ غَسْلِ مَحَلِّهِ وَلَوْ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ) اللَّخْمِيِّ: لَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ جُنُبٌ أَجْزَأَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْمَغْسُولِ مِنْ الْوُضُوءِ اُنْظُرْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلِّحْيَةِ وَمَا بَيْنَ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ بَيْنَ الطَّهَارَتَيْنِ فَرْقًا. (كَلَمْعَةٍ مِنْهَا وَإِنْ مِنْ جَبِيرَةٍ) وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَصَابَ الْجُنُبَ كَسْرٌ أَوْ شَجَّةٌ فَكَانَ يَنْسَكِبُ عَنْهَا الْمَاءُ لِمَوْضِعِ الْجَبَائِرِ فَإِنَّهُ إذَا صَحَّ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ حَتَّى صَلَّى صَلَوَاتٍ تَوَضَّأَ لَهَا، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَالظَّهْرِ وَالصَّدْرِ وَقَدْ كَانَ مَسَحَ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقِ الْجَبَائِرِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ غَسَلَ الْمَوْضِعَ فَقَطْ وَأَعَادَ مَا صَلَّى مِنْ يَوْمِ بَرَأَ وَطَهُرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَطَهَّرَ لِجَنَابَةٍ بَعْدَ بُرْئِهِ فَإِنَّمَا يُعِيدُ مَا صَلَّى بَعْدَ بُرْئِهِ إلَى حِينِ طُهْرِهِ الثَّانِي قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَهَذَا إنْ تَرَكَ غَسْلَهُ نَاسِيًا وَأَمَّا تَهَاوُنًا أَوْ عَامِدًا فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ الْغَسْلَ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَتَوَضَّأَ بَعْدَ بُرْئِهِ فَإِنَّمَا يُعِيدُ مَا صَلَّى بَعْدَ بُرْئِهِ إلَى حِينِ وُضُوئِهِ ابْنُ يُونُسَ: فَيُجْزِئُ غَسْلُ الْوُضُوءِ فِيهِ غَسْلَ الْجَنَابَةِ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَهُمَا فَرْضَانِ فَأَجْزَأَ أَحَدُهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 عَنْ الْآخَرِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ يَتَيَمَّمُ لِلْوُضُوءِ نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ نَائِبٌ عَنْ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. وَالتَّيَمُّمُ عَنْ الْجَنَابَةِ نَائِبٌ عَنْ غَسْلِ جَمِيعِ الْجَسَدِ فَلَا يُجْزِئُ مَا نَابَ عَنْ غَسْلِ بَعْضِ الْبَدَنِ عَمَّا يُجْزِئُ عَنْ جَمِيعِهِ، وَالْغَسْلُ فِي الْجُرْحِ لَمْ يَنُبْ عَنْ غَيْرِهِ، وَالْحُكْمُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي الْجُرْحِ غَسْلُ تِلْكَ اللَّمْعَةِ فَأَجْزَأَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ. [بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْجَبَائِرِ] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ السَّادِسُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْجَبَائِرِ (رُخِّصَ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مُسْتَحَاضَةٍ بِحَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ مَسْحُ جَوْرَبٍ جُلِّدَ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ وَخُفٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُمْسَحُ عَلَى ظُهُورِ الْخُفَّيْنِ وَبَاطِنِهِمَا. ابْنُ الطَّلَّاعِ: نَفْسُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ فَرْضٌ وَالِانْتِقَالُ إلَيْهِ مِنْ الْغَسْلِ رُخْصَةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ جَوَازُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ فِي الْوُضُوءِ بَدَلَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَالْمَرْأَةُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالرَّأْسِ مِثْلُ الرَّجُلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلِلْمُسْتَحَاضَةِ أَنْ تَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهَا وَلَا تَتَّبِعُ غُضُونَهُمَا وَهُوَ تَكْسِيرُ أَعْلَاهُمَا. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُمْسَحُ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ فَوْقِهِمَا وَتَحْتِهِمَا جِلْدٌ مَخْرُوزٌ وَقَدْ بَلَغَ الْكَعْبَيْنِ فَلْيُمْسَحْ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ رَجَعَ قَالَ: لَا يُمْسَحُ عَلَيْهِمَا. وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ جِلْدٌ مَخْرُوزٌ يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ فَهَذَا كَالْخُفِّ. اللَّخْمِيِّ: الْجُرْمُوقُ شَيْءٌ يُعْمَلُ مِنْ غَيْرِ الْجِلْدِ وَيُعْمَلُ عَلَيْهِ الْجِلْدُ. الْبَاجِيُّ: وَجْهُ رِوَايَةِ مَنْعِ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقِ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ لِمَشَقَّةِ خَلْعِهِ وَلُبْسِهِ، بِخِلَافِ الْجُرْمُوقِ فَإِنَّهُ كَالنَّعْلِ. أَبُو عُمَرَ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ الْمُجَلَّدَيْنِ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ. الْجُزُولِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي الْجَوْرَبِ وَالْجُرْمُوقِ هَلْ هُمَا اسْمَانِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ؟ (وَلَوْ عَلَى خُفٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ لَبِسَ خُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ لَبِسَ آخَرَ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 فَوْقِهِمَا ثُمَّ أَحْدَثَ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا أَيْضًا. قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ لَبِسَ خُفَّيْنِ عَلَى خُفَّيْنِ مَسَحَ الْأَعْلَى مِنْهُمَا. (بِلَا حَائِلٍ كَطِينٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَيَنْزِعُ مَا بِأَسْفَلِ الْخُفِّ مِنْ طِينٍ قَبْلَ الْمَسْحِ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لِأَنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْخُفِّ وَهَذَا حَائِلٌ دُونَ الْخُفِّ فَوَجَبَ نَزْعُهُ كَمَا لَوْ لَفَّ عَلَى الْخُفِّ خِرْقَةً لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمَاسِحَ عَلَى غَيْرِ الْخُفِّ. وَانْظُرْ إنْ لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى الريحية وَالْغَلَصَاتِ. قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: يُمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَا أُبَالِي لَبِسَهُمَا بِخِرَقٍ أَوْ بِجَوْرَبٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِيهِمَا بِغَيْرِ لِفَافَةٍ. (إلَّا الْمِهْمَازَ) سُمِعَ سَحْنُونَ يَمْسَحُ عَلَى الْمَهَامِيزِ وَلَا يَنْزِعُهُمَا. (وَلَا حَدَّ) التَّلْقِينُ: الْمَسْحُ جَائِزٌ عَلَى الْخُفَّيْنِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ لِمُدَّةٍ مِنْ الزَّمَانِ لَا يَقْطَعُهُ، إلَّا الْخَلْعُ أَوْ حُدُوثُ مَا يُوجِبُ الْغَسْلَ. (بِشَرْطِ جِلْدٍ) ابْنُ يُونُسَ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى الْخِرَقِ إذَا لَفَّ بِهَا رِجْلَيْهِ. (طَاهِرٍ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجِلْدٍ وَلَوْ دُبِغَ " (خُرِزَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ جِلْدٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 مَخْرُوزٌ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُمْسَحُ عَلَى ذِي الْخَرْقِ الْيَسِيرِ، اُنْظُرْ السِّبَاطَ الَّذِي بِالْقَفْلِ هَلْ الْقَفْلُ كَالْخَرَزِ، نَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. (وَسَتَرَ مَحَلَّ الْفَرْضِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا كَانَ الْخُفُّ دُونَ الْكَعْبَيْنِ فَلَا يُمْسَحُ عَلَيْهِ (وَأَمْكَنَ تَتَابُعُ الْمَشْيِ بِهِ) الْبَاجِيُّ: يُمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ إذَا كَانَ مِنْ الصِّحَّةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ بِهِ غَالِبًا. (بِطَهَارَةِ مَاءٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ لَمْ يُمْسَحْ عَلَيْهِمَا إذَا تَوَضَّأَ. ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُهُ لُبْسُهُ عَلَى طَهَارَةِ حَدَثٍ بِالْمَاءِ وَلَوْ بِالْغَسْلِ (كَمُلَتْ) ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إنْ لَبِسَ الْيُمْنَى قَبْلَ غَسْلِ الْيُسْرَى إلَّا إنْ نَزَعَهَا وَلَبِسَهَا قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ. (بِلَا تَرَفُّهٍ) الْبَاجِيُّ: إنَّمَا يُبِيحُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا لَبِسَهُمَا لِلْوَجْهِ الْمُعْتَادِ مِنْ الْمَشْيِ فِيهِمَا أَوْ التَّوَقِّي بِهِمَا. (أَوْ عِصْيَانٍ بِلُبْسِهِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُحْرِمٌ. الشَّيْخُ: لِعِصْيَانِهِ بِلُبْسِهِمَا وَلَوْ لَبِسَهُمَا لِعِلَّةٍ مَسَحَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا نَصَّ فِي الْخُفِّ الْمَغْصُوبِ وَفِيهِ نَظَرٌ. انْتَهَى. اُنْظُرْ الْفَرْقَ السَّبْعِينَ مِنْ قَوَاعِدِ الْقَرَافِيُّ ذَكَرَ فِيهِ مَنْ مَسَحَ عَلَى خُفٍّ مَغْصُوبٍ أَوْ حَجَّ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ أَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ. (أَوْ سَفَرِهِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِي مِنْ التَّرَخُّصِ بِسَبَبِ عِصْيَانِ السَّفَرِ إلَّا رُخْصَةٌ يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِي السَّفَرِ كَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ لَا التَّيَمُّمُ وَمَسْحُ الْخُفَّيْنِ، وَنَحْوُ هَذَا لِابْنِ يُونُسَ فِي الْمُضْطَرِّ فِي سَبَبِ الْمَعْصِيَةِ. اُنْظُرْ فِي الْقَصْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " غَيْرَ عَاصٍ بِهِ ". (فَلَا يُمْسَحُ وَاسِعًا) الْجَلَّابُ: لَا بَأْسَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْوَاسِعَيْنِ فَإِنْ خَرَجَتْ رِجْلُهُ مِنْ مُقَدَّمِ الْخُفِّ إلَى سَاقِهِ بَطَلَ مَسْحُهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ رِجْلَيْهِ، وَإِنْ أَخْرَجَ عَقِبَهُ مِنْ مُقَدَّمِهِ إلَى سَاقِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُخْرِجَ جُلَّ رِجْلِهِ (وَمُخَرَّقٌ قَدْرُ ثُلُثِ الْقَدَمِ) ابْنُ رُشْدٍ: مَدْلُولُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ الثُّلُثَ آخِرُ حَدِّ الْيَسِيرِ وَأَوَّلُ حَدِّ الْكَثِيرِ، فَيَجِبُ أَنْ يُمْسَحَ عَلَى مَا دُونَ الثُّلُثِ وَلَا يُمْسَحُ عَلَى مَا كَانَ خَرْقُهُ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ أَعْنِي ثُلُثَ الْقَدَمِ مِنْ الْخُفِّ لَا ثُلُثَ جَمِيعِ الْخُفِّ (وَإِنْ بِشَكٍّ) ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ أَشْكَلَ الْخَرْقُ فَلَمْ يُدْرَ أَمِنَ الْكَثِيرِ هُوَ أَمْ مِنْ الْقَلِيلِ فَلَا مَسْحَ عَلَيْهِ. (كَمُنْفَتِحٍ صَغُرَ) ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا يُمْسَحُ عَلَى الْخَرْقِ الَّذِي يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ مُلْتَصِقًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 كَالشَّقِّ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ الْقَدَمُ، وَأَمَّا إنْ اتَّسَعَ الْخَرْقُ وَانْفَتِحْ حَتَّى يَظْهَرَ مِنْهُ الْقَدَمُ فَلَا يُمْسَحُ عَلَيْهَا لَا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا جِدًّا. (أَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ كَمَّلَ أَوْ رِجْلًا فَأَدْخَلَهَا حَتَّى يَخْلَعَ الْمَلْبُوسَ قَبْلَ الْكَمَالِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ غَسَلَ رِجْلًا فَأَدْخَلَهَا فِي الْخُفِّ ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى فَأَدْخَلَهَا، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُمْسَحُ، وَكَذَلِكَ يُخْتَلَفُ فِيمَنْ نَكَّسَ وُضُوءَهُ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَهُمَا فِي الْخُفَّيْنِ ثُمَّ غَسَلَ بَقِيَّةَ الْأَعْضَاءِ انْتَهَى. وَنَصُّ السَّمَاعِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَكْفِيهِ لِوُضُوئِهِ فَجَهِلَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ قَبْلُ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ بَقِيَّةَ وُضُوئِهِ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ بَعْدَ وُضُوئِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَقِيلَ لِسَحْنُونٍ: لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ وَقَدْ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَكَرَ وَقَدْ جَفَّ وُضُوءُهُ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: إلَّا أَنْ يَخْلَعَ خُفَّيْهِ بَعْدَ أَنْ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ لَبِسَهُمَا قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ، وَكَذَلِكَ إذَا لَبِسَ خُفَّهُ الْيُمْنَى قَبْلَ غَسْلِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَلَا يَمْسَحُ. ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ رَأَى أَنَّهُ كُلَّمَا غَسَلَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ طَهُرَ ذَلِكَ الْعُضْوُ وَجَازَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ إذَا لَبِسَهُمَا بَعْدَ أَنْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ لِلْوُضُوءِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ وُضُوءَهُ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ قَالَ: وَجَوَازُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 الْمَسْحِ أَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَطْهُرُ بِانْفِرَادِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ» (وَلَا مُحْرِمٌ لَمْ يَضْطَرَّ وَفِي غَصْبٍ تَرَدُّدٌ) تَقَدَّمَ الْفَرْعَانِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعِصْيَانٌ بِلُبْسِهِ " وَقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ " لَا نَصَّ فِي الْخُفِّ الْمَغْصُوبِ " قَالَ: وَقِيَاسُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ يُرَدُّ بِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ آكِدٌ وَقِيَاسُهُ عَلَى مَغْصُوبِ الْمَاءِ يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَالثَّوْبُ يُسْتَتَرُ بِهِ، وَالْمُدْيَةُ يُذْبَحُ بِهَا، وَالْكَلْبُ يُصَادُ بِهِ، وَالصَّلَاةُ بِالدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ يُرَدُّ بِأَنَّهَا عَزَائِمُ. (وَلَا لَابِسٍ لِمُجَرَّدِ الْمَسْحِ أَوْ لِيَنَامَ وَفِيهَا يُكْرَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْمَرْأَةِ تُخَضِّبُ رِجْلَيْهَا بِالْحِنَّاءِ وَهِيَ عَلَى وُضُوءٍ فَتَلْبَسُ خُفَّيْهَا لِتَمْسَحَ عَلَيْهِمَا إذَا أَحْدَثَتْ أَوْ نَامَتْ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهَا، قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ كَانَ رَجُلٌ عَلَى وُضُوءٍ فَأَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَبُولَ فَقَالَ: أَلْبِسُ خُفِّي كُلَّمَا أَحْدَثْتُ مَسَحْتُ عَلَيْهِمَا قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ هَذَا فِي النَّوْمِ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ وَالْبَوْلُ عِنْدِي مِثْلُهُ. وَاخْتَارَ التُّونِسِيُّ الْجَوَازَ وَعَنْ أَصْبَغَ غَيْرُهُ. وَقَالَ التُّونِسِيُّ: وَمَا الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ الْمَسْحِ وَالْحَاضِرُ إنَّمَا يَلْبَسُ خُفَّيْهِ فِي الْحَضَرِ لِمَكَانِ الْمَشَقَّةِ فِي غَسْلِهِمَا فَأُجِيزَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ فَعَمَلُهَا الْحِنَّاءَ فِي رِجْلَيْهَا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى: وَأَجَازَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَنْ يَلْبَسَ الرَّجُلُ خُفَّيْهِ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِمَا وَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ. أَصْبَغُ فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ قَالَ: وَإِنْ مَسَحَ عَلَيْهِمَا أَجْزَأَهُ. بَهْرَامَ: نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ، وَشَهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ انْتَهَى. وَانْظُرْ قَدْ يَتَرَجَّحُ بِهَذَا أَنَّ مَنْ عَادَتُهُ الْقِيَامُ بِاللَّيْلِ وَصَلَاةُ الضُّحَى وَهُوَ يَتَوَرَّعُ عَنْ الْمَسْحِ لِلْفَرِيضَةِ فَقَدْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْسَحَ لِلضُّحَى وَقِيَامِ اللَّيْلِ فَذَلِكَ أَفْضَلُ، وَلَمْ أَزَلِ أُرَشِّحُ هَذَا الْمَعْنَى فِي تَسْخِينِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ كَمَا حَكَاهُ تَاجُ الدِّينِ فِي تَنْوِيرِهِ قَالَ: إنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ لِي شَيْخِي: يَا بُنَيَّ بَرِّدْ الْمَاءَ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا شَرِبَ الْمَاءَ السُّخْنَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ بِكَزَازَةٍ، وَإِذَا شَرِبَ الْمَاءَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 الْبَارِدَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ اسْتَجَابَ كُلُّ عُضْوٍ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ، رَاجِعْهُ فِي التَّنْوِيرِ. (وَكُرِهَ غَسْلُهُ وَتَكْرَارُهُ) ابْنُ شَاسٍ: يُكْرَهُ الْغَسْلُ وَالتَّكْرَارُ. ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ نَوَى بِغَسْلِهِ مَسْحَهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ غَسَلَ طِينَهُ لَمْ يُجْزِهِ (وَتَتَبُّعُ غُضُونِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَتَّبِعُ الْغُضُونَ وَهُوَ تَكْسِيرُ أَعْلَاهُ. (وَبَطَلَ بِغُسْلٍ وَجَبَ) تَقَدَّمَ نَصُّ التَّلْقِينِ لَا يَقْطَعُهُ إلَّا حُدُوثُ مَا يُوجِبُ الْغَسْلَ أَوْ الْخَلْعَ. (وَبِخَرْقِهِ كَثِيرًا) سَمِعَ أَبُو زَيْدٍ: مَنْ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَصَلَّى الظُّهْرَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَصْرُ حَتَّى تَخَرَّقَ خُفُّهُ فَإِنَّهُ يَنْزِعُ خُفَّيْهِ مَعًا وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ أَخَّرَ خَلْعَهُمَا حِينَ انْخَرَقَ الْخُفُّ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ. (وَبِنَزْعِ أَكْثَرِ رِجْلٍ لِسَاقِ خُفِّهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْجَلَّابِ إلَّا أَنْ يُخْرِجَ جُلَّ رِجْلِهِ. (لَا الْعَقِبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ الْخُفُّ وَاسِعًا وَكَانَ الْعَقِبُ يَزُولُ وَيَخْرُجُ إلَى السَّاقِ وَيَجُولُ لِلْقَدَمِ إلَّا أَنَّ الْقَدَمَ كَمَا هِيَ فِي الْخُفِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَإِذَا نَزَعَهُمَا أَوْ أَعْلَيَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا بَادَرَ لِلْأَسْفَلِ كَالْمُوَالَاةِ) اُنْظُرْ إذَا نَزَعَ إحْدَاهُمَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ خُفًّا عَلَى خُفٍّ أَوْ لَا فَرْقَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَنْزِعُ خُفَّيْهِ وَقَدْ مَسَحَ عَلَيْهِمَا: إنَّهُ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ مَكَانَهُ وَيُجْزِئُهُ وَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ، فَإِنْ نَزَعَ خُفًّا وَاحِدًا فَلْيَنْزِعْ الْآخَرَ وَيَغْسِلْ رِجْلَيْهِ مَكَانَهُ وَيُجْزِئُهُ، وَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ سَاعَةً أَعَادَ الْوُضُوءَ. وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: حَدُّ ذَلِكَ مِقْدَارُ مَا يَجِفُّ فِيهِ الْوُضُوءُ. الْجَلَّابُ: فَإِنْ أَخَّرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 ذَلِكَ نَاسِيًا غَسَلَهُمَا حِينَ يَذْكُرُ وَيَبْنِي. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ نَزَعَ الَّذِي يَلْبَسُ خُفَّيْنِ عَلَى خُفَّيْنِ الْأَعْلَى مِنْهُمَا مَسَحَ الْأَسْفَلَ مَكَانَهُ وَكَانَ عَلَى وُضُوئِهِ. وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: فَإِنْ نَزَعَ فَرْدًا مِنْ الْأَعْلَى مَسَحَ ذَلِكَ الرِّجْلَ عَلَى الْأَسْفَلِ مَكَانَهُ وَيُجْزِئُهُ، ثُمَّ إنْ لَبِسَ الْفَرْدَ الَّذِي نَزَعَ ثُمَّ أَحْدَثَ مَسَحَ عَلَيْهِمَا. ابْنُ رُشْدٍ: فَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ نَزْعِ الْفَرْدِ الْأَعْلَى وَبَيْنَ الْفَرْدِ الْأَسْفَلِ. (وَإِنْ نَزَعَ رِجْلًا وَعَسُرَتْ الْأُخْرَى وَضَاقَ الْوَقْتُ فَفِي تَيَمُّمِهِ أَوْ مَسْحِهِ عَلَيْهِ أَوْ إنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ وَإِلَّا مُزِّقَ أَقْوَالٌ) ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا نَزَعَ إحْدَى خُفَّيْهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَزْعِ الْأُخْرَى وَخَافَ فَوَاتَ الصَّلَاةِ فَقِيلَ يَتَيَمَّمُ. وَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ: يَغْسِلُ الرِّجْلَ الْوَاحِدَةَ وَيَمْسَحُ عَلَى الْأُخْرَى مِنْ فَوْقِ الْخُفِّ وَيَصِيرُ ذَلِكَ ضَرُورَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 كَالْجَبِيرَةِ. وَقِيلَ: يَخْرِقُ الثَّانِي، وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا إنْ كَانَ الْخُفُّ قَلِيلَ الثَّمَنِ فَلْيَخْرِقْهُ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَلْيَغْرَمْ لَهُ قِيمَتَهُ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرَ الثَّمَنِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِ كَالْجَبِيرَةِ. (وَنُدِبَ نَزْعُهُ كُلَّ جُمُعَةٍ) التَّلْقِينُ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُقِيمِ خَلْعُهُ كُلَّ جُمُعَةٍ لِلْغُسْلِ الْكَافِي: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَمْسَحَ أَكْثَرَ مِنْ جُمُعَةٍ لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ. (وَوَضَعَ يُمْنَاهُ عَلَى طَرَفِ أَصَابِعِهِ وَيُسْرَاهُ تَحْتَهَا وَيُمِرُّهُمَا لِكَعْبَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَرَانَا مَالِكٌ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ مِنْ ظَاهِرِ قَدَمِهِ الْيُمْنَى وَوَضَعَ الْيُسْرَى مِنْ تَحْتِ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ مِنْ بَاطِنِ خُفِّهِ فَأَمَرَّهُمَا إلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ وَذَلِكَ أَصْلُ السَّاقِ (وَهَلْ الْيُسْرَى كَذَلِكَ أَوْ الْيُسْرَى فَوْقَهَا تَأْوِيلَانِ) الرِّسَالَةُ: وَكَذَلِكَ بِجَعْلِ يَدِهِ الْيُسْرَى مِنْ فَوْقِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَيَدِهِ الْيُمْنَى مِنْ تَحْتِهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَهَكَذَا أَرَانَا مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَا: وَإِنَّ مَالِكًا أَرَاهُمَا كَذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ شَبْلُونٍ الْقَرَوِيُّ: بَلْ يَجْعَلُ الْيُمْنَى مِنْ فَوْقِ الْقَدَمَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْفِعْلَ إنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ الْجَارِحَتَانِ قُدِّمَتْ فِيهِ الْيُمْنَى فِي فِعْلٍ، الرَّاجِحُ إنْ تَيَسَّرَ، فَإِنْ شُقَّ تُرِكَ كَالرُّكُوبِ، ابْنُ عَرَفَةَ فِي صِفَةِ مَسْحِهِ بَعْدَ زَوَالِ طِينِهِ سِتٌّ. الْكَافِي: وَكَيْفَمَا مَسَحَ أَجْزَأَهُ (وَمَسَحَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ وَبَطَلَتْ إنْ تَرَكَ أَعْلَاهُ لَا أَسْفَلَهُ فَفِي الْوَقْتِ) الْجَلَّابُ: وَيُسْتَحَبُّ مَسْحُ أَعْلَى الْخُفَّيْنِ وَأَسْفَلِهِمَا وَإِنْ مَسَحَ أَعْلَاهُمَا دُونَ أَسْفَلِهِمَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ أَسْفَلِهِمَا دُونَ أَعْلَاهُمَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ إيجَابًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 [بَاب فِي التَّيَمُّمِ] [فَصَلِّ فِي مُوجِبَات التَّيَمُّم] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الْخَامِسُ فِي التَّيَمُّمِ (يَتَيَمَّمُ ذُو مَرَضٍ وَسَفَرٍ) ابْنُ حَارِثٍ: يُتَيَمَّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ الْعَاجِزُ عَنْ فِعْلِ الْوُضُوءِ اتِّفَاقًا (أُبِيحَ) شَرَطَ الْقَاضِي إبَاحَةَ السَّفَرِ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: يَلْزَمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 الْقَائِلَ لَا يَتَيَمَّمُ الْعَاصِي: أَنْ لَا يَمْسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ إنْ انْكَسَرَ وَلَا يَأْكُلُ فِي رَمَضَانَ وَإِنْ خَافَ الْمَوْتَ، اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعِصْيَانٌ بِلُبْسِهِ ". وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: غَيْرُ وَاجِبٍ حَمْلُ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يَجُوزُ السَّفَرُ فِي طَرِيقٍ يَتَيَقَّنُ فِيهِ عَدَمَ الْمَاءِ طَلَبًا لِمَالٍ وَرَعْيِ الْمَوَاشِي، وَيَجُوزُ لَهُ الْمُقَامُ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ وَنَحْوِ هَذَا فِي الْإِكْمَالِ فَانْظُرْهُ. (لِفَرْضٍ وَنَفْلٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَتَيَمَّمُ الْمُسَافِرُ وَلَوْ لِنَفْلٍ أَوْ مَسِّ مُصْحَفٍ، وَمَنَعَهُ ابْنُ أَبِي مَسْلَمَةَ لِغَيْرِ الْفَرْضِ. الْمَازِرِيُّ وَاللَّخْمِيُّ: وَالْمَرِيضُ كَذَلِكَ. (وَحَاضِرٌ صَحَّ لِجِنَازَةٍ إنْ تَعَيَّنَتْ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْجِنَازَةُ الْمُتَعَيِّنَةُ. قَالَ الْقَاضِي: كَفَرْضٍ (وَفَرْضٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 يُتَيَمَّمُ فِي الْحَضَرِ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، وَكَذَلِكَ الْمَسْجُونُ، وَكَذَلِكَ مَنْ خَافَ فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ إنْ رَفَعَ الْمَاءَ مِنْ الْبِئْرِ أَنْ يَذْهَبَ الْوَقْتُ فَلْيَتَيَمَّمْ وَيُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ بَعْدَ ذَلِكَ. انْتَهَى نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: وَمَنْ خَافَ إنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَعَهُ ذَهَبَ الْوَقْتُ وَهُوَ إنْ تَيَمَّمَ يُدْرِكُ فَلْيَتَوَضَّأْ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَتَيَمَّمُ وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَشَاغُلِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ أَوْ رَفْعِهِ مِنْ الْبِئْرِ وَإِنَّمَا وُضِعَ التَّيَمُّمُ لِإِدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ. (غَيْرِ جُمُعَةٍ) ابْنُ الْقَصَّارِ: وَإِنْ خَافَ فَوَاتَ الْجُمُعَةِ إنْ تَوَضَّأَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِأَنَّ الظُّهْرَ هِيَ الْأَصْلُ، فَإِنْ فَاتَهُ فَرْضُ الْجُمُعَةِ لَمْ يَفُتْهُ وَقْتُ الظُّهْرِ الْمُخْتَارُ. وَقِيلَ: يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُعِيدُهَا ظُهْرًا وَلَا يُعِيدُ. تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ بَعْدَ ذَلِكَ. (لَا سُنَّةٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: مَذْهَبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلسُّنَنِ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَتَيَمَّمُ مَنْ أَحْدَثَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَلَا يُصَلِّي عَلَى جِنَازَةٍ بِتَيَمُّمٍ إلَّا مُسَافِرٌ. (إنْ عَدِمُوا مَاءً كَافِيًا) التَّلْقِينُ: مِنْ شُرُوطِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ عَدَمُ الْمَاءِ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ أَوْ عَدَمُ بَعْضِهِ فَإِنْ وُجِدَ دُونَ الْكِفَايَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِعْمَالُهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 إنْ كَانَ مَعَ الْجُنُبِ قَدْرُ وُضُوئِهِ فَقَطْ تَيَمَّمَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. (أَوْ خَافُوا بِاسْتِعْمَالِهِ مَرَضًا أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ تَأَخُّرَ بُرْءٍ) الْمَازِرِيُّ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُتَيَمَّمُ لِخَوْفِ حُدُوثِ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتِهِ أَوْ تَأَخُّرِ بُرْءٍ ابْنُ وَهْبٍ: وَيَتَيَمَّمُ الْمَبْطُونُ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ، وَكَذَلِكَ الْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ مَعَهُمَا هُمَا لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 الْوُضُوءِ بِهِ لِضَعْفِهِمَا أَوْ لِضَرَرِ الْمَاءِ بِهِمَا. ابْنُ الْقَصَّارِ: وَيَتَيَمَّمُ الصَّحِيحُ إذَا خَافَ نَزْلَةً أَوْ حُمَّى. الْبَاجِيُّ: وَنَحْوَ هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَتَيَمَّمُ: إلَّا إنْ خَافَ التَّلَفَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ ثُمَّ ذَكَرَ دَلِيلًا مِنْ الْآيَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَسْحٌ أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ فَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحُكْمُ بَيْنَ خَوْفِ الْمَرَضِ أَوْ خَوْفِ التَّلَفِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ. (أَوْ عَطَشَ مُحْتَرَمٍ مَعَهُ) رَوَى ابْنُ نَافِعٍ: يَتَيَمَّمُ ذُو الْمَاءِ يَخَافُ الْعَطَشَ أَوْ الضَّرَرَ. الْمَازِرِيُّ: وَالظَّنُّ كَالْعِلْمِ. ابْنُ رُشْدٍ: خَوْفُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعَطَشِ كَخَوْفِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 عَلَى نَفْسِهِ سَوَاءٌ ابْنُ بَشِيرٍ: وَكَذَا خَوْفُهُ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ أَمْكَنَ بَيْعُهُ أَوْ بَيْعُ لَحْمِهِ بِرُخْصِ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْمَاءَ وَلَا ضَرُورَةَ بِهِ أُلْغِيَ. (أَوْ بِطَلَبِهِ تَلَفَ مَالٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْبَاجِيِّ: يَجُوزُ لَهُ الْمَقَامُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 عَلَى حِفْظِ مَالِهِ وَإِنْ أَدَّى لِلتَّيَمُّمِ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُتَيَمَّمُ لِلْخَوْفِ عَلَى الْمَالِ بَعِيدٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَعَلَّهُ فِي عَدَمِ غَلَبَةِ ظَنِّ الْخَوْفِ. (أَوْ خُرُوجَ وَقْتٍ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا مَنْ خَافَ فِي حَضَرٍ إنْ رَفَعَ الْمَاءَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 مِنْ الْبِئْرِ خَرَجَ الْوَقْتُ تَيَمَّمَ. (كَعَدَمِ مُنَاوِلٍ) الرِّسَالَةُ: قَدْ يَجِبُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ (أَوْ آلَةٍ) التَّلْقِينُ: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إذَا خَافَ مِنْ تَشَاغُلٍ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَوَاتَ الْوَقْتِ لِضِيقِهِ أَوْ لِتَأَخُّرِ الْمَجِيءِ بِهِ أَوْ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ فِي الْوُصُولِ إلَيْهِ أَوْ لِعَدَمِ الْآلَةِ الَّتِي تُوَصِّلُهُ إلَيْهِ كَالدَّلْوِ وَالرَّشَا (وَهَلْ إنْ خَافَ فَوَاتَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ خِلَافٌ) تَقَدَّمَ مُخْتَارُ ابْنِ يُونُسَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَفَرْضٌ ". (وَجَازَ جِنَازَةٌ وَسُنَّةٌ وَمَسُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 مُصْحَفٍ وَقِرَاءَةٌ وَطَوَافٌ وَرَكْعَتَاهُ بِتَيَمُّمٍ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ إنْ تَأَخَّرَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَتَنَفَّلَ قَبْلَهَا أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَعَادَ التَّيَمُّمَ لِلْفَرِيضَةِ قَالَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ بِتَيَمُّمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 الْفَرِيضَةِ. التُّونِسِيُّ: مَا لَمْ يَطُلْ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَهُ أَنْ يُوتِرَ بِتَيَمُّمِ الْعِشَاءِ وَيُصَلِّي مِنْ النَّفْلِ مَا شَاءَ. وَفِي الْمَجْمُوعَةِ: مَنْ تَيَمَّمَ لِلْوِتْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ، فَلَهُ أَنْ يَرْكَعَ بِهِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرَ وَإِنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ فَلَهُ أَنْ يُوتِرَ بِهِ. الْبَاجِيُّ: وَإِنْ صَلَّى نَوَافِلَ مُتَّصِلَةً بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ. وَفِي الْمُوَطَّأِ: يَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ وَيَقْرَأُ حِزْبَهُ وَيَتَنَفَّلُ. الْبَاجِيُّ: وَيَطُوفُ وَيَمَسُّ الْمُصْحَفَ وَإِنْ اُضْطُرَّ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا. وَلِلْمَازِرِيِّ: لَا نَصَّ فِي جُنُبٍ لَمْ يَجِدْ مَاءً إلَّا وَسَطَ مَسْجِدٍ، وَأَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: " لَا يَدْخُلُ الْجُنُبُ الْمَسْجِدَ إلَّا عَابِرَ سَبِيلٍ " دُخُولُهُ لِأَخْذِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ. ابْنُ عَرَفَةَ: ذَكَرَ ابْنُ الدَّقِيقِ أَنَّ الْحَسَنَ سَأَلَ مَالِكًا عَنْ هَذَا بِحَضْرَةِ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: لَا يَدْخُلُ. فَأَعَادَ عَلَيْهِ السُّؤَالَ فَقَالَ: كَذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ لَهُ مَالِكٌ فِي الثَّالِثَةِ: فَمَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ لِأَخْذِ الْمَاءِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ مَالِكٌ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ مَنْ قَالَ مِنْ حَلَفَ ثَلَاثَةً لَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْفَيْءُ إلَّا بِالْحِنْثِ فَصَارَ لَا يَصِلُ لِلْحَلَالِ إلَّا بِالْحَرَامِ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ. (لَا فَرْضٌ آخَرُ وَإِنْ قَصْدًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُصَلِّي مَكْتُوبَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: وَلَوْ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ. (وَبَطُلَ الثَّانِي وَلَوْ مُشْتَرَكَةً) ابْنُ رُشْدٍ: بَيِّنَ الْقِيَاسِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ سَمَاعُ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ مَنْ صَلَّى صَلَوَاتٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَعَادَ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْأُولَى فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ. الْبَاجِيُّ: لَا يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاتَيْ فَرْضٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتَيْهِمَا لِوُجُوبِ دُخُولِ الْوَقْتِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ وَلِوُجُوبِ طَلَبِ الْمَاءِ. (لَا بِتَيَمُّمٍ لِمُسْتَحَبٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ لِنَوْمٍ لَا يَنْوِي بِهِ صَلَاةً وَلَا مَسَّ مُصْحَفٍ لَمْ يَتَنَفَّلْ بِهِ وَلَا يَمَسُّ مُصْحَفًا. (وَلَزِمَ مُوَالَاتُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ فَرَّقَ تَيَمُّمَهُ وَكَانَ أَمْرًا قَرِيبًا أَجْزَاهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 وَإِنْ تَبَاعَدَ ابْتَدَأَ التَّيَمُّمَ كَالْوُضُوءِ قَالَ: وَتَنْكِيسُ التَّيَمُّمِ كَالْوُضُوءِ. (وَقَبُولُ هِبَةِ مَاءٍ لَا ثَمَنٍ) بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إذَا وَهَبَ الرَّجُلَ مَاءً لِوُضُوئِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَيَتْرُكُهُ لِمِنَّةِ قَبُولِهِ إذْ لَا يُدْرِكُهُ فِي ذَلِكَ مِنَّةٌ لِأَنَّ الْمَاءَ مُبْتَذَلٌ لَا يُمَنُّ بِهِ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ. قَالَ غَيْرُهُ: لَوْ وَهَبَ لَهُ ثَمَنَ الْمَاءِ وَهُوَ لَا يَجِدُ، الثَّمَنَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، لِأَنَّ هَذَا مَالٌ تُدْرِكُهُ فِيهِ الْمِنَّةُ. (أَوْ قَرْضُهُ) ابْنُ عَلَاقٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إذَا أُقْرِضَ ثَمَنَ الْمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِخِفَّةِ مَشَقَّةِ الْمِنَّةِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَلَا أَذْكُرُ فِي مَذْهَبِنَا فِي هَذَا نَصًّا. اُنْظُرْ قَدْ أَتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِهَذَا فِقْهًا مُسَلَّمًا غَيْرَ مَعْزُوٍّ. (وَأَخْذُهُ بِثَمَنٍ اُعْتِيدَ لَمْ يَحْتَجْ لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ الْمَاءَ إلَّا بِالثَّمَنِ فَإِنْ كَانَ قَلِيلَ الدَّرَاهِمِ تَيَمَّمَ وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ فَلْيَشْتَرِهِ مَا لَمْ يَرْفَعُوا عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ، فَإِنْ رَفَعُوا تَيَمَّمَ حِينَئِذٍ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ رُخْصٍ كَالدِّرْهَمَيْنِ اشْتَرَاهُ وَلَوْ بِزِيَادَةٍ مِثْلَيْهِ (وَإِنْ بِذِمَّتِهِ) مُقْتَضَى مَا لِابْنِ رُشْدٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقَدِمَ ذُو مَاءٍ مَاتَ " أَنَّ هَذَا لَا يَلْزَمُهُ فَانْظُرْهُ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقَدِمَ ذُو مَاءٍ ". (وَطَلَبُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَوْ تَوَهَّمَهُ لَا تَحَقَّقَ عَدَمُهُ طَلَبًا لَا يَشُقُّ بِهِ) الْمُوَطَّأُ: يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَغِيَ الْمَاءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ تَحَقَّقَ فِقْدَانُهُ فَقَطْ الْبَاجِيُّ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجْهِدَ نَفْسَهُ فِي الْجَرْيِ لِإِدْرَاكِ الْمَاءِ، وَلَا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مَشْيِهِ الْمُعْتَادِ، وَلَا أَنْ يَعْدِلَ عَنْ طَرِيقِهِ أَكْثَرَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْعُدُولِ لَهُ إلَى الْعُيُونِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي يَعْدِلُ لَهَا عَنْ الطَّرِيقِ وَالْخُرُوجِ إلَيْهِ، وَإِنْ خَرَجَ إلَيْهِ فَاتَهُ أَصْحَابُهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَمْ يُحَدَّ فِيهِ حَدًّا، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنْ لَمْ يَخَفْ فِي نِصْفِ الْمِيلِ إلَّا الْعَنَاءَ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ: فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: " الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ الضَّعِيفُ بِخِلَافِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 الْقَوِيِّ ". اُنْظُرْ قَيَّدُوا هَذَا أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ لُبْسًا وَالثَّمَنَ الَّذِي يَشْتَرِيه بِهِ. ابْنُ شَاسٍ: إنْ تَوَهَّمَ وُجُودَ الْمَاءِ تَرَدَّدَ فِي طَلَبِهِ إلَى حَدٍّ لَا يَدْخُلُ فِيهِ عَلَيْهِ ضَرَرٌ وَلَا مَشَقَّةٌ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ الطَّلَبُ عَنْ الْمُتَوَهِّمِ لَوْلَا الِاحْتِيَاطُ. (كَرُفْقَةٍ قَلِيلَةٍ أَوْ حَوْلَهُ مِنْ كَثِيرَةٍ إنْ جَهِلَ بُخْلَهُمْ بِهِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 سُمِعَ أَشْهَبُ يَسْأَلُ مَنْ يَلِيهِ وَمَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ يُعْطِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا فِي الرُّفْقَةِ يَسْأَلُهُمْ وَلَكِنْ يَسْأَلُ مَنْ يَلِيهِ وَيَرْجُو ذَلِكَ مِنْهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَهُ فَلَا يَسْأَلُهُمْ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ تَرَكَ طَلَبَ الْمَاءِ عِنْدَ مَنْ يَلِيهِ مِمَّنْ يَرْجُو وُجُودَهُ عِنْدَهُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ إيَّاهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى أَعَادَ أَبَدًا. (وَنِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْوِيُّ التَّيَمُّمِ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ لَا رَفْعُ الْحَدَثِ عَلَى الْمَعْرُوفِ. (وَنِيَّةُ أَكْبَرَ إنْ كَانَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ تَيَمَّمَ لِلْفَرِيضَةِ وَصَلَّى ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ جُنُبًا أَعَادَ التَّيَمُّمَ وَأَعَادَ الْفَرِيضَةَ. قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: أَبَدًا، ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَصْوَبُ فَكَمَا لَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ عَنْ الْغُسْلِ فَكَذَلِكَ لَا يُجْزِئُ بَدَلُهُ عَنْ بَدَلِ الْغُسْلِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ التَّيَمُّمِ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ يُونُسَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَغَسْلُ الْوُضُوءِ عَنْ غَسْلِ مَحَلِّهِ ". (وَلَوْ تَكَرَّرَتْ) اللَّخْمِيِّ: لَوْ نَوَى الْجَنَابَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 ثُمَّ أَحْدَثَ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ يَنْوِي الْجَنَابَةَ. (وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ) الْبَاجِيُّ: التَّيَمُّمُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَيُسْتَبَاحُ بِهِ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ مَعَ الْحَدَثِ بِشُرُوطٍ. (وَتَعْمِيمُ وَجْهِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَعُمُّ الْوَجْهَ مَسْحًا. ابْنُ شَعْبَانَ: وَلَا تُتَّبَعُ غُضُونُهُ (وَكَفَّيْهِ لِكُوعَيْهِ) ابْنُ يُونُسَ: عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ الْوَاجِبُ عِنْدَ مَالِكٍ التَّيَمُّمُ إلَى الْكُوعَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 ابْنُ شَعْبَانَ: وَعَلَيْهِ تَخْلِيلُ أَصَابِعِهِ. أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا رَأَيْت هَذِهِ لِغَيْرِهِ. (وَنَزْعُ خَاتَمِهِ) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَيَنْزِعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 خَاتَمَهُ. (وَصَعِيدٌ طَهُرَ) ابْنُ حَبِيبٍ: التَّيَمُّمُ الْقَصْدُ، وَالصَّعِيدُ التُّرَابُ، وَالطَّيِّبُ الطَّاهِرُ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ غَيْرُهُ: الصَّعِيدُ الْأَرْضُ نَفْسُهَا وَمِنْهُ {صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] وَيَجْمَعُ اللَّهُ الْخَلَائِقَ عَلَى صَعِيدٍ وَاحِدٍ. ابْنُ رُشْدٍ: الصَّعِيدُ وَجْهُ الْأَرْضِ تُرَابًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّهُمْ أَجَازُوا التَّيَمُّمَ بِالرَّمَلِ وَالْجَبَلِ وَالْحَصَا. (كَتُرَابٍ وَهُوَ الْأَفْضَلُ) ابْنُ رُشْدٍ: الِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يُتَيَمَّمَ عَلَى الْحَصْبَاءِ وَشَبَهِهَا إلَّا عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ. (وَلَوْ نُقِلَ) ابْنُ رُشْدٍ: التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْأَرْضِ جَائِزٌ مِثْلُ أَنْ يَرْفَعَ إلَى الْمَرِيضِ فِي طَبَقٍ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 إلَى الرَّاكِبِ عَلَى الْمَحْمَلِ أَوْ يَكُونُ مَرِيضًا فَيَتَيَمَّمُ جِدَارًا إلَى جَانِبِهِ إنْ كَانَ مِنْ طُوبٍ نِيءٍ. (وَثَلْجٍ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلِيٌّ وَابْنُ وَهْبٍ: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالثَّلْجِ انْتَهَى. نَقَلَ الْبَاجِيُّ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَتَيَمَّمُ عَلَى الثَّلْجِ إنْ عَدِمَ الصَّعِيدَ. (وَخَضْخَاضٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَيُتَيَمَّمُ عَلَى الْجَبَلِ وَهُوَ لَا يَجِدُ الْمَدَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الطِّينِ يَكُونُ وَلَا يَقْدِرُ الرَّجُلُ عَلَى تُرَابٍ قَالَ: يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى الطِّينِ وَيُخَفِّفُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ، وَسَوَاءٌ كَانَ خَضْخَاضًا أَوْ غَيْرَ خَضْخَاضٍ مِمَّا لَيْسَ بِمَاءٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 (وَفِيهَا خَفَّفَ يَدَيْهِ رُوِيَ بِجِيمٍ وَخَاءٍ) عِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ يُخَفِّفُ وَضْعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَيُخَفِّفُهُ قَلِيلًا. عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا. (وَجَصٍّ لَمْ يُطْبَخْ) الْجَلَّابُ: لَا بَأْسَ بِالتَّيَمُّمِ بِالْجَصِّ (وَالنُّورَةِ قَبْلَ طَبْخِهَا وَمَعْدِنٍ) اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ: مَعْدِنُ الشَّبِّ وَالزِّرْنِيخِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْكُحْلِ وَالزَّاحُ كَالْأَرْضِ. وَفِي السُّلَيْمَانِيَّةِ: إنَّمَا تُكْرَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إذَا بَانَتْ عَنْ الْأَرْضِ فِي أَيْدِي النَّاسِ. (غَيْرِ نَقْدٍ وَجَوْهَرٍ) قَالَ مَالِكٌ: لَا يُتَيَمَّمُ عَلَى الرُّخَامِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 الزُّمُرُّدِ وَالْيَاقُوتِ اللَّخْمِيِّ: وَيُمْنَعُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. (وَمَنْقُولٍ كَشَبٍّ) تَقَدَّمَ نَصُّ السُّلَيْمَانِيَّةِ إنَّمَا تُكْرَهُ إذَا بَانَتْ عَنْ الْأَرْضِ. (وَمِلْحٍ) اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْأَرْجَحُ السَّلْبُ بِالْمِلْحِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 بِالتَّيَمُّمِ عَلَى الصَّفَا وَالسَّبْخَةِ. عِيَاضٌ: الصَّفَا الْحِجَارَةُ الَّتِي لَا تُرَابَ عَلَيْهَا وَالسَّبْخَةُ الْأَرْضُ الْمَالِحَةُ. (وَلِمَرِيضٍ حَائِطُ لَبِنٍ أَوْ حَجَرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْجِدَارُ إنْ سَتَرَهُ جَصٌّ أَوْ جِيرٌ مُنِعَ وَإِلَّا سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ إذَا كَانَ طُوبًا نِيئًا ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ كَانَ حَجَرًا جَازَ إنْ لَمْ يَجِدْ مُنَاوِلًا وَلَا تُرَابًا، ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ مُوسَى: لَا بَأْسَ أَنْ يُتَيَمَّمَ بِتُرَابٍ تُيُمِّمَ بِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَتَعَلَّقْ بِهِ مِنْ أَعْضَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 التَّيَمُّمِ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ التُّرَابِ. (لَا بِحَصِيرٍ) الْجَلَّابُ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَى حَصِيرٍ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ غُبَارٌ. (وَخَشَبٍ) ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عِنْدَنَا بِالْحَشِيشِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَقَالَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَابْنُ الْقَصَّارِ. الْوَقَارُ: وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَى الْخَشَبَةِ، الْمَازِرِيُّ: فِيهَا نَظَرٌ. اللَّخْمِيِّ: إنْ فُقِدَ سِوَى مَا مُنِعَ وَضَاقَ الْوَقْتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 تَيَمَّمَ بِهِ. (وَفِعْلُهُ فِي الْوَقْتِ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُهُ لِلْفَرْضِ دُخُولُ وَقْتِهِ. ابْنُ يُونُسَ: أَنْكَرَ الْقَابِسِيُّ الْجَمْعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَيَمِّمًا لِلْآخِرَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا. سَمِعَ أَبُو زَيْدٍ: مَنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ رَجَعَ لَا يَتَنَفَّلُ بِتَيَمُّمِهِ ذَلِكَ وَلَا يَقْرَأُ بِهِ فِي الْمُصْحَفِ، وَكَذَلِكَ إذَا تَنَفَّلَ وَطَالَ مُكْثُهُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 الْمَسْجِدِ لَا يَتَنَفَّلُ تَنَفُّلًا آخَرَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ وَلْيَتَيَمَّمْ تَيَمُّمًا آخَرَ. (فَالْآيِسُ أَوَّلَ الْمُخْتَارِ) أَبُو عُمَرَ: مَنْ رَجَا الْمَاءَ مِنْ الْمُسَافِرِينَ لَمْ يَتَيَمَّمْ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا فِي أَوَاخِرِ الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا وَإِنْ يَئِسَ مِنْهُ تَيَمَّمَ أَوَّلَ الْوَقْتِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَلِكَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: فِي الْيَائِسِ إنْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ لَمْ يُعِدْ (وَالْمُتَرَدِّدُ فِي لُحُوقِهِ أَوْ وُجُودِهِ وَسَطَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ الْمُسَافِرُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ مِنْ الْمَاءِ أَوْ كَانَ يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ وَيَخَافُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ فَلْيَتَيَمَّمْ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ، ثُمَّ إنْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ أَعَادَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْمَاءِ يَخَافُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ وَلَا يُعِيدُ الَّذِي لَا عِلْمَ عِنْدَهُ مِنْهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا غَيْرَ مُوقِنَيْنِ بِإِدْرَاكِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَلَا آيِسَيْنِ مِنْهُ كَانَ لَهُمَا حُكْمٌ بَيْنَ حُكْمَيْنِ وَذَلِكَ وَسَطَ الْوَقْتِ، وَوَجْهُ إعَادَةِ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْمَاءِ وَيَخَافُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ قَدْ بَانَ تَفْرِيطُهُ لِخَطَئِهِ فِي تَقْدِيرِهِ، وَاَلَّذِي لَا عِلْمَ عِنْدَهُ لَمْ يُفَرِّطْ وَلَا أَخْطَأَ فِي تَقْدِيرِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعِيدَ. (وَالرَّاجِي آخِرَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْكَافِي اسْتِحْبَابًا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ أَخَّرَ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَرَاجٍ قَدِمَ (وَفِيهَا تَأْخِيرُهُ الْمَغْرِبَ لِلشَّفَقِ) الْبَاجِيُّ: الْوَقْتُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ هُوَ الْمُخْتَارُ. ابْنُ عَبْدُوسٍ: وَهُوَ فِي الْعِشَاءِ ثُلُثُ اللَّيْلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 أَبُو إِسْحَاقَ: وَفِي الصُّبْحِ الْإِسْفَارُ الَّذِي يَقْرُبُ طُلُوعَ الشَّمْسِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَفِي الظُّهْرِ أَنْ يَبْلُغَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، وَفِي الْعَصْرِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ تَغِيبُ لَهُ الشَّمْسُ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ قَرْيَتِهِ يُرِيدُ قَرْيَةً أُخْرَى وَهُوَ فِيمَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ قَالَ: إنْ طَمِعَ أَنْ يُدْرِكَ الْمَاءَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ مَضَى إلَى الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَطْمَعُ بِذَلِكَ تَيَمَّمَ وَصَلَّى. (وَسُنَّ تَرْتِيبُهُ وَإِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَتَجْدِيدُ ضَرْبَةٍ لِيَدَيْهِ) عِيَاضٌ: مِنْ سُنَنِ التَّيَمُّمِ التَّرْتِيبُ بِتَقْدِيمِ مَسْحِ الْوَجْهِ ثُمَّ مَسْحِ الْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَتَجْدِيدِ الضَّرْبَةِ لِلْيَدَيْنِ. (وَنُدِبَ تَسْمِيَةٌ وَبَدْءٌ بِظَاهِرِ يُمْنَاهُ بِيُسْرَاهُ إلَى الْمِرْفَقِ ثُمَّ مَسْحُ الْبَاطِنِ لِآخِرِ الْأَصَابِعِ ثُمَّ يُسْرَاهُ كَذَلِكَ) عِيَاضٌ: مِنْ فَضَائِلِ التَّيَمُّمِ التَّسْمِيَةُ أَوَّلَ تَيَمُّمِهِ وَإِمْرَارُ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى مِنْ فَوْقِ الْكَفِّ إلَى الْمِرْفَقِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَضَعُ يُسْرَاهُ عَلَى ظَاهِرِ أَطْرَافِ أَصَابِعِ يُمْنَاهُ مَاسِحًا إلَى الْمِرْفَقِ ثُمَّ بَاطِنِهَا إلَى بَاطِنِ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ ثُمَّ الْيُسْرَى. قَالَ مَالِكٌ: فِي رِوَايَةِ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَى بَاطِنِ الْكُوعَيْنِ ثُمَّ الْكَفِّ بِالْكَفِّ. وَكَذَا ذَكَرَهَا التُّونِسِيُّ لِبَعْضِهِمْ تَفْسِيرًا لِلْمُدَوَّنَةِ. اُنْظُرْ الرِّسَالَةَ وَرَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. وَفِي الرِّسَالَةِ: وَلَوْ مَسَحَ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى أَوْ الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى كَيْفَ شَاءَ وَتَيَسَّرَ عَلَيْهِ وَأَوْعَبَ الْمَسْحَ لَأَجْزَأَهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ صِفَتُهُ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: وَعَلَى التَّيَمُّمِ بِالصَّفَا لَا تُعْتَبَرُ صِفَةٌ. (وَبَطَلَ بِمُبْطِلِ الْوُضُوءِ) عِيَاضٌ: مِنْ مُفْسِدَاتِ التَّيَمُّمِ أَنْ يَحْدُثَ بَعْدَهُ. (وَبِوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) التَّلْقِينُ: مَنْ تَيَمَّمَ فَوَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ وَبَطَلَ عَلَيْهِ تَيَمُّمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مِنْ الضِّيقِ بِحَيْثُ يَخْشَى مَعَهُ فَوَاتَ الصَّلَاةِ إنْ تَشَاغَلَ بِهِ (لَا فِيهَا إلَّا نَاسِيَهُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ ذَكَرَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَ وَلَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِالْمَاءِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ تَمَادَى وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ. ابْنُ يُونُسَ: الَّذِي ذَكَرَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ حِينَ قِيَامِهِ لِلصَّلَاةِ كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ وَمَالِكًا لَهُ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْعِلْمِ بِهِ فِي حَالِ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَاءِ قَبْلَ تَمَامِهَا وَمَالِكٌ لَهُ حِينَ الْقِيَامِ إلَيْهَا بِخِلَافِ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَيْهِ بِالْمَاءِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ هُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ وَغَيْرُ مَالِكٍ لَهُ فَقَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَحَصَلَ لَهُ مِنْهَا عَمَلٌ بِإِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُبْطِلَهُ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَهُوَ كَالْأَمَةِ تُعْتَقُ بَعْدَ رَكْعَةٍ وَرَأْسُهَا مُنْكَشِفٌ قَالَ أَصْبَغُ: تَتَمَادَى وَلَا تُعِيدُ فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَوْ عَتَقَتْ قَبْلَ الصَّلَاةِ ثُمَّ عَلِمَتْ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ فَهَذِهِ تُعِيدُ كَمَنْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْأَمَةِ تُعْتَقُ فِي الْفَرِيضَةِ إنْ لَمْ تَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهَا خِمَارًا وَلَا وَصَلَتْ إلَيْهِ فَلَا تُعِيدُ، وَإِنْ قَدَرَتْ عَلَى أَخْذِهِ فَلَمْ تَأْخُذْهُ أَعَادَتْ فِي الْوَقْتِ، وَخَالَفَتْ التَّيَمُّمَ. وَهَذَا لِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ لَوْ تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ أَبْطَلَ صَلَاتَهُ، وَالْأَمَةُ تَقْدِرُ أَنْ تَسْتَتِرَ وَلَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ خَفِيفٌ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " فَإِنْ عَلِمَتْ فِي صَلَاةٍ بِعِتْقٍ ". (وَيُعِيدُ الْمُقْصِرُ فِي الْوَقْتِ وَصَحَّتْ إنْ لَمْ يُعِدْ) ابْنُ شَاسٍ: مَنْ أَمَرْنَاهُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ فَلَمْ يَفْعَلْ لِأَنَّهُ نَسِيَ أَنْ يُعِيدَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ، فَهَلْ يُعِيدُ بَعْدَهُ؟ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ وَهُوَ الْأَصْلُ انْتَهَى. اُنْظُرْ إذَا تَذَكَّرَ وَتَرَكَ الْإِعَادَةَ عَمْدًا. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمَعَهُ ذِكْرُ تَرْتِيبِ حَاضِرَتَيْنِ ". (كَوَاجِدِهِ بِقُرْبِهِ) سَمِعَ مُوسَى رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 نَزَلُوا بِصَحْرَاءَ وَلَا مَاءَ لَهُمْ ثُمَّ وَجَدُوا مَاءً قَرِيبًا جَهِلُوهُ أَعَادُوا فِي الْوَقْتِ. ابْنُ رُشْدٍ: الْإِعَادَةُ اسْتِحْبَابٌ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَلَمْ يُكَلَّفْ عِلْمَ مَا غَابَ عَنْهُ مِمَّا لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَتِهِ. (أَوْ رَحْلِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَيَمَّمَ وَنَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ أَوْ جَهِلَهُ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ إعَادَتِهِ فِي الْوَقْتِ أَنَّهُ غَيْرُ عَادِمٍ لِلْمَاءِ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ أَبَدًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» فَجَعَلَ لَهُ بِهَذَا حُكْمًا بَيْنَ حُكْمَيْنِ وَذَلِكَ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ (لَا إنْ ضَلَّ رَحْلُهُ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ ضَلَّ رَحْلُهُ فِي الرِّحَالِ وَبَالَغَ فِي طَلَبِهِ حَتَّى خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ. (وَخَائِفِ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ وَمَرِيضٍ عَدِمَ مُنَاوِلًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْخَائِفُ مِنْ لُصُوصٍ أَوْ سِبَاعٍ عَلَى الْمَاءِ يَتَيَمَّمُ فِي وَسَطِ كُلِّ صَلَاةٍ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ الَّذِي يَجِدُ الْمَاءَ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ وَالْخَائِفُ الَّذِي يَعْرِفُ مَوْضِعَ الْمَاءِ وَيَخَافُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ، ثُمَّ إنْ وُجِدَ يَعْنِي هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ الْمَاءُ فِي الْوَقْتِ أَعَادُوا. ابْنُ يُونُسَ: الْأَصْوَبُ أَنَّهُ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ. (وَرَاجٍ قَدَّمَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ إدْرَاك الْمَاء فِي الْوَقْتِ أَخَّرَ. ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ تَيَمَّمَ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَصَلَّى أَعَادَ الصَّلَاةَ إنْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ حِينَ حَلَّتْ الصَّلَاةُ وَجَبَ الْقِيَامُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 لَهَا وَهُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] وَإِنَّمَا أُمِرْنَا بِالْإِعَادَةِ اسْتِحْبَابًا وَالْوَقْتُ قَائِمٌ (وَمُتَرَدِّدٌ فِي لُحُوقِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: وَالْخَائِفُ الَّذِي يَعْرِفُ مَوْضِعَ الْمَاءِ وَيَخَافُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. (وَنَاسٍ ذَكَرَ بَعْدَهَا) ابْنُ شَاسٍ: إنْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَتَيَمَّمَ فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ فَعَلَى الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ يُقْطَعُ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ رَحْلِهِ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " لَا فِيهَا إلَّا نَاسِيَهُ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " وَصَحَّتْ إنْ لَمْ يُعِدْ ". (كَمُقْتَصَرٍ عَلَى كُوعَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَيَمَّمَ إلَى الْكُوعَيْنِ أَعَادَ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ. (لَا عَلَى ضَرْبَةٍ) رَوَى مُحَمَّدٌ: إنْ تَيَمَّمَ بِوَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ فِي النَّاسِي. الْكَافِي: لَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ. (وَكَمُتَيَمَّمٍ عَلَى مَصَبِّ بَوْلٍ وَأُوِّلَ بِالْمَشْكُوكِ وَبِالْمُحَقَّقِ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْوَقْتِ لِلْقَائِلِ بِطَهَارَةِ الْأَرْضِ بِالْجَفَافِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَيَمَّمَ عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ فَلِيُعِدْ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ. ابْنُ حَبِيبٍ: هَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِنَجَاسَةِ التُّرَابِ، فَإِنْ عَلِمَ فَيُعِيدُ أَبَدًا. أَبُو الْفَرَجِ: قَوْلُهُ: " يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ " أَرَاهُ يُرِيدُ إذَا لَمْ تَطْهُرْ النَّجَاسَةُ ظُهُورًا بِحُكْمٍ لَهَا بِهِ فَيَصِيرُ مَشْكُوكًا فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ هَذَا فَلَعَلَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْمَاءِ. ابْنُ يُونُسَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ بِالْمَوْضِعِ النَّجِسِ وَالْمُتَوَضِّئُ بِالْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ، أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ يَنْتَقِلُ إلَى مَاءٍ طَاهِرٍ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ يُدْرِكُ مَعْرِفَتَهُ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْمُتَيَمِّمُ إذَا انْتَقَلَ إلَى تُرَابٍ آخَرَ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التُّرَابُ نَجِسًا لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِالْمُشَاهَدَةِ كَمَا هِيَ فِي الْمَاءِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَخِّرْ بِالْإِعَادَةِ كَمَا قَالُوا: مَنْ صَلَّى بِغَيْرِ مَكَّةَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِبْلَةِ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ لَأَعَادَ أَبَدًا لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْقِبْلَةِ حَقِيقَةً. (وَمُنِعَ مَعَ عَدَمِ مَاءٍ تَقْبِيلُ مُتَوَضِّئٍ وَجِمَاعُ مُغْتَسِلٍ إلَّا لِطُولٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُمْنَعُ وَطْءُ الْمُسَافِرُ وَتَقْبِيلُهُ لِعَدَمِ مَاءٍ يَكْفِيهِمَا، وَلَيْسَ كَذِي شَجَّةٍ لَهُ الْوَطْءُ لِطُولِ أَمْرِهِ وَلِقُرْبِ الْأَوَّلِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَكَسُوا حُكْمَهُمَا لِعَكْسِ وَصْفَيْهِمَا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا الْمَنْعُ اسْتِحْبَابٌ وَأَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ. وَفِي الطِّرَازِ: مَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمُتَوَضِّئَ الْعَادِمَ الْمَاءِ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 الْبَوْلِ إنْ خَفَّتْ حَقْنَتُهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ يَقْدِرُ بِفِعْلِهَا بَعْدَ شُرُوطِهَا لِعَدَمِ وُجُوبِ شُرُوطِهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، وَمَعَ مَا تَقَدَّمَ لِعِيَاضٍ وَالْبَاجِيِّ وَأَبِي عُمَرَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَحَاضِرٌ صَحَّ ". (وَإِنْ نَسِيَ إحْدَى الْخَمْسِ تَيَمَّمَ خَمْسًا) ابْنُ عَرَفَةَ: عُمُومُ رِوَايَةِ تَعَدُّدِهِ لِلْمَنْسِيَّاتِ يُوجِبُ تَعَدُّدًا عَلَى مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ. (وَقُدِّمَ ذُو مَاءٍ مَاتَ وَمَعَهُ جُنُبٌ إلَّا لِخَوْفِ عَطَشٍ كَكَوْنِهِ لَهُمَا وَضَمِنَ قِيمَتَهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَيِّتُ أَوْلَى بِمَائِهِ لِغُسْلِهِ مِنْ جُنُبٍ حَيٍّ، وَالْحَيُّ أَوْلَى لِعَطَشِهِ وَيُغَرَّمُ قِيمَتُهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ بَيْنَهُمَا فَلِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ الْحَيُّ أَوْلَى بِالْمَاءِ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُيَمَّمُ الْمَيِّتُ. ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا كَانَ الْحَيُّ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُغَارِمُهُ إيَّاهُ، فَإِذَا اغْتَسَلَ الْحَيُّ بِالْمَاءِ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ الْمَيِّتِ مِنْهُ لِوَرَثَتِهِ. وَانْظُرْ لَوْ أَرَادَ وَرَثَتُهُ أَنْ يُقَاوِمُوهُ إيَّاهُ. هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ أَمْ لَا؟ فَلَوْ كَانَ الْمَاءُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ وَأَجْنَبَ الثَّانِي وَانْتَقَضَ وُضُوءُ الثَّالِثِ، فَالْحَيُّ الَّذِي انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَوْلَى بِنَصِيبِهِ مِنْهُ، عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُيَمِّمُوا الْمَيِّتَ وَيَتَيَمَّمُ الْحَيُّ الْجُنُبُ أَيْضًا إذْ لَيْسَ فِيمَا يَبْقَى مِنْ الْمَاءِ بَعْدَ أَخْذِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 الْوُضُوءُ نُصِيبَهُ مِنْهُ مَا يَكْفِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَا يَكْفِي وَاحِدًا مِنْهُمَا لَكَانَ الْحَيُّ أَوْلَى بِهِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَإِنْ اجْتَمَعَ حَائِضٌ وَجُنُبٌ فَهِيَ أَوْلَى. الطَّرَّازُ: هُمَا سَوَاءٌ. الْكَافِي: وَقِيلَ الْجُنُبُ أَوْلَى. وَسَمِعَ سَحْنُونَ فِي رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا مَاءٌ قَدْرَ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهَا فَإِنَّهُمَا يَتَقَاوَمَانِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَبْتَاعَ الْمَاءَ لِوُضُوئِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ مَا لَمْ يُرْفَعْ عَلَيْهِ فِي الثَّمَنُ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَاوِمَ صَاحِبَهُ فِيهِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ التَّقَاوُمَ شِرَاءٌ، وَإِنْ أَسْلَمَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ مُقَاوَمَةٍ أَوْ تَرَكَهُ فِي الْمُقَاوَمَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ عَلَيْهِ الْقَدْرَ الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِهِ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ أَبَدًا، إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى اشْتِرَاءِ الْمَاءِ بِمَا يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ بِهِ، وَلَوْ كَانَا مُعْدَمَيْنِ لَكَانَ لَهُمَا أَنْ يَقْتَسِمَاهُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَبِيعَانِهِ فَيَقْتَسِمَانِ ثَمَنَهُ وَيَتَيَمَّمَانِ لِصَلَاتِهِمَا، وَإِنْ كَانَ مُتَيَمِّمَيْنِ لَمْ يَنْتَقِضْ تَيَمُّمُهُمَا إلَّا أَنْ يُحِبَّا أَنْ يَتَسَاهَمَا عَلَيْهِ، فَمَنْ صَارَ لَهُ بِالسَّهْمِ مِنْهُمَا تَوَضَّأَ بِهِ وَانْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ، إنْ كَانَ مُتَيَمِّمًا وَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ حَظِّ صَاحِبِهِ مِنْهُ دَيْنًا فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُمَا، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْدَمًا لَكَانَ لِلْمُوسِرِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَيُؤَدِّيَ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى حَظِّهِ مِنْهُ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ وَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ: إنْ أَسْلَمَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ مُقَاوَمَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ أَبَدًا، وَقَدْ قَالُوا فِيمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَمْدًا حَتَّى بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ قَدْرُ خَمْسِ رَكَعَاتٍ وَحَاضَتْ، أَنَّ الصَّلَاةَ سَقَطَتْ عَنْهَا، وَكَذَا إذَا كَانَ لِلْجُنُبِ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَكْفِيهِ فَأَرَاقَ الْمَاءَ أَوْ نَجِسَ فَإِنَّهُ بِذَلِكَ عَاصٍ لِلَّهِ وَصَارَ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ. وَهَذَا أَيْضًا هُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ فِي كُلِّ مَنْ فَرَّطَ وَضَيَّعَ الْحَزْمَ حَتَّى اُضْطُرَّ لِلتَّيَمُّمِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يُعِيدُ أَبَدًا. (وَتَسْقُطُ صَلَاةٌ وَقَضَاؤُهَا بِعَدَمِ مَاءٍ وَصَعِيدٍ) رَوَى مَعْنٌ وَالْمَدَنِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا مَا يَتَيَمَّمُ بِهِ كَمَنْ تَحْتَ هَدْمٍ أَوْ مَرِيضٍ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ مَاءً وَلَا تُرَابًا أَنَّهُ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 يُصَلِّي وَلَا يَقْضِي. ابْنُ الْقَصَّارِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَدْرِي كَيْفَ أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَجْعَلَ هَذَا الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ مَعَ خِلَافِهِ جُمْهُورَ السَّلَفِ وَعَامَّةَ الْفُقَهَاءِ وَجَمَاعَةَ الْمَالِكِيِّينَ. رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَكَذَا قَالَ أَشْهَبُ. [فَصَلِّ فِي الْمَسْح عَلَى الجبيرة] فَصْلٌ هَذَا الْفَصْلُ ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ مِنْ بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ (إنْ خِيفَ غَسْلُ جُرْحٍ كَالتَّيَمُّمِ مُسِحَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 ثُمَّ جَبِيرَتُهُ) عِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: يَمْسَحُ عَلَى مَا شَقَّ غَسْلُهُ وَعَلَى جَبِيرَتِهِ، إنْ شَقَّ مَسْحُهُ دَوَاءً أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ وَضَعَهَا عَلَيْهِ مُحْدِثًا. (ثُمَّ عِصَابَتُهُ) اللَّخْمِيِّ: وَيَمْسَحُ عَلَى عِصَابَتِهَا إنْ تَعَذَّرَ حَلُّهَا أَوْ أَفْسَدَ دَوَاءَهَا (كَفَصْدٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: وَهَكَذَا حُكْمُ الْفَصْدِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ مُبَاشَرَةُ الْمَوْضِعِ بِالْمَاءِ وَافْتَقَرَ إلَى شَدِّهِ بِعَصَائِبَ تَسْتُرُ شَيْئًا مِنْ ذِرَاعِهِ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى تِلْكَ الْعَصَائِبِ وَعَلَى الرِّبَاطِ وَلَوْ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ الْمَوْضِعِ الْمَأْلُومِ وَيُجْزِئُهُ. عَبْدُ الْحَقِّ: مَنْ كَثُرَتْ عَصَائِبُهُ وَأَمْكَنَهُ مَسْحُ أَسْفَلِهَا لَمْ يُجْزِئْهُ عَلَى مَا فَوْقَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَخْرِيجُهُ الطَّرَّازُ عَلَى خُفٍّ فَوْقَ خُفٍّ، يُرَدُّ بِأَنَّ شَرْطَ الْجَبِيرَةِ الضَّرُورَةُ بِخِلَافِ الْخُفِّ. (وَمَرَارَةٍ وَقِرْطَاسِ صُدْغٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُمْسَحُ عَلَى الْقِرْطَاسِ وَالشَّيْءِ الَّذِي يُجْعَلُ عَلَى الصُّدْغِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَعَلَى الظُّفُرِ يُكْسَى دَوَاءً وَمَرَارَةً. عِيَاضٌ: يَعْنِي مَرَارَةَ حَيَوَانٍ يُكْسَى بِهَا الظُّفُرُ إذَا سَقَطَ. ابْنُ يُونُسَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 وَلَمَّا كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ إنَّمَا هُوَ مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّ أَصْلَهُ التَّخْفِيفُ، ابْتَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ مِثْلَهُ. (وَعِمَامَةٍ خِيفَ بِنَزْعِهَا وَإِنْ بِغُسْلٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ إنْ شَقَّ مَسْحُ الرَّأْسِ، وَيَمْسَحُ عَلَى الرَّأْسِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ. وَفَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ: يَتَيَمَّمُ مَنْ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَسْلِ رَأْسِهِ تُعُقِّبَتْ. (أَوْ بِلَا طُهْرٍ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَفْتَقِرُ فِي وَضْعِ السَّاتِرِ عَلَى الْجُرْحِ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَطْرَأُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْخُفَّيْنِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَلْبَسُهُمَا مُخْتَارًا. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ إلَّا مَنْ لَبِسَهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ، وَيَمْسَحُ عَلَى الْجَبَائِرِ وَالْعَصَائِبِ وَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَالْجَمِيعُ حَائِلٌ انْتَهَى نَصُّهُ. (أَوْ انْتَشَرَتْ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ بَشِيرٍ: يَمْسَحُ عَلَى الرِّبَاطِ وَلَوْ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ الْمَوْضِعِ الْمَأْلُومِ. (إنْ صَحَّ جُلُّ جَسَدِهِ أَوْ أَقَلُّهُ وَلَمْ يَضُرَّ غَسْلُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 صَحَّ جُلُّ جَسَدِهِ وَبِأَكْثَرِهِ جِرَاحَاتٌ غَسَلَ فِي الْجَنَابَةِ مَا صَحَّ مِنْ بَدَنِهِ وَمَسَحَ عَلَى جِرَاحِهِ بِالْمَاءِ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا فَعَلَى عَصَائِبِهَا (وَإِلَّا فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ كَأَنْ قَلَّ جِدًّا كَيَدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ غَمَرَتْ الْجِرَاحُ جَسَدَهُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا يَدٌ أَوْ رِجْلٌ تَيَمَّمَ (وَإِنْ غَسَلَ أَجْزَأَهُ) ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَلَوْ غَسَلَ وَمَسَحَ لَمْ يُجْزِهِ كَوَاجِدِ مَاءٍ لَا يَكْفِيهِ غَسْلُ وَمَسْحُ الْبَاقِي، وَرَدَّهُ ابْنُ مُحْرِزٍ بِأَنَّ مَسْحَ الْجَرِيحِ مَشْرُوعٌ. (وَإِنْ تَعَذَّرَ مَسُّهَا وَهِيَ بِأَعْضَاءِ تَيَمُّمِهِ تَرَكَهَا وَتَوَضَّأَ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الْمَأْلُومُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عَلَيْهِ سَاتِرٌ وَإِنْ جَعَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْهُ مُبَاشَرَةُ السَّاتِرِ بِالْمَاءِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَعْصِبَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فَيَغْسِلُ مَا صَحَّ وَيَتْرُكُ مَا لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ لِلتَّيَمُّمِ لَصَلَّى بِطَهَارَةٍ نَاقِصَةٍ، وَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 كَانَ لَا بُدَّ مِنْ النَّقْصِ فَنَقْصُ طَهَارَةِ الْمَاءِ أَوْلَى مِنْ نَقْصِ طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ. (وَإِلَّا فَثَالِثُهَا يَتَيَمَّمُ إنْ كَثُرَ) ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِنْ كَانَ الْأَلَمُ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ كَالرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ فَهَاهُنَا اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ؛ فَقِيلَ يَتَيَمَّمُ وَيَتْرُكُ الْمَوْضِعَ الْمَأْلُومَ، وَقِيلَ: يَنْتَقِلُ إلَى التَّيَمُّمِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الْمَأْلُومُ يَسِيرًا تَوَضَّأَ وَتَرَكَهُ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا انْتَقَلَ إلَى التَّيَمُّمِ. (وَرَابِعُهَا يَجْمَعُهُمَا) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مَسْحَ الْعُضْوِ وَلَا غَسْلَهُ وَلَا قَدَرَ عَلَى أَنْ يَرْبِطَ عَلَيْهِ شَيْئًا يَمْسَحُ عَلَيْهِ لِعِلَّةٍ بِهِ فَيَنْبَغِي لِهَذَا أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى التَّيَمُّمِ. وَقِيلَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا: يَجْمَعُ مَعَ غَسْلِ مَا عَدَا ذَلِكَ التَّيَمُّمَ. قَالَ: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالصَّحِيحُ مَا تَقَدَّمَ قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ الشَّجَّةُ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ فِيهِ التَّيَمُّمُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى غَسْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ وَلَا عَلَى الْمَسْحِ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَهَذَا يَغْسِلُ السَّالِمَ مِنْ جَسَدِهِ وَيُصَلِّي إذْ ذَاكَ أَكْثَرَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ. (وَإِنْ نَزَعَهَا لِدَوَاءٍ أَوْ سَقَطَتْ وَإِنْ بِصَلَاةٍ قَطَعَ وَرَدَّهَا وَمَسَحَ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ تَوَضَّأَ رَجُلٌ وَمَسَحَ عَلَى جَبِيرَةٍ فِي مَوْضِعِ وُضُوئِهِ ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَسَقَطَتْ الْجَبِيرَةُ قَالَ: يَقْطَعُ مَا هُوَ فِيهِ وَيُعِيدُ الْجَبِيرَةَ ثُمَّ يَمْسَحُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَيَمَّمَ وَمَسَحَ عَلَى جَبِيرَةٍ وَسَقَطَتْ بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 يُعِيدُهَا وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا وَيَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ نَابَ عَنْ غَسْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ الْمَسْحِ عَلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ التَّيَمُّمِ، فَإِذَا سَقَطَتْ فِي الصَّلَاةِ انْتَقَضَتْ طَهَارَةُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلَمْ يَصِحَّ لَهُ التَّمَادِي عَلَى صَلَاتِهِ إذْ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ بَعْدَ أَنْ يُعِيدَ الْجَبَائِرَ وَيَمْسَحَ عَلَيْهَا كَمَا لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِي الْحَدَثِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يُعِيدَ الْجَبِيرَةَ وَيَمْسَحَ عَلَيْهَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ، فَإِنْ طَالَ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ أَوْ التَّيَمُّمَ. (وَإِنْ صَحَّ غَسَلَ وَمَسَحَ مُتَوَضِّئٌ رَأْسَهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَجِبُ فِعْلُ الْأَصْلِ حِينَ الْبُرْءِ وَتَأْخِيرُهُ تَأْخِيرٌ لِلْمُوَالَاةِ، وَلَوْ نَسِيَ غَسْلَ مَا كَانَ مِنْ جَنَابَتِهِ فَفِيهَا إنْ كَانَ فِي مَغْسُولِ الْوُضُوءِ أَجْزَأَ وَقَضَى مَا صَلَّى قَبْلَ غَسْلِهِ وَإِلَّا غَسَلَ وَقَضَى كُلَّ مَا صَلَّى، اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَنِيَّةُ أَكْبَرَ إنْ كَانَ ". ابْنُ عَرَفَةَ: وَمَنْ نَسِيَ فِي غُسْلِ جَنَابَتِهِ مَسْحَ رَأْسِهِ لِمَشَقَّةِ غَسْلِهِ فَمَسَحَهُ فِي وُضُوئِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يُجْزِئُهُ. وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لِلْغُسْلِ وَاجِبٌ لِكُلِّ الرَّأْسِ إجْمَاعًا وَلِلْوُضُوءِ قَدْ لَا يَعُمُّ وَإِنْ عَمَّ فَالْعُمُومُ غَيْرُ وَاجِبٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلِأَنَّ مَسْحَ الْغُسْلِ كَالْغُسْلِ وَالْمَسْحُ لَا يَكْفِي عَنْ الْغُسْلِ. وَانْظُرْ لَوْ نَسِيَ غَسْلَ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 وُضُوئِهِ فِي غُسْلِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ تَوَضَّأَ لِلظُّهْرِ وَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَيْنِ وَالْعِشَاءَيْنِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنْ يُبَادِرَ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ بِهَذَا الْوُضُوءِ وَيُعِيدَ الْعِشَاءَيْنِ اسْتِحْبَابًا وَلَا يُعِيدُ الظُّهْرَيْنِ. انْتَهَى مِنْ الْبُرْزُلِيُّ. [بَابٌ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ السَّابِعُ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ (الْحَيْضُ دَمٌ كَصُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ خَرَجَ بِنَفْسِهِ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 قُبُلِ مَنْ تَحْمِلُ عَادَةً وَإِنْ دَفْعَةً) ابْنُ عَرَفَةَ: الْحَيْضُ دَمٌ تَلْقِيهِ رَحِمٌ مُعْتَادٌ حَمْلُهَا دُونَ وِلَادَةٍ، فَيَخْرُجُ دَمُ بِنْتِ سَبْعٍ وَنَحْوِهَا وَالْآيِسَةِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ حَاضَتْ يَائِسَةٌ سُئِلَ النِّسَاءُ إنْ كَانَ مِثْلُهَا يَحِيضُ. وَعَزَاهُ ابْنُ يُونُسَ لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ: وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَزَا الْخَمْسِينَ سَنَةً لِعَائِشَةَ قَالَ: إلَّا أَنْ تَكُونَ قُرَشِيَّةً. الْبَاجِيُّ: السِّنُّ الَّذِي يُحْكَمُ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ بِالْيَأْسِ مِنْ الْحَيْضِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: خَمْسُونَ عَامًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْآيِسَةِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا مِنْهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا أَوْ فِي غَيْرِهِ فَهُوَ حَيْضٌ. وَإِنْ لَمْ تَرَ مَعَهُ دَمًا. الْبَاجِيُّ: أَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ دَمٌ. ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَإِنْ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ رَأَتْ قَطْرَةَ دَمٍ تَوَضَّأَتْ دُونَ غُسْلٍ وَهَذَا يُسَمَّى التِّرْيَةُ. وَأَتَى ابْنُ يُونُسَ بِهَذَا دُونَ مُعَارِضٍ، وَكَذَا الْبَاجِيُّ أَتَى بِهِ فِقْهًا مُسَلَّمًا وَنَصُّهُ: مَا رُئِيَ بَعْدَ الطُّهْرِ مِنْ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ مِنْ قَطْرَةِ دَمٍ أَوْ غُسَالَةٍ فَلَا يَجِبُ مِنْهُ الْغُسْلُ إنَّمَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الْمَرْأَةِ تَرَى الدَّمَ عِنْدَ الْوُضُوءِ فَإِذَا قَامَتْ ذَهَبَ عَنْهَا قَالَ مَالِكٌ: تَشُدُّ ذَلِكَ بِشَيْءٍ وَلَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ. ابْنُ رُشْدٍ: رَآهَا مُسْتَنْكَحَةً. (وَأَكْثَرُهُ لِمُبْتَدَأَةٍ نِصْفُ شَهْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الدَّمِ أَوَّلَ بُلُوغِهَا فَهُوَ حَيْضٌ، فَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 تَمَادَى بِهَا قَعَدَتْ عَنْ الصَّلَاةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَتَغْتَسِلُ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ إلَّا أَنْ تَرَى مَا لَا تَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ وَالنِّسَاءُ يَعْرِفْنَ ذَلِكَ بِلَوْنِهِ وَرِيحِهِ (كَأَقَلِّ الطُّهْرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا رَأَتْ بَعْدَ طُهْرِهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوِهَا دَمًا قَالَ: إنْ كَانَ الدَّمُ الثَّانِي قَرِيبًا مِنْ الْأَوَّلِ أُضِيفَ إلَيْهِ وَكَانَ كُلُّهُ حَيْضَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ تَبَاعَدَ مَا بَيْنَهُمَا فَالثَّانِي حَيْضٌ مُؤْتَنَفٌ، وَلَمْ يُوَقَّتْ كَمْ ذَلِكَ إلَّا قَدْرَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهَا حَيْضَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَيُعْلَمُ أَنَّ بَيْنَهُمَا مِنْ الْأَيَّامِ مَا يَكُونُ طُهْرًا. قَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ: وَيُسْأَلُ النِّسَاءُ عَنْ عَدَدِ أَيَّامِ الطُّهْرِ. وَفِي الرِّسَالَةِ: حَتَّى يَبْعُدَ مَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ مِثْلُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ أَوْ عَشَرَةٍ فَيَكُونُ حَيْضًا مُؤْتَنَفًا. قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْفَتْوَى، وَقَدْ اسْتَقْرَأَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: فَعَلَى هَذَا فَقَدْ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ فِي تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا. اُنْظُرْ هَذَا فَإِنَّهُ أَيْضًا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى أَنَّ الدَّفْعَةَ حَيْضَةٌ وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ حَسْبَمَا يَأْتِي فِي الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَرَجَعَ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ ". وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَاعْتَمَدَهُ التَّلْقِينُ وَجَعَلَهُ ابْنُ شَاسٍ الْمَشْهُورَ. (وَلِمُعْتَادَةٍ ثَلَاثَةٌ اسْتِظْهَارًا عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا مَا لَمْ تُجَاوِزْهُ ثُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 هِيَ طَاهِرٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ دَامَ دَمُ الْمُعْتَادَةِ فَفِيهَا تَمْكُثُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَرْجِعُ لِعَادَتِهَا، وَالِاسْتِظْهَارُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَا لَمْ تَزِدْ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَفِي التَّهْذِيبِ: وَاَلَّتِي أَيَّامُهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ تَحِيضُ فِي شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَفِي آخَرَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ إذَا تَمَادَى بِهَا الدَّمُ تَسْتَظْهِرُ عَلَى أَكْثَرِ أَيَّامِهَا، وَأَيَّامُ الِاسْتِظْهَارِ كَأَيَّامِ الْحَيْضِ. فَاَلَّتِي أَيَّامُهَا اثْنَا عَشَرَ يَوْمًا فَدُونَ ذَلِكَ تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَثَلَاثَةَ عَشَرَ بِيَوْمَيْنِ، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ بِيَوْمٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ لَا تَسْتَظْهِرُ بِشَيْءٍ ثُمَّ تَصِيرُ مُسْتَحَاضَةً ثُمَّ هِيَ طَاهِرٌ. ابْنُ يُونُسَ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: تَغْتَسِلُ بَعْدَ الِاسْتِظْهَارِ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَتُوطَأُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. (وَلِحَامِلٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 النِّصْفُ وَنَحْوُهُ وَفِي سِتَّةٍ فَأَكْثَرَ عِشْرُونَ يَوْمًا وَنَحْوُهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا رَأَتْ الْحَامِلُ الدَّمَ أَوَّلَ حَمْلِهَا أَمْسَكَتْ عَنْ الصَّلَاةِ قَدْرَ مَا يَجْتَهِدُ لَهَا وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ وَلَيْسَ أَوَّلُ الْحَمْلِ كَآخِرِهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ رَأَتْهُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنَحْوَهَا، وَإِنْ رَأَتْهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حَمْلِهَا تَرَكَتْ الصَّلَاةَ مَا بَيْنَ الْعِشْرِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَهَلْ مَا قَبْلَ الثَّلَاثَةِ كَمَا بَعْدَهَا أَوْ كَالْمُعْتَادَةِ قَوْلَانِ) ابْنُ زَرْقُونٍ: اُخْتُلِفَ فِي دَمِ الْحَامِلِ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ: قَالَ مَالِكٌ: يُجْتَهَدُ لَهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي نَحْوِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنَحْوِهَا، وَبَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عِشْرُونَ يَوْمًا وَنَحْوُهَا. وَيَخْتَلِفُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ هَلْ لِلشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ حُكْمُ الثَّلَاثَةِ؟ فَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ: لَهَا حُكْمُهَا فَتَجْلِسُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَالَ ابْنُ شَبْلُونٍ: الشَّهْرَانِ كَالْحَائِلِ. ابْنُ زَرْقُونٍ: إذْ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِمَا الْحَمْلُ. وَرَوَى عِيسَى لِمَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ حُكْمُ آخِرِ الْحَمْلِ. ابْنُ زَرْقُونٍ: لِلسِّتَّةِ حُكْمُ الثَّلَاثَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ: لِلسِّتَّةِ حُكْمُ مَا بَعْدَهَا. (وَإِنْ تَقَطَّعَ طُهْرٌ لَفَّقَتْ أَيَّامَ الدَّمِ فَقَطْ عَلَى تَفْصِيلِهَا ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ) اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " فِي دَمِ النِّفَاسِ وَتَقَطُّعِهِ وَمَنْعِهِ كَالْحَيْضِ " وَهَذِهِ هِيَ عِبَارَةُ التَّلْقِينِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ يَوْمًا وَالدَّمَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَاخْتَلَطَ هَكَذَا لَفَّقَتْ مِنْ أَيَّامِ الدَّمِ عِدَّةَ أَيَّامِهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ وَأَلْغَتْ أَيَّامَ الطُّهْرِ ثُمَّ تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ اخْتَلَطَ عَلَيْهَا الدَّمُ فِي أَيَّامِ الِاسْتِظْهَارِ أَيْضًا لَفَّقَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الدَّمِ هَكَذَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَصِيرُ مُسْتَحَاضَةً بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْأَيَّامُ الَّتِي اسْتَظْهَرَتْ بِهَا هِيَ فِيهَا حَائِضٌ وَهِيَ مُضَافَةٌ إلَى الْحَيْضِ، رَأَتْ بَعْدَهَا دَمًا أَمْ لَا، إلَّا أَنَّهَا فِي أَيَّامِ الطُّهْرِ الَّتِي كَانَتْ تَلْغِيهَا تَتَطَهَّرُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ فِي خِلَالِ ذَلِكَ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَتُوطَأُ وَهِيَ فِيهَا طَاهِرٌ، وَلَيْسَتْ تِلْكَ الْأَيَّامُ بِطُهْرٍ تَعْتَدُّ بِهِ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا مِنْ الدَّمِ قَدْ ضُمَّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فَجُعِلَ حَيْضَةً وَاحِدَةً. قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَلَكِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَدَمٍ وَاحِدٍ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: أَمَّا فِي الْعِدَّةِ فَقَدْ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ انْقَطَعَ وَاغْتَسَلَتْ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ، ثُمَّ لِيَوْمٍ آخَرَ عَاوَدَهَا دَمٌ فَيُقَالُ لَهَا: هَذَا الدَّمُ مُضَافٌ إلَى الْأَوَّلِ فَلَا تَعْتَدُّ بِهَذَا الطُّهْرِ، وَيَبْقَى النَّظَرُ هَلْ يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى الرَّجْعَةِ؟ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: لَا يُجْبَرُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الدَّمُ كُلُّهُ مَحْكُومًا لَهُ بِحُكْمِ حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَعْتَدِ فِي طَلَاقِهِ إنَّمَا طَلَّقَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الدَّمِ وَلَا عِلْمَ بِرُجُوعِهِ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّسَالَةِ: " وَالِاسْتِبْرَاءُ فَبِنَفْسِ مَا تَرَى الدَّمَ صَارَتْ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَلَا فَائِدَةَ لِلدَّمِ الثَّانِي قَالَ: يُقَالُ فَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا حَاضَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ رَأَتْ الطُّهْرَ فَبَاعَهَا فِيهِ، ثُمَّ لِيَوْمٍ آخَرَ عَاوَدَهَا دَمٌ فَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: هَذَا الدَّمُ مُضَافٌ إلَى الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لَهَا حَيْضَةً. (وَالْمُمَيَّزُ بَعْدَ طُهْرٍ ثُمَّ حَيْضٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: مَا مَيَّزَتْهُ مُسْتَحَاضَةٌ بَعْدَ طُهْرٍ تَامٍّ حَيْضٌ فِي الْعِبَادَةِ اتِّفَاقًا وَفِي الْعِدَّةِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا: فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إلَّا أَنْ تَرَى دَمًا لَا تَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُ دَمُ حَيْضَةٍ فَتَدَعُ الصَّلَاةَ وَتَعْتَدُّ بِهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَالنِّسَاءُ يَعْرِفْنَ ذَلِكَ بِلَوْنِهِ وَرِيحِهِ. (وَلَا تَسْتَظْهِرُ عَلَى الْأَصَحِّ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ دَامَ مَا مَيَّزَتْهُ الْمُسْتَحَاضَةُ بَعْدَ طُهْرٍ تَامٍّ. رَوَى مُحَمَّدٌ: لَا تَسْتَظْهِرُ وَلَا وَجْهَ لِهَذَا مِنْ النَّظَرِ، وَسُمِعَ عِيسَى تَسْتَظْهِرُ إنْ دَامَ بِصِفَةِ مَا يُسْتَنْكَرُ. وَقَالَ أَصْبَغُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 وَابْنُ الْمَاجِشُونِ تَسْتَظْهِرُ مُطْلَقًا. وَوَجَّهَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ فِي الْأَوَّلِ لَا وَجْهَ لَهُ وَلَمْ يُرَجِّحْ ابْنُ يُونُسَ شَيْئًا، وَمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى عَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ يُونُسَ بِقَوْلِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَرَى دَمًا لَا تَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُ دَمُ حَيْضَةٍ قَالَ: تَدَعُ الصَّلَاةَ، فَإِنْ تَمَادَى بِهَا اسْتَظْهَرَتْ، فَإِنْ عَاوَدَهَا دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ بَعْدَ حَيْضَتِهَا صَلَّتْ بِغَيْرِ اسْتِظْهَارٍ يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ تَغْتَسِلَ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَرَوَاهُ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَوُجِّهَ أَنَّهَا لَا تَسْتَظْهِرُ إنْ عَاوَدَهَا دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي بِهِ قَبْلَ أَنْ تَرَى الدَّمَ الْمُسْتَنْكَرَ وَكَانَتْ بِهِ فِي حُكْمِ الطَّاهِرِ، فَلَمَّا رَجَعَتْ إلَيْهِ وَجَبَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ فِي حُكْمِ الطَّاهِرِ وَلَا تَسْتَظْهِرُ. (وَالطُّهْرُ بِجُفُوفٍ أَوْ قَصَّةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تَغْتَسِلُ الْحَائِضُ إذَا عَلِمَتْ أَنَّهَا طَهُرَتْ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَرَى الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ اغْتَسَلَتْ حِينَ تَرَاهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَرَاهَا فَحِينَ تَرَى الْجُفُوفَ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْجُفُوفُ أَنْ تُدْخِلَ الْخِرْقَةَ فَتُخْرِجَهَا جَافَّةً. عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ: وَالْقَصَّةُ مَاءٌ أَبْيَضُ كَالْمَنِيِّ يُسَمَّى قَصَّةٌ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالتُّرَابِ الْأَبْيَضِ الَّذِي تُجَصَّصُ بِهِ الْبُيُوتُ. ابْنُ حَبِيبٍ: الْحَيْضُ أَوَّلُهُ دَمٌ ثُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 صُفْرَةٌ ثُمَّ تِرْيَةٌ ثُمَّ كُدْرَةٌ ثُمَّ يَصِيرُ رِيقًا كَالْقَصَّةِ ثُمَّ يَنْقَطِعُ فَتَصِيرُ جَافَّةً. (وَهِيَ أَبْلَغُ لِمُعْتَادَتِهَا فَتَنْتَظِرُهَا) قَالَ مَالِكٌ: إنْ رَأَتْ الْجُفُوفَ وَهِيَ مِمَّنْ تَرَى الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ فَلَا تُصَلِّي حَتَّى تَرَاهَا إلَّا أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ بِهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا فِي الَّتِي تَرَى الْقَصَّةَ: لَا تَنْتَظِرُ زَوَالَهَا وَلَكِنْ تَغْتَسِلُ إذَا رَأَتْهَا لِأَنَّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 عَلَامَةٌ لِلطُّهْرِ. (لِآخِرِ الْمُخْتَارِ وَفِي الْمُبْتَدَأَةِ تَرَدُّدٌ) الْبَاجِيُّ: قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: أَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَطْهُرُ إلَّا بِالْجُفُوفِ. وَهَذَا مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ نُزُوعٌ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَنَحْوَ هَذَا نَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَذَلِكَ نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ثُمَّ قَالَ: وَنَقَلَ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الشَّرْحِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ إنْ رَأَتْ الْجُفُوفَ تَطَهَّرَتْ لَهُ ثُمَّ تُرَاعِي بَعْدُ مَا يَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهَا مِنْ جُفُوفٍ أَوْ قَصَّةٍ ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ أَصَحُّ فِي الْمَعْنَى وَأَبْيَنُ فِي النَّظَرِ مِمَّا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْهُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 مُتَنَاقِضٌ فِي ظَاهِرِهِ. (وَلَيْسَ عَلَيْهَا نَظَرُ طُهْرِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ بَلْ عِنْدَ النَّوْمِ وَالصُّبْحِ) الْبَاجِيُّ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَتَفَقَّدَ طُهْرَهَا بِاللَّيْلِ وَلَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ مَصَابِيحُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ إذَا أَرَادَتْ النَّوْمَ أَوْ قَامَتْ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَعَلَيْهِنَّ أَنْ يَنْظُرْنَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، وَنَحْوِ هَذَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَزَادَ: وَلَيْسَ مِنْ تَفَقُّدِ طُهْرِهَا يَعْنِي بِاللَّيْلِ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهَا أَنْ تَنْظُرَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُهَا إنْ رَأَتْ الطُّهْرَ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إذْ لَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ تَتَعَيَّنُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَسَقَطَ ذَلِكَ عَنْهَا مِنْ نَاحِيَةِ الْمَشَقَّةِ، فَإِنْ اسْتَيْقَظَتْ بَعْدَ الْفَجْرِ وَهِيَ طَاهِرٌ فَلَمْ تَدْرِ لَعَلَّ طُهْرَهَا كَانَ مِنْ اللَّيْلِ حَمَلَتْ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ عَلَى مَا قَامَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا قَضَاءُ صَلَاةِ اللَّيْلِ حَتَّى تُوقِنَ أَنَّهَا طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأُمِرَتْ فِي رَمَضَانَ بِصِيَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَتَقْضِيهِ احْتِيَاطًا. (وَمَنَعَ صِحَّةَ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَوُجُوبَهُمَا) اُنْظُرْ مَا يُحَصَّلُ مِنْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ، وَلَوْ قَالَ: صِحَّةَ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَوُجُوبَهُمَا لَكَانَ صَحِيحًا عَلَى طَرِيقَةِ التَّلْقِينِ وَالْمُقَدِّمَاتِ، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 مَحْصُولَ لَهُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى حَتَّى تَقُولَ وَتَقْضِيَ الصَّوْمَ وَإِلَّا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنُصَّ عَلَى قَضَاءِ الْوَاحِدِ دُونَ الْآخَرِ. هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ لِلْمُفْتِينَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يَمْنَعُ الْحَيْضُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَتَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ. وَمِنْ التَّلْقِينِ وَالْمُقَدِّمَاتِ: دَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ يَمْنَعَانِ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَصِحَّةَ فِعْلِهَا وَفِعْلِ الصَّوْمِ دُونَ وُجُوبِهِ. وَفَائِدَةُ الْفَرْقِ لُزُومُ الْقَضَاءِ لِلصَّوْمِ وَنَفْيُهُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ الْبَاجِيُّ: لَا مَعْنًى لِهَذَا الَّذِي قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ، فَإِنَّ الْفِعْلَ إذَا لَمْ يَصِحَّ يَنْتَفِي وُجُوبُهُ. فَقَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ: " إنَّ الدَّمَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ " كَذَلِكَ قَوْلُهُ: " إنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّوْمِ " غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَوْ وَجَبَ لَصَحَّ انْتَهَى. (وَطَلَاقًا) ابْنُ رُشْدٍ: يُنْهَى الْمُطَلِّقُ أَنْ يُطَلِّقَ فِي الْحَيْضِ لِئَلَّا يَطُولَ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ فَيُضِرَّ بِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ لَا تَعْتَدُّ بِهِ فِي أَقْرَائِهَا فَتَكُونُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ كَالْمُعَلَّقَةِ، لَا مُعْتَدَّةٍ وَلَا ذَاتِ زَوْجٍ وَلَا فَارِغَةٍ مِنْ زَوْجٍ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ إضْرَارِ الْمَرْأَةِ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فَقَالَ: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] إلَى {فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231] (وَبَدْءَ عِدَّةٍ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْحَيْضِ لَا تَعْتَدُّ بِمَا بَقِيَ مِنْ تِلْكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 الْحَيْضَةِ. (وَوَطْءَ فَرْجٍ أَوْ تَحْتَ إزَارٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: وَالْحَائِضُ تَشُدُّ إزَارَهَا وَشَأْنُهُ بِأَعْلَاهَا. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَوْلُهُ: " شَأْنُهُ بِأَعْلَاهَا " أَيْ يُجَامِعُهَا فِي أَعْكَانِهَا أَوْ بَطْنِهَا أَوْ مَا شَاءَ مِنْهَا مِمَّا هُوَ أَعْلَاهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَطَؤُهَا بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ. ابْنُ يُونُسَ: لِلذَّرِيعَةِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَيْسَ بِضِيقٍ إذَا اجْتَنَبَ الْفَرْجَ. وَقَالَهُ أَصْبَغُ انْتَهَى. وَاَلَّذِي لِلْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ: لَهُ أَنْ يَسْتَمْنِيَ بِيَدِهَا وَبِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ زَمَنَ الْحَيْضِ سِوَى الْوِقَاعِ. وَانْظُرْ أَحْكَامَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] (وَلَوْ بَعْدَ نَقَاءٍ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] أَيْ يَرَيْنَ الطُّهْرَ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] أَيْ بِالْمَاءِ. وَذَهَبَ ابْنُ بُكَيْرٍ إلَى جَوَازِ وَطْئِهَا إذَا رَأَتْ النَّقَاءَ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ لِأَنَّ الْمَانِعَ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِالْحَيْضِ، وَالْحُكْمُ إذَا تَعَلَّقَ بِعِلَّةٍ وَجَبَ زَوَالُهُ بِزَوَالِهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَقْيَسُ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَحْوَطُ وَأَحَبُّ إلَيْنَا. (وَتَيَمُّمٍ) فِيهَا إذَا طَهُرَتْ امْرَأَةٌ مِنْ حَيْضِهَا فِي سَفَرٍ وَتَيَمَّمَتْ فَلَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 يَكُونَ مَعَهُمَا مِنْ الْمَاءِ مَا يَغْتَسِلَانِ بِهِ جَمِيعًا. سَحْنُونَ: يَعْنِي مَا تَغْتَسِلُ هِيَ بِهِ مِنْ الْحَيْضَةِ ثُمَّ مَا يَغْتَسِلَانِ بِهِ جَمِيعًا مِنْ الْجَنَابَةِ. (وَرَفْعَ حَدَثِهَا) . ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ أَنَّ التَّطَهُّرَ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْحَدَثِ مِنْ جِهَتِهَا مَا دَامَا مُتَّصِلَيْنِ، وَإِنَّمَا يَرْفَعُهُ بَعْدَ انْقِطَاعِهِمَا (وَلَوْ جَنَابَةً) . ابْنُ رُشْدٍ: الصَّوَابُ أَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ مُرْتَفِعٌ مَعَ الْحَيْضِ فَيَكُونُ لَهَا أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ لِلْجَنَابَةِ. ابْنُ يُونُسَ: وَيَنْبَغِي إذَا ارْتَفَعَ دَمُ الْحَيْضِ عَنْ الْحَائِضِ وَلَمْ تَغْتَسِلْ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْجُنُبِ لَا تَقْرَأُ وَلَا تَنَامُ حَتَّى تَتَوَضَّأَ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ طُهْرَهَا. ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ وَهِيَ جُنُبٌ فَلْتَغْتَسِلْ غُسْلًا وَاحِدًا. قَالَ سَحْنُونَ: فَإِنْ نَوَتْ الْجَنَابَةَ لَمْ يُجْزِهَا. ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ الْإِجْزَاءُ، نَوَتْ الْجَنَابَةَ أَوْ الْحَيْضَ، لِأَنَّ الْأَحْدَاثَ إذَا كَانَ مُوجِبُهَا وَاحِدًا نَابَ مُوجِبُ أَحَدِهَا عَنْ الْآخَرِ كَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الشَّجَّةِ. (وَدُخُولَ مَسْجِدٍ فَلَا تَعْتَكِفُ وَلَا تَطُوفُ وَمَسَّ مُصْحَفٍ لَا قِرَاءَةً) . ابْنُ رُشْدٍ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 يَمْنَعُ دَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالِاعْتِكَافِ وَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ، وَيَمْنَعُ مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ شَاذٌّ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ظَاهِرًا. الْبَاجِيُّ وَالتَّلْقِينُ: فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ظَاهِرًا رِوَايَتَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ التَّلْقِينِ أَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِرَاءَةِ سَوَاءٌ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا تَقْرَأُ النُّفَسَاءُ. وَعَلَّلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ بَالِغًا ". (وَالنِّفَاسُ دَمٌ خَرَجَ لِلْوِلَادَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: النِّفَاسُ دَمُ إلْقَاءِ حَمْلٍ فَيَدْخُلُ دَمُ إلْقَاءِ الدَّمِ الْمُجْتَمِعِ عَلَى الْمَشْهُورِ. عِيَاضٌ: قِيلَ مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 خَرَجَ قَبْلَ الْوَلَدِ غَيْرُ نِفَاسٍ، وَمَا بَعْدَهُ نِفَاسٌ، وَفِيمَا مَعَهُ قَوْلًا الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ (وَلَوْ بَيْنَ تَوْأَمَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا وَبَقِيَ فِي بَطْنِهَا آخَرُ وَلَمْ تَضَعْهُ إلَّا بَعْدَ شَهْرَيْنِ وَالدَّمُ يَتَمَادَى بِهَا فَحَالُهَا كَحَالِ النُّفَسَاءِ وَلِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا لَمْ تَضَعْ آخِرَ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُهُ " كَحَالِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 النُّفَسَاءِ " يُرِيدُ فِي الْجُلُوسِ عَنْ الصَّلَاةِ إذَا تَمَادَى بِهَا الدَّمُ فَتَجْلِسُ شَهْرَيْنِ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَقَدْرَ مَا يَرَاهُ النِّسَاءُ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي. (وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ دَامَ دَمُ النِّفَاسِ جَلَسَتْ شَهْرَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ: قَدْرَ مَا يَرَاهُ النِّسَاءُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ اقْتَصَرَ فِي التَّلْقِينِ وَالرِّسَالَةِ. (فَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا فَنِفَاسَانِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عَلَى قَوْلِهَا دَمُ الْأَوَّلِ نِفَاسٌ فَمَا بَعْدَ الثَّانِي مَعَهُ نِفَاسٌ وَاحِدٌ، وَعَلَى أَنَّهُ دَمُ حَيْضِ يَسْتَقْبِلُ دَمَ الْوَلَدِ الثَّانِي وَلَا يُضَافُ لِمَا قَبْلُ. (وَتَقَطُّعُهُ وَمَنْعُهُ كَالْحَيْضِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ فَإِنْ كَانَ قُرْبَ الْوِلَادَةِ فَلْتَغْتَسِلْ وَتُصَلِّي فَإِذَا رَأَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ دَمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 فَهُوَ مُضَافٌ إلَى دَمِ النِّفَاسِ إلَّا أَنْ يَتَبَاعَدَ مَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ فَيَكُونُ الثَّانِي حَيْضًا، وَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ يَوْمَيْنِ وَالطُّهْرَ يَوْمَيْنِ فَتَمَادَى بِهَا ذَلِكَ فَتَلْغِي أَيَّامَ الطُّهْرِ وَتَغْتَسِلُ إذَا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَتَدَعُ الصَّلَاةَ فِي أَيَّامِ الدَّمِ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَقْصَى مَا يَجْلِسُ فِيهِ النِّسَاءُ فِي النِّفَاسِ مِنْ غَيْرِ سَقَمٍ ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمَنَعَ صِحَّةَ الصَّلَاةِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الْقِرَاءَةِ (وَوَجَبَ وُضُوءٌ بِهَادٍ وَالْأَظْهَرُ نَفْيُهُ) الذَّخِيرَةُ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَاءُ الْحَامِلِ قُرْبَ وَضْعِهَا كَبَوْلِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. ابْنُ رُشْدٍ: أَيْ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 [كِتَابُ الصَّلَاةِ] [بَاب فِي مَوَاقِيت الصَّلَاة] [فَصَلِّ فِي وَقْت الرَّفَاهِيَة وَوَقْت الْمَعْذُورِينَ وَوَقْت الْكَرَاهِيَة فِي الصَّلَاة] بَابٌ ابْنُ شَاسٍ: فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَبْوَابٌ: الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْمَوَاقِيتِ وَفِيهِ فُصُولٌ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: فِي وَقْتِ الرَّفَاهِيَةِ. الثَّانِي: فِي وَقْتِ الْمَعْذُورِينَ. الثَّالِثُ: فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهِيَةِ (الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ لِلظُّهْرِ مِنْ زَوَالِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 الشَّمْسِ لِآخِرِ الْقَامَةِ بِغَيْرِ ظِلِّ الزَّوَالِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 (وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ لِلِاصْفِرَارِ وَاشْتَرَكَتَا بِقَدْرِ إحْدَاهُمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: أَوَّلُ الظُّهْرِ زَوَالُ الشَّمْسِ، وَهُوَ كَوْنُهَا بِأَوَّلِ ثَانِي أَعْلَى دَرَجَاتِ دَائِرَتِهَا، وَيُعْرَفُ بِذَلِكَ بِزِيَادَةِ أَقَلِّ ظِلِّهَا. وَمَنَعَ ابْنُ الْقَصَّارِ التَّقْلِيدَ فِي دُخُولِ وَقْتِهَا وَلَوْ لِعَامِّيٍّ لِوُضُوحِهِ. الْمُدَوَّنَةُ: وَآخِرُ وَقْتِهَا أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ طَرْحِ ظِلِّ الزَّوَالِ، وَهُوَ بِعَيْنِهِ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ يَكُونُ وَقْتًا لَهُمَا مُمْتَزِجًا بَيْنَهُمَا، فَإِذَا زَادَ عَلَى الْمِثْلِ زِيَادَةً خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَانْفَرَدَ الْوَقْتُ بِالْعَصْرِ. ابْنُ نَاجِي: فَيَقَعُ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ مَا دَامَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، فَإِذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 تَبَيَّنَتْ الزِّيَادَةُ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَانْفَرَدَ وَقْتُ الْعَصْرِ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَآخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ. (وَهَلْ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى، أَوْ أَوَّلِ الثَّانِيَةِ؟ خِلَافٌ) الَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَشْهُورَ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 لِابْنِ يُونُسَ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، اُنْظُرْهَا فِي الطِّوَالِ، وَفِي اللَّخْمِيِّ. (وَلِلْمَغْرِبِ غُرُوبُ الشَّمْسِ تُقَدَّرُ بِفِعْلِهَا بَعْدَ شُرُوطِهَا) فِيهَا: وَقْتُ الْمَغْرِبِ غُرُوبُ الشَّمْسِ لَا تُؤَخَّرُ. ابْنُ رُشْدٍ: إلَّا لِعُذْرٍ مِثْلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِلْمَرِيضِ، وَالْمَطَرِ، وَالْمُسَافِرِ، ثُمَّ قَالَ: فَحَصَلَ الْإِجْمَاعُ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ بِالْمَغْرِبِ عِنْدَ الْغُرُوبِ أَفْضَلُ بَهْرَامَ: قَالَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ: يُرَاعَى مِقْدَارُ فِعْلِهَا بَعْدَ تَحْصِيلِ شُرُوطِهَا ابْنُ عَرَفَةَ: اعْتِبَارُ مَا يَسَعُهَا بِغُسْلِهَا لَازِمٌ لِوُجُوبِهِ وَعَدَمِ وُجُوبِهِ بَلْ قَبْلَ وَقْتِهَا. وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى امْتِنَاعِ التَّكْلِيفِ بِمُوَقِّتٍ بِمَا لَا يَسَعُهُ وَبِاعْتِبَارِهِمْ هَذَا يُفْهَمُ قَوْلُ الْمَازِرِيِّ: فَاعِلُهَا - إثْرَ الْغُرُوبِ - وَالْمُتَوَانِي قَلِيلًا كِلَاهُمَا أَدَّاهَا فِي وَقْتِهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 (وَلِلْعِشَاءِ مِنْ غُرُوبِ حُمْرَةِ الشَّفَقِ لِلثُّلُثِ الْأَوَّلِ) فِيهَا: أَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ مَغِيبُ الشَّفَقِ وَهُوَ الْحُمْرَةُ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْبَيَاضِ الْبَاقِي بَعْدَهَا كَمَا لَا يُنْظَرُ فِي الصَّوْمِ إلَى الْبَيَاضِ الَّذِي قَبْلَ الْفَجْرِ. وَآخِرُ وَقْتِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 ثُلُثُ اللَّيْلِ اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ: عَلَى الْقُرْصِ دَائِرَتَانِ: حَمْرَاءُ وَقَبْلَهَا بَيْضَاءُ، أَوَّلُ مَا يَطْلُعُ الْبَيْضَاءُ ثُمَّ الْحَمْرَاءُ، ثُمَّ الْقُرْصُ، وَالْأَحْكَامُ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْضَاءِ، وَهِيَ دَائِرَةُ سَكَنٍ لِاتِّسَاعِهَا تَظْهَرُ كَأَنَّهَا خَطٌّ مُسْتَقِيمٌ مِنْ الْقِبْلَةِ إلَى الشَّمَالِ. وَيُسَمَّى الْفَجْرَ الْمُعْتَرِضَ وَالْمُسْتَطِيرَ وَالصَّادِقَ، وَالْفَجْرُ الْكَاذِبُ هُوَ الْمُسْتَطِيلُ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ يُسَمَّى كَاذِبًا لِأَنَّهُ يَقِلُّ وَيَتَلَاشَى. (وَلِلصُّبْحِ مِنْ الْفَجْرِ الصَّادِقِ) ابْنُ عَرَفَةَ: أَوَّلُ الصُّبْحِ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَهُوَ بَيَاضُ الْأُفُقِ الْمُنْتَشِرِ. ابْنُ شَاسٍ: أَوَّلُ الصُّبْحِ طُلُوعُ الْفَجْرِ الصَّادِقِ الْمُسْتَطِيرِ ضَوْءُهُ لَا الْفَجْرِ الْكَاذِبِ الَّذِي يَبْدُو مُسْتَطِيلًا، ثُمَّ يَنْمَحِقُ (لِلْإِسْفَارِ الْأَعْلَى) فِيهَا: وَآخِرُ وَقْتِهَا إذَا أَسْفَرَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ الْإِسْفَارِ مَا إذَا تَمَّتْ الصَّلَاةُ بَدَأَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، أَوْ بِمَا تَبِينُ بِهِ الْأَشْيَاءُ تَفْسِيرَانِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 الْأَوَّلُ لِعَبْدِ الْحَقِّ وَلِلرِّسَالَةِ، وَالتَّفْسِيرُ الثَّانِي لِابْنِ عَرَفَةَ وَبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. (وَإِنْ مَاتَ وَسَطَ الْوَقْتِ بِلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 أَدَاءً لَمْ يَعْصِ) الْمَازِرِيُّ: وُجُوبُ الصَّلَاةِ يَتَعَلَّقُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمَالِكِيَّةِ بِجَمِيعِ الْوَقْتِ، فَعَلَيْهِ لَوْ مَاتَ الْمُكَلَّفُ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَمْ يَعْصِ (إلَّا أَنْ يَظُنَّ الْمَوْتَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْجُمْهُورُ أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَنَحْوِهِ وَقْتٌ لِأَدَائِهِ. وَمَنْ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ قَبْلَ الْفِعْلِ عَصَى اتِّفَاقًا، فَإِنْ لَمْ يَمُتْ ثُمَّ فَعَلَهُ فِي وَقْتِهِ فَالْجُمْهُورُ: أَدَاءً، وَإِنْ ظَنَّ السَّلَامَةَ فَمَاتَ فَجْأَةً فَلَا يَعْصِي (وَالْأَفْضَلُ لِفَذٍّ تَقْدِيمُهَا مُطْلَقًا) ابْنُ رُشْدٍ: الْبِدَارُ إلَى الصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ مِنْ فِعْلِ الْخَوَارِجِ أَبُو عُمَرَ: جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا أَنَّ الْمُبَادِرَ لِأَدَائِهَا أَفْضَلُ مِنْ الْمُتَأَنِّي لِقَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ -: {سَابِقُوا} {وَسَارِعُوا} وَلِحَدِيثِ «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا» وَفِي الْحَدِيثِ «أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ» . (وَعَلَى جَمَاعَةٍ آخِرُهُ) اُنْظُرْ هَذَا إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصُّبْحِ خَاصَّةً رَوَى ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمُسَافِرِينَ يُقَدِّمُونَ الرَّجُلَ لِسِنِّهِ فَيُسْفِرُ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ: يُصَلِّي الرَّجُلُ وَحْدَهُ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْإِسْفَارِ مَعَ جَمَاعَةٍ. الْبَاجِيُّ: جَعَلَ الْإِسْفَارَ هُنَا وَقْتَ الضَّرُورَةِ. الْمَازِرِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ. اُنْظُرْ بَحْثَهُ مَعَ الْبَاجِيِّ (وَلِلْجَمَاعَةِ تَقْدِيمُ غَيْرِ الظُّهْرِ) ابْنُ عَرَفَةَ: عَنْ الْجُمْهُورِ صَلَاةُ الْعَصْرِ أَوَّلَ وَقْتِهَا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهَا قَلِيلًا خِلَافًا لِلْقَاضِي وَأَشْهَبَ أَبُو عُمَرَ: اسْتَحَبَّ مَالِكٌ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ أَنْ لَا يُعَجِّلُوا بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّ أَوَائِلَ الْأَوْقَاتِ أَحَبُّ إلَيْهِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ إلَّا الظُّهْرَ (وَتَأْخِيرُهَا لِرُبُعِ الْقَامَةِ) فِيهَا: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَالْفَيْءُ ذِرَاعٌ. عِيَاضٌ: ذِرَاعُ الْإِنْسَانِ رُبُعُ قَامَتِهِ، وَالْفَيْءُ الظِّلُّ الَّذِي تَزُولُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَبُو عُمَرَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَا الْفَذُّ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ وَالْبَغْدَادِيِّينَ (وَيُزَادُ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَفِيهَا نُدِبَ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ قَلِيلًا) تَقَدَّمَ نَقْلُ أَبِي عُمَرَ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ. (وَإِنْ شَكَّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ تَجْزِهِ وَلَوْ وَقَعَتْ فِيهِ) ابْنُ رُشْدٍ: إذَا صَلَّى - وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِدُخُولِ الْوَقْتِ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 وَجَبَ أَنْ لَا تُجْزِئَهُ صَلَاتُهُ وَإِنْ انْكَشَفَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّاهَا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَقِيلَ: إنَّهَا تُجْزِئُهُ اُنْظُرْ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرَ مِنْهَا: مَنْ شَكَّ هَلْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فَسَلَّمَ عَلَى شَكِّهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَتَمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: صَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ. وَمِنْهَا: مَنْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ عَامِدًا، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مُسْتَقْبِلُهَا قَالَ الْبَاجِيُّ: صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ. وَانْظُرْ أَيْضًا - مِنْ مَعْنَى هَذَا - نَقْلَ ابْنِ يُونُسَ: مَنْ صَلَّى عُرْيَانًا - وَعِنْدَهُ ثَوْبٌ نَجِسٌ -: إنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ فَرْضَهُ الصَّلَاةُ بِالثَّوْبِ النَّجِسِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ. وَكَانَ ابْنُ اللَّبَّادِ يُفْتِي أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ بَنُو عُبَيْدٍ مِنْ الزَّكَاةِ يَجْزِي، وَإِنْ كَانُوا لَا يُقِرُّونَ بِالزَّكَاةِ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا: لَا تُجْزِئُ لَمْ يُؤَدِّ النَّاسُ شَيْئًا فَلَأَنْ يُؤَدُّوا بِتَأْوِيلٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتْرُكُوهَا عَامِدِينَ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَكُنْت أَسْتَحِبُّ هَذَا، وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُرَشِّحُ هَذَا وَيَقُولُ، إذَا ظَهَرَ لِلْإِنْسَانِ خِلَافُ مَا يَظْهَرُ لِغَيْرِهِ فَيَمْتَنِعُ فِي ذَاتِهِ، وَلَا يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى مَذْهَبِهِ فَيُدْخِلَ عَلَيْهِمْ شَغَبًا فِي أَنْفُسِهِمْ وَحِيرَةً فِي دِينِهِمْ. وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: لَوْ أَقْدَمَ عَلَى شَيْءٍ مَعَ حَزَازَةٍ فِي قَلْبِهِ اسْتَضَرَّ بِهِ وَأَظْلَمَ قَلْبُهُ، بَلْ لَوْ أَقْدَمَ عَلَى حَرَامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ حَلَالٌ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي قَسَاوَةِ قَلْبِهِ. قَالَ الشَّاطِبِيُّ: إذَا قَصَدَ مُخَالَفَةَ الشَّرْعِ فَشَرِبَ حِلَابًا عَلَى أَنَّهُ خَمْرٌ فَعَلَيْهِ دَرْكُ الْإِثْمِ فِي قَصْدِ الْمُخَالَفَةِ. وَقَالَ عِزُّ الدِّينِ: مَنْ فَعَلَ وَاجِبًا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ أُثِيبَ عَلَى قَصْدِهِ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ؛ إذْ فَعَلَ مَفْسَدَةً يَظُنُّهَا مَصْلَحَةً. ابْنُ شَاسٍ: وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ فَلْيَجْتَهِدْ وَيَسْتَدِلَّ بِالْأَوْرَادِ وَأَرْبَابِ الصَّنَائِعِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَيَحْتَاطُ، ثُمَّ إنْ وَقَعَتْ صَلَاتُهُ فِي الْوَقْتِ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا قَضَاءَ، وَإِنْ وَقَعَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ مَضَى كَالِاجْتِهَادِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. (وَالضَّرُورِيُّ بَعْدَ الْمُخْتَارِ لِلطُّلُوعِ فِي الصُّبْحِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الضَّرُورِيُّ تَالِي الِاخْتِيَارِيِّ. قَالَ: وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي آخِرِ الصُّبْحِ. ابْنُ شَاسٍ: قِيلَ: آخِرُهَا الْمُخْتَارُ طُلُوعُ الشَّمْسِ، وَقِيلَ: الْإِسْفَارُ الْأَعْلَى وَقَدْ تَقَدَّمَ عِبَارَةُ غَيْرِهِ، عَبَّرَ بِحَاجِبِ الشَّمْسِ عَنْ قُرْصِهَا. (وَلِلْغُرُوبِ فِي الظُّهْرَيْنِ وَلِلْفَجْرِ فِي الْعِشَاءَيْنِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الضَّرُورِيُّ تَالِي الِاخْتِيَارِيِّ، فِي النَّهَارِيَّتَيْنِ لِلْغُرُوبِ، وَلِلْفَجْرِ فِي الْعِشَاءَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 (وَتُدْرَكُ فِيهِ الصُّبْحُ بِرَكْعَةٍ لَا أَقَلَّ) ابْنُ عَرَفَةَ: تَجِبُ الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ عَلَى ذِي مَانِعٍ يُرْفَعُ ذَلِكَ الْمَانِعُ بِقَدْرِ رَكْعَةٍ قَبْلَ الطُّلُوعِ، أَوْ الْغُرُوبِ أَوْ الْفَجْرِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: بِسَجْدَتَيْهَا. الْقَاضِي: مَعَ ظَاهِرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 الرِّوَايَاتِ: بِقِرَاءَتِهَا وَطُمَأْنِينَتِهَا. اللَّخْمِيِّ: وَعَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّتِهَا لَا يُعْتَبَرَانِ. (وَالْكُلُّ أَدَاءٌ) الْبَاجِيُّ: إذَا أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ بِالْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِرَكْعَةٍ، فَلَمَّا كَانَتْ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ مِنْهَا - وَقَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ - حَاضَتْ فَإِنَّهَا تَقْضِي الْعَصْرَ لِأَنَّهَا حَاضَتْ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا. قَالَهُ سَحْنُونَ وَرَأَيْت لِأَصْبَغَ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهَا، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ أَقْيَسُ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ عَنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ: إنَّهُ أَقْيَسُ. وَقَالَ عَنْ قَوْلِ أَصْبَغَ: إنَّهُ أَشْهَرُ ابْنُ بَشِيرٍ: أَثْمَرَ هَذَا الْخِلَافُ اخْتِلَافًا فِي مُدْرِكِ رَكْعَةٍ مِنْ الْوَقْتِ هَلْ يَكُونُ مُؤَدِّيًا لِجَمِيعِ الصَّلَاةِ، أَوْ مُؤَدِّيًا لِلرَّكْعَةِ، قَاضِيًا لِلثَّلَاثِ.؟ . (وَالظُّهْرَانِ وَالْعِشَاءَانِ بِفَصْلِ رَكْعَةٍ عَنْ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ) مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَأَصْبَغُ: تَجِبُ أُولَى الْمُشْتَرَكَتَيْنِ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ فَوْقَ قَدْرِهَا فَإِذَا طَهُرَتْ الْحَائِضُ، وَأَفَاقَ الْمُغْمَى، وَاحْتَلَمَ الصَّبِيُّ، وَأَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ اللَّيْلِ قَدْرُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ بَقِيَتْ رَكْعَةٌ لِلْعِشَاءِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِذَا طَهُرَتْ فِي السَّفَرِ لِثَلَاثٍ فَلَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا الْعِشَاءُ رَكْعَتَيْنِ. (كَحَاضِرٍ سَافَرَ أَوْ قَادِمٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: ثَالِثُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَأَصْبَغَ أُولَى الْمُشْتَرَكَتَيْنِ تَجِبُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 فَوْقَ قَدْرِهَا إلَّا الثَّانِيَةَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَقَصْرُ الْأُولَى لِسَفَرٍ وَإِتْمَامُهَا لِقُدُومٍ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ، وَلَوْ سَافَرَ بَعْدَ قَدْرِ الثَّانِيَةِ مِثْلُهَا، فَلَوْ سَافَرَ لِثَلَاثٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ قَصَرَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَإِنْ سَافَرَ لِأَقَلَّ قَصَرَ الْعَصْرَ، وَلَوْ سَافَرَ لِأَرْبَعٍ قَبْلَ الْفَجْرِ قَصَرَ الْعِشَاءَ، فَإِنْ سَافَرَ لِأَقَلَّ فَالرِّوَايَةُ كَذَلِكَ. رَوَى الْجَلَّابُ يُتِمُّ وَلَوْ قَدِمَ لِخَمْسٍ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَتَمَّهُمَا، وَلِأَقَلَّ أَتَمَّ الْعَصْرَ، وَلَوْ قَدِمَ لِأَرْبَعٍ قَبْلَ الْفَجْرِ أَتَمَّ وَلِأَقَلَّ كَذَلِكَ وَخَرَّجَ الْجَلَّابُ قَصْرَهُ (وَأَثِمَ) ابْنُ بَشِيرٍ: الْأَدَاءُ وَالتَّأْثِيمُ مُتَنَافِيَانِ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَدَاءِ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ، وَمَعْنَى التَّأْثِيمِ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا. قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَخَّرَ غَيْرُ ذِي عُذْرٍ لِغَيْرِ الضَّرُورِيِّ كُرِهَ لَهُ وَكَانَ مُؤَدِّيًا وَفِي الصَّحِيحِ: «مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ: مَعْنَى الْفَوَاتِ هُنَا مَنْ لَمْ يُصَلِّهَا فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: هُوَ الَّذِي تَغْرُبُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ. ابْنُ زَرْقُونٍ: فَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ: لَا يَأْثَمُ مَنْ أَخَّرَ الْعَصْرَ عَنْ الْقَامَتَيْنِ. (إلَّا لِعُذْرٍ بِكُفْرٍ، وَإِنْ بِرِدَّةٍ، وَصِبًا، وَإِغْمَاءٍ، وَجُنُونٍ، وَنَوْمٍ، وَغَفْلَةٍ كَحَيْضٍ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 سُكْرٍ) اُنْظُرْ هَذَا الْمَسَاقَ فَإِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يَأْثَمُ وَمَنْ لَا يَأْثَمُ، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ إنَّمَا يَذْكُرُونَ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ، وَمَنْ لَا تَسْقُطُ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: يَعْنِي بِالْعُذْرِ الْحَيْضَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَالنِّفَاسَ وَالْكُفْرَ - وَلَوْ رِدَّةً - وَالْإِغْمَاءَ وَالْجُنُونَ وَالصِّبَا. ابْنُ شَاسٍ: وَأَمَّا السُّكْرُ فَلَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ وَكَذَلِكَ النَّوْمُ. (وَالْمَعْذُورُ، وَغَيْرُ كَافِرٍ يُقَدَّرُ لَهُ الطُّهْرُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا تَنْظُرُ الْحَائِضُ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ بَعْدَ فَرَاغِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 مِنْ غُسْلِهَا وَجِهَازِهَا مِنْ غَيْرِ تَوَانٍ وَلَا تَفْرِيطٍ، وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إنَّمَا يُرَاعِي بَعْدَ وُضُوئِهِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِيهِ، وَفِي النَّصْرَانِيِّ إلَّا أَنِّي أَسْتَحْسِنُ فِي النَّصْرَانِيِّ - يُسْلِمُ - أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ سَاعَةَ يُسْلِمُ لِقَوْلِ مَالِكٍ: إذَا أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ فِي رَمَضَانَ وَقَدْ مَضَى بَعْضُ النَّهَارِ أَنَّهُ يَكُفُّ عَنْ الْأَكْلِ وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ، فَالصَّلَاةُ أَحْرَى أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ مَا أَسْلَمَ فِي وَقْتِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَنْبَغِي فِي الصَّبِيِّ - يَحْتَلِمُ - أَنْ يَكُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فِي الْحَائِضِ (وَإِنْ ظَنَّ إدْرَاكَهُمَا فَرَكَعَ فَخَرَجَ الْوَقْتُ قَضَى الْأَخِيرَةَ) سَمِعَ عِيسَى: إنْ قَدَّرَتْ خَمْسَ رَكَعَاتٍ فَبَدَأَتْ بِالظُّهْرِ فَلَمَّا صَلَّتْ رَكْعَةً غَابَتْ الشَّمْسُ فَلْتُضِفْ إلَيْهَا أُخْرَى، وَتُسَلِّمْ، وَتَكُونُ نَافِلَةً، ثُمَّ تُصَلِّي الْعَصْرَ. وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّتْ ثَلَاثًا ثُمَّ غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَأَضَافَتْ رَابِعَةً وَتَكُونُ نَافِلَةً وَتُصَلِّي الْعَصْرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ كَانَتْ لَمْ تَعْقِدْ رَكْعَةً لَكَانَ الِاخْتِيَارُ لَهَا أَنْ تَقْطَعَ. (وَإِنْ تَطَهَّرَ فَأَحْدَثَ، أَوْ تَبَيَّنَ عَدَمُ طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ، أَوْ ذَكَرَ مَا يُرَتَّبُ فَالْقَضَاءُ) ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ أَحْدَثَتْ الْحَائِضُ بَعْدَ غُسْلِهَا، أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بَعْدَ وُضُوئِهِ، فَتَوَضَّأَ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَلْيَقْضِيَا مَا لَزِمَهُمَا قَبْلَ الْحَدَثِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا وَلَيْسَ نَقْضُ الْوُضُوءِ بِاَلَّذِي يُسْقِطُهَا. وَلَوْ كَانَا اغْتَسَلَا، أَوْ تَوَضَّآ بِمَاءٍ غَيْرِ طَاهِرٍ وَصَلَّيَا ثُمَّ عَلِمَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ عَلِمَا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَا أَعَادَا الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ، وَعَمِلَا عَلَى مَا بَقِيَ لَهُمَا بَعْدَ فَرَاغِهِمَا وَلَمْ يَنْظُرَا إلَى الْوَقْتِ الْأَوَّلِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلَّتِي قَبْلَهَا. ابْنُ رُشْدٍ: هُمَا جَمِيعًا لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ تَفْرِيطٌ فَلَيْسَ يَبِينُ تَفْرِقَتُهُ بَيْنَهُمَا، فَإِمَّا أَنْ عُذِرَا جَمِيعًا فَلْيَعْمَلَا عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 وَإِمَّا أَنْ لَا يُعْذَرَا فِيهِمَا جَمِيعًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يُفِيقُ لِقَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّهَارِ، ثُمَّ ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْفَائِتَةِ، ثُمَّ يُصَلِّي الْعَصْرَ كَمَا لَوْ ذَكَرَتْ صَلَاةً نَسِيَتْهَا لِقَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَلَمْ تَكُنْ صَلَّتْ الْعَصْرَ فَإِنَّهَا تَبْدَأُ بِالْفَائِتَةِ، ثُمَّ تُصَلِّي الْعَصْرَ، وَكَمَا لَوْ حَاضَتْ حِينَئِذٍ لَسَقَطَتْ الْعَصْرُ فَكَذَلِكَ إذَا طَهُرَتْ حِينَئِذٍ تَجِبُ عَلَيْهَا، لِأَنَّ مَا يَسْقُطُ بِالْحَيْضِ يَجِبُ بِالطُّهْرِ. ثُمَّ رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ هَذَا. وَوَجَّهَ ابْنُ يُونُسَ هَذَا الْقَوْلَ الْمَرْجُوعَ إلَيْهِ، انْتَهَى وَانْظُرْ اخْتِصَارَ خَلِيلٍ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ إلَّا أَنَّ ابْنَ الْمَوَّازِ صَوَّبَهُ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا صَوَّبَهُ ابْنُ يُونُسَ بَعْدَ تَوْجِيهِهِ الْقَوْلَ الْمَرْجُوعَ إلَيْهِ (وَأَسْقَطَ عُذْرٌ حَصَلَ غَيْرُ نَوْمٍ وَنِسْيَانٍ الْمُدْرَكَ) ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ سُقُوطُ الصَّلَاةِ بِطُرُوِّ الْعُذْرِ بِقَدْرِ الرَّكْعَةِ. (وَأُمِرَ صَبِيٌّ بِهَا لِسَبْعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: يُؤْمَرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 الصِّبْيَانُ بِالصَّلَاةِ إذَا أَثْغَرُوا وَهِيَ حِينَ تُنْزَعُ أَسْنَانُهُمْ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ. ابْنُ رُشْدٍ: الصَّوَابُ أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ إلَّا عِنْدَ عَشْرٍ لَا عِنْدَ الْإِثْغَارِ. ابْنُ حَبِيبٍ: ذُكُورًا كَانُوا، أَوْ إنَاثًا، اللَّخْمِيِّ: كُلُّ وَاحِدٍ بِفِرَاشٍ عَلَى حِدَةٍ، وَقِيلَ: عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ ثَوْبٌ حَائِلٌ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُؤْمَرُونَ بِالصَّوْمِ إلَّا عِنْدَ الْبُلُوغِ. ابْنُ رُشْدٍ: الصَّوَابُ عِنْدِي إذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ أَنَّهُ وَوَلِيُّهُ مَأْجُورَانِ عَلَى فِعْلِهِمَا «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمَرْأَةِ الَّتِي أَخَذَتْ بِضَبْعَيْ الصَّبِيِّ وَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ» . (وَضُرِبَ لِعَشْرٍ) رَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مُرُوا الصِّبْيَانَ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي التَّأْدِيبِ أَنَّهُ يَكُونُ بِالْوَعِيدِ وَالتَّقْرِيعِ لَا بِالشَّتْمِ، فَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْقَوْلُ انْتَقَلَ إلَى الضَّرْبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 بِالسَّوْطِ مِنْ وَاحِدٍ إلَى ثَلَاثَةٍ ضَرْبَ إيلَامٍ فَقَطْ دُونَ تَأْثِيرٍ فِي الْعُضْوِ. قَالَ أَشْهَبُ: إنْ زَادَ الْمُؤَدِّبُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْوَاطٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ. (وَمُنِعَ نَفْلٌ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا) اُنْظُرْ هَذَا الَّذِي قُرِّرَ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا يَأْتِي لِابْنِ رُشْدٍ. وَقَرَّرَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ حُكْمَ مَا قَبْلَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَ الطُّلُوعِ إلَى الْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ وَاحِدٌ عَبَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ بِالْمَنْعِ وَعَبَّرَ ابْنُ شَاسٍ بِالْكَرَاهَةِ. (وَخُطْبَةِ جُمُعَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَمْنَعُ جُلُوسُ الْإِمَامِ لِلْخُطْبَةِ النَّفَلَ وَلَوْ تَحِيَّةً اتِّفَاقًا. الْبَاجِيُّ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَا عِنْدَ خُرُوجِهِ لِلْخُطْبَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ افْتَتَحَهُ حِينَ الْمَنْعِ مَنْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ قَطَعَ اتِّفَاقًا، انْتَهَى نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ خَرَجَ الْخَطِيبُ وَقَدْ شَرَعَ فِي نَافِلَةٍ أَتَمَّهَا وَكَذَا يُتِمُّهَا إذَا شَرَعَ فِيهَا وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَرَوَى ابْنُ شَعْبَانَ إنْ خَرَجَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِيهِ أَتَمَّ قِرَاءَتَهُ بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ فِي التَّشَهُّدِ سَلَّمَ، وَلَمْ يَدْعُ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ يَدْعُو مَا دَامَ الْأَذَانُ اُنْظُرْ فِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: إنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 ذَكَرَ صَلَاةَ الصُّبْحِ. (وَكُرِهَ بَعْدَ فَجْرٍ وَفَرْضِ عَصْرٍ) هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ أَعْنِي لَفْظَ " كُرِهَ ". وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يُمْنَعُ النَّفَلُ غَيْرُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِطُلُوعِهِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ. قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ذَكَرَ بَعْدَ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ أَنَّهُ صَلَّاهَا شَفَعَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ نَفْلًا بَعْدَ الْعَصْرِ. ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا مُنِعَ النَّفَلُ بَعْدَ الْعَصْرِ لِلذَّرِيعَةِ لِإِيقَاعِهِ عِنْدَ الْغُرُوبِ أَوْ الطُّلُوعِ، وَلِهَذَا جَازَ نَفْلُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ بَعْدَ صَلَاتِهِ غَيْرَهُ فَلَوْ مُنِعَ لِذَاتِ الْوَقْتِ مَا جَازَ انْتَهَى اُنْظُرْ مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ وَحْدَهُ، ثُمَّ وَجَدَ جَمَاعَةً يَنْتَظِرُونَ صَلَاةَ الْعَصْرِ لَهُ أَنْ يُعِيدَ مَعَهُمْ، فَانْظُرْ هَلْ يُحَيِّي الْمَسْجِدَ.؟ . (إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ قَدْرَ رُمْحٍ) قَالَ شَارِحُ الرِّسَالَةِ: قَوْلُهُ: " إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ " يُرِيدُ: وَتَرْتَفِعُ قَدْرَ رُمْحِ الْأَعْرَابِ وَتَبْيَضُّ وَتَذْهَبُ مِنْهَا الْحُمْرَةُ. (وَتُصَلَّى الْمَغْرِبُ) عِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ عَرَفَةَ: " حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ". وَاَلَّذِي لِلْبَاجِيِّ " لَوْ تَنَفَّلَ مُتَنَفِّلٌ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَقْدِيمُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَوَّلَ وَقْتِهَا " وَنَحْوُ هَذَا لِلَّخْمِيِّ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا لَا يُعْجِبُنِي انْتَهَى اُنْظُرْ لَيْلَةَ الْجَمْعِ لَا بَأْسَ أَنْ يُحَيِّيَ الْمَسْجِدَ، بِهَذَا أَفْتَيْت وَكَانَ غَيْرِي يَمْنَعُهُ. (إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَالْوِرْدَ قَبْلَ الْفَرْضِ لِنَائِمٍ عَنْهُ) فِيهَا لَا يُعْجِبُنِي النَّفَلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَمَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ فَلْيُصَلِّهِ بَيْنَ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ وَمَا هُوَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ، إلَّا مَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَأَرْجُو خِفَّتَهُ (وَجِنَازَةً وَسُجُودَ تِلَاوَةٍ قَبْلَ إسْفَارٍ وَاصْفِرَارٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُسْفِرْ بِالضِّيَاءِ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ، فَإِذَا أَسْفَرَ، أَوْ اصْفَرَّتْ فَلَا يُصَلُّوا عَلَيْهَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 إلَّا أَنْ يَخَافُوا عَلَيْهَا، فَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ بَدَءُوا بِمَا أَحَبُّوا مِنْ الْمَغْرِبِ، أَوْ الْجِنَازَةِ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُسْفِرْ بِالضِّيَاءِ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ. ابْنُ يُونُسَ: الْأَوْلَى مَا فِي الْمُوَطَّأِ، أَوْ غَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ قِيَاسًا عَلَى النَّوَافِلِ. (وَقَطَعَ مُحْرِمٌ بِوَقْتِ نَهْيٍ) فِي الْمَجْمُوعَةِ: لَوْ أَحْرَمَ فِي وَقْتِ نَهْيٍ قَطَعَ وَلَا قَضَاءَ، وَمَنْ نَوَى صَلَاةَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يُصَلِّ وَقْتَ الْمَنْعِ وَلَا يَقْضِهِ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ - اُنْظُرْهُ - قَبْلَ قَوْلِهِ: " إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ قَدْرَ رُمْحٍ ". ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ أَحْرَمَ بِالْعَصْرِ، ثُمَّ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَلَّاهَا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَقْطَعُ كَقَوْلِ مَالِكٍ: إنْ أَحْرَمَ مَنْ صَلَّى ظُهْرًا وَحْدَهُ مَعَ إمَامٍ ظَنَّهُ فِي تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ فَسَلَّمَ سَلَّمَ مَعَهُ، وَلَوْ أَنَّهُ أَتَمَّهَا رَكْعَتَيْنِ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَلَوْ ذَكَرَ بَعْدَ إحْرَامِهِ - فِيمَا يَجُوزُ النَّفَلُ بَعْدَهُ - جَرَتْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي وُجُوبِ إتْمَامِ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا بِالْقَضَاءِ فَذَكَرَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ تَقُولُ عَلَى هَذَا: بَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي الْعَصْرَ تَذَكَّرَ أَنَّهُ صَلَّاهَا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَقَدَ رَكْعَةً أَوْ لَا فَرْقٌ وَبَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَرْقٌ انْتَهَى. (وَجَازَتْ بِمَرْبِضِ بَقَرٍ وَغَنَمٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَجَازَ مَالِكٌ الصَّلَاةَ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: أَوْ مَرَابِضِ الْبَقَرِ. (كَمَقْبَرَةٍ وَلَوْ لِمُشْرِكٍ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَجَازَ مَالِكٌ الصَّلَاةَ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَفِي الْحَمَّامِ إذَا كَانَ مَوْضِعُهُ طَاهِرًا. ابْنُ الْقَاسِمِ: حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْمَقْبَرَةِ تَأْوِيلُهُ مَقْبَرَةُ الْمُشْرِكِينَ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ غَيْرُهُ: كَانَتْ دَارِسَةً، أَوْ حَدِيثَةً لِأَنَّهَا حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ. وَفِي الرِّسَالَةِ: وَنَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَقْبَرَةِ الْمُشْرِكِينَ وَكَنَائِسِهِمْ انْتَهَى مَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى. (وَمَزْبَلَةٍ وَمَحَجَّةٍ وَمَجْزَرَةٍ إنْ أُمِنَتْ مِنْ النَّجِسِ) ابْنُ يُونُسَ: نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَمَحَجَّةِ الطَّرِيقِ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ النَّجِسِ. فِي الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ الصَّلَاةَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ لِمَا يُصِيبُهَا مِنْ زِبْلِ الدَّوَابِّ، وَاسْتَحَبَّ أَنْ يَتَنَحَّى عَنْهَا. ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُصَلِّي بِطَرِيقٍ فِيهِ أَرْوَاثُ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالُهَا إلَّا لِضِيقِ الْمَسْجِدِ فِي الْجُمُعَةِ. الشَّيْخُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَفِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ (وَإِلَّا فَلَا إعَادَةَ عَلَى الْأَحْسَنِ إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ فِي الْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَصَلَّى بِهَا فَالْمَشْهُورُ لَا يُعِيدُ إلَّا فِي الْوَقْتِ، عَامِدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ لَا إلَى الْغَالِبِ. (وَكُرِهَتْ بِكَنِيسَةٍ وَلَمْ تُعَدْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ الصَّلَاةَ فِي الْكَنَائِسِ لِنَجَاسَتِهَا وَلِلصُّوَرِ الَّتِي فِيهَا وَلَا يَنْزِلُ بِهَا إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ وَيَبْسُطُ فِيهَا ثَوْبًا طَاهِرًا. ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 صَلَّى بِهَا دُونَ حَائِلٍ طَاهِرٍ فَعَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ فَإِنْ كَانَتْ دَارِسَةً كُرِهَتْ الصَّلَاةُ بِهَا فَإِنْ صَلَّى فَلَا إعَادَةَ. (وَبِمَعْطِنِ إبِلٍ وَلَوْ أُمِنَ) ابْنُ يُونُسَ: كَرِهَ مَالِكٌ الصَّلَاةَ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَإِنْ بَسَطَ عَلَيْهَا ثَوْبًا طَاهِرًا (وَفِي الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ) ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ صَلَّى بِمَعْطِنِ إبِلٍ أَعَادَ أَبَدًا، جَاهِلًا كَانَ، أَوْ عَامِدًا. أَصْبَغُ: يُعِيدَانِ فِي الْوَقْتِ. اُنْظُرْ الصَّلَاةَ فِي بَطْنِ الْوَادِي قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: نَقْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ عَنْ الْمَذْهَبِ لَا أَعْرِفُهُ. (وَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا أُخِّرَ لِبَقَاءِ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا مِنْ الضَّرُورِيِّ وَقُتِلَ) مَالِكٌ: إنْ قَالَ: أُصَلِّي وَلَمْ يَفْعَلْ قُتِلَ بِقَدْرِ رَكْعَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا، وَطُلُوعِ الْفَجْرِ لِلصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ. اللَّخْمِيِّ: وَلَا يُعْتَبَرُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لِلْخِلَافِ. الْمَازِرِيُّ: وَلَا الطُّمَأْنِينَةُ. ابْنُ عَرَفَةَ: جَحْدُ وُجُوبِ الْخَمْسِ رِدَّةٌ. الْقَاضِي: وَكَذَا فَرْضُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ الْأَكْثَرِ وَيُسْتَتَابُ. وَهَلْ فِي الْحَالِ، أَوْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؟ رِوَايَتَانِ، رَجَّحَ ابْنُ رُشْدٍ، وَاللَّخْمِيُّ الثَّانِيَةَ. مَالِكٌ: وَلَا يُخَوَّفُ. ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ أَقَرَّ وَأَبَى قُتِلَ اتِّفَاقًا. الْمَازِرِيُّ: فَإِنْ قَالَ: لَا أُصَلِّي قُتِلَ حَدًّا عِنْدَ مَالِكٍ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ. (بِالسَّيْفِ) صَرَّحَ أَشْهَبُ بِقَتْلِهِ بِالسَّيْفِ (حَدًّا وَلَوْ قَالَ: أَنَا أَفْعَلُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: إنْ قَالَ: أُصَلِّي وَلَمْ يَفْعَلْ قُتِلَ بِقَدْرِ رَكْعَةٍ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْمَازِرِيِّ: فَإِنْ قَالَ: لَا أُصَلِّي قُتِلَ حَدًّا عِنْدَ مَالِكٍ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ. وَيَبْقَى النَّظَرُ هَلْ حُكْمُ مَنْ قَالَ: لَا أُصَلِّي حُكْمُ مَنْ قَالَ أُصَلِّي وَلَمْ يَفْعَلْ يُقْتَلُ بِقَدْرِ رَكْعَةٍ.؟ . قَالَهُ الْأَكْثَرُ، أَوْ يُعَجَّلُ قَتْلُهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ؟ (وَصَلَّى عَلَيْهِ غَيْرُ فَاضِلٍ) سَيَأْتِي فِي الْجَنَائِزِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَصَلَاةُ فَاضِلٍ عَلَى بِدْعِيٍّ وَمُظْهِرِ كَبِيرَةٍ " (وَلَا يُطْمَسُ قَبْرُهُ) ابْنُ شَاسٍ: يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يُدْفَنُ سَائِرُهُمْ وَلَا يُطْمَسُ قَبْرُهُ (لَا فَائِتَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي قَتْلِهِ لِامْتِنَاعِ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ (عَلَى الْأَصَحِّ) الْمَازِرِيُّ: وَهُوَ الرَّاجِحُ (وَالْجَاحِدُ كَافِرٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ جَحْدُ وُجُوبِ الْخَمْسِ رِدَّةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 [بَاب فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة] [فَصَلِّ فِي حُكْم الْأَذَان وَالْإِقَامَة] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الثَّانِي فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ. (سُنَّ الْأَذَانُ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَجِبُ الْأَذَانُ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ كَافَّةً يُقْتَلُونَ لِتَرْكِهِ (لِجَمَاعَةٍ طَلَبَتْ غَيْرَهَا) فِي الْمُوَطَّأِ: إنَّمَا يَجِبُ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ. ابْنُ شَاسٍ: هُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ وَحَيْثُ يُقْصَدُ الدُّعَاءُ لِلصَّلَاةِ. (فِي فَرْضٍ وَقْتِيٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَذَانَ لِغَيْرِ فَرْضٍ وَقْتِيٍّ. عِيَاضٌ: وَاسْتَحْسَنَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. عِيَاضٌ: وَهَذَا الَّذِي اسْتَحْسَنَهُ الشَّافِعِيُّ حَسَنٌ (وَلَوْ جُمُعَةً) اللَّخْمِيِّ: قِيلَ فِي الْأَذَانِ لِلْجُمُعَةِ: سُنَّةٌ، وَقِيلَ: وَاجِبٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ. (وَهُوَ مُثَنًّى) ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَذَانُ مُثَنَّى الْجُمَلِ إلَّا الْأَخِيرَةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 (وَلَوْ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ) فِيهَا يُزَادُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ الْأَخِيرِ فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ " الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ " مَرَّتَيْنِ. وَرَوَى ابْنُ شَعْبَانَ إنْ تَرَكَهَا فَلَا بَأْسَ. (مُرَجِّعُ الشَّهَادَتَيْنِ بِأَرْفَعَ مِنْ صَوْتِهِ أَوَّلًا) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ تَرْجِيعُ الشَّهَادَتَيْنِ مُثَنَّاةً أَرْفَعَ مِنْ صَوْتِهِ أَوَّلًا. وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ يَخْفِضُ الشَّهَادَتَيْنِ قَبْلَ التَّرْجِيعِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 عِيَاضٌ: الْمَشْهُورُ رَفْعُ التَّكْبِيرِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ اللَّخْمِيِّ: وَإِنَّمَا جُعِلَ التَّرْجِيعُ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الْإِعْلَانِ، وَإِنْ فَاتَ السَّامِعَ أَوَّلُهُ أَمْكَنَ أَنْ لَا يَفُوتَهُ بَعْدُ فَيُنْكَرَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمُؤَذِّنِينَ الْيَوْمَ أَنَّهُ يُخْفِيهِ وَلَا يَأْتِي بِهِ عَلَى صِفَةٍ يَقَعُ بِهَا الْإِعْلَامُ (مَجْزُومٌ) الْمَازِرِيُّ: اخْتَارَ شُيُوخُ صِقِلِّيَةَ - جَزْمَ الْأَذَانِ، وَشُيُوخُ الْقَرَوِيِّينَ إعْرَابَهُ، وَالْجَمِيعُ جَائِزٌ. ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: عَوَامُّ النَّاسِ يَضُمُّونَ الرَّاءَ مِنْ " اللَّهُ أَكْبَرُ " الْأَوَّلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْفَتْحُ، أَوْ السُّكُونُ، وَيَجُوزُ ضَمُّ الرَّاءِ مِنْ " اللَّهُ أَكْبَرُ " الثَّانِي انْتَهَى. نَقْلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 ابْنِ أَبِي يَحْيَى وَشَيْخِهِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ. (بِلَا فَصْلٍ وَلَوْ بِإِشَارَةٍ لِكَسَلَامٍ فِيهَا) لِمَالِكٍ: وَلَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فِي أَذَانِهِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ. أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَرُدُّ بِكَلَامٍ وَلَا بِإِشَارَةٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَجَازَ الْكَلَامَ أَثْنَاءَ الْأَذَانِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعُرْوَةُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَبَوَّبَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ: بَابُ الْكَلَامِ فِي الْأَذَانِ. ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ: وَهُوَ يُؤَذِّنُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ مِنْ أَنْ يَضْحَكَ وَهُوَ يُؤَذِّنُ انْتَهَى. اُنْظُرْ لَا هَذَا وَلَا أَيْضًا مَنْ يُشَنِّعُ عَلَى مَنْ يَقُولُ: " الصَّلَاةَ رَحِمَكُمْ اللَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَذَانِ "، أَوْ " أَصْبَحَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ " إعْلَامًا بِأَنَّهُ الْمُؤَذِّنُ الْأَخِيرُ، وَقَدْ رَشَّحْتُ هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِي الْمُسَمَّى بِسُنَنِ الْمُهْتَدِينَ أَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا خَلَصَتْ بِكَمَالِهَا، وَفَرَغَ مِنْهَا لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقُولَ مَا أَحَبَّ وَأَرَادَ مِمَّا لَمْ يَنْهَ الشَّرْعُ عَنْهُ، فَمَنْ نَهَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ أَمَرَ بِمَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ الشَّرْعُ، فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَكَمَ عَلَى الْمُبَاحِ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ، أَوْ بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ. كَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: هَذِهِ هِيَ الْبِدْعَةُ الْمَذْمُومَةُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ بِغَيْرِ حُكْمِهِ، فَانْظُرْ فَرْقَ مَا بَيْنَ مَنْ أَجَازَ الضَّحِكَ أَثْنَاءَ الْأَذَانِ وَبَيْنَ مَنْ حَرَّمَ كَلَامًا يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَذَانِ قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 أَبُو عُمَرَ: مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ أَثْنَاءَ الْأَذَانِ حَتَّى " الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ " قَالَ: وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَهَا فَلْيَقُلْهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَذَانِ. فِي الْمُوَطَّأِ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَذَّنَ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ ثُمَّ قَالَ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ. الْبَاجِيُّ: الْأَوْلَى حَمْلُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ قَالَهَا بَعْدَ كَمَالِ الْأَذَانِ، وَفِي الْأَذَانِ لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ تَسْلِيمَ الْمُؤَذِّنِ عَلَى الْإِمَامِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يُشْعِرَهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَمَنْ خَشِيَ الشَّغْلَ عَنْ الصَّلَاةِ بِمَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: كَانَ الْمُؤَذِّنُ يُعْلِمُ النَّاسَ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ دُونَ تَكَلُّفٍ وَاسْتِعْمَالٍ. قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَكَيْفِيَّةُ السَّلَامِ: " السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيّهَا الْأَمِيرُ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ". وَأَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ. (وَبَنَى إنْ لَمْ يَطُلْ) مَالِكٌ مَنْ تَكَلَّمَ فِي أَذَانِهِ بَنَى. ابْنُ سَحْنُونٍ: وَسَوَاءٌ تَكَلَّمَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا. ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ خَافَ عَلَى آدَمِيٍّ أَوْ دَابَّةٍ تَكَلَّمَ (غَيْرُ مُقَدَّمٍ عَلَى الْوَقْتِ إلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 الصُّبْحَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُنَادَى لِصَلَاةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا لَا جُمُعَةٍ وَلَا غَيْرِهَا (إلَّا الصُّبْحَ فَبِسُدُسِ اللَّيْلِ) ابْنُ وَهْبٍ: يُؤَذَّنُ لَهَا مِنْ سُدُسِ اللَّيْلِ. ابْنُ حَبِيبٍ: مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ، الْوَقَارُ: مِنْ آخِرِ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 الطَّرَّازُ: وَالْأَحْسَنُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ دُونَ تَحْدِيدٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمُوَطَّأِ. (وَصِحَّتُهُ بِإِسْلَامٍ وَعَقْلٍ وَذُكُورَةٍ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ الْمُؤَذِّنِ: الْإِسْلَامُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالْعَقْلُ. أَشْهَبُ: إنْ أَذَّنَ، أَوْ أَقَامَ سَكَّنَ إنْ لَمْ يُجْزِهِمْ فَإِنْ صَلَّوْا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 بِذَلِكَ لَمْ يُعِيدُوا. (وَبُلُوغٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُؤَذِّنُ وَلَا يَؤُمُّ إلَّا مَنْ احْتَلَمَ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا يُؤَذِّنُ الصَّبِيُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ نِسَاءٍ، أَوْ بِمَوْضِعٍ لَا يُوجَدُ فِيهِ غَيْرُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: يَجِبُ كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ عَدْلًا عَالِمًا بِالْوَقْتِ إنْ اُقْتُدِيَ بِهِ انْتَهَى اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " إنْ اُقْتُدِيَ بِهِ " فَعَلَى هَذَا لَا بَأْسَ بِأَذَانِ الصَّبِيِّ بِالتَّبَعِيَّةِ وَقَدْ كَانَ وَقَعَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 هَذَا بَحْثٌ (وَنُدِبَ مُتَطَهِّرٌ) اللَّخْمِيِّ: الْأَذَانُ عَلَى وُضُوءٍ أَفْضَلُ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا قَوْلُهُ: " إنْ أَذَّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا يُقِيمُ إلَّا مُتَوَضِّئًا ". ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُؤَذِّنُ الْجُنُبُ. اللَّخْمِيِّ: أَيْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 يُكْرَهُ. وَعَنْ مَالِكٍ: يُؤَذِّنُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَقَالَهُ سَحْنُونَ (صَيِّتٌ) ابْنُ بَشِيرٍ: النُّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى اسْتِحْسَانِ الصَّوْتِ فَلِهَذَا نَقُولُ مِنْ كَمَالِ الْمُؤَذِّنِ أَنْ يَكُونَ بَلِيغَ الصَّوْتِ حَسَنَهُ. وَفِي الْإِكْمَالِ: يُخْتَارُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 لِلْأَذَانِ أَصْحَابُ الْأَصْوَاتِ الْمُسْتَحْسَنَةِ، وَيُكْرَهُ فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ غِلَظٌ وَفَظَاعَةٌ، أَوْ تَكَلُّفٌ وَزِيَادَةٌ. (مُرْتَفِعٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 قَائِمٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا أَذَّنَ قَاعِدًا، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ إنْكَارًا شَدِيدًا قَالَ: إلَّا مِنْ عُذْرٍ. وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ الْقَاعِدُ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ أَنَّ الِاسْتِعْلَاءَ مَشْرُوعٌ فِي الْمَكَانِ دُونَ حَالِ الْمُؤَذِّنِ بِدَلِيلِ الرَّاكِبِ يُؤَذِّنُ. (مُسْتَقْبِلٌ إلَّا لِعُذْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَنْكَرَ مَالِكٌ دَوَرَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 الْمُؤَذِّنِ فِي أَذَانِهِ، وَالْتِفَاتَهُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ إلَّا إرَادَةَ الْإِسْمَاعِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَرَأَيْتُ الْمُؤَذِّنِينَ بِالْمَدِينَةِ يُؤَذِّنُونَ وَوُجُوهُهُمْ إلَى الْقِبْلَةِ وَيُقِيمُونَ عَرْضًا يَخْرُجُونَ مَعَ الْإِمَامِ وَهُمْ يُقِيمُونَ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ، وَيَدُورُ، وَيُتْبِعُ مَرَّةً هَاهُنَا وَمَرَّةً هَاهُنَا، وَأُصْبُعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ (وَحِكَايَتُهُ لِسَامِعِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُسْتَحَبُّ حِكَايَةُ الْمُؤَذِّنِ وَإِطْلَاقُ ابْنِ زَرْقُونٍ وُجُوبَهَا لَا أَعْرِفُهُ (لِمُنْتَهَى الشَّهَادَتَيْنِ مَثْنَى) ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَتِهِ: يَقُولُ: التَّشَهُّدُ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا رَجَعَ إلَيْهِ الْمُؤَذِّنُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ مِثْلَهُ. وَفِيهَا لِمَالِكٍ: الَّذِي يَقَعُ فِي قَلْبِي: يَحْكِيهِ إلَى آخِرِ التَّشَهُّدِ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا. الشَّيْخُ: أَيْ لَوْ أَتَمَّ الْأَذَانَ مَعَ الْمُؤَذِّنِ ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَهُ سَحْنُونَ وَغَيْرُهُ يُرِيدُ: وَلَا يَحْكِيهِ إذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا قَالَهَا الْمُؤَذِّنُ قَالَ السَّامِعُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، فَإِذَا عَادَ إلَى التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ قَالَ مِثْلَهُ. أَبُو عُمَرَ: فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَقَالَ مَالِكٌ: أَسَاءَ، وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَهُوَ كَالْمُتَكَلِّمِ (وَلَوْ مُتَنَفِّلًا لَا مُفْتَرِضًا) مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ وَهُوَ فِي فَرِيضَةٍ فَلَا يَقُولُ كَقَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي نَافِلَةٍ فَلْيَقُلْ كَقَوْلِهِ. (وَأَذَانُ فَذٍّ إنْ سَافَرَ) عِيَاضٌ: مِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ وَمُسْتَحَبَّاتِهَا الْأَذَانُ قَبْلَهَا لِلْمُسَافِرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 (لَا جَمَاعَةٍ لَمْ تَطْلُبْ غَيْرَهَا عَلَى الْمُخْتَارِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إمَامُ الْمِصْرِ يَخْرُجُ لِجِنَازَةٍ، تَحْضُرُهُ الصَّلَاةُ يُؤَذِّنُ لَهَا وَيُقِيمُ، وَإِذَا جَمَعَ الْإِمَامُ صَلَاتَيْنِ فَبِأَذَانَيْنِ، فَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ يَجْمَعُونَ فِي حَضَرٍ، أَوْ سَفَرٍ فَالْإِقَامَةُ تَجْزِيهِمْ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَإِنْ أَذَّنُوا فَحَسَنٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ مَالِكٌ مَرَّةً: لَا أُحِبُّ الْأَذَانَ لِلْفَذِّ الْحَاضِرِ وَالْجَمَاعَةِ الْمُنْفَرِدَةِ الْمَازِرِيُّ وَاللَّخْمِيُّ: هَذَا خِلَافٌ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَيْسَ بِخِلَافٍ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمَرُونَ بِهِ كَمَا يُؤْمَرُ بِهِ الْأَئِمَّةُ، وَفِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ، فَإِنْ أَذَّنُوا فَهُوَ ذِكْرٌ، وَذِكْرُ اللَّهِ لَا يُنْهَى عَنْهُ مَنْ أَرَادَهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَشْرُوعِ. عِيَاضٌ: مُضَمَّنُ الْإِعْلَامِ فِي الْأَذَانِ دُخُولُ الْوَقْتِ، وَالدُّعَاءُ لِلْجَمَاعَةِ، وَمَكَانِ صَلَاتِهَا، وَإِظْهَارُ شِعَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ الدَّارَ دَارُ الْإِسْلَامِ انْتَهَى اُنْظُرْ هَلْ يَكُونُ هَذَا شَاهِدًا عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 اسْتِخْفَافِ الْأَذَانِ لِلْعَتَمَةِ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَقَدْ كَانَ النَّاسُ جَمَعُوا.؟ . (وَجَازَ أَعْمَى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: جَائِزٌ أَذَانُ الْأَعْمَى وَإِمَامَتُهُ. (وَتَعَدُّدُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ مُؤَذِّنَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ بِمَسْجِدٍ وَاحِدٍ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ. (وَتَرَتُّبُهُمْ - إلَّا الْمَغْرِبَ - وَجَمْعُهُمْ؛ كُلٌّ عَلَى أَذَانِهِ) ابْنُ حَبِيبٍ: يُؤَذِّنُونَ جَمِيعًا كُلٌّ غَيْرُ مُقْتَدٍ بِغَيْرِهِ، أَوْ مُتَرَتِّبُونَ كَعَشَرَةٍ فِي الظُّهْرِ وَالصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ، وَخَمْسَةٍ فِي الْعَصْرِ، وَوَاحِدٍ فِي الْمَغْرِبِ. التُّونِسِيُّ: يُرِيدُ، أَوْ جَمَاعَةً مَرَّةً. وَمَنَعَ ابْنُ زَرْقُونٍ أَذَانَهُمْ جَمِيعًا لِلتَّخْلِيطِ، وَمَنَعَ مَا يَجِبُ مِنْ الْحِكَايَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 وَجَهْرِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. (وَإِقَامَةُ غَيْرِ مَنْ أَذَّنَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ رَجُلٌ وَيُقِيمَ غَيْرُهُ ابْنُ يُونُسَ: كَمَا جَازَ أَنْ يُؤَذِّنَ رَجُلٌ وَيَؤُمَّ غَيْرُهُ وَمَنْ أَذَّنَ لِقَوْمٍ وَصَلَّى مَعَهُمْ فَلَا يُؤَذِّنُ لِآخَرِينَ وَيُقِيمُ، فَإِنْ فَعَلَ وَلَمْ يُعِيدُوا الْأَذَانَ حَتَّى صَلَّوْا أَجْزَأَهُمْ قَالَهُ أَشْهَبُ. (وَحِكَايَتُهُ قَبْلَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَبْطَأَ الْمُؤَذِّنُ فَلَهُ أَنْ يُعَجِّلَ قَبْلَهُ. وَعَنْ مَالِكٍ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ. الْبَاجِيُّ: هَذَا عِنْدِي مُخْتَلِفٌ إنْ أَرَادَ الِاسْتِعْجَالَ لِكَوْنِهِ فِي ذِكْرٍ، أَوْ صَلَاةٍ، وَأَبْطَأَ الْمُؤَذِّنُ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِلَّا فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَائِلًا مِثْلَ قَوْلِهِ إلَّا بَعْدَ قَوْلِهِ. (وَأُجْرَةٌ عَلَيْهِ، أَوْ مَعَ صَلَاةٍ وَكُرِهَ عَلَيْهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى الْأَذَانِ وَعَلَى الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ جَمِيعًا، وَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى الصَّلَاةِ خَاصَّةً قَالَ مَالِكٌ: يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ فِي سُوقِ الْإِبِلِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا لِلَّهِ بِإِجَارَةٍ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَأَنْ أَطْلُبَ الدُّنْيَا بِالدُّفِّ وَالْمِزْمَارِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَطْلُبَهَا بِالدِّينِ. وَعَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ يَتَّخِذُ الْمِهْنَةَ يَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ النَّاسِ، وَيُبْغِضُ الْعَبْدَ يَتَّخِذُ الدِّينَ مِهْنَةً. قَالَ السَّيِّدُ مُفْتِي تُونُسَ الْبُرْزُلِيِّ: اُخْتُلِفَ فِيمَا يَأْخُذُهُ مِمَّا حُبِسَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْإِمَامَةِ، هَلْ هُوَ كَالْإِجَارَةِ أَوْ إعَانَةٌ؟ . الْأَوَّلُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُوَثِّقِينَ، وَالثَّانِي للبوذري وَغَيْرِهِ مِنْ شُيُوخِ شُيُوخِ شُيُوخِنَا اهـ وَانْظُرْ أَيْضًا - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ - أَنَّ مِنْ الْوَرَعِ الْخُرُوجَ عَنْ الْخِلَافِ يَبْقَى النَّظَرُ عِنْدَ تَشَاحِّ الْأَئِمَّةِ. فَعَلَى الْكَرَاهَةِ حَبْسُهُ فِي مَكْرُوهٍ وَلَا يُحْكَمُ بِهِ قَالَ السَّيِّدُ مُفْتِي تُونُسَ: الْمَذْكُورُ مَا نَصَّهُ ابْنُ فَرْحُونٍ: الِاسْتِئْجَارُ لِقِيَامِ رَمَضَانَ مُبَاحٌ، وَإِنْ كَانَ بَأْسٌ فَعَلَى الْإِمَامِ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ مَكْرُوهٌ، وَمُقْتَضَى هَذَا الْكَلَامِ الْقَضَاءُ بِالْأُجْرَةِ، وَنَقَلَ شَيْخُنَا بِسَنَدٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّفِيعِ أَنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ بِهَا حِينَ نَزَلَتْ انْتَهَى وَهَذَا الْمَأْخَذُ أَنَا آخُذُ بِهِ فِي فَتْوَايَ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَأَقُولُ مَا نَصُّهُ: قَدْ وَرَدَ الْخَبَرُ: «مَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ» وَبِحَمْدِ اللَّهِ هَذِهِ نَازِلَةٌ لَيْسَتْ بِرِبَوِيَّةٍ، وَلَا حُرَّ فِيهَا يُسْتَعْبَدُ وَلَا فَرْجَ يُسْتَبَاحُ بِحَرَامٍ، وَمَنْ تَرَكَ حَقَّهُ فِيهَا لِلَّهِ كَانَ لَهُ هَذَا الثَّوَابُ فِي الْآخِرَةِ، وَهَذَا أَعْوَدُ عَلَيْهِ نَفْعًا مِنْ وُصُولِهِ لِحَقِّهِ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ وَرَدَ الْخَبَرُ: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ» فَأَرْجُو مِثْلَ هَذَا الْأَجْرِ بِفَتْوَايَ لِأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ بِتَرْكِ الْمِرَاءِ وَالشَّرِّ وَمِنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا اتَّفَقَ الْجِيرَانُ عَلَى حَرْسِ حَوَانِيتِهِمْ، أَوْ كُرُومِهِمْ، أَوْ جَنَّاتِهِمْ فَأَبَى بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يَنُوبُهُ وَيُجْبَرُ. قَالَ: وَهَذَا بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ عَلَى الصَّلَاةِ لِلْإِمَامِ، مَنْ أَبَاهَا لَا يُجْبَرُ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهَا لِأَنَّهَا فِي أَصْلِهَا مَكْرُوهَةٌ، انْتَهَى وَسُئِلَ الْأُسْتَاذُ السَّرَقُسْطِيُّ عَنْ إمَامٍ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، هَلْ لَهُ مِنْ غَلَّةِ الزَّيْتُونِ شَيْءٌ.؟ . فَأَجَابَ مَا يَأْخُذُهُ عَلَى الْإِمَامَةِ مِنْ أَحْبَاسِهِ، أَوْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إجَارَةٌ لَهُ عَلَى عَمَلِهِ، فَيَمْتَنِعُ كَوْنُهَا ثَمَرَةً لَمْ تُخْلَقْ، أَوْ خُلِقَتْ وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا، فَإِنْ وَقَعَ عَقْدُهُ عَلَى ذَلِكَ فُسِخَ، وَإِنْ لَمْ يَعْثُرْ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 إلَّا بَعْدَ الْعَمَلِ فَيَرُدُّ قِيمَةَ مَا أَخَذَ، أَوْ مِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا. وَذَكَرَ لَهُ أَنَّ مَسْجِدَ مِصْدَعِ بْنِ دَحْمُونٍ اسْتَحَقَّ أَهْلُهُ كَرْمًا حَبْسًا عَلَى إمَامِهِ مُنْذُ سِنِينَ، وَوَجَبَ فِيهِ غُرْمُ غَلَّاتِ السِّنِينَ كُلِّهَا فَأَفْتَيْتُ أَنَا وَعِنْدِي أَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ لِلْإِمَامِ فَتُفَضُّ عَلَى الْأَئِمَّةِ الَّذِي أَمُّوا بِالْمَسْجِدِ تِلْكَ السِّنِينَ. وَأَفْتَى هُوَ أَنْ لَيْسَ لِلْأَئِمَّةِ فِيهَا حَقٌّ، وَأَمَرَ بِإِضَافَتِهَا لِنَظَرِ الْمُقَدَّمِ يَسْتَأْجِرُ مِنْهَا لِمَا يَأْتِي مِنْهَا. وَقَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا نَصُّهُ: تُقْسَمُ غَلَّةُ الزَّيْتُونِ عَلَى الْعَامِ نَفْسِهِ، وَيَأْخُذُ كُلُّ إمَامٍ بِقَدْرِ مَا خَدَمَ، وَلَا شَيْءَ لِلْإِمَامِ فِي الْعَامِ قَبْلُ ابْنُ يُونُسَ: جَازَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْأَذَانِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَهُوَ عَمَلٌ بِكُلْفَةٍ، فَإِذَا جَمَعَ مَعَ ذَلِكَ الصَّلَاةَ فَإِنَّمَا الْأَجْرُ عَلَى الْأَذَانِ خَاصَّةً، وَأَجَازَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْإِجَارَةَ عَلَى الصَّلَاةِ، وَوَجَّهَهُ بِأَنَّهُ تَكَلَّفَ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالْإِتْيَانَ إلَيْهِ وَالِاهْتِمَامَ بِهِ فَلَهُ أُجْرَةٌ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ جَمِيعًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ فَتَخَلَّفَ عَنْ الصَّلَاةِ خَاصَّةً لِعُذْرٍ مِنْ سَلَسٍ وَنَحْوِهِ فَقِيلَ: لَا يَسْقُطُ مِنْ الْإِجَارَةِ حِصَّةُ الصَّلَاةِ كَمَالِ الْعَبْدِ وَثَمَرِ النَّخْلِ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، لَا يَجُوزُ عَلَى الِانْفِرَادِ وَيَجُوزُ إذَا جَمَعَ. وَقِيلَ: بَلْ تَسْقُطُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الصَّلَاةِ إنَّمَا هِيَ مَكْرُوهَةٌ فَإِذَا نَزَلَتْ مَضَتْ، وَمَالُ الْعَبْدِ وَثَمَرُ النَّخْلِ لَا يَجُوزُ إذَا انْفَرَدَ بِإِجْمَاعٍ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ اشْتَرَى نَخْلًا وَفِيهَا ثَمَرٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَرَدَّهَا بِعَيْبٍ بَعْدَ هَلَاكِ الثَّمَرَةِ؛ فَابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ: يَرُدُّ النَّخْلَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا هَلَكَ مِنْ الثَّمَرَةِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُؤَذِّنِ يَلْزَمُهُ إذَا تَعَطَّلَ عَنْ الصَّلَاةِ أَنْ لَا يُحَاصَّ بِشَيْءٍ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَذَانِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَقُولُ: لَا يَرُدُّ الْأُصُولَ حَتَّى يَرُدَّ مَعَهُ مَا يَخُصُّ الثَّمَرَةَ فَيَجِبُ عَلَى هَذَا: أَنْ يُحَاصَّ الْمُؤَذِّنُ بِحِصَّةِ الصَّلَاةِ عَبْدُ الْحَقِّ: الْإِجَارَةُ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 الصَّلَاةِ وَحْدَهَا مَكْرُوهَةٌ لَا مُحَرَّمَةٌ. عِيَاضٌ: نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى إمَامَةِ الْفَرْضِ لَا تَجُوزُ. وَحَمَلَهَا الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا تَجُوزُ تَبَعًا لِلْأَذَانِ. ابْنُ فَتُّوحٍ: إنْ غَابَ الْإِمَامُ، أَوْ الْمُؤَدِّبُ فِي حَاجَتِهِ الْجُمُعَةَ وَنَحْوَهَا فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ طَالَ مَغِيبُهُ فَلِأَهْلِ الْمَسْجِدِ تَوْقِيفُ الْإِمَامِ وَالْمُعَلِّمِ بِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُحَطُّ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ شَيْءٌ، وَكَذَا إنْ مَرِضَ الْأَيَّامَ الْيَسِيرَةَ، وَلَوْ طَالَ مَرَضُهُ، أَوْ مَغِيبُهُ سَقَطَ مِنْ أَجْرِهِ مَنَابُ ذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُرِيدُ بِالطُّولِ أَوَّلًا ابْتِدَاءً وَثَانِيًا تَمَامَهُ، وَلَا تَنَاقُضَ وَرَوَى أَشْهَبُ: الِاسْتِئْجَارُ لِقِيَامِ رَمَضَانَ مُبَاحٌ، وَإِنْ كَانَ بَأْسٌ فَعَلَى الْإِمَامِ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ مَكْرُوهٌ. وَرَوَى عَلِيٌّ: لَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ عَلَى الْفَرْضِ لَا النَّفْلِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِعَدَمِ لُزُومِهِ وَلُزُومِ الْفَرْضِ فَكَأَنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ عَنْهُ ابْنُ شَاسٍ: اخْتَلَفُوا فِي الْإِجَارَةِ عَلَى غَيْرِ الْأَذَانِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ سَنَدٌ: اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الرِّزْقِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ مِنْ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، إنَّهَا أُجْرَةٌ، خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِجَارَةٍ، وَاخْتُلِفَ فِي كَوْنِ الْأَحْبَاسِ عَلَيْهَا إجَارَةً أَوْ إعَانَةً؟ . وَفُهِمَ كَوْنُهَا إجَارَةً مِنْ قَوْلِ الْمُوَثِّقِينَ فِي اسْتِئْجَارِ النَّاظِرِ فَلَعَلَّهُ فِيمَا حُبِسَ يَسْتَأْجِرُ مِنْ غَلَّتِهِ، وَأَحْبَاسُ زَمَنِنَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ إنَّمَا هِيَ عَطِيَّةٌ لِمَنْ قَامَ بِتِلْكَ الْمُؤْنَةِ، انْتَهَى اُنْظُرْ أَحْبَاسَ بَلَدِنَا قَطُّ مَا هُوَ يَحْبِسُ الْمُحْبِسُ الْأَعْلَى مَنْ يُقَوِّمُ تِلْكَ الْمُؤْنَةَ لَا لِيَسْتَأْجِرَ مِنْ فَائِدِ الْحَبْسِ بِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 يُقَدَّرُ وَيُسْتَفْضَلُ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالْمِائَةِ وَقَدْ سَبَقَهُ بِهَذَا عِزُّ الدِّينِ قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ بِبَعْضِ الْمُرَتَّبِ وَيُمْسِكَ بَاقِيَهُ قَالَ: وَالْقَائِمُ بِالْوَظِيفِ لَيْسَ بِنَائِبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ يَجِبُ لَهُ مِنْ الْوَظِيفِ مَا يَخُصُّ زَمَنَ قِيَامِهِ بِالْوَظِيفِ إلَّا أَنَّ الْقَرَافِيَّ قَالَ: إنْ اسْتَنَابَ فِي أَيَّامِ الْأَعْذَارِ جَازَ أَنْ يُطْلِقَ لِنَائِبِهِ مَا أَحَبَّ مِنْ الْمُرَتَّبِ، فَكَذَلِكَ كَانَ بَعْضُ شُيُوخِي الْمُفْتِينَ يُفْتِي فِي ثَمَرِ الشَّجَرِ الَّتِي لَا تُؤْتِي أُكُلَهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي عَامَيْنِ، أَنَّ ذَلِكَ الْفَائِدَ يُوَزَّعُ عَلَى الْعَامَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 مَعًا، وَيَقْسِمُهُ الْقَائِمُونَ بِالْوَظِيفِ عَلَى حَسَبِ أَزْمِنَةِ قِيَامِهِمْ، وَتَقَدَّمَ فَتْوَى سَيِّدِي ابْنِ سِرَاجٍ: لَا شَيْءَ لِلْإِمَامِ فِي الْعَامِ قَبْلُ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا فِي الْحَبْسِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا يُقْسَمُ إلَّا مَاضٍ زَمَنُهُ " (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ كَمُلَبٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فِي أَذَانِهِ، وَلَا تَلْبِيَتِهِ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَرُدُّ الْمُؤَذِّنُ لَا بِكَلَامٍ وَلَا بِإِشَارَةٍ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَكْرَهُ السَّلَامَ عَلَى الْمُلَبِّي حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ وَكَذَلِكَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِهِ قَالَهُ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ: عِيَاضٌ: وَفِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ جَوَازُ السَّلَامِ عَلَى الْمُغْتَسِلِ، وَمِثْلُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 الْمُتَوَضِّئُ، بِخِلَافِ الْبَائِلِ وَالْمُتَغَوِّطِ، وَكَرِهَ الْعُلَمَاءُ الْكَلَامَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، أَوْ يَغْتَسِلُ بِخِلَافِ كَلَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ غُسْلًا شَرْعِيًّا. وَتَرَدَّدَ النَّوَوِيُّ فِي السَّلَامِ عَلَى الْمُشْتَغِلِ بِالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ. (وَإِقَامَةُ رَاكِبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَيُؤَذِّنُ فِي السَّفَرِ رَاكِبًا وَلَا يُقِيمُ إلَّا نَازِلًا. الْأَبْهَرِيُّ: إنَّمَا ذَلِكَ لِتَكُونَ الْإِقَامَةُ مُتَّصِلَةً بِالصَّلَاةِ (بِلَا عَمَلٍ بَيْنَهُمَا، أَوْ مُعِيدٍ لِصَلَاتِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ أَبِي إِسْحَاقَ: مَنْ صَلَّى عَلَى قَوْمٍ لَا يُؤَذِّنُ لِآخَرِينَ وَلَا يُقِيمُ (كَأَذَانِهِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ أَذَّنَ فِي مَسْجِدِهِ فَلَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 غَيْرِهِ، ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى مَسْجِدِهِ فَيُصَلِّيَ فِيهِ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَكَرِهَ أَشْهَبُ إذَا كَانَ قَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ أَنْ يُؤَذِّنَ لَهَا. (وَتُسَنُّ إقَامَةٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِقَامَةُ لِكُلِّ فَرْضٍ سُنَّةٌ (مُفْرَدَةٌ، وَثُنِّيَ تَكْبِيرُهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: لَفْظُ الْإِقَامَةِ كَالْأَذَانِ غَيْرُ مُثَنَّاةِ الْجُمَلِ إلَّا التَّكْبِيرَ بِزِيَادَةِ " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " مِثْلُ التَّكْبِيرِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: الْإِقَامَةُ مُعْرَبَةُ الْجُمَلِ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ بَعُدَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْهَا أُعِيدَتْ، وَظَاهِرُهَا إعَادَتُهَا لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ لَمْ يَطُلْ (لِفَرْضٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: الْإِقَامَةُ لِكُلِّ فَرْضٍ سُنَّةٌ. (وَإِنْ قَضَاءً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: عَلَى مَنْ ذَكَرَ صَلَوَاتٍ الْإِقَامَةُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. ابْنُ الْمُسَيِّبِ: وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسِرَّ الْإِقَامَةَ فِي نَفْسِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 أَشْهَبُ: وَلَوْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ إنْ أَقَامَ تَرَكَ الْإِقَامَةَ؛ إذْ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ إقَامَةٍ فِي الْوَقْتِ أَوْلَى. (وَصَحَّتْ وَلَوْ تُرِكَتْ عَمْدًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ صَلَّى بِغَيْرِ إقَامَةٍ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَجْزَأَ، وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَامِدُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الصَّلَاةِ. (وَإِنْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ سِرًّا فَحَسَنٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ: لَا أَذَانَ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 الْمَرْأَةِ وَلَا إقَامَةَ، وَإِنْ أَقَامَتْ فَحَسَنٌ (وَلْيُقَمْ مَعَهَا، أَوْ بَعْدَهَا بِقَدْرِ الطَّاقَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: يَنْتَظِرُ الْإِمَامُ بَعْدَ تَمَامِ الْإِقَامَةِ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ، وَلَيْسَ فِي سُرْعَانِ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ وَقْتٌ، وَذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ، فَمِنْهُمْ الْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَقُومُ لِلصَّلَاةِ حَتَّى يَسْمَعَ " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ ". [بَاب فِي شُرُوط صِحَّة الصَّلَاة] [فَصَلِّ الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةُ مِنْ الْخَبَثِ] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الْخَامِسُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ، وَالطَّهَارَةُ مِنْ الْخَبَثِ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَتَرْكُ الْكَلَامِ، وَتَرْكُ الْأَفْعَالِ (شُرِطَ لِصَلَاةٍ طَهَارَةُ حَدَثٍ وَخَبَثٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 شُرُوطِ الصَّلَاةِ رَفْعُ الْحَدَثَيْنِ، أَوْ التَّيَمُّمُ، وَطَهَارَةُ الْخَبَثِ فِي ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ وَمَكَانِهِ. (وَإِنْ رَعَفَ قَبْلَهَا وَدَامَ أَخَّرَ لِآخِرِ الِاخْتِيَارِيِّ وَصَلَّى) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ الرُّعَافُ لَا يَنْقَطِعُ صَلَّى صَاحِبُهُ الصَّلَاةَ بِهِ فِي وَقْتِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 عَلَى حَالِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، أَصْلُ ذَلِكَ صَلَاةُ عُمَرَ حِينَ طُعِنَ، وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا. ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ كَانَ الرُّعَافُ غَيْرَ دَائِمٍ فَإِنْ أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَنْقَطِعَ عَنْهُ مَا لَمْ يَفُتْهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، الْقَامَةُ لِلظُّهْرِ، وَالْقَامَتَانِ لِلْعَصْرِ. (أَوْ فِيهَا، وَإِنْ عِيدًا، أَوْ جِنَازَةً وَظَنَّ دَوَامَهُ لَهُ أَتَمَّهَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " دَوَامَهُ لَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ " إذْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَرْعُفَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ فِي الْعِيدِ، وَكَبَّرَ فِي الْجِنَازَةِ أَوَّلًا كَمَا لَوْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً. ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِنْ رَعَفَ فِي الصَّلَاةِ وَعَلِمَ أَنَّ الدَّمَ لَا يَنْقَطِعُ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ لِرُعَافِهِ، لِأَنَّ خُرُوجَهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ وَيُتِمُّ الصَّلَاةَ عَلَى حَالِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ رَعَفَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، أَوْ صَلَاةِ الْعِيدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُتِمُّ بِالْقَوْمِ كَصَلَاةِ الْفَرِيضَةِ سَوَاءٌ، وَأَمَّا إنْ رَعَفَ الْمَأْمُومُ فِيهِمَا فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ وَيَغْسِلُ الدَّمَ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُتِمُّ مَعَ الْإِمَامِ مَا بَقِيَ مِنْ تَكْبِيرِ الْجِنَازَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا أَتَمَّ فِي مَوْضِعِهِ حَتَّى يَغْسِلَ الدَّمَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْجِنَازَةَ قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ حَتَّى يُتِمَّ مَا بَقِيَ مِنْ التَّكْبِيرِ قَالَ أَشْهَبُ: فَإِنْ كَانَ رَعَفَ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ رَكْعَةً، أَوْ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ مِنْ تَكْبِيرِ الْجِنَازَةِ شَيْئًا، وَخَشِيَ أَنْ يَنْصَرِفَ لِغَسْلِ الدَّمِ أَنْ تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ لَمْ يَنْصَرِفْ، وَصَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ، وَتَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ فِي الْعِيدِ، وَكَذَا لَوْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً، وَخَافَ إنْ انْصَرَفَ لِغَسْلِهَا أَنْ تَفُوتَهُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَصَلَاةُ الْعِيدِ يَتَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ، لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ أَوْ الْعِيدِ مَعَ الرُّعَافِ وَبِالثَّوْبِ النَّجِسِ أَوْلَى مِنْ فَوَاتِهِمَا وَتَرْكِهِمَا، بِخِلَافِ صَلَاتِهِمَا بِالتَّيَمُّمِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ؛ إذْ لَيْسَ الصَّحِيحُ الْحَاضِرَ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ. وَعِبَارَةُ الشَّامِلِ قَالَ أَشْهَبُ: إنْ خَافَ الْفَوَاتَ تَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ، وَهَلْ إنْ لَمْ يَكُنْ كَبَّرَ عَلَى الْجِنَازَةِ وَلَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً مِنْ الْعِيدِ، أَوْ مُطْلَقًا خِلَافٌ عَنْهُ؟ وَجَعَلَ ابْنُ بَشِيرٍ أَنَّ الشَّاكَّ فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ، فَقَوْلُ خَلِيلٍ: " وَظَنَّ " صَحِيحٌ (إنْ لَمْ يُلَطِّخْ فَرْشَ مَسْجِدٍ وَأَوْمَأَ لِخَوْفِ تَأَذِّيهِ، أَوْ تَلَطُّخِ ثَوْبِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 إنْ كَانَ الرُّعَافُ لَا يَنْقَطِعُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إمَّا، لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهِ، وَيَزِيدُ فِي رُعَافِهِ، وَإِمَّا، لِأَنَّهُ يَخْشَى أَنْ يَتَلَطَّخَ بِالدَّمِ، وَإِنْ رَكَعَ وَسَجَدَ أَوْمَأَ فِي صَلَاتِهِ كُلِّهَا إيمَاءً، فَإِنْ انْقَطَعَ عَنْهُ الرُّعَافُ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ الْوَقْتِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا. الْقَابِسِيُّ: يُومِئُ لِلرُّكُوعِ قَائِمًا وَلِلسُّجُودِ جَالِسًا (لَا جَسَدِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ، وَرَشَحَ فَتَلَهُ بِأَنَامِلِ يُسْرَاهُ فَإِنْ زَادَ عَنْ دِرْهَمٍ قَطَعَ كَأَنْ لَطَّخَهُ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ عَلِمَ أَنَّ الدَّمَ يَنْقَطِعُ عَنْهُ، وَفِي مَعْنَاهُ إنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَقْطُرْ وَلَمْ يَسِلْ فَإِنَّهُ يَفْتِلُ الدَّمَ وَيَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ. ابْنُ يُونُسَ: كُلَّمَا امْتَلَأَتْ لَهُ أُنْمُلَةٌ فَتَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ الْبَاجِيِّ يَقْتَضِي قَصْرَ الْفَتْلِ عَلَى يَدٍ وَاحِدَةٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: فَتَلَهُ بِأَصَابِعِهِ، وَأَتَمَّ انْتَهَى وَعِبَارَةُ الْبَاجِيِّ يَفْتِلُهُ بِأَصَابِعِهِ، وَيُجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الْبَثْرَةِ يَحُكُّهَا فِي الصَّلَاةِ فَيَخْرُجُ مِنْهَا يَسِيرُ الدَّمِ فَإِنَّهُ يَفْتِلُهُ بِأَصَابِعِهِ وَيَتَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ عَمَّ أَنَامِلَهُ الْأَرْبَعَةَ الْعُلْيَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ يَسِيرٌ. ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ تَجَاوَزَ الدَّمُ الْأَنَامِلَ الْأُوَلَ وَحَصَلَ مِنْهُ فِي الْأَنَامِلِ الْوُسْطَى أَكْثَرُ مِنْ الدِّرْهَمِ عَلَى رِوَايَةِ عَلِيٍّ عَنْ مَالِكٍ فَيَقْطَعُ وَيَبْتَدِئُ. ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ صَارَ حَامِلَ نَجَاسَةٍ. ابْنُ يُونُسَ: وَأَمَّا لَوْ سَالَ وَلَمْ يَصِلْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إلَى جَسَدِهِ وَثِيَابِهِ فَهَذَا يَذْهَبُ يَغْسِلُ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ. (أَوْ خَشِيَ تَلَوُّثَ مَسْجِدٍ، وَإِلَّا فَلَهُ الْقَطْعُ) ابْنُ يُونُسَ: إنْ شَاءَ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ، وَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَيَبْتَدِئَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ ابْتَدَأَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَعَادَ الصَّلَاةَ. ابْنُ حَبِيبٍ: لِأَنَّهُ كَالزَّائِدِ فِي صَلَاتِهِ مُتَعَمِّدًا (وَنُدِبَ الْبِنَاءُ) مَالِكٌ: الْبِنَاءُ أَوْلَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْقَطْعُ أَوْلَى بِكَلَامٍ أَوْ سَلَامٍ، ابْنُ رُشْدٍ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 وَالصَّوَابُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا اخْتَارَ الْقَطْعَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ بِالْكَلَامِ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ، لِأَنَّ الْقَطْعَ لَهُ جَائِزٌ. (فَيَخْرُجُ مُمْسِكَ أَنْفِهِ لِيَغْسِلَ: إنْ لَمْ يُجَاوِزْ أَقْرَبَ مَكَان مُمْكِنٍ فِيهَا، وَيَسْتَدْبِرْ قِبْلَةً بِلَا عُذْرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَخْرُجُ مُمْسِكًا أَنْفَهُ سَاكِتًا لِأَقْرَبِ مَا يُمْكِنُ اللَّخْمِيِّ: وَلَوْ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا يَسْتَدْبِرُهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي مَوْضِعٍ فَتَجَاوَزَهُ إلَى غَيْرِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِاتِّفَاقٍ بَهْرَامَ: قَالَ ابْنُ هَارُونَ: يُمْسِكُ أَنْفَهُ مِنْ أَعْلَاهُ لِئَلَّا يَبْقَى الدَّمُ دَاخِلَ أَنْفِهِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ. (وَيَطَأْ نَجَسًا) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ وَطِئَ عَلَى نَجَاسَةٍ رَطْبَةٍ انْتَقَضَتْ صَلَاتُهُ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ وَطِئَ عَلَى قَشْبٍ يَابِسٍ فَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: تَنْتَقِضُ صَلَاتُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: لَا تَنْتَقِضُ صَلَاتُهُ. وَأَمَّا مَشْيُهُ فِي الطَّرِيقِ، وَفِيهَا أَرْوَاثُ الدَّوَابِّ، وَأَبْوَالُهَا فَلَا تَنْتَقِضُ بِذَلِكَ صَلَاتُهُ، لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ لِلْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ لِغَسْلِ الدَّمِ كَمَا يُضْطَرُّ إلَى الصَّلَاةِ فِيهَا. (وَيَتَكَلَّمْ وَلَوْ سَهْوًا) أَمَّا إنْ تَكَلَّمَ سَهْوًا بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ عِنْدَ رُجُوعِهِ إلَى صَلَاتِهِ فَلَا أَذْكُرُ خِلَافًا أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ إلَّا رِوَايَةً عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ خِلَافَ مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْهُ قَالَ سَحْنُونَ: فَإِنْ أَدْرَكَ بَقِيَّةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ حَمَلَ السَّهْوَ عَنْهُ الْإِمَامُ، وَإِلَّا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ لِسَهْوِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ تَكَلُّمُهُ سَهْوًا فِي حِينِ انْصِرَافِهِ فَقَالَ سَحْنُونَ: الْحُكْمُ وَاحِدٌ وَرَشَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ. قَالَ: لِأَنَّ حُكْمَ الصَّلَاةِ قَائِمٌ عَلَيْهِ فَسَوَاءٌ تَكَلَّمَ فِي سَيْرِهِ أَمْ فِي رُجُوعِهِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ عَمْدًا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَجَهْلُ كَلَامِهِ مُبْطِلٌ فَانْظُرْهُ مَعَ خَلِيلٍ. (إنْ كَانَ بِجَمَاعَةٍ، وَاسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ وَفِي بِنَاءِ الْفَذِّ خِلَافٌ) ابْنُ رُشْدٍ: أَجَازَ الْبِنَاءَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ مَالِكٌ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ فِي الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَذِّ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَبْنِي. وَقَالَ أَصْبَغُ وَابْنُ مَسْلَمَةَ: يَبْنِي وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ. الْبَاجِيُّ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْفَذَّ لَا يَبْنِي. ابْنُ رُشْدٍ: وَيَسْتَخْلِفُ الْإِمَامُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مَنْ يُتِمُّ بِالْقَوْمِ صَلَاتَهُمْ وَيَصِيرُ الْمُسْتَخْلَفُ لَهُ إمَامًا يُصَلِّي مَعَهُ مَا أَدْرَكَ مِنْ صَلَاتِهِ بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ، وَيَقْضِي مَا فَاتَهُ وَيَكُونُ فِي حُكْمِهِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي هَذَا. ابْنُ الْمَوَّازِ: فَإِنْ أَفْسَدَ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ مُتَعَمِّدًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ. (وَإِذَا بَنَى لَمْ يَعْتَدَّ إلَّا بِرَكْعَةٍ كَمُلَتْ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ بَعْدَ هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 فَإِنْ لَمْ يُتِمَّ رَكْعَةً " رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ لَا يَبْنِي حَتَّى تَتَقَدَّمَ لَهُ رَكْعَةٌ بِسَجْدَتَيْهَا، فَإِنْ رَعَفَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَبْنِ فَإِنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا وَبَعْدَهَا رَكْعَةً سَجَدَ لَهَا سَجْدَةً ثُمَّ رَعَفَ فَخَرَجَ، ثُمَّ رَجَعَ وَغَسَلَ الدَّمَ فَلْيَسْتَأْنِفْ هَذِهِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ أَوَّلِهَا، وَلَا يَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا إذَا لَمْ تَتِمَّ بِسَجْدَتَيْهَا. الْبَاجِيُّ: وَجْهُهُ أَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَصِحُّ الْفَصْلُ بَيْنَهَا بِعَمَلِ غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الصَّلَاةِ، فَمَنْ فَصَلَ بَيْنَ رَكْعَةٍ وَسَجْدَتَيْهَا بِرُكُوعٍ لِغَيْرِهَا فَقَدْ فَاتَهُ إتْمَامُهَا وَلَمَّا كَانَ الْخُرُوجُ لِغَسْلِ الدَّمِ لَيْسَ مِنْ الرَّكْعَةِ كَانَ فَصْلًا بَيْنَ الرَّكْعَةِ مَانِعًا مِنْ إتْمَامِهَا، انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ خَامِسُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَسَيَأْتِي طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَطَرِيقَةُ ابْنِ يُونُسَ هَلْ يَبْنِي عَلَى الْإِحْرَامِ.؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 (وَأَتَمَّ مَكَانَهُ إنْ ظَنَّ فَرَاغَ إمَامِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَرْجِعُ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ إنْ ظَنَّ إدْرَاكَ سَلَامِ إمَامِهِ، وَإِلَّا أَتَمَّ مَكَانَهُ (وَأَمْكَنَ) ابْنُ بَشِيرٍ: يُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ تُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ فِيهِ إذَا عَلِمَ، أَوْ ظَنَّ فَرَاغَ إمَامِهِ (وَإِلَّا فَالْأَقْرَبُ إلَيْهِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ) ابْنُ يُونُسَ وَالْبَاجِيُّ: إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ إمَامَهُ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فَرَجَعَ إلَى الْمَسْجِدِ، أَوْ إلَى أَبْعَدِ مَكَان يُمْكِنُهُ أَنْ يُتِمَّ فِيهِ صَلَاتَهُ فَقَدْ أَبْطَلَ عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ صَارَ مَاشِيًا فِي صَلَاتِهِ. (وَرَجَعَ إنْ ظَنَّ بَقَاءَهُ، أَوْ شَكَّ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ: يَرْجِعُ لِظَنِّ إدْرَاكِ سَلَامِ إمَامِهِ (وَفِي الْجُمُعَةِ مُطْلَقًا لِأَوَّلِ الْجَامِعِ) الْبَاجِيُّ: إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ إمَامَهُ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فَإِنْ كَانَ فِي جُمُعَةٍ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ إلَى الْجَامِعِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُصَلَّى إلَّا فِي الْجَامِعِ. ابْنُ شَعْبَانَ: وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى أَدْنَى مَوْضِعٍ تُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ. الْبَاجِيُّ: وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُتِمَّهَا بِغَيْرِ الْمَسْجِدِ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَمُحَمَّدٍ: مَنْ ذَكَرَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ مِنْ الْجُمُعَةِ فَلَا يَسْجُدُهُمَا إلَّا فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ سَجَدَهُمَا فِي غَيْرِهِ لَمْ يَجْزِهِ (وَإِلَّا بَطَلَتْ) أَمَّا إنْ ظَنَّ بَقَاءَ إمَامِهِ وَلَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 يَرْجِعْ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْجُمُعَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْبَاجِيِّ: لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُتِمَّهَا بِغَيْرِ الْمَسْجِدِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَتَمَّ مَكَانَهُ فَبَانَ خَطَأُ ظَنِّهِ عَدَمَ إدْرَاكِ صَلَاةِ إمَامِهِ صَحَّتْ. اللَّخْمِيِّ: وَكَذَا الْعَكْسُ. (وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ رَكْعَةً فِي الْجُمُعَةِ ابْتَدَأَ ظُهْرًا بِإِحْرَامٍ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ رَعَفَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ فَظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عِنْدِي - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ - أَنَّهَا إنْ كَانَتْ جُمُعَةً ابْتَدَأَ الْإِحْرَامَ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ جُمُعَةٍ بَنَى عَلَى إحْرَامِهِ. الْبَاجِيُّ: قَالَ سَحْنُونَ: إنْ أَحْرَمَ، ثُمَّ رَعَفَ بَنَى عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 إحْرَامِهِ. ابْنُ يُونُسَ: الْبِنَاءُ عَلَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. (وَسَلَّمَ وَانْصَرَفَ إنْ رَعَفَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ لَا قَبْلَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا رَعَفَ الْمَأْمُومُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّشَهُّدِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ انْصَرَفَ فَغَسَلَ الدَّمَ ثُمَّ رَجَعَ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ انْصَرَفَ قَعَدَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، وَإِنْ رَعَفَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَمْ يُسَلِّمْ هُوَ سَلَّمَ، وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَلِكَ لَوْ رَعَفَ قَبْلَ سَلَامِهِ ثُمَّ سَلَّمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 الْإِمَامُ فِي الْوَقْتِ قَبْلَ انْصِرَافِهِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ وَيُجْزِئُهُ. (وَلَا يَبْنِي بِغَيْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَقَيَّأَ عَامِدًا أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ وَلَا يَبْنِي إلَّا فِي الرُّعَافِ. ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَإِنْ تَقَيَّأَ بَلْغَمًا، أَوْ قَلْسًا فَأَلْقَاهُ فَلْيَتَمَادَ، وَإِنْ ابْتَلَعَ الْقَلْسَ بَعْدَمَا أَمْكَنَهُ طَرْحُهُ وَظَهَرَ عَلَى لِسَانِهِ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَإِنْ كَانَ سَهْوًا يَبْنِي، وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، انْتَهَى وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ نَظَرَهُ مَعَ قَوْلِهِ: " وَمَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 ذَرَعَهُ قَيْءٌ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ " (كَظَنِّهِ فَخَرَجَ فَظَهَرَ نَفْيُهُ) الْبَاجِيُّ: إنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ، أَوْ رَعَفَ فَانْصَرَفَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ؛ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَالِكٍ: يَسْتَأْنِفُ وَلَا يَبْنِي. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ تَعَمَّدَ قَطْعَ صَلَاتِهِ أَفْسَدَ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ، فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ إمَامًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا تَبْطُلُ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ، لِأَنَّهُ خَرَجَ لِمَا يَجُوزُ لَهُ بِخِلَافِ مَنْ سَلَّمَ عَلَى شَكٍّ هَلْ أَتَمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 أَرْبَعًا، أَوْ لَا.؟ . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذَا مَأْمُورٌ بِالتَّمَادِي عَلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ، وَمَنْ ظَنَّ الرُّعَافَ مَأْمُورٌ بِالْخُرُوجِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ، انْتَهَى وَأَتَى ابْنُ يُونُسَ بِكَلَامِ سَحْنُونٍ كَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ فَقَالَ: الَّذِي انْصَرَفَ لِرُعَافٍ ظَنَّ أَنَّهُ أَصَابَهُ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْلَمَ مَا خَرَجَ مِنْهُ فِي الْمِحْرَابِ، لِأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ، وَلَوْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ وَقْتٍ لَا يُعْرَفُ الدَّمُ مِنْ الْمَاءِ لَابْتَدَأَ هُوَ الصَّلَاةَ وَحْدَهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ تَامَّةٌ، انْتَهَى بِنَصِّهِ. (وَمَنْ ذَرَعَهُ قَيْءٌ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّ مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ أَوْ الْقَلْسُ فَلَمْ يَرُدَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ وَلَا صِيَامِهِ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ نَصِّهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا يَبْنِي بِغَيْرِهِ " فَمُضَمَّنُهُ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَقَيَّأَ غَيْرَ عَامِدٍ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ وَلَا يَبْنِي إلَّا فِي الرُّعَافِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ تَقَيَّأَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 قَلْسًا فَأَلْقَاهُ فَلْيَتَمَادَ. وَالْقَيْءُ وَالْقَلْسُ وَاحِدٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَإِذَا رَدَّ الْقَيْءَ بَعْدَ فُصُولِهِ طَائِعًا غَيْرَ نَاسٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ صَوْمَهُ وَصَلَاتَهُ، وَإِنْ رَدَّهُ نَاسِيًا، أَوْ مَغْلُوبًا فِيهِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ اُنْظُرْ نَقْلَ ابْنِ يُونُسَ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَ فِي السَّهْوِ إلَّا أَنَّهُ يَبْنِي. (وَإِذَا اجْتَمَعَ بِنَاءٌ وَقَضَاءٌ لِرَاعِفٍ أَدْرَكَ الْوُسْطَيَيْنِ، أَوْ إحْدَاهُمَا، أَوْ لِحَاضِرٍ أَدْرَكَ ثَانِيَةَ مُسَافِرٍ، أَوْ خَوْفٍ بِحَضَرٍ قَدَّمَ الْبِنَاءَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 وَجَلَسَ فِي آخِرَةِ الْإِمَامِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ ثَانِيَتَهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْقَضَاءُ فِعْلُ مَا فَاتَ بِصِفَتِهِ وَالْبِنَاءُ فِعْلُ مَا فَاتَ بِصِفَةِ تَالِي مَا فَعَلَ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْقَضَاءُ عِبَارَةٌ عَمَّا يَفُوتُهُ قَبْلَ دُخُولِهِ مَعَ إمَامِهِ، وَالْبِنَاءُ عِبَارَةٌ عَمَّا يَفُوتُهُ بَعْدَ دُخُولِهِ مَعَ إمَامِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْبِنَاءِ قَبْلَ الْقَضَاءِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سَحْنُونٍ فَإِنْ أَدْرَكَ مِنْ الظُّهْرِ الثَّانِيَةَ بِسَجْدَتَيْهَا مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ رَعَفَ فَخَرَجَ فَغَسَلَ الدَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَبْنِي، ثُمَّ يَقْضِي يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا. ابْنُ رُشْدٍ: كَمَا قَرَأَ فِيهَا الْإِمَامُ، لِأَنَّهَا ثَالِثَةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَيَجْلِسُ فِيهَا، لِأَنَّهَا ثَانِيَةُ بِنَائِهِ، إذْ لَيْسَ بِيَدِهِ إلَّا الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ يَأْتِي بِالرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ فَيَقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَيَجْلِسُ كَمَا فَعَلَ إمَامُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهَا ثَالِثَةُ صَلَاتِهِ وَآخِرُ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَلَا يَقُومُ إلَى الْقَضَاءِ إلَّا مِنْ جُلُوسٍ، ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَةِ الْقَضَاءِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ كَمَا فَاتَتْ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ فَتَصِيرُ صَلَاتُهُ جُلُوسًا كُلُّهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَنَظِيرُ هَذَا مُقِيمٌ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ مُسَافِرٍ رَكْعَةً هَكَذَا يَفْعَلُ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَكَذَا مَنْ أَدْرَكَ الثَّانِيَةَ مَعَ إمَامٍ يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي الْحَضَرِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ الْأُولَى، وَصَلَّى مَعَهُ الثَّانِيَةَ وَرَعَفَ فِي الثَّالِثَةِ، وَأَدْرَكَ الرَّابِعَةَ لَكَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ، يَبْدَأُ بِقَضَاءِ الْأُولَى فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ فِيهَا بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَيَقُومُ لِأَنَّهَا ثَالِثَةٌ لَهُ، ثُمَّ يَأْتِي بِالرَّكْعَةِ فَيَقْرَأُ فِيهَا بِالْحَمْدِ وَحْدَهَا وَيَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ. قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَلَمْ يَقُلْ: إنَّهُ يَبْدَأُ بِبِنَاءِ الثَّالِثَةِ الَّتِي رَعَفَ فِيهَا عَلَى الثَّانِيَةِ الَّتِي صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ، وَعَلَى أَصْلِهِ فِي تَبْدِئَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ؛ إذْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 قَدْ حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بِنَائِهِ عَلَيْهَا الرَّكْعَةُ الرَّابِعَةُ الَّتِي أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ، وَكَذَا يَصِحُّ هَذَا الْجَوَابُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْقَضَاءَ يُبْدَأُ عَلَى الْبِنَاءِ. ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى وَالرَّكْعَةُ الْآخِرَةُ، وَأَدْرَكَ الْوُسْطَيَيْنِ، فَحُكْمُهُمَا حُكْمُ مَنْ أَدْرَكَ الثَّانِيَةَ وَفَاتَتْهُ الْأُولَى وَالْأُخْرَيَانِ، وَكَذَلِكَ إذَا فَاتَتْهُ الْأُولَيَانِ وَالْآخِرَةُ، وَأَدْرَكَ الثَّالِثَةَ. [فَصَلِّ فِي سِتْر الْعَوْرَة] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الشَّرْطُ الثَّالِثُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ (هَلْ سَتْرُ عَوْرَتِهِ بِكَثِيفٍ، وَإِنْ بِإِعَارَةٍ، أَوْ طَلَبٍ، أَوْ نَجَسٍ وَحْدَهُ كَحَرِيرٍ - وَهُوَ مُقَدَّمٌ - شَرْطٌ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ، وَإِنْ بِخَلْوَةٍ لِلصَّلَاةِ.؟ خِلَافٌ) ابْنُ مُحْرِزٍ عَنْ الْأَكْثَرِ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ مُدَّةَ الصَّلَاةِ سُنَّةٌ. التَّلْقِينُ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ. ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فِي وُجُوبِ السَّتْرِ، وَالْخِلَافُ فِي الْإِعَادَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ، هَلْ هُوَ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ أَمْ لَا.؟ . ابْنُ رُشْدٍ: فَرَائِضُ الصَّلَاةِ عَلَى مَا فِي التَّلْقِينِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: فَرْضٌ مُطْلَقًا غَيْرُ شَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ كَالْخُشُوعِ وَالِاعْتِدَالِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، وَفَرْضٌ مُشْتَرَطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ كَالنِّيَّةِ وَالطَّهَارَةِ، وَفَرْضٌ مُشْتَرَطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ كَالتَّوَجُّهِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَفَرْضٌ مُشْتَرَطٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ مَعَ الذِّكْرِ كَتَرْكِ الْكَلَامِ وَالصَّلَاةِ بِالنَّجَسِ عَلَى الْمَشْهُورِ، انْتَهَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ سَقَطَ سَاتِرُ عَوْرَةِ إمَامِهِ فِي رُكُوعِهِ فَرَدَّهُ بِالْقُرْبِ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: فَلَوْ لَمْ يَرُدَّهُ بِالْقُرْبِ لَأَعَادَ فِي الْوَقْتِ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ، وَيَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ: إنَّهَا مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ، أَنْ يَخْرُجَ وَيَسْتَخْلِفَ فَإِنْ تَمَادَى وَاسْتَتَرَ بِالْقُرْبِ فَصَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: سَاوَى ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ صَلَاةِ الْمَرْأَةِ دُونَ خِمَارٍ وَبَيْنَ صَلَاتِهَا بِخِمَارٍ رَقِيقٍ يُبَيِّنُ قُرْطَهَا وَعُنُقَهَا، أَوْ فِي دِرْعٍ رَقِيقٍ يَصِفُ جَسَدَهَا لِلْحَدِيثِ: " نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ " أَيْ كَاسِيَاتٌ فِي الِاسْمِ وَالْفِعْلِ، عَارِيَّاتٌ فِي الْحُكْمِ وَالْمَعْنَى. وَقَالَ: إنَّهَا تُعِيدُ إلَى الِاصْفِرَارِ لَا إلَى الْغُرُوبِ، لِأَنَّ الْإِعَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ فَأَشْبَهَتْ النَّافِلَةَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَرَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي وَقْتٍ لَا تُصَلِّي فِيهِ نَافِلَةً. الْبَاجِيُّ: عَنْ مَالِكٍ: مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ خَفِيفٍ يَشِفُّ، أَوْ رَقِيقٍ يَصِفُ أَعَادَ، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً. ابْنُ حَبِيبٍ: إلَّا أَنْ يَكُونَ رَقِيقًا صَفِيقًا لَا يَصِفُ، إلَّا عِنْدَ رِيحٍ فَلَا يُعِيدُ الْقَرَافِيُّ: وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُ ثَوْبٍ نَجِسٍ صَلَّى بِهِ، فَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ، أَوْ مَا يَغْسِلُهُ بِهِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ. قَالَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: فِي الظُّهْرَيْنِ الْغُرُوبُ، وَفِي الْعِشَاءَيْنِ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَفِي الصُّبْحِ طُلُوعُ الشَّمْسِ، انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ فَانْظُرْ تَسْلِيمَهُ فِي الظُّهْرَيْنِ الْغُرُوبَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ وَلِابْنِ رُشْدٍ أَنَّهَا لِلِاصْفِرَارِ وَرَشَّحَا ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَشْهَبُ: إنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا نَجِسًا فَصَلَّى عُرْيَانًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ بِذَلِكَ الثَّوْبِ النَّجِسِ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّمَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ إنْ ظَنَّ أَنَّ صَلَاتَهُ بِالنَّجِسِ لَا تُجْزِئُهُ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّجِسِ فَصَلَّى عُرْيَانًا فَهَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 يُعِيدُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُ ثَوْبٍ نَجِسٍ وَثَوْبِ حَرِيرٍ فَلْيُصَلِّ بِالْحَرِيرِ، وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ النَّجِسَ غَيْرُ مُبَاحٍ لِأَحَدٍ الصَّلَاةُ بِهِ، وَالْحَرِيرَ مُبَاحٌ لِلنِّسَاءِ لُبْسُهُ وَالصَّلَاةُ بِهِ، وَلِلرَّجُلِ فِي الْجِهَادِ فَهُوَ أَخَفُّ. وَقَالَ أَشْهَبُ الدِّينِ: الْأَخَصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَعَمِّ فَيُقَدَّمُ النَّجِسُ فِي الِاجْتِنَابِ، لِأَنَّهُ أَخَصُّ كَالْمُحْرِمِ يُقَدِّمُ الصَّيْدَ عَلَى الْمَيْتَةِ فِي الِاجْتِنَابِ كَمَا إذَا وَثَبَتَ سَمَكَةٌ فِي حِجْرِ إنْسَانٍ بِسَفِينَةٍ، الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ. وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَمَّنْ صَلَّى عُرْيَانًا، ثُمَّ وَجَدَ ثَوْبًا فِي الْوَقْتِ قَالَ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ إذَا قُلْنَا: إنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ الْفَرْضَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّاهَا فِيهِ؛ إذْ هُوَ وَقْتُ الْوُجُوبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا: إنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ فِي الْجُمْلَةِ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَصْلًا. ابْنُ شَاسٍ: السَّتْرُ وَاجِبٌ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، وَهَلْ يَجِبُ فِي الْخَلَوَاتِ، أَوْ يُنْدَبُ.؟ قَوْلَانِ وَإِذَا قُلْنَا: لَا يَجِبُ هَلْ يَجِبُ لِلصَّلَاةِ فِي الْخَلْوَةِ، أَوْ يُنْدَبُ إلَيْهِ فِيهَا؟ وَذَكَرَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ عَنْ اللَّخْمِيِّ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ هُوَ وُجُوبُ السَّتْرِ. (وَهِيَ مِنْ رَجُلٍ، وَأَمَةٍ - وَإِنْ بِشَائِبَةٍ - وَحُرَّةٍ مَعَ امْرَأَةٍ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ) الْبَاجِيُّ: جُمْهُورُنَا: عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 وَرُكْبَتَيْهِ؛ السَّوْأَتَانِ مُثَقَّلُهَا، وَإِلَى سُرَّتِهِ وَرُكْبَتَيْهِ مُخَفَّفُهَا. وَصَحَّحَ عِيَاضٌ: هَذَا وَصَرَّحَ بِخُرُوجِ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ابْنُ الْقَطَّانِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ لِقَوْلِ مَالِكٍ: يَجُوزُ أَنْ يَأْتَزِرَ الرَّجُلُ تَحْتَ سُرَّتِهِ. وَفِي الرِّسَالَةِ: وَالْفَخِذُ عَوْرَةٌ وَلَيْسَ كَالْعَوْرَةِ نَفْسِهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: عَوْرَةُ الْأَمَةِ مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَمَحَلِّ الْخِمَارِ. وَرَوَى إسْمَاعِيلُ: وَسِوَى الصَّدْرِ أَصْبَغُ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ قَائِلًا: تُعِيدُ الصَّلَاةَ لِكَشْفِ فَخِذَيْهَا لَا الرِّجْلِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْعَوْرَةُ الْمُغَلَّظَةُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ، وَالْمُخَفَّفَةُ سَائِرُ ذَلِكَ. الْبَاجِيُّ: وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ عِنْدِي هَذَا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ مَالِكٍ: مَنْ صَلَّى وَفَخِذُهُ مَكْشُوفَةٌ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ: الْأَمَةُ حُكْمُهَا فِيمَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ حُكْمُ الرَّجُلِ إلَّا فِي وُجُوبِ سَتْرِ فَخِذِهَا؛ إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ الْفَخِذَ مِنْ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَكُلُّ ذَاتِ رِقٍّ كَالْأَمَةِ إلَّا أُمَّ الْوَلَدِ. عِيَاضٌ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَرَى مِنْ الْمَرْأَةِ مَا يَرَاهُ الرَّجُلُ مِنْ آخَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافَ هَذَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 (وَمَعَ أَجْنَبِيٍّ غَيْرَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) فِي الْمُوَطَّأِ: هَلْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ، أَوْ مَعَ غُلَامِهَا.؟ . قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ مَا يُعْرَفُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ مِنْ الرِّجَالِ، وَقَدْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا وَمَعَ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُؤَاكِلُهُ ابْنُ الْقَطَّانِ: فِيهِ إبَاحَةُ إبْدَاءِ الْمَرْأَةِ وَجْهَهَا وَيَدَيْهَا لِلْأَجْنَبِيِّ؛ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْأَكْلُ إلَّا هَكَذَا، وَقَدْ أَبْقَاهُ الْبَاجِيُّ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَجْهُ الْمَرْأَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ. وَفِي الرِّسَالَةِ: وَلَيْسَ فِي النَّظْرَةِ الْأُولَى بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ حَرَجٌ، «وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ: لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّمَا لَك الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَك الثَّانِيَةُ» قَالَ عِيَاضٌ: فِي هَذَا كُلِّهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ حُجَّةٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَنْ تَسْتُرَ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ اسْتِحْبَابٌ وَسُنَّةٌ لَهَا وَعَلَى الرَّجُلِ غَضُّ بَصَرِهِ عَنْهَا، وَغَضُّ الْبَصَرِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي أُمُورِ الْعَوْرَاتِ وَأَشْبَاهِهَا، وَيَجِبُ مَرَّةً عَلَى حَالٍ دُونَ حَالٍ مِمَّا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فَيَجِبُ غَضُّ الْبَصَرِ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ مِنْ شَهَادَةٍ، أَوْ تَقْلِيبِ جَارِيَةٍ لِلشِّرَاءِ، أَوْ النَّظَرِ لِامْرَأَةٍ لِلزَّوَاجِ، أَوْ نَظَرِ الطَّبِيبِ وَنَحْوِ هَذَا. وَلَا خِلَافَ أَنَّ فَرْضَ سَتْرِ الْوَجْهِ مِمَّا اُخْتُصَّ بِهِ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، انْتَهَى مِنْ الْإِكْمَالِ وَنَحْوُهُ نَقْلُ مُحْيِي الدِّينِ فِي مِنْهَاجِهِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَبَتَّ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَجَحَدَهَا لَا يَرَى وَجْهَهَا إنْ قَدَرَتْ عَلَى ذَلِكَ. ابْنُ عَاتٍ: هَذَا يُوهِمُ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَرَى وَجْهَ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَمْرُهَا أَنْ لَا تُمَكِّنَهُ مِنْ ذَلِكَ لِقَصْدِهِ التَّلَذُّذَ بِهَا، وَرُؤْيَةُ الْوَجْهِ لِلْأَجْنَبِيِّ عَلَى وَجْهِ التَّلَذُّذِ بِهَا مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ دَوَاعِي السُّوءِ أَبُو عُمَرَ: وَجْهُ الْمَرْأَةِ وَكَفَّاهَا غَيْرُ عَوْرَةٍ وَجَائِزٌ أَنْ يَنْظُرَ ذَلِكَ مِنْهَا كُلُّ مَنْ نَظَرَ إلَيْهَا بِغَيْرِ رِيبَةٍ وَلَا مَكْرُوهٍ، وَأَمَّا النَّظَرُ لِلشَّهْوَةِ فَحَرَامٌ وَلَوْ مِنْ فَوْقِ ثِيَابِهَا فَكَيْفَ بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا؟ اُنْظُرْ فِي النِّكَاحِ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَلَا تَتَزَيَّنُ لَهُ " قَوْلُ ابْنِ مُحْرِزٍ وَمِنْ ابْنِ اللُّبِّيِّ مَا نَصُّهُ: قُلْت: قَالَ أَبُو عُمَرَ: قِيلَ: مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ. ابْنُ الْقَطَّانِ: وَلَا يَلْزَمُ غَيْرَ الْمُلْتَحِي التَّنَقُّبُ لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بْنُ الطَّيِّبِ: يُنْهَى الْغِلْمَانُ عَنْ الزِّينَةِ، لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ وَتَعَمُّدِ الْفَسَادِ. ابْنُ الْقَطَّانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى غَيْرِ الْمُلْتَحِي لِقَصْدِ التَّلَذُّذِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ، وَإِمْتَاعِ حَاسَّةِ الْبَصَرِ بِمَحَاسِنِهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَصْدِ اللَّذَّةِ، وَالنَّاظِرُ مَعَ ذَلِكَ آمِنٌ مِنْ الْفِتْنَةِ، وَاخْتُلِفَ إنْ تَوَفَّرَ لَهُ أَحَدُ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ دُونَ الْآخَرِ. وَقَالَ مُحْيِي الدِّينِ: نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَحُذَّاقُ أَصْحَابِهِ عَلَى حُرْمَةِ النَّظَرِ إلَى الْغُلَامِ الْحَسَنِ وَلَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَإِنْ أَمِنَ مِنْ الْفِتْنَةِ، وَرُبَّمَا كَانَ الْمَنْعُ فِيهِ أَحْرَى مِنْ الْمَرْأَةِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: كَانَ ابْنُ نَصْرٍ عَدْلًا فِي أَحْكَامِهِ صَارِمًا فِي الْحَقِّ وَكَانَ يَأْمُرُ مَنْ يَمْشِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَالْمَوَاضِعِ الْخَالِيَةِ فَإِنْ وَجَدُوا رَجُلًا مَعَ غُلَامٍ حَدَثٍ أَتَوْا بِهِمَا إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ أَخُوهُ، وَإِلَّا عَاقَبَهُ. (وَأَعَادَتْ لِصَدْرِهَا، وَأَطْرَافِهَا بِوَقْتٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ بَادِيَةَ الشَّعَرِ، أَوْ الصَّدْرِ، أَوْ ظُهُورِ الْقَدَمَيْنِ أَعَادَتْ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ. مِنْ ابْنِ يُونُسَ: سَوَاءٌ كَانَتْ جَاهِلَةً، أَوْ عَامِدَةً، أَوْ سَاهِيَةً. (كَكَشْفِ أَمَةٍ فَخِذًا لَا رِجْلٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ أَصْبَغَ فِي الْأَمَةِ تُعِيدُ لِكَشْفِ فَخِذَيْهَا لَا الرِّجْلِ، وَتَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ لَا يُعِيدُ (وَمَعَ مَحْرَمٍ غَيْرُ الْوَجْهِ وَالْأَطْرَافِ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَرْئِيُّ الرَّجُلِ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ الذِّرَاعَانِ وَالشَّعَرُ وَمَا فَوْقَ النَّحْرِ. ابْنُ الْعَطَّارِ: يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُبْدِيَ لِزَوْجِهَا كُلَّ مَا يَدْعُوهُ إلَيْهَا وَيَزِيدُهَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 مَوَدَّتِهِ وَتَصْطَادُ بِهِ قَلْبَهُ، وَهُوَ يُفَارِقُ الْأَبَ فَلَا يَحِلُّ إبْدَاءُ الْعَوْرَةِ لِلْأَبِ، وَيَجُوزُ أَنْ تُبْدِيَ لِلْأَبِ مَا لَا تُبْدِيهِ لِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لِابْنِهَا، وَقَطْعًا أَنَّ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ لَا يَجُوزُ إبْدَاؤُهُ لِعَبْدِهَا وَلَا لِابْنِ بَعْلِهَا. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُسَافِرَ الرَّجُلُ بِأُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ فَكُلُّ مَنْ لَهُ مِنْ التَّعَدُّدِ بِالرَّضَاعِ مِثْلُ مَا لِمَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ مِنْ ذَوِي رَحِمِهَا الْمَحَارِمِ يَكُونُ لَهَا مِنْ جَوَازِ الْبُدُوِّ وَالْإِبْدَاءِ لَهُمْ مِثْلُ مَا لَهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَوِي مَحَارِمِهَا الْمَذْكُورِينَ. (وَتَرَى مِنْ الْأَجْنَبِيِّ مَا يَرَاهُ مِنْ مَحْرَمِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ مَرْئِيِّ الْمَرْأَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ كَمَرْئِيِّ رَجُلٍ مِنْ آخَرَ أَوْ كَمَرْئِيِّ رَجُلٍ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ نَقْلًا عَنْ عِيَاضٍ. ابْنُ رُشْدٍ: الْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بَابُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى الْحَبَشِ وَغَيْرِهِمْ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ. ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَ النَّظَرَ إلَى اللَّعِبِ فِي الْوَلِيمَةِ وَغَيْرِهَا، وَفِيهِ جَوَازُ نَظَرِ النِّسَاءِ إلَى اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِنَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ الرَّدَّ عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ الْأَمْرِ بِالِاحْتِجَابِ مِنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ فَلَا يَسْتَقِلُّ (وَمِنْ الْمَحْرَمِ كَرَجُلٍ مَعَ مِثْلِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَرْئِيُّ الْمَرْأَةِ مِنْ مَحْرَمِهَا كَرَجُلٍ مَعَ مِثْلِهِ. (وَلَا تُطْلَبُ أَمَةٌ بِتَغْطِيَةِ رَأْسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 وَالْأَمَةُ تُصَلِّي بِغَيْرِ قِنَاعٍ وَذَلِكَ شَأْنُهَا، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا تُصَلِّي الْأَمَةُ إلَّا بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهَا. (وَنُدِبَ سَتْرُهَا بِخَلْوَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: يُكْرَهُ التَّجَرُّدُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فِي الْفَضَاءِ وَغَيْرِهِ. الْمَازِرِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ السَّتْرُ فِي الْخَلْوَةِ. (وَلِأُمِّ وَلَدٍ وَصَغِيرَةٍ سَتْرٌ وَاجِبٌ عَلَى الْحُرَّةِ، وَأَعَادَتْ إنْ رَاهَقَتْ لِلِاصْفِرَارِ كَكَبِيرَةٍ إنْ تَرَكَتْ الْقِنَاعَ) لَوْ قَالَ " كَأُمِّ وَلَدٍ " عِوَضَ " كَكَبِيرَةٍ " لِتُنَزَّلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تُصَلِّي أُمُّ وَلَدٍ إلَّا بِقِنَاعٍ كَالْحُرَّةِ وَتَسْتُرُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا، فَإِنْ صَلَّتْ بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تُعِيدَ فِي الْوَقْتِ، وَلَا أُوجِبُهُ عَلَيْهَا كَوُجُوبِهِ عَلَى الْحُرَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْجَارِيَةُ الْحُرَّةُ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ الْمَحِيضَ، وَمِثْلُهَا قَدْ أُمِرَتْ بِالصَّلَاةِ، وَقَدْ بَلَغَتْ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً تُؤْمَرُ بِأَنْ تَسْتُرَ مِنْ نَفْسِهَا فِي الصَّلَاةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 مَا تَسْتُرُ الْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ أَشْهَبُ: فَإِنْ صَلَّتْ بِغَيْرِ قِنَاعٍ أَعَادَتْ فِي الْوَقْتِ، وَكَذَا الصَّبِيُّ يُصَلِّي عُرْيَانًا، وَإِنْ صَلَّيَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَعَادَا أَبَدًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَرْشِيحُ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ كَوْنَ الْوَقْتِ لِلِاصْفِرَارِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْكَبِيرَةَ تُعِيدُ بِوَقْتٍ إنْ صَلَّتْ بَادِيَةَ الشَّعَرِ (كَمُصَلٍّ بِحَرِيرٍ، وَإِنْ انْفَرَدَ) أَمَّا الْمُصَلِّي بِثَوْبِ حَرِيرٍ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ يُوَارِيهِ غَيْرُهُ فَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: وَعَصَى وَصَحَّتْ إنْ لَبِسَ حَرِيرًا، وَأَمَّا الْمُصَلِّي بِثَوْبِ حَرِيرٍ وَحْدَهُ مُضْطَرًّا لِلُبْسِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ نَجِسٌ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا لِلُبْسِهِ وَصَلَّى بِهِ وَحْدَهُ مَعَ كَوْنِهِ وَاجِدًا غَيْرَهُ فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ أَبَدًا. وَقَالَ أَشْهَبُ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. وَوَجَّهَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلَ أَشْهَبَ وَلَمْ - يُوَجِّهْ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ (أَوْ بِنَجِسٍ بِغَيْرٍ أَوْ بِوُجُودِ مُطَهِّرٍ) لَوْ قَالَ " بِوُجُودِ غَيْرٍ، أَوْ مُطَهِّرٍ " لِتُنَزَّلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُ ثَوْبٍ نَجِسٍ صَلَّى بِهِ، فَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ، أَوْ مَاءً يَغْسِلُهُ بِهِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " بِغَيْرٍ " فَهُوَ رَاجِعٌ لِلنَّجِسِ وَالْحَرِيرِ. (وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ صَلَاتِهِ وَصَلَّى بِطَاهِرٍ) مِنْ النَّوَادِرِ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ، ثُمَّ ظَنَّ فِي الْوَقْتِ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ فَصَلَّى بِثَوْبٍ طَاهِرٍ، ثُمَّ ذَكَرَ فَلْيُعِدْ فِي الْوَقْتِ. وَانْظُرْ هُنَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالْخَزِّ وَالْعَلَمِ، وَانْظُرْ فِي ابْنِ يُونُسَ قَبْلَ تَرْجَمَةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَمَوْضُوعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ، وَانْظُرْ سُورَةَ الزُّخْرُفِ مِنْ أَحْكَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ. (لَا عَاجِزٍ صَلَّى عُرْيَانًا) الْبَاجِيُّ: مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُهَا وَصَلَّى قَائِمًا، وَأَجْزَاهُ. مَالِكٌ: وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَلَا يُومِئُ وَلَا يُصَلِّي قَاعِدًا. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُعِيدُ إنْ وَجَدَ ثَوْبًا فِي الْوَقْتِ. وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ غَيْرَ هَذَا. اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَهِيَ مِنْ رَجُلٍ، وَإِنْ بِشَائِبَةٍ ". وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: الْمَذْهَبُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. وَفِي الْكَافِي: إنْ صَلَّى عُرْيَانًا، ثُمَّ وَجَدَ فِي الْوَقْتِ ثَوْبًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا نَجِسًا صَلَّى بِهِ وَأَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبِ الْحَرِيرِ صَلَاتَهُ إذَا وَجَدَ غَيْرَهُ فِي الْوَقْتِ. (كَفَائِتَةٍ) ابْنُ وَهْبٍ: مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَذَكَرَهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَصَلَّاهَا، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَمَا صَلَّى أَنَّ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً أَعَادَ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا خِلَافُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَائِرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ بِتَمَامِهَا يَخْرُجُ وَقْتُهَا. (وَكُرِهَ مُحَدِّدٌ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مَا يَصِفُ لِرِقَّتِهِ، أَوْ لِتَحْدِيدِهِ مَكْرُوهٌ كَالسَّرَاوِيلِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ الصَّلَاةَ فِي السَّرَاوِيلِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ يَصِفُ وَالْمِئْزَرُ أَفْضَلُ مِنْهُ. (لَا بِرِيحٍ) الَّذِي لِابْنِ يُونُسَ: مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ رَقِيقٍ يَصِفُ أَعَادَ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَقِيقًا لَا يَصِفُ إلَّا عِنْدَ رِيحٍ فَلَا يُعِيدُ (وَانْتِقَابُ امْرَأَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ صَلَّتْ الْحُرَّةُ مُنْتَقِبَةً لَمْ تُعِدْ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَا الْمُتَلَثِّمَةُ. اللَّخْمِيِّ: يُكْرَهَانِ وَتَسْدُلُ عَلَى وَجْهِهَا إنْ خَشِيَتْ رُؤْيَةَ رَجُلٍ (كَكَفْتِ كُمٍّ، أَوْ شَعَرٍ لِصَلَاةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ صَلَّى مُحْتَزِمًا أَوْ جَمَعَ شَعَرَهُ بِوِقَايَةٍ، أَوْ شَمَّرَ كُمَّيْهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِبَاسَهُ وَهَيْئَتَهُ قَبْلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 ذَلِكَ أَوْ كَانَ فِي عَمَلٍ حَتَّى حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّاهَا كَمَا هُوَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكْفِتَ بِهِ شَعَرًا، أَوْ ثَوْبًا فَلَا خَيْرَ فِيهِ. ابْنُ يُونُسَ: النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إذَا قَصَدَ بِهِ الصَّلَاةَ بِكَفْتٍ يَسْتُرُ. (وَتَلَثُّمٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَا الْمُتَلَثِّمُ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا تَلَثُّمُ الرَّجُلِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: شَدَّدَ مَالِكٌ كَرَاهَةَ تَغْطِيَةِ اللِّحْيَةِ فِي الصَّلَاةِ وَقَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ: " لَا يُغَطِّي لِحْيَتَهُ وَلَا بَأْسَ بِتَغْطِيَةِ ذَقَنِهِ " مُشْكِلٌ. وَاسْتَخَفَّ ابْنُ رُشْدٍ تَلَثُّمَ الْمُرَابِطِينَ، لِأَنَّهُ زِيُّهُمْ بِهِ عُرِفُوا وَهُمْ حَمَاةُ الدِّينِ وَيُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ فِي الصَّلَاةِ، وَمَنْ صَلَّى بِهِ مِنْهُمْ فَلَا حَرَجَ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ، لِأَنَّهُ زِيُّهُمْ نَحْوَهُ نَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا نَهَى الْعَرَبَ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِالْعَجَمِ وَلَمْ يَأْتِ أَنَّهُ نَهَى وَفْدًا قَدِمُوا عَلَيْهِ مِنْ وُفُودِ الْأَعَاجِمِ أَنْ يَنْتَقِلُوا عَنْ زِيِّهِمْ إلَى زِيِّ الْعَرَبِ، وَالْمُرَادُ بِهَذَا النَّهْيِ التَّشَبُّهُ بِالْعَجَمِ فِيمَا فَعَلُوهُ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى شَرْعِنَا، وَأَمَّا مَا فَعَلُوهُ عَلَى وَفْقِ النَّدْبِ، أَوْ الْإِيجَابِ، أَوْ الْإِبَاحَةِ فِي شَرْعِنَا فَلَا يُتْرَكُ لِأَجْلِ تَعَاطِيهِمْ إيَّاهُ، فَإِنَّ الشَّرْعَ لَا يَنْهَى عَنْ التَّشَبُّهِ بِمَنْ يَفْعَلُ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَظَالِّ: لَيْسَتْ مِنْ لِبَاسِ السَّلَفِ، وَأَبَاحَ لِبَاسَهَا قَالَ: لِأَنَّهَا تَقِي مِنْ الْبَرْدِ، وَلِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَسْطٌ ذَكَرْته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 بِالِانْجِرَارِ فِي الْمَقَامِ السَّادِسِ مِنْ كِتَابِ سُنَنِ الْمُهْتَدِينَ. (كَكَشْفِ مُشْتَرٍ صَدْرًا، أَوْ سَاقًا) اُنْظُرْ قَوْلَهُ: "، أَوْ سَاقًا " يُرَشِّحُ أَنَّهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيِّ فِي بَابِ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ مَالِكٌ: يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَكْشِفَ مِنْ الْأَمَةِ عِنْدَ اسْتِعْرَاضِهِ إيَّاهَا شَيْئًا، لَا صَدْرًا وَلَا سَاقًا انْتَهَى وَفِي هَذَا الْبَابِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَا نَصُّهُ دَاهِيَةٌ. قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالسَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ الرِّدَاءُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ وَالْهَيْئَةِ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا فِي خَارِجِهَا، وَخَفِيَ هَذَا عَلَى قَوْمٍ يَسْتَقْرِئُونَ الْمَسَائِلَ الْفِقْهِيَّةَ تَرَى أَحَدَهُمْ حَامِلًا لِرِدَائِهِ عَلَى هَيْئَةِ الِارْتِدَاءِ حَتَّى إذَا صَلَّى سَدَلَهُ وَمَالِكٌ لَمْ يَقُلْ سُنَّةُ الصَّلَاةِ السَّدْلُ. ابْنُ يُونُسَ: السَّدْلُ أَنْ يَسْدُلَ طَرَفَيْ رِدَائِهِ وَيَكْشِفَ صَدْرَهُ، وَفِي وَسَطِهِ مِئْزَرٌ، أَوْ سَرَاوِيلُ. ابْنُ رُشْدٍ: لَيْسَ مِنْ الِاخْتِيَارِ أَنْ يُصَلِّيَ مَكْشُوفَ الصَّدْرِ وَالْبَطْنِ، وَمَعْنَى إجَازَةِ مَالِكٍ السَّدْلَ إذَا كَانَ مَعَ الْإِزَارِ ثَوْبٌ يَسْتُرُ سَائِرَ جَسَدِهِ. فَلَوْ قَالَ خَلِيلٌ: " كَكَشْفِ مُسْدِلٍ أَوْ مُشْتَرٍ " لَكَانَ صَحِيحًا وَلَعَلَّ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ هَذَا وَسَقَطَ لِلنَّاسِخِ. (وَصَمَّاءُ بِسِتْرٍ، وَإِلَّا مُنِعَتْ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُكْرَهُ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 يَشْتَمِلَ بِثَوْبٍ يُلْقِيهِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ مُخْرِجًا يَدَهُ الْيُسْرَى مِنْ تَحْتِهِ، وَالْإِزَارُ عَلَيْهِ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ مَعَ الْإِزَارِ، وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ بِجَوَازِهَا مَعَ الْإِزَارِ، وَارْتَضَاهُ ابْنُ رُشْدٍ. (كَاحْتِبَاءٍ لَا سَتْرَ مَعَهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الِاحْتِبَاءُ إدَارَةُ الْجَالِسِ بِظَهْرِهِ وَرُكْبَتَيْهِ إلَى صَدْرِهِ ثَوْبَهُ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ. اللَّخْمِيِّ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَوْرَتِهِ سَتْرٌ مُنِعَ (وَعَصَى وَصَحَّتْ إنْ لَبِسَ حَرِيرًا) أَمَّا إنْ صَلَّى بِهِ مُخْتَارًا فَقَدْ نَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى أَنَّهُ عَاصٍ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَاتِرٌ غَيْرُهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَقْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَدَمَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ لَا أَعْرِفُهُ، فَانْظُرْ قَوْلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 خَلِيلٍ: " وَصَحَّتْ " هَلْ يُرِيدُ وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، لِأَنَّ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ فَرْعُ الصِّحَّةِ، أَوْ يَكُونُ بَنَى عَلَى قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ: وَأَمَّا إنْ صَلَّى بِثَوْبِ حَرِيرٍ بِلَا سَاتِرٍ مَعَهُ فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَيْضًا لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ أَبَدًا. وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ: مَنْ صَلَّى بِخَاتَمِ ذَهَبٍ، أَوْ ثَوْبِ حَرِيرٍ وَعَلَيْهِ مَا يُوَارِيهِ غَيْرُهُ فَلْيُعِدْ فِي الْوَقْتِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَلْيُعِدْ فِي الْوَقْتِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا كَانَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَثِمَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَعَادَ أَبَدًا. ابْنُ يُونُسَ: فَصَارَ فِيمَنْ صَلَّى بِثَوْبِ حَرِيرٍ عَامِدًا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: ابْنُ وَهْبٍ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَشْهَبُ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ أَبَدًا. قَالَ الْمَازِرِيُّ: يُلْزِمُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ يُعِيدَ أَبَدًا مَنْ صَلَّى فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ، أَوْ ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ وَالْمَعْرُوفُ خِلَافُهُ، فَانْظُرْ هَذَا كُلَّهُ مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ وَمَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَمُصَلٍّ بِحَرِيرٍ إنْ انْفَرَدَ "، وَكَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يُلْقِي عَلَيْنَا مَا الْجَامِعُ بَيْنَ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ مَنْ صَلَّى بِثَوْبِ حَرِيرٍ أَعَادَ أَبَدًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سَاتِرٌ غَيْرُهُ، وَإِلَّا أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَثِمَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ قَوْلِ الشَّاعِرِ. جَرَى الدَّمَيَانِ بِالْخَبَرِ الْيَقِينِ وَيَقُولُ: الْجَامِعُ أَنَّ رَدَّ الْيَاءِ عَارِضٌ، وَالْعَارِضُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَبَقِيَتْ الْمِيمُ عَلَى فَتْحِهَا، وَكَذَا الْمَعْدُومُ شَرْعًا هُوَ كَالْمَعْدُومِ حِسًّا، فَالْمُصَلِّي بِثَوْبِ الْحَرِيرِ كَأَنَّهُ لَبِسَ ذَلِكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ صَحَّتْ الصَّلَاةُ، وَإِلَّا فَهُوَ كَعُرْيَانٍ (أَوْ ذَهَبًا) قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ: إنَّ مَنْ صَلَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 بِخَاتَمِ ذَهَبٍ أَوْ بِثَوْبِ حَرِيرٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. (أَوْ سَرَقَ أَوْ نَظَرَ مُحَرَّمًا فِيهَا) نَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ مَسْأَلَةً وَسَلَّمَهَا وَهِيَ مَنْ حَسَّ فِي ذَكَرِهِ نَدَاوَةً وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَرَفَعَهُ بِحَائِلٍ وَنَظَرَهُ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، لِأَنَّهُ رَأَى عَوْرَةَ نَفْسِهِ. وَعَنْ ابْنِ عَيْشُونٍ: مَنْ نَظَرَ عَوْرَةَ إمَامِهِ أَوْ نَفْسِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا. فَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا سَقَطَ سَاتِرُ عَوْرَةِ إمَامٍ فَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ يَنْظُرُ إلَيْهِ وَلَا عَلَى مَنْ نَظَرَ إلَيْهِ عَلَى غَيْرِ تَعَمُّدٍ، فَإِنْ تَعَمَّدَ النَّظَرَ إلَيْهِ فَقَالَ سَحْنُونَ: يُعِيدُ ابْنُ رُشْدٍ: فَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ هَذَا أَنْ تَبْطُلَ صَلَاةُ مَنْ عَصَى اللَّهَ فِي صَلَاتِهِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْعِصْيَانِ خِلَافَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ التُّونُسِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ. وَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ سَرَقَ دَرَاهِمَ لِرَجُلٍ فِي صَلَاتِهِ، أَوْ غَصَبَهُ ثَوْبًا فِيهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: نَقَلَ ابْنُ حَارِثٍ قَوْلَ سَحْنُونٍ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْمَازِرِيِّ: الْمَعْرُوفُ خِلَافُ قَوْلِ مَنْ قَالَ يُعِيدُ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ، أَوْ فِي مَكَان مَغْصُوبٍ. عِيَاضٌ: كَانَ ابْنُ أَخِي هِشَامٌ يَمْشِي مَعَ أَحَدِ طَلَبَتِهِ فِي فُحُوصِ صَبْرِهِ فَأَرَادَ الشَّيْخُ الصَّلَاةَ فَقَالَ الشَّابُّ: اصْبِرْ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أَرَاضِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ السَّوْءِ. فَقَالَ الشَّيْخُ: هَذَا جَهْلٌ مِنْك أَيُّ ضَرَرٍ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ صَلَاتِنَا وَلَوْ لَزِمَ تَرْكُ الصَّلَاةِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 الْفُحُوصِ الْمَغْصُوبَةِ وَجَبَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَسْتَأْمِرَ أَرْبَابَ الْأَرْضِ غَيْرِ الْمَغْصُوبَةِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: وَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَا لَمْ يُجِزْهُ الْغَاصِبُ بِبِنَاءٍ وَحَوْزٍ انْتَهَى وَانْظُرْ أَيْضًا هَذَا فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّ صَلَاةَ الْمَرْءِ فِي مِلْكٍ غَصَبَهُ صَحِيحَةٌ بِخِلَافِ صِيَامِ يَوْمٍ عَلَيْهِ فَيَقْتَضِيهِ يَوْمَ الْعِيدِ، لِأَنَّ مُتَعَلَّقَ النَّهْيِ فِي الصَّوْمِ الْمَوْصُوفِ، وَفِي الصَّلَاةِ الْغَصْبُ دُونَ الصَّلَاةِ، فَالنَّهْيُ فِي الصَّوْمِ عَنْ الْمَوْصُوفِ وَفِي الصَّلَاةِ عَنْ الصِّفَةِ. اُنْظُرْ الْفَرْقَ الثَّالِثَ وَالْمِائَةَ مِنْ قَوَاعِدِ شِهَابِ الدِّينِ. (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا سَاتِرًا لِأَحَدِ فَرْجَيْهِ فَثَالِثُهَا يُخَيَّرُ) الْكَافِي: إنْ وَجَدَ الْعُرْيَانُ مَا يُوَارِي بِهِ أَحَدَ فَرْجَيْهِ وَارَى قُبُلَهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُوَارِي بِهِ أَيَّ فَرْجَيْهِ شَاءَ. الطُّرْطُوشِيُّ: يَجْعَلُهُ لِدُبُرِهِ. (وَمَنْ عَجَزَ صَلَّى عُرْيَانًا) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " لَا عَاجِزٍ صَلَّى عُرْيَانًا " (فَإِنْ اجْتَمَعُوا بِظَلَامٍ فَكَالْمَسْتُورِينَ، وَإِلَّا تَفَرَّقُوا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا لَمْ يَجِدْ الْعُرَاةُ ثِيَابًا صَلَّوْا أَفْذَاذًا مُتَبَاعِدِينَ قِيَامًا يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ وَلَا يُؤَمُّونَ، وَإِنْ كَانُوا فِي ظَلَامٍ لَا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا جَمَعُوا وَتَقَدَّمَهُمْ إمَامُهُمْ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّوْا قِيَامًا غَاضِّينَ إمَامُهُمْ وَسْطَهُمْ) ابْنُ عَرَفَةَ: فَإِنْ أَعْجَزَهُمْ التَّبَاعُدُ فَفِي جُلُوسِهِمْ إيمَاءً وَقِيَامِهِمْ غَاضِّينَ أَبْصَارَهُمْ قَوْلَانِ (فَإِنْ عَلِمَتْ فِي صَلَاةٍ بِعِتْقٍ مَكْشُوفَةُ رَأْسٍ، أَوْ وَجَدَ عُرْيَانٌ ثَوْبًا اسْتَتَرَا إنْ قَرُبَ، وَإِلَّا أَعَادَا بِوَقْتٍ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " فَإِنْ عَلِمَتْ " بَيْنَ أَنْ تَعْلَمَ، أَوْ تُعْتَقَ فَرْقٌ نَظِيرُ الْوَجْهِ الْوَاحِدِ نَاسِي الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ، وَنَظِيرُ الْوَجْهِ الْآخَرِ الْمُطَّلِعُ عَلَيْهِ بِالْمَاءِ. اُنْظُرْهُ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " لَا فِيهَا إلَّا نَاسِيَهُ " قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْأَمَةِ تُعْتَقُ بَعْدَ رَكْعَةٍ مِنْ الْفَرِيضَةِ - وَرَأْسُهَا مُنْكَشِفٌ - فَإِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 لَمْ تَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهَا خِمَارًا وَلَا وَصَلَتْ إلَيْهِ لَمْ تُعِدْ، وَإِنْ قَدَرَتْ عَلَى أَخْذِهِ لَمْ تَأْخُذْهُ أَعَادَتْ فِي الْوَقْتِ، وَكَذَلِكَ الْعُرْيَانُ يَجِدُ ثَوْبًا. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الصَّلَاةِ بِمَا يَجُوزُ لَهَا فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إعَادَةٌ كَوَاجِدِ الْمَاءِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ وَصَلَتْ إلَى الْخِمَارِ فَلَمْ تَسْتَتِرْ بِهِ أَعَادَتْ لِأَنَّهَا قَدَرَتْ عَلَى الِاسْتِتَارِ مِنْ غَيْرِ بُطْلَانِ مَا تَقَدَّمَ لَهَا فَخَالَفَتْ وَاجِدَ الْمَاءِ فِي هَذَا اُنْظُرْ شَارِحَ التَّهْذِيبِ ذَكَرَ لِهَذَا نَظَائِرَ سَبْعَةً. (وَإِنْ كَانَ لِعُرَاةٍ ثَوْبٌ صَلَّوْا أَفْذَاذًا) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ وَجَدُوا ثَوْبًا صَلَّوْا بِهِ أَفْذَاذًا لَا يَؤُمُّهُمْ بِهِ أَحَدٌ فَلَا. (وَلِأَحَدِهِمْ نُدِبَ لَهُ إعَارَتُهُمْ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ ثَوْبٌ يَفْضُلُ عَنْ سَتْرِ عَوْرَتِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: يُجْبَرُ عَلَى صَلَاتِهِمْ بِهِ. اللَّخْمِيِّ: يُسْتَحَبُّ جَبْرُهُ الطَّرَّازُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ اُسْتُحِبَّ دَفْعُهُ لِغَيْرِهِ يُصَلِّي بِهِ. [بَابٌ فِي اسْتِقْبَال الْقِبْلَة] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الِاسْتِقْبَالِ وَالنَّظَرِ فِيهِ فِي أَرْكَانٍ ثَلَاثَةٍ: الصَّلَاةِ وَالْقِبْلَةِ وَالْمُسْتَقْبِلِ (وَمَعَ الْأَمْنِ اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لِمَنْ بِمَكَّةَ) نَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ شَرْطٌ. وَقَالَ فِي التَّلْقِينِ: هُوَ فَرْضٌ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْكَعْبَةِ وَهُوَ بِمَكَّةَ كَانَ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا عَلَى وَجْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 الْقَطْعِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ، وَسَيَأْتِي لِلَّخْمِيِّ يَسْقُطُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ عَنْ الْمَكْتُوفِ وَالْخَائِفِ. (فَإِنْ شَقَّ فَفِي الِاجْتِهَادِ نَظَرٌ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ بِمَكَّةَ عَلَى عِيَانِ الْكَعْبَةِ اسْتَدَلَّ عَلَيْهَا بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ فَقَدْ تَرَدَّدَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي جَوَازِ اقْتِصَارِهِ عَلَى الِاجْتِهَادِ (وَإِلَّا فَالْأَظْهَرُ جِهَتُهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَالْأَكْثَرُ الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ بِغَيْرِ مَكَّةَ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ لَا السَّمْتِ خِلَافًا لِابْنِ الْقَصَّارِ (اجْتِهَادًا) الْكَافِي: إنْ كَانَتْ الْكَعْبَةُ بِحَيْثُ لَا يَرَاهَا فَيَلْزَمُ التَّوَجُّهُ نَحْوَهَا وَتِلْقَاءَهَا بِالدَّلَائِلِ وَهِيَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالرِّيحُ وَكُلُّ مَا يُمْكِنُ بِهِ مَعْرِفَةُ جِهَتِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ وَإِنْ وَقَعَتْ إلَى الْقِبْلَةِ (كَأَنْ نُقِضَتْ وَبَطَلَتْ إنْ خَالَفَهَا، وَإِنْ صَادَفَ) الْبَاجِيُّ: مَنْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ عَامِدًا أَعَادَ أَبَدًا، وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّى لِجِهَتِهَا، نَظِيرُ ذَلِكَ صَلَّى مُعْتَقِدًا أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى فِي الْوَقْتِ، وَمَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ بِخِلَافِ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا فَصَادَفَ أَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ كَانَتْ قَدْ انْقَضَتْ، وَمَنْ حَلَفَ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ صَادِقًا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ: غُرَّ وَسَلِمَ اُنْظُرْ هَلْ وَسَلِمَ أَيْضًا مِنْ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ إنْ كَانَ حَلِفُهُ بِهِمَا. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " إنْ كَانَ فِي هَذِهِ اللَّوْزَةِ قَلْبَانِ ". (وَصَوْبُ سَفَرِ قَصْرٍ لِرَاكِبِ دَابَّةٍ فَقَطْ، وَإِنْ بِمَحْمَلٍ فِي نَفْلٍ، وَإِنْ وِتْرًا) فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يُوتِرَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ حَيْثُمَا كَانَ وَجْهُهُ، وَإِنْ صَلَّى الْمُسَافِرُ عَلَى الْأَرْضِ وَلَهُ حِزْبٌ مِنْ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ يَرْكَبُ دَابَّتَهُ فَيَتَنَفَّلُ مَا أَحَبَّ وَقَدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 أَجْزَأَ عَنْهُ وِتْرَهُ. ابْنُ شَاسٍ: وَهَذَا لِلرَّاكِبِ، وَأَمَّا الْمَاشِي فَلَا. ابْنُ اللُّبِّيِّ: ابْنُ عَرَفَةَ: وَمَنْ تَنَفَّلَ فِي مَحْمَلِهِ فَقِيَامُهُ تَرَبُّعٌ وَيَرْكَعُ كَذَلِكَ وَيَدَاهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَإِذَا رَفَعَ رَفَعَهُمَا وَيُومِئُ بِالسُّجُودِ وَقَدْ ثَنَى رِجْلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَوْمَأَ مُتَرَبِّعًا، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْمُصَلِّي فِي مَحْمَلِهِ يَعْيَا فَيَمُدُّ رِجْلَيْهِ أَرْجُو خِفَّتَهُ وَلَا يُصَلِّي مُحَوِّلًا وَجْهَهُ لِدُبُرِ الْبَعِيرِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ كَانَ يُحَوِّلُهُ تِلْقَاءَ الْقِبْلَةِ، وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ بِتَنْحِيَةِ وَجْهِهِ عَنْ الشَّمْسِ تَسْتَقْبِلُهُ، وَرَوَى اللَّخْمِيِّ يَرْفَعُ عِمَامَتَهُ عَنْ جَبْهَتِهِ إذَا أَوْمَأَ وَيَقْصِدُ الْأَرْضَ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا يَجْلِسُ عَلَى قَرَبُوسَةٍ وَيَضْرِبُ دَابَّةَ رُكُوبِهِ وَغَيْرَهَا، وَلَا يَتَكَلَّمُ (وَإِنْ سَهُلَ الِابْتِدَاءُ لَهَا) ابْنُ بَشِيرٍ: لَا يَلْزَمُهُ التَّوَجُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ فِي الْإِحْرَامِ وَلَا فِي غَيْرِهِ إذَا كَانَ تَوَجُّهُهُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ لَكِنْ يَجْعَلُ الْمَكَانَ الَّذِي يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ كَالْقِبْلَةِ فِي حَقِّهِ فَلَا يَلْتَفِتُ عَنْهُ (لَا سَفِينَةٍ فَيَدُورُ) لَمْ يُوَسِّعْ مَالِكٌ لِمَنْ فِي السَّفِينَةِ أَنْ يُصَلِّيَ النَّافِلَةَ إيمَاءً حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ كَمَا وَسَّعَهُ لِلْمُسَافِرِ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْمَحْمَلِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ فِي السَّفِينَةِ يَدُورُ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَا يَقْطَعُ ذَلِكَ طَرِيقَهُ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ إنْ أَمْكَنَ الْمَعُونَةُ، وَلَا يَتَنَفَّلُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 السَّفِينَةِ إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ إذَا أَمْكَنَ بِخِلَافِ الرَّاكِبِ. (وَهَلْ إنْ أَوْمَأَ، أَوْ مُطْلَقًا تَأْوِيلَانِ، وَلَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدٌ غَيْرَهُ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنْ اخْتَلَفَ مُجْتَهِدَانِ لَمْ يَأْتَمَّا. اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْأَصْلِ فِي صَلَاةِ الْمَالِكِيِّ خَلْفَ الشَّافِعِيِّ وَالْعَكْسِ. أَبُو عُمَرَ: سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى وَعَلَيْهِ جِلْدُ مَيْتَةٍ. فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُ إذَا تَأَوَّلَ. قِيلَ: فَتَرَاهُ أَنْتَ يَطْهُرُ؟ قَالَ: لَا. قِيلَ: فَكَيْفَ يُصَلَّى خَلْفَهُ وَهُوَ مُخْطِئٌ؟ قَالَ: لَيْسَ مَنْ تَأَوَّلَ كَمَنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ، ثُمَّ قَالَ: كُلُّ مَنْ يَتَأَوَّلُ شَيْئًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَذْهَبُ إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلَّى خَلْفَهُ، وَإِنْ قُلْنَا نَحْنُ بِخِلَافِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ عَبْدَ الْحَقِّ الصَّقَلِّيَّ لَقِيَ بِمَكَّةَ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيَّ فَاجْتَمَعَا وَحَانَتْ الصَّلَاةُ، فَقَدَّمَ أَبُو الْمَعَالِي عَبْدَ الْحَقِّ لِلصَّلَاةِ وَقَالَ لَهُ: الْبَعْضُ يَدْخُلُ فِي الْكُلِّ يُعَرِّضُ لَهُ بِمَسْأَلَةِ الرَّأْسِ إنْ كَانَ أَبُو الْمَعَالِي شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ. وَمِنْ الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالسَّبْعِينَ لِشِهَابِ الدِّينِ قَالَ: الْمَسَائِلُ الْفُرُوعِيَّةُ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا مِنْ أَحَدِ الْمُجْتَهِدَيْنِ فِيهَا لِلْآخَرِ بِخِلَافِ الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ وَالْكَعْبَةِ. سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ جَوَازِ صَلَاةِ الشَّافِعِيِّ خَلْفَ الْمَالِكِيِّ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْمُجْتَهِدَيْنِ فِي الْكَعْبَةِ وَالْأَوَانِي الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمُجْتَهِدِ الْآخَرِ فَسَكَتَ عَنْ الْجَوَابِ انْتَهَى اُنْظُرْ قَوْلَهُ: فِي الثِّيَابِ مَعَ قَوْلِ ابْنِ حَنْبَلٍ: فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ هَلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اخْتِلَاطِ الطَّاهِرِ بِالنَّجِسِ فَرْقٌ (وَلَا مِحْرَابًا إلَّا لِمِصْرٍ) ابْنُ الْقَصَّارِ: يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَحَارِيبِ الْبِلَادِ الَّتِي تَكَرَّرَتْ صَلَوَاتُهَا وَنَصَبَتْهَا الْأَئِمَّةُ. الْقَبَّابُ: وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُخْتَلِفَةً وَلَا مَطْعُونًا عَلَيْهَا كَمَسَاجِدِ بِلَادِنَا فَاسَ فَإِنَّ قِبْلَةَ الْقَرَوِيِّينَ مُخَالِفَةٌ لِقِبْلَةِ الْأَنْدَلُسِ، وَقِبْلَةَ الْأَنْدَلُسِ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَدِلَّةِ، انْتَهَى وَانْظُرْ مُقْتَضَى هَذَا الْبَحْثِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قِبْلَةِ جَامِعِ أقشارش. (وَإِنْ أَعْمَى وَسَأَلَ عَنْ الْأَدِلَّةِ) ابْنُ شَاسٍ: لِلْأَعْمَى الْعَاجِزِ أَنْ يُقَلِّدَ شَخْصًا مُكَلَّفًا مُسْلِمًا عَارِفًا بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ، فَإِنْ كَانَ يَسْتَقْبِلُ عِنْدَ الْإِخْبَارِ عَنْ الْأَحْوَالِ بِمَعْرِفَةِ طُرُقِ الِاجْتِهَادِ قَلَّدَ فِي السَّمَاعِ وَاجْتَهَدَ بِنَاءً عَلَى مَا سَمِعَ. الْقَبَّابُ: الْقُدْرَةُ عَلَى الِاجْتِهَادِ تَمْنَعُ مِنْ التَّقْلِيدِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ فَفَرْضُهُ السُّؤَالُ وَالتَّقْلِيدُ. (مُكَلَّفًا عَارِفًا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ بِهَذَا فِي الْأَعْمَى، وَأَمَّا غَيْرُ الْأَعْمَى فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: فَاقِدُ الِاجْتِهَادِ كَالْعَامِّيِّ يُقَلِّدُ عَدْلًا عَالِمًا (أَوْ مِحْرَابًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، أَوْ تَحَيَّرَ مُجْتَهِدٌ تَخَيَّرَ وَلَوْ صَلَّى أَرْبَعًا لَحَسُنَ وَاخْتِيرَ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُقَلِّدُ لِعَجْزِهِ مُقَلِّدٌ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ وَلَوْ صَلَّى أَرْبَعًا لَكَانَ مَذْهَبًا اللَّخْمِيِّ: هَذَا أَصَحُّ. سَنَدٌ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ قَوْلُ الْكَافَّةِ. الذَّخِيرَةُ: يُقَلِّدُ الْمُجْتَهِدُ الْمُتَحَيِّرُ غَيْرَهُ وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَلَيْسَ لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ، وَإِنْ تَحَيَّرَ فِي الْحَالِ فِي نَظَرِهِ فَهَلْ يُصَلِّي أَرْبَعًا، أَوْ يُقَلِّدُ، أَوْ يَتَخَيَّرُ جِهَةً.؟ . ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ. (وَإِنْ تَبَيَّنَ خَطَأٌ بِصَلَاةٍ قَطَعَ) فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ عَلِمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ، أَوْ شَرَّقَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 أَوْ غَرَّبَ قَطَعَ وَابْتَدَأَ بِإِقَامَةٍ (غَيْرُ أَعْمَى) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ اجْتَهَدَ بِالْأَعْمَى رَجُلٌ ثُمَّ قَالَ لَهُ آخَرُ: أَخْطَأَ بِك فَصَدَّقَهُ انْحَرَفَ حِينَ قَالَ لَهُ، وَمَا مَضَى مُجْزِئٌ عَنْهُ، لِأَنَّهُ اجْتَهَدَ لَهُ مَنْ لَهُ اجْتِهَادٌ. ابْنُ سَحْنُونٍ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ إنْ كَانَ الْمُخْبِرُ مُخْبِرًا بِاجْتِهَادِهِ لَا بِحَقِيقَةٍ، فَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ عِيَانِ حَقِيقَةِ الْكَعْبَةِ لَزِمَ الْأَعْمَى إبْطَالُ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ. (وَمُنْحَرِفٍ يَسِيرًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ انْحَرَفَ يَسِيرًا عَنْ الْقِبْلَةِ فَلْيَنْحَرِفْ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَبْنِي عَلَى الصَّلَاةِ وَلَا يَقْطَعْهَا. ابْنُ يُونُسَ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» (فَيَسْتَقْبِلَانِهِ ا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ فِي الْأَعْمَى فَصَدَّقَهُ انْحَرَفَ وَنَصُّهَا فِي الْمُنْحَرِفِ يَسِيرًا فَلْيَنْحَرِفْ إلَى الْقِبْلَةِ (وَبَعْدَهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ الْمُخْتَارَ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عَلِمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَنَّهُ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ، أَوْ شَرَّقَ، أَوْ غَرَّبَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَوَقْتُهُ فِي الظُّهْرَيْنِ اصْفِرَارُ الشَّمْسِ، وَفِي الْعِشَاءَيْنِ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَفِي الصُّبْحِ طُلُوعُ الشَّمْسِ (وَهَلْ يُعِيدُ النَّاسِي أَبَدًا.؟ خِلَافٌ) ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ إعَادَةُ مَنْ اسْتَدْبَرَ، أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ بِاجْتِهَادٍ، أَوْ نِسْيَانٍ بِغَيْرِ مَكَّةَ فِي الْوَقْتِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 يَرْجِعُ إلَى اجْتِهَادٍ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ، بِخِلَافِ مَنْ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ بِمَوْضِعٍ فَعَايَنَهَا فَيُعِيدُ أَبَدًا، لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى يَقِينٍ وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: النَّاسِي يُعِيدُ أَبَدًا بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ. (وَجَازَتْ سُنَّةٌ فِيهَا وَفِي الْحِجْرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلَّى فِي الْكَعْبَةِ وَلَا فِي الْحِجْرِ فَرِيضَةٌ، وَلَا رَكْعَتَا الطَّوَافِ الْوَاجِبِ وَلَا الْوِتْرُ وَلَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ رُكُوعِ الطَّوَافِ وَالنَّوَافِلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " سُنَّةٌ " وَقَدْ اعْتَرَضَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 بَهْرَامَ. (لِأَيِّ جِهَةٍ) هَكَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ، ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ لِاسْتِحْبَابِ جَعْلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 الْبَابِ خَلْفَهُ لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ. (لَا فَرْضٌ فَيُعَادُ فِي الْوَقْتِ، وَأُوِّلَ بِالنِّسْيَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ فَرِيضَةً أَعَادَ فِي الْوَقْتِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ أَنَّهُ صَلَّى فِيهَا نَاسِيًا، لِأَنَّهُ جَعَلَهُ كَمَنْ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ (وَبِالْإِطْلَاقِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ بَعْدَ الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ فِي وَقْتِ الْإِعَادَةِ إنْ فَعَلَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يُعِيدُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ (وَبَطَلَ فَرْضٌ عَلَى ظَهْرِهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: الْفَرْضُ عَلَى ظَهْرِهَا مَمْنُوعٌ. الْبَاجِيُّ: فَإِنْ صَلَّاهُ أَعَادَ أَبَدًا قَالَهُ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ وَابْنُ حَبِيبٍ. الْجَلَّابُ: وَلَا بَأْسَ بِنَفْلِهِ عَلَيْهَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: النَّفَلُ عَلَيْهَا مَمْنُوعٌ. (كَالرَّاكِبِ) ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَظَاهِرُ رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ عَلَى الْمَحْمَلِ أَصْلًا وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بِالْأَرْضِ عَلَى السُّجُودِ وَلَا عَلَى الْجُلُوسِ، وَهَذَا ثَالِثُ الْأَقْوَالِ. ابْنُ عَرَفَةَ: نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُعْجِبُنِي. فَسَّرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالتُّونُسِيُّ بِالْمَنْعِ، وَفَسَّرَهُ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ بِالْكَرَاهَةِ. وَفِي الرِّسَالَةِ: لَا يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا إلَّا بِالْأَرْضِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنْ نَزَلَ صَلَّى جَالِسًا إيمَاءً لِمَرَضِهِ فَلْيُصَلِّ عَلَى الدَّابَّةِ بَعْدَ أَنْ تُوقَفَ لَهُ وَيَسْتَقْبِلَ بِهَا الْقِبْلَةَ. (إلَّا لِالْتِحَامٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: صَلَاةُ الْخَوْفِ حِينَ قِتَالِ الْعَدُوِّ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ دُونَ تَرْكِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ إنْ دَهَمَهُمْ فِيهَا، وَإِلَّا فَلَا. ابْنُ حَبِيبٍ وَمُحَمَّدٌ: كَذَلِكَ آخِرُ وَقْتِهَا. مُحَمَّدٌ: وَكَذَلِكَ بِالْبَحْرِ وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ: يُؤَخِّرُونَ لِآخِرِ الْوَقْتِ، ثُمَّ يُصَلُّونَ حِينَئِذٍ عَلَى خُيُولِهِمْ يُومِئُونَ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ إنْ احْتَاجُوا إلَى الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ لَمْ يَقْطَعْ الْكَلَامُ صَلَاتَهُ (أَوْ خَوْفٍ مِنْ كَسَبُعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ خَافَ إنْ نَزَلَ مِنْ سِبَاعٍ، أَوْ غَيْرِهَا صَلَّى عَلَى دَابَّتِهِ إيمَاءً أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ، فَإِنْ أَمِنَ فِي الْوَقْتِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 يُعِيدَ بِخِلَافِ الْعَدُوِّ. ابْنُ يُونُسَ: وَوَقْتُهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ. (وَإِنْ لِغَيْرِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ يَرْكَعُونَ إيمَاءً مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ، أَوْ غَيْرَهَا وَيَقْرَءُونَ (وَإِنْ أَمِنَ أَعَادَ الْخَائِفُ بِوَقْتٍ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا إنْ أَمِنَ أَعَادَ بِخِلَافِ الْعَدُوِّ اللَّخْمِيِّ: وَيَسْقُطُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ عَنْ الْمَكْتُوفِ وَالْمَرْبُوطِ وَصَاحِبِ الْهَدْمِ وَالْمُسَايِفِ لِلْعَدُوِّ وَلِلْخَائِفِ مِنْ اللُّصُوصِ وَالسِّبَاعِ إذَا كَانَ يَخْشَى مَتَى وَقَفَ أَدْرَكَهُ الْعَدُوُّ، أَوْ اللُّصُوصُ، أَوْ السِّبَاعُ. (وَإِلَّا لِخَضْخَاضٍ لَا يُطِيقُ النُّزُولَ بِهِ، أَوْ لِمَرَضٍ وَيُؤَدِّيهَا عَلَيْهَا كَالْأَرْضِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 فَلَهَا وَفِيهَا كَرَاهَةُ الْأَخِيرِ) قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَالْمُسَافِرُ يَأْخُذُهُ الْوَقْتُ فِي طِينٍ خَضْخَاضٍ لَا يَجِدُ أَيْنَ يُصَلِّي فَلْيَنْزِلْ عَنْ دَابَّتِهِ وَيُصَلِّ فِيهِ قَائِمًا يُومِئُ بِالسُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ صَلَّى عَلَى دَابَّتِهِ إلَى الْقِبْلَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَالرَّاكِبِ ". طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَالتُّونُسِيِّ أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَجُوزُ لَهُ النُّزُولُ أَصْلًا وَحَمْلًا لَا يُعْجِبُنِي عَلَى الْمَنْعِ، وَحَمَلَهَا الْمَازِرِيُّ وَاللَّخْمِيُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ. وَلِابْنِ يُونُسَ وَابْنِ أَبِي زَيْدٍ: مَأْخَذٌ آخَرُ لَمْ يَذْكُرْهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: أَنَّ مَعْنَى " لَا يُعْجِبُنِي " يُرِيدُ بِهِ صَلَاتَهُ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ فَأَمَّا لَوْ وُقِفَتْ لَهُ الدَّابَّةُ وَاسْتَقْبَلَ بِهَا الْقِبْلَةَ لَجَازَ، انْتَهَى وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَالرَّاكِبِ " هُنَا كَانَ يَنْبَغِي نَقْلُهُ وَمَا عَنَى بِالرَّاكِبِ هُنَاكَ إلَّا الصَّحِيحَ. [بَاب فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ] [فَصَلِّ فِي فَرَائِض الصَّلَاة] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الرَّابِعُ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَأَفْعَالُ الصَّلَاةِ تَنْقَسِمُ إلَى أَرْكَانٍ وَسُنَنٍ وَفَضَائِلَ. ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الرِّسَالَةِ صِفَةَ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَخَّرَ الْكَلَامَ فِي فَرَائِضِهَا لِآخِرِ الْكِتَابِ قَالَ شَارِحُهَا: لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَرْضًا مِنْ سُنَّةٍ إلَّا أَنَّهُ وَفَّى بِالصَّلَاةِ - كَمَا ذَكَرَ - فِي هَذَا الْبَابِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ لَمَّا صَلَّى بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الصَّلَاةَ كَامِلَةً بِجَمِيعِ فَرَائِضِهَا وَسُنَنِهَا وَفَضَائِلِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ سِوَى بِفِعْلِ مَا رَأَوْا وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ لِتَبْيِينِ الْفَرَائِضِ مِنْ غَيْرِهَا لِأَجْلِ الْإِخْلَالِ، وَمَا يُجْزِئُ سُجُودُ السَّهْوِ لَهُ وَمَا لَا، وَقَدْ رَشَّحَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ هَذَا فِي السِّرَاجِ فِي الِاسْمِ السَّادِسَ عَشَرَ (فَرَائِضُ الصَّلَاةِ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَقِيَامٌ لَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 إلَّا لِمَسْبُوقٍ فَتَأْوِيلَانِ) ابْنُ يُونُسَ: مِنْ الْفُرُوضِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَالْقِيَامُ لَهَا لِلْفَذِّ وَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَبَّرَ الْمَأْمُومُ لِلرُّكُوعِ وَنَوَى بِهَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ أَجْزَأَهُ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا إذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فِي حَالِ قِيَامٍ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ، وَإِنْ كَبَّرَ وَهُوَ رَاكِعٌ. ابْنُ بَشِيرٍ: هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْقِيَامَ يَجِبُ لِلْقِرَاءَةِ، وَالْمَأْمُومُ لَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي حَقِّهِ (وَإِنَّمَا يُجْزِئُ " اللَّهُ أَكْبَرُ ") التَّلْقِينُ: لَفْظُ " اللَّهُ أَكْبَرُ " مُتَعَيَّنٌ فَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ كَنَحْوِ " اللَّهُ أَكْبَرُ " (فَإِنْ عَجَزَ سَقَطَ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَكْفِي الْأَخْرَسَ نِيَّتُهُ. الْأَبْهَرِيُّ: وَكَذَا الْعَاجِزُ لِعُجْمَتِهِ. بَعْضُ شُيُوخِ الْقَاضِي: تَرْجَمَةُ لُغَتِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ مُتَرْجَمًا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ نَحْوُ " بزرك خداي ". (وَنِيَّةُ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ) ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ الْفَرَائِضِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا لِلصَّلَاةِ النِّيَّةُ، وَمِنْ صِفَتِهَا عَلَى الْكَمَالِ أَنْ يَسْتَشْعِرَ النَّاوِي الْإِيمَانَ بِقَلْبِهِ فَيَقْرُنَ بِذَلِكَ اعْتِقَادَ الْقُرْبَةِ لِلَّهِ بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ بِعَيْنِهَا، وَذَلِكَ يَحْتَوِي عَلَى أَرْبَعِ نِيَّاتٍ وَهِيَ: اعْتِقَادُ الْقُرْبَةِ، وَاعْتِقَادُ الْوُجُوبِ، وَاعْتِقَادُ الْقَصْدِ إلَى الْأَدَاءِ، وَتَعَيُّنُ الصَّلَاةِ. فَإِذَا أَحْرَمَ - وَنِيَّتُهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ - فَقَدْ أَتَى بِإِحْرَامِهِ عَلَى أَكْمَلِ أَحْوَالِهِ، وَإِلَّا فَيُجْزِئُهُ إذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 عَيَّنَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَهَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَالْقُرْبَةَ وَالْأَدَاءَ، وَكَذَلِكَ إذَا سَهَا وَقْتَ إحْرَامِهِ عَنْ اسْتِشْعَارِ الْإِيمَانِ لَمْ يَفْسُدْ إحْرَامُهُ لِتَقَدُّمِ اعْتِقَادِهِ لَهُ لِأَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِهِ فِي حَالِ الذِّكْرِ لَهُ وَالْغَفْلَةِ عَنْهُ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: النِّيَّةُ الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ وَالْعَزْمُ عَلَيْهِ قَالَ: وَقَدْ أَحْدَثَ النَّاسُ فِي النِّيَّةِ أُمُورًا كَثِيرَةً حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ عُمْرُهُ سِتِّينَ سَنَةً وَنَحْوَهَا يَأْتِي سَائِلًا هَلْ عَلَيْهِ إعَادَةُ شَهْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ صَامَهُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لِأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: بَقِيَ عَلَيْك أَنْ تَقْصِدَ إلَى النِّيَّةِ. ؟ ، فَانْظُرْ كَيْفَ صَارَتْ النِّيَّةُ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَاحْتَاجَتْ نِيَّةُ النِّيَّةِ إلَى نِيَّةٍ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصُومَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِدُخُولِ الشَّهْرِ. (وَلَفْظُهُ وَاسِعٌ) ابْنُ يُونُسَ: يَنْوِي بِقَلْبِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ نُطْقٌ بِلِسَانِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ بِنِيَّتِهِ فَيَقُولَ: أُؤَدِّي ظُهْرَ الْوَقْتِ، ثُمَّ يُكَبِّرَ. وَهِيَ بِدْعَةٌ، أَمَا إنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُشَوَّشِ الْخَاطِرِ الْمُوَسْوَسِ الْفِكْرِ إذَا خَشِيَ أَنْ لَا يَرْتَبِطَ فِي قَلْبِهِ عَقْدُ النِّيَّةِ أَنْ يُعَضِّدَهُ بِالْقَوْلِ حَتَّى يُذْهِبَ عَنْهُ اللَّبْسَ. (وَإِنْ تَخَالَفَا فَالْعَقْدُ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا فَأَخْطَأَ فَقَرَنَ فَتَكَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ إنَّمَا ذَلِكَ إلَى نِيَّتِهِ وَهُوَ عَلَى حَجِّهِ. قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا مَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ، وَإِلَى نِيَّتِهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فَلَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ لِسَانُهُ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَتَّى لِغَيْرِهِ (وَالرَّفْضُ مُبْطِلٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: عُزُوبُ النِّيَّةِ وَتَحَوُّلُهَا بِيَسِيرِ النَّفْلِ سَهْوًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 دُونَ عَمَلٍ مُغْتَفَرٌ. الْمَازِرِيُّ: اُغْتُفِرَ عُزُوبُ النِّيَّةِ لِلْمَشَقَّةِ فَإِنْ خَطَرَتْ بِبَالِهِ وَقَصَدَ رَفْضَهَا وَأَنْ يُوقِعَ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ لَهْوًا فَلَا يُجْزِئُهُ لِقَطْعِهِ النِّيَّةَ، وَعَلَى هَذَا اُخْتُلِفَ فِيمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ فَخَرَجَ فَتَبَيَّنَ خَطَؤُهُ. اُنْظُرْهُ فِي الرُّعَافِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَظَنِّهِ فَخَرَجَ " (كَسَلَامٍ أَوْ ظَنِّهِ فَأَتَى بِنَفْلٍ إنْ طَالَتْ، أَوْ رَكَعَ، وَإِلَّا فَلَا) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ مَكْتُوبَةٍ فَنَسِيَ فَسَلَّمَ، ثُمَّ أَتَى بِنَافِلَةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ أَثْنَاءَ النَّافِلَةِ، فَإِنْ كَانَ طَالَ ذَلِكَ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ رَكَعَ اسْتَأْنَفَ أَيْضًا طَالَ، أَوْ لَمْ يَطُلْ، وَسَوَاءٌ خَرَجَ ذَلِكَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ بِسَلَامٍ، أَوْ خَرَجَ بِغَيْرِ سَلَامٍ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ قَرِيبًا حِينَ قَامَ بَنَى وَسَجَدَ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: " بَنَى وَسَجَدَ " مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا صَلَّى بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ صَلَاتِهِ فَيُلْغِي مَا عَمِلَ وَيَسْتَأْنِفُهُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، انْتَهَى وَانْظُرْ لَوْ قَرَأَ بِنِيَّةِ الْفَرِيضَةِ فَسَهَا وَرَكَعَ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا جُعِلَ الرُّكُوعُ طُولًا مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقِرَاءَةِ، فَلَوْ رَكَعَ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ بَعْدَ أَنْ قَرَأَ بِنِيَّةِ الْفَرِيضَةِ لَوَجَبَ أَنْ يُلْغِيَ الرَّكْعَةَ وَيَسْتَأْنِفَهَا وَيَسْجُدَ بَعْدَ السَّلَامِ انْتَهَى. فَانْظُرْ إنْ كَانَ هَذَا الْفَرْعُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ: "، وَإِلَّا فَلَا " وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى لَوْ قَرَأَ سَجْدَةً فَرَكَعَ بِهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ تَعَمَّدَ الرُّكُوعَ بِهَا أَجْزَأَتْهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ، قَالَهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى قَالَ: وَلَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ وَقَرَأَهَا إذَا قَامَ فِي أُخْرَى وَسَجَدَ قَالَ: وَالْمَكْتُوبَةُ وَالنَّافِلَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ أَنَّ الرَّكْعَةَ تُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ رَكَعَ بِنِيَّةِ الرُّكُوعِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَتَرَكَ السُّجُودَ الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَهْوِيَ لِيَسْجُدَهَا فَنَسِيَ فَرَكَعَ فَإِنْ ذَكَرَ وَهُوَ رَاكِعٌ خَرَّ مِنْ رَكْعَتِهِ فَسَجَدَ، ثُمَّ اعْتَدَلَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى فَرَغَ مِنْ رَكْعَتِهِ أَلْغَى تِلْكَ الرَّكْعَةَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الِاعْتِبَارِ بِاخْتِلَافِ نِيَّتِهِ فِي الصَّلَاةِ. وَلِابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا نَقْلُ النِّيَّةِ سَهْوًا مِنْ فَرْضٍ آخَرَ، أَوْ لِنَفْلٍ سَهْوًا دُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 طُولٍ وَلَا رُكُوعٍ مُغْتَفَرٌ. (كَأَنْ لَمْ يَظُنَّهُ) الْجَلَّابُ (أَوْ عَزَبَتْ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: عُزُوبُ النِّيَّةِ مُغْتَفَرٌ (أَوْ لَمْ يَنْوِ الرَّكَعَاتِ) اللَّخْمِيِّ: أَجَازَ أَشْهَبُ دُخُولَهُ مَعَ إمَامٍ جَاهِلًا كَوْنَهُ فِي جُمُعَةٍ، أَوْ خَمِيسٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ نَوَى مَنْوِيَّ إمَامِهِ جَاهِلًا قَصْرَهُ، وَإِتْمَامَهُ أَجْزَأَهُ ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا فَقَوْلُ الْمَازِرِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ فِي لُزُومِ نِيَّةِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ قَوْلَانِ خِلَافُهُ. ابْنُ يُونُسَ: لَوْ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَهُوَ يُصَلِّي ظُهْرًا، أَوْ جُمُعَةً لَأَجْزَأَهُ مَا صَادَفَ مِنْ ذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُحْرِمَيْنِ. فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَ أَحْرَمْتُمَا؟ فَكِلَاهُمَا قَالَ: قُلْت: لَبَّيْكَ إهْلَالًا كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَوَّبَ فِعْلَهُمَا» . وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَظَنَّهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَصَلَّى الْإِمَامُ الظُّهْرَ أَرْبَعًا فَصَلَاتُهُ تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ ظُهْرٌ، وَإِنْ أَتَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَظَنَّهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَوَجَدَ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ فَدَخَلَ مَعَهُ يَنْوِي الظُّهْرَ فَصَلَّى الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ فَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا رَأْيٌ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِنِيَّةٍ ابْنُ يُونُسَ: تَحْصِيلُهَا أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الظَّنُّ عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَجْزَأَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَجْزِهِ وَسَيَأْتِي فِي صَلَاةِ السَّفَرِ فُرُوعٌ مِنْ نَحْوِ هَذَا (أَوْ الْأَدَاءَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إذَا عَيَّنَ الصَّلَاةَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَهَا يَقْتَضِي الْأَدَاءَ وَالْوُجُوبَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 وَالْقُرْبَةَ، وَالْأَكْمَلُ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ هَذَا كُلَّهُ. (وَنِيَّةُ اقْتِدَاءِ الْمَأْمُومِ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ مُطْلَقًا نِيَّةُ اتِّبَاعِهِ إمَامَهُ (وَجَازَ لَهُ دُخُولٌ عَلَى مَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ) هَذَا مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا: " أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 لَمْ يَنْوِ الرَّكَعَاتِ " وَلَمْ أَجِدْ مَا نَقَلَ بَهْرَامَ هُنَاكَ. (وَبَطَلَتْ بِسَبْقِهَا إنْ كَثُرَ، وَإِلَّا فَخِلَافٌ) . ابْنُ رُشْدٍ: الْأَصَحُّ أَنْ تَقَدُّمَ النِّيَّةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِيَسِيرٍ جَائِزٌ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي مَذْهَبِنَا وَالصِّيَامِ عِنْدَ الْجَمِيعِ خِلَافًا لِلرِّسَالَةِ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ؛ أَنَّ مِنْ شَرْطِهَا مُقَارَنَتَهَا لِلْإِحْرَامِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَجْمَعُوا عَلَى مُقَارَنَتِهَا لِلْإِحْرَامِ. أَبُو عُمَرَ: حَاصِلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ لَا يَضُرُّ عُزُوبُهَا بَعْدَ قَصْدِهِ الْمَسْجِدَ لَهَا مَا لَمْ يَصْرِفْهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ. (وَفَاتِحَةٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: فَرَائِضُ الصَّلَاةِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ (بِحَرَكَةِ لِسَانٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا تُجْزِئُ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يُحَرِّكَ بِهَا لِسَانَهُ. اُنْظُرْ هَلْ كَذَلِكَ وَلَوْ فِي غَيْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 الصَّلَاةِ، أَوْ فِيمَا عَدَا الْفَاتِحَةَ فِي النَّافِلَةِ. عَنْ مُجَاهِدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ خَتَمَ الْقُرْآنَ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَفِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ خَتْمَتَيْنِ فِي رَمَضَانَ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيِّ: نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا أَبِي الْعَبَّاسِ مِنْ أَسَاتِيذِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ خَتْمَةً قَالَ: وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا أَنْ يَكُونَ يَمُرُّ عَلَيْهِ بِقَلْبِهِ، وَأَمَّا بِلِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ إسْقَاطِ حُرُوفٍ فَهُوَ مُحَالٌ عَادَةً، وَنُقِلَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ وَقَعَ عَلَى أَنَّ لِلْجُنُبِ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ بِقَلْبِهِ وَلَا يُحَرِّكَ بِهِ لِسَانَهُ. (عَلَى إمَامٍ وَفَذٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَا تَلْزَمُ الْفَاتِحَةُ مَأْمُومًا خِلَافًا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي السِّرِّيَّةِ، وَلَا يَقْرَؤُهَا فِي جَهْرِيَّةٍ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِابْنِ نَافِعٍ (وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ لَهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ لَا بِحَرَكَةِ لِسَانٍ عَدَمٌ. ابْنُ الْقَاسِمِ: تَحْرِيكُ لِسَانِ الْمُسِرِّ فَقَطْ يُجْزِئُهُ وَلَوْ أَسْمَعَ أُذُنَيْهِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ. (وَقِيَامٌ لَهَا) ابْنُ يُونُسَ: الْقِيَامُ لِلْإِمَامِ وَالْفَذِّ قَدْرَ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ مِنْ الْفُرُوضِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا (فَيَجِبُ تَعَلُّمُهَا إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا ائْتَمَّ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنَا فَالْمُخْتَارُ سُقُوطُهُمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: يَلْزَمُ جَاهِلَهَا تَعَلُّمُهَا فَإِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 ضَاقَ الْوَقْتُ ائْتَمَّ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلِابْنِ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فَرْضُهُ ذِكْرُ اللَّهِ ابْنُ رُشْدٍ: يَلْزَمُهُ أَنْ يَقِفَ فِي الْأُولَى قَدْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَفِي غَيْرِهَا أَقَلَّ مُسَمًّى الْقِيَامِ اللَّخْمِيِّ: لَيْسَ يَبِينُ اسْتِحْبَابُ أَنْ يَقِفَ قَدْرَ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ لَمْ يَكُنْ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِيَقْرَأَ الْقُرْآنَ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ ذَلِكَ سَقَطَ الْقِيَامُ إذْ هُوَ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ، وَكَذَا الْقَوْلُ: إنَّ فَرْضَهُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ، وَإِنْ فَرَّطَ فِي التَّعْلِيمِ قَضَى مِنْ الصَّلَوَاتِ مَا صَلَّى فَذًّا بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ مَا يَتَعَلَّمُ فِيهِ. وَقَالَ عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ يَاسِينَ الْمُدَبِّرِ لِدَوْلَةِ الْمُرَابِطِينَ: إنَّهُ كَانَ مَوْصُوفًا بِعِلْمٍ وَخَيْرٍ آكَدَ مِنْ الشِّدَّةِ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إنَّهُ ضَرَبَ بِالسَّوْطِ ابْنُ عُمَرَ: وَهُوَ إذْ ذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لِحَقٍّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَالْكُلُّ لَهُ مُطِيعٌ، وَكَانَ أَخَذَ جَمِيعَهُمْ بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَعَاقَبَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ لِكُلِّ رَكْعَةٍ تَفُوتُهُ كَانُوا عِنْدَهُ إذْ ذَاكَ مِمَّنْ لَا تَصِحُّ لَهُ صَلَاتُهُ إلَّا مَأْمُومًا لِجَهْلِهِمْ بِالْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ (وَنُدِبَ فَصْلٌ بَيْنَ تَكْبِيرِهِ وَرُكُوعِهِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِيمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونٍ: فَرْضُهُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ فِي صَلَاتِهِ يُرِيدُ فِي مَوْضِعِ الْقِرَاءَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَيْسَ يَلْزَمُهُ مِنْ طَرِيقِ الْوُجُوبِ تَسْبِيحٌ وَلَا تَحْمِيدٌ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقِفَ وُقُوفًا مَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَرَكَعَ أَجْزَأَهُ (وَهَلْ تَجِبُ الْفَاتِحَةُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، أَوْ الْجُلِّ.؟ خِلَافٌ) عِيَاضٌ: الْمَشْهُورُ وُجُوبُ الْفَاتِحَةِ فِي جُلِّ الصَّلَاةِ. ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ إنْ تَرَكَهَا مِنْ رَكْعَةٍ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَأَعَادَ الصَّلَاةَ، قِيلَ: ثُنَائِيَّةً كَانَتْ، أَوْ غَيْرَ ثُنَائِيَّةٍ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ ثُلَاثِيَّةً، أَوْ رُبَاعِيَّةً. الْكَافِي: لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَقْرَأْهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَقَدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُومًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، فَمَنْ سَهَا عَنْ قِرَاءَتِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَلْغَاهَا، وَأَتَى بِرَكْعَةٍ بَدَلًا مِنْهَا كَمَنْ أَسْقَطَ سَجْدَةً سَوَاءً، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَقْوَالِ مَالِكٍ انْتَهَى مَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْفَظَهُ مِنْ خَمْسَةِ الْأَقْوَالِ الَّتِي فِي الْمَسْأَلَةِ (وَإِنْ تَرَكَ آيَةً مِنْهَا سَجَدَ) عَبْدُ الْحَقِّ: يُلَقَّنُ مُسْقِطُ آيَةٍ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَقِفْ. الْمَازِرِيُّ: قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 بَعْضُهُمْ: تَرْكُ آيَةٍ مِنْهَا كَتَرْكِهَا. وَقَالَ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْمَذْهَبِ: يَسْجُدُ قَبْلُ. (وَرُكُوعٌ تَقْرُبُ رَاحَتَاهُ فِيهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَنُدِبَ تَمْكِينُهَا مِنْهُمَا وَنَصْبُهُمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ الرُّكُوعُ. ابْنُ شَاسٍ: وَأَقَلُّهُ انْحِنَاؤُهُ بِحَيْثُ تُقَارِبُ رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ نَصْبُ رُكْبَتَيْهِ عَلَيْهِمَا يَدَاهُ. الْبَاجِيُّ: الْمُجْزِئُ مِنْهُ تَمْكِينُ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ شَعْبَانَ: مُفَرَّقَةً أَصَابِعُهُمَا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: أَيُفَرِّقُ أَصَابِعَهُ فِي رُكُوعِهِ وَيَضُمُّهَا فِي سُجُودِهِ.؟ . قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ نَجِدَ فِيهِ حَدًّا وَرَآهُ بِدْعَةً، وَسَمِعَ أَشْهَبُ: لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَلَا يَنْكُسُهُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 أَحْسَنُهُ اعْتِدَالُ ظَهْرِهِ. وَفِي الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا: وَيُجَافِي الرَّجُلُ بِضَبْعَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَكَذَا فِي السُّجُودِ (وَرَفْعٌ مِنْهُ) عِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ الرُّكُوعُ، وَالرَّفْعُ مِنْهُ مَطْلُوبٌ وَاعْتِدَالُهُ إثْرَ رَفْعِهِ مِنْهُ مَطْلُوبٌ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ خَرَّ مِنْ رَكْعَتِهِ سَاجِدًا لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا، وَأُحِبُّ تَمَادِيهِ مُعْتَدًّا بِهَا، وَيُعِيدُ صَلَاتَهُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ فَعَلَهُ سَهْوًا فَلْيَرْجِعْ مُنْحَنِيًا إلَى رَكْعَةٍ، وَلَا يَرْجِعُ قَائِمًا، فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ صَلَاتَهُ، وَإِنْ رَجَعَ مُحْدَوْدِبًا يُرِيدُ، ثُمَّ رَفَعَ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَأَجْزَأَتْهُ، وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا حَمَلَ عَنْهُ إمَامُهُ سُجُودَ السَّهْوِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِهِ فَلَمْ يَعْتَدِلْ قَائِمًا حَتَّى سَجَدَ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَهَذَا أَصَحُّ. الْقَبَّابُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي التَّلْقِينِ: مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ الرَّفْعُ مِنْ الرُّكُوعِ. وَاخْتُلِفَ فِي الِاعْتِدَالِ فِي الْقِيَامِ مِنْهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَجِبَ مِنْهُ مَا كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ، وَكَذَلِكَ فِي الْجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ انْتَهَى. اُنْظُرْ لَفْظَ الِاعْتِدَالِ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ، هَلْ هُوَ الَّذِي عَنَى بِهِ فِي التَّلْقِينِ؟ . وَانْظُرْ أَيْضًا قَوْلَ شَارِحِ التَّهْذِيبِ: الطُّمَأْنِينَةُ وَالِاعْتِدَالُ اسْمَانِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ. (وَسُجُودٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ السُّجُودُ وَهُوَ مَسُّ الْأَرْضِ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ سَطْحِ مَحَلِّ الْمُصَلَّى كَالسَّرِيرِ بِالْجَبْهَةِ انْتَهَى اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ: " سَطْحٌ " فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، اُنْظُرْهُ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " لَا حَصِيرٌ وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ " (عَلَى جَبْهَتِهِ، وَأَعَادَ لِتَرْكِ أَنْفِهِ بِوَقْتٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 قَالَ مَالِكٌ: وَالسُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ جَمِيعًا. ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ سَجَدَ عَلَى الْأَنْفِ دُونَ الْجَبْهَةِ أَعَادَ أَبَدًا، وَإِنْ سَجَدَ عَلَى الْجَبْهَةِ دُونَ الْأَنْفِ أَجْزَأَهُ. عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا (وَسُنَّ عَلَى أَطْرَافِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 قَدَمَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ) . ابْنُ الْقَصَّارِ: يَقْوَى فِي نَفْسِي أَنَّ السُّجُودَ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ سُنَّةٌ الرِّسَالَةُ: وَتَكُونُ رِجْلَاك فِي سُجُودِك قَائِمَتَيْنِ، بُطُونُ إبْهَامَيْهِمَا إلَى الْأَرْضِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ شَدَّ جَبْهَتِهِ بِالْأَرْضِ. (كَيَدَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَبْضُ السَّاجِدِ أَصَابِعَهُ عَلَى شَيْءٍ، أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ عَمْدًا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهُ سَنَدٌ: مَحْمَلُهُ أَنَّهُ مَسَّ الْأَرْضَ بِبَعْضِ كَفِّهِ وَلَوْ لَمْ يَمَسَّهَا إلَّا بِظَاهِرِ أَصَابِعِهِ لَمْ يَجْزِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: إيجَابُهُ الِاسْتِغْفَارَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ فَيَتَخَرَّجُ فِي تَرْكِهِ عَمْدًا إلَّا لِعُذْرٍ قَوْلَانِ ابْنُ شَاسٍ: لَا يَجِبُ كَشْفُ الْكَفَّيْنِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ، وَنَحْوَ هَذَا نَقَلَ الْقَبَّابُ عَنْ الْمَازِرِيِّ خِلَافَ مَا لِابْنِ رُشْدٍ. اُنْظُرْ رَسْمَ " شَكَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ "، وَانْظُرْ فِي ابْنِ بَطَّالٍ رَفْعُ الْأَيْدِي فِي الْبُرْنُسِ وَالْكِسَاءِ قَبْلَ بَابِ الْخُشُوعِ مِنْ الْبُخَارِيِّ (وَرَفْعٌ مِنْهُ) التَّلْقِينُ: الْفَصْلُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ سَحْنُونٍ: مَنْ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ مِنْ السُّجُودِ لَا يُجْزِئُهُ وَخَفَّفَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ. (وَجُلُوسٌ لِسَلَامٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ جُلُوسٌ قَدْرَ التَّسْلِيمِ (وَسَلَامٌ عُرِّفَ بِأَلْ) التَّلْقِينُ: الْوَاجِبُ مِنْ التَّسْلِيمِ مَرَّةً وَلَفْظُهُ مُتَعَيَّنٌ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ (وَفِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْخُرُوجِ بِهِ خِلَافٌ) ابْنُ رُشْدٍ: كَمَا لَا يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِتَكْبِيرَةٍ يَنْوِي بِهَا الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّحَرُّمَ بِهَا، فَكَذَلِكَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا بِتَسْلِيمَةٍ يَنْوِي بِهَا الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالتَّحَلُّلَ مِنْهَا، فَإِنْ سَلَّمَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نِيَّتِهِ؛ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِحْرَامَ لِكُلِّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ. وَإِنْ نَسِيَ السَّلَامَ الْأَوَّلَ وَسَلَّمَ الثَّانِيَ لَمْ يَجْزِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يَلْزَمُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ لِلْخُرُوجِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ خِلَافُ هَذَا. (وَأَجْزَأَ فِي تَسْلِيمَةِ الرَّدِّ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، وَعَلَيْك السَّلَامُ) الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ تَرْجِيحُ الرَّدِّ بِ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ " عَلَى " عَلَيْك السَّلَامُ ". (وَطُمَأْنِينَةٌ) أَبُو عُمَرَ: الِاعْتِدَالُ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ» وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الطُّمَأْنِينَةِ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ. وَقَالَ فِي كَافِيهِ: لَا يُجْزِئُ رُكُوعٌ وَلَا وُقُوفٌ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَلَا سُجُودٌ وَلَا جُلُوسٌ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَعْتَدِلَ رَاكِعًا وَاقِفًا وَسَاجِدًا وَجَالِسًا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْأَثَرِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: فَرَائِضُ الصَّلَاةِ الطُّمَأْنِينَةُ فِي أَرْكَانِهَا، وَمِنْ سُنَنِهَا الِاعْتِدَالُ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْأَرْكَانِ. (وَتَرْتِيبُ أَدَاءً) عِيَاضٌ: مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ التَّرْتِيبُ فِي أَدَائِهَا. الْقَبَّابُ: لَوْ عَكَسَ أَحَدٌ صَلَاتَهُ فَبَدَأَ بِالْجُلُوسِ قَبْلَ الْقِيَامِ، أَوْ بِالسُّجُودِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ تَجْزِهِ صَلَاتُهُ بِإِجْمَاعٍ (وَاعْتِدَالٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى نَفْيِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 الِاعْتِدَالُ إثْرَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ مَطْلُوبٌ، وَأَمَّا الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ، وَفِي الْأَرْكَانِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: الْأَحْسَنُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَالْجَلَّابُ: إنَّ الطُّمَأْنِينَةَ فَرْضٌ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ سَمَاعِ عِيسَى: سُنَّةٌ وَصَوَّبَهُ. انْتَهَى نَصُّ اللَّخْمِيُّ وَابْنِ عَرَفَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَسُجُودٌ " هَلْ كَلَامُهُمْ فِي الِاعْتِدَالِ عَلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَكَذَا كَلَامُهُمْ أَيْضًا فِي الطُّمَأْنِينَةِ فَانْظُرْهُ أَنْتَ فَإِنِّي لَمْ أُحَصِّلْهُ، ثُمَّ أَطْلَعَنِي بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى نَصِّ شَارِحِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ يُعَبَّرُ عَنْ الطُّمَأْنِينَةِ بِالِاعْتِدَالِ وَعَنْ الِاعْتِدَالِ بِالطُّمَأْنِينَةِ، وَنُقِلَ أَنَّهُمَا لِمُسَمًّى وَاحِدٍ، ثُمَّ اطَّلَعْت عَلَى قَوْلِ الْمَازِرِيِّ الَّذِي أَلْحَقْته بَعْدَ هَذَا. وَبِالْجُمْلَةِ مَنْ نَقَرَ صَلَاتَهُ نَقْرَ الدِّيكِ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَسْتَوِي قَائِمًا وَجَالِسًا عِنْدَ الرَّفْعِ وَالسُّجُودِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: أَقَلُّ مَا يُجْزِئُهُ مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ طُمَأْنِينَةٍ، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ مَا أَحَبَّ إذَا كَانَ فَذًّا. وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَوِي قَائِمًا وَلَا جَالِسًا فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ أَبِي عُمَرَ أَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ» . وَقَالَ فِي التَّلْقِينِ: يَجِبُ مِنْ الِاعْتِدَالِ مَا كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ قَالَ: وَكَذَلِكَ فِي الْجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. وَانْظُرْ نَصَّ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَمْ يَعْتَدِلْ قَائِمًا، أَوْ جَالِسًا حَتَّى سَجَدَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ، فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الطُّمَأْنِينَةَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: اسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَلَى أَنَّ الِاعْتِدَالَ سُنَّةٌ انْتَهَى اُنْظُرْ هَذَا كُلَّهُ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا» وَقَالَ مِثْلَهُ فِي السُّجُودِ فَعِنْدَنَا قَوْلَانِ فِي ذَلِكَ: نَفْيُ إيجَابِ الطُّمَأْنِينَةِ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وَلَمْ يَأْمُرْنَا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا يُسَمَّى رُكُوعًا وَسُجُودًا، وَالثَّانِي إيجَابُهَا تَعَلُّقًا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ عِيَاضٌ: وَقَوْلُهُ: «ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا» حُجَّةٌ فِي وُجُوبِ الِاعْتِدَالِ فِي الْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَةِ وَفِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَاجِبٌ، وَإِلَّا كَانَ سَجْدَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنَّ الِاعْتِدَالَ فِي الْجُلُوسِ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَفِي رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالِاعْتِدَالِ مِنْهُ، مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ عِنْدَنَا، وَهَلْ هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِذَاتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ، أَوْ لِلْفَصْلِ فَيَحْصُلَ الْفَصْلُ بِمَا حَصَلَ مِنْهُ وَتَمَامُهُ سُنَّةٌ؟ انْتَهَى. فَأَتَى الْمَازِرِيُّ بِقَوْلَيْنِ فِي الطُّمَأْنِينَةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَأَتَى عِيَاضٌ بِقَوْلَيْنِ فِي الِاعْتِدَالِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. التَّلْقِينُ: الِاعْتِدَالُ وَاجِبٌ. الْمَازِرِيُّ: الِاعْتِدَالُ هَاهُنَا الطُّمَأْنِينَةُ. (وَسُنَنُهَا سُورَةٌ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ) قَالَ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ: السُّورَةُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لِغَيْرِ الْمَأْمُومِ فِي أَوَّلِ الْفَرْضِ سُنَّةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: إذَا قَرَأَ مَعَ الْإِمَامِ فِي السِّرِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 سُورَةً فَإِنْ شَاءَ قَرَأَ أُخْرَى، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ، أَوْ دَعَا، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ. (وَقِيَامٌ لَهَا) اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ: الْعَاجِزُ عَنْ قِيَامِ السُّورَةِ يَرْكَعُ إثْرَ الْفَاتِحَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لِأَنَّ قِيَامَ السُّورَةِ لِقَارِئِهَا فَرْضٌ كَوُضُوءِ النَّفْلِ لَا سُنَّةٌ كَمَا أَطْلَقُوهُ، وَإِلَّا جَلَسَ وَقَرَأَهَا. (وَجَهْرٌ - أَقَلُّهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ - وَسِرٌّ بِمَحَلِّهِمَا) التَّلْقِينُ: الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 مَوْضِعِ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارُ بِهَا فِي مَوْضِعِ الْإِسْرَارِ سُنَّتَانِ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُسْمِعُ نَفْسَهُ فِي الْجَهْرِ وَفَوْقَهُ قَلِيلًا، وَالْمَرْأَةُ دُونَهُ فِيهِ وَتُسْمِعُ نَفْسَهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: فَجَهْرُ الْمَرْأَةِ مُسْتَحَبٌّ سِوَى الرَّجُلِ. السِّرُّ وَالْجَهْرُ صِفَةٌ لِلصَّوْتِ. الْجَوْهَرِيُّ: جَهَرَ بِالْقَوْلِ رَفَعَ بِهِ صَوْتَهُ وَأَسْرَرْته فِي أُذُنَيْهِ. (وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ إلَّا الْإِحْرَامَ) ابْنُ عَرَفَةَ: تَكْبِيرَةُ كُلِّ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ سُنَّةٌ، وَسَمِعَهُ عِيسَى وَسَمِعَ أَبُو زَيْدٍ: مَجْمُوعُ التَّكْبِيرِ سُنَّةٌ. . (وَسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 لِإِمَامٍ وَفَذٍّ وَكُلُّ تَشَهُّدٍ وَالْجُلُوسُ الْأَوَّلُ) ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِلْإِمَامِ وَالْفَذِّ وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَالْجُلُوسُ لَهُ وَالتَّشَهُّدُ الْآخِرُ (وَالزَّائِدُ عَلَى قَدْرِ السَّلَامِ مِنْ الثَّانِي) ابْنُ يُونُسَ: الْوَاجِبُ مِنْ الْجُلُوسِ قَدْرُ مَا يُسَلِّمُ فِيهِ، وَأَمَّا مَا يَقَعُ فِيهِ التَّشَهُّدُ فَمَسْنُونٌ. (وَعَلَى الطُّمَأْنِينَةِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي حُكْمِ الزَّائِدِ عَلَى أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الطُّمَأْنِينَةِ؛ فَقِيلَ: فَرْضٌ مُوَسَّعٌ، وَقِيلَ: نَافِلَةٌ وَهُوَ الْأَحْسَنُ. (وَرَدُّ مُقْتَدٍ عَلَى إمَامِهِ، ثُمَّ يَسَارِهِ وَبِهِ أَحَدٌ) ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ يُونُسَ: مِنْ السُّنَنِ رَدُّ السَّلَامِ عَلَى الْإِمَامِ. عِيَاضٌ: وَعَلَى مَنْ صَلَّى عَلَى يَسَارِهِ. الرِّسَالَةُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ لَمْ يَرُدَّ عَلَى يَسَارِهِ شَيْئًا. اللَّخْمِيِّ: وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَنْ يَسَارِهِ وَالْإِمَامُ لَمْ يَنْصَرِفْ رَدَّ عَلَيْهِمَا، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ لِمَالِكٍ. وَالْأَحْسَنُ الرَّدُّ لِأَنَّ السَّلَامَ يَتَضَمَّنُ دُعَاءً، انْتَهَى وَانْظُرْ أَيْضًا الَّذِي عَنْ يَمِينِ الْمَسْبُوقِ، هَلْ يَرُدُّ عَلَى هَذَا الَّذِي يَقْضِي؟ . قَالَ ابْنُ سَعْدُونٍ: لَيْسَ عَلَيْهِ. بَعْضُ الشُّيُوخِ: سَلَامُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ بِالتَّبَعِ، فَلِذَلِكَ كَانَ الرَّدُّ سُنَّةً بِخِلَافِ الرَّدِّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَالرَّدُّ آكَدُ، وَأَوْجَبُ، وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَقُولَ الْمُبْتَدِئُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَيَقُولُ الرَّادُّ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، وَيَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِلَفْظِ الرَّدِّ، وَالرَّدُّ بِلَفْظِ الِابْتِدَاءِ، وَالْمَارُّ بِغَيْرِهِ، وَالدَّاخِلُ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي يَبْدَأُ وَإِنْ كَانَ مَاشِيًا، وَاَلَّذِي يَمُرُّ بِهِ رَاكِبًا أَوْ صَغِيرًا. وَإِذَا سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْقَوْمِ، أَوْ رَدَّ أَجْزَأَ عَنْهُمْ. وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الشَّابَّةِ وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى الْمُتَجَالَّةِ، وَهَلْ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ كَرَدِّ السَّلَامِ، أَوْ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 قَوْلَانِ (وَجَهْرٌ بِتَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ فَقَطْ) رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: يَجْهَرُ الْمَأْمُومُ بِتَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ جَهْرًا يُسْمِعُ مَنْ يَلِيهِ. وَرَوَى عَلِيٌّ: وَيُخْفِي السَّلَامَ الثَّانِيَ. الْبَاجِيُّ: وَجْهُهُ أَنَّ السَّلَامَ الثَّانِيَ رَدٌّ فَلَا يَسْتَدْعِي بِالْجَهْرِ بِهِ رَدًّا، وَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي الرَّدَّ فَلِذَلِكَ جَهَرَ بِهِ، وَسَمِعَ ابْنُ وَهْبٍ: أُحِبُّ عَدَمَ جَهْرِ الْمَأْمُومِ بِالتَّكْبِيرِ " وَرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ "، فَإِنْ أَسْمَعَ مَنْ يَلِيهِ فَلَا بَأْسَ، وَتَرْكُ ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَحْذِفُ سَلَامَهُ وَتَكْبِيرَهُ حَتَّى لَا يُفْهَمَ، وَلَا يُطِيلُهُ جِدًّا. وَفِي الْوَاضِحَةِ: وَلْيَحْذِفْ الْإِمَامُ سَلَامَهُ وَلَا يَمُدَّهُ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَتِلْكَ السُّنَّةُ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَحْذِفُهُ وَيَخْفِضُ صَوْتَهُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: أَيُّ شَيْءٍ يَقُولُ مَالِكٌ فِيمَنْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَسَلَّمَ رَجُلٌ عَنْ يَسَارِهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ أَيُسْمِعُهُ؟ . قَالَ: يُسَلِّمُ سَلَامًا يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ وَلَا يَجْهَرُ ذَلِكَ الْجَهْرَ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْإِمَامِ إذَا سَهَا فَسَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ لِسَهْوِهِ، ثُمَّ سَلَّمَ قَالَ: سَلَامُهُ مِنْ بَعْدِ سُجُودِ السَّهْوِ كَسَلَامِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْجَهْرِ، وَمَنْ خَلْفَهُ يُسَلِّمُونَ بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ كَمَا يُسَلِّمُونَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْجَهْرِ (وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى يَسَارِهِ ثُمَّ تَكَلَّمَ لَمْ تَبْطُلْ) ابْنُ شَعْبَانَ: إنْ سَلَّمَ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 يَسَارِهِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا وَجْهَ لِفَسَادِ صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ التَّيَامُنَ اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ: إنْ نَسِيَ السَّلَامَ الْأَوَّلَ لَمْ يَجْزِهِ الثَّانِي. (وَسُتْرَةٌ لِإِمَامٍ وَفَذٍّ إنْ خَشِيَا مُرُورًا) ابْنُ عَرَفَةَ: سُتْرَةُ الْمُصَلِّي غَيْرَ مَأْمُومٍ حَيْثُ تَوَقَّعَ مَارًّا. قَالَ عِيَاضٌ: مُسْتَحَبَّةٌ. الْبَاجِيُّ: مَنْدُوبَةٌ. وَقِيلَ: سُنَّةٌ وَفِيهَا لَا يُصَلِّي حَيْثُ يَتَوَقَّعُ مُرُورًا إلَّا لَهَا، فَإِنَّ مَنْ صَلَّى دُونَهَا انْتَهَى وَانْظُرْ إنَّمَا هَذَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأَمَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَإِنَّهُ إذَا صَلَّى فِيهِ لِغَيْرِ سُتْرَةٍ فَمُرُورُ الطَّائِفِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الطَّائِفِينَ مُصَلُّونَ، فَلِذَلِكَ جَازَتْ الصَّلَاةُ إلَيْهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي يُصَلِّي مُعَايِنًا لِلْقِبْلَةِ يَسْتَقْبِلُ بِوَجْهِهِ وُجُوهَ بَعْضِ الْمُصَلِّينَ إلَيْهَا، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ وُجُوهَهُمْ جَازَ أَنْ يَمُرُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ اُنْظُرْ رَسْمَ " الْمُحْرِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ "، وَانْظُرْ إنْ كَانَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يَشْرَعَ فِي نَافِلَةِ إمَامٍ قَاضٍ لِصَلَاتِهِ، أَوْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْقَضَاءِ (بِطَاهِرٍ ثَابِتٍ غَيْرِ مُشْغِلٍ فِي غِلَظِ رُمْحٍ وَطُولِ ذِرَاعٍ) فِي الْحَدِيثِ: " يَسْتُرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 الْمُصَلِّي مِثْلَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ يَجْعَلُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ". وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: هُوَ نَحْوٌ مِنْ عَظْمِ الذِّرَاعِ يُرِيدُ فِي الِارْتِفَاعِ قَالَ: وَإِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ فِي جُلَّةِ الرُّمْحِ وَالْحَرْبَةِ يُرِيدُ فِي غِلَظِهِ. ابْنُ سَيِّدَهُ: الذِّرَاعُ مَا بَيْنَ طَرَفَيْ الْمَرْفِقِ إلَى طَرَفِ الْأُصْبُعِ الْوُسْطَى انْتَهَى. وَقَدْ تَذَكَّرُوا: الْعَنَزَةُ الَّتِي كَانَتْ تُرْكَزُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَقُّ مِنْ الرُّمْحِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَلَا بَأْسَ أَنْ تَكُونَ السُّتْرَةُ دُونَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ فِي الطُّولِ وَدُونَ الرُّمْحِ فِي الْغِلَظِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَمَا اسْتَلْزَمَهُ مِنْ طَاهِرٍ ثَابِتٍ غَيْرِ مُشَوِّشٍ مِثْلُهُ. رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ الْقَلَنْسُوَةُ وَالْوِسَادَةُ ذَوَاتَا ارْتِفَاعٍ سُتْرَةٌ، رَوَاهُ عَلِيٌّ بِقَيْدِ: " إنْ لَمْ يَجِدْ " (لَا دَابَّةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ اسْتَتَرَ بِالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ أَسَاءَ وَلَا إثْمَ عَلَى الْمَارِّ خَلْفَهَا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِالْبَعِيرِ - وَكَأَنَّهُ رَأَى الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ كَالْبَعِيرِ - لَا الْخَيْلِ لِنَجَاسَتِهَا، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ صَلَّى وَبَيْنَ يَدَيْهِ جِدَارُ مِرْحَاضٍ، أَوْ قَبْرٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ مَكَانُهُ طَاهِرًا. وَفِي الْإِحْيَاءِ: مَنْ خَلَعَ نَعْلَهُ عِنْدَ الصَّلَاةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَضَعَهُ مِنْ وَرَائِهِ فَيَكُونُ قَلْبُهُ مُلْتَفِتًا إلَيْهِ بَلْ يَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ (وَحَجَرٍ وَاحِدٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: تُكْرَهُ السُّتْرَةُ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ. ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَتْ السُّتْرَةُ شَيْئًا مُفْرَدًا كَحَجَرٍ أَوْ عُودٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ عَلَى الْيَمِينِ مُحَاذَرَةً مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْأَصْنَامِ. وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَلَّى لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا النَّحْوِ جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ يَسَارِهِ وَلَا يَصْمُدُ إلَيْهِ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا خَيْرَ فِي جَعْلِ مُصْحَفٍ فِي الْقِبْلَةِ يُصَلِّي إلَيْهِ، وَانْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ الدُّنُوَّ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 السُّتْرَةِ. وَنَصَّ عِيَاضٌ أَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ الْفَضَائِلِ. وَفِي الصَّحِيحِ: «كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْرُ مَمَرِّ الشَّاةِ» . الْقَبَّابُ: قَدْرُ الْمُبَاحِ مِنْ التَّأْخِيرِ هُوَ الَّذِي يُمَكِّنُ الْمُصَلِّيَ أَنْ يَدْرَأَ مَنْ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَنَالُهُ يَدُهُ، وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ حَدًّا (وَخَطٍّ) فِيهَا لِمَالِكٍ: الْخَطُّ بَاطِلٌ وَلَا أَعْرِفُهُ. أَبُو مُحَمَّدٍ: صُورَتُهُ عِنْدَ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ أَنْ يَخُطَّ خَطًّا مِنْ الْقِبْلَةِ إلَى الدَّبُورِ عِوَضًا مِنْ السُّتْرَةِ (وَأَجْنَبِيَّةٍ، وَفِي الْمَحْرَمِ قَوْلَانِ) الْجَلَّابُ: وَلَا يَسْتَتِرُ الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، وَلَا بَأْسَ بِالسُّتْرَةِ بِالصَّبِيِّ إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَحَرِّكٍ يَثْبُتُ فِي مَكَانِهِ وَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ. وَرَوَى عَلِيٌّ: لَا يَسْتَتِرُ بِنَائِمٍ وَلَا مُتَحَلِّقِينَ. اللَّخْمِيِّ: فَعَلَيْهِ يُمْنَعُ لِسُتْرَةٍ وَرَاءَهَا مُوَاجِهٌ. وَرَوَى الشَّيْخُ: لَا يَسْتَتِرُ بِالْوَادِي وَالْمَاءِ وَالنَّارِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى ظَهْرِ رَجُلٍ لَا جَنْبِهِ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ صَلَّى عَلَى مَوْضِعٍ مُشْرِفٍ فَإِنْ كَانَ يَغِيبُ عَنْهُ رُءُوسُ النَّاسِ، وَإِلَّا اسْتَتَرَ وَالسُّتْرَةُ أَحَبُّ إلَيَّ. مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْحَازَ الَّذِي يَقْضِي بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ إلَى مَا قَرُبَ مِنْهُ مِنْ الْأَسَاطِينِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، وَإِلَى خَلْفِهِ يُقَهْقِرُ قَلِيلًا لِيَسْتَتِرَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا، وَإِنْ بَعُدَ أَقَامَ وَدَرَأَ الْمَارَّ جُهْدَهُ، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَدْ دَرَأَ رَجُلٌ رَجُلًا فَكَسَرَ أَنْفَهُ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: لَوْ تَرَكْتَهُ كَانَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا. ابْنُ شَعْبَانَ: وَالدِّيَةُ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى الْعَاقِلَةِ. أَشْهَبُ: فَإِنْ بَعُدَ أَشَارَ إلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: تَلَقِّيهِمْ. قَوْلُ أَشْهَبَ: هَذَا بِالْقَبُولِ يَرُدُّ قَوْلَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْمُصَلِّي قَدْرَ رُكُوعِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 وَسُجُودِهِ. وَفِي الْمَجْمُوعَةِ: إذَا اسْتَتَرَ الْإِمَامُ بِرُمْحِهِ فَسَقَطَ فَلْيُقِمْهُ إنْ خَفَّ، وَإِنْ شَغَلَهُ عَنْ صَلَاتِهِ فَلْيَدَعْهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي لَا حَائِضٌ وَلَا حِمَارٌ وَلَا كَلْبٌ أَسْوَدُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ انْتَهَى وَانْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُرُورَ بَيْنَ الصُّفُوفِ وَالْإِمَامُ يُصَلِّي قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ سُتْرَةٌ لَهُمْ. وَانْظُرْ أَيْضًا: مِثْلُ الْمُرُورِ الْكَلَامُ وَالْمُنَاوَلَةُ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ عَنْ يَمِينِ الْمُصَلِّي رَجُلٌ وَعَنْ يَسَارِهِ رَجُلٌ، فَأَرَادَ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ أَنْ يُنَاوِلَ ثَوْبًا لِلَّذِي عَنْ يَسَاره بَيْنَ يَدَيْهِ لَمْ يَصْلُحْ لَهُ ذَلِكَ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُكَلِّمُهُ. (وَأَثِمَ مَارٌّ لَهُ مَنْدُوحَةٌ وَمُصَلٍّ تَعَرَّضَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ مَرَّ غَيْرَ مُضْطَرٍّ بَيْنَ يَدَيْ تَارِكِهَا حَيْثُ الْمُرُورُ أَثِمَا، وَعَكْسُهُمَا لَا يَأْثَمَانِ، وَبَيْنَ يَدَيْ تَارِكِهَا حَيْثُ أَمِنَ الْمُرُورَ أَثِمَ الْمَارُّ وَعَكْسُهُ الْمُصَلِّي. وَأَخَذَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ التَّأْثِيمِ وُجُوبَ السُّتْرَةِ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُرَدُّ بِأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى تَعْلِيقِ التَّأْثِيمِ بِالْمُرُورِ نَصٌّ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ وَالْإِلْزَامِ دُونَ مُرُورٍ. (وَإِنْصَاتُ مُقْتَدٍ) لَوْ قَالَ: " وَإِنْصَاتُ مُقْتَدٍ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ الْإِمَامُ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ " لَكَانَ أَبْيَنَ. عِيَاضٌ: مِنْ وَظَائِفِ الْمَأْمُومِ أَنْ لَا يَقْرَأَ وَرَاءَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ وَيَقْرَأَ سِرًّا فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ (وَلَوْ سَكَتَ إمَامُهُ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ تَقْرِيرِ ابْنِ عَرَفَةَ قَالَ: لَا يَقْرَؤُهَا - يَعْنِي الْفَاتِحَةَ - مَأْمُومٌ فِي جَهْرِيَّةٍ. الْبَاجِيُّ: رَوَى ابْنُ نَافِعٍ إنْ كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 إمَامُهُ يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ قَرَأَهَا حِينَئِذٍ (وَنُدِبَتْ إنْ أَسَرَّ) ابْنُ عَرَفَةَ: ثَالِثُ الْأَقْوَالِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ اسْتِحْبَابُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي السِّرِّيَّةِ (كَرَفْعِ يَدَيْهِ مَعَ إحْرَامِهِ حِينَ شُرُوعِهِ) مِنْ رَسْمِ " تَأْخِيرٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ " سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ فَقَالَ: مَا هُوَ بِالْأَمْرِ الْعَامِّ، كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ مِنْ الْعَمَلِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ عِنْدَ تَكَلُّمِهِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فِي الصَّلَاةِ فَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْيَدَيْنِ تُرْفَعُ فِي ذَلِكَ. وَوَقَعَ لَهُ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ إنْكَارُ الرَّفْعِ فِي ذَلِكَ وَلِهَذَا يَنْحُو قَوْلَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: اُخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّفْعِ فَرُوِيَ عَنْهُ: لَا رَفْعَ إلَّا فِي الِافْتِتَاحِ. وَهِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ. وَرُوِيَ عَنْهُ الرَّفْعُ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ وَعِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مَشْهُورَةٌ عَنْ مَالِكٍ عَمِلَ بِهَا كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَرُوِيَ عَنْهُ: لَا رَفْعَ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْهَا. ذَكَرَهَا ابْنُ شَعْبَانَ وَابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ وَابْنُ الْقَصَّارِ، وَتَأَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى تَضْعِيفِ الرَّفْعِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ يُونُسَ: رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَضِيلَةٌ، وَقِيلَ: سُنَّةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ يَرْفَعُهُمَا حَذْوَ صَدْرِهِ، وَهُوَ نَصُّ سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَانْظُرْهُ فِي ابْنِ بَطَّالٍ فِي بَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الْأَكْسِيَةِ والبرانيس وَأَشَارَ شَرِيكٌ إلَى صَدْرِهِ. الْمَازِرِيُّ: الْمَشْهُورُ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ قَائِمَتَانِ كَفَّاهُ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَأَصَابِعُهُ حَذْوَ أُذُنَيْهِ. سَحْنُونَ: مَبْسُوطَتَانِ بُطُونُهُمَا إلَى الْأَرْضِ. عِيَاضٌ: وَقِيلَ: إلَى السَّمَاءِ. ابْنُ أَبِي يَحْيَى: قِيلَ: مَعْنَى رَفْعِهِمَا نَفْضُهُمَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا. وَقِيلَ: عَلَامَةً لِلتَّذَلُّلِ وَالِاسْتِسْلَامِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 وَقِيلَ: إشَارَةً إلَى إظْهَارِ الْفَاقَةِ وَالسُّؤَالِ. وَعَلَى هَذَا فَيَجْمَعُ بَيْنَ الرَّغَبِ وَالرَّهَبِ يَرْفَعُهُمَا إلَى السَّمَاءِ، وَإِذَا أَرْسَلَهُمَا قَلَبَهُمَا. ذَكَرَهُ عِيَاضٌ. وَمِنْ الْإِكْمَالِ مَا نَصُّهُ: وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي كَوْنِ بُطُونِهِمَا إلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: هَذَا الرَّغَبُ فَيَكُونُ هَذَا وَهُمَا مُنْخَفِضَتَانِ، فَإِذَا أَخَذَ فِي التَّكْبِيرِ رَفَعَهُمَا، ثُمَّ أَرْسَلَهُمَا. وَرُوِيَ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ، وَإِلَى صَدْرِهِ. قِيلَ: إلَى الصَّدْرِ وَالْمَنْكِبَيْنِ أَيَّامَ الْبَرْدِ، وَأَيْدِيهِمْ تَحْتَ أَكْسِيَتِهِمْ. وَمُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ مُقَارَنَةُ الرَّفْعِ لِلتَّكْبِيرِ، أَوْ مُقَارَنَتُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي إرْسَالِ يَدَيْهِ وَوَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ الْمُدَوَّنَةُ: يُكْرَهُ وَضْعُ يُمْنَاهُ. عَلَى يُسْرَاهُ فِي الْفَرْضِ لَا النَّفْلِ لِطُولِ الْقِيَامِ. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ: يُمْسِكُ بِالْكَفِّ أَوْ بِالرُّسْغِ. عِيَاضٌ: اخْتَارَ شُيُوخُنَا قَبْضَ كَفِّ الْيُمْنَى عَلَى رُسْغِ الْيُسْرَى. ابْنُ حَبِيبٍ: لَيْسَ لِوَضْعِهَا مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ. الْقَاضِي: تَحْتَ صَدْرِهِ فَوْقَ سُرَّتِهِ. ابْنُ سَيِّدَهُ: الرُّسْغُ مَفْصِلُ مَا بَيْنَ الْكَفِّ وَالذِّرَاعِ. وَقِيلَ: مَفْصِلُ مَا بَيْنَ السَّاعِدِ وَالْكَفِّ وَالسَّاقِ وَالْقَدَمِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَرِهَ مَالِكٌ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ: إنَّهُ مَا سَمِعَ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ -: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَقَدْ سَمِعْنَا وَرَوَيْنَا مَحَاسِنَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ يُفْعَلُ فِي الْفَرِيضَةِ. وَفِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ: إنَّ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْأُخْرَى مُسْتَحَبٌّ فِي الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَأْمُرُونَ بِهِ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ. (وَتَطْوِيلُ قِرَاءَةٍ بِصُبْحٍ، وَالظُّهْرُ تَلِيهَا، وَتَقْصِيرُهَا بِمَغْرِبٍ وَعَصْرٍ، وَتَوَسُّطٌ بِعِشَاءٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَطْوَلُ الصَّلَوَاتِ قِرَاءَةُ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ. قَالَ غَيْرُهُ: وَيُخَفِّفُهَا فِي الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَيُوَسِّطُهَا فِي الْعِشَاءِ. قَالَ يَحْيَى: وَالصُّبْحُ أَطْوَلُ. أَشْهَبُ: الظُّهْرُ نَحْوُ الصُّبْحِ. الرِّسَالَةُ: يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ. قَالَ فِي النَّوَادِرِ: طِوَالُ الْمُفَصَّلِ إلَى " عَبَسَ ". قِيلَ: مِنْ " الَّذِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 كَفَرُوا "، وَقِيلَ: مِنْ " ص "، وَقِيلَ: مِنْ " الرَّحْمَنُ ". (وَثَانِيَةٍ عَنْ أُولَى) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: حَرَاسِ مِنْ أَنْ تَجْهَلُوا أَنَّ الرَّكْعَةَ الْأُولَى فِي الشَّرِيعَةِ أَطْوَلُ مِنْ الثَّانِيَةِ فَتُسَوُّوا بَيْنَهُمَا، وَإِنَّهُ لَأَشَرُّ مَا يَجْهَلُهُ النَّاسُ. وَفِي الْوَاضِحَةِ: إنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ. وَفِي الْمُخْتَصَرِ: لَا بَأْسَ بِطُولِ قِرَاءَةِ ثَانِيَةِ الْفَرْضِ عَنْ الْأُولَى. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمْ يَزَلْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِالشَّمْسِ. وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْبَلَدِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَعَمْرِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الثَّانِيَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 بِمَا بَعْدَ الَّتِي قَرَأَ فِي الْأُولَى، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ. (وَجُلُوسٍ أَوَّلٍ) ابْنُ رُشْدٍ: تَقْصِيرُ الْجَلْسَةِ الْأُولَى فَضِيلَةٌ. وَقِيلَ لِمَالِكٍ: أَيَدْعُو الْإِمَامُ بَعْدَ تَشَهُّدِهِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ بِمَا بَدَا لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. ابْنُ رُشْدٍ: لَكِنَّهُ لَا يَطُولُ وَلَا يُكْرَهُ الدُّعَاءُ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ: فِي الرُّكُوعِ، وَفِي الْجُلُوسِ قَبْلَ التَّشَهُّدِ، وَفِي الْقِيَامِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَأَمَّا دُعَاءُ التَّوَجُّهِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَقُولُهُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا أَحْسَنُ. (وَقَوْلُ مُقْتَدٍ وَفَذٍّ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ) ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ الْمَأْمُومِ: " رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ " فَضِيلَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: سُنَّةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: سُنَّةُ رَفْعِ الرُّكُوعِ لِلْفَذِّ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَفَضِيلَتُهُ " رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ ". وَإِثْبَاتُ الْوَاوِ فِي ذَلِكَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَفِي زِيَادَةِ " اللَّهُمَّ " طَرِيقَانِ. (وَتَسْبِيحٌ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا أَعْرِفُ قَوْلَ النَّاسِ فِي الرُّكُوعِ " سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ "، وَفِي السُّجُودِ " سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى "، وَأَنْكَرَهُ وَلَمْ يَحُدَّ فِيهِ حَدًّا وَلَا دُعَاءً مَخْصُوصًا. وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَفِيهَا قِيلَ: فَلَا تَرَاهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا أَنَّهُ يَرَى أَنَّ تَرْكَهُ أَحْسَنُ مِنْ فِعْلِهِ لِأَنَّهُ مِنْ السُّنَنِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ بِهَا الْعَمَلُ عِنْدَ الْجَمِيعِ ثُمَّ تَأْوِيلُ كَرَاهَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 مَالِكٍ. (وَتَأْمِينُ فَذٍّ مُطْلَقًا، وَإِمَامٍ بِسِرٍّ وَمَأْمُومٍ بِسِرٍّ) عِبَارَةُ الشَّامِلِ وَمَأْمُومٌ عَلَى قِرَاءَةِ نَفْسِهِ وَقِرَاءَةِ إمَامِهِ إنْ سَمِعَهُ الرِّسَالَةُ: فَإِذَا قُلْت: (وَلَا الضَّالِّينَ) فَقُلْ: آمِينَ إنْ كُنْت وَحْدَك، أَوْ خَلْفَ إمَامٍ وَتُخْفِيهَا وَيَقُولُهَا الْإِمَامُ فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ (أَوْ جَهْرٍ إنْ سَمِعَهُ عَلَى الْأَظْهَرِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: يُسْتَحَبُّ قَوْلُ الْمَأْمُومِ سِرًّا إثْرَ خَتْمِ فَاتِحَةِ إمَامِهِ " آمِينَ ". الشَّيْخُ: مَمْدُودًا مُخَفَّفًا. أَبُو عُمَرَ: قِيلَ: مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لَنَا فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ فَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: يَتَحَرَّى. وَرَوَى الشَّيْخُ: لَا يُؤَمِّنُ وَصَوَّبَهُ ابْنُ رُشْدٍ. الرِّسَالَةُ، وَفِي قَوْلِ الْإِمَامِ إيَّاهَا فِي الْجَهْرِ اخْتِلَافٌ. الْبَاجِيُّ: هُمَا رِوَايَتَانِ. (وَإِسْرَارُهُمْ بِهِ) التَّلْقِينُ: الِاخْتِيَارُ إخْفَاءُ التَّأْمِينِ. (وَقُنُوتٌ سِرًّا بِصُبْحٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 فَقَطْ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ) عِيَاضٌ: مِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ وَمُسْتَحَبَّاتِهَا الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَاسِعٌ الْقُنُوتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ وَاَلَّذِي آخُذُ بِهِ فِي نَفْسِي قَبْلَ الرُّكُوعِ (وَلَفْظُهُ وَهُوَ " اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك " إلَى آخِرِهِ) . فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ وَلَا وُقُوفٌ مُؤَقَّتٌ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك» إلَى آخِرِهِ زَادَ فِي التَّلْقِينِ: اللَّهُمَّ اهْدِنَا إلَى آخِرِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 (وَتَكْبِيرُهُ فِي الشُّرُوعِ إلَّا فِي قِيَامِهِ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَلِاسْتِقْلَالِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَيُكَبِّرُ فِي حَالِ انْحِطَاطِهِ لِرُكُوعٍ، أَوْ سُجُودٍ وَيَقُولُ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " فِي حَالِ رَفْعِ رَأْسِهِ، وَيُكَبِّرُ فِي حَالِ رَفْعِهِ مِنْ السُّجُودِ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الْجَلْسَةِ الْأُولَى فَلَا يُكَبِّرُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا. (وَالْجُلُوسُ كُلُّهُ بِإِفْضَاءِ الْيُسْرَى لِلْأَرْضِ وَالْيُمْنَى عَلَيْهَا، وَإِبْهَامُهَا لِلْأَرْضِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْجُلُوسُ مَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَفِي التَّشَهُّدَيْنِ سَوَاءٌ يُفْضِي بِأَلْيَتَيْهِ إلَى الْأَرْضِ أَبُو عُمَرَ: يُفْضِي بِوَرِكِهِ الْأَيْسَرِ إلَى الْأَرْضِ وَيَنْصِبُ قَدَمَهُ الْيُمْنَى عَلَى صَدْرِهَا وَيَجْعَلُ بَاطِنَ الْإِبْهَامِ عَلَى الْأَرْضِ لَا ظَاهِرَهُ. الْقَبَّابُ: وَأَمَّا الْوَرِكُ الْأَيْمَنُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُرْتَفِعًا عَنْ الْأَرْضِ. قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَلَا تَقْعُدُ عَلَى رِجْلِك الْيُسْرَى، وَإِنَّمَا يَجِيءُ قُعُودٌ عَلَى طَرَفِ الْوَرِكِ الْأَيْسَرِ. عِيَاضٌ: مَعْنَى نَصْبِ الْقَدَمِ رَفْعُ جَانِبِهَا عَنْ الْأَرْضِ، وَكُلُّ شَيْءٍ رَفَعْته فَقَدْ نَصَبْته. أَبُو عُمَرَ: وَيَجْعَلُ قَدَمَهُ الْيُسْرَى تَحْتَ سَاقِهِ الْيُمْنَى. الْبَاجِيُّ: يَنْصِبُ الْيُمْنَى وَيُثْنِي الْيُسْرَى وَيُخْرِجُهُمَا جَمِيعًا مِنْ جِهَةِ وَرِكِهِ الْأَيْمَنِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجْعَلُ بَاطِنَ إبْهَامِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ. ابْنُ أَبِي يَحْيَى: ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ جَمِيعُ بُطُونِ الْأَصَابِعِ، وَإِنَّمَا الْمُتَمَكَّنُ مُبَاشَرَةُ الْأَرْضِ بِالْإِبْهَامِ وَبَعْضِ الْأَصَابِعِ. الرِّسَالَةُ: وَإِنْ شِئْت - أَحَنَيْتَ الْيُمْنَى فِي انْتِصَابِهَا فَجَعَلْت جَنْبَ إبْهَامِهَا إلَى الْأَرْضِ فَوَاسِعٌ. (وَوَضْعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ بِرُكُوعِهِ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَرُكُوعٌ " أَنَّ هَذَا مُسْتَحَبٌّ. (وَوَضْعُهُمَا حَذْوَ أُذُنَيْهِ، أَوْ قُرْبَهُمَا بِسُجُودٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَتَوَجَّهُ بِيَدَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَحُدَّ أَيْنَ يَضَعُهُمَا. الرِّسَالَةُ: تَجْعَلُ يَدَيْك حَذْوَ أُذُنَيْك، أَوْ دُونَ ذَلِكَ. (وَمُجَافَاةُ رَجُلٍ فِيهِ بَطْنَهُ فَخِذَيْهِ وَمَرْفِقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ) . عِيَاضٌ: مِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ وَمُسْتَحَبَّاتهَا - أَنْ يُجَافِيَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 بِضَبْعَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَلَا يَضُمُّهُمَا وَلَا يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَرْفَعُ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ فِي سُجُودِهِ وَيُجَافِي ضَبْعَيْهِ تَفْرِيجًا مُقَارَبًا. وَاسْتَحَبَّ ابْنُ شَاسٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ. وَمِنْ الرِّسَالَةِ: وَتُجَافِي بِضَبْعَيْك عَنْ جَنْبَيْك، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَكُونُ مُنْضَمَّةً مُنْزَوِيَةً فِي سُجُودِهَا وَجُلُوسِهَا، وَأَمْرِهَا كُلِّهِ. (وَالرِّدَاءُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 ابْنُ رُشْدٍ وَعِيَاضٌ: اتِّخَاذُ الرِّدَاءِ عِنْدَ الصَّلَاةِ مُسْتَحَبٌّ. (وَسَدْلُ يَدَيْهِ وَهَلْ يَجُوزُ الْقَبْضُ فِي النَّفْلِ، أَوْ إنْ طَوَّلَ وَهَلْ كَرَاهِيَتُهُ فِي الْفَرْضِ لِلِاعْتِمَادِ، أَوْ خِيفَةِ اعْتِقَادِ وُجُوبِهِ، أَوْ إظْهَارِ خُشُوعٍ.؟ تَأْوِيلَاتٌ) تَقَدَّمَ عِنْدَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْأُخْرَى مَكْرُوهٌ فِي الْفَرْضِ لَا النَّفْلِ لِطُولِ الْقِيَامِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَيُكْرَهُ فِي النَّفْلِ دُونَ طُولٍ. ابْنُ شَاسٍ: حَمْلُ الْقَاضِي الْكَرَاهَةَ إنْ اعْتَمَدَ. الْبَاجِيُّ: قَدْ تُحْمَلُ كَرَاهَةُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَعْتَقِدَ الْجُهَّالُ رُكْنِيَّتَهُ. اللَّخْمِيِّ: وَقِيلَ: فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ خِيفَةَ أَنْ يُظْهِرَ بِجَوَارِحِهِ مِنْ الْخُشُوعِ مَا لَا يُضْمِرُهُ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ خُشُوعِ النِّفَاقِ. قِيلَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: أَنْ يُرَى الْجَسَدُ خَاشِعًا وَالْقَلْبُ غَيْرُ خَاشِعٍ. (وَتَقْدِيمُ يَدَيْهِ فِي سُجُودِهِ وَتَأْخِيرُهُمَا عِنْدَ الْقِيَامِ) مِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 مَالِكٌ: الِاعْتِمَادُ عَلَى يَدَيْهِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الْجُلُوسِ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا أَحَبُّ إلَيَّ وَهُوَ أَقْرَبُ لِلسَّكِينَةِ. وَرَوَى ابْنُ شَعْبَانَ اسْتِحْبَابَ وَضْعِ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَرَوَى الْمَبْسُوطُ الْعَكْسَ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: لَا تَحْدِيدَ، وَاسْتَحَبَّ اللَّخْمِيِّ تَأْخِيرَهُمَا عَنْ رُكْبَتَيْهِ فِي قِيَامِهِ. (وَعَقْدُهُ يُمْنَاهُ فِي تَشَهُّدِهِ الثَّلَاثَ مَادًّا السَّبَّابَةَ وَالْإِبْهَامَ) ابْنُ شَعْبَانَ: يَضَعُ يَدَيْهِ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ مَبْسُوطَتَيْنِ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَأَمَّا فِي جُلُوسِهِ لِلتَّشَهُّدَيْنِ فَيَبْسُطُ يَدَهُ الْيُسْرَى وَيَقْبِضُ الْيُمْنَى، وَصِفَةُ مَا يَفْعَلُ أَنْ يَقْبِضَ ثَلَاثَ أَصَابِعَ وَهِيَ الْوُسْطَى وَالْخِنْصَرُ وَمَا بَيْنَهُمَا وَيَبْسُطَ الْمُسَبِّحَةَ وَيَحْمِلَ جَانِبَهَا مِمَّا يَلِي السَّمَاءَ وَيَمُدَّ الْإِبْهَامَ عَلَى الْوُسْطَى وَهُوَ كَالْعَاقِدِ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ. ابْنُ الْحَاجِبِ: تِسْعَةً وَعِشْرِينَ. وَالْمَرْوِيُّ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ. ابْنُ بِنُدُودِ: الْوَاحِدُ ضَمُّ الْخِنْصَرِ لِأَقْرَبِ بَاطِنِ الْكَفِّ مِنْهُ، وَالِاثْنَانِ ضَمُّهُ مَعَ الْبِنْصِرِ كَذَلِكَ، وَالثَّلَاثَةُ ضَمُّهُمَا مَعَ الْوُسْطَى كَذَلِكَ، وَالسَّبْعَةُ ضَمُّ الْخِنْصَرِ فَقَطْ عَلَى لُحْمَةِ أَصْلِ الْإِبْهَامِ، وَالثَّمَانِيَةُ ضَمُّهَا كَذَلِكَ، وَالْبِنْصِرُ عَلَيْهَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 وَالتِّسْعَةُ ضَمُّهَا كَذَلِكَ وَالْوُسْطَى عَلَيْهَا، وَالْعِشْرُونَ مِنْ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ مَعًا، وَالْخَمْسُونَ مِنْ السَّبَّابَةِ وَعَطْفِ الْإِبْهَامِ كَأَنَّهَا رَاكِعَةٌ. انْتَهَى مَوْضِعُ الْحَاجَةِ مِنْهُ (وَتَحْرِيكُهَا دَائِمًا) . ابْنُ الْقَاسِمِ: يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ فِي التَّشَهُّدِ يُرِيدُ يُحَرِّكُهَا مُلِحًّا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إيَّاكُمْ وَالتَّحْرِيكَ فِي التَّشَهُّدِ وَلَا تَلْتَفِتُوا لِرِوَايَةِ الْعُتْبِيَّةِ فَإِنَّهَا بَلِيَّةٌ. (وَتَيَامُنٌ بِالسَّلَامِ) . ابْنُ يُونُسَ: التَّيَامُنُ بِالسَّلَامِ سُنَّةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: سَلَامُ غَيْرِ الْمَأْمُومِ قُبَالَتَهُ مُتَيَامِنًا قَلِيلًا. وَتَأْوِيلُ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمَأْمُومَ كَذَلِكَ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 وَقَالَهُ الْبَاجِيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ انْتَهَى اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ فَإِنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ. (وَدُعَاءٌ بِتَشَهُّدٍ ثَانٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ عَقِبَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ (وَهَلْ لَفْظُ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةٌ، أَوْ فَضِيلَةٌ.؟ خِلَافٌ) . مُحَمَّدٌ: تَشَهُّدُ الصَّلَاةِ سُنَّةٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: اسْتَحَبَّ مَالِكٌ " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ". مُحَمَّدٌ: التَّشَهُّدُ سُنَّةٌ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضٌ. ابْنُ مُحْرِزٍ: لَعَلَّهُ يُرِيدُ فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي الصَّلَاةِ. عِيَاضٌ: حُكِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوُجُوبُ وَالسُّنَّةُ وَالْفَضِيلَةُ. (وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 بَسْمَلَةَ فِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ يَعْرِفْ مَالِكٌ فِي التَّشَهُّدِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ". (وَجَازَتْ كَتَعَوُّذٍ بِنَفْلٍ وَكُرِهَا بِفَرْضٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُبَسْمِلُ فِي الْفَرِيضَةِ لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا، إمَامًا، أَوْ غَيْرَهُ. وَأَمَّا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 النَّافِلَةِ فَوَاسِعٌ إنْ شَاءَ قَرَأَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَلَا يَتَعَوَّذُ فِي الْمَكْتُوبَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَيَتَعَوَّذُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ إذَا قَرَأَ وَمَنْ قَرَأَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ تَعَوَّذَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ إنْ شَاءَ. وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّ الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ التَّعَوُّذَ يَكُونُ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَرَدَّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ هَذَا بِأَبْلَغِ رَدٍّ (كَدُعَاءٍ قَبْلَ قِرَاءَةٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: لَا يُكْرَهُ الدُّعَاءُ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ: قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ التَّشَهُّدِ وَفِي الرُّكُوعِ خَاصَّةً وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إنَّمَا يُكْرَهُ الدُّعَاءُ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (وَبَعْدَ الْفَاتِحَةِ) الْجُزُولِيُّ (وَأَثْنَاءَهَا) الطَّرَّازُ: لَا يَدْعُو فِي قِيَامِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 قَبْلَ قِرَاءَتِهِ وَلَا فِي الْفَاتِحَةِ (وَأَثْنَاءَ سُورَةٍ) بَهْرَامَ (وَرُكُوعٍ وَقَبْلَ تَشَهُّدٍ) هَذَا هُوَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ. (وَبَعْدَ سَلَامِ إمَامٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ نَسِيَ تَشَهُّدَهُ حَتَّى سَلَّمَ إمَامُهُ تَشَهَّدَ وَلَمْ يَدْعُ (وَتَشَهُّدٍ أَوَّلٍ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجُلُوسٍ أَوَّلٍ ". قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّ الدُّعَاءَ جَائِزٌ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِيهِ رِوَايَتَانِ (لَا بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ) الْكَافِي: لَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ يَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي» (وَدَعَا بِمَا أَحَبَّ - وَإِنْ لِدُنْيَا - وَسَمَّى مَنْ أَحَبَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لِلْمُصَلِّي أَنْ يَدْعُوَ فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ وَسُجُودِهِ بِجَمِيعِ حَوَائِجِهِ لِدُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ. وَبَلَغَنِي عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: إنِّي أَدْعُو اللَّهَ فِي حَوَائِجِي كُلِّهَا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى فِي الْمِلْحِ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ تَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الظَّالِمِ. الْكَافِي: وَلَوْ سَمَّى أَحَدًا يَدْعُو لَهُ، أَوْ يَدْعُو عَلَيْهِ لَمْ يَضُرَّ. (وَلَوْ قَالَ: يَا فُلَانُ فَعَلَ اللَّهُ بِك كَذَا لَمْ تَبْطُلْ) ابْنُ شَعْبَانَ: لَوْ قَالَ: يَا فُلَانُ فَعَلَ اللَّه بِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ كَلَامُ الشَّيْخِ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. (وَكُرِهَ سُجُودٌ عَلَى ثَوْبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُكْرَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الطَّنَافِسِ وَبُسُطِ الشَّعَرِ وَالْأَدَمِ وَثِيَابِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ، وَأَحْلَاسِ الدَّوَابِّ، وَلَا يَضَعُ كَفَّيْهِ عَلَيْهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَى ذَلِكَ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُومَ وَيَقْعُدَ عَلَى مَا كُرِهَ إذَا وَضَعَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ عَلَى الْأَرْضِ. مَالِكٌ: وَتُبْدِي الْمَرْأَةُ كَفَّيْهَا فِي السُّجُودِ حَتَّى تَضَعَهُمَا عَلَى مَا تَضَعُ جَبْهَتَهَا الْأَدَمُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ جَمْعُ أَدِيمٍ وَهُوَ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ،، وَأَحْلَاسٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ حِلْسٍ وَهُوَ مَا يَلِي ظُهُورَ الدَّوَابِّ (لَا حَصِيرٍ وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْخُمْرَةِ وَالْحَصِيرِ وَمَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَيَضَعُ كَفَّيْهِ عَلَيْهَا. ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَةُ الْأَرْضِ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ. اللَّخْمِيِّ: مِنْ غَيْرِ حَائِلِ حَصِيرٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَانَ يُؤْتَى بِالتُّرَابِ فَيُوضَعُ عَلَى الْخُمْرَةِ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَيَسْجُدُ عَلَيْهِ. عِيَاضٌ: وَالْخُمْرَةُ حَصِيرٌ صَغِيرٌ مِنْ جَرِيدٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 لِأَنَّهُ يُخَمِّرُ وَجْهَ الْمُصَلِّي أَيْ يُغَطِّيهِ. الطَّبَرِيُّ: وَهُوَ مُصَلًّى صَغِيرٌ يُنْسَجُ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ وَيُوصَلُ بِالْخُيُوطِ وَيُسْجَدُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا قَدْرَ طُولِ الرَّحْلِ، وَأَكْبَرَ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ حَصِيرٌ. «وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ أَنَسٍ عَلَى حَصِيرٍ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ» . اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ: وَيُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَى مَا عَظُمَ ثَمَنُهُ مِنْ حُصْرِ السَّامَانِ. وَانْظُرْ السُّجُودَ عَلَى مَا لَيْسَ ثَابِتًا مِنْ كَدْسٍ مِنْ ثِيَابٍ وَفُرُشٍ وَحَطَبٍ وَتِبْنٍ وَقَصَبٍ وَزَرْعٍ صَافٍ، أَوْ مَخْلُوطٍ بِقَصَبِهِ أَوْ تِبْنِهِ. قَالَ الزَّنَاتِيُّ: صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ. (وَرَفْعُ مُومِئٍ مَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْمَرِيضُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ فَلْيُومِئْ بِظَهْرِهِ وَرَأْسِهِ وَلَا يَرْفَعُ إلَى جَبْهَتِهِ، أَوْ يَنْصِبُ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُعِدْ. اللَّخْمِيِّ: هَذَا إنْ نَوَى حِينَ إيمَائِهِ إلَى الْأَرْضِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الْإِشَارَةَ إلَى الْوِسَادَةِ الَّتِي رُفِعَتْ لَهُ دُونَ الْأَرْضِ لَمْ يَجْزِهِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 مَالِكٍ: إنَّهُ يَحْسُرُ الْعِمَامَةَ عَنْ جَبْهَتِهِ حِينَ إيمَائِهِ. (وَسُجُودُهُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ صَلَّى وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرْفَعَ عَنْ بَعْضِ جَبْهَتِهِ حَتَّى يَمَسَّ الْأَرْضَ بَعْضُ جَبْهَتِهِ، فَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ كَرِهْته وَلَا يُعِيدُ. ابْنُ حَبِيبٍ: هَذَا إنْ كَانَ قَدْرَ الطَّاقَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيفًا أَعَادَ. التُّونُسِيُّ: قَوْلُ ابْنُ حَبِيبٍ تَفْسِيرٌ. (أَوْ طَرَفِ كُمٍّ) ابْنُ مَسْلَمَةَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ عَلَى ثَوْبِ جَسَدِهِ وَلَا عَلَى يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ. الْمَازِرِيُّ: كَشْفُهُمَا مُسْتَحَبٌّ. (وَنَقْلُ حَصْبَاءَ مِنْ ظِلٍّ لَهُ بِمَسْجِدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلُ الْحَصْبَاءَ وَالتُّرَابَ مِنْ مَوْضِعِ الظِّلِّ إلَى مَوْضِعِ الشَّمْسِ يَسْجُدُ عَلَيْهِ. قِيلَ: إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَسَاجِدِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ يَحْفِرُهَا وَيُؤْذِي الْمُصَلِّيَ وَالْمَاشِيَ فِيهَا، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (وَقِرَاءَةٌ بِرُكُوعٍ، أَوْ سُجُودٍ) فِي الصَّحِيحِ «نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا، أَوْ سَاجِدًا» عِيَاضٌ: إلَى النَّهْيِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ذَهَبَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَأَبَاحَ ذَلِكَ بَعْضُ السَّلَفِ (وَدُعَاءٌ خَاصٌّ) اُنْظُرْ هَذَا اللَّفْظَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَتَسْبِيحٌ بِرُكُوعٍ ". (أَوْ بِعَجَمِيَّةٍ لِقَادِرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ بِالْعَجَمِيَّةِ، أَوْ يَدْعُوَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ أَوْ يَحْلِفَ بِهَا. قَالَ: وَمَا يُدْرِيهِ أَنَّ الَّذِي حَلَفَ بِهِ هُوَ اللَّهُ. وَقَدْ نَهَى عُمَرُ عَنْ رَطَانَةِ الْأَعَاجِمِ وَقَالَ: إنَّهَا خَبٌّ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ سُؤَالَ مَالِكٍ عَنْ الْعَجَمِيِّ يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ بِلِسَانِهِ وَهُوَ لَا يُفْصِحُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَقَالَ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 وَكَأَنَّهُ يُخَفِّفُ. ابْنُ يُونُسَ: نَهَى عُمَرُ عَنْ رَطَانَةِ الْأَعَاجِمِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَسَاجِدِ. وَقِيلَ إنَّمَا ذَلِكَ بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَفْهَمُ لِأَنَّهُ مِنْ مَعْنَى تَنَاجِي اثْنَيْنِ دُونَ وَاحِدٍ. وَأَخَذَ اللَّخْمِيِّ مِنْ قَوْلِهَا: " وَمَا يُدْرِيهِ إلَى آخِرِهِ " الْجَوَازَ إنْ عَلِمَ كَوْنَهُ اسْمًا فِي تِلْكَ اللُّغَةِ. (وَالْتِفَاتٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَلْتَفِتُ الْمُصَلِّي فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَقْطَعْ ذَلِكَ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ بِجَمِيعِ جَسَدِهِ قَالَ الْحَسَنُ: إلَّا أَنْ يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ. (وَتَشْبِيكُ أَصَابِعَ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِتَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ بِالْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ صَلَاتِهِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ فِي الصَّلَاةِ (وَفَرْقَعَتُهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُصَلِّيَ، وَفِي فَمِهِ دِرْهَمٌ، أَوْ دِينَارٌ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ فَعَلَ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُصَلِّيَ وَكُمُّهُ مَحْشُوٌّ بِخُبْزٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَكَرِهَ أَنْ يُفَرْقِعَ أَصَابِعَهُ فِي الصَّلَاةِ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ كُلَّهُ لِاشْتِغَالِهِ عَنْ الصَّلَاةِ. (وَإِقْعَاءٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا وَهُوَ يَنْهَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 عَنْ الْإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَيَكْرَهُهُ وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ فِي الصَّلَاةِ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ مَالِكٍ هَذَا أَبْيَنُ مِنْ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ: إنَّ الْإِقْعَاءَ جُلُوسُ الرَّجُلِ عَلَى أَلْيَتَيْهِ نَاصِبًا فَخِذَيْهِ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ وَيَضَعُ يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ. وَقِيلَ: هُوَ الْجُلُوسُ عَلَى أَلْيَتَيْهِ، وَرِجْلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ.، ابْنُ زَرْقُونٍ: كَرِهَ مَالِكٌ الصِّفَتَيْنِ مَعًا. (وَتَخَصُّرٌ) عِيَاضٌ مِنْ مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ الِاخْتِصَارُ وَهُوَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ فِي الْقِيَامِ وَهُوَ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ (وَتَغْمِيضُ بَصَرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَيَضَعُ بَصَرَهُ فِي الصَّلَاةِ أَمَامَ قِبْلَتِهِ (وَرَفْعُهُ رِجْلًا) عِيَاضٌ: مِنْ مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ الصَّفَدُ وَهُوَ ضَمُّ الْقَدَمَيْنِ فِي قِيَامِهِ كَالْمُكَبَّلِ، وَالصَّفَدُ هُوَ رَفْعُ إحْدَاهُمَا كَمَا تَفْعَلُ الدَّابَّةُ عِنْدَ الْوُقُوفِ (أَوْ وَضْعُ قَدَمٍ عَلَى أُخْرَى) اللَّخْمِيِّ: وَلَا يَضَعُ رِجْلًا عَلَى رِجْلٍ فِي الصَّلَاةِ. (وَإِقْرَانُهُمَا) فِيهَا لِمَالِكٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُرَوِّحَ رِجْلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، وَعَابَ أَنْ يَقْرُنَهُمَا وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَيْهِمَا مَعًا وَلَا يَعْتَمِدَ عَلَى إحْدَاهُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ فَعَلَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا وَكَانَ مَتَى شَاءَ رَوَّحَ وَاحِدَةً قَامَ عَلَى الْأُخْرَى، فَهَذَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ أَنْ يَجْعَلَ حَظَّهُمَا مِنْ الْقِيَامِ سَوَاءً يَرَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ يَشْتَغِلُ بِذَلِكَ عَنْ الصَّلَاةِ. (وَتَفَكُّرٌ بِدُنْيَوِيٍّ) عِيَاضٌ: مِنْ مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ تَحَدُّثُ النَّفْسِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا، وَقَدْ بَسَطَ الْقَبَّابُ هَذَا بَسْطًا شَافِيًا فَانْظُرْهُ (وَحَمْلُ شَيْءٍ بِكُمٍّ، أَوْ فَمٍ) ، تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَفَرْقَعَتُهَا " (وَتَزْوِيقُ قِبْلَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: ذَكَرَ مَالِكٌ مَا عُمِلَ مِنْ التَّزْوِيقِ فِي قِبْلَةِ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: كَرِهَ ذَلِكَ النَّاسُ حِينَ عَمِلُوهُ لِأَنَّهُ يُشْغِلُ النَّاسَ، فِي صَلَاتِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا تَحْسِينُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَتَحْصِينُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِ مَا يُجَمَّرُ بِهِ الْمَسْجِدُ وَيُخَلَّقُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ تَجْمِيرِ الْمَسْجِدِ وَتَخْلِيقِهِ. عِيَاضٌ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 التَّجْمِيرُ تَبْخِيرُهُ بِالْبَخُورِ، وَتَخْلِيقُهُ جَعْلُ الْخَلُوقِ فِي حِيطَانِهِ وَهُوَ الطِّيبُ الْمَعْجُونُ بِالزَّعْفَرَانِ فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ. ثُمَّ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ: " أَحَبُّ إلَيَّ "، وَأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّدَقَةِ وَهَذَا نَحْوُ مَا لِابْنِ رُشْدٍ لَمَّا ذَكَرَ النُّصُوصَ بِكَرَاهِيَةِ الْوَصِيَّةِ لِلْكُفَّارِ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَذَرَهَا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهَا. قَالَ مَالِكٌ: لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْكَافِرِ الذِّمِّيِّ فِيهَا أَجْرٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالْكَرَاهَةُ إنَّمَا لِإِيثَارِ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا بِنَفْسِ الْوَصِيَّةِ لِلذِّمِّيِّ. (وَتَعَمُّدُ مُصْحَفٍ فِيهِ لِيُصَلِّيَ لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا جَعَلَ الْمُصْحَفَ فِي الْقِبْلَةِ لِيُصَلِّيَ لَهُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَوْضِعَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَأَكْرَهُ الصَّلَاةَ إلَى حَجَرٍ مُنْفَرِدٍ فِي الطَّرِيقِ تَشْبِيهًا بِالْأَنْصَابِ، وَأَمَّا أَحْجَارٌ كَثِيرَةٌ فَجَائِزٌ (وَعَبَثٌ بِلِحْيَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا) عِيَاضٌ: مِنْ مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ الْعَبَثُ بِأَصَابِعِهِ، أَوْ بِخَاتَمِهِ أَوْ بِلِحْيَتِهِ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُحَوِّلَ خَاتَمَهُ فِي أَصَابِعِهِ لِلرُّكُوعِ فِي سَهْوِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 نَحْوُ مَا لَهُ فِي الَّذِي يُحْصِي الْآيَ بِيَدِهِ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الشُّغْلُ الْيَسِيرُ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهًا لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ إصْلَاحَ صَلَاتِهِ. (كَبِنَاءِ مَسْجِدٍ غَيْرِ مُرَبَّعٍ، وَفِي كُرْهِ الصَّلَاةِ بِهِ قَوْلَانِ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 [فَصْلٌ قِيَامُ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ لِلْفَرْضِ] فَصْلٌ (يَجِبُ بِفَرْضٍ قِيَامٌ) ابْنُ عَرَفَةَ قِيَامُ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ لِلْفَرْضِ فَرْضٌ، بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَالْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِقَوْلِهَا لَا يُصَلَّيَانِ فِي الْحِجْرِ، قَالَ: وَالْقِيَامُ لِلسُّورَةِ لِقَارِئِهَا فَرْضٌ كَوُضُوءِ النَّافِلَةِ (إلَّا لِمَشَقَّةٍ أَوْ لِخَوْفِهِ بِهِ فِيهَا أَوْ قَبْلَ ضَرَرٍ كَالتَّيَمُّمِ كَخُرُوجِ رِيحٍ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ لَكِنْ بِلُحُوقِ مَشَقَّةٍ فَادِحَةٍ تَلْحَقُهُ بِحُكْمِ الْعَاجِزِينَ سَقَطَ عَنْهُ. اُنْظُرْ فِي الصِّيَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبِمَرَضٍ ". ابْنُ مَسْلَمَةَ: مَشَقَّةُ الْقِيَامِ عَجْزٌ. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَخَوْفُ عَوْدِهِ عِلَّةٌ، وَعَدَمُ تَمَلُّكِ خُرُوجِ الرِّيحِ بِالْقِيَامِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَوْجَزُ مَشَقَّةُ إبَاحَةِ التَّيَمُّمِ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ فِي خُرُوجِ الرِّيحِ اسْتَشْكَلَهُ سَنَدٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ سَلَسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَلَا يُتْرَكُ لِأَجْلِهِ رُكْنٌ. (ثُمَّ اسْتِنَادٌ) قَالَ مَالِكٌ: إنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا إنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 قَدَرَ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ عَنْهُ الْقِيَامُ وَجَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا صَارَ قِيَامُهُ نَافِلَةً فَجَازَ أَنْ يَعْتَمِدَ فِيهِ كَمَا يَعْتَمِدُ فِي النَّافِلَةِ، وَسَيَأْتِي فِي الصِّيَامِ مَنْ لَوْ تَكَلَّفَ الصَّلَاةَ قَائِمًا لَقَدَرَ إلَّا أَنَّهُ بِمَشَقَّةٍ وَتَعَبٍ فَلْيُصَلِّ جَالِسًا، وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ. (لَا لِجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَلَهُمَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْعَاجِزُ عَنْ الْقِيَامِ يَسْتَنِدُ فِيهَا إلَّا لِحَائِضٍ أَوْ جُنُبٍ. ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ. الشَّيْخُ: إنْ كَانَتْ ثِيَابُهُمْ طَاهِرَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا كُلَّهُ مَعَ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ: " قِيَامُهُ نَافِلَةٌ " وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: صَلَاتُهُ جَالِسًا مُمْسِكًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمُضْطَجِعِ وَلَا يَسْتَنِدُ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ. (ثُمَّ جُلُوسٌ كَذَلِكَ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ مُسْتَنِدًا جَلَسَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: جُلُوسُهُ مُمْسِكًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ اضْطِجَاعِهِ. ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ اضْطَجَعَ أَعَادَ. ابْنُ بَشِيرٍ: أَبَدًا. (وَتَرَبَّعَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُصَلِّي مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ مُتَرَبِّعًا. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَجْلِسَ فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ كَجُلُوسِهِ فِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ. وَاسْتَحْسَنَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّوَاضُعِ. وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَى الَّذِي رَآهُ تَرَبَّعَ فَقَالَ لَهُ: إنَّك تَفْعَلُ ذَلِكَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إنِّي أَشْتَكِي. . ابْنُ بَشِيرٍ: فَعُوِّلَ فِي الْمَشْهُورِ عَلَى فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنُ عُمَرَ إنَّمَا تَرَبَّعَ مِنْ عِلَّةٍ. الْبَاجِيُّ: التَّرَبُّعُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ فَيَضَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى تَحْتَ رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى. قَالَ الْجُزُولِيُّ: كَجُلُوسِ الْمُرْضِعِ. الْبَاجِيُّ: الضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَتَرَبَّعَ وَيُثْنِيَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى عِنْدَ أَلْيَتِهِ الْيُمْنَى، وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الَّتِي عَابَ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ. (كَالْمُتَنَفِّلِ) ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ فِيمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ، وَفِي الْمُتَنَفِّلِ جَالِسًا أَنْ يَتَرَبَّعَ فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ. (وَغَيَّرَ جِلْسَتَهُ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْمُصَلِّي جَالِسًا إذَا تَشَهَّدَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ أَوْ نَوَى بِهِ الْقِيَامَ لِلثَّالِثَةِ يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ يَرْجِعَ مُتَرَبِّعًا إنْ قَدَرَ. قَالَ مَالِكٌ: وَجُلُوسُهُ فِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ كَجُلُوسِ الْقَائِمِ. ابْنُ يُونُسَ: وَيَرْكَعُ مُتَرَبِّعًا وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ. (وَلَوْ سَقَطَ قَادِرٌ بِزَوَالِ عِمَادٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 بَطَلَتْ، وَإِلَّا كُرِهَ) اللَّخْمِيِّ: لَا يَتَّكِئُ الْمُصَلِّي عَلَى حَائِطٍ فَإِنْ فَعَلَ وَكَانَ الِاتِّكَاءُ خَفِيفًا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَوْ زَالَ الْحَائِطُ لَسَقَطَ الْمُصَلِّي لَكَانَ كَمَنْ تَرَكَ الْقِيَامَ فَإِنْ كَانَ عَامِدًا غَيْرَ جَاهِلٍ أَبْطَلَ صَلَاتَهُ إنْ كَانَ فِي فَرْضٍ، فَإِنْ كَانَ سَهْوًا أَعَادَ تِلْكَ الرَّكْعَةَ (ثُمَّ نُدِبَ عَلَى أَيْمَنَ، ثُمَّ أَيْسَرَ ثُمَّ ظَهْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّرَبُّعِ فَعَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ مِنْ الْجُلُوسِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَى جَنْبِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَى ظَهْرِهِ وَيُومِئُ بِرَأْسِهِ. فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيَجْعَلُ رِجْلَيْهِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ إذَا صَلَّى عَلَى ظَهْرٍ. ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ فَعَلَ خِلَافَ مَا يُؤْمَرُ بِهِ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْجُلُوسِ وَصَلَّى عَلَى جَنْبِهِ. (وَأَوْمَأَ عَاجِزٌ إلَّا عَنْ الْقِيَامِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى الْقِيَامِ كَانَتْ صَلَاتُهُ كُلُّهَا قَائِمًا وَيُومِئُ بِالسُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ (وَمَعَ الْجُلُوسِ أَوْمَأَ إلَى السُّجُودِ مِنْهُ) ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ مَعًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ قَامَ وَأَوْمَأَ لِرُكُوعِهِ وَمَدَّ يَدَيْهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ فِي إيمَائِهِ وَيَجْلِسُ وَيَسْجُدُ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا أَوْمَأَ بِالسُّجُودِ جَالِسًا (وَهَلْ يَجِبُ فِيهِ الْوُسْعُ وَيُجْزِئُ إنْ سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ؟ تَأْوِيلَانِ) . اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا صَلَّى قَائِمًا يَجْعَلُ إيمَاءَهُ لِلسُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْ إيمَائِهِ لِلرُّكُوعِ. فَهَذَا يُبَيِّنُ لَك أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِغَايَةِ قُدْرَتِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ بِجَبْهَتِهِ قُرُوحٌ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَضَعَهَا عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يَضَعَ أَنْفَهُ فَلْيُومِئْ وَلَا يَسْجُدْ عَلَى أَنْفِهِ. قَالَ أَشْهَبُ: وَإِنْ سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ أَجْزَأَهُ. ابْنُ يُونُسَ: قِيلَ قَوْلُ أَشْهَبَ خِلَافٌ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحْسَنُ لِأَنَّ فَرْضَ هَذَا الْإِيمَاءُ فَهُوَ كَمَنْ سَجَدَ لِرَكْعَتِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ. قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ شُيُوخِنَا: قَوْلُ أَشْهَبَ وِفَاقٌ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يُنْتَهَى إلَيْهِ، وَهُوَ لَوْ أَوْمَأَ حَتَّى قَارَبَ الْأَرْضَ بِأَنْفِهِ لَأَجْزَأَهُ بِاتِّفَاقٍ، فَلَيْسَ زِيَادَتُهُ بِالسُّجُودِ عَلَى أَنْفِهِ بِاَلَّذِي يُبْطِلُ إيمَاءَهُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْإِيمَاءَ إنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ لِلضَّرُورَةِ فَلَوْ أَرَادَ تَحَمُّلَ الضَّرُورَةِ وَسَجَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ لَأَجْزَأَهُ كَجُنُبٍ أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ لِبَرْدٍ وَغَيْرِهِ فَتَرَكَهُ وَاغْتَسَلَ فَقَوْلُهُمْ: " إنَّهُ وِفَاقٌ " أَوْلَى. (وَهَلْ يُومِئُ بِيَدَيْهِ أَوْ يَضَعُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَحَسْرِ عِمَامَتِهِ بِسُجُودٍ؟ تَأْوِيلَانِ) . اللَّخْمِيِّ: إذَا أَوْمَأَ لِلسُّجُودِ مِنْ الْجُلُوسِ جَعَلَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، فَإِذَا رَفَعَ جَعَلَهُمَا عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 رُكْبَتَيْهِ عِيَاضٌ: هَذَا هُوَ الْآتِي عَلَى قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ يَضَعُ الْمُومِئُ لِلرُّكُوعِ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَعَلَى إبْطَالِ صَلَاةِ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ بَيْنَ، سَجْدَتَيْهِ، وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْجَالِسِ يُومِئُ بِظَهْرِهِ وَرَأْسِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْيَدَيْنِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَضْعُ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَهَذَا هُوَ الْآتِي أَيْضًا عَلَى إبْطَالِ سُجُودِ مَنْ بِجَبْهَتِهِ قُرُوحٌ عَلَى أَنْفِهِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَرَفَعَ مُومِئٌ " (وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْكُلِّ، وَإِنْ سَجَدَ لَا يَنْهَضُ أَتَمَّ رَكْعَةً، ثُمَّ جَلَسَ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فَإِنْ رَكَعَ وَسَجَدَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّهُوضِ إلَى الْقِيَامِ فِي بَاقِي الرَّكَعَاتِ، وَإِنْ أَوْمَأَ اسْتَمَرَّ عَلَى الْقِيَامِ فَقِيلَ: يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقِيَامُ فِي بَاقِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَرْضٌ وَلَهُ حَقُّ السَّبْقِ فِي الْحَالِ. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا لِلَّخْمِيِّ وَالتُّونُسِيِّ. وَقِيلَ يُكْمِلُ صَلَاتَهُ إيمَاءً وَلَمْ يَعْزُ اللَّخْمِيِّ هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ. (وَإِنْ خَفَّ مَعْذُورٌ انْتَقَلَ لِلْأَعْلَى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ مِنْ عُذْرٍ جَالِسًا، ثُمَّ صَحَّ أَتَمَّ قَائِمًا، وَلَوْ افْتَتَحَهَا قَائِمًا، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ مَرَضٌ أَتَمَّ جَالِسًا وَأَجْزَأَهُ. (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ فَاتِحَةٍ قَائِمًا جَلَسَ) . اللَّخْمِيِّ وَابْنُ رُشْدٍ: الْعَاجِزُ عَنْ قِيَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 السُّورَةِ يَرْكَعُ إثْرَ الْفَاتِحَةِ. ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ لِكَمَالِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَمُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْجُلُوسِ. (وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى نِيَّةٍ، أَوْ مَعَ إيمَاءٍ بِطَرْفٍ فَقَالَ وَغَيْرُهُ: لَا نَصَّ، وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ) ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ أَعْجَزَهُ قِرَاءَةُ لِسَانِهِ أَجْزَأَتْهُ بِقَلْبِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ عَجَزَ عَنْ حَرَكَاتِ لِسَانِهِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ دُونَ أَنْ يُحَرِّكَ لِسَانَهُ. ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ عَجَزَ عَنْ جَمِيعِ الْحَرَكَاتِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ سِوَى النِّيَّةِ بِالْقَلْبِ فَلَا نَصَّ فِيهَا فِي الْمَذْهَبِ، وَالِاحْتِيَاطُ فِيهَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَصْدَ إلَى الصَّلَاةِ بِقَلْبِهِ لِأَنَّ رُوحَ الصَّلَاةِ الْقَصْدُ وَمَقْصُودَهَا حَالَةٌ تَحْصُلُ لِلْقَلْبِ. وَنَحْوُ هَذَا لِلْمَازِرِيِّ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ الْمَازِرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ قُصُورٌ لِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ. رَوَى مَعْنٌ تَسْقُطُ الصَّلَاةُ عَنْ الْمَكْتُوفِ الْعَاجِزِ عَنْ الْإِيمَاءِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَحْتَ الْهَدْمِ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ يَقْضِي انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا فَوُضُوءُهُ عِنْدَ الْغَيْرِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 وَلَا مُتَيَمِّمًا فَانْظُرْ إنْ كَانَ مُتَوَضِّئًا هَلْ يَكُونُ كَذَلِكَ؟ (وَجَازَ قِدْحُ عَيْنٍ أَدَّى لِجُلُوسٍ لَا اسْتِلْقَاءٍ فَيُعِيدُ أَبَدًا وَصُحِّحَ عُذْرُهُ أَيْضًا) ابْنُ الْحَاجِّ: مَنْ قَدَحَ مَاءً بِعَيْنَيْهِ لِصُدَاعٍ جَازَ وَلِلرِّئْيَةِ خِلَافٌ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ: إنْ جَلَسَ قَادِحُ مَاءِ عَيْنَيْهِ جَازَ فَإِنْ اسْتَلْقَى فَفِيهَا يُعِيدُ أَبَدًا. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَنْزِعَ الْمَاءَ مِنْ عَيْنَيْهِ، فَيُؤْمَرُ بِالِاضْطِجَاعِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيُصَلِّي عَلَى ذَلِكَ الْيَوْمَيْنِ وَنَحْوَهُمَا. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَعَادَ أَبَدًا. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَهُ أَنْ يَقْدَحَ عَيْنَيْهِ وَيُصَلِّيَ مُسْتَلْقِيًا. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ التَّسْهِيلَ فِي ذَلِكَ، قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَجُوزَ لَك ذَلِكَ لِأَنَّ التَّدَاوِيَ جَائِزٌ، فَإِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَدَاوَى جَازَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ الْقِيَامِ إلَى الِاضْطِجَاعِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَدَاوَى بِالْفَصْدِ وَيَنْتَقِلَ مِنْ غُسْلٍ إلَى مَسْحِ مَوْضِعِ الْعِرْقِ وَمَا يَلِيهِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْ رَبْطِهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: كَرِهَ مَالِكٌ لِمَنْ يَقْدَحُ عَيْنَيْهِ فَيُقِيمُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ أَقَلَّ عَلَى ظَهْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا، وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا وَيُومِئُ فِي الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (وَلِلْمَرِيضِ سَتْرُ نَجِسٍ بِطَاهِرٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 لِيُصَلِّيَ كَالصَّحِيحِ عَلَى الْأَرْجَحِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَرِيضُ عَلَى فِرَاشٍ نَجِسٍ إذَا بَسَطَ عَلَيْهِ ثَوْبًا طَاهِرًا كَثِيفًا. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: إنَّمَا رُخِّصَ فِي هَذَا لِلْمَرِيضِ خَاصَّةً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ لِلصَّحِيحِ لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّجَاسَةِ حَائِلًا طَاهِرًا كَالْحَصِيرِ إذَا كَانَ بِمَوْضِعِهِ نَجَاسَةٌ وَالسَّقْفِ إذَا صَلَّى بِمَوْضِعٍ طَاهِرٍ وَتَحَرَّكَ مِنْهُ مَوْضِعُ النَّجِسِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ لِأَنَّ مَا صَلَّى عَلَيْهِ طَاهِرٌ فَكَذَلِكَ هَذَا. ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ الصَّوَابُ. ابْنُ أَبِي يَحْيَى. (وَلِمُتَنَفِّلٍ جُلُوسٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: لِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ الْجُلُوسُ فِي النَّفْلِ (وَلَوْ فِي أَثْنَائِهَا) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ قِرَاءَةً طَوِيلَةً وَنَوَاهَا فِي نَفْسِهِ فَأَدْرَكَهُ كَسَلٌ وَمَلَالَةٌ فَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ وَرَكَعَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 ابْنُ رُشْدٍ: لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ إتْمَامَ السُّورَةِ الَّتِي نَوَى إذَا لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ. وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ فِيمَنْ افْتَتَحَ نَافِلَةً قَائِمًا عَلَى أَنْ يُتِمَّهَا قَائِمًا لَهُ أَنْ يُتِمَّهَا جَالِسًا، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ. ابْنُ يُونُسَ: حُكِيَ لَنَا عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ إذَا افْتَتَحَ النَّافِلَةَ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَهَا قَائِمًا وَلَا يَجْلِسَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ بِالنِّيَّةِ وَالدُّخُولِ فِيهِ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ وَصَوْمِ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَتَجَزَّأُ فَيَلْزَمُهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ، وَالْقِرَاءَةُ تَتَجَزَّأُ وَلَهُ إذَا افْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِسُورَةٍ طَوِيلَةٍ أَنْ لَا يُتِمَّهَا فَفَارَقَ صَوْمَ الْيَوْمِ وَالِاعْتِكَافَ. (إنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْإِتْمَامِ) مَا تَقَدَّمَ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى وَهُوَ بَيِّنٌ. وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُتِمَّ النَّافِلَةَ جَالِسًا إذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي النَّافِلَةِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا كَانَ مَسْبُوقًا فِي الْإِشْفَاعِ فِي رَمَضَانَ. (لَا اضْطِجَاعٌ) ثَالِثُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ: لَهُ الِاضْطِجَاعُ فِي النَّفْلِ. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي فُرُوقِهِ. قَالَ مَالِكٌ: لَا يَتَنَفَّلُ أَحَدٌ مُضْطَجِعًا وَيَتَنَفَّلُ قَائِمًا، وَفِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ وُجِدَ النَّفَلُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَامِ. ثُمَّ بَيَّنَ الْفَرْقَ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِلْمُصَلِّي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 فِي الْمَحْمَلِ مَدُّ رِجْلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَدْ جَاءَ لِلْقَادِرِ أَنْ يُصَلِّيَ النَّافِلَةَ مُضْطَجِعًا فَكَذَا هَذَا. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلِلْمُتَنَفِّلِ جَالِسًا مَدُّ رِجْلَيْهِ إنْ عَيِيَ وَكَرِهَ مَالِكٌ إيمَاءَهُ بِالسُّجُودِ. [فَصَلِّ فِي قَضَاء الصَّلَاة الْفَائِتَة] فَصْلٌ وَجَبَ قَضَاءُ فَائِتَةٍ ابْنُ عَرَفَةَ: قَضَاءُ الْفَوَائِتِ وَاجِبٌ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِقِيَامِ رَمَضَانَ وَيَتْرُكَ قَضَاءَ فَوَائِتِهِ، فَإِنْ فَعَلَ لَحِقَهُ الْحَرَجُ مِنْ نَاحِيَةِ تَأْخِيرِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا لَا مِنْ نَاحِيَةِ قِيَامِهِ لِأَنَّهُ مَأْجُورٌ عَلَى قِيَامِهِ وَيُصَلِّي وِتْرَ يَوْمِهِ وَشَفْعًا قَبْلَهُ وَفَجْرَ يَوْمِهِ أَيْضًا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُصَلِّي فَوَائِتَهُ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ. ابْنُ أَبِي يَحْيَى قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ: أَقَلُّ مَا لَا يُسَمَّى بِهِ مُفَرِّطًا أَنْ يَقْضِيَ يَوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: تَوْبَةُ مَنْ فَرَّطَ فِي صَلَاتِهِ أَنْ يَقْضِيَهَا وَلَا يَجْعَلَ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ وَلَا يَقْطَعَ النَّوَافِلَ لِأَجْلِهَا وَإِنَّمَا يَشْتَغِلُ بِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا وَيُقَدِّمُهَا عَلَى فُضُولِ مَعَاشِهِ وَأَخْبَارِ دُنْيَاهُ وَلَا يُقَدِّمُ عَلَيْهَا شَيْئًا إلَّا ضَرُورَةَ الْمَعَاشِ، وَلَا يَشْتَغِلُ بِأُمُورِهِ الزَّائِدَةِ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى إذَا جَاءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى الْقَضَاءِ لِلْفَوَائِتِ وَتَرَكَ النَّوَافِلَ فَهَذَا مَأْثُومٌ. (مُطْلَقًا) الْمَازِرِيُّ قَالَ سَحْنُونَ: يَقْضِي الْحَرْبِيُّ يُسْلِمُ مَا تَرَكَهُ بِبَلَدِ الْحَرْبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. ابْنُ رُشْدٍ: تَقْضِي الْمُسْتَحَاضَةُ مَا تَرَكَتْهُ مُدَّةَ اسْتِحَاضَتِهَا خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ وَظَاهِرِ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ. عِيَاضٌ: رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ قَوْلَةٌ شَاذَّةٌ سُقُوطُ قَضَاءِ تَارِكِهَا عَمْدًا وَلَا تَصِحُّ عَنْهُ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ. (وَمَعَ ذِكْرٍ: تَرْتِيبُ حَاضِرَتَيْنِ شَرْطًا) ابْنُ عَرَفَةَ: تَرْتِيبُ مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُهُ كَنَهَارِيَّتَيْ يَوْمِهِ وَاجِبٌ، قِيلَ: فَعَلَهُمَا، فَإِنْ نَكَسَ نَاسِيًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَلَا إعَادَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَسَوَاءٌ كَانَ تَرَكَ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ عَمْدًا، أَوْ جَهْلًا فِي الْوَقْتِ عَمْدًا، أَوْ جَهْلًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 بِالْحُكْمِ، أَوْ بِبَقَاءِ الْوَقْتِ أَوْ نِسْيَانًا، وَإِنْ نَكَسَ جَاهِلًا وَجَبَتْ إعَادَتُهُ أَبَدًا اتِّفَاقًا. (وَالْفَوَائِتِ فِي أَنْفُسِهَا) ابْنُ رُشْدٍ: يَجِبُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ تَرْتِيبُ الْفَوَائِتِ فِي الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، فَإِنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ نَاسِيًا فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَرَكَهُ عَامِدًا، أَوْ جَاهِلًا بِالصَّوَابِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَيَذْكُرَ ذَلِكَ بَعْدَ أَيَّامٍ فَيُصَلِّيَ الْعَصْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ، فَالْآتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّاهَا فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُهَا وَكَأَنَّهُ وَضَعَهَا فِي مَوْضِعِهَا. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ نَسِيَ صَلَوَاتٍ يَسِيرَةٍ فَصَلَّى قَبْلَهَا مَا هُوَ فِي وَقْتِهِ جَاهِلًا، أَوْ عَامِدًا: إنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْوَقْتِ انْتَهَى. اُنْظُرْ مَسْأَلَةً تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ فَرَّطَ فِي صَلَوَاتٍ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَخَذَ فِي قَضَاءِ فَوَائِتِهِ شَيْئًا شَيْئًا وَقَدْ تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَعَلَيْهِ صُبْحُ يَوْمِهِ، أَوْ تَغْرُبُ الشَّمْسُ وَعَلَيْهِ صَلَاةُ يَوْمِهِ، أَوْ يَنَامُ عَنْ الْعِشَاءَيْنِ فَيَسْتَيْقِظُ وَقَدْ بَقِيَ قَدْرُ مَا يُصَلِّي الصُّبْحَ، هَلْ يُسْتَحْسَنُ أَنْ يَتْرُكَ النَّاسَ وَمَا هُمْ الْيَوْمَ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ يُغَيِّبُونَ نَظَرَهُمْ عَنْ الْفَوَائِتِ الْقَدِيمَةِ وَيَبْدَءُونَ بِقَضَاءِ هَذِهِ الْفَائِتَةِ الْقَرِيبَةِ وَيُقَدِّمُونَهَا عَلَى الْفَوَائِتِ الْكَثِيرَةِ الْقَدِيمَةِ فَإِنَّ الذِّمَّةَ تَبْرَأُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَرُبَّمَا إنْ لَمْ يُقَدِّمُوهَا عَلَى الْفَوَائِتِ الْقَدِيمَةِ يَتَكَاسَلُوا عَنْ الِاشْتِغَالِ عِوَضَهَا بِشَيْءٍ مِنْ فَوَائِتِهِمْ الْقَدِيمَةِ. وَانْظُرْ آخِرَ الْعَوَاصِمِ مِنْ الْقَوَاصِمِ فَإِنَّهُ يُرَشِّحُ هَذَا الْمَأْخَذَ، وَمِنْ نَحْوِهِ مَا حَكَاهُ عِيَاضٌ أَنَّ الْقَابِسِيَّ وَابْنَ اللَّبَّادِ اخْتَلَفَا فِيمَا يَأْخُذُهُ بَنُو عُبَيْدٍ مِنْ الزَّكَوَاتِ. وَكَانَ ابْنُ اللَّبَّادِ يُفْتِي بِأَنَّهَا تُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَ بَنُو عُبَيْدٍ لَا يُقِرُّونَ بِالزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا: لَا تُجْزِئُ لَمْ يُؤَدِّ النَّاسُ شَيْئًا، فَلَأَنْ يُؤَدُّوا بِتَأْوِيلٍ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهَا عَامِدِينَ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَكُنْت أَسْتَحِبُّ ذَلِكَ إلَى أَنْ أَحْدَثَ بَنُو عُبَيْدٍ فِي الزَّكَاةِ أَمْرًا آخَرَ مِنْ صَرْفِهَا لِلنَّصَارَى، اُنْظُرْهُ فِي الْمَدَارِكِ. (وَيَسِيرِهَا مَعَ حَاضِرَةٍ، وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ذَكَرَ صَلَوَاتٍ يَسِيرَةً فِي وَقْتِ صَلَاةٍ بَدَأَ بِهِنَّ وَإِنْ فَاتَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ (وَهَلْ أَرْبَعٌ، أَوْ خَمْسٌ؟ خِلَافٌ) عِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ذَكَرَ أَرْبَعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 صَلَوَاتٍ فَأَدْنَى بَدَأَ بِهِنَّ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُنَّ حَتَّى صَلَّى فَلْيُصَلِّ مَا ذَكَرَ وَيُعِيدُ الَّتِي صَلَّى إنْ كَانَ فِي وَقْتِهَا. وَإِنْ ذَكَرَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَأَكْثَرَ بَدَأَ بِالْحَاضِرَةِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يُعِيدُ الْحَاضِرَةَ. وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَهُنَّ بَعْدَمَا صَلَّى الْحَاضِرَةَ. ابْنُ يُونُسَ: لَا خِلَافَ فِي يَسَارَةِ الْأَرْبَعِ وَالْأَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْخَمْسَ مِنْ الْكَثِيرِ. التَّلْقِينُ: الْخَمْسُ مِنْ الْيَسِيرِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا السِّتُّ فَمِنْ الْكَثِيرِ. الْمَازِرِيُّ: وَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّهَا خَمْسٌ أَنَّهُ عَدَدٌ لَا تَكْرِيرَ فِيهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْيَسِيرُ جُمْلَةَ الْعَدَدِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَوَاءً أَوْ كَانَ بَقِيَّةً بَقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ فَوَائِتَ قَضَاهَا وَعَزَا هَذَا ابْنُ عَرَفَةَ لِعَبْدِ الْحَقِّ. (فَإِنْ خَالَفَ وَلَوْ عَمْدًا أَعَادَ بِوَقْتِ الضَّرُورَةِ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ نَكَسَ الْحَاضِرَتَيْنِ - عَمْدًا - أَعَادَ أَبَدًا - وَسَهْوًا - أَعَادَ بِوَقْتٍ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ نَكَسَ الْفَوَائِتَ فِي أَنْفُسِهَا أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَصْلًا عَمْدًا كَانَ مِنْهُ، أَوْ سَهْوًا؛ إذْ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا خَرَجَ وَقْتُهَا. وَتَقَدَّمَ نَصُّهَا إنْ قَدَّمَ الْحَاضِرَةَ عَلَى الْمَنْسِيَّةِ الْيَسِيرَةِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْوَقْتِ خَاصَّةً. ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ الْوَقْتِ الضَّرُورِيَّ، أَوْ الِاخْتِيَارِيَّ رِوَايَتَا اللَّخْمِيِّ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ غَيْرَ الْأَوَّلِ. (وَفِي إعَادَةِ مَأْمُومِهِ خِلَافٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ الْفَائِتَةَ حَتَّى سَلَّمَ أَجْزَأَتْهُمْ وَأَعَادَ هُوَ بَعْدَ قَضَاءِ الَّتِي ذَكَرَ. قَالَ سَحْنُونَ: وَقَدْ كَانَ يَقُولُ وَيُعِيدُونَ هُمْ فِي الْوَقْتِ. ابْنُ يُونُسَ: الْأَوَّلُ أَبْيَنُ (وَإِنْ ذَكَرَ الْيَسِيرَ فِي صَلَاةٍ وَلَوْ جُمُعَةً قَطَعَ فَذٌّ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ ذَكَرَ الْيَسِيرَ فِي صَلَاةٍ فَذٌّ فَعَنْ مَالِكٍ يُسْتَحَبُّ الْقَطْعُ، وَعَنْهُ أَيْضًا يَجِبُ. ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُسْتَحَبُّ الْقَطْعُ إنْ أَحْرَمَ ذَاكِرًا. الْمَازِرِيُّ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ صَلَّى صَلَاةً ذَاكِرًا الْأُخْرَى لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ بَلْ يَعْتَدُّ بِهَا، وَإِنَّمَا يُعِيدُهَا فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا. اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " وَلَوْ جُمُعَةً " بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَوْ جُمُعَةً ". (وَشَفَعَ إنْ رَكَعَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ ذَكَرَ فَذٌّ صَلَاةً نَسِيَهَا وَهُوَ فِي فَرِيضَةٍ غَيْرِهَا قَطَعَ مَا لَمْ يَرْكَعْ وَصَلَّى مَا نَسِيَ، ثُمَّ يُعِيدُ الَّتِي كَانَ فِيهَا، وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً شَفَعَهَا ثُمَّ قَطَعَ، وَإِنْ ذَكَرَهَا وَهُوَ فِي شَفْعٍ سَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى مَا نَسِيَ وَأَعَادَ الَّتِي كَانَ فِيهَا، وَإِنْ ذَكَرَهَا بَعْدَمَا صَلَّى مِنْ هَذِهِ ثَلَاثًا أَتَمَّهَا أَرْبَعًا يُرِيدُ وَلَا يَجْعَلُهَا نَافِلَةً. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَقْطَعُ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَحَبُّ إلَيَّ، ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي ذَكَرَ ثُمَّ يُعِيدُ مَا كَانَ فِيهِ انْتَهَى. مِنْ ابْنِ يُونُسَ: وَاَلَّذِي لِلْمَازِرِيِّ إنْ ذَكَرَهَا بَعْدَ أَنْ عَقَدَ رَكْعَةً فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ زَائِدَةً عَلَى الثُّنَائِيَّةِ أَضَافَ رَكْعَةً أُخْرَى لِهَذِهِ الرَّكْعَةِ الَّتِي عَقَدَ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّكْعَةِ يُؤَكِّدُ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ، وَالْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى رَكْعَةٍ لَا يَحْسُنُ، فَأُمِرَ بِالتَّمَادِي إلَى صُورَةِ النَّفْلِ وَهُوَ رَكْعَتَانِ. وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ ثُنَائِيَّةً كَصَلَاةِ الصُّبْحِ فَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ: مُقْتَضَى اخْتِيَارِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ أَنْ يَقْطَعَ بَعْدَ ثَلَاثٍ لِيُؤَثِّرَ ذِكْرُ الْمَنْسِيَّةِ فِي مَنْعِ الْإِكْمَالِ أَنْ يَقْطَعَ فِي الصُّبْحِ بَعْدَ رَكْعَةٍ لِيُؤَثِّرَ أَيْضًا ذِكْرُ الْمَنْسِيَّةِ فِي مَنْعِ الْإِكْمَالِ. (وَإِمَامٌ وَمَأْمُومُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ ذَكَرَ الْإِمَامُ صَلَاةً نَسِيَهَا فَلْيَقْطَعْ، وَيُعْلِمُهُمْ فَيَقْطَعُونَ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ هُنَا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ تَصِحُّ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ. وَتُجْزِئُ الْمَأْمُومِينَ فَإِذَا قَطَعَهَا فَقَدْ أَفْسَدَ عَلَيْهِمْ (لَا مُؤْتَمٌّ فَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 مَالِكٌ: وَإِنْ ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ خَلْفَ إمَامٍ تَمَادَى مَعَهُ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ سَلَّمَ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّى مَا نَسِيَ وَيُعِيدُ مَا كَانَ فِيهِ مَعَ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَلَّى قَبْلَهَا صَلَاةً فَيُدْرِكَ وَقْتَهَا، أَوْ وَقْتَ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ فَيُعِيدَهُمَا جَمِيعًا بَعْدَ الْفَائِتَةِ، مِثْلُ أَنْ يَذْكُرَ الصُّبْحَ وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْعَصْرِ فَإِنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ صَلَّى الصُّبْحَ، ثُمَّ أَعَادَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ إذَا ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ خَلْفَ إمَامٍ فِي الْمَغْرِبِ فَلْيَتَمَادَ مَعَهُ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ سَلَّمَ مَعَهُ وَلَا يَشْفَعُهَا ثُمَّ قَضَى مَا نَسِيَ وَأَعَادَ الْمَغْرِبَ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي ذَلِكَ اللَّيْلُ كُلُّهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَ خَلْفَ إمَامٍ فِي الْعَصْرِ أَنَّهُ نَسِيَ الظُّهْرَ فَلْيَتَمَادَ مَعَهُ فَإِذَا فَرَغَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَعَادَ الْعَصْرَ. (وَلَوْ جُمُعَةً) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ نَسِيَ صَلَاةَ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى صَلَّى الْجُمُعَةَ صَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ صَلَّى الْجُمُعَةَ أَرْبَعًا. ابْنُ الْمَوَّازِ: الْوَقْتُ فِي ذَلِكَ النَّهَارُ كُلُّهُ اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَعَادَ الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ " وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: تَعَقَّبَ تَقِيُّ الدِّينِ هَذَا رَاجِعْهُ فِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ: فَلَوْ ذَكَرَ الصُّبْحَ وَهُوَ فِي الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ خَرَجَ إنْ أَيْقَنَ أَنَّهُ يُدْرِكُ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَإِنْ لَمْ يُوقِنْ ذَلِكَ تَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ وَأَعَادَ ظُهْرًا أَرْبَعًا لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَمَّا كَانَتْ بَدَلًا مِنْ الظُّهْرِ - وَوَقْتُ الظُّهْرِ قَائِمٌ بَعْدُ - وَجَبَ أَنْ يُعِيدَ الْجُمُعَةَ ظُهْرًا أَرْبَعًا لِتَعَذُّرِ إقَامَتِهَا جُمُعَةً خِلَافًا لِأَشْهَبَ انْتَهَى. مَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى - إذْ جَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ - الْمَذْهَبَ وَلَا مَدْخَلَ لِلْفَذِّ هُنَا وَيَبْقَى حُكْمُ الْإِمَامِ إذَا ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. وَمُقْتَضَى مَا لِابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فَيَقْطَعُ مُطْلَقًا هُوَ وَمَأْمُومُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَمِنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: مَنْ ذَكَرَ صَلَاةَ الصُّبْحِ أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ يَقُومُ وَيُصَلِّيهَا، وَأَمَّا أَثْنَاءَ صَلَاتِهَا فَيَتَمَادَى، وَفِي إعَادَتِهَا ظُهْرًا قَوْلَانِ، وَنَقَلَ هَذَا الْبُرْزُلِيِّ فِي نَوَازِلِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا. (وَكَمَّلَ فَذٌّ بَعْدَ شَفْعٍ مِنْ الْمَغْرِبِ) الْمَازِرِيُّ: إنْ ذَكَرَ الْمَنْسِيَّةَ وَهُوَ عَلَى شَفْعٍ فَإِنْ كَانَ عَلَى أَرْبَعٍ فَقَدْ كَمُلَتْ صَلَاتُهُ وَصَارَ كَالذَّاكِرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَدْ كَمُلَتْ صَلَاتُهُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ فِي الثُّلَاثِيَّةِ، أَوْ الرُّبَاعِيَّةِ سَلَّمَ. الطُّلَيْطِلِيُّ: الْفَذُّ إذَا ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إنْ ذَكَرَهَا قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى قَطَعَ، وَإِلَّا تَمَادَى، وَإِنْ أَعَادَ الْمَغْرِبَ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ فَحَسَنٌ، وَرَجَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا، وَانْظُرْ إنْ كَانَ تَذَكَّرَ فِي قِيَامِ الثَّالِثَةِ هَلْ يَرْجِعُ لِلْجُلُوسِ وَيُسَلِّمُ (كَثَلَاثٍ مِنْ غَيْرِهَا) الْمَازِرِيُّ: إنْ ذَكَرَ الْمَنْسِيَّةَ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَغْرِبِ فَقَدْ كَمُلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ فَرِوَايَتَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ ذَكَرَهَا بَعْدَمَا صَلَّى ثَلَاثًا أَتَمَّهَا أَرْبَعًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْطَعَ. اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَشَفَعَ إنْ رَكَعَ " انْتَهَى. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا ذَكَرَهَا فِي فَرْضٍ، فَإِنْ ذَكَرَهَا فِي نَافِلَةٍ فَمُقْتَضَى قَوْلِ خَلِيلٍ فِي صَلَاةٍ إنَّ ذَلِكَ أَعْلَمُ أَنْ تَكُونَ نَافِلَةً، أَوْ فَرِيضَةً فَيَقْطَعَ النَّافِلَةَ إنْ لَمْ يَرْكَعْ فَإِنْ رَكَعَ شَفَعَهَا وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ قَبْلَ ذَلِكَ يَقْطَعُ النَّافِلَةَ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْفَرِيضَةِ. وَوَجَّهَ ابْنُ يُونُسَ هَذَا الْقَوْلَ وَلَكِنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ هُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ. (وَإِنْ جَهِلَ عَيْنَ مَنْسِيَّةٍ مُطْلَقًا صَلَّى خَمْسًا) الْمَازِرِيُّ: أَكْثَرُ النَّاسِ فِي هَذَا وَمَدَارِهِ عَلَى اعْتِبَارِ تَحْصِيلِ الْيَقِينِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 بِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فَيُوقِعُ مِنْ الصَّلَوَاتِ أَعْدَادًا عَلَى رُتَبِ مَا يُحِيطُ بِجَمِيعِ حَالَاتِ الشُّكُوكِ. فَمِنْ ذَلِكَ لَوْ نَسِيَ صَلَاةً لَا يَدْرِي أَيَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ هِيَ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مِنْ الْخَمْسِ صَلَوَاتٍ لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَنْسِيَّةَ فَصَارَ حَالَاتُ الشَّكِّ خَمْسًا، فَوَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ خَمْسًا لِيَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ أَحْوَالِ الشَّكِّ. (وَإِنْ عَلِمَهَا دُونَ يَوْمِهَا صَلَّاهَا نَاوِيًا لَهُ) الْمَازِرِيُّ: وَأَمَّا إنْ عَلِمَ عَيْنَ الصَّلَاةِ وَنَسِيَ يَوْمَهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا غَيْرَ مُلْتَفِتٍ لِعَدِّ الْأَيَّامِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَيَّامِ. (وَإِنْ نَسِيَ صَلَاةً وَثَانِيَتَهَا صَلَّى سِتًّا وَنُدِبَ تَقْدِيمُ ظُهْرٍ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ التَّرْتِيبَ فِي الْفَوَائِتِ مُتَعَمِّدًا أَوْ جَاهِلًا فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ إذْ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا خَرَجَ وَقْتُهَا. فَعَلَى هَذَا بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ تَبْرَأُ الذِّمَّةُ، فَهَذَا التَّفْرِيعُ هُوَ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ نَسِيَ صَلَوَاتٍ يَسِيرَةً فَصَلَّى قَبْلَهَا مَا هُوَ فِي وَقْتِهِ جَاهِلًا، أَوْ مُتَعَمِّدًا أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْوَقْتِ قَالَ: فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَاتَيْنِ لَا يَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَبْلَ صَاحِبَتِهَا - مِثْلُ أَنْ يَذْكُرَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ مِنْ يَوْمَيْنِ لَا يَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَبْلَ صَاحِبَتِهَا - أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا صَلَاتَيْنِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ خَاصَّةً. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ: إنَّ عَلَيْهِ إعَادَةَ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّى، وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا يَأْتِي قَوْلُهُمْ: إنَّهُ يُصَلِّي ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ ظُهْرًا بَيْنَ عَصْرَيْنِ، أَوْ عَصْرًا بَيْنَ ظُهْرَيْنِ. الْمَازِرِيُّ: وَمِنْ هَذَا الْبَابِ لَوْ نَسِيَ صَلَاةً وَثَانِيَتَهَا وَلَا يَدْرِي مَا هُمَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ صَلَوَاتٍ عَلَى رُتْبَتِهَا فِي الشَّرِيعَةِ، وَيَبْدَأُ بِالصُّبْحِ، ثُمَّ يُعِيدُهَا إذَا فَرَغَ مِنْ الْخَمْسِ فَالصَّلَاةُ وَاَلَّتِي تَلِيهَا حَاصِلَةٌ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ كَيْفَمَا قُدِّرَتْ، وَبِإِعَادَةِ الصُّبْحِ يَتَحَقَّقُ إتْيَانُهُ بِمَا نَسِيَ لِأَنَّا نُجَوِّزُ أَنْ تَكُونَ الْمَنْسِيَّةُ الْعَتَمَةَ ثُمَّ الصُّبْحَ فَلَوْ لَمْ يُعِدْ الصُّبْحَ لَمْ يَتَحَقَّقْ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ وَهَذَا عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ هَلْ هُوَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ مِنْ النَّهَارِ. إنْ قُلْنَا: إنَّهُ مِنْ اللَّيْلِ بَدَأَ بِالظُّهْرِ، وَإِلَّا بَدَأَ بِالصُّبْحِ. الشَّيْخُ: الْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الصُّبْحَ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ. ابْنُ عَرَفَةَ: بَدْؤُهُ بِالصُّبْحِ أَوْلَى مِنْ الظُّهْرِ. الْمَازِرِيُّ: إنَّمَا ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسَائِلَ لِيَكُدَّ الطَّالِبُ فِيهَا فَهْمَهُ فَيَكْتَسِبَ مِنْ كَدِّهِ لِفَهْمِهِ فِيهَا انْتِبَاهًا وَتَيَقُّظًا فِيمَا سِوَاهَا مِنْ الْمَعَانِي الْفِقْهِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُطَالِعُهُ. (وَفِي ثَالِثَتِهَا أَوْ رَابِعَتِهَا، أَوْ خَامِسَتِهَا كَذَلِكَ يُثَنِّي بِالْمَنْسِيِّ) . الْمَازِرِيُّ: لَوْ كَانَ نَسِيَ صَلَاةً وَثَالِثَتَهَا وَلَا يَدْرِيهِمَا أَيْضًا فَإِنَّهُ يُصَلِّي سِتَّ صَلَوَاتٍ يَبْدَأُ بِالصُّبْحِ، ثُمَّ ثَالِثَتِهَا - وَهِيَ الْعَصْرُ - ثُمَّ الثَّالِثَةِ مِنْ هَذِهِ - وَهِيَ الْعِشَاءُ - ثُمَّ الثَّالِثَةِ مِنْ هَذِهِ - وَهِيَ الظُّهْرُ - ثُمَّ الثَّالِثَةِ مِنْ هَذِهِ، وَهِيَ الْمَغْرِبُ، ثُمَّ يُعِيدُ الصُّبْحَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ جَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْمَنْسِيَّةُ الْمَغْرِبَ - وَثَالِثَتُهَا الصُّبْحُ -، فَلَوْلَا الْإِعَادَةُ لَمْ تَتَحَقَّقْ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ. وَلَوْ كَانَ نَسِيَ صَلَاةً وَرَابِعَتَهَا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ سِتُّ صَلَوَاتٍ أَيْضًا يُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ رَابِعَتَهَا وَهِيَ الْمَغْرِبُ، ثُمَّ رَابِعَةَ هَذِهِ الرَّابِعَةِ وَهِيَ الظُّهْرُ. ثُمَّ رَابِعَةَ هَذِهِ الرَّابِعَةِ وَهِيَ الْعِشَاءُ، ثُمَّ رَابِعَةَ هَذِهِ الرَّابِعَةِ، ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْمَنْسِيَّةُ الْعَصْرَ. وَلَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 كَانَ نَسِيَ صَلَاةً وَخَامِسَتَهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ الْعَدَدِ وَهِيَ سِتُّ صَلَوَاتٍ وَيُعِيدُ مَا بَدَأَ بِهِ فَيُصَلِّي الصُّبْحَ وَخَامِسَتَهَا وَهِيَ الْعِشَاءُ، ثُمَّ خَامِسَةَ هَذِهِ الْخَامِسَةِ وَهِيَ الْمَغْرِبُ، ثُمَّ خَامِسَةَ هَذِهِ الْخَامِسَةِ وَهِيَ الْعَصْرُ، ثُمَّ خَامِسَةَ هَذِهِ الْخَامِسَةِ وَهِيَ الظُّهْرُ، ثُمَّ يُعِيدُ الصُّبْحَ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْمَنْسِيَّةُ الْعِشَاءَ، وَخَامِسَتُهَا الصُّبْحُ (وَصَلَّى الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ فِي سَادِسَتِهَا وَحَادِيَةَ عَشْرَتَهَا) الْمَازِرِيُّ.: لَوْ كَانَ نَسِيَ صَلَاةً وَسَادِسَتَهَا، أَوْ حَادِيَةَ عَشْرَتَهَا أَوْ سَادِسَ عَشْرَتَهَا عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةَ بَعْدَ حُصُولِ الْخَمْسِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي عَشْرَ صَلَوَاتٍ يُصَلِّي كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْخَمْسِ وَيُعِيدُهَا فَيُصَلِّي صُبْحَيْنِ وَظُهْرَيْنِ وَعَصْرَيْنِ وَمَغْرِبَيْنِ وَعِشَاءَيْنِ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا هَكَذَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الثَّانِيَةُ بَعْدَ عَدَدٍ لَهُ خَمْسٌ كَالسَّادِسَةِ وَالْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَالسَّادِسَةَ عَشْرَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ مِثْلُ الْأُولَى سَوَاءٌ، فَالسَّادِسَةُ مِنْ الصُّبْحِ صُبْحٌ وَمِنْ الظُّهْرِ ظُهْرٌ، فَصَارَ مَحْصُولُ السُّؤَالِ أَنَّهُ نَسِيَ صَلَاتَيْنِ مُتَمَاثِلَتَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ لَا يَدْرِي عَيْنَ الصَّلَاةِ فَإِنَّ عَيْنَ الصَّلَاةِ يَوْمَيْنِ: فَإِنَّ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً وَاحِدَةً مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ نَسِيَ مِثْلَ تِلْكَ الصَّلَاةِ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ صَارَ عَلَيْهِ صَلَاةُ يَوْمَيْنِ وَهَذَا وَاضِحٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُهُ يُصَلِّي كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْخَمْسِ وَيُعِيدُهَا غَيْرُ لَازِمٍ لِحُصُولِ الْمَطْلُوبِ بِإِعَادَةِ الْخَمْسِ بَعْدَ فِعْلِهَا نَسَقًا، وَهَذَا أَحْسَنُ لِانْتِقَالِ النِّيَّةِ فِيهِ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ مَرَّةً فَقَطْ. وَفِيمَا قَالَهُ تَنْتَقِلُ خَمْسًا انْتَهَى، فَانْظُرْ أَنْتَ مَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُ خَلِيلٍ. (وَفِي صَلَاتَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ لَا يَدْرِي السَّابِقَةَ صَلَّاهُمَا وَأَعَادَ الْمُبْتَدَأَةَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ هَذَا هُوَ عَلَى غَيْرِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا عَلَى مُقْتَضَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَبِصَلَاتَيْنِ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ لِأَنَّهُ بِالْفَرَاغِ مِنْ الْوَاحِدَةِ خَرَجَ وَقْتُهَا فَلَا يَحْتَاجُ لِإِعَادَتِهَا. وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِهَذَا الْمَعْنَى، أَنَّ إعَادَةَ الَّتِي فُعِلَتْ أَوَّلًا مُشْكِلٌ إلَّا أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ تَعَقَّبَهُ فَانْظُرْهُ مَعَ الْمُقَدِّمَاتِ. وَانْظُرْ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ فَيَتَحَرَّى قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ يُونُسَ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً عَلَى أَنْ يُعِيدَهَا. وَنَقَلُوا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَنْ نَسِيَ صَلَاتَيْنِ ظُهْرًا، أَوْ عَصْرًا مِنْ يَوْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَا يَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَبْلَ صَاحِبَتِهَا وَلَا يَعْرِفُ الْيَوْمَيْنِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي ظُهْرًا بَيْنَ عَصْرَيْنِ أَوْ عَصْرًا بَيْنَ ظُهْرَيْنِ. وَأَمَّا لَوْ عَرَفَ الْيَوْمَيْنِ مِثْلَ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ فَلْيُصَلِّ ظُهْرًا وَعَصْرًا لِلسَّبْتِ وَظُهْرًا وَعَصْرًا لِلْأَحَدِ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَلَمْ يُفَرِّقْ سَحْنُونَ وَلَا ابْنُ الْمَوَّازِ بَيْنَ مَعْرُوفٍ، أَوْ غَيْرِ مَعْرُوفٍ وَقَالَا: يُصَلِّي ظُهْرًا بَيْنَ عَصْرَيْنِ وَعَصْرًا بَيْنَ ظُهْرَيْنِ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ: " مِنْ يَوْمَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ " هُوَ عَلَى غَيْرِ مُخْتَارِ ابْنِ يُونُسَ. وَقَوْلُهُ: " وَأَعَادَ الْمُبْتَدَأَةَ " هُوَ عَلَى غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ. وَانْظُرْ بَحْثَ ابْنِ عَرَفَةَ مَعَ هَذَا وَاسْتَظْهِرْ عَلَى ذَلِكَ. (وَمَعَ الشَّكِّ فِي الْقَصْرِ أَعَادَ إثْرَ كُلِّ صَلَاةٍ حَضَرِيَّةٍ سَفَرِيَّةً) سَمِعَ عِيسَى مَنْ ذَكَرَ ظُهْرًا وَعَصْرًا وَاحِدَةً مِنْ سَفَرٍ وَأُخْرَى مِنْ حَضَرٍ لَا يَدْرِي أَيَّتَهُمَا هِيَ وَلَا أَيَّتَهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى، فَلْيُصَلِّ سِتَّ صَلَوَاتٍ إنْ شَاءَ صَلَّى ظُهْرًا وَعَصْرًا لِلْحَضَرِ، ثُمَّ صَلَّاهُمَا لِلسَّفَرِ ثُمَّ صَلَّاهُمَا لِلْحَضَرِ، وَإِنْ شَاءَ بَدَأَ بِهِمَا لِلسَّفَرِ وَخَتَمَ بِالسَّفَرِ. وَقَالَهُ سَحْنُونَ وَأَصْبَغُ وَابْنُ رُشْدٍ. قَوْلُهُ: " يُصَلِّيهِمَا حَضَرِيَّتَيْنِ وَسَفَرِيَّتَيْنِ " صَحِيحٌ لِأَنَّ صَلَاةَ الْحَضَرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 لَا تُجْزِئُ عَنْ صَلَاةِ السَّفَرِ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا كَمَا لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ السَّفَرِ عَنْ صَلَاةِ الْحَضَرِ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا، فَلَمَّا لَمْ يَدْرِ كَيْفَ وَجَبَتَا عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا لِلْحَضَرِ وَالسَّفَرِ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى شَكِّهِ وَيُوقِنَ أَنْ قَدْ صَلَّاهُمَا كَمَا وَجَبَتَا عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ يُعِيدُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ لِلسَّفَرِ إنْ كَانَ بَدَأَ بِالسَّفَرِ وَلِلْحَضَرِ إنْ كَانَ بَدَأَ بِالْحَضَرِ مِنْ أَجْلِ الرُّتْبَةِ، فَهُوَ عَلَى خِلَافِ أَصْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا فِيمَنْ تَعَمَّدَ وَصَلَّى وَقْتِيَّةً وَهُوَ ذَاكِرٌ لِفَائِتَةٍ: إنَّهُ لَا يُعِيدُ إلَّا فِي الْوَقْتِ فَأَحْرَى أَنْ لَا يُعِيدَ هَذِهِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَصْبَغُ: يُصَلِّي ظُهْرًا حَضَرِيًّا وَيُعِيدُهُ سَفَرِيًّا، ثُمَّ عَصْرًا حَضَرِيًّا وَيُعِيدُهُ سَفَرِيًّا. وَحَصَّلَ الْمَازِرِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ (وَثَلَاثًا كَذَلِكَ سَبْعًا وَأَرْبَعًا ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَخَمْسًا إحْدَى وَعِشْرِينَ) ابْنُ رُشْدٍ: عَلَى الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ نَسِيَ صَلَاتَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ لَا يَدْرِي السَّابِقَةَ أَنَّهُ يُصَلِّي ثَلَاثًا إنْ ذَكَرَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ صُبْحًا وَظُهْرًا وَعَصْرًا لَا يَدْرِي أَيَّتَهُنَّ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ سَبْعَ صَلَوَاتٍ يَبْدَأُ بِالصُّبْحِ وَيَخْتِمُ بِهَا، وَلَوْ ذَكَرَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ صُبْحًا وَظُهْرًا وَعَصْرًا وَمَغْرِبًا لَا يَدْرِي أَيَّتَهُنَّ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ صَلَاةً يَبْدَأُ بِالصُّبْحِ أَيْضًا وَيَخْتِمُ بِهَا، وَلَوْ ذَكَرَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ صُبْحًا وَظُهْرًا وَعَصْرًا وَمَغْرِبًا وَعِشَاءً لَا يَدْرِي أَيَّتَهُنَّ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ إحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً يَبْدَأُ بِالصُّبْحِ أَيْضًا وَيَخْتِمُ بِهَا إذْ لَا يَصِحُّ لَهُ الْيَقِينُ فَالتَّرْتِيبُ بِمَا دُونَ ذَلِكَ. وَقِيَاسُ هَذَا أَنْ تُسْقِطَ أَبَدًا مِنْ عَدَدِ الصَّلَوَاتِ الْمَنْسِيَّاتِ وَاحِدًا، ثُمَّ تَضْرِبَ مَا بَقِيَ فِي عَدَدِهَا فَمَا اجْتَمَعَ حَمَلْت عَلَيْهِ الْوَاحِدَ الَّذِي أَسْقَطْت، وَإِنْ شِئْت أَسْقَطْت مِنْ عَدَدِهَا وَاحِدًا ثُمَّ ضَرَبْت مَا بَقِيَ فِي مِثْلِهِ وَحَمَلْت مَا اجْتَمَعَ مِنْ عَدَدِ الصَّلَوَاتِ وَذَلِكَ سَوَاءً. (وَصَلَّى فِي ثَلَاثٍ مُرَتَّبَةٍ مِنْ يَوْمٍ لَا يَعْلَمُ الْأُولَى سَبْعًا) عِبَارَةُ الْجَلَّابِ: لَوْ نَسِيَ صَلَاتَيْنِ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَدْرِي اللَّيْلَ قَبْلَ النَّهَارِ أَمْ النَّهَارَ قَبْلَ اللَّيْلِ صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ وَبَدَأَ بِالظُّهْرِ اخْتِيَارًا، وَإِنْ بَدَأَ بِغَيْرِهِ أَجْزَأَهُ، وَأَيَّ صَلَاةٍ بَدَأَ بِهَا أَعَادَهَا. وَإِنْ نَسِيَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَضَى سَبْعَ صَلَوَاتٍ (وَأَرْبَعًا ثَمَانِيًا) الْجَلَّابُ: وَإِنْ ذَكَرَ أَرْبَعًا قَضَى ثَمَانِيَ صَلَوَاتٍ (وَخَمْسًا تِسْعًا) الْجَلَّابُ: وَإِنْ ذَكَرَ خَمْسًا قَضَى تِسْعَ صَلَوَاتٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 [بَابٌ فِي السُّجُودِ] [فَصْلٌ فِي سُجُودُ السَّهْوِ] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ السَّادِسُ فِي السُّجُودِ وَهُوَ نَوْعَانِ: الْأَوَّلُ: سُجُودُ السَّهْوِ. النَّوْعُ الثَّانِي: سُجُودُ التِّلَاوَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 (سُنَّ لِسَهْوٍ) الْمَازِرِيُّ: سَجْدَتَا سَهْوِ الزِّيَادَةِ سُنَّةٌ. الطَّرَّازُ: وَاجِبَتَانِ وَسَجْدَتَا نَقْصِ السُّنَّةِ أَخَذَ الْمَازِرِيُّ أَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ مِنْ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِهِمَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: سُنَّةٌ. (وَإِنْ تَكَرَّرَ) التَّلْقِينُ: لِلسَّهْوِ سَجْدَتَانِ كَثُرَ أَمْ قَلَّ، كَانَ مِنْ نُقْصَانٍ أَوْ مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ مِنْ كِلَيْهِمَا (بِنَقْصِ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا أَخَلَّ بِالسُّنَنِ عَمْدًا فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ قَوْلَانِ، وَإِذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ وَإِنْ أَخَلَّ بِهَا سَهْوًا أُمِرَ بِالسُّجُودِ فِعْلًا كَانَتْ أَوْ قَوْلًا عَلَى الْمَشْهُورِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا سُجُودَ فِي تَرْكِ رَفْعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 الْيَدَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ وَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ سُنَّةٌ فَلَيْسَ مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَاتِ (أَوْ مَعَ زِيَادَةٍ) الرِّسَالَةُ: كُلُّ سَهْوٍ يَنْقُصُ فَلْيَسْجُدْ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ نَقَصَ وَزَادَ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (سَجْدَتَانِ قَبْلَ سَلَامِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الرِّسَالَةِ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَرَى السُّجُودَ فِي النَّقْصِ بَعْدَ السَّلَامِ فَلَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّ الْخِلَافَ شَرٌّ. (وَبِالْجَامِعِ فِي الْجُمُعَةِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ فَلْيَسْجُدْهُمَا فِي مَوْضِعِ ذِكْرِهِمَا إلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَلَا يَسْجُدُهُمَا إلَّا فِي الْجَامِعِ فَإِنْ سَجَدَهُمَا فِي غَيْرِهِ لَمْ تَجْزِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ نَسِيَ السَّلَامَ. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ يُونُسَ خِلَافَ هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 وَأَعَادَ تَشَهُّدَهُ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَتْ بَعْدَ السَّلَامِ تَشَهَّدَ لَهُمَا. وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ فِي التَّشَهُّدِ لَهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ. وَوَجَّهَ ابْنُ يُونُسَ الْقَوْلَيْنِ وَلَمْ يُشَهِّرْ وَاحِدًا مِنْهُمَا. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا يُطَوِّلُ تَشَهُّدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَلَا يَدْعُو. (كَتَرْكِ جَهْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ سَهَا فَأَسَرَّ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِنْ جَهَرَ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا مِنْ إسْرَارٍ، أَوْ إجْهَارٍ كَإِعْلَانِهِ بِالْآيَةِ وَنَحْوِهَا فِي الْإِسْرَارِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ خَفِيفُ الْجَهْرِ فِيمَا يُسَرُّ عَفْوٌ ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ قَدْرًا أَوْ صِفَةً. (وَسُورَةٍ بِفَرْضٍ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " بِفَرْضٍ " هَلْ لِتَرْكِ جَهْرٍ وَسُورَةٍ اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَتَأَكَّدَ بِوِتْرٍ ". مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَسِيَ السُّورَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، أَوْ فِي الْأُولَيَيْنِ سَجَدَ لِسَهْوِهِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا يَسْجُدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ فِي النَّفْلِ مُسْتَحَبَّةٌ. سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا سُجُودَ لِتَرْكِهَا فِي الْوِتْرِ سَهْوًا. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ لَا بَأْسَ بِالنَّفْلِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ. فَمَا قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ وَتَابَعَهُ لَا أَعْرِفُهُ. (وَتَشَهُّدَيْنِ) التَّهْذِيبُ: إنْ تَرَكَ التَّشَهُّدَيْنِ سَجَدَ قَبْلُ وَتَعَقَّبَ الْقَرَافِيُّ تَصَوُّرَهُ؛ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ ذِكْرٌ لَهُ قَبْلَ فَوْتِ مَحَلِّهِ وَأَجَابَ بِتَصْوِيرِهِ حَيْثُ يَجْلِسُ ثَلَاثًا فِي مَسَائِلِ الْبِنَاءِ وَالْقَضَاءِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ غَيْرُ لَفْظِ التَّهْذِيبِ اُنْظُرْهُ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَتَشَهُّدِهِ " (وَإِلَّا فَبَعْدَهُ) الرِّسَالَةُ: وَكُلُّ سَهْوٍ فِي الصَّلَاةِ بِزِيَادَةٍ فَلْيَسْجُدْ لَهُ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ يَتَشَهَّدُ لَهُمَا وَيُسَلِّمُ مِنْهُمَا. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَذَلِكَ تَرْغِيمٌ لِلشَّيْطَانِ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ. (كَمُتِمٍّ لِشَكٍّ) ابْنُ بَشِيرٍ: مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا. فَإِنْ كَانَ مُوَسْوِسًا بَنَى عَلَى أَوَّلِ خَاطِرَيْهِ، فَإِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 سَبَقَ إلَى يَقِينِهِ أَنَّهُ أَكْمَلَ بَنَى عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ سَبَقَ إلَى يَقِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ أَتَى بِمَا شَكَّ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ فِي الْخَاطِرِ الْأَوَّلِ مُسَاوٍ لِلْعُقَلَاءِ وَفِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لَهُمْ، وَإِلْزَامُهُ الْبِنَاءَ مَعَ الْيَقِينِ مَعَ كَثْرَةِ وَسَاوِسِهِ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَلَا يَتَحَصَّلُ لَهُ إذَنْ يَقِينٌ، وَإِنْ كَانَ سَالِمَ الْخَاطِرِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَطْرَحُ الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَيَبْنِي عَلَى حُصُولِ الْمُتَيَقَّنِ بِهِ. فَالْيَقِينُ إنَّمَا حَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِالثَّلَاثِ وَالرَّابِعَةِ لَا يَقِينَ بِهَا، فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا وَيَسْجُدَ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَمُقْتَصِرٍ عَلَى شَفْعٍ شَكَّ أَهُوَ بِهِ أَوْ بِوِتْرٍ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ شَفَعَ وِتْرَهُ سَاهِيًا سَجَدَ لِسَهْوِهِ بَعْدَ السَّلَامِ وَاجْتَزَأَ بِوِتْرِهِ وَيَعْمَلُ فِي السُّنَنِ كَمَا يَعْمَلُ فِي الْفَرَائِضِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 عَبْدُ الْحَقِّ: وَجْهُهُ أَنَّ الْوِتْرَ إنَّمَا يَكُونُ عَقِبَ شَفْعٍ، وَثَمَّ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا فَأَشْبَهَ صَلَاةً ثُلَاثِيَّةً فَفَارَقَ مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ مِثْلَهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ لَمْ يَدْرِ أَجُلُوسُهُ فِي الشَّفْعِ، أَوْ فِي الْوِتْرِ سَلَّمَ وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ ثُمَّ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ. ابْنُ يُونُسَ: قِيلَ إنَّمَا أَمَرَهُ بِسُجُودِ السَّهْوِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَضَافَ رَكْعَةَ الْوِتْرِ إلَى رَكْعَتَيْ الشَّفْعِ مِنْ غَيْرِ سَلَامٍ فَيَصِيرَ قَدْ صَلَّى الشَّفْعَ ثَلَاثًا فَيَسْجُدَ بَعْدَ السَّلَامِ. (أَوْ تَرْكِ سِرٍّ بِفَرْضٍ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَتَرْكِ جَهْرٍ ". الْإِبْيَانِيُّ. يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةِ الْوِتْرِ فَإِنْ أَسَرَّ سَاهِيًا سَجَدَ. ابْنُ يُونُسَ: وَقِيلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ أَسَرَّ فِي الْوِتْرِ كَمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا قَرَأَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا. (اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ وَلَهَا عَنْهُ) الرِّسَالَةُ: مَنْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ فِي السَّهْوِ فَلْيَلْهُ عَنْهُ، وَلَا إصْلَاحَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ السَّلَامِ انْتَهَى. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَمُتِمٍّ لِشَكٍّ " أَنَّ الْمُوَسْوِسَ يَبْنِي عَلَى أَوَّلِ خَاطِرَيْهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ بِخِلَافِ الَّذِي يَكْثُرُ عَلَيْهِ السَّهْوُ لَا شَكَّ فِيهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إصْلَاحِ مَا سَهَا إذْ لَا شَكَّ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ. هَذَا بِخِلَافِ الْمُسْتَنْكِحِ لِشَكِّ النُّقْصَانِ. ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِي السُّجُودِ فِي كِلَا الصُّورَتَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 انْتَهَى. فَبَنَى خَلِيلٌ فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى مَا فِي الرِّسَالَةِ أَعْنِي أَنَّ بَيْنَ أَنْ يَسْتَنْكِحَهُ السَّهْوُ، أَوْ الشَّكُّ فَرْقًا (كَطُولٍ بِمَحَلٍّ إنْ لَمْ يُشْرَعْ بِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا سُجُودَ سَهْوٍ عَلَى مَنْ طَوَّلَ الْجَلْسَةَ الْوُسْطَى. سَحْنُونَ: يَسْجُدُ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ تَقْصِيرَ الْجَلْسَةِ الْوُسْطَى هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَلَا سُجُودَ فِي تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ. وَفِي سَمَاعِ مُوسَى: لَا سُجُودَ أَيْضًا إذَا أَطَالَ الْقِيَامَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، مِثْلُ أَنْ يَشُكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ فَيَثْبُتَ عَلَى حَالِهِ مُفَكِّرًا فِيمَا شَكَّ حَتَّى يَذْكُرَ. وَأَشْهَبُ يَرَى عَلَيْهِ السُّجُودَ فِي هَذَا بِخِلَافِ إذَا كَانَ ثُبُوتُهُ لِلتَّذَكُّرِ فِي مَوْضِعٍ شُرِعَ تَطْوِيلُهُ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ. وَمِنْ سَمَاعِ مُوسَى: لِأَنَّ تَرْكَ تَطْوِيلِهِ الْقِيَامَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَفِيمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مِنْ السُّنَنِ لَا مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا الْفَرْعِ فِي ابْنِ عَرَفَةَ إذَا جَلَسَ عَلَى وِتْرٍ. (وَإِنْ بَعْدَ شَهْرٍ) اُنْظُرْ إنْ كَانَتْ مِنْ نَفْلٍ، وَتَذَكَّرَ فِي وَقْتِ نَهْيٍ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ فَلْيَسْجُدْهُ مَتَى مَا ذَكَرَ وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ، وَلَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 تَوَضَّأَ وَقَضَاهُمَا. قَالَ: وَمَنْ ذَكَرَ سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ صَلَاةٍ قَدْ مَضَتْ وَهُوَ فِي فَرِيضَةٍ، أَوْ نَافِلَةٍ لَمْ تَفْسُدْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِذَا فَرَغَ مِمَّا هُوَ فِيهِ سَجَدَهُمَا. ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتَا قَبْلَ السَّلَامِ وَهُمَا لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِمَا فَهُمَا كَاَلَّتِي بَعْدَ السَّلَامِ. عِيَاضٌ: إنْ لَمْ يَسْجُدْ لِتَرْكِ التَّشَهُّدَيْنِ أَوْ تَكْبِيرَتَيْنِ، أَوْ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " مَرَّتَيْنِ حَتَّى أَحْدَثَ، أَوْ طَالَ بَعْدَ سَلَامِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا سُجُودَ انْتَهَى. اُنْظُرْ لَفْظَ الرِّسَالَةِ فَهُوَ مِثْلُ هَذَا قَالَ الْمَازِرِيُّ: ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا يَسْجُدُ مَتَى مَا ذَكَرَ (بِإِحْرَامٍ وَتَشَهُّدٍ وَسَلَامٍ) الْجَلَّابُ: وَلِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ إحْرَامٌ وَتَشَهُّدٌ وَسَلَامٌ. وَمَا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحْرِمُ لَهُمَا كَانَا قَبْلَ السَّلَامِ، أَوْ بَعْدَهُ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ دَاخِلٌ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إحْرَامٌ وَلَا إحْلَالٌ كَسُجُودِ الْأَصْلِ، وَأَمَّا مَا كَانَ بَعْدَ السَّلَامِ فَإِنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَلَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ الصَّلَاةُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إحْرَامٌ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَإِنْ نَسِيَهُمَا وَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ وَطَالَ ذَلِكَ. فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً لَا يُحْرِمُ لَهُمَا، وَوَجْهُهُ أَنَّ سُجُودَهُمَا غَيْرُ لَازِمٍ فَلَمْ يُحْرِمْ لَهُمَا كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ. وَقَالَ أَيْضًا: يُحْرِمُ لَهُمَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ الْإِحْرَامِ لَهُمَا فِي الْقُرْبِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا ذَكَرَ اللَّتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ رَجَعَ بِإِحْرَامٍ كَرُجُوعِهِ لِإِصْلَاحِ صَلَاتِهِ فِيمَا قَرُبَ. (جَهْرًا) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجَهَرَ بِتَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ " فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يَجْهَرُ الْمَأْمُومُ بِالسَّلَامِ جَهْرًا يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ. وَأَمَّا السَّلَامُ الثَّانِي فَرُوِيَ عَلَى أَنَّهُ يُخْفِيهِ لِئَلَّا يُقْتَدَى بِهِ فِيهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ السَّلَامَ الثَّانِيَ رَدٌّ فَلَا يَسْتَدْعِي بِالْجَهْرِ بِهِ رَدًّا وَالْأَوَّلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 يَقْتَضِي الرَّدَّ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ جَهَرَ بِهِ. (وَصَحَّ إنْ قُدِّمَ) . ابْنُ رُشْدٍ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَسَمَاعِ عِيسَى: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِلسُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ إذَا سَجَدَهُ قَبْلَ السَّلَامِ نَاسِيًا كَانَ أَوْ مُتَعَمِّدًا مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ. وَقَدْ نَصَّ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَلَى ذَلِكَ (أَوْ أُخِّرَ) ابْنُ عَرَفَةَ: تَأْخِيرُ الْقِبْلِيَّتَيْنِ عَفْوٌ. (لَا إنْ اسْتَنْكَحَهُ السَّهْوُ وَيُصْلِحُ) الرِّسَالَةُ: وَإِذَا أَيْقَنَ بِالسَّهْوِ سَجَدَ بَعْدَ إصْلَاحِ صَلَاتِهِ، فَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ فَهُوَ يَعْتَرِيهِ كَثِيرًا أَصْلَحَ صَلَاتَهُ وَلَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ " (أَوْ شَكَّ هَلْ سَهَا) الْقَرَافِيُّ: الْقَاعِدَةُ أَنَّ مَنْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا؟ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ. فَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَبَيْنَ مَنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى ثَلَاثٍ وَيَسْجُدُ بَعْدُ. الْقَرَافِيُّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُشْكِلَاتِ وَيَتَعَذَّرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ ذَكَرْت هَذَا الْإِشْكَالَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 الْأَعْيَانِ فَلَمْ يَجِدُوا عَنْهُ جَوَابًا. (أَوْ سَلَّمَ) الرِّسَالَةُ: مَنْ لَمْ يَدْرِ سَلَّمَ، أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ سَلَّمَ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ. وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: لَوْ شَكَّ فِي رَكْعَةٍ فَتَفَكَّرَ قَلِيلًا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْهُ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا ظَنَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ نَقَصَ مِنْ صَلَاتِهِ فَسَجَدَ سَجْدَةً، أَوْ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ شَيْئًا فَلَا يُضِيفُ لِلسَّجْدَةِ الْأُولَى أُخْرَى وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ زَادَ فَسَجَدَ سَجْدَةً لِسَهْوِهِ بَعْدَ السَّلَامِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ قَطَعَ وَلَا يَسْجُدُ الْأُخْرَى. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. (أَوْ سَجَدَ وَاحِدَةً فِي شَكِّهِ فِيهِ هَلْ سَجَدَ اثْنَيْنِ) فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ شَكَّ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ أَوْ فِي إحْدَاهُمَا سَجَدَ مَا شَكَّ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ سَهْوٍ سَهَا فِيهِمَا. (أَوْ زَادَ سُورَةً فِي أُخْرَيَيْهِ) قَالَ مَالِكٌ: وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سَهْوًا فَلَا سُجُودَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 سَهْوٍ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ إنَّمَا زَادَ قُرْآنًا كَمَا لَوْ قَرَأَ بِسُورَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ قَرَأَ فِي الْأَرْبَعِ جَمِيعًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ، وَكَانَ أَحْيَانًا يَقْرَأُ بِالسُّورَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ. . (أَوْ خَرَجَ مِنْ سُورَةٍ لِغَيْرِهَا) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلِيٌّ: إنْ بَدَأَ بِسُورَةٍ وَخَتَمَ بِأُخْرَى فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ خَرَجَ لِأُخْرَى سَهْوًا فِيهَا سَجْدَةٌ، فَإِنْ قَرَأَ يَسِيرًا سَجَدَ السَّجْدَةَ وَعَادَ لِلْأُولَى وَإِنْ قَرَأَ جُلَّهَا أَتَمَّهَا. (أَوْ قَاءَ غَلَبَةً أَوْ قَلَسَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَقَيَّأَ عَامِدًا فِي الصَّلَاةِ، أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ وَلَا يَبْنِي إلَّا فِي الرُّعَافِ. ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّ مَنْ ذَرَعَهُ قَيْءٌ أَوْ، قَلْسٌ فَلَمْ يَرُدَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ وَلَا صِيَامِهِ، وَإِنْ رَدَّهُ مُتَعَمِّدًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى طَرْحِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي فَسَادِ صَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ، وَإِنْ رَدَّهُ نَاسِيًا أَوْ مَغْلُوبًا فَقَوْلَانِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. ابْنُ يُونُسَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنْ ابْتَلَعَ الْقَلْسَ بَعْدَمَا أَمْكَنَهُ طَرْحُهُ وَظَهَرَ عَلَى لِسَانِهِ فَإِنْ كَانَ سَهْوًا بَنَى وَسَجَدَ بَعْدَ سَلَامِهِ. ابْنُ مُزَيْنٍ: الْقَلْسُ مَاءٌ وَرُبَّمَا كَانَ مِنْ الْقَيْءِ وَرُبَّمَا كَانَ طَعَامًا، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا قَطَعَ الصَّلَاةَ وَتَمَضْمَضَ وَابْتَدَأَهَا. رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ (وَلَا لِفَرِيضَةٍ) التَّلْقِينُ: الْفَرِيضَةُ لَا يُجْزِئُ مِنْهَا إلَّا الْإِتْيَانُ بِهَا (أَوْ غَيْرِ مُؤَكَّدَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: " بِنَقْصِ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ " (كَتَشَهُّدٍ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ. سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَعَدَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَنَعَسَ فَلَمْ يَتَنَبَّهْ إلَّا بِقِيَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 النَّاسِ أَنَّهُ يَقُومُ وَلَا يَتَشَهَّدُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ قَدْ فَاتَ بِنُعَاسِهِ وَذَهَبَ مَوْضِعُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَحْمِلُهُ عَنْهُ الْإِمَامُ وَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ النَّوْمِ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ. (وَيَسِيرِ جَهْرٍ، أَوْ سِرٍّ، وَإِعْلَانٍ بِكَآيَةٍ) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَتَرْكِ جَهْرٍ " (وَأَعَادَ سُورَةً فَقَطْ لَهُمَا) نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ فَانْظُرْهُ أَنْتَ. وَسَمِعَ أَشْهَبُ: لَا سَهْوَ عَلَى مَنْ قَرَأَ فِي صَلَاةٍ فِي رَكْعَةٍ سِرًّا، ثُمَّ ذَكَرَ فَأَعَادَ الْقِرَاءَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 جَهْرًا. ابْنُ رُشْدٍ: لَمْ يَرَ عَلَيْهِ سُجُودَ سَهْوٍ فِي زِيَادَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ سَهْوًا، وَلَهُ مِثْلُ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي يَسْهُو عَنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى قَرَأَ السُّورَةَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ وَالسُّورَةَ وَاَلَّذِي يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ. وَفِي سَمَاعِ عِيسَى فِي الَّذِي شَكَّ فِي قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ بَعْدَ أَنْ قَرَأَ السُّورَةَ فَرَجَعَ فَقَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ وَالسُّورَةَ أَنَّهُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَوَقَعَ لَهُ خِلَافُ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي نَسِيَ التَّكْبِيرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ حَتَّى قَرَأَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فَيُكَبِّرُ ثُمَّ يَقْرَأُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ. وَفَرَّقَ عَبْدُ الْحَقِّ بِأَنَّهُ قَدَّمَ قُرْآنًا عَلَى غَيْرِهِ. وَرَدَّهُ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ الْأَمْرَ عَائِدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى زِيَادَةِ قُرْآنٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: الشَّيْءُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ نَوْعِهِ أَشَدُّ مُبَايَنَةً مِنْهُ فِي مَحَلِّ نَوْعِهِ وَبِأَنَّهَا فِي الْعِيدِ أَكْثَرُ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ: يَسْجُدُ لِطُولِ الْقِيَامِ لَا لِقِرَاءَتِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَالصَّوَابُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِيدِ أَنَّهُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَادَ قُرْآنًا انْتَهَى. فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى أَعَادَ الْقِرَاءَةَ لِسَهْوِهِ عِنْدَ جَهْرِهَا. الثَّانِيَةُ أَعَادَ السُّورَةَ لِتَقْدِيمِهَا عَلَى الْفَاتِحَةِ. الثَّالِثَةُ أَعَادَ الْقِرَاءَةَ لِتَقْدِيمِهَا عَلَى تَكْبِيرِ الْعِيدِ. وَبَقِيَتْ مَسْأَلَةٌ رَابِعَةٌ: هَلْ يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ فِي السُّورَةِ سِرًّا إذَا قَرَأَهَا جَهْرًا وَتَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ؟ . لَمْ أَجِدْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَنْصُوصَةً. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الْأَرْبَعُ فِيهَا كُلِّهَا إعَادَةُ الْقِرَاءَةِ إلَّا مَسْأَلَةً وَاحِدَةً فَفِيهَا إعَادَةُ السُّورَةِ، فَانْظُرْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 عَلَى مَا يَتَنَزَّلُ عَلَيْهِ لَفْظُ خَلِيلٍ. فَلَوْ قَالَ: " وَإِعَادَةُ قِرَاءَةٍ لَهَا فَقَطْ " لَدَخَلَ لَهُ فِي قَوْلِهِ: " لَهُمَا " الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَالرَّابِعَةُ وَخَرَجَ لَهُ بِقَوْلِهِ: " فَقَطْ " الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ بِنَاءً عَلَى تَفَقُّهِ عَبْدِ الْحَقِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَبْقَى لَهُ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ كَأَنَّهُ مَا تَعَرَّضَ لَهَا (وَلِتَكْبِيرَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَسِيَ تَكْبِيرَةً، أَوْ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " مَرَّةً، أَوْ الْقُنُوتَ فَهُوَ خَفِيفٌ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ. (وَفِي إبْدَالِهَا بِسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَعَكْسِهِ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا جَعَلَ الْإِمَامُ، أَوْ الْفَذُّ مَوْضِعَ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " " اللَّهُ أَكْبَرُ "، أَوْ مَوْضِعَ " اللَّهُ أَكْبَرُ " " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " فَلْيَرْجِعْ، فَيَقُولُ كَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَمَضَى سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ كَمَا لَوْ أَسْقَطَهَا ابْنُ عَرَفَةَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ بِ " أَوْ " وَرَوَاهَا الْأَكْثَرُ بِالْوَاوِ انْتَهَى. اُنْظُرْ تَفْرِيعَ ابْنِ يُونُسَ مُقْتَضَاهُ الْوَاوُ قَالَ: يُرِيدُ أَنَّهُ يَقُولُ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " فَقَطْ وَلَا يُعِيدُ التَّكْبِيرَ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ قَدْ فَاتَهُ، وَلِأَنَّهُ قَدْ رَفَعَ رَأْسَهُ أَيْضًا فَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 إذَا أَعَادَ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " فَقَدْ أَتَى بِهَا بَعْدَ التَّكْبِيرِ فَهُوَ كَمَنْ قَرَأَ السُّورَةَ قَبْلَ أُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنَّمَا يُعِيدُ السُّورَةَ فَتَصِيرُ بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَكَمَنْ صَلَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ فَتَصِيرُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ. الْمَازِرِيُّ: خَالَفَ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَقَالَ: بَلْ يَأْتِي بِالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ الَّذِي أَوْقَعَهُ قَصَدَ بِهِ الرَّفْعَ فَلَا يَنُوبُ لَهُ عَنْ تَكْبِيرٍ قَصَدَ بِهِ الْخَفْضَ. وَرَأَيْت لِأَبِي عِمْرَانَ وَابْنِ الْكَاتِبِ أَنَّهُ إذَا عَادَ لِقَوْلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَمْ يَسْجُدْ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَحْصُلُ مَعَهُ زِيَادَةُ تَكْبِيرٍ، وَزِيَادَةُ التَّكْبِيرِ لَا سُجُودَ فِيهِ. وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيمَنْ أَبْدَلَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ خَاصَّةً فَقِيلَ: لَا سُجُودَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قُصَارَى مَا فِيهِ أَنَّهُ أَخَلَّ بِتَكْبِيرَةٍ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا وَلَا سُجُودَ لِذَلِكَ. وَقِيلَ: يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ نَقَصَ مَا كَانَ مَأْمُورًا بِأَنْ يَقُولَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ وَزَادَ الْقَوْلَ الَّذِي وَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَاجْتَمَعَ لَهُ سَهْوَانِ فَأُمِرَ بِالسُّجُودِ لَهُمَا. (وَلَا لِإِدَارَةِ مُؤْتَمٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ صَلَّى مَعَهُ رَجُلٌ قَامَ عَنْ يَمِينِهِ. وَإِنْ قَامَ عَنْ يَسَارِهِ أَدَارَهُ الْإِمَامُ إلَى يَمِينِهِ مِنْ خَلْفِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى فَرَغَ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَا إنْ عَلِمَ بِهِ فَتَرَكَهُ (وَإِصْلَاحِ رِدَاءٍ) عِيَاضٌ: الْمَشْهُورُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 يَسِيرُ فِعْلِ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا عَفْوٌ: كَالْإِشَارَةِ بِالْحَاجَةِ، وَإِصْلَاحِ الثَّوْبِ وَحَكِّ الْجَسَدِ وَشَبَهِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: يَتَخَرَّجُ وُجُوبُ السُّجُودِ لِتَحْوِيلِ خَاتَمِهِ فِي أَصَابِعِهِ سَهْوًا عَلَى قَوْلِي بِالْمَجْمُوعَةِ ابْتِلَاعُ قَلْسٍ بَعْدَ فُصُولِهِ سَهْوًا مُنْجَبِرٌ. (أَوْ سُتْرَةٍ سَقَطَتْ أَوْ كَمَشْيِ صَفَّيْنِ لِسُتْرَةٍ) لَوْ قَالَ: "، أَوْ مَشْيِ كَصَفَّيْنِ " لِتُنَزَّلَ عَلَى نَصِّ ابْنِ يُونُسَ لَا بَأْسَ أَنْ يَخْرِقَ إلَيْهَا صُفُوفًا رِفْقًا. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَأَثِمَ مَارٌّ " (أَوْ فُرْجَةٍ) ابْنُ يُونُسَ: الشَّأْنُ فِي الصَّلَاةِ سَدُّ الْفُرَجِ فَإِذَا رَأَى وَهُوَ يُصَلِّي فُرْجَةً أَمَامَهُ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ يَسَارِهِ حَيْثُ يَجِدُ السَّبِيلَ إلَى سَدِّهَا فَلْيَتَقَدَّمْ إلَيْهَا لِيَسُدَّهَا، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْرِقَ إلَيْهَا صُفُوفًا رِفْقًا. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ: مَنْ رَفَعَ مِنْ رُكُوعِهِ فَرَأَى فُرْجَةً مَشَى إلَيْهَا لِسَدِّهَا إنْ قَرُبَتْ. ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ بَعُدَتْ صَبَرَ حَتَّى يُسَمِّعَهُ وَيَقُومَ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَشُقُّ إلَيْهَا إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا صَفَّانِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَدَّ فُرْجَةً فِي الصَّفِّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ دَرَجَةً وَبَنَى لَهُ فِي الْجَنَّةِ بَيْتًا» . وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَى أَنْ يُشِيرَ الْمُصَلِّي إلَى مَنْ بِجَنْبَيْهِ بِالتَّسْوِيَةِ إذَا خَرَجَ عَنْ الصَّفِّ إذَا كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا، وَأَمَّا الصَّفُّ يَتَعَوَّجُ فَلَا يَشْتَغِلُ بِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الْإِقْبَالَ عَلَى صَلَاتِهِ مِمَّا يَخُصُّهُ بِخِلَافِ تَقْوِيمِ الصَّفِّ. (أَوْ دَفْعِ مَارٍّ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَأَثِمَ مَارٌّ " (أَوْ ذَهَابِ دَابَّتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَفْلَتَتْ دَابَّتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي مَشَى إلَيْهَا فِيمَا قَرُبَ إنْ كَانَتْ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ يَسَارِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَطَعَ إنْ بَعُدَتْ وَطَلَبَهَا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ يَشْتَغِلُ سِرُّهُ فِيهَا فَلَا يَدْرِي مَا يُصَلِّي وَكُرِهَ لَهُ الِانْحِرَافُ أَوْ الْقَطْعُ مِنْ الشَّاةِ تَأْكُلُ عَجِينًا أَوْ ثَوْبًا. ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنْ كَانَ فَسَادًا كَثِيرًا قَطَعَ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ فِي إمَامٍ مُسَافِرٍ صَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ وَخَافَ عَلَيْهَا، أَوْ عَلَى صَبِيٍّ، أَوْ عَلَى أَعْمَى أَنْ يَقَعَ فِي بِئْرٍ، أَوْ نَارٍ أَوْ ذَكَرَ مَتَاعًا خَافَ عَلَيْهِ التَّلَفَ فَلِذَلِكَ عُذْرٌ يُبِيحُ لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَلَا يُفْسِدَ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ. وَسَمِعَ مُوسَى «أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَسِلْتُ أَنْ أَقُومَ فَأَفْتَحَ الْبَابَ فَفَتَحَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ» الْحَدِيثَ. (وَإِنْ بِجَنْبٍ أَوْ قَهْقَرَةٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَنْحَازَ الَّذِي يَقْضِي بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ إلَى مَا قَرُبَ مِنْ الْأَسَاطِينِ إلَى خَلْفِهِ يُقَهْقِرُ قَلِيلًا إنْ كَانَ قَرِيبًا اُنْظُرْ قَبْلُ: " وَأَثِمَ مَارٌّ ". (وَفَتْحٍ عَلَى إمَامِهِ إنْ وَقَفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا وَقَفَ الْإِمَامُ فِي قِرَاءَتِهِ فَلْيَفْتَحْ عَلَيْهِ مَنْ خَلْفَهُ، وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا بَأْسَ بِفَتْحِهِ عَلَى إمَامِهِ فِي فَرْضِهِ وَنَفْلِهِ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَفْتَحُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْتَظِرَ الْفَتْحَ أَوْ يَخْلِطَ آيَةَ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذَابٍ أَوْ غَيَّرَ بِكُفْرٍ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَحْ حَذَفَ تِلْكَ الْآيَةَ، وَإِنْ تَعَذَّرَ رَكَعَ وَلَا يَنْظُرُ مُصْحَفًا بَيْنَ يَدَيْهِ. الْبَاجِيُّ إنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ نَظَرَهُ. عَبْدُ الْحَقِّ: إنْ نَسِيَ مِنْهَا آيَةً لُقِّنَ، وَإِنْ لَمْ يَقِفْ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَخْفِيفُ تَعَوُّذِ الْقَارِئِ يُحْصَرُ وَيُلَقَّنُ فَلَا يَتَلَقَّنُ وَتَخْيِيرُهُ فِي رُكُوعِهِ وَابْتِدَاءِ سُورَةٍ أُخْرَى وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ ابْتِدَاءَهُ (وَسَدِّ فِيهِ لِتَثَاؤُبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَانَ مَالِكٌ إذَا تَثَاءَبَ فِي غَيْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 الصَّلَاةِ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ. وَنَفَثَ وَمَا أَدْرِي مَا فِعْلُهُ فِي الصَّلَاةِ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ تَثَاءَبَ وَهُوَ يُصَلِّي قَطَعَ قِرَاءَتَهُ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ. (وَنَفْثٍ بِثَوْبٍ لِحَاجَةٍ) عِيَاضٌ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى فَإِنَّهُ قِبْلَةُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - قِبَلَ وَجْهِهِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا تُقَابَلُ بِضِدِّهَا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ لَا يُفْعَلَ إلَّا بِإِيهَانٍ. قَوْلُهُ: «وَلَكِنْ لِيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ» تَنْزِيهٌ أَيْضًا لِجِهَةِ الْيَمِينِ عَنْ الْأَقْذَارِ. وَقَوْلُهُ: «فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَفْعَلْ هَكَذَا وَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ وَمَسَحَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ» ، فِيهِ جَوَازُ الْبُصَاقِ فِي الصَّلَاةِ - لِمَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ - وَالنَّفْخِ الْيَسِيرِ إنْ لَمْ يَصْنَعْهُ عَبَثًا؛ إذْ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ الْبُصَاقُ. (كَتَنَحْنُحٍ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 الْمَازِرِيُّ: التَّنَحْنُحُ لِضَرُورَةِ الطَّبْعِ وَأَنِينِ الْوَجَعِ عَفْوٌ. (وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْإِبْطَالِ بِهِ لِغَيْرِهَا) وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: التَّنَحْنُحُ لِلْإِفْهَامِ مُنْكَرٌ لَا خَبَرَ فِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ: كَتَنَحْنُحِ الْجَاهِلِ لِلْإِمَامِ يُخْطِئُ فِي قِرَاءَتِهِ. ابْنُ يُونُسَ: رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَالْكَلَامِ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ. الْأَبْهَرِيُّ: لِأَنَّهُ لَيْسَ كَلَامًا وَلَيْسَ حُرُوفَ هِجَاءٍ. اللَّخْمِيِّ: وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ تَنَحْنَحَ مُخْتَارًا أَوْ نَفَخَ، أَوْ جَاوَبَ إنْسَانًا بِالتَّنَحْنُحِ أَوْ بِآيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ فَتَحَ عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي صَلَاةٍ فَقَالَ مَالِكٌ فِي النَّفْخِ: أَرَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: أَكْرَهُهُ وَلَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ. وَقَالَ أَيْضًا: إذَا تَنَحْنَحَ يُسْمِعُ إنْسَانًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ: ذَلِكَ كَلَامٌ لِقَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] وَأَخَذَ الْأَبْهَرِيُّ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُرُوفُ هِجَاءٍ. وَالْقَوْلُ: إنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ إذَا تَنَحْنَحَ أَوْ نَفَخَ أَحْسَنُ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ الْمُرَادِ بِالنَّهْيِ. وَفِي الرِّسَالَةِ: النَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ وَالْعَامِدُ لِذَلِكَ مُفْسِدٌ لِصَلَاتِهِ. (وَتَسْبِيحِ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ لِضَرُورَةٍ وَلَا يُصَفِّقْنَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالتَّسْبِيحِ فِي الصَّلَاةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَضَعُفَ أَمْرُ التَّصْفِيقِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ» عِيَاضٌ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ سَبَّحَ فِي صَلَاتِهِ يُرِيدُ جَوَابَ غَيْرِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ اسْتَأْذَنَ رَجُلًا فِي بَيْتِهِ - وَهُوَ يُصَلِّي - فَسَبَّحَ بِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُعْلِمَهُ أَنَّهُ فِي صَلَاةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (وَكَلَامٍ لِإِصْلَاحِهَا بَعْدَ سَلَامٍ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا: " أَوْ كَلَامٍ، وَإِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 بِكُرْهٍ إلَّا لِإِصْلَاحِهَا ". سَمِعَ عِيسَى: يَجُوزُ أَنْ يَسْأَلَ إمَامٌ مَأْمُومَهُ هَلْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ أَمْ لَا. ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَأَلَ قَبْلَ السَّلَامِ وَهَذَا بَعِيدٌ؛ إذْ لَا ضَرُورَةَ بِالْإِمَامِ إلَى سُؤَالٍ قَبْلَ السَّلَامِ هَلْ أَكْمَلَ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إذَا شَكَّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْيَقِينِ إلَّا أَنْ يُسَبِّحَ بِهِ فَيَرْجِعَ. فَإِنْ سَأَلَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، أَوْ سَلَّمَ عَلَى شَكٍّ فَقَدْ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى يَقِينٍ ثُمَّ شَكَّ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَهُمْ. وَهَذَا بِخِلَافِ الَّذِي يُسْتَخْلَفُ سَاعَةَ دُخُولِهِ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِمَا صَلَّى الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ السُّؤَالُ. وَإِذَا لَمْ يَفْهَمْ بِالْإِشَارَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ يَجِدْ الْمُسْتَخْلَفُ بُدًّا إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ فَلَا بَأْسَ. وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى الْمَعْلُومِ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَةُ مِنْ إصْلَاحِ الصَّلَاةِ جَائِزٌ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ. ابْنُ حَبِيبٍ: لِمَنْ رَأَى فِي ثَوْبِ إمَامِهِ نَجَاسَةً أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ وَيُخْبِرَهُ كَلَامًا. وَقَالَ سَحْنُونَ: تَبْطُلُ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ مِنْ اثْنَتَيْنِ سَبَّحَ بِهِ الْقَوْمُ رَجَاءَ أَنْ يَتَذَكَّرَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ» فَإِنْ لَمْ يَفْقَهْ عَنْهُ فَلْيُصَرِّحْ لَهُ بِالْكَلَامِ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ جَائِزٌ إذَا اُحْتِيجَ لَهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ سَاهِيًا فَالْتَفَتَ فَتَكَلَّمَ فَإِنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ، وَإِنْ تَبَاعَدَ وَأَطَالَ الْقُعُودَ وَالْكَلَامَ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ وَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا إنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ وَقَدْ «تَكَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاهِيًا وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَدَخَلَ فِيمَا بَنَى بِتَكْبِيرٍ وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ بَعْدَ السَّلَامِ» . (وَرَجَعَ إمَامٌ فَقَطْ لِعَدْلَيْنِ) اللَّخْمِيِّ: إذَا شَكَّ الْإِمَامُ وَمَنْ خَلْفَهُ فَأَخْبَرَهُمْ عَدْلَانِ أَنَّهُمْ أَتَمُّوا رَجَعُوا إلَيْهَا وَسَلَّمُوا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: السُّنَّةُ قَدْ أُحْكِمَتْ إذَا شَكَّ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى يَقِينِهِ لَا إلَى يَقِينِ غَيْرِهِ فَذًّا كَانَ، أَوْ إمَامًا. فَخَرَجَ مِنْ ذَلِكَ رُجُوعُ الْإِمَامِ إلَى يَقِينِ مَنْ خَلْفَهُ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَإِذَا صَلَّى فَأَخْبَرَتْهُ زَوْجَتُهُ، أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ أَنَّهُ قَدْ صَلَّى لَمْ يَرْجِعْ إلَى قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَعْتَرِيهِ كَثِيرًا. رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ وَعَنْ أَشْهَبَ: إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ أَجْزَأَهُ. وَخَفَّفَهُ مَالِكٌ فِي الطَّوَافِ، وَوَجْهُهُ الْقِيَاسُ عَلَى الْحُقُوقِ، وَذَلِكَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُمَا أَصْلَانِ مُفْتَرَقَانِ. (إنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ إلَّا لِكَثْرَتِهِمْ جِدًّا) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ أَخْبَرَ الْإِمَامَ مَنْ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ فَإِنْ أَيْقَنَ بِخِلَافِ مَا قَالُوهُ فَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَكْثُرُوا حَتَّى يَكُونُوا مَنْ يَقَعُ بِهِمْ الْعِلْمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 الضَّرُورِيُّ. (وَلَا لِحَمْدِ عَاطِسٍ، أَوْ مُبَشِّرٍ وَنُدِبَ تَرْكُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُحَمِّدُ الْمُصَلِّي إنْ عَطَسَ فَإِنْ فَعَلَ فَفِي نَفْسِهِ، وَتَرْكُهُ خَيْرٌ لَهُ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا غُلُوٌّ بِأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ جَهْرًا وَتَكْتُبَهُ الْمَلَائِكَةُ فَضْلًا وَأَجْرًا. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا تُفْسِدُ صَلَاتَهُ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ عَلَى حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ الدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ، وَسَمِعَ مُوسَى: لَا يُعْجِبُنِي قَوْلُهُ لِمُخْبِرٍ سَمِعَهُ " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ "، أَوْ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَوْ اسْتِرْجَاعِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِسَمَاعِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ لِلْإِخْلَاصِ: اللَّهُ كَذَلِكَ لَمْ يُعِدْ (وَلَا لِجَائِزٍ كَإِنْصَاتٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 قَلَّ لِمُخْبِرٍ وَتَرْوِيحِ رِجْلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ابْتَلَعَ حَبَّةً بَيْنَ أَسْنَانِهِ، أَوْ أَنْصَتَ لِمُخْبِرٍ يَسِيرًا، أَوْ رَوَّحَ رِجْلَيْهِ وَالْتَفَتَ غَيْرَ مُسْتَدْبِرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَقَتْلِ عَقْرَبٍ تُرِيدُهُ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَرَادَتْهُ حَيَّةٌ وَهُوَ يُصَلِّي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 قَتَلَهَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَتَمَادَى مَا لَمْ يُطِلْ. وَلَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إنْ أَرَادَتْهُ الْعَقْرَبُ وَنَسِيَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَقَتَلَهَا فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تُرِدْهُ وَنَسِيَ أَيْضًا أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَقَتَلَهَا فَقِيلَ: يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَقِيلَ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. (وَإِشَارَةٍ لِسَلَامٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ يَكْرَهْ مَالِكٌ السَّلَامَ عَلَى الْمُصَلِّي لِأَنَّهُ قَالَ: مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَرِيضَةً، أَوْ نَافِلَةً فَلْيَرُدَّ بِيَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ مُشِيرًا (أَوْ حَاجَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 بِالْإِشَارَةِ الْخَفِيفَةِ فِي الصَّلَاةِ إلَى الرَّجُلِ لِبَعْضِ حَوَائِجِهِ. وَقَدْ أَجَازَ لَهُ مَالِكٌ أَنْ يَرُدَّ جَوَابًا بِالْإِشَارَةِ فَهَذَا مِثْلُهُ. ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ فِي الصَّلَاةِ. (لَا عَلَى مُشَمِّتٍ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: لَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 شَمَّتَهُ وَلَا إشَارَةً (كَأَنِينٍ لِوَجَعٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ الْمَازِرِيِّ أَنِينٌ لِوَجَعٍ عَفْوٌ. (وَبُكَاءِ تَخَشُّعٍ) فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُسْمِعَ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ. عِيَاضٌ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبُكَاءَ فِي الصَّلَاةِ جَائِزٌ وَغَيْرُ مُفْسِدٍ لَهَا قَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] (وَإِلَّا فَكَالْكَلَامِ) قَالَ سَنَدٌ: اتَّفَقَ النَّاسُ أَنَّ الْبُكَاءَ بِصَوْتٍ مُبْطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مُصِيبَةٍ، أَوْ وَجَعٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْخُشُوعِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (كَسَلَامٍ عَلَى مُفْتَرِضٍ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا لَمْ يَكْرَهْ مَالِكٌ السَّلَامَ عَلَى الْمُصَلِّي (وَلَا لِتَبَسُّمٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 مَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَى الْمُصَلِّي إنْ تَبَسَّمَ. ابْنُ الْقَاسِمِ: سَاهِيًا كَانَ، أَوْ عَامِدًا. (وَفَرْقَعَةِ أَصَابِعَ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَفَرْقَعَتُهَا " (وَالْتِفَاتٍ بِلَا حَاجَةٍ) الْبَاجِيُّ: لَا خِلَافَ أَنَّ الِالْتِفَاتَ الْخَفِيفَ لَا يُبْطِلُ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ سَبَبٍ. (وَتَعَمُّدِ بَلْعِ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَحَكِّ جَسَدِهِ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا لِجَائِزٍ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِصْلَاحِ رِدَاءٍ ". (وَذِكْرٍ قَصَدَ بِهِ التَّفْهِيمَ بِمَحَلِّهِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْكَافِي قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَلَا لِجَائِزٍ ". وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَا جَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ فِي صَلَاتِهِ مِنْ مَعْنَى الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ فَرَفَعَ بِذَلِكَ صَوْتَهُ لِيُنَبِّهَ رَجُلًا، وَلِيَسْتَوْقِفَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ. وَقَدْ اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَ: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99] فَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ يُونُسَ غَيْرَ هَذَا كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: تَرَدَّدَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَفْرَدَهُ عَلَى وَجْهِ التِّلَاوَةِ وَقَصَدَ بِهِ التَّنْبِيهَ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُقَالَ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ انْتَهَى. وَكَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يَقُولُ: يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ: الْمُنَبِّهُ لِلْإِمَامِ بِقِيَامِ ثَالِثِهِ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] بِالْوَاوِ وَانْظُرْ لَوْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَى بِاتِّفَاقٍ. وَسَمِعَ مُوسَى: لَا بَأْسَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَنْوِي بِذَلِكَ إخْبَارَ مَنْ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُصَلِّي. ابْنُ رُشْدٍ: أَجَازَ التَّسْبِيحَ هُنَا، وَإِنْ كَانَ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِإِصْلَاحِ الْحَدِيثِ: «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ» لِأَنَّهُ كَلَامٌ قَائِمٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ وَفِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِإِصْلَاحِهَا. وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ خَرَجَ بِذَلِكَ السَّبَبِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا عَدَا التَّسْبِيحَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إذَا رَفَعَ بِذَلِكَ صَوْتَهُ لِإِنْبَاهِ رَجُلٍ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ أَشْهَبُ كَالْكَلَامِ، وَرَآهُ ابْنُ الْقَاسِمِ كَالْكَلَامِ وَأَفْسَدَ بِهِ الصَّلَاةَ. وَانْظُرْ فِي تَكْبِيرِ الْمُكَبِّرِ فِي الْجَوَامِعِ هَلْ يَدْخُلُهُ هَذَا الِاخْتِلَافُ أَمْ لَا؟ . وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْتَصُّ بِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ انْتَهَى. نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ: وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: اخْتَلَفَ شُيُوخُنَا فِي الصَّلَاةِ بِالْمُسْمِعِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدَى بِهِ اقْتَدَى بِغَيْرِ إمَامٍ، ثُمَّ قَالَ: وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَ. وَسَمِعَ ابْنُ وَهْبٍ لَوْ جَهَرَ الْمَأْمُومُ بِرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَبِالتَّكْبِيرِ جَهْرًا يُسْمِعُ مَنْ يَلِيهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي إسْمَاعِ مَنْ يَبْعُدُ فَذَلِكَ حَسَنٌ وَلَهُ أَجْرُ التَّنْبِيهِ. وَفِي آخِرِ كِتَابِ الْبُخَارِيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 مِنْ الْجَنَائِزِ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا. وَفِي الْمُوَطَّأِ فِي الَّذِي رَفَعَ صَوْتَهُ بِرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا إلَى آخِرِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ وَرَاءَ الْإِمَامِ بِرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ لِمَنْ أَرَادَ الْإِعْلَامَ وَالْإِسْمَاعَ لِلْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الذِّكْرَ كُلَّهُ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ جَائِزٌ فِي الصَّلَاةِ بَلْ هُوَ مَحْمُودٌ وَمَمْدُوحٌ فَاعِلُهُ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ. ثُمَّ نُقِلَ بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي أَوْفَى قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ وَنَحْنُ فِي الصَّفِّ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. قَالَ: فَرَفَعَ النَّاسُ رُءُوسَهُمْ وَاسْتَنْكَرُوا الرَّجُلَ فَقَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ هَذَا الْعَالِي الصَّوْتَ؟ فَقِيلَ: هُوَ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْت كَلَامًا يَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ حَتَّى فُتِحَ لَهُ فَدَخَلَ» . قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَفِي مَدْحِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَذَا الرَّجُلِ وَتَعْرِيفِهِ النَّاسَ بِفَضْلِ كَلَامِهِ وَفَضْلِ مَا صَنَعَ مِنْ رَفْعِ صَوْتِهِ بِذَلِكَ الذِّكْرِ أَوْضَحُ الدَّلَائِلِ عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ، مِنْ كُلِّ مَنْ فَعَلَهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ جَاءَ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لِلَّهِ وَتَعْظِيمٌ لَهُ يَصْلُحُ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ سِرًّا أَوْ جَهْرًا. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ بِكُلِّ كَلَامٍ يُفْهَمُ عَنْهُ غَيْرِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ سِرًّا مَا جَازَ كَمَا لَا يَجُوزُ جَهْرًا وَهَذَا وَاضِحٌ. انْتَهَى نَصُّ أَبِي عُمَرَ. وَقَالَ عِيَاضٌ: مِنْ وَظَائِفِ الْإِمَامِ أَنْ يَجْزِمَ تَحْرِيمَهُ وَتَسْلِيمَهُ وَلَا يَمُطَّهُمَا لِئَلَّا يُسَابِقَهُ بِهِمَا مَنْ وَرَاءَهُ، وَأَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ كُلِّهِ وَسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِيَقْتَدِيَ بِهِ مَنْ وَرَاءَهُ. (كَفَتْحٍ عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي صَلَاةٍ عَلَى الْأَصَحِّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَفْتَحُ أَحَدٌ عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا مُصَلٍّ عَلَى مُصَلٍّ آخَرَ. ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ صَلَاتَهُ أَبَدًا وَهُوَ كَالْكَلَامِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَابْنِ حَبِيبٍ. (وَبَطَلَتْ بِقَهْقَهَةٍ وَتَمَادَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 الْمَأْمُومُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّرْكِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ قَهْقَهَ الْمُصَلِّي قَطَعَ وَابْتَدَأَ، وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا تَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ، فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ أَعَادَ الصَّلَاةَ. قَالَ سَحْنُونَ: وَإِذَا ضَحِكَ الْإِمَامُ نَاسِيًا فَإِنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا سَجَدَ لِسَهْوِهِ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا، أَوْ جَاهِلًا أَفْسَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ قَهْقَهَ عَامِدًا، أَوْ نَاسِيًا أَوْ مَغْلُوبًا فَسَدَتْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ. فَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ قَطَعَ، وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا تَمَادَى وَأَعَادَ، وَإِنْ كَانَ إمَامًا اسْتَخْلَفَ فِي السَّهْوِ وَالْغَلَبَةِ وَيَبْتَدِئُ فِي الْعَمْدِ. ابْنُ يُونُسَ: الْقِيَامُ مَا قَالَهُ سَحْنُونَ لِأَنَّهُ كَالْكَلَامِ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا النَّفْخَ كَالْكَلَامِ فَهَذَا أَشْبَهُ مِنْهُ، وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَحْوَطُ. وَسَمِعَ عِيسَى بْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ إمَامًا اسْتَخْلَفَ فِي الْغَلَبَةِ وَأَتَمَّ هُوَ صَلَاتَهُ مَعَهُمْ، ثُمَّ يُعِيدُ إذَا فَرَغُوا. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ مَعَهُمْ صَحِيحٌ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الْمَأْمُومَ يَتَمَادَى وَلَا يَقْطَعُ فَإِذَا لَمْ يَقْطَعْ الْمَأْمُومُ مِنْ أَجْلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي قَدْ دَخَلَ فِيهَا فَالْإِمَامُ بِمَنْزِلَتِهِ. وَقَوْلُهُ: " ثُمَّ يُعِيدُ " هُوَ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمَأْمُومِ، وَإِمَامِهِمْ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ وَسَوَاءٌ تَعَمَّدَ النَّظَرَ وَالِاسْتِمَاعَ فِي صَلَاتِهِ إلَى مَنْ يَضْحَكُ فَيَغْلِبُهُ الضَّحِكُ فِيهَا أَمْ لَا. وَكَذَلِكَ النَّاسِي كَالْمَغْلُوبِ يُقَدَّمُ إنْ كَانَ إمَامًا وَيَتَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ إنْ كَانَ مَأْمُومًا. قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الْآتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَوَّازِ: إنَّ الضَّحِكَ نَاسِيًا بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ نَاسِيًا، وَأَمَّا الَّذِي يَضْحَكُ مُخْتَارًا لِلضَّحِكِ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُ أَمْسَكَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ أَبْطَلَ عَلَى نَفْسِهِ صَلَاتَهُ وَصَلَاةَ مَنْ خَلْفَهُ إنْ كَانَ إمَامًا وَلَا يَتَمَادَى عَلَيْهَا فَذًّا كَانَ، أَوْ إمَامًا، أَوْ مَأْمُومًا. وَالضَّحِكُ فِي الصَّلَاةِ أَشَدُّ مِنْ الْكَلَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ اللَّهْوِ وَقِلَّةِ الْوَقَارِ وَمُخَالَفَةِ الْخُشُوعِ. وَإِذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ بَعْدَ فَرَاغِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ هُوَ وَمَنْ خَلْفَهُ بِخِلَافِ مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ جُنُبًا. ابْنُ يُونُسَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، رَاجِعْ تَرْجَمَتَهُ مِنْ الْغُسْلِ. (كَتَكْبِيرِهِ لِلرُّكُوعِ بِلَا نِيَّةِ إحْرَامٍ) ابْنُ رُشْدٍ: نَسِيَ الْمَأْمُومُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَكَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَلَمْ يَنْوِ بِهَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ تَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ وَأَعَادَ. وَإِنْ نَسِيَهَا الْفَذُّ وَالْإِمَامُ فَلَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ اسْتِئْنَافِ الصَّلَاةِ فَإِنْ نَوَوْا بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ الْإِحْرَامَ أَجْزَأَتْ الْمَأْمُومَ وَلَمْ تَجْزِ الْفَذَّ وَالْإِمَامَ وَعَلَيْهِمَا اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ. (وَذِكْرِ فَائِتَةٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: " وَإِنْ ذَكَرَ الْيَسِيرَ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَ فَذٌّ وَشَفَعَ إنْ رَكَعَ لَا مُؤْتَمٌّ ". وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذَا هُنَا لِيَذْكُرَهَا مَعَ نَظَائِرِهَا. يَقُولُ الشُّيُوخُ: مَسَاجِنُ الْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ وَيَذْكُرُونَ هَذِهِ الْفُرُوعَ الثَّلَاثَةَ: الْقَهْقَهَةَ وَتَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَذِكْرَ الْفَائِتَةِ. وَلِهَذَا قَالَ: " كَتَكْبِيرِهِ لِلرُّكُوعِ وَذِكْرِ فَائِتَةٍ " فَأَتَى بِكَافِ التَّشْبِيهِ يَعْنِي أَنَّ الْمَأْمُومَ يَتَمَادَى وَعَطَفَ عَلَيْهِ " وَذِكْرِ فَائِتَةٍ " مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْبَاءِ؛ إذْ لَيْسَ بِمَعْطُوفٍ عَلَى " قَهْقَهَةٍ " فَكَلَامُهُ فِي غَايَةٍ مِنْ الْحُسْنِ وَالِاخْتِصَارِ تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 مَوْضِعَيْهِمَا بِكَلَامٍ مُحْكَمٍ وَأَتَى بِهِمَا مَعَ الْقَهْقَهَةِ تَنْبِيهًا وَتَنْظِيرًا لَا يُهْتَدَى لِمِثْلِهِ فِي الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ إلَّا الْقَلِيلَ. (وَبِحَدَثٍ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى: " بِقَهْقَهَةٍ " التَّلْقِينُ: يُفْسِدُ الصَّلَاةَ طُرُوُّ الْحَدَثِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ سَهْوٍ وَعَمْدٍ وَغَلَبَةٍ. (وَبِسُجُودٍ لِفَضِيلَةٍ) أَشْهَبُ: مَنْ سَجَدَ لِتَرْكِ قُنُوتٍ، أَوْ تَسْبِيحٍ قِيلَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ دَلِيلُ الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ سَجَدَ لِتَرْكِ الْقُنُوتِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ مَنْ تَرَكَ التَّسْبِيحَ فَسَجَدَ (أَوْ لِتَكْبِيرِهِ) فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَسْجُدُ لِتَرْكِ تَكْبِيرِهِ. وَفِي التَّفْرِيعِ: يَسْجُدُ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. (وَبِمُشْغِلٍ عَنْ فَرْضٍ وَعَنْ سُنَّةٍ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ) ابْنُ بَشِيرٍ: قَالَ الْأَشْيَاخُ فِي الْمُصَلِّي وَهُوَ يُدَافِعُ الْحَدَثَ: إنْ مَنَعَهُ الْحَدَثُ إتْمَامَ الْفَرْضِ أَعَادَ أَبَدًا، وَإِنْ مَنَعَهُ مِنْ إتْمَامِ السُّنَنِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَلَا يُعِيدُ بَعْدَهُ، وَإِنْ مَنَعَهُ مِنْ إتْمَامِ الْفَضَائِلِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَا خَفَّ مِنْ حَقْنٍ أَوْ قَرْقَرَةٍ صَلَّى بِهِ. الْبَاجِيُّ: وَإِنْ ضَمَّ بَيْنَ وَرِكَيْهِ قَطَعَ قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. (وَبِزِيَادَةِ أَرْبَعٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ زَادَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مِثْلَهَا فَالْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ شَكَّ فِي الزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ فِي ذَلِكَ سُجُودُ السَّهْوِ بِاتِّفَاقٍ بِخِلَافِ الَّذِي يُوقِنُ بِالزِّيَادَةِ (كَرَكْعَتَيْنِ فِي الثُّنَائِيَّةِ) الْجُزُولِيُّ: مَنْ قَالَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ تَبْطُلُ إذَا زَادَ مِثْلَهَا فِيهَا يَخْتَلِفُ فِي الثُّنَائِيَّةِ وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْوِتْرِ إذَا شَفَعَهُ سَجَدَ وَهُوَ قَدْ زَادَ مِثْلَهُ. وَاخْتُلِفَ فِي الثُّلَاثِيَّةِ فَقِيلَ: كَالرُّبَاعِيَّةِ وَقِيلَ: كَالثُّنَائِيَّةِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمُقْتَصِرٍ عَلَى شَفْعٍ ". (وَبِتَعَمُّدٍ كَسَجْدَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَسِيرُ عَمْدِ فِعْلٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 مَا مِنْ نَوْعِهَا - وَلَوْ سَجْدَةً - مُبْطِلٌ وَسَهْوُهُ مُنْجَبِرٌ (أَوْ نَفْخٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: النَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ نَفَخَ عَامِدًا، أَوْ جَاهِلًا أَعَادَ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا سَجَدَ لِسَهْوِهِ. (أَوْ أَكْلٍ، أَوْ شُرْبٍ) الَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ مَنْ أَكَلَ فِي صَلَاتِهِ نَاسِيًا، أَوْ شَرِبَ وَلَمْ يُطِلْ فَقِيلَ: يَسْجُدُ وَقِيلَ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ انْتَهَى. فَمِنْ بَابٍ أَوْلَى إنْ كَانَ الْأَكْلُ عَمْدًا أَنْ تَبْطُلَ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَوْلِ الْوَاحِدِ يَبْقَى النَّظَرُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ إنْ ابْتَلَعَ الْقَيْءَ مُتَعَمِّدًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى طَرْحِهِ لَا خِلَافَ فِي فَسَادِ صَلَاتِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَكَلَّمَ، أَوْ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ، أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا حَمَلَهُ عَنْهُ إمَامُهُ. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إنْ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ سَاهِيًا وَانْصَرَفَ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ ابْتَدَأَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُطِلْ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَرُوِيَتْ بِالْوَاوِ. عِيَاضٌ: وَذَلِكَ أَصْوَبُ وَالْأُخْرَى عَلَى أَنَّ الِانْصِرَافَ مَعَهُ طُولٌ، أَوْ أَطَالَ الشُّرْبَ. وَيُخَرَّجُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ قَوْلَانِ فِي خَبَرٍ، خَفِيفُ الْأَكْلِ وَنَحْوُهُ وَبُطْلَانُهَا بِهِ. (وَقَيْءٍ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: أَوْ " قَاءَ غَلَبَةً " (أَوْ كَلَامٍ، وَإِنْ بِكُرْهٍ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا مَنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا سَجَدَ وَعَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 ابْنُ شَاسٍ: وَكَذَا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكَلَامِ فَتَكَلَّمَ كُرْهًا فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ (أَوْ وَجَبَ لِكَإِنْقَاذِ أَعْمَى) الْمَازِرِيُّ: إذَا تَكَلَّمَ عَمْدًا لِاسْتِنْقَاذِ أَعْمَى مُسْلِمٍ كَتَحْذِيرِ أَعْمَى مِنْ الْوُقُوعِ فِي مَهْلَكَةٍ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ وَاجِبًا. قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُصَلِّي فِي خِنَاقٍ مِنْ الْوَقْتِ لَمْ يُبْطِلْ كَلَامُهُ الصَّلَاةَ قِيَاسًا عَلَى الْمَسَايِفِ فِي الْحَرْبِ لَعَلَّهُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي إحْيَاءِ النَّفْسِ، وَفِي هَذَا التَّشْبِيهِ نَظَرٌ وَلَوْ خَافَ الْمُصَلِّي عَلَى تَلَفِ مَالٍ كَثِيرٍ لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ تَكَلَّمَ وَأَبْطَلَ الْكَلَامُ صَلَاتَهُ أَيْضًا. (إلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 لِإِصْلَاحِهِمَا فَبِكَثِيرِهِ) الْمَازِرِيُّ كَلَامُ الْمُتَعَمِّدِ الْمُضْطَرِّ لِلْكَلَامِ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ كَالْمَأْمُومِ يَتَكَلَّمُ لِيُشْعِرَ إمَامَهُ بِسَهْوٍ فِي صَلَاتِهِ دَخَلَ عَلَيْهِ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَكَلَامٍ لِإِصْلَاحِهَا ". (وَبِسَلَامٍ وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَفِيهَا إنْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ انْجَبَرَ وَهَلْ اخْتِلَافٌ، أَوْ لَا لِلْمُسَلِّمِ فِي الْأُولَى، أَوْ لِلْجَمِيعِ؟ تَأْوِيلَانِ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ أَكْلٍ " (وَبِانْصِرَافِهِ لِحَدَثٍ تَمَّ تَبَيَّنَ نَفْيُهُ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَظَنِّهِ فَخَرَجَ فَظَهَرَ نَفْيُهُ ". (كَمُسْلِمٍ شَكَّ فِي الْإِتْمَامِ ثُمَّ ظَهَرَ الْكَمَالُ عَلَى الْأَظْهَرِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ سَلَّمَ شَاكًّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 فِي تَمَامِ صَلَاتِهِ، ثُمَّ أَيْقَنَ بَعْدَ سَلَامِهِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَتَمَّهَا فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ كَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يَدْرِي أَنَّ زَوْجَهَا حَيٌّ أَمْ لَا، ثُمَّ انْكَشَفَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ أَنَّ نِكَاحَهُ جَائِزٌ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ وَهُوَ أَظْهَرُ. (وَبِسُجُودِ الْمَسْبُوقِ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدِيًّا، أَوْ قَبْلِيًّا إنْ لَمْ يَلْحَقْ رَكْعَةً) رَوَى زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ مَنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ وَلَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا شَيْئًا وَعَلَى الْإِمَامِ سُجُودُ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ وَلَا يَسْجُدُ مَعَهُ إنْ كَانَ بَعْدَ السَّلَامِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى. الْمَازِرِيُّ: وَقَالَهُ سَحْنُونَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقِيلَ إنَّهُ لَا يَسْجُدُ مَعَهُ كَانَ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ، أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ثُمَّ وَجَّهَ ابْنُ رُشْدٍ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ. وَفِي مُخْتَصَرِ الطُّلَيْطِلِيِّ: إنْ سَجَدَ الْقَبْلِيِّ مَعَ الْإِمَامِ أَبْطَلَ عَلَى نَفْسِهِ الصَّلَاةَ. (وَإِلَّا سَجَدَ وَلَوْ تَرَكَ إمَامُهُ أَمْ لَمْ يُدْرِكْ مُوجِبَهُ وَأَخَّرَ الْبَعْدِيَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ عَقَدَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَوَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ سُجُودُ سَهْوٍ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ سَجَدَ مَعَهُ قَبْلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 الْقَضَاءِ وَبِهِ يَجْزِ وَلَا يُعِيدُهُ قَبْلَ سَلَامِهِ هُوَ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ سَهْوُ الْإِمَامِ بَعْدَ السَّلَامِ فَلَا يَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى يَقْضِيَ. قَالَ: وَلْيَنْهَضْ الْمَأْمُومُ لِلْقَضَاءِ إنْ شَاءَ حِينَ سَلَّمَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ، أَوْ مِنْ السُّجُودِ، فَإِنْ جَلَسَ الْمَأْمُومُ حَتَّى يُسَلِّمَ الْإِمَامُ مِنْ سَهْوِهِ فَلَا يَتَشَهَّدُ وَلْيَذْكُرْ اللَّهَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقُومَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَدْ انْقَضَتْ صَلَاتُهُ حِينَ سَلَّمَ، وَلَوْ أَحْدَثَ الْمَأْمُومُ بَعْدَ السَّلَامِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ صَلَاتُهُ فَبَعْدَ قَضَائِهِ يَسْجُدُ كَمَا يَسْجُدُ إمَامُهُ، سَهَا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ مَعَهُ أَمْ لَا ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَوَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ عَكْسُ هَذَا قَالَ: لِأَنَّ قِيَامَهُ وَحْدَهُ وَالْإِمَامُ سَاجِدٌ سَمَاجَةٌ وَشُهْرَةٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِيمَا يَقْضِي سَهْوٌ، فَإِنْ كَانَ نُقْصَانًا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لِسَهْوِهِ وَلِسَهْوِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ، وَإِنْ كَانَ زِيَادَةً سَجَدَ لَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ سُجُودُ الْإِمَامِ قَبْلَ السَّلَامِ فَسَجَدَ مَعَهُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ فِيمَا يَقْضِي سَهْوٌ فَإِنْ كَانَ نُقْصَانًا سَجَدَ قَبْلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ زِيَادَةً سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ. وَقَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ جَهِلَ فَسَجَدَ مَعَهُ سُجُودَ سَهْوٍ بَعْدَ السَّلَامِ، ثُمَّ قَامَ فَقَضَى فَلْيُعِدْهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ أَحَبُّ إلَيَّ وَيُعِيدُهُمَا مَتَى مَا ذَكَرَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: عَذَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالْجَهْلِ فَحَكَمَ لَهُ بِحُكْمِ النِّسْيَانِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ سُفْيَانَ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَوَجْهُ قَوْلِ سُفْيَانَ أَنَّ السَّجْدَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتَا بَعْدَ السَّلَامِ فَهُمَا مِنْ تَمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَقَدْ دَخَلَ مَعَهُ فِيهَا فَوَجَبَ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ سَهَا إمَامٌ عَنْ سُجُودِ سَهْوِهِ سَجَدَ مَأْمُومُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ كَانَ السُّجُودُ مِمَّا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ بِالْقُرْبِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يَحْمِلُهُ الْإِمَامُ عَمَّنْ خَلْفَهُ فَلَا يَكُونُ سَهْوُهُ عَنْهُ سَهْوًا لَهُمْ إذَا هُمْ فَعَلُوهُ وَهَذَا أَصْلٌ. (وَلَا سَهْوَ عَلَى مُؤْتَمٍّ حَالَ الْقُدْوَةِ) الرِّسَالَةُ: وَكُلُّ سَهْوٍ سَهَاهُ الْمَأْمُومُ فَالْإِمَامُ يَحْمِلُهُ عَنْهُ إلَّا رَكْعَةً، أَوْ سَجْدَةً وَتَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ، أَوْ السَّلَامَ، أَوْ اعْتِقَادَ نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 (وَبِتَرْكِ قَبْلِيٍّ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَطَالَ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ سَهَا عَنْ سُجُودٍ قَبْلِيٍّ سَجَدَ بِالْقُرْبِ، فَإِنْ طَالَ فَلِلَّخْمِيِّ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ بَطَلَتْ. ابْنُ بَشِيرٍ: هَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا تَبْطُلُ إلَّا إنْ كَانَ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ. ابْنُ يُونُسَ: اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إيجَابِ إعَادَةِ مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، أَوْ ثَلَاثَ تَسْمِيعَاتٍ وَتَذَكَّرَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَبَاعَدَ. وَلَمْ يَرَ أَصْبَغُ الْإِعَادَةَ وَبِهِ أَقُولُ بِخِلَافِ مَنْ نَقَصَ الْجَلْسَةَ الْأُولَى فَلَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ إذَا تَبَاعَدَ. أَبُو عُمَرَ: جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مَنْ تَرَكَ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ شَيْخٍ كَبَّرَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً فَقُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّهُ أَحْمَقُ. فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَابْنُ جُبَيْرٍ لَا يُتِمُّونَ التَّكْبِيرَ. قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لِمَ لَا تُتِمُّ التَّكْبِيرَ وَعَامِلُك يُتِمُّهُ؟ قَالَ: تِلْكَ الصَّلَاةُ الْأُولَى. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يُتِمُّ التَّكْبِيرَ» . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُكَبِّرُ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ. أَبُو عُمَرَ: حُجَّةُ مَنْ لَا يَرَى شَيْئًا مِنْ تَرْكِ غَيْرِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ هَذِهِ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي تَرْكِهِمْ التَّكْبِيرَ فَمَا عَابَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ (لَا أَقَلَّ فَلَا سُجُودَ) بَنَى عَلَى مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 فِي الرِّسَالَةِ وَلَمْ يَبْنِ عَلَى طَرِيقَةِ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ بَعْدَ شَهْرٍ " (وَإِنْ كَرِهَ فِي صَلَاةٍ وَبَطَلَتْ فَكَذَا كَرِهَا، وَإِلَّا فَكَبَعْضٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: ذَكَرَ مَا يُبْطِلُ تَرْكُهُ فِي صَلَاةٍ افْتَتَحَهَا بَعْدَ طُولٍ كَذِكْرِهَا فِيهَا وَقَبْلَ الطُّولِ كَذِكْرِ بَعْضِ صَلَاةٍ. (فَمِنْ فَرْضٍ إنْ أَطَالَ الْقِرَاءَةَ أَوْ رَكَعَ بَطَلَتْ وَأَتَمَّ النَّفَل وَقَطَعَ غَيْره وَنَدَبَ الْإِشْفَاعَ إنْ عَقْد رَكْعَة) مِنْ الْمُدَوَّنَة قَالَ ابْن الْقَاسِم: إنْ كَانَتْ سَجْدَتَا السَّهْو قَبْل السَّلَام وَهُوَ مِنْ فَرِيضَة وَمِمَّا تُعَاد بِنِسْيَانِهِمَا الصَّلَاة فَذَكَرهمَا بِقُرْبِ صَلَاته فِي فَرِيضَة، أَوْ نَافِلَة رَجَعَ إلَيْهِمَا بِغَيْرِ سَلَام، كَانَ وَحْدَهُ أَوْ إمَامًا. ابْن عَرَفَة عَنْهَا: أَوْ مَأْمُومًا. فَإِنَّ أَطَالَ الْقِرَاءَة فِي هَذِهِ الثَّانِيَة، أَوْ رَكَعَ يُرِيد وَإِنْ لَمْ يَرْفَع رَأْسه بَطَلَتْ الْأُولَى، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الثَّانِيَة نَافِلَة أُتِمّهَا رَكَعَ، أَوْ لَمْ يَرْكَع. ابْن يُونُس: لَوْ كَانَ فِي ضَيِّق مِنْ الْوَقْت قَطَعَ، وَإِنْ لَمْ يَرْكَع وَيَصِير كَمِنْ ذَكَر فَرِيضَةً ذَهَبَ وَقْتهَا فِي نَافِلَة قَالَ: وَإِنْ كَانَ الَّذِي ذَكَر فِيهَا سُجُودَ السَّهْو فَرِيضَةً قَطَعَ إنْ كَانَ وَحْدَهُ. ابْن يُونُس: وَصَارَ كَمَنْ ذَكَر فَرِيضَة فِي فَرِيضَة فَإِنْ كَانَ وَحْده قَطَعَ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ تَمَادَى فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَام أَعَادَهُمَا. قَالَ: وَلَوْ كَانَ الَّذِي هُوَ وَحْدَهُ عَقَد مِنْ الْفَرِيضَة رَكْعَة، ثُمَّ ذَكَر سَجْدَتِي السَّهْو قَبْل السَّلَام فَلِيَشْفَعهُمَا أَحَبُّ إلَيَّ، ثُمَّ يُصَلِّي فَرِيضَته الْأُولَى. (وَإِلَّا رَجَعَ بِلَا سَلَام) تَقَدَّمَ نَصَّهَا بِهَذَا أَوَّل الْمَسْأَلَة. (وَمِنْ نَفْلٍ فِي فَرْضٍ تَمَادَى) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَتْ سَجْدَتَا السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ مِنْ نَافِلَةٍ فَذَكَرَهُمَا وَهُوَ فِي فَرِيضَةٍ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ فَرِيضَةً، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (كَفِي نَفْلٍ إنْ أَطَالَهَا، أَوْ رَكَعَ) ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَتْ سَجْدَتَا السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَهُمَا مِنْ نَافِلَةٍ فَذَكَرَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَبَاعَدَ وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ أُخْرَى رَجَعَ وَلَمْ يَرْكَعْ مِنْ الثَّانِيَةِ شَيْئًا فَسَجَدَ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَابْتَدَأَ الَّتِي كَانَ فِيهَا إنْ شَاءَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ ذَكَرَهُمَا بَعْدَ أَنْ رَكَعَ فِي هَذِهِ الثَّانِيَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا تَمَادَى، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا فَقَدْ اسْتَحَبَّ لَهُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: أَنْ يَسْجُدَهُمَا بَعْدَ فَرَاغِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ ذَكَرَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ نَافِلَةٍ وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ لَمْ يَقْطَعْ الَّتِي هُوَ فِيهَا رَكَعَ أَوْ لَمْ يَرْكَعْ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَتَمَّهَا سَجَدَهُمَا مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: حُكْمُ مَنْ ذَكَرَ رَكْعَةً، أَوْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةٍ بَعْدَ أَنْ تَلَبَّسَ بِأُخْرَى وَذَكَرَ الْفِقْهَ كَمَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ قَالَ: فِي ذِكْرِ رَكْعَةٍ أَوْ سَجْدَةٍ مِنْ نَفْلٍ فِي نَفْلٍ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ نَسِيَ ذَلِكَ مِنْ نَفْلٍ فَذَكَرَ وَهُوَ فِي نَفْلٍ لَمْ يَرْكَعْ رَجَعَ إلَى إصْلَاحِ النَّفْلِ، وَإِنْ رَكَعَ بَطَلَ الْأَوَّلُ وَأَتَمَّ الثَّانِيَ وَلَمْ يَقْضِ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي نَفْلٍ فَغُلِبَ عَنْ تَمَامِهِ لَمْ يَقْضِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الطُّولَ لَا هُوَ وَلَا ابْنُ يُونُسَ. قَالَ: فَإِنْ ذَكَرَ رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً مِنْ نَفْلٍ وَهُوَ فِي فَرِيضَةٍ لَمْ يَنْقُضْهُ وَلَا يَرْجِعُ إلَى النَّفْلِ، وَإِنْ قَرُبَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَهَذَا أَصْلُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ (وَهَلْ بِتَعَمُّدِ تَرْكِ سُنَّةٍ، أَوْ لَا وَلَا سُجُودَ؟ خِلَافٌ) بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ: نَقْصُ السُّنَّةِ عَمْدًا مُبْطِلٌ. ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَبْطُلُ. الْجَلَّابُ: يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ. اللَّخْمِيِّ: وَقِيلَ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. أَبُو عُمَرَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ: مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ أَوْ الْوُضُوءِ عَامِدًا أَعَادَ. وَهَذَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَلَيْسَ لِقَائِلِهِ سَلَفٌ وَلَا لَهُ حَظٌّ مِنْ النَّظَرِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يُعْرَفْ الْفَرْضُ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ تَرَكَ الْخَائِفُ مِنْ لُصُوصٍ التَّشَهُّدَ وَالسُّورَتَيْنِ أَسَاءَ وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَسُورَةٍ بِفَرْضٍ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبِمُشْغِلٍ عَنْ فَرْضٍ ". (وَبِتَرْكِ رُكْنٍ وَطَالَ) قَالَ خَلِيلٌ فِي شَرْحِهِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالرُّكْنِ أَنَّ الْخَارِجَ عَنْ الصَّلَاةِ شَرْطٌ وَالرُّكْنَ دَاخِلٌ فِيهَا. ابْنُ شَاسٍ: أَرْكَانُ الصَّلَاةِ تِسْعَةٌ: تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، وَأَمُّ الْقُرْآنِ، وَالْقِيَامُ لَهَا، وَالرُّكُوعُ، وَالرَّفْعُ مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 وَالسُّجُودُ، وَالْفَصْلُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَقَدْرُ مَا يَعْتَدِلُ فِيهِ، وَيُسَلِّمُ مِنْ الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ وَالتَّسْلِيمُ. وَاخْتُلِفَ فِي الطُّمَأْنِينَةِ، وَلَمْ يَعُدَّ النِّيَّةَ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ ذَاتِ الصَّلَاةِ هِيَ بِالشَّرْطِ أَشْبَهُ وَلَوْ كَانَتْ رُكْنًا لَافْتَقَرَتْ لِنِيَّةٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ سَهَا عَنْ سَجْدَةٍ، أَوْ رَكْعَةٍ أَوْ عَنْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ بَنَى فِيمَا قَرُبَ، وَإِنْ تَبَاعَدَ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ سَلَّمَ قَاصِدًا إلَى التَّحَلُّلِ وَالصَّلَاةِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّهَا، ثُمَّ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، أَوْ أَيْقَنَ بِهِ لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى إصْلَاحِهَا. ابْنُ بَشِيرٍ: فَإِنْ طَالَ الْأَمْرُ وَكَثُرَ الْفِعْلُ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ وَاسْتَأْنَفَهَا. (كَشَرْطٍ) عِيَاضٌ: شُرُوطُ الصَّلَاةِ: الْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالْإِسْلَامُ، وَبُلُوغُ الدَّعْوَةِ، وَدُخُولُ الْوَقْتِ، وَكَوْنُ الْمُكَلَّفِ غَيْرَ سَاهٍ وَلَا نَائِمٍ، وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ، وَارْتِفَاعُ مَوَانِعِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الطَّهَارَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ رُشْدٍ اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ (وَتَدَارَكَهُ إنْ لَمْ يُسَلِّمْ) الْمَازِرِيُّ: إنْ ذَكَرَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ بَعْدَ أَنْ تَشَهَّدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنَّهُ يَسْجُدُهَا إذَا لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ حَائِلٌ، وَيُعِيدُ تَشَهُّدَهُ لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى سَلَّمَ فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ: قِيلَ إنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَالسَّلَامُ لَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إصْلَاحِ مَا هُوَ فِيهِ، وَقِيلَ قَدْ حَالَ السَّلَامُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِصْلَاحِ فَيَقْضِي الرَّكْعَةَ بِجُمْلَتِهَا. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا الْقَوْلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ وَالْمُغِيرَةِ، وَعَزَا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَلَمْ يَعْقِدْ رُكُوعًا وَهُوَ رَفْعُ رَأْسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ صَلَّى رَكْعَةً وَنَسِيَ سُجُودَهَا فَذَكَرَ ذَلِكَ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ يُرِيدُ أَنَّهُ يَخِرُّ لِسَجْدَتَيْنِ وَلَا يَجْلِسُ، ثُمَّ يَسْجُدُ قَالَ: ثُمَّ يَقُومُ فَيَبْتَدِئُ الْقِرَاءَةَ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ. وَلَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى فَذَكَرَهَا قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الثَّانِيَةَ، أَوْ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ وَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْهَا فَلْيَرْجِعْ وَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّهُ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَسْجُدُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِجُلُوسٍ بِخِلَافِ الَّذِي نَسِيَ السَّجْدَتَيْنِ. قَالَ: فَإِذَا سَجَدَ قَامَ فَابْتَدَأَ قِرَاءَةَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ: فَإِنْ ذَكَرَ فِي الْوَجْهَيْنِ بَعْدَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ تَمَادَى وَكَانَتْ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، وَأَلْغَى الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَسَجَدَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَعْدَ السَّلَامِ. قَالَ مَالِكٌ: وَعَقْدُ الرَّكْعَةِ رَفْعُ الرَّأْسِ مِنْهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَكَذَلِكَ الْمَأْمُومُ إذَا كَانَ قَائِمًا فِي الثَّانِيَةِ فَذَكَرَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى أَوْ شَكَّ فِيهَا فَلْيَرْجِعْ جَالِسًا ثُمَّ يَسْجُدُهَا إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ فَيَتْبَعَهُ فِيهَا وَيَقْضِيَ رَكْعَةً. (إلَّا لِتَرْكِ رُكُوعٍ فَبِالِانْحِنَاءِ) فِي التَّوْضِيحِ وَافَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَشْهَبَ فِي انْعِقَادِ الرَّكْعَةِ بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ فِيمَنْ نَسِيَ الرُّكُوعَ فَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا فِي رُكُوعِ الَّتِي تَلِيهَا. وَفِيمَنْ تَرَكَ السُّورَةَ، وَفِي مَعْنَى الْجَهْرِ وَالسِّرِّ، وَفِيمَنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ، وَفِيمَنْ نَسِيَ سُجُودَ التِّلَاوَةِ، وَفِيمَنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ سَاهِيًا فَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا وَهُوَ رَاكِعٌ، وَفِيمَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْمَغْرِبُ وَهُوَ فِيهَا قَدْ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ فِي رُكُوعِ الثَّانِيَةِ انْتَهَى. وَلَوْ كُنْت اطَّلَعْتُ عَلَى هَذَا قَبْلُ لَاقْتَصَرْتُ عَلَيْهِ. الْمَازِرِيُّ: وَإِنْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ وَسَجَدَ وَنَسِيَ رُكُوعَهَا فَقَالَ مَالِكٌ: يَرْجِعُ قَائِمًا، ثُمَّ يَرْكَعُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، وَلَوْ أَنَّ هَذَا رَكَعَ وَلَكِنَّهُ سَهَا عَنْ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَرْجِعُ إلَى الرُّكُوعِ مُحْدَوْدِبًا، ثُمَّ يَرْفَعُ وَلَوْ رَجَعَ مُعْتَدِلًا إلَى الْقِيَامِ أَبْطَلَ. فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ مُحْدَوْدِبًا بَلْ قَائِمًا كَالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَكَأَنَّهُ رَأَى الْقَصْدَ بِالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ أَنْ يَنْحَطَّ لِلسُّجُودِ مِنْ قِيَامٍ فَإِذَا رَجَعَ إلَى الْقِيَامِ وَانْحَطَّ مِنْهُ إلَى السُّجُودِ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ. الْمَازِرِيُّ: وَقَدْ تَنَازَعَ الْأَشْيَاخُ فِي نَاسِي الرُّكُوعِ مِنْ الْأُولَى فَذَكَرَهُ وَهُوَ رَاكِعٌ لِلثَّانِيَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَرْفَعُ رَأْسَهُ بِنِيَّةِ الْإِصْلَاحِ لِلْأُولَى لِأَنَّهُ نَوَى بِهِ غَيْرَهَا. وَأَنْكَرَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَشْيَاخِ وَقَالَ: بَلْ يَتَمَادَى عَلَى هَذِهِ الرَّكْعَةِ وَتَبْطُلُ الْأُولَى. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَشْيَاخِ: وَفِي هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ نَظَرٌ. اُنْظُرْ الْجَوَابَ التَّاسِعَ مِنْ الْمَازِرِيِّ (كَسِرٍّ) كَذَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ مِنْ النُّكَتِ (وَتَكْبِيرِ عِيدٍ وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَذِكْرِ بَعْضٍ) ابْنُ يُونُسَ: جَعَلَ مَالِكٌ عَقْدَ الرَّكْعَةِ إمْكَانَ الْيَدَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: فِي الَّذِي نَسِيَ التَّكْبِيرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ، وَاَلَّذِي نَسِيَ سُجُودَ التِّلَاوَةِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَ سُجُودَ سَهْوٍ قَبْلَ السَّلَامِ مِنْ فَرِيضَةٍ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ، وَاَلَّذِي نَسِيَ السُّورَةَ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ. فَذَكَرَ ذَلِكَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَإِنَّهُ يَتَمَادَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. (وَإِقَامَةِ مَغْرِبٍ عَلَيْهِ وَهُوَ بِهَا) كَذَا نُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْمَغْرِبُ وَهُوَ بِهَا قَطَعَ بِسَلَامٍ وَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ عَقْدَ رَكْعَةٍ أَوَّلًا، وَإِنْ صَلَّى اثْنَتَيْنِ أَتَمَّهَا ثَلَاثًا وَخَرَجَ، وَإِنْ صَلَّى ثَلَاثًا سَلَّمَ وَخَرَجَ وَلَمْ يُعِدْهَا. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ اثْنَتَيْنِ كَمَا يَفْعَلُ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ لَا تَنَفُّلَ قَبْلَهَا، وَقَالَ أَيْضًا ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنَّهُ يُسَلِّمُ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَيَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ إلَّا إنْ كَانَ قَدْ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ الثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا. ابْنُ حَبِيبٍ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ صَلَاتَيْنِ مَعًا إنَّمَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 (وَبَنَى إنْ قَرُبَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ سَاهِيًا فَالْتَفَتَ فَتَكَلَّمَ فَإِنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ، وَإِنْ تَبَاعَدَ وَأَطَالَ الْقُعُودَ وَالْكَلَامَ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ وَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ. أَشْهَبُ: فَلَوْ كَانَ بِصَحْرَاءَ بَنَى مَا لَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ بِقَدْرِ مَا يَمْنَعُ أَنْ يُصَلِّيَ بِصَلَاتِهِمْ (بِإِحْرَامٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ سَهَا عَنْ سَجْدَةٍ، أَوْ رَكْعَةٍ، أَوْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ بَنَى فِيمَا قَرُبَ، وَإِنْ بَعُدَ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ. قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ مَنْ رَجَعَ لِإِصْلَاحِ مَنْ بَقِيَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ بِإِحْرَامٍ. ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ قَرُبَ جِدًّا فَلَا يُكَبِّرُ اتِّفَاقًا. ابْنُ يُونُسَ: ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ إذَا رَجَعَ بِالْقُرْبِ لِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ بَعُدَ. ابْنُ يُونُسَ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ إحْرَامٌ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ بُعْدٌ. الْبَاجِيُّ: السَّلَامُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَنْ لَا يَقْصِدَ التَّحَلُّلَ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ سَهْوًا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ إحْرَامِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْهَا. الثَّانِي: أَنْ يَقْصِدَ بِسَلَامِهِ التَّحَلُّلَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ كَمُلَتْ صَلَاتُهُ فَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى تَحْرِيمٍ يَعُودُ بِهِ إلَى صَلَاتِهِ، وَإِلَّا كَانَ بِنَاؤُهُ عَارِيًّا مِنْ الْإِحْرَامِ (وَلَمْ تَبْطُلْ بِتَرْكِهِ) ابْنُ زَرْقُونٍ: إذَا قُلْنَا يُكَبِّرُ فَلَمْ يَفْعَلْ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: أَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ تُجْزِئُهُ. (وَجَلَسَ لَهُ عَلَى الْأَظْهَرِ) ابْنُ رُشْدٍ مَنْ رَأَى أَنَّ السَّلَامَ عَلَى طَرِيقِ السَّهْوِ يَخْرُجُ عَنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهَا إلَّا بِإِحْرَامٍ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي فَارَقَ فِيهِ الصَّلَاةَ فَإِنْ كَانَ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ، ثُمَّ كَبَّرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 وَبَنَى لِأَنَّهُ إنْ كَبَّرَ قَائِمًا ثُمَّ جَلَسَ زَادَ فِي صَلَاتِهِ الِانْحِطَاطَ مِنْ حَالِ الْقِيَامِ إلَى الْجُلُوسِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِمَا فِي مُخْتَصَرِ الطُّلَيْطِلِيِّ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلَ مَا فِي مُخْتَصَرِ الطُّلَيْطِلِيِّ. ابْنُ رُشْدٍ: وَذَلِكَ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ ظَنَّ أَنَّ إمَامَهُ سَلَّمَ فَقَامَ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ وَهُوَ قَائِمٌ أَنَّهُ يُلْغِي مَا قَرَأَ وَيَسْتَأْنِفُ قِرَاءَتَهُ وَلَا يَرْجِعُ إلَى الْجُلُوسِ اُنْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ رَجَعَ إلَى الْجُلُوسِ، وَإِنْ كَانَ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَةٍ، أَوْ ثَلَاثٍ فَذَكَرَ وَهُوَ قَائِمٌ رَجَعَ إلَى حَالِ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ السُّجُودِ وَلَمْ يَجْلِسْ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعًا لِجُلُوسِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُخْرَى دُونَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْجُلُوسِ. (وَأَعَادَ تَارِكُ السَّلَامِ التَّشَهُّدَ وَسَجَدَ إنْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ) اللَّخْمِيِّ: نَاسِي سَلَامِهِ إنْ ذَكَرَ بِمَحَلِّهِ وَلَا طُولَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَلَّمَ دُونَ تَكْبِيرٍ وَتَشَهُّدٍ وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ فِرَاقِهِ إيَّاهُ دُونَ طُولٍ فَقَالَ مُحَمَّدٌ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٌ: يُكَبِّرُ. الْمَازِرِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ: وَيُكَبِّرُ قَبْلَ جُلُوسِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَلْ بَعْدَهُ. الْمَازِرِيُّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 سَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ يَرْجِعُ بِتَكْبِيرٍ أَنَّ النَّاسِيَ لِلسَّلَامِ نَوَى بِانْصِرَافِهِ الْخُرُوجَ مِنْهَا فَلَا يَكُونُ خَارِجًا عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِسَلَامٍ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَرَى الْخُرُوجَ مِنْهَا بِمَا يُضَادُّهَا. فَإِنْ رَاعَيْنَا خِلَافَهُ افْتَقَرَ فِي رُجُوعِهِ إلَى تَكْبِيرٍ يَعُودُ بِهِ إلَى صَلَاةٍ قَدْ انْصَرَفَ عَنْهَا، وَإِنْ لَمْ نُرَاعِ خِلَافَهُ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى تَكْبِيرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الصَّلَاةِ فَيَفْتَقِرَ إلَى تَكْبِيرٍ يَعُودُ إلَيْهَا. وَهَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَشَهَّدَ فَيَقَعَ السَّلَامُ عَقِبَ تَشَهُّدٍ عَارٍ مِنْ فَاصِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّلَامِ أَوْ يَكْتَفِيَ بِتَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ لِكَوْنِ هَذَا الْفَصْلِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فِي إبْطَالِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَتَشَهَّدُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ. اللَّخْمِيِّ: لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنْ يَتَشَهَّدَ. ابْنُ عَرَفَةَ: عَنْ اللَّخْمِيِّ: فِي تَشَهُّدِهِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ. (وَرَجَعَ تَارِكُ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يُفَارِقْ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَلَا سُجُودَ) ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ تَزَحْزَحَ عَنْ الْقِيَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ارْتَفَعَ عَنْ الْأَرْضِ فَلْيَرْجِعْ (وَإِلَّا فَلَا وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 تَبْطُلُ إنْ رَجَعَ وَلَوْ اسْتَقَلَّ وَتَبِعَهُ مَأْمُومُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ نَسِيَ الْجُلُوسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى نَهَضَ عَنْ الْأَرْضِ وَاسْتَقَلَّ قَائِمًا تَمَادَى وَلَا يَرْجِعُ وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ. ابْنُ عَرَفَةَ: صَوَّبَ عِيَاضٌ تَفْسِيرَ الشَّيْخِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 مُفَارَقَتَهَا بِرُكْبَتَيْهِ وَيَدَيْهِ. وَفِي الْمَجْمُوعَةِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إذَا فَارَقَ الْأَرْضَ وَلَمْ يَعْتَدِلْ قَائِمًا فَلَا يَرْجِعُ وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ فَإِنْ رَجَعَ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِينَ أَنْ يُسَبِّحُوا مَا لَمْ يَسْتَوِ قَائِمًا فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا فَلَا يَفْعَلُوا. أَشْهَبُ: وَإِنْ اعْتَدَلَ قَائِمًا، ثُمَّ رَجَعَ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتَدَلَ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّمَادِي، وَتَخَلَّدَ النُّقْصَانُ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ زِيَادَةً فَهُوَ كَمَنْ نَقَصَ وَزَادَ فَيَسْجُدُ قَبْلُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ سَهْوًا. الْمَازِرِيُّ: إنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَجَعَ جَالِسًا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الرُّجُوعِ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ إنْ لَمْ تَقُمْ دَلَالَةٌ قَاطِعَةٌ لَا يُمْكِنُ دُخُولُ التَّأْوِيلِ فِيهَا، فَإِذَا رَجَعَ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ فَقَدْ أَصَابَ وَجْهَ الصَّوَابِ عِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَعِيسَى: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ. قَالَ أَشْهَبُ وَعَلِيٌّ: يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِلزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ (وَسَجَدَ بَعْدَهُ) تَقَدَّمَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا فَارَقَ الْأَرْضَ وَلَمْ يَعْتَدِلْ قَائِمًا فَلَا يَرْجِعُ، فَإِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 رَجَعَ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِنْ اعْتَدَلَ قَائِمًا، ثُمَّ رَجَعَ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ قَالَهُ أَشْهَبُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ هَذَا وِفَاقٌ فَانْظُرْهُ مَعَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ (كَنَفْلٍ لَمْ يَعْقِدْ ثَالِثَتَهُ، وَإِلَّا كَمَّلَ أَرْبَعًا فِي الْخَامِسَةِ مُطْلَقًا وَسَجَدَ قَبْلَهُ فِيهِمَا) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَامَ فِي النَّافِلَةِ مِنْ اثْنَتَيْنِ سَاهِيًا فَلْيَرْجِعْ فَيَجْلِسْ وَيُسَلِّمْ وَيَسْجُدْ بَعْدَ السَّلَامِ. فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى رَكَعَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، فَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ أَتَى بِرَابِعَةٍ كَانَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لِنَقْصِهِ السَّلَامَ، فَإِنْ سَهَا عَنْ السَّلَامِ مِنْ الرَّابِعَةِ حَتَّى صَلَّى خَامِسَةً فَلَا يَأْتِي بِسَادِسَةٍ وَلْيَرْجِعْ مَتَى مَا ذَكَرَ فَيَجْلِسْ وَيُسَلِّمْ. ابْنُ يُونُسَ: وَيَسْجُدُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ قَبْلَ السَّلَامِ. (وَتَارِكُ رُكُوعٍ يَرْجِعُ قَائِمًا وَنُدِبَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 أَنْ يَقْرَأَ) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " إلَّا لِتَرْكِ رُكُوعٍ " (وَسَجْدَةٍ يَجْلِسُ لَا سَجْدَتَيْنِ) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَمْ يَعْقِدْ رُكُوعًا " (وَلَا يُجْبَرُ رُكُوعُ أُولَاهُ بِسُجُودِ ثَانِيَتِهِ) لَوْ قَالَ: " وَلَا يُجْبَرُ سُجُودُ رُكُوعِ أُولَاهُ ". لَكَانَ أَبْيَنَ وَلِمَا كَانَتْ الرَّكْعَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِسَجْدَتَيْهَا. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 الْأُولَى، وَالرُّكُوعَ مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجَدَ لَهَا فَلْيَأْتِ بِسَجْدَةٍ يُجْبِرُ بِهَا الْأُولَى - وَيَبْنِي عَلَيْهَا - وَلَا يُضِيفُ إلَيْهَا مِنْ سُجُودِ الثَّانِيَةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ فِي هَذَا السُّجُودِ إنَّمَا كَانَ لِرَكْعَةٍ ثَانِيَةٍ فَلَا يُجْزِئُهُ لِرَكْعَتِهِ الْأُولَى وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ. (وَبَطَلَ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ الْأُوَلِ) الْمَازِرِيُّ: إذَا نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَعِنْدَنَا أَنَّهُ يُصْلِحُ الرَّابِعَةَ بِالسَّجْدَةِ الَّتِي أَخَلَّ بِهَا مِنْهَا، وَيَبْطُلُ مَا قَبْلَهَا، وَأَمَّا إنْ نَسِيَ الثَّمَانِيَ سَجَدَاتٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ سِوَى رُكُوعِ الرَّابِعَةِ فَلْيَبْنِ عَلَيْهَا عَلَى أَصْلِنَا حَسْبَمَا ذَكَرْنَاهُ. (وَرَجَعَتْ الثَّانِيَةُ أُولَى بِبُطْلَانِهَا لِفَذٍّ، وَإِمَامٍ) ابْنُ الْمَازِرِيِّ: الْمَأْمُومُ فِيمَا يَفُوتُهُ، أَوْ يَسْهُو عَنْهُ قَاضٍ وَالْفَذُّ وَالْإِمَامُ بَانِيَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا الْعَزْوُ يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْفَذَّ وَالْإِمَامَ بَانِيَانِ. اللَّخْمِيِّ: إذَا نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الرَّابِعَةِ سَجَدَهَا وَأَعَادَ التَّشَهُّدَ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِنْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الثَّالِثَةِ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ الرَّابِعَةَ قَدْ حَالَتْ بَيْنَ إصْلَاحِهَا وَأَتَى بِرَكْعَةٍ وَسُجُودٍ بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِنْ نَسِيَهَا مِنْ الْأُولَى أَوْ مِنْ الثَّانِيَةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَكُونُ بَانِيًا فَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا وَسُجُودِهِ قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ زَادَ الرَّكْعَةَ الْمُلْغَاةَ وَعَادَتْ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً فَنَقَصَ مِنْهَا لِسُورَةٍ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ أَنَّهُ يَكُونُ قَاضِيًا. (وَإِنْ شَكَّ فِي سَجْدَةٍ لَمْ يَدْرِ مَحَلَّهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 سَجَدَهَا، وَفِي الْأَخِيرَةِ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ) الْمَازِرِيُّ: حُكْمُ الشَّاكِّ فِي تَرْكِ السَّجْدَةِ كَحُكْمِ الْمُوقِنِ بِتَرْكِهَا فِي وُجُوبِ إتْيَانِهِ بِهَا، لَكِنْ لَوْ تَيَقَّنَ بِتَرْكِهَا وَهُوَ فِي الرَّابِعَةِ وَشَكَّ فِي مَحَلِّهَا هَلْ هِيَ مِنْ الرَّابِعَةِ، أَوْ مِمَّا قَبْلَهَا، فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُصْلِحُ الرَّابِعَةَ بِسَجْدَةٍ وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ مِمَّا قَبْلَهَا. قَالَ عِيَاضٌ: كَانَ يَزِيدُ بْنُ بَشِيرٍ ثِقَةً مِنْ الثِّقَاتِ. قَالَ ابْنُ سَالِمٍ: كُنْتُ عِنْدَهُ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ تَذَكَّرَ فِي الرَّابِعَةِ سَجْدَةً لَا يَدْرِي مِنْ أَيْنَ هِيَ فَقَالَ: يَأْتِي بِرَكْعَةٍ. قَالَ ابْنُ سَالِمٍ: فَقُلْتُ أَصْلَحَك اللَّهُ ثَمَّ جَوَابٌ آخَرُ؟ . فَقَالَ: لَعَلَّك تُرِيدُ جَوَابَ ابْنِ الْقَاسِمِ؟ قُلْت: نَعَمْ. قَالَ: رَأَيْت السَّائِلَ لَا يَفْطِنُ لَهُ فَأَفْتَيْته بِقَوْلِ أَشْهَبَ. (وَقِيَامِ ثَالِثَةٍ بِثَلَاثٍ وَرَابِعَةٍ بِرَكْعَتَيْنِ وَتَشَهُّدٍ) مِنْ الْمَجْمُوعَةِ: لَوْ شَكَّ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الرَّابِعَةِ فِي سَجْدَةٍ لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ رَكْعَةٍ فَلْيَسْجُدْ وَلْيَتَشَهَّدْ وَيَسْجُدْ قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِنَّمَا جَلَسَ لِأَنَّ الثَّالِثَةَ صَارَتْ ثَانِيَةً لَهُ وَقَدْ تَكُونُ السَّجْدَةُ مِنْ الْأُولَى، أَوْ مِنْ الثَّانِيَةِ بِنَقْصِهِ السُّورَةَ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: اُخْتُلِفَ فِيمَنْ ذَكَرَ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الثَّالِثَةِ سَجْدَةً لَا يَدْرِي هَلْ هِيَ مِنْ الْأُولَى، أَوْ مِنْ الثَّانِيَةِ إذَا أَمَرْنَاهُ بِسَجْدَةٍ يُصْلِحُ بِهَا الثَّالِثَةَ وَيَتَشَهَّدُ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ السَّجْدَةُ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَقَدْ أَصْلَحَهَا فَصَحَّتْ لَهُ الرَّكْعَتَانِ، وَتَرْكُ الْجُلُوسِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ غَلَطٌ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ تَوَقَّعْنَا عَلَيْهِ الْوُقُوعَ فِي الْغَلَطِ أَوْ يُؤْمَرُ إذَا أَصْلَحَ الثَّانِيَةَ بِالسُّجُودِ أَنْ لَا يَجْلِسَ وَلَا يَتَشَهَّدَ لِئَلَّا تَكُونَ الثَّانِيَةُ أُولَى وَالْجُلُوسُ فِي الْأُولَى غَلَطٌ، فَإِنْ جَلَسَ تَوَقَّعْنَا عَلَيْهِ الْوُقُوعَ فِي الْغَلَطِ، وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمَوَّازِ لِنَفْيِ الْجُلُوسِ بِأَنَّهُ إذَا أَصْلَحَ بِالسَّجْدَةِ صَارَ كَمَنْ شَكَّ لَمَّا سَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ هَلْ هُوَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ كَانَ ذِكْرُهُ هَذَا وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الرَّابِعَةِ وَشَكَّ فِي مَحَلِّ السَّجْدَةِ فَإِنَّهُ إذَا أَتَى بِالسَّجْدَةِ جَلَسَ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ الصَّلَاةِ سِوَى رَكْعَتَيْنِ، وَجُلُوسُهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مَشْرُوعٌ فَكَانَ هَذَا بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ. اُنْظُرْ الْمَازِرِيَّ فِي الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الرَّابِعِ. وَإِنْ سَجَدَ إمَامٌ سَجْدَةً وَقَامَ لَمْ يُتْبَعْ وَسُبِّحَ بِهِ. فَإِنْ خِيفَ عَقْدُهُ قَامُوا فَإِذَا جَلَسَ، قَامُوا كَقُعُودِهِ بِثَالِثَةٍ. (فَإِذَا سَلَّمَ أَتَوْا بِرَكْعَةٍ، وَأَمَّهُمْ أَحَدُهُمْ وَسَجَدُوا قَبْلَهُ) سَحْنُونَ: لَوْ قَامَ إمَامٌ عَلَيْهِ سَجْدَةٌ سَبَّحُوا مَا لَمْ يَخَافُوا عَقْدَ الثَّانِيَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 فَلْيُصَلُّوهَا مَعَهُ وَهِيَ أُولَى لَهُمْ وَيَقُومُونَ كُلَّمَا قَامَ، أَوْ جَلَسَ عَلَى ثَانِيَةِ زَعْمِهِ، أَوْ رَابِعَتِهِ، فَإِذَا سَلَّمَ صَلَّوْا رَكْعَةً بِإِمَامَةِ أَحَدِهِمْ وَيُجْزِئُهُمْ أَفْذَاذًا وَسَجَدُوا قَبْلَ سَلَامِهِ. (وَإِنْ زُوحِمَ مُؤْتَمٌّ عَنْ رُكُوعٍ، أَوْ نَعَسَ وَنَحْوُهُ اتَّبَعَهُ فِي غَيْرِ الْأُولَى مَا لَمْ يَرْفَعْ مِنْ سُجُودِهَا) عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ: بَيْنَ الْمُزَاحَمِ وَالنَّاعِسِ فَرْقٌ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الَّذِي أَرَى وَآخُذُ فِيمَنْ نَعَسَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَنْ لَا يَعْتَدَّ بِهَا وَلَا يَتَّبِعَ الْإِمَامَ فِيهَا، وَإِنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ مِنْ سُجُودِهَا وَلَكِنْ يَسْجُدُ مَعَ الْإِمَامِ وَيَقْضِيهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ. الْمَازِرِيُّ: لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَا يُبِيحُ لَهُ الْقَضَاءَ قَبْلَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ بَلْ صَارَ كَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ نَعَسَ بَعْدَ عَقْدِ الْأُولَى فِي ثَانِيَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 أَوْ ثَالِثَةٍ، أَوْ رَابِعَةٍ اتَّبَعَ الْإِمَامَ مَا لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهَا. الْمَازِرِيُّ: لِأَنَّ عَقْدَ رَكْعَةٍ حَصَلَ بِهَا مُدْرِكًا لِلصَّلَاةِ وَمَنْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ قَضَى مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفُوتَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَعَ الْإِمَامِ مَا هُوَ آكَدُ مِنْ تَشَاغُلِهِ بِالْقَضَاءِ، وَالْمَشْهُورُ الَّذِي هُوَ آكَدُ سُجُودُ الرَّكْعَةِ الَّتِي غُلِبَ عَلَى إدْرَاكِهَا. وَهَلْ تُعْتَبَرُ السَّجْدَتَانِ جَمِيعًا أَوْ الْأُولَى مِنْهُمَا؟ . الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا اعْتِبَارُ السَّجْدَتَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّ بِهِمَا تَفْرُغُ الرَّكْعَةُ فَيَتَّبِعُ الْإِمَامَ مَا لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ. قَالَ: وَمِثْلُ النُّعَاسِ الْغَفْلَةُ، وَأَمَّا الْمُزَاحَمَةُ فَذَهَبَ أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ إلَى أَنَّهَا مِثْلُ النُّعَاسِ وَالْغَفْلَةِ يُبَاحُ مَعَهَا قَضَاءُ مَا فَاتَ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَالْمُزَاحَمُ أَعْذَرُ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُزَاحَمَةَ بِخِلَافِهِمَا لَا يُبَاحُ مَعَهَا قَضَاءُ مَا فَاتَ مِنْ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ الزِّحَامَ فِعْلٌ آدَمِيٌّ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، فَعُدَّ الْمُزَاحَمُ عَنْ الرُّكُوعِ مُقَصِّرًا فَتُلْغَى تِلْكَ الرَّكْعَةُ، وَالنَّاعِسُ وَالْغَافِلُ مَغْلُوبَانِ بِفِعْلِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فَعُذِرَا. ابْنُ يُونُسَ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ سَوَاءٌ. وَهَاهُنَا ثَلَاثَةُ أَسْئِلَةٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَنْعَسَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. الثَّانِي: أَنْ يَنْعَسَ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ وَقَبْلَ السُّجُودِ فَهَذِهِ يَتَّبِعُ الْإِمَامَ فِيهَا مَا لَمْ يَرْفَعْ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي تَلِيهَا. وَالثَّالِثُ أَنْ يَنْعَسَ بَعْدَ إمْكَانِ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَقَبْلَ رَفْعِ رَأْسِهِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ عَقْدَ الرَّكْعَةِ رَفْعُ الرَّأْسِ مِنْهَا فَهُوَ كَمَنْ نَعَسَ قَبْلَ الرُّكُوعِ. وَسَمِعَ عِيسَى بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ لِي مَالِكٌ ثَلَاثَةَ أَقَاوِيلَ فِيمَنْ سَهَا، أَوْ اشْتَغَلَ أَوْ غَفَلَ حَتَّى رَكَعَ إمَامُهُ، وَأَبْيَنُهَا أَنْ يَتَّبِعَ إمَامَهُ فِي غَيْرِ الْأُولَى مَا طَمِعَ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي سُجُودِهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمِثْلُ ذَلِكَ اشْتِغَالُهُ بِحَلِّ إزَارِهِ، أَوْ رَبْطِهِ حَتَّى سَبَقَهُ الْإِمَامُ وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الزِّحَامِ بِإِلْغَاءِ الرَّكْعَةِ مُطْلَقًا أُولَى كَانَتْ، أَوْ غَيْرَهَا. (أَوْ سَجْدَةٍ فَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ فِيهَا قَبْلَ عَقْدِ إمَامِهِ تَمَادَى وَقَضَى رَكْعَةً وَإِلَّا سَجَدَهَا) الْمَازِرِيُّ: لَوْ كَانَ هَذَا الرُّكْنُ الْمَغْلُوبُ عَلَيْهِ سُجُودًا فَإِنَّهُ يَتَّبِعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 الْإِمَامَ مَا لَمْ يَعْقِدْ الرَّكْعَةَ الَّتِي تَلِيهَا. قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمُزَاحَمِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَنْ سُجُودِ الْإِمَامِ إنَّهُ يَتَّبِعُهُ مَا لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ الَّتِي تَلِيهَا. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ سَهَا عَنْ سَجْدَةٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَذَكَرَهَا وَهُوَ قَائِمٌ مَعَ الْإِمَامِ فِي الثَّانِيَةِ فَلْيَهْوِ سَاجِدًا، ثُمَّ يَنْهَضُ إلَى الْإِمَامِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ ذَكَرَهَا وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ أَنْ يَسْجُدَ، وَيُدْرِكُ الْإِمَامَ رَاكِعًا لَجَازَ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ وَيَتَّبِعَ الْإِمَامَ عَلَى الْمَعْلُومِ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَقْدَ الرَّكْعَةِ رَفْعُ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُ أَنْ يَسْجُدَ، وَيُدْرِكُ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَسَجَدَ فَرَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ هُوَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهِ بَطَلَتْ عَلَيْهِ الرَّكْعَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ، وَإِنْ ذَكَرَهَا بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ، أَوْ فِي الثَّانِيَةِ فَلْيَتَّبِعْ الْإِمَامَ فِيمَا بَقِيَ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَلْيَقْضِ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا، وَيَقْرَأُ فِيهَا بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ لِأَنَّهَا رَكْعَةُ قَضَاءٍ وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ بَعْدَ السَّلَامِ. (وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ إنْ تَيَقَّنَ) الْمَازِرِيُّ: حُكْمُ الشَّاكِّ فِي تَرْكِ السَّجْدَةِ كَحُكْمِ الْمُوقِنِ بِتَرْكِهَا فِي وُجُوبِ إتْيَانِهِ بِهَا فَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ خَلِيلٍ وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ: وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ بَعْدَ السَّلَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 وَنَظَرْتُ ابْنَ يُونُسَ وَالْمَازِرِيَّ: فَلَمْ أَرَ لَهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ سُجُودًا فَاسْتَظْهِرْ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ ذَكَرَ الْمَأْمُومُ سَجْدَةً فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ طَمِعَ فِي إدْرَاكِهَا قَبْلَ عَقْدِ رُكُوعِ إمَامِهِ سَجَدَهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ تَمَادَى وَقَضَى رَكْعَةً بِسُورَةٍ. ثُمَّ إنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ لَمْ يَسْجُدْ، وَإِلَّا سَجَدَ بَعْدَهُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَقَوْلُهُ: " ثُمَّ إنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ لَمْ يَسْجُدْ، وَإِلَّا سَجَدَ بَعْدَهُ " أَمَّا عَدَمُ السُّجُودِ وَهُوَ سُجُودُ السَّهْوِ فِي حَالِ التَّيَقُّنِ فَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ - وَهِيَ الرَّكْعَةُ الَّتِي فَاتَتْهُ مِنْهَا السَّجْدَةُ - كَانَتْ مِنْ الْمَأْمُومِ مَعَ وُجُودِ الْإِمَامِ فَالْإِمَامُ يَحْمِلُهَا، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا سُجُودُ الْمَأْمُومِ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ إذَا كَانَتْ عَلَى شَكٍّ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: " وَإِلَّا سَجَدَ بَعْدَهُ " فَلِأَنَّ شَكَّ الْمَأْمُومِ هُنَا أَحَدُ مَحْمَلَيْهِ أَلَّا يَكُونَ تَرَكَ شَيْئًا فَتَكُونَ الرَّكْعَةُ الْمُؤْتَى بِهَا سَلَامُ الْإِمَامِ زِيَادَةً فَاسْتَلْزَمَ ذَلِكَ شَكًّا فِي الزِّيَادَةِ وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلسُّجُودِ الْبَعْدِيِّ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَإِنْ قَامَ إمَامٌ لِخَامِسَةٍ فَمُتَيَقِّنُ انْتِفَاءِ مُوجِبِهَا يَجْلِسُ، وَإِلَّا اتَّبَعَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 وَإِنْ خَالَفَ عَمْدًا بَطَلَتْ فِيهِمَا لَا سَهْوًا) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ صَلَّى إمَامٌ خَامِسَةً فَسَهَا قَوْمٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 كَسَهْوِهِ وَجَلَسَ قَوْمٌ وَاتَّبَعَهُ قَوْمٌ عَامِدُونَ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ، وَمَنْ سَهَا مَعَهُ، أَوْ جَلَسَ تَامَّةٌ، وَيَسْجُدُونَ مَعَهُ لِسَهْوِهِ، وَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْعَامِدِينَ. سَحْنُونَ: وَإِنَّمَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ جَلَسَ وَلَمْ يَتَّبِعْهُ إذَا أَيْقَنَ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ شَيْئًا وَسَبَّحَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يُسَبِّحْ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ عَلَيْهِ. الْمَازِرِيُّ: فَلَوْ قَالَ الْإِمَامُ هُنَا إنَّمَا أَتَيْتُ بِهَا لِأَنِّي كُنْت أَسْقَطْت سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى فَتَصِحُّ صَلَاةُ السَّاهِينَ وَتَصِحُّ أَيْضًا صَلَاةُ الْجَالِسِينَ إنْ جَلَسُوا عَلَى يَقِينٍ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ شَيْئًا، وَأَمَّا الْمُتَعَمِّدُونَ اتِّبَاعَهُ فَتَبْطُلُ إنْ أَيْقَنُوا أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ إلَّا أَنْ يَتَأَوَّلُوا وُجُوبَ اتِّبَاعِهِ فَتَكُونَ إعَادَتُهُمْ مُسْتَحَبَّةً. اللَّخْمِيِّ: الصَّوَابُ أَنْ تَتِمَّ صَلَاةُ مَنْ جَلَسَ وَلَمْ يَتَّبِعْهُ لِأَنَّهُ جَلَسَ مُتَأَوِّلًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ اتِّبَاعُهُ وَهُوَ أَعْذَرُ مِنْ النَّاعِسِ، وَالْغَافِلِ. (فَيَأْتِي الْجَالِسُ بِرَكْعَةٍ وَيُعِيدُهَا الْمُتَّبِعُ، وَإِنْ قَالَ: قُمْت لِمُوجِبٍ صَحَّتْ لِمَنْ لَزِمَهُ اتِّبَاعُهُ وَتَبِعَهُ وَلِمُقَابِلِهِ إنْ سَبَّحَ كَمُتَّبِعٍ تَأَوَّلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 وُجُوبَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ. اُنْظُرْ هَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ فَرْعٌ إذَا قَالَ الْإِمَامُ: قُمْتُ لِمُوجِبٍ. وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ إنْ قَامَ إمَامٌ لِخَامِسَةٍ فَصَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ جَلَسَ تَامَّةٌ، فَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ: قُمْتُ لِمُوجِبٍ فَتَبْطُلُ عَلَى هَذَا الْجَالِسِ إنْ شَكَّ إلَّا إنْ أَيْقَنَ بِسَلَامَتِهَا فَتَصِحُّ لَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مُخْتَارُ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ أَعْذَرُ مِنْ النَّاعِسِ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَلَوْ قَالَ لَهُمَا: كَانَتْ لِمُوجِبٍ؛ فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، ثُمَّ قَالَ فَيَأْتِي الْجَالِسُ عَلَى الصِّحَّةِ بِرَكْعَةٍ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي فَلَوْ قَالَ الْإِمَامُ لِمَنْ اتَّبَعَهُ فِي الْخَامِسَةِ وَلِمَنْ جَلَسَ وَلَمْ يَتَّبِعْهُ وَقَعْت فِي زِيَادَتِهَا لِمُوجِبٍ فَيَتَحَصَّلُ الْحُكْمُ - إذْ ذَاكَ - عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: مَنْ لَزِمَهُ اتِّبَاعُهُ وَتَبِعَهُ يَعْنِي لِتَيَقُّنِهِ بُطْلَانَ إحْدَى الْأَرْبَعِ، أَوْ لِظَنِّهِ، أَوْ لِشَكِّهِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ صَادَفَ صِدْقَ ظَنِّهِ، وَإِنْ شَكَّ كَانَ مَعَ النَّقْصِ فِي زِيَادَةِ الْأَمْرِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: مَنْ لَزِمَهُ عَدَمُ اتِّبَاعِهِ وَلَمْ يَتَّبِعْهُ لِتَيَقُّنِهِ أَيْضًا صِحَّةَ الْأَرْبَعِ أَوْ ظَنِّهِ ذَلِكَ مَعَ صِدْقِ ظَنِّهِ وَهَذَا هُوَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: " وَمُقَابِلُهُ تَصِحُّ فِيهِمَا " أَيْ فِي الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: مَنْ لَزِمَهُ اتِّبَاعُهُ فَلَمْ يَتَّبِعْهُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَلْزَمَهُ هُنَا الِاتِّبَاعُ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَيَكُونُ الْمَأْمُومُ فِي هَذَا الْقِسْمِ جَلَسَ وَهُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لَكِنْ جَلَسَ لِاعْتِقَادِهِ الْكَمَالَ أَوْ لِظَنِّهِ وَلَمْ يَصْدُقْ ظَنُّهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: " وَفِي الثَّالِثِ الْمَنْصُوصِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 تَبْطُلُ ". وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: مَنْ يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُهُ لِتَيَقُّنِهِ سَلَامَهُ، أَوْ لِظَنِّهِ لَكِنَّهُ تَأَوَّلَ وُجُوبَ اتِّبَاعِهِ وَفِيهِ قَوْلَانِ. (لَا لِمَنْ لَزِمَهُ اتِّبَاعُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَمْ يَتَّبِعْهُ) اللَّخْمِيِّ: الصَّوَابُ أَنْ تَتِمَّ صَلَاةُ مَنْ جَلَسَ وَلَمْ يَتَّبِعْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 لِأَنَّهُ جَلَسَ مُتَأَوِّلًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ اتِّبَاعُهُ وَهُوَ أَعْذَرُ مِنْ النَّاعِسِ. (وَلَمْ تَجْزِ مَسْبُوقًا عَلِمَ بِخَامِسِيَّتِهَا) اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الثَّانِيَةِ فَسَهَا الْإِمَامُ فَصَلَّى خَامِسَةً فَصَلَّاهَا مَعَهُ عَالِمًا أَنَّهَا خَامِسَةٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. اللَّخْمِيِّ: فَأَبْطَلَ الصَّلَاةَ مَعَ الْعَمْدِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا رَابِعَةٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيَنْبَغِي لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهَا خَامِسَةٌ مِمَّنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ أَنْ لَا يَتَّبِعَهُ فِيهَا وَيَقْضِيَ بَعْدَ سَلَامِهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ قَالَ لَهُمَا: كَانَتْ لِمُوجِبٍ؛ فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: مَنْ يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُهُ وَتَبِعَهُ، وَمُقَابِلُهُ يَصِحُّ فِيهِمَا، وَفِي الثَّالِثِ، وَالرَّابِعِ قَوْلَانِ. وَالسَّاهِي مَعْذُورٌ وَيَلْزَمُ الْجَالِسَ عَلَى الصِّحَّةِ الْإِتْيَانُ بِرَكْعَةٍ، وَفِي إعَادَةِ السَّاهِي قَوْلَانِ، وَفِي إلْحَاقِ الْجَاهِلِ بِالسَّاهِي قَوْلَانِ، وَفِي نِيَابَتِهَا عَنْ رَكْعَةِ مَسْبُوقٍ يَتَّبِعُهُ قَوْلَانِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي أَنَّ الْمَسْبُوقَ بِرَكْعَةٍ، أَوْ أَكْثَرَ إذَا اتَّبَعَ الْإِمَامَ فِي هَذِهِ الرَّكْعَةِ الْخَامِسَةِ الَّتِي قَامَ لَهَا الْإِمَامُ لِمُوجِبٍ فَهَلْ يَعْتَدُّ بِهَا أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ. وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ نِيَابَتُهَا لِلْمَسْبُوقِ عَنْ رَكْعَةٍ لِأَنَّهَا بِنَاءٌ لَهُ وَلِلْإِمَامِ، وَرَابِعَةٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَتُجْزِئُ الْمَأْمُومَ كَمَا أَجْزَأَتْ إمَامَهُ، وَنَصَّ عَلَيْهَا ابْنُ بَشِيرٍ. وَإِذَا وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ الْإِتْيَانُ بِهَذِهِ الْخَامِسَةِ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ سَجْدَةً كَمَا قَالَ وَكَانَ مِنْ الْمُقْتَدِينَ بِهِ مَسْبُوقٌ فَاتَّبَعَهُ، فَهَلْ تَنُوبُ لَهُ عَنْ رَكْعَةٍ مِمَّا سَبَقَ؟ فِيهِ قَوْلَانِ:. أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَا تَنُوبُ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَكُونُ فِي هَذِهِ الرَّكْعَةِ قَاضِيًا. الثَّانِي أَنَّهَا تَنُوبُ لَهُ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ فِيهَا بَانِيًا فَهِيَ آخِرُ صَلَاتِهِ فَتُجْزِئُ الْمَسْبُوقَ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِيهَا (وَهَلْ كَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ، أَوْ تُجْزِئُ إلَّا أَنْ يُجْمِعَ مَأْمُومُهُ عَلَى نَفْيِ الْمُوجِبِ؟ قَوْلَانِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ اتَّبَعَهُ فِيهَا مَنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ وَلَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 يَعْلَمْ أَنَّهَا خَامِسَةٌ وَلَمْ يُسْقِطْ الْإِمَامُ شَيْئًا قَضَى رَكْعَةً أُخْرَى وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ كَمَا سَجَدَ إمَامُهُ. ابْنُ يُونُسَ: رَاجِعْهُ أَنْتَ فَقَدْ كَانَ الْوَاجِبُ نَقْلَ الْفِقْهِ عَلَى تَرْتِيبِهِ دُونَ مُسَايَرَتِهِ مَعَ أَلْفَاظِ خَلِيلٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي تَنْزِيلِ أَلْفَاظِ خَلِيلٍ عَلَيْهِ. (وَتَارِكُ سَجْدَةٍ مِنْ كَأُولَاهُ لَا تُجْزِئُهُ الْخَامِسَةُ إنْ تَعَمَّدَهَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: تَعَمَّدَ خَامِسَةً بَانَ أَنَّهَا رَابِعَةٌ تُجْزِئُ. الصَّقَلِّيُّ: قِيلَ لَا تُجْزِئُهُ وَاخْتُلِفَ فِي إجْزَائِهَا إنْ كَانَتْ سَهْوًا وَالْأَشْبَهُ الْإِجْزَاءُ، وَنَفْيُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ مَا بَطَلَ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ قُضِيَ. [فَصْلٌ فِي سُجُودُ التِّلَاوَةِ] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: النَّوْعُ الثَّانِي سُجُودُ التِّلَاوَةِ (سَجَدَ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ) ابْنُ بَشِيرٍ: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ مَشْرُوعٌ عَلَى الْجُمْلَةِ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَاجِبٌ وُجُوبَ سُنَّةٍ لَا يَأْثَمُ مَنْ تَرَكَهُ عَامِدًا (بِلَا إحْرَامٍ وَسَلَامٍ) الرِّسَالَةُ: يُكَبِّرُ لَهَا وَلَا يُسَلِّمُ مِنْهَا (قَارِئٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَرَأَ سَجْدَةً فِي صَلَاةٍ، أَوْ غَيْرِهَا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَسْجُدَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ إبَّانِ صَلَاةٍ فَلَا أُحِبُّ أَنْ يَقْرَأَهَا حِينَئِذٍ، وَلْيَتَعَدَّهَا إذَا قَرَأَ - يُرِيدُ يَتَعَدَّى مَوْضِعَ ذِكْرِ السُّجُودِ خَاصَّةً لَا الْآيَةَ الَّتِي هِيَ فِيهَا - وَأَكْرَهُ أَنْ يَخْطِرَ فِيهَا الْمُتَوَضِّئُ وَلْيَقْرَأْهَا وَكَرِهَ مَالِكٌ قِرَاءَتَهَا خَاصَّةً لَا شَيْءٍ قَبْلَهَا وَلَا شَيْءٍ بَعْدَهَا فِي الصَّلَاةِ، أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ يَسْجُدُ بِهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قَرَأَهَا غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ أَوْ قَرَأَهَا مُتَوَضِّئٌ فِي غَيْرِ إبَّانِ سُجُودِهَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَرَأَهَا فِي صَلَاةٍ فَلَمْ يَسْجُدْهَا فَلْيُنْهَ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَمُسْتَمِعٌ فَقَطْ إنْ جَلَسَ لِيَتَعَلَّمَ وَلَوْ تَرَكَ الْقَارِئُ إنْ صَلَحَ لِيَؤُمَّ) ابْنُ رُشْدٍ: الْجُلُوسُ لِاسْتِمَاعِ تِلَاوَةِ التَّالِي عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيمِ جَائِزٌ وَوَاجِبٌ أَنْ يَسْجُدَ هَذَا الْجَالِسُ بِسُجُودِ التَّالِي. فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ التَّالِي فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَسْجُدُ هَذَا الْمُسْتَمِعُ انْتَهَى. وَانْظُرْ الْأُسْتَاذُ إذَا قَرَأَ التِّلْمِيذُ السَّجْدَةَ فَقِيلَ: يَسْجُدُ الْمُقْرِئُ بِسُجُودِ الْقَارِئِ إذَا كَانَ بَالِغًا فِي أَوَّلِ سَجْدَةٍ تَمُرُّ بِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا السُّجُودُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا سُجُودَ عَلَيْهِمَا وَلَا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ. ابْنُ زَرْقُونٍ: الْقَوْلَانِ لِمَالِكٍ انْتَهَى. وَانْظُرْ مَنْ جَلَسَ لِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ إنْسَانٍ لِلثَّوَابِ وَالْأَجْرِ لِلتَّعْلِيمِ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْقَارِئُ لَمْ يَسْجُدْ هَذَا، وَإِنْ سَجَدَ الْقَارِئُ فَحَكَى ابْنُ شَعْبَانَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 ابْنُ زَرْقُونٍ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَسْجُدُ، وَظَاهِرُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَسْجُدُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ السَّمَاعِ كَالْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا مَنْ سَمِعَ قِرَاءَةَ رَجُلٍ دُونَ أَنْ يَجْلِسَ لِاسْتِمَاعِ قِرَاءَتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ بِسُجُودِهِ. وَحَسَّنَ اللَّخْمِيِّ السُّجُودَ لِسَامِعِ الصَّبِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَسْجُدُهَا سَامِعُهَا مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ سَمِعَ مُصَلِّيًا يَقْرَأُ سَجْدَةً سَجَدَ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْمُصَلِّي. أَبُو عُمَرَ: أَصْلُ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا} [مريم: 58] وَالْآيَةُ الْأُخْرَى {إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} [الإسراء: 107] (وَلَمْ يَجْلِسْ لِيَسْمَعَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ عَلَى مَنْ سَمِعَ سَجْدَةً أَنْ يَسْجُدَهَا. وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَجْلِسَ إلَيْهِ لَا يُرِيدُ تَعَلُّمًا. قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: فَإِنْ سَجَدَ فَلَا يَسْجُدُ مَعَهُ انْتَهَى. مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (فِي إحْدَى عَشْرَةَ لَا ثَانِيَةِ) الطَّحَاوِيُّ: لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي سُجُودٍ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ جَاءَتْ بِلَفْظِ الْخَبَرِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا جَاءَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: أَجْمَعَ النَّاسُ، فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى الْأَمْرُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ عَزَائِمَ السُّجُودِ إحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ مِنْهَا شَيْءٌ: آخِرُ الْأَعْرَافِ وَ " الْآصَالِ " فِي الرَّعْدِ " وَيُؤْمَرُونَ " فِي النَّحْلِ وَ " خُشُوعًا " فِي سُبْحَانَ وَ " بُكِيًّا " فِي مَرْيَمَ وَ " مَا شَاءَ " فِي الْحَجِّ " وَنُفُورًا " فِي الْفُرْقَانِ وَ " الْعَظِيمِ " فِي النَّمْلِ وَ " لَا يَسْتَكْبِرُونَ " فِي السَّجْدَةِ. ابْنُ يُونُسَ وَالْوَقَارُ وَابْنُ حَبِيبٍ " وَحُسْنَ مَآبٍ " فِي ص. الْبَاجِيُّ وَالْقَابِسِيُّ وَأَنَابَ، الْمُدَوَّنَةُ وَ " يَعْبُدُونَ " فِي السَّجْدَةِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَتَرَكَ مَالِكٌ الْأَخْذَ بِالسَّجْدَةِ الْآخِرَةِ مِنْ الْحَجِّ وَأَنَا آخُذُ بِالسُّجُودِ وَفِيهَا اتِّبَاعًا لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلِ الْأُمَّةِ بَعْدَهُ. (وَالنَّجْمِ وَالِانْشِقَاقِ وَالْقَلَمِ) ابْنُ حَبِيبٍ: وَتَرَكَ مَالِكٌ الْأَخْذَ بِالسُّجُودِ فِي النَّجْمِ وَالِانْشِقَاقِ وَالْقَلَمِ. عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَمْ يَمْنَعْ مَالِكٌ السُّجُودَ فِي الْمُفَصَّلِ، وَإِنَّمَا مَنَعَ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ الَّتِي يَعْزِمُ عَلَى النَّاسِ فِي السُّجُودِ فِيهَا. وَمِنْ أَحْكَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَرَأَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] فَسَجَدَ فِيهَا فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ فِيهَا» . وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مِنْهُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ عَنْهُ وَقَدْ اعْتَضَدَ فِيهَا الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ. وَلَمَّا أَمَمْتُ بِالنَّاسِ تَرَكْتُ قِرَاءَةَ هَذِهِ السُّورَةِ لِأَنِّي إنْ سَجَدْت أَنْكَرُوا، وَإِنْ تَرَكْت كَانَ تَقْصِيرًا مِنِّي فَاجْتَنَبْتهَا إلَّا إذَا صَلَّيْت وَحْدِي. (وَهَلْ سُنَّةٌ، أَوْ فَضِيلَةٌ خِلَافٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَكْثَرُ أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ سُنَّةٌ لِقَوْلِهَا يَسْجُدُهَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ أَوْ يُسْفِرْ كَالْجِنَازَةِ. الْقَاضِي ابْنُ الْكَاتِبِ: فَضِيلَةٌ لِقَوْلِهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَدَعَهَا فِي إبَّانِ صَلَاةٍ. (وَكَبَّرَ لِخَفْضٍ وَرَفْعٍ وَلَوْ لِغَيْرِ صَلَاةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَرَأَ سَجْدَةً فِي الصَّلَاةِ فَلْيُكَبِّرْ إذَا سَجَدَهَا، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْهَا. وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فَكَانَ يُضَعِّفُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 التَّكْبِيرَ لَهَا قَبْلَ السُّجُودِ وَبَعْدَهُ. ثُمَّ قَالَ: أَرَى أَنْ يُكَبِّرَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ ابْنُ يُونُسَ: التَّكْبِيرُ أَحْسَنُ. (وَ " ص ": " وَأَنَابَ " وَ " فُصِّلَتْ ": " تَعْبُدُونَ ") ابْنُ حَبِيبٍ: فِي ص عِنْدَ قَوْلِهِ: " مَآبٍ ". ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ غَيْرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَأَنَابَ "، وَفِي حم تَنْزِيلٌ " إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ " قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " لَا يَسْأَمُونَ " وَكُلٌّ وَاسِعٌ، الْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيْنَا. (وَكُرِهَ سُجُودُ شُكْرٍ، أَوْ زَلْزَلَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي جَوَازِ السُّجُودِ لِلشُّكْرِ وَكَرَاهَتِهِ وَمَنْعِهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. رَوَى الْإِبَاحَةَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَمِنْ الْعَارِضَةِ مَا نَصُّهُ: وَقَدْ بَيَّنَّا أَنْوَاعَ السُّجُودِ مِنْهُ سُجُودُ الْآيَاتِ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ سَجَدَ لَمَّا بَلَغَهُ صَوْتُ مَيْمُونَةَ، «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ خَرَّ سَاجِدًا لِلَّهِ شُكْرًا» . قَالَ أَبُو عِيسَى: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يَرَهُ مَالِكٌ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَلِمَ لَمْ يَرَهُ وَالسُّجُودُ لِلَّهِ دَائِمًا هُوَ الْوَاجِبُ فَإِذَا وُجِدَ أَدْنَى سَبَبٍ لِلسُّجُودِ فَلْيَغْتَنِمْ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَنْكَرَ مَالِكٌ السُّجُودَ فِي الزَّلَازِلِ. وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: هُوَ ضَلَالٌ مُجْمَعٌ عَلَى تَرْكِهِ. (وَجَهْرٌ بِهَا بِمَسْجِدٍ وَقِرَاءَةٌ بِتَلْحِينٍ) الْقُرْطُبِيُّ: الْخِلَافُ فِي الْقِرَاءَةِ بِالتَّلْحِينِ هُوَ مَا لَمْ يُغَيِّرْ مَعْنَى الْقُرْآنِ بِكَثْرَةِ التَّرْجِيعَاتِ كَالْقِرَاءَةِ أَمَامَ الْمُلُوكِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 بِمِصْرَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ وَكَذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْ الْوُعَّاظِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَرِهَ مَالِكٌ التَّطْرِيبَ فِي الْأَذَانِ وَلَمْ يَرَ لِمَنْ يَأْخُذْ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ فِي رَمَضَانَ أُجْرَةً وَلَا أَجْرًا. قَالَ: وَالْقِرَاءَةُ بِالتَّلْحِينِ سُنَّةٌ وَسَمَاعُهُ يَزِيدُ إيمَانًا بِالْقُرْآنِ وَغِبْطَةً، وَيُكْسِبُ الْقُرْآنَ خَشْيَةً، وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ «أَنَّ أَبَا مُوسَى قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ عَلِمْت أَنَّك تَسْمَعُنِي لَحَبَّرْته لَك تَحْبِيرًا» . وَحَكَى «ابْنُ مُغَفَّلٍ يَحْكِي قِرَاءَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِرَاءَةَ الْفَتْحِ يَوْمَ الْفَتْحِ قِيلَ: كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ؟ قَالَ: آآآ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» . عِيَاضٌ: مِنْ إعْجَازِ الْقُرْآنِ أَنَّ قَارِئَهُ لَا يَمَلُّهُ وَسَامِعَهُ لَا يَمُجُّهُ وَسِوَاهُ مِنْ الْكُتُبِ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِيهَا حَتَّى أَحْدَثَ أَصْحَابُهَا أَلْحَانًا وَطُرُقًا يَسْتَجْلِبُونَ بِتِلْكَ اللُّحُونِ تَنْشِيطَهُمْ عَلَى قِرَاءَتِهَا. وَمِنْ أَحْكَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: اسْتَحْسَنَ كَثِيرٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ الْقِرَاءَةَ بِالْأَلْحَانِ وَالتَّرْجِيعَ وَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَهُوَ جَائِزٌ. ثُمَّ قَالَ: وَالْقَلْبُ يَخْشَعُ لِلصَّوْتِ الْحَسَنِ كَمَا يَخْضَعُ لِلْوَجْهِ الْحَسَنِ وَمَا تَتَأَثَّرُ بِهِ الْقُلُوبُ فِي التَّقْوَى فَهُوَ أَعْظَمُ فِي الْأَجْرِ. وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ: لِلصَّوْتِ الْحَسَنِ أَثَرٌ عَظِيمٌ فِي النُّفُوسِ فَإِنْ كَانَ الْمَنْطِقُ رَخِيمًا رَقِيقَ الْحَوَاشِي أَوْسَعَ الْأُذُنَ سَمَاعًا وَالنَّفْسَ مَيْلًا وَقَبُولًا، وَإِنْ كَانَ مُنَغَّمًا انْتَهَى. وَذَلِكَ بِتَقْدِيرِ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ مِنْهُ وَتَرْدِيدِ الْأَنْفَاسِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ هُوَ التَّحْبِيرُ فِي الْكَلَامِ وَالتَّنْغِيمُ فِي الْغِنَاءِ. وَقَدْ مَاتَ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَرَاءِ فِي السَّمَاعِ لِلْحَقِّ وَمَاتَ كَثِيرٌ مِنْ الْبَطَّالِينَ فِي السَّمَاعِ لِشَهْوَةِ الْعِشْقِ. وَعَرَّفَ عِيَاضٌ بِالشِّبْلِيِّ فَقَالَ: هُوَ شَيْخُ الصُّوفِيَّةِ ذُو الْأَنْبَاءِ الْبَدِيعَةِ وَوَاحِدُ الْمُتَصَوِّفِينَ فِي عُلُومِ الشَّرِيعَةِ عَالِمًا فَقِيهًا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ. قَالَ: سُئِلَ عَنْ السَّمَاعِ فَقَالَ: ظَاهِرُهُ فِتْنَةٌ وَبَاطِنُهُ عِبْرَةٌ فَمَنْ عَرَفَ الْإِشَارَةَ حَلَّ لَهُ اسْتِمَاعُ الْعِبْرَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عَنْ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى عِلْمِهِ وَدِينِهِ لَا يَنْعَقِدُ إجْمَاعٌ بِدُونِهِ. قَالَ فِي قَوَاعِدِهِ: الطَّرِيقُ فِي صَلَاحِ الْقُلُوبِ يَكُونُ بِأَسْبَابٍ مِنْ خَارِجٍ فَيَكُونُ بِالْقُرْآنِ وَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ أَهْلِ السَّمَاعِ، وَيَكُونُ بِالْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ وَيَكُونُ بِالْحِدَاءِ وَالنَّشِيدِ وَيَكُونُ بِالْغِنَاءِ بِالْآلَاتِ الْمُخْتَلَفِ فِي سَمَاعِهَا كَالشَّبَّابَاتِ، فَإِنْ كَانَ السَّامِعُ لِهَذِهِ الْآلَاتِ مُسْتَحِلًّا سَمَاعَ ذَلِكَ فَهُوَ مُحْسِنٌ بِسَمَاعِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْأَحْوَالِ وَتَارِكٌ لِلْوَرَعِ لِسَمَاعِهِ مَا اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ سَمَاعِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُحْسِنٌ بِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْأَحْوَالِ مُسِيءٌ فِي سَمَاعِ مَا هُوَ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ. وَقَالَ عِيَاضٌ: كَانَ سَحْنُونَ رَقِيقَ الْقَلْبِ رَاهِبَ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكٍ أَفْقَهُ مِنْهُ. قَالَ الْقَابِسِيُّ: إنِّي لَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْ خِلَافِ سَحْنُونٍ لِمَالِكٍ مَا لَا أَجِدُ مِنْ خِلَافِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِمَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ حَارِثٍ: سَحْنُونَ إمَامُ النَّاسِ أَظْهَرُ السُّنَّةَ وَأَخْمَلُ الْبِدْعَةَ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَكَانَ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ مَجْلِسَهُ مِنْ الْعِبَادِ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْضُرُهُ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: عَرَضْت فَدَعَوْت لَيْلَةَ عُرْسِي جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَمِنْ أَصْحَابِ ابْنِ حَنْبَلٍ قَدِمَ عَلَيْنَا وَكُنَّا نَسْمَعُ مِنْهُ، فَكَأَنَّ أَصْحَابَنَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فِي تَغْبِيرٍ وَخُشُوعٍ، ثُمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 أَخَذُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْعِلْمِ ثُمَّ ابْتَدَرُوا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى زَوَايَا الدَّارِ يَصِلُونَ أَحْزَابَهُمْ. فَقَالَ الشَّيْخُ: أَصْحَابُ مَنْ هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُعَلِّمُهُمْ فَوَاَللَّهِ مَا رَأَيْت قَطُّ أَقْبَلَ مِنْهُمْ وَمَا صَحِبُوا رَجُلًا إلَّا قَبِلُوهُ. فَقَالُوا: أَصْحَابُ سَحْنُونٍ. فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْت أَصْحَابَ الْعُلَمَاءِ عِنْدَنَا بِالْمَشْرِقِ فَوَاَللَّهِ مَا رَأَيْت مِثْلَ هَؤُلَاءِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَخَرَجَ سَحْنُونَ وَمُوسَى بْنُ الصُّمَادِحِيِّ وَابْنُ رَشِيدٍ إلَى الْمُنَسْتِيرِ وَمَعَهُمْ مَنْ يُغَبِّرُ. فَقَالَ الرَّاوِي: فَنَظَرْت إلَى سَحْنُونٍ تَسِيلُ دُمُوعُهُ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ سَكَتَ الْفَتَى فَقَالَ سَحْنُونَ: ابْنُ يَحْيَى يَرْتَجِي أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ لَوْ كَانَ مَنْ يَقُولُ لَهُ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَهُ. قَالَ عِيَاضٌ: كَانَ ابْنُ الصُّمَادِحِيِّ مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ وَالدِّينِ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى عَنْهُ سَحْنُونَ وَقَالَ عَنْهُ: مَا جَلَسَ فِي الْجَامِعِ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَحَقُّ بِالْفَتْوَى مِنْ ابْنِ الصُّمَادِحِيِّ قَالَ: وَكَانَ ابْنُ رَشِيدٍ ثِقَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ رَوَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ. قَالَ عِيَاضٌ: وَكَانَ حَمْدِيسُ يُنْكِرُ عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ لِلتَّغْبِيرِ قَالَ: وَكَانَ مَيْسَرَةُ صَالِحًا نَاسِكًا وَكَانَ يَسْمَعُ التَّغْبِيرَ وَرُبَّمَا حُرِّكَ مِنْهُ فَيَبْكِي وَيُقِيمُ أَيَّامًا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ. قَالَ عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ مُعَتِّبٍ: إنَّهُ ثِقَةٌ نَبِيلٌ عَالِمٌ بِالْحَدِيثِ صَحِيحُ الْيَقِينِ بِاَللَّهِ وَكَانَ فِيهِ رِقَّةٌ حَضَرَ مَجْلِسَ السَّبْتِ فَقَرَأَ الْقُرَّاءُ وَغَبَّرُوا وَأَخَذُوا فِي تَغْبِيرِ: دَعْ الدُّنْيَا لِمَنْ جَهِلَ الصَّوَابَا ... فَقَدْ خَسِرَ الْمُحِبُّ لَهَا وَخَابَا يَظَلُّ نَهَارَهُ يَبْكِي بِبَثٍّ ... وَيَطْوِي اللَّيْلَ بِالْأَحْزَانِ ذَابَا فَلَمَّا وَصَلُوا تَحَرَّكَ وَبَكَى ثُمَّ قَرَأَ قَارِئٌ: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف: 68] . الْآيَاتِ الثَّلَاثَ. فَصَاحَ صَيْحَةً مَدِيدَةً، ثُمَّ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ وَحُمِلَ إلَى دَارِهِ وَمَاتَ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَكَانَ ابْنُ اللَّبَّادِ يَحْضُرُ مَجْلِسَ السَّبْتِ وَيَقُولُ: هُوَ يَغِيظُ بَنِي عُبَيْدٍ. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ اللَّبَّادِ كَثِيرَ الِاتِّبَاعِ لِلسُّنَنِ، أَجَلَّ شُيُوخِ وَقْتِهِ، مُفْتِيًا مُجَابَ الدَّعْوَةِ، عَلَيْهِ عَوَّلَ، الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ نَظَرَ إلَى رِجْلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَفْلَجَ وَقَدْ انْتَفَضَتَا فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُمَا عَلَى الصِّرَاطِ فَأَنْتَ الْعَالِمُ بِهِمَا وَالشَّاهِدُ عَلَيْهِمَا إنَّهُمَا مَا مَشَيَا لَكَ فِي مَعْصِيَةٍ. وَقَالَ عِيَاضٌ: وَكَانَ ابْنُ التَّبَّانِ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ وَالْفُقَهَاءِ الْمُبَرَّزِينَ ضُرِبَتْ إلَيْهِ أَكْبَادُ الْإِبِلِ مِنْ الْأَمْصَارِ لِعِلْمِهِ بِالذَّبِّ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ. قَالَ عَنْهُ الْقَابِسِيُّ بَعْدَ مَوْتِهِ: رَحِمَك اللَّهُ لَقَدْ كُنْت تَغَارُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَتَذُبُّ عَنْ الشَّرِيعَةِ. قَالَ: وَكَانَ يَسْمَعُ التَّغْبِيرَ وَيَرِقُّ لِهَذِهِ الْمَعَانِي وُجِدَ عِنْدَ مُغَبِّرٍ فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ التَّغْبِيرُ بِدْعَةً؟ قَالَ: وَالِاجْتِمَاعُ أَيْضًا عَلَى الْمَسَائِلِ بِدْعَةٌ فَبَلَغَ السَّبَّائِيَّ كَلَامُهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ. وَبِالْجُمْلَةِ لَمْ يَزَلْ السَّلَفُ تَخْتَلِفُ أَجْوِبَتُهُمْ فِي هَذَا الْمَنْزَعِ الَّذِي لَا شَكَّ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مَا أَمَرَ بِهِ وَمُيْقَنٌ لَا يُعَزُّ مُرْتَكِبُهُ، وَرَحِمَ اللَّهُ سَيِّدِي ابْنَ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَائِلَ: بِدْعَةُ الضَّلَالَةِ أَنْ تَحْكُمَ عَلَى النَّازِلَةِ بِغَيْرِ مَا حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ، فَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ مُبْتَدِعًا بِهَذِهِ النِّسْبَةِ أَعْنِي الْقَائِلَ لَيْلَةُ الزَّمْرِ خَيْرٌ مِنْ لَيْلَةٍ بِالْفُقَرَاءِ. وَمِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الْبَنَّاءِ إذَا جَعَلُوا لِلطَّرِيقِ رُكْنًا وَقَدْ ضَمَّنْت رِسَالَةً بَيَّنْت فِيهَا حُكْمَ الزَّوَايَا وَاَلَّذِينَ يَنْتَابُونَهَا مِنْ الْعَامَّةِ وَالطَّلَبَةِ يَجِبُ عَلَى مَنْ بِهِ رَغْبَةٌ فِي مُدْرَكِ حُكْمِ الشَّرْعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُطَالِعَهَا. (كَجَمَاعَةٍ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: كَرِهَ مَالِكٌ اجْتِمَاعَ الْقُرَّاءِ يَقْرَءُونَ فِي سُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ. وَرَآهَا بِدْعَةً. قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ» الْحَدِيثَ. فِيهِ جَوَازُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالْإِدَارَةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَتَأَوَّلَ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُبْتَدَعٌ وَلِأَنَّهُمْ يَبْتَغُونَ بِهِ الْأَلْحَانَ عَلَى نَحْوِ مَا يُفْعَلُ فِي الْغِنَاءِ فَوَجْهُ الْمَكْرُوهِ فِي ذَلِكَ بَيِّنٌ. الْمَازِرِيُّ: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُبِيحُ الِاجْتِمَاعَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَإِنْ كَانَ مَالِكٌ قَدْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ لِنَحْوِ مَا اقْتَضَى هَذَا الظَّاهِرُ جَوَازَهُ. وَقَالَ: يُقَامُونَ وَلَعَلَّهُ لَمَّا صَادَفَ الْعَمَلَ لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَيْهِ كَرِهَ إحْدَاثَهُ وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَتْرُكُ بَعْضَ الظَّوَاهِرِ بِالْعَمَلِ. وَقَالَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ: مِنْ الْعَجَبِ الْعَجِيبِ أَنْ يَقِفَ الْمُقَلِّدُ عَلَى ضَعْفِ مَأْخَذِ إمَامِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُقَلِّدُهُ كَأَنَّ إمَامَهُ نَبِيٌّ أُرْسِلَ إلَيْهِ وَهَذَا نَأْيٌ عَنْ الْحَقِّ وَبُعْدٌ عَنْ الصَّوَابِ لَا يَرْضَى بِهِ أَحَدٌ مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ، بَلْ تَجِدُ أَحَدَهُمْ يُنَاضِلُ عَنْ مُقَلَّدِهِ وَيَتَحَيَّلُ لِدَفْعِ ظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيَتَأَوَّلُهَا وَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَجَالِسِ فَإِذَا ذُكِرَ لِأَحَدِهِمْ خِلَافُ مَا وَطَّنَ عَلَيْهِ نَفْسَهُ تَعَجَّبَ مِنْهُ غَايَةَ التَّعَجُّبِ لِمَا أَلِفَهُ مِنْ تَقْلِيدِ إمَامِهِ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ الْحَقَّ مُنْحَصِرٌ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، وَلَوْ تَدَبَّرَ لَكَانَ تَعَجُّبُهُ مِنْ مَذْهَبِ غَيْرِهِ. فَالْبَحْثُ مَعَ هَؤُلَاءِ ضَائِعٌ مُفْضٍ إلَى التَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ يُجْدِيهَا، فَالْأَوْلَى تَرْكُ الْبَحْثِ مَعَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ إذَا عَجَزَ أَحَدُهُمْ عَنْ تَمْشِيَةِ مَذْهَبِ إمَامِهِ قَالَ: لَعَلَّ إمَامِي وَقَفَ عَلَى دَلِيلٍ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، وَلَا يَعْلَمُ الْمِسْكِينُ أَنَّ هَذَا مُقَابَلٌ بِمِثْلِهِ وَيُفَصِّلُ لِخَصْمِهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الدَّلِيلِ الْوَاضِحِ. فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ مَنْ أَعْمَى التَّقْلِيدُ بَصَرَهُ حَتَّى حَمَلَهُ عَلَى مِثْلِ مَا ذَكَرْته، وَفَّقَنَا اللَّهُ لِاتِّبَاعِ الْحَقِّ أَيْنَمَا كَانَ وَعَلَى لِسَانِ مَنْ ظَهَرَ، انْتَهَى نَصُّهُ. (وَجُلُوسٌ لَهَا لَا لِتَعْلِيمٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَجْلِسَ إلَيْهِ لَا يُرِيدُ تَعْلِيمًا (وَأُقِيمَ الْقَارِئُ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْخَمِيسِ، أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُقَامُ الَّذِي يَقْعُدُ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْخَمِيسِ، أَوْ غَيْرِهِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ: وَالْقِرَاءَةُ فِي الْمَسَاجِدِ مُحْدَثَةٌ وَلَنْ يَأْتِيَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَهْدَى مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلُهَا وَالْقُرْآنُ حَسَنٌ، قِيلَ: فَالتَّقَرِّي فِي الْمَسْجِدِ إذَا خَفَّ أَهْلُهُ جَعَلُوا رَجُلًا حَسَنَ الصَّوْتِ فَقَرَأَ لَهُمْ، فَكَرِهَهُ. قِيلَ: فَقَوْلُ عُمَرَ لِأَبِي مُوسَى ذَكِّرْنَا رَبَّنَا قَالَ: وَاَللَّهِ مَا سَمِعْت هَذَا قَطُّ قَبْلَ هَذَا الْمَجْلِسِ. ابْنُ رُشْدٍ: كَرِهَهُ إذَا أَرَادُوا بِذَلِكَ حُسْنَ صَوْتٍ لَا إذَا قَالُوا لَهُ ذَلِكَ اسْتِدْعَاءً لِرِقَّةِ قُلُوبِهِمْ بِسَمَاعِ قِرَاءَتِهِ الْحَسَنَةِ. وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إذَا رَأَى أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ قَالَ: ذَكِّرْنَا رَبَّنَا فَيَقْرَأُ عِنْدَهُ وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، وَإِنَّمَا اسْتَدْعَى عُمَرُ رِقَّةَ قَلْبِهِ بِسَمَاعِ قِرَاءَتِهِ لِلْقُرْآنِ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ إذَا صَحَّ مِنْ فَاعِلِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا اتَّقَى مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ الْمُحَدِّثُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ذَرِيعَةَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنْ يُقَدَّمَ الرَّجُلُ لِلْإِمَامَةِ لِحُسْنِ صَوْتِهِ لَا لِمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يُرَغَّبُ فِي إمَامَتِهِ مِنْ أَجْلِهِ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «بَادِرُوا بِالْمَوْتِ سِتًّا» أَحَدُهُمَا بَشَرٌ يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مِنْ أَمِيرٍ يُقَدِّمُونَ أَحَدَهُمْ لِيُغْنِيَهُمْ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّهُمْ فِقْهًا ". قَالَ عِيَاضٌ: كَانَ سَحْنُونَ رَقِيقَ الْقَلْبِ. قَالَ لِرَجُلٍ مَرَّةً: اقْرَأْ عَلَيَّ. فَقَرَأَ: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ} [غافر: 41] فَلَمَّا بَلَغَ {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ} [غافر: 44] الْآيَةَ قَالَ: حَسْبُك وَهُوَ يَبْكِي. (وَفِي كُرْهِ قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ رِوَايَتَانِ) مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: سُئِلَ عَنْ قُرَّاءِ مِصْرٍ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُقْرِئُ النَّفَرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 فَيَفْتَحُ عَلَيْهِمْ. قَالَ: ذَلِكَ حَسَنٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا. ابْنُ رُشْدٍ: كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ هَذَا وَلَا يَرْضَاهُ صَوَابًا ثُمَّ رَجَعَ وَخَفَّفَهُ. وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ بَيِّنٌ لِأَنَّهُ إذَا قَرَأَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لَا بُدَّ أَنْ يَفُوتَهُ سَمَاعُ مَا يَقْرَأُ بِهِ بَعْضُهُمْ مَا دَامَ يُصْغِي إلَى غَيْرِهِمْ وَيَشْتَغِلُ بِالرَّدِّ عَلَى الَّذِي يُصْغِي إلَيْهِ فَقَدْ يُخْطِئُ فِي ذَلِكَ الْحِينِ وَيَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ سَمِعَهُ، وَأَجَازَ قِرَاءَتَهُ فَيَحْمِلُ عَنْهُ الْخَطَأَ وَيَظُنُّهُ مَذْهَبًا لَهُ. وَوَجْهُ تَخْفِيفِ ذَلِكَ الْمَشَقَّةُ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْمُقْرِئِ بِانْفِرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ إذَا كَثُرُوا وَقَدْ لَا يَعُمُّهُمْ فَرَأْيُ جَمْعِهِمْ فِي الْقِرَاءَةِ أَحْسَنُ مِنْ الْقَطْعِ بِبَعْضِهِمْ. (وَاجْتِمَاعٌ لِدُعَاءٍ يَوْمَ عَرَفَةَ) سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْجُلُوسِ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي الْمَسَاجِدِ بِالْبُلْدَانِ يَوْمَ عَرَفَةَ لِلدُّعَاءِ فَكَرِهَ ذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: كَرِهَهُ، وَإِنْ كَانَ الدُّعَاءُ حَسَنًا وَأَفْضَلُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ بِدْعَةٌ. وَقَالَ سَحْنُونَ: حَضَرْت أَشْهَبَ يَوْمَ عَرَفَةَ بِجَامِعِ مِصْرَ وَكَانَ مِنْ حَالِهِمْ إقَامَتُهُمْ بِمَسْجِدِهِمْ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ يَعْنِي لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ عَرَفَةَ بِهَا، وَكَانَ يُصَلِّي جَالِسًا يَعْنِي النَّافِلَةَ، وَفِي جَانِبِهِ صُرَّةٌ يُعْطِي مِنْهَا السُّؤَالَ. فَنَظَرْت فَإِذَا بِيَدِ سَائِلٍ دِينَارٌ مِمَّا أَعْطَاهُ فَذَكَرْته لَهُ فَقَالَ لِي: وَمَا كُنَّا نُعْطِي مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ. وَنَقَلَ الْجُزُولِيُّ بِسَنَدِهِ إلَى الْحَسَنِ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَعْنِي اجْتِمَاعَ النَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي الْمَسَاجِدِ تَشْبِيهًا بِأَهْلِ عَرَفَةَ. وَسُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ قَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، الْحَسَنُ وَبَكْرٌ وَثَابِتٌ وَابْنُ وَاسِعٍ، وَكَانُوا يَشْهَدُونَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ عَرَفَةَ. (وَمُجَاوَزَتُهَا لِمُتَطَهِّرٍ وَقْتَ جَوَازٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: أَكْرَهُ أَنْ يَخْطِرَ فِيهَا الْمُتَوَضِّئُ (وَإِلَّا فَهَلْ يُجَاوِزُ مَحَلَّهَا، أَوْ الْآيَةَ تَأْوِيلَانِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ: يُرِيدُ يَتَعَدَّى مَوْضِعَ السُّجُودِ خَاصَّةً. ابْنُ رُشْدٍ: الصَّوَابُ اخْتِصَارُ آيَتِهَا لِئَلَّا يُغَيِّرَ الْمَعْنَى. (وَاقْتِصَارٌ عَلَيْهَا وَأُوِّلَ بِالْكَلِمَةِ وَالْآيَةِ قَالَ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 كَرِهَ مَالِكٌ قِرَاءَةَ السَّجْدَةِ خَاصَّةً لَا شَيْءٍ قَبْلَهَا وَلَا شَيْءٍ بَعْدَهَا فِي صَلَاةٍ، أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ يَسْجُدُ بِهَا. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِهِ: كَرَاهَتُهُ فِيهَا قِرَاءَةَ السَّجْدَةِ فَقَطْ يُرِيدُ مَوْضِعَ السَّجْدَةِ فَقَطْ لَا آيَتَهَا الْمَازِرِيُّ: وَقِيلَ آيَتُهَا. قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَلِمَتَيْ السَّجْدَةِ وَجُمْلَةِ الْآيَةِ (وَتَعَمُّدُهَا بِفَرِيضَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَمَّدَ فِي الْفَرِيضَةِ قِرَاءَةَ سُورَةٍ فِيهَا سَجْدَةٌ لِأَنَّهُ يَخْلِطُ عَلَى النَّاسِ صَلَاتَهُمْ، وَأَكْرَهُ أَنْ يَتَعَمَّدَهَا الْفَذُّ فِي الْفَرِيضَةِ وَهُوَ الَّذِي رَأَيْت مَالِكًا يَذْهَبُ إلَيْهِ. ابْنُ بَشِيرٍ: الصَّحِيحُ الْجَوَازُ «لِمُدَاوَمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى: الم فِي الصُّبْحِ» وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ يُوَاظِبُ الْخِيَارُ مِنْ أَشْيَاخِي وَأَشْيَاخِهِمْ (أَوْ خُطْبَةٍ) رَوَى مُحَمَّدٌ لَا يَقْرَؤُهَا خَطِيبٌ فَإِنْ فَعَلَ رَوَى أَشْهَبُ يَنْزِلُ فَلْيَسْجُدْ، وَيَسْجُدُ النَّاسُ مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيَسْجُدُوا هُمْ، وَلَهُمْ فِي التَّرْكِ سَعَةٌ، وَرَوَى عَلِيٌّ: لَا يَنْزِلُ وَلَا يَسْجُدُهَا. (لَا نَفْلٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ فِي جَوَازِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ بِسُورَةٍ فِيهَا سَجْدَةٌ (مُطْلَقًا) ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَنْصُوصُ الْجَوَازُ وَلَوْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ لَا يَأْمَنُ التَّخْلِيطَ. اللَّخْمِيِّ: فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ مَأْمُومُهُ (وَإِنْ قَرَأَهَا فِي فَرْضٍ سَجَدَ) الرِّسَالَةُ: يَسْجُدُهَا مَنْ قَرَأَهَا فِي الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ (لَا خُطْبَةٍ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ خُطْبَةٍ ". (وَجَهَرَ إمَامُ السِّرِّيَّةِ، وَإِلَّا اُتُّبِعَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ قَرَأَ إمَامٌ سُورَةَ سَجْدَةٍ فِي صَلَاةٍ سِرِّيَّةٍ اُسْتُحِبَّ تَرْكُ قِرَاءَةِ السَّجْدَةِ فَإِنْ قَرَأَهَا أَعْلَنَ بِهَا وَسَجَدَ فَلَوْ لَمْ يَجْهَرْ بِهَا وَسَجَدَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَسْجُدُ مَعَهُ مَأْمُومُهُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يَسْجُدُونَ مَعَهُ لِاحْتِمَالِ سَهْوِهِ. وَفِي السُّلَيْمَانِيَّةِ: إنْ لَمْ يَتَّبِعُوهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 (وَمُجَاوِزُهَا بِيَسِيرٍ يَسْجُدُ) ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا جَاوَزَ الْقَارِئُ السَّجْدَةَ بِيَسِيرٍ فَلْيَسْجُدْهَا مِنْ حَيْثُ انْتَهَى. اللَّخْمِيِّ: الْيَسِيرُ بِالْآيَتَيْنِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لِذَا اسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ تَأْخِيرَ السُّجُودِ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِي مَحَلِّهِ (وَبِكَثِيرٍ يُعِيدُهَا فِي الْفَرْضِ مَا لَمْ يَنْحَنِ) ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا جَاوَزَ الْقَارِئُ السَّجْدَةَ بِكَثِيرٍ رَجَعَ إلَى السَّجْدَةِ فَقَرَأَهَا وَسَجَدَهَا، ثُمَّ رَجَعَ إلَى حَيْثُ انْتَهَى فِي الْقِرَاءَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ ذَكَرَهَا بَعْدَ رُكُوعِ فَرْضٍ فَلَا يُعِيدُهَا فِي ثَانِيَةٍ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ أَيْضًا: إذَا ذَكَرَهَا فِي خَفْضِ الرُّكُوعِ. (وَبِالنَّفَلِ فِي ثَانِيَتِهِ فَفِي فِعْلِهَا قَبْلَ الْفَاتِحَةِ قَوْلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فِي نَافِلَةٍ فَنَسِيَ سُجُودَهَا حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِهِ يُرِيدُ " أَوْ ذَكَرَ وَهُوَ رَاكِعٌ " فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْرَأَهَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ. أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ يَقْرَأُ " الْحَمْدُ "، ثُمَّ الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا السَّجْدَةُ فَيَسْجُدُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْرَأُ السُّورَةَ الَّتِي مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: بَلْ يُقَدِّمُهَا عَلَى قِرَاءَةِ " الْحَمْدُ "، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَدِّمَ قَبْلَ أُمِّ الْقُرْآنِ ذِكْرًا أَوْ دُعَاءً فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى صَلَّى الثَّانِيَةَ مِنْ النَّافِلَةِ فَذَكَرَهَا وَهُوَ رَاكِعٌ تَمَادَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي نَافِلَةٍ أُخْرَى. (وَإِنْ قَصَدَهَا فَرَكَعَ سَهْوًا اعْتَدَّ بِهِ وَلَا سَهْوَ) ابْنُ عَرَفَةَ: عَلَى الْمَعْرُوفِ إنْ قَصَدَ السَّجْدَةَ فَرَكَعَ سَهْوًا فَلِلَّخْمِيِّ عَنْ مَالِكٍ يَمْضِي عَلَى رُكُوعِهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: يَخِرُّ سَاجِدًا وَيَقُومُ فَيَقْرَأُ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَسْجُدُ بَعْدَ أَنْ طَالَ رُكُوعُهُ. الشَّيْخُ: إنْ اطْمَأَنَّ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى رَفَعَ أَلْغَى تِلْكَ الرَّكْعَةَ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ نَوَى بِهَا السَّجْدَةَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْرَأُ شَيْئًا، ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ بَعْدَ السَّلَامِ. وَتَعَقَّبَ الْمَازِرِيُّ قَوْلَهُ: " فَيَقْرَأُ شَيْئًا " لِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ: مَنْ سَجَدَ آخِرَ سُورَةٍ قَامَ إنْ شَاءَ رَكَعَ، أَوْ بَعْدَ قِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْأُخْرَى. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَالرَّفْضُ مُبْطِلٌ " (بِخِلَافِ تَكْرِيرِهَا، أَوْ سُجُودٍ قَبْلَهَا سَهْوًا) قَالَ مَالِكٌ: إنْ سَجَدَ السَّجْدَةَ، ثُمَّ سَجَدَ مَعَهَا ثَانِيَةً سَهْوًا فَلْيَسْجُدْ بَعْدَ السَّلَامِ. قَالَ: وَلَوْ سَجَدَ فِي آيَةٍ قَبْلَهَا يَظُنُّ أَنَّهَا سَجْدَةٌ فَلْيَقْرَأْ السَّجْدَةَ فِي بَاقِي صَلَاتِهِ وَيَسْجُدُ لَهَا وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ. (قَالَ وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ تَكْرِيرُهُ إنْ كَرَّرَ حِزْبًا إلَّا الْمُعَلِّمَ وَالْمُتَعَلِّمَ فَأَوَّلَ مَرَّةٍ) الْمَازِرِيُّ: قَالَ فِي الْقَارِئِ يَقْرَأُ السَّجْدَةَ بَعْدَ أَنْ يَسْجُدَ فِيهَا إنَّهُ يَسْجُدُ أَيْضًا قَالَ: وَهُوَ أَصْلُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَارِئُ مِمَّنْ يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ غَالِبًا كَالْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ فَفِيهِ قَوْلَانِ إذَا كَانَا بَالِغَيْنِ. قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: يَسْجُدُ أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَقَالَ أَصْبَغُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا سُجُودَ عَلَيْهِمَا وَلَا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ (وَنُدِبَ لِسَاجِدِ الْأَعْرَافِ قِرَاءَةٌ قَبْلَ رُكُوعِهِ) الرِّسَالَةُ: فِي سَجْدَةِ الْأَعْرَافِ إنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ قَامَ فَقَرَأَ مِنْ الْأَنْفَالِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا مَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ. اُنْظُرْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 تَعَقُّبَ الْمَازِرِيِّ قَبْلَ قَوْلِهِ: " بِخِلَافِ تَكْرِيرِهَا " (وَلَا يَكْفِي عَنْهَا رُكُوعٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَرْكَعُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ، أَوْ غَيْرِهَا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ إنْ قَصَدَ بِهِ الرَّكْعَةَ فَلَمْ يَسْجُدْهَا، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ السَّجْدَةَ فَقَدْ أَحَالَهَا عَنْ صِفَتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ. (وَإِنْ تَرَكَهَا وَقَصَدَهُ صَحَّ وَكُرِهَ) سَمِعَ عِيسَى: لَوْ قَرَأَ سَجْدَةً فَرَكَعَ فَإِنْ كَانَ تَعَمَّدَ الرُّكُوعَ أَجْزَأَتْهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ وَلَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ وَقَرَأَهَا إذَا قَامَ فِي أُخْرَى وَسَجَدَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ رَكَعَ بِنِيَّةِ الرُّكُوعِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَتَرَكَ السُّجُودَ الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ (وَسَهْوًا اعْتَدَّ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ لَا ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَسْجُدُ إنْ اطْمَأَنَّ بِهِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَرَادَ أَنْ يَهْوِيَ لِيَسْجُدَهَا فَنَسِيَ فَرَكَعَ فَإِنَّهُ إنْ ذَكَرَ وَهُوَ رَاكِعٌ خَرَّ مِنْ رَكْعَتِهِ فَسَجَدَهَا، ثُمَّ اعْتَدَلَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى فَرَغَ مِنْ رَكْعَتِهِ أَلْغَى تِلْكَ الرَّكْعَةَ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الِاعْتِبَارِ بِاخْتِلَافِ نِيَّتِهِ فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى. أَضِفْ هَذَا النَّقْلَ لِمَا نَقَلْته عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ قَصَدَهَا فَرَكَعَ سَهْوًا " وَانْظُرْهُ أَنْتَ. [بَابٌ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ السَّابِعُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ (نُدِبَ نَفْلٌ) عِيَاضٌ: الصَّلَاةُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَفَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَسُنَّةٌ، وَفَضِيلَةٌ، وَتَطَوُّعٌ. وَالتَّطَوُّعُ هُوَ كُلُّ صَلَاةٍ تَنَفَّلَ فِيهَا فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي أُبِيحَتْ الصَّلَاةُ فِيهَا (وَتَأَكَّدَ بَعْدَ مَغْرِبٍ كَظُهْرٍ وَقَبْلَهَا كَعَصْرٍ بِلَا حَدٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ يُوَقِّتْ مَالِكٌ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا رُكُوعًا مَعْلُومًا، وَإِنَّمَا يُوَقِّتُ فِي هَذَا أَهْلُ الْعِرَاقِ. الشَّيْخُ: يُسْتَحَبُّ النَّفَلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 بَعْدَ الظُّهْرِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَكَذَا قَبْلَهَا وَكَذَا قَبْلَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ بِرَكْعَتَيْنِ. وَفِي الرِّسَالَةِ: وَإِنْ تَنَفَّلَ بِسِتِّ رَكَعَاتٍ فَحَسَنٌ: الْجَلَّابُ: الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ مُسْتَحَبَّةٌ كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. عِيَاضٌ: وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَضِيلَةٌ (وَالضُّحَى) ابْنُ عَرَفَةَ: نَصُّ التَّلْقِينِ وَالرِّسَالَةِ أَنَّ صَلَاةَ الضُّحَى نَافِلَةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 أَبُو عُمَرَ: فَضِيلَةٌ وَهِيَ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَقَدْ عُدَّتْ أَيْضًا فِي السُّنَنِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مِنْ آكَدِ النَّوَافِلِ رَكْعَتَانِ عِنْدَ حُلُولِ الشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ بِالنِّسْبَةِ الَّتِي تَجِبُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فِي كَوْنِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ وَهِيَ الضُّحَى الَّتِي مَنْ أَتَى بِهَا كَانَ مِنْ الْأَوَّابِينَ وَحَمَى ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ عَظْمًا مِنْ النَّارِ. (وَسِرٌّ بِهِ نَهَارًا وَجَهْرٌ لَيْلًا) الرِّسَالَةُ: يُصَلِّي الشَّفْعَ وَالْوِتْرَ جَهْرًا وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ الْإِجْهَارُ، وَفِي نَوَافِلِ النَّهَارِ الْإِسْرَارُ، وَإِنْ جَهَرَ فِي النَّهَارِ فِي نَفْلِهِ فَذَلِكَ وَاسِعٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: سَمِعَ أَشْهَبُ لَا بَأْسَ بِرَفْعِ صَوْتِهِ بِقِرَاءَةِ صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَحْدَهُ وَلَعَلَّهُ أَنْشَطُ لَهُ وَكَانُوا بِالْمَدِينَةِ يَفْعَلُونَهُ حَتَّى صَارَ الْمُسَافِرُونَ يَتَوَاعَدُونَ لِقِيَامِ الْقُرَّاءِ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا لِمَنْ حَسُنَتْ حَالَتُهُ لِيُقْتَدَى بِهِ فَيَحْصُلَ لَهُ أَجْرُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ. وَسَمِعَ أَشْهَبُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَخْرُجُ فِي اللَّيْلِ آخِرِهِ. وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ يُصَلِّي فَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: لِبُرْدٍ اُطْرُدْ هَذَا الْقَارِئَ عَنِّي فَقَدْ أَذَانِي فَسَكَتَ بُرْدٌ فَقَالَ: وَيُحْكَى يَا بُرْدُ اُطْرُدْ هَذَا الْقَارِئَ عَنِّي فَقَالَ بُرْدٌ: إنَّ الْمَسْجِدَ لَيْسَ لَنَا إنَّمَا هُوَ لِلنَّاسِ فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ فَأَخَذَ نَعْلَهُ وَتَنَحَّى. ابْنُ رُشْدٍ: أَمَرَ سَعِيدٌ بِطَرْدِ الْقَارِئِ عَنْهُ يُرِيدُ مِنْ جِوَارِهِ لَا مِنْ الْمَسْجِدِ جُمْلَةً وَمِنْ حَقِّ مَنْ أُوذِيَ أَنْ يَنْهَى مَنْ آذَاهُ، وَلَوْ رَفَعَ رَجُلٌ فِي دَارِهِ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ لَمَا وَجَبَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ، وَلِمَا نَقَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي مَسَالِكِهِ «قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ اخْفِضْ قَلِيلًا» ، نَقَلَ حِكَايَةَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مَعَ عُمَرَ، ثُمَّ قَالَ: وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ لِمَنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي الْجَهْرِ، وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ انْتَفَعَ النَّاسُ بِهِ وَانْتَفَعَ هُوَ بِكَلَامِ اللَّهِ. وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ يُسْمِعُ أُذُنَيْهِ وَيُوقِظُ قَلْبَهُ لِتَدْبِيرِ الْكَلَامِ وَتَفْهِيمِ الْمَعَانِي وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي الْجَهْرِ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرْجُوَ يَقَظَةَ نَائِمٍ فَيَذْكُرَ اللَّهَ فَيَكُونَ هُوَ لَهُ مُعَاوِنًا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَيَكُونَ فِي الْعَمَلِ الْوَاحِدِ عَشَرَةُ نِيَّاتٍ فَيُعْطَى عَشَرَةَ أُجُورٍ. وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ: لَا شَكَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 أَنَّ الْعَلَانِيَةَ بِالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا أَفْضَلُ إذَا خَلَصَتْ مِنْ الرِّيَاءِ وَقَدْ كَشَفَ اللَّهُ الْقِنَاعَ بِالْبَيَانِ عَنْ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «قَالَ اللَّهُ مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْته فِي نَفْسِي وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْته فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْ مَلَئِهِ» ابْنُ عَرَفَةَ: وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ بِالْمَسْجِدِ آخِرَ اللَّيْلِ مَعَ حُسْنِ النِّيَّةِ قُرْبَةٌ، وَفِي جَوَازِهِ بِعَسْعَسَةِ اللَّيْلِ بَعْدَ مُضِيِّ نِصْفِهِ وَمَنْعِهِ نَقْلٌ. ابْنُ سَهْلٍ: الْجَوَازُ لِابْنِ عَتَّابٍ وَالْمَسِيلِيِّ وَالْمَنْعُ لِابْنِ دَحُونٍ وَابْنِ حَزْمٍ. وَقَدْ كَانَ مِنْ جَوَابِ ابْنِ عَتَّابٍ، أَوْ قَالَ: الِاحْتِسَابُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ سَائِغٍ؛ إذْ ذَاكَ ذِكْرُ اللَّهِ تَنْشَرِحُ لَهُ الصُّدُورُ صُدُورُ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَتَطْمَئِنُّ بِهِ قُلُوبُهُمْ وَمَتَى عُهِدَ مَنْ ابْتَهَلَ فِي الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ أَنْ يُوقَفَ مَوْقِفَ الْإِنْكَارِ وَالْإِقْرَارِ. أَمَا سَمِعَ الْمُحْتَسِبُ قَوْلَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} [الأنعام: 52] الْآيَةَ. ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِ مَالِكٍ: كَانَ السَّلَفُ يَتَوَاعَدُونَ الْإِسْفَارَ لِقِيَامِ الْقُرَّاءِ. وَقَالَ الْمَسِيلِيُّ: كُلُّ مَا صَنَعَهُ هَذَا الْمُؤَذِّنُ حَسَنٌ مَأْمُورٌ بِهِ مُرَغَّبٌ فِيهِ قَدِيمٌ مِنْ فِعْلِ الصَّالِحِينَ. كَانَ عُرْوَةُ يَقُومُ بِاللَّيْلِ يَصِيحُ فِي الطُّرُقِ يَحُضُّ وَيُخَوِّفُ وَيَتْلُو {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} [الأعراف: 98] إلَى يَلْعَبُونَ قَالَ عِيَاضٌ: عَنْ ابْنِ عَتَّابٍ: هُوَ وَشَيْخُ الْمُفْتِينَ حَافِظًا نُظَّارًا تَفَقَّهَ بِهِ الْأَنْدَلُسِيُّونَ مِنْ جُلَّةِ الْفُقَهَاءِ عَلَى سُنَنِ أَهْلِ الْفَضْلِ، جَزِلُ الرَّأْيِ حَصِيبُ الْعَقْلِ عَلَى مَنْهَجِ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اُذْكُرُوا اللَّهَ» . الْحَدِيثَ. (وَتَأَكَّدَ بِوِتْرٍ) خَيَّرَ الْإِبْيَانِيُّ وَيَحْيَى بْنُ عُمَرَ فِي الْجَهْرِ فِي الشَّفْعِ وَأَلْزَمَاهُ فِي الْوِتْرِ، فَإِنْ أَسَرَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 سَهْوًا سَجَدَ قَبْلُ. وَجَهْلًا بَطَلَ. وَاسْتَبْعَدَ عَبْدُ الْحَقِّ الْبُطْلَانَ. ابْنُ يُونُسَ: قِيلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ أَسَرَّ فِي الْوِتْرِ كَمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا قَرَأَهُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا. الْبَاجِيُّ: يَجْهَرُ بِهِ الْإِمَامُ وَأَمَّا الْأَفْذَاذُ فِي الْمَسْجِدِ فَيُسِرُّونَهُ. ابْنُ عَلَاقٍ: فِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْضِي فَرْضَهُ جَهْرًا وَمِنْ الِاسْتِذْكَارِ مَا نَصُّهُ: فِي الَّذِي يَقْضِي فَرْضَهُ، وَإِلَى جَنْبِهِ مَنْ يَعْمَلُ مِثْلَ عَمَلِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يُفَرِّطَ فِي الْجَهْرِ لِئَلَّا يُخْلَطَ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَجِبُ ذَلِكَ لِمُتَنَفِّلٍ إلَى جَنْبِهِ مُتَنَفِّلٌ مِثْلُهُ، وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَحَرَامٌ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَتَحَدَّثُوا فِي الْمَسْجِدِ بِمَا يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ عَنْ صَلَاتِهِ وَيَخْلِطُ عَلَيْهِ قِرَاءَتَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ لِمُصَلٍّ بِالْمَسْجِدِ إلَى جَنْبِهِ مُصَلٍّ رَفْعُ صَوْتِهِ بِالْقِرَاءَةِ، وَمَنْ قَضَى رَكْعَةً جَهْرًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفَرِّطَ فِي جَهْرِهِ لِقُرْبِ مُصَلٍّ مِثْلِهِ (وَتَحِيَّةُ مَسْجِدِ) عِيَاضٌ: تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ فَضِيلَةٌ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ. أَبُو عُمَرَ: عَلَى هَذَا جَمَاعَةُ فُقَهَاءَ وَكَانَ الْقَاسِمُ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَجْلِسُ وَلَا يُصَلِّي وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَسَالِمٌ ابْنُهُ. قَالَ: وَرَحَلَ الْغَازِيُّ بْنُ قَيْسٍ إلَى الْمَدِينَةِ لِيَسْمَعَ مِنْ مَالِكٍ فَدَخَلَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَلَسَ وَلَمْ يَرْكَعْ فَقَالَ لَهُ الْغَازِيُّ بْنُ قَيْسٍ: قُمْ فَارْكَعْ فَإِنَّ جُلُوسَك دُونَ رُكُوعٍ جَهْلٌ بِالسُّنَّةِ، وَنَحْوَ هَذَا مِنْ جَفَاءِ الْقَوْلِ. فَقَامَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فَرَكَعَ، ثُمَّ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ وَجَلَسَ النَّاسُ إلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْغَازِيُّ بْنُ أَبِي قَيْسٍ خَجِلَ وَنَدِمَ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ: هُوَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَحَدُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَأَشْرَافِهِمْ فَقَامَ يَعْتَذِرُ إلَيْهِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: يَا أَخِي لَا عَلَيْك أَمَرْتَنَا بِخَيْرٍ فَأَطَعْنَاك. وَمِنْ نَحْوِ هَذَا التَّخَلُّقِ مَا حَكَاهُ عِيَاضٌ عَنْ قَاضِي الْجَمَاعَةِ ابْنِ السُّلَيْمِ قَالَ: حَضَرَ يَوْمًا مَسْجِدًا بِأَطْرَافِ قُرْطُبَةَ لِانْتِظَارِ جِنَازَةٍ فَحَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَأَشَارَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْعَامَّةِ أَنْ يُؤَذِّنَ فَتَغَيَّرَ الرَّجُلُ وَقَالَ لَهُ: لَمْ تَرَ بِالْمَسْجِدِ مَنْ هُوَ أَنْجَسُ مِنِّي فَتَبَسَّمَ الْقَاضِي وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ، ثُمَّ خَرَجَ بِنَفْسِهِ فَأَذَّنَ وَرَجَعَ وَقَالَ لِلرَّجُلِ: قَدْ رَأَيْت مَنْ هُوَ أَنْجَسُ مِنْك فَلَا تَعُدْ لِمِثْلِ قَوْلِك تَابَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَعَلَيْك. (وَجَازَ تَرْكُ مَارٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: جَائِزٌ لِلْمُجْتَازِ أَنْ يَمُرَّ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَرْكَعَ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ الْقُعُودُ دُونَ رُكُوعٍ. (وَتَأَدَّتْ بِفَرْضٍ) الْجَلَّابُ: مَنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ لَمْ يُعِدْهُ وَمَنْ جَلَسَ دُونَهُ تَلَافَاهُ وَيَكْفِي عِنْدَ الْفَرْضِ. (وَبَدَأَ بِهَا بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَبْدَأُ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرُّكُوعِ قَبْلَ سَلَامِهِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعَكْسُ وَاسِعٌ. ابْنُ الْقَاسِمِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْدَأَ بِالرُّكُوعِ. ابْنُ رُشْدٍ لِحَدِيثِ: «إذَا دَخَلَ فَلْيَرْكَعْ» . وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، وَتَوْسِيعِهِ، مَالِكٌ: لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عِنْدَ الْجُلُوسِ قَبْلَ الرُّكُوعِ (وَإِيقَاعُ نَفْلٍ بِهِ بِمُصَلَّاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْفَرْضُ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مُصَلَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ مَوْضِعٍ إلَيَّ مِنْ مَسْجِدِهِ لِلنَّفْلِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ الْعَمُودُ الْمُخَلَّقُ، وَالْفَرْضُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ. وَمِنْ الِاسْتِذْكَارِ مَا نَصُّهُ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ بَكَّرَ وَانْتَظَرَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ مِمَّنْ تَأَخَّرَ، ثُمَّ صَلَّى فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، فَمَا وَرَدَ مِنْ مَعْنَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ إلَّا مِنْ أَجْلِ الْبُكُورِ. (وَتَحِيَّةُ مَسْجِدِ مَكَّةَ الطَّوَافُ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: تَأْخِيرَهُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ رُكُوعَهُ عَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 طَوَافِهِ. (وَتَرَاوِيحُ) ابْنُ حَبِيبٍ: قِيَامُ رَمَضَانَ فَضِيلَةٌ. أَبُو عُمَرَ: سُنَّةٌ وَالْجَمْعُ لَهُ بِالْمَسْجِدِ حَسَنٌ (وَانْفِرَادٌ بِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: قِيَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ فِي رَمَضَانَ أَحَبُّ إلَيَّ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَقْوَى عَلَى ذَلِكَ (إنْ لَمْ تُعَطَّلْ الْمَسَاجِدُ) أَبُو عُمَرَ: إذَا قَامَتْ الصَّلَاةُ فِي الْمَسَاجِدِ فِي رَمَضَانَ وَلَوْ بِأَقَلِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 عَدَدٍ فَالصَّلَاةُ حِينَئِذٍ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ. (وَالْخَتْمُ فِيهَا) اللَّخْمِيِّ: وَالْخَتْمُ أَحْسَنُ (وَسُورَةٌ تُجْزِئُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ خَتْمُ الْقُرْآنِ سُنَّةً فِي رَمَضَانَ. قَالَ رَبِيعَةُ: وَلَوْ أَمَّهُمْ رَجُلٌ بِسُورَةٍ حَتَّى يَنْقَضِيَ الشَّهْرُ لَأَجْزَأَ (ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ ثُمَّ جُعِلَتْ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ) نَافِعٌ: أَدْرَكْت النَّاسَ يَقُومُونَ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُونَ مِنْهَا بِثَلَاثٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ النَّاسُ. اللَّخْمِيِّ: الَّذِي آخُذُ بِهِ مَا جَمَعَ عَلَيْهِ عُمَرُ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً. ابْنُ حَبِيبٍ: رَجَعَ عُمَرُ إلَى ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ (وَخَفَّفَ مَسْبُوقُهَا ثَانِيَتَهُ وَلَحِقَ) ابْنُ عَرَفَةَ: رَوَى الْأَكْثَرُ: الْمَسْبُوقُ فِي ثَانِيَتِهِ فَذٌّ مُوَافِقٌ حَرَكَةَ إمَامِهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: بَلْ مُؤْتَمٌّ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ: أُولَاهَا. قَوْلُ سَحْنُونٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يَقْضِي رَكْعَةً مُخَفِّفًا وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ. (وَقِرَاءَةُ شَفْعٍ بِسَبِّحْ وَالْكَافِرُونَ) رَوَى عَلِيٌّ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ يُسْتَحَبُّ بِهِ الْقِرَاءَةُ فِي الشَّفْعِ دُونَ غَيْرِهِ. الْبَاجِيُّ: هَذَا لِمَنْ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ عَقِبَ صَلَاةِ الْوِتْرِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الشَّفْعِ بِ " سَبِّحْ " وَ " الْكَافِرُونَ ". وَفَسَّرَ عِيَاضٌ الْمَذْهَبَ بِهَذَا انْتَهَى. اُنْظُرْ فِهْرِسْتَ عِيَاضٍ ذَكَرَ سِلْسِلَةَ قِرَاءَةِ الشَّفْعِ بِالْإِخْلَاصِ وَذَكَرَ أَنَّهُ هُوَ الْتَزَمَ ذَلِكَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ مُنْذُ رَوَى ذَلِكَ (وَوِتْرٍ بِإِخْلَاصٍ وَمُعَوِّذَتَيْنِ) فِيهَا لِمَالِكٍ الْوِتْرُ وَاحِدَةٌ، وَكَانَ مَالِكٌ يَقْرَأُ فِيهَا فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " والْمُعَوِّذتَيْن. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: مَا قِرَاءَةُ الْإِخْلَاصِ أَحَدٌ فِي الْوِتْرِ بِلَازِمٍ. الْبَاجِيُّ: مَا فِي الْمَجْمُوعَةِ يَنْفِي اللُّزُومَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. (إلَّا لِمَنْ لَهُ حِزْبٌ فَمِنْهُ فِيهِمَا) الْمَازِرِيُّ: وَقَعَ فِي نَفْسِي عَدَمُ تَعْيِينِ قِرَاءَةِ الْوِتْرِ إثْرَ تَهَجُّدِهِ فَأَمَرْت بِهِ إمَامَ تَرَاوِيحِ رَمَضَانَ، ثُمَّ خِفْت انْدِرَاسَ الشَّفْعِ عِنْدَ الْعَوَامّ إنْ لَمْ يَخْتَصَّ بِقِرَاءَةٍ فَرَجَعْت لِلْمَأْلُوفِ، ثُمَّ بَعْدَ طُولٍ رَأَيْت الْبَاجِيَّ قَدْ أَشَارَ إلَى مَا كُنْت اخْتَرْته انْتَهَى. اُنْظُرْ تَعَقُّبَ ابْنِ عَرَفَةَ هَذَا. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَقْرَأُ الْمُتَهَجِّدُ فِي رَكْعَةِ الْوِتْرِ مِنْ تَمَامِ حِزْبِهِ وَغَيْرِهِ: بِ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " فَقَطْ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ قِرَاءَتِهِ بِهَا مَعَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَانْتَهَتْ الْغَفْلَةُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ التَّرَاوِيحَ فَإِذَا انْتَهَوْا لِلْوِتْرِ قَرَءُوا فِيهِ: بِ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ. (وَفِعْلُهُ لِمُنْتَبِهٍ آخِرَ اللَّيْلِ) ابْنُ يُونُسَ: الْأَفْضَلُ عِنْدَ مَالِكٍ تَأْخِيرُ الْوِتْرِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ لِفَضِيلَةِ قِيَامِ اللَّيْلِ إلَّا لِمَنْ يَكُونُ الْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْتَبِهَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُوتِرَ، ثُمَّ يَنَامَ لِأَنَّ فِي نَوْمِهِ قَبْلَهُ تَغْرِيرًا بِالْوِتْرِ. (وَلَمْ يُعِدْهُ مُقَدِّمٌ) عِيَاضٌ: ذَهَبَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ، وَكَافَّةُ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى إلَى مَنْعِ نَقْضِ الْوِتْرِ وَأَنَّهُ إذَا بَدَا لَهُ فِي التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْوِتْرِ لَمْ يَنْقُضْهُ وَلَمْ يَشْفَعْهُ، وَصَلَّى مَا بَدَا لَهُ وَلَمْ يُعِدْهُ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُهُ (ثُمَّ صَلَّى وَجَازَ) فِي الْمُخْتَصَرِ مَنْ أَوْتَرَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ أَرَادَ التَّنَفُّلَ تَنَفَّلَ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 يُؤَخِّرُ قَلِيلًا، وَإِنْ انْصَرَفَ إلَى بَيْتِهِ تَنَفَّلَ مَا أَحَبَّ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْعَ مَنْ أَوْتَرَ مَعَ الْإِمَامِ فِي رَمَضَانَ أَنْ يَصِلَ وِتْرَهُ بِرَكْعَةٍ لِيُوتِرَ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ يُسَلِّمُ مَعَهُ وَيُصَلِّي بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ. وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: يَتَأَنَّى قَلِيلًا أَعْجَبُ إلَيَّ انْتَهَى. اُنْظُرْ مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ يُصَلِّي الْأَشْفَاعَ مَعَ الْإِمَامِ فَدَخَلَ مَعَهُ فَإِذَا هُوَ فِي الْوِتْرِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَشْفَعُهُ كَمَا إذَا أَوْتَرَ مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَتَمَةَ انْتَهَى. وَانْظُرْ عَلَى هَذَا فِي لَيَالِي الْإِحْيَاءِ مَنْ أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ آخِرَ اللَّيْلِ فَعَلَى هَذَا إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ مِنْ رَكْعَةِ الْوِتْرِ قَامَ هَذَا الَّذِي كَانَ أَوْتَرَ فَشَفَعَ هَذَا الْوِتْرَ الَّذِي صَلَّاهُ مَعَ هَذَا الْإِمَامِ، وَرُبَّمَا تَجِدُ بَعْضَ الْعَوَامّ لَيَالِيَ الْإِحْيَاءِ إذَا نُودِيَ بِالشَّفْعِ وَالْوِتْرِ تَرَكُوا الْقِيَامَ مَعَ الْإِمَامِ لِرَكْعَتَيْ الشَّفْعِ فَضْلًا عَنْ رَكْعَةِ الْوِتْرِ وَهَذَا لَا يَنْبَغِي انْتَهَى. (وَعَقِبَ شَفْعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْوِتْرُ وَاحِدَةٌ ثُمَّ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ شَفْعٍ قَبْلَهَا. الْبَاجِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَلْ يَنُوبُ مَنَابَ الشَّفْعِ كُلُّ نَافِلَةٍ؟ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ صَلَّى الْوِتْرَ دُونَ شَفْعٍ فَقَالَ سَحْنُونَ: إنْ قَرُبَ شَفَعَهَا وَأَوْتَرَ، وَإِنْ بَعُدَ أَجْزَأَهُ لِقَوْلِ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُوتِرَ الْمُسَافِرُ بِرَكْعَةٍ وَقَدْ أَوْتَرَ سَحْنُونَ فِي مَرَضِهِ بِوَاحِدَةٍ. وَقِيلَ لِمَالِكٍ: مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْعِشَاءِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ جَلَسَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُوتِرَ. قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ لَهُ سَعَةٌ فِي أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: " يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، وَإِنْ طَالَ مَا بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوَاحِدَةِ " صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ بِسَلَامٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا طَالَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ، وَوَجَّهَ هَذَا مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: الْوِتْرُ ثَلَاثٌ بِغَيْرِ سَلَامٍ. وَهَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَدْ رَكَعَ بَعْدَ الْعِشَاءِ لَأَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ قَوْلًا وَاحِدًا انْتَهَى. وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ أَصْبَحَ وَلَمْ يُوتِرْ فَإِنْ كَانَ تَنَفَّلَ بَعْدَ الْعَتَمَةِ فَلْيُوتِرْ الْآنَ بِوَاحِدَةٍ، وَإِلَّا شَفَعَ الْآنَ بِرَكْعَتَيْنِ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ أَنَّهُ مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ. (مُنْفَصِلٍ عَنْهُ بِسَلَامٍ إلَّا لِاقْتِدَاءٍ بِوَاصِلٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بُدَّ مِنْ شَفْعٍ قَبْلَ الْوِتْرِ يُسَلِّمُ مِنْهُ فِي حَضَرٍ، أَوْ سَفَرٍ، وَمَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِسَلَامٍ تَبِعَهُ. اُنْظُرْ قَوْلَ الْإِمَامِ " لَا بُدَّ مِنْ شَفْعٍ يُسَلِّمُ مِنْهُ " وَمَعَ ذَلِكَ أَمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِاتِّبَاعِ مَنْ لَا يَفْصِلُ بِسَلَامٍ، وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ ذَكَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ أَوْتَرَ بِالنَّاسِ لِعَارِضٍ يَعْرِضُ بِإِمَامِهِمْ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ فِعْلَهُ بَلْ يَتْرُكُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 السَّلَامَ مِنْ الشَّفْعِ مُوَافَقَةً لِلْمَنُوبِ عَنْهُ. اُنْظُرْ رَسْمَ الصَّلَاةِ الثَّانِيَ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ (وَكُرِهَ وَصْلُهُ) . الْجَلَّابُ: الْوِتْرُ رَكْعَةٌ بَعْدَ شَفْعٍ مُنْفَصِلٍ مِنْهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَيُكْرَهُ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فِي آخِرِهَا، وَانْظُرْ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ شَفْعِهِ حَتَّى قَامَ (وَأَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعَقِبَ شَفْعٍ ". (وَقِرَاءَةُ ثَانٍ مِنْ غَيْرِ انْتِهَاءِ الْأَوَّلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ لِلْقُرَّاءِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ أَنْ يَقْرَأَ أَحَدُهُمْ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي انْتَهَى إلَيْهِ صَاحِبُهُ وَقَالَ: إنَّمَا يَقْرَأُ هَؤُلَاءِ مَا خَفَّ عَلَيْهِمْ لِيُوَافِقَ ذَلِكَ مَا يُرِيدُونَ، وَلْيَقْرَأْ الثَّانِي مِنْ حَيْثُ انْتَهَى الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّاسُ انْتَهَى. وَانْظُرْ حُكْمَ مَنْ دَخَلَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ الْأَشْفَاعَ وَعَلَيْهِ الْعِشَاءُ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَدْخُلُ مَعَهُمْ فِي الْأَشْفَاعِ وَيُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُهَا الْمُعْتَادُ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤَخِّرُهَا وَيُصَلِّيهَا وَسَطَ النَّاسِ. وَقَالَ مَرَّةً بِمُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ، وَنَحْوُهُ فِي التَّفْرِيعِ. وَفِي التَّفْرِيعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 أَيْضًا: لَا بَأْسَ بِالنَّفْلِ بَيْنَ الْأَشْفَاعِ إنْ جَلَسَ الْإِمَامُ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ، وَإِلَّا فَلَا (وَنَظَرٌ بِمُصْحَفٍ فِي فَرْضٍ وَأَثْنَاءَ نَفْلٍ لَا أَوَّلَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَجَازَ مَالِكٌ أَنْ يَؤُمَّ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ فِي الْمُصْحَفِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ وَكَرِهَ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: إنْ ابْتَدَأَ النَّافِلَةَ بِغَيْرِ مُصْحَفٍ مَنْشُورٍ فَلَا يَنْبَغِي إذَا شَكَّ فِي حَرْفٍ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ، وَلَكِنْ يُتِمُّ صَلَاتَهُ ثُمَّ يَنْظُرُ (وَجَمْعٌ كَثِيرٌ لِنَفْلٍ أَوْ بِمَكَانٍ مُشْتَهِرٍ، وَإِلَّا فَلَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِصَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي جَمَاعَةٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا. ابْنُ عَرَفَةَ: فَأَطْلَقَهُ اللَّخْمِيِّ وَقَيَّدَهُ الصَّقَلِّيُّ وَابْنُ أَبِي زَمَنِينَ بِرِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ إنْ قَلَّتْ الْجَمَاعَةُ كَالثَّلَاثَةِ وَخَفِيَ مَحَلُّهُمْ انْتَهَى. اُنْظُرْ ابْنَ زَرْقُونٍ فَإِنَّهُ صَرَّحَ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ حَبِيبٍ مُخَالِفَةٌ لِلْمُدَوَّنَةِ. (وَكَلَامٌ بَعْدَ الصُّبْحِ لِقُرْبِ الطُّلُوعِ لَا بَعْدَ الْفَجْرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 يَجُوزُ الْكَلَامُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَيُكْرَهُ بَعْدَ الصُّبْحِ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ، أَوْ قُرْبِهِ. (وَضِجْعَةٌ بَيْنَ صُبْحٍ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِالضِّجْعَةِ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ إنْ لَمْ يُرِدْ بِهَا فَصْلًا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلَا أُحِبُّهُ. أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ اسْتِنَانًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ اسْتِنَانًا. (وَالْوِتْرُ سُنَّةٌ آكَدُ) . ابْنُ يُونُسَ: الْوِتْرُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا يَسَعُ لِأَحَدِ تَرْكُهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 سَحْنُونَ: يُجَرَّحُ تَارِكُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: اعْتَذَرَ بَعْضُهُمْ عَنْ التَّجْرِيحِ بِأَنَّ تَرْكَهُ عَلَامَةُ اسْتِخْفَافٍ بِأُمُورِ الدِّينِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: يُؤَدَّبُ. الْمَازِرِيُّ: لِاسْتِخْفَافِهِ بِالسُّنَّةِ كَقَوْلِ ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: تَارِكُ السُّنَّةِ فَاسِقٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ اسْتِشْكَالُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ. (ثُمَّ عِيدٌ ثُمَّ كُسُوفٌ، ثُمَّ اسْتِسْقَاءٌ) . ابْنُ شَاسٍ: آكَدُ السُّنَنِ الْعِيدَانِ ثُمَّ الْكُسُوفُ وَلَا شَكَّ فِي تَقْدِيمِ الْوِتْرِ عَلَى مَا ذُكِرَ انْتَهَى نَصُّهَا. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَأُخِّرَ الِاسْتِسْقَاءُ لِيَوْمٍ آخَرَ " (وَوَقْتُهُ بَعْدَ عِشَاءٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: وَقْتُ الْوِتْرِ بَعْدَ الشَّفَقِ وَصَلَاةُ الْعِشَاءِ إلَى الْفَجْرِ، وَفِعْلُهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَلَوْ سَهْوًا لَغْوٌ (صَحِيحَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى بَيْتِهِ فَتَوَضَّأَ وَأَوْتَرَ، ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ فَلْيُعِدْ الْعِشَاءَ، ثُمَّ الْوِتْرَ. (وَشَفَقٌ لِلْفَجْرِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ بِهَذَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 (وَضَرُورِيَّةٌ لِلصُّبْحِ) عِبَارَةُ الْبَاجِيِّ آخِرُ وَقْتِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرِ فِي الضَّرُورَةِ مَا لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ (وَنُدِبَ قَطْعُهَا لَهُ لِفَذٍّ لَا مُؤْتَمٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ذَكَرَ الْوِتْرَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لَمْ يَقْضِهِ وَلَيْسَ كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي الْقَضَاءِ، وَمَنْ كَانَ خَلْفَ إمَامٍ فِي الصُّبْحِ، أَوْ وَحْدَهُ فَذَكَرَ وِتْرَ لَيْلَتِهِ فَقَدْ اسْتَحَبَّ لَهُ مَالِكٌ أَنْ يَقْطَعَ وَيُوتِرَ، ثُمَّ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ثُمَّ أَرْخَصَ مَالِكٌ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَتَمَادَى (وَفِي الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ) ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَقْطَعُ الْإِمَامُ إلَّا أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: لَا يَقْطَعُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ فَذٍّ وَلَا غَيْرِهِ. أَبُو عُمَرَ: وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الصَّوَابُ. الْبَاجِيُّ: وَهُوَ أَوْلَى. اللَّخْمِيِّ: وَلِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 لَا يَقْطَعُ الْفَذُّ فَعَلَيْهِ لَا يَقْطَعُ الْإِمَامُ انْتَهَى. اُنْظُرْ إذَا ذَكَرَ الْوِتْرَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَرَوَى عَلِيٌّ: يَخْرُجُ فَيُصَلِّيهِ وَلَا يَخْرُجُ لِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ (وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الْوَقْتُ إلَّا لِرَكْعَتَيْنِ تَرَكَهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ ذَكَرَهُ لِرَكْعَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَالصُّبْحُ وَلِرَكْعَتَيْنِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالصَّقَلِّيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ وَلِأَرْبَعٍ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَمُحَمَّدٌ وَاللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلِخَمْسٍ وَمَا تَنَفَّلَ بَعْدَ الْعِشَاءِ يَتْرُكُ الْفَجْرَ لِلشَّفْعِ قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ. قَالَ: وَإِنْ تَنَفَّلَ فَقَوْلَانِ وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: وِتْرُ مَنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ إنْ تَنَفَّلَ بَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَةٌ، وَإِلَّا شَفَعَ بِرَكْعَتَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا لِابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ يُونُسَ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ أَنَّ لِمَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ انْتَهَى. وَانْظُرْ إنْ ذَكَرَ الْوِتْرَ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ الْفَجْرَ هَلْ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَيُعِيدُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ؟ . وَقَدْ قَالَ سَحْنُونَ: مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً بَعْدَ أَنْ رَكَعَ الْفَجْرَ صَلَّاهَا وَأَعَادَ الْفَجْرَ. (لَا لِثَلَاثٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 وَلِخَمْسٍ صَلَّى الشَّفْعَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ بَشِيرٍ. (وَلَوْ قَدَّمَ) اُنْظُرْ هَذَا فَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَخِلَافُ قَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ إنَّهُ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ قَوْلًا وَاحِدًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ: وَإِنْ تَنَفَّلَ فَقَوْلَانِ. (وَلِسَبْعٍ زَادَ الْفَجْرَ) نَصَّ عَلَى هَذَا الْجُزُولِيُّ قَائِلًا: لَا إشْكَالَ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. (وَهِيَ رَغِيبَةٌ) أَصْبَغُ: رَكْعَتَا الْفَجْرِ مِنْ الرَّغَائِبِ. أَشْهَبُ: هُمَا سُنَّةٌ. وَوَجَّهَ ابْنُ يُونُسَ كِلَا الْقَوْلَيْنِ مَعًا. (تَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ تَخُصُّهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ صَلَّاهُمَا بَعْدَ الْفَجْرِ لَا يَنْوِي بِهِمَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمْ يَجْزِيَاهُ. (وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 تُجْزِئُ إنْ تَبَيَّنَ تَقَدُّمُ إحْرَامِهَا لِلْفَجْرِ وَلَوْ بِتَحَرٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَحَرَّى الْفَجْرَ فِي غَيْمٍ وَرَكَعَ لَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ رَكَعَهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَعَادَهُمَا بَعْدَهُ. (وَنُدِبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَاتِحَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَانَ مَالِكٌ يَقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ سِرًّا. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَعْجَبَهُ قِرَاءَتُهُمَا بِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ لِلْحَدِيثِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَقَلُّ أَحْوَالِ الْمُتَبَتِّلِينَ أَنْ يَقُومَ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ نَوْمِهِ فَيَذْكُرَ اللَّهَ وَيَقْرَأَ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران: 190] الْعَشْرَ الْآيَاتِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ رَكَعَ رَكْعَتَيْهِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ التَّوْحِيدِ ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ انْتَهَى. نَصَّهُ أَبُو عُمَرَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْنِ لِفَجْرٍ بِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) . وَرُوِيَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَكُلُّهَا صِحَاحٌ ثَابِتَةٌ. وَكَذَلِكَ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ» ، قَالَ: وَاهْتِبَالُ الْعُلَمَاءِ بِمَا يَقْرَأُ فِيهِمَا دَلِيلُ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَلَا وَجْهَ لِمَنْ قَالَ إنَّهُمَا رَغِيبَةٌ وَلَا يُوقَفُ عَلَى مُؤَكَّدَاتِ السُّنَنِ إلَّا بِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ، فَرَكْعَتَا الْفَجْرِ سُنَّةٌ وَرَوَاهُ أَشْهَبُ وَعَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَاهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةُ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى مِنْ التَّمْهِيدِ. (وَإِيقَاعُهَا بِمَسْجِدٍ) ابْنُ مُحْرِزٍ فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ: صَلَاتُهُمَا بِالْمَسْجِدِ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ إظْهَارَ السُّنَنِ خَيْرٌ وَخَالَفَ فِي هَذَا ابْنُ حَبِيبٍ (وَنَابَتْ عَنْ التَّحِيَّةِ) ضَعَّفَهُ أَبُو عِمْرَانَ مَا ذُكِرَ عَنْ الْقَابِسِيِّ أَنَّ مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ بَعْدَ الْفَجْرِ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةً وَرَكْعَتَيْنِ لِلْفَجْرِ. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: إذَا بَدَأَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَهِيَ تَنُوبُ لَهُ عَنْ تَحِيَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 الْمَسْجِدِ كَمَا تَنُوبُ عَنْهَا الْفَرِيضَةُ (وَإِنْ فَعَلَهَا بِبَيْتِهِ لَمْ يَرْكَعْ) قَالَ مَالِكٌ: مَنْ رَكَعَهَا فِي بَيْتِهِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَرْكَعَ إذَا أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ يَرْكَعُ. ابْنُ يُونُسَ: وَبِالرُّكُوعِ أَقُولُ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَابْنِ وَهْبٍ وَأَصْبَغَ. وَفِي التَّمْهِيدِ قَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَرْكَعَ فِي الْمَسْجِدِ مَنْ رَكَعَ فِي بَيْتِهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: الْأَوْلَى أَنْ يَرْكَعَ لِأَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ مَنْ أَرَادَهُ إلَّا أَنْ يَصِحَّ أَنَّ السُّنَّةَ نَهَتْ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ قَالَ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] (وَلَا يُقْضَى غَيْرُ فَرْضٍ إلَّا هِيَ فَلِلزَّوَالِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 رَوَى الْبَاجِيُّ: مَنْ نَسِيَهُمَا قَضَاهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. ابْنُ شَعْبَانَ: مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ. الْبَاجِيُّ: وَقْتُهُمَا إلَى الضُّحَى. (وَإِنْ أُقِيمَتْ الصُّبْحُ وَهُوَ بِمَسْجِدٍ تَرَكَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 دَخَلَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ الصُّبْحِ فَلَمْ يَرْكَعْهُمَا فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا يَرْكَعُهُمَا وَلْيَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ. الْبَاجِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ: وَلَا يُسْكِتُ الْإِمَامُ الْمُؤَذِّنَ لِيَرْكَعَهُمَا (وَخَارِجَهُ رَكَعَهُمَا إنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ رَكْعَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ سَمِعَ الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، أَوْ جَاءَ وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ رَكْعَةٍ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرْكَعَهُمَا خَارِجًا فِي غَيْرِ أَفْنِيَةِ الْمَسْجِدِ الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَةُ اللَّاصِقَةُ بِهِ، وَإِنْ خَافَ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ إنْ شَاءَ صَلَّاهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ وَجَدَ الْإِمَامَ فِي تَشَهُّدِ الصُّبْحِ وَلَمْ يَرْكَعْ الْفَجْرَ أَرَى أَنْ يُكَبِّرَ وَيَدْخُلَ مَعَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا أَحْسَنُ مِنْ قُعُودِهِ مَعَهُ حَتَّى يُسَلِّمَ وَيَرْكَعَ لِلْأَمْرِ بِالتَّحِيَّةِ قَبْلَ الْجُلُوسِ، وَقَدْ وَرَدَ: " مَنْ أَدْرَكَ الْجُلُوسَ أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ " قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: فَعَلَى هَذَا يُتِمُّ صَلَاتَهُ وَلَا يُصَيِّرُهَا نَافِلَةً وَلَهُ أَنْ يُعِيدَهَا فِي جَمَاعَةٍ. (وَهَلْ الْأَفْضَلُ كَثْرَةُ السُّجُودِ، أَوْ طُولُ الْقِيَامِ قَوْلَانِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 ابْنُ رُشْدٍ: قِيلَ كَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ رَكَعَ رَكْعَةً أَوْ سَجَدَ سَجْدَةً رَفَعَ اللَّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ بِهَا عَنْهُ خَطِيئَةً» وَقِيلَ: طُولُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» وَهَذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ؛ إذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مَا يُعَارِضُهُ. الْمَازِرِيُّ: وَقِيلَ أَمَّا فِي النَّهَارِ فَكَثْرَةُ السُّجُودِ أَفْضَلُ وَأَمَّا فِي اللَّيْلِ فَطُولُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ. [بَاب فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ] [فَصَلِّ فِي حُكْم صَلَاة الْجَمَاعَة] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الثَّامِنُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ: فِي حُكْمِهَا وَفِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ، وَفِي شُرُوطِ الْقُدْوَةِ. وَفِي اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ. (الْجَمَاعَةُ بِفَرْضٍ غَيْرِ جُمُعَةٍ سُنَّةٌ) . ابْنُ عَرَفَةَ: صَلَاةُ الْخَمْسِ جَمَاعَةٌ. أَكْثَرُ الشُّيُوخِ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: فَرْضٌ فِي الْجُمْلَةِ، سُنَّةٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، مُسْتَحَبَّةٌ لِلرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَتَخَلَّفُ عَرُوسٌ عَنْ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فِي الْجَمَاعَةِ وَخُفِّفَ لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 تَرْكُ بَعْضِهَا لِتَأْنِيسِ أَهْلِهِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ مَعْنَى الدِّينِ وَشِعَارُ الْإِسْلَامِ لَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ مِصْرٍ قُوتِلُوا، وَأَهْلُ حَارَةٍ جُبِرُوا عَلَيْهَا وَأُكْرِهُوا. (وَلَا تَتَفَاضَلُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَتَفَاضَلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 بِالْكَثْرَةِ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: صَلَاةٌ فِي الْجَمَاعَةِ حَيْثُ الْمِنْبَرُ وَالْخُطْبَةُ أَفْضَلُ مِنْ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ صَلَاةً فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالثَّوَابُ عَلَى عَدَدِ الرِّجَالِ حَتَّى فِي الثَّلَاثَةِ مَسَاجِدَ. ابْنُ بَشِيرٍ: لَا يَجُوزُ تَعَدِّي الْمَسْجِدِ الْمُجَاوِرِ إلَى غَيْرِهِ إلَّا لِجُرْحَةِ إمَامِهِ (وَإِنَّمَا يَحْصُلُ فَضْلُهَا بِرَكْعَةٍ) ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ: يُدْرِكُ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ بِجُزْءٍ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا بِأَقَلَّ مِنْ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَحَدُّهَا إمْكَانُ يَدَيْهِ بِرُكْبَتَيْهِ قَبْلَ رَفْعِ إمَامِهِ. وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ عَدَمَ إحْرَامِهِ حِينَ الشَّكِّ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 إدْرَاكِهَا فَإِنْ فَعَلَ فَسَمِعَ أَشْهَبُ يَقْضِيهَا وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَيَسْجُدُ بَعْدَ سَلَامِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ وَيُعِيدُ. (وَنُدِبَ لِمَنْ يُحَصِّلُهُ كَمُصَلٍّ بِصَبِيٍّ لَا امْرَأَةٍ أَنْ يُعِيدَ) التَّلْقِينُ: الْإِعَادَةُ فِي الْجَمَاعَةِ مُسْتَحَبَّةٌ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَهُ أَنْ يُعِيدَ، وَنَحْوُهُ فِي الرِّسَالَةِ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ التَّعَالِيقِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا يُعِيدُ إنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فِي مَسْجِدٍ، فَاسْتَظْهِرْ عَلَيْهِ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا غَيْرَهَا ". وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: صَلَاةُ الصَّبِيِّ نَافِلَةٌ، مَنْ صَلَّى مَعَهُ لَهُ أَنْ يُعِيدَ فِي جَمَاعَةٍ. وَأَمَّا مَنْ صَلَّى بِزَوْجَتِهِ فَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: لَا يُعِيدُ. وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ فِي جَمَاعَةٍ وَذَهَبَ إلَى هَذَا أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ التُّونُسِيُّ وَلَا يُعِيدُ مَأْمُومٌ بِنَاسِي حَدَثِهِ لِحُصُولِ حُكْمِ الْجَمَاعَةِ لِصِحَّتِهَا لَهُ جُمُعَةً. كَذَلِكَ، وَفِي إعَادَةِ الْإِمَامِ فِي الْعَكْسِ نَظَرٌ. الْمَازِرِيُّ: لَا نَظَرَ فِيهِ مَعَ قَبُولِهِ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ وَالْعَكْسُ سَوَاءٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: بَلْ النَّظَرُ مُتَقَرِّرٌ. (مُفَوِّضًا) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ الْإِعَادَةِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ، أَوْ الْفَرْضِ رَابِعُ الْأَقْوَالِ بِنِيَّةِ التَّفْوِيضِ. اُنْظُرْ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " مَأْمُومًا ". وَسَمِعَ عِيسَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَعَادَ فِي جَمَاعَةٍ فَذَكَرَ عِنْدَ فَرَاغِهِ أَنَّ الَّتِي صَلَّى فِي الْبَيْتِ صَلَّاهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مِثْلُ مَا فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ وَزَادَ فِيهِ أَنَّ مَالِكًا قَالَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَوَجْهُ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ كَالْمُتَوَضِّئِ يَغْسِلُ وَجْهَهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا إنْ لَمْ يَعُمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 فِي بَعْضِهَا أَجْزَأَهُ مَا عَمَّ بِهِ مِنْهَا، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِلَّذِي سَأَلَهُ أَيَّتُهُمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي؟ قَالَ: أَوَأَنْتَ تَجْعَلُهَا، إنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ. وَقِيلَ: إنَّهُمَا مَعًا صَلَاتَانِ فَرِيضَتَانِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ إنَّهُ لَا يُعِيدُ الْمَغْرِبَ فِي جَمَاعَةٍ وَلَوْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ نَافِلَةً لَمَا جَازَ لَهُ إعَادَةُ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فِي جَمَاعَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا: لَوْ أَعَادَ فِي جَمَاعَةٍ فَصَلَّى رَكْعَةً فَانْتَقَضَ وُضُوءُهُ، أَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ إنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ قَالَهُ مَالِكٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ أَعَادَهَا لِاعْتِقَادِ صَلَاتِهَا فَذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّاهَا أَجْزَأَتْهُ. (مَأْمُومًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَؤُمُّ مُعِيدٌ فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ، إذْ لَا يَدْرِي أَيَّتُهُمَا صَلَاتُهُ إنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا يُعِيدُ الْإِمَامُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَظَاهِرُهَا أَنَّ لِلْمُؤْتَمِّينَ بِالْمُعِيدِ أَنْ يُعِيدُوا جَمَاعَةً. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: بَلْ أَفْذَاذًا. ابْنُ يُونُسَ: إذْ قَدْ تَكُونُ هَذِهِ صَلَاتَهُ فَصَحَّتْ لَهُمْ جَمَاعَةً فَلَا يُعِيدُونَهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 الْإِعَادَةُ خَوْفًا أَنْ تَكُونَ الْأُولَى صَلَاتَهُ وَهَذِهِ نَافِلَةً فَاحْتَاطَ لِلْوَجْهَيْنِ. (وَلَوْ مَعَ وَاحِدٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: أَقَلُّ الْجَمَاعَةِ الَّتِي يُعِيدُ مَعَهَا اثْنَانِ أَوْ إمَامٌ رَاتِبٌ. وَنَقْلُ ابْنُ الْحَاجِبِ تُعَادُ مَعَ وَاحِدٍ لَا أَعْرِفُهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا جَمَعَ قَوْمٌ فِي مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ وَلَمْ يَحْضُرْ فَلَهُ إذَا جَاءَ أَنْ يَجْمَعَ فِيهِ، وَإِذَا صَلَّى فِيهِ إمَامُهُ وَحْدَهُ، ثُمَّ أَتَى أَهْلُهُ لَمْ يَجْمَعُوا فِيهِ وَصَلَّوْا أَفْذَاذًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَتَى هَذَا الْإِمَامُ الَّذِي صَلَّى وَحْدَهُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ فَأُقِيمَتْ فِيهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ فَلَا يُعِيدُهَا مَعَهُمْ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَدْ جَعَلَهُ وَحْدَهُ جَمَاعَةً (غَيْرَ مَغْرِبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: تُعَادُ جَمِيعُ الصَّلَوَاتِ إلَّا الْمَغْرِبَ؛ لِأَنَّهَا وِتْرُ صَلَاةِ النَّهَارِ (كَعِشَاءٍ بَعْدَ وِتْرٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَحْدَهُ وَأَوْتَرَ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ مَنْ أَعَادَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 جَمَاعَةٍ لَا يَدْرِي أَيَّتُهُمَا صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ هَذِهِ الثَّانِيَةُ صَلَاتَهُ بَطَلَ وِتْرُهُ. فَإِنْ هُوَ أَعَادَهَا فَقَالَ سَحْنُونَ: يُعِيدُ الْوِتْرَ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: لَا يُعِيدُهُ (وَإِنْ أَعَادَ وَلَمْ يَعْقِدْ قَطَعَ، وَإِلَّا شَفَعَ، وَإِنْ أَتَمَّ وَلَوْ سَلَّمَ أَتَى بِرَابِعَةٍ إنْ قَرُبَ) سَمِعَ عِيسَى: مَنْ نَسِيَ فَأَعَادَ الْمَغْرِبَ فِي جَمَاعَةٍ فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ رَجَعَ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى رَكْعَةً فَإِنْ قَطَعَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَإِنْ صَلَّى الثَّانِيَةَ، ثُمَّ قَطَعَ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ أَضَافَ إلَيْهَا رَابِعَةً وَسَلَّمَ. وَخَرَّجَ ابْنُ رُشْدٍ اسْتِحْبَابَ الْقَطْعِ فِيمَا إذَا ذَكَرَ بَعْدَ رَكْعَةٍ هُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ يَعْنِي فِيمَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْمَغْرِبُ وَهُوَ بِهَا اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِقَامَةُ مَغْرِبٍ ". وَفِي الْوَاضِحَةِ: إنْ ذَكَرَ بَعْدَ رَكْعَةٍ شَفَعَهَا. ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَمَا سَلَّمَ مِنْ الْمَغْرِبِ أَتَى بِرَابِعَةٍ إنْ قَرُبَ وَإِنْ بَعُدَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَأَعَادَ مُؤْتَمٌّ بِمُعِيدٍ أَبَدًا) تَقَدَّمَ نَصُّهَا وَأَعَادَ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ إذْ لَا يَدْرِي أَيَّتُهُمَا صَلَاتُهُ (أَفْذَاذًا) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ اُنْظُرْ، قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " مَأْمُومًا ". (وَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُ الْأُولَى أَوْ فَسَادُهَا أَجْزَأَتْ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ ذَكَرَ أَنَّ الَّتِي صَلَّى فِي بَيْتِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 كَانَتْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ (وَلَا يُطَالُ رُكُوعٌ لِدَاخِلٍ) . ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ رَكَعَ الْإِمَامُ فَحَسَّ أَحَدًا دَخَلَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَمُدُّ فِي رُكُوعِهِ لِيُدْرِكَ الرَّجُلُ الرَّكْعَةَ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَمَنْ وَرَاءَهُ أَعْظَمُ عَلَيْهِ حَقًّا مِمَّنْ يَأْتِي. وَسَمِعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَفَسَّرَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِالْكَرَاهَةِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: يَنْتَظِرُهُ، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ الْيَسِيرُ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِمَنْ مَعَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ «رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَطَالَ وَقَالَ: إنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي» «وَخَفَّفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ سَمِعَ بُكَاءَ الصَّبِيِّ» . انْتَهَى نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْهُ الْمَيْلُ إلَى تَخْفِيفِ ذَلِكَ. وَمِنْ قَوَاعِدِ عِزِّ الدِّينِ مَا نَصُّهُ: ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا انْتَظَرَ فِي رُكُوعِهِ الْمَسْبُوقَ لِيُدْرِكَ الرَّكْعَةَ أَشْرَكَ فِي الْعِبَادَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. بَلْ هُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْقُرْبَتَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى إدْرَاكِ الْقُرْبَةِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا ظَنَّ لَكَانَ تَعْلِيمُ الْعِلْمِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْأَذَانُ رِيَاءً وَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي يَقُولُ فِي انْتِظَارِ الْإِمَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 بَقِيَّةَ الْجَمَاعَةِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ. (وَالْإِمَامُ الرَّاتِبُ كَجَمَاعَةٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: الْإِمَامُ الرَّاتِبُ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ لَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: أَقَلُّ الْجَمَاعَةِ الَّتِي يُعِيدُ مَعَهَا اثْنَانِ، أَوْ إمَامٌ رَاتِبٌ. (وَلَا تُبْتَدَأُ صَلَاةٌ بَعْدَ الْإِقَامَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: إذَا أُقِيمَتْ بِمَوْضِعٍ صَلَاةٌ مُنِعَ فِيهِ ابْتِدَاءُ غَيْرِهَا، وَالْجُلُوسُ فِيهِ، وَلَزِمَتْ مَنْ لَمْ يُصَلِّهَا، أَوْ صَلَّاهَا فَذًّا وَهِيَ مِمَّا تُعَادُ. الْبَاجِيُّ: وَرِحَابُ الْمَسْجِدِ الْمَمْنُوعَةُ فِيهَا الْفَجْرُ مِثْلُهُ. الشَّيْخُ: مَنْ كَانَ بِمَسْجِدِ قَوْمٍ فَأَقَامُوهَا أُمِرَ بِالدُّخُولِ مَعَهُمْ لِلْحَدِيثِ اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِقَامَةُ مَغْرِبٍ عَلَيْهِ " وَهُوَ بِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِنْ أُقِيمَتْ عَلَى مَنْ بِالْمَسْجِدِ وَعَلَيْهِ مَا قَبْلَهَا فَلِابْنِ رُشْدٍ عَنْ أَحَدِ سَمَاعَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ: تَلْزَمُ نِيَّةُ النَّفْلِ، وَالْآخَرُ: يَخْرُجُ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَيَضَعُ الْخَارِجُ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ سَمِعَهُ سَحْنُونَ فِي الْخَارِجِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 لِإِقَامَةِ مَا لَا يُعَادُ. (وَإِنْ أُقِيمَتْ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ قَطَعَ، وَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ رَكْعَةٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ يُصَلِّي فَذًّا، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ الْإِمَامَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَطَعَ، وَكُلُّ مَا نَذْكُرُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 بَعْدُ مِنْ التَّفْصِيلِ إنَّمَا هُوَ يَتَمَادَى إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ مَعَ إمَامِهِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى (وَإِلَّا أَتَمَّ النَّافِلَةَ) ابْنُ الْقَاسِمِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يُكَبِّرُ فِي النَّافِلَةِ فَتُقَامُ الصَّلَاةُ قَالَ: يَمْضِي عَلَى نَافِلَتِهِ وَلَا يَقْطَعُهَا إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ فَلْيَقْطَعْ بِسَلَامٍ فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ أَعَادَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ وَلَا يُجْزِئُهُ إنْ أَحْرَمَ، وَيَنْوِي بِهِ الْقَطْعَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيَأْتِي عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الظُّهْرُ وَهُوَ بِهَا إنْ لَمْ يَرْكَعْ قَطَعَ: أَنْ يَقْطَعَ النَّافِلَةَ إنْ لَمْ يَرْكَعْ. وَفَرَّقَ عَبْدُ الْحَقِّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْفَرِيضَةَ إذَا قَطَعَهَا عَادَ إلَيْهَا بِخِلَافِ النَّافِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ قَطْعَهَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَالصَّوَابُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَرَجَّحَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلَ عَبْدِ الْحَقِّ وَمَا ذَكَرَ هَذَا التَّخْرِيجَ الَّذِي خَرَّجَ ابْنُ رُشْدٍ (أَوْ فَرِيضَةً غَيْرَهَا) الَّذِي لِلَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ فَرِيضَةٌ وَهُوَ فِيهَا، أَوْ فِي فَرِيضَةٍ غَيْرِهَا، وَأَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ فَرِيضَةٌ وَهُوَ فِي فَرِيضَةٍ أُخْرَى إنْ طَمِعَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا وَيُدْرِكَ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ أَتَمَّهَا، وَإِلَّا قَطَعَ وَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فَصَلَّى، فَإِذَا فَرَغَ رَجَعَ فَاسْتَأْنَفَ الصَّلَاتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ، وَاَلَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: " أَتَمَّهَا " يُرِيدُ إنْ طَمِعَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى. وَسَوَاءٌ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، أَوْ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ الَّتِي قَامَتْ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ يُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاةَ بِعَيْنِهَا لِنَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ: " وَإِلَّا قَطَعَ " ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ يُدْرِكُ أَنْ يُتِمَّ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ خِلَافُ مَا اسْتَحَبَّ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَوْلُهُ: " وَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ " فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ هَذَا: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ نَافِلَةً وَلَمْ يُصَلِّ الْفَرِيضَةَ. وَمِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ إنَّمَا يُصَلِّي هَذِهِ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى أَنَّهَا نَافِلَةٌ فَلَعَلَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 اسْتَخَفَّ هَذَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِمَا عَلَيْهِ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي الْمُدَوَّنَةِ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا تُبْدَأُ صَلَاةٌ بَعْدَ الْإِقَامَةِ " (وَإِلَّا انْصَرَفَ فِي الثَّالِثَةِ عَنْ شَفْعٍ كَالْأُولَى إنْ عَقَدَهَا) أَمَّا إنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الثَّالِثَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ فِي الْمَسْجِدِ فَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الظُّهْرُ فَإِنْ صَلَّى ثَالِثَةً صَلَّى رَابِعَةً، وَلَا يَجْعَلُهَا نَافِلَةً، وَيُسَلِّمُ وَيَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ، وَإِنْ رَكَعَ رَكْعَةً صَلَّى ثَانِيَةً وَسَلَّمَ وَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 رَكْعَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ لَمْ يَرْكَعْ قَطَعَ. وَتَخْرِيجُ ابْنِ رُشْدٍ اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِلَّا أَتَمَّ النَّافِلَةَ " (وَالْقَطْعُ بِسَلَامٍ، أَوْ مُنَافٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْقَطْعُ بِسَلَامٍ، أَوْ مُنَافٍ وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِلَّا أَتَمَّ النَّافِلَةَ " (وَإِلَّا أَعَادَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ لَمْ يُسَلِّمْ أَعَادَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ. (وَإِنْ أُقِيمَتْ بِمَسْجِدٍ عَلَى مُحَصِّلِ الْفَضْلِ وَهُوَ بِهِ خَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ مَعَ وَاحِدٍ فَأَكْثَرَ فَلَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ إمَامًا، أَوْ مَأْمُومًا وَلْيَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ (وَلَا غَيْرَهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ: إذَا أُقِيمَتْ بِمَوْضِعٍ صَلَاةٌ مُنِعَ فِي ابْتِدَاءِ غَيْرِهَا وَالْجُلُوسِ فِيهِ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " بِمَوْضِعِ مَا تَقَدَّمَ " عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَنُدِبَ لِمَنْ لَمْ يُحَصِّلْ " (وَإِلَّا لَزِمَتْهُ كَمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ أَيْضًا: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 وَلَزِمَتْ مَنْ لَمْ يُصَلِّهَا، أَوْ صَلَّاهَا وَهِيَ مِمَّا تُعَادُ (وَبِبَيْتِهِ يُتِمُّهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَحْرَمَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُدْرِكُهَا فَلَا يَقْطَعُ وَلْيَتَمَادَ. ابْنُ يُونُسَ: إذْ لَيْسَ بِصَلَاتَيْنِ مَعًا وَقَدْ قَالَ - سُبْحَانَهُ -: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] . [فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ] ابْنُ شَاسٍ: الْفَصْلُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ (وَبَطَلَتْ بِاقْتِدَاءٍ بِمَنْ بَانَ كَافِرًا) الْمَازِرِيُّ: الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى مُؤْتَمًّا بِكَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ بِكُفْرِهِ كَالْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ يُنْقَضُ حُكْمُهُ وَلَمْ يُعْذَرْ بِخِلَافِ مَا إذَا حَكَمَ بِشَهَادَةِ غَيْرِ عَدْلٍ فَإِنَّهُ مَعْذُورٌ وَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ وَتَرَدَّدَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي الزِّنْدِيقِ (أَوْ امْرَأَةً) الْمَازِرِيُّ: لَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَرْأَةِ عِنْدَنَا وَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ مَنْ صَلَّى وَرَاءَهَا وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ. قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ (أَوْ خُنْثَى) سَحْنُونَ: يُعِيدُ أَبَدًا مَنْ صَلَّى خَلْفَ خُنْثَى مَحْكُومٍ لَهُ بِحُكْمِ النِّسَاءِ وَلَوْ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الرِّجَالِ لَمْ يُعِدْ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَالْمُشْكِلُ مُشْكِلٌ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: كَالْمَرْأَةِ وَلِذَا لَمْ يَرِثْ فِي الْوَلَاءِ شَيْئًا (أَوْ مَجْنُونًا) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَؤُمُّ الْمَعْتُوهُ. سَحْنُونَ: وَيُعِيدُ مَأْمُومُهُ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ الْمَجْنُونِ حِينَ إفَاقَتِهِ وَيُطْلَبُ عِلْمُهُ بِمَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ. (أَوْ فَاسِقًا بِجَارِحَةٍ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْجَمَاعَةُ مَعْنَى الدِّينِ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَطْرُقُ الْخَلَلُ إلَيْهَا بِفَسَادِ الْأَئِمَّةِ فَأَمَّا عَامَّةُ النَّاسِ فَلَا يُمَكَّنُوا مِنْ التَّخَلُّفِ عَنْهَا وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي إمَامِهِمْ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَرْضِيٍّ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ مِثْلُهُمْ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ الْأَفْضَلَ الْأَفْضَلُ، وَإِذَا كَانَ إمَامُك مِثْلَك وَتَقُولُ لَا أُصَلِّي خَلْفَهُ فَلَا تُصَلِّ أَنْتَ إذَنْ فَإِنَّ مَا يَقْدَحُ صَلَاتَك يَقْدَحُ فِي صَلَاتِهِ، وَمَا تَصِحُّ بِهِ صَلَاتُهُ تَصِحُّ بِهِ صَلَاتُك، وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ الْيَوْمَ لِلْإِمَامَةِ الْأَعْدَلُ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا. وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 ابْنُ بَشِيرٍ: الْخِلَافُ فِي إمَامَةِ الْفَاسِقِ خِلَافٌ فِي حَالٍ؛. فَإِنْ كَانَ مِنْ التَّهَاوُنِ وَالْجُرْأَةِ بِأَنْ يَتْرُكَ مَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ كَالنِّيَّةِ وَالطَّهَارَةِ فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا اضْطَرَّهُ هَوًى غَالِبٌ إلَى ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ مَعَ بَرَاءَتِهِ مِنْ التَّهَاوُنِ وَالْجُرْأَةِ صَحَّتْ إمَامَتُهُ وَهَذَا يُعْلَمُ بِقَرِينَةِ الْحَالِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: أَرَى أَنْ تُجْزِئَ الصَّلَاةُ إذَا كَانَ فِسْقُهُ بِمَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ كَالزِّنَا وَالْغَضَبِ، وَكَثِيرًا مَا يُرَى مِنْ هَؤُلَاءِ السَّلَاطِينِ التَّحَفُّظُ فِي أُمُورِ صَلَوَاتِهِمْ، وَنَحْوُ هَذَا لِأَبِي إِسْحَاقَ. وَقَالَ الْقَبَّابُ: أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ الْفَاسِقُ لِلشَّفَاعَةِ وَالْإِمَامَةِ، وَمَنْ صَلَّى خَلْفَهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ يَتَحَفَّظُ عَلَى أُمُورِ الصَّلَاةِ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ مُرْتَضَى التُّونُسِيِّ وَاللَّخْمِيُّ وَابْنِ يُونُسَ انْتَهَى. وَنَصُّ ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ أَنْ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ وَلَيْسَ بِأَسْوَأَ حَالًا مِنْ الْمُبْتَدِعِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إعَادَةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مُبْتَدِعٍ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَؤُمُّ السَّكْرَانُ وَمَنْ صَلَّى خَلْفَهُ أَعَادَ. ابْنُ حَبِيبٍ: أَبَدًا. وَكَذَا يُعِيدُ أَبَدًا مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةَ أَوْ قَاضِيَهُ، أَوْ صَاحِبَ شُرْطَتِهِ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الصَّلَاةِ مَعَهُ دَاعٍ إلَى الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَتِهِمْ وَسَبَبٌ إلَى الْفِتَنِ، وَقَدْ صَلَّى ابْنُ عُمَرَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ. وَمَنْ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ فَحَسَنٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَكْرَانًا فِي حَالِ الصَّلَاةِ. وَقَالَ الْقَبَّابُ: فِي كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ مَا يُشْعِرُ بِجَوَازِ إمَامَةِ شَارِبِ الْخَمْرِ إذَا لَمْ يَسْكَرْ وَكَانَتْ ثِيَابُهُ طَاهِرَةً وَغَسَلَ فَاهُ وَلَمْ يَعْتَبِرْ مَا فِي الْجَوْفِ وَرُبَّمَا أَعْطَى كَلَامُ ابْنِ حَبِيبٍ هَذَا الْمَعْنَى. وَقَالَ سَنَدٌ: لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَفْعُ النَّجَاسَةِ صَارَ كَمَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ آثِمٌ مَعَ صِحَّةِ صَلَاتِهِ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَقَيَّأَ؟ خِلَافٌ بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ. قَالَ الْقَبَّابُ: الَّذِي يَنْزِلُ بِالنَّاسِ كَثِيرًا إمَامَةُ الْفَاسِقِ بِغَيْرِ هَذَا مِمَّنْ يَغْتَابُ النَّاسَ وَرُبَّمَا أَخَذَ مُرَتَّبًا مِنْ جِبَايَةِ الْمَخَازِنِ وَمَنْ يُعْطِي لِزَوْجَتِهِ الدَّرَاهِمَ لِتَذْهَبَ بِهَا إلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 الْحَمَّامِ. وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَنْ كَانَ إمَامًا لِظَالِمٍ لَا يُصَلِّي وَرَاءَهُ. قَالَ فِي التَّمْهِيدِ:، قِيلَ: لِعَطَاءٍ أَخٌ لِي صَاحِبُ سُلْطَانٍ يَكْتُبُ مَا يَدْخُلُ وَمَا يَخْرُجُ أَمِينٌ عَلَى ذَلِكَ إنْ تَرَكَ قَلَمَهُ صَارَ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالَ: الرَّأْسُ مَنْ؟ قُلْت: خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَوَمَا تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص: 17] انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ الْقَبَّابِ مِمَّنْ يَغْتَابُ النَّاسَ سَيَأْتِي حُكْمُ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَاتِ، وَانْظُرْ قَوْلَهُ فِي دُخُولِ الْمَرْأَةِ الْحَمَّامَ. قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَلَا تَدْخُلُ الْمَرْأَةُ الْحَمَّامَ إلَّا مِنْ عِلَّةٍ. وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ إنَّمَا كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِلنِّسَاءِ حَمَّامٌ مُفْرَدٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حُكْمَ الْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ لِرُؤْيَةِ الْجَسَدِ كَحُكْمِ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مِنْ النَّعِيمِ الْمَشْرُوعِ الْإِرْفَاهُ بِتَنْظِيفِ الْبَدَنِ مِنْ الْأَقْذَارِ زَائِدٌ عَلَى طَهَارَتِهِ مِنْ الْأَنْجَاسِ بِالْأَدْهَانِ وَالْحَمَّامِ، وَلَا بَأْسَ بِدُخُولِهِ مُفْرَدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَعَ أَهْلِهِ، وَإِنْ دَخَلَهُ مَعَ النَّاسِ فَلْيَسْتَتِرْ بِصَفِيقٍ مِنْ الْأُزُرِ وَيَصْرِفُ بَصَرَهُ عَنْ مَظَانِّ الِانْتِهَاكِ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْحَمَّامُ دَارٌ يَغْلِبُ عَلَيْهَا الْمُنْكَرُ وَدُخُولُهُ إلَى أَنْ يَكُونَ حَرَامًا أَقْرَبُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا، فَكَيْفَ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا؟ قُلْنَا: الْحَمَّامُ مَوْضِعُ تَدَاوٍ وَتَطَهُّرٍ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ النَّهْرِ فَإِنَّ الْمُنْكَرَ قَدْ غَلَبَ فِيهِ بِكَشْفِ الْعَوْرَاتِ، وَبِظَاهِرِ الْمُنْكَرَاتِ، فَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهِ الْمَرْءُ دَخَلَهُ وَدَفَعَ الْمُنْكَرَ عَنْ بَصَرِهِ وَسَمْعِهِ مَا أَمْكَنَهُ وَالْمُنْكَرُ الْيَوْمَ فِي الْبُلْدَانِ فَالْحَمَّامُ كَالْبَلَدِ عُمُومًا وَكَالنَّهْرِ خُصُوصًا. وَقَالَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَجُوزُ دُخُولُ الْحَمَّامِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْإِنْكَارِ أَنْكَرَ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِنْكَارِ كَرِهَ بِقَلْبِهِ فَيَكُونُ مَأْجُورًا عَلَى كَرَاهَتِهِ وَيَحْفَظُ بَصَرَهُ عَنْ الْعَوْرَاتِ مَا اسْتَطَاعَ. وَفِي الْإِحْيَاءِ: لَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ. دَخَلَ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - حَمَّامَاتِ الشَّامِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْحَمَّامُ مِنْ النَّعِيمِ الَّذِي أَحْدَثُوهُ. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: نِعْمَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُطَهِّرُ الْبَدَنَ وَيُذَكِّرُ النَّارَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُبْدِي الْعَوْرَةَ وَيُذْهِبُ الْحَيَاءَ. قَالَ أَبُو حَامِدٍ: بَعْضُهُمْ تَعَرَّضَ لِآفَتِهِ وَبَعْضُهُمْ لِفَائِدَتِهِ وَلَا بَأْسَ بِطَلَبِ فَائِدَتِهِ عِنْدَ الِاحْتِرَازِ مِنْ آفَتِهِ. وَلِابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي مَسَالِكِهِ عَلَى تَرْجَمَةِ تَعْجِيلِ الصَّلَاةِ بِعَرَفَةَ: الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يُقِيمُهُ الْإِمَامُ عَلَى شَرَائِعِهِ وَسُنَنِهِ بَرًّا كَانَ، أَوْ فَاجِرًا أَوْ مُبْتَدِعًا مَا لَمْ تُخْرِجْ بِدْعَتُهُ عَنْ الْإِسْلَامِ. وَفِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ الْفَاضِلَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي مَشْيِهِ إلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ. وَفِي عَارِضَتِهِ عَلَى حَدِيثِ الْجَرِيدَتَيْنِ: الذُّنُوبُ عَلَى قِسْمَيْنِ صَغِيرَةٍ لَا أَصْغَرَ مِنْهَا - وَهِيَ النَّظَرُ - وَكَبِيرَةٍ لَا أَكْبَرَ مِنْهَا - وَهِيَ الْكُفْرُ -، وَمَا بَيْنَهُمَا مُخْتَلِفٌ حُكْمُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: جِنَايَةُ الْبَصَرِ تُكَفِّرُهُ الطَّاعَاتُ وَقَدْ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُكَفَّرًا بِالْوُضُوءِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَيْهَا بِعَيْنِهِ مَعَ الْمَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ» وَقَدْ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَلِكَ فَقَالَ: مَا رَأَيْت أَشْبَهَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 بِاللَّمَمِ مِمَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ. هَلْ نَظَرُ الْعَيْنَيْنِ مِنْ اللَّمَمِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} [النجم: 32] (أَوْ مَأْمُومًا) مُحَمَّدٌ وَابْنُ حَبِيبٍ: ثُمَّ ائْتَمَّ بِمَأْمُومٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَنْ قَامَ يَقْضِي رَكْعَةً فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ فَائْتَمَّ بِهِ آخَرُ فَاتَتْهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ فَتَبْطُلُ صَلَاةُ هَذَا الْمُؤْتَمِّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: مَنْ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ فَذًّا فَقَضَى بِإِمَامٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي إمَامٍ يُصَلِّي بِقَوْمٍ فِي السَّفَرِ فَرَأَى أَمَامَهُ جَمَاعَةً تُصَلِّي بِإِمَامٍ فَجَهِلَ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِمْ: أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُومًا وَأَعَادَ مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 وَرَاءَهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا إمَامَ لَهُمْ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ لَقِيت مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. (أَوْ مُحْدِثًا إنْ تَعَمَّدَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا صَلَّى الْجُنُبُ بِالْقَوْمِ وَلَمْ يَعْلَمْ، ثُمَّ تَذَكَّرَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَخْلَفَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى فَرَغَ فَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ تَامَّةٌ وَيُعِيدُ هُوَ وَحْدَهُ، وَإِنْ صَلَّى بِهِمْ ذَاكِرًا لِلْجَنَابَةِ فَصَلَاتُهُمْ كُلُّهُمْ فَاسِدَةٌ، وَكَذَلِكَ إنْ ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ فَتَمَادَى بِهِمْ جَاهِلًا أَوْ مُسْتَحْيِيًا فَقَدْ أَفْسَدَ عَلَيْهِمْ (أَوْ عَلِمَ مُؤْتَمُّهُ) قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ إمَامٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 دَخَلَ عَلَيْهِ مَا يُنْقِضُ صَلَاتَهُ فَتَمَادَى بِهِمْ فَصَلَاتُهُمْ مُنْتَقِضَةٌ وَعَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ مَتَى عَلِمُوا. وَمَنْ عَلِمَ بِجَنَابَةٍ مِمَّنْ خَلْفَهُ وَالْإِمَامُ نَاسٍ لِجَنَابَتِهِ فَتَمَادَى مَعَهُ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ. سَمِعَ يَحْيَى ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَطَاقَ مَنْ رَأَى فِي ثَوْبِ إمَامِهِ نَجَاسَةً أَنْ يُرِيَهُ إيَّاهَا فَعَلَ. وَإِنْ لَمْ يُطِقْ وَصَلَّى مَعَهُ أَعَادَ أَبَدًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ تَعَمَّدَ الصَّلَاةَ بِثَوْبٍ نَجِسٍ فَالْإِعَادَةُ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَ الْوَقْتِ وَهَذَا صَلَّى عَالِمًا بِنَجَاسَةِ ثَوْبِ إمَامِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ إلَّا فِي الْوَقْتِ أَجْزَأَ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: " إنْ أَطَاقَ أَنْ يُرِيَهُ إيَّاهَا فَعَلَ " يُرِيدُ فَيَخْرُجُ الْإِمَامُ وَيَسْتَخْلِفُ وَيَتَمَادَى هُوَ مَعَ الْمُسْتَخْلَفِ عَلَى صَلَاتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَمِلَ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَهُ عَمَلًا بَعْدَ أَنْ رَأَى النَّجَاسَةَ قَبْلَ أَنْ يُرِيَهُ إيَّاهَا فَيَكُونَ قَدْ أَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَقْطَعَ وَيَبْتَدِئَ. وَإِنَّمَا قَالَ: " وَإِنْ لَمْ يُعِدْ إلَّا فِي الْوَقْتِ أَجْزَأَ " أَيْ لِقَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِينَ لَيْسَتْ بِمُرْتَبِطَةٍ بِصَلَاةِ إمَامِهِمْ مَعَ مَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْخِلَافِ. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ عَامِدًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ مَسَحَ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ. وَذَهَبَ ابْنُ الْمُعَدَّلِ إلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ قَائِلًا: لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَعَمَّدَا فَصَلَّى أَحَدُهُمَا فِي الْوَقْتِ بِثَوْبٍ نَجِسٍ وَهُوَ ذَاكِرٌ قَادِرٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَآخَرُ أَخَّرَ الصَّلَاةَ، وَهُوَ ذَاكِرٌ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ وَصَلَّاهَا بِثَوْبٍ طَاهِرٍ مَا اسْتَوَتْ حَالَتُهُمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَا قَرُبَتْ انْتَهَى. وَيَظْهَرُ مِنْ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُمَا سَلَّمَا هَذَا الْمَأْخَذَ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ لِأَبِي عِمْرَانَ اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَثَوْبِ مُرْضِعَةٍ " اللَّخْمِيِّ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لِمَنْ رَأَى فِي ثَوْبِ إمَامِهِ نَجَاسَةً أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ وَيُخْبِرَهُ مُتَكَلِّمًا وَلَا تَبْطُلَ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا هُوَ الْآتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يُكَلِّمَهُ وَيَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ عَلَى أَصْلِهِ فِي إجَازَةِ الْكَلَامِ مِمَّا تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَةُ مِنْ إصْلَاحٍ لِصَلَاةٍ عَلَى حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: لَهُ أَنْ يَخْرِقَ الصُّفُوفَ إلَيْهِ، ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى الصَّفِّ وَلَا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ فِي رُجُوعِهِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِ سَحْنُونٍ: وَقِيلَ: إنْ قَدَرَ أَنْ يُفْهِمَ الْإِمَامَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، أَوْ أَنَّ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً بِأَنْ يَتْلُوَ آيَةَ الْمُدَّثِّرِ، أَوْ آيَةَ الْوُضُوءِ فَعَلَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. (وَبِعَاجِزٍ عَنْ رُكْنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ عَرَضَ لِإِمَامٍ مَا مَنَعَهُ الْقِيَامَ فَلْيَسْتَخْلِفْ مَنْ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ وَيَرْجِعْ هُوَ إلَى الصَّفِّ فَيُصَلِّ بِصَلَاةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 الْمُسْتَخْلَفِ (أَوْ عِلْمٍ) عِيَاضٌ: مِنْ صِفَاتِ الْإِمَامِ الْوَاجِبَةِ كَوْنُهُ عَالِمًا فَقِيهًا بِمَا يَلْزَمُهُ فِي صَلَاتِهِ. الْقَبَّابُ: مِثْلُ هَذَا لِلْمَازِرِيِّ فَإِنَّهُ عَدَّ فِي مَوَانِعِ الْإِمَامَةِ عَدَمَ الْعِلْمِ بِمَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ مِنْ قِرَاءَةٍ وَفِقْهٍ. وَلَا يَرُدُّهُ بِالْفِقْهِ هُنَا مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ السَّهْوِ فَإِنَّ صَلَاةَ مَنْ جَهِلَ أَحْكَامَ السَّهْوِ صَحِيحَةٌ إذَا سَلِمَتْ مِمَّا يُفْسِدُهَا، وَإِنَّمَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْوَاجِبِ مِنْ السُّنَنِ وَالْفَضَائِلِ. وَلِابْنِ أَبِي يَحْيَى: مَنْ لَمْ يَعْرِفْ تَمْيِيزَ الْفَرَائِضِ مِنْ غَيْرِهَا إلَّا أَنَّهُ يُوفِي بِالصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ فَقَالَ الشَّيْخُ: صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَامِلَةً بِجَمِيعِ فَرَائِضِهَا وَفَضَائِلِهَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ سِوَى بِفِعْلِ مَا رَأَوْا (إلَّا كَالْقَاعِدِ بِمِثْلِهِ فَجَائِزٌ) ابْنُ رُشْدٍ: يَؤُمُّ الْجَالِسُ لِعُذْرٍ مِثْلَهُ اتِّفَاقًا. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 يَسْتَطِيعُوا فِي السَّفِينَةِ أَنْ يَقُومُوا صَلَّوْا قُعُودًا، وَأَمَّهُمْ أَحَدُهُمْ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَهُ؛ لِأَنَّهُمْ كَالْمَرْضَى. الْمَازِرِيُّ: فَإِنْ صَحَّ بَعْضُ الْمُؤْتَمِّينَ فَقَالَ سَحْنُونَ: يَخْرُجُ مِنْ الِائْتِمَامِ وَيُتِمُّ وَحْدَهُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: لَا يَخْرُجُ. وَسَيَأْتِي لِسَحْنُونٍ جَوَازُ إمَامَةِ الْأُمِّيِّ بِالْأُمِّيِّ. وَلِابْنِ اللَّبَّادِ جَوَازُ إمَامَةِ اللَّحَّانِ بِمِثْلِهِ. (أَوْ بِأُمِّيٍّ إنْ وُجِدَ قَارِئٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ صَلَّى مَنْ يُحْسِنُ الْقُرْآنَ خَلْفَ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ أَعَادَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ أَبَدًا. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا صَلَّى إمَامٌ بِقَوْمٍ فَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ انْتَقَضَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ وَأَعَادُوا أَبَدًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَاَلَّذِي لَا يُحْسِنُ الْقُرْآنَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيُعِيدُ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ صَلَّى بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَقَدْ وَجَدَ قَارِئًا يَأْتَمُّ بِهِ فَتَرَكَهُ؛ يُرِيدُ فَإِذَا بَطَلَتْ عَلَى الْإِمَامِ بَطَلَتْ عَلَى الْمَأْمُومِ. قَالَ سَحْنُونَ: فَإِنْ ائْتَمَّ بِهِ أُمِّيُّونَ مِثْلُهُ فَصَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ. وَهَذَا إنْ لَمْ يَجِدُوا مَنْ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ مِمَّنْ يَقْرَأُ وَخَافُوا ذَهَابَ الْوَقْتِ، فَأَمَّا إذَا وَجَدُوا فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ. قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: وَإِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ هَذَا الَّذِي لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، ثُمَّ أَتَى مَنْ يُحْسِنُهَا فَلَا يَقْطَعُ لِدُخُولِهِ فِيهَا بِمَا يَجُوزُ لَهُ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: حَمَلَ الْقَابِسِيُّ قَوْلُهُ خَلْفَ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْقُرْآنَ عَلَى اللَّحَّانِ، وَحَمَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى الْأُمِّيِّ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَهَلْ بِلَاحِنٍ ". وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: دَلِيلُنَا أَنَّ الْقَارِئَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَأْتَمَّ بِالْأُمِّيِّ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُ الْقِرَاءَةَ عَنْ الْمَأْمُومِ وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الْوَاجِبَةُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَأَعْظَمُ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَبَّةً وَلَا يَنُوبُ الْفِعْلُ الْمُسْتَحَبُّ عَنْ الْوَاجِبِ. وَقَدْ اضْطَرَبَ الْمَذْهَبُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْأُمِّيِّ أَنْ يَطْلُبَ قَارِئًا يُصَلِّي وَرَاءَهُ؟ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَقَالَ: قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ» الْحَدِيثَ فَلَوْ كَانَ الِائْتِمَامُ وَاجِبًا لَأَمَرَهُ بِهِ. (أَوْ قَارِئًا بِكَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ صَلَّى خَلْفَ رَجُلٍ يَقْرَأُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلْيَخْرُجْ وَيَتْرُكْهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ صَلَّى بِرَجُلٍ يَقْرَأُ. بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلْيَخْرُجْ وَيَتْرُكْهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ أَعَادَ أَبَدًا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمُصْحَفِ عُثْمَانَ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: ضَبْطُ الْأَمْرِ عَلَى سَبْعِ قُرَّاءٍ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَلَا تَلْتَفِتُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 إلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ السُّورَةُ الْوَاحِدَةُ بِحَرْفِ قَارِئٍ وَاحِدٍ بَلْ يَقْرَأُ بِأَيِّ حَرْفٍ أَرَادَ، وَاَلَّذِي أَخْتَارُهُ لِنَفْسِي أَكْثَرَ الْحُرُوفِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى قالون إلَّا الْهَمْزَ إلَّا فِيمَا يُسْقِطُ الْمَعْنَى، وَلَا أَكْسِرُ بَاءَ " الْبُيُوتِ " وَلَا عَيْنَ " عُيُونٍ " وَلَا مِيمَ " مِتّ " وَمَا كُنْت لِأَمُدَّ مَدَّ حَمْزَةَ، وَلَا أَقِفُ عَلَى السَّاكِنِ وَقْفَتَهُ، وَلَا أُقِرُّ بِالْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ لِأَبِي عَمْرٍو، وَلَا أَمُدُّ مِيمَ ابْنِ كَثِيرٍ، وَلَا أَضُمُّ هَاءَ " عَلَيْهِمْ " وَأَقْوَى الْقِرَاءَةِ سَنَدًا قِرَاءَةُ عَاصِمٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ. (أَوْ عَبْدٍ فِي جُمُعَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَؤُمُّ الْعَبْدُ فِي حَضَرٍ فِي مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ وَلَا فِي جُمُعَةٍ، أَوْ عِيدٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أَمَّهُمْ فِي جُمُعَةٍ، أَوْ عِيدٍ أَعَادُوا؛ إذْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ وَلَا عِيدَ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَؤُمَّ الْعَبْدُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ وَيَؤُمَّ فِي الْفَرَائِضِ فِي سَفَرٍ إذَا كَانَ أَقْرَأَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتَّخَذَ إمَامًا رَاتِبًا. (أَوْ صَبِيٍّ فِي فَرْضٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: وَشَرْطُ الْإِمَامِ بُلُوغُهُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ صَلَّى خَلْفَ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ أَعَادَ أَبَدًا. (وَبِغَيْرِهِ تَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ تَجُزْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَؤُمُّ الصَّبِيُّ فِي نَافِلَةٍ الرِّجَالَ وَلَا النِّسَاءَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَؤُمُّ الصَّبِيُّ فِي النَّافِلَةِ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَاَلَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي التَّلْقِينِ وَفِي التَّفْرِيعِ أَنَّ الصَّبِيَّ تَجُوزُ إمَامَتُهُ فِي النَّافِلَةِ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ فَلَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ فِي الْفَرِيضَةِ وَلَا تَصِحُّ. وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: تَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ تَجُزْ. وَأَمَّا فِي النَّافِلَةِ فَتَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ تَجُزْ، وَقِيلَ تَصِحُّ وَتَجُوزُ. (وَهَلْ بِلَاحِنٍ مُطْلَقًا، أَوْ فِي الْفَاتِحَةِ وَبِغَيْرِ مُمَيِّزٍ بَيْنَ ضَادٍ وَظَاءٍ خِلَافٌ) قَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ: مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَلْحَنُ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ فَلْيُعِدْ إلَّا أَنْ تَسْتَوِيَ حَالُهُمَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ هُوَ وَأَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ الضَّادَ مِنْ الظَّاءِ، وَإِنْ لَحَنَ فِيمَا عَدَا أُمَّ الْقُرْآنِ فَذَكَرَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ وَابْنِ اللَّبَّادِ وَابْنِ شَبْلُونَ أَنَّهُ تُجْزِئُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ. وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: لَا تُجْزِئُ وَاحْتَجَّ بِظَاهِرِ قَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقُرْآنَ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهَا. قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ كَمَنْ تَرَكَ قِرَاءَةَ السُّورَةِ عَمْدًا. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَى قَوْلِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 فِي الْمُدَوَّنَةِ " وَكِتَابِ " ابْنِ الْمَوَّازِ: " لَا يُحْسِنُ الْقُرْآنَ " لَا يَحْفَظُ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يَعْرِفُهُ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ اللَّحَّانِ لَا تَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَلْحَنْ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ تَأْوِيلًا عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي لَا يُحْسِنُ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الَّذِي لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ. وَقَالَ: إنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ فِيهَا بَيْنَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ بَعِيدٌ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي النَّظَرِ. قَالَ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ: إنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجُوزُ خَلْفَ اللَّحَّانِ إنْ كَانَ لَحْنُهُ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَكَسْرِ كَافِ " إيَّاكَ " وَضَمِّ تَاءِ " أَنْعَمْتَ " وَيَجُوزُ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى كَكَسْرِ دَالِ " الْحَمْدُ " وَرَفْعِ هَاءِ " لِلَّهِ ". وَقِيلَ: تُكْرَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ ابْتِدَاءً فَإِنْ وَقَعَتْ لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ الْقَارِئَ لَا يَقْصِدُ مَا يَقْتَضِيهِ اللَّحْنُ بَلْ يَعْتَقِدُ بِقِرَاءَتِهِ مَا يَعْتَقِدُ بِهَا مَنْ لَا يَلْحَنُ فِيهَا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ. وَمِنْ الْحُجَّةِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِالْمَوَالِي وَهُمْ يَقْرَءُونَ. وَيَلْحَنُونَ فَقَالَ: نِعْمَ مَا قَرَأْتُمْ. وَمَرَّ بِالْعَرَبِ وَهُمْ يَقْرَءُونَ وَلَا يَلْحَنُونَ فَقَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَ» . اللَّخْمِيِّ: الْأَحْسَنُ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ اللَّحَّانِ، وَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ، فَإِنْ أَمَّ لَمْ يُعِدْ مَأْمُومُهُ وَلَا يُخْرِجُهُ لَحْنُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا وَلَمْ يَقْصِدْ مُوجَبَ اللَّحْنِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَسْلَمُ مِنْ اللَّحْنِ لَأَجْزَأَهُ. وَعَرَّفَ ابْنُ خَلِّكَانَ بِابْنِ الْأَعْرَابِيِّ صَاحِبِ اللُّغَةِ قَالَ: أَخَذَ عَنْ ثَعْلَبٍ وَابْنِ السِّكِّيتِ. قَالَ: وَكَانَ يُخَطِّئُ الْأَصْمَعِيَّ وَأَبَا عُبَيْدَة قَالَ: وَكَانَ يُجِيزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَضْعَ الضَّادِ مَكَانَ الظَّاءِ وَالْعَكْسَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الْإِحْرَامِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَحُكْمُ الدُّعَاءِ بِهَا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ طَلَّقَ بِالْعَجَمِيَّةِ لَزِمَهُ. (وَأَعَادَ بِوَقْتٍ فِي كَحَرُورِيٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَيْقَنْت أَنَّ الْإِمَامَ قَدَرِيٌّ أَوْ حَرُورِيٌّ، أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَلَا تُصَلِّ خَلْفَهُمْ وَلَا الْجُمُعَةَ، فَإِنْ اتَّقَيْتَهُ وَخِفْتَهُ فَصَلِّهَا مَعَهُ وَأَعِدْهَا ظُهْرًا. وَوَقَفَ مَالِكٌ فِي إعَادَةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مُبْتَدِعٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. ابْنُ يُونُسَ: اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " أَعِدْهَا ظُهْرًا " مَعَ وَقْفِهِ فِي إعَادَةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مُبْتَدِعٍ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي صَلَّى تُقَاةً صَلَّى عَلَى أَنْ يُعِيدَ، وَمَنْ صَلَّى عَلَى أَنْ يُعِيدَ لَا تُجْزِئُهُ الْأُولَى، وَأَمَّا الَّذِي وَقَفَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 فِيهِ مَالِكٌ فَقَدْ قَصَدَ الِائْتِمَامَ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا فَرْضُهُ وَلَا يُعِيدُ فَالصَّوَابُ أَنْ تُجْزِئَهُ. (وَكُرِهَ أَقْطَعُ وَأَشَلُّ) الْمَازِرِيُّ وَالْبَاجِيُّ: جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ الْأَقْطَعِ وَالْأَشَلِّ وَلَوْ فِي الْجُمُعَةِ وَالْأَعْيَادِ. الْمَازِرِيُّ: لِأَنَّهُ عُضْوٌ لَا يَمْنَعُ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ فَجَازَتْ الْإِمَامَةُ، فَعَدَّهُ كَالْعَمَى. وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّمَا الْعُيُوبُ فِي الْأَدْيَانِ لَا فِي الْأَبْدَانِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَرِهَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 ابْنُ وَهْبٍ إمَامَةَ الْأَقْطَعِ وَالْأَشَلِّ انْتَهَى. اُنْظُرْ اخْتِصَارَ خَلِيلٍ عَلَى قَوْلِ ابْنُ وَهْبٍ فَهُوَ مُشْغِلٌ. (وَأَعْرَابِيٌّ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ أَقْرَأَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَؤُمُّ الْأَعْرَابِيُّ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَأَهُمْ. ابْنُ حَبِيبٍ: لِجَهْلِهِ بِالسُّنَنِ وَغَيْرِهِ: لِنَقْصِ فَرْضِ الْجُمُعَةِ وَفَضْلِ الْجَمَاعَةِ. الشَّيْخُ: إنْ أَمَّ أَجْزَأَهُمْ كَمُتَيَمِّمٍ بِمُتَوَضِّئِينَ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَلَمْ يَكْرَهْهُ ابْنُ مَسْلَمَةَ. (وَذُو سَلَسٍ وَقُرُوحٍ لِصَحِيحٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: اُخْتُلِفَ إذَا سَقَطَ الْوُضُوءُ يَعْنِي مِنْ الْخَارِجِ عَلَى غَيْرِ الْعَادَةِ، هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ رُخْصَةً لِلْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ لَا يَتَعَدَّاهُ، أَوْ سُقُوطُ ذَلِكَ بِجَعْلِ الْخَارِجِ كَالْعَدَمِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ وَعَلَيْهِ يُخْتَلَفُ، هَلْ تَجُوزُ لَهُ الْإِمَامَةُ بِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَنْ كَانَتْ تَنْفَصِلُ مِنْهُ نَجَاسَةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاحْتِرَازِ مِنْهَا كَمَنْ بِهِ قُرُوحٌ فَفِيهِ قَوْلَانِ. هَلْ تَجُوزُ لَهُ الْإِمَامَةُ أَوْ لَا وَقَدْ كَانَ عُمَرُ إمَامًا وَأُخْبِرَ أَنَّهُ يَجِدُ ذَلِكَ وَلَا يَنْصَرِفُ. ابْنُ يُونُسَ: أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوُضُوءِ مِنْ الْمَذْيِ مَعَ غَسْلِ الْفَرْجِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: إنِّي لَأَجِدُهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى فَخِذِي يَتَحَدَّرُ كَتَحَدُّرِ اللُّؤْلُؤِ فَمَا أَنْصَرِفُ حَتَّى أَقْضِيَ صَلَاتِي يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ مُسْتَنْكِحًا فِي آخِرِ عُمُرِهِ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. عَنْ سَحْنُونٍ: تَرْكُ إمَامَتِهِ أَحْسَنُ إلَّا لِذِي صَلَاحٍ. (وَإِمَامَةُ مَنْ يُكْرَهُ) عِيَاضٌ: مِنْ الصِّفَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فِي الْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 الصَّلَاةِ أَجْرًا وَقَدْ كَرِهَتْهُ جَمَاعَتُهُ، أَوْ مَنْ يُلْتَفَتُ إلَيْهِ فِيهِمْ. ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ عَلِمَ تَسْلِيمَ مَنْ حَضَرَ أَحَقِّيَّةَ إمَامَتِهِ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُمْ، وَإِنْ خَافَ كَرَاهِيَةَ بَعْضِهِمْ اسْتَأْذَنَهُمْ، وَإِنْ كَرِهَهُ أَكْثَرُ جَمَاعَةٍ، أَوْ أَفْضَلُهُمْ وَجَبَ تَأَخُّرُهُ وَأَقَلُّهُمْ اُسْتُحِبَّ، وَحَالُ مَنْ وَرَدَ عَلَى جَمَاعَتِهِ لَغْوٌ. اُنْظُرْ طُرَرَ ابْنِ عَاتٍ قَبْلَ تَرْجَمَةٍ وَثِيقَةٍ بِإِجَارَةِ الْأَبِ ابْنَهُ. (وَتَرَتُّبُ خَصِيٍّ) الْمَازِرِيُّ: نَقْصُ الْخِلْقَةِ إنْ كَانَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ مُقَرِّبًا مِنْ الْأُنُوثَةِ كَالْخِصَاءِ فَكَرِهَ مَالِكٌ إمَامَتَهُ فِي الْفَرَائِضِ إمَامَةً رَاتِبَةً. (وَمَأْبُونٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: نَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ كَرَاهَةَ إمَامَةِ الْمَأْبُونِ لَا أَعْرِفُهُ وَهُوَ أَرْذَلُ الْفَاسِقِينَ. ابْنُ شَاسٍ: قِيلَ تَجُوزُ إمَامَةُ الْمَأْبُونِ رَاتِبًا إذَا كَانَ صَالِحَ الْحَالِ فِي نَفْسِهِ. (وَأَغْلَفَ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَؤُمُّ أَغْلَفُ. سَحْنُونَ: وَلَا يُعِيدُ مَأْمُومُهُ. (وَوَلَدِ زِنًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ أَنْ يُتَّخَذَ وَلَدُ الزِّنَا إمَامًا رَاتِبًا. أَبُو عُمَرَ: خَوْفَ أَنْ يُعَرِّضَ نَفْسَهُ لِلْقَوْلِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ مَوْضِعُ رِفْعَةٍ وَكَمَالٍ يُنَافَسُ وَيُحْسَدُ عَلَيْهَا (وَمَجْهُولِ حَالٍ) ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ وَأَصْبَغَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْتَمَّ بِمَجْهُولٍ إلَّا رَاتِبًا. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ كَانَتْ تَوْلِيَةُ الْمَسَاجِدِ لِذِي هَوًى لَا يُقَدَّمُ فِيهَا بِمُوجَبِ التَّرْجِيحِ الشَّرْعِيِّ لَمْ يُؤْتَمَّ بِرَاتِبٍ إلَّا بَعْدَ الْكَشْفِ عَنْهُ وَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ مَنْ أَدْرَكْتُهُ. (وَعَبْدٍ بِفَرْضٍ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعَبْدٍ فِي جُمُعَةٍ ". (وَصَلَاةٍ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالصُّفُوفِ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ إذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ. ابْنُ يُونُسَ: يَعْنِي لَا بَأْسَ أَنْ تَكُونَ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً بِالْعُمُدِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ تَقَطُّعِ الصُّفُوفِ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ، وَكَرِهَ ابْنُ مَسْعُودٍ الصَّلَاةَ بَيْنَ السَّوَارِي يُرِيدُ إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ مُتَّسِعًا. ابْنُ عَرَفَةَ: مَفْهُومُ الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ مُتَّسِعًا كُرِهَتْ الصَّلَاةُ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَا تُكْرَهُ. (أَوْ أَمَامَ الْإِمَامِ بِلَا ضَرُورَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي دُورٍ مَحْجُورَةٍ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ إذَا رَأَوْا عَمَلَ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ مِنْ كُوًى لَهَا، أَوْ مَقَاصِيرَ، أَوْ سَمِعُوا تَكْبِيرَةً فَيُكَبِّرُوا وَيَرْكَعُوا بِرُكُوعِهِ وَيَسْجُدُوا بِسُجُودِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَقَدْ صَلَّى أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حُجَرِهِنَّ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ كَانَتْ الدُّورُ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ كَرِهْتُ ذَلِكَ فَإِنْ صَلَّوْا فَصَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ. (وَاقْتِدَاءُ مَنْ بِأَسْفَلِ السَّفِينَةِ بِمَنْ بِأَعْلَاهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ فِي السَّفِينَةِ وَالنَّاسُ فَوْقَ سَقْفِهَا فَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ إمَامُهُمْ قُدَّامَهُمْ وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ فَوْقَ السَّقْفِ وَالنَّاسُ أَسْفَلَ وَلَكِنْ يُصَلِّي الَّذِينَ فَوْقَ السَّقْفِ بِإِمَامٍ وَاَلَّذِينَ أَسْفَلَ بِإِمَامٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 ابْنُ يُونُسَ قِيلَ: إنَّمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَسْفَلِينَ رُبَّمَا لَمْ يَتَمَكَّنْ لَهُمْ مُرَاعَاةُ أَفْعَالِ الْإِمَامِ وَرُبَّمَا دَارَتْ السَّفِينَةُ فَيَخْتَلِطُ عَلَيْهِمْ أَمْرُ صَلَاتِهِمْ، فَلَيْسَ ذَلِكَ كَالدُّكَّانِ يَكُونُ فِيهَا مَعَ الْإِمَامِ قَوْمٌ وَأَسْفَلَ مِنْهُ قَوْمٌ فَافْتَرَقَا. (كَأَبِي قُبَيْسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَقُعَيْقِعَانَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ لِبُعْدِهِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ مُرَاعَاةَ فِعْلِهِ فِي الصَّلَاةِ. (وَصَلَاةُ رَجُلٍ بَيْنَ نِسَاءٍ وَبِالْعَكْسِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَرْأَةِ تُصَلِّي فِي صَفٍّ مِنْ صُفُوفِ الرِّجَالِ. عَنْ يَمِينِهَا رَجُلٌ وَعَنْ يَسَارِهَا رَجُلٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي قَوْمٍ لَمْ يَجِدُوا سَعَةً فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 صُفُوفِ الرِّجَالِ مِنْ كَثْرَةِ النِّسَاءِ فَصَلَّوْا وَرَاءَ النِّسَاءِ: إنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ اُنْظُرْ سَمَاعَ عِيسَى. (وَإِمَامَةٌ بِمَسْجِدٍ بِلَا رِدَاءٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ لِأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ رِدَاءٍ إلَّا إمَامًا فِي السَّفَرِ وَفِي دَارِهِ، أَوْ بِمَوْضِعٍ اجْتَمَعُوا فِيهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى عَاتِقِهِ عِمَامَةً إذَا كَانَ مُسَافِرًا، أَوْ فِي دَارِهِ، اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَالرِّدَاءِ ". (وَتَنَفُّلُهُ بِمِحْرَابِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَتَنَفَّلُ الْإِمَامُ فِي مَوْضِعِهِ وَلْيَقُمْ عَنْهُ بِخِلَافِ الْفَذِّ وَالْمَأْمُومِ فَلَهُمَا ذَلِكَ. قَالَ: وَإِذَا سَلَّمَ إمَامٌ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ أَوْ مَسْجِدِ الْقَبَائِلِ فَلْيَقُمْ وَلَا يَقْعُدْ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا فِي سَفَرٍ، أَوْ فِي فِنَائِهِ فَإِنْ شَاءَ تَنَحَّى، أَوْ أَقَامَ. ابْنُ بَشِيرٍ: قِيلَ: فِي عِلَّةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ فَضِيلَةٍ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا بِمَرْتَبَةِ الْإِمَامَةِ فَإِذَا انْقَضَتْ صَارَ كَالْمَعْزُولِ عَنْهَا، وَعَلَى هَذَا يَزُولُ عَنْ مَوْضِعِهِ بِلَا بُدٍّ. وَقِيلَ: لِيَرَاهُ مَنْ لَا يَسْمَعُ تَسْلِيمَهُ فَيَعْلَمَ انْقِضَاءَ الصَّلَاةِ. فَعَلَى هَذَا إنْ قَامَ وَتَزَحْزَحَ عَنْ مَوْضِعِهِ بِحَيْثُ يُبْصَرُ أَجْزَأَ. قَالَ شَيْخُ الشُّيُوخِ ابْنُ لُبٍّ: فَذَكَرَ هَذَا عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ أَعْنِي أَنَّ انْحِرَافَ الْإِمَامِ عَنْ صَوْبِ الْقِبْلَةِ أَنْ لَا يَعْتَقِدَ مَنْ يَدْخُلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 الْمَسْجِدَ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يُصَلِّ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ الِانْحِرَافُ إذَا كَانَ إمَامًا فِي فِنَائِهِ، أَوْ فِي سَفَرٍ. قَالَ: وَمَا زَالَ هَذَا الِانْحِرَافُ مَعْمُولًا بِهِ يَنْحَرِفُ الْإِمَامُ يَمِينًا وَشِمَالًا. وَفِي الرِّسَالَةِ: إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَلْيَنْصَرِفْ. قَالَ الْجُزُولِيُّ: مَعْنَى هَذَا الِانْصِرَافِ تَغْيِيرُ هَيْئَتِهِ. قَالَ ابْنُ لُبٍّ: وَهَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى النَّدْبِ. ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ قَالَ: وَهَذَا فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَدْ اسْتَحَبَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَثْبُتَ فِي مَوْضِعِهِ سَاعَةً. وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ: بَابُ مُكْثِ الْإِمَامِ فِي مُصَلَّاهُ بَعْدَ السَّلَامِ فَذَكَرَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْفَرِيضَةَ. قَالَ: وَفَعَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا» . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: يَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِكَيْ يُبْعِدَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنْ النِّسَاءِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَضَى الصَّلَاةَ انْفَتَلَ سَرِيعًا إمَّا أَنْ يَقُومَ، وَإِمَّا أَنْ يَنْحَرِفَ» . قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: شَرِّقْ أَوْ غَرِّبْ وَلَا تَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ بِوَجْهِهِ بَعْدَ السَّلَامِ لِعِبَارَةِ رُؤْيَا أَوْ غَيْرِهَا» . قَالَ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ: فَعَلَ ذَلِكَ عِوَضًا مِنْ قِيَامِهِ فِي مُصَلَّاهُ؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ إنَّمَا هُوَ لِيَعْرِفَ النَّاسُ بِفَرَاغِ الصَّلَاةِ. (وَإِعَادَةُ جَمَاعَةٍ بَعْدَ الرَّاتِبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجْمَعُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ مَرَّتَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَسْجِدًا لَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ فَلِكُلِّ مَنْ جَاءَ أَنْ يَجْمَعَ فِيهِ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا لَمْ يُجْمَعْ فِي مَسْجِدٍ مَرَّتَيْنِ لِمَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ مِنْ الشَّحْنَاءِ وَلِئَلَّا يَتَطَرَّقَ أَهْلُ الْبِدَعِ فَيَجْعَلُونَ مَنْ يَؤُمُّ بِهِمْ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ يُجْمَعُ فِيهِ بَعْضُ الصَّلَاةِ فَلَا أَرَى أَنْ يَجْمَعَ الصَّلَاةَ مَرَّتَيْنِ لَا مَا يُجْمَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُجْمَعُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 وَسَمِعَ أَشْهَبُ: لَا يُجْمَعُ فِي السَّفِينَةِ مَرَّتَيْنِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَيْسَ هَذَا بِخِلَافٍ لِإِجَازَتِهَا صَلَاةَ مَنْ فَوْقَهَا بِإِمَامٍ، وَمَنْ تَحْتَهَا بِإِمَامٍ؛ لِأَنَّهُمَا مَوْضِعَانِ. وَلِابْنِ الْعَرَبِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ -: {وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 107] قَالَ: يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا جَمَاعَةً وَاحِدَةً فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَأَرَادُوا أَنْ يُفَرِّقُوا شَمْلَهُمْ فِي الطَّاعَةِ. وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَكْبَرَ وَالْغَرَضَ الْأَظْهَرَ مِنْ وَضْعِ الْجَمَاعَةِ تَأْلِيفُ الْكَلِمَةِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَعَقْدُ الذِّمَامِ وَالْحُرْمَةِ بِفِعْلِ الدِّيَانَةِ حَتَّى يَقَعَ الْأُنْسُ بِالْمُخَاطَبَةِ وَتُصَفَّى الْقُلُوبُ مِنْ وَضَرِ الْأَحْقَادِ وَالْحَسَادَةِ، وَلِهَذَا مَعْنَى تَفَطُّنِ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ لَا تُعَادُ جَمَاعَةٌ بَعْدَ الرَّاتِبِ خِلَافًا لِسَائِرِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ تَشْتِيتًا لِلْكَلِمَةِ وَإِبْطَالًا لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ فَيَقَعُ الْخِلَافُ وَيَبْطُلُ النِّظَامُ، وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَهَكَذَا شَأْنُهُ مَعَهُمْ وَهُوَ أَثْبَتُ قَدَمًا مِنْهُمْ فِي الْحِكْمَةِ وَأَعْلَمُ بِمَقَاطِعِ الشَّرِيعَةِ، وَإِنْ أَذِنَ. ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ عَلَّلْنَا الْمَنْعَ بِأَنَّهُ حِمَايَةٌ مِنْ الْأَذَى لِلْأَئِمَّةِ فَيَجُوزُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَنُصُوصُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا (وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ إنْ جَمَعَ غَيْرُهُ قَبْلَهُ إنْ لَمْ يُؤَخِّرْ كَثِيرًا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا جَمَعَ قَوْمٌ فِي مَسْجِدٍ وَلَمْ يَحْضُرْ الْإِمَامُ فَلَهُ إذَا جَاءَ أَنْ يَجْمَعَ. وَفِي الِاسْتِذْكَارِ فِي حَدِيثِ إدْرَاكِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ خَلْفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ فِيهِ: إذَا خِيفَ فَوْتُ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمُخْتَارِ لَمْ يُنْتَظَرْ الْإِمَامُ، وَإِنْ كَانَ فَاضِلًا جِدًّا (وَخَرَجُوا إلَّا بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَيُصَلُّونَ بِهَا أَفْذَاذًا إنْ دَخَلُوهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ لِمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ أَنْ يُعِيدَ فِي جَمَاعَةٍ بِأَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لَا غَيْرِهَا، وَإِلْزَامُ اللَّخْمِيِّ عَلَيْهِ إعَادَةَ جَامِعٍ فِي غَيْرِهَا فَذًّا فِيهَا يُرَدُّ بِأَنَّ جَمَاعَتَهَا أَفْضَلُ مِنْ فَذِّهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ: إنْ وَجَدَ مَسْجِدًا قَدْ جَمَعَ أَهْلُهُ فَإِنْ طَمِعَ بِإِدْرَاكِ جَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِهِ خَرَجَ إلَيْهَا، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ الْمَسْجِدِ فَيَجْمَعُوا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ مَسْجِدَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَوْ مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَا يَخْرُجُوا مِنْهُ وَلْيُصَلُّوا فِيهِ أَفْذَاذًا وَهُوَ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِمْ مِنْ الصَّلَاةِ، وَفِي غَيْرِهِ جَمَاعَةً. (وَقَتْلُ كَبُرْغُوثٍ بِمَسْجِدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ قَتْلَ الْبُرْغُوثِ وَالْقَمْلَةِ فِي صَلَاةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَتْلُ الْبُرْغُوثِ أَخَفُّ عِنْدَهُ. اللَّخْمِيِّ: وَيَقْتُلُ بِهِ الْعَقْرَبَ وَالْفَأْرَةَ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَصَابَ قَمْلَةً فَلَا يُلْقِيهَا فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَقْتُلُهَا فِيهِ. وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: وَلْيَصُرَّهَا فِي ثَوْبِهِ (وَفِيهَا يَجُوزُ طَرْحُهَا خَارِجَهُ وَاسْتَشْكَلَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَطْرَحَ الْقَمْلَةَ إنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. ابْنُ بَشِيرٍ: طَرْحُ الْبُرْغُوثِ حَيًّا فِي الْمَسْجِدِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّبُ وَيَعِيشُ فِي التُّرَابِ بِخِلَافِ الْقَمْلَةِ فَلَا تُطْرَحُ؛ إذْ فِي إلْقَائِهَا تَعْذِيبٌ لَهَا. وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ جَوَازِ طَرْحِهَا فَقَدْ يَكُونُ لِظَنِّ دَوَامِ حَيَاتِهَا، أَوْ يَكُونُ هَذَا حُكْمًا لَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 بِأَنَّهَا لَا تُنَجَّسُ بِالْمَوْتِ. (وَجَازَ اقْتِدَاءٌ بِأَعْمَى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْأَعْمَى إمَامًا رَاتِبًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 (وَمُخَالِفٍ فِي الْفُرُوعِ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدٌ غَيْرَهُ ". وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ فِي الْفُرُوعِ الظَّنِّيَّةِ. قَالَ عِيَاضٌ: إنَّ أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيَّ قَدَّمَ عَبْدَ الْحَقِّ الصَّقَلِّيَّ صَلَّى بِهِ. وَقَالَ لَهُ: الْبَعْضُ يَدْخُلُ فِي الْكُلِّ يُعَرِّضُ لَهُ بِمَسْحِ الرَّأْسِ إذْ كَانَ أَبُو الْمَعَالِي شَافِعِيًّا. وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ الْأَبْهَرِيَّ كَانَ إمَامًا فِيهِ وَقْتَهُ سُئِلَ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ بِبَغْدَادَ فَامْتَنَعَ وَأَشَارَ بِالرَّازِيِّ فَامْتَنَعَ أَيْضًا وَأَشَارَ بِالْأَبْهَرِيِّ فَلَمَّا امْتَنَعَا مَعًا فِي غَيْرِهِمَا قَالَ: وَكَانَ الرَّازِيّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عِمْرَانَ قَالَ لِي سَحْنُونَ: ابْتَلَيْتنِي فَوَاَللَّهِ لَأَبْتَلِيَنَّكَ فَوَلَّانِي الْقَضَاءَ قَالَ: وَكَانَ سُلَيْمَانُ عِرَاقِيَّ الْمَذْهَبِ (وَأَلْكَنَ) ابْنُ رُشْدٍ: الْأَلْكَنُ الَّذِي لَا تَتَبَيَّنُ قِرَاءَتُهُ، وَالْأَلْثَغُ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى لَهُ النُّطْقُ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ، وَالْأَعْجَمِيُّ الَّذِي لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ وَالسِّينِ وَالصَّادِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ ائْتَمَّ بِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الِائْتِمَامُ بِهِمْ مَكْرُوهًا إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ لَا يَرْضَى سِوَاهُمْ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْأَلْثَغُ الَّذِي يَلْفِظُ بِالرَّاءِ غَيْنًا خَفِيفَةً أَنَّ إمَامَتَهُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إحَالَةٌ مَعْنًى، وَإِنَّمَا هُوَ نُقْصَانٌ فِي أَدَاءِ الْحُرُوفِ. (وَمَحْدُودٍ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَؤُمَّ مَحْدُودٌ صَلَحَتْ حَالُهُ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَؤُمُّ قَاتِلُ عَمْدٍ، وَإِنْ تَابَ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ فَاسِقًا بِجَارِحَةٍ ". وَقَدْ جَعَلَ اللَّخْمِيِّ الْقَتْلَ مِنْ مِثْلِ مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ فَصَحَّحَ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْقَاتِلِ. (وَعِنِّينٍ) عِيسَى وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ الْعِنِّينِ. (وَمَجْذُومٍ إلَّا أَنْ يَشْتَدَّ فَلْيُنَحَّ) ابْنُ رُشْدٍ: إمَامَةُ الْمَجْذُومِ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ إلَّا إنْ تَفَاحَشَ جُذَامُهُ وَعُلِمَ مِنْ جِيرَانِهِ أَنَّهُمْ يَتَأَذَّوْنَ بِهِ فِي مَخَالِطِهِمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ الْإِمَامَةِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ جُذَامٍ ". (وَصَبِيٍّ بِمِثْلِهِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ خِفَّةَ إمَامَةِ الصَّبِيِّ بِمِثْلِهِ فِي الْمُكَاتَبِ (وَعَدَمُ إلْصَاقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 مَنْ عَلَى يَمِينِ إمَامٍ، أَوْ يَسَارِهِ بِمَنْ حَذْوَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ قَامَتْ الصُّفُوفُ قَامَ حَيْثُ شَاءَ خَلْفَ الْإِمَامِ، أَوْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ عَنْ يَمِينِهِ، وَتَعَجَّبَ مَالِكٌ فِيمَنْ قَامَ يَمْشِي حَتَّى يَقِفَ حَذْوَ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَتْ طَائِفَةً عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ أَوْ حَذْوَهُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي أَوْ الْأَوَّلِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَقِفَ طَائِفَةٌ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ فِي الصَّفِّ وَلَا تَلْصَقُ بِالطَّائِفَةِ الَّتِي عَنْ يَمِينِهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَهُوَ كَصَفٍّ بُنِيَ عَلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: تَعَقَّبَهُ التُّونُسِيُّ بِأَنَّهُ تَقْطِيعٌ وَحَمَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَيُكْرَهُ ابْتِدَاءً، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ تُقْطَعَ الصُّفُوفُ وَنَهَى عَنْهُ. (وَصَلَاةُ مُنْفَرِدٍ خَلْفَ صَفٍّ وَلَا يَجْذِبُ أَحَدًا وَهُوَ خَطَأٌ مِنْهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصُّفُوفِ وَحْدَهُ أَجْزَأَهُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ كَذَلِكَ - وَهُوَ الشَّأْنُ - وَلَا يَجْذِبَ إلَيْهِ أَحَدًا فَإِنْ جَذَبَهُ أَحَدٌ لِيُقِيمَهُ مَعَهُ فَلَا يَتَّبِعُهُ وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ الَّذِي يَفْعَلُهُ وَمِنْ الَّذِي جَبَذَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ وَتَرَكَ فُرْجَةً بِالصَّفِّ أَسَاءَ. قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ وَهْبٍ: وَيُعِيدُ أَبَدًا. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ أَسَاءَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. (وَإِسْرَاعٌ لَهَا بِلَا خَبَبٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِإِسْرَاعِ الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ إذَا أُقِيمَتْ مَا لَمْ يَسْعَ، أَوْ يَخُبَّ أَوْ بِتَحْرِيكِ فَرَسِهِ لِيُدْرِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: مَا لَمْ يُخْرِجْهُ إسْرَاعُهُ عَنْ السَّكِينَةِ. (وَقَتْلُ عَقْرَبٍ أَوْ فَأْرٍ بِمَسْجِدٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: تُقْتَلُ الْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ بِالْمَسْجِدِ. (وَإِحْضَارُ صَبِيٍّ بِهِ لَا يَعْبَثُ وَيَكُفُّ إذَا نُهِيَ) ابْنُ عَرَفَةَ: سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُجَنَّبُ الصَّبِيُّ الْمَسْجِدَ إذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 كَانَ يَعْبَثُ، أَوْ لَا يَكُفُّ إذَا نُهِيَ انْتَهَى. وَانْظُرْ أَيْضًا الْمَجْنُونَ نَصَّ اللَّخْمِيِّ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَالصَّبِيِّ يُجَنَّبُ أَيْضًا الْمَسْجِدَ. (وَبَصْقٌ بِهِ إنْ حُصِّبَ، أَوْ تَحْتَ حَصِيرِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ اُضْطُرَّ الْإِنْسَانُ إلَى الْبُصَاقِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ. فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَبْصُقَ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ مُحَصَّبًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَبْصُقَ فِيهِ بِحَالٍ، وَإِنْ دَلَكَهُ؛ لِأَنَّ تَدْلِيكَهُ لَا يُذْهِبُ أَثَرَهُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَبْصُقَ تَحْتَ الْحَصِيرِ لَا عَلَى ظَهْرِهِ وَلَا فِي حَائِطِ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ رَجُلٌ وَعَنْ يَسَارِهِ رَجُلٌ فِي الصَّلَاةِ بَصَقَ أَمَامَهُ وَدَفَنَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْنِهِ فَلَا يَبْصُقُ فِي الْمَسْجِدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 بِحَالٍ كَانَ مَعَ النَّاسِ أَوْ وَحْدَهُ. (ثُمَّ قَدَمِهِ، ثُمَّ يَسَارِهِ ثُمَّ يَمِينِهِ، ثُمَّ أَمَامَهُ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مُحَصَّبًا بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ دَفْنُهُ فَلَا يَبْصُقُ أَمَامَهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلْيَبْصُقْ تَحْتَ قَدَمِهِ وَأَمَامَهُ أَوْ يَمِينِهِ، أَوْ شِمَالِهِ وَيَدْفِنُهُ. عِيَاضٌ: الْمُخْتَارُ يَسَارُهُ وَتَحْتَ قَدَمِهِ فَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ أَحَدٌ وَتَعَسَّرَ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَمِينِهِ، ثُمَّ أَمَامَهُ وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِهَا: " وَإِنْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ رَجُلٌ بَصَقَ أَمَامَهُ وَدَفَنَهُ " انْتَهَى. وَانْظُرْ أَيْضًا مَا يَجِبُ أَنْ يَتَجَنَّبَ مِنْهُ الْمَسْجِدَ أَنْ يُتَّخَذَ طَرِيقًا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ: إلَّا فِي وَقْتٍ مَا. اللَّخْمِيِّ: وَلَا يَجُوزُ حَدَثُ الرِّيحِ بِهِ وَقَدْ نَصُّوا أَيْضًا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُجَنِّبَ الْمَسْجِدَ عَنْ إمَاطَةِ الْأَذَى بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا فَلَا يُقَلِّمُ ظُفُرَهُ وَلَا يَتَمَضْمَضُ وَلَا يَسْتَاكُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَمَنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ دَمًا خَرَجَ بِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَقِيلَ: يُغَطِّيهِ وَيَتْرُكُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَدُخُولِ مَسْجِدٍ ". (وَخُرُوجُ مُتَجَالَّةٍ لِعِيدٍ وَاسْتِسْقَاءٍ وَشَابَّةٍ لِمَسْجِدٍ) ابْنُ رُشْدٍ: النِّسَاءُ الْمُتَجَالَّاتُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ خُرُوجِهِنَّ إلَى الْمَسَاجِدِ وَالْجَنَائِزِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَأَمَّا النِّسَاءُ الشَّوَابُّ فَلَا يَخْرُجْنَ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ وَالْعِيدَيْنِ وَلَا إلَى الْمَسَاجِدِ إلَّا فِي الْفَرْضِ، وَلَا الْجَنَائِزِ إلَّا فِي جَنَائِزِ أَهْلِهِنَّ وَقَرَابَتِهِنَّ. هَذَا هُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى الرِّوَايَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 عَنْ مَالِكٍ وَعَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ يَمْنَعَ النِّسَاءَ الشَّوَابَّ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَلَا يُمْنَعْنَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ، وَأَمَّا الشَّابَّةُ الْفَائِقَةُ فِي الشَّبَابِ وَالنَّجَابَةِ فَالِاخْتِيَارُ لَهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ أَصْلًا انْتَهَى. وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ، قِيلَ: لِمَالِكٍ: مَنْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ هَلْ يُرْسِلُهَا إلَى السُّوقِ فِي حَوَائِجِهِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَالْحُرَّةُ أَيْضًا قَدْ تَخْرُجُ فِي حَوَائِجِهَا قَدْ كَانَتْ أَسْمَاءُ تَقُودُ فَرَسَ الزُّبَيْرِ فِي الطَّرِيقِ وَهِيَ حَامِلٌ (وَلَا يُقْضَى عَلَى زَوْجِهَا بِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ مُزَيْنٍ فِي الْمَرْأَةِ الشَّابَّةِ إذَا اسْتَأْذَنَتْ مِنْ زَوْجِهَا فِي الْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ لَمْ يُقْضَ لَهَا عَلَيْهِ بِالْخُرُوجِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّبَهَا وَيُمْسِكَهَا، لَيْسَ بِخِلَافٍ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُمْنَعُ النِّسَاءُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ، أَمَّا الشَّابَّةُ فَلَا تَخْرُجُ إلَى الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْفَرْضِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا. (وَاقْتِدَاءُ ذَوِي سُفُنٍ بِإِمَامٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: السُّفُنُ الْمُتَقَارِبَةُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي أَحَدِهَا، وَصَلَّى النَّاسُ بِصَلَاتِهِ أَجْزَأَتْهُمْ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: إذَا سَمِعُوا تَكْبِيرَهُ وَرَأَوْا أَفْعَالَهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ إنْ فَرَّقَتْهُمْ الرِّيحُ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَخْلِفُوا مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَصْوَبُ. (وَفَصْلُ مَأْمُومٍ بِنَهْرٍ صَغِيرٍ، أَوْ طَرِيقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالنَّهْرِ الصَّغِيرِ أَوْ الطَّرِيقِ تَكُونُ بَيْنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ. (وَعُلُوُّ مَأْمُومٍ وَلَوْ بِسَطْحٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ، وَالْإِمَامُ فِي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ كَرِهَهُ وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ. (لَا عَكْسُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِقَوْمٍ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ أَسْفَلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُعْجِبُنِي. (وَبَطَلَتْ بِقَصْدِ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ بِهِ الْكِبْرَ إلَّا بِكَشِبْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ عَلَى شَيْءٍ أَرْفَعَ مِمَّا يُصَلِّي عَلَيْهِ مَنْ خَلْفَهُ، مِثْلُ الدُّكَّانِ يَكُونُ فِي الْمِحْرَابِ وَنَحْوِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ فَعَلَ أَعَادُوا أَبَدًا؛ لِأَنَّهُمْ يَعْبَثُونَ. إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دُكَّانًا يَسِيرَ الِارْتِفَاعِ، مِثْلُ مَا كَانَ عِنْدَنَا بِمِصْرَ فَتُجْزِيهِمْ الصَّلَاةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِثْلُ الشِّبْرِ وَعَظْمِ الذِّرَاعِ. قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ: إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ هَذَا؛ لِأَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ فَعَلُوهُ عَلَى وَجْهِ الْكِبْرِ وَالْجَبْرِيَّةِ فَرَأَى هَذَا مِنْ الْعَبَثِ وَمِمَّا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا صَلَّى كَذَلِكَ الْمُقْتَدِي أَعْنِي عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ قَصْدًا إلَى التَّكَبُّرِ عَنْ مُسَاوَاةِ الْإِمَامِ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: صَلَاتُهُ أَيْضًا بَاطِلَةٌ. وَانْظُرْ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ ضَيِّقًا قَالَ فَضْلٌ: دَلِيلُ الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِهِ: " لِأَنَّهُمْ يَعْبَثُونَ " أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ وَاسِعٍ فَأَمَّا إذَا ضَاقَ الْمَوْضِعُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِصَلَاتِهِ نَاسٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 أَسْفَلَ مِنْهُ وَقَالَهُ سَحْنُونَ. (وَهَلْ يَجُوزُ إنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ طَائِفَةٌ كَغَيْرِهِمْ؟ تَرَدُّدٌ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: إذَا كَانَ مَعَ الْإِمَامِ قَوْمٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَصَلَاةُ الْجَمِيعِ تَامَّةٌ. ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ قَصَدَ الْمُرْتَفِعُونَ مَعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 الْإِمَامِ بِذَلِكَ التَّكَبُّرَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدُوا ذَلِكَ فَفِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ قَوْلَانِ. (وَمُسَمِّعٌ وَاقْتِدَاءٌ بِهِ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَذِكْرٌ قَصَدَ بِهِ التَّفْهِيمَ " تَرْشِيحُ ابْنِ رُشْدٍ وَأَبِي عِمْرَانَ الْجَوَازَ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنَّ لَهُ أَجْرَ التَّنْبِيهِ. وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إذَا جَرَى النَّاسُ عَلَى شَيْءٍ لَهُ مُسْتَنَدٌ صَحِيحٌ وَكَانَ لِلْإِنْسَانِ مُخْتَارٌ غَيْرُهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مُخْتَارِهِ فَيُدْخِلَ عَلَيْهِمْ شَغَبًا فِي أَنْفُسِهِمْ وَحَيْرَةً فِي دِينِهِمْ؛ إذْ مِنْ شَرْطِ التَّغْيِيرِ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، اهـ. اُنْظُرْ قَوْلَ عِيَاضٍ فِي الْإِكْمَالِ قَالَ مَا نَصُّهُ: لَا يَنْبَغِي لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَإِنَّمَا يُغَيِّرُ مَا اُجْتُمِعَ عَلَى إحْدَاثِهِ، وَإِنْكَارِهِ. وَرَشَّحَ هَذَا أَيْضًا مُحْيِي الدِّينِ الشَّافِعِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ فَقَالَ: أَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَلَا إنْكَارَ فِيهِ وَلَيْسَ لِلْمُفْتِي وَلَا لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ إذَا لَمْ يُخَالِفْ نَصَّ الْقُرْآنِ، أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ، وَنَحْوُ هَذَا فِي جَامِعِ الذَّخِيرَةِ لِلْقَرَافِيِّ، وَنَحْوُهُ فِي قَوَاعِدِ عِزِّ الدِّينِ. قَالَ شَيْخُ الشُّيُوخِ ابْنُ لُبٍّ: لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي كَرَاهِيَةٍ لَا فِي تَحْرِيمٍ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ وَرُبَّمَا يَئُولُ الْإِنْكَارُ إلَى أَمْرٍ يَحْرُمُ انْتَهَى. وَقَدْ نَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ فِي نَوَازِلِهِ كَلَامَ ابْنِ لُبٍّ مَعْزُوًّا لِبَعْضِ الشُّيُوخِ وَرَشَّحَهُ. وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُسَمِّعٌ، وَالْجَمَاعَةُ كَثِيرَةٌ قَدْ نَصَّ عِيَاضٌ أَنَّ مِنْ وَظَائِفِ الْإِمَامِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ كُلِّهِ " وَسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " لِيَقْتَدِيَ بِهِ مَنْ وَرَاءَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 قَالَ: وَمِنْ وَظَائِفِ الْإِمَامِ أَيْضًا أَنْ يَجْزِمَ تَحْرِيمَهُ وَتَسْلِيمَهُ وَلَا يُمَطِّطَهُمَا لِئَلَّا يُسَابِقَهُ بِهِمَا مَنْ وَرَاءَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 (أَوْ بِرُؤْيَةٍ وَإِنْ بِدَارٍ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ إمَامٍ بِلَا ضَرُورَةٍ ". [فَصَلِّ فِي شُرُوط الِاقْتِدَاء بِالْإِمَامِ] ابْنُ شَاسٍ: الْفَصْلُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْقُدْوَةِ. (وَشَرْطُ الِاقْتِدَاءِ نِيَّتُهُ بِخِلَافِ الْإِمَامِ) ابْنُ اللُّبِّيِّ: لَمَّا ذَكَرَ بَعْضُ الْمُدَرِّسِينَ: شَرْطُ الِاقْتِدَاءِ نِيَّتُهُ قَالَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ: مَا أَصْنَعُ وَمَا نَوَيْتُ هَذَا قَطُّ؟ . قَالَ الشَّيْخُ: أَلَيْسَ أَنَّك لَا تُحْرِمُ حَتَّى يُحْرِمَ إمَامُك؟ قَالَ: بَلَى. فَقَالَ: تِلْكَ هِيَ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ. ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ مُطْلَقًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 نِيَّةُ اتِّبَاعِهِ إمَامَهُ بِخِلَافِ الْإِمَامِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْتَمَّ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ هُوَ أَنْ يَؤُمَّك. (وَلَوْ بِجِنَازَةٍ) ابْنُ شَاسٍ: لَا تُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ فِي الْجِنَازَةِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: صِحَّةُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ الْإِمَامَةُ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: إلْحَاقُهُ الْجِنَازَةَ بِالْجُمُعَةِ فِي وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ يُلْحِقُهَا بِهَا فِي نِيَّةِ الْإِمَامَةِ وَكَذَلِكَ فِي الْجَمْعِ لِلْمَطَرِ (إلَّا جُمُعَةً) التَّلْقِينُ: لَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَصَلَاةِ الْخَوْفِ، زَادَ الْمَازِرِيُّ: وَفِي الِاسْتِخْلَافِ فَقَطْ. (وَجَمْعًا) عِيَاضٌ: مَا يُقَدَّمُ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا بِسَبَبِ الْجَمْعِ يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ وَالْجَمْعَ. الْقَبَّابُ: إنَّمَا يُتَصَوَّرُ هَذَا فِي الْجَمْعِ لِلْمَطَرِ خَاصَّةً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 (وَخَوْفًا) تَقَدَّمَ نَصُّ التَّلْقِينِ بِهَذَا. (وَمُسْتَخْلَفًا) تَقَدَّمَ نَصُّ التَّلْقِينِ أَيْضًا بِهَذَا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ كَمُؤْتَمٍّ بِهِ ابْتِدَاءً لِصِحَّةِ صَلَاتِهِمْ أَفْذَاذًا. وَفِي سَمَاعِ مُوسَى فِي مَا إذَا صَلَّى بِرَجُلٍ وَنِسَاءٍ فَأَحْدَثَ وَخَرَجَ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ صَاحِبَهُ فَأَتَمَّ بِالنِّسَاءِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: صَلَاةُ النِّسَاءِ تُجْزِئُ إذَا نَوَى أَنْ يَكُونَ إمَامَهُنَّ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: " إذَا نَوَى أَنْ يَكُونَ إمَامَهُنَّ " خِلَافٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْتَمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 بِمَنْ لَمْ يَنْوِ هُوَ أَنْ يَؤُمَّك. (كَفَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَاخْتَارَ فِي الْأَخِيرِ خِلَافَ الْأَكْثَرِ) الْمَازِرِيُّ: إنْ نَوَى الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ حَصَلَ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَيَلْزَمُهُ صِحَّةُ إعَادَةِ مُؤْتَمٍّ بِهِ لَمْ يَنْوِهَا فِي جَمَاعَةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَلَاقٍ: لَا أَظُنُّ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ: إنَّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ فِي جَمَاعَةٍ. وَانْظُرْهُ قَوْلَهُمْ إنَّ الْمَرْءَ لَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِ الْعِصْيَانِ إلَّا إنْ قَصَدَ بِالتَّرْكِ طَاعَةَ الدَّيَّانِ، وَكَذَا لَا يُثَابُ عَلَى الْقِيَامِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ إلَّا إذَا نَوَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 بِقِيَامِهِ الْقُرْبَةَ انْتَهَى، فَهَذَا يُرَشِّحُ مُخْتَارَ الْأَكْثَرِ. (وَمُسَاوَاةٌ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ بِأَدَاءٍ وَقَضَاءٍ، أَوْ بِظُهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ) ابْنُ يُونُسَ: مَنْ فَاتَتْهُمْ صَلَاةُ ظُهْرٍ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَجَائِزٌ أَنْ يَجْمَعُوهَا بِإِمَامٍ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَيَّامُ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَحَدِهِمْ ظُهْرٌ مِنْ سَبْتٍ وَالْآخَرِ مِنْ أَحَدٍ فَلَا يَجْمَعُونَهَا. وَاخْتُلِفَ إذَا وَجَبَتْ عَلَى وَاحِدٍ ظُهْرٌ مِنْ حَضَرٍ وَعَلَى آخَرَ ظُهْرٌ مِنْ سَفَرٍ، وَكِلَاهُمَا مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ وَقَدْ خَرَجَ الْوَقْتُ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَقْتُهَا لَمْ يَفُتْ أَوْ فَاتَ. وَسَمِعَ عِيسَى ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ كَانَتْ ظُهْرُهُمْ مِنْ أَيَّامٍ مُفْتَرِقَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا. ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَاهُ مِنْ أَيَّامٍ مُفْتَرِقَةٍ يَعْلَمُونَهَا بِأَعْيَانِهَا. وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً لَا يَدْرِي إنْ كَانَتْ مِنْ السَّبْتِ، أَوْ مِنْ الْأَحَدِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاتَيْنِ صَلَاةً لِلسَّبْتِ وَصَلَاةً لِلْأَحَدِ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ يُصَلِّي صَلَاةً وَاحِدَةً يَنْوِي بِهَا الْيَوْمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 الَّذِي تَرَكَهَا فِيهِ - وَهُوَ مَذْهَبُ سَحْنُونٍ - فَيَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً، وَإِنْ كَانَتْ ظُهْرُهُمْ مِنْ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ. (إلَّا نَفْلًا خَلْفَ فَرْضٍ) التَّلْقِينُ: لِلْمَأْمُومِ الْمُتَنَفِّلِ أَنْ يَأْتَمَّ بِمُفْتَرِضٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا عَلَى جَوَازِ النَّفْلِ بِأَرْبَعٍ، أَوْ سَفَرٍ انْتَهَى. وَانْظُرْ إنْ وَجَدَ الْإِمَامَ فِي ثَالِثَةِ الرُّبَاعِيَّةِ، أَوْ ثَانِيَةِ الثُّلَاثِيَّةِ هَلْ يَدْخُلُ مَعَهُ مُتَنَفِّلًا؟ . وَانْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَعَقِبَ شَفْعٍ " قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ كَمَا إذَا أَوْتَرَ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَتَمَةَ. (وَلَا يَنْتَفِلُ مُنْفَرِدٌ لِجَمَاعَةٍ كَالْعَكْسِ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَا يَنْتَفِلُ فَذٌّ لِجَمَاعَةٍ وَلَا عَكْسُهُ (وَفِي مَرِيضٍ اقْتَدَى بِمِثْلِهِ فَصَحَّ قَوْلَانِ) اُنْظُرْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " إلَّا كَالْقَاعِدِ بِمِثْلِهِ " (وَمُتَابَعَةٌ فِي إحْرَامٍ وَسَلَامٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُطْلَبُ تَأَخُّرُ إحْرَامِ التَّابِعِ وَسَلَامُهُ. وَفِي الرِّسَالَةِ: لَا يَرْفَعُ أَحَدٌ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَا يَفْعَلُ إلَّا بَعْدَ فِعْلِهِ وَيَفْتَتِحُ بَعْدَهُ وَيَقُومُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 مِنْ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ قِيَامِهِ وَيُسَلِّمُ بَعْدَ سَلَامِهِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَوَاسِعٌ أَنْ يَفْعَلَهُ مَعَهُ، وَبَعْدَهُ أَحْسَنُ. (فَالْمُسَاوَاةُ - وَإِنْ بِشَكٍّ - فِي الْمَأْمُومِيَّةِ مُبْطِلَةٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ وَبَعْدَهُ أَصْوَبُ. ابْنُ رُشْدٍ: قِيلَ: لَا يَجْزِيهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْبَغَ وَابْنِ حَبِيبٍ وَهُوَ أَظْهَرُ لِحَدِيثِ: «إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» إذْ الْفَاءُ تُوجِبُ التَّعْقِيبَ. وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا ابْتَدَأَ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَهُ مَعًا فَأَتَمَّهَا مَعَهُ، أَوْ بَعْدَهُ وَحُكْمُ السَّلَامِ كَحُكْمِ الْإِحْرَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 فِي ذَلِكَ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَوْ ائْتَمَّ رَجُلٌ بِآخَرَ فَشَكَّا فِي تَشَهُّدِهِمَا فِي الْإِمَامِ مِنْهُمَا فَإِنْ سَلَّمَا مَعًا فَعَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُقَارَنَةِ، وَإِنْ تَعَاقَبَا صَحَّتْ لِلثَّانِي فَقَطْ. (لَا الْمُسَاوَقَةُ) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ الْمُتَابَعَةُ وَالْمُسَاوَقَةُ دُونَ الْمُسَاوَاةِ وَالْمُسَابَقَةِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ إنْ بَدَأَ بَعْدَ بَدْئِهِ بِالتَّكْبِيرِ صَحَّ، وَإِنْ ائْتَمَّ مَعَهُ وَقَبْلُ بَطَلَ، وَإِنْ ائْتَمَّ بَعْدَهُ اتِّفَاقًا فِيهِمَا (كَغَيْرِهِمَا) تَقَدَّمَ نَصُّ الرِّسَالَةِ: وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَوَاسِعٌ أَنْ يَفْعَلَهُ مَعَهُ وَبَعْدَهُ أَحْسَنُ. ابْنُ عَرَفَةَ: رَوَى الشَّيْخُ: مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ أَحْسَنُ (لَكِنَّ سَبْقَهُ مَمْنُوعٌ، وَإِلَّا كُرِهَ) الْبَاجِيُّ: غَيْرُ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِيهِمَا وَلَا يُفْسِدُ ذَلِكَ صَلَاتَهُ، وَأَمَّا أَفْعَالُ الصَّلَاةِ فَإِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 فَعَلَهَا بَعْدَ الْإِمَامِ وَأَدْرَكَهُ فِيهَا فَهَذِهِ سُنَّةُ الصَّلَاةِ، وَإِنْ دَخَلَ فِي الْفِعْلِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ عَنْهُ فَهَذَا تَعَمُّدُهُ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ فَعَلَهَا مَعَهُ فَانْحَطَّ لِلرُّكُوعِ مَعَ انْحِطَاطِهِ وَرَفَعَ مِنْهُ مَعَ رَفْعِهِ فَمَمْنُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ. (وَأُمِرَ الرَّافِعُ بِعَوْدَةٍ إنْ عَلِمَ إدْرَاكَهُ قَبْلَ رَفْعِهِ لَا إنْ خَفَضَ) . الْبَاجِيُّ: إنْ اتَّبَعَ إمَامَهُ فِي رُكُوعِهِ بِمِقْدَارِ فَرْضِهِ وَرَفَعَ قَبْلَهُ فَرُكُوعُهُ صَحِيحٌ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْإِمَامَ رَاكِعًا لَزِمَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مُتَابَعَتِهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُهُ رَاكِعًا فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَرْجِعُ. وَأَمَّا الْخَفْضُ قَبْلَ الْإِمَامِ لِلرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ فَغَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ بِاتِّفَاقٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَا يَرْجِعُ لِاتِّبَاعِ إمَامِهِ إلَّا إنْ كَانَ لَمْ يَقُمْ بَعْدَ رُكُوعِهِ، أَوْ سُجُودِهِ مِقْدَارَ فَرْضِهِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: سَبَقَ الْإِمَامَ بِالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ يَرْجِعُ رَاكِعًا، أَوْ سَاجِدًا لِيَرْفَعَ مَعَ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَلْحَقَهُ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَثْبُتْ مَعَهُ بِحَالِهِ وَلَا يَعُودُ إلَى الرُّكُوعِ وَلَا إلَى السُّجُودِ. وَحَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَحَمَلَهُ شُيُوخُنَا عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَسَمِعَ أَشْهَبُ: مَنْ سَبَقَ الْإِمَامَ بِالسُّجُودِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْإِمَامُ ثَبَتَ كَمَا هُوَ عَلَى سُجُودِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا الَّذِي يَسْبِقُ الْإِمَامَ بِالرُّكُوعِ يَرْفَعُ مَا لَمْ يَرْكَعْ الْإِمَامُ فَإِنْ أَدْرَكَهُ الْإِمَامُ وَهُوَ رَاكِعٌ ثَبَتَ عَلَى رُكُوعِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طُرُقٌ اُنْظُرْ فِيهِ، وَانْظُرْ رَسْمَ الصَّلَاةِ الثَّانِيَ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ. (وَنُدِبَ تَقْدِيمُ سُلْطَانٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 مُسْتَحِقُّ الْإِمَامَةِ السُّلْطَانُ، أَوْ الْخَلِيفَةُ (ثُمَّ رَبِّ مَنْزِلٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُقَالُ أَوْلَى بِمُقَدَّمِ الدَّابَّةِ صَاحِبُهَا، وَأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ صَاحِبُ الدَّارِ إذَا صَلَّوْا فِي مَنْزِلِهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لِأَحَدِهِمْ. وَرَأَيْته يَرَى ذَلِكَ أَنَّهُ الشَّأْنُ وَيَسْتَحْسِنُهُ. وَرَوَى أَشْهَبُ: يَؤُمُّهُمْ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا. قَالَ غَيْرُهُ: وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَلَهَا أَنْ تُوَلِّيَ رَجُلًا يَؤُمُّهُمْ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَأَحَبُّ إلَيَّ إنْ حَضَرَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَوْ أَعْدَلُ مِنْهُ فَلْيُوَلِّهِ ذَلِكَ. قَالَ: وَأَهْلُ كُلِّ مَسْجِدٍ أَوْلَى بِإِمَامَتِهِ إلَّا أَنْ يَحْضُرَهُمْ الْوَالِي (وَالْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْمَالِكِ) ابْنُ شَاسٍ: مَالِكُ مَنْفَعَةِ الدَّارِ كَمَالِكِ رَقَبَتِهَا (وَإِنْ عَبْدًا) تَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ أَشْهَبَ بِهَذَا (كَامْرَأَةٍ وَاسْتَخْلَفَتْ) تَقَدَّمَ قَوْلُ الْغَيْرِ بِهَذَا (ثُمَّ زَائِدِ فِقْهٍ، ثُمَّ حَدِيثٍ ثُمَّ قِرَاءَةٍ، ثُمَّ عِبَادَةٍ، ثُمَّ بِسِنِّ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ بِنَسَبٍ، ثُمَّ بِخُلُقٍ ثُمَّ بِلِبَاسٍ إنْ عَدِمَ نَقْصَ مَنْعٍ، أَوْ كُرْهٍ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ اخْتَلَفَتْ الْحَالَاتُ وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَجْهٌ يُدْلِي بِهِ وَلَا يُدْلِي بِهِ الْآخَرُ فَقِيهٌ وَقَارِئٌ وَعَابِدٌ وَذُو سِنٍّ، كَانَ الْعَالِمُ أَوْلَاهُمْ، ثُمَّ الْقَارِئُ ثُمَّ الْأَسَنُّ. ابْنُ رُشْدٍ: الْفَقِيهُ فَالْمُحَدِّثُ فَالْقَارِئُ الْمَاهِرُ فَالْعَابِدُ فَذُو السِّنِّ. وَإِنَّمَا كَانَ الْفَقِيهُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْمُحَدِّثُ أَفْضَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ أَعْلَمُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُحَدِّثُ أَوْلَى مِنْ الْقَارِئِ، وَإِنْ كَانَ الْقَارِئُ أَفْضَلَ مِنْ الْمُحَدِّثِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِسُنَنِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقَارِئُ الْمَاهِرُ إذَا كَانَ لَهُ الْحَالُ الْحَسَنَةُ، أَوْلَى مِنْ الْعَابِدِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مَظِنَّةٌ لِلصَّلَاةِ، وَالْعَابِدُ أَوْلَى مِنْ الْمُسِنِّ لِكَثْرَةِ قُرُبَاتِهِ، وَالْمُسِنُّ أَوْلَى مِمَّنْ دُونَهُ فِي السِّنِّ؛ لِأَنَّ أَعْمَالَهُ تَزِيدُ بِزِيَادَةِ السِّنِّ. فَلَوْ كَانَ الْأَحْدَثُ سِنًّا أَقْدَمَ إسْلَامًا لَكَانَ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ إذْ لَا فَضِيلَةَ فِي مُجَرَّدِ السِّنِّ. ابْنُ شَعْبَانَ: ثُمَّ أَصْبَحُهُمْ وَجْهًا وَأَحْسَنُهُمْ خُلُقًا. ابْنُ بَشِيرٍ: يَفْتَقِرُ الْإِمَامُ إلَى صِفَتَيْنِ بَعْدَ تَحْصِيلِ الْبَرَاءَةِ عَنْ النَّقْصِ الْمَانِعِ الْإِجْزَاءَ، أَوْ النَّقْصِ الْمَانِعِ الْكَمَالَ، وَالصِّفَتَانِ الْعِلْمُ وَالْوَرَعُ. فَإِنْ شُورِكَ فِيهِمَا نُظِرَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفَضَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْخُلُقِيَّةِ وَالْمَكَانِيَّةِ. فَالشَّرْعِيَّةُ كَالشَّرَفِ فِي النَّسَبِ وَالسِّنِّ، وَالْخُلُقِيَّةُ كَكَمَالِ الصُّورَةِ وَيَلْحَقُ بِهِ حُسْنُ اللِّبَاسِ، وَالْمَكَانِيَّةُ كَمَالِكِ رَقَبَةِ الدَّارِ، أَوْ مَنَافِعِهَا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي التَّقْدِيمِ فِي الْجَنَائِزِ: وَيُقَدَّمُ الْأَعْلَمُ عَلَى الْأَفْضَلِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ مَزِيَّةٌ يُقْطَعُ عَلَيْهَا. وَقَالَ أَيْضًا: تَقْدِيمُ الْحَسَنِ الصَّوْتِ عَلَى كَثِيرِ الْفِقْهِ مَحْذُورٌ وَعَلَى مُسَاوِيهِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ. وَقَالَ عِيَاضٌ: مِنْ صِفَاتِ الْإِمَامِ الْمُسْتَحَبَّةِ حُسْنُ الصَّوْتِ. (وَاسْتِنَابَةُ النَّاقِصِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَحَبُّ إلَيَّ إنْ حَضَرَ مَنْ هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 أَعْلَمُ مِنْهُ فَلْيُوَلِّهِ (كَوُقُوفِ ذَكَرٍ عَنْ يَمِينِهِ وَاثْنَيْنِ خَلْفَهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُسْتَحَبُّ وُقُوفُ الرَّجُلِ عَنْ يَمِينِ إمَامِهِ وَاثْنَانِ خَلْفَهُ وَالْخُنْثَى خَلْفَ الرَّجُلِ مُطْلَقًا وَالْأُنْثَى خَلْفَ الْخُنْثَى (وَصَبِيٌّ عَقَلَ الْقُرْبَةَ كَالْبَالِغِ) ابْنُ حَبِيبٍ: الصَّغِيرُ يَثْبُتُ كَالْبَالِغِ وَإِلَّا فَلَغْوٌ (وَنِسَاءٌ خَلْفَ الْجَمِيعِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ: الْأُنْثَى خَلْفَ الْخُنْثَى وَالْخُنْثَى خَلْفَ الرَّجُلِ مُطْلَقًا (وَرَبُّ الدَّابَّةِ أَوْلَى بِمُقَدَّمِهَا) هَذَا تَمَامُ الْفَرْعِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: " ثُمَّ رَبِّ مَنْزِلٍ " (وَالْأَوْرَعُ وَالْعَدْلُ وَالْحُرُّ وَالْأَبُ وَالْعَمُّ عَلَى غَيْرِهِمْ) أَمَّا شَرْطُ الْوَرَعِ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ بَشِيرٍ يَفْتَقِرُ الْإِمَامُ إلَى الْوَرَعِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ شَرْطِ الْإِمَامِ عَدَمُ فِسْقِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ إمَامَةِ الْفَاسِقِ وَالْعَبْدِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُقَدَّمُ الْأَبُ وَالْعَمُّ، وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ سِنًّا مِنْ ابْنِ أَخِيهِ قَالَهُ مَالِكٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْعَمُّ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ابْنِ أَخِيهِ فِي الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَلَا كَلَامَ أَنَّ الْأَمِيرَ وَصَاحِبَ الْمَنْزِلِ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمَا أَعْلَى مَرْتَبَةً مِنْهُمَا فِي الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ. هَذَا إنْ كَانَ لَهُمَا وَلِلْأَبِ وَلِلْعَمِّ الْحَالَةُ الْحَسَنَةُ. (وَإِنْ تَشَاحَّ مُتَسَاوُونَ لَا لِكِبْرٍ اقْتَرَعُوا) ابْنُ بَشِيرٍ: بِأَنْ تَشَاحَّ مُتَسَاوُونَ لِفَضْلِهِمْ لَا لِرِئَاسَةٍ اقْتَرَعُوا. وَقَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (تَمْهِيدٌ) الْإِقْرَاعُ عِنْدَ تَسَاوِي الْحُقُوقِ دَفْعٌ لِلضَّغَائِنِ وَالْأَحْقَادِ وَلِلرِّضَا بِمَا جَرَتْ بِهِ الْأَقْدَارُ فَهُوَ مَشْرُوعٌ بَيْنَ الْخُلَفَاءِ - إذَا اسْتَوَتْ فِيهِمْ أَهْلِيَّةُ الْوِلَايَةِ -، وَالْأَئِمَّةِ، وَالْمُؤَذِّنِينَ، وَالتَّقْدِيمِ لِلصَّفِّ الْأَوَّلِ عِنْدَ الزِّحَامِ وَلِغُسْلِ الْأَمْوَاتِ عِنْدَ تَزَاحُمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 الْأَوْلِيَاءِ وَبَيْنَ الْحَاضِنَاتِ وَبَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي السَّفَرِ وَالْقِسْمَةِ وَالْخُصُومِ عِنْدَ التَّحَاكُمِ. (وَكَبَّرَ الْمَسْبُوقُ لِسُجُودٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: يُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ لِمَا يُدْرِكُ مِنْ سُجُودٍ لَا لِجُلُوسٍ (أَوْ رُكُوعٍ) مِنْ مُخْتَصَرِ الطُّلَيْطِلِيِّ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى الْمَنْزِلِ فَوَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُكَبِّرَ تَكْبِيرَتَيْنِ: تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ، فَإِنْ كَبَّرَ وَاحِدَةً وَنَوَى بِهَا الْإِحْرَامَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، وَإِنْ نَوَى بِهَا الرُّكُوعَ مَضَى مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ بِإِقَامَةٍ (بِلَا تَأْخِيرٍ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا يُؤَخِّرُ إحْرَامَهُ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَإِنْ أَدْرَكَ مَا لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَخَارِجَهُ رَكَعَهَا " وَانْظُرْ إنْ خَافَ أَنْ لَا يُدْرِكَهُ رَاكِعًا اسْتَحَبَّ لَهُ مَالِكٌ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ حَتَّى يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ فَإِنْ أَحْرَمَ وَرَكَعَ وَشَكَّ فِي إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ فَقَالَ مَالِكٌ: يَقْضِي رَكْعَةً وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ. (لَا لِجُلُوسٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ بِهَذَا (وَقَامَ بِتَكْبِيرٍ إنْ جَلَسَ فِي ثَانِيَتِهِ) ابْنُ يُونُسَ: كُلُّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ قَامَ بِتَكْبِيرٍ وَكُلُّ مَا سِوَى ذَلِكَ يَقُومُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ (إلَّا مُدْرِكَ التَّشَهُّدِ) هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَقُومُ مُدْرِكُ التَّشَهُّدِ بِتَكْبِيرٍ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا تَنَاقُضٌ قَدْ قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 مَالِكٌ فِي مُدْرِكِ تَشَهُّدِ الْجُمُعَةِ يَقُومُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ وَيَكْفِيهِ تَكْبِيرُهُ أَوَّلًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ قَامَ مُدْرِكُ التَّشَهُّدِ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ أَجْزَأَهُ. (وَقَضَى الْقَوْلَ وَبَنَى الْفِعْلَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ يُرِيدُ فِي الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ قَالَ: إلَّا أَنَّهُ يَقْضِي مِثْلَ الَّذِي فَاتَهُ يُرِيدُ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَالَ: وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ صَارَتْ صَلَاتُهُ جُلُوسًا كُلُّهَا. قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: وَكَذَلِكَ مَنْ فَاتَتْهُ مِنْهَا رَكْعَةٌ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ فَذٍّ، وَإِمَامٍ فَبَانٍ وَكُلُّ مَأْمُومٍ فَقَاضٍ فِي الْقِرَاءَةِ خَاصَّةً. ابْنُ يُونُسَ: اخْتِصَارُهُ أَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ بَانٍ إلَّا الْمَأْمُومَ فِي الْقِرَاءَةِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ يَقْضِي نَحْوَ مَا فَاتَتْهُ. (وَرَكَعَ مَنْ خَشِيَ فَوَاتَ رَكْعَةٍ دُونَ الصَّفِّ إنْ ظَنَّ إدْرَاكَهُ قَبْلَ الرَّفْعِ يَدِبُّ كَالصَّفَّيْنِ لِآخِرِ فُرْجَةٍ قَائِمًا، أَوْ رَاكِعًا لَا سَاجِدًا، أَوْ جَالِسًا) . رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: الرُّكُوعُ وَالدَّبِيبُ جَائِزٌ فِيمَا كَانَ عَلَى قَدْرِ الصَّفَّيْنِ، أَوْ الثَّلَاثِ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَصِلَ إلَى الصَّفِّ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ وَهُوَ مَذْهَبُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. فَإِنْ كَانَ إذَا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ إلَى الصَّفِّ رَاكِعًا حَتَّى يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 أَنْ يَرْكَعَ دُونَ الصَّفِّ وَلْيَتَمَادَ إلَى الصَّفِّ. وَإِنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ، فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَتْهُ رَكْعَتُهُ وَلَا يَمْشِي إلَى الصَّفِّ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى يُتِمَّ الرُّكُوعَ وَيَقُومَ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَرْكَعُ دُونَ الصَّفِّ وَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ. وَرَجَّحَهُ التُّونُسِيُّ وَقَوْلُ مَالِكٍ أَوْلَى عِنْدِي بِالصَّوَابِ لِحَدِيثِ: «زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» وَلِقَوْلِهِ: «لَا صَلَاةَ لِفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ» ، وَأَمَّا رُكُوعُهُ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ لِكَثْرَتِهِ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ سَوَاءٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: أَرْخَصَ مَالِكٌ لِلْعَالِمِ أَنْ يُصَلِّيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 مَعَ أَصْحَابِهِ بِمَوْضِعِهِ لِبُعْدٍ مِنْ الصُّفُوفِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا فُرَجٌ فَلْيَسُدُّوهَا. وَسَمِعَ أَشْهَبُ: مَنْ كَثُرَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ رَاكِعِينَ رَكَعَ مَعَهُمْ، وَإِنْ قَلُّوا تَقَدَّمَ لِلصَّفِّ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ يَسِيرٍ وَكَثِيرٍ. (وَإِنْ شَكَّ فِي الْإِدْرَاكِ أَلْغَاهَا) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَتَقَدَّمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 الْمُسْتَحَبُّ لِهَذَا أَنْ لَا يَرْكَعَ فَكَانَ يَنْبَغِي لِخَلِيلٍ أَنْ يَنُصَّ عَلَى هَذَا. (وَإِنْ كَبَّرَ لِرُكُوعٍ وَنَوَى بِهِ الْعَقْدَ أَوْ نَوَاهُمَا، أَوْ لَمْ يَنْوِهِمَا أَجْزَأَ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا إذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَنَوَى بِهَا الْإِحْرَامَ أَجْزَأَ. اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقِيَامٌ لَهَا إلَّا الْمَسْبُوقَ " وَأَمَّا إذَا نَوَاهُمَا فَقَالَ فِي النُّكَتِ: لَوْ نَوَى بِتَكْبِيرَةٍ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 وَالرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَجْزِيهِ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ غُسْلًا وَاحِدًا لِلْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِهِمَا فَفِي أَجْوِبَةِ ابْنِ رُشْدٍ صَلَاتَهُ تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَةَ الَّتِي كَبَّرَهَا تَنْضَمُّ مَعَ النِّيَّةِ الَّتِي قَامَ بِهَا إلَى الصَّلَاةِ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ نَاسِيًا لَهُ تَمَادَى الْمَأْمُومُ فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَلَمْ يَنْوِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ تَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهَا تُجْزِئُ عِنْدَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ. ابْنُ حَبِيبٍ: إلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَلْيَقْطَعْ - وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ - بِسَلَامٍ ثَمَّ يُحْرِمُ وَذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْجُمُعَةِ قَالَهُ مَالِكٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَقِيلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّ الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا سَوَاءٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْإِحْرَامِ مُتَعَمِّدًا لَمَا أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ بِإِجْمَاعٍ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا تُجْزِئُ عَنْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ عِنْدَ سَعِيدٍ إذَا تَرَكَهَا سَاهِيًا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ ذَكَرَ الْفَذُّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فَلْيَقْطَعْ وَيَبْتَدِئْ مَتَى مَا ذَكَرَ قَبْلَ رَكْعَةٍ، أَوْ بَعْدَهَا نَوَى بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ الرُّكُوعَ أَمْ لَا. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِيهَا. وَقَالَ: وَكَذَا الْإِمَامُ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ يَقْطَعُ إذَا شَكَّ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّكِّ وَالْيَقِينِ وَلَا يَسْتَخْلِفُ بِخِلَافِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 إذَا شَكَّ فِي وُضُوئِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ. ابْنُ يُونُسَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَوْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ لَأَعَادَ وَأَعَادُوا، وَلَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ، أَعَادَ وَلَمْ يُعِيدُوا. وَانْظُرْ قَوْلَ مَالِكٍ: " يَقْطَعُ " هَلْ يَكُونُ هَذَا الْقَطْعُ بِسَلَامٍ؟ . الْمَنْصُوصُ لِمَالِكٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ تَذَكَّرَ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ أَنَّهُ يَقْطَعُ السَّلَامَ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ كَبَّرَ رُكُوعَهُ وَهُوَ تَكْبِيرٌ يُجْزِئُ الْمَأْمُومَ عَلَى قَوْلٍ عَنْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا نَسِيَ الْإِمَامُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَكَبَّرَ مَنْ خَلْفَهُ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَقْطَعُ مَتَى مَا ذَكَرَ وَيَقُولُ لِلنَّاسِ: إنِّي نَسِيتُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ يُحْرِمُ وَيُحْرِمُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 بَعْدَ أَنْ يَقْطَعُوا بِسَلَامٍ، أَوْ كَلَامٍ انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا تَجْزِيهِمْ وَأَعَادَ هُوَ وَمَنْ خَلْفَهُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَخْرِيجُ اللَّخْمِيِّ صِحَّةَ صَلَاةِ مَنْ خَلْفَهُ عَلَى صِحَّتِهَا خَلْفَ نَاسِي جَنَابَتِهِ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ جُزْءٌ، وَالطَّهَارَةَ لِلشَّرْطِ، وَالرُّكْنَ أَقْوَى (وَفِي تَكْبِيرِ السُّجُودِ: تَرَدُّدٌ) اللَّخْمِيِّ: مَا ذُكِرَ فِيمَنْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَتَرَكَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ يُقَالُ فِيمَنْ كَبَّرَ وَهُوَ يُرِيدُ السُّجُودَ إلَى هَذَا ذَهَبَ مُحَمَّدٌ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ لَمْ يُكَبِّرْ الْمَأْمُومُ لِلْإِحْرَامِ وَلَا لِلرُّكُوعِ وَكَبَّرَ لِلسُّجُودِ قَطَعَ مَا لَمْ يَرْكَعْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَإِنْ رَكَعَ تَمَادَى وَأَعَادَ بَعْدَ قَضَاءِ رَكْعَةٍ قَالَهُ مُحَمَّدٌ انْتَهَى. وَنَحْوُ هَذَا لِابْنِ يُونُسَ، رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ اسْتَأْنَفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ ذَكَرَ مَأْمُومٌ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ أَنَّهُ نَسِيَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ قَطَعَ بِغَيْرِ سَلَامٍ وَأَحْرَمَ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يُكَبِّرْ لِلْإِحْرَامِ وَلَا لِلرُّكُوعِ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ وَرَفَعَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَلْيَبْتَدِئْ التَّكْبِيرَ، وَيَكُونُ الْآنَ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ وَيَقْضِي رَكْعَةً بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَقْطَعُ بِغَيْرِ سَلَامٍ انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا كَبَّرَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ إمَامِهِ لِظَنِّهِ أَنَّ إمَامَهُ كَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ إمَامُهُ بَعْدَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ، وَيَكُونُ قَطْعُهُ بِغَيْرِ سَلَامٍ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ تَكْبِيرَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ كَلَا شَيْءَ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يُكَبِّرْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ انْتَهَى. وَانْظُرْ إنْ لَمْ يُكَبِّرْ بَعْدَ إمَامِهِ حَتَّى رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ فَقَالَ مَالِكٌ: يَتَمَادَى وَيُعِيدُ. ابْنُ يُونُسَ: وَفِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ طَمِعَ هَذَا إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ أَنْ يُكَبِّرَ وَيَطْمَئِنَّ رَاكِعًا قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ فَعَلَ وَأَجْزَأَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ إذَا قَطَعَ بِسَلَامٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: بِغَيْرِ سَلَامٍ. اللَّخْمِيِّ: أَرَى أَنْ لَا يُسَلِّمَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ أَنَّ تَكْبِيرَهُ لَا يَجْزِيهِ عَنْ الْإِحْرَامِ فَهُوَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ أَنَّهُ يَجْزِيهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ رَفَعَ قَبْلَ إمَامِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَعُودَ قَبْلَ رَفْعِهِ فَإِنَّهُ يَعُودُ. وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَقَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَمَادَى وَيُعِيدَ وَاخْتَارَهُ مُحَمَّدٌ وَابْنُ شَاسٍ. [فَصَلِّ فِي اسْتِخْلَاف الْإِمَام] الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الِاسْتِخْلَافِ. فَصْلٌ (نُدِبَ) الْجَلَّابُ: يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ يَعْنِي إذَا طَرَأَ عُذْرٌ وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " إلَّا الْجُمُعَةَ " (لِإِمَامٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الِاسْتِخْلَافُ تَقْدِيمُ إمَامٍ بَدَلَ آخَرَ لِإِتْمَامِ صَلَاةٍ (خَشِيَ تَلَفَ مَالٍ، أَوْ نَفْسٍ) سَحْنُونَ: يَجُوزُ اسْتِخْلَافُ الْإِمَامِ لِخَوْفِهِ عَلَى دَابَّتِهِ، أَوْ مَتَاعٍ، أَوْ هَلَاكِ نَفْسٍ اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ ذَهَابِ دَابَّةٍ " (أَوْ مُنِعَ الْإِمَامَةَ لِعَجْزٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلِعَاجِزٍ عَنْ رُكْنٍ " فَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ: " لِعَجْزٍ إذَا عَجَزَ عَنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ " قَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا يَسْتَخْلِفُ لِحَصْرِ قِرَاءَةِ بَعْضِ السُّورَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَفْهُومُهُ بِخِلَافِ حَصْرِهِ عَنْ كُلِّهَا، وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ تَرْكُ سُنَّةٍ غَلَبَةً بِخِلَافِ مَا إذَا حُصِرَ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَخَافَ دَوَامَ حَصْرِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ قَالَ سَحْنُونَ (أَوْ الصَّلَاةَ بِرُعَافٍ، أَوْ سَبْقِ حَدَثٍ، أَوْ ذِكْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ إذَا رَعَفَ الْإِمَامُ، أَوْ أَحْدَثَ، أَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ، أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ اسْتَخْلَفَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِخْلَافَ لِرُؤْيَةِ نَجَاسَةٍ بِثَوْبِهِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ وَيَقْطَعُ إذَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبٌ غَيْرُهُ تَمَادَى وَأَعَادَ فِي الْوَقْتِ إنْ وَجَدَ غَيْرَهُ، أَوْ مَا يَغْسِلُهُ بِهِ. وَانْظُرْ أَيْضًا إذَا تَفَرَّقَتْ السُّفُنُ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَخْلِفُونَ. وَقَدْ نَصَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ الْإِمَامَ يَسْتَخْلِفُ إنْ قَهْقَهَ غَلَبَةً أَوْ نِسْيَانًا. وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْإِمَامِ الْمُسَافِرِ يَنْوِي الْإِقَامَةَ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا سَقَطَ سَاتِرُ عَوْرَتِهِ، أَوْ عَجُزِهِ رَدَّهُ بِقُرْبٍ. (اسْتِخْلَافٌ وَإِنْ بِرُكُوعٍ، أَوْ سُجُودٍ وَلَمْ تَبْطُلْ إنْ رَفَعُوا بِرَفْعِهِ قَبْلَهُ) مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْمُسْتَخْلَفُ رَاكِعًا، أَوْ جَالِسًا أَوْ سَاجِدًا، أَوْ قَائِمًا يَدِبُّ كَذَلِكَ. اللَّخْمِيِّ: يَدِبُّ إنْ قَرُبَ، وَإِنْ بَعُدَ صَلَّى بِهِمْ فِي مَوْضِعِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ اسْتَخْلَفَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَلْيَرْفَعْ بِهِمْ الْمُسْتَخْلَفُ وَتُجْزِئُهُمْ الرَّكْعَةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَرْفَعُ الْإِمَامُ رَأْسَهُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ فَلْيَسْتَخْلِفْ مَنْ يَرْفَعُ بِهِمْ. ابْنُ يُونُسَ: وَقِيلَ: يَسْتَخْلِفُ مَنْ يَرْفَعُ بِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ هُوَ لِئَلَّا يَغْتَرُّوا بِرَفْعِهِ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ. لَوْ رَفَعُوا بِرَفْعِهِ لَصَحَّتْ صَلَاتُهُمْ وَهُمْ كَمَنْ رَفَعَ قَبْلَ إمَامِهِ لِرَفْعِ مَأْمُومٍ مَعَهُ ظَنَّهُ إمَامَهُ. (وَلَهُمْ إنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَلَوْ أَشَارَ لَهُمْ بِالِانْتِظَارِ) أَبُو عُمَرَ: جُمْلَةُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إنْ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ، أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَخَرَجَ وَلَمْ يُقَدِّمْ أَحَدًا قَدَّمُوا مُتِمًّا بِهِمْ فَإِنْ أَتَمُّوا أَفْذَاذًا أَجْزَأَتْهُمْ صَلَاتُهُمْ فَإِنْ انْتَظَرُوهُ فَسَدَتْ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: إنْ انْصَرَفَ وَلَمْ يُقَدِّمْ وَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اُمْكُثُوا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَقُومُوا حَتَّى يَرْجِعَ فَيُتِمَّ بِهِمْ. (وَاسْتِخْلَافُ الْأَقْرَبِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّوَايَةُ يَسْتَخْلِفُ مِنْ الصَّفِّ الْمُوَالِيهِ، اللَّخْمِيِّ: اسْتِحْبَابًا. (وَتَرْكُ كَلَامٍ فِي كَحَدَثٍ) الْبَاجِيُّ: مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ الْإِمَامُ إذَا طَرَأَ لَهُ مَا يَمْنَعُهُ التَّمَادِي وَيَسْتَخْلِفَ إشَارَةً إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ لَا يَفْقَهُوا فَلْيَتَكَلَّمْ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَيَصِحُّ الِاسْتِخْلَافُ؛ لِأَنَّهُ بِالطَّارِئِ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ إمَامًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ تَكَلَّمَ فِي اسْتِخْلَافِهِ، وَقَالَ: يَا فُلَانُ تَقَدَّمْ لَمْ يَضُرَّهُمْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ لَا يَبْنِي إنْ كَانَ رَاعِفًا. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الصَّوَابُ إنَّ صَلَاتَهُمْ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَعَفَ فَالْقَطْعُ لَهُ جَائِزٌ فِي قَوْلٍ وَمُسْتَحَبٌّ فِي قَوْلٍ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِفِعْلِهِ مَا يَجُوزُ لَهُ، أَوْ مَا يُسْتَحَبُّ لَهُ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ (وَتَأَخَّرَ مُؤْتَمًّا فِي الْعَجْزِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: وَيَرْجِعُ هُوَ إلَى الصَّفِّ فَيُصَلِّي بِصَلَاةِ الْإِمَامِ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبِعَاجِزٍ عَنْ رُكْنٍ " (وَمَسْكُ أَنْفِهِ فِي خُرُوجِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَتَأَخَّرُ فِي الْعَجْزِ وَيَخْرُجُ فِي غَيْرِهِ. الْبَاجِيُّ: وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ (وَتَقَدُّمُهُ إنْ قَرُبَ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ بِرُكُوعٍ " (وَإِنْ بِجُلُوسِهِ) ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْمُسْتَخْلَفُ فِي الرَّكْعَةِ يَدِبُّ رَاكِعًا، وَفِي الْجُلُوسِ يَدِبُّ جَالِسًا. (وَإِنْ تَقَدَّمَ غَيْرُهُ صَحَّتْ كَأَنْ اسْتَخْلَفَ مَجْنُونًا وَلَمْ يَقْتَدُوا بِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ إنْسَانًا فَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ فَأَمَّ وَاقْتَدَى بِهِ مُسْتَخْلَفُ الْإِمَامِ لَصَحَّتْ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَنْصُوصِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ لَا تَحْصُلُ لَهُ رُتْبَةُ الْإِمَامِ بِنَفْسِ الِاسْتِخْلَافِ حَتَّى يَقْبَلَهُ وَيَفْعَلَ بَعْضَ الْفِعْلِ، وَلَمْ يُجِبْ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي ثُبُوتِ إمَامَةِ الْمُسْتَخْلَفِ الصَّالِحِ لِلْإِمَامَةِ بِقَبُولِهِ، أَوْ الْتِزَامِ الْمَأْمُومِينَ ذَلِكَ طَرِيقَانِ: الْأَوَّلُ لِابْنِ مُحْرِزٍ مَعَ بَعْضِ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ، وَالثَّانِي لِعِيَاضٍ مَعَ حُذَّاقِ شُيُوخِهِ. وَقَوْلُهَا لَوْ خَرَجَ الْمُسْتَخْلَفُ قَبْلَ عَمَلِهِ شَيْئًا وَقَدَّمَ غَيْرَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 أَجْزَأَتْهُمْ، انْتَهَى. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ بِنَفْسِ الِاسْتِخْلَافِ يَصِيرُ الْمُسْتَخْلَفُ إمَامًا لِلْقَوْمِ لَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِمْ عَمَلًا لَأَبْطَلَ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ لَوْ اسْتَخْلَفَ مَجْنُونًا هَذَا لَا يُبْطِلُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَعْمَلَ بِهِمْ عَمَلًا فَيَتَّبِعُوهُ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: يُعِيدُ مَنْ ائْتَمَّ بِمَعْتُوهٍ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الْمَعْتُوهَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ نِيَّةٌ فَوَجَبَ أَنْ يُعِيدَ مَأْمُومُهُ أَبَدًا (أَوْ أَتَمُّوا وُحْدَانًا، أَوْ بَعْضُهُمْ أَوْ بِإِمَامَيْنِ إلَّا الْجُمُعَةَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ خَرَجَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ بِهِمْ أَتَمَّ بِهِمْ أَحَدُهُمْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ صَلَّوْا وُحْدَانًا فَلَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ، وَصَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَلَا تُجْزِئُهُمْ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِينَ قَضَوْا بَعْدَ حَدَثِ الْإِمَامِ أَفْذَاذًا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا دَخَلُوا عَلَى إمَامَةِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَلَمَّا غُلِبُوا عَلَيْهِ بَقُوا أَفْذَاذًا بِغَيْرِ إمَامٍ فَصَلَّوْا عَلَى مَا بَقُوا عَلَيْهِ وَلَمْ تَلْزَمْهُمْ إمَامَةُ آخَرَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا الْتَزَمُوهَا. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَوْ قَدَّمَ بَعْضُهُمْ رَجُلًا وَبَاقِيهِمْ آخَرَ كَانَتْ صَلَاةُ جَمِيعِهِمْ مُجْزِئَةً وَبِئْسَ فِعْلُ الثَّانِيَةِ. اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا فِعْلٌ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ أَنْ يُصَلُّوا أَفْذَاذًا كُلُّ وَاحِدٍ لِنَفْسِهِ صَحَّ أَنْ يُصَلُّوا بِإِمَامِهِ، أَوْ بَعْضُهُمْ بِإِمَامٍ وَبَعْضُهُمْ لِنَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَوْ اسْتَخْلَفَ قَوْمٌ مِنْهُمْ وَأَتَمَّ الْبَاقُونَ، أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وُحْدَانًا لَصَحَّتْ صَلَاتُهُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ. (وَقَرَأَ مِنْ انْتِهَاءِ الْأَوَّلِ، وَابْتَدَأَ بِسِرِّيَّةٍ إنْ لَمْ يَعْلَمْ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُتِمُّ الْمُسْتَخْلَفُ قِرَاءَةَ الْأَوَّلِ إنْ سَمِعَهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَوْ كَانَتْ صَلَاةُ إسْرَارٍ بَدَأَ الْمُسْتَخْلَفُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ خَوْفًا أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 يَكُونَ نَسِيَهَا الْأَوَّلُ، أَوْ لَمْ يُتِمَّهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ. (وَصِحَّتُهُ بِإِدْرَاكِ مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَإِلَّا فَإِنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ، أَوْ بَنَى بِالْأُولَى أَوْ الثَّالِثَةِ صَحَّتْ، وَإِلَّا فَلَا كَعَوْدِ الْإِمَامِ لِإِتْمَامِهَا، وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ الْعُذْرِ فَكَأَجْنَبِيٍّ) هَذَا الْمَوْضِعُ فِيهِ نَقْصٌ وَتَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ يَصْدُرُ مِثْلُ هَذَا مِنْ مُخَرِّجِهِ مِنْ مُبَيَّضَةِ الْمُؤَلِّفِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ شَرْطُ الْمُسْتَخْلَفِ إحْرَامُهُ قَبْلَ السَّبَبِ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَيُتَحَرَّزُ بِهَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ مَسْبُوقًا فَيُحْرِمَ بَعْدَ أَنْ يَطْرَأَ عَلَى الْإِمَامِ مَا يَمْنَعُهُ التَّمَادِي فَهَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْسَحِبْ عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِمَامِ وَيَنْخَرِطُ فِي سِلْكِهِ، أَوْ يَسْبِقُهُ الْإِمَامُ بِالرُّكُوعِ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَهُ فَيَطْرَأُ عَلَى الْإِمَامِ مَا يَمْنَعُهُ التَّمَادِي فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا السُّجُودَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ لَا يَعْتَدُّ بِهِ، وَالْمُقْتَدُونَ يَعْتَدُّونَ بِهِ فَيَصِيرُ كَالْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُمْ انْتَهَى. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اسْتَخْلَفَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 عَلَى السُّجُودِ وَقَدْ فَاتَهُ الرُّكُوعُ فَلْيَمْتَنِعْ وَلْيُقَدِّمْ غَيْرَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ جَاءَ بَعْدَ الْعُذْرِ فَكَأَجْنَبِيٍّ. وَأَمَّا صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلَّى بِنَفْسِهِ، أَوْ بَنَى بِالْأُولَى، أَوْ الثَّالِثَةِ صَحَّتْ. وَقِيلَ: إنْ بَنَى فِي الثَّالِثَةِ بَطَلَتْ انْتَهَى. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ مَا نَصُّهُ: وَالْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالِ الثَّامِنَ عَشَرَ أَنْ يُقَالَ: إذَا اسْتَخْلَفَ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ فَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ اسْتِخْلَافِهِ أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ الْإِمَامُ لِيَحْصُلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ قَبْلَ الْحَدَثِ، فَإِذَا أَحْرَمَ الْإِمَامُ فَلَا يَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ بَيْنَ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ مَنْ اسْتَخْلَفَهُ وَيَصِيرُ الْمَأْمُومُ مَعَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ إمَامِهِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ إنْ اتَّبَعُوهُ، وَأَمَّا صَلَاتُهُ فِي نَفْسِهِ فَإِنَّمَا تَفْسُدُ إنْ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى رَكْعَةٍ، أَوْ ثَلَاثٍ لِجُلُوسِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْجُلُوسِ انْتَهَى. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: لَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ بَطَلَتْ عَلَى تَابِعِهِ وَصَحَّتْ لَهُ إنْ لَمْ يَقْبَلْ، وَإِلَّا فَقَالَ سَحْنُونَ: إنْ اسْتَخْلَفَ عَلَى وِتْرٍ بَطَلَتْ وَعَلَى شَفْعٍ صَحَّتْ. ابْنُ عَبْدُوسٍ: وَهَذَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي عَمْدِ تَرْكِ السُّورَةِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ فَيُعِيدُ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَجَاءَ فَأَخْرَجَ الْمُسْتَخْلَفَ وَأَتَمَّ بِهِمْ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ فَإِذَا أُتِمَّتْ الصَّلَاةُ أَشَارَ إلَيْهِمْ حَتَّى يَقْضِيَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيُسَلِّمُونَ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: لَا يَجُوزُ هَذَا لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنُ رُشْدٍ: رَاعَى ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَ الْعِرَاقِيِّينَ بِالْبِنَاءِ فِي الْحَدَثِ، وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ بُطْلَانُهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِحَدَثِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَصَارَ مُبْتَدِئًا لَهَا مِنْ وَسَطِهَا وَعَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَحْرَمُوا قَبْلَهُ. انْتَهَى فِقْهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَا شَذَّ مِنْهَا لَفْظٌ وَاحِدٌ مِنْ أَلْفَاظِ خَلِيلٍ فَمُحَقَّقٌ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي أَرَادَ خَلِيلٌ. (وَجَلَسَ لِسَلَامِهِ الْمَسْبُوقُ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ الْمُسْتَخْلَفُ وَالْمُقْتَدِي مَسْبُوقَيْنِ فَقِيلَ: إنَّ الْمُسْتَخْلَفَ إذَا أَكْمَلَ صَلَاةَ الْإِمَامِ أَشَارَ إلَى الْمُقْتَدِينَ أَنْ اجْلِسُوا فَإِذَا أَكْمَلَ صَلَاتَهُ قَامُوا فَقَضَوْا لِأَنْفُسِهِمْ. وَقِيلَ: إنَّهُمْ يَقُومُونَ إذَا أَكْمَلَ صَلَاةَ الْإِمَامِ. وَسَبَبُ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّهُمْ لَا يَقْضُونَ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الصَّلَاةِ صَلَاةِ إمَامِهِمْ وَقَدْ حَصَلَ لِهَذَا الثَّانِي رُتْبَةُ الْإِمَامَةِ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ كَحُكْمِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَكَأَنَّهُ هُوَ، فَإِذَا أَتَمَّ صَلَاتَهُ صَارَ كَالْمُقْتَدِي فَيَقْضُونَ عِنْدَ قَضَائِهِ، أَوْ تُرَاعَى حَالَتُهُ فِي نَفْسِهِ لِحُصُولِ الرُّتْبَةِ فَلَا يَقْضُونَ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ صَلَاتِهِ هَذَا مَثَارُ الْخِلَافِ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ بَشِيرٍ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ الْخِلَافَ وَلَمْ يَعْزُ لِمَالِكٍ مِنْهَا قَوْلًا وَاَلَّذِي فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ: يُتِمُّ بَقِيَّةَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، ثُمَّ يُشِيرُ إلَيْهِمْ أَنْ اُمْكُثُوا، ثُمَّ يَقُومُ وَهُوَ فِي مَكَانِهِ ذَلِكَ لَا يَتَحَوَّلُ فَيَقْضِي تِلْكَ الرَّكْعَةَ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيَقُومُونَ فَيَقْضُونَ تِلْكَ الرَّكْعَةَ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ صَحِيحَةٌ، ثُمَّ قَالَ: لِأَنَّ مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَا يَقْضِي إلَّا بَعْدَ سَلَامِهِ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلًا آخَرَ (كَأَنْ سُبِقَ هُوَ) ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَخْلَفُ مَسْبُوقًا دُونَ الْمُقْتَدِينَ فَإِنَّهُ إذَا أَكْمَلَ صَلَاتَهُ وَقَامَ لِلْقَضَاءِ فَالْمَشْهُورُ فِي هَذَا أَنَّهُمْ لَا يُسَلِّمُونَ إلَّا بَعْدَ قَضَائِهِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى حُكْمِ نَفْسِهِ. (لَا الْمُقِيمُ يَسْتَخْلِفُهُ مُسَافِرٌ لِتَعَذُّرِ مُسَافِرٍ أَوْ جَهْلِهِ فَيُسَلِّمُ الْمُسَافِرُ وَيَقُومُ غَيْرُهُ لِلْقَضَاءِ) الْمَنْقُولُ عَنْ أَشْهَبَ: وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَهُ سَحْنُونَ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَالْمِصْرِيُّونَ أَنَّ الْإِمَامَ الْمُسَافِرَ إذَا أَحْدَثَ وَخَلْفَهُ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ فَقَدَّمَ رَجُلًا مِنْ الْمُقِيمِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 كَانَ الْإِمَامُ قَدْ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا فَإِنَّ هَذَا الْمُقِيمَ يُصَلِّي بِهِمْ تَمَامَ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ، فَإِذَا تَشَهَّدَ قَامَ فَصَلَّى لِنَفْسِهِ تَمَامَ صَلَاةِ الْمُقِيمِ فَإِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ الْمُسَافِرُونَ، وَأَتَمَّ الْمُقِيمُونَ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: يُسَلِّمُ الْمُسَافِرُونَ وَيُتِمُّ الْمُقِيمُونَ إذَا أَتَمَّ رَكْعَتَيْ الْأَوَّلِ انْتَهَى. فَاسْتَظْهِرْ أَنْتَ عَلَى هَذَا النَّقْلِ. (وَإِنْ جَهِلَ مَا صَلَّى أَشَارَ فَأَشَارُوا، وَإِلَّا سُبِّحَ بِهِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اسْتَخْلَفَ وَقَدْ فَاتَهُ بَعْضُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَجَهِلَ مَا مَضَى مِنْهَا يُشَارُ إلَيْهِ حَتَّى يَفْهَمَ مَا ذَهَبَ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ بِالْإِشَارَةِ وَمَضَى حَتَّى سُبِّحَ بِهِ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بُدًّا إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ فَلَا بَأْسَ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْمَعْلُومِ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَةُ مِنْ أَنَّ إصْلَاحَ الصَّلَاةِ جَائِزٌ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ خِلَافًا لِابْنِ كِنَانَةَ وَسَحْنُونٍ. (وَإِنْ قَالَ لِمَسْبُوقٍ: أَسْقَطْت رُكُوعًا عَمِلَ عَلَيْهِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ خِلَافَهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ إنْ لَمْ تَتَمَحَّضْ زِيَادَةٌ بَعْدَ صَلَاةِ إمَامِهِ) سَحْنُونَ: إذَا أَحْرَمَ رَجُلٌ خَلْفَ الْإِمَامِ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الثَّالِثَةِ مِنْ الظُّهْرِ فَقَدَّمَهُ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ بَقِيَّةَ صَلَاةِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ، وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ فَقَالَ لَهُ: بَقِيَتْ عَلَيَّ سَجْدَةٌ لَا أَدْرِي أَمِنْ الْأُولَى أَمْ مِنْ الثَّانِيَةِ فَلْيَقُمْ الْمُسْتَخْلَفُ بِالْقَوْمِ إنْ كَانُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 عَلَى شَكٍّ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ، ثُمَّ يَجْلِسُونَ وَيَأْتِي هُوَ بِرَكْعَةٍ قَضَاءً بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَيَسْجُدُونَ مَعَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَدْ قِيلَ: يَسْجُدُ بِهِمْ قَبْلَ رَكْعَةِ الْقَضَاءِ. ابْنُ رُشْدٍ: سُجُودُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ مُوسَى. وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ: يَسْجُدُ إثْرَ تَمَامِ صَلَاةِ الْأَوَّلِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلِكُلِّ قَوْلٍ وَجْهٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنَّمَا كَانَ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّ رَكْعَةً مِنْ الْأُولَيَيْنِ قَدْ بَطَلَتْ لِلسَّجْدَةِ الَّتِي أَسْقَطَ الْإِمَامُ وَصَارَ الْمُسْتَخْلَفُ إنَّمَا اُسْتُخْلِفَ عَلَى ثَانِيَةِ الْإِمَامِ وَقَدْ قَرَأَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ وَقَامَ فِيهَا فَدَخَلَهُ النَّقْصُ عَيْنًا وَقَدْ صَارَتْ الرَّابِعَةُ ثَالِثَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَابِعَةِ الْإِمَامِ، وَهِيَ رَكْعَةُ الْبِنَاءِ فَلِذَلِكَ قَرَأَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا، ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَةِ الْقَضَاءِ لِنَفْسِهِ. سَحْنُونَ: وَلَوْ كَانَ الْقَوْمُ مُوقِنِينَ بِالسَّلَامَةِ قَعَدُوا وَلَمْ يَتَّبِعُوهُ وَقَضَى الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ. قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ الْأَوَّلُ حَتَّى قَضَى الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فَاتَتَاهُ فَقَالَ بَقِيَتْ عَلَيَّ سَجْدَةٌ، فَصَلَاةُ الْمُسْتَخْلَفِ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ وَلَكِنْ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ فِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ وَتَرَكَ السُّورَةَ الَّتِي مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي رَكْعَةٍ، وَيَسْجُدُ مَعَهُ الْقَوْمُ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى شَكٍّ أَتَوْا بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِهِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ وَسَلَّمُوا ثُمَّ سَجَدُوا لِلسَّهْوِ خَوْفًا أَنْ لَا يَكُونَ بَقِيَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ فَتَصِيرَ هَذِهِ رَكْعَةً زَائِدَةً. [بَاب فِي صَلَاة السَّفَر] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ التَّاسِعُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مَشْرُوعٌ أَبُو عُمَرَ عَنْ الْمَذْهَبِ: سُنَّةٌ. وَرَوَى أَشْهَبُ: فَرْضٌ. الْمَازِرِيُّ: وَمَالَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْبَغْدَادِيِّينَ. الْأَبْهَرِيُّ: مُسْتَحَبٌّ. الْبَاجِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: مُبَاحٌ (غَيْرِ عَاصٍ بِهِ وَلَاهٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ خَرَجَ يُرِيدُ الصَّيْدَ عَلَى مَسِيرَةِ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ قَصَرَ الصَّلَاةَ إنْ كَانَ ذَلِكَ عَيْشَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ خَرَجَ مُتَلَذِّذًا فَلَمْ أَرَهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ قَصْرُ الصَّلَاةِ. ابْنُ شَعْبَانَ: وَإِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 قَصَرَ الْمُتَلَذِّذُ لِلصَّيْدِ لَمْ يُعِدْ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ مُبَاحٌ وَقَدْ أَجَازَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الصَّيْدَ لِلَّهْوِ. ابْنُ بَشِيرٍ: لَمْ يُجِبْ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ حُكْمِ السُّعَاةِ فِي الْقَصْرِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَدَّوْنَ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ، وَفِي صَرْفِهَا فَرَآهُ سَفَرًا مَنْهِيًّا عَنْهُ. وَلَعَلَّ سُكُوتَهُ عَنْ الْجَوَابِ مُحَاذَرَةٌ مِنْ وُلَاةِ وَقْتِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ خَرَجَ بَاغِيًا، أَوْ قَاطِعًا لِلسَّبِيلِ، أَوْ طَالِبًا لِلْإِثْمِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَلَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِضَرُورَةٍ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ إلَّا قَوْلَهُ: " وَلَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ " وَالصَّوَابُ أَنَّ لَهُ أَكْلَهَا لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا كَانَ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ فَرْضَانِ: أَحَدُهُمَا النُّزُوعُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مَنْ أَلْغَى فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَالْآخَرُ إيحَاءُ النَّفْسِ يَتَنَاوَلُ مَا يَرُدُّ رَمَقَهُ، فَأَمَرْنَاهُ بِالْأَمْرَيْنِ مَعًا. فَإِنْ فَعَلَهُمَا فَهُوَ الْمُرَادُ، وَإِنْ فَعَلَ أَحَدَهُمَا لَمْ نَأْمُرْهُ بِتَرْكِهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ الْآخَرَ. وَهَذَا كَمَنْ أُمِرَ بِتَرْكِ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَانْقَطَعَ عَنْ أَحَدِهِمَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: لَا تَتْرُكْ هَذَا حَتَّى تَتْرُكَ الْآخَرَ بَلْ يُقَالُ لَهُ أَنْتَ مَمْدُوحٌ عَلَى مَا تَرَكْتَ، وَأَنْتَ مَذْمُومٌ عَلَى مَا أَقَمْتَ عَلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لِأَنَّ مَنَاطَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ الضَّرُورَةُ لَا السَّفَرُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: السَّفَرُ الْمُبَاحُ هُوَ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ. وَأَمَّا السَّفَرُ الْحَرَامُ فَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَفَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَصْرِ الصَّلَاةِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فِي الْمَعْصِيَةِ. (أَرْبَعَةَ بُرُدٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: سَبَبُ الْقَصْرِ سَفَرٌ مَعْزُومٌ عَلَى طُولِهِ جَزْمًا فَالطَّوِيلُ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، وَالْبَرِيدُ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ فَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، وَالْفَرْسَخُ عَشْرُ غَلَوَاتٍ ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 مِيلًا، وَالْمِيلُ أَلْفَا ذِرَاعٍ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ: أَبُو عُمَرَ: الْأَصَحُّ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: الْمِيلُ أَلْفَا ذِرَاعٍ وَهِيَ أَلْفُ بَاعٍ. قِيلَ: بِبَاعِ الْفَرَسِ، وَقِيلَ: بِبَاعِ الْجَمَلِ، الْمُحْكَمُ وَالصِّحَاحُ: الْمِيلُ أَمَدُ الْبَصَرِ، الْقَرَافِيُّ: الذِّرَاعُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أُصْبُعًا وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شَعِيرَاتٍ، بَطْنُ إحْدَاهُمَا لِظَهْرِ الْأُخْرَى، وَكُلُّ شَعِيرَةٍ سِتُّ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الْبِرْذَوْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الذِّرَاعَ مَا بَيْنَ طَرَفَيْ الْمَرْفِقِ إلَى طَرَفِ الْأُصْبُعِ الْوُسْطَى. الصِّحَاحُ: الْغَلْوَةُ الْغَايَةُ مِقْدَارُ رَمْيَةٍ، وَالْبَاعُ قَدْرُ مَدِّ الْيَدَيْنِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ حَتَّى تَكُونَ مَسَافَةُ سَفَرِهِ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ فَأَكْثَرَ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصَرَ الصَّلَاةَ إلَى ذَاتِ النُّصُبِ وَهِيَ مِنْ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ» . وَفِي الْمُوَطَّأِ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْصُرُ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ، وَمِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ. قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُقْصَرُ فِي أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ الْيَوْمِ التَّامِّ. وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ فَقِيلَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا، وَقِيلَ: خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ فَإِنْ قَصَرَ فِيمَا دُونَ الثَّمَانِيَةِ وَالْأَرْبَعِينَ مِيلًا فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْبَعِينَ، وَإِنْ قَصَرَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ إلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فَفِي إعَادَتِهِ فِي الْوَقْتِ قَوْلَانِ، فَإِنْ قَصَرَ فِيمَا دُونَ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ. (وَلَوْ بِبَحْرٍ) ابْنُ رُشْدٍ: أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ حُكْمَ الْبَحْرِ حُكْمُ الْبَرِّ. قَالَ مَالِكٌ: يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ إنْ نَوَى سَفَرَ يَوْمٍ تَامٍّ. ابْنُ رُشْدٍ قَالَ مَالِكٌ: هَذَا لِأَنَّ الْأَمْيَالَ لَا تُعْرَفُ فِي الْبَحْرِ وَهَذَا لَيْسَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 بِخِلَافٍ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ مَعَ السَّوَاحِلِ بِحَيْثُ يُمَيِّزُ مِقْدَارَهُ بِالْأَمْيَالِ فَهُوَ كَالْبَرِّ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ فِيهِ الْأَمْيَالُ فَكَمَا قَالَ مَالِكٌ، اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ قَبْلَ هَذَا. (ذَهَابًا) ابْنُ عَرَفَةَ: لَا يَعْتَبِرُ فِي طُولِهِ رُجُوعَهُ. اللَّخْمِيِّ: الْمُرَاعَى فِي السَّفَرِ السَّيْرُ وَلَا يُضَافُ إلَيْهِ الرُّجُوعُ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ خَرَجَ يَدُورُ فِي الْقُرَى وَفِي دَوَرَانِهِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ قَصَرَ. اللَّخْمِيِّ: يُرِيدُ لَا يُحْتَسَبُ فِي ذَلِكَ مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 كَانَ فِي مَعْنَى الرُّجُوعِ، انْتَهَى. ابْنُ عَرَفَةَ: جَعَلَ سَنَدٌ هَذَا خِلَافًا وَقَالَ: الدَّائِرُ كَالْمُسْتَقِيمِ (قُصِدَتْ دُفْعَةً) تَقَدَّمَ أَنَّ سَبَبَ الْقَصْرِ سَفَرٌ مَعْزُومٌ عَلَى طُولِهِ جَزْمًا. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ آبِقٍ أَوْ حَاجَةٍ فَقِيلَ لَهُ هَا هِيَ بَيْنَ يَدَيْك عَلَى بَرِيدٍ فَمَشَى كَذَلِكَ أَيَّامًا لَا يَدْرِي غَايَةَ سَفَرِهِ فَلْيُتِمَّ فِي سَيْرِهِ وَيَقْصُرْ فِي رُجُوعِهِ إذَا كَانَ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ فَأَكْثَرَ. ابْنُ يُونُسَ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ لَمَّا بَلَغَ هَذَا الَّذِي خَرَجَ فِي طَلَبِ آبِقٍ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ فَقِيلَ: إنَّ حَاجَتَك فِي مَوْضِعِ كَذَا عَلَى بَرِيدَيْنِ بَيْنَ يَدَيْك، أَوْ عَنْ يَمِينِك، أَوْ عَنْ شِمَالِك فَقَالَ: أَنَا أَبْلُغُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، ثُمَّ أَتَمَادَى مِنْهُ إلَى دَارِي عَلَى كُلِّ حَالٍ وَجَدْته وَلَمْ أَجِدْهُ. فَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي أُخْبِرَ أَنَّ الْعَبْدَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُضَافُ مَسِيرٌ إلَى رُجُوعٍ. وَظَهَرَ لِي وَلِغَيْرِي مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَقْصُرُ مِنْ رَأْسِ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَى الرُّجُوعَ، وَقَالَ أَنَا آخُذُ فِي رُجُوعِي مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي ذُكِرَ لِي أَنَّ الْعَبْدَ فِيهِ فَهُوَ كَالرَّاجِعِ. وَكَمَا لَوْ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، أَوْ غَرَّ بِي الطَّرِيقُ، أَوْ لِحَاجَةٍ غَيْرِ الْآبِقِ فَهُوَ كَمُبْتَدِئٍ سَفَرًا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. وَكَاَلَّذِي يُرِيدُ سَفَرًا إلَى جِهَةِ قِبْلَةِ بَلَدِهِ فَذُكِرَ لَهُ حَاجَةٌ عَلَى بَرِيدَيْنِ فِي دُبُرِ بَلَدِهِ فَقَالَ: أَخْرُجُ لِهَذِهِ فِي دُبُرِ بَلَدِي ثُمَّ أَرْجِعُ عَلَى طَرِيقِي وَلَا أَدْخُلُ مَدِينَتِي، ثُمَّ أَتَمَادَى إلَى تَمَامِ سَفَرِي أَنَّهُ يَقْصُرُ مِنْ حِينِ يَبْرُزُ عَنْ قَرْيَتِهِ، فَكَذَلِكَ الَّذِي بَلَغَ رَأْسَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَقَالَ: أَبْلُغُ مَوْضِعَ كَذَا ثُمَّ أَتَمَادَى مِنْهُ إلَى دَارِي لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذِهِ مُصَادَرَةٌ وَيَرُدُّهُ رِوَايَةُ الشَّيْخِ مَنْ سَارَ بَرِيدَيْنِ فَرَجَعَ إلَى طَرِيقٍ أَقْصَرَ وَمَمَرُّهُ عَلَى مَنْزِلِهِ وَلَمْ يُرِدْ النُّزُولَ بِهِ أَثِمَ فِي رُجُوعِهِ حَتَّى يُجَاوِرَهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: " وَمَمَرُّهُ عَلَى مَنْزِلِهِ " فَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ ابْنِ يُونُسَ: " أَرْجِعُ عَلَى طَرِيقِي وَلَا أَدْخُلُ مَدِينَتِي " وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ ظَهَرَ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ مَيْلٌ لِقَوْلِ سَنَدٍ: " الدَّائِرُ كَالْمُسْتَقِيمِ " فَلِمَ لَا يُعَدُّ هَذَا دَائِرًا؟ وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا عَادِلٌ عَنْ قَصِيرٍ ". (إنْ عَدَّى الْبَلَدِيُّ الْبَسَاتِينَ الْمَسْكُونَةَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَرَادَ سَفَرًا فَلْيُتِمَّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَبْرُزَ عَنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ حَتَّى لَا يُحَاذِيَهُ، أَوْ يُوَاجِهَهُ مِنْهَا شَيْءٌ وَكَذَلِكَ فِي الْبَحْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 ثُمَّ يَقْصُرَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ بَرَزَ مَكِّيٌّ لِذِي طُوًى مُسَافِرًا أَتَمَّ حَتَّى يَسِيرَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَكَّةَ. ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ سَافَرَ مَنْ بِمِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ لَا بِنَاءَ حَوْلَهُ وَلَا بَسَاتِينَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَقْصُرُ بِمُفَارَقَةِ السُّورِ. وَإِنْ كَانَ حَوْلَ الْمِصْرِ بِنَاءَاتٌ مَعْمُورَةٌ وَبَسَاتِينُ فَإِنْ اتَّصَلَتْ بِهِ وَكَانَتْ فِي حُكْمِهِ فَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَهَا. وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ بِهِ وَكَانَتْ قَائِمَةً بِنَفْسِهَا قَصَرَ، وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الْمُرْتَحَلُ عَنْهُ قَرْيَةً لَا تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ وَلَا بِنَاءَاتٍ مُتَّصِلَةً بِهَا وَلَا بَسَاتِينَ قَصَرَ إذَا جَاوَزَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ بِلَا خِلَافٍ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: مَنْ خَرَجَ مُسَافِرًا مِنْ قُرْطُبَةَ فَوَصَلَ إلَى البرتال، أَوْ إلَى مِينَةَ، أَوْ إلَى عَيْنِ شُهْدَة قَصَرَ وَلَا يُرَاعِي أَنْ يَكُونَ الْبَسَاتِينُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ (وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى مُجَاوَزَةِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ بِقَرْيَةِ الْجُمُعَةِ) أَبُو عُمَرَ: قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ - وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ - أَنَّهُ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ الْبُيُوتَ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي مُوَطَّئِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْقَرْيَةُ مِمَّا تُجَمَّعُ فِيهَا الْجُمُعَةُ فَلَا يَقْصُرُ الْخَارِجُ عَنْهَا حَتَّى يُجَاوِزَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ انْتَهَى. عَلَى نَصِّهِ وَسِيَاقِهِ. وَاَلَّذِي لِابْنِ عَرَفَةَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُتِمُّ الْمُسَافِرُ حَتَّى يَبْرُزَ عَنْ قَرْيَتِهِ فَيَقْصُرَ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَنْقَطِعُ عَنْ بُيُوتِهَا انْقِطَاعًا بَيِّنًا وَرَوَى الْأَخَوَانِ بِمُجَاوَزَةِ ذَاتِ الْجُمُعَةِ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ انْتَهَى. فَانْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: " وَتُؤُوِّلَتْ ". (وَالْعَمُودِيُّ حِلَّتَهُ) . ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ السَّفَرُ مِنْ بُيُوتِ الْعَمُودِ فَإِذَا فَارَقَ الْحُلَلَ الَّتِي سَافَرَ مِنْهَا قَصَرَ بِلَا خِلَافٍ. الصِّحَاحُ: يُقَالُ هُوَ فِي حُلَّةِ صِدْقٍ أَيْ مَحَلِّ صِدْقٍ، وَالْمَحَلَّةُ مَنْزِلُ الْقَوْمِ (وَانْفَصَلَ غَيْرُهُمَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الْمُرْتَحَلُ عَنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 قَرْيَةً لَا تُقَامُ بِهَا الْجُمُعَةُ وَلَا بِنَاءَاتٌ مُتَّصِلَةً بِهَا قَصَرَ إذَا جَاوَزَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ. (قَصْرُ رُبَاعِيَّةٍ) هَذَا مَقَامُ سَنٍّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ هُنَاكَ (وَقْتِيَّةٍ، أَوْ فَائِتَةٍ فِيهِ) . ابْنُ شَاسٍ: مَحَلُّ الْقَصْرِ كُلُّ صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ مُؤَدَّاةٍ فِي السَّفَرِ، أَوْ مُقْتَضِيَةٍ لِفَوَاتِهَا فِيهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَسِيَ صَلَاةَ سَفَرٍ فَذَكَرَهَا بَعْدَ ذَهَابِ وَقْتِهَا فِي حَضَرٍ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ. وَانْظُرْ لَوْ ذَكَرَ سَفَرِيَّةً وَهُوَ فِي الْحَضَرِ صَلَّاهَا حَضَرِيَّةً عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمَعَ الشَّكِّ فِي الْقَصْرِ ". وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ قَدْ ذَهَبَ وَقْتُهَا فِي سَفَرٍ صَلَّى أَرْبَعًا كَمَا كَانَتْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ. (وَإِنْ نُوتِيًّا بِأَهْلِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَقَصْرُ النَّوَاتِيَّةِ، وَإِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 كَانَ مَعَهُمْ الْأَهْلُ وَالْوَلَدُ (إلَى مَحَلِّ الْبَدْءِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْقَاضِي وَرِوَايَةُ الْأَخَوَيْنِ مَبْدَأُ الْقَصْرِ مُنْتَهَاهُ وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ. (لَا أَقَلَّ إلَّا كَمَكِّيٍّ فِي خُرُوجِهِ لِعَرَفَةَ وَرُجُوعِهِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَقْصُرُ كُلُّ حَاجٍّ حَتَّى الْمَكِّيِّ إلَّا الْمَنْوِيَّ وَالْعُرْفِيَّ بِمَحَلِّهِمَا. الْبَاجِيُّ: إنَّ عَمَلَ الْحَاجِّ لَا يَتِمُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 إلَّا فِي أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَعَ لُزُومِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَحَلٍّ لِآخَرَ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ وَالرُّجُوعَ لَهَا لَازِمٌ (فَلَفِّقْ) وَلِذَا لَا يَقْصُرُ عَرَفِيٌّ بَعْدَ وُقُوفِهِ وَتَوَجُّهِهِ لِمِنًى وَمَكَّةَ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ لِعَرَفَةَ لِوَطَنِهِ فَلَا يَصِحُّ. ابْنُ رُشْدٍ: قَصْرُ الْمَكِّيِّ لِلسُّنَّةِ وَلَا يَتَعَدَّى بِالسُّنَّةِ مَحَلَّهَا إذَا لَمْ تُوَافِقْ الْأُصُولَ. (وَلَا رَاجِعٌ لِدُونِهَا وَلَوْ لِشَيْءٍ نَسِيَهُ) فِيهَا لِمَالِكٍ: مَنْ خَرَجَ مُسَافِرًا سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَسَارَ مَا لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فِي حَاجَةٍ فَلْيُتِمَّ فِي رُجُوعِهِ حَتَّى يَبْرُزَ ثَانِيَةً. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ هَذَا لِأَنَّهُ سَفَرٌ غَيْرُ الْخُرُوجِ فَلَا يُضَافُ إلَيْهِ. وَلَوْ جَازَ هَذَا لَقَصَرَ مَنْ خَرَجَ إلَى مَسَافَةِ بَرِيدَيْنِ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ سَاعَتِهِ وَهَذَا أَبْيَنُ يَعْنِي مِنْ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَقْصُرُ (وَلَا عَادِلٌ عَنْ قَصِيرٍ بِلَا عُذْرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ كَانَ عَدَلَ، عَنْ غَيْرِ طَوِيلٍ لِأَمْنٍ، أَوْ يُسْرٍ، أَوْ حَاجَةٍ. الْمَازِرِيُّ: لَا بُدَّ مِنْهَا قَصَرَ وَإِلَّا فَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ لَمْ يَقْصِدْ إلَّا التَّرَخُّصَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 تَخَرَّجَ قَصْرُهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي مَسْحِ لَابِسِ الْخُفِّ لِلتَّرَخُّصِ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُرَدُّ بِأَنَّ الْمَقْصِدَ أَقْوَى مِنْ الْوَسِيلَةِ وَتَخْرِيجِهِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: عَلَى قَصْدِ صَيْدِ اللَّهْوِ وَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ يَرُدُّهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْعِصْيَانَ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ السَّبَبِيَّةِ كَالصِّحَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ، وَسَبَبُ الْقَصْرِ سَفَرٌ مَطْلُوبٌ وَالسَّفَرُ لِلْقَصْرِ خِلَافُهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةَ الْكَافِرِ يُسَافِرُ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ فَيُسْلِمُ، وَهُوَ فَذٌّ قَدْ قَطَعَ نِصْفَ الْمَسَافَةِ، نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا عَنْ السُّلَيْمَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَكَذَلِكَ الْبُلُوغُ قَالَ: وَفِي طُهْرِ الْحَائِضِ نَظَرٌ. وَانْظُرْ مِنْ نَحْوِ هَذَا نَازِلَةً اخْتَلَفَ فِيهَا شُيُوخُ وَقْتِنَا وَهِيَ قَوْمٌ سَفْرٌ مُقْصِرُونَ رَأَوْا هِلَالَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَهُمْ عَلَى بَرِيدَيْنِ فِي رُجُوعِهِمْ إلَى بَلَدِهِمْ. فَظَهَرَ لِي أَنَّ لَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ يَجُوزُ الْقَصْرُ يَجُوزُ الْفِطْرُ وَبِالْوَجْهِ الَّذِي يَقْصُرُونَ عَتَمَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَجِبْ إلَّا وَقَدْ بَقِيَ لِبَلَدِهِمْ أَقَلُّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِذَلِكَ الْوَجْهِ يُصْبِحُونَ مُفْطِرِينَ. (وَلَا هَائِمٌ) ابْنُ شَاسٍ: الْهَائِمُ لَا يَقْصُرُ. (وَطَالِبُ رَعْيٍ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ قَبْلَهُ) . ابْنُ عَرَفَةَ: سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُتِمُّ الْحَاجُّ لِنُفُوذِ بَيْعِ مَا مَعَهُ. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ وَكَذَلِكَ الرُّعَاةُ يَتْبَعُونَ الْكَلَأَ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يَقْصُرُ طَالِبُ الْآبِقِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ دُونَهُ فَكَذَلِكَ الْهَائِمُ. (وَلَا مُنْفَصِلٌ يَنْتَظِرُ رُفْقَةً إلَّا أَنْ يَجْزِمَ بِالسَّيْرِ دُونَهَا) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِيمَنْ بَرَزَ عَازِمًا فَأَقَامَ قَبْلَ مَسَافَتِهِ يَنْتَظِرُ لَاحِقًا طُرُقٌ. اللَّخْمِيِّ: انْتِظَارُهُ مَنْ لَا يُسَافِرُ دُونَهُ إنْ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ، وَإِلَّا قَصَرَ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِنْ جَزَمَ بِوَقْفِ سَفَرِهِ عَلَى لَاحِقِهِ أَتَمَّ وَبِعَكْسِهِ قَصَرَ انْتَهَى. اُنْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةً تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى وَهِيَ الْمُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ يَرْكَبُ السَّفِينَةَ فِي مَرْسَى بَلَدِهِ وَيَبْقَى بِهَا يَنْتَظِرُ الرِّيحَ، اُنْظُرْهُ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ بِرِيحٍ " (وَقَطَعَهُ دُخُولُ بَلَدِهِ) عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَقْطَعُهُ مُرُورُهُ بِوَطَنِهِ، أَوْ مَا فِي حُكْمِ وَطَنِهِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ إذَا مَرَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 الْمُسَافِرُ بِقَرْيَةٍ فِيهَا أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ فَأَقَامَ عِنْدَهُمْ وَلَوْ صَلَاةً وَاحِدَةً أَتَمَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا غَيْرُ عَبِيدِهِ وَبَقَرِهِ وَجَوَارِيهِ وَلَا أَهْلَ لَهُ بِهَا وَلَا وَلَدَ قَصَرَ الصَّلَاةَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنْ كَانَ لَهُ بِهَا أُمُّ وَلَدٍ، أَوْ سُرِّيَّةٌ يَسْكُنُ إلَيْهَا. وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَسْكَنَهُ وَلَكِنَّهُ نَكَحَ بِهَا فَلَا يُتِمُّ حَتَّى يَبْنِيَ بِأَهْلِهِ، وَيَلْزَمُهُ السُّكْنَى. (وَإِنْ بِرِيحٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ رَدَّتْهُ رِيحٌ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ فَلْيُتِمَّ مَا حَبَسَهُ الرِّيحُ حَتَّى يَظْعَنَ ثَانِيَةً. قَالَ سَحْنُونَ: وَهَذَا إنْ كَانَ لَهُ وَطَنٌ إلَّا قَصَرَ فِيهِ أَبَدًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ إلَّا إنْ كَانَ نَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ فَكَانَ يُتِمُّ فِيهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَرَدَّتْهُ الرِّيحُ إلَيْهِ فَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ اخْتِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ أَوْطَنَ مَكَّةَ ثُمَّ رَفَضَ سُكْنَاهَا وَرَجَعَ يَنْوِي السَّفَرَ (إلَّا مُتَوَطِّنَ كَمَكَّةَ رَفَضَ سُكْنَاهَا وَرَجَعَ نَاوِيًا لِسَفَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَوْطَنَهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَخْرُجَ لِيَعْتَمِرَ مِنْ الْجُحْفَةِ وَيَعُودَ إلَى مَكَّةَ وَيُقِيمَ بِهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ، ثُمَّ يَخْرُجَ مِنْهَا فَلْيُتِمَّ الصَّلَاةَ فِي يَوْمَيْهِ لِأَنَّ مَكَّةَ كَانَتْ لَهُ مَوْطِنًا. ثُمَّ قَالَ: يَقْصُرُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ قَوْلِهِمْ يُتِمُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْطَنَهَا وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ بِهَا صَارَ لَهَا حُكْمُ الْوَطَنِ فَكَأَنَّهُ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِهِ: " يَقْصُرُ " لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَطَنِهِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا أَتَمَّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا نَوَى مِنْ الْإِقَامَةِ، وَأَمَّا وَطَنُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إذَا رَجَعَ إلَيْهِ إلَى نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَكَانَ مَا لَا يَتِمُّ فِيهِ إلَّا بِنِيَّةٍ أَضْعَفَ مِمَّا يَتِمُّ فِيهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ انْتَهَى. رَاجِعْ ابْنَ يُونُسَ فَإِنَّ فِيهِ زِيَادَةً (وَقَطَعَهُ دُخُولُ وَطَنِهِ) هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 تَكْرَارٌ. (أَوْ مَكَانِ زَوْجَةٍ دَخَلَ بِهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ مَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ (فَقَطْ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ غَيْرُ عَبِيدِهِ وَبَقَرِهِ قَصَرَ (وَإِنْ بِرِيحٍ غَالِبَةٍ) هَذَا تَكْرَارٌ. (وَنِيَّةُ دُخُولِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ الْمَسَافَةُ) ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا خَرَجَ، وَفِي طَرِيقِهِ قَرْيَةٌ لَهُ بِهَا أَهْلٌ وَنَوَى دُخُولَهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْهُ عَلَى أَبْرُدٍ أَرْبَعَةٍ قَصَرَ، وَإِلَّا أَتَمَّ ثُمَّ يَنْظُرُ: فَإِنْ كَانَ فِي بَقِيَّةِ سَفَرِهِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ قَصَرَ، وَإِلَّا أَتَمَّ، فَإِذَا رَجَعَ وَلَمْ يَنْوِ دُخُولَهَا قَصَرَ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ. قَالَ: فَإِنْ بَدَا لَهُ فَتَرَكَ دُخُولَهَا فَلْيَنْظُرْ بَقِيَّةَ سَفَرِهِ مِنْ حِينَئِذٍ، فَإِنْ كَانَ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ قَصَرَ إذَا ظَعَنَ مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ لَا قَبْلَ الظَّعْنِ مِنْهُ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ؛ لِأَنَّ السَّاعَةَ يَصِيرُ مُسَافِرًا وَكَأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ وَطَنِهِ انْتَهَى. اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ فَإِنَّ فِيهِ زِيَادَةً، وَانْظُرْ أَيْضًا هُنَا إذَا نَوَى أَنْ يَسِيرَ يَوْمًا وَيُقِيمَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَقَالَ سَحْنُونَ: إنَّهُ يَقْصُرُ فِي مَسِيرِهِ وَيُتِمُّ فِي مُقَامِهِ. وَكَذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ خَرَجَ أَنْ يَسِيرَ ثَلَاثِينَ مِيلًا أَوْ عِشْرِينَ، ثُمَّ يُقِيمَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أَنَّهُ يَقْصُرُ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ مَسِيرِهِ وَيُتِمُّ فِي مُقَامِهِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ خِلَافَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 وَأَنَّهُ يُرَاعِي مَسَافَتَهُ إلَى مَوْضِعٍ نَوَى فِيهِ الْإِقَامَةَ وَجَعَلَهُ كَوَطَنِهِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ كُلِّ مَوْضِعَيْنِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ أَتَمَّ وَلَمْ يَقْصُرْ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَوْلُ سَحْنُونٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى فِي أَوَّلِ سَفَرِهِ أَنْ يَسِيرَ كَذَلِكَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَنَّهُ يَجْزِيهِ التَّبْيِيتُ لِأَوَّلِ لَيْلَةٍ وَلَا يَضُرُّهُ تَخَلُّلُ الْفِطْرِ وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصَّوْمِ الْمُتَّصِلِ، فَكَذَلِكَ هَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ السَّفَرِ الْمُتَّصِلِ وَلَا يَضُرُّهُ تَخْلِيلُ الْإِقَامَةِ وَلَيْسَ نِيَّتُهُ الْإِقَامَةَ كَدُخُولِهِ وَطَنًا لَهُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْمَامَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إقَامَتَهُ فِي غَيْرِ وَطَنِهِ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ إلَّا بِنِيَّةِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ وَطَنِهِ. (وَنِيَّةُ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَجْمَعَ الْمُسَافِرُ فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ عَلَى مُقَامِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَصَامَ حَتَّى يَظْعَنَ مِنْ مَكَانِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يُلْغِي يَوْمَ دُخُولِهِ وَلَا يَحْسِبُهُ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي الْعَدَدِ وَالْإِيمَانِ، وَالْقِيَاسُ، الْبِنَاءُ عَلَى بَعْضِ الْيَوْمِ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُلْغِيَ بَعْضَ الْيَوْمِ وَيَبْدَأَ مِنْ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ أَوَّلِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ وَابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا دَخَلَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ وَنَوَى إقَامَةَ عِشْرِينَ صَلَاةً أَتَمَّ انْتَهَى. وَنَصُّ الرِّسَالَةِ: وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، أَوْ مَا يُصَلِّي فِيهِ عِشْرِينَ صَلَاةً أَتَمَّ (وَلَوْ بِخِلَالِهِ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَقْطَعُهُ بِنِيَّةِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَتْ فِي خِلَالِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. اُنْظُرْ إنْ كَانَ عَنَى أَنَّهُ يُتِمُّ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي فِي نِيَّتِهِ أَنْ يُقِيمَ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لِيَكُونَ قَدْ اخْتَصَرَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ خِلَافًا لِمُرْتَضَى ابْنِ يُونُسَ وَقَوْلِ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ (إلَّا الْعَسْكَرَ بِدَارِ الْحَرْبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَا أَقَامَ الْعَسْكَرُ بِدَارِ الْحَرْبِ قَصَرَ، وَإِنْ طَالَ مُقَامُهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ دَارُ الْحَرْبِ كَغَيْرِهَا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَقْصُرُ إنْ كَانَ عَازِمًا عَلَى إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ إذْ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ مِلْكَ الثِّقَةِ حَتَّى يُجَاوِزَ الضُّرُوبَ وَيَصِيرَ بِمَحَلِّهِ آمِنًا. قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَتَمَّ إذَا نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِصْرٍ وَلَا قَرْيَةٍ. (أَوْ الْعِلْمِ بِهَا عَادَةً) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَقْطَعُ الْقَصْرَ نِيَّةُ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ قَالَ: وَمُرُورُهُ بِوَطَنِهِ كَنِيَّةِ إقَامَتِهِ، وَالْعِلْمُ بِهَا بِالْعَادَةِ مِثْلُهُمَا، وَإِلَّا قَصَرَ أَبَدًا وَلَوْ مُنْتَهَى سَفَرِهِ. وَمِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُتِمُّ الْأَسِيرُ بِدَارِ الْحَرْبِ إلَّا أَنْ يُسَافِرَ فَيَقْصُرَ. سَحْنُونَ: وَيَسْأَلُ الَّذِينَ سَافَرُوا بِهِ وَيَقْبَلُ قَوْلَ جَمَاعَتِهِمْ أَنَّ مَسَافَةَ سَفَرِهِمْ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ. (لَا الْإِقَامَةُ) الْبَاجِيُّ: مَنْ أَقَامَ بِمَنْزِلٍ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ يَنْوِي كُلَّ يَوْمٍ الِانْتِقَالَ ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُ مَانِعٌ وَلَا يَدْرِي مَتَى يَنْتَقِلُ، فَإِنَّ هَذَا يَقْصُرُ أَبَدًا مَا لَمْ يُجْمِعْ مُكْثًا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَمِثْلُ ذَلِكَ مُنْتَظِرُ حَاجَةٍ أَوْ بُرْءٍ، أَوْ مَحْبُوسُ رِيحٍ (وَإِنْ بِآخِرِ سَفَرِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَإِلَّا قَصَرَ أَبَدًا وَلَوْ مُنْتَهَى سَفَرِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: مَنْ قَدِمَ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ لِبَيْعِ تِجَارَةٍ مَعَهُ وَهُوَ عَلَى شَكٍّ فِي مُدَّةِ إقَامَتِهِ بِالْبَلَدِ الَّذِي قَدِمَهُ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ فِيمَا مَعَهُ هَلْ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ، أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ فَإِنَّهُ يُتِمُّ؛ لِأَنَّ غَايَةَ سَفَرِهِ قَدْ بَلَغَهُ وَانْقَضَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 وَالرُّجُوعُ إحْدَاثُ سَفَرٍ ثَانٍ. قَالَ مَالِكٌ: إلَّا أَنْ تَكُونَ حَاجَتُهُ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَفْرُغُ مِنْهَا فِي يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ فَيَقْصُرُ، وَإِنْ شَكَّ أَتَمَّ. (وَإِنْ نَوَاهَا بِصَلَاةٍ شَفَعَ وَلَمْ تَجْزِ حَضَرِيَّةً وَلَا سَفَرِيَّةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا صَلَّى الْمُسَافِرُ رَكْعَةً، ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ شَفَعَهَا وَسَلَّمَ وَكَانَتْ لَهُ نَافِلَةً وَابْتَدَأَ صَلَاةَ مُقِيمٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ إمَامًا قَدَّمَ غَيْرَهُ وَخَرَجَ وَأَنْشَأَ هُوَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ (وَبَعْدَهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ تَمَامِ الصَّلَاةِ لَمْ أَرَ الْإِعَادَةَ عَلَيْهِ وَاجِبَةً وَأَحَبُّ إلَى أَنْ يُعِيدَ. وَفِي التَّفْرِيعِ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا فِي وَقْتٍ وَلَا بَعْدَهُ، وَقَدْ قِيلَ: يُعِيدُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مُقِيمٌ اسْتِحْبَابًا. ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ أَحْرَمَ الْمُسَافِرُ بِالْعَصْرِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَبَعْدَ رَكْعَةٍ نَوَى الْإِقَامَةَ إنْ كَانَ رَكَعَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ صَيَّرَهَا نَافِلَةً وَابْتَدَأَ صَلَاةَ مُقِيمٍ، وَإِنْ ابْتَدَأَهَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَمْ تَضُرَّهُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ (وَإِنْ اقْتَدَى مُقِيمٌ بِهِ فَكُلٌّ عَلَى سُنَّتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ صَلَّى مُقِيمٌ خَلْفَ مُسَافِرٍ فَلْيُتِمَّ الْمُقِيمُ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ الْمُسَافِرِ. (وَكُرِهَ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ فَإِنَّهُ يَجْرِي عَلَى أَنَّ نَقِيضَ الْمُسْتَحَبِّ مَكْرُوهٌ (كَعَكْسِهِ وَتَأَكَّدَ) . الْبَاجِيُّ: إذَا اجْتَمَعَ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَؤُمَّ الْمُسَافِرِينَ أَحَدُهُمْ وَالْمُقِيمِينَ أَحَدُهُمْ، فَإِنْ أَمَّ الْجَمِيعَ أَحَدُهُمْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَقَدَّمَهُمْ مُسَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَغَيَّرُ صَلَاةُ مَنْ وَرَاءَهُ. وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ وَرَاءَ الْمُقِيمِ؛ لِأَنَّ فِي إتْمَامِهِ تَغْيِيرَ صَلَاتِهِ إلَّا لِمَعَانٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنْ ائْتَمَّ بِهِ فَلَا يُعِيدُ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ فَضِيلَةَ السُّنَّةِ فِي الْقَصْرِ آكَدُ مِنْ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ. وَاسْتَخَفَّ مَالِكٌ لِلْقَوْمِ السَّفْرِ أَنْ يُقَدِّمُوا مُقِيمًا يُتِمُّ بِهِمْ إذَا كَانَ ذَا سِنٍّ وَفَضْلٍ لِمَا فِي الصَّلَاةِ خَلْفَهُ مِنْ الرَّغْبَةِ أَوْ صَاحِبَ مَنْزِلٍ لِمَا فِي تَرْكِ ائْتِمَامِهِ بِهِمْ مِنْ بَخْسِهِ حَقَّهُ؛ إذْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ. ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: " إنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْقَصْرِ " لِأَنَّ كِلَيْهِمَا سُنَّةٌ وَتَزِيدُ الْجَمَاعَةُ بِتَفْضِيلِ الْأَجْرِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ انْتَهَى. وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 يُرَشِّحُ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسَافِرِينَ فِي زَمَانِنَا وَيَقُولُ: الْأَفْضَلُ لَهُمْ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَحَرَّوْا الصَّلَاةَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي يَمُرُّونَ بِهَا فِي أَسْفَارِهِمْ مَعَ الْجَمَاعَةِ (وَتَبِعَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا صَلَّى الْمُسَافِرُ خَلْفَ الْمُقِيمِ اتَّبَعَهُ وَأَتَمَّ مَعَهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا أَدْرَكَ - يَعْنِي الْمُسَافِرَ - رَكْعَةً وَاحِدَةً مِنْ صَلَاةِ الْمُقِيمِ فَإِنَّهُ يَقْضِي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ. انْتَهَى نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ. وَانْظُرْ إنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ رَكْعَةً قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُصَلِّيهَا قَصْرًا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ ذَلِكَ صَلَاةَ سَفَرٍ انْتَهَى. اُنْظُرْ عَكْسَ هَذَا مَنْ أَحْرَمَ فِي الْجُمُعَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ إثْرَ دَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ يَظُنُّ أَنَّهَا الْأُولَى فَبَانَ أَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ. رَوَى مُحَمَّدٌ: يَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ أَرْبَعًا وَاسْتُحِبَّ بِأَنْ يُجَدِّدَ إحْرَامَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ، وَلَا إشْكَالَ إنْ أَدْرَكَ الْجُلُوسَ أَنَّهُ يُتِمُّ أَرْبَعًا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ أَحْرَمَ. وَانْظُرْ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ أَيْضًا فَبَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ ذَكَرَ أَنَّهُ أَسْقَطَ مِنْهَا سَجْدَةً فَيَأْتِي بِسَجْدَةٍ بِلَا إشْكَالٍ، وَحِينَئِذٍ يَقُولُ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا تَمَّتْ لَهُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ إلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَالْجُمُعَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِإِمَامٍ فَلْيَبْنِ عَلَى هَذِهِ الرَّكْعَةِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَتَتِمَّ لَهُ ظُهْرًا كَمَنْ جَاءَ يَوْمَ الْخَمِيسِ يَظُنُّهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا يَضُرُّهُ إحْرَامُهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يُتِمُّهَا جُمُعَةً (وَلَمْ يُعِدْ) تَقَدَّمَ نَقْلُ الْبَاجِيِّ: فَإِنْ ائْتَمَّ بِهِ لَمْ يُعِدْ خِلَافَ مَا فِي الْجَلَّابِ. (وَإِنْ أَتَمَّ مُسَافِرٌ نَوَى إتْمَامًا، وَإِنْ سَهْوًا سَجَدَ وَالْأَصَحُّ إعَادَتُهُ) الَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَحْرَمَ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 التَّمَامِ عَمْدًا أَوْ نَاسِيًا أَنَّهُ فِي سَفَرٍ، أَوْ جَهْلًا أَوْ مُتَأَوِّلًا أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَهَا فِي الْوَقْتِ سَفَرِيَّةً، فَإِنْ حَضَرَ فِيهِ أَعَادَهَا أَرْبَعًا. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي نَاسِي سَفَرِهِ عَنْ الِاكْتِفَاءِ بِسُجُودِ السَّهْوِ. قَالَ سَحْنُونَ: وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ لَكَانَ عَلَيْهِ فِي عَمْدِهِ أَنْ يُعِيدَ أَبَدًا. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ صَلَّى فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ رَكْعَتَيْنِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ رَجَعَ فِي الْوَقْتِ إلَى نِيَّتِهِ أَعَادَ أَرْبَعًا مُحَمَّدٌ: الْوَقْتُ فِي ذَلِكَ النَّهَارُ كُلُّهُ. وَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ: الْوَقْتُ فِي ذَلِكَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ. (كَمَأْمُومِهِ) قَالَ سَحْنُونَ مُفَسِّرًا لِقَوْلِ مَالِكٍ: إنْ أَحْرَمَ نَاسِيًا لِسَفَرِهِ، أَوْ لِإِقْصَارِهِ؟ ، أَوْ مُتَأَوِّلًا، وَخَلْفَهُ مُقِيمُونَ وَمُسَافِرُونَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ هُوَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ فِي الْوَقْتِ وَيُعِيدُ مَنْ لَمْ يَتَّبِعْهُ أَبَدًا. أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ سَبَّحُوا بِهِ حِينَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَرَجَعَ إلَيْهِمْ وَسَلَّمَ بِالْمُسَافِرِينَ وَأَتَمَّ الْمُقِيمُونَ أَنَّ عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةَ أَبَدًا؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ عَلَى أَوَّلِ نِيَّتِهِ. (بِوَقْتٍ وَالْأَرْجَحُ الضَّرُورِيُّ) ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ الْإِبْيَانِيِّ وَمَا رَأَيْت لَهُ تَرْجِيحًا (إنْ اتَّبَعَهُ وَإِلَّا بَطَلَتْ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ سَحْنُونٍ يُعِيدُ هُوَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ وَمَنْ لَمْ يَتَّبِعْهُ يُعِيدُ أَبَدًا. (كَأَنْ قَصَرَ عَمْدًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا افْتَتَحَ الْمُسَافِرُ عَلَى الْإِتْمَامِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ لَمْ تَجْزِهِ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ عَلَى أَوَّلِ نِيَّتِهِ. (وَالسَّاهِي كَأَحْكَامِ السَّهْوِ) هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِيمَنْ أَحْرَمَ عَلَى الْإِتْمَامِ وَقَصَرَ سَهْوًا قَالَ: وَهُوَ عَلَى أَحْكَامِ السَّهْوِ. فَإِنْ جَبَرَهَا فَكَمُتِمٍّ وَكَأَنْ أَتَمَّ وَمَأْمُومُهُ بَعْدَ نِيَّةِ قَصْرٍ عَمْدًا. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَحْرَمَ مُسَافِرٌ خَلْفَهُ مُسَافِرُونَ بِنِيَّةِ رَكْعَتَيْنِ فَأَتَمَّ عَامِدًا وَجَلَسَ مَنْ خَلْفَهُ وَلَمْ يَتَّبِعُوهُ فَإِنَّهُمْ يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةَ بِإِفْسَادِهِ إيَّاهَا عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْأَقْوَالِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا أَيْضًا إنْ اتَّبَعُوهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَلْ يُفْهَمُ هَذَا كُلُّهُ مِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ (وَسَهْوًا أَوْ جَهْلًا فَفِي الْوَقْتِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَسَحْنُونٍ سَوَاءٌ أَتَمَّ سَاهِيًا، أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 جَاهِلًا. (وَسَبَّحَ مَأْمُومُهُ وَلَا يَتَّبِعُهُ وَسَلَّمَ الْمُسَافِرُ بِسَلَامِهِ) وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا صَلَّى مُسَافِرٌ بِالْمُسَافِرِينَ فَقَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَسَبَّحُوا فَتَمَادَى وَجَهِلَ فَلَا يَتَّبِعُوهُ وَيَقْعُدُوا وَيَتَشَهَّدُوا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ سَلَّمُوا بِسَلَامِهِ وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَحْدَهُ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ (وَأَتَمَّ غَيْرُهُ بَعْدَهُ أَفْذَاذًا) صَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِهَذَا أَعْنِي إذَا أَحْرَمَ الْإِمَامُ عَلَى قَصْرٍ وَخَلْفَهُ مُقِيمُونَ فَأَتَمَّ سَهْوًا أَنَّهُمْ يَجْلِسُونَ وَيُتِمُّونَ بَعْدَ سَلَامِهِ أَفْذَاذًا (وَأَعَادَ فَقَطْ فِي الْوَقْتِ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَأَتَمَّ غَيْرُهُ ". (وَإِنْ ظَنَّهُمْ سَفَرًا فَظَهَرَ خِلَافُهُ أَعَادَ أَبَدًا إنْ كَانَ مُسَافِرًا) قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ دَخَلَ مَعَ قَوْمٍ يَظُنُّهُمْ سَفَرًا فَإِذَا هُمْ مُقِيمُونَ قَالَ: يُعِيدُ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ سَحْنُونَ: وَذَلِكَ إذَا كَانَ هَذَا الدَّاخِلُ مُسَافِرًا. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ سَحْنُونٍ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقِيمًا لَأَتَمَّ صَلَاتَهُ وَلَمْ يَضُرَّهُ وُجُودُ الْقَوْمِ عَلَى خِلَافِ مَا حَسِبَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ، لِأَنَّ الْإِتْمَامَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ فَلَا تَأْثِيرَ لِمُخَالَفَةِ نِيَّتِهِ لِنِيَّةِ إمَامِهِ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُ مَالِكٍ يُعِيدُ أَحَبُّ إلَيَّ يُرِيدُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ أَتَمَّ صَلَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، أَوْ سَلَّمَ مَعَهُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى. (كَعَكْسِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا إذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ مَعَ الْقَوْمِ وَهُوَ يَظُنُّهُمْ حَضَرِيِّينَ فَأَلْفَاهُمْ مُسَافِرِينَ سَلَّمُوا مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَلِمَالِكٍ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا أَنَّ صَلَاتَهُ تُجْزِئُهُ، وَهَذَا خِلَافُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَخِلَافُ مَذْهَبِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ. (وَفِي تَرْكِ نِيَّةِ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ تَرَدُّدٌ) اللَّخْمِيِّ: يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 يَتَمَادَى إلَى الْأَرْبَعِ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ. الْمَازِرِيُّ: هَذَا عَلَى عَدَمِ لُزُومِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ لَمْ يَنْوِ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ ". وَنُدِبَ تَعْجِيلُ الْأَوْبَةِ فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وِجْهَتِهِ فَلْيُعَجِّلْ إلَى أَهْلِهِ» الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ بَلَغَ مِنْهَا مُرَادَهُ وَمَا يَكْفِيهِ. يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالتَّعْجِيلِ التَّعْجِيلَ غَيْرَ الْيَسِيرِ مِنْ تَرْكِ التَّلَوُّمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ التَّعْجِيلَ فِي السَّيْرِ إلَى أَهْلِهِ لِحَاجَتِهِمْ إلَى قِيَامِهِ بِأَمْرِهِمْ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِمَّا يُبِيحُ التَّعْجِيلَ فِي السَّفَرِ. (وَالدُّخُولُ ضُحًى) ابْنُ شَاسٍ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ صَدْرَ النَّهَارِ، وَلَا يَأْتِيَ أَهْلَهُ طُرُوقًا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. ابْنُ شَاسٍ: النَّظَرُ الثَّانِي فِي الْجَمْعِ، وَأَسْبَابُهُ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ السَّفَرُ (وَرُخِّصَ لَهُ جَمْعُ الظُّهْرَيْنِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ جَوَازُ جَمْعِ الْمُشْتَرَكَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ. رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إنْ ارْتَحَلَ عِنْدَ الزَّوَالِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْعِشَاءَيْنِ الْجَمْعَ عِنْدَ الرَّحِيلِ أَوَّلَ الْوَقْتِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: هُمَا كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. الْبَاجِيُّ: وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ لَيْسَ بِوَقْتٍ مُعْتَادٍ لِلرَّحِيلِ. ابْنُ عَلَاقٍ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْجَمْعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 إنَّمَا رُخِّصَ لِلرَّاكِبِ دُونَ الرَّاجِلِ رِفْقًا بِهِ لِمَشَقَّةِ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ (بِبَرٍّ) نَقَلَ فِي النُّكَتِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ: لَا يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فِي الْبَرِّ انْتَهَى. اُنْظُرْ إذَا كَانَ الرَّاجِلُ لَا يَجْمَعُ فَلِمَ كَانَ يَنُصُّ عَلَى هَذَا فَانْظُرْ فِيهِ (وَإِنْ قَصُرَ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (وَلَوْ لَمْ يَجِدَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ حَتَّى يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ وَيَخَافَ فَوَاتَ أَمْرٍ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنِّي لَأَكْرَهُ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَهُوَ أَخَفُّ عِنْدِي لِلنِّسَاءِ. ابْنُ رُشْدٍ: كَرَاهَةُ مَالِكٍ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَخَفَّفَهُ فِي الْمَرْأَةِ لِمَشَقَّةِ النُّزُولِ عَلَيْهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ مَعَ حَاجَتِهَا إلَى الِاسْتِتَارِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أُجِيزَ لِلرَّجُلِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ. وَفِي الْمُوَطَّأِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» الْحَدِيثَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ جَوَازُ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ إذْ «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ وَهُوَ نَازِلٌ غَيْرُ سَائِرٍ مَاكِثٌ فِي خِبَائِهِ وَفُسْطَاطِهِ يَخْرُجُ فَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إلَى خِبَائِهِ» فَفِيهِ أَقْوَى حُجَّةٍ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ شَرَطَ جِدَّ السَّيْرِ (بِلَا كُرْهٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُكْرَهُ الْجَمْعُ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَفِيهَا تَرْكُ الْجِدِّ لِإِدْرَاكِ أَمْرٍ مُهِمٍّ) تَقَدَّمَ النَّقْلُ بِهَذَا (بِمَنْهَلٍ زَالَتْ بِهِ وَنَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ) تُسَمَّى الْمَنَازِلُ الَّتِي فِي الْمَفَاوِزِ عَلَى طَرِيقِ السَّفَرِ مَنَاهِلَ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ زَالَتْ بِمَنْهَلِهِ وَنَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ جَمَعَ بِهِ. أَبُو عُمَرَ: ذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ: يَجْمَعُ مَتَى أَحَبَّ إمَّا فِي وَقْتِ الْأُولَى أَوْ فِي وَقْتِ الْآخِرَةِ، أَوْ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ. ثُمَّ رَشَّحَ هَذَا إلَى أَنْ قَالَ: وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قِيلَ: هَلْ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِهِ، أَلَا تَرَى النَّاسَ بِعَرَفَةَ؟ فَهَذَا سَالِمٌ قَدْ نَزَعَ بِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا أَصْلٌ صَحِيحٌ لِمَنْ أَلْهَمَهُ اللَّهُ رُشْدَهُ وَلَمْ تَمِلْ بِهِ الْعَصَبِيَّةُ إلَى الْمُعَانَدَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَمْعَ لِلْمُسَافِرِ رُخْصَةٌ وَتَوْسِعَةٌ فَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ مُرَاعَاةِ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأَوَّلِ الْعَصْرِ لَكَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ ضِيقًا وَأَكْثَرَ حَرَجًا مِنْ الْإِتْيَانِ بِكُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا، وَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا لَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَبَيْنَ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ. (وَقَبْلَ الِاصْفِرَارِ أَخَّرَ الْعَصْرَ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ ارْتِحَالُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَنُزُولُهُ قَبْلَ الِاصْفِرَارِ أَدَّى كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا (وَبَعْدَهُ خُيِّرَ فِيهَا) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ ارْتِحَالُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَانَ لَا يَنْزِلُ إلَّا بَعْدَ الِاصْفِرَارِ أَدَّى الصَّلَاتَيْنِ حِينَ ارْتِحَالِهِ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ الثَّانِيَةَ وَهُوَ أَوْلَى. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: " قَالُوا مُخَيَّرٌ " - يُرِيدُ فِي تَأْخِيرِ الثَّانِيَةِ - لَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِ الشَّيْخَيْنِ (وَإِنْ زَالَتْ رَاكِبًا أَخَّرَهُمَا إنْ نَوَى الِاصْفِرَارَ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ رَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ، أَوْ نَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: جَائِزٌ تَأْخِيرُهُ جُمُعَةً قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَجْمَعُهُمَا لِوَقْتَيْهِمَا فَلَوْ جَمَعَ عِنْدَ الزَّوَالِ فَرَوَى عَلِيٌّ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ (أَوْ قَبْلَهُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ رَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَوَى النُّزُولَ قَبْلَ الِاصْفِرَارِ أَخَّرَ الظُّهْرَ وَجَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ نُزُولِهِ (وَإِلَّا فَفِي وَقْتَيْهِمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ رَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ جَمَعَهُمَا لِوَقْتَيْهِمَا (كَمَنْ لَا يَضْبِطُ نُزُولَهُ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقْسِيمِ ذَكَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ فِي الْمُسَافِرِ إذَا كَانَ لَهُ وَقْتٌ يَرْتَحِلُ فِيهِ لَا يَنْزِلُ بَعْدَهُ إلَى وَقْتٍ ثَانٍ يَنْزِلُ نُزُولًا كُلِّيًّا. قَالَ: وَإِنْ تَسَاوَتْ أَوْقَاتُ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِتَأْخِيرِ الْأُولَى إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَتَعْجِيلِ الثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا لِيُدْرِكَ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ لِلصَّلَاتَيْنِ (وَكَالْمَبْطُونِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ الْجَمْعُ لِلْمَرِيضِ أَرْفَقَ بِهِ لِشِدَّةِ مَرَضٍ، أَوْ بَطْنٍ مُتَخَرِّقٍ مِنْ غَيْرِ مَخَافَةٍ عَلَى عَقْلِهِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَسَطِ الظُّهْرِ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ عِنْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجْمَعُ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ فَيُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ قَبْلَ وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ إلَى ذَلِكَ (وَلِلصَّحِيحِ فِعْلُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ فِي حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ حَتَّى يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ وَيَخَافَ فَوَاتَ أَمْرٍ فَيُصَلِّيَ الظُّهْرَ آخِرَ وَقْتِهَا وَالْعَصْرَ أَوَّلَ وَقْتِهَا. وَقَالَ أَشْهَبُ: لِلْمُسَافِرِ الْجَمْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اخْتِيَارًا وَلِلْحَاضِرِ مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ. اللَّخْمِيِّ: قَوْلُ أَشْهَبَ حَسَنٌ؛ إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ تَأْخِيرَ الظُّهْرِ لِآخِرِ وَقْتِهَا اخْتِيَارًا جَائِزٌ. (وَهَلْ الْعِشَاءَانِ كَذَلِكَ؟ تَأْوِيلَانِ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " بِبَرٍّ ". (وَقَدَّمَ خَائِفُ الْإِغْمَاءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا خَافَ الْمَرِيضُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ لَا قَبْلَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ عِنْدَ الْغُرُوبِ (وَالنَّافِضِ) الْبَاجِيُّ: خَوْفُ مَا يَمْنَعُهُ الثَّانِيَةَ إنْ أَخَّرَهَا إلَى وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَبِهِ حُمَّى فِي وَقْتِهَا كَخَوْفِ إغْمَائِهِ. (وَالْمَيْدِ) رَوَى عَلِيٌّ: لِمُرِيدِ طُلُوعِ الْبَحْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَيَخَافُ عَجْزَهُ عَنْ الْقِيَامِ فِي الْعَصْرِ لِعِلْمِهِ مَيْدَهُ جَمْعُهُ بَيْنَهُمَا بِالْبَرِّ قَائِمًا. ابْنُ بَشِيرٍ: مَنْ عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَمِيدُ إنْ رَكِبَ الْبَحْرَ حَتَّى تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ فِي أَوْقَاتِهَا فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ رُكُوبُهُ وَلَا إلَى حَجٍّ، أَوْ جِهَادٍ، فَإِنْ عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ بِإِخْلَالِ فَرْضٍ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالِانْتِقَالِ عَنْهُ إلَى بَدَلٍ كَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي قَائِمًا فَهَذَا إنْ وَجَدَ مَنْدُوحَةً فَلَا يَرْكَبُهُ، وَإِلَّا فَيُخْتَلَفُ فِيهِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الرُّخَصِ. فَمَنْ أَقَاسَ أَجَازَ رُكُوبَهُ كَمَا لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ طَهَارَةِ الْمَاءِ إلَى طَهَارَةِ التُّرَابِ فِي الْقِفَارِ إنْ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ مُجَرَّدُ طَلَبِ الدُّنْيَا، وَمَنْ لَمْ يَقِسْ مَنَعَ رُكُوبَهُ إنْ كَانَ يُؤَدِّيهِ إلَى الْإِخْلَالِ بِفَرْضٍ مِنْ الْفُرُوضِ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ يَسْلَمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 مِنْ الْمَيْدِ أَمْ لَا؟ فَقَالُوا: يُكْرَهُ وَلَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ. . (وَإِنْ سَلِمَ أَوْ قَدَّمَ وَلَمْ يَرْتَحِلْ، أَوْ ارْتَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَزَلَ عِنْدَهُ فَجَمَعَ أَعَادَ الثَّانِيَةَ فِي الْوَقْتِ) أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إذَا جَمَعَ لِخَوْفِ ذَهَابِ عَقْلِهِ فَسَلِمَ فَنَصَّ أَصْبَغُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُعِيدُ. وَفِي الرِّسَالَةِ: جَمْعُهُ تَخْفِيفٌ. قَالَ الْجُزُولِيُّ: بَلْ هُوَ تَثْقِيلٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ سَلِمَ أَعَادَ انْتَهَى. فَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: " بِالْوَقْتِ ". وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَنْ جَمَعَ لِجِدِّ سَيْرٍ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَانِهِ فَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 ابْنُ كِنَانَةَ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يُعَارِضُ هَذَا إعَادَةَ مَنْ جَمَعَ خَوْفَ فَوَاتِ عَقْلِهِ، وَيُوَافِقُ نَصَّ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ: لَا يُعِيدُ مُصَلٍّ جَالِسًا لِعُذْرٍ زَالَ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى فَانْظُرْ أَيْضًا أَنْتَ هَذَا. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ عَلِيٍّ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ زَالَتْ رَاكِبًا ". (وَفِي جَمْعِ الْعِشَاءَيْنِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ جَوَازُ جَمْعِ الْعِشَاءَيْنِ بِمَسْجِدٍ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي جَوَازِهِ رَاجِحًا، أَوْ مَرْجُوحًا طَرِيقَانِ: الْأَوَّلُ لِلَّخْمِيِّ مَعَ الْأَكْثَرِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لِابْنِ رُشْدٍ وَحْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا يَطْمَئِنُّ إلَى الْجَمْعِ وَلَا يَفْعَلُهُ إلَّا جَمَاعَةٌ مُطْمَئِنَّةُ النُّفُوسِ بِالسُّنَّةِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَكِعُّ عَنْهُ إلَّا أَهْلُ الْجَفَاءِ وَالْبَدَاوَةِ (فَقَطْ) اللَّخْمِيِّ: وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إذَا كَانَ الطِّينُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ حِينَئِذٍ يَنْصَرِفُونَ إلَى أَشْغَالِهِمْ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُمْ بِخِلَافِ اللَّيْلِ فَكَانَ مَشْيُهُمْ لِصَلَاتِهِمْ، وَهَذَا أَوْلَى فِيمَنْ أَرَادَ تَقَدُّمَ الْعَصْرِ إلَى الظُّهْرِ. فَأَمَّا إذَا كَانَ الْجَمْعُ أَنْ تُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَالْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ مَطَرٍ (بِكُلِّ مَسْجِدٍ لِمَطَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَجْمَعُ أَهْلُ الْحَضَرِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ فِي الْمَطَرِ. الْجُزُولِيُّ: قِيلَ الْجَمْعُ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ خَاصَّةً فَيُبْنَى عَلَى هَذَا: أَهْلُ الْعَمُودِ الَّذِينَ لَا مَسْجِدَ لَهُمْ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُصَلِّي فِي بَيْتِهَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: يُعِيدُ الَّذِينَ جَمَعُوا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ (أَوْ طِينٍ مَعَ ظُلْمَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 قَالَ مَالِكٌ: يَجْمَعُونَ أَيْضًا إذَا كَانَ طِينٌ وَظُلْمَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَطَرٌ (لَا لِطِينٍ) ظَاهِرُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إجَازَةُ الْجَمْعِ فِي الطِّينِ وَالْوَحْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَطَرٌ وَلَا ظُلْمَةٌ وَذَلِكَ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ (أَوْ ظُلْمَةٍ) الْجُزُولِيُّ: لَا يَجْمَعُ لِلرِّيحِ وَحْدَهُ وَلَا لِلظُّلْمَةِ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ شِدَّةُ الرِّيحِ مَعَ الظُّلْمَةِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرُهُ: يَجُوزُ الْجَمْعُ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ. قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالظُّلْمَةِ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ لَا ظُلْمَةُ السَّحَابِ. يَبْقَى النَّظَرُ فِي الْجَمْعِ لِلثَّلْجِ لِلشَّافِعِيَّةِ فِيهِ قَوْلَانِ. (أُذِّنَ لِلْمَغْرِبِ كَالْعَادَةِ وَأُخِّرَ قَلِيلًا، ثُمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 صُلِّيَا وِلَاءً إلَّا قَدْرَ أَذَانٍ مُنْخَفِضٍ بِمَسْجِدٍ، وَإِقَامَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: سُنَّةُ الْجَمْعِ أَنْ يُنَادِيَ لِلْمَغْرِبِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، ثُمَّ يُؤَخِّرَ شَيْئًا ثُمَّ تُقَامَ الصَّلَاةُ فَيُصَلِّيَ ثُمَّ يُؤَذِّنَ لِلْعِشَاءِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ فِي مُقَدَّمِهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: أَذَانًا لَيْسَ بِالْعَالِي، ثُمَّ يُقِيمُ فَيُصَلِّيهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ. فَسَّرَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِنِصْفِ الْوَقْتِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْغُرُوبِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِلَى هَذَا كَانَ يَذْهَبُ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. ابْنُ بَشِيرٍ: قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَلَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ قَلِيلًا؛ إذْ فِي ذَلِكَ خُرُوجُ الصَّلَاتَيْنِ مَعًا عَنْ وَقْتَيْهِمَا (وَلَا تَنَقُّلَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَمْنَعْهُ وَلَا بَعْدَهُمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ مَنْعُ التَّنَفُّلِ بَيْنَ جَمْعِهِمَا وَسَمِعَهُ أَشْهَبُ، وَرَوَى الْعُتْبِيُّ مَنْعَ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْجَمْعِ بِالْمَسْجِدِ، وَانْظُرْ نَصَّ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ إنَّ الْإِمَامَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُومَ مِنْ مُصَلَّاهُ إذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ حَتَّى يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ ثُمَّ يَعُودَ. (وَجَازَ لِمُنْفَرِدٍ بِالْمَغْرِبِ يَجِدُهُمْ بِالْعِشَاءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي بَيْتِهِ فَوَجَدَهُمْ فِي الْعِشَاءِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَهُمْ خِلَافًا لِلتَّفْرِيعِ. (وَلِمُعْتَكِفٍ بِالْمَسْجِدِ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: يَجْمَعُ جَارُ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ قَرُبَ، أَبُو عِمْرَانَ: وَالْغَرِيبُ يَبِيتُ بِهِ. يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: وَالْمُعْتَكِفُ انْتَهَى. وَانْظُرْ إنْ كَانَ الْمُعْتَكِفُ إمَامَ الْمَسْجِدِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: يَجْمَعُ مَعَهُمْ مَأْمُومًا (كَأَنْ انْقَطَعَ الْمَطَرُ بَعْدَ الشُّرُوعِ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ ارْتَفَعَ الْمَطَرُ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ فَقَالَ الشَّيْخُ: يَجْمَعُونَ لِعَدَمِ أَمْنِهِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إنْ أَمِنَ فَلَا. (لَا إنْ فَرَغُوا فَيُؤَخِّرُ لِلشَّفَقِ إلَّا بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي بَيْتِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 فَوَجَدَهُمْ قَدْ جَمَعُوا لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ. قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مَسْجِدَ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ لِمَا يُرْجَى فِيهِمَا مِنْ الْفَضْلِ فَيُعْذَرَ بِأَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ لِفَضْلِهِمَا كَمَا عُذِرَ لِيُدْرِكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ (وَلَا إنْ حَدَثَ السَّبَبُ بَعْدَ الْأُولَى) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ حَدَثَ مَطَرٌ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَلَا جَمْعَ ابْنُ يَحْيَى: يَجْرِي عَلَى هَذَا: الْمُسَافِرُ يَعْزِمُ عَلَى الرَّحِيلِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الْأُولَى (وَلَا الْمَرْأَةُ وَالضَّعِيفُ بِبَيْتِهِمَا) عَنْ أَبِي عِمْرَانَ فِي الْمَرْأَةِ بِجِوَارِ الْمَسْجِدِ هِيَ أَبَدًا تُصَلِّي مَعَ النَّاسِ بِبَيْتِهَا لَا تَجْمَعُ مَعَهُمْ، وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الْحَقِّ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ الْغَيْرُ: جَمَعَ مَعَهُمْ كَالْمُعْتَكِفِ، وَإِنَّمَا جَمَعَ لِإِدْرَاكِ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ فَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ (وَلَا مُنْفَرِدٌ بِمَسْجِدٍ) اُنْظُرْ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ قَدْ نَصُّوا أَنَّهُ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ لَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُعَادُ مَعَهُ فَيَبْقَى النَّظَرُ هَلْ يَجْمَعُ وَحْدَهُ (كَجَمَاعَةٍ لَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ) الْمَازِرِيُّ: غَيْرُ الْمُنْصَرِفِينَ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَقْنُتُوا فِي رَمَضَانَ لَا يَجْمَعُونَ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُوتِرُ جَامِعٌ قَبْلَ الشَّفَقِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ لِإِمَامِ قَوْمٍ لَا يَغُرُّونَ وَاضِحٌ. [بَابٌ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الْعَاشِرُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ (شَرْطُ الْجُمُعَةِ وُقُوعُ كُلِّهَا بِالْخُطْبَةِ وَقْتَ الظُّهْرِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْخُطْبَتَانِ مَعًا فَرْضٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ لَمْ يَخْطُبْ فِي الثَّانِيَةِ مَا لَهُ بَالٌ أَعَادُوا ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 الْخُطْبَةَ بَدَلٌ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَمَّا كَانَتْ الرَّكْعَتَانِ فَرْضًا فَكَذَلِكَ مَا هُوَ بَدَلٌ مِنْهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَعْرُوفُ عَلَى وُجُوبِهِمَا شَرْطِيَّتُهُمَا، وَمَعْنَى الشَّرْطِ مَا لَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ بِدُونِهِ وَقَدْ يُوجَدُ الشَّرْطُ دُونَ الْمَشْرُوطِ كَالصَّلَاةِ لَا تُوجَدُ بِدُونِ الطَّهَارَةِ، وَالطَّهَارَةُ تُوجَدُ بِدُونِ الصَّلَاةِ، فَالطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ وَحَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِي الْخُطْبَةِ الْبَاجِيُّ: وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَعَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا إنَّ إتْيَانَ الْجُمُعَةِ يَجِبُ بِالْأَذَانِ لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْخُطْبَةِ لِأَنَّ الْأَذَانَ هُوَ عِنْدَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ يَأْتِي حِينَئِذٍ مِنْ طَرَفِ الْمِصْرِ لَا يَأْتِي إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخُطْبَةِ، فَدَلَّ أَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الْجَمَاعَةُ، وَوَقْتُ الْخُطْبَةِ وَقْتُ الظُّهْرِ وَخُطْبَتُهَا قَبْلَهُ لَغْوٌ. (لِلْغُرُوبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 أَخَّرَ الْإِمَامُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَلْيُصَلِّ الْجُمُعَةَ بِهِمْ مَا لَمْ تَغِبْ الشَّمْسُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ بَعْضَ الْعَصْرِ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ. (وَهَلْ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ وَصُحِّحَ أَوْ لَا: رُوِيَتْ عَلَيْهِمَا) ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ فِي آخِرِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ فَقِيلَ مَا بَقِيَ لِلْعَصْرِ رَكْعَةٌ إلَى الْغُرُوبِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَسَمِعَهُ عِيسَى، وَقِيلَ: مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ، رَوَاهُ مُطَرِّفٌ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُدَوَّنَةِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ. (بِاسْتِيطَانِ بَلَدٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: مِنْ شُرُوطِ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ مَوْضِعُ اسْتِيطَانٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِصْرًا بَلْ يُجَمِّعُ فِي الْقُرَى إذَا أَمْكَنَ فِيهَا مُدَاوَمَةُ الثَّوَاءِ، وَاسْتَغْنَوْا عَنْ غَيْرِهِمْ وَحَصَلَتْ بِجَمَاعَتِهِمْ إقَامَةُ أُبَّهَةِ الْإِسْلَامِ وَأَسْقَطَهَا سَحْنُونَ عَنْ أَهْلِ الْمُنَسْتِيرِ وَأَنْكَرَ ابْنُهُ إقَامَتَهَا ابْنُ طَالِبٍ: باولج. اللَّخْمِيِّ: أُخْبِرْتُ بِأَنَّ بِهَا عَشَرَةَ مَسَاجِدَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَسُنَّ غُسْلٌ " (أَوْ أَخْصَاصٍ) الْخُصُّ الْبَيْتُ مِنْ الْقَصَبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْخِصَاصُ وَالْمَحَالُّ إذَا كَانَتْ مَسَاكِنُهُمْ كَمَسَاكِنِ الْقُرَى فِي اجْتِمَاعِهَا وَكَانَ لَهُمْ عَدَدٌ لَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا الْجُمُعَةَ كَانَ عَلَيْهِمْ وَالٍ، أَوْ لَمْ يَكُنْ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ: " إنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ عَمُودٍ جَمَّعُوا " وَالْأَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مِنْ الْقَوْلِ وَأَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَى أَهْلِ الْعَمُودِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الظُّهْرَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فَلَا تَنْتَقِلُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ الْمِصْرُ، أَوْ مَا يُشْبِهُهُ مِنْ الْقُرَى الَّتِي فِيهَا الْأَسْوَاقُ وَالْمَسَاجِدُ (لَا خِيَمٍ) الْخَيْمَةُ بَيْتٌ تَبْنِيهِ الْعَرَبُ مِنْ عِيدَانِ الشَّجَرِ، وَالْجَمْعُ خِيَمٌ كَبَدْرَةٍ وَبِدَرٍ، وَالْعَمُودُ عَمُودُ الْبَيْتِ جَمْعُ جَمْعِهِ عَمَدٌ وَقَدْ قُرِئَ بِهِ قَوْله تَعَالَى: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة: 9] يُقَالُ خِبَاءٌ مُعَمَّدٌ. قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْعَمُودِ جُمُعَةٌ أَبُو عُمَرَ: وَلَا عَلَى أَهْلِ القياطين. (وَبِجَامِعٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: الْجَامِعُ مِنْ شُرُوطِ الْأَدَاءِ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَصِحُّ أَنْ تُقَامَ الْجُمُعَةُ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ (مَبْنِيٍّ) الْبَاجِيُّ: مِنْ شُرُوطِ الْمَسْجِدِ الْبُنْيَانُ الْمَخْصُوصُ عَلَى صِفَةِ الْمَسَاجِدِ فَإِنْ انْهَدَمَ سَقْفُهُ صَلَّوْا ظُهْرًا أَرْبَعًا ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا بَعِيدٌ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا انْهَدَمَ بَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَالْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى الْمَوْضِعُ الَّذِي يُتَّخَذُ لِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ مَسْجِدًا قَبْلَ أَنْ يُبْنَى وَهُوَ فَضَاءٌ (مُتَّحِدٍ وَالْجُمُعَةُ لِلْعَتِيقِ) الْجَلَّابُ: لَا تُصَلَّى الْجُمُعَةُ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فِي مَسْجِدَيْنِ فَإِنْ فَعَلُوا فَالصَّلَاةُ صَلَاةُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 جَامِعَانِ فَالْجُمُعَةُ لِمَنْ صَلَّى فِي الْأَقْدَمِ، صَلَّى فِيهِ الْإِمَامُ، أَوْ فِي الْأَحْدَثِ (وَإِنْ تَأَخَّرَ أَدَاءً) اُنْظُرْ جَعْلَ هَذِهِ غَايَةً وَجَعْلَ غَيْرِهِ الْغَايَةَ، وَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ فِي الْأَحْدَثِ (لَا ذِي بِنَاءٍ خَفَّ) الَّذِي قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا الْمَسْجِدُ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى وَهُوَ فَضَاءٌ وَذِكْرُ الْبِنَاءِ النَّاقِصِ هُوَ الَّذِي يُذْكَرُ بَعْدَ هَذَا (وَفِي اشْتِرَاطِ سَقْفِهِ وَقَصْدِ تَأْبِيدِهَا بِهِ إقَامَةَ الْخَمْسِ بِهِ تَرَدُّدٌ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 أَمَّا التَّرَدُّدُ فِي اشْتِرَاطِ السَّقْفِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: " مَبْنِيٍّ " وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مِنْ شُرُوطِ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ الْمَسْجِدُ الْمُسَقَّفُ وَمَا عَلِمْت لِهَذَا وَجْهًا فِي الشَّرِيعَةِ إلَى الْآنَ وَأَمَّا التَّرَدُّدُ فِي قَصْدِ تَأْبِيدِهَا بِهِ فَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَوْ أَصَابَ النَّاسَ مَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْجَامِعِ فِي يَوْمٍ مَا لَمْ يَصِحَّ لَهُمْ جُمُعَةٌ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ ذَلِكَ الْيَوْمَ إلَّا أَنْ يُنْقَلَ إلَيْهِ هَذَا الْحُكْمُ عَلَى التَّأْبِيدِ دُونَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ وَيُعَطَّلُ حُكْمُ الْجُمُعَةِ عَنْ الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا بَعِيدٌ وَقَدْ أُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ بِقُرْطُبَةَ بِمَسْجِدِ أَبِي عُثْمَانَ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ كَانَ إلَّا لِعُذْرٍ مَنَعَ مِنْ إقَامَتِهَا بِالْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَالْعُلَمَاءُ مُتَوَافِرُونَ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ جَامِعَانِ أُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ فِي الْأَقْدَمِ، وَإِنْ أُقِيمَتْ فِي الْأَحْدَثِ وَحْدَهُ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ أُقِيمَتْ فِيهِمَا مَعًا أَجْزَأَتْ مَنْ صَلَّاهَا فِي الْأَقْدَمِ وَأَعَادَ الْآخَرُونَ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَمَّا التَّرَدُّدُ فِي إقَامَةِ الْخَمْسِ بِهِ فَاسْتَظْهِرْ أَنْتَ عَلَيْهِ، يَبْقَى النَّظَرُ إذَا بَعُدَ مَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ كَانَ مَا بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ بَرِيدٍ أُقِيمَتْ جُمُعَةٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الصَّحِيحُ قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ يُتَّخَذُ مَسْجِدٌ جَامِعٌ بِالْقَرْيَةِ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَا يَلْزَمُ أَهْلَهُ النُّزُولُ إلَى الْجُمُعَةِ لِبُعْدِهِمْ - وَكَمُلَتْ فِيهِمْ شُرُوطُ الْجُمُعَةِ - لَزِمَتْهُمْ إقَامَتُهَا (وَصَحَّتْ بِرَحْبَتِهِ وَطُرُقٍ مُتَّصِلَةٍ بِهِ إنْ ضَاقَ أَوْ اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ لَا انْتَفَيَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: تُصَلَّى الْجُمُعَةُ فِي أَفْنِيَةِ الْمَسْجِدِ وَرِحَابِهِ وَأَفْنِيَةِ مَا يَلِيهِ مِنْ الْحَوَانِيتِ وَالدُّورِ الَّتِي تُدْخَلُ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ بِتِلْكَ الْأَفْنِيَةِ وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ طَرِيقٌ فَصَلَاةُ مَنْ صَلَّى فِيهَا تَامَّةٌ إذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ وَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ ضِيقِهِ ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ فِي مَصَاطِبِ الْحَوَانِيتِ الَّتِي لَا تَأْخُذُهَا الْغَلْقُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا ضِيقِ مَسْجِدٍ أَنَّهُ قَدْ أَسَاءَ وَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي أَوْسٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَمَّا كَانَتْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ جَائِزَةً لِمَنْ ضَاقَ عَنْهُ الْمَسْجِدُ وَجَبَ أَنْ تَجُوزَ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَضِقْ الْمَسْجِدُ عَنْهُ أَصْلُ ذَلِكَ مَنْ صَلَّى فِي الصَّفِّ الثَّانِي وَهُوَ يَجِدُ سَعَةً فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ انْتَهَى وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ خَارِجُ الْمَسْجِدِ بِلَا حَجَرٍ مِثْلُهُ إنْ ضَاقَ وَاتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ فَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ فَفِيهَا تَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَضِقْ فَرَوَى ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ تَصِحُّ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ ظَاهِرُهَا، وَظَاهِرُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 مَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفُتْيَا، وَانْظُرْ أَنْتَ هَذَا مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ وَقَدْ بَحَثَ ابْنُ عَرَفَةَ مَعَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَانْظُرْهُ (كَبَيْتِ الْقَنَادِيلِ وَسَطْحِهِ) الْجَلَّابُ: لَا تُصَلَّى الْجُمُعَةُ فَوْقَ سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَلَا فِي بَيْتِ الْقَنَادِيلِ (وَدَارٍ وَحَانُوتٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا الْحَوَانِيتُ وَالدُّورُ الَّتِي حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَلَا تُدْخَلُ إلَّا بِإِذْنٍ فَلَا تُجْزِئُ أَنْ تُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَةُ، وَإِنْ أَذِنَ أَهْلُهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا أَنَّ الْحَوَانِيتَ وَالدُّورَ الَّتِي تُدْخَلُ بِغَيْرِ إذْنٍ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا صَحِيحَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ بِهَا الصُّفُوفُ وَكَانَ بَيْنَهُمْ طَرِيقٌ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي الطَّرِيقِ لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، وَفِيهَا أَرْوَاثُ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالُهَا أَجْزَأَهُ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا. (وَبِجَمَاعَةٍ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ بِلَا حَدٍّ أَوْ لَا فَتَجُوزُ بِاثْنَيْ عَشَرَ بَاقِينَ لِسَلَامِهَا) الْمَازِرِيُّ: لَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ حَدًّا فِي أَقَلَّ مَنْ تُقَامُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ مِمَّنْ يُمْكِنُهُمْ الثَّوَاءُ وَنَصْبُ الْأَسْوَاقِ عِيَاضٌ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ عَنْ مَالِكٍ هُوَ شَرْطُ وُجُوبِهَا لَا فِي إجْزَائِهَا، وَاَلَّذِي يَقْتَضِي كَلَامُ أَصْحَابِنَا إجَازَتُهَا مَعَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا التَّلْقِينُ: لَا حَدَّ لِلْجَمَاعَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدَدًا تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ ابْنُ يُونُسَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 خِلَافُ هَذَا. وَفِي الْوَاضِحَةِ: إذَا اجْتَمَعَ ثَلَاثُونَ رَجُلًا وَمَا قَارَبَهُمْ فَهُمْ جَمَاعَةٌ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ وَوُجُوبُهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ هَذَا الْعَدَدِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «مَا بَقِيَ حِينَ انْفَضُّوا مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا» . وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ حَدِيثَ جَابِرٍ قَالَ: قَدْ رَتَّبَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى هَذِهِ النَّازِلَةِ فَرْعًا غَرِيبًا فَقَالُوا: يَجِبُ إتْمَامُ الْجُمُعَةِ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا وَلَكِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْهُمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ تَمَامُهَا بِهِ كَانَ انْعِقَادُهَا عَلَيْهِ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ كُلُّ مَا اخْتَرْته مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ. وَقَدْ تَرَكَ ابْنُ عَرَفَةَ كَثِيرًا مِنْ هَذَا وَنَقَلَ مَا لَمْ أَخْتَرْ نَقْلَهُ، وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مُوَافِقٌ وَقَدْ حَصَلَ مِنْ هَذَا صِحَّةُ مَا صَدَرَتْ مِنِّي بِهَا فُتْيَا، وَهِيَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ أَنْ تَكُونَ الْقَرْيَةُ بِهَا ثَلَاثُونَ رَجُلًا فَإِنْ حَضَرُوا فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَإِلَّا صَلَّوْا ظُهْرًا، فَإِنْ صَلَّوْا جُمُعَةً أَجْزَأَتْهُمْ إنْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَأَكْثَرَ فَأَجَزْت الصَّلَاةَ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ أُجِزْهَا ابْتِدَاءً لِمَا فِي دِيوَانِ ابْنِ يُونُسَ الَّذِي هُوَ - كَمَا كَانَ يَقُولُ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُصْحَفُ الْمَذْهَبِ. وَيَبْقَى النَّظَرُ إنْ انْفَضَّ مَنْ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ لَهُ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ إلَّا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ مَا يَكُونُ الْحُكْمُ؟ . وَالْمَنْصُوصُ عَنْ سَحْنُونٍ إنْ تَفَرَّقَتْ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 عَبِيدٌ وَمُسَافِرُونَ جَعَلَهَا نَافِلَةً وَسَلَّمَ وَانْتَظَرَ الْجَمَاعَةَ. (وَبِإِمَامٍ) ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ الشَّرَائِطِ الَّتِي لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ إلَّا بِهَا وَلَا تَصِحُّ دُونَهَا الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ الْمَخُوفَ عَلَى الْمَشْهُورِ. قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ مَنَعَهُمْ وَقَدَرُوا فَعَلُوا (مُقِيمٍ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَؤُمُّ الْمُسَافِرُ فِي الْجُمُعَةِ ابْتِدَاءً وَلَا مُسْتَخْلَفًا وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ: يَؤُمُّ فِي الْحَالَتَيْنِ وَانْظُرْ إنْ كَانَ إنَّمَا لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ بِالتَّبَعِ لِكَوْنِهِ مُسَافِرًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِهَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ ابْنُ عَلَاقٍ: لَيَبِينُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ وَانْظُرْ هَلْ يُفْهِمُهُ هَذَا مِنْ لَفْظِ خَلِيلٍ، لِأَنَّهُ قَالَ: " قَيِّمٌ " وَلَمْ يَقُلْ: " مُسْتَوْطِنٌ " (إلَّا الْخَلِيفَةَ يَمُرُّ بِقَرْيَةِ جُمُعَةٍ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا جُمُعَةَ عَلَى الْإِمَامِ الْمُسَافِرِ إلَّا أَنْ يَمُرَّ بِمَدِينَةٍ فِي عَمَلِهِ أَوْ قَرْيَةٍ يُجَمَّعُ بِهَا الْجُمُعَةُ فَيُجَمِّعُ بِأَهْلِهَا وَمَنْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ، لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا وَافَقَ الْجُمُعَةَ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا خَلْفَ عَامِلِهِ (وَبِغَيْرِهَا تَفْسُدُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ جَهِلَ الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ فَجَمَّعَ بِأَهْلِ قَرْيَةٍ لَا تَجِبُ فِيهَا الْجُمُعَةُ لِصِغَرِهَا لَمْ تَجْزِهِمْ وَلَمْ تَجْزِهِ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا لَمْ تَجْزِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا، لِأَنَّهُ جَهَرَ فِيهَا عَامِدًا (وَبِكَوْنِهِ الْخَاطِبَ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا ضَعُفَ الْإِمَامُ عَنْ الْخُطْبَةِ فَلَا يُصَلِّي بِهِمْ هُوَ وَيَخْطُبُ غَيْرُهُ وَلْيُصَلِّ الَّذِي أَمَرَهُ بِالْخُطْبَةِ، وَيُصَلِّي الْأَمِيرُ خَلْفَهُ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ مُضَمَّنَةٌ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُفَرَّقَ عَلَى إمَامَيْنِ الْقَصْدُ (إلَّا لِعُذْرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ الْخُطْبَةِ وَصْلُ الصَّلَاةِ بِهَا، وَيَسِيرُ الْفَصْلِ عَفْوٌ وَمِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا إمَامَةُ خَطِيبِهَا إلَّا لِعَجْزٍ، أَوْ حَدَثٍ، أَوْ رُعَافٍ - وَالْمَاءُ بَعِيدٌ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 فَيَسْتَخْلِفُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ فَلَا يُتِمُّهَا وَلْيَسْتَخْلِفْ مَنْ يُتِمُّهَا بِهِمْ وَيُصَلِّي، وَكَذَلِكَ إنْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ، أَوْ بَعْدَمَا أَحْرَمَ فَلْيَسْتَخْلِفْ، وَأَكْرَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ فَعَلَ فَأَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُمْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ قَدَّمُوا رَجُلًا مِمَّنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ أَحَبُّ إلَيَّ، وَإِنْ قَدَّمُوا مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا أَجْزَأَتْهُمْ صَلَاتُهُمْ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ تَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَلَمْ يُقَدِّمُوهُ هُمْ وَلَا إمَامُهُمْ أَجْزَأَهُمْ (وَوَجَبَ انْتِظَارٌ لِعُذْرٍ قَرُبَ عَلَى الْأَصَحِّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ جَاءَ مِنْ تَأْخِيرِ الْأَئِمَّةِ مَا يُسْتَنْكَرُ جَمَّعَ النَّاسُ لِأَنْفُسِهِمْ إنْ قَدَرُوا، وَإِلَّا صَلَّوْا ظُهْرًا أَرْبَعًا وَتَنَفَّلُوا مَعَهُ بِصَلَاتِهِمْ اللَّخْمِيِّ: الْمُسْتَنْكَرُ خُرُوجُ وَقْتِهَا سَحْنُونَ: وَإِنْ ذَكَرَ فِي الْخُطْبَةِ أَنَّهُ جُنُبٌ نَزَلَ لِلْغُسْلِ وَانْتَظَرُوهُ إنْ قَرُبَ وَبَنَى. قَالَ غَيْرُهُ: فَإِنْ تَمَادَى فِي خُطْبَتِهِ جُنُبًا وَاسْتَخْلَفَ فِي الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُمْ. (وَبِخُطْبَتَيْنِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ: الْخُطْبَتَانِ مَعًا فَرْضٌ وَانْظُرْ إنْ كَانَ الْمَعْنَى بِهَذَا: كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةٌ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّ الْجُلُوسَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ سُنَّةٌ وَأَنَّ أَلْفَاظَهَا غَيْرُ مُتَعَيَّنَةٍ (قَبْلَ الصَّلَاةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا جَهِلَ الْإِمَامُ فَصَلَّى بِهِمْ قَبْلَ الْخُطْبَةِ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَحْدَهَا (مِمَّا تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ خُطْبَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَصَّرَ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ إلَّا بِمِثْلِ " الْحَمْدُ لِلَّهِ " وَنَحْوِهِ أَعَادُوا الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاةَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ سَبَّحَ، أَوْ هَلَّلَ لَمْ يَجْزِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِكَلَامٍ يَكُونُ عِنْدَ الْعَرَبِ خُطْبَةً ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَقَلُّهَا حَمْدٌ وَتَصْلِيَةٌ وَتَحْذِيرٌ وَتَبْشِيرٌ وَقُرْآنٌ وَفِي الْمُوَطَّأِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى» قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ إبَاحَةُ كَلَامِ الْخَطِيبِ بِكُلِّ مَا يُصْلِحُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 (وَتَحْضُرُهُمَا الْجَمَاعَةُ) ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْخُطْبَةِ الْجَمَاعَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَحْثُ الْبَاجِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: " شَرْطُ الْجُمُعَةِ " (وَاسْتَقْبَلَهُ غَيْرُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ) الْبَاجِيُّ: يَجِبُ اسْتِقْبَالُ الْإِمَامِ إذَا قَامَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 يَخْطُبُ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ وَعَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَلَا يَرَاهُ مِنْ دَاخِلِ الْمَسْجِدِ وَخَارِجِهِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَلِلْمُسْتَقْبِلِ أَنْ يَلْتَفِتَ يَمِينًا وَشِمَالًا زَادَ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ: وَلَهُ أَنْ يَلْتَفِتَ، وَإِنْ حَوَّلَ ظَهْرَهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: يَجِبُ اسْتِقْبَالُ الْإِمَامِ حِينَ يَخْطُبُ وَعِبَارَةُ الْمُوَطَّأِ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسُ الْإِمَامَ فِي الْخُطْبَةِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَهَا قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِسْقَاطُ اللَّخْمِيِّ عَمَّنْ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ خِلَافُ هَذَا وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: جَعَلَ بَعْضُ مَنْ لَقِيتُ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ خِلَافَ الْمَذْهَبِ (وَفِي وُجُوبِ قِيَامِهِ لَهُمَا تَرَدُّدٌ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ قِيَامِ الْخُطْبَةِ فَرْضًا، أَوْ سُنَّةً طَرِيقُ الْأَكْثَرِ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ ابْنُ يُونُسَ: السُّنَّةُ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُومَ يَخْطُبُ وَيَجْلِسَ فِي وَسَطِهَا جَلْسَةً خَفِيفَةً ثُمَّ يَقُومَ يَخْطُبُ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ وَيَنْزِلَ قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْخُطَبِ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْعِيدَيْنِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ يَجْلِسُ فِي أَوَّلِهَا وَوَسَطِهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَتَيْنِ، وَالثَّانِيَةُ أَقْصَرُهُمَا. (وَلَزِمَتْ الْمُكَلَّفَ الْحُرَّ الذَّكَرَ بِلَا عُذْرٍ الْمُتَوَطِّنَ) ابْنُ بَشِيرٍ: مِنْ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ الَّتِي لَا تَجِبُ إلَّا بِهَا وَتَصِحُّ دُونَهَا الذُّكُورِيَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِقَامَةُ فَلَا تَجِبُ عَلَى عَبْدٍ وَمُسَافِرٍ وَامْرَأَةٍ، لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا انْتَهَى اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ " وَالْإِقَامَةُ " وَسَيَأْتِي أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِقَامَةِ لَا يُوجِبُ الْجُمُعَةَ حَتَّى يَكُونُوا مُسْتَوْطِنِينَ إلَّا بِالتَّبَعِيَّةِ (وَإِنْ بِقَرْيَةٍ نَائِيَةٍ بِفَرْسَخٍ مِنْ الْمَنَارِ) التَّلْقِينُ: يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 خَارِجَ الْمِصْرِ الْمَجِيءُ إلَيْهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، أَوْ مَا قَارَبَهَا وَفِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ: يُشْتَرَطُ هَذَا الْمِقْدَارُ مِنْ الْمَنَارِ ابْنُ يُونُسَ: وَلَا يُرَاعَى هَذَا فِي الْمِصْرِ الْوَاحِدِ بَلْ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ السَّعْيُ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى خَمْسَةِ أَمْيَالٍ أَوْ أَكْثَرَ (كَأَنْ أَدْرَكَ الْمُسَافِرُ النِّدَاءَ قَبْلَهُ) ابْنُ بَشِيرٍ: لَوْ أَنْشَأَ السَّفَرَ فَحَضَرَ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ فَقَالَ الْبَاجِيُّ: مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ رَفَضَ الْإِقَامَةَ وَجَعَلَ لَهُ حُكْمَ السَّفَرِ نِيَّةً وَفِعْلًا انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا فَهُوَ فَرْعُ جَوَازِ السَّفَرِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَسَيَأْتِي أَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ الْجَوَازَ وَالْكَرَاهَةَ وَبَنَى هُوَ عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَنَاقُضٌ، لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ مِنْ قَبِيلِ الْجَائِزِ (أَوْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ قَدِمَ) قَالَ مَالِكٌ: إذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ وَطَنَهُ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ صَلَّى وَقَدْ انْتَقَضَتْ صَلَاتُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَقَدَّمَهُ فَصَلَّى بِهِمْ لَأَجْزَأَتْهُمْ (أَوْ بَلَغَ، أَوْ زَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 عُذْرُهُ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ زَالَ عُذْرُ الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ ظُهْرًا فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إنْ أَدْرَكَهَا، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ إنْ بَلَغَ صَلَّى الظُّهْرَ ابْنُ عَسْكَرٍ: قُدُومُ الْمُسَافِرِ، وَالْعِتْقُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْإِقَامَةُ لِوَقْتٍ يُدْرِكُهَا يُوجِبُ إتْيَانَهَا (لَا بِالْإِقَامَةِ إلَّا تَبَعًا) ابْنُ رُشْدٍ: الْمُرَابِطُونَ بِمَوْضِعٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَأَكْثَرَ إنْ كَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يُجَمِّعُونَ وَجَبَتْ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُرَابِطِينَ الْجُمُعَةُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَبْلُغْ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الْعَدَدَ الْمُشْتَرَطَ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ إلَّا بِمَنْ مَعَهُمْ مِنْ الْمُرَابِطِينَ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ. (وَنُدِبَ تَحْسِينُ هَيْئَةٍ، وَجَمِيلُ ثِيَابٍ، وَطِيبٌ) عِيَاضٌ: مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ الْجُمُعَةِ اسْتِعْمَالُ خِصَالِ الْفِطْرَةِ مِنْ قَصِّ الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَالِاسْتِحْدَادِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالسِّوَاكُ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُسْتَحَبُّ الزِّينَةُ لِلْجُمُعَةِ وَالتَّطَيُّبُ (وَمَشْيٌ) عِيَاضٌ: مِنْ مُسْتَحَبِّ الْجُمُعَةِ تَرْكُ الرُّكُوبِ فِي السَّعْيِ إلَيْهَا (وَتَهْجِيرٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَرِهَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 مَالِكٌ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ اُنْظُرْ عِبَارَةَ ابْنِ عَرَفَةَ وَعِبَارَةَ الْجَلَّابِ: التَّهْجِيرُ أَفْضَلُ مِنْ التَّبْكِيرِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ وَالتَّهْجِيرُ هُوَ الرَّوَاحُ فِي الْهَاجِرَةِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ. (وَإِقَامَةُ أَهْلِ السُّوقِ مُطْلَقًا بِوَقْتِهَا) ابْنُ حَبِيبٍ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُوَكِّلَ وَقْتَ النِّدَاءِ مَنْ يَنْهَى النَّاسَ عَنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ حِينَئِذٍ وَأَنْ يُقِيمَهُمْ مِنْ الْأَسْوَاقِ مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ لِاسْتِبْدَادِهِمْ فِي الْبَيْعِ دُونَ الْبَيَّاعِينَ فَدَخَلَ عَلَى الْبَيَّاعِينَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ فَمُنِعُوا مِنْهُ لِصَلَاحِ الْعَامَّةِ (وَسَلَامُ خَطِيبٍ لِخُرُوجِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْمَشْرُوعَ لِلْخَطِيبِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى النَّاسِ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَقْصُورَةِ (لَا صُعُودِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُسَلِّمُ الْإِمَامُ عَلَى النَّاسِ إذَا رَقِيَ الْمِنْبَرَ ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ الصَّوَابُ وَسَوَاءٌ كَانَ كَمَا دَخَلَ، أَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ يَرْكَعُ مَعَ النَّاسِ وَلَا يَرْكَعُ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ (وَجُلُوسُهُ أَوَّلًا) اُنْظُرْ هَذَا، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ جُلُوسَ الْخَطِيبِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ لِمَحَلِّهَا لِيُؤَذَّنَ لَهَا سُنَّةٌ وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ وَاجِبٌ (وَبَيْنَهُمَا) اُنْظُرْ هَذَا أَيْضًا قَالَ الْبَاجِيُّ: يُتَّفَقُ عَلَى أَنَّ جُلُوسَ الْخَطِيبِ بَيْنَ خُطْبَتَيْهِ سُنَّةٌ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إنَّهُ فَرْضٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 وَقَدْرُ هَذِهِ الْجَلْسَةِ كَمِقْدَارِ جُلُوسِ السَّجْدَتَيْنِ (وَتَقْصِيرُهُمَا وَالثَّانِيَةُ أَقْصَرُ) تَقَدَّمَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَلَزِمَتْ الْمُكَلَّفَ ". (وَرَفْعُ صَوْتِهِ) مُسْلِمٌ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَطَبَ النَّاسَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ.» عِيَاضٌ: تَكُونُ حَرَكَاتُ الْوَاعِظِ وَالْمُذَكِّرِ وَحَالَاتُهُ فِي وَعْظٍ بِحَسَبِ الْفَصْلِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ وَمُطَابِقٌ لَهُ حَتَّى لَا يَأْتِيَ بِالشَّيْءِ وَضِدِّهِ ابْنُ شَاسٍ: يُؤْمَرُ الْخَطِيبُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ وَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ الْمِنْبَرُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِسْمَاعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ بِالْأَرْضِ جَازَ (وَاسْتِخْلَافُهُ لِعُذْرٍ حَاضِرَهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: أَكْرَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ (وَقِرَاءَةٌ فِيهِمَا) ابْنُ يُونُسَ: يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى بِسُورَةٍ تَامَّةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ قَالَ أَشْهَبُ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدَعُ أَنْ يَقْرَأَ فِي خُطْبَتِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] إلَى {عَظِيمًا} (وَخَتْمُ الثَّانِيَةَ. بِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ وَأَجْزَأَ. اُذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: شَأْنُ الْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ إذَا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ، وَإِنْ قَالَ: اُذْكُرُوا اللَّهَ فَحَسَنٌ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ (وَتَوَكُّؤٌ عَلَى كَقَوْسٍ) مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَوَكَّأَ عَلَى عَصًا غَيْرِ عَمُودِ الْمِنْبَرِ إذَا خَطَبَ وَيُقَالُ: إنَّ فِيهَا شَغْلًا عَنْ مَسِّ اللِّحْيَةِ وَالْعَبَثِ بِالْيَدِ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْقَوْسُ كَالْعَصَا وَسَوَاءٌ خَطَبَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَمْ إلَى جَانِبِهِ. (وَقِرَاءَةُ الْجُمُعَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ بِ " هَلْ أَتَاكَ " أَبُو عُمَرَ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تُتْرَكُ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَلَى حَالٍ فَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَقَدْ أَسَاءَ وَتَرَكَ مَا يُسْتَحَبُّ وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يُوَقِّتَ فِي ذَلِكَ سُورَةَ الْجُمُعَةِ (وَإِنْ لِمَسْبُوقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً قَضَى بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أُخْرَى يَقْرَأُ فِيهَا بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ اسْتِحْبَابًا وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ (وَهَلْ أَتَاكَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ (وَأَجَازَ فِي الثَّانِيَةِ سَبِّحْ أَوْ الْمُنَافِقُونَ) الْبَاجِيُّ: لَا خِلَافَ أَنَّ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْغَاشِيَةِ. وَقِيلَ لِمَالِكٍ: أَتَرَى أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: أَمَّا فِيمَا مَضَى وَأَدْرَكْنَا فَسَبِّحْ وَأَمَّا الْيَوْمَ فَيَقْرَءُونَ بِالسُّورَةِ الَّتِي تَلِيهَا. (وَحُضُورُ مُكَاتَبٍ) رَوَى أَبُو مُصْعَبٍ: أَكْرَهُ لِمُكَاتَبٍ تَرْكَ الْجُمُعَةِ (وَصَبِيٍّ وَعَبْدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ وَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَمَنْ شَهِدَهَا مِنْهُمْ فَلَا يَدَعُ صَلَاتَهَا وَلْيَغْتَسِلْ إنْ أَتَاهَا (وَمُدَبَّرٍ) الْجَلَّابُ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُكَاتَبِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ (أَذِنَ سَيِّدُهُمَا) الْمَازِرِيُّ: لِرَبِّ الْعَبْدِ مَنْعَهُ صَلَاةَ الْعِيدِ لَا صَلَاةَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَضُرَّ بِهِ فِي حَاجَةٍ. (وَأَخَّرَ الظُّهْرَ رَاجٍ زَوَالَ عُذْرِهِ) الْمَازِرِيُّ: لِلْمَرِيضِ صَلَاةُ ظُهْرِهِ وَقْتَ الْجُمُعَةِ ابْنُ شَاسٍ: وَرَاجٍ زَوَالَ عُذْرِهِ يُؤَخِّرُ لِفَوَاتِهَا (وَإِلَّا فَلَهُ التَّعْجِيلُ) ابْنُ عَرَفَةَ: لِمَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ غَيْرَ مُسَافِرٍ صَلَاةُ ظُهْرِهِ قَبْلَ إقَامَتِهَا. (وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ إنْ صَلَّى الظُّهْرَ مُدْرِكًا لِرَكْعَةٍ لَمْ تَجْزِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ فِي بَيْتِهِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ لَمْ تَجْزِهِ ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ صَلَّى مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ ظُهْرَ الْوَقْتِ لَوْ سَعَى أَدْرَكَهَا أَعَادَ بَعْدَ فَوَاتِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ صَلَّاهَا قَبْلَ إمَامِهِ لِوَقْتٍ لَوْ سَعَى لَمْ يُدْرِكْهَا صَحَّتْ، ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا. (وَلَا يُجَمِّعُ الظُّهْرَ إلَّا ذُو عُذْرٍ) أَصْبَغُ: مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 فَاتَتْهُمْ الْجُمُعَةُ صَلَّوْا أَفْذَاذًا وَلَا يُجَمِّعُونَ الظُّهْرَ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً ظُهْرًا فَبِئْسَ مَا صَنَعُوا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ، لِأَنَّ مَنْعَهُمْ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ إنَّمَا هُوَ لِيُحَافِظُوا عَلَى الْجُمُعَةِ وَقِيلَ لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِأَهْلِ الْبِدَعِ وَأَمَّا الْمَرْضَى وَالْمَسْجُونُونَ وَالْمُسَافِرُونَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمْ يُجَمِّعُونَ لِأَنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ عَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَأَمَّا مَنْ تَخَلَّفُوا عَنْ الْجُمُعَةِ لِعُذْرٍ يُبِيحُ لَهُمْ التَّخَلُّفَ عَنْهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُنْت مَعَ ابْنِ وَهْبٍ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَمَعَنَا نَاسٌ فَلَمْ نَحْضُرْ الْجُمُعَةَ لِأَمْرٍ خِفْنَاهُ فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: نُجَمِّعُ، وَقُلْت أَنَا: لَا، فَأَلَحَّ ابْنُ وَهْبٍ فَجَمَّعَ بِالْقَوْمِ وَخَرَجْتُ أَنَا عَنْهُمْ فَقَدِمْنَا وَسَأَلْنَا مَالِكًا فَقَالَ: لَا تُجَمِّعُوا. ابْنُ رُشْدٍ: فَمَنْ جَمَّعَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ لَمْ يُعِدْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ابْنُ رُشْدٍ: فَالْمُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ ظُهْرًا أَرْبَعًا طَوَائِفُ ابْنُ يُونُسَ: رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ إذَا فَاتَتْ الْجُمُعَةُ وَتَجِبُ عَلَيْهِمْ فَلَهُمْ أَنْ يُجَمِّعُوا ظُهْرًا أَرْبَعًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: مَنْعُهُمْ مِنْ الْجَمْعِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فَلِهَذَا صَدَرَتْ فَتْوَايَ بِالنِّسْبَةِ لِلْقُرَى الَّتِي لَا يَكْمُلُ لَهُمْ عَدَدُ الْمُقِيمِينَ لِلْجُمُعَةِ أَنْ يَجْتَمِعُوهَا ظُهْرًا وَلَا يُصَلُّوا مُفَرَّقِينَ لَكِنْ لَا يُوقِعُونَ الصَّلَاةَ حَتَّى يُوقِنُوا أَنَّ الْقَرْيَةَ الْقَرِيبَةَ مِنْهُمْ قَدْ صَلَّوْا الْجُمُعَةَ مَعَ أَنَّ إقَامَتَهَا بِالْقُرَى فِيهَا مَا فِيهَا اُنْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ قَبْلَ قَوْلِهِ: " لَا خِيَمٍ "، وَكَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ قَبْلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 قَوْلِهِ: " أَوْ أَخْصَاصٍ " وَقَوْلَ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِلَّا لَمْ تَجْزِ " وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: الْأَصْلُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلَا يُنْتَقَلُ مِنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ (وَاسْتُؤْذِنَ إمَامٌ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَنُدِبَ تَقْدِيمُ سُلْطَانٍ " (وَوَجَبَتْ إنْ مَنَعَ وَأَمِنُوا) تَقَدَّمَ نَصٌّ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " بِإِمَامٍ " وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ مَاتَ وَالِيهِمْ فَلْيُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِهِمْ مَنْ يَخْطُبُ وَيُصَلِّي بِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْقُرَى الَّتِي لِأَهْلِهَا أَنْ يُجَمِّعُوا قَالَ مَالِكٌ: لِلَّهِ فُرُوضٌ فِي أَرْضِهِ، وَلَا يُسْقِطُهَا وَلِيَهَا إمَامٌ، أَوْ لَمْ يَلِهَا مِنْهَا الْجُمُعَةُ (وَإِلَّا لَمْ تَجْزِ) قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقَامُ إلَّا بِثَلَاثَةٍ: الْمِصْرِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْإِمَامِ الَّذِي يُخَافُ مُخَالَفَتُهُ، فَمَتَى عُدِمَ شَيْءٌ مِنْ هَؤُلَاءِ لَمْ تَكُنْ جُمُعَةً. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: لَا يُصَلِّيهَا إلَّا سُلْطَانٌ، أَوْ مَأْمُورٌ، أَوْ رَجُلٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَهَا إلَّا أَحَدُ هَؤُلَاءِ، وَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ السُّلْطَانَ شَرْطًا فِي إقَامَتِهَا، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُهُ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ فَتَحُوا الْبُلْدَانَ وَلَمْ يَضَعُوا الْمَنَابِرَ إلَّا بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا السُّلْطَانُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَجِبُ عِنْدَهُمْ حَيْثُ لَا سُلْطَانَ قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 إنَّ إقَامَتَهَا لَا تَفْتَقِرُ لِسُلْطَانٍ فَإِنَّهُ إنْ تَوَلَّاهَا السُّلْطَانُ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُقَامَ دُونَهُ، فَإِنْ عَطَّلَهَا، أَوْ نَهَاهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فَإِنْ أَمِنُوا مِنْهُ فَلْيُقِيمُوهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ وَصَلَّى أَحَدٌ الْجُمُعَةَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْإِمَامِ لَمْ يَجْزِهِمْ لِأَنَّ السُّلْطَانَ إذَا نَهَجَ مَنْهَجًا فِي مَحَلِّ اجْتِهَادٍ لَمْ يُخَالَفْ وَتَجِبُ طَاعَتُهُ، لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَلَيْهِ سَبَبُ الْفِتْنَةِ وَالْهَرْجِ وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ وَمَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ لَا يُجْزِئُ مِنْ الْوَاجِبِ انْتَهَى. (وَسُنَّ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ بِالرَّوَاحِ وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْغُسْلُ لَهَا مَطْلُوبٌ وَصِفَتُهُ وَمَاؤُهُ كَالْجَنَابَةِ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِآتِيهَا وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ، وَالْمَشْهُورُ شَرْطُ وَصْلِهِ بِرَوَاحِهَا وَيَسِيرُ الْفَصْلِ عَفْوٌ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: أُحِبُّ لِآتِيهَا مِنْ ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ إعَادَةَ غُسْلِهَا وَلَا يُجْزِئُ قَبْلَ الْفَجْرِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ فَرْضًا إلَّا أَهْلَ الظَّاهِرِ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُجِيزُونَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ دُونَ غُسْلٍ وَذَهَبَ ابْنُ وَهْبٍ صَاحِبُ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يُجْزِئُ الِاغْتِسَالُ لِلْجُمُعَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَمَعْنَى: " حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ " هُوَ كَمَا تَقُولُ وَجَبَ حَقُّك أَيْ فِي كَرِيمِ الْأَخْلَاقِ الْبَاجِيُّ: كَمَا يُقَالُ: يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَنْظُرَ لِنَفْسِهِ وَلَا يَصْحَبَ إلَّا مَنْ يَأْمَنُهُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ عَلَى الْإِنْسَانِ لِحَقِّ نَفْسِهِ مِنْ التَّجَمُّلِ بَيْنَ جِيرَانِهِ وَغَيْرِهِمْ وَأَخْذِهِ بِحَظِّهِ مِنْ الزِّينَةِ الْمُبَاحَةِ وَلَا يُضَيِّعُ حَقَّهُ مِنْهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي حَدِيثٍ سَادِسٍ لِابْنِ شِهَابٍ: وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ إنَّمَا كَانَ مِنْ التَّأَذِّي بِرَوَائِحِ الْأَوْسَاخِ وَقَالَ غَيْرُهُمْ: الطِّيبُ يُجْزِئُ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ» وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 اللَّخْمِيِّ: الْغُسْلُ لِمَنْ لَا رَائِحَةَ لَهُ حَسَنٌ وَلِمَنْ لَهُ رَائِحَةٌ كَالْقَصَّابِ وَالْحَوَّاتِ وَاجِبٌ ابْنُ أَبِي يَحْيَى: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِجْزَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا يَأْثَمُ تَارِكُهُ (وَأَعَادَ إنْ تَغَذَّى، أَوْ نَامَ اخْتِيَارًا لَا لِأَكْلٍ خَفَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ غَدْوَةً ثُمَّ غَدَا إلَى الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ رَوَاحُهُ فَأَحْدَثَ لَمْ يَنْتَقِضْ غُسْلُهُ وَخَرَجَ فَتَوَضَّأَ وَرَجَعَ، وَإِنْ تَغَدَّى وَنَامَ بَعْدَ غُسْلِهِ أَعَادَ حَتَّى يَكُونَ غُسْلُهُ مُتَّصِلًا بِالرَّوَاحِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هَذَا إذَا طَالَ أَمْرُهُ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا لَمْ يُعِدْهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 (وَجَازَ تَخَطٍّ قَبْلَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا يُكْرَهُ التَّخَطِّي إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَا يُكْرَهُ فِعْلُ ذَلِكَ إلَى فُرَجٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَتَرَفَّقْ وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: يَمْنَعُ جُلُوسُهُ لَهَا التَّخَطِّيَ لِفُرْجَةٍ (وَاحْتِبَاءٌ فِيهَا) رَوَى عَلِيٌّ: لَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَأَنْ يَمُدَّ رِجْلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَعُونَةٌ لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 فَلْيَفْعَلْ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ أَرْفَقَ. (وَكَلَامٌ بَعْدَهَا لِلصَّلَاةِ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فِي التَّكَلُّمِ بَيْنَ النُّزُولِ مِنْ الْمِنْبَرِ وَالصَّلَاةِ رِوَايَتَانِ. أَبُو عُمَرَ: الْعَمَلُ وَالْفُتْيَا بِالْمَدِينَةِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا نَزَلَ الْإِمَامُ مِنْ الْمِنْبَرِ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ خِلَافًا لِلْعِرَاقِيِّينَ. (وَخُرُوجُ كَمُحْدِثٍ بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَحْدَثَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ - وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ - خَرَجَ بِغَيْرِ إذْنٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ -: {حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: 62] فَإِنَّمَا كَانَ قَبْلَ يَوْمِ الْخَنْدَقِ. (وَإِقْبَالٌ عَلَى ذِكْرٍ قَلَّ سِرًّا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُقْبِلُ عَلَى الذِّكْرِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ: إنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا سِرًّا فِي نَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُنْصِتَ وَيَسْتَمِعَ (كَتَأْمِينٍ وَتَعَوُّذٍ عِنْدَ السَّبَبِ كَحَمْدِ عَاطِسٍ سِرًّا) أَمَّا التَّأْمِينُ سِرًّا فَرَوَى عَلِيٌّ: إذَا قَرَأَ الْخَطِيبُ: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 فَلْيُصَلِّ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفْسِهِ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِذَا دَعَا أَمَّنَ النَّاسُ وَجَهَرُوا جَهْرًا لَيْسَ بِالْعَالِي وَسَمِعَ أَشْهَبُ: لَا يَجْهَرُ بِالتَّأْمِينِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ الْبَاجِيُّ: لَا خِلَافَ فِي التَّأْمِينِ عِنْدَ دُعَاءِ الْخَطِيبِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَدْعِي التَّأْمِينَ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي السِّرِّ بِهِ وَالْجَهْرِ ابْنُ حَبِيبٍ: لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ رَفْعُ الْأَيْدِي بِالدُّعَاءِ عَقِبَ الْخُطْبَةِ إلَّا لِخَوْفِ عَدُوٍّ، أَوْ قَحْطٍ، أَوْ أَمْرٍ يَنُوبُ فَلَا بَأْسَ يَأْمُرُ الْإِمَامُ لَهُمْ بِذَلِكَ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَمِّنُوا عَلَى دُعَائِهِ وَلَا يَلْعَنُوا جِدًّا وَلَا يُكْثِرُوا وَأَمَّا التَّعَوُّذُ عِنْدَ السَّبَبِ سِرًّا فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: التَّهْلِيلُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَالدُّعَاءُ وَالتَّعَوُّذُ وَالتَّصْلِيَةُ لِأَسْبَابِهَا جَائِزٌ ابْنُ شَعْبَانَ: وَيَجْهَرُ بِذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسِرُّ بِذَلِكَ وَأَمَّا حَمْدُ الْعَاطِسِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَحْمَدُ الْعَاطِسُ سِرًّا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّمَا يَحْمَدُ فِي نَفْسِهِ (وَنَهْيُ خَطِيبٍ، أَوْ أَمْرُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْإِمَامُ فِي خُطْبَتِهِ لِأَمْرٍ، أَوْ نَهْيٍ يَأْمُرُ بِهِ النَّاسَ وَيَعِظُهُمْ وَلَا يَكُونُ لَاغِيًا (وَإِجَابَتُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ كَلَّمَهُ الْإِمَامُ فَرَدَّ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَاغِيًا. (وَكُرِهَ تَرْكُ طُهْرٍ فِيهِمَا) عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنْ خَطَبَ مُحْدِثًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَ اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَوَجَبَ انْتِظَارُهُ ". (وَالْعَمَلُ يَوْمَهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّوَايَةُ كَرَاهَةُ تَرْكِ الْعَمَلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَأَهْلِ الْكِتَابِ أَصْبَغُ: مَنْ تَرَكَ الْعَمَلَ اسْتِرَاحَةً فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا اسْتِنَانًا فَلَا خَيْرَ فِيهِ (وَبَيْعٌ كَعَبْدٍ بِسُوقٍ وَقْتَهَا) تَقَدَّمَ النَّصُّ أَنَّهُ يُقَامُ مِنْ الْأَسْوَاقِ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ. (وَتَنَفُّلُ إمَامٍ قَبْلَهَا) الْبَاجِيُّ: السُّنَّةُ أَنْ يَرْقَى الْمِنْبَرَ إثْرَ دُخُولِهِ وَلَا يَرْكَعَ لِأَنَّهُ يَشْرَعُ فِي فَرْضٍ، وَإِنَّمَا يَرْكَعُ مَنْ يُرِيدُ الْجُلُوسَ انْتَهَى وَانْظُرْ هَلْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُبَكِّرَ؟ هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ يُسَلِّمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ النَّاسِ رَكَعَ، أَوْ لَمْ يَرْكَعْ اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " لَا صُعُودِهِ " (أَوْ جَالِسٍ عِنْدَ الْأَذَانِ) قَالَ مَالِكٌ: مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ سَلَّمَ وَلَا يَدْعُو وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ دَخَلَ بَعْدَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْمُؤَذِّنُونَ يُؤَذِّنُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 فَلَا يُصَلِّي فَإِنْ أَحْرَمَ سَاهِيًا، أَوْ جَاهِلًا فَلْيُتِمَّ وَلَا يَقْطَعُ وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ أَحْرَمَ لِنَافِلَةٍ قَبْلَ دُخُولٍ فَلْيَتَمَادَ، وَإِنْ خَرَجَ الْإِمَامُ، وَإِنْ دَخَلَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ قَعَدَ وَلَا يُحْرِمُ. (وَحُضُورُ شَابَّةٍ) تَقَدَّمَ سَنَدُ قَوْلِهِ: " وَخُرُوجُ مُتَجَالَّةٍ لِعِيدٍ " (وَسَفَرٌ بَعْدَ الْفَجْرِ) الَّذِي لِابْنِ يُونُسَ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ: لَا أُحِبُّ السَّفَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَشْهَدَهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ فِي سَعَةٍ مَا لَمْ تَزِغْ الشَّمْسُ، فَإِنْ زَاغَتْ الشَّمْسُ فَلَا يَخْرُجُ حَتَّى يَشْهَدَهَا وَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ابْنُ بَشِيرٍ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُنْشِئَ السَّفَرَ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ. (كَكَلَامٍ فِي خُطْبَتَيْهِ بِقِيَامِهِ وَبَيْنَهُمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: يَجِبُ الصَّمْتُ لِلْخُطْبَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا ابْنُ حَارِثٍ: وَسَوَاءٌ كَانَ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ أَمْ لَا اتِّفَاقًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَرَأَيْت مَالِكًا يَتَحَدَّثُ مَعَ أَصْحَابِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى يَفْرُغَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 الْأَذَانُ فَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ اسْتَقْبَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ (وَلَوْ لِغَيْرِ سَامِعٍ) تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ حَارِثٍ الِاتِّفَاقَ وَعَلَى طَرِيقَةِ غَيْرِهِ فَذَكَرَ الْخِلَافَ وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الصَّمْتَ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِ السَّامِعِ وَلَوْ بِخَارِجِ الْمَسْجِدِ، وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْ الْإِمَامَ مِنْ الْإِنْصَاتِ مِثْلُ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ، مِثْلُ الصَّلَاةِ يَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْ الْإِمَامَ فِيهَا مِنْ الْإِنْصَاتِ مِثْلُ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ (إلَّا أَنْ يَلْغُوَ عَلَى الْمُخْتَارِ) قَالَ اللَّخْمِيِّ: لَا يَجُوزُ حِينَ الْخُطْبَةِ أَنْ يُحَرِّكَ شَيْئًا لَهُ صَوْتٌ كَبَابٍ وَلَا ثَوْبٍ جَدِيدٍ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَنْبَغِي الْكَلَامُ، وَإِنْ خَرَجَ الْإِمَامُ إلَى مَا لَا يَجُوزُ لَهُ مِنْ سَبِّ مَنْ لَا يَجُوزُ سَبُّهُ أَوْ مَدْحِ مَنْ لَا يَجُوزُ مَدْحُهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا لَغَا الْإِمَامُ فِي خُطْبَتِهِ وَتَكَلَّمَ بِمَا لَا يَعْنِي النَّاسَ لَمْ يَكُنْ عَلَى النَّاسِ الْإِنْصَاتُ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا التَّحَوُّلُ إلَيْهِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. (وَكَسِلَامٍ وَرَدِّهِ) . أَبُو عُمَرَ: مَنَعَ مَالِكٌ رَدَّ السَّلَامِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ ابْنُ عَرَفَةَ: لَا يُسَلِّمُ وَلَا يَرُدُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 وَلَا يَشْرَبُ مَاءً وَلَا يُشَمِّتُ (وَنَهْيِ لَاغٍ) قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقُولُ لِمَنْ لَغَا: أَنْصِتْ (وَحَصْبِهِ أَوْ إشَارَةٍ لَهُ) عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى حَصْبِ مَنْ لَغَا وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ. الْبَاجِيُّ: وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يُشِيرَ إلَيْهِ، لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ اُصْمُتْ وَذَلِكَ لَغْوٌ. (وَابْتِدَاءِ صَلَاةٍ لِخُرُوجِهِ، وَإِنْ لِدَاخِلٍ وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 يَقْطَعُ إنْ دَخَلَ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ جَالِسٍ عِنْدَ الْأَذَانِ " (وَفُسِخَ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ وَتَوْلِيَةٌ وَشَرِكَةٌ، وَإِقَالَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 وَشُفْعَةٌ بِأَذَانٍ ثَانٍ) سُئِلَ مَالِكٌ: أَيُّ الْأَذَانِ هُوَ الَّذِي يُمْنَعُ النَّاسُ مِنْ الْبَيْعِ عِنْدَهُ؟ قَالَ: الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ قُعُودِ الْإِمَامِ ابْنُ رُشْدٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَخَرَجَ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَإِذَا رَآهُ الْمُؤَذِّنُونَ وَكَانُوا ثَلَاثَةً قَامُوا فَأَذَّنُوا بِالْمِئْذَنَةِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ.» ، ثُمَّ تَلَاهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَزَادَ عُثْمَانُ لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ أَذَانًا بِالزَّوْرَاءِ فَإِذَا خَرَجَ أَذَّنَ الثَّلَاثَةَ. . قَالَ مَالِكٌ: فَإِذَا قَعَدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ مُنِعَ مِنْ الْبَيْعِ، فَإِنْ تَبَايَعَ حِينَئِذٍ اثْنَانِ تَلْزَمُهُمَا الْجُمُعَةُ، أَوْ تَلْزَمُ أَحَدَهُمَا فُسِخَ الْبَيْعُ، فَإِنْ كَانَ لَا تَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجُمُعَةُ لَمْ يُفْسَخْ ابْنُ رُشْدٍ: يُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَمَنْ لَا تَجِبُ وَتُرْفَعُ الْأَسْوَاقُ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْأَسْوَاقِ فَجَائِزٌ لِلْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ وَالْمُسَافِرِينَ وَأَهْلِ السُّجُونِ وَالْمَرْضَى أَنْ يَتَبَايَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 الْجَلَّابُ: وَالْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَالْإِقَالَةُ حِينَئِذٍ وَالشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ تُفْسَخُ، لِأَنَّهَا كُلَّهَا بَيْعٌ (فَإِنْ فَاتَتْ فَالْقِيمَةُ حِينَ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ) . ابْنُ يُونُسَ: إنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ فَفِيهَا الْقِيمَةُ وَقْتَ قَبْضِهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ أَبْيَنُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ مَالِكٌ: وَيَحِلُّ لَهُ رِبْحُهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَتَصَدَّقُ بِهِ انْتَهَى اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ فَإِنَّهُ قَالَ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ " يَحِلُّ لَهُ رِبْحُهُ ": إنَّهُ قَوْلٌ رَابِعٌ كَأَنَّهُ يَقُولُ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ مَضَى فَاتَ، أَوْ لَمْ يَفُتْ. وَانْظُرْ مَنْ فَرَّطَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ النَّهَارِ إلَّا قَدْرُ خَمْسِ رَكَعَاتٍ هَلْ حُكْمُهُ فِي الْبَيْعِ حُكْمُ مَنْ بَاعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقْتَ النَّهْيِ فَيُفْسَخُ بَيْعُهُ؟ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ وَهُوَ قَوْلُ إسْمَاعِيلَ الْقَاضِي وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يُفْسَخُ انْتَهَى. وَانْظُرْ أَيْضًا اسْتَثْنَوْا مِنْ هَذَا مَنْ احْتَاجَ لِشِرَاءِ مَاءٍ لِوُضُوئِهِ نَصَّ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى جَوَازِهِ وَأَنَّهُ لَا يُفْسَخُ شِرَاؤُهُ. (لَا نِكَاحٌ وَهِبَةٌ وَصَدَقَةٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: جَائِزٌ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَلَا يُفْسَخُ دَخَلَ، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَالصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ. (وَعُذْرُ تَرْكِهَا وَالْجَمَاعَةِ شِدَّةُ وَحْلٍ فَمَطَرٍ) أَمَّا سُقُوطُ الْجُمُعَةِ بِشَدِيدِ الْمَطَرِ فَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ وَلَمْ يُشَهِّرْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، وَأَمَّا تَرْكُ الْجَمَاعَةِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَهُوَ سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصُّهُ: سُئِلَ مَالِكٌ إذَا كَانَ الطِّينُ وَالْأَذَى فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 الطَّرِيقِ أَيُصَلِّي الرَّجُلُ فِي مَنْزِلِهِ؟ قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مِنْ نَحْوِ إجَازَتِهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الطِّينِ وَالْوَحْلِ، لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْوَقْتِ أَكْبَرُ مِنْ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ فَإِذَا جَازَ تَرْكُ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ جَازَ تَرْكُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ لَهَا (أَوْ جُذَامٌ) ابْنُ حَبِيبٍ: عَلَى الْجَذْمَاءِ الْجُمُعَةُ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ فِيهَا خَاصَّةً وَلِلسُّلْطَانِ مَنْعُهُمْ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَثُرُوا وَلَهُمْ أَنْ يُجَمِّعُوا ظُهْرًا بِغَيْرِ أَذَانٍ فِي مَوْضِعِهِمْ وَلَا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ مَعَ النَّاسِ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ فِي حُضُورِهِمْ الْجُمُعَةَ إضْرَارًا بِالنَّاسِ وَأَوْجَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غُسْلَ الْجُمُعَةِ عَلَى النَّاسِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَ إلَيْهَا مِنْ أَعْمَالِهِمْ فَيُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِنَتْنِ أَعْرَاقِهِمْ، فَالْجُذَامُ أَشَدُّ، وَمَنْعُهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْلَى لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ، وَكَمَا جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ إذَا تَجَذَّمَ كَانَ أَحْرَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فِي الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي مَوْضِعِهِمْ جُمُعَةً لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُصَلَّى فِي الْمِصْرِ فِي مَوْضِعَيْنِ فَقَوْلُ سَحْنُونٍ أَبْيَنُ، انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ وَكَذَا الْمَازِرِيُّ أَيْضًا رَشَّحَ قَوْلَ سَحْنُونٍ (وَمَرَضٌ) اللَّخْمِيِّ: مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي تُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنْ الْجُمُعَةِ الْمَرَضُ الَّذِي يَشُقُّ مَعَهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهَا، أَوْ عِلَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ اللُّبْثُ مَعَهَا فِي الْجَامِعِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْجُمُعَةُ، أَوْ كَانَ مُقْعَدًا، وَلَا يَجِدُ مَرْكُوبًا، أَوْ أَعْمَى وَلَا يَجِدُ قَائِدًا وَلَا يَهْتَدِي لِلْوُصُولِ بِانْفِرَادِهِ (وَتَمْرِيضٌ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الرَّجُلِ يَهْلِكُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَتَخَلَّفُ عَنْهُ الرَّجُلُ مِنْ أَخَوَاتِهِ يَنْظُرُ فِي أَمْرِهِ مِمَّا يَكُونُ مِنْ شَأْنٍ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 مَنْ يَكْفِيهِ أَمْرَهُ وَخَافَ عَلَيْهِ التَّغَيُّرَ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي الْمَوْتِ يَجُودُ بِنَفْسِهِ يَجُوزُ لَهُ التَّخَلُّفُ عَنْ الْجُمُعَةِ بِسَبَبِهِ قَالَ مَالِكٌ (وَإِسْرَافُ قَرِيبٍ وَنَحْوِهِ) اللَّخْمِيِّ: مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي تُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنْ الْجُمُعَةِ الْعُذْرُ فِي الْأَهْلِ أَنْ تَكُونَ زَوْجَتُهُ أَوْ ابْنَتُهُ، أَوْ أَحَدُ وَالِدَيْهِ قَدْ اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ، أَوْ اُحْتُضِرَ أَوْ مَاتَ فَيَجُوزُ لَهُ التَّخَلُّفُ (وَخَوْفٌ عَلَى مَالٍ) اللَّخْمِيِّ: مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي تُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنْ الْجُمُعَةِ الْعُذْرُ فِي الْمَالِ بِأَنْ يَخَافَ سُلْطَانًا إنْ ظَهَرَ أَخَذَ مَالُهُ أَوْ يَخَافَ أَنْ يُسْرَقَ بَيْتُهُ، أَوْ يُحْرَقَ مَتَاعُهُ فَيَجُوزَ لَهُ التَّخَلُّفُ ابْنُ بَشِيرٍ: وَكَذَلِكَ خَوْفُهُ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ (أَوْ حَبْسٍ، أَوْ ضَرْبٍ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ خَشِيَ أَنْ يَتَعَدَّى عَلَيْهِ حَاكِمٌ فَيَسْجُنَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ السِّجْنِ، أَوْ يَضْرِبَهُ أَوْ يَخْشَى أَنْ يُقْتَلَ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ ظُهْرًا أَرْبَعًا وَلَا يَخْرُجَ وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي تُبِيحُ التَّخَلُّفَ الْعُذْرُ فِي الدَّيْنِ كَأَنْ يَخَافَ إنْ ظَهَرَ أَنْ يُلْزَمَ بِأَمْرٍ لَا يَجُوزُ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ أَوْ ضَرْبِهِ، أَوْ بَيْعَةِ مَنْ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ لَهُ وَعِبَارَةُ ابْنِ شَعْبَانَ: تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ بِخَوْفِ يَمِينِ بَيْعَةٍ لِظَالِمٍ (وَالْأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ أَوْ حَبْسُ مُعْسِرٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الْجُمُعَةَ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ يَخَافُ غُرَمَاءَهُ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ عَدِيمًا وَخَافَ أَنْ يَسْجُنَهُ غُرَمَاؤُهُ فَقَالَ سَحْنُونَ: لَا عُذْرَ لَهُ فِي التَّخَلُّفِ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ بَاطِنِ أَمْرِهِ مَا لَوْ تَحَقَّقَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سَجْنٌ فَهُوَ مَظْلُومٌ فِي الْبَاطِنِ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِحَقٍّ فِي الظَّاهِرِ، وَنَحْوُ هَذَا لِلَّخْمِيِّ (وَعُرْيٌ، وَرَجَاءُ عَفْوِ قَوَدٍ) الْحَاوِي: عُذْرُ تَرْكِهَا وَالْجُمُعَةِ إسْرَافُ قَرِيبٍ وَالزَّوْجَةِ، وَرَجَاءُ عَفْوِ الْعُقُوبَةِ، وَالْعُرْيُ، وَأَكْلُ شَيْءٍ مُنْتِنٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 (وَأَكْلُ كَثُومٍ) اللَّخْمِيِّ: مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، أَوْ كُرَّاثًا نِيئًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَا يُزِيلُ ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ شَعْبَانَ: يُصَلِّيهَا ذُو رَائِحَةِ ثُومٍ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ لَا رِحَابِهِ الْبَاجِيُّ: نَصَّ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يُكْرَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَالْجَامِعِ بِرَائِحَةِ الثُّومِ وَعِنْدِي أَنَّ مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ كَذَلِكَ، وَلِابْنِ وَهْبٍ فِي الَّذِي يَأْكُلُ الثُّومَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ لَا أَرَى أَنْ يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا فِي رِحَابِهِ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ مَنْ أَكَلَ الثُّومَ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ أَحَدٌ؟ الظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ مَالِكٌ: الْبَصَلُ وَالْكُرَّاثُ كَالثُّومِ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْفُجْلُ يُؤْذِي وَيَظْهَرُ فَلَا يَدْخُلُ مَنْ أَكَلَهُ الْمَسْجِدَ اُنْظُرْ مَنْ أَكَلَ ذَلِكَ وَعُثِرَ عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ قَالَ الْبَاجِيُّ: إنَّهُ يُخْرَجُ مِنْهُ قَالَ: وَلَيْسَ أَكْلُهَا بِحَرَامٍ قَالَ: وَأَمَّا مَنْ أَكَلَ الثُّومَ بَعْدَ الْإِنْضَاجِ بِالنَّارِ فَلَا يُمْنَعُ لِحَدِيثِ عُمَرَ: فَلْيُمِتْهَا نُضْجًا، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ رَائِحَتَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 تَذْهَبُ بِالْإِنْضَاجِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الطَّعَامِ (كَرِيحٍ عَاصِفَةٍ بِلَيْلٍ) فِي الْمُوَطَّأِ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ فَقَالَ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ يَقُولُ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالَ.» قَالَ الْبَاجِيُّ: قَاسَ ابْنُ عُمَرَ الرِّيحَ عَلَى الْمَطَرِ، وَالْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ الْمَشَقَّةُ اللَّاحِقَةُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُؤَذِّنِ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ بَعْدَ كَمَالِ الْأَذَانِ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: فِي هَذَا مِنْ الْفِقْهِ الرُّخْصَةُ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ، وَفِي مَعْنَاهُ كُلُّ أَمْرٍ مُؤْذٍ وَعُذْرٍ مَانِعٍ، وَإِذَا جَازَ التَّخَلُّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ لِلْعَشَاءِ وَلِأَكْلِ الثُّومِ وَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَأَحْرَى لِمِثْلِ هَذَا. (لَا عُرْسٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَتَخَلَّفُ الْعَرُوسُ عَنْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ وَلَا حَقَّ لِلزَّوْجَةِ فِي مَنْعِهِ مِنْ شُهُودِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُعْجِبُنِي تَرْكُ الْعَرُوسِ الصَّلَاةَ كُلَّهَا يَعْنِي فِي الْجَمَاعَةِ وَخُفِّفَ لَهُ تَرْكُ بَعْضِهَا لِلِاشْتِغَالِ بِزَوْجِهِ وَالْجَرْيِ إلَى تَأْنِيسِهَا وَاسْتِمَالَتِهَا هَذَا فِيمَا عَدَا الْجُمُعَةَ الَّتِي شُهُودُهَا فَرْضٌ. (أَوْ عَمًى) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْأَعْمَى الَّذِي لَا يَجِدُ قَائِدًا وَلَا يَهْتَدِي لِلْوُصُولِ بِانْفِرَادِهِ يُبَاحُ لَهُ التَّخَلُّفُ (أَوْ شُهُودِ عِيدٍ، وَإِنْ أَذِنَ الْإِمَامُ) ابْنُ بَشِيرٍ: اُخْتُلِفَ هَلْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لِمَنْ شَهِدَ الْعِيدَ مِمَّنْ بَعُدَتْ دَارُهُ عَنْ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ أَنْ يَكْتَفِيَ بِشُهُودِ الْعِيدِ؟ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَأْذَنُ وَلَا يُنْتَفَعُ بِإِذْنِهِ إنْ أَذِنَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 [بَاب فِي صَلَاة الْخَوْف] [فَصَلِّ فِي أَنْوَاع صَلَاة الْخَوْف] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَهِيَ نَوْعَانِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونُوا فِي شِدَّةِ الْحَرْبِ وَالْتِحَامِ الْفِئَتَيْنِ. الثَّانِي أَنْ يَحْضُرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَالْمُسْلِمُونَ مُتَصَدُّونَ لِحَرْبِ الْعَدُوِّ وَلَوْ صَلَّوْا بِأَجْمَعِهِمْ لَخَافُوا مَعَرَّتَهُ (رُخِّصَ) مُحَمَّدٌ: صَلَاةُ الْخَوْفِ طَائِفَتَيْنِ بِإِمَامٍ تَوْسِعَةً وَرُخْصَةً وَلَوْ صَلَّى بَعْضُهُمْ فَذًّا أَجْزَأَهُمْ اللَّخْمِيِّ: مُقْتَضَاهُ جَوَازُ صَلَاتِهَا بِإِمَامَيْنِ إذْ لَوْ كَانَتْ عِلَّةُ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ عَدَمَ الْخِلَافِ عَلَى الْأَئِمَّةِ مَا جَازَ صَلَاةُ بَعْضِهِمْ فَذًّا الْمَازِرِيُّ: يُفَرَّقُ بِأَنَّ جَمْعَ طَائِفَةٍ أُخْرَى بِإِمَامٍ أَثْقَلُ عَلَى الْإِمَامِ الْأَوَّلِ مِنْ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ فَذًّا. أَبُو عُمَرَ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ وَابْنُ عُلَيَّةَ: لَا تُصَلَّى صَلَاةُ خَوْفٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِمَامٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا تُصَلَّى بِإِمَامَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] قَالُوا: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ لِأَنَّهُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ (لِقِتَالٍ جَائِزٍ) الْجُزُولِيُّ: هَلْ تُصَلَّى صَلَاةُ الْخَوْفِ إذَا خَافُوا مِنْ الْمُحَارِبِينَ، أَوْ السِّبَاعِ، أَوْ لَا؟ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: صَلَاةُ الْخَوْفِ مَشْرُوعَةٌ فِي كُلِّ قِتَالٍ مَأْذُونٍ فِيهِ (أَمْكَنَ تَرْكُهُ لِبَعْضٍ قَسْمُهُمْ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ الْخَوْفُ يُتَوَقَّعُ فِيهِ مَعَرَّةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 لِعُدْوَانٍ اشْتَغَلَ الْكُلُّ بِالصَّلَاةِ وَأَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْكُلِّ جَمَاعَةً فَرَّقَهُمْ طَائِفَتَيْنِ الْبَاجِيُّ: هَذَا إنْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ انْكِشَافَ الْخَوْفِ قَبْلَ ذَهَابِ الْوَقْتِ، فَإِنْ رَجَوْا ذَلِكَ انْتَظَرُوا مَا لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ (وَإِنْ وِجَاهَ الْقِبْلَةِ) أَشْهَبُ: إنْ كَانَ عَدُوُّهُمْ قِبْلَتَهُمْ وَأَمْكَنَ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا فَلَا يَعْدِلُ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ طَائِفَتَانِ خَوْفَ أَنْ يَفْتِنَهُمْ الْعَدُوُّ (أَوْ عَلَى دَوَابِّهِمْ قِسْمَيْنِ) أَبُو عُمَرَ: يَجْعَلُهُمْ طَائِفَتَيْنِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ صَلَّى بِكُلِّ رَكْعَةٍ " (وَعَلَّمَهُمْ) الْكَافِي: إنْ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَغْشَاهُمْ الْعَدُوُّ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ عَرَّفَهُمْ الْإِمَامُ كَيْفَ يُصَلُّونَ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْأَذَانِ وَجَعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ (وَصَلَّى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُصَلِّي الْإِمَامُ حِينَ الْخَوْفِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ (بِالْأُولَى فِي الثُّنَائِيَّةِ رَكْعَةً، وَإِلَّا فَرَكْعَتَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَيُصَلِّي فِي الْحَضَرِ حَضَرِيَّةً رَكْعَتَيْنِ بِكُلِّ طَائِفَةٍ، وَفِي السَّفَرِ سَفَرِيَّةً رَكْعَةً بِكُلِّ طَائِفَةٍ وَيُصَلِّي فِي الْمَغْرِبِ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً (ثُمَّ قَامَ سَاكِتًا، أَوْ دَاعِيًا، أَوْ قَارِئًا فِي الثُّنَائِيَّةِ) ابْنُ يُونُسَ: حَدِيثُ الْقَاسِمِ أَشْبَهُ بِالْقُرْآنِ، وَإِلَى الْأَخْذِ بِهِ رَجَعَ مَالِكٌ وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى ثُمَّ تُتِمُّ لِنَفْسِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 وَيَثْبُتُ الْإِمَامُ قَائِمًا فَإِنْ شَاءَ سَكَتَ، وَإِنْ شَاءَ دَعَا وَأَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ بِقَدْرِ مَا تَأْتِي فِيهِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَإِذَا أَتَمَّتْ الْأُولَى سَلَّمَتْ وَذَهَبَتْ وِجَاهَ الْعَدُوِّ، ثُمَّ أَتَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَقَضَوْا هُمْ بَعْدَ سَلَامِهِ وَإِلَى الْأَخْذِ بِهَذَا رَجَعَ مَالِكٌ وَهُوَ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ مُتَّصِلًا إذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ الْمَشْيِ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَالْمَشْيُ إلَى مَكَانِ الْعَدُوِّ إنَّمَا هُوَ لِلْحِفْظِ وَالْحِرَاسَةِ فَوُقُوفُهَا غَيْرَ مُصَلِّيَةٍ أَمْكَنُ فِي التَّحَرُّزِ أَبُو عُمَرَ: فِي جَوَازِ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَوْلَانِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ فِي صِفَتِهَا ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ (وَفِي قِيَامِهِ بِغَيْرِهَا تَرَدُّدٌ) ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا كَانَتْ صَلَاةَ حَضَرٍ، أَوْ كَانَتْ الْمَغْرِبَ فَهَلْ يَجْلِسُ الْإِمَامُ حَتَّى تَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ إكْمَالِ هَذِهِ، أَوْ يَقُومُ فَيَنْتَظِرُهُمْ؟ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ، وَإِذَا قُلْنَا يَقُومُ فَهَلْ يَقْرَأُ، أَوْ يُسَبِّحُ وَيَذْكُرُ اللَّهَ؟ وَفِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ وَقَالَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ: أَمَّا حَيْثُ لَا تَكُونُ الْقِرَاءَةُ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسَبِّحَ لِئَلَّا تَفُوتَ الْقِرَاءَةُ جُمْلَةً، وَحَيْثُ تَكُونُ الْقِرَاءَةُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ فَيَفْتَتِحُ بِالْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُدْرِكُونَ بَعْضَهَا وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَيُصَلِّي الْإِمَامُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَثْبُتُ قَائِمًا حَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 يُصَلِّيَ مَنْ خَلْفَهُ رَكْعَةً يَقْرَءُونَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيُسَلِّمُونَ وَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ رَكْعَةً يَقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيُسَلِّمُ وَيَقْضُونَ رَكْعَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا يَقْرَأُ هُوَ فِي قِيَامِهِ فِي الْمَغْرِبِ حَتَّى تَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَقْرَأُ بِغَيْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَخَالَفَتْ غَيْرَهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَعَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصِرَ خَلِيلٌ (وَأَتَمَّتْ الْأُولَى وَانْصَرَفَتْ ثُمَّ صَلَّى بِالثَّانِيَةِ مَا بَقِيَ وَسَلَّمَ فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا هُوَ مُخْتَارُ ابْنِ يُونُسَ وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ (وَلَوْ صَلَّوْا بِإِمَامَيْنِ، أَوْ بَعْضٌ فَذًّا جَازَ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَرُخِّصَ " (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخَّرُوا لِآخِرِ الِاخْتِيَارِيِّ وَصَلَّوْا) ابْنُ يُونُسَ: إنْ كَانَ الْخَوْفُ يَمْنَعُ مِنْ الْجَمْعِ وَيُعَجِّلُ عَنْ إتْمَامِ الصَّلَاةِ عَلَى هَيْئَتِهَا الْمَعْهُودَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِي حَالِ الْمُطَاعَنَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، فَهَذَا يُمْهِلُ الْمُكَلَّفَ عِنْدَنَا حَتَّى إذَا خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ صَلَّى بِحَسَبِ مَا أَمْكَنَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الِاسْتِقْبَالُ وَلَا الرُّجُوعُ وَلَا السُّجُودُ وَلَا الْقِيَامُ وَلَا لُزُومُ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَا تَرْكُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 مِنْ الطَّعْنِ، وَالضَّرْبِ، وَالْفَرِّ، وَالْكَرِّ، وَقَوْلٍ يَفْتَقِرُ إلَيْهِ مِنْ التَّنْبِيهِ لِغَيْرِهِ، أَوْ التَّحْذِيرِ مِنْ عَدُوِّهِ افْتَقَرَ إلَى ذَلِكَ (إيمَاءً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا كَانُوا فِي الْقِتَالِ فَلْيُؤَخِّرُوا إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ يُصَلُّوا حِينَئِذٍ عَلَى خُيُولِهِمْ وَيُومِئُونَ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ، وَإِنْ احْتَاجُوا إلَى الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ لَمْ يَقْطَعْ الْكَلَامُ صَلَاتَهُمْ (كَأَنْ دَهَمَهُمْ عَدُوٌّ بِهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ دَهَمَهُمْ عَدُوٌّ وَهُمْ بِالصَّلَاةِ صَلَّوْا بِقَدْرِ الطَّاقَةِ دُونَ تَرْكِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ اللَّخْمِيِّ: يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ بَعْضُهُمْ الصَّلَاةَ وَيَقِفُوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ؛ فَيُصَلِّيَ الْإِمَامُ بِاَلَّذِينَ مَعَهُ نِصْفَ الصَّلَاةِ وَتَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الْأُولَى، فَتُصَلِّيَ بَقِيَّةَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَانْظُرْ إنْ عَرَضَ لَهُمْ الْخَوْفُ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ ابْنُ بَشِيرٍ (وَحَلَّ لِلضَّرُورَةِ مَشْيٌ وَرَكْضٌ وَطَعْنٌ وَعَدَمُ تَوَجُّهٍ وَكَلَامٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ عَرَفَةَ بِهَذَا كُلِّهِ (وَإِمْسَاكُ مُلَطَّخٍ) ابْنُ شَاسٍ: وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ إلْقَاءُ السِّلَاحَ إذَا تَلَطَّخَ بِالدَّمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ وَلَا يَخْشَى عَلَيْهِ. (وَإِنْ أَمِنُوا بِهَا أَتَمَّتْ صَلَاةَ أَمْنٍ) ابْنُ رُشْدٍ: الْقَوْلُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ قَوْلُهُ: إذَا انْكَشَفَ الْخَوْفُ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الْإِمَامُ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنَّهُ يُتِمُّ بِالطَّائِفَتَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 مَعًا الصَّلَاةَ وَتَقْضِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مَا فَاتَهَا اللَّخْمِيِّ: فَإِنْ كَانَ فِي الظُّهْرِ - وَهُمْ مُقِيمُونَ - فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ ذَهَبَ الْخَوْفُ - وَهُوَ قَائِمٌ -، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي شَيْئًا وَبَعْضُهُمْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَبَعْضُهُمْ صَلَّى رَكْعَةً فَإِنَّهُ يَتَّبِعُهُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ، وَيُمْهِلُ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً حَتَّى يُصَلِّيَهَا الْإِمَامُ، ثُمَّ يَتَّبِعَهُ فِي الرَّابِعَةِ، وَيُمْهِلُ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يُسَلِّمَ الْإِمَامُ أَجْزَأَتْ صَلَاةُ مَنْ أَتَمَّ وَانْصَرَفَ قَبْلَ ذَهَابِ الْخَوْفِ (وَبَعْدَهَا لَا إعَادَةَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ رُكْبَانًا وَمُشَاةً مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، أَوْ غَيْرِهَا وَيَرْكَعُونَ إيمَاءً قَالَ مَالِكٌ: وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ إنْ أَمِنُوا فِي الْوَقْتِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَإِذَا كَانُوا طَالِبِينَ - وَعَدُوُّهُمْ مُنْهَزِمُونَ -، وَطَلَبُهُمْ أَثْخَنَ فِي قَتْلِهِمْ فَلْيُصَلُّوا بِالْأَرْضِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هُمْ فِي سَعَةٍ أَنْ لَا يَنْزِلُوا وَإِنْ كَانُوا طَالِبِينَ انْتَهَى وَانْظُرْ الْخَوْفَ بِالْبَحْرِ نَصَّ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُمْ إذَا قُوتِلُوا فِي الْبَحْرِ صَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ وَلَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُمْ رَمْيُهُمْ بِالنَّبْلِ (كَسَوَادٍ ظُنَّ عَدُوًّا فَظَهَرَ نَفْيُهُ) اللَّخْمِيِّ: لَهُمْ إنْ خَافُوا الْعَدُوَّ أَنْ يُصَلُّوا صَلَاةَ الْخَوْفِ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنُوهُ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْقَوْمِ نَظَرُوا إلَى سَوَادٍ فَظَنُّوهُ عَدُوًّا فَصَلَّوْا صَلَاةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 خَوْفٍ طَائِفَتَيْنِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ السَّوَادَ إبِلٌ، أَوْ غَيْرُهَا: إنَّ صَلَاتَهُمْ تَامَّةٌ وَاسْتَحَبَّ مُحَمَّدٌ الْإِعَادَةَ. (وَإِنْ سَهَا مَعَ الْأُولَى سَجَدَتْ بَعْدَ إكْمَالِهَا وَإِلَّا سَجَدَتْ الْقَبْلِيِّ مَعَهُ وَالْبَعْدِيَّ بَعْدَ الْقَضَاءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا سَهَا الْإِمَامُ مَعَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى سَجَدُوا لِلسَّهْوِ بَعْدَ بِنَائِهِمْ كَانَ قَبْلُ، أَوْ بَعْدُ، ثُمَّ إذَا صَلَّى بِالثَّانِيَةِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ سَجَدُوا مَعَهُ، ثُمَّ سَلَّمَ هُوَ، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ السَّلَامِ سَلَّمَ هُوَ وَسَجَدَ وَلَا يَسْجُدُونَ إلَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ. (وَإِنْ صَلَّى فِي ثُلَاثِيَّةٍ أَوْ رُبَاعِيَّةٍ بِكُلِّ رَكْعَةٍ بَطَلَتْ الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ فِي الرُّبَاعِيَّةِ كَغَيْرِهِمَا عَلَى الْأَرْجَحِ) ابْنُ حَبِيبٍ: لَوْ جَهِلَ الْإِمَامُ فِي الْمَغْرِبِ فَصَلَّى بِثَلَاثِ طَوَائِفَ رَكْعَةً رَكْعَةً فَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ جَائِزَةٌ وَتَفْسُدُ عَلَى الْأُولَى قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَابْنُ يُونُسَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ السُّنَّةَ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً فَقَدْ خَالَفَ السُّنَّةَ وَوَجَبَ أَنْ لَا تُجْزِئَهُمْ وَأَيْضًا فَقَدْ صَارُوا يُصَلُّونَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ أَفْذَاذًا وَقَدْ كَانَ وَاجِبٌ أَنْ يُصَلُّوهَا مَأْمُومِينَ، وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَهُمْ كَمَنْ فَاتَتْهُمْ رَكْعَةٌ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَأَدْرَكَ الثَّانِيَةَ فَوَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةَ الْبِنَاءِ وَرَكْعَةً فَذًّا وَكَذَلِكَ فَعَلُوا، وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ فَقَدْ وَافَقَ بِهَا سُنَّةَ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي الْمَغْرِبِ فَأَجْزَأَتْهُمْ، وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي الرُّبَاعِيَّةِ فِي الْحَضَرِ إنْ صَلَّاهَا بِأَرْبَعِ طَوَائِفَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً: إنَّ صَلَاتَهُ وَصَلَاةَ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ تَامَّةٌ وَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْبَاقِينَ، وَوَجْهُهُ عَلَى نَحْوِ مَا فَسَّرْنَا فِي الْمَغْرِبِ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَأَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ بِإِمَامٍ فَصَلَّوْهَا أَفْذَاذًا، وَكَذَلِكَ الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ الرَّكْعَةَ بِإِمَامٍ فَصَلَّوْهَا أَفْذَاذًا فَفَسَدَتْ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَهُمْ كَمَنْ فَاتَتْهُ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةٌ وَأَدْرَكَ الثَّانِيَةَ وَكَذَلِكَ الرَّابِعَةُ هُمْ كَمَنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ مِنْ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: بَلْ تَبْطُلُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فِي الثُّلَاثِيَّةِ وَالرُّبَاعِيَّةِ ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ بِهَا سُنَّتَهَا (وَصُحِّحَ خِلَافُهُ) ابْنُ الْجَلَّابِ: لَوْ جَهِلَ فَصَلَّى فِي الثُّلَاثِيَّةِ أَوْ الرُّبَاعِيَّةِ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً: صَلَاةُ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ بَاطِلَةٌ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَصَحِيحَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 [بَاب فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] [فَصَلِّ فِي حُكْم صَلَاة الْعِيد] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الثَّانِيَ عَشَرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ (سُنَّ لِعِيدٍ رَكْعَتَانِ) التَّلْقِينُ: صَلَاةُ الْعِيدِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهِيَ رَكْعَتَانِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا يُقَاتَلُ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهَا (لِمَأْمُورِ الْجُمُعَةِ) ابْنُ بَشِيرٍ: أَمَّا مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهَا وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ: إنَّمَا يُجَمِّعُهُمَا مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ ابْنُ عَبْدُوسٍ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ يُصَلِّيهِمَا أَهْلُ قَرْيَةٍ بِهَا عِشْرُونَ رَجُلًا أَشْهَبُ: أَسْتَحِبُّهَا لَهُمْ لَا الْجُمُعَةَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَمَنْ حَضَرَهَا مِنْهُمْ صَلَّى وَلَمْ يَنْصَرِفْ إلَّا بِانْصِرَافِ الْإِمَامِ، وَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ النِّسَاءُ فَمَا عَلَيْهِنَّ وَاجِبٌ إنْ صَلَّيْنَ وَيُسْتَحَبُّ لَهُنَّ أَنْ يُصَلِّينَ أَفْذَاذًا عَلَى سُنَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا يُجَمِّعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 بِهِنَّ أَحَدٌ وَسَمِعَ ابْنُ وَهْبٍ: لَيْسَ عَلَى مُسَافِرٍ صَلَاةُ عِيدٍ (مِنْ حِلِّ النَّافِلَةِ) التَّلْقِينُ: وَقْتُهَا إذَا أَشْرَقَتْ الشَّمْسُ. اللَّخْمِيِّ: وَقْتُهَا أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَتَبْيَضَّ وَتَذْهَبَ عَنْهَا الْحُمْرَةُ وَفِي النَّسَائِيّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَحِلُّ فِيهِ النَّافِلَةُ أَنْ تُشْرِقَ الشَّمْسُ وَتَرْتَفِعَ قَدْرَ رُمْحٍ وَيَذْهَبَ شُعَاعُهَا، يُرِيدُ رُمْحًا مِنْ أَرْمَاحِ الْعَرَبِ انْتَهَى. اُنْظُرْ إنْ كَانَ هَذَا قَدْرَ ثَمَانِيَةِ أَدْرَاجٍ ارْتِفَاعِيَّةٍ كُنْت أَذْكُرُ لِسَيِّدِي ابْنِ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْمَعْنَى وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ تُؤْتَى الصَّلَاةُ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 وَابْيَضَّتْ وَلَا يَنْبَغِي تَأْخِيرُهَا عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ مَالِكٌ: يُعَجِّلُ الْإِمَامُ الْخُرُوجَ فِي الْأَضْحَى وَيُخَفِّفُ مَا لَا يُخَفِّفُ فِي الْفِطْرِ لِشُغْلِ النَّاسِ فِي ذَبَائِحِهِمْ وَانْصِرَافِهِمْ إلَى أَهْلِهِمْ بِالْعَوَالِي (لِلزَّوَالِ) اللَّخْمِيِّ: آخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ فَإِنْ أَتَى الْعِلْمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ لَمْ يُصَلِّ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ وَلَا فِي غَيْرِهِ. هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ يُفْطِرُونَ وَيَخْرُجُونَ مِنْ الْغَدِ اللَّخْمِيِّ: وَبِهَذَا آخُذُ (وَلَا يُنَادِي: الصَّلَاةَ جَامِعَةً) الَّذِي لِعِيَاضٍ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ مَا نَصُّهُ: وَقَوْلُهُ: " يَبْعَثُ مُنَادِيًا الصَّلَاةَ جَامِعَةً " اسْتَحْسَنَ الشَّافِعِيُّ هَذَا وَهُوَ حَسَنٌ (وَافْتَتَحَ بِسَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ بِالْإِحْرَامِ، ثُمَّ بِخَمْسٍ غَيْرِ الْقِيَامِ) مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 الْمُدَوَّنَةِ: تَكْبِيرُ الْعِيدَيْنِ سَوَاءٌ يُكَبِّرُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعًا بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ (مُوَالًى إلَّا بِتَكْبِيرِ مُؤْتَمٍّ بِلَا قَوْلٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُمْهِلُ قَدْرَ تَكْبِيرِ مَأْمُومِهِ ابْنُ حَبِيبٍ: دُونَ دُعَاءٍ (وَتَحَرَّاهُ مُؤْتَمٌّ لَمْ يَسْمَعْ) ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ لَمْ يَسْمَعْ تَكْبِيرَ إمَامِهِ تَحَرَّاهُ. (وَكَبَّرَ نَاسِيهِ إنْ لَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ بَعْدَهُ، وَإِلَّا تَمَادَى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا نَسِيَ الْإِمَامُ التَّكْبِيرَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى حَتَّى قَرَأَ فَذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ رَجَعَ فَكَبَّرَ وَقَرَأَ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى رَكَعَ تَمَادَى وَلَمْ يُكَبِّرْ مَا فَاتَهُ وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ (وَسَجَدَ غَيْرُ الْمُؤْتَمِّ قَبْلَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْإِمَامِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى رَكَعَ تَمَادَى وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَأَمَّا الْمُؤْتَمُّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِالتَّكْبِيرِ، وَوَجَدَهُ رَاكِعًا دَخَلَ مَعَهُ وَكَبَّرَ وَاحِدَةً وَرَكَعَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِعَادَةُ سُورَةٍ لَهُمَا " الْبَحْثُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (وَمُدْرِكُ الْقِرَاءَةِ يُكَبِّرُ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِالتَّكْبِيرِ فَلْيَدْخُلْ مَعَهُ وَيُكَبِّرْ سَبْعًا، يُرِيدُ وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ إنْ وَجَدَهُ قَدْ رَفَعَ رَأْسَهُ، أَوْ قَائِمًا فِي الثَّانِيَةِ فَلْيَقْضِ رَكْعَةً يُكَبِّرُ فِيهَا سَبْعًا، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي التَّشَهُّدِ أَحْرَمَ وَجَلَسَ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَضَى رَكْعَتَيْنِ يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سَبْعًا، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا، وَإِنْ وَجَدَهُ قَائِمًا فِي الثَّانِيَةِ فَلْيُكَبِّرْ خَمْسًا وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يُكَبِّرُ وَاحِدَةً ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ قَدْ فَاتَهُ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ اسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ إذَا قَامَ لِقَضَائِهَا سَبْعًا هُوَ مِثْلُ مَا فِي الْحَجِّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ يَقُومُ مُدْرِكُ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِتَكْبِيرٍ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا: يُكَبِّرُ سِتَّ تَكْبِيرَاتٍ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ جَلَسَ مَعَ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ جُلُوسٍ أَنَّهُ يَقُومُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ؛ لِأَنَّهَا هِيَ سَبْعُ تَكْبِيرَاتٍ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ قَدْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فَإِذَا لَمْ يُكَبِّرْ لِلْقِيَامِ عَلَى الْأَصْلِ وَجَبَ أَنْ يُكَبِّرَ مَا بَقِيَ مِنْ التَّكْبِيرِ وَذَلِكَ سِتُّ تَكْبِيرَاتٍ، وَهَذَا قَوْلُهُ فِي الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ (فَمُدْرِكُ الثَّانِيَةِ يُكَبِّرُ خَمْسًا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْقَاسِمِ بِهَذَا، وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: الْأَظْهَرُ وَاحِدَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 (ثُمَّ سَبْعًا بِالْقِيَامِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إنَّ هَذَا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ (وَإِنْ فَاتَتْ قَضَى الْأُولَى بِسِتٍّ وَهَلْ بِغَيْرِ الْقِيَامِ تَأْوِيلَانِ) الْمَازِرِيُّ: إذَا أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ جَالِسًا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَأَحْرَمَ وَجَلَسَ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ، ثُمَّ قَامَ لِلْقَضَاءِ فَهَلْ يَسْقُطُ مِنْ عَدَدِ التَّكْبِيرِ هَذِهِ التَّكْبِيرَةُ الَّتِي دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا؟ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُكَبِّرُ وَيَجْلِسُ ثُمَّ يَقْضِي بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ بَاقِيَ التَّكْبِيرِ فَهَذَا اعْتِدَادٌ مِنْهُ بِهَذِهِ التَّكْبِيرَةِ فَيُكَبِّرُ سِتًّا غَيْرَهَا، انْتَهَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ. (وَنُدِبَ إحْيَاءُ لَيْلَتِهِ) رَوَى أَبُو أُمَامَةَ: «مَنْ أَحْيَا لَيْلَتَيْ الْعِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ» . الْحَاوِي: صَلَّى الْعِيدَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْأَوْلَى فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ خَرَجَ لِلْمُصَلَّى اسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي فِيهِ وَأَحْيَا لَيْلَتَهُ (وَغُسْلٌ) مَالِكٌ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ فِي كُلِّ عِيدٍ، وَوَاسِعٌ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْفَجْرِ قَالَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَسَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ اتِّصَالُهُ بِالْغَدِ وَلِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ مَسْنُونٍ (وَبَعْدَ الصُّبْحِ) ابْنُ حَبِيبٍ: أَفْضَلُ أَوْقَاتِ الْغُسْلِ لِلْعِيدَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ. (وَتَطَيُّبٌ وَتَزَيُّنٌ) مَالِكٌ: يُسْتَحَبُّ الزِّينَةُ وَالتَّطَيُّبُ فِي كُلِّ عِيدٍ (وَإِنْ لِغَيْرِ مُصَلٍّ) ابْنُ شَاسٍ: يُسْتَحَبُّ التَّزَيُّنُ لِلْقَاعِدِ وَالْخَارِجِ مِنْ الرِّجَالِ، وَأَمَّا الْعَجَائِزُ فَيَخْرُجْنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 فِي بِذْلَةِ الثِّيَابِ (وَمَشْيٌ فِي ذَهَابِهِ) مَالِكٌ: يُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ إلَى الْعِيدَيْنِ اللَّخْمِيِّ: يَعْنِي فِي الذَّهَابِ إلَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ ذَاهِبٌ إلَى رَبِّهِ لِيَتَقَرَّبَ إلَيْهِ فَيَذْهَبَ رَاجِلًا مُتَذَلِّلًا بِخِلَافِ الرُّجُوعِ (وَفِطْرٌ قَبْلَهُ فِي الْفِطْرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: اُسْتُحِبَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطْعَمَ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْأَضْحَى (وَتَأْخِيرُهُ فِي النَّحْرِ) التَّلْقِينُ: يُسْتَحَبُّ فِي الْأَضْحَى تَأْخِيرُ الْفِطْرِ إلَى الرُّجُوعِ مِنْ الْمُصَلَّى الْمَازِرِيُّ: لِيَكُونَ أَوَّلُ طَعَامِهِ مِنْ لَحْمِ قُرْبَتِهِ (وَخُرُوجٌ بَعْدَ الشَّمْسِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ فِيهَا بِقَدْرِ مَا إذَا بَلَغَ الْمُصَلَّى حَلَّتْ الصَّلَاةُ وَيَخْرُجُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ابْنُ عَرَفَةَ: رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ مَعَ الْمُدَوَّنَةِ: وَالنَّاسُ كَذَلِكَ وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: وَيَغْدُو النَّاسُ بِحَيْثُ يَكُونُونَ مُجْتَمِعِينَ قَبْلَ وُصُولِ الْإِمَامِ وَرَوَى عَلِيٌّ: لَا بَأْسَ بِهِ قَبْلَ الطُّلُوعِ، وَرَوَى أَبُو عُمَرَ يُسْتَحَبُّ إثْرَ صَلَاةِ الصُّبْحِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 (وَتَكْبِيرٌ فِيهِ حِينَئِذٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَيُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ فِي الْعِيدَيْنِ إذَا خَرَجَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ تَكْبِيرًا يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ وَفِي الْمُصَلَّى حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ لِلصَّلَاةِ قَطَعَ (لَا قَبْلَهُ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ غَدَا إلَيْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَا بَأْسَ وَلَكِنْ لَا يُكَبِّرُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ (وَصُحِّحَ خِلَافُهُ وَجَهْرٌ بِهِ) قَالَ مَالِكٌ: يَأْتِي الْإِمَامُ إلَى الْعِيدَيْنِ مَاشِيًا مُظْهِرًا لِلتَّكْبِيرِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَجْهَرَ فِي طَرِيقِهِ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ جَهْرًا يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ وَفَوْقَ ذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَ الْإِمَامُ، فَيُكَبِّرَ، وَيُكَبِّرُونَ بِتَكْبِيرِهِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ مِنْ التَّكْبِيرِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا هَدَانَا اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لَك مِنْ الشَّاكِرِينَ يَقُولُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ -: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185] وَكَانَ أَصْبَغُ يَزِيدُ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَمَا زِدْتَ، أَوْ نَقَصْتَ غَيْرَهُ فَلَا حَرَجَ (وَهَلْ لِمَجِيءِ الْإِمَامِ أَوْ لِقِيَامِهِ لِلصَّلَاةِ؟ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُكَبِّرُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 الْمُصَلَّى فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ قَطَعَ اللَّخْمِيِّ: الْمُسْتَحْسَنُ أَنْ يُكَبِّرَ فِي الْمُصَلَّى وَبَعْدَ أَنْ يَأْتِيَ الْإِمَامُ حَتَّى يَأْخُذَ فِي الصَّلَاةِ اُنْظُرْ التَّنْبِيهَاتِ. (وَنَحْرُهُ أُضْحِيَّتَهُ بِالْمُصَلَّى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: اسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ أُضْحِيَّتَهُ فَيَذْبَحَهَا، أَوْ يَنْحَرَهَا بِالْمُصَلَّى وَيُبْرِزَهَا لِلنَّاسِ إذَا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ وَلَوْ أَنَّ غَيْرَ الْإِمَامِ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ بِالْمُصَلَّى بَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ جَازَ وَكَانَ صَوَابًا وَقَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ. (وَإِيقَاعُهَا بِهِ إلَّا بِمَكَّةَ) الْمَازِرِيُّ قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ الْخُرُوجُ فِي الْعِيدِ إلَى الْمُصَلَّى إلَّا لِأَهْلِ مَكَّةَ فَالسُّنَّةُ صَلَاتُهُمْ إيَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ وَفِي التَّفْرِيعِ: الِاخْتِيَارُ أَنْ تُصَلَّى فِي الْمُصَلَّى دُونَ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقْوَامٌ لَا مُصَلَّى لَهُمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلُّوهَا فِي الْمَسْجِدِ الْمَازِرِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ صَلَاةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُصَلَّى الْعِيدَانِ فِي مَوْضِعَيْنِ. (وَرَفْعُ يَدَيْهِ فِي أُولَاهُ فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى (وَقِرَاءَتُهَا بِ كَسَبِّحْ وَالشَّمْسِ) ابْنُ عَرَفَةَ: قِرَاءَتُهَا جَهْرًا فِي الْمُدَوَّنَةِ بِ " سَبِّحْ " وَ " الشَّمْسِ " وَنَحْوِهِمَا (وَخُطْبَتَانِ كَالْجُمُعَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَخْرُجُ فِيهَا بِمِنْبَرٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 وَيَجْلِسُ الْإِمَامُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ فِي أَوَّلِهَا، وَفِي وَسَطِهَا (وَسَمَاعُهُمَا) الْبَاجِيُّ: الْخُطْبَةُ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ فَمَنْ شَهِدَ الصَّلَاةَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ وَلَا تَلْزَمُهُ مِنْ صَبِيٍّ، أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ عَبْدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ حُضُورَ سُنَّتِهَا وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ كَطَوَافِ النَّفْلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ رُكُوعَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سُنَّتِهِ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُنْصِتُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ كَالْجُمُعَةِ (وَاسْتِقْبَالُهُ، وَبَعْدِيَّتُهُمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: خُطْبَةُ الْعِيدِ إثْرَ الصَّلَاةِ سُنَّةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 (وَأُعِيدَتَا إنْ قُدِّمَتَا) أَشْهَبُ: مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَعَادَهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ (وَاسْتِفْتَاحٌ بِتَكْبِيرٍ) الْوَاضِحَةُ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَفْتَتِحَ خُطْبَتَهُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ بِالتَّكْبِيرِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ (وَتَخَلُّلُهُمَا بِهِ) مَالِكٌ: يَجْرِي فِي خِلَالِ خُطْبَتِهِ وَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ (بِلَا حَدٍّ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْوَاضِحَةِ فِي التَّكْبِيرِ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ، وَنَصُّ مَالِكٍ فِي التَّكْبِيرِ فِي خِلَالِهَا أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي كِلَيْهِمَا وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى قَبْلَ التَّحْمِيدِ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي مُبْتَدَأِ الثَّانِيَةِ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَمْضِي فِي خُطْبَتِهِ، فَكُلَّمَا انْقَضَتْ الْكَلِمَاتُ كَبَّرَ فِي ثَلَاثِ تَكْبِيرَاتٍ إسْمَاعِيلُ: تَكْثِيرُ التَّكْبِيرِ سُنَّةٌ الْمُغِيرَةُ: كَثْرَتُهُ عِيٌّ مَالِكٌ: وَيُكَبِّرُ النَّاسُ مَعَ الْإِمَامِ إذَا كَبَّرَ فِي خُطْبَتِهِ الْبَاجِيُّ: لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ. (وَإِقَامَةُ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا) قَالَ مَالِكٌ فِي أَهْلِ الْقُرَى الَّذِينَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ: لَا يُصَلُّونَ الْعِيدَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْتَمِعُوا وَيُصَلُّوا صَلَاةً بِغَيْرِ خُطْبَةٍ، وَإِنْ خَطَبَ فَحَسَنٌ ابْنُ رُشْدٍ: فِي هَذِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ اخْتِلَافٌ فِي الرِّوَايَةِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: صَلَاةُ الْعِيدِ تَلْزَمُ كُلَّ مُسْلِمٍ وَتَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ وَمَنْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ مِنْ الصِّبْيَانِ يُؤْمَرُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوهَا فِي جَمَاعَةٍ صَلَّوْهَا رَكْعَتَيْنِ حَيْثُ كَانُوا عَلَى سُنَّتِهَا فِي التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَتْ عَلَى النِّسَاءِ إلَّا أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ لَهُنَّ. (أَوْ فَاتَتْهُ) فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَجَدَ النَّاسَ قَدْ انْصَرَفُوا يَوْمَ الْعِيدِ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ صَلَاةً، وَإِنْ صَلَّى فِي الْمُصَلَّى، أَوْ فِي بَيْتِهِ فَلَا بَأْسَ وَيُكَبِّرُ سَبْعًا وَخَمْسًا الْبَاجِيُّ: وَهَلْ يُصَلِّيهَا مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 جَمَاعَةٍ؟ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَيْهَا مِنْ النِّسَاءِ لَا يُجَمِّعُ بِهِنَّ أَحَدٌ. (وَتَكْبِيرُهُ إثْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً) ابْنُ عَرَفَةَ: يُسْتَحَبُّ تَكْبِيرُ كُلِّ مُصَلٍّ إثْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً ابْنُ عَرَفَةَ: يُسْتَحَبُّ تَكْبِيرُ كُلِّ مُصَلٍّ إثْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ قَالَ مَالِكٌ: وَيُكَبِّرُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ وَالْمُسَافِرُونَ وَكُلُّ مُسْلِمٍ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، أَوْ وَحْدَهُ ابْنُ شَعْبَانَ: وَتُسْمِعُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا التَّكْبِيرَ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ فِي بَيْتِهَا (وَسُجُودِهَا الْبَعْدِيِّ) أَشْهَبُ: وَيُؤَخِّرُ عَنْ سُجُودِ السَّهْوِ الْبَعْدِيِّ (مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ) تَقَدَّمَ نَحْوُ هَذَا فِي عِبَارَةِ ابْنِ عَرَفَةَ (لَا نَافِلَةٍ) الشَّيْخُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ: لَا يُكَبِّرُ إثْرَ النَّفْلِ الْمَازِرِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ مَالِكٌ: يُكَبِّرُ (وَمَقْضِيَّةٍ فِيهَا مُطْلَقًا) . ابْنُ سَحْنُونٍ: مَنْ قَضَى صَلَاةً نَسِيَهَا مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ زَوَالِهَا فَلَا تَكْبِيرَ عَلَيْهِ وَقَالَ غَيْرُهُ: إنْ ذَكَرَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ صَلَّاهَا وَكَبَّرَ بِعَقِبِهَا وَذَكَرَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ لَهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ التَّكْبِيرِ لَهَا قَدْ فَاتَ، وَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، لَمْ تَخْرُجْ بَعْدُ (وَكَبَّرَ نَاسِيهِ إنْ قَرُبَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 فَإِنْ كَانَ بِالْقُرْبِ رَجَعَ فَكَبَّرَ، وَإِنْ بَعُدَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (وَمُؤْتَمٌّ إنْ تَرَكَهُ إمَامُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ سَهَا الْإِمَامُ عَنْ التَّكْبِيرِ وَالْقَوْمُ جُلُوسٌ فَلْيُكَبِّرُوا وَمَنْ فَاتَهُ بَعْضُ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَلَا يُكَبِّرُ حَتَّى يَقْضِيَ (وَلَفْظُهُ، وَهُوَ اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا) عِيَاضٌ: الْمَشْهُورُ حَدُّهُ ثَلَاثٌ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِي تَكْبِيرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَدًّا وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا وَرَوَاهُ عَلِيٌّ (وَإِنْ قَالَ بَعْدَ تَكْبِيرَتَيْنِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ تَكْبِيرَتَيْنِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَحَسَنٌ) الرِّسَالَةُ: إنْ جَمَعَ مَعَ التَّكْبِيرِ تَهْلِيلًا وَتَحْمِيدًا فَحَسَنٌ يَقُولُ إنْ شَاءَ ذَلِكَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ابْنُ يُونُسَ: بِهَذَا أَخَذَ أَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَرَوَيَاهُ عَنْ مَالِكٍ لَكِنَّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ التَّكْبِيرَ مَرَّتَيْنِ، قَبْلَ التَّهْلِيلِ وَبَعْدَهُ. (وَكُرِهَ تَنَفُّلٌ بِمُصَلًّى قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا إلَّا بِمَسْجِدٍ فِيهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا صَلَّوْا جَمَاعَةً صَلَاةَ الْعِيدِ فِي مَسْجِدٍ لِعِلَّةٍ أَوْ صَلَّوْهَا جَمَاعَةً فِي مَسْجِدِ سَاحِلٍ مِنْ السَّوَاحِلِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّنَفُّلِ فِيهِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا قَالَ: وَإِنَّمَا كُرِهَ التَّنَفُّلُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَبَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى اُنْظُرْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 قَوْلَ النَّاسِ يَوْمَ الْعِيدِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ: غَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَلَك تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك قَالَ مَالِكٌ: لَا أَعْرِفُهُ وَلَا أُنْكِرُهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَرَأَيْت أَصْحَابَهُ لَا يَبْتَدِئُونَ بِهِ وَيُعِيدُونَهُ عَلَى قَائِلِهِ، وَلَا بَأْسَ بِابْتِدَائِهِ. [بَابُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوف] [فَصَلِّ فِي حُكْم صَلَاة الْكُسُوف وَالْخُسُوف] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ ابْنُ بَشِيرٍ: الْكُسُوفُ عِبَارَةٌ عَنْ ظُلْمَةِ أَحَدِ النَّيِّرَيْنِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، أَوْ بَعْضِهِمَا. وَهَلْ الْخُسُوفُ وَالْكُسُوفُ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ؟ التَّحَاكُمُ فِي هَذَا إلَى اللُّغَةِ، وَمَقْصُودُنَا نَحْنُ أَحْكَامُ الصَّلَاةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الْحَادِثِ انْتَهَى. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الْأَجْوَدُ أَنْ يُقَالَ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ. . (سُنَّ وَإِنْ لِعَمُودِيٍّ وَمُسَافِرٍ لَمْ يَجِدَّ سَيْرُهُ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ) التَّلْقِينُ: صَلَاةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: هِيَ سُنَّةٌ لَا تُتْرَكُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 وَيُصَلِّيهَا أَهْلُ الْقُرَى وَالْعَمُودِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَيُصَلِّيهَا الْمُسَافِرُونَ وَيُجَمِّعُونَ إلَّا أَنْ يُعَجِّلَ بِالْمُسَافِرِينَ السَّيْرُ، وَيُصَلِّيهَا الْمُسَافِرُ وَحْدَهُ وَتُصَلِّيهَا الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا، وَلَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ الْمُتَجَالَّةُ لَهَا ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُصَلِّيهَا الْعَبِيدُ ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا قَالَ: " يُصَلِّيهَا كُلُّ أَحَدٍ " لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " إذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ بِهِمَا فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ " وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ تَطَوَّعَ مَنْ يُصَلِّي بِالْبَادِيَةِ صَلَاةَ الْكُسُوفِ فَلَا بَأْسَ ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ الَّذِي لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، وَأَمَّا مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ فَلَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهِمْ الْجَمْعَ لِلْكُسُوفِ أَشْهَبُ: مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا مَعَ الْإِمَامِ مِنْ ضَعْفٍ، أَوْ امْرَأَةٍ صَلَّاهَا فَذًّا وَرَوَى عَلِيٌّ لَا يَقْضِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 (رَكْعَتَانِ بِزِيَادَةِ قِيَامَيْنِ وَرُكُوعَيْنِ) ابْنُ عَرَفَةَ: هِيَ رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ وَقِيَامَانِ (سِرًّا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا أَحْسَنُ لِثُبُوتِهِ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ الْمَازِرِيُّ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجْهَرُ فِيهَا، وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ قَالَا: يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ وَمِمَّنْ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: سَمِعْت أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ يَجْهَرُ فِيهَا بِقِرَاءَةِ: " سَأَلَ سَائِلٌ " وَبِالْجَهْرِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو يُوسُفَ الْمَازِرِيُّ وَوَجْهُ هَذَا وَاخْتِيَارِ بَعْضِ أَشْيَاخِي مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ» ، وَأَيْضًا فَإِنَّ السُّنَنَ الْمُقَامَةَ بِالنَّهَارِ كَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَكَذَلِكَ هَذِهِ السُّنَّةُ. (وَرَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ لِخُسُوفِ الْقَمَرِ كَالنَّوَافِلِ) الْجَلَّابُ وَاللَّخْمِيِّ: صَلَاةُ خُسُوفِ الْقَمَرِ سُنَّةٌ التَّلْقِينُ: فَضِيلَةٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَمْ أَسْمَعْ أَنَّهُ يُجَمَّعُ لِخُسُوفِ الْقَمَرِ وَلَكِنْ يُصَلُّونَ أَفْذَاذًا رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ النَّوَافِلِ وَيَدْعُونَ وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 يَجْهَرُونَ (جَهْرًا بِلَا جَمْعٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجَمَّعُ لِخُسُوفِ الْقَمَرِ وَصَوَّبَ اللَّخْمِيِّ وَأَشْهَبُ أَنَّهُ يُجَمَّعُ لَهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَدْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. (وَنُدِبَ بِالْمَسْجِدِ) عِيَاضٌ: مِنْ سُنَنِ صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ أَنْ تُصَلَّى فِي الْأَمْصَارِ جَمَاعَةً فِي الْجَوَامِعِ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَصْبَغُ: يُصَلِّي لِكُسُوفِ الشَّمْسِ فِي الْمَسْجِدِ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَشْهُورُ كَوْنُ صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ فِي الْبُيُوتِ وَرَوَى عَلِيٌّ يَفْزَعُونَ إلَى الْجَامِعِ يُصَلُّونَ أَفْذَاذًا وَيُكَبِّرُونَ وَيَدْعُونَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 (وَقِرَاءَةُ الْبَقَرَةِ ثُمَّ مُوَالِيَاتِهَا فِي الْقِيَامَاتِ) اُنْظُرْ سُكُوتَهُ عَنْ الْفَاتِحَةِ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ مَا أَمْكَنَ وَلَمْ يَضُرَّ بِمَنْ خَلْفَهُ إنْ كَانَ إمَامًا الْمَازِرِيُّ: ظَاهِرُهُ نَفْيُ التَّحْدِيدِ لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ: يَقْرَأُ بِنَحْوِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ يَرْكَعُ طَوِيلًا وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: حَزَرُوا قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِ " يس " وَ " الْعَنْكَبُوتِ " وَقِرَاءَةَ أَبَانَ بِ " سَأَلَ سَائِلٌ " وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى بِالْبَقَرَةِ قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَيَرْكَعُ طَوِيلًا نَحْوَ قِرَاءَتِهِ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَقْرَأُ قِرَاءَةً طَوِيلَةً نَحْوَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ يَرْكَعُ نَحْوَ قِرَاءَتِهِ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ تَامَّتَيْنِ لَا تَطْوِيلَ فِيهِمَا، ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْرَأُ بِنَحْوِ النِّسَاءِ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ بِنَحْوِ الْمَائِدَةِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ قَبْلَ كُلِّ سُورَةٍ انْتَهَى وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ هَذِهِ عَنْ الْمُخْتَصَرِ، وَوَجَّهَ قَوْلَهُ لَا تَطْوِيلَ فِي السَّجْدَتَيْنِ قَالَ: وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطَوِّلَ فِي السُّجُودِ وَيُوَالِيَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَيْ لَا يَقْعُدَ بَيْنَهُمَا قُعُودًا طَوِيلًا قَالَ: وَوَجَّهَ قَوْلَ مَالِكٍ إنَّهُ يَفْتَتِحُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الْأَرْبَعِ بِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أَنَّهَا قِرَاءَةٌ يَتَعَقَّبُهَا رُكُوعٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَوَجَّهَ أَيْضًا الْقَوْلَ الْآخَرَ إنَّهُ لَا يَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ إلَّا فِي الْأُولَى مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 وَفِي الْأُولَى مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (وَوَعْظٌ بَعْدَهَا) رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يَسْتَقْبِلُ الْإِمَامُ النَّاسَ بَعْدَ سَلَامِهِ فَيُذَكِّرُهُمْ وَيُخَوِّفُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَدْعُوا اللَّهَ وَيُكَبِّرُوا وَيَتَصَدَّقُوا ابْنُ يُونُسَ: وَلَا خُطْبَةَ مُرَتَّبَةً فِيهَا (وَرَكَعَ كَالْقِرَاءَةِ) تَقَدَّمَ نَصُّ مَالِكٍ فَيَرْكَعُ نَحْوَ قِرَاءَتِهِ (وَسَجَدَ كَالرُّكُوعِ) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَاَلَّذِي لِمَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا تَطْوِيلَ فِي السُّجُودِ، وَوَجَّهَ ابْنُ يُونُسَ كِلَا الْقَوْلَيْنِ. (وَوَقْتُهَا كَالْعِيدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا سُنَّتُهَا أَنْ تُصَلَّى ضَحْوَةً إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ، وَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَ الزَّوَالِ إمَامٌ وَلَا غَيْرُهُ انْتَهَى. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُصَلَّى فِي كُلِّ وَقْتٍ وَرَجَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشْيَاخِ قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ أُمِرَ بِهَا عِنْدَ حَادِثٍ يَحْدُثُ فَوَجَبَ أَنْ تُصَلَّى عِنْدَهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْتُ مَنْهِيًّا عَنْهُ (وَتُدْرَكُ الرَّكْعَةُ بِالرُّكُوعِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الرَّكْعَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 الْأُولَى لَمْ يَقْضِ شَيْئًا وَأَجْزَأَتْهُ كَمَنْ فَاتَتْهُ الْقِرَاءَةُ مِنْ الصَّلَاةِ وَأَدْرَكَ الرُّكُوعَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّمَا يَقْضِي رَكْعَةً فِيهَا رَكْعَتَانِ، وَتُجْزِئُهُ. (وَلَا تُكَرَّرُ) مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَتَمُّوا صَلَاةَ الْكُسُوفِ - وَالشَّمْسُ بِحَالِهَا - لَمْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ وَلَكِنْ يَدْعُونَ وَمَنْ شَاءَ تَنَفَّلَ (وَإِنْ انْجَلَتْ فِي أَثْنَائِهَا فَفِي إتْمَامِهَا كَالنَّوَافِلِ قَوْلَانِ) ابْنُ حَارِثٍ: اتَّفَقُوا إذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْكُسُوفِ فَأَتَمَّ رَكْعَتَيْنِ وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْجَلَتْ الشَّمْسُ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيَتَمَادَى وَاخْتَلَفُوا كَيْفَ يُصَلِّي مَا بَقِيَ؟ فَقَالَ أَصْبَغُ: يُصَلِّي مَا بَقِيَ عَلَى سُنَّتِهَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا وَقَالَ سَحْنُونَ: يُصَلِّي رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَلَا يُصَلِّي ذَلِكَ عَلَى سُنَّةِ صَلَاةِ الْخُسُوفِ، انْتَهَى جَمِيعُ مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ. (وَقُدِّمَ فَرْضٌ خِيفَ فَوَاتُهُ) هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَتَعَقَّبَهَا خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ قَائِلًا: لَعَلَّهُ يُرِيدُ الْجِنَازَةَ، وَإِلَّا لَمْ يَتَأَتَّ هَذَا الْفَرْعُ عَلَى الْمَشْهُورِ (ثُمَّ كُسُوفٌ، ثُمَّ عِيدٌ، وَأُخِّرَ الِاسْتِسْقَاءُ لِيَوْمٍ آخَرَ) عَبْدُ الْحَقِّ: إذَا اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَاسْتِسْقَاءٌ وَعِيدٌ وَجُمُعَةٌ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَيُبْدَأُ بِالْخُسُوفِ - لِئَلَّا تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ ثُمَّ - عِيدٍ، ثُمَّ الْجُمُعَةِ وَيُتْرَكُ الِاسْتِسْقَاءُ لِيَوْمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْعِيدَ يَوْمُ تَجَمُّلٍ وَمُبَاهَاةٍ وَالِاسْتِسْقَاءَ يَوْمُ رَهْبَةٍ وَسُكُونٍ فَيُؤَخَّرُ الْمَازِرِيُّ: لَا يَتَّفِقُ هَذَا عَادَةً وَلَا مَعْنَى لِتَصْوِيرِ خَوَارِقِ الْعَادَةِ إلَّا أَنْ يُرَادَ مَعْرِفَةُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ ابْنُ عَرَفَةَ: قَدْ سَبَقَ الْغَزَالِيُّ بِهَذَا الْعُذْرِ. [بَاب فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ] [فَصَلِّ فِي حُكْم صَلَاة الِاسْتِسْقَاء] فَصْلٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ (سُنَّ الِاسْتِسْقَاءُ لِزَرْعٍ، أَوْ شُرْبٍ بِنَهْرٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ بِسَفِينَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مَعَهَا: صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةٌ اللَّخْمِيِّ: يُرِيدُ بِجَدْبٍ، أَوْ شُرْبٍ وَلَوْ لِدَوَابَّ بِصَحْرَاءَ، أَوْ فِي سَفِينَةٍ أَوْ فِي حَضَرٍ وَقَدْ أَخَذُوا زُرُوعَهُمْ وَاحْتَاجُوا إلَى ذَلِكَ اللَّخْمِيِّ: الِاسْتِسْقَاءُ لِسَعَةِ خِصْبٍ مُبَاحٌ وَلِنُزُولِ الْجَدْبِ بِغَيْرِهِمْ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَلِيَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَحَدِيثَيْ: «مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ» «وَدَعْوَةُ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ» وَرَدَّ هَذَا الْمَازِرِيُّ بِأَنَّ الدُّعَاءَ سُنَّةٌ الصَّلَاةِ وَسَمِعَ أَشْهَبُ قِيلَ لِمَالِكٍ: أَهْلُ قَرْيَةٍ إذَا كَثُرَ مَطَرُهُمْ سَالَ وَادِيهِمْ بِمَا يَشْرَبُونَ فَمُطِرُوا فَزَرَعُوا وَلَمْ يَسِلْ وَادِيهِمْ بِمَا يَشْرَبُونَ أَيَسْتَسْقُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، زَادَ الْمَازِرِيُّ لَهُمْ الِاسْتِسْقَاءُ وَالسُّؤَالُ فِي الزِّيَادَةِ وَلَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي الْبَيَانِ ابْنُ عَرَفَةَ: فَأَطْلَقَ هَذَا الشَّيْخُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا يُرِيدُ الدُّعَاءَ لَا الْبُرُوزَ إلَى الْمُصَلَّى عَلَى سُنَّةِ الِاسْتِسْقَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْحَاجَةِ الشَّدِيدَةِ إلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 الْغَيْثِ وَقَدْ رَوَى أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْبُرُوزَ لِلِاسْتِسْقَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْحَطْمَةِ الشَّدِيدَةِ ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا قَوْلُهُ أَيْضًا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ لَا بَأْسَ بِالِاسْتِسْقَاءِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ الدُّعَاءَ لَا الْبُرُوزَ إلَى الْمُصَلَّى لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الضُّحَى وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: سُنَّتُهَا أَنْ تُصَلَّى ضَحْوَةً لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْحِينِ ابْنُ اللُّبِّيِّ: وَكَذَا أَيْضًا إلَى الِاحْتِيَاجِ إلَى الْبُرُوزِ، وَإِنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى أَمْرٍ أَشَدَّ. اُحْتِيجَ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ بِتُونُسَ مِرَارًا وَإِمَامُ جَامِعِهَا الشَّيْخُ وَلَمْ يُصَلِّهَا بِالنَّاسِ وَقَالَ: خِفْت إنْ صَلَّيْتهَا أَنْ يَشْتَدَّ أَمْرُ الطَّعَامِ وَيَقْوَى الْهَرْجُ وَالْغَلَاءُ (رَكْعَتَانِ جَهْرًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا بَلَغَ الْمُصَلَّى صَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ فِيهِمَا وَيَقْرَأُ بِ (سَبِّحْ) (وَالشَّمْسِ) وَنَحْوَهُمَا (وَكُرِّرَ إنْ تَأَخَّرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: جَائِزٌ الِاسْتِسْقَاءُ مِرَارًا. ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِهِ أَيَّامًا مُتَوَالِيَةً وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي إبْطَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 النِّيلِ. قَالَ أَصْبَغُ: وَقَدْ فُعِلَ ذَلِكَ عِنْدَنَا بِمِصْرَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً يَسْتَسْقُونَ عَلَى سُنَّةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَحَضَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَرِجَالٌ صَالِحُونَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ (وَخَرَجُوا ضُحًى) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: " تُصَلَّى ضُحًى " (مُشَاةً بِبِذْلَةٍ وَتَخَشُّعٍ) قَالَ مَالِكٌ: يَخْرُجُ لَهَا الْإِمَامُ مَاشِيًا مُتَوَاضِعًا غَيْرَ مُظْهِرٍ لِفَخْرٍ وَلَا زِينَةٍ رَاجِيًا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ لَا يُكَبِّرُ فِي مَمْشَاهُ حَتَّى يَأْتِيَ مُصَلَّاهُ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَخْرُجُ النَّاسُ أَيْضًا مُشَاةً فِي بِذْلَتِهِمْ لَا يَلْبَسُونَ ثِيَابَ الْجُمُعَةِ (مَشَايِخُ وَمُتَجَالَّةٌ وَصِبْيَةٌ لَا مَنْ لَا يَعْقِلُ مِنْهُمْ وَبَهِيمَةٌ وَحَائِضٌ) الْمَازِرِيُّ: يَخْرُجُ لِلِاسْتِسْقَاءِ الرِّجَالُ وَمَنْ يَعْقِلُ الصَّلَاةَ مِنْ الصِّبْيَانِ وَالْمُتَجَالَّاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَقَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِي: اُخْتُلِفَ فِي خُرُوجِ مَنْ لَا يَعْقِلُ الصَّلَاةَ مِنْ الصِّبْيَانِ وَخُرِّجَ عَلَى مَنْعِ الْحَائِضِ وَمَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 لَا يَعْقِلُ مَنْعُ خُرُوجِ الْبَهَائِمِ وَذُكِرَ أَنَّ مُوسَى بْنَ نُصَيْرٍ أَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ يُونُسَ: اسْتَحْسَنَ فِعْلَ مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَقَالَ: أَرَادَ اسْتِجْلَابَ رِقَّةِ الْقُلُوبِ بِمَا فَعَلَ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ انْتَهَى (وَلَا يُمْنَعُ ذِمِّيٌّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُمْنَعُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ (وَانْفَرَدَ لَا بِيَوْمٍ) الْمَازِرِيُّ: إذَا أَجَزْنَا خُرُوجَهُمْ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَخْرُجُونَ وَقْتَ خُرُوجِ النَّاسِ يَعْتَزِلُونَ نَاحِيَةً وَلَا يَخْرُجُونَ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ وَلَا بَعْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَخْشَى إنْ اسْتَسْقَوْا قَبْلُ، أَوْ بَعْدُ أَنْ يُوَافِقُوا نُزُولَ الْغَيْثِ فَيَكُونَ فِي ذَلِكَ فِتْنَةٌ لِلنَّاسِ (ثُمَّ خَطَبَ كَالْعِيدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا سَلَّمَ وَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ فَجَلَسَ جَلْسَةً فَإِذَا اطْمَأَنَّ النَّاسُ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى قَوْسٍ، أَوْ عَصًا قَائِمًا عَلَى الْأَرْضِ فَخَطَبَ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجَلْسَةٍ خَفِيفَةٍ، فَإِذَا اطْمَأَنَّ النَّاسُ وَفَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَائِمًا وَالنَّاسُ جُلُوسٌ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ مَكَانَهُ يَرُدُّ مَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ وَمَا عَلَى الْأَيْسَرِ عَلَى الْأَيْمَنِ وَلَا يُقَلِّبُ رِدَاءَهُ فَيَجْعَلُ الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ وَالْأَسْفَلَ الْأَعْلَى. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ: وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: صِفَةُ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ عِنْدَنَا مَا قَالَهُ مَالِكٌ: يُحَوِّلُ رِدَاءَهُ مَا عَلَى الْأَيْمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ وَمَا عَلَى الْأَيْسَرِ عَلَى الْأَيْمَنِ وَلَا يُقَلِّبُهُ فَيَجْعَلُ الْأَسْفَلَ الْأَعْلَى، وَالْأَعْلَى الْأَسْفَلَ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ: فَجَعَلَ مَا عَلَى ظَهْرِهِ مِنْهُ يَلِي السَّمَاءَ وَمَا كَانَ يَلِي السَّمَاءَ يَجْعَلُهُ يَلِي ظَهْرَهُ انْتَهَى نَصُّ الْمَازِرِيِّ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَا نَصَّهُ الْمَازِرِيُّ: رِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ " يَجْعَلُ مَا عَلَى ظَهْرِهِ يَلِي السَّمَاءَ وَمَا لِلسَّمَاءِ عَلَى ظَهْرِهِ " خِلَافُ رِوَايَةِ الْمُدَوَّنَةِ عِيَاضٌ: مَنْ جَعَلَهَا خِلَافًا وَهَمَ إذْ لَا يَتَأَتَّى جَعْلُ مَا عَلَى يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ وَلَا يُقَلِّبُهُ فَيَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ إلَّا بِجَعْلِ مَا عَلَى ظَهْرِهِ يَلِي السَّمَاءَ ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَاهُ تَفْسِيرُهَا بِجَعْلِ مَا عَلَى يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ وَمَا عَلَى يَسَارِهِ عَلَى يَمِينِهِ مَعَ بَقَاءِ سَطْحِهِ الظَّاهِرِ ظَاهِرًا بِتَصْيِيرِ الْحَاشِيَةِ الْعُلْيَا سُفْلَى، وَمُقْتَضَى قَوْلِ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ الْعَكْسُ، وَمُقْتَضَى الْجَلَّابِ جَوَازُ جَمِيعِهِمَا (وَبَدَّلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 التَّكْبِيرَ بِالِاسْتِغْفَارِ وَبَالَغَ فِي الدُّعَاءِ آخِرَ الثَّانِيَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تَكْبِيرَ فِي خُطْبَةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَلَا فِي صَلَاتِهَا ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَيَصِلُ كَلَامَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَيَأْمُرُهُمْ بِهِ اللَّخْمِيِّ: وَلَا يَدْعُو لِلْأَمِيرِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَأْمُرُ فِيهَا بِالطَّاعَةِ وَيُحَذِّرُ فِيهَا مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَيَحُضُّ عَلَى الصَّدَقَةِ. الْمَازِرِيُّ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ يَسْتَسْقِي اللَّهَ وَيَدْعُو قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ظُهُورَهُمَا إلَى السَّمَاءِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَيَبْتَهِلُونَ فِي الدُّعَاءِ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ الِاسْتِغْفَارُ حَتَّى يَطُولَ ذَلِكَ وَيَرْتَفِعَ النَّهَارُ، ثُمَّ إنْ شَاءَ الْإِمَامُ انْصَرَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ تَحَوَّلَ إلَيْهِمْ فَكَلَّمَهُمْ بِكَلِمَاتٍ وَرَغَّبَهُمْ فِي الصَّدَقَةِ وَهُوَ الَّذِي اسْتَحَبَّ أَصْبَغُ (ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ يَمِينَهُ يَسَارَهُ بِلَا تَنْكِيسٍ) تَقَدَّمَتْ النُّصُوصُ بِهَذَا وَانْظُرْ سُكُوتَهُ عَنْ غَيْرِ الْإِمَامِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَحَوَّلَ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ كَذَلِكَ وَهُمْ جُلُوسٌ ثُمَّ يَدْعُو الْإِمَامُ قَائِمًا وَيَدْعُو النَّاسُ وَهُمْ جُلُوسٌ (وَنُدِبَ خُطْبَةٌ بِالْأَرْضِ) الْمَازِرِيُّ: مَنَعَتْ الْمُدَوَّنَةُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَجَازَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعَةِ (وَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَهُ وَصَدَقَةٌ وَلَا يَأْمُرُ بِهِمَا الْإِمَامُ) قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى النَّاسِ صِيَامٌ قَبْلَ الِاسْتِسْقَاءِ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لِيَأْمُرْهُمْ الْإِمَامُ أَنْ يُصْبِحُوا يَوْمَ الِاسْتِسْقَاءِ صِيَامًا وَلَوْ أَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ يَسْتَسْقُوا إثْرَ ذَلِكَ كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 أَحَبَّ إلَيَّ وَقَدْ فَعَلَهُ مُوسَى بْنُ نُصَيْرٍ (بَلْ بِتَوْبَةٍ وَرَدِّ تَبِعَةٍ) اللَّخْمِيِّ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ قَبْلَ الِاسْتِسْقَاءِ بِالتَّوْبَةِ وَبِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ إلَى أَهْلِهَا وَأَنْ يَتَقَرَّبُوا إلَى اللَّهِ بِالصَّدَقَةِ (وَجَازَ تَنَفُّلٌ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَفَّلَ قَبْلَ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَبَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى (وَاخْتَارَ إقَامَةَ غَيْرِ الْمُحْتَاجِ بِمَحَلِّهِ لِمُحْتَاجٍ وَقَالَ فِيهِ نَظَرٌ) تَقَدَّمَ هَذَا الْفَصْلُ ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 [كِتَابُ الْجَنَائِزِ] [حُكْم غَسَلَ الْمَيِّت] وَالنَّظَرُ فِيهِ يَتَعَلَّقُ بِأَدَبَيْ الْمُحْتَضَرِ وَبِغُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ وَتَحْنِيطِهِ وَحَمْلِ جِنَازَتِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَدَفْنه وَالتَّعْزِيَةِ وَالْبُكَاءِ عَلَيْهِ (فِي وُجُوبِ غُسْلِ الْمَيِّتِ بِمُطَهِّرٍ وَلَوْ بِزَمْزَمَ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَدَفْنِهِ وَكَفَنِهِ وَسُنِّيَّتِهِمَا خِلَافٌ) أَمَّا الْخِلَافُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: غُسْلُ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ. قَالَ الشَّيْخُ مَعَ الْأَكْثَرِ: سُنَّةٌ. قَالَ الْقَاضِي مَعَ الْبَغْدَادِيِّينَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَأَمَّا غُسْلُهُ بِمُطَهِّرٍ فَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: يَجُوزُ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ لِلِقَاءِ الْمَلَائِكَةِ لَا لِلتَّطْهِيرِ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: الِاكْتِفَاءُ بِهِ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَمَّا غُسْلُهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ أَيْضًا: لَا وَجْهَ لِقَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ لَا يُغْسَلُ بِمَاءِ زَمْزَمَ مَيِّتٌ وَلَا نَجَاسَةٌ. وَأَمَّا الْخِلَافُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ عِيَاضٌ: الصَّلَاةُ عَلَى الْجَنَائِزِ مِنْ فُرُوضِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 الْكِفَايَةِ، وَقِيلَ سُنَّةٌ. وَرَوَى الْجَلَّابُ عَنْ مَالِكٍ هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. الْمَازِرِيُّ: اسْتَنْبَطَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ. وَأَمَّا وُجُوبُ دَفْنِهِ وَكَفَنِهِ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: غُسْلُ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينُهُ وَتَحْنِيطُهُ سُنَّةٌ، وَأَمَّا دَفْنُهُ فَفَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْجَمِيعِ إنَّهُ مِنْ الْفُرُوضِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: التَّكْفِينُ عِنْدَنَا وَاجِبٌ (وَتَلَازُمًا) ابْنُ عَرَفَةَ: لَا يُغَسَّلُ مَنْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ مُطْلَقًا. قَالَ مَالِكٌ: يُغْسَلُ الدَّمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 عَنْ السِّقْطِ لَا كَغُسْلِ الْمَيِّتِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ. (وَغُسِّلَ كَالْجَنَابَةِ) ابْنُ بَشِيرٍ: أَمَّا صِفَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 غُسْلِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ فِي صَبِّ الْمَاءِ وَالتَّدَلُّكِ عَلَى حُكْمِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ (تَعَبُّدًا) اللَّخْمِيِّ قَالَ مَالِكٌ: يَتَيَمَّمُ الْمَيِّتُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غُسْلَهُ تَعَبُّدٌ (بِلَا نِيَّةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: تُجْزِئُ غُسْلُ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا يَعْقِدُهُ الْإِنْسَانُ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى نِيَّةٍ كَغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا. [تَغْسِيل أَحَد الزَّوْجَيْنِ صَاحِبه] (وَقُدِّمَ الزَّوْجَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُغَسِّلُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَيَسْتُرُ كُلُّ وَاحِدٍ عَوْرَةَ صَاحِبِهِ. وَأَجَازَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ يُغَسِّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بَادِيَ الْعَوْرَةِ. اللَّخْمِيِّ. الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ (إنْ صَحَّ النِّكَاحُ إلَّا أَنْ يَفُوتَ فَاسِدُهُ بِالْقَضَاءِ) لَوْ قَالَ إلَّا أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 يَفُوتَ فَاسِدُهُ بِالدُّخُولِ لَكَانَ أَبْيَنَ. قَالَ سَحْنُونَ: إذَا مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَظَهَرَ أَنَّ نِكَاحَهُمَا فَاسِدٌ لَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَلَا يُغَسِّلُ الْحَيُّ الْمَيِّتَ، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فِي الصَّدَاقِ فَلَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ وَلَهُ أَنْ يُغَسِّلَهَا إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا يُغَسِّلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ (بِالْقَضَاءِ) سَحْنُونَ: يُقْضَى لِلزَّوْجِ بِغُسْلِ زَوْجَتِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ إذَا أَبِي الْأَوْلِيَاءُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كِلَا الزَّوْجَيْنِ أَوْلَى بِغُسْلِ صَاحِبِهِ مِنْ الْآخَرِ. أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ. (وَإِنْ رَقِيقًا أَذِنَ سَيِّدُهُ) سَحْنُونَ: لِلْعَبْدِ غُسْلُ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ وَلَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْضِيَ بِذَلِكَ لِوَاحِدِ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ تَكُونَ زَوْجَةُ الْعَبْدِ حُرَّةً وَيَأْذَنُ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْغُسْلِ فَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ (أَوْ قَبْلَ بِنَاءٍ) سَحْنُونَ. يُغَسِّلُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ سَوَاءٌ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ أَمْ لَا (أَوْ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ) سَحْنُونَ: إنْ ظَهَرَ بِأَحَدِهِمَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَلِلْبَاقِي مِنْهُمَا أَنْ يُغَسِّلَ صَاحِبَهُ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ حَلَالٌ يَتَوَارَثَانِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ. (أَوْ وَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 وَإِنْ وَضَعَتْ الزَّوْجَةُ حَمْلَهَا بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ وَقَبْلَ غُسْلِهِ فَجَائِزٌ أَنْ تُغَسِّلَهُ وَإِنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا قَدْ انْقَضَتْ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الْعِدَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يُغَسِّلُ امْرَأَتَهُ وَلَيْسَ فِي عِدَّةٍ مِنْهَا (وَالْأَحَبُّ نَفْيُهُ إنْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ) ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ وَامْرَأَتُهُ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ قَبْلَ غُسْلِهِ فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ وَتُغَسِّلَهُ، وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ وَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا فَلَهُ أَنْ يُغَسِّلَهَا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَحَبُّ إلَيَّ إذَا نَكَحَ أُخْتَهَا أَنْ لَا يُغَسِّلَهَا وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَلِكَ عِنْدِي إذَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا تُغَسِّلَهُ (لَا رَجْعِيَّةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْمُطَلَّقَةُ وَاحِدَةً لَا يُغَسِّلُهَا زَوْجُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا تُغَسِّلُهُ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ سَأَلَتْهُ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَهَا فَأَذِنَ لَهَا قَبْلَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا لَمْ يَكُنْ إذْنُهُ إذْنًا وَلَا قَضَاءً لَهُ عَلَيْهَا حَتَّى يُرَاجِعَهَا (وَكِتَابِيَّةً إلَّا بِحَضْرَةٍ مُسْلِمٍ) سَحْنُونَ: لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ غُسْلُ زَوْجَتِهِ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ. (وَإِبَاحَةُ الْوَطْءِ لِمَوْتِ بِرِقٍّ يُبِيحُ الْغُسْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمِلْكُ الْمَبِيعُ لِلْوَطْءِ كَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ كَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ لَغْوٌ كَالْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُعْتَقَةِ لِأَجَلٍ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أُمُّ الْوَلَدِ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 الْغُسْلِ كَالزَّوْجَةِ تُغَسِّلُ سَيِّدَهَا وَيُغَسِّلُهَا. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ: وَكَذَلِكَ مَنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا مِثْلُ أَمَتِهِ وَمُدَبَّرَتِهِ وَأَمَّا مُكَاتَبَتُهُ سَحْنُونَ: أَوْ مُعْتَقٌ بَعْضُهَا أَوْ إلَى أَجَلٍ أَوْ مَنْ لَهُ فِيهَا شِرْكٌ فَلَا تُغَسِّلُهُ وَلَا يُغَسِّلُهَا. (ثُمَّ أَقْرَبُ أَوْلِيَائِهِ) اللَّخْمِيِّ: الْأَوْلِيَاءُ أَوْلَى بِغُسْلِ الْمَيِّتِ ثُمَّ أُولَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ (ثُمَّ أَجْنَبِيٌّ) . ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَشْرُوعُ أَنْ يُغَسِّلَ الرِّجَالُ أَمْثَالَهُمْ وَالنِّسَاءُ أَمْثَالَهُنَّ (ثُمَّ امْرَأَةٌ مَحْرَمٌ وَهَلْ تَسْتُرُهُ أَوْ عَوْرَتَهُ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ مَاتَ فِي سَفَرٍ لَا رِجَالَ مَعَهُ وَمَعَهُ نِسَاءٌ فِيهِنَّ ذَاتُ مَحْرَمٍ مِنْهُ أُمٌّ أَوْ أُخْتٌ أَوْ عَمَّةٌ أَوْ غَيْرُهُنَّ فَلْيَغْسِلْنَهُ وَيَسْتُرْنَهُ. اللَّخْمِيِّ: أَيْ يَسْتُرْنَ جَسَدَهُ كُلَّهُ وَقَالَ غَيْرُهُ يَسْتُرْنَ عَوْرَتَهُ (ثُمَّ يُمِّمَ لِمِرْفَقَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ ذَاتُ مَحْرَمٍ مِنْهُ يَمَّمْنَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ (كَعَدَمِ الْمَاءِ) عِنْدَ قَوْلِهِ " وَقُدِّمَ ذُو مَاءٍ مَاتَ " (وَتَقْطِيعِ الْجَسَدِ وَتَزْلِيعِهِ وَصُبَّ عَلَى مَجْرُوحٍ أَمْكَنَ مَاءٌ كَمَجْدُورٍ إنْ لَمْ يُخَفْ تَزْلِيعُهُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا مَاتَ جَرِيحٌ أَوْ مَجْدُورٌ وَخِيفَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَلَّعَ، إنْ غُسِّلَ فَلْيُصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ صَبًّا رَقِيقًا بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ وَلَا يُيَمِّمُوهُ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: مَنْ وُجِدَ تَحْتَ الْهَدْمِ وَقَدْ تَهَشَّمَ رَأْسُهُ وَعِظَامُهُ وَالْمَجْدُورُ وَالْمُنْسَلِخُ فَيُغَسَّلَانِ مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ ذَلِكَ مِنْهُمْ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: ذُو الْجُدَرِيِّ وَالْمُشَرَّحُ وَمَنْ إنْ مُسَّ تَسَلَّخَ يُصَبُّ الْمَاءُ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَقَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ الْجَسَدُ الْمُقَطَّعُ يُيَمَّمُ خِلَافُهُ. (وَالْمَرْأَةُ أَقْرَبُ امْرَأَةٍ) اللَّخْمِيِّ: أَمَّا الْمَرْأَةُ فَأَوْلَى النَّاسِ ابْنَتُهَا ثُمَّ بِنْتُ ابْنِهَا عَلَى مِثْلِ مَنَازِلِ الرِّجَالِ (ثُمَّ أَجْنَبِيَّةٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ بَشِيرٍ: الْمَشْرُوعُ أَنْ يُغَسِّلَ النِّسَاءُ أَمْثَالَهُنَّ (وَلُفَّ شَعْرُهَا وَلَا يُضَفَّرُ) الضَّفْرُ نَسْجُ الشَّعْرِ وَغَيْرِهِ عَرِيضًا وَعَقْصُهُ ضَفْرُهُ وَلِيُّهُ عَلَى رَأْسِهِ. سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْمَرْأَةِ ذَاتِ الشَّعْرِ تُغَسَّلُ كَيْفَ يُصْنَعُ بِشَعْرِهَا أَيُضَفَّرُ أَمْ يُفْتَلُ أَمْ يُرْسَلُ؟ وَهَلْ يُجْعَلُ الْأَكْفَانَ أَمْ يُعْقَصُ وَيُرْفَعُ مِثْلَ مَا تَرْفَعُهُ الْحَيَّةُ بِالْخِمَارِ؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَفْعَلُونَ بِهِ كَيْفَ شَاءُوا وَأَمَّا الضَّفْرُ فَلَا أَعْرِفُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ مِنْ الْأَمْرِ الْوَاجِبِ وَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَسَنٌ مِنْ الْفِعْلِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَتْ ابْنَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا غَسَّلْنَاهَا ضَفَّرْنَا شَعْرَ رَأْسِهَا فَجَعَلْنَا ثَلَاثَ ضَفَائِرَ نَاصِيَتَهَا وَقَرْنَاهَا ثُمَّ أَلْقَيْنَاهَا مِنْ خَلْفِهَا. وَقَدْ رُوِيَ مَا يُصْنَعُ بِالْمَيِّتِ يُصْنَعُ بِالْعَرُوسِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُحْلَقُ وَلَا يُنَوَّرُ (ثُمَّ مَحْرَمٌ فَوْقَ ثَوْبٍ ثُمَّ يُمِّمَتْ لِكُوعَيْهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ مَعَ الرِّجَالِ لَا نِسَاءَ مَعَهُمْ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا غَسَّلَهَا مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذُو مَحْرَمٍ يَمَّمَ وَجْهَهَا وَيَدَيْهَا إلَى الْكُوعَيْنِ. (وَسُتِرَ مِنْ سُرَّتِهِ لِرُكْبَتَيْهِ) . الْمَازِرِيُّ: قِيلَ فِي غُسْلِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ يُجَرَّدُ مَا سِوَى الْعَوْرَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَحَمَلَهُ بَعْضُ أَشْيَاخِي عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَوْرَةِ السَّوْأَتَانِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَرُ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ. وَأَمَّا غُسْلُ الْمَرْأَةِ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا تُسْتَرُ مِنْهَا مَا يَسْتُرُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 الرُّكْبَةِ (وَإِنْ زَوْجًا) تَقَدَّمَ نَصُّهَا بِهَذَا. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ. [أَرْكَان صَلَاة الْجِنَازَة] (وَرُكْنُهَا النِّيَّةُ) اُنْظُرْ إتْيَانَهُ بِالضَّمِيرِ هُنَا. عِيَاضٌ: مِنْ فُرُوضِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَشُرُوطِ صِحَّتِهَا النِّيَّةُ. فِي الْعُتْبِيَّةِ: إنْ نَوَى الْإِمَامُ بِالصَّلَاةِ أَحَدَهُمَا وَنَوَاهُمَا مَنْ خَلْفَهُ جَمِيعًا أُعِيدَتْ الصَّلَاةُ عَلَى الَّذِي لَمْ يَنْوِهِ الْإِمَامُ (وَأَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ) عِيَاضٌ: مِنْ فُرُوضِهَا وَشُرُوطِ صِحَّتِهَا أَيْضًا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَثَلَاثُ تَكْبِيرَاتٍ بَعْدَهَا وَالدُّعَاءُ بَيْنَهُنَّ (وَإِنْ زَادَ لَمْ يُنْتَظَرْ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ الْإِمَامُ مِمَّنْ يُكَبِّرُ خَمْسًا فَلْيَقْطَعْ الْمَأْمُومُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَلَا يَتْبَعْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 فِي الْخَامِسَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ: يَسْكُتُ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ سَلَّمَ بِسَلَامِهِ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُسَافِرِ يُصَلِّي بِالْمُسَافِرِينَ فَيُتِمُّ الصَّلَاةَ (وَالدُّعَاءُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ عِيَاضٍ وَالدُّعَاءُ بَيْنَهُنَّ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ هُوَ الْقَصْدُ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: هَلْ وَقَّتَ فِيهِ مَالِكٌ ثَنَاءً وَغَيْرَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مَا عَلِمْت أَنَّهُ قَالَ إلَّا الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ فَقَطْ. وَفِي حَدِيثِ عَوْفٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ» . وَقَالَ عَوْفٌ: فَتَمَنَّيْت أَنِّي كُنْت الْمَيِّتَ لِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: كَيْفَ تُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ؟ فَقَالَ: أَحْمَدُ اللَّهَ وَأُصَلِّي عَلَى نَبِيِّهِ ثُمَّ أَقُولُ: اللَّهُمَّ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ. اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ اللَّهُمَّ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ. قَالَ مَالِكٌ: هَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي الدُّعَاءِ عَلَى الْجَنَائِزِ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ إذَا أُتِيَ بِجِنَازَةٍ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «كُلُّ مِائَةٍ أُمَّةٌ وَلَنْ يَجْتَمِعَ مِائَةٌ لِمَيِّتٍ فَيَجْتَهِدُونَ لَهُ فِي الدُّعَاءِ إلَّا وَهَبَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ لَهُمْ» وَإِنَّكُمْ جِئْتُمْ شُفَعَاءَ لِأَخِيكُمْ فَاجْتَهَدُوا بِالدُّعَاءِ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. فَإِنْ كَانَ رَجُلًا قَامَ عِنْدَ وَسَطِهِ، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً قَامَ عِنْدَ مَنْكِبَيْهَا ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك أَنْتَ خَلَقْتَهُ وَهَدَيْتَهُ لِلْإِسْلَامِ وَأَنْتَ قَبَضْتَ رُوحَهُ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ جِئْنَا شُفَعَاءَ لَهُ، اللَّهُمَّ نَسْتَجِيرُ بِحَبْلِ جِوَارِك لَهُ إنَّك ذُو وَفَاءٍ وَذِمَّةٍ، أَعِذْهُ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ جَهَنَّمَ. اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، اللَّهُمَّ نَوِّرْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَأَلْحِقْهُ بِنَبِيِّهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَأَنَا أَسْتَحْسِنُ أَنْ يُكَبِّرَ ثُمَّ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ وَأَحْيَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى لَهُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ وَالْمُلْكُ وَالْقُدْرَةُ وَالسَّنَاءُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، ثُمَّ تُصَلِّي التَّصْلِيَةَ التَّامَّةَ ثُمَّ تَدْعُو بِدُعَاءِ عَوْفٍ ثُمَّ تُكَبِّرُ الثَّانِيَةَ وَتَحْمَدُ وَتُصَلِّي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ ثُمَّ تَدْعُو بِدُعَاءِ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ تُكَبِّرُ الثَّالِثَةَ وَتَحْمَدُ وَتُصَلِّي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَدْعُو بِدُعَاءِ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ تُكَبِّرُ الرَّابِعَةَ وَتَقُولُ بَعْدَ التَّحْمِيدِ وَالتَّصْلِيَةِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَحَاضِرِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا إنَّك تَعْلَمُ مُتَقَلَّبَنَا وَمَثْوَانَا وَلَوَالِدَيْنَا وَلِمَنْ سَبَقَنَا بِالْإِيمَانِ. اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ، وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتُوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَأَسْعِدْنَا بِلِقَائِك وَطَيِّبْنَا لِلْمَوْتِ وَاجْعَلْ فِيهِ رَاحَتَنَا ثُمَّ تُسَلِّمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً قُلْت: اللَّهُمَّ إنَّهَا أَمَتُك ثُمَّ تَتَمَادَى بِذِكْرِهَا عَلَى التَّأْنِيثِ غَيْرَ أَنَّك لَا تَقُولُ وَأَبْدِلْهَا زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ زَوْجًا فِي الْآخِرَةِ لِزَوْجِهَا فِي الدُّنْيَا، وَنِسَاءُ الْجَنَّةِ مَقْصُورَاتٌ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ لَا يَبْغِينَ بِهِمْ بَدَلًا، وَالرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ زَوْجَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَلَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ أَزْوَاجٌ. وَإِنْ كَانَ طِفْلًا فَإِنَّك تُثْنِي عَلَى اللَّهِ وَتُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّهُ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك أَنْتَ خَلَقْته وَرَزَقْته وَأَنْتَ أَمَتَّهُ وَأَنْتَ تُحْيِيه. اللَّهُمَّ فَاجْعَلْهُ لِوَالِدَيْهِ سَلَفًا وَذُخْرًا وَفَرَطًا وَأَجْرًا وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمْ وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمْ وَلَا تَحْرِمْنَا وَإِيَّاهُمْ أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا وَإِيَّاهُمْ بَعْدَهُ، اللَّهُمَّ وَأَلْحِقْهُ بِصَالِحِ سَلَفِ الْمُؤْمِنِينَ فِي كَفَالَةِ إبْرَاهِيمَ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَعَافِهِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ. تَقُولُ ذَلِكَ بَعْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَتَقُولُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَسْلَافِنَا وَأَفْرَاطِنَا وَمَنْ سَبَقَنَا بِالْإِيمَانِ، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتُوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَاغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ ثُمَّ تُسَلِّمُ، وَانْظُرْ إذَا ظَنَّ الْمَيِّتُ ذَكَرًا فَدَعَا بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ فَإِذَا بِالْمَيِّتِ أُنْثَى قَالَ مَالِكٌ: صَلَاتُهُ تَامَّةٌ. التُّونِسِيُّ: هَذَا صَوَابٌ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَى بِالدُّعَاءِ الشَّخْصَ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 بِذَلِكَ. (وَدَعَا بَعْدَ الرَّابِعَةِ عَلَى الْمُخْتَارِ) أَبُو عُمَرَ: السُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ إذَا كَبَّرَ الرَّابِعَةَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَعَلَيْهِ النَّاسُ. قَالَ سَحْنُونَ: وَيَدْعُو بَعْدَ الرَّابِعَةِ. اللَّخْمِيِّ: وَهُوَ أَبْيَنُ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ ابْنَ يُونُسَ اسْتَحْسَنَهُ (وَإِنْ وَالَاهُ أَوْ سَلَّمَ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ أَعَادَ وَإِنْ دُفِنَ فَعَلَى الْقَبْرِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا وَالَى بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَلَمْ يَدْعُ فَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا وَسَمِعَهُ زِيَادٌ. ابْنُ رُشْدٍ: أَقَلُّهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِذَا تَرَكَ بَعْضَ التَّكْبِيرِ جَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا. فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ مَا رُفِعَتْ أُنْزِلَتْ فَأَتَمَّ بَقِيَّةَ التَّكْبِيرِ عَلَيْهَا مَعَ النَّاسِ ثُمَّ يُسَلِّمُ، فَإِذَا تَطَاوَلَ ذَلِكَ وَلَمْ تُدْفَنْ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ دُفِنَتْ تُرِكَتْ وَلَمْ تُكْشَفْ وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا. انْتَهَى، نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ. وَأَمَّا ابْنُ بَشِيرٍ فَسَوَّى بَيْنَ مَنْ دُفِنَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ أَوْ صَلَاةٍ نَاقِصَةٍ وَقَالَ: فِي الصَّلَاةِ عَلَى قَبْرِهِ قَوْلَانِ. وَاَلَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ مِمَّنْ دُفِنَ دُونَ صَلَاةٍ أُخْرِجَ لَهَا مَا لَمْ يَفُتْ فَإِنْ فَاتَ فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ: يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ. فَقَوْلُ خَلِيلٍ: " وَإِنْ دُفِنَ فَعَلَى الْقَبْرِ " مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ فِيمَنْ دُفِنَ بِصَلَاةٍ غَيْرِ تَامَّةِ التَّكْبِيرِ، وَإِنْ أَرَادَ مَنْ دُفِنَ دُونَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ أَصْلًا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ يُخْرَجُ مَا لَمْ يَفُتْ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالْفَوَاتُ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِ الْمَيِّتِ مِنْ قَبْرِهِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ هُوَ أَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ (وَتَسْلِيمَةٌ خَفِيفَةٌ وَسَمَّعَ الْإِمَامُ مَنْ يَلِيهِ) عِيَاضٌ: مِنْ فُرُوضِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَشُرُوطِ صِحَّتِهَا السَّلَامُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 آخِرًا. سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُسَلِّمُ الْإِمَامُ وَاحِدَةً وَسَمَّعَ مَنْ يَلِيهِ مَنْ وَرَاءَهُ يُسَلِّمُونَ وَاحِدَةً فِي أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ أَسْمَعُوا مَنْ يَلِيهِمْ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ سَوَاءٌ فَالْإِمَامُ يُسْمِعُ مَنْ يَلِيهِ لِأَنَّهُمْ يَقْتَدُونَ بِهِ فَيُسَلِّمُونَ بِسَلَامَةِ بِخِلَافِ مَنْ خَلْفَهُ إنَّمَا يُسَلِّمُ لِيَتَحَلَّلَ مِنْ صَلَاتِهِ فَيُسَلِّمَ فِي نَفْسِهِ. وَفِي سَمَاعِ ابْنِ غَانِمٍ: يَرُدُّ الْمَأْمُومُ عَلَى الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِسَائِرِ الرِّوَايَاتِ. ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: فِي الْوَاضِحَةِ: لَا يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ إلَّا مَنْ سَمِعَهُ. (وَصَبَرَ الْمَسْبُوقُ لِلتَّكْبِيرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ فَاتَهُ بَعْضُ التَّكْبِيرِ انْتَظَرَ حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ فَيُكَبِّرُ مَعَهُ ثُمَّ يَقْضِيَ إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مَا فَاتَهُ مِنْ التَّكْبِيرِ مُتَتَابِعًا، رَوَى ابْنُ الْحَكَمِ: وَيَدْخُلُ الْإِمَامُ بِالنِّيَّةِ. رَوَى عَلِيٌّ: وَيَدْعُو فِي انْتِظَارِهِ. (وَدَعَا إنْ تُرِكَتْ وَإِلَّا وَالَى) نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَةُ عَلِيٍّ يَقْضِي إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مَا فَاتَهُ مِنْ التَّكْبِيرِ مُتَتَابِعًا. ابْنُ عَرَفَةَ: رَابِعُ الْأَقْوَالِ لِابْنِ حَبِيبٍ إنْ تَأَخَّرَ رَفْعُهَا أَمْهَلَ فِي دُعَائِهِ وَإِلَّا فَإِنْ دَعَا خَفَّفَ انْتَهَى. اُنْظُرْ بَقِيَ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا الْقِيَامُ لَهَا نَصَّ عَلَيْهِ عِيَاضٌ. وَبَقِيَ أَيْضًا الْإِمَامَةُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ شَرْطِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ الْإِمَامَةُ فَإِنْ صُلِّيَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إمَامٍ أُعِيدَتْ الصَّلَاةُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ أَوْ رَعَفَ اسْتَخْلَفَ وَإِنْ ذَكَرَ مَنْسِيَّةً تَمَادَى بِخِلَافِ لَوْ ذَكَرَهَا فِي فَرِيضَةٍ غَيْرِهَا. [الْكَفَن] (وَكُفِّنَ بِمَلْبُوسِهِ لِجُمُعَةٍ وَقُدِّمَ كَمُؤْنَةِ الدَّفْنِ عَلَى دَيْنِ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ. ابْنُ رُشْدٍ: الْفَرْضُ مِنْ الْكَفَنِ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ وَالزَّائِدُ لِسَتْرِ غَيْرِهَا سُنَّةٌ. ابْنُ بَشِيرٍ: أَقَلُّهُ ثَوْبٌ يَسْتُرُ كُلَّهُ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا يُقْضَى بِالزَّائِدِ ". ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُسْتَحَبُّ إيصَاؤُهُ. أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثِيَابِ جُمُعَتِهِ وَإِحْرَامِ حَجِّهِ رَجَاءَ بَرَكَةِ ذَلِكَ. وَقَدْ أَوْصَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَنْ يُكَفَّنَ فِي جُبَّةَ صُوفٍ شَهِدَ بِهَا بَدْرًا. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَالْحُنُوطُ يُرِيدُ وَجَمِيعُ مُؤَنِ الْمَيِّتِ فِي إقْبَارِهِ إلَّا أَنْ يُوَارَى مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. قَالَ: وَالرَّهْنُ أَوْلَى مِنْ الْكَفَنِ وَالْكَفَنُ أَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ سَتْرَ الْمَيِّتِ وَصِيَانَتَهُ حَقٌّ لِلَّهِ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ. وَإِنَّمَا قَالَ: إذَا كَانَ الْكَفَنُ مَرْهُونًا فَالرَّهْنُ أَوْلَى مِنْ الْكَفَنِ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ حَازَهُ عَنْ عِوَضٍ. (وَلَوْ سُرِقَ) قَالَ يَحْيَى: سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الْمَيِّتِ يُنْبَشُ؟ قَالَ: لَا يُعَادُ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ الْأُولَى تُجْزِئُهُ وَلَكِنْ يُدْفَنُ وَيُكَفَّنُ وَيُبْدَأُ كَفَنُهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ بُدِئَ أَيْضًا كَمَا يُبْدَأُ الْكَفَنُ الْأَوَّلُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَسَوَاءٌ عَلَى هَذَا كَانَ الْمَالُ قَدْ قُسِّمَ أَمْ لَا. (ثُمَّ إنْ وُجِدَ وَعُوِّضَ وُرِّثَ إنْ فُقِدَ الدَّيْنُ) قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: إنْ وُجِدَ الْكَفَنُ الْأَوَّلُ فَهُوَ مِيرَاثٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إلَّا إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ لِلْغُرَمَاءِ (كَأَكْلِ السُّبْعِ الْمَيِّتَ) قَالَ أَبُو الْعَلَاءِ الْبَصْرِيُّ: لَوْ نُبِشَ الْمَيِّتُ فَأَكَلَهُ السُّبْعُ وَبَقِيَ كَفَنُهُ كَانَ لِلْوَرَثَةِ. (وَهُوَ عَلَى الْمُنْفِقِ بِقَرَابَةٍ) اللَّخْمِيِّ: عَلَى الْأَبِ أَنْ يُكَفِّنَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ الْمُزْمِنَ، وَعَلَى الِابْنِ أَنْ يُكَفِّنَ أَبَوَيْهِ. هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 مَالِكٍ (أَوْ رِقٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: كَفَنُ ذِي رِقٍّ عَلَى رَبِّهِ حَتَّى الْمُكَاتَبُ. قَالَ سَحْنُونَ: مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ كُفَّارًا (لَا زَوْجَتِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ فِي كَفَنِ الزَّوْجَةِ فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ مَلِيَّةً كَانَتْ أَوْ مُعْدِمَةً. اللَّخْمِيِّ: وَقَالَهُ سَحْنُونَ وَهَذَا أَحْسَنُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ لِمَكَانِ الزَّوْجِيَّةِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَأْتِي فِي النِّكَاحِ أَنَّ أُجْرَةَ الطَّبِيبِ وَالْحِجَامَةِ وَمَا تَتَطَيَّبُ بِهِ مِنْ شَرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ مِنْهَا شَيْءٌ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ: يُقْضَى عَلَى الزَّوْجِ بِكَفَنِهَا إنْ كَانَتْ مُوسِرَةً انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الرِّسَالَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ مَا عَزَا لِمَالِكٍ فِيهَا وَاحِدًا. (وَالْفَقِيرُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْفَقِيرِ وَالِدًا وَوَلَدًا أَوْ كَانُوا فُقَرَاءَ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالٌ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُ فَعَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. (وَنُدِبَ تَحْسِينُ ظَنٍّ بِاَللَّهِ) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ» عِيَاضٌ: يُسْتَحَبُّ غَلَبَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 الْخَوْفِ مَا دَامَ الْإِنْسَانُ فِي مُهْلَةِ الْعَمَلِ فَإِذَا دَنَا الْأَجَلُ وَذَهَبَ الْأَمَلُ وَانْقَطَعَ الْعَمَلُ اُسْتُحِبَّ غَلَبَةُ الرَّجَاءِ. قَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّ ثَمَرَةَ الْخَوْفِ تَتَعَذَّرُ حِينَئِذٍ. (وَتَقْبِيلُهُ عِنْدَ إحْدَادِهِ عَلَى أَيْمَنَ ثُمَّ ظَهْرٍ) قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ تَرْكَ تَوْجِيهِ الْمَيِّتَ إلَى الْقِبْلَةِ إذَا اسْتَطَاعَ ذَلِكَ قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: مَا عَلِمْته مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا فَعَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إلَّا عِنْدَ إحْدَادٍ نَظِيرِهِ وَشُخُوصِ بَصَرِهِ اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ (وَتَجَنُّبُ حَائِضٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَجْلِسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ إذَا اُحْتُضِرَ إلَّا أَفْضَلَ أَهْلِهِ وَأَحْسَنَهُمْ هَدْيًا وَكَلَامًا وَأَنْ يُكْثِرُوا لَهُ مِنْ الدُّعَاءِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَحْضُرُونَهُ وَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَاءِ الدَّاعِينَ، وَأَكْرَهُ أَنْ تَحْضُرَهُ حَائِضٌ أَوْ كَافِرٌ أَوْ يَكُونَ عَلَيْهِ أَوْ قُرْبَهُ ثَوْبٌ غَيْرَ طَاهِرٍ. (أَوْ جُنُبٍ) اللَّخْمِيِّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ الْقُرْآنُ وَيَكُونَ عِنْدَهُ طِيبٌ وَيُجَنَّبُهُ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ. الْمَازِرِيُّ: لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ جُنُبٌ أَوْ حَائِضٌ (وَتَلْقِينُهُ الشَّهَادَةَ) ابْنُ حَبِيبٍ: يَنْبَغِي أَنْ يُلَقَّنَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. اللَّخْمِيِّ: يُلَقَّنُ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ وَيُعَادُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَرَّةً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 بَعْدَ مَرَّةٍ. (وَتَغْمِيضُهُ) ابْنُ حَبِيبٍ: يَنْبَغِي أَنْ يُغَمَّضَ بَصَرُهُ إذَا قُضِيَ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ غَيْرُهُ الْإِغْمَاضُ سُنَّةٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يُغَمِّضَهُ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ: إذَا لَمْ يُغَمَّضْ الْمَيِّتُ وَبَقِيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 كَثِيرًا فَلْيَجْبِذْهُ رَجُلٌ مِنْ إبْهَامِ رِجْلِهِ الْأَيْمَنِ وَآخَرُ مِنْ عَضُدَيْهِ فَيَتَغَمَّضُ. (وَشَدُّ لَحْيَيْهِ) اللَّحْيُ مَنْبَتُ اللِّحْيَةِ. سَنَدٌ: يُشَدُّ لَحْيَاهُ قَبْلَ بَرْدِهِ يُشَدُّ لَحْيُهُ الْأَسْفَلُ بِعِصَابَةٍ تُرْبَطُ عِنْدَ رَأْسِهِ خَوْفَ دُخُولِ الْهَوَامِّ فَاهُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَخَوْفَ تَشْوِيهِ خَلْقِهِ (إذَا قُضِيَ) هَذِهِ عِبَارَةُ الرِّسَالَةِ. قَالَ شَارِحُهَا: مَعْنَى قُضِيَ مَاتَ. وَقَالَ الزَّنَاتِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ حَذْفِ أَيْ إذَا قُضِيَ أَجَلُهُ (وَتَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ بِرِفْقٍ وَرَفْعُهُ عَنْ الْأَرْضِ) اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَوَضْعُهُ عَلَى مُرْتَفِعٍ " (وَسَتْرُهُ بِثَوْبٍ) نَقَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إنَّمَا أُمِرَ بِتَغْطِيَةِ وَجْهِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَغَيَّرُ تَغَيُّرًا وَحْشِيًّا مِنْ الْمَرَضِ فَيَظُنُّ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ مَا لَا يَجُوزُ (وَوَضْعُ ثَقِيلٍ عَلَى بَطْنِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْمَذْهَبِ جَعْلُ حَدِيدَةٍ عَلَى بَطْنِهِ خَوْفَ انْتِفَاخِهِ لَا أَعْرِفُهُ فِي الْمَذْهَبِ. وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مُبَاحٌ (وَإِسْرَاعُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 تَجْهِيزِهِ إلَّا الْغَرَقَ) ابْنُ شَعْبَانَ: يُعَجَّلُ غُسْلُهُ إثْرَ مَوْتِهِ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُسْتَأْنَى الْغَرِيقُ رُبَّمَا غَمَرَ الْمَاءُ قَلْبَهُ ثُمَّ أَفَاقَ. ابْنُ رُشْدٍ: الْأَوْلَى كَوْنُ الْغُسْلِ عِنْدَ إرَادَةِ حَمْلِهِ. (وَلِلْغُسْلِ سِدْرٌ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِجْمَالَ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَطْلُوبُ فِي الْغُسْلِ الْإِنْقَاءُ. اللَّخْمِيِّ: لَا يُقْصَرُ عَنْ الثَّلَاثِ فَإِنْ أَنْقَى بِأَرْبَعٍ خَمَّسَ وَبِسِتٍّ سَبَّعَ. ابْنُ رُشْدٍ: يُسْتَحَبُّ الْوِتْرُ وَأَدْنَاهُ ثَلَاثٌ. أَبُو عُمَرَ: الْأَوْلَى بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ أَوْ الْخِطْمِيِّ أَوْ الْأُشْنَانِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يُغَسَّلَ مَا تَحْتَهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ، ثُمَّ الثَّانِيَةُ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ إنْ شَاءَ بَارِدًا وَإِنْ شَاءَ سُخْنًا، ثُمَّ الثَّالِثَةُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَيُجْعَلُ فِيهَا كَافُورًا، انْتَهَى مِنْ الْكَافِي: وَقَدْ قُدِّمَ فِي الِاسْتِذْكَارِ الْمَاءُ الْقَرَاحُ عَلَى الْغَسْلَةِ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ وَكَذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 (وَتَجْرِيدُهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ تَجْرِيدُهُ لِلْغُسْلِ الْمَسْتُورِ الْعَوْرَةِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُ غَاسِلِهِ وَمَنْ يَلِيهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا ثُمَّ لَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» . [كَيْفِيَّة غَسَلَ الْمَيِّت] (وَوَضْعُهُ عَلَى مُرْتَقِعٍ) ابْنُ شَاسٍ: الْأَكْمَلُ فِي كَيْفِيَّةِ غُسْلِ الْمَيِّتِ أَنْ يُحْمَلَ إلَى مَوْضِعٍ خَالٍ وَيُوضَعُ عَلَى سَرِيرٍ (وَإِيتَارُهُ كَالْكَفَنِ لِسَبْعٍ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلِلْغُسْلِ سِدْرٌ " قَوْلُ اللَّخْمِيِّ فِي الْغُسْلِ: إنْ أَنْقَى بِسِتٍّ سَبَّعَ. وَأَمَّا إيتَارُ الْكَفَنِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُكَفَّنَ الْمَيِّتُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ ذَلِكَ الْإِبْيَانِيُّ: يُرِيدُ غَيْرَ الْعِمَامَةِ وَالْمِئْزَرِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَحَبُّ إلَيَّ مَالِكٌ: فِي الْكَفَنِ خَمْسَةُ أَثْوَابٍ يُعَدُّ فِيهَا الْعِمَامَةُ وَالْمِئْزَرُ وَالْقَمِيصُ وَيُلَفُّ فِي ثَوْبَيْنِ وَذَلِكَ فِي الْمَرْأَةِ أَلْزَمُ وَيُشَدُّ مِئْزَرُهَا بِعَصَائِبَ مِنْ حِقْوَيْهَا إلَى رُكْبَتَيْهَا وَدِرْعٌ وَخِمَارٌ وَتُلَفُّ فِي ثَوْبَيْنِ. ابْنُ شَعْبَانَ: أَقَلُّهُ لَهَا خَمْسَةٌ وَأَكْثَرُهُ سَبْعَةٌ. اللَّخْمِيِّ: يُسْتَحَبُّ الْوِتْرُ فَوْقَ اثْنَيْنِ وَلَا يُزَادُ عَلَى السَّبْعِ (وَلَمْ يُعَدْ كَالْوُضُوءِ لِنَجَاسَةٍ وَغُسِلَتْ) الْمَازِرِيُّ: إنْ خَرَجَ مِنْ الْمَيِّتِ شَيْءٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ غُسْلِهِ فَإِنَّ الْجُمْهُورَ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ غُسْلَهُ لَا يُعَادُ وَإِنَّمَا يُغْسَلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ لِأَنَّ الْغُسْلَ قَدْ صَحَّ فَلَا يَبْطُلُ بِالْحَدَثِ كَغُسْلِ الْحَيِّ مِنْ الْجَنَابَةِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ. وَأَمَّا تَكْرَارُ الْوُضُوءِ فِي الْغَسَلَاتِ فَقَالَ أَشْهَبُ: يُعَادُ وُضُوءُهُ فِي الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ سَحْنُونَ. (وَعَصْرُ بَطْنِهِ بِرِفْقٍ وَصَبُّ الْمَاءِ فِي غَسْلِ مَخْرَجِهِ بِخِرْقَةٍ وَلَهُ الْإِفْضَاءُ إنْ اضْطَرَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجْعَلُ الْغَاسِلُ عَلَى يَدَيْهِ خِرْقَةً وَيُفْضِي بِهَا إلَى فَرْجِهِ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى مُبَاشَرَةٍ بِيَدِهِ فَعَلَ وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ عَصْرًا رَفِيقًا. الْمَازِرِيُّ: لِيَخْرُجَ مَا فِي بَطْنِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَيُؤْمَنُ مِنْ خُرُوجِ شَيْءٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ غُسْلِهِ. قَالَ أَشْهَبُ: وَإِذَا عَصَرَ بَطْنَهُ فَلْيَأْمُرْ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ مَا دَامَ يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ (وَتَوْضِئَتُهُ وَتَعَهُّدُ أَسْنَانِهِ وَأَنْفِهِ بِخِرْقَةٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَشْهُورُ اسْتِحْبَابُ أَنْ يُوَضَّأَ الْمَيِّتُ قَبْلَ أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 يُغَسَّلَ. قَالَ أَشْهَبُ: وَيَأْخُذُ عَلَى إصْبَعِهِ خِرْقَةً لِيُنَظِّفَ بِهَا أَسْنَانَهُ وَيُنَقِّيَ أَنْفَهُ (وَأَمَّا رَأْسُهُ لِمَضْمَضَةٍ وَعَدَمِ حُضُورِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ: لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا غَيْرُ غَاسِلِهِ وَمَنْ يَلِيهِ (وَكَافُورٌ فِي الْأَخِيرَةِ) فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُجْعَلُ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ (وَنُشِّفَ) أَشْهَبُ: إذَا فَرَغْت نَشَّفْت بَلَلَهُ فِي ثَوْبٍ وَعَوْرَتُهُ مَسْتُورَةٌ. (وَاغْتِسَالُ غَاسِلِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ الْقَوْلَ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ عَلَى مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا مِثْلَ رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ، وَحَمَلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ الْغُسْلَ وَهَذَا أَيْضًا مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ: لَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَهَذَا الَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْأُصُولِ لِأَنَّ غَسْلَ الْمَيِّتِ لَيْسَ لِحَدَثٍ. (وَبَيَاضُ الْكَفَنِ) اللَّخْمِيِّ: يُسْتَحَبُّ فِي الْكَفَنِ الْبَيَاضُ. ابْنُ بَشِيرٍ: مِنْ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَالصُّوفِ. ابْنُ يُونُسَ: لِحَدِيثِ «الْبَسُوا الْبَيَاضَ وَكَفِّنُوا فِيهِ مَوْتَاكُمْ» (وَتَجْمِيرُهُ) أَشْهَبُ: وَيُجَمَّرُ الْكَفَنُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 السُّنَّةُ أَنْ يُجَمَّرَ ثِيَابُ الْمَيِّتِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُجَمِّرُهَا وِتْرًا وَعَدَمُ تَأَخُّرِهِ عَنْ الْغُسْلِ الَّذِي لِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ غُسِّلَ بِالْعَشِيِّ وَكُفِّنَ مِنْ الْغَدِ أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ (وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْوَاحِدِ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِيتَارُهُ ". (وَلَا يُقْضَى بِالزَّائِدِ إنْ شَحَّ الْوَارِثُ إلَّا أَنْ يُوصِيَ فَفِي ثُلُثِهِ) أَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الصِّفَةِ فَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: إذَا أَوْصَى بِشَيْءٍ يَسِيرٍ فِي كَفَنِهِ لَمْ يَكُنْ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ الزِّيَادَةُ بِغَيْرِ مُمَالَأَةٍ مِنْ جَمِيعِهِمْ. ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ فِي صِفَتِهِ لَا النَّقْصَ مِنْ ثَلَاثَةٍ. وَإِنْ أَوْصَى بِسَرَفٍ فِي كَفَنِهِ فَقَالَ سَحْنُونَ: يُجْعَلُ فِي ثُلُثِهِ الزَّائِدِ عَلَى الْقَصْدِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: يَرْجِعُ الزَّائِدُ مِيرَاثًا وَهُوَ الصَّوَاب، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الْوَاحِدِ فَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: إنَّ الْوَرَثَةَ وَالْغُرَمَاءَ يُجْبَرُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ، وَكَذَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَنْقُصُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابَ إنْ شَحَّ الْوَرَثَةُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُقْضَى عَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يُكَفِّنُوهُ فِي نَحْوِ مَا كَانَ يَلْبَسُ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَتُتْبَعُ وَصِيَّتُهُ إنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ يَسِيرٍ فِي قِيمَةِ الْأَكْفَانِ دُونَ أَنْ يَنْقُصَ فِي الْعَدَدِ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَقَدْ سُئِلَ سَحْنُونَ عَمَّنْ أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَزَادَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ ثَوْبًا فِي كَفَنِهِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَارِثِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَنْفُذَ مِنْ الْوَصَايَا إلَّا مَا فِيهِ قُرْبَةٌ وَلَا قُرْبَةَ وَلَا فَضِيلَةَ فِي أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ بَلْ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُكَفَّنَ فِي أَقَلَّ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ (وَهَلْ الْوَاجِبُ ثَوْبٌ يَسْتُرُهُ أَوْ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَالْبَاقِي سُنَّةٌ خِلَافُ سُنَّةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ بَشِيرٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَكُفِّنَ بِمَلْبُوسِهِ ". (وَوِتْرُهُ) هَذَا تَكْرَارٌ لِقَوْلِهِ: " كَالْكَفَنِ " وَلَعَلَّهُ كَرَّرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ (وَالِاثْنَانِ عَلَى الْوَاحِدِ) ابْنُ حَبِيبٍ: الِاثْنَانِ أَحَبُّ مِنْ الْوَاحِدِ. ابْنُ يُونُسَ: لِلسُّتْرَةِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَصِفُ مَا تَحْتَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ (وَالثَّلَاثَةُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ) ابْنُ حَبِيبٍ: ثَلَاثَةٌ أَحَبُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ لِلْوِتْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ اللَّخْمِيِّ. (وَتَقْمِيصُهُ) اسْتَحَبَّ فِي الْوَاضِحَةِ التَّقْمِيصَ (وَتَعْمِيمُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مِنْ شَأْنِ الْمَيِّتِ عِنْدَنَا أَنْ يُعَمَّمَ وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ (وَعَذَبَةٌ فِيهَا) عَذَبَةُ كُلِّ شَيْءٍ طَرَفُهُ مُطَّرَفٌ يُجْعَلُ مِنْ عِمَامَتِهِ تَحْتَ حَلْقِهِ كَالْحَيِّ وَيَكُونُ مِنْهَا قَدْرَ الذِّرَاعِ ذُؤَابَةٌ يُغَطِّي بِهَا وَجْهَهُ وَكَذَلِكَ يُتْرَكُ مِنْ خِمَارِ الْمَيِّتَةِ (وَأُزْرَةٌ وَلِفَافَتَانِ) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَحَبُّ لِمَالِكٍ. (وَالسَّبْعُ لِلْمَرْأَةِ) الَّذِي لِلْبَاجِيِّ وَغَيْرِهِ الْمُسْتَحَبُّ مِنْ الْكَفَنِ خَمْسُهُ أَثْوَابٍ قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ وَمِئْزَرٌ وَثَوْبَانِ يُدْرَجُ فِيهِمَا وَالْمَرْأَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 كَذَلِكَ مِئْزَرٌ وَثَوْبَانِ وَدِرْعٌ وَخِمَارٌ وَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ فِيهَا إلَى السَّبْعِ لِحَاجَتِهَا إلَى السَّتْرِ (وَحُنُوطٌ دَاخِلَ كُلِّ لِفَافَةٍ وَعَلَى قُطْنٍ يُلْصَقُ بِمَنَافِذِهِ وَالْكَافُورُ فِيهِ وَفِي مَسَاجِدِهِ وَحَوَاسِّهِ وَمَرَاقِّهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: الْحُنُوطُ مَأْمُورٌ بِهِ وَيَجُوزُ بِكُلِّ طَيِّبٍ طَاهِرٍ كَالْكَافُورِ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ. الْمَازِرِيُّ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُحَنَّطَ بِالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَمَا تَطَيَّبَ بِهِ الْحَيُّ. أَشْهَبُ: يُبْسَطُ أَوْسَعُ أَكْفَانِهِ فَتُذْرَى عَلَى بَاطِنِهِ الْحُنُوطُ ثُمَّ يُبْسَطُ مَا يَلِيهِ وَيُذْرَى أَيْضًا عَلَى بَاطِنِهِ الْحُنُوطُ وَهَكَذَا إلَى الَّذِي عَلَى جَسَدِهِ فَيُذْرَى عَلَيْهِ أَيْضًا ابْنُ بَشِيرٍ: وَمَحِلُّ الْحُنُوطِ مَوَاضِعُ السُّجُودِ وَهِيَ الْمُقَدِّمَةُ وَمَغَابِنُ الْبَدَنِ وَمَرَاقُهُ كَالْآبَاطِ وَالْأَفْخَاذِ مِمَّا يَرِقُّ جِلْدُهُ وَيَكُونُ مَحِلًّا لِلْأَوْسَاخِ، وَالْحَوَاسُّ كَالْعَيْنَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالْفَمِ وَالْأُذُنَيْنِ وَسَائِرِ الْجَسَدِ، وَبَيْنَ الْكَفَنِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَكْفَانِ، وَلَا يُجْعَلُ عَلَى ظَاهِرِ الْكَفَنِ لِأَنَّهُ زِينَةٌ وَلَا مَعْنَى لَهَا هَاهُنَا. أَشْهَبُ: وَإِنْ جُعِلَ الْحُنُوطُ فِي لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ وَالْكَافُورُ فَوَاسِعٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُجْعَلُ عَلَى الْقُطْنِ الَّذِي يُجْعَلُ بَيْنَ فَخِذَيْهِ لِئَلَّا يَسِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ وَيُشَدُّ بِخِرْقَةٍ إلَى حُجْزَةِ مِئْزَرِهِ. سَحْنُونَ: يَسُدُّ دُبُرَهُ بِقُطْنَةٍ وَيُبَالِغُ فِيهِ بِرِفْقٍ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَسُدُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 أُذُنَيْهِ وَمَنْخِرَيْهِ بِقُطْنَةٍ فِيهَا الْكَافُورُ ثُمَّ يَعْطِفُ الثَّوْبَ الَّذِي عَلَى بَدَنِهِ يَضُمُّ الْأَيْسَرَ إلَى الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْمَنَ عَلَيْهِ كَمَا يَلْتَحِفُ فِي حَيَاتِهِ يَفْعَلُ هَكَذَا فِي كُلِّ ثَوْبٍ ثُمَّ يَشُدُّ الثَّوْبَ عِنْدَ رَأْسِهِ وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ وَيُحَلُّ عِنْدَ لَحْدِهِ. ابْنُ شَعْبَانَ: يُخَاطُ عَلَيْهِ كَفَنُهُ. أَبُو عُمَرَ: أَجْمَعُوا أَنْ لَا تُخَاطَ اللَّفَائِفُ. (وَإِنْ مُحْرِمًا وَمُعْتَدَّةً وَلَا يَتَوَلَّيَانِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ رَفْعُ الْمَوْتِ حُكْمَ الْإِحْرَامِ. الْبَاجِيُّ: يُحَنَّطُ كُلُّ مَنْ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَلِلْمَرْأَةِ إذَا غَسَّلَتْ زَوْجَهَا أَنْ تُجَفِّفَهُ وَتُكَفِّنَهُ وَلَا تُحَنِّطَهُ لِأَنَّهَا حَادٌّ إلَّا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا قَبْلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 ذَلِكَ. (وَمَشْيُ مُشَيِّعٍ) كَرِهَ ابْنُ حَبِيبٍ الرُّكُوب فِي غَيْرِ الرُّجُوعِ قَالَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْجِعَ رَاكِبًا بَعْدَ الدَّفْنِ (وَإِسْرَاعُهُ) ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَمْشِي بِالْجِنَازَةِ الْهُوَيْنَا وَلَكِنْ مِشْيَةَ الرَّجُلِ الشَّابِّ فِي حَاجَتِهِ (وَتَقَدَّمَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ هِيَ السُّنَّةُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْبِقَ وَيَنْتَظِرَ وَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ عِنْدَ الْقَبْرِ قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ عَنْ أَعْنَاقِ الرِّجَالِ (وَتَأَخُّرُ رَاكِبٍ وَامْرَأَةٍ) الْبَاجِيُّ: حُكْمُ الرَّاكِبِ فِي الْجِنَازَةِ أَنْ يَكُونَ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَالنِّسَاءُ خَلْفَهُ. قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: لِأَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمَاشِيَ مَنْ عَلَى السُّنَّةِ (وَسَتْرُهَا بِقُبَّةٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُتْرَكُ أَنْ يَسْتُرَ نَعْشَ الْمَرْأَةِ بِقُبَّةٍ فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ إذَا وَجَدَ ذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 وَقَدْ اسْتَحْسَنَهُ عُمَرُ حِينَ فُعِلَ بِزَيْنَبِ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى النَّعْشِ لِلْمَرْأَةِ الْبِكْرِ أَوْ الثَّيِّبِ وِشَاحٌ وَرِدَاءُ الْوَشْيِ أَوْ الْبَيَاضِ مَا لَمْ يُجْعَلْ مِثْلَ الْأَخْمِرَةِ الْمُلَوَّنَةِ فَلَا أُحِبُّهُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَرَ كَفَنٌ بِثَوْبٍ سَاجٍ وَنَحْوِهِ وَيُنْزَعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ. (وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ بِأُولَى التَّكْبِيرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ، إلَّا فِي الْأُولَى. الرِّسَالَةُ: وَإِنْ رَفَعَ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فَلَا بَأْسَ (وَابْتِدَاءٌ بِحَمْدٍ وَصَلَاةٍ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي اسْتِحْبَابِ ابْتِدَاءِ الدُّعَاءِ بِالْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ رِوَايَتَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مُخْتَارُ ابْنُ يُونُسَ أَنْ يُحَمِّدَ إثْرَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ (وَإِسْرَارُ دُعَاءٍ) أَشْهَبُ: لَا يَجْهَرُ الْإِمَامُ وَلَا مَنْ خَلْفَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الدُّعَاءِ وَإِنْ أَسْمَعَ بَعْضَ ذَلِكَ مَنْ إلَى جَنْبِهِ فَلَا بَأْسَ. (وَرَفْعُ صَغِيرٍ عَلَى أَكُفَّ) أَشْهَبُ: حَمْلُ جِنَازَةِ الصَّبِيِّ عَلَى الْأَيْدِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الدَّابَّةِ وَالنَّعْشِ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الدَّابَّةِ لَمْ أَرَ بَأْسًا. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا بَأْسَ بِحَمْلِ الْجِنَازَةِ عَلَى الدَّابَّةِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْمِلُهَا. (وَوُقُوفُ إمَامٍ بِالْوَسَطِ وَمَنْكِبَيْ الْمَرْأَةِ) الرِّسَالَةُ: وَيَقِفُ الْإِمَامُ فِي الرَّجُلِ عِنْدَ وَسَطِهِ وَفِي الْمَرْأَةِ عِنْدَ مَنْكِبَيْهَا. أَبُو عُمَرَ: اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ أَيْنَ يَقُومُ الْإِمَامُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 مِنْ الْجِنَازَةِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَازِمٌ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ فَلَا حَرَجَ فِي فِعْلِ كُلِّ مَا جَاءَ عَنْ السَّلَفِ، وَلَيْسَ قِيَامُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا فِي مَوْضِعٍ مَا يَمْنَعُ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقَفْ عَلَيْهِ. (رَأْسُ الْمَيِّتِ عَنْ يَمِينِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَجْعَلُ رَأْسَ الْمَيِّتِ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ فَلَوْ عَكَسَ فَقَالَ سَحْنُونَ وَابْنُ الْقَاسِمِ: صَلَاتُهُمْ مُجْزِئَةٌ عَنْهُمْ. ابْنُ رُشْدٍ: فَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْطَأَ فِي تَرْتِيبِ الْجَنَائِزِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَقَدَّمَ النِّسَاءَ عَلَى الرِّجَالِ وَالصِّغَارَ عَلَى الْكِبَارِ لَمَضَتْ الصَّلَاةُ وَلَا إعَادَةَ وَلَوْ عُلِمَ قَبْلَ الدَّفْنِ بِالْقُرْبِ. (وَرَفْعُ قَبْرٍ كَشِبْرٍ مُسَنَّمًا وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى كَرَاهَتِهِ فَيُسَطَّحُ) الْمَازِرِيُّ: تَسْنِيمُ الْقَبْرِ عِنْدَنَا هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ. قَالَ أَشْهَبُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُسَنَّمَ الْقَبْرُ وَإِنْ رُفِعَ فَلَا بَأْسَ. ابْنُ حَبِيبٍ: مِنْ السُّنَّةِ تَسْنِيمُ الْقَبْرِ وَلَا يُرْفَعُ الصِّحَاحُ تَسْنِيمُ الْقَبْرِ خِلَافُ تَسْطِيحِهِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: كَرِهَ فِي الْمُدَوَّنَةِ تَسْنِيمَ الْقَبْرِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ضَعَّفَ. عِيَاضٌ: تَفْسِيرُ اللَّخْمِيِّ: بِكَرَاهَةِ تَسْنِيمِهَا لِأَنَّهُ فِيهَا لِآثَارِهَا لَا لِأَجْوِبَتِهَا وَنَصُّهَا: رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ بُكَيْرٍ أَنَّ الْقُبُورَ كَانَتْ تُسَوَّى بِالْأَرْضِ. وَنَقَلَ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرِ بِتَسْوِيَةِ الْقُبُورِ وَبَيْنَ تَسْنِيمِهَا ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ تُسَطَّحُ الْقُبُورُ وَلَا تُبْنَى وَلَا تُرْفَعُ وَتَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ نَحْوًا مِنْ شِبْرٍ (وَحَثْوُ قَرِيبٍ فِيهِ ثَلَاثًا) قَالَ مَالِكٌ: لَا أَعْرِفُ حَثَيَانِ التُّرَابِ فِي الْقَبْرِ ثَلَاثًا وَلَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ وَلَا سَمِعْت مَنْ أَمَرَ بِهِ وَاَلَّذِينَ يَلُونَ دَفْنَهَا يَلُونَ رَدَّ التُّرَابِ عَلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ أَنْ يَحْثُوَ فِيهِ ثَلَاثَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 حَثَيَاتٍ مِنْ التُّرَابِ، وَقَدْ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَبْرِ ابْنِ مَظْعُونٍ. (وَتَهْيِئَةُ طَعَامٍ لِأَهْلِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: إرْسَالُ الطَّعَامِ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِمَيِّتِهِمْ إذَا لَمْ يَكُونُوا اجْتَمَعُوا الْمَنَاحَةَ مِنْ الْفِعْلِ الْحَسَنِ الْمُرَغَّبِ فِيهِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ. رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَهْلِهِ لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا وَابْعَثُوا بِهِ إلَيْهِمْ فَقَدْ جَاءَ مَا يَشْغَلُهُمْ. عَنْهُ» . [التَّعْزِيَةِ] : (وَتَعْزِيَةٌ) ابْنُ شَاسٍ: التَّعْزِيَةُ سُنَّةٌ وَقَدْ جَاءَ فِي التَّعْزِيَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 ثَوَابٌ كَثِيرٌ جَاءَ أَنَّ اللَّهَ يُلْبِسُ الَّذِي عَزَّاهُ لِبَاسَ التَّقْوَى. «وَعَزَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً فِي ابْنِهَا فَقَالَ: إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَبْقَى وَلِكُلِّ أَجَلٍ مُسَمًّى وَكُلٌّ إلَيْهِ رَاجِعُونَ فَاحْتَسِبِي وَاصْبِرِي فَإِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى» . وَرُوِيَ: «بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي الْبَاقِي وَآجَرَك فِي الْفَانِي» . وَرُوِيَ: «آجَرَكُمْ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِكُمْ وَأَعْقَبَكُمْ مِنْهَا خَيْرًا» . ابْنُ حَبِيبٍ: وَالتَّعْزِيَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَاسِعٌ فِي الدِّينِ وَأَمَّا فِي الْأَدَبِ فَيُعَزَّى الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ وَمَنْزِلِهِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَوُقُوفُ وَلِيِّ الْمَيِّتِ عِنْدَ تَسْوِيَةِ التُّرَابِ عَلَى الْقَبْرِ فَيُعَزَّى. قَالَ النَّخَعِيُّ: إنَّهُ مَكْرُوهٌ لَكِنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ. وَمَاتَتْ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: إنَّا لَا نُعَزَّى فِي النِّسَاءِ. قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ فَبِالْأُمِّ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ غَيْرُهُ كُلٌّ وَاسِعٌ. قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي لِلْمَرْءِ أَنْ يُعَزِّيَ الْمُسْلِمَ إذَا هَلَكَ أَبُوهُ الْكَافِرُ. ابْنُ رُشْدٍ: لَيْسَ هَذَا بِبَيِّنٍ لِأَنَّ التَّعْزِيَةَ بِالْمَيِّتِ تَجْمَعُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا تَهْوِينُ الْمُصِيبَةِ عَلَى الْمُعَزَّى وَتَسْلِيَتُهُ مِنْهَا، وَتَحْضِيضُهُ عَلَى الْتِزَامِ الصَّبْرِ وَاحْتِسَابِ الْأَجْرِ وَالرِّضَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِهِ. وَالثَّانِي الدُّعَاءُ بِأَنْ يُعَوِّضَهُ اللَّهُ مِنْ مُصَابِهِ بِنَيْلِ الثَّوَابِ وَيُحْسِنَ لَهُ الْعُقْبَى وَالْمَآبَ. وَالثَّالِثُ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فَيُعَزَّى الْمُسْلِمُ بِأَبِيهِ الْكَافِرِ لِلْحَضِّ عَلَى الرِّضَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ، إذْ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُؤْجَرَ الْمُسْلِمُ بِمَوْتِ أَبِيهِ الْكَافِرِ إذَا سَلَّمَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَضِيَ بِقَضَائِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعَزِّيَ جَارَهُ الْكَافِرَ بِمَوْتِ أَبِيهِ الْكَافِرِ لِذِمَامِ الْجِوَارِ. قَالَ سَحْنُونَ: يَقُولُ لَهُ أَخْلَفَ اللَّهُ لَك الْمُصِيبَةَ فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى بِالتَّعْزِيَةِ وَيُعَزَّى الْحُرُّ بِالْعَبْدِ [صفة الْقَبْر] (وَعَدَمُ عُمْقِهِ) ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُعَمَّقَ الْقَبْرُ جِدًّا بَلْ قَدْرَ عَظْمِ الذِّرَاعِ فَقَبِلَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَعَلَّهُ أَرَادَ الشَّقَّ الَّذِي هُوَ نَفْسُ اللَّحْدِ وَأَمَّا نَفْسُ الْقَبْرِ فَيَكُونُ أَكْثَرَ. ابْنُ عَاتٍ: مَنْ رَأَى تَعْمِيقَهُ الْقَامَةَ وَالْقَامَتَيْنِ رَآهُ فِي أَرْضِ الْوَحْشِ أَوْ تَوَقَّعَ النَّبْشَ. ابْنُ حَبِيبٍ: اللَّحْدُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّقِّ إنْ أَمْكَنَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ وَاللَّحْدُ أَحَبُّ وَهُوَ الْحَفْرُ فِي قِبْلَةِ الْقَبْرِ وَالشَّقُّ فِي وَسَطِهِ. (وَضَجْعٌ فِيهِ عَلَى الْأَيْمَنِ مُقَبَّلًا) ابْنُ عَرَفَةَ: الزَّوْجُ أَحَقُّ بِإِدْخَالِ زَوْجِهِ قَبْرَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَقْرَبُ مَحَارِمِهَا. ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَأَهْلُ الْفَضْلِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَحَارِمُ فَالنِّسَاءُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَهْلُ الْفَضْلِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَصْبَغُ: إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَحَارِمُ فَقَوَاعِدُ النِّسَاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَهْلُ الْفَضْلِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالزَّوْجُ أَوْلَى مِنْ الِابْنِ وَالْأَبِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلِلزَّوْجِ الِاسْتِعَانَةُ بِذِي مَحْرَمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِذِي الْفَضْلِ عِنْدَ أَعْلَاهَا وَالزَّوْجِ عِنْدَ أَسْفَلِهَا. قَالُوا: وَيَسْتُرُ قَبْرَهَا بِثَوْبٍ. أَشْهَبُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 وَلَا أَكْرَهُهُ فِي الرَّجُلِ وَيَقُولُ إذَا وَضَعَهُ فِي لَحْدِهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ تَقَبَّلْهُ بِأَحْسَنَ قَبُولٍ وَإِنْ دَعَا بِغَيْرِهِ أَوْ تَرَكَ فَوَاسِعٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَوَاسِعٌ أَنْ يَلِيَ إقْبَارَ الْمَيِّتِ الشَّفْعُ وَالْوَتْرُ وَيُلْحَدُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ إلَى الْقِبْلَةِ وَتُمَدُّ يَدُهُ الْيُمْنَى عَلَى جَسَدِهِ وَيُعْدَلُ رَأْسُهُ لِئَلَّا يَنْطَوِيَ وَتُعْدَلُ رِجْلَيْهِ وَيُرْفِقُ فِي ذَلِكَ وَيَحُلُّ عُقَدَ كَفَنِهِ إنْ عَقَدَ. ابْنُ حَبِيبٍ: إدْخَالُ الْمَيِّتِ مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ أَحَبُّ إلَيَّ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ أُدْخِلَ مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ أُرْسِلَ مِنْ نَاحِيَةِ رَأْسِهِ مِنْ الشَّقِّ الْأَيْسَرِ مِنْك وَأَنْتَ فِي الْقَبْرِ فَوَاسِعٌ (وَتُدْرِكُ إنْ خُولِفَ بِالْحَضْرَةِ كَتَنْكِيسِ رِجْلَيْهِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ وُضِعَ فِي قَبْرِهِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَإِنْ كَانُوا لَمْ يُوَارُوهُ بِحِدْثَانِ ذَلِكَ وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ شَيْئًا يَسِيرًا فَأَرَى أَنْ يُحَوَّلَ وَيُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ وَإِنْ فَرَغُوا مِنْ دَفْنِهِ تُرِكَ وَلَا يُنْبَشُ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ وَضْعَهُ لِلْقِبْلَةِ مَطْلُوبٌ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَقَالَ سَحْنُونَ: إنْ جَعَلُوا رَأْسَهُ مَكَانَ رِجْلَيْهِ وَاسْتَدْبَرُوا بِهِ الْقِبْلَةَ وَوَارَوْهُ وَلَمْ يَخْرُجُوا مِنْ قَبْرٍ. نَزَعُوا تُرَابَهُ وَحَوَّلُوهُ لِلْقِبْلَةِ، وَإِنْ خَرَجُوا مِنْ قَبْرِهِ وَوَارَوْهُ تَرَكُوهُ. (وَكَتَرْكِ الْغُسْلِ وَدَفْنِ مَنْ أَسْلَمَ بِمَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ مَا لَمْ يُخَفْ التَّغَيُّرُ) ابْنُ رُشْدٍ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 تَرْكُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ مَعًا أَوْ الْغُسْلِ دُونَ الصَّلَاةِ أَوْ الصَّلَاةِ دُونَ الْغُسْلِ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْحُكْمِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْفَوَاتَ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِ الْمَيِّتِ مِنْ قَبْرِهِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ هُوَ أَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ. وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ نَصْرَانِيَّةٍ أَسْلَمَتْ حِينَ مَوْتِهَا فَدُفِنَتْ فِي قُبُورِ النَّصَارَى فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: اذْهَبُوا فَانْبُشُوهَا ثُمَّ اغْسِلُوهَا وَصَلُّوا عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَتْ. (وَسَدُّهُ بِلَبِنٍ ثُمَّ لَوْحٍ ثُمَّ قُرْمُودٍ ثُمَّ آجُرٍّ ثُمَّ حَجَرٍ ثُمَّ قَصَبٍ وَسَنُّ التُّرَابِ أَوْلَى مِنْ التَّابُوتِ) ابْنُ رُشْدٍ: الْأَفْضَلُ فِيمَا يُجْعَلُ عَلَى الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ اللَّبِنُ ثُمَّ الْأَلْوَاحُ ثُمَّ الْقَرَامِيدُ ثُمَّ الْآجُرُّ ثُمَّ الْحِجَارَةُ ثُمَّ الْقَصَبُ ثُمَّ سَنُّ التُّرَابِ وَسَنُّ التُّرَابِ خَيْرٌ مِنْ التَّابُوتِ. قَالَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ: اللَّبِنَةُ مَا يُعْمَلُ مِنْ الطِّينِ بِالتِّبْنِ وَرُبَّمَا عُمِلَ بِدُونِهِ. ابْنُ عَاتٍ: التَّابُوتُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ: مَا جَنْبِي الْأَيْمَنِ بِأَحَقَّ بِالتُّرَابِ مِنْ جَنْبِي الْأَيْسَرِ وَأَمَرَ أَنْ يُحْثَى عَلَيْهِ التُّرَابُ دُونَ غِطَاءٍ. اُنْظُرْ قِصَّةَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. (وَجَازَ غُسْلُ امْرَأَةٍ ابْنَ كَسَبْعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يُغَسِّلَ النِّسَاءُ الصَّبِيَّ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ وَشَبَهَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَتِسْعٍ. اللَّخْمِيِّ: وَأَمَّا الْمُنَاهِزُ فَكَكَبِيرٍ (أَوْ رَجُلٌ كَرَضِيعَةٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَغْسِلُ الرَّجُلُ الصَّبِيَّةَ وَإِنْ صَغُرَتْ جِدًّا. قَالَ عِيسَى: إذَا صَغُرَتْ جِدًّا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُغَسِّلَهَا الْأَجْنَبِيُّ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ. (وَالْمَاءُ السُّخْنُ) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلِلْغُسْلِ سِدْرٌ " وَعَدَمُ الدَّلْكِ لِكَثْرَةِ الْمَوْتَى ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ عِنْدَ الْوَبَاءِ وَمَا يَشْتَدُّ عَلَى النَّاسِ مِنْ غُسْلِ الْمَوْتَى لِكَثْرَتِهِمْ أَنْ يَجْتَزِئُوا بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِغَيْرِ وُضُوءٍ يُصَبُّ الْمَاءُ عَلَيْهِمْ صَبًّا، وَلَوْ نَزَلَ الْأَمْرُ الْفَظِيعُ بِكَثْرَةِ الْمَوْتَى فَلَا بَأْسَ أَنْ يُدْفَنُوا بِغَيْرِ غُسْلٍ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُغَسِّلُهُمْ وَيُجْعَلُ النَّفَرُ مِنْهُمْ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَغَيْرُهُ. (وَتَكْفِينٌ بِمَلْبُوسٍ) أَشْهَبُ: الْكَفَنُ الْجَدِيدُ وَالْخَلِقُ سَوَاءٌ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ إلَّا لِنَجَاسَةٍ أَوْ وَسَخٍ (وَمُزَعْفَرٍ وَمُوَرَّسٍ) عِيسَى: سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ هَلْ تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي الثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَتُكَفَّنُ فِي الْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْوَانِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ الْمُعَصْفَرَ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ كَرِهَ الْمُعَصْفَرَ لِلْمَرْأَةِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ أَكْرَهُ لِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ، وَأَمَّا الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ فَهُوَ جَائِزٌ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ مِنْ الطِّيبِ وَلَيْسَ مِنْ الزِّينَةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَجَازَ مَالِكٌ الْكَفَنَ فِي الْعَصَبِ وَهُوَ الْحِبَرُ. ابْنُ حَبِيبٍ: الْحِبَرُ مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إنَّ أَحَدَ الْأَثْوَابِ الَّتِي كُفِّنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ حِبَرًا. الْحِبَرَةُ مِثْلُ عِنَبَةٍ بُرْدٌ يَمَانِيٌّ وَالْجَمْعُ حِبَرٌ وَالْعَصَبُ ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمْن. (وَحَمْلُ غَيْرِ أَرْبَعَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ حَمْلُ سَرِيرِ الْمَيِّتِ كَيْفَ تَيَسَّرَ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: حَمْلِ الْجِنَازَةِ مِنْ جَوَانِبِهَا الْأَرْبَعِ سُنَّةٌ وَاسْتَحَبَّ هَذَا ابْنُ حَبِيبٍ (وَبَدْءٌ بِأَيِّ نَاحِيَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِحَمْلِ الْجِنَازَةِ مِنْ أَيِّ جَوَانِبِ السَّرِيرِ شِئْت بَدَأْت وَلَك أَنْ تَحْمِلَ بَعْضَ الْجَوَانِبِ وَتَدَعَ بَعْضَهَا وَإِنْ شِئْت لَمْ تَحْمِلْ (وَالْمُعَيِّنُ مُبْتَدِعٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: قَوْلُ مَنْ قَالَ يُبْدَأُ بِالْيَمِينِ بِدْعَةٌ. (وَخُرُوجُ مُتَجَالَّةٍ أَوْ شَابَّةٍ إنْ لَمْ يُخْشَ مِنْهَا الْفِتْنَةُ فِي كَأَبٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 وَزَوْجٍ وَابْنٍ وَأَخٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُوَسَّعُ لِلنِّسَاءِ أَنْ يَخْرُجْنَ مَعَ الْجِنَازَةِ وَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ تَتْبَعَ الشَّابَّةُ جِنَازَةَ وَلَدِهَا وَوَالِدِهَا وَزَوْجِهَا وَأَخِيهَا. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَخُرُوجُ مُتَجَالَّةٍ لِعِيدٍ وَاسْتِسْقَاءٍ " (وَسَبَقَهَا وَجُلُوسٌ قَبْلَ وَضْعِهَا) تَقَدَّمَ النَّصُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَقَدَّمَهُ. (وَنَقْلٌ وَإِنْ مِنْ بَدْوٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُحْمَلَ الْمَيِّتُ مِنْ الْبَادِيَةِ لِلْحَاضِرَةِ وَمِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ. مَاتَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ بِالْعَقِيقِ فَحُمِلَا لِلْمَدِينَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ. وَرَوَى عَلِيٌّ: لَا بَأْسَ بِهِ لِلْمِصْرِ إنْ قَرُبَ. (وَبُكَاءٌ عِنْدَ مَوْتِهِ وَبَعْدَهُ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ وَقَوْلٍ قَبِيحٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: الْبُكَاءُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ مُبَاحٌ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ وَلَا كَلَامٍ مَكْرُوهٍ وَلَا اجْتِمَاعِ نِسَاءٍ. «انْتَهَرَ عُمَرُ نِسَاءً يَبْكِينَ عَلَى مَيِّتٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعْهُنَّ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَإِنَّ الْعَيْنَ دَامِعَةٌ وَالنَّفْسَ مُصَابَةٌ وَالْعَهْدَ حَدِيثٌ» . وَيُكْرَهُ اجْتِمَاعُهُنَّ لِلْبُكَاءِ وَلَوْ سِرًّا. وَنَهَى عُمَرُ فِي مَوْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَبْكِينَ وَفَرَّقَ جَمْعَهُنَّ، «وَنَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَطْمِ الْخُدُودِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ وَضَرْبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 الصُّدُورِ وَالدُّعَاءِ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ وَقَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وَخَرَقَ وَذَلَقَ وَسَلَقَ» وَالْحَلْقُ حَلْقُ الشَّعْرِ، وَالذَّلْقُ ضَرْبُ الْخُدُودِ، وَالسَّلْقُ الصِّيَاحُ فِي الْبُكَاءِ وَقُبْحُ الْقَوْلِ. (وَجَمْعُ أَمْوَاتٍ بِقَبْرٍ لِضَرُورَةٍ وَوَلِيَ الْقِبْلَةَ الْأَفْضَلُ) رَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ كَانَ أَكْثَرَ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ» . فَإِذَا أُشِيرَ إلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ. وَمِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 كِتَابِ الْغَصْبِ: وَإِذَا دُفِنَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ جُعِلَ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ. قِيلَ: فَهَلْ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ الصَّعِيدِ أَوْ يُدْفَنَانِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ؟ قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا. قَالَ أَشْهَبُ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ: يُفْعَلُ ذَلِكَ بِالرَّجُلَيْنِ لِلضَّرُورَةِ وَيُقَدَّمُ فِي اللَّحْدِ أَفْضَلُهُمَا وَلَا يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا مِنْ الصَّعِيدِ حَاجِزًا وَكَفَى بِالْأَكْفَانِ بَيْنَهُمَا حَاجِزًا. وَكَذَلِكَ إنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِهِمَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ حَظُّهُ مِنْ الْإِسَاءَةِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِجَعْلِ مَنْفُوسِ النُّفَسَاءِ مَعَهَا إنْ اسْتَهَلَّ جُعِلَ لِنَاحِيَةِ الْأَمَامِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَإِلَّا أُخِّرَ عَنْهَا وَنُوِيَتْ بِالصَّلَاةِ دُونَهُ إنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُدْفَنَ مَعَهَا وَلَوْ اسْتَهَلَّ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ جُمِعُوا فِي قَبْرٍ لِلضَّرُورَةِ فَالرَّجُلُ لِلْقِبْلَةِ ثُمَّ الصَّبِيُّ ثُمَّ الْمَرْأَةُ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُؤْخَذُ هَذَا التَّرْتِيبُ فِي تَعَدُّدِ قُبُورِهِمْ بِمَكَانٍ وَاحِدٍ وَفِي تَقَدُّمِ إقْبَارِهِمْ (أَوْ بِصَلَاةٍ يَلِي الْإِمَامَ رَجُلٌ فَطِفْلٌ فَعَبْدٌ فَخَصِيٌّ فَخُنْثَى كَذَلِكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُ لَمْ يَنْبَغِ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى بَعْضِهَا وَيُؤَخِّرَ بَعْضَهَا. ابْنُ رُشْدٍ: إذَا قَلَّ عَدَدُ الْجَنَائِزِ فَكَانُوا دُونَ الْعِشْرِينَ فَكَانَ مَالِكٌ يَرَى الْأَحْسَنَ أَنْ يُجْعَلُوا وَاحِدًا أَمَامَ وَاحِدٍ، ثُمَّ رَأَى وَاسِعًا أَنْ يَجْعَلُوا سَطْرًا وَاحِدًا مِنْ الشَّرْقِ إلَى الْغَرْبِ وَلَمْ يُفَضِّلْ إحْدَى الصُّورَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى. وَأَمَّا إنْ كَثُرَتْ جَنَائِزُ الرِّجَالِ وَحْدَهُمْ أَوْ مَعَ النِّسَاءِ فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ سَطْرَيْنِ سَطْرَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا. فَإِنْ كَانَتْ الْأَسْطُرُ وِتْرًا قَامَ الْإِمَامُ فِي وَسَطِ الْأَوْسَطِ مِنْهَا. وَإِنْ كَانَتْ شَفْعًا قَامَ فِيهَا بَيْنَ رَجُلَيْنِ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ وَيَسَارِ الَّذِي عَلَى يَسَارِهِ وَيَكُونُ الْأَفْضَلُ مِنْهُمْ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيه فِي الْفَضْلِ يَلِي الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ فِي الْفَضْلِ الَّذِي يَلِي الَّذِي عَلَى شِمَالِهِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الصَّفِّ الَّذِي أَمَامَهُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ أَبَدًا. وَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَصِفَةُ تَرْتِيبِهِمْ عَلَى مَرَاتِبِهِمْ يُقَدِّمُ الْإِمَامُ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ وَهُمْ الرِّجَالُ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ، فَإِنْ تَفَاضَلُوا فِي الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ وَالسِّنِّ قُدِّمَ إلَى الْإِمَامِ أَعْلَمُهُمْ ثُمَّ أَفْضَلُهُمْ ثُمَّ أَسَنُّهُمْ. وَقُدِّمَ الْأَعْلَمُ لِأَنَّ الْعِلْمَ مَزِيَّةٌ يُقْطَعُ بِهَا وَزِيَادَةُ الْفَضْلِ مَزِيَّةٌ لَا يُقْطَعُ عَلَيْهَا، ثُمَّ الصِّبْيَانُ الْأَحْرَارُ فَإِنْ تَفَاضَلُوا أَيْضًا فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالسِّنِّ قُدِّمَ ذُو الْمَعْرِفَةِ مِنْهُمْ عَلَى الَّذِي عُرِفَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الطَّاعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمْ عَلَى صَاحِبِهِ مَزِيَّةٌ قُدِّمَ الْأَسَنُّ ثُمَّ الْعَبِيدُ الْكِبَارُ فَإِنْ تَفَاضَلُوا فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَحْرَارِ ثُمَّ الْعَبِيدُ الصِّغَارُ كَذَلِكَ ثُمَّ الْخَنَاثَى الْمُشْكِلُونَ الْأَحْرَارُ الْكِبَارُ ثُمَّ الْخَنَاثَى الْأَحْرَارُ الصِّغَارُ ثُمَّ الْخَنَاثَى الْعَبِيدُ الْكِبَارُ ثُمَّ الْخَنَاثَى الْعَبِيدُ الصِّغَارُ ثُمَّ النِّسَاءُ الْأَحْرَارُ الْكِبَارُ ثُمَّ النِّسَاءُ الْأَحْرَارُ الصِّغَارُ ثُمَّ الْإِمَاءُ الْكِبَارُ ثُمَّ الْإِمَاءُ الصِّغَارُ (وَفِي الصَّفِّ أَيْضًا الصَّفُّ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: إنْ كَثُرَتْ جَنَائِزُ الرِّجَالِ وَحْدَهُمْ. أَوْ مَعَ النِّسَاءِ فَإِنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ، فَانْظُرْ إنْ كَانَ يَعْنِي أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ امْرَأَةٌ. [زِيَارَةُ الْقُبُورِ] (وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ بِلَا حَدٍّ) ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِزِيَارَةِ الْقُبُورِ وَالْجُلُوسِ إلَيْهَا وَالسَّلَامِ عَلَيْهَا عِنْدَ الْمُرُورِ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ: لَا بَأْسَ بِزِيَارَتِهَا وَلَيْسَ مِنْ الْعَمَلِ. عِيَاضٌ: سَهَّلَ الْقَرَوِيُّونَ زِيَارَةَ مَرَّةٍ أَوَّلَ سَابِعِ الْمَيِّتِ وَمَنَعَهُ الْأَنْدَلُسِيُّونَ وَشَدَّدُوا كَرَاهَةَ بِدْعَتِهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: يُذْهَبُ بِرُوحِ الْمُؤْمِنِ بَعْدَ فِتْنَتِهِ فِي قَبْرِهِ إلَى عِلِّيِّينَ وَفِيهَا مُجْتَمَعُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً تَطْلُعُ قُبُورَهَا وَمَوَاضِعَ رَمِيمِ أَجْسَادِهَا ذَاهِبَةً وَرَاجِعَةً ثُمَّ تَأْوِي إلَى جَنَّةِ الْمَأْوَى تَكْرِمَةً مِنْ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ «أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْقُبُورِ وَبِزِيَارَتِهَا» ، انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ سَفَرٍ فَقَامَ عَلَى بَابِ عَائِشَةَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَا بَكْرٍ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَتِ، وَكَانَ عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ إذَا خَرَجَ إلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: أَلَّا تُسَلِّمُونَ عَلَى الشُّهَدَاءِ فَيَرُدُّونَ عَلَيْكُمْ؟ قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فِي الْأَخْبَارِ وَذَهَبَ إلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ» اُنْظُرْهُ عِنْدَ تَكَلُّمِهِ عَلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خَرَجَ إلَى الْقُبُورِ فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ» . وَانْظُرْ بَقِيَ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ أَعْنِي مِنْ الْجَائِزَاتِ الدَّفْنُ لَيْلًا قَالَ مُطَرِّفٌ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ لَيْلًا وَلَا بَأْسَ بِالدَّفْنِ لَيْلًا وَقَدْ دُفِنَ الصِّدِّيقُ لَيْلًا وَكَذَلِكَ فَاطِمَةُ وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُقَبَّلَ وَجْهُ الْمَيِّتِ فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِابْنِ مَظْعُونٍ» . (وَكُرِهَ حَلْقُ شَعَرِهِ وَقَلْمُ ظُفْرِهِ وَهُوَ بِدْعَةٌ وَضُمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 مَعَهُ إنْ فُعِلَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ أَنْ يُتْبَعَ الْمَيِّتُ بِمِجْمَرٍ أَوْ يُقَلَّمَ أَظْفَارُهُ أَوْ تُحْلَقَ عَانَتُهُ، وَرَأَى ذَلِكَ بِدْعَةً مِمَّنْ يَفْعَلُهُ. الْبَاجِيُّ: وَلَا يُحْلَقُ لَهُ شَعَرٌ وَلَا يُخْتَنُ وَلَا تُقَلَّمُ أَظْفَارُهُ وَيُنَقَّى الْوَسَخُ مِنْ أَظْفَارِهِ وَغَيْرِهَا. قَالَ أَشْهَبُ: وَمَا سَقَطَ لَهُ مِنْ شَعَرٍ أَوْ غَيْرِهِ جُعِلَ مَعَهُ فِي أَكْفَانِهِ (وَلَا تُنْكَأُ قُرُوحُهُ وَيَأْخُذُ عَفْوَهَا) الْجَلَّابُ: إنْ كَانَتْ بِهِ قُرُوحٌ أَخَذَ عَفْوَهَا وَلَمْ يَنْكَأْهَا (وَقِرَاءَةٌ عِنْدَ مَوْتِهِ كَتَحْمِيرِ الدَّارِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: لَيْسَتْ الْقِرَاءَةُ وَالْبَخُورُ مِنْ الْعَمَلِ. ابْنُ رُشْدٍ: اسْتَحَبَّ ذَلِكَ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ مَنْ قَرَأَ يس أَوْ قُرِئَتْ عِنْدَهُ وَهُوَ فِي سَكَرَاتِ الْمَوْتِ بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا إلَى مَلَكِ الْمَوْتِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى عَبْدِي الْمَوْتَ» . وَقَالَ: إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ اسْتِنَانًا. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَرَّبَ مِنْهُ إذَا اُحْتُضِرَ رَائِحَةُ طِيبٍ مِنْ بَخُورٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ رَأْسِهِ بِ " يس " أَوْ غَيْرِهَا وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ مَالِكٌ فَلَمْ يَكْرَهْهُ وَإِنَّمَا كَرِهَ أَنْ يُعْمَلَ ذَلِكَ اسْتِنَانًا. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. وَأَمَّا اللَّخْمِيِّ فَمَا عَوَّلَ عَلَى السَّمَاعِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ النَّدْبَ خَاصَّةً (وَبَعْدَهُ) اُنْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى هَذَا (وَعَلَى قَبْرِهِ) لَمْ يَنْقُلْ ابْنُ عَرَفَةَ إلَّا مَا نَصُّهُ قِبَلَ عِيَاضٍ: اسْتِدْلَالُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ لِحَدِيثِ الْجَرِيدَتَيْنِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ. وَفِي الْإِحْيَاءِ: لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْقُبُورِ. عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى قَالَ: كُنْت مَعَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي جِنَازَةٍ وَابْنُ قُدَامَةَ مَعَنَا فَلَمَّا دُفِنَ الْمَيِّتُ جَاءَ رَجُلٌ ضَرِيرٌ يَقْرَأُ عِنْدَ الْقَبْرِ فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: إنَّ هَذَا بِدْعَةٌ. فَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ لِأَحْمَدَ: مَا تَقُولُ فِي بِشْرِ بْنِ إسْمَاعِيلَ؟ قَالَ: ثِقَةٌ قَالَ: هَلْ كَتَبْت عَنْهُ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ إنَّهُ أَوْصَى إذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ عِنْدَ رَأْسِهِ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَبِخَاتِمَتِهَا. قَالَ: وَسَمِعْت ابْنَ عَمٍّ يُوصِي بِذَلِكَ. فَقَالَ أَحْمَدُ: فَارْجِعْ إلَى الرَّجُلِ فَقُلْ لَهُ يَقْرَأُ. قَالَ أَبُو حَامِدٍ: وَيُسْتَحَبُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ بَعْدَ الدَّفْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي مَسَالِكِهِ: إذَا أُدْخِلَ الْمَيِّتُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 قَبْرَهُ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَلْقِينُهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَهُوَ فِعْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الصَّالِحِينَ مِنْ الْأَخْيَارِ لِأَنَّهُ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] وَأَحْوَجُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إلَى التَّذْكِيرِ بِاَللَّهِ عِنْدَ سُؤَالِ الْمَلَائِكَةِ (وَصِيَاحٌ خَلْفَهَا وَقَوْلُ اسْتَغْفِرُوا لَهَا) ابْنُ يُونُسَ: لَا يُصَاحُ خَلْفَ الْمَيِّتِ وَسَمِعَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الَّذِي يَقُولُ اسْتَغْفِرُوا لَهُ لَا غَفَرَ اللَّهُ لَك. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَنِدَاءٌ بِهِ بِمَسْجِدٍ ". (وَانْصِرَافٌ عَنْهَا بِلَا صَلَاةٍ أَوْ بِلَا أَذَانٍ إنْ لَمْ يُطَوِّلُوا) ابْنُ رُشْدٍ: كَرِهَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِمَنْ شَهِدَ جِنَازَةً أَنْ يَنْصَرِفَ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ. وَسُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَاسِعُ الْمَقَامِ إذَا وُضِعَتْ لِتُدْفَنَ حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْ دَفْنِهَا وَالِانْصِرَافُ قَبْلَ الدَّفْنِ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ: إذَا بَلَغَتْ الْقَبْرَ وَلَمْ تُقْبَرْ أَنَّ الِانْصِرَافَ جَائِزٌ إذَا بَقِيَ مَعَهَا مَنْ يَلِي أَمْرَهَا. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الدَّفْنَ عِبَادَةٌ مُبْتَدَأَةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الصَّلَاةِ مُخْتَصَّةٌ بِمَا لَهَا مِنْ الْأَجْرِ. وَفِي الْجَلَّابِ: مَنْ حَضَرَ جِنَازَةً فَصَلَّى عَلَيْهَا فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى تَوَارَى إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَهْلُ الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يُطَوِّلُوا ذَلِكَ فَيَنْصَرِفُ قَبْلَ الْإِذْنِ. انْتَهَى فَانْظُرْ هَذَا كُلَّهُ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ. (وَحَمْلُهَا بِلَا وُضُوءٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَأَرَادَ أَنْ يَحْمِلَ لِمَوْضِعِ الْأَجْرِ وَلَا يُصَلِّي. قَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ الْعَمَلِ أَنْ يَحْمِلَ رَجُلٌ وَلَا يُصَلِّي. ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُ مَاءً يَتَوَضَّأُ بِهِ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ الْجِنَازَةَ غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ. (وَإِدْخَالُهُ بِمَسْجِدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ فِي الْمَسْجِدِ (وَالصَّلَاةُ عَلَيْهَا فِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ وُضِعَتْ قُرْبَ الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ مَنْ بِالْمَسْجِدِ عَلَيْهَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ إذَا ضَاقَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا فَرْقَ فِي كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَازَةُ فِيهِ أَوْ خَارِجَةً عَنْهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. فَعَلَى هَذَا فَلَا يَأْثَمُ فِي صَلَاتِهِ وَلَا يُؤْجَرُ وَلَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ أُجِرَ لِأَنَّ هَذَا هُوَ حَدُّ الْمَكْرُوهِ. اُنْظُرْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ. (وَتَكْرَارُهَا) قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ مَالِكٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 وَغَيْرُهُ: مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى الْقَبْرِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ: يُصَلِّي عَلَى الْقَبْرِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَالصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ أَوْ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مُبَاحٌ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَلَا رَسُولُهُ وَلَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى كَرَاهَتِهِ، وَفِعْلُ الْخَيْرِ لَا يَجِبُ أَنْ يُمْنَعَ إلَّا بِدَلِيلٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي مَسَالِكِهِ: فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّجَاشِيِّ دَلِيلٌ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ. قَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ: لَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِمُحَمَّدٍ. قُلْنَا: مَا عَمِلَهُ مُحَمَّدٌ يُعْمَلُ وَتَعْمَلُ بِهِ أُمَّتُهُ مِنْ بَعْدِهِ. فَإِنْ قِيلَ: أُحْضِرَ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْنَا رَبَّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى ذَلِكَ قَادِرٌ وَنَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ أَهْلٌ وَلَكِنْ لَا نُقِرُّ بِهِ لِأَنَّكُمْ رَوَيْتُمُوهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ. (وَتَغْسِيلُ جُنُبٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ لِلْحَائِضِ أَنْ تُغَسِّلَ الْمَيِّتَ وَلَا أُحِبُّ لِلْجُنُبِ أَنْ يُغَسِّلَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: الْأَظْهَرُ فِي ذَلِكَ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ طُهْرَهُ. (كَسِقْطٍ وَتَحْنِيطُهُ وَتَسْمِيَتُهُ وَصَلَاةٌ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلَّى عَلَى الْمَوْلُودِ وَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُحَنَّطُ وَلَا يُسَمَّى وَلَا يُورَثُ وَلَا يَرِثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ صَارِخًا بِالصَّوْتِ. انْتَهَى نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: يَبْقَى النَّظَرُ إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا لَكِنَّهُ تَحَرَّكَ وَرَضَعَ وَعَطَسَ أَوْ مَكَثَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَهُوَ حَيٌّ يَتَنَفَّسُ وَيَفْتَحُ عَيْنَيْهِ أَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ وَهُوَ حَيٌّ ثُمَّ تَمَّ خُرُوجُهُ بَعْدَ أَنْ مَاتَ كَالْحَامِلِ تُجْرَحُ فَيَخْرُجُ بَعْضُ الْجَنِينِ وَهِيَ حَيَّةٌ وَبَعْضُهُ بَعْدَمَا مَاتَتْ. وَهَلْ فِيهِ غُرَّةٌ؟ أَكْثَرُهُمْ يَذْكُرُ هَذَا فِي بَابِ الْفَرَائِضِ (وَدَفْنُهُ بِدَارٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ شِهَابٌ: السُّنَّةُ أَنْ لَا يُصَلَّى عَلَى السِّقْطِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ أُمِّهِ. وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُدْفَنَ السِّقْطُ فِي الدَّارِ. الْقَابِسِيُّ: لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْبَشَ مَعَ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ. وَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ: جَائِزٌ أَنْ يُدْفَنَ الرَّجُلُ فِي دَارِهِ. (وَلَيْسَ عَيْبًا بِخِلَافِ الْكَبِيرِ) سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الدَّارَ فَيَجِدُ فِيهَا قَبْرًا قَدْ كَانَ الْبَائِعُ دَفَنَهُ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَبْرِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهِ كَأَنَّهُ حَبْسٌ. قِيلَ لِمَالِكٍ: إنْ وَجَدَ فِيهَا الْمُشْتَرِي قَبْرَ سِقْطٍ؟ قَالَ: لَا أَرَى السِّقْطَ عَيْبًا لِأَنَّ السِّقْطَ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةُ الْمَوْتَى. قِيلَ: أَفَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِمَوْضِعِ السِّقْطِ؟ قَالَ: أَكْرَهُ ذَلِكَ. قَالَ سَحْنُونَ: وَالْقِيَاسُ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهِ. اُنْظُرْ قَوْلَ مَالِكٍ: أَرَى أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ. اعْتَرَضَهُ عَبْدُ الْحَقِّ لِأَنَّهُ عَيْبٌ يَسِيرٌ فَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَاَلَّذِي فِي الرِّوَايَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَيْبٌ لَازِمٌ وَلَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: أَفْتَى بَعْضُ شُيُوخِنَا بَعْضُ أَهْلِ الْخَيْرِ بَنَى دَارًا لَهُ فَوَجَدَ فِي بُقْعَةٍ مِنْهَا عِظَامَ آدَمِيٍّ يَكُونُ مَوْضِعُهُ حَبْسًا لَا يُنْتَفَعُ لَهُ وَلَا بِهَوَاهُ فَتَرَكَهُ وَهَوَاهُ بَرْحًا (وَلَا حَائِضٍ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَتَغْسِيلُ جُنُبٍ ". (وَصَلَاةُ فَاضِلٍ عَلَى بِدْعِيٍّ أَوْ مُظْهِرِ كَبِيرَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُصَلَّى عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ وَيُصْنَعُ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ وَيُوَرَّثُ وَإِثْمُهُ عَلَى نَفْسِهِ ابْنُ يُونُسَ: إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ وَلِأَهْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 الْفَضْلِ أَنْ يُصَلُّوا عَلَى الْبُغَاةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَهَذَا مِنْ بَابِ الرَّدْعِ. قَالَ: وَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ النَّاسُ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَهِرُ بِالْمَعَاصِي وَمَنْ قُتِلَ فِي قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ وَلَا أَهْلُ الْفَضْلِ (وَالْإِمَامِ عَلَى مَنْ حَدُّهُ الْقَتْلُ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ وَإِنْ تَوَلَّاهُ النَّاسُ دُونَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ فِي قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ فَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ النَّاسُ غَيْرَ الْإِمَامِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ مُحَارَبٌ قَتَلَهُ النَّاسُ دُونَ الْإِمَامِ لِأَنَّ حَدَّهُ الْقَتْلُ. فَأَمَّا مَنْ جَلَدَهُ الْإِمَامُ فِي زِنًا فَمَاتَ مِنْهُ فَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ حَدَّهُ الْجَلْدُ لَا الْقَتْلُ (وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَتَرَدُّدٌ) الَّذِي لِلَّخْمِيِّ: أَرَى فِيمَنْ حُكْمُهُ الْأَدَبُ أَوْ الْقَتْلُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدَّبَ بِذَلِكَ أَنْ يَجْتَنِبَ الْإِمَامُ وَأَهْلُ الْفَضْلِ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ رَدْعًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْيَاءِ. (وَتَكْفِينٌ بِحَرِيرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ فِي أَكْفَانِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْخَزَّ لِأَنَّ سَدَاهُ حَرِيرٌ وَكَرِهَ فِي الْأَكْفَانِ الْحَرِيرَ مَحْضًا. ابْنُ حَبِيبٍ: إلَّا الْعَلَمَ مِنْ الْحَرِيرِ وَإِنْ كَانَ فِي كَفَنِ الرَّجُلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ (وَنَجَسٍ) الْكَافِي: لَا يُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ نَجَسٍ إلَّا أَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ وَلَا يُمْكِنُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ أَشْهَبَ. (كَأَخْضَرَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي الثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَكَرِهَ السَّوَادَ لِأَجْلِ التَّفَاؤُلِ، وَمَنَعَ اللَّخْمِيِّ الْأَخْضَرَ وَالْأَزْرَقَ وَالْأَسْوَدَ (وَمُعَصْفَرٍ) تَقَدَّمَ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ الْمُعَصْفَرَ (أَمْكَنَ غَيْرُهُ وَلَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ مِنْ مَتْرُوكِ فِعْلٍ (وَزِيَادَةُ رَجُلٍ عَلَى خَمْسَةٍ) الَّذِي لِلَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ لَا يُزَادُ عَلَى سَبْعٍ (وَاجْتِمَاعُ نِسَاءٍ لِبُكَاءٍ وَلَوْ سِرًّا) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبُكَاءٌ عِنْدَ مَوْتِهِ ". (وَتَكْبِيرُ نَعْشٍ وَفَرْشُهُ بِحَرِيرٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: يُكْرَهُ إعْظَامُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 النَّعْشِ وَأَنْ يُفْرَشَ تَحْتَ الْمَيِّتِ قَطِيفَةُ حَرِيرٍ أَوْ خَزٍّ وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْمَرْأَةِ وَلَا يُفْرَشُ إلَّا ثَوْبٌ طَاهِرٌ (وَإِتْبَاعُهُ بِنَارٍ) هَذَا نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَكُرِهَ حَلْقُ شَعْرٍ ". (وَنِدَاءٌ بِهِ بِمَسْجِدٍ أَوْ بَابِهِ لَا بِكَحَلْقٍ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْجَنَائِزِ يُؤَذَّنُ بِهَا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَكَرِهَ أَيْضًا أَنْ يُصَاحَ فِي الْمَسْجِدِ بِالْجِنَازَةِ وَيُؤَذَّنُ بِهَا. وَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ. وَقَالَ: لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُدَارِ فِي الْحِلَقِ يُؤَذِّنُ النَّاسَ بِهَا وَلَا يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا النِّدَاءُ بِالْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَجُوزُ لِكَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ كُرِهَ ذَلِكَ حَتَّى فِي الْعِلْمِ. وَأَمَّا النِّدَاءُ بِهَا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ هُنَا وَرَآهُ مِنْ النَّعْيِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يُنَادِيَ فِي النَّاسِ مَاتَ فُلَانٌ فَاشْهَدُوا جِنَازَتَهُ. وَأَمَّا الْأَذَانُ وَالْإِعْلَامُ مِنْ غَيْرِ نِدَاءٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ بِإِجْمَاعٍ وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي امْرَأَةٍ تُوُفِّيَتْ وَدُفِنَتْ. أَفَلَا آذَنْتُمُونِي بِهَا» . وَاسْتَخَفَّ ابْنُ وَهْبٍ أَنْ يُنَادَى بِالْجِنَازَةِ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ وَقَوْلُ مَالِكٍ أَصَحُّ. أَبُو عُمَرَ: فِي حَدِيثِ السَّوْدَاءِ جَوَازُ الْإِذْنِ بِالْجِنَازَةِ وَذَلِكَ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَالْحُجَّةُ فِي السُّنَّةِ لَا فِيمَا خَالَفَهَا. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَمُوتُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ النَّاسِ يَبْلُغُونَ مِائَةً فَيَشْفَعُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 لَهُ إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ» فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى إبَاحَةِ الْإِشْعَارِ بِالْجِنَازَةِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْ ذَلِكَ بِالدُّعَاءِ. وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ شُهُودَ الْجَنَائِزِ خَيْرٌ وَعَمَلُ بِرٍّ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الدُّعَاءَ إلَى الْخَيْرِ مِنْ الْخَيْرِ. الْبَاجِيُّ: أَمَرَتْ عَائِشَةُ أَنْ يُمَرَّ عَلَيْهَا بِجِنَازَةِ سَعْدٍ أَرَادَتْ أَنْ تَدْعُوَ لَهُ بِحَضْرَتِهِ لِأَنَّ مُشَاهَدَتَهُ تَدْعُو إلَى الْإِشْفَاقِ وَالِاجْتِهَادِ لَهُ وَلِذَلِكَ يُسْعَى إلَى الْجِنَازَةِ وَلَا يُجْتَزَأ بِمَا يُدْعَى لَهُ فِي الْمَنْزِلِ. (وَقِيَامٌ لَهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: نُسِخَ الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ وَفِي كَوْنِهِ نَسْخَ وُجُوبٍ لِنَدْبٍ أَوْ لِإِبَاحَةٍ؟ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لِإِبَاحَةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا الْقِيَامُ عَلَى الْجِنَازَةِ حَتَّى تُدْفَنَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا نُسِخَ. (وَتَطْيِينُ قَبْرٍ أَوْ تَبْيِيضُهُ وَبِنَاءٌ عَلَيْهِ أَوْ تَحْوِيزٌ وَإِنْ بُوهِيَ بِهِ حَرُمَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ تَجْصِيصَ الْقُبُورِ وَالْبِنَاءَ عَلَيْهَا لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ تَجْصِيصِهَا. الْمَازِرِيُّ: مَعْنَاهُ تَبْيَضُّ بِالْجِيرِ أَوْ بِالتُّرَابِ الْأَبْيَضِ وَالْقَصَّةُ الْجِيرُ وَهُوَ الْجَصُّ. انْتَهَى نَصُّ الْمَازِرِيِّ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا. ابْنُ رُشْدٍ: الْبِنَاءُ عَلَى نَفْسِ الْقَبْرِ مَكْرُوهٌ وَأَمَّا الْبِنَاءُ حَوَالَيْهِ فَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ جِهَةِ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْأَمْلَاكِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: لَا بَأْسَ بِالْحَائِطِ الْيَسِيرِ الِارْتِفَاعِ لِيَكُونَ حَاجِزًا بَيْنَ الْقُبُورِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ عَلَى النَّاسِ مَوْتَاهُمْ مَعَ غَيْرِهِ لِيُتَرَحَّمَ عَلَيْهِمْ وَيُجْمَعَ إلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ. وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْفِنَ فِي مَقْبَرَةِ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ فَلَا يُمْنَعُ لِأَنَّ الْجَبَّانَةَ أَحْبَاسٌ لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ فِيهَا شَيْئًا. وَأَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ بِهَدْمِ مَا بُنِيَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 الرَّوْضَاتِ وَالْقِبَابِ إلَّا إنْ كَانَ فِي مِلْكِ بَانِيهَا فَلَا يُمْنَعُ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ كَانَتْ حَيْثُ لَا يَأْوِي إلَيْهَا أَهْلُ الْفَسَادِ. (وَجَازَ لِلتَّمْيِيزِ كَحَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ بِلَا نَقْشٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ حَجَرٌ أَوْ خَشَبَةٌ أَوْ عُودٌ يَعْرِفُ بِهِ الرَّجُلُ قَبْرَ وَلِيِّهِ مَا لَمْ يُكْتَبْ فِي ذَلِكَ، وَلَا أَرَى قَوْلَ عُمَرَ: " لَا تَجْعَلُوا عَلَى قَبْرِي حَجَرًا " إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ مِنْ فَوْقِهِ عَلَى مَعْنَى الْبِنَاءِ. ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُجْعَلَ فِي طَرَفِ الْقَبْرِ الْحَجَرُ الْوَاحِدُ لِئَلَّا يَخْفَى مَوْضِعُهُ إذَا عَفَا أَثَرُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ الْحَاكِمُ: لَيْسَ، الْعَمَلُ عَلَى أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْبِنَاءِ وَالْكَتْبِ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 الْقَبْرِ فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَهُ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ. (وَلَا يُغَسَّلُ شَهِيدُ مُعْتَرَكٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الشَّهِيدُ فِي الْمُعْتَرَكِ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُكَفَّنُ وَلَا يُحَنَّطُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ بِثِيَابِهِ (فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا أَوْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ فِي الْمُعْتَرَكِ أَوْ مَاتَ بِغَرَقٍ أَوْ هَدْمٍ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ فِي دَفْعِهِ إيَّاهُمْ عَنْ حَرِيمِهِ. ابْنُ سَحْنُونٍ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ فِي الْمُعْتَرَكِ مُسْلِمًا ظَنُّوا أَنَّهُ مِنْ الْعَدُوِّ، وَمَا دَرَسَتْ الْخَيْلُ مِنْ الرَّجَّالَةِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ. (وَلَوْ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ) سُئِلَ أَصْبَغُ عَنْ أَهْلِ الْحَرْبِ يُغِيرُونَ عَلَى بَعْضِ ثُغُورِ الْإِسْلَامِ فَيَقْتُلُونَ الرِّجَالَ فِي مَنَازِلِهِمْ فِي غَيْرِ مُعْتَرَكٍ وَلَا مُجْتَمَعٍ وَلَا مُلَاقَاةٍ. فَقَالَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي هَؤُلَاءِ: يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ. فَسَأَلْت ابْنَ وَهْبٍ فَقَالَ لِي: هُمْ شُهَدَاءُ. وَهُوَ رَأْيٌ. قِيلَ لِأَصْبَغَ: وَسَوَاءٌ قَتَلُوهُمْ غَافِلِينَ أَوْ مُغَافَصَةً قَالَ: نَعَمْ هُمْ شُهَدَاءُ. قِيلَ: فَإِنْ قَتَلُوا امْرَأَةً أَوْ صَبِيَّةً صَغِيرَةً أَهُمْ عِنْدَك مِثْلُ الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ وَبِأَيِّ قِتْلَةٍ قُتِلُوا بِسِلَاحٍ أَوْ بِغَيْرِ سِلَاحٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ هُمْ عِنْدِي سَوَاءٌ يُصْنَعُ بِهِمْ مَا يُصْنَعُ بِالشُّهَدَاءِ. ابْنُ يُونُسَ: بِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَقُولُ وَقَالَهُ سَحْنُونَ وَهُوَ وِفَاقٌ لِلْمُدَوِّنَةِ. سَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ صَبِيَّةً. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَتَلَهُ الْعَدُوُّ بِحَجَرٍ أَوْ خَنَقَهُ أَوْ قَتَلَهُ أَيَّ قِتْلَةٍ فِي مَعْرَكَةٍ أَوْ غَيْرِ مَعْرَكَةٍ فَهُوَ كَالشَّهِيدِ فِي الْمَعْرَكَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ: مَنْ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَلَمْ يُؤَمِّنُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ وَرَمَوْهُ إلَيْنَا فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَوْ أَمَّنُوهُ ثُمَّ قَتَلُوهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 (وَإِنْ أَجْنَبَ عَلَى الْأَحْسَنِ) أَشْهَبُ: لَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ. وَرَشَّحَ ابْنُ رُشْدٍ تَرْكَ غَسْلِ الْجُنُبِ وَمَا ذُكِرَ قَوْلُ سَحْنُونٍ. (لَا إنْ رُفِعَ حَيًّا وَإِنْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ إلَّا الْمَغْمُورَ) الَّذِي فِي الْكَافِي وَنَحْوِهِ فِي الْمَعُونَةِ: إنْ حُمِلَ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ فِي الْمُعْتَرَكِ وَنَحْوُ هَذَا أَيْضًا مُقْتَضَى مَا حَكَى الْبَاجِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ. ثُمَّ قَالَ الْبَاجِيُّ: فَكَانَ يَجِبُ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنْ لَا يُغَسَّلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ فِيهَا مَنْ بِهِ رَمَقٌ وَهُوَ فِي غَمْرَةِ الْمَوْتِ كَمُجَهَّزٍ عَلَيْهِ وَمَنْ بَقِيَتْ لَهُ حَيَاةٌ بَيِّنَةٌ فَكَغَيْرِهِ، وَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا ابْنُ يُونُسَ وَلَا الْمَازِرِيُّ نُفُوذَ مَقْتَلٍ فَانْظُرْ أَنْتَ فِي هَذَا كُلِّهِ. (وَدُفِنَ بِثِيَابِهِ إنْ سَتَرَتْهُ وَإِلَّا زِيدَ بِخُفٍّ وَقَلَنْسُوَةٍ وَمِنْطَقَةٍ قَلَّ ثَمَنُهَا وَخَاتَمٍ قَلَّ فَصُّهُ لَا دِرْعٍ وَسِلَاحٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُصْنَعُ بِقُبُورِ الشُّهَدَاءِ مَا يُصْنَعُ بِقُبُورِ الْمَوْتَى مِنْ الْحَفْرِ وَاللَّحْدِ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ثِيَابِهِ وَلَا فَرْوٍ وَلَا خُفٍّ وَلَا قَلَنْسُوَةٍ. قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَا خَاتَمِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَفِيسَ الْفَصِّ وَلَا مِنْطَقَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا خَطَرٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُنْزَعُ عَنْهُ الدِّرْعُ وَالسَّيْفُ وَجَمِيعُ السِّلَاحِ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَا عَلِمْت أَنَّهُ يُزَادُ فِي كَفَنِهِ شَيْءٌ أَكْثَرُ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ. قَالَ أَشْهَبُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا لَا يُوَارِيهِ وَسُلِبَ مَا كَانَ عَلَيْهِ. قَالَ أَصْبَغُ: وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ثِيَابُهُ فَشَاءَ وَلِيُّهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا فَذَلِكَ وَاسِعٌ انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. ابْنُ رُشْدٍ مَنْ عَرَّاهُ الْعَدُوُّ: لَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِ تَكْفِينَهُ بَلْ ذَلِكَ لَازِمٌ. «كَفَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشُّهَدَاءَ يَوْمَ أُحُدٍ اثْنَانِ فِي ثَوْبٍ» . وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ثِيَابِهِ إذَا كَانَ فِيهَا مَا يَجْزِيهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا قَالَ أَصْبَغُ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَعْرِفْ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا ابْنُ يُونُسَ الْمَنْعَ مِنْ الزِّيَادَةِ وَاَلَّذِي نَقَلَ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ عَنْ مَالِكٍ إنْ أَرَادَ وَلِيُّهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَا عَلَيْهِ وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مَا لَا يَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهِ سُتِرَ بَقِيَّةُ جَسَدِهِ (وَلَا دُونَ الْجُلِّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلَّى عَلَى يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ رَأْسٍ وَلَا عَلَى الرَّأْسِ مَعَ الرِّجْلَيْنِ فَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ الْبَدَنِ صُلِّيَ عَلَيْهِ يُرِيدُ بَعْدَ غُسْلِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ: يُصَلَّى عَلَى مَا وُجِدَ مِنْهُ وَيُنْوَى بِذَلِكَ الْمَيِّتُ. ابْنُ يُونُسَ: وَبِهِ أَقُولُ. ابْنُ رُشْدٍ: الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى غَائِبٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى غَرِيقٍ أَوْ قَتِيلٍ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ أَبِي سَلَمَةَ: يُصَلَّى عَلَيْهِ. (وَلَا مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلَّى عَلَى مَوْتَى الْقَدَرِيَّةِ. قَالَ سَحْنُونَ: أَدَبًا لَهُمْ فَإِذَا خِيفَ أَنْ يُضَيَّعُوا غُسِّلُوا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ. وَكَذَا فِي التَّلْقِينِ وَكَذَا فَسَّرَ ابْنُ رُشْدٍ الْمُدَوَّنَةَ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تُحَقِّرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ» هَذَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَقْطَعَ أَحَدٌ عَنْ الْخَوَارِجِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ بِالْخُرُوجِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. ثُمَّ حُكِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي الْخَوَارِجِ فَقَالَ: إنْ كَانَ مِنْ رَأْيِ الْقَوْمِ أَنْ يَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ فَسَادٍ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا قَطْعِ سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَذْهَبُوا حَيْثُ شَاءُوا، وَإِنْ كَانَ رَأْيُهُمْ الْقِتَالَ فَوَاَللَّهِ لَوْ أَنَّ أَبْكَارِي خَرَجُوا رَغْمَةً عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لَأَرَّقْتهَا. أَبُو عُمَرَ: إلَى تَرْكِ قِتَالِهِمْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ. (وَإِنْ صَغِيرًا ارْتَدَّ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي وَلَدِ الْمُسْلِمِ يَرْتَدُّ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَإِنْ مَاتَ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ. (أَوْ نَوَى بِهِ شَائِبَةَ الْإِسْلَامِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي الصَّغِيرِ مِنْ وَلَدِ أَهْلِ الْكِتَابِ يَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَهُوَ مِمَّنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ؛ فَقِيلَ هُوَ عَلَى حُكْمِ الْكَافِرِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُجِيبَ إلَى الْإِسْلَامِ بِأَمْرٍ يُعْرَفُ أَنَّهُ قَدْ عَقَلَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ أَوْ لَمْ يَكُونَا، وَقَعَ فِي سَهْمِهِ مِنْ الْمَغْنَمِ أَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ حَرْبِيٍّ، قَدِمَ بِهِ أَوْ تَوَالَدَ فِي مِلْكِ مُسْلِمٍ مِنْ عَبْدَيْهِ النَّصْرَانِيِّينَ، وَكَانَ مِنْ نِيَّةِ صَاحِبِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ فِي الْإِسْلَامِ أَمْ لَا، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ (إلَّا أَنْ يُسْلِمَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ مِنْ الْمَغْنَمِ صَغِيرٌ أَوْ اشْتَرَاهُ فَمَاتَ صَغِيرًا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَإِنْ نَوَى بِهِ سَيِّدُهُ الْإِسْلَامَ إلَّا أَنْ يُجِيبَ إلَى الْإِسْلَامِ بِأَمْرٍ يُعْرَفُ أَنَّهُ عَقَلَهُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَ كَبِيرًا يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَيَعْرِفُ مَا أَجَابَ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ (كَأَنْ أَسْلَمَ) اللَّخْمِيِّ: إذَا أَسْلَمَ ابْنُ الْكَافِرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً: هُوَ إسْلَامٌ وَإِنْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً جَازَ وَطْؤُهَا. فَعَلَى هَذَا إذَا مَاتَتْ يُصَلَّى عَلَيْهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ أَنَّ لِمَنْ ارْتَدَّ حُكْمَ الْكَافِرِ وَلِمَنْ أَسْلَمَ حُكْمَ الْمُسْلِمِ. وَقَدْ كَانَ إسْلَامُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبْلَ الْبُلُوغِ. (وَنَفَرَ مِنْ أَبَوَيْهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا أَسْلَمَ بَعْضُ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَنَفَرَ مِنْ أَبَوَيْهِ فَفِي قَبُولِ إسْلَامِهِ قَوْلَانِ، وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَفَرَ مِنْ أَبَوَيْهِ وَلَا اللَّخْمِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ. الْمَازِرِيُّ: وَلَا خِلَافَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ مَقْطُوعٌ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: وَمَا بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمَّتِهِ حُكْمَ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ بَيَانًا يَقْطَعُ مَجِيئُهُ الْعُذْرَ. ثُمَّ نُقِلَ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا يَزَالُ أَمْرُهَا مُتَقَارِبًا أَوْ مُوَاتِيًا أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي الْأَطْفَالِ وَالْقَدَرِ. وَعَنْ ابْنِ عَوْنٍ: كُنْت عِنْدَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَاذَا كَانَ بَيْنَ قَتَادَةَ وَبَيْنَ حَفْصٍ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ وَتَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ رَبِيعَةُ. فَقَالَ الْقَاسِمُ: إذَا اللَّهُ انْتَهَى عِنْدَ شَيْءٍ فَانْتَهُوا وَقِفُوا عِنْدَهُ. قَالَ: فَكَأَنَّمَا كَانَتْ نَارٌ فَأُطْفِئَتْ. ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ أَسْلَمَ الْأَبُ حُكِمَ لِوَلَدِهِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ دِينَهُ بِالْإِسْلَامِ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ الْأُمُّ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ وَهَذِهِ عِبَارَةُ الشُّيُوخِ: وَالْوَلَدُ تَابِعٌ لِأُمِّهِ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَتَابِعٌ لِوَالِدِهِ فِي الدِّينِ. (وَإِنْ اخْتَلَطُوا غُسِّلُوا وَكُفِّنُوا وَمُيِّزَ الْمُسْلِمُ بِالنِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 سَمِعَ مُوسَى ابْنَ الْقَاسِمِ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمْ مُشْرِكٌ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَقَعَ عَلَيْهِمْ بَيْتٌ فَهَلَكُوا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَى أَنْ يُغَسَّلُوا وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَتَكُونُ نِيَّتُهُمْ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ لَا خِلَافَ فِيهَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا كَانَ نَفَرٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَفِيهِمْ مُسْلِمٌ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ. وَقَالَ سَحْنُونَ: يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَتَكُونُ نِيَّتُهُمْ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْهُمْ. وَأَمَّا إنْ وُجِدَ مَيِّتٌ بِفَلَاةٍ لَا يُدْرَى أَمُسْلِمٌ هُوَ أَمْ كَافِرٌ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. قَالَ: وَأَرَى أَنْ يُوَارَى. قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ فِي مَدِينَةٍ مِنْ الْمَدَائِنِ فِي زُقَاقٍ وَلَا يُدْرَى أَمُسْلِمٌ هُوَ أَمْ كَافِرٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ كَانَ مَخْتُونًا فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ يَخْتَتِنُونَ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَمِنْ النَّصَارَى أَيْضًا مَنْ يَخْتَتِنُ (وَلَا سِقْطٌ لَمْ يَسْتَهِلَّ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَسِقْطٍ " (وَلَوْ تَحَرَّكَ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي الْحَرَكَةِ وَالرَّضَاعِ وَالْعُطَاسِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ لَهُ بِذَلِكَ حُكْمُ الْحَيَاةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنْ أَقَامَ يَوْمًا يَتَنَفَّسُ وَيَفْتَحُ عَيْنَيْهِ وَيَتَحَرَّك حَتَّى يُسْمَعَ لَهُ صَوْتٌ. وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا قَالَ إسْمَاعِيلُ: وَحَرَكَتُهُ كَحَرَكَتِهِ فِي الْبَطْنِ لَا يُحْكَمُ لَهُ فِيهَا بِحَيَاةٍ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَقَدْ يَتَحَرَّك الْمَقْتُولُ (أَوْ عَطَسَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ (أَوْ بَالَ) ابْنُ عَرَفَةَ: بَوْلُهُ لَغْوٌ (أَوْ رَضَعَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ وَعَارَضَ هَذَا الْمَازِرِيُّ وَقَالَ: لَا مَعْنَى لِإِنْكَارِ دَلَالَةَ الرَّضَاعِ عَلَى الْحَيَاةِ لِأَنَّا نَعْلَمُ عِلْمًا يَقِينًا أَنَّهُ مُحَالٌ بِالْعَادَةِ أَنْ يَرْضَعَ الْمَيِّتُ وَلَيْسَ الرَّضَاعُ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَكُونُ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ الطَّبِيعَةِ وَالِاخْتِيَارِيَّة كَمَا قَالَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: إنَّ الْعُطَاسَ يَكُونُ مِنْ الرِّيحِ وَالْبَوْلُ مِنْ اسْتِرْخَاءِ الْمَوَاسِكِ لِأَنَّ الرَّضَاعَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْقَصْدِ إلَيْهِ، وَالتَّشَكُّكُ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْحَيَاةِ يُطْرِقُ إلَى هَدْمِ قَوَاعِدَ ضَرُورِيَّةٍ. وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ كَالِاسْتِهْلَالِ بِالصُّرَاخِ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا الْبَحْثَ مِنْ الْإِمَامِ فَقَدْ كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا طُعِنَ مَعْدُودًا فِي الْأَمْوَاتِ لَوْ مَاتَ لَهُ مَوْرُوثٌ لَمَا وَرِثَهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِم. وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَئِذٍ لَمَا قُتِلَ بِهِ وَإِنْ كَانَ عُمَرَ حِينَئِذٍ يَتَكَلَّمُ وَيَعْهَدُ. وَفَرْقٌ بَيْنَ وَلَدِ الْبَقَرَةِ مَثَلًا تَزْلِقُهُ وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ، وَبَيْنَ الْمَرِيضَةِ الَّتِي أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهَا. هَذِهِ يُرَاعَى الِاسْتِصْحَابُ فَتُحْسَبُ حَيَّةً وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الزَّكَاةُ بِخِلَافِ الْمُزْلَقِ (إلَّا أَنْ تَتَحَقَّقَ الْحَيَاةُ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُصَلَّى عَلَى مَنْ وُلِدَ إنْ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ، وَإِنْ جُهِلَتْ فَكَالسِّقْطِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ (وَغُسِلَ دَمُهُ وَلُفَّ بِخِرْقَةٍ) تَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ عَلِيٍّ بِهَذَا وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَتَلَازُمًا " (وُورِيَ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَدَفْنُهُ بِدَارٍ ". (وَلَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرٍ إلَّا أَنْ يُدْفَنَ بِغَيْرِهَا) الرِّسَالَةُ: وَمَنْ دُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وُورِيَ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " فَإِنْ دُفِنَ فَعَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 الْقَبْرِ " (وَلَا غَائِبٍ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا دُونَ الْجُلِّ " (وَلَا تُكَرَّرُ) قَدْ تَقَدَّمَ. (وَالْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ وَصِيٌّ رُجِيَ خَيْرُهُ ثُمَّ الْخَلِيفَةُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا نَصُّهُ: (قَاعِدَةٌ) ضَبْطُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَاجِبٌ وَلَا تَنْضَبِطُ إلَّا بِعَظَمَةِ الْأَئِمَّةِ فِي نُفُوسِ الرَّعِيَّةِ وَمَهْمَا أُهِينُوا تَعَذَّرَتْ الْمَصْلَحَةُ، فَلِذَلِكَ لَا يَتَقَدَّمُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِأَئِمَّتِهِمْ. وَرَوَى ابْنُ غَانِمٍ: وَصِيُّ الْمَيِّتِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَحَقُّ مِنْ الْوَلِيِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 وَرَوَى سَحْنُونَ: إنْ كَانَ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلِيِّهِ فَالْوَلِيُّ أَحَقُّ. سَحْنُونَ: وَالْوَصِيُّ أَحَقُّ مِنْ الْخَلِيفَةِ وَالْخَلِيفَةُ أَحَقُّ مِنْ الْوَلِيِّ. (لَا فَرْعُهُ إلَّا مَعَ الْخُطْبَةِ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَكُونُ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَى مَيِّتِهِمْ إلَّا الْأَمِيرَ أَوْ قَاضِيَهُ أَوْ صَاحِبَ شُرْطَتِهِ أَوْ مُؤَمِّرَهُ عَلَى الْجُنْدِ إذَا كَانَتْ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَإِنْ انْفَرَدَ بِالْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ دُونَ أَنْ يَكُونَ إلَيْهِ حُكْمٌ بِقَضَاءٍ أَوْ شُرْطَةٍ أَوْ إمَارَةٍ عَلَى الْجُنْدِ وَانْفَرَدَ بِالْحُكْمِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الشُّرْطَةِ أَوْ الْإِمَارَةِ عَلَى الْجُنْدِ دُونَ أَنْ تَكُونَ إلَيْهِ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ حَقٌّ وَكُلُّ مَنْ كَانَ إلَيْهِ مِنْهُمْ الْحُكْمُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَالصَّلَاةِ فَوَكِيلُهُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا بِمَنْزِلَتِهِ فِي أَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 الْأَوْلِيَاءِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ وَكِيلُهُ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ الصَّلَاةِ أَوْ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ دُونَ الْحُكْمِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ. وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لِمَنْ كَانَتْ إلَيْهِ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ يُرِيدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَيْهِ الْحُكْمُ. (ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ) . ابْنُ رُشْدٍ: أَوْلَى الْأَوْلِيَاءِ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ أَبُو الْجَدِّ ثُمَّ بَنُوهُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَمِيرَاثِ الْوَلَاءِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَالسِّنِّ فَأَحْسَنُهُمْ خُلُقًا لِحَدِيثِ: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَبْلُغَ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الْقَائِمِ بِاللَّيْلِ الصَّائِمِ بِالْهَوَاجِرِ» فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي ذَلِكَ وَتَشَاحُّوا فِي الصَّلَاةِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَإِنْ أَرَادَ الْأَحَقُّ أَنْ يُقَدِّمَ أَجْنَبِيًّا مِنْ النَّاسِ أَوْ بَعِيدًا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقُّهُ لَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ لِمَنْ يَشَاءُ. قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَصْبَغُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَصْبَغَ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ عَبْد الْحَكَمِ. (وَأَفْضَلُ وَلِيٍّ وَلَوْ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ) ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْجِنَازَتَيْنِ تَحْضُرَانِ جَمِيعًا جِنَازَةِ رَجُلٍ وَجِنَازَةِ امْرَأَةٍ لَيْسَ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ وَلَا لِأَوْلِيَاءِ الرَّجُلِ وَلَكِنْ يُنْظَرُ إلَى أَهْلِ الْفَضْلِ وَالسِّنِّ فَيُقَدَّمُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: أَوْلِيَاءُ الرَّجُلِ أَحَقُّ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ، وَقَدْ قَدَّمَ الْحُسَيْنُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لِلصَّلَاةِ عَلَى جِنَازَةِ أُخْتِهِ أُمِّ كُلْثُومٍ وَابْنِهَا زَيْدُ بْنُ عُمَرَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَدَّمَهُ لِسِنِّهِ وَلِإِقْرَارِهِ يَفْضُلُهُ لَا لِأَنَّهُ أَحَقُّ. (وَصَلَّى النِّسَاءُ دَفْعَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ مَاتَ رَجُلٌ فِي نِسَاءٍ لَا رِجَالَ مَعَهُمْ صَلَّيْنَ عَلَيْهِ أَفْذَاذًا وَلَا تَؤُمُّهُنَّ إحْدَاهُنَّ. قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ: أَفْذَاذًا مَرَّةً وَاحِدَةً وَإِلَّا كَانَ إعَادَةً لِلصَّلَاةِ وَرَدَّهُ الْقَابِسِيُّ بِرِوَايَةِ الْعَسَّالِ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ (وَصُحِّحَ تَرَتُّبُهُنَّ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْأَصَحُّ أَنْ يُصَلِّينَ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ. (وَالْقَبْرُ حَبْسٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَبْرُ غَيْرِ السِّقْطِ حَبْسٌ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَيْسَ عَيْبًا (لَا يُمْشَى عَلَيْهِ) . الْمَازِرِيُّ: عِنْدَنَا أَنَّ الْجُلُوسَ عَلَى الْقَبْرِ جَائِزٌ وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ كَذَا فَسَّرَهُ مَالِكٌ. وَرُوِيَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَتَوَسَّدُهَا وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِالْمَشْيِ عَلَيْهَا إذَا عَفَتْ. وَأَمَّا الْقَبْرُ مُسَنَّمٌ وَالطَّرِيقُ دُونَهُ فَلَا أُحِبُّهُ فِي ذَلِكَ تَكْسِيرُ تَسْنِيمِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْغَفُورِ: تُحْرَثُ الْمَقْبَرَةُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ إنْ ضَاقَتْ عَنْ الدَّفْنِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ أَخْذُ حَجَرِ الْمَقَابِرِ الْعَافِيَةِ وَلَا لِبِنَاءِ قَنْطَرَةٍ أَوْ مَسْجِدٍ وَعَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 هَذَا لَا يَجُوزُ حَرْثُهَا. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ حُرِثَتْ جُعِلَ كِرَاؤُهَا فِي مُؤْنَةِ دَفْنِ الْفُقَرَاءِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا بِنَاءُ مَسْجِدٍ عَلَى الْمَقْبَرَةِ الْعَافِيَةِ فَلَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، لِأَنَّ الْقَبْرَ وَالْمَسْجِدَ حَبْسَانِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَدَفْنُ مَوْتَاهُمْ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّدَافُنُ وَاحْتِيجَ أَنْ تُتَّخَذَ مَسْجِدًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَا كَانَ لِلَّهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِبَعْضِ ذَلِكَ عَلَى مَا النَّفْعُ فِيهِ أَكْثَرُ وَالنَّاسُ أَحْوَجُ إلَيْهِ. (وَلَا يُنْبَشُ مَا دَامَ بِهِ) تَقَدَّمَتْ فُتْيَا شُيُوخِ ابْنِ عَرَفَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَيْسَ عَيْبًا ". وَانْظُرْ فِي حَدِيثٍ، ثَالِثٍ لِمَالِكٍ عَنْ أَبِي الرَّحَّالِ مِنْ التَّمْهِيدِ أَنَّهُ يَجُوزُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 النَّبْشُ لِعُذْرٍ، وَإِنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْرَجَ أَبَاهُ مِنْ قَبْرِهِ وَدَفَنَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ مُعَاوِيَةُ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ عَلَيْهِ. اللَّخْمِيِّ: نَقْلُ الْمَيِّتِ بَعْدَ دَفْنِهِ لَيْسَ بِحَسَنٍ وَلَا يَبْلُغُ ذَلِكَ تَأْثِيمَ فَاعِلِهِ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أُحْدِثَتْ قُبُورٌ بِفِنَاءِ قَوْمٍ فِي غَيْبَتِهِمْ ثُمَّ قَدِمُوا فَلَهُمْ تَسْوِيَةُ قَدِيمِهَا بِالرَّمْيِ عَلَيْهَا وَلَا أُحِبُّ تَسْوِيَةَ جَدِيدِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا كَرِهَهُ فِي الْجَدِيدَةِ لِأَنَّهَا فِي الْأَفْنِيَةِ، وَلَوْ كَانَتْ فِي الْمِلْكِ الْمُحَوَّزِ لَمْ يَكْرَهْهُ بَلْ لَهُمْ نَبْشُهَا وَتَحْوِيلُهَا إلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ كَفِعْلِ مُعَاوِيَةَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الِاسْتِدْلَالِ بِفِعْلِ مُعَاوِيَةَ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ حَاجِيَّةٍ كَبَيْعِ الْحَبْسِ لِتَوْسِيعِ جَامِعِ الْخُطْبَةِ. ابْنُ سَهْلٍ: أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالْمَشْيِ عَلَى أَسْنِمَةِ الْقُبُورِ «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشُقُّ الْمَقَابِرَ عَلَى أَسْنِمَتِهَا لَا بَيْنَهَا» . وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمَشْيُ عَلَى الْمَقَابِرِ لِمَنْ لَهُ قَبْرٌ ضَرُورَةً وَيُؤْمَرُ بِالتَّحَفُّظِ أَنْ لَا يَهْدِمَهَا وَلِلضَّرُورَةِ أَحْكَامٌ (إلَّا أَنْ يَشِحَّ رَبُّ كَفَنٍ غُصِبَهُ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ دُفِنَ بِثَوْبٍ لِغَيْرِهِ نَبَشَ لِأَخْذِهِ رَبُّهُ إلَّا أَنْ يَطُولَ أَوْ يَرُوحَ الْمَيِّتُ. سَحْنُونَ: وَهَذَا إذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ صَدَّقَهُ أَهْلُ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ سَقَطَ خَاتَمُهُ فِي الْقَبْرِ أَوْ دَنَانِيرُ كَانَتْ فِي كُمِّهِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْرِجَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَيِّتُ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: إنْ نَسِيَ فِي الْقَبْرِ كِيسًا أَوْ ثَوْبًا نُبِشَ وَإِنْ طَالَ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ الْوَرَثَةُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ (أَوْ قَبْرٍ بِمِلْكِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: مَوْضِعُ الْقَبْرِ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الدَّفْنِ فَلَا يَجُوزُ دَفْنُ غَيْرِ الْمَالِكِ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، فَإِنْ حَفَرَ قَبْرًا فَجَاءَ غَيْرُهُ وَدَفَنَ فِيهِ وَأَرَادَ الْمَالِكُ إخْرَاجَهُ فَلَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَطُولَ. فَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: لَهُ الِانْتِفَاعُ بِظَاهِرِ أَرْضِهِ انْتَهَى. اُنْظُرْ نَحْوَ هَذَا هُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا يُنْبَشُ مَا دَامَ بِهِ ". وَأَمَّا إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِلدَّفْنِ فَهُوَ حَبْسٌ فَإِنْ حَفَرَ فِيهِ وَجَاءَ غَيْرُهُ فَدُفِنَ فِيهِ فَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُخْرَجُ وَيَبْقَى مَا الَّذِي يَجِبُ لِحَافِرِ الْقَبْرِ فَقِيلَ ثَانٍ وَقِيلَ قِيمَةُ الْحَفْرِ. قَالَهُ ابْنُ اللَّبَّادِ، وَقِيلَ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا قَالَهُ الْقَابِسِيُّ، وَقِيلَ الْأَكْثَرُ مِنْهُمَا قَالَهُ اللَّخْمِيِّ قَالَ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ (أَوْ نَسِي مَعَهُ مَالٌ) تَقَدَّمَ مَا لِابْنِ سَحْنُونٍ (وَإِنْ كَانَ بِمَا يَمْلِكُ فِيهِ الدَّفْنَ بَقِيَ وَعَلَيْهِمْ قِيمَتُهُ) تَقَدَّمَ أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. (وَأَقَلُّهُ مَنْعُ رَائِحَتِهِ وَحَرَسِهِ) تَقَدَّمَ مَا لِابْنِ عَاتٍ مَنْ رَأَى تَعْمِيقَ الْقَبْرِ بِحَيْثُ يُتَوَقَّعُ النَّبْشُ. (وَبُقِرَ عَنْ مَالِ كَثُرَ وَلَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) سَحْنُونَ يُبْقَرُ عَنْ دَنَانِيرَ فِي بَطْنِ الْمَيِّتِ لَا عَلَى مَا قَلَّ. عَبْدُ الْحَقِّ: فِي كَوْنِ مَا قَلَّ دُونَ رُبْعِ دِينَارٍ أَوْ نِصَابِ الزَّكَاةِ خِلَافٌ. وَأَجَابَ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ مُقِيمِ شَاهِدٍ عَلَى مَيِّتٍ لَمْ يُدْفَنْ أَنَّهُ بَلَعَ دَنَانِيرَ يَحْلِفُ لِيَبْقُرَ بَطْنَهُ قَائِلًا اُخْتُلِفَ فِي الْقِصَاصِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ (لَا عَنْ جَنِينٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَبْقُرُ بَطْنَ الْمَيِّتَةِ إذَا كَانَ جَنِينُهَا يَضْطَرِبُ فِي بَطْنِهَا. وَقَالَ سَحْنُونَ: إنْ كَمُلَتْ حَيَاتُهُ وَرُجِيَ خَلَاصُهُ بَقَرَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: رَأَيْت رَجُلًا مَبْقُورًا عَلَى نَاقَةٍ مَبْقُورَةٍ قَالَ سَنَدٌ: وَإِذَا بَقَرَ فَمِنْ خَاصِرَتِهَا الْيُسْرَى. ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ عِنْدِي الْبَقْرُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَأْلَمُهُ. وَقَدْ رَأَى أَهْلُ الْعِلْمِ قَطْعَ الصَّلَاةِ خَوْفَ وُقُوعِ صَبِيٍّ أَوْ أَعْمَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 فِي بِئْرٍ وَقَطْعُ الصَّلَاةِ فِيهِ إثْمٌ وَلَكِنْ أُبِيحَ لِإِحْيَاءِ نَفْسٍ فَكَذَلِكَ يُبَاحُ بَقْرُ الْمَيِّتَةِ لِإِحْيَاءِ وَلَدِهَا الَّذِي يَتَحَقَّقُ مَوْتُهُ إنْ تُرِكَ وَالْوَاقِعَ فِي الْبِئْرِ قَدْ يَحْيَى فَكَانَ الْبَقْرُ أَوْلَى. وَيُحْمَلُ قَوْلُ عَائِشَةَ: " كَسْرُ عِظَامِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهَا حَيًّا " إذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَبَثًا وَأَمَّا لِأَمْرٍ هُوَ وَاجِبٌ فَلَا. أَلَا تَرَى الْحَيَّ لَوْ أَصَابَهُ أَمْرٌ فِي جَوْفِهِ يَتَحَقَّقُ أَنَّ حَيَاتَهُ بِاسْتِخْرَاجِهِ لَبَقَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ آثِمًا فِي فِعْلِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَلَدِهِ أَوْ عَبْدِهِ مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ؟ قَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ الْجَنِينُ فِي وَقْتٍ لَوْ أَسْقَطَتْهُ وَهِيَ حَيَّةٌ لَمْ يَعِشْ لَمْ يُبْقَرْ، وَإِنْ كَانَ فِي شَهْرٍ يَعِيشُ فِيهِ الْوَلَدُ إذَا وَضَعَتْهُ كَاَلَّتِي دَخَلَتْ فِي السَّابِعِ أَوْ التَّاسِعِ أَوْ الْعَاشِرِ وَكَانَ مَتَى بُقِرَ عَلَيْهِ رُجِيَتْ حَيَاتُهُ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُبْقَرُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ: يُبْقَرُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَحْسَنُ وَإِحْيَاءُ نَفْسٍ أَوْلَى مِنْ صِيَانَةِ مَيِّتٍ (وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى الْبَقْرِ إنْ رُجِيَ) أَمَّا اللَّخْمِيِّ وَابْنُ يُونُسَ فَقَدْ اخْتَارَ الْبَقْرَ كَمَا تَقَدَّمَ مُصَرِّحَيْنِ بِأَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ (وَإِنْ قُدِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ مَحِلِّهِ فُعِلَ) قَالَ مَالِكٌ: إنْ قُدِرَ عَلَى أَنْ يُسْتَخْرَجَ الْوَلَدُ مِنْ حَيْثُ يَخْرُجُ فِي الْحَيَاةِ فُعِلَ. اللَّخْمِيِّ: هَذَا لَا يُمْكِنُ (وَالنَّصُّ عَدَمُ جَوَازِ أَكْلِهِ لِمُضْطَرٍّ) ابْنُ الْقَصَّارِ: الْمُضْطَرُّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ لَا يَجِدُ إلَّا لَحْمَ آدَمِيٍّ لَا يَأْكُلْهُ وَإِنْ خَافَ التَّلَفَ. ابْنُ رُشْدٍ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْ بَنِي آدَمَ لَيْسَ بِنَجَسٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: لِأَنَّ اللَّهَ سَمَّى الْمَيْتَاتِ رِجْسًا وَالْمَيِّتُ مِنْ بَنِي آدَمَ لَا يُسَمَّى مَيْتَةً فَلَيْسَ بِرِجْسٍ وَلَا نَجَسٍ وَلَا حَرُمَ أَكْلُهُ لِنَجَاسَتِهِ وَإِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهُ إكْرَامًا لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُسَمَّ مَيْتَةً لَمْ يَجُزْ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَهُ بِإِبَاحَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ أَكْلَ الْمَيْتَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ (وَصُحِّحَ أَكْلُهُ) ، ابْنُ عَرَفَةَ: تَعَقَّبَ عَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُهُ قَوْلَ ابْنِ الْقَصَّارِ أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَا يَأْكُلُ مَيْتَةَ آدَمِيٍّ وَتَخْرِيجُهُ ابْنُ بَشِيرٍ عَلَى الْبَقْرِ مَرْدُودٌ. (وَدُفِنَتْ مُشْرِكَةٌ حَمَلَتْ مِنْ مُسْلِمٍ بِمَقْبَرَتِهِمْ وَلَا تَسْتَقْبِلُ قِبْلَتَنَا وَلَا قِبْلَتَهُمْ) رَوَى عَلِيٌّ: الْكِتَابِيَّةُ تَمُوتُ بِحَمْلٍ مِنْ مُسْلِمٍ يَلِي دَفْنَهَا أَهْلُ دِينِهَا بِمَقْبَرَتِهِمْ. وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ هَذَا عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ قَائِلًا، إنَّمَا وَلَدُهَا عُضْوٌ مِنْهَا. وَلَمَّا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ رِوَايَةَ عَلِيٍّ قَالَ مَا نَصُّهُ: فَنَقَلَ ابْنُ غَلَّابٍ تُدْفَنُ بِطَرَفِ مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَهْمٌ انْتَهَى. وَقَدْ تَحَصَّلَ بِهَذَا أَنَّ الْكَافِرَةَ الْحَامِلَةَ مِنْ الْمُسْلِمِ أَنَّ أَهْلَ دِينِهَا يَلُونَ دَفْنَهَا وَلَا حُكْمَ فِيهَا لِلْمُسْلِمِ. فَقَوْلُهُ: " وَلَا يَسْتَقْبِلُ قِبْلَتَنَا وَلَا قِبْلَتَهُمْ " مُقْحَمٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ إنَّمَا مَوْضِعُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: " فَلْيُوَارِهِ " حَسْبَمَا يَتَقَرَّرُ. (وَرُمِيَ مَيِّتُ الْبَحْرِ بِهِ مُكَفَّنًا إنْ لَمْ يُرْجَ الْبَرُّ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَيِّتُ الْبَحْرِ إنْ طَمِعُوا بِالْبَرِّ مِنْ يَوْمِهِمْ وَشِبْهِ ذَلِكَ حَبَسُوهُ حَتَّى يَدْفِنُوهُ بِالْبَرِّ وَإِلَّا غُسِّلَ فِي الْحِينِ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَشُدَّ كَفَنُهُ عَلَيْهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُلْقُونَهُ فِي إلْقَائِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُحَرَّفًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ. قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ: وَلَا يُثَقِّلُوا رِجْلَيْهِ بِشَيْءٍ لِيَغْرَقَ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ لَا يَعْرِفُ وَحَقٌّ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 وَاجِدِهِ بِالْبَرِّ دَفْنُهُ وَقَالَ سَحْنُونَ يُثَقَّلُ. (وَلَا يُعَذَّبُ بِبُكَاءٍ لَمْ يُوصِ بِهِ) فِي الصَّحِيحِ: «إنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» الْمَازِرِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ: التَّأْوِيلُ الثَّانِي مَا نَصُّهُ: قِيلَ مَحْمَلُهُ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى بِأَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ فَيُعَذَّبُ إنْ نُفِّذَتْ وَصِيَّتُهُ. قَالَ عِيَاضٌ: وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِسَمَاعِ بُكَاءِ أَهْلِهِ وَيَرِقُّ لَهُمْ وَقَدْ جَاءَ هَذَا مُفَسَّرًا فِي حَدِيثٍ وَإِلَيْهِ نَحَا الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ أَوْلَى مَا قِيلَ. (وَلَا يُتْرَكُ مُسْلِمٌ لِوَلِيِّهِ الْكَافِرِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: إنْ مَاتَ الِابْنُ الْمُسْلِمُ فَلَا يُوَكَّلُ إلَى أَبِيهِ الْكَافِرِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ مِنْ غُسْلٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَأَمَّا سَيْرُهُ مَعَهُ وَدُعَاؤُهُ لَهُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ (وَلَا يُغَسِّلُ مُسْلِمٌ أَبًا كَافِرًا وَلَا يُدْخِلُهُ قَبْرَهُ إلَّا أَنْ يَضِيعَ فَلْيُوَارِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُغَسِّلُ الْمُسْلِمُ أَبَاهُ الْكَافِرَ وَلَا يَتْبَعُهُ وَلَا يُدْخِلُهُ قَبْرَهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهِ أَنْ يَضِيعَ فَلْيُوَارِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ كَافِرٌ بَيْنَ مُسْلِمِينَ وَلَا كَافِرَ مَعَهُمْ لَفُّوهُ فِي شَيْءٍ وَوَارُوهُ. قَالَ اللَّيْثُ وَرَبِيعَةُ: وَلَا يَسْتَقْبِلُ بِهِ قِبْلَتَنَا وَلَا قِبْلَتَهُمْ. (وَالصَّلَاةُ أَحَبُّ مِنْ النَّفْلِ إذَا قَامَ بِهَا الْغَيْرُ إنْ كَانَ كَجَارٍ أَوْ صَالِحًا) ابْنُ رُشْدٍ: ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ إلَى أَنَّ صَلَاةَ النَّوَافِلِ وَالْجُلُوسَ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ شُهُودِ الْجَنَائِزِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. مَاتَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَانْقَطَعَ النَّاسُ لِجِنَازَتِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا سَعِيدَ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَشْهَدُ هَذَا الرَّجُلَ الصَّالِحَ فِي الْبَيْتِ الصَّالِحِ؟ فَقَالَ: لَئِنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَشْهَدَ هَذَا الرَّجُلَ الصَّالِحَ فِي الْبَيْتِ الصَّالِحِ. وَسُئِلَ أَيْضًا: أَشُهُودُ الْجَنَائِزِ عِنْدَك أَفْضَلُ أَمْ الْقُعُودُ فِي الْمَسْجِدِ؟ فَقَالَ: الْقُعُودُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَالَ ابْنُ يَسَارٍ: شُهُودُ الْجَنَائِزِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. قَالَ: وَاَلَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ هُوَ عَيْنُ الْفِقْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْت مَالِكًا فَقُلْت: أَيُّ شَيْءٍ أَعْجَبُ إلَيْك الْقُعُودُ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ شُهُودُ الْجَنَائِزِ؟ فَقَالَ: بَلْ قُعُودٌ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقٌّ مِنْ جِوَارٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ أَحَدٌ يُرْجَى بَرَكَةُ شُهُودِهِ يُرِيدُ فِي فَضْلِهِ فَلْيَحْضُرْهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ. ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 [كِتَابُ الزَّكَاةِ] [أَنْوَاع الزَّكَاة] [زَكَاة النَّعَم] وَهِيَ بِالْإِضَافَةِ إلَى مُتَعَلِّقَاتِهَا سِتَّةُ أَنْوَاع ٍ: زَكَاةُ النَّعَمِ وَالنَّقْدَيْنِ وَالتِّجَارَةِ وَالْمُعَشَّرَاتِ وَالْمَعَادِنِ وَالْفِطْرِ، النَّوْعُ الْأَوَّلُ: زَكَاةُ النَّعَمِ. وَالنَّظَرُ فِي وُجُوبِهَا وَأَدَائِهَا. أَمَّا الْوُجُوبُ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: الْأَوَّلُ قَدْرُ الْوَاجِبِ. الثَّانِي مَا تَجِبُ فِيهِ. الثَّالِثُ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ (تَجِبُ زَكَاةُ نِصَابِ النَّعَمِ بِمِلْكٍ وَحَوْلٍ) التَّلْقِينُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 تَجِبُ زَكَاةُ الْمَاشِيَةِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ وَهِيَ: الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ وَمَجِيءُ السَّاعِي. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ سِوَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. قَالَ: وَالزَّكَاةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الزَّكَاءِ وَهُوَ النُّمُوُّ. زَكَا الزَّرْعُ نَمَا وَطَابَ وَحَسُنَ، وَزَكَّى الْقَاضِي الشُّهُودَ أَنْمَى حَالَهُمْ وَرَفَعَهُمْ مِنْ حَالِ السَّخْطَةِ إلَى حَالِ الْعَدَالَةِ فَسُمِّيَتْ الصَّدَقَةُ الْوَاجِبُ أَخْذُهَا مِنْ الْمَالِ بِزَكَاةٍ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي أُخِذَتْ مِنْهُ يُبَارَكُ فِيهِ وَيَزْكُو وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَزْكُو عِنْدَ اللَّهِ وَتَنْمُو لِصَاحِبِهَا حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ. وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ فَاعِلَهَا يَزْكُو عِنْدَ اللَّهِ وَيَرْتَفِعُ حَالُهُ بِفِعْلِهَا. قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: 103] الْآيَةَ وَالنِّصَابُ مِنْ الْمَالِ هُوَ أَقَلُّ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ سُمِّيَ نِصَابًا لِأَنَّهُ الْغَايَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيمَا دُونَهَا زَكَاةٌ، وَالْعَلَمُ الْمَنْصُوبُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَالْحَدُّ الْمَحْدُودُ لِذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَهُ: {إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج: 43] أَيْ إلَى غَايَةٍ أَوْ عَلَمٍ مَنْصُوبٍ لَهُمْ يُسْرِعُونَ، أَوْ يَكُونُ مَأْخُوذًا مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 النَّصِيبِ لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ لَا يَسْتَحِقُّونَ فِي الْمَالِ نَصِيبًا فِيمَا دُونَ ذَلِكَ (كَمُلَا) ابْنُ شَاسٍ: شَرْطُ الزَّكَاةِ كَمَالُ الْمِلْكِ وَأَسْبَابُ الضَّعْفِ ثَلَاثَةٌ: امْتِنَاعُ التَّصَرُّفِ كَمَنْ غُصِبَتْ مَاشِيَتُهُ أَوْ تَسَلَّطَ غَيْرُهُ عَلَى مِلْكِهِ كَأَمْوَالِ الْعَبِيدِ أَوْ عَدَمُ قَرَارِهِ كَالْغَنِيمَةِ. ابْنُ يُونُسَ: السُّنَّةُ أَنْ لَا زَكَاةَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ نِصَابُ مَاشِيَةٍ إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهَا بِشِرَاءٍ أَوْ بِمِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ مَعَ مَجِيءِ السَّاعِي (وَإِنْ مَعْلُوفَةً وَعَامِلَةً) أَبُو عُمَرَ: السَّائِمَةُ الرَّاعِيَةُ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ الْمَعْلُوفَةُ وَالْعَامِلَةُ (وَنِتَاجًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ الْغَنَمُ كُلُّهَا قَدْ جَرِبَتْ أَوْ ذَاتَ عَوَارٍ أَوْ سِخَالٍ أَوْ كَانَتْ الْبَقَرُ عَجَاجِيلَ كُلُّهَا وَالْإِبِلُ فُصْلَانًا كُلُّهَا وَفِي عَدَدِ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كُلِّفَ رَبُّهَا أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يَجْزِيهِ. (لَا مِنْهَا وَمِنْ الْوَحْشِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ ضُرِبَ نَوْعٌ مِنْ الْوَحْشِ فِي نَوْعٍ مِنْ الْغَنَمِ حَتَّى كَانَ عَنْهُ النِّتَاجُ فَقِيلَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمُتَوَلَّدِ فِي عَنْهَا مُطْلَقًا. قِيلَ: لَا تَجِبُ، وَثَالِثُ الْأَقْوَالِ تَجِبُ إنْ كَانَتْ الْأُمَّهَاتُ مِنْ النَّعَمِ وَتَسْقُطُ إنْ كَانَتْ مِنْ الْوَحْشِ. وَاسْتُقْرِئَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 لِقَوْلِهِ: كُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا. وَلَمْ يَزِدْ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى هَذَا النَّقْلِ شَيْئًا. (وَضُمَّتْ الْفَائِدَةُ لَهُ وَإِنْ قَبْلَ حَوْلِهِ بِيَوْمٍ أَقَلَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَفَادَ غَنَمًا إلَى غَنَمٍ أَوْ بَقَرًا إلَى بَقَرٍ أَوْ إبِلًا إلَى إبِلٍ بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ زَكَّى الْجَمِيعَ لِحَوْلِ الْأُولَى إذَا كَانَتْ الْأُولَى نِصَابًا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَسَوَاءٌ مَلَكَ الثَّانِيَةَ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِ الْأُولَى بِيَوْمٍ أَوْ بَعْدَ حَوْلِهَا قَبْلَ قُدُومِ السَّاعِي. وَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ اسْتَقْبَلَ بِالْجَمِيعِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ أَفَادَ الْآخِرَةَ. [زَكَاة الْإِبِل] (الْإِبِلُ فِي كُلِّ خَمْسَةٍ ضَائِنَةً إنْ لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 يَكُنْ جُلُّ غَنَمِ الْبَلَدِ الْمَعْزَ وَإِنْ خَالَفَتْهُ الْأَصَحُّ إجْزَاءُ بَعِيرٍ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَبِنْتُ مَخَاضٍ) التَّلْقِينُ: لَا زَكَاةَ فِي الْإِبِلِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَ ذَوْدٍ فَفِيهَا شَاةٌ. فَإِذَا بَلَغَتْ عَشْرًا فَفِيهَا شَاتَانِ، فَإِذَا كَانَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ. وَالْغَنَمُ الْمَأْخُوذَةُ فِيهَا مِنْ غَالِبِ أَغْنَامِ الْبَلَدِ ثُمَّ يَزُولُ فَرْضُ الْغَنَمِ وَيُؤْخَذُ عَنْهَا مِنْ جِنْسِهَا. فَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُؤْخَذُ مِنْ غَالِبِ أَغْنَامِ الْبَلَدِ مِنْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ وَافَقَ مَا فِي مِلْكِ رَبِّهَا أَوْ خَالَفَهُ، وَيُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَطَّوَّعَ رَبُّهَا بِدَفْعِ الصِّنْفِ الْأَفْضَلِ فَذَلِكَ لَهُ. قَالَ عَبْدُ الْمُنْعِمِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 وَكَذَا لَوْ أَخْرَجَ عَنْ الشَّاةِ بَعِيرًا يَفِي بِقِيمَتِهَا فَإِنَّهُ يَجْزِيهِ، وَصَحَّحَ هَذَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَخْرِيجُ الْمَازِرِيِّ عَلَى إخْرَاجِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْقِيَمَ بِالْعَيْنِ. (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ سَلِيمَةٌ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ لَمْ يَجِدْ السَّاعِي فِيهَا بِنْتَ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أُجْبِرَ رَبُّهَا أَنْ يَأْتِيَهُ بِبِنْتِ مَخَاضٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أَتَاهُ بِابْنِ لَبُونٍ فَذَلِكَ إلَى السَّاعِي إنْ أَرَادَ أَخْذَهُ وَرَأَى ذَلِكَ نَظَرًا وَإِلَّا لَزِمَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 بِنْتُ مَخَاضٍ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ. (وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَسِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ وَإِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ) التَّلْقِينُ: إذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَسِتِّينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ وَهِيَ آخِرُ سِنٍّ يَجِبُ فِي الزَّكَاةِ. (وَسِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ وَإِحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ وَمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ إلَى تِسْعٍ وَعِشْرِينَ حِقَّتَانِ أَوْ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ الْخِيَارُ لِلسَّاعِي) التَّلْقِينُ: فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إلَى تِسْعِينَ، وَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةً كَانَ السَّاعِي بِالْخِيَارِ فِي أَخْذِ حِقَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ (وَتَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا مُنْفَرِدًا) قَالَ مَالِكٌ إذَا كَانَتْ إحْدَى السِّنِينَ فِي الْإِبِلِ لَمْ يَكُنْ لِلسَّاعِي غَيْرُهَا (ثُمَّ فِي كُلِّ عَشْرٍ يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا بَلَغَتْ الْإِبِلُ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ وَابْنَتَا لَبُونٍ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: ثُمَّ لَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِالْعَشَرَاتِ فَكُلَّمَا زَادَتْ عَشَرَةً أُزِيلَتْ بِنْتُ لَبُونٍ وَجُعِلَتْ مَكَانَهَا حِقَّةٌ فَإِذَا صَارَ الْجَمِيعُ حِقًّا وَزَادَتْ عَشَرَةً رُدَّ الْكُلُّ بَنَاتِ لَبُونٍ وَزِيدَ فِي الْعَدَدِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ إذَا زَادَتْ عَشَرَةً أُزِيلَتْ بِنْتُ لَبُونٍ وَرُدَّ مَكَانَهَا حِقَّةٌ وَهَكَذَا أَبَدًا. وَالْمُعَوَّلُ فِي هَذَا عَلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَهَاهُنَا إنْ عَدَدْت بِالْأَرْبَعِينَاتِ كَانَ فِيهَا خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَإِنْ عَدَدْت بِالْخَمْسِينَاتِ كَانَ فِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالسَّاعِي مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ إذَا صَلُحَ فِيهَا السِّنَانُ جَمِيعًا. وَهَذَا إذَا كَانَتْ السِّنَانُ فِي الْإِبِلِ أَوْ لَمْ يَكُونَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَحَدُ السِّنِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ. (وَبِنْتُ الْمَخَاضِ الْمُوَفِّيَةُ سَنَةً ثُمَّ كَذَلِكَ) ابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُ: وَلَدُ النَّاقَةِ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ يُسَمَّى حِوَارًا فَإِذَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ يُسَمَّى ابْنَ مَخَاضٍ وَالْأُنْثَى بِنْتَ مَخَاضٍ وَالْأُنْثَى بِنْتُ مَخَاضٍ إلَى أَنْ تَسْتَكْمِلَ السَّنَةَ فَإِذَا دَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ إلَى اسْتِكْمَالِهَا سُمِّيَ ابْنَ لَبُونٍ بِمَعْنَى أَنَّ أُمَّهُ صَارَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 فِي حَدِّ مَنْ لَهَا لَبَنٌ فَإِذَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ إلَى اسْتِكْمَالِهَا سُمِّيَتْ الْأُنْثَى حِقَّةً بِمَعْنَى أَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ الْحَمْلَ لِلْحُمُولَةِ وَلِلْفَحْلِ وَتُلَقَّحُ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ الذَّكَرُ لَا يُلَقِّحُ إلَّا فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ، فَإِذَا دَخَلَتْ فِي الْخَامِسَةِ سُمِّيَتْ جَذَعَةً وَفِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ ثَنِيَّةٌ. [زَكَاة الْبَقَر] (الْبَقَرُ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَانَ مَالِكٌ يَأْخُذُ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا عِجْلٌ تَبِيعٌ جَذَعٌ» قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ ذَكَرٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ فِي التَّبِيعِ أُنْثَى إذَا طَاعَ رَبُّهَا. قَالَ مَالِكٌ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ رَجُلًا مُصَدِّقَا فَأَتَى رَجُلًا عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا كُنْت أَوَّلَ مَنْ أَعْطَى مَا لَا يُحْلَبُ وَلَا يُرْكَبُ فَأَعْطَاهُ كَبِيرَةً فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَخْذِهَا وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي إبِلِهِ فَنَتَجَتْ وَكَثُرَتْ» قَالَ: فَإِنَّهُ لَيُعْرَفُ فِيهَا دَعْوَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَوْمِ. ابْنُ رُشْدٍ: فِي هَذَا أَنَّ الْأَسْنَانَ الْمَحْدُودَةَ إنَّمَا هِيَ حَدُّ أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْ أَحَدٍ فَوْقَهَا إلَّا بِرِضَاهُ وَلَيْسَتْ كَعَدَدِ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ. (ذُو سَنَتَيْنِ) ابْنُ حَبِيبٍ: الْجَذَعُ ذُو سَنَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الثَّالِثَةِ. اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهُوَ الْعِجْلُ الَّذِي فُطِمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 عَنْ أُمِّهِ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: هُوَ مَا أَوْفَى سَنَتَيْنِ وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ (وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ) فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِذَا بَلَغَتْ الْبَقَرُ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ إلَى سِتِّينَ (ذَاتُ ثَلَاثٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ مُسِنَّةٌ أُنْثَى. التَّلْقِينُ: وَسِنُّهَا أَرْبَعُ سِنِينَ. وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: مَا أَتَمَّ سَنَتَيْنِ. اللَّخْمِيِّ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «فِي الْأَرْبَعِينَ ثَنِيَّةٌ» وَقَالَ فِيهَا مُسِنَّةٌ. فَالصَّحِيحُ قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا ثَنِيَّةٌ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ مُفَسِّرٌ يَقْضِي عَلَى الْمُجْمَلِ فِي قَوْلِهِ مُسِنَّةٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: الثَّنِيُّ مِنْ الْبَقَرِ مَا دَخَلَ فِي الرَّابِعَةِ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ شَعْبَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 مَا أَتَمَّ سَنَتَيْنِ. اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَعَزَاهُ الْبَاجِيُّ لِلْقَاضِي (وَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ كَمِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ) ابْنُ بَشِيرٍ: فَإِذَا بَلَغَتْ الْبَقَرُ سِتِّينَ فَفِيهَا جَذَعَانِ ثُمَّ لَا زِيَادَةَ حَتَّى تَبْلُغَ سَبْعِينَ فَيَسْتَمِرُّ الْحِسَابُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ وَيَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْإِبِلِ سَوَاءً وَكَمَا قَرَّبْنَاهُ فِي الْحِسَابِ. فَإِذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ وَمِائَةً فَهَاهُنَا يَتَّفِقُ الْعَدَدُ فَإِنْ عَدَدْت بِالْأَرْبَعِينَاتِ كَانَ فِيهَا ثَلَاثُ مُسِنَّاتٍ، وَإِنْ عَدَدْت بِالثَّلَاثِينَاتِ فِيهَا أَرْبَعُ تَوَابِعَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: فَالسَّاعِي مُخَيَّرٌ فِي ثَلَاثِ مُسِنَّاتٍ وَأَرْبَعِ تَوَابِعَ كَإِنَاءٍ فِي الْبَقَرِ أَوْ لَمْ يَكُونَا، فَإِنْ كَانَ فِيهَا أَحَدُ السِّنِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ كَالْمِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ. [زَكَاة الْغَنَم] (الْغَنَمُ فِي الْأَرْبَعِينَ شَاةً) رَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِي الْغَنَمِ صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ شَاةً فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ» . (جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ ذُو سَنَةٍ وَلَوْ مَعْزًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُؤْخَذُ إلَّا الثَّنِيُّ أَوْ الْجَذَعُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَأْخُذْهُ، وَلَا يَأْخُذْ أَقَلَّ مِنْ الْجَذَعِ وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ فِي أَخْذِ الصَّدَقَةِ سَوَاءٌ، يُرِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَحَدُهُمَا فِي الصَّدَقَةِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. قَالَ أَشْهَبُ: وَكَذَلِكَ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَنْ الْإِبِلِ. اُنْظُرْ سُكُوتَ خَلِيلٍ عَنْ الثَّنِيِّ وَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ أَخْذُهُ، وَفَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الْأُنْثَى وَالذَّكَرِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الثَّنِيُّ فَيُؤْخَذُ مِنْ الضَّأْنِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَا يُؤْخَذُ الثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ إلَّا أُنْثَى لِأَنَّ الذَّكَرَ تَيْسٌ وَلَا يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ تَيْسًا وَالتَّيْسُ دُونَ الْعَمَلِ إنَّمَا يُعَدُّ مِنْ ذَوَاتِ الْعَوَارِ أَيْ مِنْ ذَوَاتِ الْعَيْبِ الَّتِي لَا يَأْخُذُهَا الْمُصَدِّقُ وَيُعِيدُهَا عَلَى رَبِّهَا كَالسَّخْلَةِ وَنَحْوِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْجَذَعِ وَالثَّنِيِّ لِلسَّاعِي أَوْ لِرَبِّهَا قَوْلَا أَشْهَبَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 وَابْنِ نَافِعٍ، ابْنُ يُونُسَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ: وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الْمَعْزِ ابْنُ سَنَةٍ وَالثَّنِيَّةُ الَّتِي طَرَحَتْ ثَنِيَّتَهَا (وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ وَفِي مِائَتَيْنِ وَشَاةٍ ثَلَاثٌ وَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ أَرْبَعٌ لِكُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ) فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: «وَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا شَاتَانِ إلَى مِائَتَيْ شَاةٍ فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْ شَاةٍ وَشَاةً فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ» . (وَلَزِمَ الْوَسَطُ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَا يُؤْخَذُ الْخِيَارُ كَذَاتِ اللَّبَنِ وَالرُّبَى وَالْأَكُولَةِ وَالْفَحْلِ قَالَهُ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ وَعَلِيٌّ. وَلَا الشِّرَارُ كَالسَّخْلَةِ وَالتَّيْسِ وَالْعَجْفَاءِ وَذَوَاتِ الْعَوَارِ (وَلَوْ انْفَرَدَ الْخِيَارُ أَوْ الشِّرَارُ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَتْ رَدِيئَةً كُلُّهَا أَوْ جَيِّدَةً كُلُّهَا فَرَابِعُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ وَيُخْرَجُ مِنْ غَيْرِهَا. اُنْظُرْ نَصَّهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَنِتَاجًا " (إلَّا أَنْ يَرَى السَّاعِي أَخْذَ الْمُعَيَّبَةَ لَا الصَّغِيرَةَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا رَأَى الْمُصَدِّقُ أَنْ يَأْخُذَ ذَاتَ الْعَوَارِ وَالتَّيْسَ وَالْهَرِمَةَ أَخَذَهَا إنْ كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا وَلَا يَأْخُذُ مِنْ هَذِهِ الصِّغَارِ شَيْئًا. قَالَ: وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا إبِلٌ كُلُّهَا اشْتَرَى لَهُ مِنْ السُّوقِ وَلَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ عِنْدَهُ لِدُونٍ اشْتَرَى مِنْ السُّوقِ مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 يُجْزِيهِ. (وَضُمَّ بُخْتٌ لِعِرَابٍ وَجَامُوسٌ لِبَقَرٍ وَضَأْنٌ لِمَعْزٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: تُضَمُّ الْبُخْتُ إلَى الْعِرَابِ فِي الزَّكَاةِ وَالْجَوَامِيسُ إلَى الْبَقَرِ وَالضَّأْنُ إلَى الْمَعْزِ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ لِأَنَّ الِاسْمَ وَالْجِنْسَ يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ (وَخُيِّرَ السَّاعِي إنْ وَجَبَتْ وَاحِدَةٌ وَتَسَاوَيَا وَإِلَّا فَمِنْ الْأَكْثَرِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ الْغَنَمُ أَرْبَعِينَ شَاةً وَهِيَ ضَأْنٌ وَمَعْزٌ أُخِذَتْ الشَّاةُ مِنْ أَكْثَرِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ. اللَّخْمِيِّ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْغَنَمُ أَرْبَعِينَ ضَأْنًا وَأَرْبَعِينَ مَعْزًا فَالسَّاعِي مُخَيَّرٌ يَأْخُذُ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ. وَإِنْ كَانَتْ مِائَةً وَعِشْرِينَ وَكَانَ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ دُونَ النِّصَابِ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ إلَى مَا دُونَ ذَلِكَ كَانَتْ الصَّدَقَةُ مِنْ النِّصَابِ، وَإِنْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا نِصَابٌ وَهِيَ مُتَسَاوِيَةٌ سِتُّونَ كَانَ الْمُصَدِّقُ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ شَاةً مِنْ أَيِّهِمَا أَفْضَلَ لِلْمَسَاكِينِ. وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ ثَمَانِينَ وَأَرْبَعِينَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَأْخُذُ مِنْ الْأَكْثَرِ. (وَثِنْتَانِ مِنْ كُلٍّ إنْ تَسَاوَيَا) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ وَجَبَتْ شَاتَانِ وَاسْتَوَيَا فَمِنْهُمَا. (أَوْ الْأَقَلُّ نِصَابًا غَيْرَ وَقْصٍ وَإِلَّا فَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ لَهُ سَبْعُونَ ضَائِنَةٍ وَسِتُّونَ مَعْزًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ مِنْ الضَّأْنِ وَآخَرُ مِنْ الْمَعْزِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ عِشْرِينَ وَمِائَةَ ضَائِنَةٍ وَأَرْبَعِينَ مَعْزًا أُخِذَ مِنْ الضَّأْنِ وَاحِدَةٌ وَمِنْ الْمَعْزِ أُخْرَى. عِيَاضٌ: لَا زَكَاةَ فِي الْأَوْقَاصِ وَهُوَ مَا بَيْنَ هَذِهِ الْأَعْدَادِ وَالنُّصُبِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَهِيَ مُلْغَاةٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ كَانَتْ عِشْرُونَ وَمِائَةُ ضَائِنَةٍ وَثَلَاثُونَ مَعْزًا أَخَذَ شَاتَيْنِ مِنْ الضَّأْنِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ وَجَبَتْ الشَّاتَانِ فِي الصِّنْفِ الْأَكْثَرِ وَكَانَ الصِّنْفُ الْأَقَلُّ وَقْصًا يَجِبُ فِي عَدَدِهِ الزَّكَاةُ، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الضَّأْنُ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ وَالْمَعْزُ أَرْبَعِينَ فَقِيلَ تُؤْخَذُ الشَّاتَانِ مِنْ الضَّأْنِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَعْزِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا وَقْصٌ. وَهَذَا عَلَى قِيَامِ قَوْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ثَلَاثَمِائَةِ ضَائِنَةً وَتِسْعِينَ مَعْزًا ثَلَاثُ شِيَاهٍ مِنْ الضَّأْنِ وَلَا شَيْءَ فِي الْمَعْزِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهَا وَقْصٌ. (وَثَلَاثٌ وَتَسَاوَيَا فَمِنْهُمَا وَخُيِّرَ فِي الثَّالِثَةِ وَإِلَّا فَكَذَلِكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ أَخَذَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَاحِدَةً وَأَخَذَ الثَّالِثَةَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَكَذَلِكَ الْقَلِيلَةُ كَوْنُهَا أَوْجَبَ زِيَادَةِ الْوَاحِدَةِ وَفِيهَا مَعَ ذَلِكَ عَدَدُ الزَّكَاةِ أَخَذَ الثَّالِثَةَ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ كَوْنَهَا زِيَادَةَ الْوَاحِدَةِ فَهِيَ وَقْصٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا وَإِنْ كَثُرَتْ (وَاعْتُبِرَ فِي الرَّابِعَةِ فَأَكْثَرَ كُلُّ مِائَةٍ) ابْنُ يُونُسَ: لَوْ كَانَ فِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَكَانَتْ الْقَلِيلَةُ وَجَبَتْ الشَّاةُ الرَّابِعَةُ ابْتَدَأَ الْحُكْمَ فِي الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ فَيَأْخُذُ الرَّابِعَةَ مِنْ أَكْثَرِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ فَإِنْ اسْتَوَيَا خُيِّرَ فِي الرَّابِعَةِ، وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ فِيمَا زَادَ يَبْتَدِئُ الْحُكْمَ فِي الْمِائَةِ الْآخِرَةِ. (وَفِي أَرْبَعِينَ جَامُوسًا وَعِشْرِينَ بَقَرَةً مِنْهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ أَرْبَعِينَ جَامُوسًا وَعِشْرِينَ بَقَرَةً أَخَذَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ تَبِيعًا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ يُجْعَلُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 الثَّلَاثِينَ مِنْ الْجَوَامِيسِ تَبِيعٌ وَيَبْقَى عَشَرَةٌ مِنْهَا مَعَ عِشْرِينَ بَقَرَةً فَيَأْخُذُ تَبِيعًا مِنْ الْأَكْثَرِ وَهِيَ الْبَقَرُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهَا فِيمَنْ لَهُ عِشْرُونَ وَمِائَةُ ضَائِنَةٍ وَأَرْبَعُونَ مَعْزًا، أَنَّ الثَّمَانِينَ الزَّائِدَةَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي الضَّأْنِ وَقْصٌ لَا شَيْءَ فِيهَا، وَالْعَشَرَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى الثَّلَاثِينَ فِي الْبَقَرِ لَيْسَ فِيهَا وَقْصٌ لِأَنَّهَا أَحَالَتْ الْفَرِيضَةَ عَنْ حَالِهَا، وَلَوْ كَانَتْ الشِّيَاهُ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ لَأَشْبَهَتْ مَسْأَلَةَ الْجَوَامِيسِ، مَعَ الْبَقَرِ لِأَنَّ الْأَحَدَ وَالثَّمَانِينَ الزَّائِدَةَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ لَيْسَ بِوَقْصٍ فَوَجَبَ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ مِنْ الْكَثِيرَةِ. (وَمَنْ هَرَبَ بِإِبْدَالِ مَاشِيَتِهِ أُخِذَ بِزَكَاتِهَا) ابْنُ بَشِيرٍ: مَنْ مَلَكَ مَاشِيَةً فَأَبْدَلَهَا بِمَاشِيَةٍ أَوْ بِعَيْنٍ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِزَكَاةِ الْأُولَى وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ قَصْدِهِ إلَى سُقُوطِ الزَّكَاةِ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ بَعْدَ الْحَوْلِ نِصَابَ إبِلٍ بِنِصَابِ غَنَمٍ هَرَبًا مِنْ الزَّكَاةِ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْهُ زَكَاةَ مَا أَعْطَى وَإِنْ كَانَ زَكَاةُ مَا أَخَذَ أَفْضَلَ لِأَنَّ مَا أَخَذَ لَمْ يَجِبْ فِيهِ بَعْدُ زَكَاةٌ. قَالَ: وَلَوْ بَاعَهَا غَيْرَ فَارٍّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذْ حَوْلُهَا مَجِيءُ السَّاعِي وَيَسْتَقْبِلُ بِاَلَّذِي أَخَذَ حَوْلًا (وَلَوْ قَبْلَ الْحَوْلِ عَلَى الْأَرْجَحِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي شَرْطِ الْفِرَارِ بِكَوْنِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ أَوْ قُرْبَهُ كَالْخَلِيطَيْنِ قَوْلَا ابْنِ الْكَاتِبِ وَالصَّقَلِّيِّ (وَبَنَى فِي رَاجِعَةٍ بِعَيْبٍ أَوْ فَلَسٍ) مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: إنْ ابْتَاعَ غَنَمًا فَأَقَامَتْ عِنْدَهُ حَوْلًا ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي فَزَكَاتُهَا عَلَى الْبَائِعِ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ نَقْضُ بَيْعٍ، وَعَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ مُبْتَدَأٌ يَجِبُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهَا حَوْلًا؟ قَالَ: وَلَوْ رَدَّهَا بَعْدَ أَنْ أَدَّى مِنْهَا شَاةً فَلْيَرُدَّهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الشَّاةِ الَّتِي أَخَذَ الْمُصَدِّقُ وَلَوْ فَلَّسَ الْمُشْتَرِي فَقَامَ الْغُرَمَاءُ وَجَاءَ السَّاعِي فَالزَّكَاةُ مُبْتَدَأَةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 وَمَا بَقِيَ لِلْغُرَمَاءِ وَلَوْ طَلَبَ بَائِعُ الْغَنَمِ أَخْذَ الْغَنَمِ فِي التَّفْلِيسِ، فَلْيَأْخُذْ الْمُصَدِّقُ رَدَّهَا بِعَيْبٍ أَوْ رَجَعَتْ لِفَلَسٍ، فَانْظُرْ أَنْتَ مَا يَقْتَضِيهِ هَذَا النَّقْلُ وَمَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُ خَلِيلٍ. (كَمُبْدِلِ مَاشِيَةِ تِجَارَةٍ وَإِنْ دُونَ نِصَابٍ بِعَيْنٍ) ابْنُ رُشْدٍ: إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ دَنَانِيرُ فَاشْتَرَى بِهَا مَاشِيَةً لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِي رِقَابِهَا الزَّكَاةُ وَبَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ رِقَابِهَا الزَّكَاةَ زَكَّى الثَّمَنَ عَنْ حَوْلِ الْمَالِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ، وَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ مِنْ رِقَابِهَا الزَّكَاةَ زَكَّاهَا إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ زَكَّى رِقَابَهَا بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ الَّتِي ابْتَاعَ بِالدَّنَانِيرِ لَا تَبْلُغُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْعُرُوضِ إنْ كَانَ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ وَهُوَ مُدِيرُ قَوْمِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدِيرًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى يَبِيعَهَا وَيَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا مِنْ يَوْمِ زَكَّى الْمَالَ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا لِلْقِنْيَةِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى يَبِيعَهَا وَيَسْتَقْبِلَ بِالثَّمَنِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ بَاعَهَا (أَوْ نَوْعِهَا) ابْنُ رُشْدٍ: الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ إذَا حُوِّلَ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يُزَكِّيَ الثَّانِيَةَ عَلَى حَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَأَمَّا الْمَاشِيَةُ فَإِنَّهَا ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ، فَإِنْ بَاعَ صِنْفًا بِصِنْفِهِ بَاعَ عَلَى حَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ ذَلِكَ صِنْفٌ وَاحِدٌ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فِي الصَّدَقَةِ وَالْفَوَائِدِ إلَى أَنْ تَنْقُصَ الثَّانِيَةُ عَمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ، مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ أَرْبَعِينَ شَاةً لَهَا عِنْدَهُ أَشْهُرٌ بِثَلَاثِينَ شَاةً فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا لِتَمَامِ الْحَوْلِ وَإِنْ بَاعَهَا بِأَكْثَرَ زَكَّاهَا. (وَلَوْ لِاسْتِهْلَاكٍ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا اسْتَهْلَكَ الرَّجُلُ غَنَمًا فَأَخَذَ مِنْهُ بِهَا غَنَمًا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ فَاتَتْ بِالِاسْتِهْلَاكِ أَعْيَانُهَا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِيَدِ الْغَاصِبِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُزَكِّيهَا عَلَى حَوْلِ الْأُولَى لِأَنَّ ذَلِكَ كَالْمُبَادَلَةِ. انْتَهَى فَانْظُرْ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِمَا تَبْقَى صُورَةٌ ثَالِثَةٌ هِيَ الَّتِي لِابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا قَوْلَانِ، وَهِيَ إذَا دَخَلَهَا عَيْبٌ يُوجِبُ لَهُ الْقِيمَةَ فَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهَا أَوْ عَيْنِهَا فَتَارَةً يُعَدُّ أَخْذُهُ الْغَنَمَ عِوَضًا عَنْ الْعَيْنِ، وَتَارَةً عَنْ الْقِيمَةِ، وَلَمْ يُشْهِرُ ابْنُ يُونُسَ وَلَا ابْنُ رُشْدٍ مِنْهُمَا قَوْلًا. (كَنِصَابِ قِنْيَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَرِثَ نِصَابَ غَنَمٍ أَوْ اشْتَرَاهَا لِقِنْيَةٍ ثُمَّ بَاعَهَا بَعْدَ حَوْلٍ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي بِمَا فِيهِ الزَّكَاةُ، فَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 يُزَكِّي الثَّمَنَ الْآنَ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ ابْتَاعَهَا أَوْ وَرِثَهَا فَإِنَّهُ يُزَكِّي الثَّمَنَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أُخْرَى وَعَلَى هَذَا ثَبَتَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْقِنْيَةَ لَا تَقْدَحُ فِي الْمَاشِيَةِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَكَانَ الْقِيَاسُ إذَا لَمْ يَسْتَقْبِلْ بِالثَّمَنِ حَوْلًا أَنْ يُزَكِّيَهُ عَلَى حَوْلِ الْمَالِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ بَاعَهَا بَعْدَ أَنْ زَكَّى رِقَابَهَا زَكَّى الثَّمَنَ لِتَمَامِ حَوْلٍ لَا يَوْمَ زَكَّى الرِّقَابَ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ يُزَكِّي الثَّمَنَ لِحَوْلٍ مِنْ يَوْمِ زَكَّى الرِّقَابَ كَانَتْ لِقِنْيَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ مِنْ تِجَارَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَوْرُوثَةُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ وَبِيعَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ بِمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَمْ لَا، أَوْ بِيعَتْ الَّتِي زُكِّيَتْ بِمَا لَا زَكَاةَ فِيهِ فَلَا زَكَاةَ فِي ثَمَنِهَا وَيَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلًا عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ دُونَ نِصَابٍ إذَا كَانَتْ الْمُشْتَرَاةُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ ". قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ بِيَدِهِ عَيْنٌ فَيَشْتَرِي بِهِ بَعْدَ أَشْهُرٍ مَاشِيَةً لِلْقِنْيَةِ أَنَّهُ يَأْتَنِفُ بِالْمَاشِيَةِ حَوْلًا وَبَيْنَ مَنْ زَكَّى مَاشِيَةً ثُمَّ بَاعَهَا بَعْدَ أَشَهْرَ بِعَيْنٍ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ الْأُولَى؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَنَا فِي كُلِّ مَنْ اشْتَرَى بِالْعَيْنِ شَيْئًا سِوَاهُ أَنَّهُ لِلْقِنْيَةِ فَقَدْ أَبْطَلَ حَوْلَ الْعَيْنِ. فَسَوَاءٌ كَانَ مَا اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ غَيْرَهَا، فَلِذَلِكَ اسْتَقْبَلَ بِالْمَاشِيَةِ حَوْلًا وَلَمْ يُبَيِّنْ عَلَى حَوْلِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ. وَالْأَصْلُ أَيْضًا فِيمَنْ بَاعَ شَيْئًا مُقْتَنَى أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِ حَوْلًا فَلَمَّا كَانَتْ الْمَاشِيَةُ لَا تَقْدَحُ فِيهَا الْقِنْيَةُ وَأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهَا الزَّكَاةُ إذَا حَلَّ حَوْلُهَا مِنْ يَوْمِ اشْتَرَاهَا أَوْ وَرِثَهَا فَارَقَتْ غَيْرَهَا مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَخَرَجَتْ عَنْ حَدِّ مَا يُقْتَنَى فَبَطَلَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهَا حَوْلًا فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى حَوْلِهَا (لَا مُخَالِفِهَا) ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ إنْ بَاعَ صِنْفًا بِصِنْفٍ غَيْرِهِ إبِلًا بِبَقَرٍ أَوْ بِغَنَمٍ أَوْ بَقَرًا بِإِبِلٍ أَوْ غَنَمٍ فَقِيلَ: إنَّهُ يَسْتَأْنِفُ بِالثَّانِي مِنْ يَوْمِ اشْتَرَاهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ قِيَاسًا عَلَى الْمَاشِيَةِ تُشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ بِهَا حَوْلًا لِأَنَّهُمَا صِنْفَانِ. (أَوْ رَاجِعَةٍ بِإِقَالَةٍ) اُنْظُرْ هَذَا فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا كَانَتْ لِلرَّجُلِ مَاشِيَةٌ وَرِثَهَا أَوْ وُهِبَتْ لَهُ وَلَمْ يَشْتَرِهَا فَبَاعَهَا بِدَنَانِيرَ ثُمَّ أَخَذَ بِهَا مِنْهُ مَاشِيَةً قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا أَوْ اشْتَرَى بِهَا بَعْدَ أَنْ قَبَضَهَا مَاشِيَةً أُخْرَى مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ صِنْفِهَا، فَقِيلَ: إنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِالْغَنَمِ الثَّانِيَةِ حَوْلًا فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ غَنَمَهُ ثُمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 اسْتَقَالَ مِنْهَا وَرَدَّ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ بِهَا حَوْلًا وَسَوَاءٌ قَبَضَ ثَمَنَهَا أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ حَادِثٌ. وَقِيلَ: إنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهَا حَوْلًا إنْ اشْتَرَى بِالثَّمَنِ مِنْ غَيْرِهِ وَيُزَكِّيهَا عَلَى حَوْلِ الْأُولَى إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ فِي الثَّمَنِ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ. وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ حَاشَا ابْنِ الْقَاسِمِ. (أَوْ عَيْنًا بِمَاشِيَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ دَنَانِيرُ فَاشْتَرَى بِهَا مَاشِيَةً تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ اشْتَرَاهَا فَيُزَكِّيَهَا زَكَاةَ السَّائِمَةِ لِقِنْيَةٍ اشْتَرَاهَا أَوْ لِتِجَارَةٍ (وَخُلَطَاءُ الْمَاشِيَةِ) ابْنُ يُونُسَ: الْخُلْطَةُ فِي الْغَنَمِ الَّذِي لَا يُشَارِكُ صَاحِبَهُ فِي الرِّقَابِ وَهُوَ يُخَالِطُهُ بِالِاجْتِمَاعِ وَالتَّعَاوُنِ - قَالَ مَالِكٌ - وَغَنَمُهُ مَعْرُوفَةٌ مِنْ غَنَمِ صَاحِبِهِ. وَالشَّرِيكُ الْمُشَارِكُ فِي الرِّقَابِ وَلَا يَعْرِفُ غَنَمَهُ مِنْ غَنَمِ صَاحِبِهِ لَهُ حُكْمُ الْخَلِيطِ وَكُلُّ شَرِيكٍ خَلِيطٌ وَلَيْسَ كُلُّ خَلِيطٍ شَرِيكًا (كَمَالِكٍ فِيمَا وَجَبَ مِنْ قَدْرٍ) التَّلْقِينُ: لِلْخُلْطَةِ فِي الْمَاشِيَةِ تَأْثِيرٌ فِي الزَّكَاةِ وَتَأْثِيرُهَا أَنْ يَكُونَ لِلِاثْنَيْنِ ثَمَانُونَ شَاةً لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ فَيَأْخُذُ مِنْهَا السَّاعِي شَاتَيْنِ إذَا كَانَا مُفْتَرِقَيْنِ، فَإِنْ اخْتَلَطَا أَخَذَ عَنْ الثَّمَانِينَ شَاةً وَاحِدَةً فَتَأْثِيرُهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ التَّخْفِيفُ، وَقَدْ تُؤَثِّرُ التَّثْقِيلَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِلِاثْنَيْنِ مِائَتَانِ وَشَاةٌ فَيُؤْخَذُ مِنْهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ. (وَسِنٍّ وَصِنْفٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَلِلْآخَرِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَمِائَةٌ أَخَذَ السَّاعِي مِنْهَا حِقَّتَيْنِ وَيَتَرَادَّانِ قِيمَتَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَعَلَى صَاحِبِ الْخَمْسِ جُزْءٌ مِنْهَا وَهُوَ رُبْعُ السُّدُسِ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ عَلَى الْآخَرِ. وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَخْتَلِطَا لِهَذَا ضَأْنٌ وَلِهَذَا مَعْزٌ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ مِنْهُمَا كَمَا يَأْخُذُ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا شَاةٌ أَخَذَهَا مِنْ الْأَكْثَرِ ثُمَّ يَتَرَادَّانِ فِيمَا أَخَذَ (إنْ نَوَيْت) الْمَشْهُورُ إنْ فَرَّقَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 بَيْنَ مُجْتَمِعٍ أَوْ جَمَعَا بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ أَخْذَا بِالْأَوَّلِ وَلِلَّخْمِيِّ هُنَا تَخْرِيجٌ. (وَكُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَثَرَ لِخُلْطَةِ عَبْدٍ أَوْ ذِمِّيٍّ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ. (مَلَكَ نِصَابًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونَانِ خَلِيطَيْنِ حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَمَا لَمْ يَبْلُغْ حَظُّهُ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَالزَّكَاةُ عَلَى مَنْ بَلَغَ حَظُّهُ ذَلِكَ خَاصَّةً لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ غَنَمُ خَلِيطِهِ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ حَظُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا مَا فِيهِ الزَّكَاةُ وَاجْتِمَاعُهُمَا عَدَدَ الزَّكَاةِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ تَعَدَّى السَّاعِي فَأَخَذَ مِنْهُمَا شَاةً مِنْ غَنَمِ أَحَدِهِمَا فَلْيَتَرَادَّ فِيهَا عَلَى عَدَدِ غَنَمِهِمْ كَقَضَاءِ قَاضٍ بِقَوْلِ قَائِلٍ وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ (بِحَوْلٍ) سَمِعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ زَكَّى غَنَمَهُ وَلَبِثَ بِهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ بِعُذْرِ زَكَاتِهَا ثُمَّ خَلَطَهَا مَعَ رَجُلٍ فَأَتَى السَّاعِي فِي هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي خَلَطَ فِيهِ غَنَمَهُ وَقَدْ وَجَبَتْ عَلَى صَاحِبِهِ الزَّكَاةُ فِي غَنَمِهِ فَقَالَ: يُزَكِّي غَنَمَ صَاحِبِهِ وَلَيْسَ عَلَى هَذَا زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ يَوْمِ زَكَّى إلَّا أَنْ يُخْرِجَ غَنَمَهُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مِنْ أَفَادَ غَنَمًا أَوْ اشْتَرَاهَا فَلَبِثَتْ فِي يَدِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَتَاهُ السَّاعِي فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ مِنْ سَنَةٍ قَابِلٍ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ لَا يَكُونُ الرَّجُلَانِ خَلِيطَيْنِ وَيُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ حَتَّى يَكُونَ الْحَوْلُ قَدْ حَالَ عَلَى مَاشِيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. فَلَوْ كَانَتْ مَاشِيَةُ أَحَدِهِمَا مِائَةً وَقَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَمَاشِيَةُ الْآخَرِ خَمْسِينَ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَأَخَذَ السَّاعِي مِنْهُمَا شَاتَيْنِ، فَإِنْ أَخَذَهُمَا مِنْ غَنَمِ صَاحِبِ الْمِائَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسِينَ شَيْئًا لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَالثَّانِيَةَ مَظْلِمَةٌ، وَإِنْ أَخَذَهُمَا مِنْ غَنَمِ صَاحِبِ الْخَمْسِينَ رَجَعَ بِالْوَاحِدَةِ عَلَى صَاحِبِ الْمِائَةِ وَكَانَتْ الثَّانِيَةُ مَظْلِمَةً وَقَعَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ غَنَمِ صَاحِبِ الْمِائَةِ وَوَاحِدَةً مِنْ غَنَمِ صَاحِبِ الْخَمْسِينَ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْخَمْسِينَ عَلَى صَاحِبِ الْمِائَةِ رُجُوعٌ بِالشَّاةِ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهُ لِأَنَّهَا مَظْلِمَةٌ وَقَعَتْ عَلَيْهِ وَلَا تَرَادَّ فِي هَذَا إذْ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بِخِلَافِ إذَا زَكَّاهَا زَكَاةَ الْخُلْطَةِ وَمَاشِيَةُ أَحَدِهِمَا أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ (وَاجْتَمَعَا بِمِلْكٍ) اُنْظُرْ هَذَا هِيَ الشَّرِكَةُ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ عَلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الشَّرِيكَانِ كَالْخَلِيطَيْنِ وَلَا تَرَادَّ بَيْنَهُمَا (أَوْ بِمَنْفَعَةٍ فِي الْأَكْثَرِ) هَذِهِ هِيَ مَسْأَلَةُ الْخُلَطَاءِ. قَالَ مَالِكٌ: مِمَّا يُوجِبُ الْخُلْطَةَ أَنْ يَكُونَ الرَّاعِي وَالْفَحْلُ وَالدَّلْوُ وَالْمُرَاحُ وَالْمَبِيتُ وَاحِدًا. ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَوْجُهُ كُلُّهَا وَانْخَرَمَ بَعْضُهَا لَمْ يُخْرِجْهُمْ ذَلِكَ مِنْ الْخُلْطَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يَكُونُونَ خُلَطَاءَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا فِي جُلِّ ذَلِكَ (وَمُرَاحٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُرَاحِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكَ الرَّقَبَةِ لِجَمِيعِهِمْ أَوْ مَمْلُوكَ الْمَنْفَعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مَوَاضِعَ كَثِيرَةً فَتَفْتَقِرُ إلَى أَنْ يَكُونُوا مُحْتَاجِينَ إلَى جَمِيعِهَا. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمَبِيتِ. الْمُرَاحُ هُوَ حَيْثُ تَجْتَمِعُ الْغَنَمُ لِلْقَائِلَةِ، وَقِيلَ حَيْثُ تَجْتَمِعُ لِلْمَبِيتِ. عِيَاضٌ: حَقِيقَةُ الْمُرَاحِ الْمَبِيتُ وَجَعَلَهُ فِيهَا مَرَّةً نَفْسَهُ وَمَرَّةً غَيْرَهُ (وَمَاءٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: الدَّلْوُ مُوجِبَاتُ الْخُلْطَةِ وَمَعْنَاهُ السَّقْيُ، وَمُقْتَضَى لَفْظِهِ أَنْ يَسْقِيَ الْجَمِيعَ بِدَلْوٍ وَاحِدٍ وَلَكِنْ أُلْحِقَ بِذَلِكَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمَاءِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُهُ مَمْلُوكًا أَوْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ فِيهِ مُشْتَرَكَةً (وَمَبِيتٍ) الْبَاجِيُّ: مِنْ الْمَعَانِي الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْخُلْطَةِ الْمَبِيتُ (وَرَاعٍ بِإِذْنِهِمَا) الْبَاجِيُّ: إنْ كَانَ الَّذِي يَرْعَى الْغَنَمَ وَاحِدًا فَقَدْ حَصَلَتْ الْخُلْطَةُ، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ مَاشِيَةٍ رَاعٍ يَأْخُذُ أُجْرَتَهُ مِنْ مَالِكِهَا وَكَانُوا يَتَعَاوَنُونَ بِالنَّهَارِ عَلَى جَمِيعِهَا وَكَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ أَرْبَابِهَا لِكَثْرَةِ الْغَنَمِ وَاحْتِيَاجِهَا إلَى ذَلِكَ فَهِيَ أَيْضًا خُلْطَةٌ لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ رُعَاةٌ لِجَمِيعِ الْمَاشِيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْغَنَمُ مِنْ الْقِلَّةِ بِحَيْثُ يَقُومُ رَاعِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَاشِيَتِهِ دُونَ عَوْنِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى حِفْظِهَا مِنْ صِفَاتِ الْخُلْطَةِ، وَكَذَا إنْ كَانَ تَعَاوُنُهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ فَلَيْسَتْ بِخُلْطَةٍ (وَفَحْلٍ بِرِفْقٍ) الْبَاجِيُّ: الْفَحْلُ الَّذِي يَضْرِبُ الْمَاشِيَةَ إنْ كَانَ وَاحِدًا فَهُوَ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 صِفَاتِ الْخُلْطَةِ، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ مَاشِيَةٍ فَحْلُهَا فَإِنْ كَانُوا جَمَعُوا الْمَاشِيَةَ لِضِرَابِ الْفُحُولَةِ كُلِّهَا فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْخُلْطَةِ لِارْتِفَاقِهِمْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفُحُولِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَصَرَ فَحْلَهُ عَلَى مَاشِيَتِهِ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ عَنْهَا إلَى مَاشِيَةِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ وَجْهٌ مِنْ الْخُلْطَةِ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِذَلِكَ لَمْ يُقْصَدْ انْتَهَى. وَانْظُرْ مِنْ صُوَرِ الْخُلْطَةِ أَنْ يَكُونَ فَحْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مَقْصُورًا عَلَى مَاشِيَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " إنْ نَوَيْت " (وَرَاجَعَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ شَرِيكَهُ بِنِسْبَةِ عَدَدَيْهِمَا) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَسِنٍّ وَصِنْفٍ ". (وَلَوْ انْفَرَدَ وَقْصٌ لِأَحَدِهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا تِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ وَلِلْآخَرِ خَمْسٌ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ، ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ: يَتَرَادَّانِ فِي الشَّاتَيْنِ لِلْخُلْطَةِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا سِتَّةٌ وَلِلْآخَرِ تِسْعَةٌ فَلَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا يَتَرَادَّانِ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِمَا ثَلَاثَ شِيَاهٍ بِالْقِيمَةِ. تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَسِنٍّ ". وَصَنَّفَ الْبَاجِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّ أَحَدَ الْخَلِيطَيْنِ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِقِيمَةِ مَا أَخَذَ مِنْهُ إنْ كَانَ شَاةٌ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الِاسْتِهْلَاكِ فَالْوَاجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ دُونَ الْعَيْنِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ. وَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ جُزْءًا رَجَعَ بِقِيمَتِهِ اتِّفَاقًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 مِنْهُمَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذِهِ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْأَخْذِ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: هَلْ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْأَخْذِ أَوْ يَوْمَ الْوَفَاءِ؟ قَوْلَانِ مَأْخَذُهُمَا أَنَّهُ كَالْمُسْتَهْلِكِ أَوْ كَالْمُتَسَلِّفِ (كَتَأَوُّلِ السَّاعِي الْأَخْذَ مِنْ نِصَابٍ لَهُمَا) سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ خُلَطَاءَ بِأَرْبَعِينَ شَاةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ فَأَخَذَ السَّاعِي مِنْهَا شَاةً قَالَ: يَتَرَادُّونَهَا عَلَى عَدَدِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ قُوِّمَتْ الشَّاةُ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ رَجَعَ الَّذِي أُخِذَتْ الشَّاةُ مِنْ غَنَمِهِ عَلَى كُلِّ وَحْدٍ مِنْ خُلَطَائِهِ بِدِرْهَمٍ دِرْهَمٍ وَلَا كَلَامَ فِي هَذَا الْوَجْهِ. فَإِنْ أَخَذَ السَّاعِي شَاتَيْنِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِم: إنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تَكُونُ مَظْلِمَةً وَيَتَرَادَّانِ الشَّاةَ الْأُخْرَى بَيْنَهُمْ وَهَذَا بَيِّنٌ إنْ كَانَتْ الشَّاتَانِ مُسْتَوِيَتَيْنِ فِي الْقِيمَةِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَسْتَوِيَا فِي الْقِيمَةِ فَيَكُونُ نِصْفُ كُلِّ شَاةٍ مِنْهُمَا مَظْلِمَةً وَيَتَرَادَّانِ النِّصْفَيْنِ الْآخَرَيْنِ. (أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَزَادَ لِلْخُلْطَةِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مُرَاعَاةٌ لِقَوْلِ رَبِيعَةَ اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " مَلَكَا نِصَابًا " (لَا غَصْبًا) . ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا نِصَابٌ وَلِلْآخَرِ دُونَهُ فَخَالَفَ السَّاعِي وَأَخَذَ مِنْهُمَا بِتَأْوِيلٍ تَرَاجَعَا وَإِنْ قَصَدَ إلَى الْغَصْبِ فَتَكُونُ مُصِيبَةً مِمَّنْ أُخِذَ مِنْ نَعَمِهِ (أَوْ لَمْ يَكْمُلْ لَهُمَا نِصَابٌ) ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا اجْتَمَعَا وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ وَالْمُجْتَمِعُ مِنْهُمَا أَيْضًا غَيْرُ نِصَابٍ فَأَخْذُ السَّاعِي غَصْبٌ مَحْضٌ تَكُونُ مُصِيبَتُهُ مِمَّنْ أُخِذَ مِنْ نَعَمِهِ. (وَذُو ثَمَانِينَ خَالَطَ بِنِصْفَيْهَا ذَوِي ثَمَانِينَ أَوْ بِنِصْفٍ فَقَطْ ذَا أَرْبَعِينَ كَالْخَلِيطِ الْوَاحِدِ عَلَيْهِ شَاةٌ وَعَلَى غَيْرِهِ نِصْفٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 بِالْقِيمَةِ) اُنْظُرْ هَذَا هَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَعَلَى غَيْرِهِ نِصْفٌ هَذَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ؟ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ: " أَمَّا ذُو ثَمَانِينَ خَالَطَ بِنِصْفَيْهَا ذَوِي ثَمَانِينَ " فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، لَمْ يُشْهِرْ اللَّخْمِيِّ وَلَا ابْنُ بَشِيرٍ مِنْهَا قَوْلًا وَهُوَ الَّذِي اخْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ خُلَطَاءُ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: فَيُزَكُّونِ شَاتَيْنِ وَاحِدَةٌ عَلَى صَاحِبِ الثَّمَانِينَ وَنِصْفُ نِصْفٍ عَلَى صَاحِبَيْهِ. وَعَزَا ابْنُ بَشِيرٍ هَذَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَعَزَاهُ ابْنُ يُونُسَ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: الَّذِي آخُذُ بِهِ أَنَّ صَاحِبَ الثَّمَانِينَ خَلِيطٌ لَهُمَا وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا خَلِيطًا لِصَاحِبِهِ فَيَقَعُ عَلَى صَاحِبِ الثَّمَانِينَ شَاةٌ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْهِ ثُلُثُ شَاةٍ اهـ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ. وَنَصُّ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ بَعْضُ الْمِصْرِيِّينَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ ثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَلِثَلَاثَةِ نَفَرٍ ثَلَاثُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ وَكَانَ خَلِيطًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَشَرَةٍ مِنْ إبِلِهِ، فَإِنَّ السَّاعِيَ يَبْدَأُ بِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ نَفَرٌ يَقُولُ لَهُ إنَّ لَك عَشَرَةً مِنْ الْإِبِلِ وَلِفُلَانٍ صَاحِبِك مَعَك عَشَرَةٌ أُخْرَى هُوَ لَك خَلِيطٌ بِهَا فَهَذِهِ عِشْرُونَ، وَلَهُ عِنْدَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ عِشْرُونَ فَهَذِهِ أَرْبَعُونَ، فَلَا بُدَّ أَنْ أَجْمَعَهَا عَلَيْك كُلَّهَا فَأَعْرِفُ مَا يَصِيرُ عَلَيْك يَا صَاحِبَ الْعَشَرَةِ إذَا جَمَعْتهَا فَآخُذُهُ مِنْك فَأَرْبَعُونَ فِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ، وَعَلَيْك يَا صَاحِبَ الْعَشَرَةِ مِنْ ابْنَةِ اللَّبُونِ الَّتِي تَجِبُ فِي إبِلِك الرُّبْعُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْأَوَّلِ وَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ رُبْعَ قِيمَةِ ابْنَةِ اللَّبُونِ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى صَاحِبِ الثَّلَاثِينَ فَيَقُولُ إنَّ لَك ثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ وَلِأَصْحَابِك ثَلَاثِينَ أُخْرَى فَأَنْتَ لَهُمْ بِإِبِلِك خَلِيطٌ فَلَا بُدَّ أَنْ أَحْسُبَ عَلَيْك مَا لِأَصْحَابِك فَأَعْرِفُ مَا يَصِيرُ عَلَيْك إذَا جَمَعْتهَا عَلَيْك كُلَّهَا وَآخُذُهُ مِنْك فَجَمِيعُ إبِلِكُمْ إذَا جَمَعْتهَا سِتُّونَ وَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ. فَعَلَيْك يَا صَاحِبَ الثَّلَاثِينَ نِصْفُهَا فَهَاتِهَا. وَإِنَّمَا يَأْخُذُ قِيمَةَ النِّصْفِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَاعْرِفْ هَذَا فَإِنَّهُ بَابٌ حَسَنٌ ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الَّذِي لَهُ ثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ هُوَ خَلِيطٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ خُلَطَائِهِ بِعَشَرَةٍ عَشَرَةٍ وَلَيْسَ بَعْضُ خُلَطَائِهِ خَلِيطًا لِبَعْضٍ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ جَيِّدَةٌ حَسَنَةٌ كَمَا قَالَ جَارِيَةٌ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ ذِي ثَمَانِينَ خَالَطَ أَرْبَعِينَ مِنْهَا بِأَرْبَعِينَ لِغَيْرِهِ وَبَقِيَتْ الْأَرْبَعُونَ بِغَيْرِ خَلِيطٍ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: حَكَى الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٌ أَنَّ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ نِصْفَ شَاةٍ وَعَلَى صَاحِبِ الثَّمَانِينَ شَاةً كَامِلَةً انْتَهَى. وَهَذَا النَّقْلُ مُوَافِقٌ لِمَا اخْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ وَلَا اتَّفَقَ النَّقْلُ بِهِ عَنْ سَحْنُونٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى هُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً وَلِخَلِيطِهِ مِثْلُهَا وَلَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ أَوْ بِبَلَدِهِ أَرْبَعُونَ لَا خَلِيطَ لَهُ فِيهَا. فَلْيَضُمَّ ذَلِكَ إلَى غَنَمِ الْخُلْطَةِ فَيَأْخُذُ السَّاعِي لِلْجَمِيعِ شَاةً ثُلُثَاهَا عَلَى رَبِّ الثَّمَانِينَ وَثُلُثُهَا عَلَى رَبِّ الْأَرْبَعِينَ. هَكَذَا يَتَرَاجَعَانِ فِي هَذَا الْوَجْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا وَعَلَيْهِ جُلُّ أَصْحَابِنَا انْتَهَى. وَانْظُرْ أَنْتَ لَفْظَ خَلِيلٍ وَالشَّيْءُ يُذْكَرُ بِالشَّيْءِ. حَكَى ابْنُ خِلِّكَانَ عَنْ بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ قَالَ: أَنَا لَا أَفْهَمُ الْمُقَدِّمَةَ فِي النَّحْوِ لِلْجُزُولِيِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنِّي لَا أَعْرِفُ النَّحْوَ (بِالْقِيمَةِ) تَقَدَّمَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 مَسْأَلَةِ الْعُتْبِيَّةِ إنَّمَا يَأْخُذُ قِيمَةَ النِّصْفِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ. (وَخَرَجَ السَّاعِي وَلَوْ بِجَدْبٍ طُلُوعَ الثُّرَيَّا بِالْفَجْرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الْمُنْتَقَى قَالَ مَالِكٌ: سُنَّةُ السُّعَاةِ أَنْ يَبْعَثُوا قَبْلَ الصَّيْفِ وَحِين تَطْلُعَ الثُّرَيَّا مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. ابْنُ عَرَفَةَ: تَعَقَّبَ هَذَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ مَلْزُومٌ لِإِسْقَاطٍ عَامٍّ بَعْدَ نَحْوِ ثَلَاثِينَ سَنَةً. ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُرَدُّ هَذَا لِأَنَّ الْبَعْثَ حِينَئِذٍ لِمَصْلَحَةِ الْفَرِيقَيْنِ لَا لِأَنَّهُ حَوْلٌ لِكُلِّ النَّاسِ بَلْ كُلٌّ عَلَى حَوْلِهِ الْقَمَرِيِّ، فَاللَّازِمُ فِيمَنْ بَلَغَتْ أَحْوَالُهُ مِنْ الشَّمْسِيَّةِ مَا تَزِيدُ عَلَيْهِ الْقَمَرِيَّةُ حَوْلًا كَأَنَّهُ فِي الْعَامِ الزَّائِدِ كَمَنْ تَخَلَّفَ سَاعِيهِ لَا سُقُوطُهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَلَمْ يَأْتِهِ الْمُصَدِّقُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِأَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ بَاعَهَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ سَاعَتَئِذٍ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ. وَانْظُرْ هَذَا أَيْضًا مَعَ قَوْلِهِمْ إتْيَانُ السُّعَاةِ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقَبْلَهُ يَسْتَقْبِلُهُ الْوَارِثُ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 كَمُرُورِهِ بِهَا نَاقِصَةً " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " بِحَوْلٍ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمَنْ هَرَبَ بِإِبْدَالِ مَاشِيَتِهِ ". (وَهُوَ شَرْطُ وُجُوبٍ إنْ كَانَ وَبَلَغَ) ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّ إتْيَانَ السُّعَاةِ إنْ كَانُوا شَرْطًا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سُعَاةٌ أَوْ كَانُوا وَلَكِنَّهُمْ لَا يَصِلُونَ إلَى قَوْمٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مَجِيئُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 (وَقَبْلَهُ يَسْتَقْبِلُ الْوَارِثُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَهُ مَاشِيَةٌ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَمَاتَ بَعْدَ حَوْلِهَا قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي وَأَوْصَى بِزَكَاتِهَا فَهِيَ مِنْ الثُّلُثِ غَيْرَ مُبْدَأَةٍ وَعَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يُفَرِّقُوهَا فِي الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ، وَلَيْسَ لِلسَّاعِي قَبْضُهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الْمَيِّتِ وَكَأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ حَوْلِهَا إذْ حَوْلُهَا مَجِيءُ السَّاعِي بَعْدَ مُضِيِّ عَامٍ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَمَا لَوْ مَاتَتْ الْمَاشِيَةُ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ قُدُومِ السَّاعِي فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا فَكَذَلِكَ مَوْتُهُ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ حَوْلِهَا. (وَلَا تُبَدَّأُ إنْ أَوْصَى بِهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: هِيَ مِنْ الثُّلُثِ غَيْرَ مُبَدَّأَةٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: إنَّمَا يَبْدَأُ فِي الثُّلُثِ مَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ زَكَاةِ الْعَيْنِ وَأَوْصَى بِهِ فَإِنَّهُ يُبْدَأُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ الْوَصَايَا مِنْ الْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ فِي الْمَرَضِ وَغَيْرِهِ إلَّا الْمُدَبَّرَ فِي الصِّحَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْعَيْنِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْوَرَثَةِ إخْرَاجُهَا إلَّا أَنْ يَشَاءُوا، وَلَوْ حَلَّ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ زَكَاةُ الْعَيْنِ وَأَتَاهُ مَالٌ غَائِبٌ فَأَمَرَ بِزَكَاتِهِ فَذَلِكَ فِي رَأْسِ مَالِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ لَمْ يُوصِ بِهَا أَمَرَ الْوَرَثَةَ بِذَلِكَ لَمْ يُجْبَرُوا. ابْنُ يُونُسَ: مَا حَلَّ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ قَدْ بَانَ صِدْقُهُ فِيهِ فَلِذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 كَانَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ بِخِلَافِ مَا فَرَّطَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ فِيهِ لَكِنْ قَوِيَ الْأَمْرُ فِيهِ وَجُعِلَ مُبْدَأً فِي الثُّلُثِ، وَلَوْ عُلِمَ صِدْقُهُ يَقِينًا لَكَانَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَبَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا فِيمَنْ كَانَ بِبَلَدٍ لَا سُعَاةَ فِيهِ فَيَحِلُّ حَوْلُهُ ثُمَّ يَمُوتُ فَيُوصِي بِإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ أَنَّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ لِأَنَّهُ سَاعِي نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يَلْزَمْ وَرَثَتَهُ إخْرَاجُهَا كَزَكَاةِ الْعَيْنِ تَحِلُّ فِي مَرَضِهِ وَهِيَ بِخِلَافِ زَكَاةِ الثِّمَارِ تَطِيبُ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَا يُوصِي بِإِخْرَاجِ زَكَاتِهَا تِلْكَ فِي رَأْسِ الْمَالِ أَوْصَى بِهَا أَوْ لَمْ يُوصِ انْتَهَى. وَبِنَقْلِ هَذَا الْفَصْلِ هَكَذَا مَجْمُوعًا تَبَيَّنَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَسَائِلِهِ وَسَأُحِيلُ عَلَيْهِ حَيْثُ يَتَعَرَّضُ الْمُؤَلِّفُ لَهَا. (وَلَا تُجْزِئُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَخْرَجَ زَكَاةَ. نَعَمِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي لَمْ تُجْزِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ مَرَّ بِهِ السَّاعِي وَفِي مَاشِيَتِهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ صَدَقَ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلَا يُخْرِجُ أَحَدٌ زَكَاتَهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُصَدِّقُ. فَإِنْ أَتَاهُ فَقَالَ قَدْ أَدَّيْتهَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلْيَأْخُذْهُ بِهَا. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ بِمَنْعِ الزَّكَاةِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ عَدْلٍ فَلْيَضَعْهَا مَوَاضِعَهَا إنْ خَفِيَ لَهُ ذَلِكَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَهْرُبَ بِهَا عَنْهُمْ إنْ قَدَرَ، فَإِنْ خَافَ أَنْ يَأْتُوهُ وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُخْفِيَهَا عَنْهُمْ فَلْيُؤَخِّرْ ذَلِكَ حَتَّى يَأْتُوهُ فَإِنْ أَخَذُوهَا مِنْهُ أَجْزَأَهُ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: تَفْرِيقُ الزَّكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَالْعَيْنِ وَالْحَرْثِ إلَى أَئِمَّةِ الْعَدْلِ دُونَ أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ. فَإِنْ كَانَ قَوْمٌ لَيْسَ لَهُمْ إمَامٌ أَوْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 كَانَ إنْفَاذُهَا إلَى أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ وَإِنْ مَكَّنُوا مِنْهَا الْإِمَامَ إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إخْفَائِهَا عَنْهُ لَمْ تَجُزْ وَوَجَبَ إعَادَتُهَا (كَمُرُورِهِ بِهَا نَاقِصَةً ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ كَمَلَتْ) رَوَى مُحَمَّدٌ: لَوْ مَرَّ بِهِ السَّاعِي وَغَنَمُهُ دُونَ نِصَابٍ فَرَجَعَ فَوَجَدَهَا بَلَغَتْهُ بِوِلَادَةٍ لَا يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُصَدِّقِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَوَجْهُ هَذَا أَنَّهُ كَحُكْمِ حَاكِمٍ بِعَدَمِيٍّ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اُخْتُلِفَ أَنَّ تَرْكَ الْقَاضِي الْحُكْمَ بِمَسْأَلَةِ كَرَأْيِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِفِقْهِهِ أَنَّهُ يَمْضِي حُكْمِهِ بِالتَّرْكِ فَإِنَّهُ حُكْمٌ صَحِيحٌ. (فَإِنْ تَخَلَّفَ وَأُخْرِجَتْ أَجْزَأَ عَلَى الْمُخْتَارِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 اللَّخْمِيِّ: إذَا تَخَلَّفَ السُّعَاةُ لِشُغْلٍ أَوْ أَمْرٍ لَمْ يَقْصِدُوا فِيهِ إلَى تَضْيِيعِ الزَّكَاةِ فَأَخْرَجَ رَجُلٌ زَكَاةَ مَاشِيَتِهِ فَالْأَحْسَنُ الْإِجْزَاءُ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ. (وَإِلَّا عَمِلَ عَلَى الزَّيْدِ وَالنَّقْصِ لِلْمَاضِي بِتَبْدِئَةِ الْعَامِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُنَقِّصَ الْأَخْذُ النِّصَابَ أَوْ الصِّفَةَ فَيُعْتَبَرُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ السَّاعِي سِنِينَ ثُمَّ أَتَاهُ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهُ زَكَاةَ مَا وَجَدَ بِيَدِهِ لِمَاضِي السِّنِينَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُنَقِّصَ بِأَخْذِهِ عَنْ عَدَدِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّهَا لَوْ هَلَكَتْ فِي غَيْبَتِهِ لَمْ يَضْمَنْهَا. قَالَ: وَإِنْ غَابَ عَنْهُ السَّاعِي خَمْسَ سِنِينَ وَغَنَمُهُ فِيهَا أَلْفُ شَاةٍ ثُمَّ نَقَصَتْ فِي غَيْبَتِهِ بِبَيْعٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَوَجَدَهَا حِينَ أَتَى ثَلَاثَةً وَأَرْبَعِينَ شَاةً أَخَذَ مِنْهَا أَرْبَعَ شِيَاهٍ لِأَرْبَعِ سِنِينَ وَسَقَطَ عَنْ رَبِّهَا سَنَةٌ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِأَخْذِهِ أَقَلَّ مِمَّا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ وَجَدَهَا قَدْ رَجَعَتْ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُصَدِّقِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَتْ غَنَمُهُ فِي أَوَّلِ عَامٍ غَابَ عَنْهُ السَّاعِي وَفِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ أَرْبَعِينَ شَاةً ثُمَّ صَارَتْ فِي الْعَامِ الْخَامِسِ أَلْفًا فَلْيُزَكِّ هَذِهِ الْأَلْفَ لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ كُلِّهَا وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى يَوْمِ أَفَادَهَا، وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ إذَا كَانَتْ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ غَابَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 عَنْهَا نِصَابًا عَرَفَ عَدَدَهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِذَا غَابَ عَنْ أَرْبَعِينَ خَمْسَ سِنِينَ ثُمَّ صَارَتْ فِي الْعَامِ الْخَامِسِ أَلْفَ شَاةٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ لِأَوَّلِ سَنَةٍ عَشْرَ شِيَاهٍ وَعَنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ تِسْعًا تِسْعًا وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ: وَانْظُرْ قَوْلَهُ: " أَوْ الصِّفَةَ ". قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا غَابَ السَّاعِي عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسَ سِنِينَ ثُمَّ أَتَى فَلْيَأْخُذْ عَنْ السَّنَةِ الْأُولَى بِنْتَ مَخَاضٍ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَسَوَاءٌ أَخَذَ بِنْتَ الْمَخَاضِ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَفِي بَاقِي السِّنِينَ عَنْ كُلِّ سَنَةٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ غَابَ عَنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسَ سِنِينَ أَخَذَ مِنْهَا عَشْرَ حِقَاقٍ وَلَوْ كَانَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ أَخَذَ حِقَّتَيْنِ وَثَمَانِ بَنَاتِ لَبُونٍ. (كَتَخَلُّفِهِ مِنْ أَقَلَّ فَكَمُلَ وَصُدِّقَ) قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَوْ تَخَلَّفَ عَنْ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً فَنَمَتْ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ بِوِلَادَتِهَا فَلَا يَأْخُذُهُ السَّاعِي إلَّا بِشَاةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَنَاسَلَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَأْخُذْهُ إلَّا بِزَكَاةِ عَامِهِ. هَذَا حَتَّى لَوْ غَابَ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 نِصَابٍ ثُمَّ نَقَصَتْ عَنْ النِّصَابِ ثُمَّ نَمَتْ قَبْلَ مَجِيئِهِ بِوِلَادَتِهَا أَوْ بِبَدَلِ قَلِيلٍ بِكَثِيرٍ فَصَارَتْ أَلْفًا وَقَدْ غَابَ خَمْسَ سِنِينَ لَزَكَّاهَا عَمَّا يَجِدُ لِكُلِّ سَنَةٍ غَابَ فِيهَا، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ رَبِّ الْغَنَمِ بِلَا يَمِينٍ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ غَابَ مِنْ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ فَصَارَتْ أَلْفًا بِفَائِدَةٍ زَكَّاهَا عَلَى حَوْلِ الْفَائِدَةِ، وَإِنْ زَادَتْ بِوِلَادَةٍ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: يُزَكِّيهَا مِنْ يَوْمِ تَمَّتْ نِصَابًا إلَى يَوْمِ يَأْتِيهِ السَّاعِي. وَقَالَ أَشْهَبُ: يُزَكِّي مَا وَجَدَ بِيَدِهِ لِلسِّنِينَ كُلِّهَا. رَاجِعْ ابْنَ يُونُسَ فَكَلَامٌ فِيهِ أَطْوَلُ. (لَا إنْ نَقَصَتْ هَارِبًا وَإِنْ زَادَتْ لَهُ فَلِكُلٍّ مَا فِيهِ) ابْنُ شَاسٍ: الْهَارِبُ عَنْ السُّعَاةِ يُزَكِّي لِكُلِّ عَامٍ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ زَادَتْ عَلَى عَدَدِ الْعَامِ الْحَاضِرِ أَوْ نَقَصَتْ عَنْهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إذَا زَادَتْ فَهُوَ كَمَنْ غَابَ عَنْهُ السُّعَاةُ لَا يَكُونُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْهُ الْبَاجِيُّ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا إلَّا أَشْهَبَ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلزَّكَاةِ بِتَعَدِّيهِ فَيَضْمَنُ فِي كُلِّ عَامٍ عَلَى حَسَبِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ (بِتَبْدِئَةِ الْأَوَّلِ) ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ الْحِسَابَ مِنْ أَوَّلِ سَنَةٍ فَيُؤَثِّرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 الْمَأْخُوذُ فِي زَكَاةِ مَا بَعْدَهُ سُقُوطَ قَدْرٍ أَوْ سِنٍّ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ كَانَ مِنْ نَوْعِ مَا بَعْدَهُ. اللَّخْمِيِّ: إنْ هَرَبَ بِمَاشِيَتِهِ وَهِيَ أَرْبَعُونَ شَاةً خَمْسَ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَ السَّاعِي وَهِيَ بِحَالِهَا لَمْ تَزِدْ وَلَمْ تَنْقُصْ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُؤْخَذُ مِنْهَا شَاةٌ خَاصَّةً لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِأَوَّلِ عَامٍ وَالْبَاقِي تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا. اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا أَحْسَنُ لِأَنَّ الشَّاةَ الَّتِي كَانَ الْحُكْمُ أَنْ تُؤْخَذَ أَوَّلَ عَامٍ مَوْجُودَةٌ وَهِيَ الَّتِي غُصِبَتْ وَلَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا بِالتَّلَفِ. اللَّخْمِيِّ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِآخِرِ عَامٍ فَتُؤْخَذُ مِنْ الْأَرْبَعِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ. ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ كُلِّ سَنَةٍ مَا كَانَ فِيهَا وَلَا يُبَالِي بِالسَّنَةِ بَدَأَ بِالْأُولَى أَوْ بِالْآخِرَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُخَلَّدٌ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يُسْقِطُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ زَكَاةَ شَيْءٍ مِمَّا وَجَبَ بِيَدِهِ. ابْنُ رُشْدٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً يَبْتَدِئُ بِأَوَّلِ سَنَةٍ وَقَالَ مَرَّةً بِآخِرِ عَامٍ انْتَهَى. فَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِأَوَّلِ عَامٍ هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُخْتَارُ اللَّخْمِيِّ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافُ مُخْتَارِ ابْنِ يُونُسَ وَرِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَوْلِ أَصْبَغَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَعَبْدِ الْحَكَمِ وَأَشْهَبَ. (وَهَلْ يُصَدَّقُ قَوْلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ فَرَّ بِأَكْثَر مِمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 وُجِدَ لَهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي نَقْصِهِ بِغَيْرِ عَامِ بُلُوغِهِ. ابْنُ بَشِيرٍ: لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْهُرُوبِ. وَقَوْلُهُ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ وَالْأَصْلُ الْكَمَالُ. وَإِنْ فَرَّ بِأَرْبَعِينَ ثُمَّ انْثَنَى بِأَلْفٍ فَقَالَ إنَّمَا اسْتَفَدْتهَا قَرِيبًا فَهَلْ يُصَدَّقُ تَعْوِيلًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوْ لَا يُصَدَّقُ تَعْوِيلًا عَلَى مَا وُجِدَ فِي يَدِهِ الْآنَ؟ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ انْتَهَى. اُنْظُرْ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَالَهُ سَحْنُونَ قَالَ: يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَثْبُتُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِسْقُهُ بِاَلَّذِي يَمْضِي عَلَيْهِ الدَّعَاوَى دُونَ بَيِّنَةٍ. اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا حَسَنٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَ: لَا يُصَدَّقُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ صَدَقَةُ سَائِرِ الْأَعْوَامِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ الْآنَ لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ كَذِبُهُ وَتَبَيَّنَ فِرَارُهُ عَنْ الزَّكَاةِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ بِقَوْلِهِ. (وَإِنْ سَأَلَ فَنَقَصَتْ أَوْ زَادَتْ فَالْمَوْجُودُ) ابْنُ يُونُسَ: لَوْ نَزَلَ بِهِ السَّاعِي مَعَ الْمَسَاءِ فَسَأَلَهُ عَنْ غَنَمِهِ فَقَالَ مِائَتَيْنِ فَقَالَ غَدًا آخُذُ مِنْك شَاتَيْنِ. ثُمَّ نُتِجَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَاحِدَةٌ وَكَانَتْ مِائَتَا شَاةٍ وَشَاةٍ فَمَاتَتْ وَاحِدَةٌ فَلَا يُنْظَرُ إلَّا إلَى عِدَّتِهَا عِنْدَ وُقُوفِهِ عَلَيْهَا لِعَدَدِهَا وَالْأَخْذِ مِنْهَا لَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَعَزَاهُ اللَّخْمِيِّ لِمَالِكٍ ثُمَّ قَالَ: فَأَسْقَطَ عَنْهُ زَكَاةَ مَا هَلَكَ وَإِنْ كَانَ قَدْ صَدَّقَهُ فِي الْعَدَدِ لِأَنَّ كُلَّ مَا هَلَكَ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ تَسْقُطُ زَكَاتُهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ عَدَّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى هَلَكَ بَعْضُهَا سَقَطَتْ زَكَاتُهَا وَزَكَّى عَنْ الْبَاقِي، وَتَصْدِيقُهُ وَعَدَدُهُ سَوَاءٌ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الزَّكَاةُ مِنْ عَيْنِ تِلْكَ الْمَاشِيَةِ، وَلَوْ كَانَتْ إبِلًا فَسَأَلَهُ عَنْ عَدَدِهَا فَقَالَ عِشْرُونَ فَصَدَّقَهُ وَقَالَ نُصْبِحُ وَنَأْخُذُ أَرْبَعَ شِيَاهٍ فَأَصْبَحَ وَقَدْ هَلَكَتْ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ زَكَاتُهَا لِأَنَّهُ سَلَّمَ ذَلِكَ إلَيْهِ لِيَأْخُذَ الزَّكَاةَ فِي الذِّمَّةِ (إنْ لَمْ يُصَدَّقْ أَوْ صَدَقَ وَنَقَصَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 وَفِي الزَّيْدِ تَرَدُّدٌ) تَقَدَّمَتْ عِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ وَطَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ وَعَبَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا نَصُّهُ: خَبَرُ رَبِّهَا عَنْ قَدْرِهَا إنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ لَغْوٌ. الْأَكْثَرُ: وَكَذَا أَيْضًا إنْ صَدَّقَهُ. اللَّخْمِيِّ: إلَّا فِي الشَّنَقِ وَفِي الزِّيَادَةِ طَرِيقَانِ انْتَهَى. وَالشَّنَقُ مِنْ الْإِبِلِ مَا لَا يُؤَدَّى فِيهِ إلَّا الْغَنَمَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ بَعِيرًا فَدُونَ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَلَيْسَتْ بِشَنَقٍ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ مَرَّ بِهِ السَّاعِي فَيَسْأَلُهُ عَمَّا عِنْدَهُ ثُمَّ يُصْبِحُ فَيَعُدُّ عَلَيْهِ فَيَجِدُ بَعْضَهَا قَدْ مَاتَ فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَحْتَسِبُ بِمَا يَجِدُ لَا بِمَا أَخْبَرَهُ. فَإِنْ وَجَدَهَا قَدْ زَادَتْ بِوِلَادَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 فَإِنْ لَمْ يُعَوَّلْ عَلَى خَبَرِهِ أَخَذَ بِمَا يَجِدُ عِنْدَ الْعَدَدِ، وَإِنْ عُوِّلَ عَلَيْهِ وَوَثِقَ فَهَاهُنَا لِلْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ يُنْظَرُ إلَى مَا عُوِّلَ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى خَبَرِهِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْأَقْوَالِ الظَّاهِرَةِ فَلَا يُلْتَفَتُ فِيهَا إلَّا إلَى الْمَوْجُودِ لَا إلَى خَبَرِ الْمَالِكِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ إنْ كَانَ وَاثِقًا بِقَوْلِهِ وَصِدْقِهِ فَقَالَ صَارَ حُكْمًا. قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ لِصَاحِبِ الْمَاشِيَةِ أَنْ يَنْزِلَ السُّعَاةُ عِنْدَهُ وَلَا يُعِيرُهُمْ دَوَابَّهُ يُرِيدُ خُفْيَةِ الْمُتَّهَمَةِ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ. وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمَعٍ» الْحَدِيثَ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا: هَلْ مَحْمَلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ؟ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَفِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ. وَلَوْ تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ مَا يُسْقِطُ عَنْهُ الْحَجَّ أَوْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ لِسُقُوطِ الصَّوْمِ عَنْهُ أَوْ أَخَّرَ صَلَاةَ حَضَرٍ عَنْ وَقْتِهَا لِيُصَلِّيَهَا فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَخَّرَتْ امْرَأَةٌ صَلَاةً بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا رَجَاءَ أَنْ تَحِيضَ فَحَاضَتْ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، فَجَمِيعُ هَذَا مَكْرُوهٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى هَذَا فِي السَّفَرِ صِيَامٌ وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا وَلَا عَلَى الْحَائِضِ قَضَاؤُهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: احْتِجَاجُ اللَّخْمِيِّ بِهَذِهِ الْفُرُوعِ عَلَى حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى النَّدْبِ يُرَدُّ بِأَنَّهُ فِي الْحَجِّ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ وَالتَّأْخِيرُ وَالسَّفَرُ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُمَا وَالتَّفْرِيقُ وَالِاجْتِمَاعُ مَنْهِيٍّ عَنْهُمَا (وَأُخِذَ الْخَوَارِجُ بِالْمَاضِي إلَّا أَنْ يَزْعُمُوا الْأَدَاءَ إلَّا أَنْ يَخْرُجُوا لِمَنْعِهَا) اللَّخْمِيِّ قَالَ مَالِكٌ فِي خَوَارِجَ غَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ ثُمَّ ظُفِرَ بِهِمْ قَالَ: تُؤْخَذُ زَكَوَاتُ تِلْكَ السِّنِينَ. فَإِنْ قَالُوا أَدَّيْنَا فِي تِلْكَ الْأَعْوَامِ لَمْ يُصَدَّقُوا إذَا كَانَ امْتِنَاعُهُمْ لِئَلَّا يُؤَدُّوهَا، وَإِنْ كَانَ امْتِنَاعُهُمْ لِغَيْرِ ذَلِكَ صُدِّقُوا. ابْنُ يُونُسَ: وَرَوَى مُحَمَّدٌ: وَكَذَلِكَ قَوْمٌ غَلَبُوا عَلَى الْبِلَادِ فَأَخَذُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِمْ السُّلْطَانُ وَأَخْرَجَهُمْ عَنْهَا فَلَا يَأْخُذُ مِنْ النَّاسِ الزَّكَاةَ ثَانِيَةً وَهُوَ مِثْلُ الْخَوَارِجِ. وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرْفَعُ زَكَاةَ مَالِهِ إلَى مَنْ غَلَبَ عَلَى الْمَدِينَةِ. ابْنُ شَاسٍ. [زَكَاةُ الْمُعَشَّرَاتِ] النَّوْعُ الثَّانِي زَكَاةُ الْمُعَشَّرَاتِ (وَفِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرَ) ابْنُ عَرَفَةَ: النِّصَابُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَمَا زَادَ مِثْلُهُ وَهُوَ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 عِنَبِ بَلَدِنَا سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ قِنْطَارًا تُونِسِيًّا لِأَنَّهَا يَابِسَةٌ اثْنَا عَشَرَ. ابْنُ يُونُسَ: تَجِبُ الزَّكَاةُ مِنْ أَوْسَطِ أَعْنَابِ بَلَدِنَا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ رِطْلٍ بِالْكَبِيرِ وَالثَّلَاثُمِائَةِ رِطْلٍ إذَا زُبِّبَتْ رَجَعَتْ سِتِّينَ رِطْلًا وَالسِّتُّونَ رِطْلًا فِيهَا أَلْفٌ وَمِائَتَا رِطْلٍ بِالصَّغِيرِ وَالرِّطْلُ الصَّغِيرُ فِي كَيْلِهِ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الْقَبَّابُ: الصَّاعُ هُوَ كَيْلُ مَدِينَةِ فَاسَ فِي وَقْتِنَا هَذَا. وَرَأَيْت لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الصَّاعَ هُوَ مُدٌّ مَمْسُوحٌ مِنْ أَمْدَادِ غَرْنَاطَةَ قَالَ: أَوْ يَغْرِفُ الْإِنْسَانُ أَرْبَعَ حَفَنَاتٍ بِكِلْتَا يَدَيْهِ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ بِمَ يَكُونُ التَّقْدِيرُ؟ فَقِيلَ بِالْمَاءِ وَقِيلَ بِالْوَسَطِ مِنْ الْبُرِّ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَالْمُدُّ اثْنَا عَشَرَ أُوقِيَّةً، وَالْأُوقِيَّةُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثَانِ وَزِنَةُ الدِّرْهَمِ خَمْسُونَ حَبَّةَ شَعِيرٍ وَخُمُسَانِ (وَإِنْ بِأَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ) مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً فَزَرَعَهَا فَزَكَاةُ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ عَلَى الْمُكْتَرِي وَلَا يَضَعُ الْخَرَاجُ الَّذِي عَلَى الْأَرْضِ زَكَاةَ مَا خَرَجَ مِنْهَا عَنْ الزَّارِعِ كَانَتْ الْأَرْضُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْخَرَاجَ كِرَاءٌ (أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ وَالرِّطْلُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا مَكِّيًّا كُلُّ دِرْهَمٍ خَمْسُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 وَخُمُسَا حَبَّةٍ مِنْ مُطْلَقِ الشَّعِيرِ) اُنْظُرْ أَنْتَ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ (مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ فَقَطْ) ابْنُ عَرَفَةَ: مُتَعَلِّقُ الزَّكَاةِ مِنْ النَّبَاتِ أَجْنَاسٌ حَبٌّ غَيْرُ ذِي زَيْتٍ وَحَبٌّ ذُو زَيْتٍ وَثَمَرُ شَجَرِ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَفِي غَيْرِهِمَا ثَالِثُهَا التِّينُ. أَبُو عُمَرَ: لَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ غَيْرُ النَّخِيلِ وَالْعِنَبِ دُونَ مَا سِوَاهُمَا مِنْ الرُّمَّانِ وَالتِّينِ وَاللَّوْزِ وَسَائِرُ ثِمَارِ الْفَوَاكِهِ غَيْرُهَا إذَا كَانَتْ لَا تُدَّخَرُ لِلْقُوتِ غَالِبًا، وَأَمَّا مَا اُدُّخِرَ مِنْهَا غَالِبًا لِلْقُوتِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ الْبَغْدَادِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَالِكَيْنِ وَهُوَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ عِنْدَهُمْ. فَعَلَى هَذَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي التِّينِ الْيَابِسِ لِأَنَّهُ مُقْتَاتٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَيُدَّخَرُ دَائِمًا، وَكَانَ ابْنُ حَبِيبٍ يَذْهَبُ إلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي التِّينِ. ابْنُ الْقَصَّارِ: تَرَجَّحَ مَالِكٌ فِي التِّينِ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى بَلَدِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يُجْلَبُ إلَيْهِ، أَمَّا بِالشَّامِ وَالْأَنْدَلُسِ فَفِي التِّينِ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ يُقْتَاتُ غَالِبًا. اللَّخْمِيِّ: مَعْلُومٌ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ لِلتِّينِ وَالِاقْتِيَاتَ أَكْثَرُ مِنْ الزَّبِيبِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الزَّبِيبِ وَذَلِكَ فِي التِّينِ أَبْيَنُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: اتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى نَفْيِهَا فِي اللَّوْزِ وَالتُّفَّاحِ وَشَبَهِهِمَا. ابْنُ زَرْقُونٍ: لَعَلَّهُ لَمْ يَعْرِفْ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا رِوَايَةَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَوْلَ الْقَاضِي وَأَوْجَبَهَا ابْنُ وَهْبٍ فِي الْعَسَلِ، فَقَوْلُ سَنَدٍ لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ فِي سُقُوطِهَا فِي الْعَسَلِ قُصُورٌ. (مُنَقَّى) ابْنُ رُشْدٍ: تَجِبُ زَكَاةُ الزَّرْعِ حَبًّا مُصَفًّى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: الْعَلَسُ يُخَزَّنُ فِي قِشْرِهِ كَالْأَرُزِّ فَلَا يُزَادُ فِي النِّصَابِ لِأَجْلِ قِشْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَرُزُّ قِيَاسًا عَلَى نَوَى التَّمْرِ وَقِشْرِ الْفُولِ الْأَسْفَلِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ. (مُقَدَّرَ الْجَفَافِ) أَبُو عُمَرَ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي التَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَالزَّيْتُونِ وَلَا فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ التِّينِ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَهَا مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 الْمَالِكِيِّينَ حَتَّى يَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بَعْدَ الْجُفُوفِ وَالْحَالِ الَّتِي يَبْقَى عَلَيْهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ انْتَهَى. اُنْظُرْ تَصْرِيحَهُ بِالزَّيْتُونِ مِثْلُهُ فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى الزَّيْتُونِ فِي وَقْتِ رَفْعِهِ حَتَّى يَجِفَّ وَيَتَنَاهَى فِي حَالِ جَفَافِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ بَعْدَ التَّجْفِيفِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ. وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ مَا عَزَا اللَّخْمِيُّ لِلْمَذْهَبِ، وَانْظُرْ أَيْضًا بِمَ يُقَدَّرُ الزَّيْتُونُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ يُونُسَ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الزَّبِيبِ يَكُونُ بِالْوَزْنِ وَالْمَنْصُوصُ فِي الزَّيْتُونِ أَنَّهُ يَكُونُ بِالْكَيْلِ حَسْبَمَا يَتَقَرَّرُ. (وَإِنْ لَمْ يَجِفَّ) قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ رُطَبُ هَذَا النَّخْلِ لَا يَكُونُ تَمْرًا وَلَا هَذَا الْعِنَبِ زَبِيبًا فَلْيَخْرِصْ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِيهِ مُمْكِنًا، فَإِنْ صَحَّ فِي التَّقْدِيرِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ أُخِذَ مِنْ ثَمَنِهِ كَانَ ثَمَنُ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ أَكْثَرَ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ زَبِيبًا. الْبَاجِيُّ: وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعِنَبَ لَا يَخْرُجُ فِي الزَّكَاةِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ الْحَدِيقَةِ لِتَعَذُّرِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ صَاحِبِهَا وَجَبَ بَدَلُهَا وَهُوَ الْقِيمَةُ أَوْ الثَّمَنُ إنْ بَاعَ انْتَهَى. اُنْظُرْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 قَوْلُ الْبَاجِيِّ إنَّ الْعِنَبَ لَا يُخْرَجُ مَعَ مَا يَأْتِي لِابْنِ رُشْدٍ. (نِصْفُ عُشْرِهِ) هَذَا هُوَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: " وَفِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ " قَالَ مَالِكٌ: فِيمَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ أَوْ شَرِبَ سَيْحًا أَوْ بَعْلًا الْعُشْرُ، وَفِيمَا سَقَتْهُ السَّوَانِي بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ أَوْ غَيْرِهِ نِصْفُ الْعُشْرِ. ابْنُ حَبِيبٍ: الْبَعْلُ مَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سَقْيِ سَمَاءٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَالسَّيْحُ مَا يَشْرَبُ بِالْعُيُونِ، وَالْعَثَرِيُّ مَا تَسْقِيهِ السَّمَاءُ، وَالنَّضْحُ مَا سَقَتْهُ السَّوَانِي وَالزَّرَانِيقُ وَبِالْيَدِ وَبِالدَّلْوِ. (كَزَيْتِ مَا لَهُ زَيْتٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ مُتَعَلِّقِ الزَّكَاةِ حَبُّ ذِي زَيْتٍ. ابْنُ بَشِيرٍ: لَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الزَّيْتُونِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِالْمَدِينَةِ وَأَحْوَازِهَا. الْبَاجِيُّ: وَالِاعْتِبَارُ فِي نِصَابِهَا إنَّمَا هُوَ بِالْكَيْلِ وَالْكَيْلُ لَا يَتَهَيَّأُ إلَّا فِي الْحَبِّ فَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: يُؤْخَذُ مِنْ الزَّيْتِ إذَا بَلَغَ زَيْتُونُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَانَ مَالِكٌ يَرَى الزَّكَاةَ فِي الزَّيْتُونِ وَالْجُلْجُلَانِ وَالْمَاشُ هُوَ حَبُّ الْفَحْلِ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ الْعُشْرَ مِنْ زَيْتِهَا بَعْدَ عَمَلِهِ (وَثَمَنِ غَيْرِ ذِي الزَّيْتِ وَمَا لَا يَجِفُّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَخْرِصُ الزَّيْتُونُ وَيُؤَمَّنُ عَلَيْهِ أَهْلُهُ كَمَا يُؤَمَّنُوا عَلَى الْحَبِّ. فَإِذَا بَلَغَ كَيْلُ حَبِّهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أُخِذَ مِنْ زَيْتِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا زَيْتَ لَهُ كَزَيْتُونِ مِصْرَ فَمِنْ ثَمَنِهِ عَلَى مَا فَسَّرْنَا فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ. اُنْظُرْهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: " نِصْفُ عُشْرِهِ ". (وَفُولٍ أَخْضَرَ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: يَتَحَرَّى مَا يَأْكُلُ مِنْ فَرِيكِ زَرْعِهِ وَالْفُولِ وَالْحِمَّصِ أَخْضَرَ، فَإِنْ بَلَغَ مَا خَرَصَهُ عَلَى الْيُبْسِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ زَكَاةً أَخْرَجَ عَنْهُ حَبًّا يَابِسًا مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ. قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ مِنْ ثَمَنِهِ. ابْنُ رُشْدٍ قَالَ مَالِكٌ: فِي الْفُولِ وَالْحِمَّصِ زَكَّاهُ يَبِيعُهُ أَخْضَرَ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ مِنْ ثَمَنِهِ وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ لِأَنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ إنَّمَا يَشْتَرِيهِ الْمُشْتَرِي لِيُيَبِّسَهُ فَهُوَ يَنْقُصُ فِي ثَمَنِهِ لِذَلِكَ، وَالْحِمَّصُ وَالْفُولُ لَمْ يُشْتَرَ لِلتَّيْبِيسِ فَلَا نَقْصَ فِي الثَّمَنِ، فَإِذَا أَعْطَى مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَنْبَخِسْ الْمَسَاكِينُ انْتَهَى. اُنْظُرْ كَرْمَ غَرْنَاطَةَ أَكْثَرُهَا لَمْ تُشْتَرَ لِلتَّيْبِيسِ وَمِنْ أَعْنَابِهَا مَا يَتَعَذَّرُ تَيْبِيسُهُ وَمَا لَا يُضْبَطُ خَرْصُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعُ عِنَبَهُ عَلَى يَدَيْهِ يَوْمًا بِيَوْمٍ. وَمُقْتَضَى الْمَنْصُوصِ أَنَّ هَذَا مُسَوِّغٌ لِإِخْرَاجِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْفُولِ الْأَخْضَرِ وَزَيْتُونِ مِصْرَ وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْبَاجِيِّ: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إخْرَاجُ الزَّبِيبِ مِنْ الْحَدِيقَةِ لِتَعَذُّرِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ صَاحِبِهَا وَجَبَ بَدَلُهَا وَهُوَ الْقِيمَةُ أَوْ الثَّمَنُ إنْ بَاعَهُ. وَمِنْ اللَّخْمِيِّ رَوَى مُحَمَّدٌ: إنْ بَاعَهُ عِنَبًا كُلَّ يَوْمٍ وَجَهِلَ خَرْصَهُ فَمِنْ ثَمَنِهِ. وَفِي الرِّسَالَةِ: وَيُزَكِّي الزَّيْتُونَ إذَا بَلَغَ حَبُّهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ ثَمَنِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ مِنْ أَصْحَابِنَا: مَنْ جَعَلَ الْإِخْرَاجَ مِنْ الثَّمَنِ رِوَايَةً فِي أَخْذِ الْقِيَمِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَهُ بِأَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ عَيْنِ ذَلِكَ قَدْ فَاتَ بِبَيْعِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ لَمْ يَضْبِطْ خَرْصَهُ وَلَا أَنْ يَتَحَرَّاهُ فَلْيُؤَدِّ مِنْ ثَمَنِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ: إنْ عُمِلَ مِنْهُ رُبًّا إنْ شَاءَ أَعْطَى عُشْرَ الرُّبِّ أَوْ عُشْرَ قِيمَةِ الْعِنَبِ. قَالَ: وَلَوْ أَعْطَى عِنَبًا لَأَجْزَأَهُ. وَانْظُرْ مِمَّا يُرَشِّحُ هَذَا مَا قَالَ مَالِكٌ فِي حَبِّ السِّمْسِمِ اُنْظُرْهُ بَعْدَ هَذَا فِي قَوْلِهِ: " السِّمْسِمِ " وَانْظُرْ هُنَا غَلَطًا لِبَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُمْ يُفْتُونَ أَرْبَابَ الْكَرْمِ بِأَنَّ الْعَصِيرَ الَّذِي يُجْعَلُ عَلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِ الْجَانِبِ يَقْتَطِعُونَهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَتَحَرَّوْا فِي كَرْمِهِمْ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَبْرَأُ إلَّا مِنْ الْقَدْرِ الَّذِي عُلِمَ بِهِ الْجَانِبُ. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: الدَّرَاهِمُ الَّتِي تُغْرَمُ عَنْ زَكَاةِ الزَّرْعِ لِأَجْلِ الْحَزْرِ تُحْسَبُ عَلَى مَا رَمَوْهَا عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَغْرَمْ عَلَيْهِ شَيْئًا. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ: مَنْ جَحَدَ السَّاعِي نِصْفَ مَا عِنْدَهُ فَصَدَّقَهُ وَأَخَذَهُ بِزَكَاةِ ضِعْفِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَمَّا جَحَدَهُ. وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: مَنْ سَقَى بِنَضْحٍ فَظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ الْعُشْرَ فَأَخْرَجَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَسِبُ بِمَا زَادَ جَهْلًا فِي زَرْعٍ آخَرَ لَهُ لَمْ يُخْرِجْ عُشْرَهُ وَلْيُخْرِجْ عُشْرَ هَذَا الثَّانِي كَامِلًا، لَكِنْ إنْ وَجَدَ مَا أَخْرَجَ زَائِدًا فِي الْأَوَّلِ بِأَيْدِي الْفُقَرَاءِ أَخَذَهُ كَمَا قَالُوهُ فِيمَنْ أَثَابَ عَلَى صِدْقِهِ وَمَنْ صَالَحَ مِنْ دَمِ خَطَأٍ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ عَلَى زَيْتُونِهِ يُلْقَطُ لَهُ بِالثُّلُثِ: إنَّ زَكَاةَ الْجَمِيعِ عَلَى رَبِّ الزَّيْتُونِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: " إنَّ زَكَاةَ مَا يَأْخُذُهُ الْأُجَرَاءُ مِنْ الزَّيْتُونِ عَلَى رَبِّ الزَّيْتُونِ " صَحِيحٌ لِأَنَّ الْتِقَاطَ الزَّيْتُونِ كَحَصَادِ الزَّرْعِ وَجُذَاذِ التَّمْرِ وَذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْهُ زَيْتًا. وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ ابْنُ كِنَانَةَ وَابْنُ مَسْلَمَةَ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَالُوا: تُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ حَبًّا انْتَهَى. (إنْ سُقِيَ بِآلَةٍ وَإِلَّا فَالْعُشْرُ) قَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " نِصْفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 عُشْرِهِ ". (وَلَوْ اُشْتُرِيَ السَّيْحُ أَوْ أُنْفِقَ عَلَيْهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ يَشْرَبُ بِالسَّيْحِ لَكِنَّ رَبَّ الْأَرْضِ لَا يَمْلِكُ مَاءً وَإِنَّمَا يَشْتَرِيهِ بِالثَّمَنِ فَفِيهِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُزَكِّي بِالْعُشْرِ إذْ فِيهِ نَصُّ الْحَدِيثِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: فِيمَا اُشْتُرِيَ أَصْلُ مَالِهِ الْعِشْرُونَ السَّقْيُ مِنْهُ عِلَّةٌ، وَفِيمَا سُقِيَ بِوَادٍ أَجْرَى إلَيْهِ النَّفَقَةَ نِصْفَ عُشْرِ أَوَّلِ عَامٍ وَعُشْرَ مَا بَعْدَهُ، وَرَدَّ ابْنُ بَشِيرٍ هَذَا قَالَ: وَالْعِلَّةُ الَّتِي تَعُودُ عَلَى النَّصِّ بِالْإِبْطَالِ بَاطِلَةٌ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: سُئِلَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الزَّرْعِ يُعَجِّزُهُ الْمَاءُ فَيَشْتَرِي صَاحِبُهُ مَا يَسْقِيهِ بِهِ، كَيْفَ يُزَكِّيهِ؟ قَالَ: يُخْرِجُ عُشْرَهُ، وَسُئِلَ عَنْهَا ابْنُ الْحَسَنِ فَقَالَ: يُخْرِجُ الْعُشْرَ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: وَهَذَا عَدْلٌ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ النَّضْحِ وَالسَّوَانِي مِنْ أَجْلِ إخْرَاجِ الثَّمَنِ لِلْأُجَرَاءِ وَمَنْ يَتَوَلَّى لَهُ ذَلِكَ فَلَا فَرْقَ. ابْنُ يُونُسَ: وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فِي عَمَلِ الْكُرُومِ وَمَشَقَّتِهَا أَنْ يُخْرِجَ فِيهَا نِصْفَ الْعُشْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَشَدُّ مِنْ السَّقْيِ وَأَكْثَرُ تَعَبًا وَنَفَقَةً وَلَوْ قَالَهُ قَائِلٌ كَانَ صَوَابًا. (وَإِنْ سُقِيَ بِهِمَا فَعَلَى حُكْمِهِمَا) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمُغِيرَةُ وَعَبْدُ الْحَكَمِ: مَنْ لَهُ النَّخْلُ وَالْعِنَبُ فَيَسْقِي نِصْفَ السَّنَةِ بِالْعَيْنِ وَيَنْقَطِعُ فَيَسْقِي بَاقِيَهَا بِالسَّانِيَةِ فَلْيُخْرِجْ زَكَاةَ ذَلِكَ نِصْفَهُ عَلَى الْعُشْرِ وَنِصْفَهُ عَلَى نِصْفِ الْعُشْرِ. وَعِبَارَةُ الْبَاجِيِّ: إنْ كَانَ مَرَّةً يَسْقِي بِالنَّضْحِ وَمَرَّةً بِمَاءِ السَّمَاءِ فَإِنْ تَسَاوَى الْأَمْرُ فِيهِمَا كَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ. (وَهَلْ يُغَلَّبُ الْأَكْثَرُ خِلَافٌ) الْبَاجِيُّ: إنْ كَانَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَكْثَرَ كَانَ حُكْمُ الْأَقَلِّ مِنْهُمَا تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ لِأَنَّ التَّتَبُّعَ لَهُ يَشُقُّ وَالتَّقْدِيرُ لَهُ يَتَعَذَّرُ وَحَكَى أَبُو مُحَمَّدٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 رِوَايَةً أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا حَيِيَ بِهِ الزَّرْعُ وَتَمَّ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ غَالِبَ الْأَصْلِ أَنَّ الْأَقَلَّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ كَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ إذَا اجْتَمَعَا فِي الزَّكَاةِ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَتَخَرَّجُ فِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِحَسْبِهِ. (وَتُضَمُّ الْقَطَانِيُّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْقَطَانِيُّ كُلُّهَا الْفُولُ وَالْعَدَسُ وَالْحِمَّصُ وَالْجُلْبَانُ وَاللُّوبِيَا وَمَا ثَبَتَتْ مَعْرِفَتُهُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ الْقَطَانِيِّ فَإِنَّهُ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ، فَمَنْ رَفَعَ مِنْ جَمِيعِهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَخْرَجَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ بِقَدْرِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَالتُّرْمُسُ وَالْبَسِيلَةُ مِنْ الْقَطَانِيِّ. الْبَاجِيُّ: الْبَسِيلَةُ الْكِرْسِنَّةُ. (كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَسُلْتٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ صِنْفٌ وَاحِدٌ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ وَلَا يُضَمُّ مَعَهَا غَيْرُهَا، فَمَنْ رَفَعَ مِنْ جَمِيعِهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَلْيُزَكِّ وَيُخْرِجُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ بِقَدْرِهِ (وَإِنْ بِبُلْدَانٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ كُرُومُهُ مُفْتَرِقَةً فِي بُلْدَانٍ شَتَّى جَمَعَ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَكَذَا جَمِيعُ الْمَاشِيَةِ وَالْحَبِّ (إنْ زُرِعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ حَصَادِ الْآخَرِ فَيُضَمُّ الْوَسَطُ لَهُمَا لَا أَوَّلٌ لِثَالِثٍ) صَوَّرَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا فِي الْقَطَانِيِّ فَقَالَ: مَا زُرِعَ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ بَعْدَ حَصَادِ غَيْرِهَا وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهَا فَلَا يَجْمَعُهَا مَعَهَا كَانَ زَرْعُهُ لَهَا فِي تِلْكَ الْأَرْضِ الَّتِي حَصَدَ مِنْهَا الْأُولَى أَوْ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 غَيْرِهَا لِأَنَّ مَا زُرِعَ بَعْدَ حَصَادِ الْأُولَى فَكَأَنَّهُ إنَّمَا زَرَعَهُ فِي سَنَةٍ أُخْرَى وَلَا يُضَمُّ زَرْعُ عَامٍ إلَى عَامٍ آخَرَ. وَبَيَانُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ زَرَعَ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كُلَّ شَهْرٍ صِنْفًا فَزَرَعَ فِي مُحَرَّمٍ الصِّنْفَ الْوَاحِدَ ثُمَّ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ الصِّنْفَ الثَّانِيَ ثُمَّ فِي جُمَادَى الْأُولَى الصِّنْفَ الثَّالِثَ ثُمَّ حَصَدَهَا كُلَّهَا بَعْدَ شَهْرِ جُمَادَى الْأُولَى، فَإِنَّهُ يَضُمُّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ. فَإِنْ كَمَلَ لَهُ مِنْ جَمِيعِهَا النِّصَابُ وَجَبَتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَأَخْرَجَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ بِحِسَابِهِ، وَلَوْ زَرَعَ الثَّانِيَ قَبْلَ حَصَادِ الْأَوَّلِ ثُمَّ زَرَعَ الثَّالِثَ بَعْدَ حَصَادِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ حَصَادِ الثَّانِي، يَجْمَعُ الثَّانِيَ مَعَ الْأَوَّلِ وَمَعَ الثَّالِثِ وَلَمْ يَجْمَعْ الْأَوَّلَ مَعَ الثَّالِثِ، فَإِنْ رَفَعَ مِنْ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةَ أَوْسُقٍ وَمِنْ الثَّانِي وَسَقَيْنِ فَأَكْثَرَ زَكَّى الْجَمِيعَ إنْ كَانَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَوْسُقِ بَاقِيَةً عِنْدَهُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ. ثُمَّ إنْ رَفَعَ مِنْ الثَّالِثِ ثَلَاثَةَ أَوْسُقٍ وَقَدْ كَانَ رَفَعَ مِنْ الثَّانِي وَسَقَيْنِ فَأَخْرَجَ زَكَاتَهُمَا مَعَ الْأَوَّلِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَوْسُقِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، إذْ لَا يَبْلُغُ مَا بَقِيَ مِنْ الْوَسْقَيْنِ بَعْدَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَلَوْ زَرَعَ الصِّنْفَ الثَّانِيَ قَبْلَ حَصَادِ الْأَوَّلِ ثُمَّ الصِّنْفَ الثَّالِثَ بَعْدَ حَصَادِ الثَّانِي وَقَبْلَ حَصَادِ الْأَوَّلِ إذْ مِنْ الْقَطَانِيِّ مَا يُتَعَجَّلُ وَمِنْهَا مَا يَتَأَخَّرُ لِجَمْعِ الْأَوَّلِ مَعَ الثَّانِي وَمَعَ الثَّالِثِ وَلَمْ يَجْمَعْ الثَّانِي مَعَ الثَّالِثِ، فَإِنْ رَفَعَ مِنْ الثَّانِي ثَلَاثَةَ أَوْسُقٍ انْتَظَرَ حَتَّى يَحْصُدَ الْأَوَّلَ، فَإِنْ حَصَدَ الْأَوَّلَ فَكَانَ فِيهِ وَسْقَانِ فَأَكْثَرُ وَالثَّلَاثَةُ الْأَوْسُقِ بَاقِيَةٌ بِيَدِهِ لَمْ يُنْفِقْهَا - عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ - زَكَّى الثَّلَاثَةَ الْأَوْسُقِ مَعَ هَذَيْنِ الْوَسْقَيْنِ. ثُمَّ إنْ حَصَدَ الثَّالِثَ فَبَلَغَ مَا بَقِيَ بِيَدِهِ مِنْ الْوَسْقَيْنِ اللَّذَيْنِ حَصَدَهُمَا مِنْ الْأَوَّلِ بَعْدَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى مَا حَصَدَ مِنْ الثَّالِثِ خَاصَّةً وَلَمْ يُزَكِّ مَا كَانَ بَقِيَ بِيَدِهِ مِنْ الْوَسْقَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ زَكَّاهُمَا مَعَ مَا حَصَدَ مِنْ الثَّانِي انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ زَرَعَ الثَّانِيَ قَبْلَ حَصَادِ الْأَوَّلِ ثُمَّ زَرَعَ الثَّالِثَ بَعْدَ حَصَادِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ حَصَادِ الثَّانِي وَرَفَعَ مِنْ الْجَمِيعِ سِتَّةَ أَوْسُقٍ، وَسْقَانِ وَسْقَانِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ، فَنَصُّ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ زَكَاةٌ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَكَذَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فَانْظُرْ أَنْتَ مِنْ أَيْنَ يُفْهَمُ هَذَا لِابْنِ رُشْدٍ، وَانْظُرْ لَفْظَ خَلِيلٍ مَعَ هَذَا وَعِبَارَةَ ابْنِ عَرَفَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَسَطِ مَعَ كِلَا الطَّرَفَيْنِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ نِصَابٌ وَفِيهِ عَلَى الْمَعِيَّةِ نِصَابٌ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ وَابْنُ رُشْدٍ: لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 زَكَاةَ. (لَا لِعَلَسٍ وَدُخْنٍ وَذُرَةٍ وَأَرُزٍّ وَهِيَ أَجْنَاسٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الدُّخْنُ وَالْأَرُزُّ وَالذُّرَةُ فَأَصْنَافٌ لَا يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَلَا تُضَمُّ إلَى غَيْرِهَا. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ: فِي الْأَشْقَالِيَةِ الزَّكَاةُ. أَصْبَغُ: وَهُوَ رَأْيٌ وَهُوَ يُزْرَعُ بِالْأَنْدَلُسِ يَكُونُ فِي أَكْمَامٍ كَالزَّرْعِ وَيَكُونُ عَلُوفَةً لِلْبَقَرِ، وَبِمَا احْتَاجَ إلَيْهِ طَعَامًا إذَا أُجْهِدُوا وَهِيَ حَبَّةٌ مُسْتَطِيلَةٌ مُصَوَّفَةٌ فِي طُولِ الشَّعِيرِ وَلَيْسَ عَلَى خِلْقَتِهِ وَهِيَ إلَى خِلْقَةِ السُّلْتِ وَإِلَى الْقَمْحِ فِي فَلَقِهِ أَقْرَبُ وَهِيَ صِنْفٌ كَالذُّرَةِ وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: الْأَشْقَالِيَةُ صِنْفٌ مِنْ الْقَمْحِ يُقَالُ لَهُ الْعَلَسُ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّهَا تُضَمُّ إلَى الْقَمْحِ صَوَابٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ إلَّا ابْنَ الْقَاسِمِ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: " لَا لِعَلَسٍ " هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ خِلَافًا لِقَوْلِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ وَابْنِ كِنَانَةَ وَمُخْتَارِ ابْنِ يُونُسَ. (وَالسِّمْسِمُ وَبَذْرُ الْفُجْلِ وَالْقُرْطُمِ كَالزَّيْتُونِ لَا الْكَتَّانِ) السِّمْسِمُ الْجُلْجُلَانُ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 مَالِكٌ: فِي حَبِّ الْفُجْلِ الزَّكَاةُ إذَا بَلَغَ كَيْلُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أُخِذَ مِنْ زَيْتِهِ، وَكَذَا الْجُلْجُلَانُ فَإِنْ كَانَ قَوْمٌ لَا يَعْصِرُونَ الْجُلْجُلَانَ إنَّمَا يَبِيعُونَهُ حَبًّا لَا زَيْتًا فَأَرْجُو إذَا أُخِذَ مِنْ حَبِّهِ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، الْبَاجِيُّ وَجْهُ أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ حَبِّ السِّمْسِمِ أَنَّهُ حَبٌّ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ غَالِبًا وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي الزِّرَاعَةِ وَالْبَيْعِ بِخِلَافِ الزَّيْتُونِ فَإِنَّهُ لَا يُزْرَعُ وَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ غَالِبًا. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَحَبُّ الْقُرْطُمِ الْعُصْفُرِ كَذَلِكَ وَهُوَ مِثْلُ الزَّيْتُونِ إذَا بَلَغَ حَبُّهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ زُكِّيَ لِأَنَّ زَيْتَهُ إدَامٌ يُقْتَاتُ بِهِ. ابْنُ يُونُسَ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ فِي حَبِّ الْقُرْطُمِ الزَّكَاةَ وَلَا زَكَاةَ فِي بَذْرِ الْكَتَّانِ وَلَا فِي زَيْتِهِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي حَبِّ الْقُرْطُمِ. وَانْظُرْ قَوْلَهُ: " كَالزَّيْتُونِ " أَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يَذْكُرَ مَا فِيهِ الزَّكَاةَ أَوْ مَا يُعَدُّ جِنْسًا وَاحِدًا وَهَذَا هُوَ الْأَلْيَقُ هُنَا لِأَنَّهُ أَوَّلَ الْفَصْلِ ذَكَرَ مُتَعَلِّقَ الزَّكَاةِ فَقَالَ: مِنْ حَبٍّ وَتَمْرٍ مُنَقَّى وَزَيْتِ مَا لَهُ زَيْتٌ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: الزُّيُوتُ أَصْنَافٌ لَا يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فَإِذَا أَصَابَ مِنْ الزَّيْتُونِ ثَلَاثَةَ أَوْسُقٍ وَمِنْ الْجُلْجُلَانِ وَسْقَيْنِ لَمْ تَجِبْ فِي ذَلِكَ زَكَاةٌ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُتَبَايِنَةٌ وَالتَّفَاضُلُ بَيْنَهَا جَائِزٌ انْتَهَى. اُنْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْحُلْبَةِ وَفِي التَّفْرِيعِ وَالْمُخْتَصَرِ لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَانْظُرْ مَا يُجْنَى مِنْ الْجِبَالِ وَغَيْرِهَا مِنْ الزَّيْتُونِ وَالْعِنَبِ مِمَّا لَا مَالِكَ لَهُ قَالَ اللَّخْمِيِّ: لَا زَكَاةَ فِيهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ وَخَدَمَهُ وَأَحْيَاهُ زَكَّى مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 يَجْنِي بَعْدَ ذَلِكَ لِتَمَلُّكِهِ لَهُ بِالْإِحْيَاءِ (وَحُسِبَ قِشْرُ الْأُرْزِ وَالْعَلَسِ) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " مُنَقَّى " (وَمَا تَصَدَّقَ بِهِ وَاسْتَأْجَرَ وَقَتًّا لَا أَكْلُ دَابَّةٍ فِي دَرْسِهَا) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا أَكَلَ النَّاسُ مِنْ زُرُوعِهِمْ وَمَا يَسْتَأْجِرُونَ بِهِ مِثْلُ الْقَتِّ الَّتِي تُعْطَى مِنْهَا حَمْلُ الْحِمْلِ بِقَتَّةٍ. قَالَ: أَرَى أَنْ يَحْسِبُوا كُلَّ مَا أَكَلُوا أَوْ اسْتَجْمَلُوا بِهِ فَيُحْسَبُ عَلَيْهِمْ فِي الْعُشُورِ، وَأَمَّا مَا أَكَلَتْ الدَّوَابُّ وَالْبَقَرُ إذَا كَانَتْ فِي الدَّرْسِ فَلَا أَرَى فِيهِ شَيْئًا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الزَّرْعَ إذَا أَفْرَكَ نُقِدَ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 حَبًّا مُصَفًّى تَكُونُ النَّفَقَةُ فِي ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ، فَعَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ أَنْ يَحْسُبَ كُلَّ مَا أَكَلَ مِنْهُ أَوْ عَلَفَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ بِهِ فِي عَمَلِهِ لِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي عَمَلِهِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكَذَلِكَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ يَسِيرًا تَافِهًا لَا قَدْرَ لَهُ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْسُبَهُ مِنْ زَكَاتِهِ إذَا نَوَى بِهِ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ أَوْ أَعْطَاهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فِي تَطَوُّعٍ وَلَا زَكَاةٍ انْتَهَى. رَاجِعْ هُنَا مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " إنْ سُقِيَ بِآلَةٍ " وَانْظُرْ مَا يُعْطِيهِ لِلشُّرْطَةِ وَخَدَمَةِ السُّلْطَانِ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: لَا زَكَاةَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجَائِحَةِ. (وَالْوُجُوبُ بِإِفْرَاكِ الْحَبِّ وَطِيبِ الثَّمَرِ) . اللَّخْمِيِّ: الزَّكَاةُ تَجِبُ عِنْدَ مَالِكٍ بِالطِّيبِ فَإِذَا أَزْهَى النَّخْلُ وَطَابَ الْكَرْمُ وَحَلَّ بَيْعُهُ أَوْ أَفْرَكَ الزَّرْعُ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ وَاسْوَدَّ الزَّيْتُونُ أَوْ قَارَبَ الِاسْوِدَادَ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُمْ وَالْوُجُوبُ إذَا أَفْرَكَ الزَّرْعُ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِمَالِكٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَفُولٍ أَخْضَرَ " هَلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 بَيْنَهُمَا تَعَارُضٌ؟ . (فَلَا شَيْءَ عَلَى وَارِثٍ قَبْلَهُمَا لَمْ يَصِرْ لَهُ نِصَابٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ مَاتَ وَقَدْ أَزْهَى حَائِطُهُ وَطَابَ كَرْمُهُ وَأَفْرَكَ زَرْعُهُ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ وَقَدْ خُرِصَ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَوْ مَا لَمْ يَخْرُصْ، فَزَكَاةُ ذَلِكَ عَلَى الْمَيِّتِ إنْ بَلَغَ مَا فِيهِ الزَّكَاةَ. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِزْهَاءِ وَالطِّيبِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَالزَّكَاةُ عَلَى مَنْ بَلَغَتْ حِصَّتَهُ مِنْ الْوَرَثَةِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ دُونَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّتُهُ ذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ مَاتَ وَقَدْ أَوْصَى بِزَكَاةِ زَرْعِهِ الْأَخْضَرِ قَبْلَ طِيبِهِ أَوْ بِثَمَرِ حَائِطِهِ قَبْلَ طِيبِهِ فَهِيَ وَصِيَّةٌ مِنْ الثُّلُثِ غَيْرَ مُبْدَأَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 إذْ لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَا تُسْقِطُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ زَكَاةَ مَا بَقِيَ لَهُمْ لِأَنَّهُ كَرَجُلٍ اسْتَثْنَى عُشْرَ زَرْعِهِ لِنَفْسِهِ وَمَا بَقِيَ فَلِلْوَرَثَةِ. فَإِنْ كَانَ فِي حَظِّ كُلِّ وَارِثٍ وَحْدَهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ: وَإِنْ كَانَ فِي الْعُشْرِ الَّذِي أَوْصَى بِهِ لِلْمَسَاكِينِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرُ زَكَّاهُ الْمُصَدِّقُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ لِكُلِّ مِسْكِينٍ إلَّا مُدٌّ إذْ لَيْسُوا بِأَعْيَانِهِمْ وَهُمْ كَمَالِكٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَرْجِعُ الْمَسَاكِينُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِمَا أَخَذَ مِنْهُمْ الْمُصَدِّقُ وَإِنْ حَمَلَ ذَلِكَ الثُّلُثَ لِأَنَّهُ كَشَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَوْصَى لَهُمْ بِهِ. فَاسْتُحِقَّ هُوَ أَوْ بَعْضُهُ. . (وَالزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ بَعْدَهُمَا) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي زَرْعِ الْحِنْطَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ يَبِيعُهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ أَنْ يَيْبَسَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 وَيُسْتَحْصَدَ وَهُوَ قَائِمٌ قَبْلَ أَنْ يَحْصُدَهُ. فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمَنَ مِنْ الْمُبْتَاعِ عَلَيْهِ، فَإِذَا فَرَغَ وَكَالَهُ أَخْبَرَهُ بِمَا وَجَدَ فِيهِ فَأَخْرَجَ الْبَائِعُ زَكَاةَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَحَفَّظَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُعْلَمَ مَا خَرَجَ مِنْهُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الزَّرْعَ إذَا أَفْرَكَ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ فَقَدْ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ الثَّمَرَةُ إذَا أَزْهَتْ فَإِذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ فَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا، وَلَهُ أَنْ يَأْمَنَ الْمُبْتَاعَ فِي مَبْلَغِ مَا دَفَعَ فِيهِ إنْ كَانَ مَأْمُونًا وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَخَّى قَدْرَ ذَلِكَ وَيَزِيدَ لِيَسْلَمَ. قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهُوَ صَحِيحٌ، كَمَنْ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ ضَيَّعَهَا لَا يَعْرِفُ مَبْلَغَهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي حَتَّى لَا يَشُكَّ أَنَّهُ قَدْ قَضَى أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهِ. (إلَّا أَنْ يُعْدِمَ فَعَلَى الْمُشْتَرِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ مِنْ الْبَائِعِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُبْتَاعِ إلَّا إنْ أُعْدِمَ الْبَائِعُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ وَوَجَدَ الْمُصَدِّقُ الطَّعَامَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْهُ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِقَدْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي. ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الزَّكَاةَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْمَسَاكِينِ ثَابِتًا فِي عَيْنِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَوْلُ الْغَيْرِ هُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ لَهُ جَائِزًا. وَاخْتَارَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَهُوَ بَعِيدٌ إذْ لَوْ بَاعَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لَا تَبِعَ الْمُشْتَرِيَ بِالزَّكَاةِ مَلِيًّا كَانَ الْبَائِعُ أَوْ مُعْدِمًا. (وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنِ بِجُزْءٍ لَا الْمَسَاكِينِ أَوْ بِكَيْلٍ فَعَلَى الْمَيِّتِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَوْصَى بِزَكَاةِ زَرْعِهِ قَبْلَ طِيبِهِ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ كَانَ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ مَعَهُمْ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ يَوْمَ مَاتَ الْمَيِّتُ وَالزَّرْعُ أَخْضَرُ وَالْمَسَاكِينُ لَا يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ وَسَقْيِهِ وَعَمَلِهِ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ حَتَّى يَقْبِضُونَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُوصَى لَهُ مُعَيَّنًا قَبْلَ وُجُوبِهَا كَوَارِثٍ وَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ. وَفِيهَا لَوْ أَوْصَى بِزَكَاتِهِ زُكِّيَتْ وَلَوْ صَارَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَسْتَحِقُّونَهَا بَعْدَ يُبْسِهَا. ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: وَنَفَقَةُ حَظِّ الْمَسَاكِينِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ. الشَّيْخُ: مِنْ الثُّلُثِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَالْعَرِيَّةُ عَلَى مُعَيَّنِينَ كَالصَّدَقَةِ. (وَإِنَّمَا يُخْرَصُ الثَّمَرُ وَالْعِنَبُ إذَا حَلَّ بَيْعُهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُخْرَصُ إلَّا الْعِنَبُ وَالثَّمَرُ لِلْحَاجَةِ إلَى أَكْلِهِمَا رَطْبَيْنِ وَيُخْرَصُ الْكَرْمُ عِنَبًا إذَا طَابَ وَحَلَّ بَيْعُهُ، وَالنَّخْلُ إذَا أَزْهَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 وَطَابَتْ وَحَلَّ بَيْعُهَا لَا قَبْلَ ذَلِكَ (وَاخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِمَا) إنَّمَا هَذَا شَرْطٌ فِي الْقِسْمَةِ وَأَمَّا هُنَا فَمَا شَرَطَ أَحَدٌ هَذَا وَإِنْ كَانَ الْخَرْصُ - كَمَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ. مِنْ أَجْلِ أَنْ يَأْكُلُوهُ كَيْفَ شَاءُوا رَطْبًا وَغَيْرَهُ فَقَدْ صَارَ حُكْمًا مُطَّرِدًا كَالْأَحْكَامِ الَّتِي تُضْبَطُ بِالْمَظِنَّةِ فَإِنَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ تَطَّرِدُ لَكِنْ حَكَى ابْنُ بَشِيرٍ قَوْلَيْنِ فِي خَرْصِ غَيْرِ الثَّمَرِ وَالْعِنَبِ إذَا احْتَاجَ أَهْلُهُ لِأَكْلِهِ (نَخْلَةً نَخْلَةً بِإِسْقَاطِ نَقْصِهَا) الْبَاجِيُّ: صِفَةُ الْخَرْصِ أَنْ يَخْرُصَ الْحَائِطُ نَخْلَةً نَخْلَةً فَإِذَا كَمُلَ خَرْصُهُ أَضَافَ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ قَالَهُ مَالِكٌ. وَمَعْنَى الْخَرْصِ أَنْ يُحْزَرَ مَا يَكُونُ فِي هَذِهِ النَّخْلَةِ مِنْ التَّمْرِ الْيَابِسِ عِنْدَ الْجِذَاذِ، فَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ التَّمْرِ وَجِنْسِهِ وَمَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَصِيرُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِثْمَارِ. فَإِنْ كَانَ لَا يُتْمِرُ فَإِنَّهُ يَخْرُصُهَا عَلَى مَا كَانَ يَكُونُ فِيهَا لَوْ كَانَتْ تَنْمُو. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُخْرَصُ الْعِنَبُ يُقَالُ فِي هَذَا الْكَرْمِ مِنْ الْعِنَبِ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ يُقَالُ مَا يَنْقُصُ هَذَا الْعِنَبُ إذَا تَزَبَّبَ وَمَا يَبْلُغُ إذَا كَانَ زَبِيبًا، فَإِنْ بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أُخِذَ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَلِكَ النَّخْلُ (لَا سَقَطِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَتْرُكُ الْخُرَّاصُ لِأَصْحَابِ الثِّمَارِ مِمَّا يَخْرُصُونَ شَيْئًا لِمَكَانِ الْأَكْلِ وَالْفَسَادِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُخَفَّفُ عَنْهُمْ كَذَلِكَ «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِالتَّخْفِيفِ لِلْوَاطِئَةِ وَالسَّاقِطَةِ وَاللَّاقِطَةِ وَمَا يَنَالُ الْعِيَالُ» . ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ. (وَكَفَى الْوَاحِدُ) الْبَاجِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يُرْسِلَ الْخَارِصُ الْوَاحِدَ لِأَنَّ الْخَارِصَ حَاكِمٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَكُونُ إلَّا عَدْلًا عَارِفًا. (وَإِنْ اخْتَلَفُوا فَالْأَعْرَفُ وَإِلَّا فَمِنْ كُلٍّ جُزْءٌ) . ابْنُ بَشِيرٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 الرِّوَايَةُ إذَا خَرَصَ ثَلَاثَةٌ فَاخْتَلَفُوا أُخِذَ ثُلُثُ مَا يَقُولُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَهَذَا إذَا تَسَاوَوْا فِي الْمَعْرِفَةِ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفُوا فَيُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْأَعْرَفِ مِنْهُمْ. ابْنُ عَرَفَةَ: رَوَى سَحْنُونَ إذَا اخْتَلَفَ ثَلَاثَةٌ زُكِّيَ ثُلُثُ مَجْمُوعِ مَا قَالُوا. (فَإِنْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اُعْتُبِرَتْ) . الْبَاجِيُّ: إنْ أَصَابَتْ الثَّمَرَةَ جَائِحَةٌ أَحَاطَتْ بِهَا قَبْلَ الْخَرْصِ فَلَا زَكَاةَ وَلَا خَرْصَ، وَإِنْ أَصَابَتْهَا بَيْنَ الْخَرْصِ وَالْجِذَاذِ ظَلَّ حُكْمُ الْخَرْصِ وَسَقَطَتْ الزَّكَاةُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْخَرْصِ بِشَرْطِ وُصُولِ الثَّمَرَةِ إلَى أَرْبَابِهَا. اللَّخْمِيِّ: إنْ أُجِيحَ بَعْضُ الثِّمَارِ بَعْدَ الْخَرْصِ زَكَّى عَنْ الْبَاقِي إنْ كَانَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ ثَمَرَةِ نَخْلٍ بِيعَ وَفِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَقَدْ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ فَإِنْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ نَقَصَتْهُ عَنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَتْ الْجَائِحَةُ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ حَتَّى لَزِمَ الْبَائِعَ أَنْ يَضَعَ ذَلِكَ عَنْ الْمُشْتَرِي سَقَطَتْ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ تَسْقُطْ لِأَنَّهُ بَاعَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَلَمْ يُرِدْ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا لِلْجَائِحَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ مَا تَلِفَ مِنْهُ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ إنْ كَانَ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي. (وَإِنْ زَادَتْ عَلَى تَخْرِيصِ عَارِفٍ فَالْأَحَبُّ الْإِخْرَاجُ وَهَلْ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ الْوُجُوبِ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ خُرِصَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَوْسُقٍ فَرَفَعَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَحْبَبْتُ لَهُ أَنْ يُزَكِّيَ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: لَفْظَةُ " أَحْبَبْتُ " هَاهُنَا عَلَى الْإِيجَابِ وَهُوَ صَوَابٌ كَالْحَاكِمِ يَحْكُمُ بِحُكْمٍ ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّهُ خَطَأٌ صُرَاحٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: عَلَى هَذَا حَمَلَهَا الْأَكْثَرُ، وَحَمَلَهَا ابْنُ رُشْدٍ وَعِيَاضٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. (وَأُخِذَ مِنْ الْحَبِّ كَيْفَ كَانَ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُؤْخَذُ مِنْ الْحَبِّ كَيْفَ كَانَ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ فَمِنْ كُلٍّ بِقَدْرِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 اُنْظُرْ النُّصُوصَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَتُضَمُّ الْقَطَانِيُّ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " كَقَمْحٍ " (كَالتَّمْرِ نَوْعًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ الْحَائِطُ صِنْفًا وَاحِدًا مِنْ أَعْلَى التَّمْرِ أَوْ أَدْنَاهُ أُخِذَ مِنْهُ (أَوْ نَوْعَيْنِ) . ابْنُ شَاسٍ: إنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ عَلَى صِنْفَيْنِ أُخِذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِقِسْطِهِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْأَكْثَرِ (وَإِلَّا فَمِنْ أَوْسَطِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ الْحَائِطُ أَجْنَاسًا مِنْ التَّمْرِ أُخِذَ مِنْ أَوْسَطِهَا. الْبَاجِيُّ: يَلْزَمُ أَنْ يُقَالَ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مِثْلُ هَذَا. ابْنُ شَاسٍ. [زَكَاةُ النَّقْدَيْنِ] النَّوْعُ الثَّالِثُ زَكَاةُ النَّقْدَيْنِ (وَفِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَرْعِيٍّ) ابْنُ بَشِيرٍ: لَا خِلَافَ أَنَّ نِصَابَ الْوَرِقِ مِائَتَا دِرْهَمٍ شَرْعِيٍّ. اُنْظُرْ فِي قَوَانِين ابْنِ جُزَيٍّ قَدْرَ النِّصَابِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْأَنْدَلُسِيَّةِ (أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا) أَبُو مُحَمَّدٍ: اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ أَنْ لَا زَكَاةَ مِنْ الذَّهَبِ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا وَإِنَّ فِي الْعِشْرِينَ نِصْفَ دِينَارٍ (فَأَكْثَرَ) الرِّسَالَةُ: فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ وَإِنْ قَلَّ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ. (أَوْ مُجَمَّعٍ مِنْهُمَا بِالْجُزْءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُجْمَعُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فِي الزَّكَاةِ وَمَضَى أَنَّ صَرْفَ دِينَارِ الزَّكَاةِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. فَمَنْ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ أَوْ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَتِسْعَةُ دَنَانِيرَ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَيُخْرِجُ رُبْعَ عُشْرِ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا، وَمَنْ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَتِسْعَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِي هَذَا الْعَدَدِ إذَا تَكَافَأَ كُلُّ دِينَارٍ بِعَشَرَةٍ قَلَّتْ الدَّنَانِيرُ أَوْ كَثُرَتْ انْتَهَى. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: يُضَمُّ جُزْءُ نِصَابِ أَحَدِهِمَا لِكُلِّ الْآخَرِ أَوْ جُزْئِهِ وَانْظُرْ نِصَابَ دَرَاهِمِنَا الَّتِي هِيَ الْأُوقِيَّةُ مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا عَلَى مُقْتَضَى مَا قَرَّرَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي قَوَانِينِهِ يَكُونُ النِّصَابُ مِائَةَ مِثْقَالٍ وَسِتَّةً وَسَبْعِينَ مِثْقَالًا، وَأَمَّا الذَّهَبُ فَهُوَ عَلَى وَزْنِهِ النِّصَابُ نَحْوُ سَبْعَةَ عَشَرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 عَيْنًا (رُبْعُ الْعُشْرِ) هَذَا هُوَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: " وَفِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ " وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: يُخْرِجُ رُبْعَ عُشْرِ كُلِّ صِنْفٍ. (وَإِنْ لِطِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالْيَتَامَى فِي الْعَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ وَفِيمَا يُدِيرُونَ لِلتِّجَارَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْمَجَانِينُ عِنْدِي وَبِمَنْزِلَةِ الصِّبْيَانِ. (أَوْ نَقَصَتْ أَوْ بِرَدَاءَةِ أَصْلٍ أَوْ إضَافَةٍ وَرَاجَتْ كَكَامِلَةٍ وَإِلَّا حُسِبَ الْخَالِصُ) ابْنُ عَرَفَةَ: نَقَصَ عَدَدُ النِّصَابِ أَوْ وَزْنُ آحَادِهِ إنْ كَثُرَ وَلَمْ تَجُزْ كَوَازِنَةِ مُسْقِطٍ لِلزَّكَاةِ اتِّفَاقًا. وَإِنْ جَازَتْ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ: مَنْ لَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا انْتَقَصَ نُقْصَانًا وَتَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ فِي نُقْصَانِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَذَلِكَ أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَوَازِينُ. وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: إذَا نَقَصَتْ نُقْصَانًا بَيِّنًا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا أَنْ تَجُوزَ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ. قِيلَ: فَلَوْ نَقَصَ مِنْ كُلِّ دِينَارٍ ثَلَاثُ حَبَّاتٍ؟ قَالَ: فِيهَا الزَّكَاةُ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ لَمْ تَنْقُصْ فِي الْعَدَدِ وَنَقَصَتْ فِي الْوَزْنِ أَقَلَّ مِمَّا ذَكَرْنَا أَوْ أَكْثَرَ وَهِيَ تَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ بِالْبَلَدِ فُرَادَى فَفِيهَا الزَّكَاةُ. ابْنُ يُونُسَ: مَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَشْبَهُ لِلْحَدِيثِ وَهَذَا أَحْوَطُ لِلزَّكَاةِ، وَوَجْهُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ ثُمَّ وَجْهُ مَا فِي غَيْرِهِ أَنَّهَا وَإِنْ نَقَصَتْ كَثِيرًا وَكَانَتْ تَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ فَقَدْ صَارَ لَهَا حُكْمُ الْوَازِنَةِ فِي الِاسْمِ وَالْمَنْفَعَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَجُوزُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 التَّفَاضُلُ فِي خُبْزِ الْأُرْزِ بِخُبْزِ الْقُطْنِيَّةِ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي الِاسْمِ وَتَقَارُبِهِمَا فِي الْمَنْفَعَةِ وَجَعَلُوا حُكْمَهُمَا وَاحِدًا وَكَانَ أَصْلُهَا مُخْتَلِفًا يَجُوزُ فِيهِ التَّفْصِيلُ انْتَهَى. فَظَاهِرُ إطْلَاقِ خَلِيلٍ: " أَوْ نَقَصَتْ " أَنَّهُ شَهَرَ خِلَافَ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ وَبَنَى عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَقَدْ وَجَّهَهُ ابْنُ يُونُسَ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيِّ. وَيَظْهَرُ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَانْظُرْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ تَكُونُ النَّاقِصَةُ وَالْوَازِنَةُ يَجْرِيَانِ جَرَيَانًا وَاحِدًا، وَأَمَّا لَوْ صَارَتْ الدَّرَاهِمُ كُلُّهَا نَاقِصَةً فَالْوَاجِبُ أَنْ تُرَاعَى فِي نَفْسِهَا بِالْمِعْيَارِ الْمُقَدَّرِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ أَنْ تَنْظُرَ كَمْ زِنَةُ الدِّرْهَمِ مِنْهَا مِنْ حَبِّ الشَّعِيرِ وَتَحْفَظَهُ ثُمَّ تَضْرِبَ مِائَتَيْ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيَّةِ فِي خَمْسِينَ حَبَّةً وَخُمُسِ حَبَّةٍ تَقْسِمُ الْخَارِجَ عَلَى عَدَدِ حَبَّاتِ دِرْهَمِك، وَالْخَارِجُ هُوَ النِّصَابُ. وَكَذَا اُتُّفِقَ فِي زَمَانِنَا حِينَ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ ضَرْبَ سَبْعِينَ فِي الْأُوقِيَّةِ. وَالنِّصَابُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ جُزَيٍّ فِي قَوَانِينِهِ، فَلَمَّا رُدَّتْ ثَمَانِينَ فِي الْأُوقِيَّةِ بَقِيَ السِّعْرُ عَلَى مَا كَانَ وَصَارَتْ تَجْرِي مَجْرَى السَّبْعِينِيَّةِ. وَلَكِنْ أَفْتَى الْأَشْيَاخُ أَنْ يَرْجِعَ النِّصَابُ بِزِيَادَةِ الْبَيْعِ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ جُزَيٍّ. وَانْظُرْ خَامِسَ مَسْأَلَةٍ مِنْ أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ مِنْ الصَّرْفِ فِي الْمُعَامَلَةِ بِالدَّرَاهِمِ النَّاقِصَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: " أَوْ بِرَدَاءَةِ أَصْلٍ قُبِضَ ". ابْنُ عَرَفَةَ: رَدِيءُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِرَدَاءَةِ مَعْدِنِهِ لَا لِنَقْصِ تَصْفِيَتِهِ كَخَالِصٍ انْتَهَى. وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَ خَلِيلٍ: " وَرَاجَتْ كَكَامِلَةٍ ". شَرْطٌ فِي النَّاقِصَةِ وَفِي الْمُضَافَةِ وَلَا يَصِحُّ فِي الرَّدِيئَةِ مِنْ الْمَعْدِنِ، فَإِقْحَامُهُ: " أَوْ بِرَدَاءَةِ أَصْلٍ " بَيْنَ النَّاقِصَةِ وَالْمُضَافَةِ مُشْكِلٌ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالرَّدِيئَةُ لِنَقْصِ التَّصْفِيَةِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: لَا نَصَّ وَأَرَى إنْ قَلَّ وَجَرَى كَخَالِصٍ بِمِثْلِهِ وَإِلَّا اُعْتُبِرَ خَالِصُهُ فَقَطْ انْتَهَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " أَوْ إضَافَةٍ " فَقَالَ الْبَاجِيُّ: مَا أُضِيفَ لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنْ كَانَ لِضَرُورَةِ الضَّرْبِ فَكَخَالِصٍ. الْقَاضِي: كَدَانَقٍ فِي عَشَرَةٍ. وَإِنْ كَثُرَ فَالْمُعْتَبَرُ خَالِصُهُ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: إنْ شَابَ الدَّرَاهِمَ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا فَانْظُرْ فَإِنْ كَانَ قَدْرًا يَسِيرًا مُسْتَهْلَكًا فِي الْفِضَّةِ فَالزَّكَاةُ بِحَالِهَا وَاجِبَةٌ فِيهَا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا شَابَهَا، وَإِنْ كَانَ الَّذِي خَالَطَهَا جُزْءٌ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ فَلَا تَجُوزُ الزَّكَاةُ حِينَئِذٍ إلَّا بَعْدَ اعْتِبَارِ مَا فِي الدِّرْهَمِ مِنْ الْوَزْنِ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ هَكَذَا أَشْبَهَتْ الْحُلِيَّ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْمَنْظُومِ بِالْجَوَاهِرِ وَالْخَرَزِ، فَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ دُونَ مَا خَالَطَهُمَا، وَكَذَلِكَ الِاعْتِبَارُ فِي مِقْدَارِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَمَبْلَغِ الصَّدَاقِ. قَالَ: وَأَمَّا الْفِضَّةُ السَّوْدَاءُ وَالْبَيْضَاءُ وَالرَّدِيءُ وَالْجَيِّدُ مِنْهَا وَمِنْ الذَّهَبِ فَسَوَاءٌ، كَمَا أَنَّ رَدِيءَ التَّمْرِ وَرَفِيعَهُ سَوَاءٌ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْأَصَحُّ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ أَوْ الذَّهَبُ مَشُوبَيْنِ بِنَجَاسَةٍ أَنَّهُ لَا يُرَاعَى إلَّا الْخَالِصُ وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ غَيْرَ خَالِصَةٍ مُخْتَلِطَةً بِالنُّحَاسِ مِثْلَ الدَّرَاهِمِ الْجَارِيَةِ الْيَوْمَ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى وَزْنِ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ وَقِيمَةِ مَا فِيهَا مِنْ النُّحَاسِ وَيَخْتَلِفُ هَلْ تُقَوَّمُ السِّكَّةُ وَأَنْ تُقَوَّمَ أَبْيَنُ. انْتَهَتْ نُصُوصُ الْأَشْيَاخِ فَانْظُرْهَا أَنْتَ مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ (إنْ تَمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 الْمِلْكُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَمُلَا ". (وَحَوْلُ غَيْرِ الْمَعْدِنِ) ابْنُ رُشْدٍ: وَشَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ تَمَامُ الْحَوْلِ وَهُوَ فِي الْعَيْنِ مُضِيُّ عَامٍ. التَّلْقِينُ: الْحَوْلُ يَخُصُّ مَا سِوَى الْمَعْدِنِ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. (وَتَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِهِ فِي مُودَعَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: رِوَايَةُ ابْنِ نَافِعٍ لَا زَكَاةَ فِي الْوَدِيعَةِ حَتَّى تُقْبَضَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 فَتُزَكَّى لِعَامٍ وَاحِدٍ إغْرَاقٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَعَلَّهُ يُرِيدُ تَضِيعُ ثُمَّ تَرْجِعُ. (وَمُتَّجَرٍ فِيهَا بِأَجْرٍ) . ابْنُ رُشْدٍ: إذَا بَعَثَ الْمُدِيرُ مِنْ مَالِهِ بِضَاعَةً وَجَاءَ شَهْرُ زَكَاتِهِ قَوَّمَ الْبِضَاعَةَ وَزَكَّاهَا مَعَ مَالِهِ إنْ عَلِمَ قَدْرَهَا أَوْ قَدْرَ أَنْ يَتَوَخَّاهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ أَخَّرَ زَكَاتَهَا حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا الَّذِي هِيَ عِنْدَهُ، وَيُخْبِرَهُ بِهَا فَيُزَكِّيهَا لِمَا مَضَى مِنْ الْأَعْوَامِ بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّهَا مَالُهُ ضَمَانُهَا مِنْهُ وَرِبْحُهَا لَهُ. (لَا مَغْصُوبَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ: أَنَّ الدَّيْنَ مِنْ الْغَصْبِ يُزَكِّيهِ زَكَاةً وَاحِدَةً سَاعَةَ يَقْبِضُهُ كَدَيْنِ الْقَرْضِ يُزَكِّيهِ غَيْرُ الْمُدِيرِ إذَا قَبَضَهُ زَكَاةً وَاحِدَةً لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْمَالُ الْمَغْصُوبُ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ حِينَ غَصَبَهُ فَعَلَى الْغَاصِبِ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا يَكُونُ فِيهِ عَلَى سَيِّدِهِ الزَّكَاةُ كُلُّهَا إلَّا سَنَةً وَاحِدَةً. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ غُصِبَتْ مَاشِيَتُهُ فَرُدَّتْ إلَيْهِ بَعْدَ أَعْوَامٍ فَلْيُزَكِّهَا لِعَامٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ أَيْضًا هُوَ وَأَشْهَبُ: لِكُلِّ عَامٍ مَضَى إلَّا أَنْ يَكُونَ السُّعَاةُ قَدْ زَكَّتْهَا كُلَّ عَامٍ. ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ أَنَّ الْمَاشِيَةَ كَالثَّمَرَةِ يُزَكِّيهَا لِكُلِّ عَامٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ السُّعَاةُ قَدْ زَكَّتْهَا وَلَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 يَخْتَلِفُوا فِي الثَّمَرَةِ تُرَدُّ إلَيْهِ أَنَّهُ يُزَكِّيهَا كُلَّ عَامٍ. (وَمَدْفُونَةٍ وَضَائِعَةٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا دَفَنَ الرَّجُلُ بِضَاعَةً لَهُ فَضَلَّ عَنْهُ مَوْضِعُهَا فَلَمْ يَجِدْهَا سِنِينَ ثُمَّ وَجَدَهَا فَإِنَّهُ يُزَكِّيهَا لِكُلِّ سَنَةٍ مَضَتْ، وَإِذَا وَجَدَ لُقَطَةً لَهُ سَقَطَتْ مِنْهُ فَوَجَدَهَا بَعْدَ سِنِينَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: فُرِّقَ فِي هَذِهِ الرَّاوِيَةِ بَيْنَ الْمَالِ الْمَدْفُونِ وَاللُّقَطَةِ وَرَدَّ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَلَى الْمَالِ الْمَدْفُونِ إلَى اللُّقَطَةِ فَلَمْ يُوجِبْ الزَّكَاةَ فِيهِمَا جَمِيعًا إلَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 لِعَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي النَّظَرِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَحْرِيكِ مَالِهِ وَتَنْمِيَتِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا (وَمَدْفُوعَةٍ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلْعَامِلِ بِالضَّمَانِ) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ أَعْطَى رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ وَقَالَ لَهُ اتَّجِرْ فِيهَا وَلَك رِبْحُهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْك فِيهَا، فَلَيْسَ عَلَى الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ وَلَا عَلَى الَّذِي هِيَ لَهُ زَكَاتُهَا حَتَّى يَقْبِضَهَا فَيُزَكِّيَهَا زَكَاةً وَاحِدَةً لِسَنَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهَا مِمَّنْ يُدِيرُ فَيُزَكِّيهَا مَعَ مَالِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا عَلَى حَالِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ فِي هَذَا وَلَمَّا لَمْ تَدْخُلْ فِي ضَمَانِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا بِخِلَافِ السَّلَفِ وَمَا أَوْجَبَ صَاحِبُهَا رِبْحَهَا لِغَيْرِهِ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُحَرِّكَهَا لِنَفْسِهِ فَأَشْبَهَتْ اللُّقَطَةَ الَّتِي سَقَطَتْ عَنْهُ زَكَاتُهَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى تَحْرِيكِهَا. (وَلَا زَكَاةَ فِي عَيْنٍ فَقَطْ وُرِثَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تَسْتَقْبِلُ الْمَرْأَةُ بِصَدَاقِهَا حَوْلًا مِنْ يَوْمِ تَقْبِضُهُ كَانَ عَيْنًا أَوْ مَاشِيَةً مَضْمُونَةً، وَكَذَلِكَ عَلَى دَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ وَإِنْ قَبَضَتْهَا بَعْدَ أَحْوَالٍ لِأَنَّهُ كَانَ فَائِدَةً وَضَمَانُهَا كَانَ مِنْ الزَّوْجِ فَأَمَّا مَاشِيَةً بِعَيْنِهَا أَوْ نَخْلًا بِعَيْنِهَا فَأَثْمَرَتْ فَزَكَاتُهَا عَلَيْهَا أَتَى الْحَوْلُ وَهِيَ عِنْدَ الزَّوْجِ أَوْ عِنْدَهَا لِأَنَّ ضَمَانَهَا مِنْهَا، وَلَوْ قَبَضَتْ ذَلِكَ بَعْدَ الْحَوْلِ زَكَّتْهُ مَكَانَهَا وَلَمْ تُؤَخِّرْهُ، وَكَذَا مَا وَرِثَهُ وَارِثٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ مِنْ نَخْلٍ أَوْ كَرْمٍ فَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ أَعْوَامٍ فَالْمُصَدِّقُ يَأْخُذُ لِذَلِكَ كُلَّ عَامٍ. وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ الْأَخْضَرُ يَرِثُهُ يُزَكِّي يَوْمَ حَصَادِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي دَارَ الْقَوْمِ وَرِثُوهَا وَأَوْقَفَ ثَمَنَهَا حَتَّى يُقَسَّمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ قَبَضُوهَا بَعْدَ أَعْوَامٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ فِيهِ إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ قَبَضُوهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ وَرِثَ مَالًا بِمَكَانٍ بَعِيدٍ فَقَبَضَهُ بَعْدَ سِنِينَ فَلَا يُزَكِّيهِ إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ. (إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا) لَيْسَ هَذَا بِالْمَشْهُورِ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ وَرِثَ مَالًا بِمَكَانٍ بَعِيدٍ فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِ رَسُولًا بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ فَقَبَضَهُ يَعْنِي بَعْدَ أَعْوَامٍ حُسِبَ لَهُ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ قَبْضِ رَسُولِهِ فَيُزَكِّيهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَقَوْلُهُ: " إنْ قَبَضَهُ رَسُولُهُ بَعْدَ أَعْوَامٍ فَحَوْلُهُ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ " يَدُلُّ عَلَى لَغْوِ عِلْمِهِ بِهِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ مَالٌ مَوْرُوثٌ لَمْ يَصِلْ إلَى يَدِ وَارِثِهِ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُ الْعَيْنَ، أَصْلُهُ ثَمَنُ الْعَرْضِ الْمَوْرُوثِ لِأَنَّ الْعَرْضَ الْمَوْرُوثَ كَمَا لَمْ يُقْبَضْ مِنْ الْعَيْنِ الْمَوْرُوثِ، وَقَبْضُ ثَمَنِ الْعَرْضِ كَقَبْضِ الْعَيْنِ الْمَوْرُوثِ كَمَا أَنَّ عَرْضَ التِّجَارَةِ كَدَيْنِ التِّجَارَةِ، وَقَبْضُ ثَمَنِ عَرْضِ التِّجَارَةِ كَقَبْضِ دَيْنِ التِّجَارَةِ فَكَذَلِكَ الْمِيرَاثُ. (أَوْ لَمْ تُوقَفْ) ابْنُ يُونُسَ: إنْ وَرِثَ مَالًا يَعْنِي بِمَكَانٍ بَعِيدٍ فَأَوْقَفَهُ لَهُ الْقَاضِي بِيَدِ رَجُلٍ فَلْيُزَكِّهِ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا صَوَابٌ لِأَنَّهُ يَدُ الْمُودَعِ كَيَدِهِ وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي وَنَظَرَهُ لِغَيْرِهِ كَفِعْلِهِ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَهُ الْقَاضِي لِأَحَدٍ فَلْيُزَكِّهِ إذَا قَبَضَهُ لِعَامٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ إذَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ فَحَبَسَهُ سِنِينَ ثُمَّ قَبَضَهُ مِنْهُ رَبُّهُ لَمْ يُزَكِّهِ إلَّا لِعَامٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ حَبْسَ الْوَكِيلِ إيَّاهُ تَعَدِّيًا ضَمِنَهُ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ خَوْفِ طَرِيقٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَا يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ وَلَا يَصِلُ رَبُّهُ إلَيْهِ. فَأَمَّا إنْ كَانَ مَعَهُ فِي بَلَدٍ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ فَتَرَكَهُ أَوْ حَبَسَهُ بِإِذْنِهِ إنْ كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ فَلْيُزَكِّهِ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ. انْتَهَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 بِالْمَعْنَى الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى. (إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ بَعْدَ قَسْمِهَا وَقَبْضِهَا) لَوْ قَالَ: " إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ بَعْدَ قَبْضِهَا " لَجَاءَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ وَرِثَ مَالًا بِمَكَانٍ بَعِيدٍ وَلَمْ يُوقِفْهُ لَهُ الْقَاضِي بِيَدِ أَحَدٍ ثُمَّ قَبَضَهُ بَعْدَ سِنِينَ فَلَمْ يُزَكِّهِ إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَنَقْلُ ابْنِ يُونُسَ: فَإِقْحَامُهُ هُنَا لَفْظَ: " قَسْمِهَا " صَعْبٌ تَفْسِيرُهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا بَاعَ الْقَاضِي دَارًا لِقَوْمٍ وَرِثُوهَا وَأَوْقَفَ ثَمَنَهَا حَتَّى يُقَسَّمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ قَبَضُوا بَعْدَ أَعْوَامٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ قَبَضُوهُ. فَانْظُرْ أَنْتَ إذَا كَانَ هَذَا مُطَابِقًا لِلَفْظِ خَلِيلٍ. (وَلَا مُوصًى بِتَفَرُّقِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ وَقَفَ عَيْنًا أَوْ إبِلًا لِتُفَرَّقَ فِي السَّبِيلِ أَوْ الْفُقَرَاءِ أَوْ ثَمَنَهَا فَلَا زَكَاةَ فِيمَا أَدْرَكَ الْحَوْلَ مِنْ ذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ ذَلِكَ يُفَرَّقُ وَلَا يُمْسَكُ وَلَمْ يُعْطِ جَوَابًا إنْ كَانَتْ تُفَرَّقُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 عَلَى مُعَيَّنِينَ. وَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الدَّنَانِيرَ لَا زَكَاةَ فِيهَا كَانَتْ تُفَرَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى مُعَيَّنِينَ. وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ. وَأَمَّا الْمَاشِيَةُ فَيَنْبَغِي عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَانَتْ تُفَرَّقُ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَنْ يُزَكِّيَ كُلُّ مَنْ صَارَ فِي حَظِّهِ مِنْهُمْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ نَصُّ أَشْهَبَ. (وَلَا مَالِ رَقِيقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ عَلَى عَبْدٍ وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ عَلَقَةُ رِقٍّ زَكَاةٌ فِي عَيْنٍ وَلَا حَرْثٍ وَلَا مَاشِيَةٍ وَلَا فِيمَا يُدَبِّرُ لِلتِّجَارَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ زَكَاةٌ وَلَا عَلَى السَّيِّدِ عَنْهُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ عَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ وَمُكَاتَبِيهِمْ زَكَاةٌ إذَا اتَّجَرُوا. (أَوْ مَدِينٍ) قَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مِثْلُهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ يَجْعَلُهُ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي غَيْرِ الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ إذْ لَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ حَرْثٍ وَلَا مَاشِيَةٍ. (وَسِكَّةٍ) ابْنُ بَشِيرِ: أَمَّا الْمَسْكُوكُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قِيمَتِهِ بَلْ إلَى وَزْنِهِ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ إضَافَةٍ ". (وَصِيَاغَةٍ وَجَوْدَةٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: وَأَمَّا الْمَصُوغُ فَإِنْ كَانَتْ الصِّيَاغَةُ غَيْرَ مُبَاحَةٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ قِيمَتَهَا لَا تُعْتَبَرُ، وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ اشْتَرَى حُلِيًّا لِلتِّجَارَةِ فِيهِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْيَاقُوتُ وَالزَّبَرْجَدُ وَاللُّؤْلُؤُ فَحَالَ حَوْلُهُ وَهُوَ غَيْرُ مُدِيرٍ نَظَرَ إلَى مَا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَزَكَّاهُ. يُرِيدُ زَكَّى وَزْنَهُ إنْ اسْتَطَاعَ نَزْعَهُ أَوْ يَتَحَرَّاهُ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ. قَالَ: وَلَا يُزَكِّي مَا فِيهِ مِنْ الْحِجَارَةِ حَتَّى يَبِيعَهُ فَيُزَكِّيهِ حِينَئِذٍ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ مُدِيرًا زَكَّى قِيمَةَ الْحِجَارَةِ فِي شَهْرِهِ الَّذِي يُقَوَّمُ فِيهِ وَيُزَكِّي وَزْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا يُقَوِّمُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ اشْتَرَى مُدِيرٌ آنِيَةَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَوَزْنُهَا خَمْسُمِائَةٍ زَكَّى وَزْنَهَا لَا قِيمَتَهَا وَإِنْ كَثُرَتْ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اشْتَرَى حُلِيًّا لِلتِّجَارَةِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً: إنَّهُ يُزَكِّي وَزْنَهُ لَا قِيمَتَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنْ لَوْ اشْتَرَى إنَاءً مَصُوغًا وَزْنُهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَقِيمَتُهُ بِصِيَاغَتِهِ عِشْرُونَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَتَمَّ لَهُ عِنْدَهُ حَوْلٌ أَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَيُزَكِّيهِ سَاعَةَ بَيْعِهِ وَقَالَهُ مَالِكٌ. اللَّخْمِيِّ: يُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي الْإِنَاءِ أَنَّهُ يُرَادُ لِلتَّجَمُّلِ دُونَ الِاسْتِعْمَالِ وَلَوْ كَانَ لِلِاسْتِعْمَالِ لَرُدَّ الْبَيْعُ وَكُسِرَ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنَاءٍ نَقْدٍ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 (وَحُلِيٍّ وَإِنْ تَكَسَّرَ إنْ لَمْ يَتَهَشَّمْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا زَكَاةَ فِيمَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ مِنْ الْحُلِيِّ لِيَلْبَسْنَهُ أَوْ لِيُكْرِيَنَّهُ، وَلَا فِيمَا اتَّخَذَ الرَّجُلُ مِنْهُ لِلِبَاسِ أَهْلِهِ وَخَدَمِهِ وَالْأَصْلُ لَهُ وَلَا فِيمَا انْكَسَرَ مِنْهُ فَحُبِسَ لِإِصْلَاحِهِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إذَا انْكَسَرَ كَسْرًا يُصْلَحُ وَلَمْ يَتَهَشَّمْ وَأَمَّا لَوْ تَهَشَّمَ حَتَّى لَا يُسْتَطَاعَ إصْلَاحُهُ إلَّا أَنْ يَسْبِكَهُ وَيَبْتَدِئَ عَمَلَهُ فَهَذَا يُزَكَّى إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ بَعْدَ كَسْرِهِ لِأَنَّهُ كَالتِّبْرِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ خَلِيلٍ أَنَّ هَذَا النَّقْلَ هُوَ الَّذِي اُخْتُصِرَ فَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ إذَنْ فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَتَّخِذَهُ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ. أَمَّا إنْ اتَّخَذَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: هُوَ عَلَى تِسْعَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ لِلتِّجَارَةِ فَهَذَا يُزَكِّيهِ. الثَّانِي: أَنْ يَتَّخِذَهُ قِنْيَةً لِزَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ بِنْتِهِ فِي الْحَالِ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُزَكِّيهِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: لِيَصْدُقَهُ امْرَأَةً يَتَزَوَّجُهَا أَوْ جَارِيَةً يَبْتَاعُهَا فَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ يُزَكِّيهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لِبَاسِهِ وَلَا صَارَ إلَى مَا أَمَلَ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ أَظْهَرُ لِأَنَّ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةَ وَلَا تَسْقُطُ إلَّا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ فِي الْحَالِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: لِيُحَلِّيَهُ امْرَأَةً إذَا تَزَوَّجَهَا أَوْ أَمَةً إذَا اشْتَرَاهَا يُزَكِّيهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. اللَّخْمِيِّ: وَالزَّكَاةُ بَيِّنَةٌ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَالْوَجْهِ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي يُوجِبُ سُقُوطَ الزَّكَاةِ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ الْآنَ كَنْزٌ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: لِابْنَةٍ لَهُ تَلْبَسُهُ إذَا كَبُرَتْ تَجْرِي زَكَاتُهُ عَلَى زَكَاةِ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ قَبْلُ، فَيُزَكِّيهِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ أَصْوَبُ. الْوَجْهُ السَّادِسُ: لِلْكِرَاءِ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ، وَالْأَبْيَنُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ. الْوَجْهُ السَّابِعُ: لِلْإِجَارَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَجْهِ قَبْلَهُ. الْوَجْهُ الثَّامِنُ: لِيَبِيعَهُ وَلَا يَتَرَبَّصُ بِهِ غَلَاءً كَمْ وَرِثَهُ وَحَبَسَهُ لِيَبِيعَهُ أَوْ الْحَاجَةَ إنْ احْتَاجَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يُزَكِّيهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، رَآهُ كَالْعَيْنِ يُزَكِّيهِ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ بِهِ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ وَلَا غَلَاءَهَا. الْوَجْهُ التَّاسِعُ: وَرِثَهُ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ شَيْئًا يُزَكِّيهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. انْتَهَى حُكْمُ حُلِيِّ النِّسَاءِ إذَا اتَّخَذَهُ الرَّجُلُ. وَأَمَّا أَذَا اتَّخَذَتْهُ الْمَرْأَةُ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: هُوَ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ: لِلِبَاسِهَا لَا زَكَاةَ، لِابْنَةٍ لَهَا تَلْبَسُهُ الْآنَ كَذَلِكَ لَا زَكَاةَ. لِلتِّجَارَةِ تُزَكِّيهِ، لِإِجَارَةٍ أَوْ كِرَاءٍ رِوَايَتَانِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ مِنْ الْحُلِيِّ لِيُكْرِيَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِنَّ فِيهِ. وَاَلَّذِي حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الرَّجُلَ يُزَكِّي وَالْمَرْأَةُ لَا تُزَكِّي. قَالَ: لِأَنَّهُ مِنْ لِبَاسِهِنَّ وَهُوَ لَوْ شِئْنَ أَنْ يَلْبَسْنَهُ لَبِسْنَهُ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْبَاجِيِّ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَعْنِي الْفَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَتَّخِذَهُ الْمَرْأَةُ لِلْكِرَاءِ أَوْ الرَّجُلُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فِي الْمَرْأَةِ تَتَّخِذُ الْجَيْبَ لِتُكْرِيهِ لِلْعَرَائِسِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهَا فِيهِ. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ قَدْ عَنَسَتْ وَلَا تَنْتَفِعُ بِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهَا فِيهِ. اللَّخْمِيِّ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَشَذُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ لِأَنَّ الْجَيْبَ مِمَّا يُتَّخَذُ لِلْعَرَائِسِ خَاصَّةً فَهُوَ كَنْزٌ إلَّا أَنْ تُرِيدَ بِهِ الْإِجَارَةَ. الْوَجْهُ السَّادِسُ تَحْبِسُهُ لِابْنَةٍ لَهَا إذَا كَبُرَتْ اُخْتُلِفَ فِي زَكَاتِهِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى مِنْ اللَّخْمِيِّ: وَلَمْ يَذْكُرْ إذَا حَبَسَتْ الْمَرْأَةُ الْحُلِيَّ وَلَمْ تَنْوِ بِهِ شَيْئًا وَذَكَرَهُ فِي الرِّجَالِ وَقَالَ إنَّهُ يُزَكِّيهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: لَوْ اتَّخَذَتْ الْمَرْأَةُ حُلِيًّا عِدَّةً لِابْنَةٍ لَهَا إنْ حَدَثَتْ لَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِيهِ زَكَاةٌ لِأَنَّهَا مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهَا اتِّخَاذُهُ وَلِبَاسُهُ إنْ شَاءَتْ. قَالَ: وَلَوْ اتَّخَذَتْهُ لَا لِلِبَاسٍ وَلَا لِكِرَاءٍ وَلَا لِعَارِيَّةٍ لَكِنْ عِدَّةً لِلدَّهْرِ إنْ احْتَاجَتْ إلَى شَيْءٍ بَاعَتْهُ فَعَلَيْهَا زَكَاتُهُ. وَلَوْ اتَّخَذَتْهُ أَوَّلًا لِلِّبَاسِ فَلَمَّا كَبُرَتْ نَوَتْ فِيهِ إذَا احْتَاجَتْ إلَى شَيْءٍ بَاعَتْهُ وَأَنْفَقَتْهُ فَقَدْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 قِيلَ لَا تُزَكِّيهِ، وَأَنَا أَرَى عَلَيْهَا زَكَاتَهُ احْتِيَاطًا انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَأَتَى بِهِ هَكَذَا كَأَنَّهُ لِفْقَةٌ. وَيَبْقَى حُلِيُّ الرَّجُلِ كَالسَّيْفِ الْمُحَلَّى مَثَلًا يَحْبِسُهُ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ لَا لِاسْتِعْمَالٍ فِي الْحَالِ. فَاَلَّذِي لِلْبَاجِيِّ إنْ أَخَذَتْ الْمَرْأَةُ مَا هُوَ مُبَاحٌ لَهَا مِنْ حُلِيِّهَا أَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ مَا هُوَ مُبَاحٌ لَهُ مِنْ حُلِيِّهِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا زَكَاةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَلْبَسُهُ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا اتَّخَذَهُ لِيُكْرِيَهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَأَمَّا إنْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ حُلِيَّ النِّسَاءِ لِلْكِرَاءِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ (وَلَمْ يَنْوِ عَدَمَ إصْلَاحِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحُلِيَّ لَا يُزَكَّى وَلَوْ انْكَسَرَ وَحُبِسَ لِإِصْلَاحِهِ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: مَا لَمْ يَتَهَشَّمْ فَانْظُرْ أَنْتَ هَلْ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحُلِيَّ إذَا انْكَسَرَ وَلَمْ يَتَهَشَّمْ وَنَوَى صَاحِبُهُ عَدَمَ إصْلَاحِهِ أَنَّهُ يُزَكِّيهِ؟ (أَوْ كَانَ لِرَجُلٍ أَوْ كِرَاءٍ إلَّا مُحَرَّمَ اللُّبْسِ) لَعَلَّ هَذَا خَلَلٌ مِنْ النَّاسِخِ إذْ لَوْ قَالَ: " إلَّا إنْ كَانَ لِرَجُلٍ أَوْ كِرَاءٍ أَوْ مُحَرَّمِ اللُّبْسِ " لَصَحَّ إذْ قَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِامْرَأَةٍ لِكِرَاءٍ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهَا. قَالَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ: وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ لِكِرَاءٍ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ تِبْرًا كَانَ أَوْ مَسْكُوكًا أَوْ مَصُوغًا صِيَاغَةً لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهَا (أَوْ مُعَدًّا لِلْعَاقِبَةِ) تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ: إنْ اتَّخَذَتْهُ عِدَّةً لِلدَّهْرِ فَعَلَيْهِنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 زَكَاتُهُ (أَوْ صَدَاقٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ الْوَجْهُ الثَّالِثُ لِيَصْدُقَهُ امْرَأَةً أَنَّهُ يُزَكِّيهِ. (أَوْ مَنْوِيًّا بِهِ التِّجَارَةَ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ فِي هَذَا سَوَاءٌ يُزَكِّيَانِ حُلِيَّ التِّجَارَةِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْحُلِيُّ الْجَائِزُ اتِّخَاذُهُ ذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ فِي الِاشْتِرَاءِ وَالْفَائِدَةُ عَلَى مَا نَوَى بِهِ مَالِكُهُ، فَإِنْ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ زَكَّاهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَا وَرِثَ الرَّجُلُ مِنْ الْحُلِيِّ فَحَبَسَهُ يَنْوِي بِهِ التِّجَارَةَ أَوْ لَعَلَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَمْ يَحْبِسْهُ لِلُّبْسِ فَلْيُزَكِّ وَزْنَهُ كُلَّ عَامٍ إنْ كَانَ فِيهِ مَا يُزَكَّى أَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مَا تَتِمُّ بِهِ الزَّكَاةُ. (وَإِنْ رُصِّعَ بِجَوْهَرٍ وَزَكَّى الزِّنَةَ إنْ نُزِعَ بِلَا ضَرَرٍ وَإِلَّا تَحَرَّى) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى حُلِيًّا فِيهِ الْيَاقُوتُ زَكَّى مَا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، يُرِيدُ زَكَّى وَزْنَهُ إنْ اسْتَطَاعَ نَزْعَهُ أَوْ يَتَحَرَّاهُ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ. قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ. [زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَالْفَوَائِدِ وَالدُّيُونِ] [زَكَاةُ التِّجَارَةِ] النَّوْعُ الرَّابِعُ: زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَالْفَوَائِدِ وَالدُّيُونِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْبَابُ الْأَوَّلُ: زَكَاةُ التِّجَارَةِ. وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِعُرُوضِ التِّجَارَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: تَرَصُّدِ الْأَسْوَاقِ وَزِيَادَتِهَا مِنْ غَيْرِ إدَارَةٍ وَاكْتِسَابِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 الْعُرُوضِ لِيُدِيرَهَا وَيَبِيعَ بِالسِّعْرِ الْحَاضِرِ وَيَخْلُفَهَا كَفِعْلِ أَرْبَابِ الْحَوَانِيتِ (وَضُمَّ الرِّبْحُ لِأَصْلِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَتَجَرَ بِهَا فَصَارَتْ بِرِبْحِهَا عِشْرِينَ دِينَارًا قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ فَيُزَكِّيهَا لِتَمَامِ الْحَوْلِ لِأَنَّ رِبْحَ الْمَالِ مِنْهُ وَحَوْلُهُ حَوْلُ أَصْلِهِ كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا أَمْ لَا كَوِلَادَةِ الْمَاشِيَةِ، وَمِنْ الْمَعُونَةِ: إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى نِصَابٍ عِنْدَهُ فَلَمْ يُخْرِجْ زَكَاتَهُ حَتَّى ابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً فَبَاعَهَا بِرِبْحٍ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْمَالَ الْأَوَّلَ وَلَا يُزَكِّي الرِّبْحَ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَلَا يَكُونُ تَابِعًا لِأَصْلِهِ. (كَغَلَّةِ مُكْتَرًى لِلتِّجَارَةِ) . ابْنُ بَشِيرٍ: غَلَّةُ مَا اكْتَرَى لِلتِّجَارَةِ لَا خِلَافَ أَنَّهَا مُزَكَّاةٌ عَلَى حَوْلِ الْأَصْلِ. ابْنُ يُونُسَ: مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: مَنْ اكْتَرَى دَارًا لِيُكْرِيَهَا فَمَا غَلَّ مِنْهَا مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلْيُزَكِّهِ لِحَوْلٍ مِنْ يَوْمِ زَكَّى مَا نَقَدَ مِنْ كِرَائِهَا لَا مِنْ يَوْمِ اكْتَرَاهَا، وَهَذَا إذَا اكْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ وَالْغَلَّةِ. (وَلَوْ رِبْحَ دَيْنٍ لَا عِوَضَ لَهُ عِنْدَهُ) الْبَاجِيُّ: لَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِمِائَةٍ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ فَبَاعَهَا بِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ: الرِّبْحُ فَائِدَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَنِدُ إلَى جِنْسِ مَالٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ. وَرَوَى أَشْهَبُ: إذَا أَقَامَتْ السِّلْعَةُ عِنْدَهُ حَوْلًا زَكَّى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 الرِّبْحَ مَكَانَهُ. الْبَاجِيُّ: وَمَنْ تَسَلَّفَ عَرْضًا فَتَجَرَ فِيهِ حَوْلًا فَرَبِحَ مَالًا فَرَدَّ مَا تَسَلَّفَ فَلْيُزَكِّ الرِّبْحَ. رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَكَذَلِكَ لَوْ تَسَلَّفَ مِائَةَ دِينَارٍ فَرَبِحَ فِيهَا بَعْدَ حَوْلٍ عِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْعِشْرِينَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِلَى هَذَا رَجَعَ مَالِكٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَذَلِكَ كُلُّهُ صَحِيحٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَرْبَاحَ مُزَكَّاةٌ عَلَى أَحْوَالِ الْأُصُولِ إلَّا أَنَّ حَوْلَ رِبْحِ الَّذِي تَسَلَّفَ الْعَرْضَ وَتَجَرَ فِيهِ مِنْ يَوْمِ تَجَرَ فِي الْعَرْضِ لَا مِنْ يَوْمِ اسْتَسْلَفَهُ، وَحَوْلَ الَّذِي تَسَلَّفَ الدَّنَانِيرَ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لَهَا بِالسَّلَفِ وَفِي عَيْنِهَا الزَّكَاةُ. ابْنُ يُونُسَ، عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ: مَنْ عِنْدَهُ مِائَةُ دِينَارٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً فَلَمْ يَنْقُدْ ثَمَنَهَا حَتَّى بَاعَهَا بِرِبْحِ ثَلَاثِينَ دِينَارًا وَتَجَرَ فِيهَا مِنْ يَوْمِ تَسَلَّفَ الدَّنَانِيرَ، فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ حَوْلُ الرِّبْحِ مِنْ يَوْمِ أَدَانَ أَوْ اشْتَرَى. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِلَى هَذَا رَجَعَ مَالِكٌ لِأَنَّ ثَمَنَ السِّلْعَةِ فِي ذِمَّتِهِ وَالْمِائَةُ الَّتِي فِي يَدِهِ لَمْ تَصِلْ إلَى الْبَائِعِ مَا لَمْ يَضْمَنْهَا. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ فَالرِّبْحُ لَيْسَ لِلْمِائَةِ فَيُزَكِّيهِ لِحَوْلِهَا وَإِنَّمَا هَذَا اشْتَرَى سِلْعَةً بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ. (وَلِمُنْفِقٍ بَعْدَ حَوْلِهِ مَعَ أَصْلِهِ وَقْتَ الشِّرَاءِ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " إنَّمَا هُوَ بَعْدَ إذْ " عِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 بِاخْتِصَارٍ فِي تَزْكِيَةِ مَنْ أَنْفَقَ خَمْسَةً مِنْ عَشَرَةٍ حَوْلِيَّةٍ اشْتَرَى بِبَعْضِهَا لِتَجْرِ مَا بَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثَالِثُهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ أَنْفَقَ بَعْدَ الشِّرَاءِ. الْبَاجِيُّ: وَجْهُهُ لَمَّا اشْتَرَى السِّلْعَةَ قَبْلَ الْإِنْفَاقِ وَبَاعَهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ تَبَيَّنَ أَنَّ قِيمَتَهَا كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرِ فَكَمُلَ بِقِيمَتِهَا وَبِالْخَمْسَةِ دَنَانِيرَ النِّصَابُ بِيَدِهِ حِينَ ابْتَاعَ السِّلْعَةَ وَوَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ انْتَهَى. فَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ: " بَعْدَ الشِّرَاءِ ". وَقَوْلَ الْبَاجِيُّ: " لَمَّا اشْتَرَى قَبْلَ الْإِنْفَاقِ " وَلْنَرْجِعْ لِنَصِّ الْمُدَوَّنَةِ إذْ الْمَقْصُودُ نَقْلُ الْمَسَائِلِ مَبْسُوطَةً مُجَرَّدَةً مِنْ الْخِلَافِ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْهُورٍ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا مَضَى لِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ عِنْدَهُ حَوْلٌ فَاشْتَرَى مِنْهَا سِلْعَةً بِخَمْسَةٍ ثُمَّ أَنْفَقَ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ بَاعَ السِّلْعَةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يُزَكِّي عَنْ عِشْرِينَ، وَهُوَ كَمَنْ أَقْرَضَ رَجُلًا عِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ اقْتَضَى مِنْهَا خَمْسَةً بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ اقْتَضَى الْخَمْسَةَ الْعَشَرَ الْبَاقِيَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُزَكِّي حِينَئِذٍ نِصْفَ دِينَارٍ. قَالَ: وَلَوْ أَنْفَقَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَبْلَ شِرَاءِ السِّلْعَةِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِالْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ فَبَاعَهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبِيعَهَا بِعِشْرِينَ. ابْنُ يُونُسَ: جَرَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى رِوَايَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الَّذِي عِنْدَهُ مِائَةٌ فَابْتَاعَ بِهَا سِلْعَةً ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يُنْفِقَ ثَمَنَهَا فَرَبِحَ ثَلَاثِينَ، فَرَأَى أَنَّ الرِّبْحَ كَأَنَّمَا مَلَكَهُ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ فَجُعِلَ الْحَوْلُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ جُعِلَ فِي هَذِهِ أَنَّ الرِّبْحَ كَانَ مِلْكًا لَهُ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ وَإِنَّمَا الْبَيْعُ كَشَفَهُ فَلِذَلِكَ زَكَّى إذَا بَاعَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ لِأَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ خَمْسَةٌ مَعَ هَذِهِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ. ابْنُ شَاسٍ. [زَكَاةِ الْفَوَائِدِ] الْبَابُ الثَّانِي فِي زَكَاةِ الْفَوَائِدِ (وَاسْتَقْبَلَ بِفَائِدَةٍ تَجَدَّدَتْ لَا عَنْ مَالٍ كَعَطِيَّةٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْفَائِدَةُ مَا مَلَكَ لَا عَنْ عِوَضِ مِلْكٍ لِتَجْرٍ يَسْتَقْبِلُ بِهَا إنْ كَانَتْ نِصَابًا. التَّلْقِينُ: مَا كَانَ مِنْ الْفَوَائِدِ مِنْ نَمَاءِ الْمَالِ حُكْمُهُ حُكْمُ أَصْلِهِ يُزَكَّى لِحَوْلِهِ، كَانَ أَصْلُهُ نِصَابًا أَوْ دُونَهُ إذَا تَمَّ نِصَابًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 بِرِبْحِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ الْفَائِدَةِ مِمَّا سِوَى النَّمَاءِ كَالْمِيرَاثِ وَالْهِبَةِ فَلَا يُضَمُّ إلَى النِّصَابِ الَّذِي لَيْسَ مِنْهُ وَاسْتَقْبَلَ بِهِ الْحَوْلَ إنْ كَانَ نِصَابًا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ وَرِثَ عَيْنًا نَاضًّا أَوْ دَيْنًا فَلِيُزَكِّهِ بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ. قَالَ: وَغَلَّةُ الدُّورِ وَالدَّوَابِّ وَالرَّقِيقِ. فَائِدَةٌ، وَإِنْ اُبْتِيعَ لِغَلَّةٍ وَإِجَارَةُ الْأَجِيرِ فَائِدَةٌ وَيَسْتَقْبِلُ بِهَا حَوْلًا بَعْدَ الْقَبْضِ (وَغَيْرَ مُزَكًّى) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: غَلَّةُ الدُّورِ وَالدَّوَابِّ وَالرَّقِيقِ فَائِدَةٌ (كَثَمَنِ مُقْتَنًى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا زَكَاةَ فِيمَا اشْتَرَى مِنْ الْعُرُوضِ لِلْقِنْيَةِ أَوْ اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ نَوَى بِهِ الْقِنْيَةَ. ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَالِكٌ: فَإِنْ بَاعَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُرُوضِ الْقِنْيَةُ وَالتِّجَارَةُ فَرْعٌ طَارِئٌ عَلَيْهَا فَهِيَ تَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ بِالنِّيَّةِ دُونَ الْعَقْدِ كَالْمُسَافِرِ يَنْوِي الْإِقَامَةَ فَإِنَّهُ يَتِمُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِقَامَةُ وَالسَّفَرُ فَرْعٌ طَارِئٌ عَلَيْهَا انْتَهَى. اُنْظُرْ لَوْ بَاعَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ لَا عَنْ مُشْتَرًى لِلْقِنْيَةِ وَبَاعَهُ إلَى أَجَلٍ فَلِي هُنَاكَ حِكَايَةٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَرِثَ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ طَعَامًا فَنَوَى التِّجَارَةَ حِينَ وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ بِسَبَبِ نِيَّتِهِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يَبِيعَهُ وَيَسْتَقْبِلَ بِثَمَنِهِ حَوْلًا بَعْدَ قَبْضِهِ. (وَتُضَمُّ نَاقِصَةٌ وَإِنْ بَعْدَ تَمَامٍ لِثَانِيَةٍ أَوْ لِثَالِثَةٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: تُضَمُّ نَاقِصَةٌ لِمَا بَعْدَهَا نِصَابًا بِذَاتِهِ أَوْ بِهَا. ثُمَّ قَالَ: وَالْكَامِلَةُ تَنْقُصُ قَبْلَ حَوْلِهَا كَنَاقِصَةٍ ابْتِدَاءً. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَفَادَ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ ثُمَّ أَفَادَ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِهَا بِيَوْمٍ مِنْ غَيْرِ رِبْحِهَا مَا فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ مَا يَكُونُ مَعَ الْأَوَّلِ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِتَمَامِ حَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رِبْحِهَا، وَلْيَسْتَقْبِلْ بِالْجَمِيعِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ أَفَادَ آخِرَ الْفَائِدَتَيْنِ. وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 فِيهِ الزَّكَاةُ وَالثَّانِي مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ أَمْ لَا فَكُلُّ مَالٍ عَلَى حَوْلِهِ مَا دَامَ فِي جُمْلَتِهَا مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنْ رَجَعَا إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ إذَا جَمَعَا وَجَاءَ عَلَى ذَلِكَ حَوْلٌ بَطَلَ وَقْتَاهُمَا وَرَجَعَا كَمَالٍ وَاحِدٍ إنْ أَفَادَ مِنْ غَيْرِهِمَا مَا يَتِمُّ بِهِ مَعَهُمَا مَا فِيهِ الزَّكَاةُ اسْتَقْبَلَ بِالْجَمِيعِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ أَفَادَ الْمَالَ الثَّالِثَ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ: " وَإِنْ بَعْدَ تَمَامٍ " هَلْ ثَمَّ هُوَ كَقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ الْكَامِلَةُ تَنْقُصُ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِهَا كَنَاقِصَةٍ ابْتِدَاءً؟ وَانْظُرْ هَذَا أَيْضًا مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا: " كَالْكَامِلَةِ أَوَّلًا " (إلَّا بَعْدَ حَوْلِهَا كَامِلَةً فَعَلَى حَوْلِهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَالثَّانِي مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ أَمْ لَا فَكُلُّ مَالٍ عَلَى حَوْلِهِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ بَشِيرٍ بِاخْتِصَارٍ: إذَا حَالَ حَوْلُ الْأُولَى مِنْ عَامٍ آخَرَ وَقَدْ نَقَصَتْ عَنْ النِّصَابِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الثَّانِيَةِ مَا يُكْمِلُهَا بِهِ زَكَّاهُ وَيَبْقَى كُلُّ مَالٍ عَلَى حَوْلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَوْ أَفَادَ نِصَابًا ثُمَّ أَفَادَ بَعْدَهُ دُونَهُ فَزَكَّى النِّصَابَ لِحَوْلِهِ وَالنَّاقِصَ لِحَوْلِهِ ثُمَّ دَارَ الْحَوْلُ فَلَا يَضُمُّهُ إلَى الْفَائِدَةِ الثَّانِيَةِ لِنَقْصِهِ بِجُزْءِ الزَّكَاةِ بَلْ يُزَكِّيهِ عَلَى حَوْلِهِ وَالثَّانِيَةَ عَلَى حَوْلِهَا. (كَالْكَامِلَةِ أَوَّلًا) تَقَدَّمَ أَنِّي لَمْ أَفْهَمْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ بَعْدَ تَمَامٍ " فَانْظُرْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 أَنْتَ. (وَإِنْ نَقَصَتَا فَرَبِحَ فِيهِمَا أَوْ فِي إحْدَاهُمَا تَمَامَ نِصَابٍ عِنْدَ حَوْلِ الْأُولَى أَوْ قَبْلَهُ فَعَلَى حَوْلَيْهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ رَجَعَا إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ وَتَجَرَ فِي بَقِيَّةِ الْمَالِ الْأَوَّلِ وَالْآخَرِ أَوْ فِيهِمَا فَصَارَ بَاقِيهِمَا مَعَ مَا رَبِحَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا قَدْرَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَأَكْثَرَ إذَا جُمِعَ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ آخِرِ يَوْمٍ زَكَّاهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ كُلُّ مَالٍ عَلَى حَوْلِهِ. (وَفُضَّ رِبْحُهُمَا) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ رَجَعَا جَمِيعًا إلَى مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِالرِّبْحِ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ حَوْلُ الْمَالِ الثَّانِي بَقِيَا جَمِيعًا عَلَى حَوْلَيْهِمَا الْمُتَقَدِّمَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا يُزَكَّى كُلُّ مَالٍ مِنْهُمَا عَلَى حَوْلِهِ بِرِبْحِهِ إنْ كَانَ الرِّبْحُ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَقَدْ خَلَطَهُمَا أَوْ لَمْ يَخْلِطْهُمَا، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَخْلِطْهُمَا بَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرِبْحِهِ الَّذِي رَبِحَهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ خَلَطَهُمَا فُضَّ الرِّبْحُ عَلَيْهِمَا فَزَكَّى مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا قَوَّمَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَإِنْ كَانَ الرِّبْحُ فِيهِمَا فِي أَحَدِهِمَا زَكَّاهُ بِرِبْحِهِ وَزَكَّى الْآخَرَ بِغَيْرِ رِبْحٍ، وَسَيَأْتِي الْحُكْمُ إذَا شَكَّ فِي أَيِّهِمَا الرِّبْحُ (وَبَعْدَ شَهْرٍ فَمِنْهُ وَالثَّانِيَةُ عَلَى حَوْلِهَا) ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ حَالَ حَوْلُ الْأُولَى وَهُمَا نَاقِصَتَانِ فَلَمْ يُزَكِّ شَيْئًا حَتَّى مَضَى شَهْرَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَذَلِكَ قَبْلَ حُلُولِ حَوْلِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ رَبِحَ فِي إحْدَاهُمَا مَا رَجَعَتَا بِهِ إلَى عَدَدٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى الْأُولَى وَرِبْحَهَا حِينَئِذٍ إنْ كَانَ الرِّبْحُ فِيهَا صَارَ يَوْمئِذٍ حَوْلَهَا، وَمَا بَقِيَ حَوْلُ الثَّانِيَةِ بِحَالِهِ إذَا حَلَّ زَكَّاهَا عَلَيْهِ وَزَكَّى رِبْحَهَا مَعَهَا إنْ كَانَ الرِّبْحُ فِيهَا خَاصَّةً. وَإِنْ كَانَ إنَّمَا رَبِحَ فِيهِمَا جَمِيعًا فَضَضْت الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِهِمَا وَزَكَّيْت الْأُولَى وَرِبْحَهَا يَوْمَ الرِّبْحِ وَأَبْقَيْت الثَّانِيَةَ وَرِبْحَهَا، فَإِذَا حَلَّ حَوْلُهَا زَكَّيْته مَعَ مَا يَخُصُّهَا مِنْ الرِّبْحِ. (وَعِنْدَ حَوْلِ الثَّانِيَةِ أَوْ شَكَّ فِيهِ لِأَيِّهِمَا فَمِنْهُ) مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: مَنْ أَفَادَ خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا ثُمَّ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَفَادَ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ فَخَلَطَ الْمَالَيْنِ ثُمَّ أَخَذَ مِنْ جُمْلَتِهِمَا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ فَتَجَرَ فِيهَا فَرَبِحَ سِتَّةَ دَنَانِيرَ فَقَسَّمَ الرِّبْحَ عَلَى الْمَالَيْنِ فَنَابَ الْمَالَ الْأَوَّلَ خَمْسَةٌ فَصَارَ بِرِبْحِهِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلْيُزَكِّهِ لِحَوْلِهِ وَالثَّانِي لِحَوْلِهِ إنْ كَانَ هَذَا الرِّبْحُ قَبْلَ أَنْ يَضُمَّهُمَا حَوْلُ آخِرِهِمَا، وَلَوْ ضَمَّهُمَا حَوْلُ آخِرِهِمَا قَبْلَ الرِّبْحِ لَمْ يَرْجِعَا إلَى حَوْلَيْنِ وَيَبْقَى حَوْلُهُمَا وَاحِدًا. وَلَوْ تَجَرَ فِي أَحَدِ الْمَالَيْنِ فَرَبِحَ فِيهِ سِتَّةَ دَنَانِيرَ ثُمَّ لَمْ يَدْرِ أَيَّهُمَا هُوَ فَلْيُزَكِّهِمَا عَلَى حَوْلِ آخِرِهِمَا وَلَا يَفُضُّهُ بِالشَّكِّ فَقَدْ يُزَكِّي الْأَوَّلَ قَبْلَ حَوْلِهِ (كَبَعْدِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ حَلَّ حَوْلُ الْأَوَّلِ وَهُمَا نَاقِصَانِ عَنْ النِّصَابِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 وَحَصَلَ رِبْحٌ قَبْلَ حُلُولِ حَوْلِ الثَّانِي انْتَقَلَ حَوْلُ الْأَوَّلِ وَإِلَيْهِ وَبَقِيَ الثَّانِي عَلَى حَوْلِهِ، وَإِنْ حَصَلَ بَعْدَ حُلُولِ الثَّانِي صَارَ حَوْلُهُمَا جَمِيعًا وَاحِدًا، وَإِنْ حَصَلَ مَعَ الْحَوْلِ الثَّانِي فَكَذَلِكَ أَيْضًا يَصِيرُ حَوْلُهُمَا جَمِيعًا وَاحِدًا. (وَإِنْ حَالَ حَوْلُهَا فَأَنْفَقَهَا ثُمَّ حَالَ حَوْلُ الثَّانِيَةِ نَاقِصَةً فَلَا زَكَاةَ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا جَمَعَ الْفَائِدَتَيْنِ الْمِلْكُ وَلَمْ يَجْمَعْهُمَا الْحَوْلُ، مِثْلُ أَنْ يَسْتَفِيدَ عَشَرَةً فَتَبْقَى بِيَدِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَفَادَ عَشَرَةً فَأَقَامَتْ بِيَدِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَحَالَ: الْحَوْلُ عَلَى الْأُولَى فَأَنْفَقَهَا، ثُمَّ أَقَامَتْ الثَّانِيَةُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَتَمَّ حَوْلُهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْمَعْهُمَا حَوْلٌ. (وَبِالْمُتَجَدِّدِ عَنْ سِلَعِ التِّجَارَةِ بِلَا بَيْعٍ كَغَلَّةِ عَبْدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا لِلتِّجَارَةِ فَجَزَّ صُوفَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِأَشْهُرٍ فَهُوَ فَائِدَةٌ يَسْتَقْبِلُ بِثَمَنِهِ حَوْلًا بَعْدَ قَبْضِهِ وَكَذَلِكَ لَبَنُهَا وَسَمْنُهَا قَالَ: وَكَذَلِكَ كِرَاءُ الْمَسَاكِنِ إذَا اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ وَكِرَاءُ الْعَبِيدِ كُلُّهُ فَائِدَةٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 (وَكِتَابَةٍ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي الْكِتَابَةِ هَلْ هِيَ غَلَّةٌ أَوْ ثَمَنُ الرَّقَبَةِ؟ فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهَا غَلَّةٌ وَإِنَّ غَلَّاتِ مَا اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ فَائِدَةٌ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِيمَا أَخَذَ مِنْ الْمُكَاتَبِ الْمُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ، وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا لِلْمُدَوَّنَةِ. (وَثَمَرَةِ مُشْتَرًى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا لِلتِّجَارَةِ فَأَثْمَرَتْ ثُمَّ جَذَّهَا فَأَدَّى مِنْهَا الصَّدَقَةَ ثُمَّ بَاعَ الْأَصْلَ فَلْيَتْرُكْ ثَمَنَهُ إذَا قَبَضَهُ لِتَمَامِ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ زَكَّى الثَّمَنَ الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ، وَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَةَ فَهِيَ فَائِدَةٌ يَسْتَقْبِلُ بِثَمَنِهَا حَوْلًا بَعْدَ قَبْضِهِ فَيَصِيرُ حَوْلُ الثَّمَرَةِ عَلَى حِدَةٍ، وَحَوْلُ الْأَصْلِ عَلَى حِدَةٍ. وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ بَاعَهَا بِثَمَرِهَا وَقَدْ طَابَتْ فَإِنَّهُ يَفُضُّ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ النَّخْلِ مِنْ الثَّمَرَةِ، فَمَا وَقَعَ لِلنَّخْلِ زَكَّاهُ عَلَى حَوْلِ أَصْلِ الْمَالِ، وَمَا فِي الثَّمَرَةِ لَمْ يُزَكِّهِ إلَّا بَعْدَ ائْتِنَافِ حَوْلٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُهُ، وَعَلَيْهِ الْآنَ زَكَاةُ الثَّمَرَةِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَلَوْ كَانَ ثَمَرُهَا لَمْ يَطِبْ وَبَاعَهَا بِهِ لَزَكَّى جَمِيعَ الثَّمَنِ لِحَوْلِ الْأَصْلِ. وَلِذَلِكَ لَوْ كَانَتْ ثَمَرَةُ جَوْزٍ أَوْ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ فَبَاعَهَا وَقَدْ طَابَتْ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَجُذَّهَا، فَأَمَّا لَوْ جَذَّهَا ثُمَّ بَاعَهَا مَعَهَا أَوْ مُفْرَدَةً فَلَا زَكَاةَ فِي ثَمَنِ الثَّمَرَةِ وَيَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُهُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُفَارِقْ الْأَصْلَ فَهِيَ تَبَعٌ. وَكَذَلِكَ الَّتِي تُزَكَّى إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَطِبْ كَمَالِ الْعَبْدِ يَبِيعُهُ بِهِ رَبُّهُ فَعَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الثَّمَنِ الزَّكَاةُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ لِلتِّجَارَةِ. وَلَوْ انْتَزَعَ الْمَالَ ثُمَّ بَاعَ الْعَبْدَ كَانَ الْمَالُ فَائِدَةً لَا زَكَاةَ فِيهِ الْآنَ. (إلَّا الْمَأْبُورَةَ وَالصُّوفَ التَّامَّ) النُّكَتُ: إذَا اشْتَرَى غَنَمًا لِلتِّجَارَةِ عَلَيْهَا صُوفٌ تَامٌّ فَهَذَا الصُّوفُ كَسِلْعَةٍ ثَانِيَةٍ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ يُزَكِّي ثَمَنَهُ إذَا بَاعَهُ بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ النَّخْلُ يَشْتَرِيهَا وَفِيهَا ثَمَرٌ مَأْبُورٌ. وَقَالَهُ اللَّخْمِيِّ: إذَا اشْتَرَى غَنَمًا لِلتِّجَارَةِ وَعَلَيْهَا صُوفٌ فَجَزَّهُ ثُمَّ بَاعَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّهُ مُشْتَرًى يُزَكِّيهِ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْمَالِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْغَنَمَ. ابْنُ يُونُسَ: يَجْرِي هَذَا عَلَى الِاخْتِلَافِ إذَا اشْتَرَاهَا وَعَلَيْهَا صُوفٌ تَامٌّ فَجَزَّهُ ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ فَابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ: يَرُدُّ الصُّوفَ مَعَهَا أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 مِثْلَهُ إنْ فَاتَ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُزَكِّي ثَمَنَهُ لِحَوْلِ أَصْلِ الْمَالِ انْتَهَى. وَيَظْهَرُ مِنْ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ وَلَا فِي اللَّخْمِيِّ الْمُؤَبَّرَةَ. (وَإِنْ اكْتَرَى وَزَرَعَ لِلتِّجَارَةِ زَكَّى) اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " لِلتِّجَارَةِ " هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ التَّنَازُعِ فِي الْعَمَلِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: وَإِنْ اكْتَرَى لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَ لَهَا. وَهَذَا هُوَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا وَاشْتَرَى طَعَامًا فَزَرَعَهُ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ فَإِذَا حَصَدَ زَرْعَهُ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ يَوْمَ حَصَادِهِ فَإِذَا تَمَّ لَهُ حَوْلٌ عِنْدَهُ مِنْ يَوْمِ أَدَّى زَكَاتَهُ قَوَّمَهُ إنْ كَانَ مُدِيرًا لَهُ مَالٌ عَيْنٌ سِوَاهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدِيرٍ فَلَا تَقْوِيمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبِيعَ فَإِذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ يَوْمِ أَدَّى زَكَاتَهُ زَكَّى الثَّمَنَ مَكَانَهُ، وَإِنْ بَاعَ قَبْلَ الْحَوْلِ تَرَبَّصَ فَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ زَكَّى. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ أَنَّهُ اكْتَرَى الْأَرْضَ لِلتِّجَارَةِ وَأَمَّا لَوْ اكْتَرَى الْأَرْضَ يَزْرَعُ فِيهَا طَعَامًا لِقُوتِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَزَرَعَ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ فَإِنَّهُ إذَا أَدَّى زَكَاةَ الْحَبِّ ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ ثَمَنَهُ فَائِدَةٌ يَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ بَاعَهُ كَمَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ قَالَ: إنْ اكْتَرَى دَارًا لِسُكْنَاهُ ثُمَّ أَكْرَاهَا لِأَمْرٍ حَدَثَ لَهُ فَإِنَّ غَلَّتْهَا فَائِدَةٌ، وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ أَكْرَاهَا فَأَغَلَّ مِنْهَا مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلْيُزَكِّهِ لِحَوْلٍ مِنْ يَوْمِ زَكَّى مَا اكْتَرَاهَا بِهِ (وَهَلْ يُشْرَطُ كَوْنُ الْبَذْرِ لَهَا تَرَدُّدٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: زَرَعَ مَا اكْتَرَى وَزَرَعَ بِحَبٍّ لِتَجْرٍ فِي الثَّلَاثَةِ رِبْحٌ وَلِقِنْيَةٍ فِي الثَّلَاثَةِ فَائِدَةٌ. الْبَاجِيُّ: اتِّفَاقًا فِيهِمَا وَإِلَّا فَسِتَّةُ أَقْوَالٍ. رَاجِعْ التَّنْبِيهَاتِ وَاللَّخْمِيَّ وَالنُّكَتَ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى عَلَى مَا لِابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الثَّلَاثَةُ مُقْتَنًى فَفَائِدَةٌ. وَمِنْ النُّكَتِ مَا نَصُّهُ: إذَا اكْتَرَى الْأَرْضَ لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَ فِيهَا طَعَامًا اشْتَرَاهُ لِلْقِنْيَةِ أَوْ كَانَ قَدْ وَرِثَهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ الزَّرْعِ التِّجَارَةَ، ثُمَّ أَقَامَ الطَّعَامَ بَعْدَ أَنْ حَصَدَهُ عِنْدَهُ حَوْلًا وَبَاعَهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهِ إلَّا إنْ كَانَ أَصْلُ الطَّعَامِ قَدْ اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ مَا أَصْلُهُ الْقِنْيَةِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى التِّجَارَةِ بِالنِّيَّةِ. انْتَهَى نَقْلُهُ. (لَا إنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا لِلتِّجَارَةِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ابْتَاعَ أَرْضًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ أَوْ زَرَعَهَا لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ فَحَصَدَ زَرْعَهُ وَأَدَّى زَكَاتَهُ حَبًّا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ لِلْإِدَارَةِ وَلَا فِي ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ وَيَسْتَقْبِلَ بِهِ حَوْلًا بَعْدَ قَبْضِهِ كَغَلَّةِ الرَّبْعِ وَالنَّخْلِ. (وَإِنْ وَجَبَتْ زَكَاةٌ فِي عَيْنِهَا زَكَّى ثُمَّ زَكَّى الثَّمَنَ بِحَوْلِ التَّزْكِيَةِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ اكْتَرَى وَزَرَعَ لِلتِّجَارَةِ ". وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ لِلتِّجَارَةِ زَكَّى الثَّمَنَ عَلَى حَوْلِ أَصْلِ ذَلِكَ الْمَالِ قَبْلَ الْحَرْثِ وَلَا يَسْقُطُ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ إلَّا إذَا وَجَدَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرَ. [زَكَاةِ الدُّيُونِ] . الْبَابُ الثَّالِثُ فِي زَكَاةِ الدُّيُونِ (وَإِنَّمَا يُزَكَّى دَيْنٌ إنْ كَانَ أَصْلُهُ عَيْنًا بِيَدِهِ أَوْ عَرْضَ تِجَارَةٍ) . ابْنُ شَاسٍ: كُلُّ دَيْنٍ ثَبَتَ فِي ذِمَّةٍ وَلَمْ يُخْرَجْ إلَيْهَا مِنْ يَدِ مَنْ هُوَ لَهُ وَلَا بَدَلٌ عَنْهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ بَعْدَ قَبْضِهِ، وَإِنْ خَرَجَ هُوَ أَوْ بَدَلٌ عَنْهُ لَيْسَ بِعَرْضِ قِنْيَةٍ عَنْ يَدِ الْمَالِكِ إلَى ذِمَّتِهِ فَلَا يُزَكِّيهِ مَا دَامَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ حَتَّى يَقْبِضَهُ بَعْدَ عَامٍ أَوْ أَعْوَامٍ مَا لَمْ يَكُنْ مُدِيرًا. وَقَدْ اسْتَوْفَى ابْنُ رُشْدٍ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْفَصْلِ فَلْنَذْكُرْ مَا تَكُونُ بِهِ الْفَتْوَى فِي جَمِيعِ نَقْلِهِ مَجْمُوعًا لِتَتَبَيَّنَ الْفُرُوقُ بَيْنَ مَسَائِلِهِ، ثُمَّ أُحِيلَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَقْرِيرِ أَلْفَاظِ خَلِيلٍ. فَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الدُّيُونَ أَرْبَعَةً: دَيْنٌ مِنْ فَائِدَةٍ، وَدَيْنٌ مِنْ غَصْبٍ، وَدَيْنٌ مِنْ قَرْضٍ، وَدَيْنٌ مِنْ تِجَارَةٍ. فَأَمَّا الدَّيْنُ مِنْ الْفَائِدَةِ فَإِنَّهُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ أَوْ مَهْرِ امْرَأَةٍ أَوْ ثَمَنِ خُلْعٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا زَكَاةَ فِيهِ حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا حَتَّى يَقْبِضَ وَيَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِ الْقَبْضِ، وَلَا دَيْنَ عَلَى صَاحِبِهِ يُسْقِطُ عَنْهُ الزَّكَاةَ، وَإِنْ تَرَكَ قَبْضَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ لَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ الزَّكَاةَ فِيهِ. الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ ثَمَنِ عَرْضٍ أَفَادَهُ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوَائِدِ، فَهَذَا لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَ وَيَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَسَوَاءٌ كَانَ بَاعَهُ بِالنَّقْدِ أَوْ بِالتَّأْخِيرِ خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ. فَإِنْ تَرَكَ قَبْضَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ تَخَرَّجَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ: هَلْ يَبْقَى عَلَى حُكْمِهِ أَوْ يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى مِنْ الْأَعْوَامِ؟ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ ثَمَنِ عَرْضٍ اشْتَرَاهُ بِنَاضٍّ عِنْدَهُ لِلْقِنْيَةِ، فَهَذَا إنْ كَانَ بَاعَهُ بِالنَّقْدِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ بَاعَهُ بِتَأْخِيرٍ فَقَبَضَهُ بَعْدَ حَوْلٍ زَكَّاهُ سَاعَةَ يَقْبِضُهُ، وَإِنْ تَرَكَ قَبْضَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ زَكَّى لِمَا مَضَى مِنْ الْأَعْوَامِ وَلَا خِلَافَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ هَذَا الْقِسْمِ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ فِي هَذَا الْقِسْمِ. وَأَذْكُرُ هُنَا حِكَايَةً حَدَّثَنِي شَيْخِي الْأُسْتَاذُ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّنَاعُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ قَرَّرَ فِي الْمِيعَادِ هَذَا الْقِسْمَ مُقَلِّدًا لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا لِلْقِنْيَةِ أَوْ قَرْيَةً أَوْ كَرْمًا ثُمَّ بَدَا لَهُ وَبَاعَهُ بِمَالٍ مُنَجَّمٍ زَكَّى كُلَّ نَجْمٍ سَاعَةَ يَقْبِضُهُ فَكَبُرَ هَذَا عَلَى الْعَامَّةِ فَقَالُوا: مَا عَمِلَ بِهَذَا أَحَدٌ وَلَا سَمِعْنَا بِهَذَا قَطُّ: فَارْتَفَعَتْ الْمَسْأَلَةُ لِلَّذِي كَانَ لَهُ الظُّهُورُ فِي الْفِقْهِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مُخْطِئٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدِي مُسَلَّمَةً هَكَذَا إلَى أَنْ طَالَعْتُ ابْنَ عَرَفَةَ فَرَأَيْتُهُ جَعَلَهَا طَرِيقَيْنِ. وَمُلَخَّصُ كَلَامِهِ أَنَّ حَوْلَ ثَمَنِ عَرْضِ الْقِنْيَةِ الْحَالِّ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ اتِّفَاقًا وَفِي الْمُتَأَجِّلِ طَرِيقَانِ: اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ كَذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إنْ مَلَكَ لَا بِشِرَاءٍ بِنَاضٍّ، وَأَمَّا إنْ مَلَكَهُ بِشِرَاءِ نَاضٍّ فَحَوْلُهُ مِنْ يَوْمِ بَاعَ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى. فَانْظُرْ مَأْخَذَ هَذَا الْمُعْتَرِضِ عَلَى ابْنِ رُشْدٍ وَهَذَا الْوَقَارُ الَّذِي الْتَزَمَهُ مَعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. وَلَكِنْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا نَصُّهُ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ سِلْعَةٍ اشْتَرَاهَا رَجُلٌ لِلْقِنْيَةِ دَارًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ السِّلَعِ ثُمَّ بَاعَهَا بِنَقْدٍ؛ فَمَطَلَ بِالنَّقْدِ أَوْ بَاعَهَا إلَى أَجَلٍ، فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ مَطَلَ بِالثَّمَنِ سِنِينَ أَوْ أَخَّرَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ ثُمَّ قَبَضَهُ، فَلْيَسْتَقْبِلْ بِهِ حَوْلًا بَعْدَ قَبْضِهِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى كَانَ مُدِيرًا أَوْ غَيْرَ مُدِيرٍ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَلَوْ كَانَ أَوْ لَا لِلتِّجَارَةِ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ نِيَّةِ قِنْيَةٍ ". قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْقِسْمُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مِنْ كِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ، فَهَذَا إنْ كَانَ قَبَضَهُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ، مِثْلُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ ثَلَاثَةَ أَعْوَامٍ بِسِتِّينَ دِينَارًا فَيَقْبِضَهَا مُعَجَّلَةً فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الْجَمِيعِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي هَذَا أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ وَسَيَأْتِي هَذَا. قَالَ: الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَا فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُزَكِّي إذَا حَالَ الْحَوْلُ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَذَلِكَ عِشْرُونَ دِينَارًا لِأَنَّهَا قَدْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ مُنْذُ قَبَضَهَا حَوْلًا كَامِلًا، ثُمَّ يُزَكِّي كُلَّ مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ لَهُ بَالٌ مَا يَجِبُ لَهُ بِالْكِرَاءِ إلَى أَنْ يُزَكِّيَ جَمِيعَ السِّتِّينَ بِانْقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ الْأَعْوَامِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا الدَّيْنُ مِنْ الْغَصْبِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُزَكِّيهِ زَكَاةً وَاحِدَةً سَاعَةَ يَقْبِضُهُ، وَأَمَّا دَيْنٌ لِقَرْضٍ فَيُزَكِّيهِ غَيْرُ الْمُدِيرِ إذَا قَبَضَهُ زَكَاةً وَاحِدَةً لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، وَأَمَّا الْمُدِيرُ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُقَوِّمُ كُلَّ عَامٍ وَأَمَّا دَيْنُ التِّجَارَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ يُقَوِّمُهُ الْمُدِيرُ وَيُزَكِّيهِ غَيْرُ الْمُدِيرِ إذَا قَبَضَهُ زَكَاةً وَاحِدَةً لِمَا مَضَى مِنْ الْأَعْوَامِ. (وَقُبِضَ عَيْنًا) مِنْ ابْنِ يُونُسَ مَا مَعْنَاهُ: لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ حَتَّى يَقْبِضَ وَلَا فِي الْعُرُوضِ حَتَّى تَصِيرَ عَيْنًا، وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ سِلْعَةٌ لِلتِّجَارَةِ فَبَاعَهَا بَعْدَ حَوْلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَلْيُزَكِّهَا إذَا قَبَضَهَا مَكَانَهُ، وَإِنْ أَخَذَ بِالْمِائَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا ثَوْبًا فَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الثَّوْبِ حَتَّى يَبِيعَهُ. (وَلَوْ بِهِبَةٍ) أَمَّا إنْ وَهَبَ الدَّيْنَ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ كَالرَّجُلِ مَثَلًا يُسَلِّفُ ابْنَهُ مِائَةَ دِينَارٍ وَيُجْلِسُهُ فِي حَانُوتِهِ يُدِيرُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى هَذَا الِابْنِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَالٍ اكْتَسَبَهُ، فَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ وَالِدُهُ بَعْدَ حَوْلٍ أَوْ أَحْوَالٍ فَلَا زَكَاةَ أَيْضًا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ لَهُ أَحْوَالٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ فَوَهَبَهُ لَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى رَبِّهِ وَلَا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَيَسْتَقْبِلُ بِهِ. سَحْنُونَ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ وُهِبَ لَهُ أَمْ لَا. وَأَمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 إنْ وَهَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بَعْدَ حَوْلٍ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الزَّكَاةُ فِيهِ عَلَى الْوَاهِبِ مُحَمَّدٌ: لِأَنَّ قَبْضَ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَقَبْضِ الْوَاهِبِ (أَوْ إحَالَةٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا أَحَالَ بِمِائَةٍ عَلَيْهِ قَدْ حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ عَلَى مِائَةٍ لَهُ عَلَى غَرِيمٍ قَدْ حَالَ أَيْضًا عَلَيْهَا حَوْلٌ، أَنَّ عَلَى الْمُحِيلِ زَكَاتَهَا إذَا قَبَضَهَا الْمُحَالُ بِهَا وَعَلَى الْمُحَالِ بِهَا زَكَاتُهَا أَيْضًا. اللَّخْمِيِّ: فَيُزَكِّي هَذِهِ الْمِائَةَ اثْنَانِ (كَمُلَ بِنَفْسِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ مَضَى لَهُ حَوْلٌ فَاقْتَضَى مِنْهُ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ فِي مَرَّةٍ أَوْ مِرَارٍ فَلَا يُزَكِّيهِ حَتَّى يَجْتَمِعَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَيُزَكِّيهِ يَوْمئِذٍ كُلَّهُ ثُمَّ يُزَكِّي قَلِيلَ مَا يَقْتَضِي وَكَثِيرَهُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا لَمْ يُزَكِّ إذَا اقْتَضَى دُونَ الْعِشْرِينَ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَقْتَضِي غَيْرَهَا أَمْ لَا، وَلَا زَكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ. (وَلَوْ تَلِفَ الْمُتَمُّ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ أَنْفَقَ الْمُقْتَضِي مِنْ الدَّيْنِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ قَائِمَ الْعَيْنِ فَإِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 اقْتَضَى عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَأَنْفَقَهَا ثُمَّ اقْتَضَى عَشَرَةً زَكَّى الْعِشْرِينَ جَمِيعًا. وَاخْتُلِفَ إنْ اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ عَشَرَةً فَضَاعَتْ ثُمَّ اقْتَضَى عَشَرَةً فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: يُزَكِّي الْعِشْرِينَ جَمِيعًا. (أَوْ بِفَائِدَةٍ جَمَعَهُمَا مِلْكٌ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عِشْرُونَ دِينَارًا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ثُمَّ أَفَادَ عَشَرَةً فَبَقِيَتْ بِيَدِهِ حَوْلًا ثُمَّ أَنْفَقَهَا ثُمَّ اقْتَضَى عَشَرَةً. زَكَّى عَنْ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ، لِأَنَّ الْفَائِدَةَ تُضَمُّ إلَى مَا اقْتَضَى بَعْدَهَا وَلَا تُضَمُّ لِمَا اقْتَضَى قَبْلَهَا؛ وَإِنْ اقْتَضَى عَشَرَةً أَوَّلًا فَأَنْفَقَهَا ثُمَّ أَفَادَ عَشَرَةً فَأَقَامَتْ بِيَدِهِ حَوْلًا لَمْ تُضَمَّ لِلْأُولَى لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْمَعْهُمَا مِلْكٌ وَحَوْلٌ، فَإِنْ اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ عَشَرَةً زَكَّى عَنْ ثَلَاثِينَ، فَالْعَشَرَةُ الْأَخِيرَةُ أَوْجَبَتْ الزَّكَاةَ فِي الْعَشَرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ الِاقْتِضَاءَ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَهُوَ عِشْرُونَ وَفِي ذَلِكَ الزَّكَاةُ وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْفَائِدَةُ، وَالْفَائِدَةُ تُضَافُ لِمَا اقْتَضَى بَعْدَهَا وَهُمَا عِشْرُونَ وَفِي ذَلِكَ الزَّكَاةُ وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ الِاقْتِضَاءُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ كَانَ الِاقْتِضَاءُ الْأَخِيرُ خَمْسَةً لَمْ يَجِبْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ زَكَاةٌ لِأَنَّ جُمْلَةَ الِاقْتِضَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا زَكَاةَ فِيهَا. وَإِذَا نَظَرْتَ إلَى الْفَائِدَةِ مَعَ مَا اقْتَضَى بَعْدَهَا وَجَدْتَهُ أَيْضًا خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا زَكَاةَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ، فَإِنْ اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ خَمْسَةً زَكَّى عَنْ الثَّلَاثِينَ. (وَحَوْلٌ) اللَّخْمِيِّ: إنْ اقْتَضَى عَشَرَةً فَلَمْ يُنْفِقْهَا حَتَّى أَفَادَ عَشَرَةً ثُمَّ أَنْفَقَ عَشَرَةَ الِاقْتِضَاءِ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْفَائِدَةِ لَزَكَّى عَنْ الْعِشْرِينَ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ. لِأَنَّهُمَا قَدْ جَمَعَهُمَا الْمِلْكُ، وَلَمْ يُزَكِّهِمَا. عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْمَعْهُمَا حَوْلٌ. (أَوْ بِمَعْدِنٍ) وَهُنَا مَسْأَلَتَانِ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ نِصْفُ نِصَابٍ وَقَبَضَ مِنْ دَيْنِهِ الَّذِي حَلَّ حَوْلُهُ نِصْفَ نِصَابٍ، أَوْ كَانَ بِيَدِهِ نِصْفُ نِصَابٍ فَائِدَةً حَلَّ حَوْلُهَا. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: زَادَ عَبْدُ الْوَهَّابِ زِيَادَةً أَغْرَبَ بِهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 وَأَحْسَنَ فِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا أَنَّهُ يَضُمُّ مَا يَقْبِضُ مِنْ الدَّيْنِ لِمَا يَأْخُذُ مِنْ الْمَعْدِنِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يَعْتَبِرُ فِي زَكَاتِهِ الْحَوْلَ أَشْبَهَ مَا مَرَّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَضُمَّ إلَى مَا اقْتَضَاهُ مِنْ الدَّيْنِ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَسَيَأْتِي قَوْلُهُ فِي زَكَاةِ الْمَعْدِنِ: " إنَّ فِي ضَمِّ فَائِدَةٍ لَهُ تَرَدُّدًا ". وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ التَّرَدُّدَ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَجَعَلَ التَّرَدُّدَ بَيْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَبَعْضِ الْأَشْيَاخِ. وَلَا شَكَّ أَنَّهُ ابْنُ يُونُسَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَضْمُونَ هَذَا أَنَّ الدَّيْنَ يُزَكَّى بَعْدَ قَبْضِهِ إنْ كَمُلَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِفَائِدَةٍ أَوْ بِمَعْدِنٍ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: إنْ خَرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ دُونَ نِصَابٍ وَعِنْدَهُ مَا حَلَّ حَوْلُهُ ضَمَّهُمَا. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: هَذَا خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ، وَيَلْزَمُ عَبْدَ الْوَهَّابِ عَلَى هَذَا لَوْ خَرَجَ لَهُ مِنْ الْمَعْدِنِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ثُمَّ انْقَطَعَ ذَلِكَ النَّيْلُ ابْتَدَأَ نَيْلًا آخَرَ فَخَرَجَ مِنْهُ عَشَرَةٌ أُخْرَى وَالْعَشَرَةُ الْأُولَى بِيَدِهِ أَنْ يَضُمَّ ذَلِكَ وَيُزَكِّيَ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لَهُ عَشَرَةٌ حَلَّ حَوْلُهَا لَأَضَافَهَا. إلَى هَذِهِ الَّتِي خَرَجَتْ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ (عَلَى الْمَنْقُولِ) رَاجِعْ أَنْتَ الْمَازِرِيَّ فِي الْجَوَابِ الرَّابِعِ. (لِسَنَةٍ مِنْ أَصْلِهِ) تَضَمَّنَ هَذَا أَنَّ الدَّيْنَ إنْ كَانَ أَصْلُهُ عَيْنًا بِيَدِهِ أَوْ عَرْضَ تِجَارَةٍ وَقَبَضَهُ عَيْنًا أَنَّهُ يُزَكِّيهِ لِسَنَةٍ مِنْ أَصْلِهِ، فَدَخَلَ لَهُ الدَّيْنُ مِنْ الْغَصْبِ وَدَيْنُ التِّجَارَةِ وَدَيْنُ الْقَرْضِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُدِيرِ إذْ هُوَ قَدْ ذَكَرَ دَيْنَ الْقَرْضِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُدِيرِ بَعْدَ هَذَا، وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ. وَخَرَجَ لَهُ الدَّيْنُ مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ أَرْشٍ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ عَيْنًا بِيَدِهِ وَلَا عَرْضَ تِجَارَةٍ، وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ. وَخَرَجَ لَهُ أَيْضًا الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِ عَرْضٍ أَفَادَهُ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوَائِدِ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ. وَيَخْرُجُ لَهُ أَيْضًا الدَّيْنُ مِنْ كِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ لَهُ حُكْمٌ آخَرُ سَيَنُصُّ عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا. وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِ عَرْضٍ اشْتَرَاهُ بِنَاضٍّ عِنْدَهُ لِلْقِنْيَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ أَنَّ أَصْلَهُ عَيْنٌ بِيَدِهِ وَقَبَضَهُ عَيْنًا فَعَلَى هَذَا يُزَكِّيهِ الْآنَ لِسَنَةٍ مِنْ أَصْلِهِ فَيَكُونُ هَذَا أَيْضًا عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا (وَلَوْ فَرَّ بِتَأْخِيرِهِ إنْ كَانَ عَنْ كَهِبَةٍ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 أَرْشٍ) لَا يَشُكُّ مُنْصِفٌ أَنَّ مَأْخَذَ الْمُقَدِّمَاتِ هُوَ الَّذِي أُخِذَ. فَلَوْ قَالَ: " وَإِنَّمَا يُزَكَّى دَيْنٌ إنْ كَانَ أَصْلُهُ عَيْنًا أَوْ كَذَا وَكَذَا لِسَنَةٍ مِنْ أَصْلِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ فَرَّ بِتَأْخِيرٍ كَمَا لَوْ كَانَ عَنْ كَهِبَةٍ أَوْ أَرْشٍ ". لِتَنْزِلَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ فَانْظُرْ أَنْتَ هَذَا. (لَا عَنْ مُشْتَرًى لِلْقِنْيَةِ وَبَاعَهُ لِأَجَلٍ فَلِكُلٍّ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِ عَرْضٍ اشْتَرَاهُ بِنَاضٍّ عِنْدَهُ لِلْقِنْيَةِ وَبَاعَهُ وَتَرَكَ قَبْضَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ زَكَّى لِمَا مَضَى مِنْ الْأَعْوَامِ بِلَا خِلَافٍ. (وَعَنْ إجَارَةٍ أَوْ عَرْضٍ مُفَادٍ قَوْلَانِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِ عَرْضٍ أَفَادَهُ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوَائِدِ فَهَذَا لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يُقْبَضَ وَيَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ. ثُمَّ اسْتَدْرَكَ قَوْلَ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَكَأَنَّ الْفِقْهَ عِنْدَهُ مَا قُدِّمَ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ تَرَكَ قَبْضَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ تَخَرَّجَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَلَمْ يُشْهِرْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَا عَزَاهُ، فَلَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ خَلِيلٍ بِقَوْلِهِ: " أَوْ عَرْضٍ مُفَادٍ قَوْلَانِ " إذَا فَرَّ بِتَأْخِيرِهِ فَيَبْقَى النَّظَرُ فِي قَوْلِهِ: " وَعَنْ إجَارَةٍ " لَمْ يَنُصَّ ابْنُ رُشْدٍ إذَا أَخَّرَ قَبْضَهَا فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ لَكِنْ عِبَارَتُهُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ إجَارَةٍ فَإِنْ قَبَضَهُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْخِدْمَةِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ يَعْنِي فِي الْعَرْضِ الْمُفَادِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوَائِدِ. (وَحَوْلُ الْمُتَمِّ مِنْ التَّمَامِ) اللَّخْمِيِّ: مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَى غَرِيمٍ ثَلَاثُونَ دِينَارًا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَإِنْ اقْتَضَى مِنْهَا عَشَرَةً لَمْ تَكُنْ فِيهَا زَكَاةٌ، فَإِنْ اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 عَشْرَةً أَوْ الْعِشْرِينَ الْبَاقِيَةَ زَكَّاهُمَا جَمِيعًا وَكَانَ حَوْلُ الْجَمِيعِ مِنْ يَوْمِ اقْتَضَى الثَّانِيَةَ. (لَا إنْ نَقَصَ بَعْدَ الْوُجُوبِ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ اقْتَضَى فِي الْأُولَى عِشْرِينَ فَزَكَّاهَا ثُمَّ اقْتَضَى عَشَرَةً زَكَّاهَا أَيْضًا وَكَانَ حَوْلُ الثَّانِيَةِ يَوْمَ اُقْتُضِيَتْ وَلَمْ يَجْمَعْهَا وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَالشَّاذُّ أَنْ تُضَافَ إلَى مَا بَعْدَهَا لِأَنَّهَا نَقَصَتْ عَنْ النِّصَابِ بِالزَّكَاةِ. وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ تُرَاعَى الطَّوَارِئُ الْبَعِيدَةُ أَمْ لَا؟ فَمَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 لَمْ يُرَاعِهَا أَبْقَى النِّصَابَ الْأَوَّلَ الَّذِي نَقَصَ بِالزَّكَاةِ عَلَى حَوْلِهِ فَزَكَّاهُ إذَا حَلَّ، وَمَنْ رَاعَاهَا أَضَافَهُ إلَى مَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ عَلَى مَا بَعْدَهُ التَّلَفَ، وَلَوْ تَلِفَ لَمْ يَجِبْ فِي الْأَوَّلِ زَكَاةٌ لِأَنَّهُ دُونَ النِّصَابِ (ثُمَّ زَكَّى الْمَقْبُوضَ وَإِنْ قَلَّ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: ثُمَّ يُزَكِّي قَلِيلَ مَا يَقْتَضِي وَكَثِيرَهُ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَيَكُونُ حَوْلُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ وَلَوْ كَانَ دِينَارًا وَاحِدًا. (وَإِنْ اقْتَضَى دِينَارًا فَآخَرَ فَاشْتَرَى بِكُلٍّ سِلْعَةً بَاعَهَا بِعِشْرِينَ فَإِنْ بَاعَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا بَعْدَ شِرَاءِ الْأُخْرَى زَكَّى الْأَرْبَعِينَ وَإِلَّا إحْدَى وَعِشْرِينَ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُتَصَوَّرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إحْدَى عَشَرَةَ صُورَةً مِنْهَا: أَنْ يَقْتَضِيَ دِينَارًا ثُمَّ آخَرَ فَاشْتَرَى بِالْأَوَّلِ سِلْعَةً ثُمَّ اشْتَرَى بِالثَّانِي سِلْعَةً كَذَلِكَ، ثُمَّ بَاعَ السِّلْعَتَيْنِ مَعًا كُلَّ وَاحِدَةٍ بِعِشْرِينَ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ بَشِيرٍ: يُزَكِّي أَرْبَعِينَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَذَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ، وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمُغِيرَةِ وَحَوْلُ رِبْحِ الثَّانِي مِنْ يَوْمَئِذٍ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذِهِ الصُّورَةَ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ خَلِيلٍ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 فَإِنْ بَاعَهُمَا " فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ اتَّبَعَ ابْنَ شَاسٍ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ. صُورَةٌ ثَانِيَةٌ: اشْتَرَى بِالثَّانِي قَبْلُ ثُمَّ بَاعَ السِّلْعَتَيْنِ مَعًا. حُكْمُ هَذِهِ الصُّورَةِ حُكْمُ الصُّورَةِ قَبْلَهَا وَهِيَ أَيْضًا دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ: " فَإِنْ بَاعَهُمَا " فَمُقْتَضَى خَلِيلٍ أَنَّهُ مُتَّبِعٌ أَيْضًا لِابْنِ شَاسٍ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. صُورَةٌ ثَالِثَةٌ: اشْتَرَى بِهِمَا مَعًا لِوَقْتٍ وَاحِدٍ وَبَاعَهُمَا مَعًا كُلًّا بِعِشْرِينَ فَيُزَكِّي أَرْبَعِينَ خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: " إنْ بَاعَهُمَا مَعًا أَرْبَعِينَ وَاضِحٌ " لَيْسَ وَاضِحًا انْتَهَى. وَهَذِهِ الصُّورَةُ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ خَلِيلٍ: " فَإِنْ بَاعَهُمَا " فَقَوْلُهُ صَحِيحٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. صُورَةٌ رَابِعَةٌ: قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنْ اشْتَرَى بِالْأَوَّلِ قَبْلَ شِرَائِهِ بِالثَّانِي ثُمَّ بَعْدَ شِرَائِهِ بِالثَّانِي بَاعَ سِلْعَةَ الْأَوَّلِ بِتِسْعَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يُزَكِّي عَنْ عِشْرِينَ هَذِهِ التِّسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا وَالدِّينَارَ الثَّانِي الَّذِي هُوَ سِلْعَةٌ، ثُمَّ إنْ بَاعَ السِّلْعَةَ الثَّانِيَةَ لَمْ يُزَكِّ رِبْحَهَا إلَّا لِحَوْلٍ مِنْ يَوْمِ زَكَّى الدِّينَارَ الثَّانِيَ وَهُوَ يَوْمُ زَكَّى الْأَوَّلَ وَرِبْحَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ رِبْحُ دِينَارٍ مُزَكًّى انْتَهَى. وَفِي مَسْأَلَةِ خَلِيلٍ يُزَكِّي عَنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهُ فَرَضَهَا فِي الْبَيْعِ بِعِشْرِينَ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا أَنَّهُ اشْتَرَى بِكُلِّ سِلْعَةٍ ثُمَّ بَاعَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ شِرَائِهِ بِالْأُخَرِ فَقَالَ خَلِيلٌ: يُزَكِّي أَرْبَعِينَ. وَمُقْتَضَى مَا لِابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ يُزَكِّي إحْدَى وَعِشْرِينَ فَانْظُرْهُ أَنْتَ. صُورَةٌ خَامِسَةٌ: اشْتَرَى بِالْأَوَّلِ قَبْلَ شِرَائِهِ بِالثَّانِي ثُمَّ قَبْلَ بَيْعِهِ سِلْعَةَ الْأَوَّلِ بَاعَ الثَّانِيَ بِتِسْعَةَ عَشَرَ، فَإِنَّهُ يُزَكِّي حِينَئِذٍ هَذِهِ التِّسْعَةَ عَشَرَ وَالدِّينَارَ الْأَوَّلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 الْمُقْتَضَى لِأَنَّهُ كَمَنْ اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ دِينَارًا ثُمَّ اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا، ثُمَّ إذَا بَاعَ السِّلْعَةَ الْأَوَّلَ زَكَّى الرِّبْحَ لِحَوْلٍ مِنْ يَوْمِ زَكَّى الدِّينَارَ الْأَوَّلَ وَهُوَ يَوْمُ زَكَّى الثَّانِيَةَ وَرِبْحَهَا وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ: وَغَيْرُ هَذَا الْقَوْلِ غَلَطٌ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَيْسَ بِغَلَطٍ وَهَذِهِ الصُّورَةُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا أَنَّهُ اشْتَرَى بِكُلِّ سِلْعَةٍ بَاعَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ شِرَائِهِ بِالْأُخْرَى. فَفِي مَسْأَلَةِ خَلِيلٍ يُزَكِّي إحْدَى وَعِشْرِينَ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّهُ الْفِقْهُ. وَقَالَ خَلِيلٌ: يُزَكِّي أَرْبَعِينَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنَّ هَذَا غَلَطٌ وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَانْظُرْهُ أَنْتَ. صُورَةٌ سَادِسَةٌ: اشْتَرَى بِالثَّانِي قَبْلَ شِرَائِهِ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ بَعْدَ شِرَائِهِ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ بَاعَ سِلْعَةَ الثَّانِي بِتِسْعَةَ عَشَرَ، فَإِنَّهُ يُزَكِّي هَذِهِ التِّسْعَةَ عَشَرَ وَالدِّينَارَ الْأَوَّلَ الْمُقْتَضَى لِأَنَّ مَنْ اقْتَضَى دِينَارًا فَابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً ثُمَّ اقْتَضَى تِسْعَةَ عَشَرَ زَكَّى عِشْرِينَ حِينَئِذٍ وَيَكُونُ حَوْلُ رِبْحِ الدِّينَارِ الْأَوَّلِ مِنْ يَوْمِئِذٍ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ. وَهَذِهِ الصُّورَةُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا أَنَّهُ اشْتَرَى بِكُلٍّ سِلْعَةً بَاعَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ شِرَاءِ الْأُخْرَى فَقَالَ خَلِيلٌ: يُزَكِّي أَرْبَعِينَ. وَعَلَى مُقْتَضَى مَا لِابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ يُزَكِّي إحْدَى وَعِشْرِينَ فَاسْتَظْهِرْ أَنْتَ عَلَى هَذَا. صُورَةٌ سَابِعَةٌ: اشْتَرَى بِالثَّانِي قَبْلَ شِرَائِهِ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ قَبْلَ بَيْعِهِ سِلْعَةَ الثَّانِي بَاعَ سِلْعَةَ الْأَوَّلِ بِتِسْعَةَ عَشَرَ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: تَجْرِي هَذِهِ الصُّورَةُ عَلَى قَوْلَيْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرِهِ يَعْنِي فِي الصُّورَةِ الْخَامِسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَهَذِهِ الصُّورَةُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا أَنَّهُ بَاعَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ شِرَاءِ الْأُخْرَى فَقَالَ خَلِيلٌ: يُزَكِّي أَرْبَعِينَ. وَمُقْتَضَى مَا لِابْنِ يُونُسَ أَنَّ هَذَا خَطَأٌ وَقَدْ بَحَثَ مَعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَانْظُرْهُ أَنْتَ. صُورَةٌ ثَامِنَةٌ: اقْتَضَى دِينَارًا ثُمَّ آخَرَ وَاشْتَرَى بِهِمَا سِلْعَتَيْنِ لِوَقْتٍ وَاحِدٍ ثُمَّ قَبْلَ بَيْعِهِ سِلْعَةَ الثَّانِي بَاعَ سِلْعَةَ الْأَوَّلِ بِتِسْعَةَ عَشَرَ، فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ يُزَكِّي عِشْرِينَ وَيُزَكِّي رِبْحَ الْآخَرِ يَوْمَ قَبَضَهُ كَعَرْضِ تَجْرٍ بِيعَ بَعْضُهُ بِنِصَابٍ ثُمَّ بَاقِيهِ. وَهَذِهِ الصُّورَةُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا أَنَّهُ بَاعَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ شِرَاءِ الْأُخْرَى فَقَالَ خَلِيلٌ: يُزَكِّي أَرْبَعِينَ. وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُزَكِّي إحْدَى وَعِشْرِينَ فَاسْتَظْهِرْ أَنْتَ عَلَى هَذَا. وَكَذَا أَيْضًا هُوَ الْحُكْمُ فِي صُورَةٍ تَاسِعَةٍ وَهِيَ: إذَا اقْتَضَى دِينَارًا ثُمَّ آخَرَ وَاشْتَرَى بِهِمَا سِلْعَتَيْنِ لِوَقْتٍ وَاحِدٍ ثُمَّ قَبْلَ بَيْعِهِ سِلْعَةَ الْأَوَّلِ بَاعَ سِلْعَةَ الثَّانِيَةِ بِتِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا، فَإِنَّهُ يُزَكِّي عَنْ عِشْرِينَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَيُزَكِّي رِبْحَ الْأُخَرِ يَوْمَ قَبْضِهِ. فَعَلَى هَذَا يُزَكِّي فِي مَسْأَلَةِ خَلِيلٍ إحْدَى وَعِشْرِينَ قَالَ هُوَ: يُزَكِّي أَرْبَعِينَ فَانْظُرْهُ أَنْتَ. صُورَةٌ عَاشِرَةٌ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ اقْتَضَى مِنْ دَيْنٍ لَهُ حَوْلٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 دِينَارًا فَتَجَرَ بِهِ فَصَارَ عِشْرِينَ ثُمَّ اقْتَضَى دِينَارًا آخَرَ فَتَجَرَ فِيهِ فَصَارَ عِشْرِينَ فَلْيُزَكِّ إحْدَى وَعِشْرِينَ دِينَارًا فَقَطْ لِأَنَّ الزَّكَاةَ قَدْ وَجَبَتْ فِي الدِّينَارِ الثَّانِي يَوْمَ قَبْضِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي رِبْحِهِ زَكَاةٌ كَمَنْ حَلَّتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ عِشْرِينَ دِينَارًا فَلَمْ يُزَكِّهَا حَتَّى تَجَرَ فِيهَا فَصَارَتْ أَرْبَعِينَ فَإِنَّمَا يُزَكِّي عِشْرِينَ ثُمَّ يَرْتَقِبُ الْحَوْلَ. وَهَذِهِ الصُّورَةُ يَنْطَبِقُ أَنَّهُ بَاعَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ شِرَاءِ الْأُخْرَى فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ خَلِيلٍ وَإِلَّا إحْدَى وَعِشْرِينَ وَذَلِكَ صَحِيحٌ. صُورَةٌ حَادِيَةَ عَشَرَ: اقْتَضَى دِينَارًا ثُمَّ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرَى بِالثَّانِي سِلْعَةً بَاعَهَا بِعِشْرِينَ قَبْلَ شِرَائِهِ بِالْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يُزَكِّي إحْدَى وَعِشْرِينَ وَحَوْلُ رِبْحِ الْأَوَّلِ مِنْ يَوْمِئِذٍ. وَهَذِهِ الصُّورَةُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا أَنَّهُ بَاعَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ شِرَائِهِ بِالْآخَرِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ خَلِيلٍ وَإِلَّا إحْدَى وَعِشْرِينَ انْتَهَى. وَهَذَا فَصْلٌ يَحْتَاجُ لِمَزِيدِ فَهْمٍ وَمُرَاجَعَةٍ. الْمَازِرِيُّ: وَالذَّخِيرَةُ وَابْنُ بَشِيرٍ لَمْ يَحْضُرْنِي وَاحِدٌ مِنْهَا فِي الْوَقْتِ. (وَضُمَّ لِاخْتِلَاطِ أَحْوَالِهِ آخَرُ لِأَوَّلٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُزَكِّي مَا يَقْتَضِي مِنْ دَيْنِهِ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَيُزَكِّيهَا ثُمَّ يُزَكِّي قَلِيلَ مَا يَقْتَضِي وَكَثِيرَهُ، أَنْفَقَ مَا زَكَّى أَوْ أَبْقَاهُ. وَحَوْلُ مَا يَقْتَضِي مِنْ يَوْمِ مَا يُزَكِّيهِ قَالَ مَالِكٌ فِي غَيْرِ كِتَابٍ: إلَّا أَنْ يَكْثُرَ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِي وَيَخْتَلِطَ فَيُرَدُّ الْآخَرُ إلَى مَا قَبْلَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ قَدْ حَلَّ حَوْلُهُ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنَّهُ يُجْزِئُهُ فَلِذَلِكَ يُرَدُّ الْآخَرُ إلَى مَا قَبْلَهُ (عَكْسُ الْفَوَائِدِ) قَالَ سَحْنُونَ: وَأَمَّا فِي اخْتِلَاطِ الْفَوَائِدِ فَلْيُرَدَّ الْأَوَّلُ إلَى الْآخَرِ وَقَالَهُ مَالِكٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّ آخِرَ الْفَوَائِدِ إلَى الْأَوَّلِ أَدَّى الزَّكَاةَ قَبْلَ حَوْلِهَا. (وَالِاقْتِضَاءُ لِمِثْلِهِ مُطْلَقًا) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: إنْ اقْتَضَى عَشَرَةً لَمْ تَكُنْ فِيهَا زَكَاةٌ فَإِنْ اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ عَشَرَةً زَكَّى الْعِشْرِينَ، وَتَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: ثُمَّ يُزَكِّي مَا يَقْتَضِي وَكَثِيرَهُ (وَالْفَائِدَةُ لِلْمُتَأَخِّرِ مِنْهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: الْفَائِدَةُ تُضَمُّ إلَى مَا اقْتَضَى بَعْدَهَا وَلَا تُضَمُّ إلَى مَا اقْتَضَى قَبْلَهَا. اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ بِفَائِدَةٍ جَمَعَهُمَا مِلْكٌ ". (فَإِنْ اقْتَضَى خَمْسَةً بَعْدَ حَوْلٍ ثُمَّ اسْتَفَادَ عَشَرَةً وَأَنْفَقَهَا بَعْدَ حَوْلِهَا ثُمَّ اقْتَضَى عَشَرَةً زَكَّى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 الْعَشْرَتَيْنِ وَالْأُولَى إنْ اقْتَضَى خَمْسَةً) ابْنُ يُونُسَ: لَوْ اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ فَأَنْفَقَهَا ثُمَّ أَفَادَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَأَنْفَقَهَا بَعْدَ حَوْلٍ ثُمَّ اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ عَشَرَةً أَيْضًا، فَإِنَّهُ يُزَكِّيهَا مَعَ الْعَشَرَةِ الْفَائِدَةِ الَّتِي أَنْفَقَ وَلَا يُزَكِّي الْخَمْسَةَ الَّتِي اقْتَضَى أَوَّلًا، لِأَنَّهَا إنَّمَا تُضَافُ إلَى الْعَشَرَةِ الْمُقْتَضَاةِ وَلَا تُضَافُ إلَى الْعَشَرَةِ الْفَائِدَةِ بَعْدَهَا، ثُمَّ إنْ اقْتَضَى خَمْسَةً أُخْرَى زَكَّاهَا مَعَ الْخَمْسَةِ الَّتِي اقْتَضَى أَوَّلًا لِأَنَّهُ قَدْ اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ بِهَا عِشْرِينَ. (وَإِنَّمَا يُزَكَّى عَرْضٌ) ابْنُ شَاسٍ: عُرُوضُ التِّجَارَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا تُرْصَدُ الْأَسْوَاقُ مِنْ غَيْرِ إدَارَةٍ فَلَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ حَتَّى تُبَاعَ وَيُزَكَّى الثَّمَنُ. الْوَجْهُ الثَّانِي: اكْتِسَابُ الْعُرُوضِ لِيُدِيرَهَا وَيَبِيعَ بِالسِّعْرِ الْحَاضِرِ وَيَخْلُفَهَا كَفِعْلِ أَرْبَابِ الْحَوَانِيتِ الْمُدِيرِينَ، فَهَذَا يَجْعَلُ لِنَفْسِهِ شَهْرًا مِنْ السَّنَةِ يَكُونُ حَوْلَهُ فَيُقَوِّمُ فِيهِ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعُرُوضِ وَيُضِيفُهَا إلَى مَا مَعَهُ مِنْ عَيْنٍ وَيُزَكِّي الْجَمِيعَ (لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ) اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ نِيَّةِ قِنْيَةٍ ". (مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: عَرْضُ التَّجْرِ مَا مُلِكَ بِعِوَضٍ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ لِلرِّبْحِ أَوْ بَدَلِهِ (بِنِيَّةِ تَجْرٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَا اشْتَرَى مِنْ الْعُرُوضِ لِلْقِنْيَةِ أَوْ اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ نَوَى بِهِ الْقِنْيَةَ لَا زَكَاةَ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: مَنْ مَلَكَ عَرْضًا بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ كَالْمِيرَاثِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ زَكَاةٌ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التِّجَارَةَ، وَإِنْ مَلَكَهُ بِمُعَاوَضَةٍ فَإِنْ كَانَ دَفَعَ عَنْهُ عَيْنًا انْصَرَفَ بِالنِّيَّةِ إلَى مَا يَصْرِفُهُ بِالتِّجَارَةِ أَوْ الْقِنْيَةِ، وَإِنْ دَفَعَ عَنْهُ عَرْضًا فَإِنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ فَهُوَ كَالْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَ لِلْقِنْيَةِ فَنَوَى الْمَأْخُوذُ عَنْهُ الْقِنْيَةَ فَلَا شَكَّ فِي انْصِرَافِهِ إلَيْهَا، وَإِنْ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ فَهَلْ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا بِحُصُولِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ أَوْ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ عَنْ عَرْضِ قِنْيَةٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ؟ قَوْلَانِ اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا قَوْلَهُ: " وَلَوْ بِهِبَةٍ ". (أَوْ مَعَ نِيَّةِ غَلَّةٍ) اللَّخْمِيِّ: إنْ نَوَى بِشِرَاءِ الْعَرْضِ التِّجَارَةَ وَالْإِجَارَةَ كَانَ ذَلِكَ أَبْيَنَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ. وَمِثْلُهُ إذَا نَوَى التِّجَارَةَ وَالِاسْتِمْتَاعَ بِالِاسْتِخْدَامِ وَالْوَطْءِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ نَوَى التِّجَارَةَ بِانْفِرَادِهَا يَسْتَمْتِعُ فِي خِلَالِ ذَلِكَ بِالِاسْتِخْدَامِ وَالرُّكُوبِ وَالْكِرَاءِ إلَى أَنْ يَتَّفِقَ لَهُ الْبَيْعُ. (أَوْ قِنْيَةٍ) ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ اشْتَرَى لِوَجْهَيْنِ كَمَنْ ابْتَاعَ أَمَةً لِلْوَطْءِ وَالْخِدْمَةِ وَإِنْ وَجَدَ ثَمَنًا بَاعَ فَإِنَّ ثَمَنَهَا كَالْفَائِدَةِ. وَرَوَى أَشْهَبُ: يُزَكِّي ثَمَنَهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَبِهَذَا أَقُولُ لِأَنَّ الْقِنْيَةَ وَالتِّجَارَةَ أَصْلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ مُنْفَرِدٌ بِحُكْمِهِ أَحَدُهُمَا يُوجِبُ الزَّكَاةَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 وَالْآخَرُ يَنْفِيهَا، فَإِذَا اجْتَمَعَا كَانَ الْحُكْمُ لِلَّذِي يُوجِبُ الزَّكَاةَ احْتِيَاطًا كَشَهَادَةٍ تُثْبِتُ حَقًّا وَشَهَادَةٍ تَنْفِيهِ، وَكَقَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ تَمَتَّعَ وَلَهُ أَهْلٌ بِمَكَّةَ وَأَهْلٌ بِبَعْضِ الْآفَاقِ: إنَّهُ يُهْدِي احْتِيَاطًا فَهَذَا مِثْلُهُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ إذَا اشْتَرَى لِوَجْهَيْنِ لِلْقِنْيَةِ وَالتِّجَارَةِ فَغَلَّبَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقِنْيَةَ، وَغَلَّبَ أَشْهَبُ التِّجَارَةَ، ثُمَّ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ بِعِبَارَةِ ابْنِ يُونُسَ لَا يُشَكُّ أَنَّهَا مَنْقُولَةٌ مِنْهُ (عَلَى الْمُخْتَارِ وَالْمُرَجَّحِ) مَعْلُومٌ أَنَّ اللَّخْمِيَّ اخْتَارَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ إذَا اشْتَرَى لِتِجَارَةٍ أَوْ غَلَّةٍ أَوْ لِتِجَارَةٍ وَقِنْيَةٍ إذْ هُوَ الَّذِي فَصَّلَ هَذَا التَّفْصِيلَ، إذْ جَعَلَ الْعُرُوضَ الْمُشْتَرَاةَ عَلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ. وَأَمَّا ابْنُ يُونُسَ فَإِنَّمَا ذَكَرَ مَعَ التِّجَارَةِ الْقِنْيَةَ خَاصَّةً وَلَكِنْ مِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ يَخْتَارَ الزَّكَاةَ فِي الْمُشْتَرِي لِلتِّجَارَةِ وَالْغَلَّةِ (لَا بِلَا نِيَّةٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ فُقِدَتْ النِّيَّةُ مِنْهُ لَمْ تَتَعَلَّقْ الزَّكَاةُ بِهِ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الزَّكَاةِ فِي الْعُرُوضِ. (أَوْ نِيَّةِ قِنْيَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: الْعَيْنُ وَالْمَوَاشِي تَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ كَانَا مِنْ شِرَاءِ أَوْ إرْثٍ، وَأَمَّا الْعُرُوض كَالدُّورِ وَالثِّيَابِ وَالطَّعَامِ وَالْحَيَوَانِ الَّذِي لَا تَجِبُ فِي رِقَابِهِ الزَّكَاةُ فَإِنْ أَفَادَهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، فَإِنْ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ وَمَا اشْتَرَى مِنْ ذَلِكَ وَنَوَى بِهِ الْقِنْيَةَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يَبِيعَهُ وَيَسْتَقْبِلَ بِثَمَنِهِ (أَوْ غَلَّةٍ) ابْنُ الْمَوَّازِ: مَا اشْتَرَى لِلْغَلَّةِ ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ حَوْلٍ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُزَكِّي ثَمَنَهُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا يُزَكِّي وَهُوَ كَالْفَائِدَةِ وَبِهَذَا أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَصْوَبُ لِأَنَّ الِاشْتِرَاءَ لِلْغَلَّةِ هُوَ مَعْنًى مِنْ الْقِنْيَةِ لِأَنَّ الِاشْتِرَاءَ لِلْقِنْيَةِ إنَّمَا هُوَ لِوَجْهَيْنِ: إمَّا لِيَنْتَفِعَ بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي بِخِدْمَةٍ أَوْ سُكْنَى وَنَحْوِهِ، وَإِمَّا لِيَغْتَلَّهُ فَشِرَاؤُهُ لِلْغَلَّةِ شِرَاءٌ لِلْقِنْيَةِ وَبِهِ أَقُولُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ (أَوْ هُمَا) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ نَوَى الْقِنْيَةَ وَالْغَلَّةَ فَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ مِنْ الْمُغْتَلِّ تَسْقُطُ عَنْهَا الزَّكَاةُ، وَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُوجِبُهَا يَجْتَمِعُ هَاهُنَا مُوجِبٌ وَمُسْقِطٌ، فَقَدْ يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُرَاعِيَ الْخِلَافَ (وَكَانَ كَأَصْلِهِ أَوْ عَيْنًا) اُنْظُرْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 عِبَارَةَ ابْنِ عَرَفَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ " (وَإِنْ قَلَّ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَضُمَّ الرِّبْحُ لِأَصْلِهِ ". (وَبِيعَ بِعَيْنٍ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 ابْنُ بَشِيرٍ: اُخْتُلِفَ فِيمَنْ يَبِيعُ الْعُرُوضَ بِالْعُرُوضِ وَلَا يُنَضُّ لَهُ عَيْنٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّقْوِيمُ. اُنْظُرْ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقَبَضَ عَيْنًا " (وَإِنْ لِاسْتِهْلَاكٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ كَانَتْ لَهُ دَابَّةٌ لِلتِّجَارَةِ فَاسْتَهْلَكَهَا رَجُلٌ وَأَخَذَ مِنْهُ بِقِيمَتِهَا سِلْعَةً، فَإِنْ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ زَكَّى ثَمَنَهَا سَاعَةَ يَبِيعُهَا إنْ مَضَى لِأَصْلِ ثَمَنِ الدَّابَّةِ حَوْلٌ مَنْ يَوْمِ زَكَّاهُ، وَإِنْ نَوَى بِهَا حِينَ أَخَذَهَا الْقِنْيَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِنْ بَاعَهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَى ثَمَنِهَا حَوْلٌ، مِنْ يَوْمِ بَاعَهَا، وَإِنْ أَخَذَ فِي قِيمَةِ الدَّابَّةِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ زَكَّاهَا سَاعَةَ يَقْبِضُهَا إنْ مَضَى لِلْأَصْلِ حَوْلٌ، وَإِنْ لَمْ يَمْضِ لَهُ حَوْلٌ فَلَا يُزَكِّيهَا. ثُمَّ إنْ اشْتَرَى بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ سِلْعَةً فَإِنْ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَهِيَ لِلتِّجَارَةِ. وَإِنْ نَوَى بِهَا الْقِنْيَةَ فَهِيَ لِلْقِنْيَةِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهَا إنْ بَاعَهَا حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَحُولَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 عَلَيْهِ الْحَوْلُ بَعْدَ قَبْضِهِ. (فَكَالدَّيْنِ إنْ رَصَدَ بِهِ السُّوقَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ: عَرْضُ التِّجَارَةِ أَنْ تَرَصَّدَ بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 السُّوقَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يُبَاعَ. قَالَ فِي التَّلْقِينِ: فَإِذَا بِيعَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنْ أَقَامَ أَحْوَالًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ مَا دَامَ عَرْضًا فَإِذَا بِيعَ زَكَّى لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ. (وَإِلَّا زَكَّى عَيْنَهُ وَدَيْنَهُ النَّقْدَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ: أَنَّ غَيْرَ الْمُتَرَصِّدِ وَهُوَ الْمُدِيرُ يُقَوِّمُ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعُرُوضِ وَيُضِيفُهُ إلَى مَا مَعَهُ مِنْ عَيْنٍ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: يُقَوِّمُ عُرُوضَهُ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ وَيُزَكِّي ذَلِكَ مَعَ مَا مَعَهُ مِنْ عَيْنٍ. قَالَ: وَمَا كَانَ لَهُ مِنْ دَيْنٍ يَرْتَجِي قَضَاءَهُ زَكَّاهُ مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ تَأَخَّرَ قَبْضُ دَيْنِهِ وَبِيعَ عَرْضُهُ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ زَكَّاهُ أَيْضًا (الْحَالَّ الْمَرْجُوَّ وَإِلَّا قَوَّمَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُقَوِّمُ الْمُدِيرُ الدَّيْنَ مِنْ عَرْضٍ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ يَرْتَجِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَرْتَجِيهِ لَمْ يُقَوِّمْهُ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُهُ فِي الدَّيْنِ يُقَوِّمُهُ لِأَنَّهُ الَّذِي يُمْلَكُ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَفْلَسَ فَبَاعَهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ فَثَمَنُهُ كَقِيمَتِهِ؟ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَا كَانَ لَهُ مِنْ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَلْيُقَوِّمْهُ. ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُزَكِّي الْمُدِيرُ دَيْنَهُ الْمُرْتَجَى وَإِنْ مَطَلَ بِهِ سِنِينَ لَمْ يَأْخُذْهُ وَيَحْسُبُ عَدَدَهُ لَا قِيمَتَهُ. ابْنُ يُونُسَ: صَوَابٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ يُزَكِّي قِيمَتَهُ لِأَنَّهَا الَّتِي مَلَكَ مِنْهُ الْآنَ وَأَمَّا الْحَالُّ فَإِنَّهُ يُزَكِّي عَدَدَهُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ الْآنَ عَلَى أَخْذِهِ فَكَأَنَّهُ بِيَدِهِ. وَقِيلَ: حُكْمُ الدَّيْنِ الْمُعَجَّلِ وَالْمُؤَجَّلِ حُكْمُ الْعَرْضِ يُقَوِّمُهُ الْمُدِيرُ اسْتَحْسَنَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 بَعْضُ أَصْحَابِنَا. (وَلَوْ طَعَامَ سَلَمٍ) ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْمُدِيرَ إذَا كَانَ لَهُ طَعَامٌ مِنْ سَلَمٍ أَنَّهُ يُقَوِّمُهُ وَلَيْسَ تَقْوِيمُهُ بَيْعًا لَهُ. وَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ: لَا يُقَوِّمُهُ. (كَسِلْعَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: يُقَوِّمُ عُرُوضَهُ مَعَ مَا مَعَهُ مِنْ عَيْنٍ وَدَيْنٍ. (وَلَوْ بَارَتْ) تَقَدَّمَ نَصُّ مَالِكٍ: إنْ تَأَخَّرَ بَيْعُ عَرْضِهِ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ زَكَّاهُ أَيْضًا. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذَا قَوْلَيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَخَصَّصَهُمَا اللَّخْمِيِّ بِبَوَارِ الْيَسِيرِ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَوْ بَارَ مَا بِيَدِ الْمُدِيرِ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ جَمِيعُهُ لَمْ يُقَوِّمْ قَوْلًا وَاحِدًا. وَإِذَا بَارَ أَقَلُّهُ قَوَّمَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ احْتِيَاطًا لِلزَّكَاةِ. وَفِي حَدِّ الْبَوَارِ بِعَامَيْنِ أَوْ الْعَادَةِ قَوْلَانِ نَقَلَهُمَا الْبَاجِيُّ (لَا إنْ لَمْ يَرْجُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لَا يُرْتَجَى إذَا كَانَتْ لَهُ قِيمَةُ نِصْفِ ثَمَنِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَنَّهُ يَحْسُبُ تِلْكَ الْقِيمَةَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّفْسِيرِ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: " إنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لَا يُرْتَجَى لَا يُزَكَّى " مَعْنَاهُ إذَا لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 تَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ. (أَوْ كَانَ قَرْضًا وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِتَقْوِيمِ الْقَرْضِ) ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ وَابْنِ حَبِيبٍ: " أَنَّ دَيْنَ الْمُدِيرِ إنْ كَانَ قَرْضًا لَمْ يُزَكِّهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ " صَوَابٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَالِ الْإِدَارَةِ. الْبَاجِيُّ: يُقَوِّمُ الْمُدِيرُ عُرُوضَهُ قِيمَةَ عَدْلٍ بِمَا تُسَاوِي حِينَ تَقْوِيمِهَا لَا يُنْظَرُ إلَى شِرَائِهَا وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهَا عَلَى الْبَيْعِ الْمَعْرُوفِ دُونَ بَيْعِ الضَّرُورَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يُمْلَكُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَالْمُرَاعَى فِي الْأَمْوَالِ وَالنُّصُبِ حِينَ الزَّكَاةِ دُونَ مَا قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا بَعْدَهُ، وَهَلْ يُزَكِّي دُيُونَهُ؟ أَمَّا الدَّيْنُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ التِّجَارَةَ كَالْقَرْضِ وَغَيْرِهِ فَهَذَا لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُزَكِّي انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: دَيْنُ الْقَرْضِ يُزَكِّيهِ غَيْرُ الْمُدِيرِ إذَا قَبَضَهُ زَكَاةً وَاحِدَةً لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، وَأَمَّا الْمُدِيرُ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُقَوِّمُهُ. (وَهَلْ حَوْلُهُ لِلْأَصْلِ أَوْ وَسَطٍ مِنْهُ وَمِنْ الْإِدَارَةِ تَأْوِيلَانِ) الْبَاجِيُّ: هَذَا الشَّهْرُ الَّذِي يَجْعَلُهُ الْمُدِيرُ حَوْلَهُ هُوَ رَأْسُ الْحَوْلِ مِنْ يَوْمِ زَكَّى الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يُدِيرَهُ أَوْ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهُ إنْ كَانَ حَوْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدًا، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَحْوَالُهُ فَعَلَى حَسَبِ ضَمِّ الْفَوَائِدِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَذَا يُؤَيِّدُهُ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُقَوِّمُ فِيهِ الْمُدِيرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجْعَلُ لِنَفْسِهِ فِي السَّنَةِ شَهْرًا يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُدِيرِ أَنْ يُقَوِّمَ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ عَلَى أَصْلِ ذَلِكَ الْمَالِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ فِيمَا فِي يَدَيْهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ عُرُوضًا كُلُّهُ فَلَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ، أَوْ يَكُونَ بَعْضُهُ نَاضًّا دُونَ نِصَابٍ فَلَا زَكَاةَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا فَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّقْوِيمِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ، جَمِيعُ ذَلِكَ فَجَازَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ التَّقْوِيمَ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ لِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ التَّقْوِيمَ حِينَئِذٍ ظُلْمًا عَلَيْهِ، وَلَا يُؤَخِّرُ لِحَوْلٍ آخَرَ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ظُلْمًا عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَأَمْرُهُ أَنْ يَجْعَلَ لِنَفْسِهِ شَهْرًا يَكُونُ عَدْلًا بَيْنَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ. وَإِنْ أَتَى رَأْسُ الْحَوْلِ وَفِي يَدَيْهِ نِصَابٌ مِنْ الْعَيْنِ زَكَّاهُ خَاصَّةً ثُمَّ يُزَكِّي مَا يَنِضُّ لَهُ، فَإِنْ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ جَعَلَ لِنَفْسِهِ شَهْرًا فَقَدْ يَكْثُرُ مَا يَنِضُّ لَهُ فَيَقْرَبُ شَهْرُهُ أَوْ يَقِلُّ فَيَبْعُدُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ تَمَّ الْحَوْلُ وَلَمْ تَنِضَّ لَهُ فِي سَائِرِ عَيْنٍ وَإِنَّمَا كَانَ يَبِيعُ بِالْعَرْضِ فَلَا تَقْوِيمَ عَلَيْهِ وَلَا زَكَاةَ، ثُمَّ إنْ نَضَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ قَوَّمَ وَزَكَّى وَكَانَ يَوْمئِذٍ حَوْلَهُ وَأَلْغَى الْوَقْتَ الْأَوَّلَ. ابْنُ يُونُسَ: وَمَنْ أَقَامَ بِيَدِهِ مَالٌ نَاضٌّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ جَلَسَ بِهِ لِلْإِدَارَةِ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ عَلَى الْأَشْهُرِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَبْلَ أَنْ يُدِيرَ مَالَهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ مِنْ يَوْمِ أَخَذَ فِي الْإِدَارَةِ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَوْلُ مَالِكٍ أَحْسَنُ. (ثُمَّ زِيَادَتُهُ مُلْغَاةٌ بِخِلَافِ حُلِيِّ التَّحَرِّي وَالْقَمْحِ) قِيلَ لِأَبِي عِمْرَانَ: الْمُدِيرُ يُقَوِّمُ عَرْضَهُ فَيُزَكِّيهِ ثُمَّ يَبِيعُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: لَا يُزَكِّيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مَضَى وَهَذَا نَمَاءٌ حَادِثٌ. قِيلَ لَهُ: فَالْحُلِيُّ الْمَرْبُوطُ إذَا تَحَرَّى مَا فِيهِ ثُمَّ فَصَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ أَكْثَرَ مِمَّا تَحَرَّى؟ فَقَالَ: هَذَا يُزَكِّي لِأَنَّهُ كَمَنْ ظَنَّ أَنَّ مَالَهُ مِائَةً فَإِذَا هُوَ مِائَتَانِ. (وَالْمُرْتَجِعُ مِنْ مُفْلِسٍ وَالْمُكَاتَبُ بِعَجْزٍ كَغَيْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ وَكَاتَبَهُ ثُمَّ اقْتَضَى مِنْهُ مَالًا ثُمَّ عَجَزَ فَرَجَعَ رَقِيقًا فَبَاعَهُ مَكَانَهُ فَلْيَتْرُكْ ثَمَنَهُ وَيَرْجِعْ إلَى أَصْلِهِ عَلَى التِّجَارَةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مِنْ رَجُلٍ فَفَلَّسَ الْمُبْتَاعُ فَأَخَذَ عَبْدَهُ أَوْ أَخَذَ عَبْدًا مِنْ غَرِيمِهِ فِي دَيْنِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَصْلِهِ وَيَكُونُ لِلتِّجَارَةِ كَمَا كَانَ. (وَإِنْ انْتَقَلَ الْمُدَارُ لِلِاحْتِكَارِ وَهُمَا لِلْقِنْيَةِ بِالنِّيَّةِ) أَمَّا انْتِقَالُ الْمُدِيرِ لِلِاحْتِكَارِ بِالنِّيَّةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ نَوَى حَرَكَتَهُ قَبْلَ حَوْلِهِ بِشَهْرٍ صَارَ مُحْتَكِرًا. وَتَعَقَّبَهُ الْمَازِرِيُّ بِتُهْمَةِ الْفِرَارِ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَصْلَ سُقُوطُ زَكَاةِ الْعَرْضِ، وَأَمَّا انْتِقَالُهُمَا مَعًا لِلْقِنْيَةِ بِالنِّيَّةِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا زَكَاةَ فِيمَا اشْتَرَى مِنْ الْعُرُوضِ لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ نَوَى بِهِ الْقِنْيَةَ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُرُوضِ الْقِنْيَةُ فَتَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ بِالنِّيَّةِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ غَيْرَ مُزَكًّى " (لَا الْعَكْسُ) الشَّيْخُ: لَا يَنْتَقِلُ مَا مُلِكَ لِقِنْيَةٍ وَلَوْ بِشِرَاءٍ بِالنِّيَّةِ لِلتِّجَارَةِ (وَلَوْ كَانَ أَوْلَى لِلتِّجَارَةِ) اُنْظُرْ مَنْ رَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ وَاَلَّذِي لِابْنِ بَشِيرٍ وَمَا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ غَيْرَهُ أَنَّ عُرُوضَ الْقِنْيَةِ لَا تَنْتَقِلُ إلَى التِّجَارَةِ بِالنِّيَّةِ، لَكِنْ إنْ نَوَى بِعُرُوضِ التِّجَارَةِ الْقِنْيَةَ ثُمَّ عَادَ فَنَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَفِي رُجُوعِهَا إلَى ذَلِكَ قَوْلَانِ انْتَهَى. (وَإِنْ اجْتَمَعَ إدَارَةٌ وَاحْتِكَارٌ وَتَسَاوَيَا أَوْ احْتَكَرَ الْأَكْثَرُ فَكُلٌّ عَلَى حُكْمِهِ وَإِلَّا فَالْجَمِيعُ لِلْإِدَارَةِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ يُدِيرُ أَكْثَرَ مَالِهِ زَكَّاهُ كُلَّهُ عَلَى الْإِدَارَةِ، وَإِنْ أَدَارَ أَقَلَّهُ زَكَّى الْمُدَارَ فَقَطْ كُلَّ عَامٍ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا أَحْوَطُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ كَانَ مُتَنَاصَفًا زَكَّى كُلَّ مَالٍ عَلَى جِهَتِهِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ بِالْأَمْرِ الْمُتَبَايِنِ جِدًّا كَانَ الْأَقَلُّ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَعْدَلُ. ابْنُ رُشْدٍ: الْقِيَاسُ أَنْ يُزَكِّيَ كُلَّ مَالٍ عَلَى سَنَتِهِ كَانَا مُتَنَاصِفَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِصَاحِبِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَهُوَ كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى غَيْرِ تَدْبِيرٍ وَلَا تَحْصِيلٍ إذْ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُزَكِّيَ مَا يُدَارُ عَلَى غَيْرِ الْإِدَارَةِ (وَلَا تُقَوَّمُ الْأَوَانِي) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 اللَّخْمِيِّ: بَقَرُ حَرْثِ التِّجَارَةِ قِنْيَةٌ لِأَنَّ التِّجَارَةَ إنَّمَا هِيَ فِيمَا يُزْرَعُ. وَكَذَلِكَ آلَةُ الْعَطَّارِ يَسْتَأْنِفُ بِثَمَنِهَا حَوْلًا لِأَنَّ التَّجْرَ فِيمَا يَعْمَلُ فِيهِ لَيْسَ فِيمَا يَبِيعُ فِيهِ مِنْ مَنَافِعِهَا انْتَهَى. وَانْظُرْ بِالنِّسْبَةِ إلَى السباطريين رَأَيْتُ فُتْيَا لِابْنِ لُبٍّ أَنَّهُمْ لَا يُقَوِّمُونَ صِنَاعَتِهِمْ بَلْ يَسْتَقْبِلُونَ بِأَثْمَانِهَا الْحَوْلَ لِأَنَّهُمَا فَوَائِدُ كَسْبِهِمْ اسْتَفَادُوهَا وَقْتَ بَيْعِهِمْ. وَانْظُرْ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ فِي الذِّمِّيِّ يَقْدَمُ بِالْفِضَّةِ فَيَصُوغُهَا أَوْ بِالْغَزْلِ فَيَنْسِجُهُ، هَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ عُشْرُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَوْ عُشْرُ الْحُلِيِّ وَالثَّوْبِ؟ . (وَفِي تَقْوِيمِ الْكَافِرِ لِحَوْلٍ مِنْ إسْلَامِهِ أَوْ اسْتِقْبَالِهِ بِالثَّمَنِ قَوْلَانِ) ابْنُ حَارِثٍ: مَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ عَرْضُ تَجْرِ احْتِكَارٍ اسْتَقْبَلَ بِثَمَنِهِ حَوْلًا. قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: وَكَذَلِكَ الْمُدِيرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: حَوْلُ الْمُدِيرِ مِنْ يَوْمِ أَسْلَمَ. (وَالْقِرَاضُ الْحَاضِرُ يُزَكِّيهِ رَبُّهُ إنْ أَدَارَ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ الْعَامِلُ حَاضِرًا مَعَ رَبِّ الْمَالِ فَكَانَا جَمِيعًا مُدِيرِينَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنِضَّ الْمَالُ وَيَتَفَاصَلَا وَإِنْ أَقَامَ الْمَالُ بِيَدِهِ أَحْوَالًا. كَذَا رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِثْلُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْوَاضِحَةِ. فَإِذَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالُهُ بَعْدَ أَعْوَامٍ زَكَّى لِكُلِّ سَنَةٍ قِيمَةَ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَتَاعِ إنْ كَانَ قِيمَةُ مَا كَانَ بِيَدِهِ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ مِائَةً، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِائَتَيْنِ، وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثَلَاثَمِائَةٍ، زَكَّى لِأَوَّلِ سَنَةٍ مِائَةً، وَلِلسَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِائَتَيْنِ، وَلِلسَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثَلَاثَمِائَةٍ إلَّا مَنْ تَنْقُصُهُ الزَّكَاةُ. وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ قِيمَةُ مَا بِيَدِهِ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ ثَلَاثَمِائَةٍ. وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِائَتَيْنِ، وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِائَةً. فَقِيلَ: يُزَكِّي لِكُلِّ سَنَةٍ مَا كَانَ بِيَدِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَقِيلَ: يُزَكِّي مِائَةً كُلَّ سَنَةٍ وَهُوَ الْآتِي عَلَى مَا فِي الْوَاضِحَةِ. وَاَلَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا إذْ لَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِ الزَّكَاةِ إلَى حِينِ الْمُفَاصَلَةِ مَعَ حُضُورِ الْمَالِ إلَّا مَخَافَةَ النُّقْصَانِ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ فَإِذَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالُهُ زَكَّى لِكُلِّ سَنَةٍ وَزَادَ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ إذْ لَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِهِ الزَّكَاةَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ مِثْلُ هَذَا عَنْ اللَّخْمِيِّ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ قَالَ عَنْهُمَا: لَا يُزَكِّي إلَّا عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُزَكِّي الْمَالَ وَيُخْرِجُ زَكَاةَ الْمَالِ مِنْ عِنْدَهُ لَا مِنْ الْقِرَاضِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ: لَا يُزَكِّي الْعَالَمُ حِصَّتَهُ إلَّا عِنْدَ الْمُقَاسَمَةِ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا رَبُّ الْمَالِ فَإِنَّهُ إذَا جَاءَ شَهْرُ زَكَاتِهِ زَكَّى مَا لَهُ بِيَدِ الْعَامِلِ إنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْإِدَارَةِ وَيُقَوِّمُ سِلَعَ الْقِرَاضِ فَيُزَكِّي رَأْسَ مَالِهِ وَحِصَّةَ رِبْحِهِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ فَيُزَكِّيهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ كَمَا تَأَوَّلْنَا فِي مَاشِيَةِ الْقِرَاضِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعُجِّلَتْ زَكَاةُ الْمَاشِيَةِ " (أَوْ الْعَامِلُ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ الْعَامِلُ مُدِيرًا وَرَبُّ الْمَالِ غَيْرَ مُدِيرٍ وَاَلَّذِي بِيَدِ الْعَامِلِ الْأَكْثَرُ أَوْ الْأَقَلُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْمَالَيْنِ إذَا كَانَا يُدَارُ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يُزَكَّى الْمُدَارُ عَلَى سَنَةِ الْإِدَارَةِ كَانَ الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ، فَالْحُكْمُ فِي هَذَا كُلِّهِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ إذَا كَانَا مَعًا مُدِيرَيْنِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا هُوَ الْحُكْمُ إذَا كَانَ رَبُّ الْمَالِ مُدِيرًا وَالْعَامِلُ غَيْرَ مُدِيرٍ وَاَلَّذِي بِيَدِهِ هُوَ الْأَقَلُّ (مِنْ غَيْرِهِ) هَذَا فَرْعُ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ فَبَنَى عَلَى طَرِيقَةِ ابْنُ يُونُسَ وَعَلَى مَا عَزَاهُ اللَّخْمِيِّ لِابْنِ حَبِيبٍ وَلِظَاهِرِ قَوْلِ مَالِكٍ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ مَا عَوَّلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا. (وَصَبَرَ إنْ غَابَ فَزَكَّى لِسَنَةِ الْفَضْلِ مَا فِيهَا وَسَقَطَ مَا زَادَ قَبْلَهَا وَإِنْ نَقَصَ فَلِكُلِّ مَا فِيهَا وَأَزْيَدَ وَأَنْقَصَ قُضِيَ بِالنَّقْصِ عَلَى مَا قَبْلَهُ) ابْنُ رُشْدٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 إنْ كَانَ الْعَامِلُ غَائِبًا عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا لَهُ بِيَدِهِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ وَيَعْلَمَ أَمْرَهُ، فَإِنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ أَعْوَامٍ زَكَّى الْمُدِيرُ لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَاضِرِ. وَنَحْوُ هَذَا لِابْنِ يُونُسَ وَزَادَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: فَإِنْ هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ الزَّكَاةَ. قَالَ سَحْنُونَ: وَإِنْ أَقَامَ الْمَالُ بِيَدِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ وَكَانَ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ مِائَةً. وَفِي الثَّانِيَةِ مِائَتَيْنِ، وَفِي الثَّالِثَةِ ثَلَاثَمِائَةٍ زَكَّى عَمَّا كَانَ بِيَدِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا مَا نَقَّصَتْ الزَّكَاةُ، وَلَوْ رَجَعَ فِي الْعَامِ الثَّالِثِ مِائَةً لَمْ يُزَكِّ إلَّا عَنْ مِائَةٍ لِكُلِّ سَنَةٍ لَا مَا حَطَّتْ الزَّكَاةُ فِي الْعَامِ الثَّالِثِ وَلَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ مِنْ الرِّبْحِ. (وَإِنْ احْتَكَرَا أَوْ الْعَامِلُ فَكَالدَّيْنِ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ غَيْرَ مُدِيرَيْنِ أَوْ كَانَ الْعَامِلُ غَيْرَ مُدِيرٍ وَاَلَّذِي فِي يَدَيْهِ الْأَكْثَرُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِيمَا يَبْدَأُ الْعَامِلُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ، فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ أَعْوَامٍ زَكَّاهُ لِعَامٍ وَاحِدٍ إنْ كَانَ فِي سِلَعٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا إذَا كَانَ الَّذِي بِيَدِ الْعَامِلِ هُوَ الْأَقَلُّ أَنَّهُ لَيْسَ كَالدَّيْنِ، وَأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ كَالْحُكْمِ إذَا كَانَا مَعًا مُدِيرَيْنِ. وَفِي النُّكَتِ: الْمُقَارِضُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّكَاةِ يَدُهُ كَيَدِ رَبِّ الْمَالِ. (وَعُجِّلَتْ زَكَاةُ مَاشِيَةِ الْقِرَاضِ مُطْلَقًا وَحُسِبَتْ عَلَى رَبِّهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ غَنَمًا فَتَمَّ حَوْلُهَا وَهِيَ بِيَدِ الْمُقَارِضِ فَزَكَاتُهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي رَأْسِ مَالِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَامِلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَذَلِكَ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ عَبِيدِ الْقِرَاضِ وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْقِرَاضِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تُؤْخَذُ هَذِهِ الشَّاةُ مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ وَتُطْرَحُ قِيمَتُهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيَكُونُ مَا بَقِيَ رَأْسَ الْمَالِ. ابْنُ يُونُسَ: ظَهَرَ لِي أَنَّ هَذَا خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَإِنْ غَابَ رَبُّ الْمَالِ أُخِذَتْ مِنْ غَنَمِ الْقِرَاضِ. (وَهَلْ عَبِيدُهُ كَذَلِكَ أَوْ تُلْغَى كَالنَّفَقَةِ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ عَبِيدِ الْقِرَاضِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي رَأْسِ مَالِهِ وَلَيْسَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَأَمَّا نَفَقَتُهُمْ فَمَنْ مَاتَ الْقِرَاضُ وَنَحْوُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي عَبِيدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 الْقِرَاضِ: إنَّ زَكَاتَهُمْ كَالنَّفَقَةِ مُلْغَاةٌ وَرَأْسُ الْمَالِ هُوَ الْعَدَدُ الْأَوَّلُ. (وَزُكِّيَ رِبْحُ الْعَامِلِ) ابْنُ يُونُسَ: لَا يُزَكِّي الْعَامِلُ حِصَّتَهُ إلَّا عِنْدَ الْمُقَاسَمَةِ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ يَعْنِي الْمُدِيرَ وَمِنْ بَابِ أَوْلَى غَيْرُهُ (وَإِنْ قَلَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ اقْتَسَمَا بَعْدَ حَوْلٍ فَأَكْثَرَ فَنَابَ رَبُّ الْمَالِ بِرِبْحِهِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِمَا كَانَ فِي حَظِّ الْعَامِلِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَحَظُّ رَبِّهِ مِنْ الرِّبْحِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْعَامِلِ. وَكَذَا إنْ اقْتَسَمَا قَبْلَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ أَخَذَهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْعَامِلِ وَيَسْتَأْنِفُ بِمَا أَخَذَ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ اقْتَسَمَا فَيُزَكِّيهِ إنْ كَانَ فِيهِ الزَّكَاةُ. (وَإِنْ أَقَامَ بِيَدِهِ حَوْلًا وَكَانَا حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ بِلَا دَيْنٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 وَحِصَّةُ رَبِّهِ بِرِبْحِهِ نِصَابٌ وَفِي كَوْنِهِ شَرِيكًا أَوْ أَجِيرًا خِلَافٌ) ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْعَامِلِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِاجْتِمَاعِ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ وَهِيَ: أَنْ يَكُونَا حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ بِلَا دَيْنٍ عَلَيْهِمَا، وَأَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ وَحِصَّةُ رَبِّهِ مِنْ الرِّبْحِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَأَنْ يَعْمَلَ الْعَامِلُ بِالْمَالِ حَوْلًا. فَمَتَى سَقَطَ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُزَكِّ الْعَامِلُ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا اسْتِحْسَانٌ رَآهُ مَرَّةً أَنَّ لَهُ حُكْمَ الشَّرِيكِ فِي وُجُوهٍ يَضْمَنُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَإِنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ عَتَقَ، وَرَآهُ مَرَّةً أَنَّهُ لَيْسَ كَالشَّرِيكِ إذْ لَيْسَ فِي أَصْلِ الْمَالِ شِرْكٌ وَإِنْ رَبِحَ الْمَالَ مِنْهُ وَحَوْلُهُ حَوْلُ أَصْلِهِ، فَلَمَّا تَرَجَّحَ ذَلِكَ عِنْدَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 تَوَسَّطَ أَمْرَهُ. (وَلَا تَسْقُطُ زَكَاةُ حَرْثٍ وَمَعْدِنٍ وَمَاشِيَةٍ بِدَيْنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ الْمَاشِيَةِ وَالثِّمَارِ. قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّمَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ الْعَيْنِ فَقَطْ لَا زَكَاةَ مَاشِيَةٍ وَلَا حَبٍّ وَلَا مَعْدِنٍ وَلَا رِكَازٍ وَلَوْ كَانَ فِي إحْيَاءِ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرَةٍ أَوْ عَمَلِ مَعْدِنٍ. (أَوْ فَقْدٍ أَوْ أَسْرٍ) اللَّخْمِيِّ: الْأَسِيرُ وَالْمَفْقُودُ تُزَكَّى مَوَاشِيهِمَا وَثِمَارُهُمَا وَكَذَلِكَ مَنْ وَرِثَ مَاشِيَةً أَوْ نَخْلًا فَإِنَّهَا تُزَكَّى لِمَاضِي الْأَعْوَامِ، عَلِمَ الْوَارِثُ بِهَا أَمْ لَمْ يَعْلَمْ، وُضِعَتْ عَلَى يَدِ عَدْلٍ أَمْ لَا، لِأَنَّ التَّنْمِيَةَ فِيهَا مَوْجُودَةٌ بِخِلَافِ الْعَيْنِ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُمْ إنَّ التَّنْمِيَةَ مَوْجُودَةٌ فِي الْمَعْدِنِ وَالْمَاشِيَةِ وَالْحَرْثِ قَالُوا: بِخِلَافِ الْعَيْنِ، فَالْمَفْقُودُ وَالْأَسِيرُ لَا يُزَكَّى مَالُهُمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 مِنْ عَيْنٍ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لِإِمْكَانِ دَيْنٍ أَوْ مَوْتٍ إمْكَانُ الدَّيْنِ شَكٌّ فِي الْمَانِعِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِمْكَانُ الْمَوْتِ شَكٌّ فِي الشَّرْطِ وَهُوَ قَوِيٌّ. وَنَصُّ السَّمَاعِ يُوقَفُ مَالُ الْمَفْقُودِ وَلَا تُؤَدَّى مِنْهُ زَكَاةٌ لَعَلَّ عَلَيْهِ دَيْنًا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ عِلَّةٌ صَحِيحَةٌ وَأَيْضًا لَا نَدْرِي لَعَلَّهُ مَاتَ (وَإِنْ سَاوَى مَا بِيَدِهِ) لَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ حَبٍّ وَلَا مَاشِيَةٍ وَلَا مَاثِلِهِ كَمَنْ لَهُ نِصَابُ غَنَمٍ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا. اللَّخْمِيِّ: الْقِيَاسُ الْإِسْقَاطُ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ أَوْ غَارِمٌ. (إلَّا زَكَاةَ فِطْرٍ عَنْ عَبْدٍ عَلَيْهِ مِثْلُهُ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ عِنْدَهُ عَبْدٌ وَعَلَيْهِ عَبْدٌ مِثْلُهُ فَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةَ فِطْرٍ. (بِخِلَافِ الْعَيْنِ) يُقَدَّمُ قَبْلَ قَوْلِهِ: " أَوْ فَقْدٍ ". (وَلَوْ دَيْنَ زَكَاةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ مَعَهُ مِائَةُ دِينَارٍ تَمَّ حَوْلُهَا وَعَلَيْهِ زَكَاةٌ قَدْ فَرَّطَ فِيهَا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ لَمْ يُزَكِّ مَا فِي يَدَيْهِ إلَّا أَنْ يَبْقَى مَعَهُ بَعْدَ إخْرَاجِ مَا فَرَّطَ فِيهِ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ فَيُزَكِّي، لِأَنَّ الزَّكَاةَ إذَا فَرَّطَ فِيهَا ضَمِنَهَا، وَإِنْ أَحَاطَتْ بِمَالِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا تَمَّ حَوْلُهَا فَلَمْ يُزَكِّهَا حَتَّى ابْتَاعَ بِهَا سِلْعَةً فَبَاعَهَا لِتَمَامِ حَوْلٍ ثَانٍ بِأَرْبَعِينَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَرْضٌ يُسَاوِي نِصْفَ دِينَارٍ وَزَكَّى لِعَامِهِ الثَّانِي عَنْ أَرْبَعِينَ. (أَوْ مُؤَجَّلًا) . ابْنُ عَرَفَةَ: الدَّيْنُ وَلَوْ مُؤَجَّلًا يُسْقِطُ زَكَاةَ مِقْدَارِهِ مِنْ الْعَيْنِ انْتَهَى. (أَوْ كَمَهْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ مَعَهُ مِائَةُ دِينَارٍ تَمَّ حَوْلُهَا وَعَلَيْهِ مَهْرٌ لِامْرَأَتِهِ مِائَةُ دِينَارٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَتَحَاصَّ الْغُرَمَاءُ فِي فَلَسِهِ وَمَوْتِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُسْقِطُ الْمَهْرُ الزَّكَاةَ إذْ لَيْسَ الشَّأْنُ الْقِيَامَ بِالْمَهْرِ إلَّا فِي مَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ وَعِنْدَمَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا (أَوْ نَفَقَةِ زَوْجِهِ مُطْلَقًا) ابْنُ عَرَفَةَ: نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ مُطْلَقًا مُسْقِطَةٌ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ مَعَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا تَمَّ حَوْلُهَا وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ شَهْرٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لِزَوْجَتِهِ قَدْ فَرَضَهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِشَهْرٍ أَوْ أَنْفَقَتْهَا عَلَى نَفْسِهَا شَهْرًا قَبْلَ الْحَوْلِ بِغَيْرِ قَضِيَّةٍ ثُمَّ طَلَبَتْهُ بِهَا، فَلْيَجْعَلْ نَفَقَتَهَا فِيمَا بِيَدِهِ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ وَيَلْزَمُهُ مَا أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا فِي يُسْرِهِ كَانَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، أَنْفَقَتْ مِنْ عِنْدِهَا أَوْ تَسَلَّفَتْ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا يَضْمَنُ لَهَا مَا أَنْفَقَتْ. (أَوْ وَلَدٍ إنْ حُكِمَ بِهِ) . عِيَاضٌ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ لَا تُسْقِطُ مُطْلَقًا. وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا تُسْقِطُ إنْ قُضِيَ بِهَا وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ الْمُدَوَّنَةَ أَكْثَرُهُمْ (وَهَلْ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ يُسْرٌ تَأْوِيلَانِ) . عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِهِمْ: إنَّمَا أَلْغَى ابْنُ الْقَاسِمِ نَفَقَةَ الْوَلَدِ فِيمَنْ حَدَثَ وُجُوبُ نَفَقَتِهِ لِعُسْرِهِ بَعْدَ يُسْرِهِ، عَبْدُ الْحَقِّ: وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 لَغْوُهَا مُطْلَقًا (أَوْ وَالِدٍ بِحُكْمٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: نَفَقَةُ الْوَالِدِ دُونَ قَضَاءٍ لَغْوٌ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ: أَنَّ نَفَقَةَ الْأَبَوَيْنِ لَا تُسْقِطُ الزَّكَاةَ إلَّا مَا كَانَ مِنْهَا بِقَضَاءٍ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ يُثْبِتُهَا فِي ذِمَّةِ الِابْنِ فَتَسْقُطُ بِهَا الزَّكَاةُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا تُسْقِطُهَا وَإِنْ كَانَتْ بِقَضَاءٍ (إنْ تَسَلَّفَ) . الْمَازِرِيُّ: أَوَّلَ الشَّيْخُ لَغْوَ نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ بِمَا أَنْفَقَاهُ بِتَحَيُّلٍ لَا بِسَلَفٍ (لَا بِدَيْنِ كَفَّارَةٍ أَوْ هَدْيٍ) . الْمَازِرِيُّ: دَيْنُ الْكَفَّارَةِ وَالْهَدْيِ لَغْوٌ. (إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مُعَشَّرٌ زَكَّى) فِي الْمَوَّازِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا دَيْنٌ وَعِنْدَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا فَحَالَ حَوْلٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَخَذَ السَّاعِي شَاةً، فَانْظُرْ فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ التِّسْعَةِ وَالثَّلَاثِينَ شَاةً الْبَاقِيَةُ مِثْلَ قِيمَةِ مَا عَلَيْهِ فَأَكْثَرَ فَلِيُزَكِّ الْعِشْرِينَ دِينَارًا وَإِلَّا لَمْ يُزَكِّ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَلِكَ لَوْ رَفَعَ مِنْ زَرْعِهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَزَكَّاهَا وَلَهُ مِائَةُ دِينَارٍ حَالَ حَوْلُهَا وَعَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ فَإِنَّهُ يُقَوِّمُ مَا بَقِيَ مِنْ الْقَمْحِ فَيَجْعَلُهُ فِي دَيْنِهِ وَيُزَكِّي مَا قَابَلَ ذَلِكَ مِنْ الْمِائَةِ الَّتِي بِيَدِهِ. (أَوْ مَعْدِنٌ) سَحْنُونَ: مَنْ وَجَدَ فِي الْمَعْدِنِ مِائَةَ دِينَارٍ فَزَكَّاهَا وَمَعَهُ مِائَةٌ أُخْرَى حَالَ حَوْلُهَا وَعَلَيْهِ مِائَةٌ دَيْنٌ فَلْيَجْعَلْ دَيْنَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمِائَةِ الْمَعْدِنِيَّةِ بَعْدَ الزَّكَاةِ وَيُزَكِّي مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الْمِائَةِ الَّتِي بِيَدِهِ يُرِيدُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَرْضٌ سِوَى مَا بَقِيَ (أَوْ قِيمَةُ كِتَابَةٍ أَوْ رَقَبَةُ مُدَبَّرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجْعَلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 دَيْنَهُ فِي قِيمَةِ رِقَابِ مُدَبِّرَيْهِ وَفِي قِيمَةِ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِينَ تُقَوَّمُ الْمُكَاتَبَةُ بِعَرْضٍ عَاجِلٍ ثُمَّ تُقَوَّمُ الْعُرُوض بِعَيْنٍ، فَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ جَعَلَهُ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ الْعَيْنِ، فَإِنْ بَقِيَ مَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عِشْرُونَ دِينَارًا فَصَاعِدًا زَكَّى وَإِلَّا لَمْ يُزَكِّ (أَوْ خِدْمَةُ مُعْتَقٍ إلَى أَجَلٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: عَلَى قَوْلِهَا فِي الْمُدَبَّرِ يَجْعَلُ دَيْنَهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُ فِي قِيمَةِ خِدْمَةِ مُعْتَقِهِ إلَى أَجَلٍ (أَوْ مُخْدِمٍ) . أَشْهَبُ: لَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَخْدَمَهُ عَبْدًا مُدَّةً حَسِبَ قِيمَةَ الْخِدْمَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فِي دَيْنِهِ (أَوْ رَقَبَتِهِ لِمَنْ مَرْجِعُهُ لَهُ) أَشْهَبُ: لَوْ أَخْدَمَ هُوَ عَبْدَهُ سِنِينَ أَوْ أَعْمَرَهُ قُوِّمَتْ رَقَبَتُهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ الْمُبْتَاعُ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ وَحَسِبَ تِلْكَ الْقِيمَةَ فِي دَيْنِهِ. (أَوْ عَدَدُ دَيْنٍ حَلَّ أَوْ قِيمَةُ مَرْجُوٍّ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِينَارٍ وَعَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ وَلَهُ مِائَةُ دِينَارٍ دَيْنٌ فَلْيُزَكِّ الْمِائَةَ الَّتِي فِي يَدَيْهِ وَيَكُونُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ إنْ كَانَ يَرْتَجِيهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ يَرْتَجِ قَضَاءَهُ فَلَا يُزَكِّي شَيْئًا. ابْنُ يُونُسَ: أَمَّا مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَحْسُبُ عَدَدَهُ حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا، لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَوْ فَلَّسَ لَحَلَّ الْمُؤَجَّلُ مِمَّا عَلَيْهِ وَصَارَ كَالْحَالِّ، وَأَمَّا مَالُهُ مِنْ الدَّيْنِ فَالْحَالُّ يَحْسُبُ عَدَدَهُ وَالْمُؤَجَّلُ قِيمَتَهُ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَوْ فَلَّسَ لَبِيعَ الْمُؤَجَّلُ لِغُرَمَائِهِ وَهُوَ إنَّمَا يُجْعَلُ فِي دَيْنِهِ كُلُّ مَا يَبِيعُهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ لَوْ فَلَّسَ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَالْجَارِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. (أَوْ عَرْضٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ كَانَ مَعَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا تَمَّ حَوْلُهَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ عُرُوضٌ فَلْيَجْعَلْ دَيْنَهُ فِي عُرُوضِهِ وَخَادِمَهُ وَخَاتَمَهُ وَسَرْجَهُ وَلِجَامَهُ وَسِلَاحَهُ وَكُلَّ مَا يَبِيعُهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ فِي دَيْنِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ وَفَاءُ دَيْنِهِ زَكَّى الْعِشْرِينَ النَّاضَّةَ، وَالْإِمَامُ يَبِيعُ عَلَيْهِ إذَا فَلَّسَ دَارِهِ وَعُرُوضَهُ كُلَّهَا مَا كَانَ لَهُ مِنْ خَادِمٍ أَوْ سِلَاحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ثِيَابِ جَسَدِهِ وَيُتْرَكُ لَهُ مَا يَعِيشُ بِهِ هُوَ وَأَهْلُهُ الْأَيَّامَ وَيَبِيعُ ثَوْبَيْ جُمُعَتِهِ إنْ كَانَتْ لَهَا قِيمَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تِلْكَ الْقِيمَةُ فَلَا يَبِيعُهُمَا. (حَلَّ حَوْلُهُ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّمَا يَجْعَلُ الدَّيْنَ فِيمَا مَلَكَ حَوْلًا. وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ عَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ سَلَفًا وَلَيْسَ لَهُ مِنْهَا وَفَاءٌ فَأَقَامَتْ بِيَدِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَتَتْهُ فَائِدَةُ مِائَةِ دِينَارٍ عِنْدَ السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ. فَقَالَ: يَسْتَقْبِلُ بِالْمِائَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ سَلَفًا سَنَةً مِنْ حِينِ كَانَ لَهُ مِنْهَا وَفَاءٌ وَلَا يَحْتَسِبُ فِي حَوْلِهَا بِشَيْءٍ مِمَّا مَضَى مِمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا وَفَاءٌ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ قَالَ: إنَّ الذَّهَبَ السَّلَفَ إذَا وُهِبَ لِلَّذِي هُوَ عَلَيْهِ بَعْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ وَلَيْسَ لَهُ بِهَا وَفَاءٌ اسْتَقْبَلَ بِهَا حَوْلًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوهَبَ لَهُ الذَّهَبُ بَعْدَ أَنْ حَالَ عَلَيْهَا عِنْدَهُ الْحَوْلُ أَوْ يَسْتَفِيدَ بَعْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ فَائِدَةً يَكُونُ بِهَا وَفَاؤُهَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَفِيدَ مَا يَجْعَلُهُ وَفَاءً بِمَا عَلَيْهِ مِنْ السَّلَفِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا مَالٌ لِاسْتِغْرَاقِ الدَّيْنِ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجْعَلُ فِي دَيْنِهِ مَا اسْتَفَادَهُ آخِرَ الْحَوْلِ مِنْ مَعْدِنٍ أَوْ زَرْعٍ مُزَكًّى، وَكَذَلِكَ أَيْضًا جَعْلُهُ الْمِائَةَ الرَّجَبِيَّةَ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنِهِ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ لَهُ مَا يَجْعَلُ فِيهِ مِنْ مُحَرَّمٍ إلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 رَجَبٍ. (إنْ بِيعَ وَقُوِّمَ وَقْتَ الْوُجُوبِ عَلَى مُفْلِسٍ) قَوْلُهُ: " عَلَى مُفْلِسٍ " مُتَعَلِّقٌ بِ " بِيعَ " قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجْعَلُ دَيْنَهُ فِي كُلِّ مَا يَبِيعُهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ فِي دَيْنِهِ إذَا فَلَّسَ. ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَسْلَفَ مَالًا وَعِنْدَهُ عَرْضٌ لَا وَفَاءَ لَهُ بِهِ يَوْمَئِذٍ فَلَمْ يَأْتِ الْحَوْلُ حَتَّى صَارَ فِيهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ أَوْ انْتَقَصَ عِنْدَ الْحَوْلِ قَالَ: إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ حَلَّ الْحَوْلُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ زِيَادَةَ قِيمَتِهِ كَرِبْحٍ فِيهِ وَحَوْلُ رِبْحِ الْمَالِ حَوْلُ أَصْلِهِ فَهُوَ خِلَافُ عَرْضٍ أَفَادَهُ الْيَوْمَ انْتَهَى. اُنْظُرْ إذَا عُلِّلَ هَذَا بِهَذَا فَبِمَ يُعَلَّلُ مَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا الْفَرْعِ فَانْظُرْهُ أَنْتَ (لَا آبِقٌ وَإِنْ رُجِيَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُحْسَبُ دَيْنُهُ فِي قِيمَةِ عَبْدِهِ الْآبِقِ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَى غَرَرِهِ (أَوْ دَيْنٌ لَمْ يَرْجُ) تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: " أَوْ قِيمَةُ مَرْجُوٍّ ". (وَإِنْ وُهِبَ الدَّيْنُ أَوْ مَا يُجْعَلُ فِيهِ وَلَمْ يَحِلَّ حَوْلُهُ أَوْ مَرَّ لِكَمُؤَجِّرٍ نَفْسِهِ بِسِتِّينَ دِينَارًا ثَلَاثَ سِنِينَ حَوْلٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) أَمَّا مَسْأَلَةُ إنْ وُهِبَ الدَّيْنُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ لَهُ أَحْوَالٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ فَوَهَبَهُ لَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى رَبِّهِ وَلَا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ حَتَّى يَتِمَّ عِنْدَهُ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ وُهِبَ لَهُ. سَحْنُونَ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ عَرْضٌ سِوَاهُ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ، وُهِبَ لَهُ أَمْ لَا. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ إذَا وُهِبَ مَا يُجْعَلُ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ لَهُ مِائَةٌ دِينَارٍ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا فَأَفَادَ عَرْضًا قَبْلَ الْحَوْلِ بِشَهْرٍ يَفِي بِهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُزَكِّي حَتَّى يَكُونَ الْعَرْضُ عِنْدَهُ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا النَّقْلُ جَارٍ عَلَى رِوَايَةِ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافَ نَقْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ: " أَوْ مَرَّ لِكَمُؤَجِّرٍ نَفْسِهِ " فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الدُّيُونُ فِي الزَّكَاةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: الْقِسْمُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مِنْ كِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ. فَهَذَا إذَا كَانَ قَبَضَهُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ حُكْمَ ثَمَنِ الْعَرْضِ الْمُفَادِ بِإِرْثٍ وَنَحْوِهِ يَسْتَقْبِلُ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ، مِثْلُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ ثَلَاثَةَ أَعْوَامٍ بِسِتِّينَ دِينَارًا فَيَقْبِضُهَا مُعَجَّلَةً فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ يُزَكِّي إذَا حَالَ الْحَوْلُ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَذَلِكَ عِشْرُونَ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ مُنْذُ قَبَضَهَا حَوْلًا كَامِلًا، ثُمَّ يُزَكِّي كُلَّمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ لَهُ بَالٌ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ إلَى أَنْ يُزَكِّيَ جَمِيعَ السِّنِينَ بِانْقِضَاءِ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ. وَهَذَا يَأْتِي عَلَى مَا فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يُزَكِّي إذَا حَالَ الْحَوْلُ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ دِينَارًا وَنِصْفَ دِينَارٍ. وَهَذَا نَصُّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ مِنْ السِّنِينَ حَتَّى يَمْضِيَ الْعَامُ الثَّانِي، فَإِذَا مَرَّ زَكَّى عِشْرِينَ انْتَهَى. وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّالِثُ لَمْ يُشْهِرْهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا عَزَاهُ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَيُرَشِّحُ هَذَا أَنَّ ابْنَ يُونُسَ عَزَاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 أَيْضًا لِابْنِ الْمَوَّازِ قَائِلًا مَا نَصَّهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَمَنْ آجَرَ نَفْسَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ بِسِتِّينَ دِينَارًا وَقَبَضَهَا وَعَمِلَ سَنَةً وَهِيَ بِيَدِهِ فَلْيُزَكِّهِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ لَمَّا قَبَضَ السِّتِّينَ أُجْرَتَهُ صَارَتْ فِي ذِمَّتِهِ فَلَمَّا عَمِلَ حَوْلًا سَقَطَ عِشْرُونَ حِصَّتُهُ وَبَقِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ وَبِيَدِهِ سِتُّونَ، فَجَعَلَ أَرْبَعِينَ مِنْهَا فِي دَيْنِهِ وَزَكَّى عَنْ عِشْرِينَ انْتَهَى. فَانْظُرْ أَنْتَ هَذَا وَانْظُرْ لَفْظَ خَلِيلٍ فَإِنِّي لَمْ أَفْهَمْهُ. ثُمَّ أَطْلَعَنِي بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى نَصِّ الْمُؤَلِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ قَالَ مَا نَصُّهُ: فَرَضَ - يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ - الْمَسْأَلَةَ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ فَرَضَهَا فِي عَبْدِهِ أَوْ دَابَّتِهِ لَكَانَ لَهُ شَيْءٌ يُجْعَلُ فِي دَيْنِهِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ. قَالَ: وَالْقَوْلُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ يَعْنِي عِنْدَ تَمَامِ اللَّخْمِيِّ لِأَنَّ عِشْرِينَ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِلْكُهُ لَهَا إلَّا الْآنَ وَالْأَرْبَعُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. انْتَهَى نَصُّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَبِهَذَا الْقَدْرِ كُنْت اكْتَفَيْت لَوْ كُنْت اطَّلَعْت عَلَيْهِ وَغَرَّنِي أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ مَا عَزَا هَذَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَأَخَّرَهُ وَمَا رَشَّحَهُ مَعَ سُقُوطِ لَفْظِ غَيْرٍ مِنْ نُسْخَتِي مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ. وَهُنَا أَيْضًا فَرْعٌ آخَرُ وَهُوَ مَنْ أَكْرَى دَارِهِ خَمْسَ سِنِينَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَتَعَجَّلَهَا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَهِيَ عِنْدَهُ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَ الدَّارِ. فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَالْآتِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُزَكِّي مِنْ الْمِائَةِ قَدْرَ قِيمَةِ الدَّارِ وَلَا يُزَكِّي مِمَّا وَجَبَ لِلْعَامِ الْمَاضِي وَلَا مِمَّا يَسْكُنُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا مَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ السُّكْنَى. وَوَجْهُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُزَكِّيَ مِنْ الْمِائَةِ قَدْرَ قِيمَةِ الدَّارِ عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ عَلَيْهَا عِنْدَهُ فِي هَذَا. لِأَنَّ الدَّارَ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَمِلْكُهَا لَهُ قَائِمٌ ثُمَّ يُؤَخِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْ الْعَامِ الثَّانِي مَا لَهُ قَدْرٌ فَيُزَكِّي قَدْرَ مَا يَنُوبُ ذَلِكَ مِنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَلَّلَ عَلَيْهِ الْحَوْلَ بَعْدَ سُقُوطِ الدَّيْنِ عَنْهُ، ثُمَّ إذَا مَضَى بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا مَا لَهُ قَدْرٌ زَكَّى مَا يَنُوبُ ذَلِكَ كَذَا أَبَدًا حَتَّى يَنْقَضِيَ الْعَامُ الثَّانِي فَيُزَكِّي بِانْقِضَائِهِ مَا بَقِيَ مِنْ وَاجِبِ الْعَامِ الْأَوَّلِ. (وَمَدِينُ مِائَةٍ لَهُ مِائَةٌ مَحْرَمِيَّةٌ وَمِائَةٌ رَجَبِيَّةٌ يُزَكِّي الْأُولَى) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ لَهُ مِائَتَا دِينَارٍ حَوْلُ كُلِّ مِائَةٍ عَلَى حِدَةٍ وَعَلَيْهِ دَيْنُ مِائَةٍ فَلْيَتْرُكْ، فَإِذَا حَلَّ حَوْلُ الْأُولَى جَعَلَ الثَّانِيَةَ فِي دَيْنِهِ وَزَكَّى الْأُولَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يُزَكِّي الثَّانِيَةَ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَذْهَبُ بِأَحَدِهِمَا لَا بُدَّ. وَفِي كِتَابٍ ابْنِ حَبِيبٍ: يُزَكِّي كُلَّ مِائَةٍ فِي حَوْلِهَا وَيَجْعَلُ دَيْنَهُ فِي الْأُخْرَى. ابْنُ يُونُسَ: تَأْوِيلُ أَبِي مُحَمَّدٍ أَصْوَبُ لِأَنَّهُ إذَا زَكَّى الْأُولَى جَعَلَ الثَّانِيَةَ فِي دَيْنِهِ فَكَأَنَّهُ قَضَاهَا فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُزَكِّي هَذِهِ الَّتِي حَالَ حَوْلُهَا وَيَجْعَلُ دَيْنَهُ فِيهَا أَنْ يُزَكِّيَهَا وَيَجْعَلَ دَيْنَهُ فِي الْأُولَى الَّتِي زَكَّاهَا انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ يَلْزَم مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ يُونُسَ. (وَزُكِّيَتْ عَيْنٌ وُقِفَتْ لِلسَّلَفِ) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ وَذَلِكَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَالدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَأَتْبَارِهِمَا. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُحْبَسًا مَوْقُوفًا لِلِانْتِفَاعِ بِغَلَّتِهِ فِي وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كُلَّ سَنَةٍ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ كَانَتْ مَوْقُوفَةً لِمُعَيَّنِينَ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَوْقَفَ مِائَةَ دِينَارٍ لِتَسَلُّفِ النَّاسِ أَوْ جَعَلَ إبِلًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 لِلْحَمْلِ عَلَيْهَا وَعَلَى نَسْلِهَا فَفِي ذَلِكَ الزَّكَاةُ. اللَّخْمِيِّ: وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ تُحْبَسُ لِتَسَلُّفِ النَّاسِ فَإِنَّهَا لَا تُزَكَّى إذَا أُسْلِفَتْ وَصَارَتْ دَيْنًا حَتَّى تُقْبَضَ، فَإِنْ قُبِضَ مِنْهَا نِصَابٌ زُكِّيَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَبْسُ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ مَجْهُولِينَ، وَإِذَا كَانَتْ فِي ذِمَّةِ الْمُتَسَلِّفِ زَكَّى عَنْهَا مَنْ هِيَ فِي ذِمَّتِهِ إذَا كَانَ لَهُ مَا يُوَفِّي بِهَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَإِذَا قُبِضَتْ زُكِّيَتْ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ لِعَامٍ وَاحِدٍ (كَنَبَاتٍ وَحَيَوَانٍ أَوْ نَسْلِهِ عَلَى مَسَاجِدَ أَوْ غَيْرِهَا مُعَيَّنِينَ كَعَلَيْهِمْ) أَمَّا تَحْبِيسُ النَّبَاتِ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ كَعَلَيْهِمْ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: تُؤَدَّى الزَّكَاةُ عَلَى الْحَوَائِطِ الْمُحْبَسَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ أَوْ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمْ. قَالَ سَحْنُونَ: الْمُعَيَّنُونَ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ إذَا أَخْرَجَ مِنْ الْجَمِيعِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَفِيهَا الزَّكَاةُ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. وَوَجْهٌ أَنَّ الْمُحْبَسَ عَلَيْهِمْ إنَّمَا يَمْلِكُونَ الْحَوَائِطَ مِلْكَ انْتِفَاعٍ لَا مِلْكَ ابْتِيَاعٍ وَلَا مِيرَاثٍ وَأَجَّرَهَا جَارٍ عَلَى الْمُحْبِسِ فَكَأَنَّهَا عَلَى مِلْكِهِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: حَوَائِطُ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ إنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ مِثْلَ الْمَسَاكِينِ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ أَوْ بَنِي تَمِيمٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ ثَمَرَتَهَا مُزَكَّاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ وَأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي ثَمَرَتِهَا إذَا بَلَغَتْ جُمْلَتُهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَتْ مُحْبَسَةً لِمُعَيَّنِينَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهَا أَيْضًا مُزَكَّاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ طِيبِ الثَّمَرَةِ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ نَصِيبُهُ مِنْهَا وَرَجَعَ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَأَمَّا تَحْبِيسُ الْحَيَوَانِ أَوْ نَسْلِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ جَعَلَ إبِلًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ الْحَبْسُ إبِلًا أَوْ غَنَمًا يَنْتَفِعُ بِأَلْبَانِهَا وَأَصْوَافِهَا زَكَّى جَمِيعَهَا عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ إذَا كَانَ فِي جَمِيعِهَا نُصَابُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَبْسُ عَلَى مَجْهُولٍ أَوْ مُعَيَّنٍ (إنْ تَوَلَّى الْمَالِكُ تَفْرِقَتَهُ وَإِلَّا إنْ حَصَلَ لِكُلٍّ نِصَابٌ) لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ هَذَا. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ الْحَائِطُ حَبْسًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَكَانُوا هُمْ يَسْقُونَ وَيَلُونَ فَيُزَكِّي مَنْ بَلَغَ نَصِيبُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ. وَمَنْ كَانَ نَصِيبُهُ دُونَ ذَلِكَ لَمْ يُزَكِّ. فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْحَائِطِ يَسْقِي وَيَلِي وَيُقَسِّمُ الثَّمَرَةَ زُكِّيَتْ إذَا كَانَ فِي جُمْلَتِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ قَالَ: وَإِنْ حَبَسَ أَرْبَعِينَ شَاةً عَلَى أَرْبَعَةِ نَفَرٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةٌ بِأَعْيَانِهَا زُكِّيَتْ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَى الْمَنَافِعَ وَالرِّقَابُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فَهُوَ بِخِلَافِ حَبْسِ النَّخْلِ فَإِنَّ النَّخْلَ لَا زَكَاةَ فِي رِقَابِهَا وَإِنَّمَا الزَّكَاةُ فِي الثِّمَارِ وَهِيَ الْمُعْطَى فَصَحَّ أَنْ تُزَكَّى عَلَى مِلْكِهِمْ، وَالْغَنَمُ غَيْرُ مُعْطَاةٍ فَزُكِّيَتْ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ، قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ مُحْبَسًا عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ مَسَاجِدَ وَكَانَ فِي جُمْلَتِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ زُكِّيَتْ وَإِنْ لَمْ يَنُبْ كُلَّ مَسْجِدٍ إلَّا وَسْقٌ. وَقَالَ طَاوُسٌ وَمَكْحُولٌ: لَا زَكَاةَ فِيمَا حُبِسَ عَلَى مَسْجِدٍ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ إنْ قُدِّرَ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ لِأَنَّ الْمَيِّتَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالزَّكَاةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: صَرَّحَ الْبَاجِيُّ بِبَقَاءِ مِلْكِ الْمُحْبِسِ عَلَى حَبْسِهِ وَهُوَ لَازِمٌ وَتَزْكِيَةُ حَوَائِطِ الْأَحْبَاسِ عَلَى مِلْكِ مُحْبِسِهَا. (وَفِي إلْحَاقِ وَلَدٍ فُلَانٍ بِالْمُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ قَوْلَانِ) تَقَدَّمَ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ مِثْلُ قَوْلِ سَحْنُونٍ: الْمُعَيَّنُونَ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ. فَكَانَ خَلِيلٌ فِي غِنًى عَنْ الْإِتْيَانِ بِهَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 الْفَرْعِ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي النُّصْحِ: " لَا إنْ شَكَّ فِيهِمَا " وَنَظِيرُ قَوْلِهِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ: " أَوْ مُنَازَعَةٌ ". ثُمَّ اطَّلَعْت عَلَى نَصِّ الْمُقَدِّمَاتِ اُخْتُلِفَ إذَا كَانَ الْحَبْسُ عَلَى وَلَدِ فُلَانٍ هَلْ يُحْمَلُ ذَلِكَ مَحْمَلَ الْمُعَيَّنِينَ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ قَائِمَيْنِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْوَصَايَا وَغَيْرِهَا. ابْنُ شَاسٍ. [زَكَاة الْمَعَادِن وَخُمُس الرِّكَاز] النَّوْعُ الْخَامِسُ زَكَاةُ الْمَعَادِنِ وَخُمْسِ الرِّكَازِ وَفِيهِ فَصْلَانِ. (وَإِنَّمَا يَزَّكَّى مَعْدِنٌ عَيْنٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَعَادِنُ الرَّصَاصِ وَالزِّرْنِيخِ وَشِبْهِ ذَلِكَ لَا زَكَاةَ فِيهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا زَكَاةَ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ حَتَّى يَبْلُغَ وَزْنَ عِشْرِينَ دِينَارًا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنْ الْفِضَّةِ مِثْلَ الزَّرْعِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَيَأْخُذُ مِنْهَا فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ وَكَذَلِكَ الْمَعْدِنُ، ثُمَّ كُلَّمَا اتَّصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ خُرُوجُهُ مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ أَخَذَ مِنْهُ رُبْعَ عُشْرِهِ. (وَحُكْمُهُ لِلْإِمَامِ وَلَوْ بِأَرْضِ مُعَيَّنٍ إلَّا مَمْلُوكَةً لِمَصَالِحَ فَلَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلِلْإِمَامِ إقْطَاعُ الْمَعَادِنِ لِمَنْ رَأَى وَيَأْخُذُ مِنْهَا الزَّكَاةَ، وَكَذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمَعْدِنِ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ وَأَرْضِ الْبَرْبَرِ فَالْإِمَامُ يَلِيهَا وَيُقْطِعُهَا لِمَنْ رَأَى وَيَأْخُذُ زَكَاتَهَا، وَكَذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا بِأَرْضِ الْعَنْوَةِ فَهُوَ لِلْإِمَامِ. وَأَمَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا فِي أَرْضِ الصُّلْحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 فَهُوَ لِأَهْلِ الصُّلْحِ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا النَّاسَ أَنْ يَعْمَلُوا فِيهَا. ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمَعَادِنَ لَيْسَتْ تَبَعًا لِلْأَرْضِ الَّتِي هِيَ فِيهَا، مَمْلُوكَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ، إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ صَالَحُوا عَلَيْهَا فَإِنْ أَسْلَمُوا رَجَعَ أَمْرُهَا إلَى الْإِمَامِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَعَادِنَ الَّتِي فِي جَوْفِ الْأَرْضِ أَقْدَمُ مِنْ مِلْكِ الْمَالِكِينَ لَهَا فَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُمْ بِمِلْكِ الْأَرْضِ فَصَارَ مَا فِيهَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ مَعَادِنُ الزِّرْنِيخِ وَالْكُحْلِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ هِيَ كَمَعَادِن الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُقْطِعَهَا لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهَا. (وَضُمَّ بَقِيَّةُ عِرْقِهِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: النَّيْلُ الْمُتَّصِلُ كَالدَّيْنِ الْمُقْتَضِي يُضَمُّ مَا نِيلَ مِنْهُ إلَى مَا قَبْلَهُ وَلَوْ أَنْفَقَ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ تَلِفَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ. (وَإِنْ تَرَاخَى الْعَمَلُ لَا مَعَادِنُ) سَحْنُونَ: لَوْ أَقْطَعَ أَرْبَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 مَعَادِنَ لَمْ يَضُمَّ مَا يُصِيبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا إلَى مَا فِيهَا وَلَا يُزَكِّي إلَّا عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَأَكْثَرَ مِنْ كُلِّ مَعْدِنٍ وَكُلُّ مَعْدِنٍ كَسَنَةٍ مُؤْتَنَفَةٍ فِي الزَّرْعِ وَلَيْسَ كَزَرْعٍ فِي مَوَاضِعَ يَضُمُّ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ إذَا زَرَعَهُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: يَضُمُّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَيُزَكِّي الْجَمِيعَ كَالزَّرْعِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَقْيَسُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ الْآتِي عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. الْبَاجِيُّ: وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ النِّيلَيْنِ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 مَعْدِنٍ وَاحِدٍ لَا يُضَمُّ بَعْضُهُمَا إلَى بَعْضٍ مَعَ قُرْبِ الْمُدَّةِ فَبِأَنْ لَا يُضَمُّ نَيْلٌ إلَى نَيْلٍ فِي مَعْدِنَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ أَوْلَى وَأَحْرَى. (وَلَا عِرْقٌ آخَرُ) ابْنُ رُشْدٍ: إذَا نَضَّ لِصَاحِبِ الْمَعْدِنِ مِنْ نَيْلِ الْمَعْدِنِ النِّصَابُ زُكِّيَ ثُمَّ مَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ مَا اتَّصَلَ النَّيْلُ وَلَمْ يَنْقَطِعْ الْعِرْقُ، وَسَوَاءٌ بَقِيَ مَا نَضَّ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ كَمُلَ النِّصَابُ أَوْ أَنْفَقَهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَكَذَا مَا تَلِفَ مِنْ يَدِهِ بِغَيْرِ سَبَبِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا لَوْ انْقَطَعَ النَّيْلُ لِتَمَامِ الْعِرْقِ ثُمَّ وَجَدَ عِرْقًا آخَرَ فِي الْمَعْدِنِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ فِيهِ مُرَاعَاةَ النِّصَابِ وَلَوْ كَانَ مَا نَضَّ مِنْ الْأَوَّلِ بَاقِيًا بِيَدِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. الْبَاجِيُّ: فَأَحْرَى أَنْ لَا يُضَمَّ نَيْلُ مَعْدِنٍ إلَى مَعْدِنٍ آخَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا. (وَفِي ضَمِّ فَائِدَةٍ حَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 حَوْلُهَا وَتَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِإِخْرَاجِهِ أَوْ تَصْفِيَتِهِ تَرَدُّدٌ) أَمَّا مَسْأَلَةُ ضَمِّ فَائِدَةٍ فَهَذَا تَكْرَارٌ لِقَوْلِهِ: " وَإِنَّمَا يُزَكَّى دَيْنٌ كَمُلَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَعْدِنٍ " فَانْظُرْهُ هُنَاكَ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِإِخْرَاجِهِ أَوْ تَصْفِيَتِهِ فَقَالَ الْبَاجِيُّ: يَجِبُ فِي الْمَعْدِنِ الزَّكَاةُ عِنْدَ ظُهُورِهِ وَلَا يَنْتَظِرُ بِهِ الْحَوْلَ. (وَجَازَ دَفْعُهُ بِأُجْرَةٍ غَيْرِ نَقْدٍ وَعَلَى أَنَّ الْمُخْرَجَ لِلْمَدْفُوعِ لَهُ وَاعْتُبِرَ مِلْكُ كُلٍّ وَبِجُزْءٍ كَالْقِرَاضِ قَوْلَانِ) لَوْ قَالَ وَجَازَ دَفْعُهُ بِأُجْرَةٍ وَبِكِرَاءٍ بِغَيْرِ نَقْدٍ عَلَى أَنَّ الْمُخْرَجَ لِلْمَدْفُوعِ لَهُ وَبِجُزْءٍ كَالْقِرَاضِ قَوْلَانِ، وَاعْتُبِرَ مِلْكُ كُلٍّ لِتَنْزِلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرَ أَمَّا جَوَازُ دَفْعِهِ بِأُجْرَةٍ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَمِلَهُ مُسْتَحِقُّهُ بِأُجْرَةٍ وَاضِحٌ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَجْهُ الْمُعَامَلَةِ فِي الْعَمَلِ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 الْمَعَادِنِ هُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ، وَأَمَّا جَوَازُ دَفْعِهِ بِكِرَاءٍ بِغَيْرِ نَقْدٍ عَلَى أَنَّ الْمُخْرَجَ لِلْمَدْفُوعِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ: إنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ الْمَعْدِنِ بِكِرَاءٍ وَعَلَى أَنَّ الْمُخْرَجَ لِلْمَدْفُوعِ لَهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: كَمَا تُكْرَى الْأَرْضُ لِلْحَرْثِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ سَحْنُونٍ فِي هَذَا. قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَعَلَى الْجَوَازِ فَكَمَا مَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ كِرَاءَ الْأَرْضِ بِحِنْطَةٍ أَوْ بِعَسَلٍ كَذَلِكَ يُمْنَعُ كِرَاءُ مَعْدِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَأَمَّا جَوَازُ دَفْعِهِ بِجُزْءٍ كَالْقِرَاضِ وَيُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ مِلْكُ كُلٍّ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ هَلْ تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ فِي الْمَعَادِنِ عَلَى الْجُزْءِ مِنْهَا فَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ مَالِكٍ: لَا تَجُوزُ. وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَابْنُ الْمَوَّازِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْأَسْدِيَةِ: إنَّهَا تَجُوزُ وَاخْتَارَهُ الْفَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: لِأَنَّ الْمَعَادِنَ لَمَّا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا جَازَتْ الْمُعَامَلَةُ فِيهَا عَلَى الْجُزْءِ مِنْهَا كَالْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: فَإِذَا أَجَزْنَا ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَهَلْ يَكُونُونَ كَالشُّرَكَاءِ فِي الزَّرْعِ يُعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ، أَوْ تَجِبُ الزَّكَاةُ بِدُونِ ذَلِكَ؟ فِيهِ خِلَافٌ. قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَامِلُ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَارِجِ خِلَافٌ، مُنْشَؤُهُ أَنَّهُمْ كَالْأُجَرَاءِ أَوْ كَالشُّرَكَاءِ انْتَهَى. وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: الشُّرَكَاءُ فِي الْمَعْدِنِ كَالْوَاحِدِ وَالْعَبْدُ كَالْحُرِّ وَالذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ، وَذُو الدَّيْنِ كَمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ كَالرِّكَازِ يَجِدُهُ مَنْ ذَكَرْنَا. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا زَكَاةَ فِيهِ إلَّا عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ كَحُكْمِ الزَّكَاةِ وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ. قَالَ سَحْنُونَ: وَالشَّرِيكَانِ فِيهِ كَشَرِيكَيْ الزَّرْعِ (وَفِي نَدْرَتِهِ الْخُمْسُ) . الْبَاجِيُّ: الْمُعْتَبَرُ فِي تَمْيِيزِ النَّدْرَةِ مِنْ غَيْرِهَا هُوَ التَّصْفِيَةُ لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالتَّخْلِيصُ لَهَا دُونَ الْحَفْرِ وَالطَّلَبِ فَإِذَا كَانَتْ الْقِطْعَةُ خَالِصَةً لَا تَحْتَاجُ إلَى تَخْلِيصِ فَهِيَ النُّدْرَةُ الْمُشَبَّهَةُ بِالرِّكَازِ فَفِيهَا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الْخُمْسُ، وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ الزَّكَاةُ. ثُمَّ قَالَ: فَالرِّكَازُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا دَفَنَهُ آدَمِيٌّ، وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ مَا لَمْ يُتَكَلَّفْ فِيهِ عَمَلُ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِلْكٌ أَمْ لَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُمَازَجَةً لِلتُّرَابِ وَتَحْتَاجُ إلَى تَخْلِيصٍ فَهِيَ الْمَعْدِنُ (كَالرِّكَازِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا وُجِدَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ كَأَرْضِ الْيَمَنِ وَالْحِجَازِ وَفَيَافِي الْأَرْضِ مِنْ رِكَازِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَهُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ وَعَلَيْهِ فِيهِ الْخُمْسُ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَإِنْ نَقَصَ عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَصَابَهُ غَنِيٌّ أَوْ فَقِيرٌ أَوْ مَدِينٌ وَلَا يَسَعُ الْفَقِيرَ أَنْ يَذْهَبَ بِجَمِيعِهِ لِمَوْضِعِ فَقْرِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَهُ: " كَالرِّكَازِ " يَعْنِي فَيُزَكَّى كَمَا يُزَكَّى الْمَعْدِنُ. اُنْظُرْ أَيْنَ يَكُونُ الْمَصْرِفُ. أَمَّا خُمْسُ الرِّكَازِ فَقَدْ قَالَ اللَّخْمِيِّ: إنَّ مَصْرِفَهُ لَيْسَ كَمَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَإِنَّمَا هُوَ كَخُمْسِ الْغَنَائِمِ يَحِلُّ لِلْأَغْنِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا مَصْرِفُ خُمْسِ النَّدْرَةِ مِنْ الْمَعْدِنِ فَلَمْ أَجِدْهُ، وَمُقْتَضَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّهُ كَالْغَنَمِ وَالرِّكَازِ، وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ وَجَدَهُ عَبْدٌ ". (وَهُوَ دَفْنٌ جَاهِلِيٌّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا نِيلَ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ بِعَمَلٍ أَوْ بِغَيْرِ عَمَلٍ فَهُوَ سَوَاءٌ وَفِيهِ الْخُمْسُ (وَإِنْ بِشَكٍّ) . الْبَاجِيُّ: مَا وُجِدَ عَلَيْهِ سِيَّمَا أَهْلُ الْإِسْلَامِ فَيُسَمَّى كَنْزًا وَحُكْمُهُ حُكْمُ اللُّقَطَةِ، وَمَا وُجِدَ عَلَيْهِ سِيَّمَا أَهْلُ الْكُفْرِ فَهُوَ الرِّكَازُ وَفِيهِ الْخُمْسُ، وَأَمَّا مَا جُهِلَ أَمْرُهُ وَأَشْكَلَ حَالُهُ فَقَالَ سَحْنُونَ: إنْ جُهِلَتْ الْأَرْضُ فَلَمْ يُدْرَ حُكْمُهَا فَهُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ وَيُخَمِّسُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ سَحْنُونَ: هَذَا مُرَاعَاةٌ لِلْخِلَافِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لِمَنْ وَجَدَهُ سَوَاءٌ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ صُلْحِيَّةٍ أَوْ عَنْوَيَّةٍ أَوْ عَرَبِيَّةٍ (أَوْ قَلَّ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا (أَوْ عَرْضًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا أُصِيبَ فِي دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْجَوَاهِرِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَجَمِيعِ الْجَوَاهِرِ فَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً الْخُمْسُ ثُمَّ قَالَ: لَا خُمْسَ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ: آخَرُ مَا فَارَقْنَاهُ أَنَّ فِيهِ الْخُمْسُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَبِهَذَا أَقُولُ. الْبَاجِيُّ: وَبِهِ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ (أَوْ وَجَدَهُ عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ) ابْنُ نَافِعٍ: هُوَ لِمَنْ أَصَابَهُ وَيُخَمِّسُهُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً (إلَّا لِكَبِيرِ نَفَقَةٍ أَوْ عَمَلٍ فِي تَخْلِيصِهِ فَقَطْ فَالزَّكَاةُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ أَوَّلًا: فِي دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ يُخَمَّسُ سَوَاءٌ نِيلَ بِعَمَلٍ أَمْ لَا. ثُمَّ قَالَ آخِرًا مِثْلَ مَا فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ: سَمِعْت أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إنَّمَا الرِّكَازُ دَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ مَا لَمْ يُطْلَبْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 بِمَالٍ وَلَا كَبِيرِ عَمَلٍ، وَمَا طُلِبَ بِمَالٍ وَكَبِيرِ عَمَلٍ أُصِيبَ مَرَّةً دُونَ مَرَّةٍ فَغَيْرُ رِكَازٍ. قَالَ عِيَاضٌ: وَقَدْ قِيلَ فِي هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ إنَّهُمَا خِلَافٌ، وَقِيلَ هُمَا وِفَاقُ هَذَا فِي الْمَعْدِنِ وَالْأَوَّلُ فِي الدَّفِينِ. (وَكُرِهَ حَفْرُ قَبْرِهِ وَالطَّلَبُ فِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَرِهَ مَالِكٌ حَفْرَ قُبُورِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالطَّلَبُ فِيهَا وَلَسْت أَرَاهُ حَرَامًا وَمَا أُصِيبَ فِيهَا مِنْ مَالٍ فَفِيهِ الْخُمْسُ (وَبَاقِيهَا لِمَالِكِ الْأَرْضِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ مِنْ رِكَازٍ فَهُوَ لِجَمِيعِ مَنْ افْتَتَحَهَا وَلَيْسَ هُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ دُونَهُمْ وَفِيهِ الْخُمْسُ، وَيُقَسَّمُ خَمْسَةٌ فِي مَوْضِعِ الْخُمْسِ. أَشْهَبُ: إنْ لَمْ يُعْرَفْ مَنْ افْتَتَحَهَا وَلَا ذُرِّيَّتُهُمْ فَهُوَ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ بِشَكٍّ ". اللَّخْمِيِّ: قَوْلُ مَالِكٍ الرِّكَازُ لِبَائِعِ الْأَرْضِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ مَا فِي دَاخِلِهَا بِمَنْزِلَةِ مَا فِي خَارِجِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: يُرِيدُ بِبَائِعِهَا مُحْيِيَهَا لَا غَيْرَهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ عَلَى هَذَا فَلَا زَكَاةَ رِكَازٍ بِالْأَنْدَلُسِ وَلَوْ كَانَ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ لُقَطَةٌ لِلَّذِينَ افْتَتَحُوهَا وَإِنْ بِيعَتْ عَلَى قَوْلٍ فَمَا بِيعَ إلَّا مَا ظَهَرَ. ابْنُ يُونُسَ: رَوَى عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ وَجَدَ رِكَازًا فِي مَوْضِعٍ اشْتَرَاهُ أَوْ فِي مَنْزِلِ غَيْرِهِ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَنْزِلِ دُونَ مَنْ أَصَابَهُ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: هُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ وَنَحْوُ هَذَا فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: يَخْتَلِفُ إذَا اسْتَأْجَرَ الْمُشْتَرِي أَجِيرًا يَحْفِرُ لَهُ فَوَجَدَ الْأَجِيرُ كَنْزًا هَلْ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْأَجِيرِ؟ . (وَلَوْ جَيْشًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَجَدَ بِبَلَدِ الْحَرْبِ رِكَازًا فَهُوَ لِجَمِيعِ الْجَيْشِ الَّذِينَ مَعَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَالَ ذَلِكَ بِهِمْ. قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَيُخَمَّسُ، (وَإِلَّا فَلَوْ وَجَدَهُ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَالرِّكَازِ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ بِشَكٍّ ". (وَإِلَّا دِفْنَ الْمُصَالِحِينَ فَلَهُمْ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ رَبُّ دَارٍ بِهَا فَلَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا وُجِدَ مِنْ رِكَازٍ بِأَرْضِ الصُّلْحِ فَهُوَ لِلَّذِينَ صَالَحُوا عَلَى أَرْضِهِمْ وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 يُخَمَّسُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ. قَالَ سَحْنُونَ: وَيَكُونُ لِأَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ دُونَ الْإِقْلِيمِ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ رَبُّ الدَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ فَهُوَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّ الدَّارِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ فَيَكُونُ ذَلِكَ لِأَهْلِ الصُّلْحِ دُونَهُ. (وَدِفْنُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لُقَطَةٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْبَاجِيِّ: مَا وُجِدَ عَلَيْهِ سِيَّمَا أَهْلُ الْإِسْلَامِ لُقَطَةٌ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ كَانَ مِنْ دَفْنِ الْإِسْلَامِ فَلُقَطَةٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ. (وَمَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ كَعَنْبَرٍ فَلِوَاجِدِهِ بِلَا تَخْمِيسٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَا لَفَظَ الْبَحْرُ وَلَمْ يُمْلَكْ كَعَنْبَرٍ وَلُؤْلُؤٍ فَهُوَ لِآخِذِهِ دُونَ تَخْمِيسٍ لِصَيْدٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا وُجِدَ مِمَّا لَفَظَهُ الْبَحْرُ إنْ كَانَ لِمُسْلِمٍ لُقَطَةٌ، وَإِنْ كَانَ لِمُشْرِكٍ نَظَرَ فِيهِ الْإِمَامُ زَادَ فِي سَمَاعِ عِيسَى: وَإِنْ شَكَّ فَهُوَ لُقَطَةٌ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِيمَنْ أَسْلَمَ دَابَّتَهُ فِي سَفَرٍ آيِسًا مِنْهَا فَأَخَذَهَا مَنْ عَاشَتْ عِنْدَهُ، وَمَنْ طَرَحَ مَتَاعَهُ خَوْفَ غَرَقِهِ فَغَاصَ عَلَيْهِ آخَرُ وَأَخَذَهُ وَكَيْفَ لَوْ رَدَّهُ الْغَائِصُ مِنْ حَيْثُ أَخَذَهُ، وَمَنْ أَسْلَمَ مَتَاعَهُ بِفَلَاةٍ لِمَوْتِ رَاحِلَتِهِ فَجَاءَ بِهِ آخَرُ وَمَا وُجِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَوْ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ مَالِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَصَاوِيرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ مِنْ مَالِ الْحَرْبِيِّينَ وَهُمْ مَعَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 [فَصْلٌ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ] [بَيَانِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَكَيْفِيَّةِ الصَّرْفِ إلَيْهِمْ] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: خَاتِمَةٌ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ وَهِيَ بَابَانِ: الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ. الْبَابُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الصَّرْفِ إلَيْهِمْ. وَلَمَّا ذَكَرَ فِي الْإِحْيَاءِ التَّضْيِيقَ فِي صَرْفِ الزَّكَاةِ قَالَ: وَلَعَلَّ مَنْ لَا يُدْرِكُ غَرَضَ الشَّافِعِيِّ يَتَسَاهَلُ وَيُلَاحِظُ الْمَقْصُودَ مِنْ سَدِّ الْخَلَّةِ وَمَا أَبْعَدَهُ عَنْ التَّحْصِيلِ، فَإِنَّ وَاجِبَاتِ الشَّرْعِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمُ تَعَبُّدٍ مَحْضٍ لَا مَدْخَلَ لِلْحُظُوظِ وَالْأَغْرَاضِ فِيهِ وَذَلِكَ كَرَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْحَجِّ، وَقِسْمٌ الْمَقْصُودُ مِنْهُ حَظٌّ مَعْقُولٌ وَلَيْسَ يُقْصَدُ مِنْهُ التَّعَبُّدُ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَقِسْمٌ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْأَمْرُ أَنَّ: حَظَّ الْعِبَادِ وَامْتِحَانَ الْمُكَلَّفِ بِالِاسْتِعْبَادِ، وَالزَّكَاةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. فَحَظُّ الْفَقِيرِ مَقْصُودٌ فِي سَدِّ الْخَلَّةِ وَهُوَ جَلِيٌّ سَابِقٌ إلَى الْفَهْمِ، وَحَقُّ التَّعَبُّدِ فِي اتِّبَاعِ التَّفَاصِيلِ مَقْصُودُ الشَّرْعِ. قَالَ هَذَا مُرَشِّحًا لِمَنْعِ الشَّافِعِيِّ إخْرَاجَ الدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ. وَمِنْ نَحْوِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ ذَبَحَ شَاةَ زَكَاتِهِ فَجَزَّأَهَا وَفَرَّقَهَا فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَيْضًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَخْرَجَ عَنْ الْعَيْنِ عَرْضًا انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا دَفَعَ الشَّاةَ لِمَنْ يَذْبَحُهَا لِلْمَسَاكِينِ يُفَرِّقُهَا عَلَيْهِمْ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ يَدَ وَكِيلِهِ كَيَدِهِ، لَكِنْ اتَّفَقَ لِلْإِمَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ دَقِيقًا عُجِنَ بِمَاءٍ مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ فَوَقَعَتْ الْفُتْيَا بِالْوَرَعِ مِنْ أَكْلِهِ فَانْبَخَسَ ثَمَنُهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَدَفَعَ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ زَكَاتِهِ لِرَجُلٍ قَالَ لَهُ: صَرْفُهُ فِيمَا يَظْهَرُ لَك وَإِنْ ظَهَرَ لَك أَنْ تَصْرِفَهُ لِأَهْلِ السِّجْنِ يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا جِيَاعًا وَكَانَ زَمَنَ مَسْغَبَةٍ. (وَمَصْرِفُهَا فَقِيرٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَصْرِفُهَا الثَّمَانِيَةُ فِي آيَةِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] (وَمِسْكِينٌ هُوَ أَحْوَجُ) أَبُو عُمَرَ عَنْ كُلِّ أَصْحَابِ مَالِكٍ مَعَ الْجَلَّابِ: الْفَقِيرُ مُرَادِفٌ لِلْمِسْكِينِ ابْنُ بَشِيرٍ عَنْ الْأَكْثَرِ: الْفَقِيرُ غَيْرُ الْمِسْكِينِ وَرَوَاهُ أَبُو عَلِيٍّ. وَعَلَى هَذَا رَوَى أَبُو عُمَرَ الْفَقِيرُ ذُو بُلْغَةٍ وَالْمِسْكِينُ لَا شَيْءَ لَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ عَكْسُ هَذَا. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَيْسَ مَقْصُودًا طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ فَلَا تُضَيِّعُ زَمَانَك فِي هَذِهِ الْمَعَانِي فَإِنَّ التَّحْقِيقَ فِيهِ قَلِيلٌ وَالْكَلَامُ فِيهِ عَنَاءٌ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ تَحْصِيلٍ إذْ كِلَاهُمَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ (وَصُدِّقَا إلَّا لِرِيبَةٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الْفَقْرِ. اللَّخْمِيِّ: مَا لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 يَكُنْ مَعْرُوفَ الْمَلَأِ فَيُكَلَّفُ إثْبَاتَ ذَهَابِهِ وَلَوْ ادَّعَى عِيَالًا صَدَقَ الطَّارِئُ وَمَنْ تَعَذَّرَ كَشْفُهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ تَعُمُّ الْبَلْوَى بِهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمُتَوَلِّي تَفْرِيقَ الْكَفَّارَةِ وَالْأَمْرُ لَا شَكَّ فِيهَا أَضْيَقُ لِأَنَّهُ إنْ أَعْطَاهُ لِرَأْسَيْنِ وَهُوَ بِرَأْسِهِ وَحْدَهُ لَمْ تَبْرَأْ الذِّمَّةُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ. الشَّعْبِيُّ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الرَّجُلِ إنَّ عِنْدَهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ كَفَّارَةَ الْأَيْمَانِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ كَانَ فَاضِلًا دَيْنًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ تَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ (إنْ أَسْلَمَ وَتَحَرَّرَ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُعْطَى أَهْلُ الْأَهْوَاءِ إنْ احْتَاجُوا هُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ خَفَّ هَوَاهُمْ كَتَفْضِيلِ عَلِيٍّ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا. قَالَ عِيَاضٌ: الْأَوْلَى سَدَّ هَذَا الْبَابَ. ذَكَرَ هَذَا حِينَ عَرَفَ بِأَبِي عِمْرَانَ الْفَاسِيِّ وَأَنَّ مِحْنَتَهُ بِسَبَبِ أَنْ جَعَلَ تَفَرُّقَهُ رَاجِعُ الْمَدَارِكَ. ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَالْمُصَلِّي أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَيُعْطَى غَيْرُ الْمُصَلِّي إذَا كَانَ ذَا حَاجَةٍ بِبَيِّنَةٍ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَأْكُلْ طَعَامَك إلَّا تَقِيٌّ» فَمِنْ الْحَقِّ الْأَفْضَلِ أَنْ تَعْتَمِدَ بِمَعْرُوفِك أَهْلَ التُّقَى، وَأَمَّا مَنْ لَا يُصَلِّي فَعَنْهُ أَجْوِبَةٌ مِنْهَا: أَنَّ الذِّمِّيَّ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ مَعَ كُفْرِهِ وَلَا نُسَلِّمُهُ إلَى الْهَلَكَةِ فَكَيْفَ نُسَلِّمُ مَنْ يَلْفِظُ بِالشَّهَادَةِ وَلَهَا مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لَهَا وَقَدْ عَلِمْتُمْ مِثَالَهَا. وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُوَاسِي بِرُوحِهِ فَيُؤْمَرُ بِالطَّاعَةِ. وَمِنْهَا أَنْ يُقَالَ لِلسَّائِلِ عَنْ هَذِهِ النَّازِلَةِ أَلَّا تَسْتَحْيِيَ مِنْ اللَّهِ تُجْرِي الرِّزْقَ الرَّغْدَ وَالْكِسْوَةَ السَّابِغَةَ عَلَى أَهْلِك وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ، ثُمَّ تَعْتَذِرُ فِي الْمُحْتَاجِ بِمَا لَا تَفْعَلُهُ مَعَ مَنْ تَحَوَّطَ إنَّ هَذَا لَهُوَ النِّفَاقُ الْعَظِيمُ. وَمِنْهَا أَنْ يُقَالَ لَهُ وَكَأَنَّك لَمْ تَرَ مِنْ الْمُنْكَرِ إلَّا ظُلْمَ هَذَا لِنَفْسِهِ حَتَّى تَحْتَمِيَ نَفْسُك هَذِهِ الْحَمِيَّةَ لَهُ. أَيْنَ ظُلْمُ الْغَيْرِ لِلْغَيْرِ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ ابْدَأْ بِهِ وَاغْضَبْ لَهُ وَاهْجُرْ فَاعِلَهُ وَلَا تَصِلْهُ بِمَالِك وَلَا بِبَشَرِك، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَتَرَدَّدُ فِي هَذَا الَّذِي هُوَ يَمُوتُ جُوعًا هَيْهَاتَ إنَّمَا هَذَا تَعَلُّلٌ عَلَى الصَّدَقَةِ حِرْصًا عَلَى الْبُخْلِ. (وَعَدِمَ كِفَايَةً بِقَلِيلٍ أَوْ إنْفَاقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُعْطَى مِنْهَا مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا إنْ كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ لِكَثْرَةِ عِيَالٍ وَنَحْوِهِ. قَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَهُ دَارٌ وَخَادِمٌ لَا فَضْلَ فِي ثَمَنِهِمَا عَنْ سِوَاهُمَا أُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ. زَادَ الشَّيْخُ عَنْ مَالِكٍ: وَفَرَسٌ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: إنْ كَانَ يَفْضُلُ مِنْ ثَمَنِ الدَّارِ وَالْخَادِمِ عِشْرُونَ دِينَارًا لَمْ يُعْطَ. ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ مَلَكَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ عَدْلَ ذَلِكَ سِوَى مَا يَحْتَاجُ إلَى سُكْنَاهُ أَوْ اسْتِخْدَامُهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَثُرَ عِيَالُهُ (أَوْ صَنْعَةٍ) أَجَازَ مَالِكٌ أَنْ يُعْطَى الشَّابُّ الصَّحِيحُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 مِنْ الزَّكَاةِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ لِلصَّحِيحِ صِنَاعَةٌ تَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ لَمْ يُعْطَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا بِمَالٍ أَوْ صَنْعَةٍ يَقُومُ مِنْهَا عَيْشُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا كِفَايَةٌ أُعْطِيَ تَمَامَ كِفَايَتِهِ، وَإِنْ كَسَدَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ ذَا صَنْعَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَحْتَرِفُ بِهِ أُعْطِيَ وَإِنْ كَانَ يَجِدُ مَا يَحْتَرِفُ بِهِ لَوْ تَكَلَّفَ ذَلِكَ كَانَ مَوْضِعَ الْخِلَافِ. (وَعَدَمِ بُنُوَّةٍ لِهَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ) ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي حَدِيثِ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ» . إنَّمَا ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ وَلَيْسَ فِي التَّطَوُّعِ وَإِنَّمَا هُوَ بَنُو هَاشِمٍ أَنْفُسِهِمْ قَالَ عَنْهُ أَصْبَغُ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى لِمَوَالِيهِمْ. ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَدْخُلُ فِي آلِ مُحَمَّدٍ الَّذِينَ لَا تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ مِنْ فَوْقِ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنِي قُصَيٍّ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ دُونَ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَنِي بَنِيهِمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 مَا تَنَاسَلُوا إلَى الْيَوْمِ. (كَحَسَبٍ عَلَى عَدِيمٍ) فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى فَقِيرٍ فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَحْسُبَهُ عَلَيْهِ فِي زَكَاتِهِ. قَالَ غَيْرُهُ عَنْهُ: لِأَنَّهُ تَاوٍ لَا قِيمَةَ لَهُ أَوْ لَهُ قِيمَةُ دُونٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْمَنْعِ كَفَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ بِعَدَمِ إجْرَائِهِ (وَجَازَ لِمَوْلَاهُمْ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعَدَمِ بُنُوَّةٍ لِهَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ ". (وَقَادِرٍ عَلَى الْكَسْبِ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ صَنْعَةٍ " (وَمَالِكِ نِصَابٍ) قَالَ الْمُغِيرَةُ: لَا يُعْطَى مَنْ لَهُ الْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ مِنْ الزَّكَاةِ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ فَضْلٌ يَبْلُغُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا ظَاهِرٌ بَيِّنٌ إذْ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاذًا عَلَى الصَّدَقَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَيَضَعَهَا فِي فُقَرَائِهِمْ» ، وَالْفَقِيرُ مَنْ تُوضَعُ فِيهِ وَالْغَنِيُّ مَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا مَعْنَى لِمَنْ قَالَ مَالِكُ النِّصَابِ غَنِيٌّ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ شَعِيرٍ قِيمَتُهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ فِيهَا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقِيرٌ مِسْكِينٌ غَيْرُ غَنِيٍّ، فَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 وَالشَّافِعِيُّ أَوْلَى بِالصَّوَابِ. ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: مَنْ كَانَ لَهُ نِصْفُ نِصَابٍ عَيْنًا وَمِنْ الْعُرُوضِ مَا يُسَاوِي النِّصْفَ الْآخَرَ فَلَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ مِنْ طَعَامٍ وَلَمْ تُسَاوِ نِصَابَ الْعَيْنِ فَلَا يَضُرُّهُ، وَإِنْ سَاوَاهُ فَلَا يُعْطَى بِخِلَافِ الْكُتُبِ. وَلَوْ كَانَتْ لَهُ كُتُبُ فِقْهٍ قِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِنْ نِصَابٍ بِأَنَّهُ يُعْطَى لِأَنَّهُ لَا غِنَى لَهُ عَنْهَا، ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا إنْ كَانَتْ فِيهِ قَابِلِيَّةٌ وَإِلَّا فَلَا يُعْطَى مِنْهَا شَيْئًا إلَّا أَنْ تَكُونَ كُتُبُهُ عَلَى قَدْرِ فَهْمِهِ خَاصَّةً فَتُلْغَى. وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِهَا وَعَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ بِالْكَرَاهَةِ فَالشَّرْعُ لَا يُجْبِرُ عَلَى مَكْرُوهٍ. رَاجِعْ نَوَازِلَ السَّيِّدِ مُفْتِي تُونِسَ الْبُرْزُلِيُّ قَالَ: وَهَذَا كَتَزْوِيجِ أُمِّ الْوَلَدِ لِعُسْرِ سَيِّدِهَا وَمَغِيبِهِ وَقَدْ قَالَ نَحْوَ هَذَا عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ فِي الْحُكْمِ بِالْإِجَارَةِ عَلَى الصَّلَاةِ. اللَّخْمِيِّ: قِيلَ مَنْ كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصَابٍ وَلَا كِفَايَةَ فِيهِ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ. وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي اسْمِ الْفُقَرَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَعِيشُ إلَى ذَهَابِ مَا فِي يَدَيْهِ؟ وَلَا خِلَافَ فِيمَا بَيْنَ الْأَمَةِ فِيمَنْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ وَهُوَ ذُو عِيَالٍ وَلَا يَكْفِيهِ لَهُمْ مَا فِي يَدَيْهِ أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 عَدَدِ الْأَغْنِيَاءِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ أَنْ يُعْطَى انْتَهَى، اُنْظُرْ أَنْتَ هَذِهِ النُّصُوصَ وَانْظُرْ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَعِيشُ فَمِنْ نَحْوِ هَذَا أَيْضًا إعْطَاءُ الْيَتَامَى لِشُوَارٍ. وَقَدْ نَصَّ شَارِحُ الرِّسَالَةِ ابْنُ الْفَخَّارِ أَنَّهُ لَا يُجْهَرُ عَلَى الْيَتَامَى مِنْ الزَّكَاةِ. (وَدَفْعُ أَكْثَرَ مِنْهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ غَيْرَ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ يُمْنَعُ إعْطَاءَ نِصَابٍ. وَفِي الْجَلَّابِ: أَجَازَ مَالِكٌ إعْطَاءَ مَا يُغْنِيهِ نِصَابًا فَمَا فَوْقَهُ. اللَّخْمِيِّ: أَرَى إنْ كَانَ يُخْرِجُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ زَكَاةً وَاحِدَةً فِي الْعَامِ وُسِّعَ لَهُ فِي الْعَطَاءِ مَا يُرَى أَنَّهُ يُغْنِيهِ لِذَلِكَ الْوَقْتِ (وَكِفَايَةِ سَنَةٍ) مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 وَجَدْت هُنَا إلَّا مَا ذَكَرْته مِنْ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ أَرَى إلَى آخِرِهِ. (وَفِي جَوَازِ دَفْعِهَا لِمَدِينٍ ثُمَّ أَخْذِهَا تَرَدُّدٌ) ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَوْ أَعْطَاهَا مَدِينًا لَهُ جَازَ أَخْذُهَا مِنْهُ فِي دَيْنِهِ. مَالِكٌ: يُمْنَعُ إعْطَاءُ الزَّوْجَةِ زَكَاتَهَا لِزَوْجِهَا. الْبَاجِيُّ: مُنِعَ هَذَا لِأَنَّهُ كَمَنْ دَفَعَ صَدَقَتَهُ لِغَرِيمِهِ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى أَدَاءِ دَيْنِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ أَنَّ أَخْذَهُ بَعْدَ إعْطَائِهِ بِطَوْعِ الْفَقِيرِ دُونَ تَقَدُّمِ شَرْطِهِ أَجْزَأَهُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 وَكَرِهَا كَذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ مَا يُوَارِيهِ وَعَيْشُهُ الْأَيَّامُ وَإِلَّا فَلَا وَبِشَرْطٍ فَكَمَا لَمْ يُعْطِهِ. (وَجَابٍ وَمُفَرِّقٌ) ابْنُ بَشِيرٍ: الْعَامِلُونَ هُمْ جُبَاتُهَا وَمُوَصِّلُوهَا إلَى الْإِمَامِ حَتَّى يُفَرِّقَهَا أَوْ يَتَوَلَّوْنَ تَصْرِيفَهَا. قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنْ كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ عَدْلٍ لَمْ يَحِلَّ لِلْعَامِلِ عَلَيْهَا الْأَكْلُ مِنْهَا وَلَا الِاسْتِنْفَاقُ وَلَا يَعْمَلُ عَلَيْهَا إلَّا مُكْرَهًا انْتَهَى. وَلَمْ يَلِ قَطُّ زَمَنَ شَيْخِي ابْنِ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَدْلٌ صَيْفِيٌّ. وَقَالَ لِبَعْضِهِمْ: إنْ قَبِلْت صَيْفِيًّا قَطَعْت شَهَادَتَك. (حُرٌّ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُسْتَعْمَلُ عَلَى الزَّكَاةِ عَبْدٌ وَلَا نَصْرَانِيٌّ فَإِنْ فَاتَ ذَلِكَ أُخِذَ مِنْهُمَا مَا أَخَذَا وَأُعْطِيَا مِنْ غَيْرِ الصَّدَقَةِ بِقَدْرِ عَنَائِهِمَا. مُحَمَّدٌ: مِنْ حَيْثُ يُعْطَى الْعُمَّالُ وَالْوُلَاةُ وَذَلِكَ مِنْ الْفَيْءِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَرْتَزِقَ الْقُضَاةُ وَالْعُمَّالُ مِنْ الزَّكَاةِ إلَّا الْعَامِلَ عَلَيْهَا (عَدْلٌ عَالِمٌ بِحُكْمِهَا) . ابْنُ مُحْرِزٍ: لَا يُسْتَعْمَلُ عَلَيْهَا امْرَأَةٌ وَلَا صَبِيٌّ (غَيْرُ هَاشِمِيٍّ) اللَّخْمِيِّ: لَا يُسْتَعْمَلُ عَلَيْهَا مَنْ كَانَ مِنْ آلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ أَخْذَهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْمَالِ عَلَيْهَا وَلَا يَخْرُجُ عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ وَعَنْ الْإِذْلَالِ فِي الْخِدْمَةِ لَهَا وَفِي سَبَبِهَا (وَكَافِرٍ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " عَدْلٌ عَالِمٌ " (وَإِنْ غَنِيًّا) اللَّخْمِيِّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا غَنِيٌّ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ ذَلِكَ بِوَجْهِ الْأُجْرَةِ. أَبُو عُمَرَ: وَتَكُونُ مَعْلُومَةً بِقَدْرِ عَمَلِهِ وَلَا يُسْتَأْجَرُ بِجُزْءٍ مِنْهَا، فَإِنْ فَرَّقَ إنْسَانٌ زَكَاةَ مَالِهِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَأْخُذُ أَجْرًا. (وَبُدِئَ بِهِ) اللَّخْمِيِّ: يُبْدَأُ مِنْ الزَّكَاةِ بِأَجْرِ الْعَامِلِينَ ثُمَّ بِالْفُقَرَاءِ عَلَى الْعِتْقِ لِأَنَّ سَدَّ خَلَّةِ الْمُؤْمِنِ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مُؤَلَّفَةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 بُدِئَ بِهِمْ لِأَنَّ اسْتِنْقَاذَهُمْ مِنْ النَّارِ بِإِدْخَالِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ وَتَثْبِيتِهِمْ عَلَيْهِ إنْ كَانُوا أَسْلَمُوا أَفْضَلُ مِنْ إطْعَامِ فَقِيرٍ. وَإِذَا خُشِيَ عَلَى النَّاسِ بُدِئَ بِالْغَزْوِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: أَحَبُّ الْأَصْنَافِ إلَيَّ أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ الزَّكَاةَ وَأَرْجَى لِلْأَجْرِ الْفُقَرَاءُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَزْوٌ قَدْ حَلَّ فَالْغَزْوُ بِهَا أَفْضَلُ. (وَأَخَذَ الْفَقِيرُ بِوَصْفِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ اُسْتُعْمِلَ عَلَى الزَّكَاةِ فَقِيرٌ أُعْطِيَ بِحَقِّ الْفَقْرِ وَالِاسْتِعْمَالِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا إنْ لَمْ يُغْنِهِ حَظُّ عَمَلِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ الْعَامِلُ مَدِينًا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا لِغُرْمِهِ إلَّا بِإِعْطَاءِ الْإِمَامِ بِالِاجْتِهَادِ. وَانْظُرْ رَسْمَ الْبَزِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْبَضَائِعِ: أَجَازَ مَالِكٌ لِمَنْ بُعِثَ مَعَهُ بِمَالٍ لِلْمُنْقَطِعِينَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ إذَا احْتَاجَ. (وَلَا يُعْطَى جُلُوسُ الْفِطْرَةِ مِنْهَا) ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا يُعْطَى مِنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ مَنْ يُخْرِجُهَا وَلِيُعْطَ مِنْ غَيْرِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " بِأُجْرَةٍ مِنْ الْفَيْءِ ". (وَمُؤَلَّفٌ كَافِرٌ لِيُسْلِمَ وَحُكْمُهُ بَاقٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: الصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ بَاقٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَكِنْ لَا يُعْطُونَ إلَّا وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمْ وَاخْتُلِفَ فِي صِفَتِهِمْ فَقِيلَ هُمْ صِنْفٌ مِنْ الْكُفَّارِ يُعْطُونَ لِيَتَأَلَّقُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ هُمْ قَوْمٌ أَسْلَمُوا فِي الظَّاهِرِ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ الْإِسْلَامُ فِي قُلُوبِهِمْ فَيُعْطُونَ لِيَتَمَكَّنَ الْإِسْلَامُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَقِيلَ هُمْ قَوْمٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَسْلَمُوا وَلَهُمْ أَتْبَاعٌ يُعْطُونَ لِيَتَأَلَّقُوا أَتْبَاعَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى وَالْقَصْدُ بِجَمِيعِهَا الْإِعْطَاءُ لِمَنْ لَا يَتَكَلَّمُ إسْلَامُهُ حَقِيقَةً إلَّا بِالْإِعْطَاءِ فَكَأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ الْجِهَادِ. وَقَدْ عَلِمَتْ الشَّرِيعَةُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ يَرْجِعُ بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ وَإِظْهَارِ الْبُرْهَانِ، وَصِنْفٌ بِالْقَهْرِ وَالسَّيْفِ، وَصِنْفٌ بِالْإِعْطَاءِ وَالْإِحْسَانِ، فَلْيَسْتَعْمِلْ الْإِمَامُ النَّاظِرَ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ كُلِّ صِنْفٍ مَا يَكُونُ سَبَبَ نَجَاتِهِ وَخَلَاصِهِ مِنْ الْكُفْرِ. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِابْنِ حَبِيبٍ، وَالثَّانِي لِلْبَاجِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَالثَّالِثُ لِنَقْلِ اللَّخْمِيِّ. (وَرَقِيقٌ) قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ الْإِمَامُ مِنْ الزَّكَاةِ رِقَابًا يُعْتِقُهُمْ وَوَلَاؤُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ مَنْ وَلِيّ صَدَقَةَ نَفْسِهِ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا رَقَبَةً فَيُعْتِقَهَا كَمَا يُعْتِقُهَا الْوَالِي وَوَلَاؤُهَا لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أَعْتَقَهَا عَنْ نَفْسِهِ لَمْ تُجْزِهِ وَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ ثَانِيَةً لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَهُ. اُنْظُرْ هَلْ يَعْمَلُ قِيمَةً لِمَمْلُوكِهِ وَيُعْتِقُهُ عَنْ زَكَاتِهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَوَقَعَ فِيهَا نِزَاعٌ. (مُؤْمِنٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَلَا مِنْ جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ إلَّا لِمُؤْمِنٍ حُرٍّ كَمَا لَا يُعْتَقُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 مِنْهَا إلَّا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ (وَلَوْ بِعَيْبٍ) الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: يُجْزِئُ الْمَعِيبُ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ (يُعْتَقُ مِنْهَا) اُنْظُرْ هَلْ يَكُونُ هَذَا حَالًا مِنْ رَقِيقٍ مُؤْمِنٍ. (لَا عَقْدَ حُرِّيَّةٍ فِيهِ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْتِقَ مِنْ زَكَاتِهِ مُكَاتَبَهُ وَلَا مُدَبَّرَهُ وَلَا أُمَّ وَلَدِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَلْ يَعْتِقُ مِنْ زَكَاتِهِ مُكَاتَبُ غَيْرِهِ أَوْ مُدَبَّرُهُ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ. قَالَ أَصْبَغُ: إنَّ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعَانَ بِهَا مُكَاتَبٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَإِنْ كَانَ يَتِمُّ بِهَا عِتْقَهُ قَالَ أَصْبَغُ: فَإِنْ فَعَلَ فَلْيُعِدْ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَا أُوجِبُهُ لِلِاخْتِلَافِ (وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَرَقِيقٌ ". (وَإِنْ اشْتَرَطَهُ لَهُ أَوْ فَكَّ بِهَا أَسِيرًا لَمْ تُجْزِهِ) أَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ اشْتَرَطَ الْوَلَاءَ لِنَفْسِهِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: مَنْ اشْتَرَى رَقَبَةً مِنْ زَكَاتِهِ ثُمَّ قَالَ هِيَ حُرَّةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلِي وَلَاؤُهَا كَانَ وَلَاؤُهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَشَرْطُهُ بَاطِلٌ وَهُوَ يُجْزِئُ عَنْهُ، وَإِنْ قَالَ هُوَ حُرٌّ عَنِّي وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُجْزِئُهُ. وَأَمَّا فَكُّ الْأَسِيرِ فَقَالَ أَصْبَغُ: وَلَا يُفَكُّ الْأَسِيرُ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُجْزِئُهُ لِأَنَّهَا رَقَبَةٌ قَدْ مُلِكَتْ بِمِلْكِ الرِّقِّ فَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ رِقٍّ إلَى عِتْقٍ بَلْ ذَلِكَ أَحَقُّ وَأَوْلَى مِنْ فِكَاكِ الرِّقَابِ الَّتِي بِأَيْدِينَا. ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ حَارِثٍ: لَوْ أُطْلِقَ أَسِيرٌ بِفِدَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ أُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ غَارِمٌ. (وَمَدِينٌ) ابْنُ يُونُسَ: الْغَارِمُ مَنْ لَهُ مَالٌ بِإِزَاءِ دَيْنِهِ وَإِلَّا فَهُوَ غَارِمٌ فَقِيرٌ يُعْطَى بِالْوَصْفَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي تُصْرَفُ لَهُمْ الزَّكَاةُ الْغَارِمُ وَهُوَ مَدِينُ آدَمِيٍّ لَا فِي فَسَادِ الْقَاضِي وَلَا فِي سَفَهٍ فَإِنْ أَدَانَ بِفَسَادٍ وَلَمْ يَتُبْ مَنَعَ اللَّخْمِيِّ اتِّفَاقًا، فَإِنْ تَابَ فَقَوْلَانِ، وَصَوَّبَ اللَّخْمِيِّ مَنْعَ صَرْفِهَا لِمَدِينِ زَكَاةِ فَرَّطَ فِيهَا وَأُعْدِمَ لِأَنَّهَا غَصُوبٌ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَدَيْنُ الْكَفَّارَةِ الزَّكَاةُ. (وَلَوْ مَاتَ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي صَرْفِهَا فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 دَيْنِ مَيِّتٍ قَوْلَانِ لِابْنِ حَبِيبٍ وَمُحَمَّدٍ. (يُحْبَسُ فِيهِ) اللَّخْمِيِّ: يُعْطَى الْغَارِمُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لِآدَمِيٍّ وَمِمَّا يُحْبَسُ فِيهِ (لَا فِي فَسَادٍ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَلَوْ مَاتَ " (وَلَا لِأَخْذِهَا) ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِنْ اسْتَدَانَ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْهَا (وَإِلَّا أَنْ يَتُوبَ عَلَى الْأَحْسَنِ) قَالَ اللَّخْمِيِّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إذَا حَسُنَتْ حَالَةُ مَنْ تَدَايَنَ فِي فَسَادٍ أُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَقِيلَ لَا يُعْطَى. (إنْ أَعْطَى مَا بِيَدِهِ مِنْ عَيْنٍ وَفَضْلِ غَيْرِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بِيَدِهِ أَلْفٌ وَعَلَيْهِ أَلْفَانِ وَلَهُ دَارٌ وَخَادِمٌ لَا فَضْلَ فِيهِمَا يُسَاوِيَانِ أَلْفَيْنِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْأَلْفَ فِي دَيْنِهِ فَيَتَبَقَّى عَلَيْهِ أَلْفٌ فَحِينَئِذٍ يُعْطَى وَيَكُونُ مِنْ الْغَارِمِينَ. (وَمُجَاهِدٌ وَآلَتُهُ وَلَوْ غَنِيًّا) ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْأَصْنَافِ الَّتِي تُصْرَفُ الزَّكَاةُ فِيهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. أَبُو عُمَرَ: وَذَلِكَ الْجِهَادُ وَالرِّبَاطُ. اللَّخْمِيِّ: وَيُعْطَى الْغَازِي الْفَقِيرُ حَيْثُ غَزْوُهُ الْغَنِيَّ بِبَلَدِهِ وَيُعْطَى الْغُزَاةُ الْمُقِيمُونَ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ حَيْثُ غَزْوُهُمْ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ غَنِيًّا بِالْمَوْضِعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 الَّذِي هُوَ بِهِ فَقِيلَ يُعْطَى لِحَدِيثِ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ» الْحَدِيثَ. وَلِأَنَّ أَخْذَهُ فِي مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ وَالْأُجْرَةِ إذَا كَانَ أَوْقَفَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ، وَلِأَنَّ فِي إعْطَائِهِ ضَرْبًا مِنْ الِاسْتِئْلَافِ لِمَشَقَّةِ مَا يُكَلَّفُونَ مِنْ بَذْلِ النُّفُوسِ. وَقِيلَ: لَا يُعْطَى إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ كَابْنِ السَّبِيلِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَتُرَدّ مِمَّنْ أَخَذَهَا لِيَغْزُوَ بِهَا فَجَلَسَ وَنَحْوُ هَذَا قَالُوا فِي الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ فِي السَّبِيلِ. وَفِي الرِّوَايَةِ: وَلَا يُعْطَى مِنْ الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ فِي السَّبِيلِ إلَّا لِمَنْ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ لَا لِمَنْ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِمَا يُعْطَى. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا خَوْفُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ وَلَا يَخْرُجُ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ: لَا يَأْخُذُ الْفَرَسَ الْمُعْطَى فِي السَّبِيلِ إلَّا مَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ عَلَى التَّقَدُّمِ لِلْأَسِنَّةِ. وَلَمْ يَنْقُلْ اللَّخْمِيِّ غَيْرَ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يُجْعَلُ مِنْ الزَّكَاةِ نَصِيبٌ فِي الْحِمْلَانِ وَالسِّلَاحِ وَيَشْتَرِي مِنْهَا الْقِسِيَّ وَالْمَسَاحِي وَالْحِبَالَ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِحَفْرِ الْخَنَادِقِ والمنجنيقات لِلْحُصُونِ وَتُنْشَأُ مِنْهَا الْمَرَاكِبُ لِلْغَزْوِ وَكِرَاءِ النَّوَاتِيَّةِ، وَيُعْطَى مِنْهَا لِلْجَوَاسِيسِ الَّذِينَ يَأْتُونَ بِأَخْبَارِ الْعَدُوِّ، مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ نَصَارَى، وَيُبْنَى مِنْهَا حِصْنٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَرَى ذَلِكَ كُلَّهُ دَاخِلًا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَشْهُورُ لَا يُعْطَى مِنْهَا فِي بِنَاءِ الْأَسْوَارِ الَّتِي يُتَّقَى بِهَا مَعَرَّةُ الْعَدُوِّ، وَلَا فِي إنْشَاءِ الْأَسَاطِيلِ الْمَقْصُودِ بِهَا مُجَرَّدُ الْغَزْوِ وَلَا فِيمَا هُوَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ الْآلَاتِ انْتَهَى. اُنْظُرْ جَعْلَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَلَمْ يَعْزُهُ وَلَمْ يَنْقُلْهُ اللَّخْمِيِّ، وَانْظُرْ هَلْ يُقَالُ: فَرْقٌ بَيْنَ بِنَاءِ سُوَرٍ لِمَدِينَةٍ يُتَّقَى بِهَا مَعَرَّةَ الْعَدُوِّ، وَبَيْنَ بِنَاءِ حِصْنٍ لِلرِّبَاطِ يُقِيمُ بِهِ أَهْلُهُ لِلذَّبِّ عَنْ جَمِيعِ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. فَقَدْ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ: لَا شَيْءَ لِمَنْ خَرَجَ بَعْدَ الْوَقْعَةِ مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَدِينَةُ لِغَزْوٍ مُحْرَسًا مِثْلَ مَحَارِسِ الْمُنَسْتِيرِ وَالْحُصُونِ الَّتِي عَلَى سَاحِلِنَا وَمِثْلَ بَعْضِ مَوَاضِعِ الْأَنْدَلُسِ، فَالْغَنِيمَةُ لِمَنْ بَرَزَ وَلِمَنْ لَمْ يَبْرُزْ، قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، رَآهُ الْعَدُوُّ أَوْ لَمْ يَرَهُ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كَجَيْشٍ مُجْتَمِعٍ. وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْجِهَادِ: وَخَرَاجُهَا أَنَّ الْفَيْءَ يُبْدَأُ مِنْهُ إصْلَاحُ حُصُونِ السَّوَاحِلِ وَيُشْتَرَى مِنْهُ السِّلَاحُ وَالْكُرَاعُ. (كَجَاسُوسٍ لَا سُورٍ وَمَرْكَبٍ) مَا نَقَلَ اللَّخْمِيِّ فِي السُّورِ وَالْمَرْكَبِ وَالْجَاسُوسِ إلَّا الْجَوَازَ وَكُلُّ ذَلِكَ مَعْزُوٌّ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فَانْظُرْ أَنْتَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ السُّورِ وَالْجَاسُوسِ قَبْلَ ابْنِ بَشِيرٍ. (وَغَرِيبٌ) . ابْنُ يُونُسَ: ابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الْغَرِيبُ الْمُنْقَطِعُ يُدْفَعُ إلَيْهِ قَدْرُ كِفَايَتِهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا إذَا صَارَ إلَى بَلَدِهِ (مُحْتَاجٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُعْطَى مِنْهَا ابْنُ السَّبِيلِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ (لِمَا يُوَصِّلُهُ) . ابْنُ بَشِيرٍ: يُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ لِيَسْتَعِينَ بِذَلِكَ عَلَى التَّوَصُّلِ إلَى بَلَدِهِ أَوْ عَلَى اسْتِدَامَةِ سَفَرِهِ (فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) . اللَّخْمِيِّ: يُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ إذَا لَمْ يَكُنْ سَفَرُهُ فِي مَعْصِيَةٍ (وَلَمْ يَجِدْ مُسَلِّفًا) اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ وَجَدَ ابْنُ السَّبِيلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 مُسَلِّفًا فَلَا يُعْطَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُعْطَى. (وَهُوَ مَلِيءٌ بِبَلَدِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ: يُعْطَى وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ (وَصُدِّقَ) رَوَى مُحَمَّدٌ: يُصَدَّقُ ذُو هَيْئَةِ الْفَقْرِ أَنَّهُ ابْنُ السَّبِيلِ وَالْمُقِيمُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ يَقُولُ: أَقَمْت لِفَقْرٍ مَا أَتَحَمَّلُ بِهِ إنْ عُرِفَ صِدْقُهُ أُعْطِيَ أَخَافُ أَنْ يَأْخُذَ وَيُقِيمَ. (وَإِنْ جَلَسَ نُزِعَتْ مِنْهُ كَغَازٍ وَفِي غَارِمٍ يَسْتَغْنِي تَرَدُّدٌ) . اللَّخْمِيِّ: مَنْ أَخَذَ زَكَاةً لِفَقْرِهِ لَمْ يَرُدَّهَا إنْ اسْتَغْنَى قَبْلَ إتْلَافِهَا وَإِنْ أَخَذَهَا لِيَغْزُوَ بِهَا فَجَلَسَ اُنْتُزِعَتْ مِنْهُ لِأَنَّ الْغَزْوَ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَإِذَا لَمْ يُوَفِّ بِهِ رُدَّتْ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ ابْنُ السَّبِيلِ يَأْخُذُ مَا يَتَحَمَّلُ بِهِ إلَى بَلَدِهِ فَلَا يَفْعَلُ تُنْتَزَعُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَدْرُ يَسُوغُ لَهُ لِفَقْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ابْنَ السَّبِيلِ. وَفِي الْغَارِمِ يَأْخُذُ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ ثُمَّ يَسْتَغْنِي قَبْلَ أَدَائِهِ إشْكَالٌ. وَلَوْ قِيلَ يُنْتَزَعُ مِنْهُ لَكَانَ وَجْهًا (وَنُدِبَ إيثَارُ الْمُضْطَرِّ دُونَ عُمُومِ الْأَصْنَافِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ وَجَدَ الْأَصْنَافَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 كُلَّهَا آثَرَ أَهْلَ الْحَاجَةِ مِنْهُمْ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ قِسْمٌ مُسَمًّى. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَرْضُ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ بَلْ جَائِزٌ أَنْ يَقْتَصِرَ مِنْهُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى مُصَدِّقٍ لَهُ: اقْسِمْ نِصْفَهَا. قَالَ أَشْهَبُ: تَأَوَّلْنَا فِعْلَ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِمْ مِنْ الْحَاجَةِ أَوَّلَ عَامٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 كَحَاجَتِهِمْ فِي الثَّانِي. (وَالِاسْتِنَابَةُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَلِيَ أَحَدٌ قَسْمَ صَدَقَتِهِ خَوْفَ الْمَحْمَدَةِ وَالثَّنَاءِ وَعَمَلُ السِّرِّ أَفْضَلُ، وَلَكِنْ يَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى رَجُلٍ يَثِقُ بِهِ فَيُقَسِّمُهُ فَإِنْ وَلِيَهَا هُوَ فَلَا يُعْطِيهَا لِأَحَدٍ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (وَقَدْ تَجِبُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْأَوْلَى الِاسْتِنَابَةُ وَقَدْ تَجِبُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَوْلُهُ: " وَقَدْ تَجِبُ " يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اُنْظُرْهُ فِيهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ يَعْدِلُ لَمْ يَسَعْ أَحَدًا أَنْ يُفَرِّقَ زَكَاةَ مَالِهِ النَّاضِّ وَلَا غَيْرَهُ وَلْيَدْفَعْ زَكَاةَ النَّاضِّ إلَى الْإِمَامِ. قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ طُلِبَ فَقَالَ قَدْ أَخْرَجْتهَا فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَقَالَ أَشْهَبُ: يُقْبَلُ مِنْهُ إنْ كَانَ صَالِحًا. (وَكُرِهَ لَهُ حِينَئِذٍ تَخْصِيصُ قَرِيبِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا مَنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ قَرَابَتِهِ فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَلِيَ هُوَ عَطَاءَهُمْ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مَنْ يَلِي تَفْرِقَتَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَمَا يُعْطِي غَيْرَهُمْ إنْ كَانُوا لَهَا أَهْلًا. اللَّخْمِيِّ: كَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ خَوْفَ أَنْ يَحْمَدُوهُ عَلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قَالَ مُطَرِّفٌ: وَحَضَرْت مَالِكًا يُعْطِي زَكَاتَهُ قَرَابَتَهُ. وَنَقَلَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: أَفْضَلُ مَنْ وَضَعْت فِيهِ زَكَاتَك قَرَابَتُك الَّذِي لَا تَعُولُ. اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا أَحْسَنُ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الصَّدَقَةُ عَلَى الْأَهْلِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجَانِبِ كَانَتْ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا. فَإِنْ قِيلَ: يُخَافُ الْمَحْمَدَةُ. قُلْنَا: لَا بُدَّ أَنْ يُحْمَدَ الرَّجُلُ عَلَى مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 فَعَلَ مِنْ الْخَيْرِ، وَإِنَّمَا الْمَذْمُومُ أَنْ يُحِبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ. وَإِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ إلَى ذِي رَحِمِهِ الَّذِي لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَقَدْ فَعَلَ خَصْلَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ: أَدَّى الزَّكَاةَ وَوَصَلَ رَحِمَهُ. (وَهَلْ يُمْنَعُ إعْطَاءُ زَوْجَةٍ زَوْجَهَا أَوْ يُكْرَهُ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تُعْطِي الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ زَكَاتِهَا. حَمَلَهَا ابْنُ زَرْقُونٍ وَغَيْرُهُ عَلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَحَمَلَهَا ابْنُ الْقَصَّارِ عَلَى الْكَرَاهَةِ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ أَعْطَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ جَازَ. (وَجَازَ إخْرَاجُ ذَهَبٍ عَنْ وَرِقٍ وَعَكْسُهُ بِصَرْفِ وَقْتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ لَهُ دَنَانِيرُ وَتِبْرٌ مَكْسُورٌ وَوَزْنُ جَمِيعِ ذَلِكَ عِشْرُونَ دِينَارًا زَكَّى وَيُخْرِجُ رُبْعَ عُشْرِ كُلِّ صِنْفٍ، وَكَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ وَالنُّقَرُ قَالَ: وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ فِي زَكَاةِ الدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ بِقِيمَتِهَا وَيُخْرِجَ عَنْ الْوَرِقِ ذَهَبًا بِقِيمَتِهِ، ابْنُ الْمَوَّازِ: قَلَّتْ الْقِيمَةُ أَوْ كَثُرَتْ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لِأَنَّ ذَلِكَ مُعَاوَضَةٌ فِي حَقٍّ فَكَانَتْ بِالْقِيمَةِ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ الْفِضَّةِ الرَّدِيئَةِ قِيمَتَهَا دَرَاهِمَ جِيَادًا فَلَا يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ أَقَلَّ مِنْ الْوَزْنِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُخْرِجُ مِنْهَا بِعَيْنِهَا أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَمْ أَجِدْ نَصًّا فِي إخْرَاجِ الْفُلُوسِ عَنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَدْ آلَ الْحَالُ بِنَا فِي زَمَانِنَا الْمِسْكِينُ لَا يَجِدُ بِأَيْدِينَا إلَّا دَنَانِيرَ النُّحَاسِ وَنُسَمِّيهَا ذَهَبًا بِهَا نَشْتَرِي الذَّهَبَ وَبِهَا نَشْتَرِي الْفِضَّةَ، وَمِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 قَائِلٍ يَقُولُ فِيهَا نَوَايَةُ ذَهَبٍ، وَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ لَيْسَ فِيهَا مِنْ الذَّهَبِ شَيْءٌ إنَّمَا فِيهِ قِيرَاطٌ أَوْ قِيرَاطَانِ مِنْ فِضَّةٍ، وَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ إنَّهَا نُحَاسٌ خَالِصٌ مَا تَحَمَّلْت مِنْ عُهْدَتِهَا شَيْئًا لَا مِنْ بَيْعِهَا بِفِضَّةٍ وَلَا بِذَهَبٍ، وَلَا تَحَمَّلْت عُهْدَةً رُدَّ عَلَيْهَا وَلَا إخْرَاجَهَا فِي زَكَاةِ عَنْ ذَهَبٍ وَلَا عَنْ فِضَّةٍ إلَى إنْ عَثَرْت عَلَى نَصٍّ رَشَّحَ مَأْخَذِي حَكَاهُ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ السُّيُورِيِّ وَابْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعَامُلُ بِسِكَّةٍ كَانَ عَمَلُهَا مَقْصُورًا عَلَى ظَالِمٍ. إذَا تُمُكِّنَ مِنْ الضَّرْبِ الْقَدِيمِ، فَلَوْ تَعَذَّرَ بِكُلِّ وَجْهٍ فَتَكُونُ هَذِهِ السِّكَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ تُقِيمُ أَوْدَهُ مِنْهَا فِي مَقَامِهِ وَلَا يَحُجُّ بِهَا. انْتَهَى مَوْضِعُ الْحَاجَةِ. فَمِنْ بَابِ أَوْلَى فِي هَذَا أَنْ لَا يُخْرِجَهَا عَنْ زَكَاةِ ذَهَبِهِ أَوْ فِضَّتِهِ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إخْرَاجُ ذَهَبٍ عَنْ فِضَّةٍ وَلَا فِضَّةٍ عَنْ ذَهَبٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَشَّحَهُ بِمَا نَقَلْته عَنْهُ قَبْلَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَمَصْرِفُهَا ". وَقَالَ الْبَاجِيُّ مَا نَصُّهُ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ غَيْرُهُمَا. (مُطْلَقًا) . عَبْدُ الْوَهَّابِ: قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ: " قَلَّتْ الْقِيمَةُ أَوْ كَثُرَتْ " هُوَ الصَّوَابُ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَزَاهُ الْبَاجِيُّ لِابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُخْرِجُ قِيمَةَ الدِّينَارِ مَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَلَا يَنْقُصُ (بِقِيمَةِ السِّكَّةِ) . اللَّخْمِيِّ: إذَا أَخْرَجَ عَنْ الذَّهَبِ فِضَّةً أَوْ عَنْ الْفِضَّةِ ذَهَبًا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ قِيمَةَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ بِذَلِكَ الْجُزْءِ كَالشُّرَكَاءِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمَا كَانَ يَبِيعُهُ الْفَقِيرُ لَوْ دَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ وَإِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ أَرْبَعُونَ دِينَارًا مَسْكُوكَةً أَخْرَجَ دِينَارًا مِنْهَا وَإِنْ كَانَتْ عِشْرِينَ دِينَارًا أَصْحَاحًا كَانَ بِالْخِيَارِ فَإِنْ أَحَبَّ أَخْرَجَ قِيمَةَ نِصْفِ دِينَارٍ مَسَكُوك أَوْ أَخْرَجَ دِينَارًا فَبَاعَهُ وَأَعْطَى الْمَسَاكِينَ نِصْفَ ثَمَنِهِ وَأَمْسَكَ لِنَفْسِهِ نِصْفَهُ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يُخْرِجُ عَنْ الْأَرْبَعِينَ دِينَارًا مِنْهَا مَسْكُوكًا أَوْ مِثْلَهُ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا نِصْفَ دِينَارٍ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ قِيمَةَ نِصْفِهِ مَسْكُوكًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا يُخْرِجُ عَنْ رَدِيءٍ قِيمَتَهُ مِنْ نَوْعِهِ جَيِّدًا بَلْ قِيمَةُ رَدِيءِ الذَّهَبِ فِضَّةً وَقِيمَةُ رَدِيءِ الْفِضَّةِ ذَهَبًا وَإِلَّا أَخْرَجَ مِنْهُ. (وَلَوْ فِي نَوْعٍ لَا صِيَاغَةَ فِيهِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُخْرِجُ فِي زَكَاةِ الْحُلِيِّ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ زَكَاةُ نُقَرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ ذَلِكَ مِنْهُ إنْ شَاءَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إذْ لَا كَرَاهِيَةَ فِي قَطْعِ النُّقَرَةِ أَوْ الْحُلِيِّ بِخِلَافِ الدَّنَانِيرِ الْقَائِمَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ كَانَ قَطْعُ الْحُلِيِّ فَسَادًا فَفِيهِ نَظَرٌ (وَفِي غَيْرِهِ تَرَدُّدٌ) رَاجِعْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ إنْ كَانَ مَعْنَاهُ هَذَا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 وَجَازَ إخْرَاجُ ذَهَبٍ عَنْ وَرِقٍ وَعَكْسُهُ بِصَرْفِ وَقْتِهِ مُطْلَقًا مَسْكُوكًا كَانَ أَوْ مَصُوغًا أَوْ غَيْرَهُمَا بِقِيمَةِ السِّكَّةِ وَفِي تَقْوِيمِ الصِّيَاغَةِ تَرَدُّدٌ، لَنَاسَبَ مَا تَقَدَّمَ لِلَّخْمِيِّ وَالسَّمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَا يَتَقَرَّرُ لِابْنِ يُونُسَ عَنْ الْقَابِسِيِّ وَابْنُ أَبِي زَيْدٍ قَالَ: مَنْ لَهُ حُلِيٌّ وَزْنُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ رُبْعَ عُشْرِ قِيمَتِهِ عَلَى أَنَّهُ مَصُوغٌ لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ شُرَكَاؤُهُ لَهُمْ رُبْعُ عُشْرِهِ فَيَأْخُذُونَ قِيمَةَ ذَلِكَ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ فِضَّةً وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِثْلَ وَزْنِ ذَلِكَ تِبْرًا هُوَ أَنْقَصُ فِي الْقِيمَةِ مِنْ رُبْعِ عُشْرِ قِيمَةِ الْمَسْكُوكِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ قَوْلٌ جَيِّدٌ وَلَكِنْ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ. وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: إذَا كَانَ فِي وَزْنِ الْحُلِيِّ عِشْرُونَ دِينَارًا وَهُوَ لِلتِّجَارَةِ وَقِيمَتُهُ لِصِيَاغَتِهِ ثَلَاثُونَ فَالْأَشْبَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ وَيُؤَخِّرَ الْإِخْرَاجَ عَنْ بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ حَتَّى يَبِيعَهُ إنْ كَانَ لَا يُدِيرُ لِأَنَّ الصِّيَاغَةَ كَعَرْضٍ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ إلَّا بِالْبَيْعِ (لَا كَسْرَ مَسْكُوكٍ إلَّا لِسَبْكٍ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَوْ فِي نَوْعٍ " وَلِابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا مَا هُوَ مَثَاقِيلُ قَائِمَةٌ لَا تُقْطَعُ وَيُخْرِجُ عَنْ زَكَاتِهَا قِيمَةَ ذَلِكَ دَرَاهِمَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ مَنْ قَدِمَ بَلَدًا تَجُوزُ فِيهَا الدَّرَاهِمُ النَّقْصُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ دَرَاهِمَهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا قَطْعُ الدَّنَانِيرِ حُلِيًّا لِنِسَائِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ (وَوَجَبَ نِيَّتُهُمَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ مِنْ مَالِهِ لَا يَحْسُبُهُ مِنْ زَكَاتِهِ إذَا نَوَى بِهِ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ أَوْ أَعْطَاهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فِي تَطَوُّعٍ وَلَا زَكَاةٍ. ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا قُلْنَا إنَّ الْمَسَاكِينَ شُرَكَاءُ بِمِقْدَارِ الزَّكَاةِ وَإِنَّهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 تَكُونُ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَإِنْ غَلَّبْنَا عَلَيْهَا حُكْمَ الْعِبَادَةِ افْتَقَرَتْ إلَى النِّيَّةِ، وَلَكِنْ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِمَامَ يَأْخُذُهَا مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَيُجْزِئُهُ وَهَذَا بَيِّنٌ أَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ فَإِذَا أَخَذَ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ مَعَ عِلْمِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ الْمَقْصُودِ بِالنِّيَّةِ، وَأَمَّا إنْ أَخَذَهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَأَجْرَاهُ اللَّخْمِيِّ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ أَعْتَقَ عَنْ إنْسَانٍ فِي كَفَّارَةٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَفِيمَنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: الْأَظْهَرُ أَنَّهَا تُجْزِئُ مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ كُرْهًا لِأَنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ فِي الْمَالِ، فَإِذَا أَخَذَهَا مِنْهُ مَنْ إلَيْهِ أَخَذَهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُ كَمَا تُجْزِئُ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ إذَا أُخِذَتْ مِنْ أَمْوَالِهِمَا، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ مِنْهُمَا النِّيَّةُ فِي تِلْكَ الْحَالِ. (وَتَفْرِقَتُهَا بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ أَوْ قُرْبِهِ إلَّا لِأَعْدَمَ فَأَكْثَرُهَا لَهُ) مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْعَمَلُ فِي الصَّدَقَةِ أَنْ لَا تَخْرُجَ عَنْ مَوْضِعٍ جُبِيَتْ مِنْهُ كَانَتْ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْهُمْ فَضْلَةٌ فَتُجْعَلُ فِي أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ إلَيْهِمْ، وَإِنْ بَلَغَهُ عَنْ بَعْضِ الْبُلْدَانِ أَنَّ سَنَةً وَحَاجَةً نَزَلَتْ بِهِمْ فَيُنْقَلُ إلَيْهِمْ جُلُّ تِلْكَ الصَّدَقَةِ رَأَيْت ذَلِكَ صَوَابًا لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أُسْوَةٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ إذَا نَزَلَتْ الْحَاجَةُ. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ مَا عَلَى أَمْيَالٍ مِنْ مَحِلِّهَا كَمَحِلِّهَا. سَحْنُونَ: وَكَذَا مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. (بِأُجْرَةٍ مِنْ الْفَيْءِ وَإِلَّا بِيعَتْ وَاشْتُرِيَ مِثْلُهَا) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: يُتَكَارَى عَلَى حَمْلِ الْعُشُورِ إلَى مَوْضِعِ الْحَاجَةِ مِنْ الْفَيْءِ أَوْ يَبِيعُهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ طَعَامًا بِالْمَوْضِعِ الَّذِي يُرِيدُ قِسْمَتَهُ وَلَا يُتَكَارَى عَلَيْهِ مِنْ الْفَيْءِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى ذَلِكَ اجْتِهَادٌ وَهُوَ مَعْنَى مَا رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ. وَالِاجْتِهَادُ فِي هَذَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يَنْتَقِصُهُ مِنْ الطَّعَامِ فِي بَيْعِهِ هُنَا وَاشْتِرَائِهِ هُنَاكَ، وَإِلَى مَا يُتَكَارَى بِهِ عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ يُتَكَارَى عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ بَاعَهُ وَإِلَّا أَكْرَى عَلَيْهِ مِنْ الْفَيْءِ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ: يُتَكَارَى عَلَيْهِ مِنْهُ وَالْوَجْهُ فِي هَذَا بَيِّنٌ إذْ كَمَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ عَلَيْهَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَنْ يُوَصِّلُهَا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ فَيْءٌ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الِاكْتِرَاءِ عَلَى حَمْلِهَا مِنْهَا إنْ كَانَ أَرْشَدَ مِنْ بَيْعِهَا. (كَعَدَمِ مُسْتَحِقٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّوَايَةُ نَقْلُهَا إنْ لَمْ يُوجَدْ بِمَحِلِّهَا مَصْرِفٌ لِلْأَقْرَبِ وَكَذَا إنْ فَضَلَ مِنْهَا عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 أَهْلِ مَحِلِّهَا وَإِلَّا فَطَرِيقَانِ رَاجِعْهُ فِيهِ. (وَقُدِّمَ لِيَصِلَ عِنْدَ الْحَوْلِ) مُحَمَّدٌ: إذَا نُقِلَتْ الزَّكَاةُ وَجَبَ أَنْ يَبْعَثَ بِهَا الْقَدْرَ تَمَامُ حَوْلِهَا بِوُصُولِهَا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَا يَبْعَثُ بِهَا حَتَّى يَتِمَّ حَوْلُهَا (وَإِنْ قَدَّمَ مُعَشَّرًا أَوْ دَيْنًا أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 عَرْضًا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ نُقِلَتْ لِدُونِهِمْ أَوْ دُفِعَتْ بِاجْتِهَادٍ لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ وَتَعَذَّرَ رَدُّهَا إلَّا لِلْإِمَامِ أَوْ طَاعَ بِدَفْعِهَا لِجَائِرٍ فِي صُوفِهَا أَوْ بِقِيمَةٍ لَمْ تَجُزْ) أَمَّا تَقْدِيمُ زَكَاةِ الْمُعَشَّرِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: زَكَاةُ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ لَا يَصِحُّ تَقْدِيمُهُمَا لِأَنَّهَا زَكَاةٌ عَمَّا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَوَاشِي عَلَى نَحْوِ مَا جَازَ فِي الْعَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سُعَاةٌ. وَأَمَّا زَكَاةُ الدَّيْنِ وَالْعَرْضِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِإِخْرَاجِ زَكَاةٍ عَنْ دَيْنٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ عَنْ عَرْضٍ قَبْلَ بَيْعِهِ وَقَدْ مَضَى حَوْلٌ فَلَا يُجْزِئُهُ، وَأَمَّا إذَا نُقِلَتْ لِدُونِهِمْ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَنَحْوِهِ فِي الْكَافِي أَنَّهَا تُجْزِئُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ سَحْنُونٍ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَضَعَ زَكَاتَهُ فِي غَيْرِ قَرْيَتِهِ إذَا كَانَ فِي قَرْيَتِهِ ضُعَفَاءُ يُرِيدُ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ زَرَعَ مِنْ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ زَكَاتِهِ إلَى ضُعَفَاءَ عِنْدَهُ بِالْحَاضِرَةِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَاسِعٌ أَنْ يَبْعَثَ مِنْ زَكَاتِهِ إلَى الْعِرَاقِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤْثِرَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَالزَّكَاةُ لَيْسَتْ لِمَسَاكِينَ بِأَعْيَانِهِمْ فَتُضْمَنُ إنْ دُفِعَتْ إلَى غَيْرِهِمْ. وَأَمَّا أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تُجْزِئُ إنْ دُفِعَتْ لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ أَعْطَاهَا لِغَنِيٍّ أَوْ لِعَبْدٍ أَوْ لِنَصْرَانِيٍّ وَهُوَ عَالِمٌ لَمْ تَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَكَانَتْ قَائِمَةً بِأَيْدِيهِمْ اُنْتُزِعَتْ مِنْهُمْ وَصُرِفَتْ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا. فَإِنْ أَكَلُوهَا غَرِمُوهَا عَلَى الْمُسْتَحْسَنِ مِنْ الْقَوْلِ لِأَنَّهُمْ صَانُوا بِهَا أَمْوَالَهُمْ، وَإِنْ هَلَكَتْ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ غَرِمُوهَا إنْ غَرِمُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَغْرَمُوا لَمْ يَغْرَمُوهَا. وَهَلْ يَغْرَمُهَا مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَكَذَا الْإِمَامُ وَمَنْ جُعِلَ لَهُ تَفْرِيقُهَا؟ اُنْظُرْهُ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ قَبْلَهُمْ فِيمَنْ أَعْطَى مِنْ زَكَاتِهِ غَنِيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا وَهُوَ لَا يَعْرِفُ. قِيلَ: إنَّهُ قَدْ اجْتَهَدَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إنَّهُ لَا تُجْزِئُهُ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا عَدَمُ إجْزَاءِ الزَّكَاةِ إنْ طَاعَ لِدَفْعِهَا لِجَائِرٍ. فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَحْتَجِزَ مِنْ زَكَاتِهِ عَنْ الْوَالِي مَا يُعْطَى لِلْمُحْتَاجِ؟ قَوْلَانِ وَبِالْجَوَازِ أَقُولُ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِخْرَاجِ حَقِّ مُسْلِمٍ مِنْ يَدِ غَاصِبٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ شَرْعًا. اللَّخْمِيِّ: إذَا كَانَ الْإِمَامُ غَيْرُ عَدْلٍ وَمَكَّنَهُ صَاحِبُهُ مِنْهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إخْفَائِهَا عَنْهُ لَمْ تُجْزِهِ وَوَجَبَ إعَادَتُهَا انْتَهَى. وَنَحْوُ هَذَا عِبَارَةُ التُّونِسِيِّ. ابْنُ رُشْدٍ: الْأَصَحُّ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَقَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَأَصْبَغَ إنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْوُلَاةُ مِنْ الصَّدَقَاتِ تُجْزِئُ وَإِنْ لَمْ يَضَعُوهَا مَوْضِعَهَا لِأَنَّ دَفْعَهَا إلَيْهِمْ وَاجِبٌ لِمَا فِي مَنْعِهَا مِنْ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ الْمُؤَدِّي إلَى الْهَرْجِ وَالْفَسَادِ، فَإِذَا وَجَبَ أَنْ تُدْفَعَ إلَيْهِمْ وَجَبَ أَنْ تُجْزِئَ. وَانْظُرْ إذَا أَخَذَ الْوَالِي مِنْ التَّرِكَةِ ثِقَافًا هَلْ يَتَرَاجَعُ فِيهِ الْوَرَثَةُ؟ بِهَذَا جَرَتْ فُتْيَا ابْنِ لُبٍّ إلَى هَلُمَّ جَرًّا. وَقَدْ أَشَارَ السَّيِّدُ الْبُرْزُلِيِّ إلَى تَرْشِيحِ هَذَا فِي نَوَازِلِهِ وَأَنَّهُ يَجْرِي عَلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِدَفْعِ الزَّكَاةِ لَهُمْ قَالَ: وَعَلَى هَذَا فُتْيَا ابْنِ عَبْدِ الرَّفِيعِ فِي رَجُلٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ هَرَبَ فَأُجْبِرَ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ لِلْوَالِي عَنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ الْهَارِبِ فَحُكِمَ بِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْغَرِيمِ قَالَ: وَمِثْلُ هَذَا قَسْمُ الْغَاصِبِ، وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْجِهَادِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " إلَّا لِتَأَوُّلٍ عَلَى الْأَحْسَنِ " وَانْظُرْ أَيْضًا آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ. رَوَى ابْنُ نَافِعٍ: مَنْ جَحَدَ نِصْفَ مَا عِنْدَهُ وَصُدِّقَ وَأَخَذَ بِزَكَاةِ ضَعْفِهِ ظَالِمٌ لَمْ يُجْزِهِ عَمَّا جَحَدَ. الْبُرْزُلِيِّ: هَذَا مَعْنَى فُتْيَا شُيُوخِنَا إذَا أَخَذَهَا الظَّالِمُ بِغَيْرِ اسْمِ الزَّكَاةِ فَلَا تُجْزِئُ، وَأَمَّا إنْ طَاعَ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ جَبَرَهُ الْمُصَدِّقُ عَلَى إنْ أَدَّى فِي صَدَقَتِهِ دَرَاهِمَ رَجَوْت أَنْ يُجْزِئَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِقِيمَةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَكَانَتْ عِنْدَ مَحِلِّهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَخَذَهُ بِزَكَاةِ زَرْعِهِ بَعْدَمَا يَبِسَ أَوْ بِزَكَاةِ غَنَمِهِ أَوْ مَالِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ، فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ مَحِلِّهَا أَجْزَأَهُ وَالزَّرْعُ أَبْيَنُهُ. قَالَ عِيسَى: سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الْعَامِلِ يَقِفُ عَلَى الرَّجُلِ فِي زَكَاةِ زَرْعِهِ أَوْ صَدَقَةِ مَاشِيَتِهِ فَيُقَاطِعُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 مِنْهَا بِالدَّرَاهِمِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ صَدَقَةً مِنْ الْعَامِلِ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجْتَزِئُ بِهَا وَيُعْتَدَّ بِذَلِكَ إذَا كَانَ الْعُمَّالُ يَضَعُونَ مَا يَأْخُذُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ مَوَاضِعَهَا، وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ صَدَقَتَهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْعَامِلُ، وَإِنْ فَعَلَ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا. ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا دَفْعُ الْقِيمَةِ إلَيْهِمْ فَمَكْرُوهٌ لِوَجْهَيْنِ: لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَعْنَى الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ، وَلِئَلَّا تَكُونَ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ فَيَكُونَ قَدْ بَخَسَ الْمَسَاكِينَ حَقَّهُمْ، وَأَمَّا شِرَاؤُهُ الصَّدَقَةَ مِنْ الْعَامِلِ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ فَهُوَ أَخَفُّ فِي الْكَرَاهِيَةِ إذْ لَا يُكْرَهُ إلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَعْنَى الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ وَلَيْسَ بِحَقِيقَةِ الرُّجُوعِ فِيهَا إلَّا إذَا اشْتَرَاهَا مِنْ الْمِسْكِينِ الَّذِي دَفَعَهَا إلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا وَرَدَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، فَإِذَا أَكْرَهَهُ الْإِمَامُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بَأْسٌ. وَأَمَّا شِرَاؤُهُ مِنْ الْعَامِلِ مِنْ صَدَقَاتِ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ جَائِزٌ إنْ كَانُوا يَضَعُونَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَهُ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَضَعُونَ ذَلِكَ مَوَاضِعَهُ فَقِيلَ: إنَّ الشِّرَاءَ مِنْهُمْ سَائِغٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَهُمْ جَائِزٌ إنَّمَا عَدَاؤُهُمْ عَلَى الْأَثْمَانِ. قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَالِي يُغَرِّمُ الْعُمَّالَ الظَّلَمَةَ لِنَفْسِهِ فَيُلْجِئَهُمْ ذَلِكَ إلَى بَيْعِ أَمْتِعَتِهِمْ وَرَفِيقِهِمْ. وَالصَّحِيحُ مَا فِي هَذَا السَّمَاعِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ عَدَاءٍ إذْ الْوَاجِبُ أَنْ تُقَسَّمَ عَلَى الْمَسَاكِينِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَلَا تُبَاعُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ نُظِرَ، وَمِثْلُ أَنْ يَحْتَاجَ الْإِمَامُ أَنْ يَنْقُلَ الزَّكَاةَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لِحَاجَةٍ نَزَلَتْ بِذَلِكَ الْبَلَدِ فَيُخَافُ أَنْ يَذْهَبَ الْكِرَاءُ بِبَعْضِهَا فَيَرَى أَنْ يُبَاعَ وَيُشْتَرَى فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ بِالثَّمَنِ مِثْلُهُ فَيُقَسَّمُ أَوْ يُقَسَّمُ الثَّمَنُ فِيهِ فَيَسُدُّ لِلْمَسَاكِينِ مَسَدَهُ، فَإِذَا بَاعَ الزَّكَاةَ يَسْتَأْثِرُ بِهَا أَوْ لِيَتَعَدَّى فِيهَا فَهُوَ كَمَنْ تَعَدَّى عَلَى سِلْعَةِ رَجُلٍ فَبَاعَهَا فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ شِرَاؤُهَا. (لَا إنْ أُكْرِهَ) . ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَكْرَهَهُ الْإِمَامُ عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ فَلَا بَأْسَ (أَوْ نُقِلَتْ لِمِثْلِهِمْ) أَمَّا عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ وَالْكَافِي فَمِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ تُجْزِئَ إذَا نُقِلَتْ لِمِثْلِهِمْ (أَوْ قُدِّمَتْ فِي عَيْنٍ) فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي الَّذِي يُعَجِّلُ زَكَاةَ مَالِهِ أَنَّهُ كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ الصُّبْحَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَلَيْسَ يُعِيدُ؟ قَالَ: فَكَذَلِكَ الَّذِي يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 مَالِهِ الْحَوْلُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا لَا تُجْزِيهِ وَإِنْ كَانَ قَرُبَ الْحَوْلُ. قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: تُجْزِئُهُ إنْ أَخْرَجَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَوْ عَشَرَةٍ. وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ شَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: الشَّهْرَانِ وَنَحْوُهُمَا. ابْنُ رُشْدٍ: الْأَظْهَرُ أَنَّهَا تُجْزِيهِ إذَا أَخْرَجَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ لِأَنَّ الْحَوْلَ تَوْسِعَةٌ فَلَيْسَ كَالصَّلَاةِ (وَمَاشِيَةٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ. الْمَوَاشِي فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 تَقْدِيمِ زَكَاتِهَا مِثْلُ الْعَيْنِ فِي تَقْدِيمِ زَكَاتِهِ. (فَإِنْ ضَاعَ الْمُقَدَّمُ فَعَنْ الْبَاقِي) اُنْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى هَذَا وَهَلْ نَقَصَ هُنَا شَيْءٌ فَإِنَّمَا هَذَا الْحُكْمُ إنَّمَا هُوَ أَدَاءٌ فِي وَقْتٍ لَمْ يَجُزْ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ بَعْدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 الْحَوْلِ بِيَوْمٍ وَشَبَهِهِ فَتَلِفَتْ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَخْرَجَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِأَيَّامٍ يَسِيرَةٍ فَتَلِفَتْ فَإِنَّهُ يَضُمُّهَا. ابْنُ الْمَوَّازِ: مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَوْ أَخْرَجَهَا فِيهِ لَأَجْزَأَتْهُ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ فَإِنَّهَا تُجْزِيهِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِأَيَّامٍ فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا بَقِيَ لَا مَا تَلِفَ انْتَهَى. ثُمَّ أَطْلَعَنِي نَاسِخُ هَذَا الشَّرْحِ عَلَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ قَالَ مَا نَصُّهُ: ذَهَبَ ابْنُ رُشْدٍ إلَى أَنَّهُ مَتَى هَلَكَتْ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ أَنَّهُ يُزَكِّي مَا بَقِيَ إنْ كَانَتْ فِيهِ زَكَاةٌ. كَذَا يَأْتِي عِنْدِي عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ. إنَّمَا تُجْزِئُهُ إذَا أَخْرَجَهَا كَالرُّخْصَةِ وَالتَّوْسِعَةِ، وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ وَلَمْ تَصِلْ إلَى أَهْلِهَا وَلَا بَلَغَتْ مَحِلَّهَا فَإِنَّ الضَّمَانَ فِيهَا سَاقِطٌ وَيُؤَدِّي زَكَاةَ مَا بَقِيَ عِنْدَ حَوْلِهِ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا النَّقْلِ كُنْت أَقْتَصِرُ لَوْ كُنْت اطَّلَعْت عَلَيْهِ وَهُوَ فِي التَّنْبِيهَاتِ (وَإِنْ تَلِفَ جُزْءُ نِصَابٍ وَلَمْ يُمْكِنْ الْأَدَاءُ سَقَطَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى بِمَالٍ حَالَ حَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُزَكِّيَ خَادِمًا فَمَاتَ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ. قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَّ حَوْلُ الْمَالِ بِيَدِهِ فَفَرَّطَ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ حَتَّى ضَاعَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ زَكَاتَهُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ حَتَّى ضَاعَ كُلُّهُ أَوْ بَقِيَ مِنْهُ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: الْقِيَاسُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 قَوْلُ ابْنِ الْجَهْمِ أَنَّهُ يُزَكِّي التِّسْعَةَ عَشَرَ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ زَكَاتَهُ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ حَظُّهُمْ فِيهِ، وَلَمَّا ضَاعَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَقَدْ ضَاعَ قَبْلَ إمْكَانِ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ فَهُوَ كَضَيَاعِهِ قَبْلَ حَوْلِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِيمَا بَقِيَ (كَعَزْلِهَا فَضَاعَتْ) مَالِكٌ: لَوْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ حِينَ وَجَبَتْ لِيَبْعَثَ بِهَا لِمَنْ يُفَرِّقُهَا فَسُرِقَتْ أَوْ بَعَثَ بِهَا فَسَقَطَتْ لَأَجْزَأَتْهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْمَالَ لَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَإِمْكَانِ الْأَدَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، فَهَلَاكُ الزَّكَاةِ بَعْدَ إخْرَاجِهَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فِي وُصُولِهَا إلَى الْفُقَرَاءِ كَتَلَفِهَا مَعَ جُمْلَةِ الْمَالِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إنْ أَخْرَجَهَا قُرْبَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِأَيَّامٍ فَتَلِفَتْ ضَمِنَهَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ثُمَّ إنْ وَجَدَهَا بَعْدَ أَنْ تَلِفَ مَالُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُنَفِّذْهَا مِنْ زَكَاتِهِ وَلَا شَيْءَ لِأَهْلِ الدَّيْنِ فِيهَا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ ضَيَاعُهَا مِنْ الْمَسَاكِينِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ إذَا وُجِدَتْ (لَا إنْ ضَاعَ أَصْلُهَا) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالِهِ فَسُرِقَ مِنْهُ الْمَالُ وَبَقِيَتْ الزَّكَاةُ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يُخْرِجَهَا وَلَا يَحْبِسَهَا. ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ وَإِنْ سُرِقَ مِنْهُ الْمَالُ بِالْقُرْبِ فِي مَوْضِعِ الَّذِي لَوْ تَلِفَ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ الزَّكَاةَ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ الزَّكَاةِ. وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى إخْرَاجَ الزَّكَاةِ عِنْدَ مَحِلِّهَا قِسْمَةً صَحِيحَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ضَمَانُ الْمَالِ مِنْهُ دُونَهُمْ كَمَا يَكُونُ ضَمَانُ الزَّكَاةِ الْمُخَرَّجَةِ مِنْهُمْ دُونَهُ إلَّا أَنْ يُمْسِكَهَا بَعْدَ إخْرَاجِهَا فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا بِالتَّعَدِّي مِنْهُ فِي حَبْسِهَا، وَأَمَّا لَوْ سُرِقَ مِنْهُ الْمَالُ عَلَى بُعْدٍ مِنْ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ لَمْ يَشْكُلْ أَنَّ عَلَيْهِ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ. (وَضَمِنَ إنْ أَخَّرَهَا عَنْ الْحَوْلِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ حَالَ الْحَوْلُ فَفَرَّطَ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ حَتَّى ضَاعَ ضَمِنَ الزَّكَاةَ. (أَوْ أَدْخَلَ عُشْرَهُ مُفَرِّطًا لَا مُحَصَّنًا وَإِلَّا فَتَرَدُّدٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَصَدَ زَرْعَهُ وَجَذَّ ثَمَرَهُ فِيهِ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ وَلَمْ يُدْخِلْهُ بَيْتَهُ حَتَّى ضَاعَ الْقَمْحُ مِنْ الْأَنْدَرِ وَالتَّمْرُ مِنْ الْجَرِينِ فَلَا يَضْمَنُ زَكَاتَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَزَلَ عُشْرَ ذَلِكَ فِي أَنْدَرِهِ لِيُفَرِّقَهُ فَضَاعَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالِهِ عِنْدَ مَحِلِّهَا لِيُفَرِّقَهَا فَضَاعَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَذَا. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ أَدْخَلَ ذَلِكَ بَيْتَهُ قَبْلَ قُدُومِ الْمُصَدِّقِ فَضَاعَ ضَمِنَ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ ضَيَّعَ أَوْ فَرَّطَ حَتَّى تَلِفَ فَهُوَ ضَامِنٌ بِاتِّفَاقٍ، سَوَاءٌ أَدْخَلَهُ مَنْزِلَهُ أَوْ لَمْ يُدْخِلْهُ ضَاعَ جَمِيعُهُ أَوْ عُشْرُهُ. وَقَالَ التُّونِسِيُّ: إنْ خَشِيَ عَلَى عُشْرِهِ فِي الْأَنْدَرِ فَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ عَلَى بَابِ الْحِرْزِ لَهُ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ وَإِنَّمَا يُخْتَلَفُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ عَلَى أَيِّ الْوَجْهَيْنِ أَدْخَلَهُ مَنْزِلَهُ، فَمَرَّةً ضَمَّنَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 وَلَمْ يُصَدِّقْهُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى النَّظَرِ وَأَنَّهُ أَرَادَ حِرْزَهُ بِإِدْخَالِهِ مَنْزِلَهُ، وَمَرَّةً صَدَّقَهُ بِأَنَّ فِعْلَهُ إنَّمَا كَانَ عَلَى النَّظَرِ فَأَسْقَطَ عَنْهُ الضَّمَانَ. هَذَا الَّذِي أَعْتَقِدُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ فِي الْكِتَابِ مُشْكِلَةٌ حَضَرْت الْمُنَاظَرَةَ فِيهَا عِنْدَ شَيْخِنَا أَبِي جَعْفَرٍ فَتَنَازَعْنَا فِيهَا نِزَاعًا شَدِيدًا وَكَثُرَ الْمِرَاءُ وَالْجِدَالُ. (وَأُخِذَتْ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا تُبْدَأُ إنْ أَوْصَى بِهَا ". (وَكَرْهًا وَإِنْ بِقِتَالٍ وَأَدَبٍ) . ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ أَقَرَّ بِفَرْضِ الزَّكَاةِ وَمَنَعَهَا فَإِنَّهُ يُضْرَبُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ كَرْهًا إلَّا أَنْ يَمْنَعَ فِي جَمَاعَةٍ وَيَدْفَعَ بِقُوَّةٍ فَإِنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ عَلَيْهَا حَتَّى تُؤْخَذَ مِنْهُمْ (وَدُفِعَتْ لِلْإِمَامِ الْعَدْلِ وَإِنْ عَيْنًا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقَدْ تَجِبُ ". (وَإِنْ غَرَّ عَبْدٌ بِحُرِّيَّةٍ فَجِنَايَةٌ عَلَى الْأَرْجَحِ) إنْ غَرَّ عَبْدٌ فَقَالَ إنِّي حُرٌّ فَأُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ. هَلْ يَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ كَالْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، أَوْ يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّ هَذَا مُتَطَوِّعٌ بِالدَّفْعِ؟ ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ أَنَّهَا جِنَايَةٌ فِي رَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَطَوَّعْ لَهُ إلَّا لَمَّا أَعْلَمَهُ أَنَّهُ حُرٌّ وَغَرَّهُ فَلَا يَجِبُ أَنْ يُخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ. (وَزَكَّى مُسَافِرٌ مَا مَعَهُ) . اللَّخْمِيِّ: عَلَى مَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ أَنْ يُزَكِّيَ مَا مَعَهُ وَلَا يُؤَخِّرْهُ إلَى بَلَدِهِ. (وَمَا غَابَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُخْرِجٌ وَلَا ضَرُورَة) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي زَكَاةِ مَا خَلَفَهُ الْمُسَافِرُ فِي بَلَدِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: يُزَكِّيهِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ وَلَا قُوتَ مَعَهُ فَلْيُؤَخِّرْ إلَّا أَنْ يَجِدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ فَيَسْتَلِفُ يُرِيدُ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ وَيَتَسَلَّفُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ. وَقَالَ أَيْضًا: يُؤَخِّرُ زَكَاتَهُ حَتَّى يُقَسِّمَ فِي بِلَادِهِ وَهُوَ أَبْيَنُ أَنْ يَكُونَ فُقَرَاءُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ ذَلِكَ الْمَالُ أَحَقَّ بِزَكَاتِهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الزَّكَاةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنِ ذَلِكَ الْمَالِ فَلَيْسَ يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ انْتَهَى. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَّ عَلَيْهِ حَوْلٌ بِغَيْرِ بَلَدِهِ زَكَّى عَمَّا مَعَهُ وَعَمَّا خَلَفَ بِبَلَدِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ خَلَفَ مَالَهُ كُلَّهُ بِبَلَدِهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ الْحَاجَةَ وَلَا يَجِدَ مُسَلِّفًا فَلْيُؤَخِّرْ إلَى بَلَدِهِ، وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 فَلْيُخْرِجْ زَكَاتَهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَقَدْ كَانَ يَقُولُ يُقَسِّمُ فِي بَلَدِهِ. اللَّخْمِيِّ: وَعَلَى مَنْ أَرَادَ سَفَرًا أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُخْرِجُ عَنْهُ عِنْدَ حَوْلِهِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَّا بَعْدَ الْحَوْلِ. [فَصْلٌ فِي زَكَاةُ الْفِطْرِ] فَصْلٌ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: النَّوْعُ السَّادِسُ زَكَاةُ الْفِطْرِ (يَجِبُ بِالسُّنَّةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي حُكْمِ زَكَاةِ الْفِطْرِ طُرُقٌ الْبَاجِيُّ وَاللَّخْمِيُّ وَاجِبَةٌ. أَبُو عُمَرَ: قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ سُنَّةٌ ضَعِيفٌ. وَقَوْلُ الشَّيْخِ سُنَّةٌ فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمْرِيضٌ لَا شَيْءٌ (صَاعٌ) . ابْنُ رُشْدٍ: مَكِيلَةُ زَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعٌ مِنْ كُلِّ مَا يُؤَدَّى مِنْهُ. الْقَبَّابُ: وَهَذَا الصَّاعُ هُوَ كَيْلُ مَدِينَةِ فَاسَ فِي وَقْتِنَا. بَعْضُ شُيُوخِ غَرْنَاطَةَ: هُوَ مُدٌّ مَمْسُوحٌ مِنْ أَمْدَادِ غَرْنَاطَةَ أَوْ يَغْرِفُ الْإِنْسَانُ أَرْبَعَ حَفَنَاتٍ بِكِلْتَا يَدَيْهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: مُدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفْنَةٌ بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا مِنْ رَجُلٍ وَسَطٍ، وَالصَّاعُ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ كَذَلِكَ بِكَفِّ الرَّجُلِ الَّذِي لَيْسَ بِعَظِيمِ الْكَفَّيْنِ (أَوْ جُزْؤُهُ) سَنَدٌ: مَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الزَّكَاةِ أَخْرَجَهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ (عَنْهُ) التَّلْقِينُ: زَكَاةُ الْفِطْرِ تَلْزَمُ الرَّجُلَ عَنْ نَفْسِهِ. (فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ) . اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ تَحِلُّ لَهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ أَنَّهُ يُؤَدِّيهَا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ قُوتِ يَوْمِهِ أَخْرَجَهَا يُرِيدُ فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يُخْرِجُهَا إذَا كَانَ لَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِإِخْرَاجِهَا مِنْ إفْسَادِ مَعَاشِهِ أَوْ جُوعِهِ أَوْ جُوعِ عِيَالِهِ. مِنْ الْمُنْتَقَى مَا نَصُّهُ: إنْ كَانَ عِنْدَ الْفَقِيرِ مَا يُخْرِجُ مِنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ دُونَ مَضَرَّةٍ تَلْحَقُهُ لَزِمَهُ إخْرَاجُهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصَابُ مَالٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ. وَانْظُرْ الْمُفْلِسَ أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ وَلِأَهْلِهِ وَلِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ مَا يَعِيشُ بِهِ هُوَ وَأَهْلُهُ الْأَيَّامَ. قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: الشَّهْرَ وَنَحْوَهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 قَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَدْفَعَ فِي الْفِطْرَةِ ثَمَنًا. وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي وُجُوبِهَا بِمِلْكِهَا زَائِدَةً عَلَى وَاجِبِ قُوتِ يَوْمِهِ أَوْ بِعَدَمِ إجْحَافِهَا بِهِ أَوْ بِمِلْكِهِ قُوتَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا رَابِعُهَا بِغِنَائِهِ الْمَانِعِ أَخْذَهَا. (وَإِنْ بِتَسَلُّفٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ مُحْتَاجًا وَوَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ فَلْيَتَسَلَّفْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 ابْنُ رُشْدٍ: التَّسَلُّفُ مُسْتَحَبٌّ. (وَهَلْ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ أَوْ الْفَجْرِ خِلَافٌ) رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. اللَّخْمِيِّ: عَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَجِبُ عَلَى مَنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَتَسْقُطُ عَمَّنْ تَوَالَدَ أَوْ أَسْلَمَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَتَكُونُ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي، وَفِي الطَّلَاقِ عَلَى الزَّوْجِ دُونَ الزَّوْجَةِ، وَفِي الْعِتْقِ عَلَى السَّيِّدِ دُونَ الْعَبْدِ إذَا كَانَ الْبَيْعُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا إلَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ. اللَّخْمِيِّ: عَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ حَيًّا أَوْ بَاعَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ طَلَّقَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ تَوَالَدَ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلُ، وَتَسْقُطُ عَمَّنْ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ بَاعَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ تَوَالَدَ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَكُونُ الزَّكَاةُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ. (مِنْ أَغْلِبْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 الْقُوتِ) . ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُخْرَجُ مِنْ غَالِبِ عَيْشِ الْبَلَدِ مِنْ تِسْعَةِ أَشْيَاءَ وَهِيَ: الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ وَالْأُرْزُ وَالذُّرَةُ وَالدُّخْنُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ. فَإِنْ كَانَ عَيْشُهُ وَعَيْشُ عِيَالِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ مِنْ غَيْرِ الصِّنْفِ الَّذِي هُوَ غَالِبُ عَيْشِ الْبَلَدِ أَخْرَجَ مِنْ الَّذِي هُوَ غَالِبُ عَيْشِ الْبَلَدِ كَانَ الصِّنْفُ الَّذِي خَصَّ بِهِ نَفْسَهُ أَدْنَى أَوْ أَرْفَعَ إلَّا أَنْ يَعْجَزَ عَنْ إخْرَاجِ أَفْضَلَ مَا يَتَقَوَّتُ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ. وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ (مِنْ مُعَشَّرٍ أَوْ أَقِطٍ غَيْرَ عَلَسٍ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ عِبَارَةِ ابْنِ رُشْدٍ حَصَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْمُخْرَجَ فِي تِسْعَةٍ وَحَصَرَهُ خَلِيلٌ فِي كُلِّ مُعَشَّرٍ إلَّا الْعَلَسَ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ كُلُّ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُخْرِجُهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تُجْزِئُ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُخْرِجَ فِيهَا تِينًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَقُولُ إنَّهُ لَا يُجْزِيهِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْقُطْنِيَّةُ أَوْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَيْشَ قَوْمٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَدُّوا مِنْ ذَلِكَ وَيُجْزِئُهُمْ (إلَّا أَنْ يُقْتَاتَ غَيْرُهُ) اُنْظُرْ أَنْتَ عَلَى مَا يَتَنَزَّلُ هَذَا. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَقُتِيَتْ غَيْرُهَا كَالْقَطَانِيِّ وَالسَّوِيقِ وَالتِّينِ وَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ فَالْمَشْهُورُ تُجْزِئُ، وَفِي الدَّقِيقِ بِرَيْعِهِ قَوْلَانِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُجْزِئُ أَنْ يُخْرِجَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ دَقِيقًا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّمَا كَرِهَ إخْرَاجَ الدَّقِيقِ مِنْ أَجْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 الرَّيْعِ فَمَنْ أَخْرَجَ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَزِيدُ عَلَى كَيْلِ الطَّعَامِ أَجْزَأَهُ. وَقَالَ أَصْبَغُ: قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَلَيْسَ هَذَا بِخِلَافٍ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَلِكَ إذَا أَعْطَى خُبْزًا انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. اللَّخْمِيِّ وَابْنُ يُونُسَ وَالْبَاجِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ فِي قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّهُ لَيْسَ بِخِلَافِ الْمُدَوَّنَةِ وَعَزَاهُ فِي النُّكَتِ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ. (وَعَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يَمُونُهُ بِقَرَابَةٍ) التَّلْقِينُ: زَكَاةُ الْفِطْرِ تَلْزَمُ الرَّجُلَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَلَدٍ صَغِيرٍ لَا مَالَ لَهُ أَوْ كَبِيرٍ زَمِنٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُؤَدِّيهَا الرَّجُلُ عَنْ كُلِّ مَنْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهِ مِنْ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُؤَدِّيهَا عَنْ عَبْدِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِ النَّصَارَى وَمَنْ لَزِمَهُ نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ لِحَاجَتِهِمَا أَدَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُمَا. اللَّخْمِيِّ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ حُرًّا بِطَعَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجُهَا عَنْهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ هَذَا فَقَدْ تَضَمَّنَ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ لَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ لِلنَّفَقَةِ وَمَنْ لَزِمَتْهُ شَرْعًا لَا تَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا بِنَصٍّ كَالزَّوْجَةِ تَفْتَدِي بِنَفَقَةِ بَنِيهَا إلَى سُقُوطِ ذَلِكَ عَنْ الْأَبِ شَرْعًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تُخْرِجَ عَنْهُمْ زَكَاةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 فِطْرٍ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ نَفَقَةَ الْمُخْدِمِ عَلَى الَّذِي أَخْدَمَ وَزَكَاةَ فِطْرِهِ عَلَى مَنْ لَهُ مَرْجِعُ الرَّقَبَةِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَوْلُ مَالِكٍ إنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى الرَّجُلِ فِي أَجِيرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. وَالْأَصْلُ فِي الشَّرْعِ أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ لَا تَلْزَمُ إلَّا مَنْ تَلْزَمُ نَفَقَتُهُ فِي الشَّرْعِيَّةِ لَا مِنْ طَرِيقِ التَّطَوُّعِ وَلَا الْمُعَاوَضَةِ وَنَحْوِ هَذَا قَالَ الْبَاجِيُّ. (أَوْ زَوْجِيَّةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَدَاؤُهَا عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ امْرَأَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ مَلِيئَةً، وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ أَيْنَ يُخْرِجُهَا؟ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهَا؟ قَالَ فِي التَّفْرِيعِ: إنَّهَا تُخْرِجُهَا عَنْ نَفْسِهَا وَتُعْطِيهَا زَوْجَهَا الْفَقِيرَ. ابْنُ يُونُسَ: لَوْ طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لَزِمَهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا وَأَدَاءُ الْفِطْرِ عَنْهَا بِخِلَافِ لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا وَهِيَ حَامِلٌ فَلَا يُزَكِّي عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ. (وَإِنْ لِأَبٍ وَخَادِمِهَا) . ابْنُ حَبِيبٍ وَأَصْبَغُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُؤَدِّيهَا عَنْ زَوْجَةِ أَبِيهِ الْفَقِيرِ وَخَادِمِهَا. اللَّخْمِيِّ: وَيُؤَدِّيهَا عَنْ خَادِمَيْ أَبَوَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ إنْ كَانَا لَا غِنَى لَهُمَا عَنْهُمَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَيُؤَدِّيهَا عَنْ خَادِمٍ وَاحِدَةٍ مِنْ خُدَّامِ امْرَأَتِهِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهَا. (أَوْ رِقٍّ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: يُؤَدِّيهَا عَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. وَانْظُرْ سُرِّيَّةَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ عَبْدِهِ فَلَا يُخْرِجُ عَنْهُمَا لَا السَّيِّدُ وَلَا الْعَبْدُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ (وَلَوْ مُكَاتَبًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: نَفَقَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى السَّيِّدِ زَكَاةُ الْفِطْرِ. (وَآبِقًا رُجِيَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤَدِّيهَا عَنْ عَبْدِهِ الْآبِقِ إبَاقَ إيَاسٍ فَأَمَّا مَنْ يَرْتَجِيهِ لِقُرْبِهِ فَهِيَ عَلَيْهِ عَنْهُ (وَمَبِيعًا بِمُوَاضَعَةٍ أَوْ خِيَارٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ أَوْ الْمُبْتَاعَ بِالْخِيَارِ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ بَاعَ أَمَةً عَلَى الْمُوَاضَعَةِ فَغَشِيَهُمْ الْفِطْرُ قَبْلَ زَوَالِ أَيَّامِ الْخِيَارِ وَالِاسْتِبْرَاءِ فَنَفَقَتُهُمْ وَزَكَاةُ فِطْرِهِمْ عَلَى الْبَائِعِ، وَسَوَاءٌ رَدَّ الْعَبْدَ مُبْتَاعُهُ بِالْخِيَارِ أَمْ لَا. (وَمُخْدَمًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْفِطْرَةُ عَلَى الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ لِرَجُلٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ إنْ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ كَمَنْ أَخْدَمَ عَبْدَهُ رَجُلًا أَمَدًا فَصَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى سَيِّدِهِ الَّذِي أَخْدَمَهُ (إلَّا لِحُرِّيَّةٍ فَعَلَى مُخْدَمِهِ) رَوَى الْبَاجِيُّ: الْمُخْدِمُ يَرْجِعُ لِحُرِّيَّةٍ زَكَاةُ فِطْرِهِ عَلَى ذِي خِدْمَتِهِ. (وَالْمُشْتَرَكُ وَالْمُبَعَّضُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ لَهُ نِصْفُ عَبْدٍ وَبَاقِيهِ حُرٌّ فَلْيُؤَدِّ الَّذِي لَهُ النِّصْفُ نِصْفَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ حِصَّتِهِ وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُؤَدِّيَ النِّصْفَ الْآخَرَ عَمَّا عَتَقَ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَلِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ غَالِبَةٌ عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ مَنْعِ شَهَادَتِهِ وَمِيرَاثِهِ وَنُقْصَانِ طَلَاقِهِ وَحْدَهُ وَسُقُوطِ الْحَجِّ عَنْهُ فَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ سَاقِطَةٌ عَنْهُ، وَيُؤَدِّي السَّيِّدُ بِقَدْرِ مَا مَلَكَهُ فِيهِ كَمَا يَلْزَمُهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدٍ فَيُؤَدِّي عَنْ حِصَّتِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ حِصَّتِهِ شَيْئًا. (وَالْمُشْتَرَى فَاسِدًا عَلَى مُشْتَرِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا فَجَاءَ الْفِطْرُ وَهُوَ عِنْدَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 فَنَفَقَتُهُ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدَّهُ يَوْمَ الْفِطْرِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ ضَمَانَهُ مِنْهُ حَتَّى يَرُدَّهُ. (وَنُدِبَ إخْرَاجُهَا بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: اسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاةُ الْفِطْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ} [الأعلى: 14] إلَى {فَصَلَّى} [الأعلى: 15] أَيْ مَنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 الْفِطْرِ ثُمَّ غَدَا ذَاكِرًا لِلَّهِ إلَى الْمُصَلَّى فَصَلَّى. (وَمِنْ قُوتِهِ الْأَحْسَنِ) مِنْ كِتَابِ الْأَبْهَرِيِّ: إذَا كَانَ رَجُلٌ يَخُصُّ نَفْسَهُ بِقُوتٍ أَجْوَدَ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ الْغَالِبِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ يَأْكُلُ دُونَ الْقُوتِ الْغَالِبِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ الْغَالِبَ إذَا أَمْكَنَهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَخْرَجَ مِمَّا يَأْكُلُ. (وَغَرْبَلَةُ الْقَمْحِ إلَّا الْغَلِثَ) الْغَلْثُ الْخَلْطُ غَلَثْت الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ غَرْبَلَةُ الْقَمْحِ بِوَاجِبٍ. (وَدَفْعُهَا لِزَوَالِ فَقْرٍ أَوْ رِقٍّ يَوْمَهُ) أَمَّا مَنْ زَالَ فَقْرُهُ يَوْمَ الْفِطْرِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 الْفِطْرِ أَحْبَبْتُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ أُعْطِيَ الْفَقِيرُ مِنْهَا مَا فِيهِ فَضْلٌ عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ ذَلِكَ فَلْيُخْرِجْ مِنْ ذَلِكَ الْفَضْلِ. الْجَلَّابُ: الْإِخْرَاجُ مُسْتَحَبٌّ. وَابْنُ حَبِيبٍ: إنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا فِي غَدٍ يَوْمِ الْفِطْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ يَوْمَ الْفِطْرِ قَدْ زَالَ وَأَمَّا مَنْ زَالَ رِقُّهُ أَمَّا الْقِنُّ فَقَدْ كَانَ أَخْرَجَ عَنْهُ سَيِّدُهُ الْمُعْتِقُ وَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ. (وَلِلْإِمَامِ الْعَدْلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَدْفَعُ زَكَاةً إلَى الْإِمَامِ إنْ كَانَ لَا يَعْدِلُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا لَمْ يَسَعْ أَحَدًا أَنْ يُفَرِّقَ شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ وَلْيَدْفَعْهَا إلَيْهِ فَيُفَرِّقَهَا الْإِمَامُ فِي مَوَاضِعِهَا. (وَعَدَمُ زِيَادَةٍ) قِيلَ لِمَالِكٍ: يُؤَدِّي بِالْمُدِّ الْأَكْبَرِ؟ قَالَ: لَا بِمُدِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِنْ أَرَادَ خَيْرًا فَعَلَى حِدَةٍ الْقَرَافِيُّ: سَدُّ الذَّرِيعَةِ تَغْيِيرُ الْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ. (وَإِخْرَاجُ الْمُسَافِرِ وَجَازَ إخْرَاجُ أَهْلِهِ عَنْهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُؤَدِّيهَا الْمُسَافِرُ حَيْثُ هُوَ وَإِنْ أَدَّاهَا عَنْهُ أَهْلُهُ أَجْزَأَ. (وَدَفْعُ صَاعٍ لِمَسَاكِينَ وَآصُعَ لِوَاحِدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ زَكَاةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْ عِيَالِهِ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ، وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ مِسْكِينٍ مَا أَخْرَجَ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْ أَهْلِهِ. قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: لَوْ أَعْطَى زَكَاةَ نَفْسِهِ وَحْدَهُ مَسَاكِينَ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ (وَمِنْ قُوتِهِ الْأَدْوَنِ إلَّا لِشُحٍّ) ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنْ اقْتَاتَ نَوْعًا أَدْنَى مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ لِشُحٍّ لَزِمَهُ الْإِخْرَاجُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ. وَإِنْ كَانَ لِفَقْرٍ لَا لِشُحٍّ فَالظَّاهِرُ إجْزَاءُ قُوتِهِ عَنْهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ إنْ كَانَ الصِّنْفُ الَّذِي خَصَّ بِهِ نَفْسَهُ أَدْنَى فَلَا يُخْرِجُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ. (وَإِخْرَاجُهُ قَبْلَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 بِكَالْيَوْمَيْنِ وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إلَّا لِمُفَرِّقٍ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَجْزَأَهُ. الْبَاجِيُّ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَقَالَهُ سَحْنُونَ: ابْنُ يُونُسَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا أَرَادَ بِإِخْرَاجِهَا قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَنْ يَدْفَعَهَا لِمَنْ يَلِي الصَّدَقَةَ، وَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ يُجْزِئُهُ لَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. (وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ زَمَنِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ حَتَّى مَضَى لِذَلِكَ أَعْوَامٌ ثُمَّ أَيْسَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا لِمَاضِي السِّنِينَ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ أَخَّرَهَا الْوَاحِدُ سِنِينَ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لِمَاضِي السِّنِينَ. (وَإِنَّمَا تُدْفَعُ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ فَقِيرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْطَى مِنْهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَلَا الْعَبِيدُ وَلَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ لَا يُعْطَى زَكَاةَ الْفِطْرِ مَنْ يَمْلِكُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 نِصَابًا. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ مَصْرِفِهَا فَقِيرَ الزَّكَاةِ أَوْ عَادِمَ قُوتِ يَوْمِهِ نَقْلُ اللَّخْمِيِّ وَقَوْلُ أَبِي مَصْعَبٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 [كِتَابُ الصِّيَامِ] [بَاب فِي أَحْكَام الصِّيَام] ابْنُ شَاسٍ: يُنْظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ. أَمَّا الصَّوْمُ فَالنَّظَرُ فِي سَبَبِهِ وَرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 وَسُنِّيَّتِهِ. وَأَمَّا الْفِطْرُ فَالنَّظَرُ فِي مُبِيحَاتِهِ وَمُوجِبَاتِهِ. (وَيَثْبُتُ رَمَضَانُ بِكَمَالِ شَعْبَانَ) ابْنُ يُونُسَ: لِلْعِلْمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 بِدُخُولِ رَمَضَانَ ثَلَاثُ طُرُقٍ وَهِيَ: الرُّؤْيَةُ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يُوصَلْ إلَى ذَلِكَ فَإِكْمَالُ عِدَّةِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. (أَوْ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَثْبُتُ رَمَضَانُ وَغَيْرُهُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ حُرَّيْنِ فِي مِصْرٍ صَغِيرٍ مُطْلَقًا وَكَبِيرٍ فِي غَيْمٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَامُ وَلَا يُفْطَرُ وَلَا يُقَامُ الْمَوْسِمُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُكَاتَبِينَ، وَلَا شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا. قَالَ سَحْنُونَ: وَلَوْ كَانَ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا صُمْت وَلَا أَفْطَرْت بِشَهَادَتِهِ. اللَّخْمِيِّ: مَنَعَ مَالِكٌ أَنْ يُصَامَ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ إذَا أَخْبَرَ عَنْ رُؤْيَةِ نَفْسِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 الْوُجُوبِ وَلَا عَلَى النَّدْبِ وَلَا عَلَى الْإِبَاحَةِ. قَالَ سَحْنُونَ: وَلَوْ كَانَ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ حُكْمٌ يَثْبُتُ فِي الْبَدَنِ فَلَا يُقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَاحِدٌ أَصْلُهُ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ لَغْوُ رُؤْيَةِ الْعَدْلِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. ابْنُ حَارِثٍ: اتِّفَاقًا وَتَخْرِيجُ اللَّخْمِيِّ قَبُولُهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مُيَسَّرٍ وَالشَّيْخِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ يُرَدُّ بِالْمَشَقَّةِ انْتَهَى. فَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ مُيَسَّرٍ وَالشَّيْخِ مُوَافِقٌ لِلْمَشْهُورِ. وَاَلَّذِي قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إذَا كَانَ النَّاسُ مَعَ إمَامٍ يُضَيِّعُ أَمْرَ الْهِلَالِ فَلَا يَدَعُوا ذَلِكَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. فَمَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِرُؤْيَةِ مَنْ يَثِقُ بِصِدْقِهِ صَامَ عَلَيْهِ وَأَفْطَرَ وَحَمَلَ عَلَيْهِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ. اللَّخْمِيِّ: أَجَازَ فِي هَذَا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ إذَا أَخْبَرَ عَنْ رُؤْيَةِ نَفْسِهِ وَأَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ بِصِدْقِ نَفْسِهِ، وَأَنْ يَحْمِلَهُمْ عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ ثِقَةً عِنْدَهُ. فَإِذَا جَازَ أَنْ يَحْمِلَ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ عَلَى الصَّوْمِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ عِنْدَ تَضْيِيعِ الْإِمَامِ جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِمَامِ إلَّا مَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَهُ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» . فَأَبَاحَ الْأَكْلَ بِقَوْلِ بِلَالٍ وَأَلْزَمَ الْإِمْسَاكَ بِقَوْلِ ابْنِ مَكْتُومٍ وَحْدِهِ، وَالْأَوَّلُ يُخْبِرُ عَنْ رُؤْيَةِ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي يُخْبِرُ عَمَّا يُخْبِرُ بِهِ غَيْرُهُ. وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُفْطَرَ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ إذَا أَخْبَرَ عَنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُؤَذِّنُ فِي هَذَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِأَنَّ النَّاسَ أَقَامُوهُ لِذَلِكَ فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ. قِيلَ: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَجُوزَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْهِلَالِ إذَا أَقَامُوا وَاحِدًا لِالْتِمَاسِهِ لَهُمْ فَيَعْمَلُونَ عَلَى مَا يُخْبِرُهُمْ بِهِ مِنْ هِلَالِ رَمَضَانَ أَوْ شَوَّالٍ. رَاجِعْ اللَّخْمِيَّ وَقَدْ حَصَلَ بِهَذَا أَنَّ الْإِنْسَانَ كَمَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِالصِّيَامِ إذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ بِنَفْسِهِ كَذَلِكَ هُوَ مُخَاطَبٌ بِهِ إذَا أَخْبَرَهُ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ أَنَّهُمَا قَدْ رَأَيَاهُ، وَهَذِهِ أَيْضًا هِيَ عِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ. فَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ وَاحِدٌ فَلَا يَعْمَلُ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ إمَامٌ يَتَفَقَّدُ أَمْرَ الْهِلَالِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِشَهَادَتِهِ، وَهَذِهِ أَيْضًا هِيَ عِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ قَائِلًا: لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمَّا تَعَذَّرَتْ لِتَضْيِيعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 الْإِمَامِ رَجَعَ إلَى إثْبَاتِهِ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ، وَكَمَا جَازَ قَبُولُ الْمُؤَذِّنِ الْعَدْلِ الْعَارِفِ بِالْفَجْرِ فِي طُلُوعٍ لِتَعَذُّرِ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْهِلَالِ دُونَ الْفَجْرِ أَنَّ الصِّيَامَ يَصِحُّ إيقَاعُ النِّيَّةِ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَا يَصِحُّ اعْتِقَادُ الصَّوْمِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِاسْتِهْلَالِ الْهِلَالِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا زَوَالُ الشَّمْسِ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَلَا غُرُوبُ الشَّمْسِ لِلْفِطْرِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّأْخِيرُ حَتَّى يُوقِنَ بِزَوَالِ الشَّمْسِ أَوْ بِغُرُوبِهَا. وَجْهٌ رَابِعٌ مِمَّا يُخَاطَبُ بِهِ الْإِنْسَانُ بِالصِّيَامِ إذَا أَخْبَرَهُ الْإِمَامُ أَنْ قَدْ ثَبَتَ رُؤْيَتُهُ عِنْدَهُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا. وَكَذَلِكَ إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلٌ عَنْ الْإِمَامِ بِذَلِكَ أَوْ عَنْ النَّاسِ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ رُؤْيَةً عَامَّةً. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَلِكَ إنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَنَّ أَهْلَ بَلَدِ كَذَا صَامُوا يَوْمَ كَذَا بِرُؤْيَةٍ عَامَّةٍ أَوْ بِثُبُوتِ رُؤْيَتِهِ عِنْدَ قَاضِيهِمْ يَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَضَاءُ الْيَوْمِ. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: الْعَدْلُ إذَا أَخْبَرَ أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الْإِمَامِ إنْ كَانُوا قَدْ بَعَثُوهُ لَزِمَهُمْ الْعَمَلُ عَلَى خَبَرِهِ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُرْسِلُوهُ إلَى بَلَدٍ مُسْتَكْشِفًا فَيُخْبِرَهُمْ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ فِيهِ، أَوْ يُخْبِرَهُمْ مِنْ غَيْرِ إرْسَالٍ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ نَقْلِ الْأَخْبَارِ لَا مِنْ بَابِ نَقْلِ الشَّهَادَةِ وَكَذَلِكَ نَقْلُ الرَّجُلِ إلَى أَهْلِهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ ضَعِيفٌ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا مَعْنَى عِنْدِي لِقَوْلِ أَبِي عِمْرَانَ: " وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُخْبِرَهُمْ دُونَ أَنْ يَبْعَثُوهُ أَوْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ " وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ ذَلِكَ عِنْدِي إذَا بَعَثَ الْإِمَامُ رَجُلًا إلَى أَهْلِ بَلَدٍ لِيُخْبِرَهُ إنْ كَانُوا رَأَوْا الْهِلَالَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَلِيَأْمُرْ الْإِمَامُ النَّاسَ بِالصِّيَامِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسِلَهُ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ الصِّيَامُ وَلَمْ يَصِحَّ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالصِّيَامِ حَتَّى يَشْهَدَ بِذَلِكَ عِنْدَهُ آخَرُ لِأَنَّهُ حُكْمٌ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَلْ يَلْزَمُ هَذَا الْمُخْبِرَ أَنْ يُخْبِرَ كُلَّ النَّاسِ إذْ الْإِمَامُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ بِخَبَرِهِ فَكَذَلِكَ غَيْرُهُ. (وَلَوْ بِصَحْوٍ بِمِصْرٍ) اللَّخْمِيِّ: يَصِحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ فِي الْغَيْمِ وَإِنْ عَظُمَ الْمِصْرُ وَفِي الصَّحْوِ فِي الْمِصْرِ الصَّغِيرِ. وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ الصَّحْوُ وَالْمِصْرُ كَبِيرًا، وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ الْجَوَازُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. (فَإِنْ لَمْ يُرَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ صَحْوًا كُذِّبَا) قَالَ مَالِكٌ فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا فِي هِلَالِ شَعْبَانَ فَعُدَّ لِذَلِكَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ لَمْ يَرَ النَّاسُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ إحْدَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 وَثَلَاثِينَ وَالسَّمَاءُ صَاحِيَةٌ قَالَ مَالِكٌ: هَذَانِ شَاهِدَا سَوْءٍ. (أَوْ مُسْتَفِيضَةً) مِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: قَدْ يَأْتِي مِنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ مَا يَشْتَهِرُ حَتَّى لَا يُحْتَاجَ فِيهِ إلَى الشَّهَادَةِ وَالتَّعْدِيلِ، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْقَرْيَةُ كَبِيرَةً فَيَرَاهُ فِيهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالْعَبِيدُ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ فِيهِمْ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَلْزَمُ النَّاسَ الصَّوْمُ مِنْ بَابِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 اسْتِفَاضَةِ الْأَخْبَارِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ. (وَعَمَّ إنْ نُقِلَ بِهِمَا عَنْهُمَا لَا بِمُنْفَرِدٍ إلَّا كَأَهْلِهِ وَمَنْ لَا اعْتِنَاءَ لَهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 بِأَمْرِهِ) قَدْ لَخَّصْت مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَابْنِ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ وَابْنِ عَرَفَةَ مَا أَتَحَمَّلُ عُهْدَتَهُ إنْ أَفْتَيْت فَانْظُرْ أَنْتَ هَلْ يَتَنَزَّلُ كَلَامُهُ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَظْهِرْ عَلَيْهِ؟ (وَعَلَى عَدْلٍ أَوْ مَرْجُوٍّ رَفْعُ رُؤْيَتِهِ وَالْمُخْتَارُ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ أَفْطَرُوا فَالْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إلَّا بِتَأْوِيلٍ فَتَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 وَحْدَهُ فَلْيُعْلِمْ الْإِمَامَ لَعَلَّ غَيْرَهُ رَآهُ مَعَهُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ غَيْرُهُ رَدَّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ وَلَزِمَهُ الصَّوْمُ فِي نَفْسِهِ، فَإِنْ أَفْطَرَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. أَشْهَبُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَأَوِّلًا انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. وَذَكَرَ اللَّخْمِيِّ قَوْلَ أَشْهَبَ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَعْزُهُ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: إذَا كَانَ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ رَفْعُهُ. اللَّخْمِيِّ: الْقَوْلُ الْآخَرُ أَبْيَنُ لِأَنَّهُ قَدْ يَجْتَمِعُ مِنْهُمْ مَا يَقَعُ بِقَوْلِهِمْ الْعِلْمُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى ظُهُورِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَقِفُ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ خَوْفَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى انْفِرَادِهِ انْتَهَى وَهَذَا كَمَا نَصُّوا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ فَرْضٌ بِرَأْسِهِ لَا يُسْقِطُهُ عَدَمُ تَأْثِيرِ الْمُنْكِرِ عَلَيْهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ إنْكَارَ الْقَلْبِ فَرْضٌ وَهُوَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي دَفْعِ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ. (لَا بِمُنَجِّمٍ) ابْنُ يُونُسَ: لَا يُنْظَرُ فِي الْهِلَالِ إلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ ذَلِكَ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 الرُّؤْيَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ أَوْ إكْمَالِ الْعِدَّةِ فَلَمْ يَجُزْ إثْبَاتُ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ. (وَلَا يُفْطِرُ مُنْفَرِدٌ بِشَوَّالٍ وَلَوْ أَمِنَ الظُّهُورَ إلَّا بِمُبِيحٍ) قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: إنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ فَلَا يُفْطِرُ. قَالَ أَشْهَبُ: وَلْيَنْوِ الْفِطْرَ بِقَلْبِهِ وَيَكُفَّ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْأَكْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ شَيْءٌ لَكِنْ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ التَّغْرِيرِ بِنَفْسِهِ فِي هَتْكِ عِرْضِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ وَحْدَهُ فِي سَفَرٍ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 مَفَازٍ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ. اللَّخْمِيِّ: لَا يُمْنَعُ بِسَفَرٍ مُطْلَقًا. (وَفِي تَلْفِيقِ شَاهِدِ أَوَّلِهِ لِآخَرَ آخِرَهُ، وَلُزُومِهِ بِحُكْمِ الْمُخَالِفِ بِشَاهِدٍ تَرَدُّدٌ) أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَقَالَ يَحْيَى: لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ وَآخَرُ عَلَى شَوَّالٍ لَمْ يُفْطَرْ بِشَهَادَتِهِمَا. انْتَهَى نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ. وَأَمَّا ابْنُ رُشْدٍ فَنَقَلَ هَذَا ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَعْنَى ذَلِكَ إذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ أَنَّهُ رَآهُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ رُؤْيَةِ الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ عَلَى هِلَالِ شَعْبَانَ إذْ لَيْسَ فِي شَهَادَةِ الثَّانِي تَصْدِيقٌ لِلشَّاهِدِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا لَوْ رَآهُ الشَّاهِدُ الثَّانِي بَعْدَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ رُؤْيَةِ الْأَوَّلِ لَوَجَبَ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الشَّاهِدَ الثَّانِيَ يُصَدِّقُ الشَّاهِدَ الْأَوَّلَ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَصْدُقَ الشَّاهِدُ الثَّانِي إلَّا وَالْأَوَّلُ صَادِقٌ فِي شَهَادَتِهِ، يُرِيدُ فَيُصَامُ لِتَمَامٍ مِنْ رُؤْيَتِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَيْسَ هَذَا بِبَيِّنٍ، وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَنَّهُمَا جَمِيعًا يَتَخَرَّجَانِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مُتَّفِقَانِ عَلَى إيجَابِ الصِّيَامِ لِتَمَامٍ مِنْ رُؤْيَةِ الْأَوَّلِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا شَهِدَا بِهِ إذْ قَدْ اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي شَهَادَتِهِمَا وَاتَّفَقَا فِيمَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ وَالْمَشْهُورُ أَنْ لَا تَجُوزَ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ شَهِدَ الْأَوَّلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 أَنَّهُ رَآهُ لَيْلَةَ الْأَحَدِ وَكَانَ الْغَيْمُ، فَإِنْ شَهِدَ الثَّانِي أَنَّهُ رَأَى هِلَالَ الشَّهْرِ بَعْدَهُ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ لُفِّقَتْ، وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ رَأَى لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ لَمْ تُلَفَّقْ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا رَابِعُ الْأَقْوَالِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ لُزُومِ الصِّيَامِ بِحُكْمِ الْمُخَالِفِ بِشَاهِدٍ فَقَالَ الْقَرَافِيُّ عَنْ سَنَدٍ: لَوْ حَكَمَ الْإِمَامُ بِالصَّوْمِ بِالْوَاحِدِ لَمْ يُخَالَفْ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ فَتْوَى لَا حُكْمٌ. وَلَوْ كَانَ إمَامٌ يَرَى الْحِسَابَ فَأَثْبَتَ بِهِ الْهِلَالَ لَمْ يُتَّبَعْ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ. (وَرُؤْيَتُهُ نَهَارًا لِلْقَابِلَةِ) ابْنُ يُونُسَ: إذَا رَأَى الْهِلَالَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ لِغَدِهِ رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ، ابْنُ بَشِيرٍ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ (وَإِنْ ثَبَتَ نَهَارًا أَمْسَكَ وَإِلَّا كَفَّرَ إنْ انْتَهَكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 مَالِكٌ: إنْ أَصْبَحَ يَنْوِي الْفِطْرَ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ يَوْمَهُ ذَلِكَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ آخِرَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ بَعْدَمَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيَكُفَّ عَنْ الْأَكْلِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، ثُمَّ إنْ أَكَلَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ إلَّا أَنْ يَأْكُلَهُ مُنْتَهِكًا لِحُرْمَتِهِ عَالِمًا بِمَا عَلَى مُتَعَمِّدِ الْفِطْرِ فِيهِ فَلْيُكَفِّرْ. (وَإِنْ غَيَّمَتْ وَلَمْ يُرَ فَصَبِيحَتُهُ يَوْمَ الشَّكِّ) ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا الْتَمَسَ النَّاسُ الْهِلَالَ وَلَمْ يَرَوْهُ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ فَلَا شَكَّ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً فَالشَّكُّ حَاصِلٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيَّتَ الْإِمْسَاكُ لِيَسْتَبْرِئَ مَا يَأْتِي بِهِ النَّهَارُ مِنْ أَخْبَارِ السِّفَارِ، فَإِنْ ثَبَتَ نَفْيُ الرُّؤْيَةِ عُوِّلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ثَبَتَ إثْبَاتُهَا اُسْتُدِيمَ الْإِمْسَاكُ. (وَصِيمَ عَادَةً وَتَطَوُّعًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 وَقَضَاءً وَلِنَذْرٍ صَادَفَ لَا احْتِيَاطًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَامَ الْيَوْمَ الَّذِي مِنْ آخِرِ شَعْبَانَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يُرِيدُ احْتِيَاطًا وَيَجُوزُ تَطَوُّعًا. قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: وَمَنْ صَامَهُ حَوْطَةً ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَلْيُفْطِرْ مَتَى أَفَاقَ لِذَلِكَ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُصَامُ تَطَوُّعًا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ فَلْيَصُمْهُ» . وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ صَامَهُ حَوْطَةً أَوْ تَطَوُّعًا ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَلْيَقْضِهِ انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: يَصُومُ يَوْمَ الشَّكِّ مَنْ نَذَرَهُ أَوْ مَنْ اسْتَدَامَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 الصَّوْمَ وَقَضَاهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ صَامَهُ قَضَاءً فَإِنْ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ فَفِي إجْزَائِهِ خِلَافٌ. اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " بِزَمَنٍ أُبِيحَ صَوْمُهُ " ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَعْنَى صَوْمِهِ نَذْرًا مُوَافَقَتُهُ أَيَّامًا نَذَرَهَا، وَلَوْ نَذَرَ يَوْمَ الشَّكِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَكٌّ سَقَطَ لِأَنَّهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: كَوْنُهُ مَعْصِيَةً يُرَدُّ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ كَرَاهَةِ صَوْمِهِ. (وَنُدِبَ إمْسَاكُهُ لَيُتَحَقَّقَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ بَشِيرٍ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيَّتَ الْإِمْسَاكُ. (لَا لِتَزْكِيَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 شَاهِدَيْنِ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فِي الْهِلَالِ فَاحْتَاجَ الْقَاضِي أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمَا وَذَلِكَ يَتَأَخَّرُ فَلَيْسَ عَلَى النَّاسِ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَإِنْ زُكُّوا بَعْدَ ذَلِكَ أَمَرَ النَّاسَ بِالْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي الْفِطْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِيمَا صَامُوا. (أَوْ زَوَالِ عُذْرٍ مُبَاحٍ لَهُ الْفِطْرُ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ لِعُذْرٍ ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ، فَإِنْ كَانَ عُذْرًا يُبِيحُ الْفِطْرَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُمْسِكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ كَالْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ، وَإِنْ كَانَ عُذْرًا إنَّمَا سَاغَ لَهُ الْفِطْرُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ أَوْ تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَوْ أَكَلَ سَهْوًا أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ، فَإِنَّ زَوَالَ الْعُذْرِ مُوجِبٌ لِلْإِمْسَاكِ كَمُضْطَرٍّ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَمَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ لِعُذْرٍ مِنْ عَطَشٍ شَدِيدٍ أَوْ مَرَضٍ ثُمَّ تَلَذَّذَ فَأَصَابَ أَهْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَخَافُ عَلَيْهِ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إنْ بَدَأَ بِإِصَابَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 أَهْلِهِ كَفَّرَ، وَإِنْ بَدَأَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ لَمْ يُكَفِّرْ وَإِنْ أَصَابَ أَهْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ ثُمَّ اضْطَرَّهُ ظَمَأٌ فَشَرِبَ فَالْأَقْيَسُ قَوْلُ سَحْنُونٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَيَطَأَ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِوَجْهٍ مُبَاحٍ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَعَطِّشِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُوَافِي صِيَامَهُ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ فِي نَهَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُبَيِّتَ الْفِطْرَ وَيَأْكُلَ وَيُصِيبَ أَهْلَهُ. وَلَوْ كَانَ بِرَجُلٍ مَرَضٌ يَحْتَاجُ مِنْ الدَّوَاءِ فِي نَهَارِهِ إلَى الشَّيْءِ الْيَسِيرِ يَشْرَبُهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالصِّيَامِ وَلَا بِالْكَفِّ عَمَّا سِوَى مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: رُوِيَ دَوَاءٌ عَنْ مَالِكٍ مِثْلَ قَوْلِ سَحْنُونٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُفْطِرُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَرُدُّ رَمَقَهُ وَيُمْسِكُ فَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ ابْنُ مُحْرِزٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُعَالَجُ مِنْ صَنْعَتِهِ فَيَعْطَشُ فَيُفْطِرُ فَقَالَ: لَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَتَكَلَّفُوا مِنْ عِلَاجِ الصَّنْعَةِ مَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْفَرَائِضِ وَشَدَّدَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا شَدَّدَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ فِي كِفَايَةٍ مِنْ عَيْشِهِ أَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ مِنْ التَّسَبُّبِ مَا لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى الْفِطْرِ وَإِلَّا كُرِهَ لَهُ بِخِلَافِ رَبِّ الزَّرْعِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: الْفَتْوَى عِنْدَنَا أَنَّ الْحَصَادَ الْمُحْتَاجَ لَهُ الْحَصَادُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 وَإِنْ أَدَّى إلَى الْفِطْرِ وَالْإِكْرَاهِ لَهُ بِخِلَافِ رَبِّ الزَّرْعِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا لِحِرَاسَةِ مَالِهِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. (فَلِقَادِمٍ وَطْءُ زَوْجَةٍ طَهُرَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ عَلِمَ فِي رَمَضَانَ أَنَّهُ يَدْخُلُ بَيْتَهُ مِنْ سَفَرِهِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَلْيُصْبِحْ صَائِمًا، وَإِنْ أَصْبَحَ يَنْوِي الْإِفْطَارَ ثُمَّ دَخَلَ بَيْتَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَنَوَى الصَّوْمَ لَمْ يُجْزِهِ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ وَيَطَأَ امْرَأَتَهُ إنْ وَجَدَهَا قَدْ طَهُرَتْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: فَإِنْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً وَهِيَ طَاهِرٌ فِي يَوْمِهَا فَلَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا لِأَنَّهَا مُتَعَدِّيَةٌ فِيمَا تَرَكَتْ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالصَّوْمِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا ثَالِثُ الْأَقْوَالِ. (وَكَفُّ لِسَانٍ) الرِّسَالَةُ: يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ وَجَوَارِحَهُ. (وَتَعْجِيلُ فِطْرٍ وَتَأْخِيرُ سُحُورٍ) الرِّسَالَةُ: مِنْ السُّنَّةِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ. ابْنُ يُونُسَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَسَحَّرُ وَيَقُومُ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ. قَالَ أَنَسٌ: كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً» . أَشْهَبُ: يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْمَسْحُورِ مَا لَمْ يَدْخُلْ إلَى الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ. الْقَبَّابُ: رَوَى ابْنُ نَافِعٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 عَنْ مَالِكٍ: إذَا غَشِيَتْهُمْ الظُّلْمَةُ فَلَا يُفْطِرُوا حَتَّى يُوقِنُوا بِالْمَغْرِبِ. ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّمَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْفِطْرِ اسْتِنَانًا وَتَدَيُّنًا فَأَمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا كَذَا قَالَ لِي أَصْحَابُ مَالِكٍ. (وَصَوْمٌ بِسَفَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ أَحَبُّ إلَيَّ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَكُلٌّ وَاسِعٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: إلَّا فِي الْجِهَادِ فَإِنَّ الْفِطْرَ فِي سَفَرِهِ أَفْضَلُ لِيَتَقَوَّى كَمَا فِطْرُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَفْضَلُ لِلْحَاجِّ (وَإِنْ عَلِمَ دُخُولَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْغَايَةَ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَقُولُ: النَّدْبُ مُسْتَصْحَبٌ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَدْخُلُ أَوَّلَ النَّهَارِ إذْ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الصَّوْمَ حِينَئِذٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 وَاجِبٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ إنْ لَمْ يَحُجَّ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ) . ابْنُ حَبِيبٍ: وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِي صِيَامِ الْعَشْرِ وَيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّ صِيَامَ يَوْمٍ مِنْ الْعَشْرِ كَصِيَامِ شَهْرَيْنِ مِنْ غَيْرِهِ وَصِيَامَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ كَسَنَةٍ وَصِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ كَسَنَتَيْنِ. أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ: وَفِطْرُهُ أَفْضَلُ لِلْحَاجِّ لِيَقْوَى عَلَى الدُّعَاءِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 (وَعَاشُورَاءَ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ: فَصْلٌ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَرُغِّبَ فِيهِ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ، وَفِيهِ تُكْسَى الْكَعْبَةُ كُلَّ عَامٍ وَقَدْ خُصَّ بِشَيْءٍ أَنَّ مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ صَوْمَهُ وَحَتَّى أَصْبَحَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَصُومَهُ أَوْ بَاقِيهِ إنْ أَكَلَ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَجَاءَ التَّرْغِيبُ فِي النَّفَقَةِ فِيهِ عَلَى الْعِيَالِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنَةِ» وَإِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ يَتَحَرَّوْنَ ذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَّا النَّفَقَةُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَالتَّوْسِعَةُ فَمَخْلُوقَةٌ بِاتِّفَاقٍ وَأَنَّهُ يُخْلِفُ اللَّهُ بِالدِّرْهَمِ عَشَرَةَ أَمْثَالِهِ وَرَأَيْت لِابْنِ حَبِيبٍ: لَا تَنْسَ لَا يَنْسَك الرَّحْمَنُ عَاشُورًا ... وَاذْكُرْهُ لَا زِلْت فِي الْأَحْيَاءِ مَذْكُورًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَشْمَلُهُ قَوْلًا ... وَجَدْنَا عَلَيْهِ الْحَقَّ وَالنُّورَا أَوْسِعْ بِمَالِك فِي الْعَاشُورِ إنَّ لَهُ ... فَضْلًا وَجَدْنَاهُ فِي الْآثَارِ مَأْثُورًا مَنْ بَاتَ فِي لَيْلَةِ الْعَاشُورِ ذَا سَعَةٍ ... يَكُنْ بِعِيشَتِهِ فِي الْحَوْلِ مَسْرُورًا وَأَنْشَدَنِي شَيْخِي الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَنْثُورِيُّ جَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِ رَحْمَتَهُ قَالَ: أَنْشَدَنِي الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرُ بْنُ جُزَيٍّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَالَ: أَنْشَدَنِي الْخَطِيبُ أَبُو عَلِيٍّ الْقُرَشِيُّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَالَ: أَنْشَدَنِي الْخَطِيبُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ رَشِيدٍ لِنَفْسِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَذَكَرَ أَنَّ نَظْمَهُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ: صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَتَى فَضْلُهُ ... فِي سُنَّةٍ مُحْكَمَةٍ قَاضِيَهْ قَالَ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى إنَّهُ ... تَكْفِيرُ ذَنْبِ السَّنَةِ الْمَاضِيَهْ وَمَنْ يُوَسِّعْ يَوْمَهُ لَمْ يَزَلْ ... فِي عَامِهِ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَهْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 (وَتَاسُوعَاءَ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّوَايَةُ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ. ابْنُ شَاسٍ: وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ يَوْمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 تَاسُوعَاءَ. ابْنُ يُونُسَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُوَالِي صَوْمَ الْيَوْمَيْنِ خَوْفًا أَنْ يَفُوتَهُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَكَانَ يَصُومُهُ فِي السَّفَرِ وَنَقَلَهُ فِي الشِّهَابِ. (وَالْمُحَرَّمِ وَرَجَبٍ وَشَعْبَانَ) لَوْ قَالَ وَالْمُحَرَّمِ وَشَعْبَانَ لَوَافَقَ الْمَنْصُوصَ. نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ: خَصَّ اللَّهُ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ وَفَضَلَهَا وَهِيَ: الْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ. قَالَ: وَقَدْ رَغَّبَ فِي صِيَامِ شَعْبَانَ وَقِيلَ: فِيهِ تَرَفُّعُ الْأَعْمَالِ. وَرَغَّبَ فِي صِيَامِ يَوْمِ نِصْفِهِ وَقِيَامُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ قِيلَ: وَرَغَّبَ أَيْضًا فِي صِيَامِ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ فِيهِ بُعِثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَيَوْمِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ أُنْزِلَتْ الْكَعْبَةُ وَمَعَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 الرَّحْمَةُ انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ لِمَنْ أَسْلَمَ) أَشْهَبُ: مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلْيَصُمَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيَشْرَبَ وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ يُونُسَ خِلَافَ هَذَا. الْبَاجِيُّ: وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ الْبَاجِيُّ: وَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ. وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ - أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكَ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ. (وَقَضَاؤُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَسْلَمَ فِي رَمَضَانَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 وَلْيَصُمْ بَاقِيَهُ وَاسْتُحِبَّ لَهُ قَضَاءُ الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ. (وَتَعْجِيلُ الْقَضَاءِ وَمُتَابَعَتُهُ) اللَّخْمِيِّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا عَقِبَ صِحَّتِهِ أَوْ قُدُومِهِ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى امْتِثَالِ الطَّاعَاتِ أَوْلَى مِنْ التَّرَاخِي عَنْهَا، وَإِبْرَاءُ الذِّمَّةِ مِنْ الْفَرَائِضِ أَوْلَى، وَلْيَخْرُجْ عَنْ الْخِلَافِ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ وَلِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْقَضَاءُ مُتَتَابِعًا (كَكُلِّ صَوْمٍ لَمْ يَلْزَمْ تَتَابُعُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ صِيَامِ الشُّهُورِ فَمُتَتَابِعٌ وَأَمَّا الْأَيَّامُ فَمِثْلُ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَصِيَامِ الْجَزَاءِ وَالْمُتْعَةِ وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، فَالْأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُتَابِعَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنْ فَرَّقَهُ أَجْزَأَهُ. (وَبَدَأَ بِكَصَوْمِ تَمَتُّعٍ إنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ هَدْيٍ وَقَضَاءُ رَمَضَانَ فَلْيَبْدَأْ بِصَوْمِ الْهَدْيِ إنْ لَمْ يُرْهِقْهُ رَمَضَانَ الثَّانِيَ فَلْيَقْضِ رَمَضَانَ ثُمَّ يَقْضِي صِيَامَ الْهَدْيِ بَعْدَ ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِصَوْمِ الْهَدْيِ لِيَصِلَ صَوْمَهُ بِمَا كَانَ صَامَ فِي الْحَجِّ وَإِنَّ لَهُ تَأْخِيرَ قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَى شَعْبَانَ، وَإِنْ لَمْ يَصُمْ لِلْهَدْيِ وَلَا لِلْقَضَاءِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ الثَّانِي فَصَامَهُ فَلْيَبْدَأْ بَعْدَهُ بِصَوْمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا جَمِيعًا، وَصَوْمُ قَضَاءِ رَمَضَانَ آكَدُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِهِ. (وَفِدْيَةُ هَرَمٍ أَوْ عَطَشٍ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ مَعَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا لَا يَشُقُّ مَعَهُ الصَّوْمُ أَوْ كَانَ فِي زَمَنٍ لَا يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِيهِ لَزِمَهُ أَنْ يَصُومَ، وَإِنْ كَانَ فِي شِدَّةِ حَرٍّ وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِهِ لَقَوِيَ عَلَى الصَّوْمِ أَفْطَرَ وَقَضَى إذَا صَارَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنْ بَلَغَ بِهِ الْكِبَرَ إلَى الْعَجْزِ جُمْلَةً أَفْطَرَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ إطْعَامٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا الْمُتَعَطِّشُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَقْضِيَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُوَفِّيَ بِالصَّوْمِ فِي شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ لِحَاجَتِهِ لِلشُّرْبِ لِعِلَّةٍ بِهِ أَفْطَرَ، فَإِنْ ذَهَبَتْ عَنْهُ تِلْكَ الْعِلَّةُ قَضَى وَإِلَّا فَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّخْمِيِّ غَيْرَ هَذَا. وَفِي الرِّسَالَةِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ إذَا أَفْطَرَ أَنْ يُطْعِمَ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَا إطْعَامَ عَلَيْهِ وَاسْتَحَبَّهُ سَحْنُونَ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ضَعْفُ بُنْيَةِ الصَّحِيحِ وَشَيْخُوخَتِهِ كَالْمَرِيضِ. (وَصَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَكُرِهَ كَوْنُهَا الْبِيضَ) . اللَّخْمِيِّ: رَغَّبَ فِي صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا صُمْت مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ» ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَيَّامُ الْبِيضُ: الثَّالِثَ عَشَرَ وَتَالِيَاهُ. وَرَوَى الشَّيْخُ كَرَاهَةَ تَعَوُّدِ صَوْمِهَا وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ. ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ صَوْمَهَا لِسُرْعَةِ أَخْذِ النَّاسِ بِقَوْلِهِ فَيَظُنُّ الْجَاهِلُ وُجُوبَهَا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَصُومُهَا وَحَضَّ مَالِكٌ أَيْضًا الرَّشِيدَ عَلَى صِيَامِهَا. (كَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ) مُطَرِّفٌ: إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ صِيَامَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ لِذِي الْجَهْلِ لَا مَنْ رَغِبَ فِي صِيَامِهَا لِمَا جَاءَ فِيهَا مِنْ الْفَضْلِ. الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 الشُّيُوخِ: لَعَلَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا وَمَالَ اللَّخْمِيِّ لِاسْتِحْبَابِ صَوْمِهَا. (وَذَوْقُ مِلْحٍ وَعِلْكٍ ثُمَّ يَمُجُّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 وَمُدَاوَاةُ حَفْرٍ زَمَنَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ لِلصَّائِمِ ذَوْقَ الْعَسَلِ وَالْمِلْحِ وَشَبَهِهِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ جَوْفَهُ، وَكَرِهَ مَضْغَ الْعِلْكِ أَوْ مَضْغَ الطَّعَامِ لِلصَّبِيِّ أَوْ يُدَاوِي الْحَفْرَ فِي فِيهِ وَيَمُجُّ الدَّوَاءَ، وَكَرِهَ لِلَّذِي يَعْمَلُ أَوْتَارَ الْعَقَبِ أَنْ يَمُرَّ ذَلِكَ فِي فِيهِ يَمْضُغُهُ أَوْ يَلْمِسُهُ بِفِيهِ. الْبَاجِيُّ: فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَمَجَّهُ فَقَدْ سَلِمَ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَخَلَ جَوْفَهُ شَيْءٌ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَهُ مَالِكٌ. الْبُرْزُلِيِّ: وَغَزْلُ الْمَرْأَةِ الْكَتَّانَ الْمِصْرِيَّ جَائِزٌ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الدِّمْنِي فَيَسُوغُ لَهَا ذَلِكَ إنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً وَإِلَّا فَيُكْرَهُ. (إلَّا لِخَوْفِ ضَرَرٍ) . أَشْهَبُ: لَا بَأْسَ بِمُدَاوَاةِ الْحَفْرِ نَهَارًا إنْ كَانَ فِي صَبْرِهِ لِلَّيْلِ ضَرَرٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَقْضِي لِأَنَّ الدَّوَاءَ يَصِيرُ إلَى حَلْقِهِ. الْبَاجِيُّ: الَّذِي عِنْدِي إنْ سَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَنَذْرُ يَوْمٍ مُكَرَّرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ كُلِّ خَمِيسٍ يَأْتِي لَزِمَهُ فَإِنْ أَفْطَرَ مِنْهُ خَمِيسًا مُتَعَمِّدًا قَضَاهُ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 يَنْذُرَ صَوْمَ يَوْمٍ يُوَقِّتُهُ. الْبَاجِيُّ: وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ جَائِزٌ إجْمَاعًا. (وَمُقَدِّمَةُ جِمَاعٍ كَقُبْلَةٍ وَفِكْرٍ إنْ عُلِمَتْ السَّلَامَةُ وَإِلَّا حَرُمَتْ) . ابْنُ الْقَاسِمِ: شَدَّدَ مَالِكٌ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ. قَالَ أَشْهَبُ: وَلَمْسُ الْيَدِ أَيْسَرُ مِنْهَا، وَالْقُبْلَةُ أَيْسَرُ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ، وَالْمُبَاشَرَةُ أَيْسَرُ مِنْ الْعَبَثِ بِالْفَرْجِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْجَسَدِ، وَتَرْكُ ذَلِكَ كُلُّهُ أَحَبُّ إلَيْنَا. وَمَالِكٌ يُشَدِّدُ فِي الْقُبْلَةِ فِي الْفَرِيضَةِ مَا لَا يُشَدِّدُ فِيهَا فِي التَّطَوُّعِ وَلَا يَقْضِي قُبْلَةً وَلَا جِسَةً وَإِنْ أَنْعَظَ حَتَّى يُمْذِيَ. وَكَانَ الْأَفَاضِلُ يَتَجَنَّبُونَ مَنَازِلَهُمْ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَاحْتِيَاطًا أَنْ يَأْتِيَ مِنْ ذَلِكَ بَعْضُ مَا يَكْرَهُونَ. اللَّخْمِيِّ: الْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ وَالْمُلَامَسَةُ غَيْرُ مُحَرَّمَاتٍ فِي أَنْفُسِهِنَّ وَأَمْرُهُنَّ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمُ بِمَا يَكُونُ عَنْهَا. فَمَنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ السَّلَامَةَ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَنْهُ إنْزَالٌ وَلَا مَذْيٌ كَانَ مُبَاحًا، وَمَنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ الْإِنْزَالِ أَوْ يَسْلَمُ مَرَّةً وَلَا يَسْلَمُ أُخْرَى كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ قُبْلَةً وَاحِدَةً فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْلَمُ مِنْ الْإِمْذَاءِ كَانَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ أَفْسَدَ بِهِ الصَّوْمَ كَانَ الْإِمْسَاكُ عَنْ مُسَبَّبِهِ وَاجِبًا، وَمَنْ لَمْ يَفْسُدْ بِهِ كَانَ الْإِمْسَاكُ مُسْتَحَبًّا، وَالْقَوْلُ إنَّ الْمَذْيَ لَا يُفْسِدُ أَحْسَنُ وَإِنَّمَا وَرَدَ الْقُرْآنُ بِالْإِمْسَاكِ عَمَّا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى دُونَ الصُّغْرَى، وَلَوْ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِمَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ الصُّغْرَى لَفَسَدَ الصَّوْمُ بِمُجَرَّدِ الْقُبْلَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 وَالْمُبَاشَرَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَإِنْ لَمْ يُمْذِ، وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي عَمْدِهِ كَفَّارَةٌ وَلَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ إذَا كَانَ الصِّيَامُ ظِهَارًا أَوْ قَتْلَ نَفْسٍ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي «تَقْبِيلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَهُ وَهُوَ صَائِمٌ» : إنَّ مَنْ أَمِنَ فَلَهُ ذَلِكَ وَمَنْ خَافَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يُخْفِهِ عَلَيْهَا نَبِيُّهَا فَقَدْ بَاءَ مِنْ التَّعَسُّفِ بِمَا لَا يَخْفَى، وَلَمَّا كَانَ التَّأَسِّي بِهِ مَنْدُوبًا إلَيْهِ اسْتَحَالَ أَنْ يَأْتِيَ مِنْهُ خُصُوصًا لَهُ وَيَسْكُتَ عَلَيْهِ (وَحِجَامَةُ مَرِيضٍ فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا تُكْرَهُ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ مِنْ مَوْضِعٍ خِيفَةَ التَّغْرِيرِ فَإِنْ احْتَجَمَ وَسَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. الْبَاجِيُّ: فَمَنْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ بِضَعْفٍ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ حَالَةَ نَفْسِهِ كُرِهَتْ لَهُ الْحِجَامَةُ، فَإِنْ احْتَجَمَ فَاحْتَاجَ إلَى الْفِطْرِ فَقَدْ أَوْقَعَ الْمَحْظُورَ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ كَفَّارَةٍ، وَإِنْ سَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ عَلَى ذَلِكَ فَالْحِجَامَةُ مُبَاحَةٌ لَهُ. (وَتَطَوُّعٌ قَبْلَ نَذْرٍ) فِي الْمُوَطَّأِ: سُئِلَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ قَالَ: لِيَبْدَأْ بِالنَّذْرِ. الْبَاجِيُّ: النَّذْرُ هُوَ مَا يَنْذُرُهُ الْإِنْسَانُ وَيُلْزِمُهُ نَفْسَهُ بِالْقَوْلِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهِ، وَالتَّطَوُّعُ مَا لَا يَلْزَمُهُ بِالْقَوْلِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ اخْتِيَارًا فَيَلْزَمُهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ إتْمَامُهُ. فَمِنْ النَّظَرِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا لَزِمَهُ يَبْدَأُ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْهُ ثُمَّ يَتَطَوَّعُ، فَإِنْ قَدَّمَ التَّطَوُّعَ صَحَّ صَوْمُهُ لِلتَّطَوُّعِ وَبَقِيَ النَّذْرُ فِي ذِمَّتِهِ. هَذَا إنْ كَانَ النَّذْرُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ وَصَامَهُ تَطَوُّعًا أَثِمَ وَلَزِمَهُ قَضَاءُ نَذْرِهِ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ النَّذْرِ الَّذِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ (أَوْ قَضَاءٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَصُومَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَعَسَى بِهِ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا. ابْنُ رُشْدٍ: كَرِهَ ذَلِكَ كَرَاهِيَةً خَفِيفَةً فَيَقْتَضِي أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ عِنْدَهُ أَنْ يَصُومَ فِي قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ انْتَهَى. وَيُرَشِّحُ هَذَا أَنَّ مِنْ شَرْطِ الِاعْتِكَافِ الصَّوْمُ فَمَنْ كَانَ صَائِمًا لِفَرْضِهِ صَحَّ اعْتِكَافُهُ، وَانْظُرْ أَيْضًا إذَا مَرِضَ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا فَمَنْ مَنَعَهُ مِنْ صِيَامِ عَاشُورَاءَ مَرَضٌ أَوْ سَفَرٌ كَانَ كَمَنْ صَامَهُ، فَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا اشْتَغَلَ بِصَوْمِ فَرْضِهِ، وَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: «مَا تَقَرَّبَ عَبْدِي إلَيَّ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْت عَلَيْهِ» اُنْظُرْ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَرْبَابِ التَّصَوُّفِ عِنْدَهُمْ تَقْدِيمُ الْمُهِمِّ عَلَى الْأَهَمِّ حَظُّ نَفْسٍ وَرُؤْيَةٌ لِلنَّفْسِ وَقَدْ قَالُوا: كُلُّ عَمَلٍ اتَّصَلَتْ بِهِ رُؤْيَتُك فَلَا تَحْتَسِبْهُ. وَرَشَّحَ ابْنُ رُشْدٍ رِوَايَةَ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ تَطَوُّعًا أَحْسَنُ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَبْلَ الصُّبْحِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ» . وَانْظُرْ أَيْضًا مَنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ أَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ الْفَارِطِ وَأَيَّامٍ أُخَرَ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَهُ بِأَيِّهِمَا يَبْدَأُ. قَالَ أَشْهَبُ: يَبْدَأُ بِقَضَاءِ الْأَوَّلِ قَالَ: وَيُجْزِئُهُ الْعَكْسُ. (وَمَنْ لَا يُمْكِنُهُ رُؤْيَةٌ وَلَا غَيْرُهَا كَأَسِيرٍ كَمَّلَ الشُّهُورَ) ابْنُ بَشِيرٍ: لَا شَكَّ أَنَّ الْأَسِيرَ إذَا كَانَ مُطْلَقًا أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الرُّؤْيَةِ أَوْ الْعَدَدِ وَإِنْ كَانَ فِي مَهْوَاةٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّوَصُّلُ إلَى الرُّؤْيَةِ بَنَى عَلَى الْعَدَدِ فَأَكْمَلَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا (وَإِنْ الْتَبَسَتْ وَظَنَّ شَهْرًا صَامَهُ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الشُّهُورُ اجْتَهَدَ وَبَنَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 عَلَى ظَنِّهِ (وَإِلَّا تَحَرَّى) ابْنُ عَبْدُوسٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَأَشْهَبُ: إنْ أَشْكَلَ رَمَضَانُ عَلَى أَسِيرٍ أَوْ تَاجِرٍ بِبَلَدٍ حُرٍّ تَحَرَّاهُ. اللَّخْمِيِّ: صَامَ أَيَّ شَهْرٍ أَحَبَّ (وَأَجْزَأَ مَا بَعْدَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ الْتَبَسَتْ الشُّهُورُ عَلَى أَسِرْ أَوْ تَاجِرٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَصَامَ شَهْرًا يَنْوِي بِهِ رَمَضَانَ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَصَامَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَكَذَلِكَ يُجْزِئُهُ حَتَّى يَنْكَشِفَ أَنَّهُ صَامَ قَبْلَهُ قَالَهُ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُعِيدُ إذْ لَا يَزُولُ فَرْضٌ بِغَيْرِ يَقِينٍ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَوْلُ أَشْهَبَ أَبْيَنُ لِأَنَّهُ صَارَ فَرْضَهُ إلَى الِاجْتِهَادِ وَهُوَ قَدْ اجْتَهَدَ وَصَامَ فَهُوَ عَلَى الْجَوَازِ حَتَّى يَنْكَشِفَ خِلَافُهُ. أَصْلُهُ مَنْ اجْتَهَدَ فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَصَلَّى فَلَمْ يَدْرِ أَصَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ. (بِالْعَدَدِ) مِنْ النُّكَتِ مِنْ كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: إذَا صَامَ شَوَّالًا فَلْيَقْضِ يَوْمَ الْفِطْرِ إنْ كَانَ رَمَضَانُ الَّذِي أَفْطَرَهُ مِثْلَ عَدَدِ شَوَّالٍ الَّذِي صَامَهُ مِنْ الْأَيَّامِ، وَإِنْ كَانَ شَوَّالٌ الَّذِي صَامَهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَرَمَضَانُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمِ الْفِطْرِ لِأَنَّهُ قَدْ صَامَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا عِدَّةُ الْأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَ. (لَا قَبْلَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ (أَوْ بَقِيَ عَلَى شَكِّهِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَبْلَ قَوْلِهِ بِالْعَدَدِ (وَفِي مُصَادَفَتِهِ تَرَدُّدٌ) ابْنُ رُشْدٍ: إذَا صَامَ عَلَى التَّحَرِّي ثُمَّ خَرَجَ وَعَلِمَ أَنَّهُ أَصَابَهُ بِتَحَرِّيهِ فَلَا يُجْزِئُهُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَيُجْزِئُهُ عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَمْ أَجِدْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَخْذُهُ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى بَعِيدٌ، وَمَا ذَكَرَ اللَّخْمِيِّ إلَّا الْإِجْزَاءَ خَاصَّةً وَسَاقَهُ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَعْزُهُ. (وَصِحَّتُهُ مُطْلَقًا بِنِيَّةٍ مُبَيَّتَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ كُلِّ صَوْمٍ نِيَّتُهُ لَيْلًا لَا بِشَرْطِ تُلُوِّهَا الْفَجْرَ وَالْمَشْهُورُ عَاشُورَاءُ كَغَيْرِهِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ لِابْنِ يُونُسَ فِي عَاشُورَاءَ خِلَافُ هَذَا وَمَا ذَكَرَ غَيْرَهُ. (أَوْ مَعَ الْفَجْرِ) قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يُجْزِئُهُ الصِّيَامُ إلَّا بِنِيَّةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ إيقَاعَ النِّيَّةِ مَعَ الْفَجْرِ مِمَّا يُجْزِئُ. ابْنُ عَرَفَةَ: تَبِعَ ابْنُ رُشْدٍ اللَّخْمِيَّ فِي هَذَا وَهُوَ مَرْدُودٌ اُنْظُرْهُ فِيهِ، وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَكَأَكْلِهِ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ "، وَانْظُرْ هَلْ يَكُونُ هَذَا كَقَوْلِهِمْ إذَا اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَعِيدٌ كَقَوْلِهِمْ إذَا بَلَغَ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ، قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: احْتَجْت هَذَا الْفَرْعَ لِمَسْأَلَةِ ابْنِ الْأُسْتَاذِ لَا بُدَّ أَنْ يَلْفِظَ بِالشَّهَادَةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ قَبْلَ الْبُلُوغِ. وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ فِي إحْيَائِهِ. لَوْ أَرَادَ مُرِيدٌ أَنْ يُقَدِّرَ وَقْتًا مُعَيَّنًا عَلَى التَّحْقِيقِ يَشْرَبُ فِيهِ مُتَسَحِّرًا وَيَقُومُ عَقِبَهُ لِيُصَلِّيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 الصُّبْحَ فَلَيْسَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ فِي قُوَّةِ الْبَشَرِ. (وَكَفَتْ نِيَّةٌ لِمَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ) اللَّخْمِيِّ: أَمَّا مَا تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ كَرَمَضَانَ وَشَهْرَيْ الظِّهَارِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَمَنْ نَذَرَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ وَمَنْ نَذَرَ مُتَابَعَةَ مَا لَيْسَ بِعَيْنِهِ فَالنِّيَّةُ فِي أَوَّلِهِ لِجَمِيعِهِ تُجْزِئُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الصِّيَامِ يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَصِيَامِهِ فِي السَّفَرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى فَالْأَظْهَرُ مِنْ الْخِلَافِ إذَا نَوَى مُتَابَعَةَ ذَلِكَ أَنْ تُجْزِئَهُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ يَكُونُ حُكْمُهَا بَاقِيًا وَإِنْ زَالَ عَيْنُهَا مَا لَمْ يَقْطَعْهَا بِنِيَّةِ الْفِطْرِ عَامِدًا، وَأَمَّا مَا لَمْ يَنْوِ مُتَابَعَتَهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ عَلَيْهِ تَجْدِيدَ النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: لَا يُجْزِئُ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ إلَّا بِتَبْيِيتِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، ابْنُ يُونُسَ: لِجَوَازِ الْفِطْرِ لَهُ قَالَهُ ابْنُ الْجَهْمِ وَاَلَّذِي يَقْضِي رَمَضَانَ عَلَيْهِ التَّبْيِيتُ كُلَّ لَيْلَةٍ اُنْظُرْ. ابْنَ يُونُسَ: فَإِنَّهُ رَشَّحَ هَذَا بِنَقْلِ نَحْوِهِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (لَا مَسْرُودٍ وَيَوْمٍ مُعَيَّنٍ وَرُوِيَتْ عَلَى الِاكْتِفَاءِ فِيهِمَا) ابْنُ يُونُسَ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَكِتَابُ ابْنِ حَبِيبٍ مَنْ شَأْنُهُ سَرْدُ الصِّيَامِ أَوْ شَأْنُهُ صَوْمُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ التَّبْيِيتُ لِكُلِّ يَوْمٍ. الْأَبْهَرِيُّ: الْقِيَاسُ أَنَّ عَلَى مَنْ عَوَّدَ نَفْسَهُ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ وَعَلَى مَنْ شَأْنُهُ سَرْدُ الصَّوْمِ التَّبْيِيتُ كُلَّ لَيْلَةٍ لِجَوَازِ فِطْرِهِ. ابْنُ يُونُسَ: لَعَلَّ مَالِكًا أَرَادَ بِقَوْلِهِ فِيمَنْ شَأْنُهُ صَوْمُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ أَوْ سَرْدُ الصِّيَامِ بِنَذْرٍ كَانَ نَذَرَهُ فَإِذَا كَانَ بِنَذْرٍ نَذَرَهُ أَجَزَّأَتْهُ النِّيَّةُ الْأُولَى. ابْنُ رُشْدٍ: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَحْتَاجَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّ شَأْنَهُ صَوْمُهُ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا إلَّا ابْنُ الْمَاجِشُونِ انْتَهَى. اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ فَإِنَّهُ رَدَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 عَلَى ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ الْفِطْرِ. وَسَمِعَ عِيسَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ نَذَرَ صِيَامَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَأَصْبَحَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَهُوَ يَظُنُّهُ يَوْمَ الْأَحَدِ فَيَدْعُو بِالطَّعَامِ فَيُخْبَرُ أَنَّهُ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ أَنَّهُ يُتِمُّ صِيَامَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ: مِثْلُ هَذَا قَالَ أَشْهَبُ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّوَابُ الْآتِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمَرْأَةِ تَحِيضُ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ تَطْهُرُ أَنَّ الصِّيَامَ لَا يُجْزِئُهَا إلَّا أَنَّ تُجَدِّدَ النِّيَّةُ، وَلَا يَجْتَزِئُ بِالنِّيَّةِ الْأُولَى مِنْ أَجْلِ الْفِطْرِ الَّذِي تَخَلَّلَ الصِّيَامَيْنِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إذْ لَوْ أَجْزَأَتْ النِّيَّةُ فِي الْأُولَى فِي الصِّيَامِ الثَّانِي وَلَمْ يُرَاعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفِطْرِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُحْتَاجَ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ إلَى نِيَّةٍ لِتَقَدُّمِ النِّيَّةِ فِي صِيَامِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ انْتَهَى. اُنْظُرْ التَّلْقِينَ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى وَلِأَشْهَبَ وَمَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ يُونُسَ. (لَا إنْ انْقَطَعَ تَتَابُعُهُ بِكَمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ فِي رَمَضَانَ إلَّا بِنِيَّةٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ سَوَاءً نَوَى أَنْ يُتَابِعَ الصِّيَامَ فِي سَفَرِهِ أَمْ لَا. ابْنُ يُونُسَ: لِجَوَازِ الْفِطْرِ لَهُ اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا لِلَّخْمِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 وَكَفَتْ نِيَّةٌ لِمَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ ". وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَتَبَيَّنُ لِي أَنَّ مَنْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ قَدِمَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ التَّبْيِيتَ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ ثُمَّ تَطْهُرُ، وَالرَّجُلُ يَمْرَضُ ثُمَّ يُفِيقُ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُعْتَكِفَةِ: إذَا خَرَجَتْ لِلْحَيْضَةِ ثُمَّ طَهُرَتْ نَهَارًا فَلَا تَعْتَدُّ بِيَوْمٍ تَطْهُرُ فِيهِ وَلَكِنْ تَرْجِعُ إلَى الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ تَطْهُرَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَتَنْوِيَ الصِّيَامَ وَتَدْخُلَ حِينَ تُصْبِحَ فَيَجْزِيهَا. فَقَوْلُهُ: " وَتَنْوِي الصِّيَامَ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَرِضَ ثُمَّ أَفَاقَ أَنْ يَسْتَأْنِفَ التَّبْيِيتَ. [شُرُوطُ وُجُوبِ الصِّيَامِ وَصِحَّةِ فِعْلِهِ] (وَبِنَقَاءٍ) ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الصِّيَامِ وَصِحَّةِ فِعْلِهِ الطَّهَارَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لِأَنَّ الصِّيَامَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا لَكِنْ الْقَضَاءُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا. (وَوَجَبَ إنْ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ وَطَهُرَتْ فِي رَمَضَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ آخِرَهُ فَلْتُفْطِرْ بَقِيَّةَ يَوْمِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ رَأَتْ الطُّهْرَ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَأَمَّا إنْ رَأَتْهُ قَبْلَ الْفَجْرِ اغْتَسَلَتْ بَعْدَ الْفَجْرِ وَأَجْزَأَهَا صَوْمُهَا (وَإِنْ لَحْظَةً) ابْنُ يُونُسَ: الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فَرَاغُهَا مِنْ الْغُسْلِ فِي الصَّوْمِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الصَّوْمَ يَصِحُّ بِغَيْرِ غُسْلٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ الْفَرَاغِ مِنْهُ بَلْ بِارْتِفَاعِ الْحَيْضِ يَصِيرُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْجُنُبِ (وَمَعَ الْقَضَاءِ إنْ شَكَّتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ اسْتَيْقَظَتْ بَعْدَ الْفَجْرِ فَشَكَّتْ أَطَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ، فَلْتَصُمْ يَوْمَهَا ذَلِكَ وَتَقْضِيهِ إذْ لَا يَزُولُ فَرْضٌ بِغَيْرِ يَقِينٍ، فَأَمَرْتهَا بِالْقَضَاءِ خَوْفَ أَنْ يَكُونَ طُهْرُهَا بَعْدَ الْفَجْرِ، وَأَمَرْتهَا بِالصَّوْمِ خَوْفَ أَنْ يَكُونَ طُهْرُهَا قَبْلَ الْفَجْرِ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِمَنْ طَهُرَتْ أَنْ تُجَدِّدَ النِّيَّةَ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ فِي ثَوْبِهَا دَمَ حَيْضٍ فِي رَمَضَانَ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 تَدْرِي مَتَى أَصَابَهَا وَصَلَّتْ أَيَّامًا كَذَلِكَ فَلْتَتَطَهَّرْ وَتَقْضِي يَوْمًا وَاحِدًا مِنْ الصَّوْمِ وَتُعِيدُ الصَّلَاةَ مِنْ أَحْدَثِ لِبْسَةٍ لَبِسَتْهُ. هَذَا إنْ كَانَتْ تَنْزِعُهُ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْزِعُهُ فَتُعِيدُ الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِ مَا لَبِسَتْهُ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبِشَكٍّ فِي حَدَثٍ ". (وَبِعَقْلٍ) ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ شُرُوطِ الصِّيَامِ وَصِحَّةِ فِعْلِهِ الْعَقْلُ (وَإِنْ جُنَّ وَلَوْ سِنِينَ كَثِيرَةً أَوْ أُغْمِيَ يَوْمًا أَوْ جُلَّهُ أَوْ أَقَلَّهُ وَلَمْ يَسْلَمْ أَوَّلَهُ فَالْقَضَاءُ) أَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ جُنَّ سِنِينَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَلَغَ وَهُوَ مَجْنُونٌ مُطْبَقٌ فَمَكَثَ سِنِينَ ثُمَّ أَفَاقَ فَلْيَقْضِ صَوْمَ تِلْكَ السِّنِينَ وَلَا يَقْضِي الصَّلَاةَ كَالْحَائِضِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ يَوْمًا فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: الْقَوْلُ، فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالْقَوْلِ فِي الْمَجْنُونِ وَهُوَ بِخِلَافِ النَّائِمِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لَيْلًا فِي رَمَضَانَ وَقَدْ نَوَى صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَمْ يُفِقْ إلَّا عِنْدَ الْمَسَاءِ وَبَعْدَمَا أَضْحَى لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيَقْضِيهِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جُلَّ الْيَوْمِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَأَفَاقَ عِنْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ النَّهَارِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَقَلَّ الْيَوْمِ وَلَمْ يَسْلَمْ أَوَّلَهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ نَوَى صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَمْ يُفِقْ إلَّا بَعْدَمَا أَضْحَى لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَمْ يُفِقْ إلَّا بَعْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُهُ بِخِلَافِ النَّائِمِ لَوْ نَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَانْتَبَهَ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَجْزَأَهُ صَوْمُهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْإِغْمَاءُ لِمَرَضٍ بِهِ لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلَمْ تَصْلُحْ لَهُ نِيَّةٌ وَالنَّائِمُ مُكَلَّفٌ لَوْ نُبِّهَ انْتَبَهَ (لَا إنْ سَلِمَ وَلَوْ نِصْفَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ وَنِيَّتُهُ الصَّوْمُ فَأَفَاقَ نِصْفَ النَّهَارِ وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ وَقَدْ مَضَى أَكْثَرُ النَّهَارِ أَجْزَأَهُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ. (وَبِتَرْكِ جِمَاعٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 وَإِخْرَاجِ مَنِيٍّ وَمَذْيٍ وَقَيْءٍ) أَمَّا مَسْأَلَةُ الْجِمَاعِ وَإِخْرَاجِ الْمَنِيِّ فَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْجِمَاعَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ اسْتِدْعَاءِ الْمَنِيِّ مُحَرَّمٌ فِي الصَّوْمِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: يَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْجِمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ أَوْ عَنْ الْإِنْزَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جِمَاعٌ كَاَلَّذِي يَسْتَمْتِعُ خَارِجَ الْفَرْجِ وَلَا يَفْسُدُ بِالْإِنْزَالِ عَنْ الِاحْتِلَامِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَذْيِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَذْيُ عَنْ تَذَكُّرٍ أَوْ نَظَرٍ دُونَ قَصْدِ اللَّذَّةِ إنْ تُوبِعَ نَاقِضٌ، وَأَمَّا إنْ نَظَرَ عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ أَوْ تَذَكَّرَ فَأَمْذَى دُونَ أَنْ يُتَابِعَ النَّظَرَ أَوْ التَّذَكُّرَ فَقِيلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَسَمِعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي النَّظَرِ وَالتَّذَكُّرِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُتَابِعَ ذَلِكَ وَهَذَا الْقَوْلُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي التَّذَكُّرِ وَالنَّظَرُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْمَذْيَ لَا يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ قَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ: إنَّ الْقَضَاءَ عَلَى مَنْ قَبَّلَ أَوْ أَمْذَى فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمُقَدِّمَاتِ جِمَاعٍ ". وَأَمَّا مَسْأَلَةُ إخْرَاجِ الْقَيْءِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فِي رَمَضَانَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَقَيَّأَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. ابْنُ رُشْدٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْفَرِيضَةُ وَالنَّافِلَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. ابْنُ يُونُسَ: عَلَّلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هَذَا بِأَنَّ الَّذِي ذَرَعَهُ الْقَيْءُ يَأْمَنُ أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ مِنْهُ إلَى حَلْقِهِ لِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ انْدِفَاعًا وَلِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ فَأَشْبَهَ الِاحْتِلَامَ بِخِلَافِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 الَّذِي اسْتَدْعَى الْقَيْءَ. ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ اسْتَقَاءَ عَابِثًا لِغَيْرِ مَرَضٍ وَلَا عُذْرٍ فَرَجَعَ شَيْءٌ إلَى حَلْقِهِ فَلْيُكَفِّرْ وَإِلَّا فَلْيَقْضِ. الْبَاجِيُّ: الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَمَنْ أَمْسَكَ مَاءً فِي فِيهِ فَغَلَبَهُ وَدَخَلَ حَلْقَهُ يَقْضِي وَلَا يُكَفِّرُ. [مُبْطِلَاتُ الصِّيَامِ] (وَإِيصَالِ مُتَحَلِّلٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُبْطِلُ الصَّوْمَ وُصُولُ غِذَاءٍ لِحَلْقٍ أَوْ مَعِدَةٍ مَنْفَذٌ وَاسِعٌ (أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي الصَّائِمِ يَبْتَلِعُ الدِّرْهَمَ وَالْحَصَى فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَهُ حُكْمُ الطَّعَامِ عَلَيْهِ فِي السَّهْوِ الْقَضَاءُ، وَفِي الْعَمْدِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا فَيَقْضِي لِتَهَاوُنِهِ بِصَوْمِهِ. فَجَعْلُ الْقَضَاءِ مَعَ الْعَمْدِ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِأَنَّ الْحَصَى يَشْغَلُ الْمَعِدَةَ إشْغَالًا مَا. وَسَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ: بَلْعُ الدِّرْهَمِ وَالْحَصَى وَاللَّوْزَةِ بِقِشْرِهَا لَغْوٌ فِي النَّفْلِ وَلَوْ عَمْدًا وَالْفَرْضُ إنْ كَانَ سَهْوًا وَإِلَّا قَضَى، وَالْعَابِثُ بِنَوَاةٍ أَوْ طِينٍ تَنْزِلُ فِي حَلْقِهِ لَغْوٌ فِي النَّفْلِ مُطْلَقًا وَفِي الْفَرْضِ كَأَكْلٍ لِتَغْذِيَتِهِمَا وَإِنْ نَسِيَ قَضَى فَقَطْ. (لِمَعِدَتِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا دَاوَى جَائِفَةً بِدَوَاءٍ مَائِعٍ أَوْ غَيْرِ مَائِعٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِلُ إلَى مَدْخَلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَوْ وَصَلَ إلَيْهِ لَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ. (بِحُقْنَةٍ بِمَائِعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ الْحُقْنَةَ لِلصَّائِمِ فَإِنْ احْتَقَنَ فِي فَرْضٍ أَوْ وَاجِبٍ بِشَيْءٍ يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ فَلْيَقْضِ وَلَا يُكَفِّرُ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْفَتَائِلِ تُجْعَلُ لِلْحُقْنَةِ قَالَ: أَرَى ذَلِكَ خَفِيًّا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَطَّرَ الصَّائِمُ فِي إحْلِيلِهِ دُهْنًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 أَخَفُّ مِنْ الْحُقْنَةِ. (أَوْ حَلْقٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِيصَالِ مُتَحَلِّلٍ ". (وَإِنْ مِنْ أَنْفٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَرِهَ مَالِكٌ السَّعُوطَ لِلصَّائِمِ أَشْهَبُ. لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» أَشْهَبُ: وَرَأَى عَلَيْهِ الْقَضَاءَ إذْ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ أَنْ يَصِلَ إلَى حَلْقِهِ. (وَأُذُنٍ وَعَيْنٍ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي وُقُوعِ الْفِطْرِ بِمَا يَصِلُ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْحَلْقِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالِاكْتِحَالُ جَائِزٌ لِمَنْ يُعْلَمُ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى حَلْقِهِ، فَإِنْ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَصِلُ مُنِعَ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَوْقَعَ بِهِ الْفِطْرَ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ الْجَوَازُ وَقَالَ: مَا كَانَ النَّاسُ يُشَدِّدُونَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ هَكَذَا. وَعَلَى هَذَا يَجْرِي الْجَوَابُ فِيمَا يُقَطَّرُ فِي الْأُذُنِ فَيَجُوزُ إذَا كَانَ لَا يَصِلُ، وَيُخْتَلَفُ إذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 كَانَ يَصِلُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَكْتَحِلُ مَنْ كَانَ يَصِلُ إلَى حَلْقِهِ. (وَبَخُورٍ) ابْنُ لُبَابَةَ: يُكْرَهُ اسْتِنْشَاقُ الْبَخُورِ وَلَا يُفْطِرُ. عَبْدُ الْحَقِّ مِنْ السُّلَيْمَانِيَّةِ: مَنْ بَخَّرَ بِدَوَاءٍ فَوَجَدَ طَعْمَ الدُّخَانِ فِي حَلْقِهِ قَضَى، وَكَذَا إنْ وَجَدَ طَعْمَ دُهْنِ رَأْسِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي. وَفِي التَّلْقِينِ: يَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَمَّا يَصِلُ إلَى الْحَلْقِ مِمَّا يَنْمَاعُ أَوْ لَا يَنْمَاعُ ثُمَّ قَالَ: وَمِثْلُهَا الْكُحْلُ وَالدُّهْنُ وَالشُّمُومُ الْوَاصِلَةُ إلَى الْحَلْقِ وَإِنْ مِنْ الْأَنْفِ. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: لَوْ حَكَّ الْحَنْظَلَ تَحْتَ رِجْلِهِ فَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي فَمِهِ أَوْ قَبَضَ عَلَى الثَّلْجِ فَوَجَدَ بَرْدَهُ فِي جَوْفِهِ لَمْ يُفْطِرْ. (وَقَيْءٍ وَبَلْغَمٍ إنْ أَمْكَنَ طَرْحُهُ مُطْلَقًا) تَضَمَّنَ كَلَامُهُ صِحَّتَهُ بِنِيَّةٍ مُبَيَّتَةٍ وَبِتَرْكِ جِمَاعٍ وَإِخْرَاجِ مَنِيٍّ وَإِيصَالِ قَيْءٍ وَبَلْغَمٍ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْقَيْءُ الْغَالِبُ إذَا عَرَفَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى حَلْقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى فِيهِ فَلْيَقْضِ فِي الْوَاجِبِ وَلَا يَقْضِي فِي التَّطَوُّعِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ رَجَعَ إلَى حَلْقِهِ قَبْلَ فُصُولِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ فُصُولِهِ مَغْلُوبًا أَوْ غَيْرَ مَغْلُوبٍ وَهُوَ نَاسٍ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ. وَأَمَّا الْبَلْغَمُ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: لَا شَيْءَ فِي الْبَلْغَمِ إذَا نَزَلَ إلَى الْحَلْقِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى طَرْحِهِ. الْقَبَّابُ: بَعْضُ مَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى هَذَا كَانَ يَتَكَلَّفُ فِي صَوْمِهِ إخْرَاجَ الْبَلْغَمِ مَهْمَا قَدَرَ عَلَيْهِ فَلَحِقَتْهُ بِذَلِكَ مَشَقَّةٌ لِتَكَرُّرِهِ عَلَيْهِ. وَفِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ بَيَانُ أَنَّهُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى اللَّهَوَاتِ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى طَرْحِهِ. اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا وَصَلَ إلَى اللَّهَوَاتِ ثُمَّ عَادَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ تَنَخَّمَ ثُمَّ ابْتَلَعَ نُخَامَتَهُ مِنْ بَيْنِ لَهَوَاتِهِ أَوْ مِنْ بَعْدِ فُصُولِهَا إلَى طَرَفِ لِسَانِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَدْ أَسَاءَ، لِأَنَّ النُّخَامَةَ لَيْسَتْ بِطَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ وَمَخْرَجُهَا مِنْ الرَّأْسِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ أَخْذَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا هُوَ مُجْتَمِعٌ فِي فِيهِ مُعْتَادٌ كَالرِّيقِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ ابْتِلَاعُهُ لِإِمْكَانِ الِانْفِكَاكِ عَنْهُ بِخِلَافِ الرِّيقِ. ابْنُ رُشْدٍ: رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ النُّخَامَةِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ابْتِلَاعِهِ إيَّاهَا عَامِدًا. الْقَبَّابُ: وَمَضَى عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ مَعَ ابْنِ حَبِيبٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 وَهُوَ الرَّاجِحُ انْتَهَى. اُنْظُرْ مَا عَزَاهُ الشُّيُوخُ لِابْنِ حَبِيبٍ قَدْ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ وَجَّهَهُ الشُّيُوخُ وَرَجَّحُوهُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ سَحْنُونَ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَسَكَتَ فِي الْكَفَّارَةِ فَانْظُرْ أَنْتَ قَوْلَ خَلِيلٍ: " إنْ أَمْكَنَ طَرْحُهُ مُطْلَقًا، وَانْظُرْ أَيْضًا " لَوْ قَلَسَ مَاءً أَوْ طَعَامًا ثُمَّ رَدَّهُ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى طَرَفِ لِسَانِهِ أَوْ إلَى مَوْضِعٍ يُمْكِنُ طَرْحُهُ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ بِخِلَافِ الْبَلْغَمِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فِي عَمْدِهِ لِأَنَّهُ طَعَامٌ وَشَرَابٌ وَمَخْرَجُهُ مِنْ الصَّدْرِ وَيَقْضِي فِي سَهْوِهِ. قَالَ: وَهُوَ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ إنْ فَعَلَهُ فِيهَا عَمْدًا كَمَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَإِنْ رَدَّهُ مِنْ بَيْنِ لَهَوَاتِهِ وَمِنْ مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُهُ طَرْحُهُ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْبَاجِيُّ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْقَلْسَ طَعَامٌ بِخِلَافِ النُّخَامَةِ. قَالَ: وَفِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَبْتَلِعُ الْقَلْسَ نَاسِيًا: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي عَمْدِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا أَنَّهُ خَارِجٌ يَسِيرُ إلَى الْفَمِ فَأَشْبَهَ النُّخَامَةَ. (أَوْ غَالِبٍ مِنْ مَضْمَضَةٍ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ الصَّائِمُ ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ مِنْ حَرٍّ يَجِدُهُ وَذَلِكَ يُعِينُهُ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ. قَالَ: فَإِنْ تَمَضْمَضَ لِذَلِكَ أَوْ لِوُضُوءِ الصَّلَاةِ فَسَبَقَهُ الْمَاءُ إلَى حَلْقِهِ فَلْيَقْضِ فِي الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي تَطَوُّعٍ لَا يَقْضِي. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَجُوزُ بَلْعُ رِيقِهِ إذَا تَمَضْمَضَ. الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ بَعْدَ زَوَالِ طَعْمِ الْمَاءِ مِنْهُ. (أَوْ سِوَاكٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يُكْرَهُ السِّوَاكُ بِالرَّطْبِ يَتَحَلَّلُ فَإِنْ تَحَلَّلَ وَصَلَ إلَى حَلْقِهِ فَكَالْمَضْمَضَةِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ بِاسْتِيَاكٍ بِجَوْزَاءَ ". (وَقَضَى فِي الْفَرْضِ مُطْلَقًا) ابْنُ عَرَفَةَ: يَجِبُ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَوَاجِبِ الصَّوْمِ الْمَضْمُونِ بِفِطْرِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَلَوْ مُكْرَهًا وَالْمُعَيَّنِ بِفِطْرِهِ عَمْدًا اخْتِيَارًا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ. ابْنُ عَرَفَةَ: كَفُّ الْمُفْطِرِ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَاجِبٌ. (وَإِنْ بِصَبٍّ فِي حَلْقِهِ نَائِمًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أُكْرِهَ أَوْ كَانَ نَائِمًا فَصُبَّ فِي حَلْقِهِ مَاءٌ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ، وَإِنْ كَانَ صِيَامُهُ مُتَطَوِّعًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ. (كَمُجَامَعَةِ نَائِمَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ جُومِعَتْ نَائِمَةٌ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ فَقَطْ لِأَنَّهُ كَالْإِكْرَاهِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَتَكُفُّ عَنْ الْأَكْلِ بَقِيَّةَ يَوْمِهَا وَالْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهَا. (وَكَأَكْلِهِ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ لِمَنْ شَكَّ فِي الْفَجْرِ أَنْ يَأْكُلَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَإِنْ فَعَلَ فَبَانَ كَوْنُ أَكْلِهِ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَقْضِي. عِيَاضٌ: حَمَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلَ مَالِكٍ يَقْضِي عَلَى الِاسْتِحْسَانِ وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: بَلْ الْقَضَاءُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي ذِمَّتِهِ يَبْقَى فَلَا يَزُولُ عَنْ ذِمَّتِهِ إلَّا بِيَقِينٍ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُهُ: " حَتَّى يَتَبَيَّنَ " يُرِيدُ حَتَّى تُقَارِبُوا بَيَانَ الْخَيْطِ كَمَا قَالَ: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] يُرِيدُ قَارَبْنَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْطِرَ حَتَّى يَدْخُلَ جُزْءٌ مِنْ اللَّيْلِ فَكَذَلِكَ لَا يَأْكُلُ إلَى دُخُولِ جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ وَرُشِّحَ هَذَا بِأَبْلَغَ اُنْظُرْ أَوَّلَ تَرْجَمَةٍ مِنْهُ. (أَوْ طَرَأَ الشَّكُّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ شَكَّ أَنْ يَكُونَ أَكَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. ابْنُ يُونُسَ: إذْ لَا يَرْتَفِعُ فَرْضٌ بِغَيْرِ يَقِينٍ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَمَا أَنَّ السُّنَّةَ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ كَذَلِكَ السُّنَّةُ تَقْدِيمُ الْإِمْسَاكِ إذَا قَرُبَ الْفَجْرُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الصِّيَامِ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» وَكَانَ رَجُلًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْت أَصْبَحْت فَأَوَّلَهُ عُلَمَاؤُنَا قَارَبْت الصَّبَاحَ. اللَّخْمِيِّ: وَمَنْ تَسَحَّرَ فِي تَطَوُّعٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ كَانَ طَلَعَ فَإِنْ كَانَ بَيَّتَ الصِّيَامَ أَمْسَكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ أَنْ يَقُومَ فَيَتَسَحَّرَ ثُمَّ يَعْقِدَ الصِّيَامَ بَعْدَ سُحُورِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَمَنْ لَمْ يَنْظُرْ دَلِيلَهُ اقْتَدَى بِالْمُسْتَدِلِّ وَإِلَّا احْتَاطَ. ابْنُ بَشِيرٍ: مُرِيدُ الصَّوْمِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى الْفَجْرِ فَلَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْمُسْتَدِلِّ وَفِيهِ وَرَدَ الْحَدِيثُ أَنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ الْحَدِيثَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ فَلَهُ التَّحَرِّي وَالْأَخْذُ بِالْأَحْوَطِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجُوزُ تَصْدِيقُ الْمُؤَذِّنِ الْعَارِفِ الْعَدْلِ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ. قَالَ: وَإِنْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَهُوَ يَأْكُلُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِالْفَجْرِ فَلْيَكُفَّ وَيَسْأَلْ الْمُؤَذِّنَ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلْيَعْمَلْ عَلَى قَوْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَدْلًا وَلَا عَارِفًا فَلْيَقْضِ، وَإِنْ كَانَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ فَلْيَقْضِ وَمُبَاحٌ لَهُ فِطْرُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَالتَّمَادِي. (إلَّا الْمُعَيَّنَ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِسْيَانٍ) أَمَّا أَنَّهُ لَا يَقْضِي الْمُعَيَّنَ لِمَرَضٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَمَرِضَهُ كُلَّهُ لَمْ يَقْضِهِ وَإِنْ أَفْطَرَهُ مُتَعَمِّدًا يُرِيدُ أَوْ نَاسِيًا قَضَى عَدَدَ أَيَّامِهِ انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. وَأَمَّا أَنَّهَا لَا تَقْضِي الْمُعَيَّنَ لِحَيْضٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ نَذَرَتْ امْرَأَةٌ صَوْمَ سَنَةٍ ثَمَانِينَ فَلَا تَقْضِي أَيَّامَ حَيْضَتِهَا لِأَنَّ الْحَيْضَةَ كَالْمَرَضِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ نَذَرَتْ صَوْمَ الْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ مَا بَقِيَتْ فَحَاضَتْ فِيهِنَّ أَوْ مَرِضَتْ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا. قَالَ: وَأَمَّا السَّفَرُ فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَأَنِّي رَأَيْته يَسْتَحِبُّ لَهُ الْقَضَاءَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ نَذَرَتْ صِيَامَ أَيَّامِ حَيْضَتِهَا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا فِيهَا وَأَمَّا لَا يَقْضِي الْمُعَيَّنَ لِنِسْيَانٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ يُرِيدُ أَوْ نَاسِيًا، وَمِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يَصُومَ غَدًا فَأَصْبَحَ صَائِمًا وَأَكَلَ نَاسِيًا لَا حِنْثَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: بِخِلَافِ مَا إذَا أَصْبَحَ مُفْطِرًا نَاسِيًا لِيَمِينِهِ. وَمِنْ رَسْمِ جَاعَ: مَنْ نَذَرَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَأَصْبَحَ يَأْكُلُ يَظُنُّهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ يَكُفُّ عَنْ الطَّعَامِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ حُكْمُهُ حُكْمُ رَمَضَانَ إلَّا فِي الْكَفَّارَةِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ نِسْيَانًا فِي صَوْمِ نَذْرِ مُعَيَّنٍ أَنَّهُ يَقْضِي انْتَهَى. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 لَا يَقْضِي الْمُعَيَّنَ إنْ أَفْطَرَهُ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ وَيَقْضِيهِ إنْ أَفْطَرَهُ نِسْيَانًا أَوْ سَفَرًا أَوْ عَمْدًا وَهَذَا رَابِعُ الْأَقْوَالِ. (وَفِي النَّفْلِ بِالْعَمْدِ الْحَرَامِ وَلَوْ بِطَلَاقٍ بَتَّ إلَّا لِوَجْهٍ كَوَالِدٍ وَشَيْخٍ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفَا) . ابْنُ رُشْدٍ: فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْفِطْرِ إنْ أَصْبَحَ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُجِيزُهُ وَيَقُولُ: هَذَا الَّذِي هُوَ يَلْعَبُ بِصَوْمِهِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ فَقَالَ: إنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَإِنْ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ: إنْ حَلَفَ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعِتْقِ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُحَنِّثْهُ وَلَا يُفْطِرُ إلَّا أَنْ يَرَى لِذَلِكَ وَجْهًا، وَإِنْ حَلَفَ هُوَ فَلْيُكَفِّرْ وَلَا يُفْطِرُ، وَإِنْ عَزَمَ عَلَيْهِ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي الْفِطْرِ فَلْيُطِعْهُمَا وَإِنْ لَمْ يَحْلِفَا عَلَيْهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ رِقَّةً مِنْهُمَا عَلَيْهِ لِإِدَامَةِ صَوْمَهُ قَالَ ابْنُ غَالِبٍ: حُرْمَةُ شَيْخِهِ كَحُرْمَةِ وَالِدِيهِ. وَقَالَ الشَّاطِبِيُّ فِي مُوَافَقَاتِهِ: تَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْكُبَرَاءِ مَطْلُوبٌ وَإِنَّهُ مُبْعَدٌ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالتِّلْمِيذِ حَتَّى قَالُوا: مَنْ قَالَ لِشَيْخِهِ لِمَ فَإِنَّهُ لَا يُفْلِحُ. ثُمَّ ذَكَرَ حِكَايَةَ أَبِي يَزِيدَ فِي الشَّابِّ الَّذِي قَالُوا لَهُ كُلْ مَعَنَا فَقَالَ: إنِّي صَائِمٌ. فَقَالَ أَبُو يَزِيدَ: دَعُوا مَنْ سَقَطَ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 فِي وَطْءِ الْحَائِضِ وَالصَّائِمِ فِي رَمَضَانَ وَكُلُّ وَطْءٍ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُ أَصْحَابِ مَالِكٍ كُلِّهِمْ. ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ وَلَا يُحْصِنُ وَرَوَوْهُ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ وَطِئَهَا فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ قَضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرٍ لِأَيَّامٍ بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا فَوَطْؤُهُ يَحِلُّ وَيُحْصِنُ إجْمَاعًا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ نَذْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ سَاهِيًا جَازَ لَهُ فِطْرُ بَاقِيهِ إنْ شَاءَ وَيَقْضِيهِ. (وَكَفَّرَ إنْ تَعَمَّدَ بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ وَجَهْلٍ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ جِمَاعًا) . ابْنُ عَرَفَةَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ انْتِهَاكًا لَهُ. الْكَافِي: وَكُلُّ وَاجِبٍ غَيْرُ رَمَضَانَ لَا كَفَّارَةَ عَلَى الْمُفْطِرِ فِيهِ عَامِدًا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي رَمَضَانَ جُلِدَ لِلْخَمْرِ ثَمَانِينَ ثُمَّ يُضْرَبُ لِلْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ يُفَرِّقَهُ. ابْنُ بَشِيرٍ: فَإِنْ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلًا فَإِنْ قَرُبَ تَأْوِيلُهُ وَاسْتَنَدَ إلَى أَمْرٍ مَوْجُودٍ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَهَذَا كَمَا مَثَّلَهُ فِي الْكِتَابِ فِيمَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فَظَنَّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ فَأَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا، وَالْمَرْأَةُ تَرَى الطُّهْرَ لَيْلًا فِي رَمَضَانَ فَلَا تَغْتَسِلُ فَتَظُنُّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ لَيْلًا فَلَا صَوْمَ لَهُ فَتَأْكُلُ، وَالرَّجُلُ يَدْخُلُ مِنْ سَفَرِهِ لَيْلًا فَيَظُنُّ أَنَّهُ لَا صَوْمَ لَهُ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ نَهَارًا فَيُفْطِرُ، وَالْعَبْدُ يَخْرُجُ رَاعِيًا عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَظَنَّ أَنَّهُ سَفَرٌ يُبِيحُ الْفِطْرَ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى جَمِيعِ هَؤُلَاءِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ مَا رَأَيْت مَالِكًا يُسْأَلُ عَنْهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى التَّأْوِيلِ فَلَمْ أَرَهُ يَجْعَلُ فِيهِ كَفَّارَةً. قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَمَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَ الْجَاهِلِ كَذِي تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ. فَلَوْ جَامَعَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ لِظَنِّهِ قَصْرَ الصَّوْمِ عَلَى مَنْعِ الْغِذَاءِ لِعُذْرٍ. قَالَ: وَعِلَّةُ الْمَذْهَبِ الِانْتِهَاكُ فَمَنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا صَدَقَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَمَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ صَدَقَ فِيمَا يُشْبِهُ وَلَزِمَتْهُ فِيمَا لَا يُشْبِهُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: «وَأَوْجَبَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مُنْتَهِكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ بِالْوَطْءِ الْكَفَّارَةَ» . قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ طَاوَعَتْهُ امْرَأَتُهُ فِي الْوَطْءِ أَوَّلَ النَّهَارِ ثُمَّ حَاضَتْ فِي آخِرِهِ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمَ ثَلَاثِينَ جُرْأَةً ثُمَّ جَاءَ الثَّبْتُ أَنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَمَضَانَ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ لَا لِهَتْكٍ لِحُرْمَةِ الشَّهْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ فَلَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ ثُمَّ عَادَ ثَانِيَةً فِي الْيَوْمِ نَفْسِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ أُخْرَى. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَغِيبُ الْحَشَفَةِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَيُفْسِدُ الْحَجَّ وَالصَّوْمَ. ابْنُ يُونُسَ: أَنْهَى بَعْضُهُمْ هَذَا إلَى سِتِّينَ وَجْهًا، وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ انْتِهَاكًا لَهُ بِمُوجِبِ الْغُسْلِ وَطْئًا وَإِنْزَالًا. (أَوْ رَفْعَ نِيَّةٍ نَهَارًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَصْبَحَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَنِيَّتُهُ الْإِفْطَارُ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ فَلْيَقْضِ وَلْيُكَفِّرْ وَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ يُرِيدُ لِأَنَّهُ بَيَّتَ الْفِطْرَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ نَوَى الْفِطْرَ بَعْدَمَا أَصْبَحَ نَهَارَهُ كُلَّهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ شَيْئًا فَلَا أَدْرِي قَالَ: الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ أَوْ الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُكَفِّرَ. وَمِنْ النُّكَتِ: مَنْ رَفَضَ صَلَاتَهُ أَوْ رَفَضَ صَوْمَهُ كَانَ رَافِضًا بِخِلَافِ مَنْ رَفَضَ إحْرَامَهُ أَوْ رَفَضَ وُضُوءَهُ بَعْدَ كَمَالِهِ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 فِي خِلَالِهِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ هَذَا فِيمَنْ حَالَتْ نِيَّتُهُ إلَى نَافِلَةٍ وَهُوَ فِي فَرِيضَةٍ. وَهَذَا عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ سَهْوًا، فَأَمَّا الْعَابِثُ الْعَامِدُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ أَنْ يُفْسِدَ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ أَشْهَبَ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ نَوَى الْفِطْرَ لَعَلَّهُ يُرِيدُ إذَا كَانَ تَقَدَّمَتْ لَهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ ثُمَّ نَوَى الْفِطْرَ فَهَذَا لَا تَرْتَفِضُ النِّيَّةُ الْأُولَى عَنْهُ إلَّا بِالْفِعْلِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي وُقُوعِ الْفِطْرِ بِالنِّيَّةِ إذَا كَانَتْ النِّيَّةُ بَعْدَ انْعِقَادِ الصَّوْمِ وَصِحَّتِهِ، فَجَعَلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُفْطِرًا وَهُوَ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ لَا يَكُونُ قُرْبَةً لِلَّهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ، فَإِذَا أَحْدَثَ هَذَا نِيَّةً أَنَّهُ لَا يُمْسِكُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ لِلَّهِ لَمْ يَكُنْ مُطِيعًا وَلَا مُتَقَرِّبًا وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى مِنْ الْفَرِيضَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَوَى أَنْ يُتِمَّهَا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَرِّبٍ لِلَّهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ عَمَلِ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَهُوَ ذَاكِرٌ غَيْرُ نَاسٍ لِمَا دَخَلَ فِيهِ، أَوْ غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ ثُمَّ أَتَمَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ نَوَى أَنْ يُفْطِرَ بِالْفِعْلِ بِالْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ وَأَتَمَّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ صَوْمُهُ، وَلَيْسَ كَالْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ نَوَى أَنْ يَكُونَ فِي إمْسَاكِهِ غَيْرَ مُتَقَرِّبٍ لِلَّهِ، وَهَذَا نَوَى أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا يُفْطِرُ بِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَبَقِيَ عَلَى نِيَّةٍ الْقُرْبَةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُصِيبَ أَهْلَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ. (أَوْ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا بِفَمٍ فَقَطْ) . ابْنُ عَرَفَةَ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ انْتِهَاكًا لَهُ بِمَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ أَوْ الْمَعِدَةِ مِنْ الْفَمِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ فِي الْوَاصِلِ إلَى الْمَعِدَةِ أَوْ الْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ الْفَمِ خِلَافًا لِأَبِي مُصْعَبٍ ظَنَّ أَنَّ الشَّرِيعَةَ عَلَّقَتْ الْكَفَّارَةَ بِوُصُولِ شَيْءٍ إلَى الْمَعِدَةِ مَعَ الْقَصْدِ وَالْعَمْدِ. (وَإِنْ بِاسْتِيَاكٍ بِجَوْزَاءَ) ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ جَهِلَ أَنْ يَمُجَّ مَا تَجَمَّعَ فِي فِيهِ مِنْ السِّوَاكِ الرَّطْبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. الْبَاجِيُّ: فِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ الرِّيقَ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَفِي عَمْدِهِ الْكَفَّارَةُ، وَفِي التَّأْوِيلِ وَالنِّسْيَانِ الْقَضَاءُ فَقَطْ انْتَهَى. اُنْظُرْ أَغْرَبَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ مَا فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ أَنَّ مَنْ اسْتَاكَ بِالسِّوَاكِ الْمُتَّخَذِ مِنْ أُصُولِ الْجَوْزِ لَيْلًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: مَنْ اكْتَحَلَ لَيْلًا لَا يَضُرُّهُ هُبُوطُ الْكُحْلِ فِي مَعِدَتِهِ نَهَارًا. (أَوْ مَنِيًّا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِمُوجِبِ الْغُسْلِ وَطْئًا وَإِنْزَالًا. وَتَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: الْإِنْزَالُ بِاحْتِلَامٍ أَوْ مُلَاعَبَةٍ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلصِّيَامِ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ. (وَإِنْ بِإِدَامَةِ فِكْرٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: مَنْ فَكَّرَ فَالْتَذَّ بِقَلْبِهِ فَلَا حُكْمَ لِلَّذَّةِ، فَإِنْ أَنْعَظَ فَكَذَلِكَ، فَإِنْ أَمَذَى نَظَرْت هَلْ اسْتَدَامَ أَوْ لَمْ يَسْتَدِمْ، فَإِنْ اسْتَدَامَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَمَذَى قَصْدًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَدِمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 وَإِنْ أَمْنَى فَإِنْ اسْتَدَامَ قَضَى وَكَفَّرَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَدِمْ قَضَى بِلَا كَفَّارَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ غَلَبَةً فَيَسْقُطُ الْقَضَاءُ (إلَّا أَنْ يُخَالِفَ عَادَتَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) اُنْظُرْ نَصَّ اللَّخْمِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمُقَدِّمَةِ جِمَاعٍ ". (وَإِنْ أَمْنَى بِتَعَمُّدِ نَظَرِهِ فَتَأْوِيلَانِ) . ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ نَظَرَ فَأَمْنَى مِنْ غَيْرِ أَنْ اسْتَدَامَ النَّظَرَ فَأَلْزَمَهُ الْقَابِسِيُّ الْكَفَّارَةَ وَتَأَوَّلَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا قَصَدَ إلَى النَّظَرِ وَرَأَى أَنَّ قَوْلَهُ بِالسُّقُوطِ إنَّمَا هُوَ مَعَ عَدَمِ الْقَصْدِ. ابْنُ يُونُسَ: يَظْهَرُ لِي أَنَّ قَوْلَ الْقَابِسِيِّ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ وِفَاقٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ. (بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلٍّ مُدٌّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ يُعَرِّفْ مَالِكٌ فِي الْكَفَّارَةِ إلَّا الْإِطْعَامَ وَهُوَ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُدًّا مُدًّا. الْبَاجِيُّ: بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُطْعِمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 (وَهُوَ الْأَفْضَلُ) . ابْنُ يُونُسَ: اسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْإِطْعَامَ عَلَى الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ نَفْعًا. ابْنُ عَرَفَةَ: بَادَرَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْأَمِيرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ حِينَ سَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ وَطْئِهِ جَارِيَةً لَهُ فِي رَمَضَانَ لِكَفَّارَتِهِ بِصَوْمِهِ فَسَكَتَ حَاضِرُوهُ ثُمَّ سَأَلُوهُ لِمَ لَمْ يُخَيِّرْ فِي أَحَدِ الثَّلَاثَةِ؟ فَقَالَ: لَوْ خَيَّرْتُهُ وَطِئَ كُلَّ يَوْمٍ وَأَعْتَقَ فَلَمْ يُنْكِرُوا. وَتَعَقَّبْ هَذَا فَخْرُ الدِّينِ بِأَنَّهُ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ الشَّرْعِ إلْغَاؤُهُ وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى إبْطَالِهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُفْتِيَ بِذَلِكَ رَأَى أَنَّ الْأَمِيرَ فَقِيرٌ وَمَا بِيَدِهِ إنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا يُرَدُّ هَذَا بِتَعْلِيلِ الْمُفْتِي بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ مُوحِشٌ. اُنْظُرْ قَدْ نَقَلَ عِيَاضٌ أَنَّ الرَّشِيدَ حَنِثَ فِي يَمِينٍ. فَقَالَ لَهُ غَيْرُ مَالِكٍ: عَلَيْكَ عِتْقُ رَقَبَةٍ. فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: عَلَيْك صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. فَقَالَ الرَّشِيدُ: قَدْ قَالَ اللَّهُ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [البقرة: 196] فَأَقَمْتنِي مُقَامَ الْمُعْدِمِ. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كُلُّ مَا فِي يَدِك لَيْسَ لَكَ، عَلَيْكَ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. (أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ أَوْ عِتْقِ رَقَبَةٍ) فِي الْمُوَطَّأِ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ بِصِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ إطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا» (كَالظِّهَارِ) . الْبَاجِيُّ: مُقْتَضَى الْحَدِيثِ التَّخْيِيرُ بِخِلَافِ الظِّهَارِ فَالْكَفَّارَةُ فِيهِ وَاجِبٌ تَرْتِيبُهَا إلَّا أَنَّ مَالِكًا اسْتَحَبَّ الْإِطْعَامَ فِي كَفَّارَةِ الصِّيَامِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ هِيَ إطْعَامُ سِتِّينَ مُدًّا مُدًّا كَالظِّهَارِ، مُوهِمٌ أَنَّهَا بِالْمُدِّ الْهَاشِمِيِّ: فَمُدُّ الظِّهَارِ غَيْرُ مُدِّ كَفَّارَةِ الصِّيَامِ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَا يُجْزِئُ مِنْ الْعِتْقِ فِي الظِّهَارِ إلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الصِّيَامِ مِنْ كَوْنِ الرَّقَبَةِ كَامِلَةً غَيْرَ مُلَفَّقَةٍ سَلِيمَةً مُحَرَّرَةً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 وَتَحْرِيرُهَا أَنْ يَبْتَدِئَ إعْتَاقَهَا. (وَعَنْ أَمَةٍ وَطِئَهَا) نَقَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ وَطِئَ أَمَتَهُ كَفَّرَ عَنْهَا وَإِنْ طَاوَعَتْهُ لِأَنَّ طَوْعَهَا كَالْإِكْرَاهِ لِلرِّقِّ. ابْنُ يُونُسَ: إلَّا أَنْ تَطْلُبَهُ هِيَ فِي ذَلِكَ وَتَسْأَلَهُ فِيهِ فَيَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ. (أَوْ زَوْجَةٍ أَكْرَهَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَكْرَهَ امْرَأَتَهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ عَنْهَا وَعَنْهُ الْكَفَّارَةُ. قَالَ مَالِكٌ: إنْ وَطِئَهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَيَّامًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ وَطِئَهَا فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَفْسَدَ يَوْمًا وَاحِدًا. قَالَ: وَإِنْ طَاوَعَتْهُ امْرَأَتُهُ فِي الْوَطْءِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَحَاضَتْ فِي آخِرِهِ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ نِيَابَةً فَلَا يَصُومُ وَلَا يُعْتِقُ عَنْ أَمَةٍ وَإِنْ أَعْسَرَ كَفَّرَتْ وَرَجَعَتْ إنْ لَمْ تَصُمْ بِالْأَقَلِّ مِنْ الرَّقَبَةِ وَكَيْلِ الطَّعَامِ. ابْنُ يُونُسَ: إذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ خُيِّرَ فِي الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ، وَإِذَا كَفَّرَ عَنْ زَوْجَتِهِ خُيِّرَ فِي وَجْهَيْنِ: الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ، وَإِذَا كَفَّرَ عَنْ أَمَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ الْإِطْعَامُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعِتْقُ لِأَنَّ وَلَاءَهُ لَهُ. النُّكَتُ: إذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ مُكْرَهَةً فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ فَكَفَّرَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا بِالْإِطْعَامِ رَجَعَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 عَلَى الزَّوْجِ بِالْأَقَلِّ مِنْ مَكِيلَةِ الطَّعَامِ أَوْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَتْ بِهِ ذَلِكَ الطَّعَامَ أَوْ قِيمَةِ الْعِتْقِ أَيُّ ذَلِكَ أَقَلُّ رَجَعَتْ بِهِ، وَلَيْسَتْ كَالْحَمِيلِ يَشْتَرِي مَا يَحْمِلُ بِهِ مِنْ عَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ وَيَدْفَعُ ذَلِكَ لِلطَّالِبِ فَهَذَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ الْحَمِيلَ مَأْخُوذٌ بِذَلِكَ وَالزَّوْجَةُ لَمْ تَكُنْ مُضْطَرَّةً إلَى أَنْ تُكَفِّرَ عَنْ نَفْسِهَا وَلَا مَأْخُوذَةً بِذَلِكَ فَإِنَّمَا هِيَ كَأَجْنَبِيٍّ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِنْ كَفَّرَتْ عَنْ نَفْسِهَا تَصُومُ لَمْ تَرْجِعْ بِشَيْءٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 (وَفِي تَكْفِيرِهِ عَنْهَا إنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْقُبْلَةِ حَتَّى أَنْزَلَا تَأْوِيلَانِ) حَمْدِيسٌ: إنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْقُبْلَةِ فَأَنْزَلَتْ كَفَّرَ عَنْهَا. عِيَاضٌ: بِهَذَا تَأَوَّلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ الْمُدَوَّنَةَ. قَالَ الْقَابِسِيُّ: لَا يُكَفِّرُ عَنْهَا. عِيَاضٌ: وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. (وَفِي تَكْفِيرِ مُكْرِهِ رَجُلٍ لِيُجَامِعَ قَوْلَانِ) . الْبَاجِيُّ: ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْجِمَاعِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ خَاصَّةً. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ مُلْتَذٌّ بِالْجِمَاعِ. الْبَاجِيُّ: هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الِالْتِذَاذَ لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ عَاصِيًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا مَوْقُوفًا عَلَى اخْتِيَارِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ عَلَى مُكْرِهِ رَجُلٍ عَلَى وَطْءٍ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ انْتَهَى. أَمَّا نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ فَانْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَمُجَامَعَةِ نَائِمَةٍ " وَأَمَّا نَصُّ اللَّخْمِيِّ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَكْرَهَ رَجُلًا عَلَى الشُّرْبِ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ جَامِع زَوْجَتَهُ وَهِيَ نَائِمَةٌ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَلَمْ يَجْعَلْ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةً. وَقَوْلُ سَحْنُونٍ: " لَا كَفَّارَةَ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 الْمَرْأَةِ إذَا أُكْرِهَتْ بِالْوَطْءِ " أَحْسَنُ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ أَعْذَرُ مِنْ النَّاسِي وَيُكَفِّرُ الْمُكْرِهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ اجْتِرَائِهِ عَلَى انْتِهَاك صَوْمِ غَيْرِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُفْسِدَ صَوْمَ نَفْسِهِ أَوْ صَوْمَ غَيْرِهِ. (لَا إنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا أَوْ لَمْ يَغْتَسِلْ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ تَسَحَّرَ قُرْبَهُ أَوْ قَدِمَ لَيْلًا أَوْ سَافَرَ دُونَ الْقَصْرِ أَوْ رَأَى شَوَّالًا نَهَارًا فَظَنُّوا الْإِبَاحَةَ) أَمَّا مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فَظَنَّ الْإِبَاحَةَ فَتَمَادَى عَلَى فِطْرِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 فَانْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ "، وَانْظُرْ هُنَاكَ أَيْضًا مَسْأَلَةَ مَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ، وَأَمَّا مَنْ تَسَحَّرَ قُرْبَ الْفَجْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ مَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ قَضَى وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. اُنْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ: " قُرْبَهُ ". وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ سَافَرَ دُونَ الْقَصْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ ". وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ نَهَارًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي قَوْمٍ رَأَوْا الْهِلَالَ يَوْمَ ثَلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 نِصْفِ النَّهَارِ فَأَفْطَرُوا إنَّمَا عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَفْطَرُوا عَلَى تَأْوِيلٍ (بِخِلَافِ بَعِيدِ التَّأْوِيلِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ اسْتَنَدَ تَأْوِيلُهُ إلَى سَبَبٍ مَفْقُودٍ فَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ نَظَرًا إلَى الْحَالِ وَهَذَا كَمَسْأَلَةِ الْمُفْطِرَةِ تَعْوِيلًا عَلَى أَنَّ غَدًا يَوْمَ حَيْضَتِهَا (كِرَاءٍ وَلَمْ يُقْبَلْ) الظَّاهِرُ مِنْ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ هَذَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ اللَّخْمِيِّ الْمَذْهَبَ اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعَلَى عَدْلٍ أَوْ مَرْجُوٍّ ". (أَوْ لِحُمَّى ثُمَّ حُمَّ أَوْ لِحَيْضٍ ثُمَّ حَصَلَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا رَأَيْت مَالِكًا يَجْعَلُ الْكَفَّارَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى التَّأْوِيلِ إلَّا امْرَأَةً قَالَتْ غَدًا أَحِيضُ فَأَفْطَرَتْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَحَاضَتْ آخِرَهُ، وَاَلَّذِي قَالَ الْيَوْمَ أُحَمُّ فَأَفْطَرَ ثُمَّ حُمَّ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُمَا تَأَوَّلَا أَمْرًا لَمْ يَنْزِلْ بِهِمَا بَعْدُ وَهُوَ قَدْ يَكُونُ وَلَا يَكُونُ وَأَصْلُهُمْ فِي هَذَا أَنْ لَا حُكْمَ لَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَالْأَقْيَسُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُمَا يُعْذَرَانِ. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: الْكَفَّارَةُ لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ لَا لِهَتْكِ الْحُرْمَةِ فَلَوْ كَرَّرَ الْفِطْرَ لَمْ تُكَرَّرْ الْكَفَّارَةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَى الثَّبْتُ أَنَّهُ يَوْمَ الْعِيدِ أَوْ انْتِهَاءُ حَيْضَتِهَا بَقِيَّةَ الْيَوْمِ فَلَا كَفَّارَةَ. قُلْت: وَكَذَا مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا فَثَبَتَ أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ انْقَضَتْ غَرْو سَلِمَ. انْتَهَى نَصُّ الْبُرْزُلِيُّ فَانْظُرْ هَذَا النَّقْلَ مَعَ نَصِّ التَّلْقِينِ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ الْكُبْرَى بِالْخُرُوجِ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَى وَجْهِ الْهَتْكِ لَا يُسْقِطُهَا عَنْ يَوْمِ وُجُوبِهَا طُرُوُّ عُذْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَرَضٍ أَوْ بِحَيْضٍ. (أَوْ حِجَامَةٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ احْتَجَمَ فِي رَمَضَانَ فَتَأَوَّلَ أَنَّ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 الْفِطْرَ فَأَكَلَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَأَوْجَبَ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَهَذَا نَحْوُ مَنْ أَصْبَحَ فِي الْحَضَرِ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ فَتَأَوَّلَ أَنَّ لَهُ الْفِطْرَ فَأَكَلَ قَبْلَ الْخُرُوجِ ثُمَّ خَرَجَ فَسَافَرَ فَفِيهِ خِلَافٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أَرَى عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءَ يَوْمٍ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا هِيَ تَكْفِيرُ الذَّنْبِ وَمَنْ تَأَوَّلَ لَمْ يُذْنِبْ انْتَهَى. فَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَسَائِلِ خَلِيلٍ. (أَوْ غِيبَةٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: يُكَفِّرُ ذُو التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ كَأَنْ يَغْتَابَ فَيَتَأَوَّلَ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِذَلِكَ فَيَأْكُلُ. (وَلَزِمَ مَعَهَا الْقَضَاءُ) التَّلْقِينُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 يَلْزَمُ قَضَاءُ رَمَضَانَ بِإِفْسَادِهِ أَوْ بِتَرْكِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ (إنْ كَانَتْ لَهُ) اُنْظُرْ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 شَكَّ أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ الْكُبْرَى عَنْ نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ مَعَهَا الْقَضَاءُ، وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ عَنْ غَيْرِهِ فَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَيْرِ لَا عَلَى الْمُكَفِّرِ إذْ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَهَذَا نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ أَكْرَهَ زَوْجَتَهُ قَالَ: عَلَيْهِمَا مَعًا الْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ وَحْدَهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ وَعَنْهَا. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ زَوْجَةٍ أَكْرَهَهَا ". (وَالْقَضَاءُ فِي التَّطَوُّعِ لِمُوجِبِهَا) اُنْظُرْ هَلْ هُوَ يَعْنِي أَنَّ الْقَضَاءَ يَلْزَمُ فِي التَّطَوُّعِ لِمُوجِبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْغَرَضِ، وَهَلْ يَكُونُ هَذَا مُوَافِقًا لِلْكَافِي قَالَ مَا نَصُّهُ: مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَإِنْ كَانَ صَوْمَهُ تَطَوُّعًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ مَعَ الْقَضَاءِ، وَإِنْ أَفْطَرَ فِي تَطَوُّعِهِ لِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَعَلَى النَّاسِي الْكَفُّ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ. (وَلَا قَضَاءَ فِي غَالِبِ قَيْءٍ) التَّلْقِينُ: لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ ذَرْعُ قَيْءٍ وَلَا حِجَامَةٌ وَلَا رُكُوبُ مَأْثَمٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ اعْتِقَادِ وُجُوبِهِ وَمُضِيِّهِ عَلَى بَيْتِهِ وَإِمْسَاكِهِ كَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْقَذْفِ. (وَذُبَابٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: فِي الصَّائِمِ يَدْخُلُ حَلْقَهُ الذُّبَابُ أَوْ يَكُونُ بَيْنَ أَسْنَانِهِ فِلْقَةُ حَبَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَيَبْلَعُهَا مَعَ رِيقِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ لَمْ يَقْطَعْ ذَلِكَ صَلَاتَهُ. (وَغُبَارِ طَرِيقٍ) قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: فِي الْغُبَارِ يَكْثُرُ فِي حَلْقِ الصَّائِمِ حَتَّى يَتَجَاوَزَ إلَى جَوْفِهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي فَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَالِبٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ فِيهِ شَيْئًا. (أَوْ دَقِيقٍ) مِنْ الذَّخِيرَةِ: الْأَظْهَرُ فِي غُبَارِ الدَّقِيقِ لِصَانِعِهِ لَغْوُهُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ. وَعِبَارَةُ الْجَلَّابِ: مَنْ دَخَلَ فِي حَلْقِهِ غُبَارُ الدَّقِيقِ أَوْ غُبَارُ الطَّرِيقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَشْهَبُ: الدَّقِيقُ يَدْخُلُ غُبَارُهُ فِي حَلْقِ الصَّائِمِ لَيَقْضِيَ فِي رَمَضَانَ وَالْوَاجِبِ وَلَا يَقْضِي فِي التَّطَوُّعِ (أَوْ كَيْلٍ) اُنْظُرْ أَنْتَ هَذَا (أَوْ جِبْسٍ) الْمَعْزُوُّ لِسَحْنُونٍ وَأَشْهَبَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ غُبَارَ الطَّرِيقِ عَفْوٌ لِغَلَبَتِهِ. قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 أَشْهَبُ: بِخِلَافِ الدَّقِيقِ يَبْقَى النَّظَرُ فِي غُبَارِ الْجَبَّاسِينَ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: أَمَّا غُبَارُ الْجَبَّاسِينَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا لَا يُغَذِّي وَيَنْفَرِدُ بِالِاضْطِرَارِ إلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ فَهَلْ يَكُونُ كَغُبَارِ الدَّقِيقِ أَوْ كَغُبَارِ الطَّرِيقِ؟ فَإِنْ عَلَّلْنَا غُبَارَ الطَّرِيقِ بِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا لَا يُغَذِّي فَهَذَا مِثْلُهُ، فَإِنْ عَلَّلْنَاهُ بِعُمُومِ الِاضْطِرَارِ فَهَذَا بِخِلَافِهِ. وَقَالَ التُّونِسِيُّ: فِي لَغْوِ غُبَارِ الطَّرِيقِ وَالْجِبْسِ وَالدِّبَاغِ الصَّانِعَةِ نَظَرٌ لِضَرُورَةٍ لِصُنْعِهِ وَإِمْكَانِ غَيْرِهَا. الْبُرْزُلِيِّ: نَظِيرُ ذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ نَفْسَهُ فِي الْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الذَّهَابِ لِلصَّلَاةِ كَالْمُحْرِمِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ يَكُونُ الْحَمْلُ عَلَى رَأْسِهِ صَنْعَتَهُ. وَقَيَّدْت عَنْ شَيْخِنَا الْإِمَامِ يَسْتَأْجِرُهُ وَيَقُولُ لَهُ صَلِّ، وَمَنْ قَالَ لَهُ وَقْتَ الصَّلَاةِ: لَا تَعْمَلُ لِي شَيْئًا فَهُوَ أَحْسَنُ (لِصَانِعِهِ) قَدْ قَرَّرْت مَا تَخَيَّرْته مِنْ النُّصُوصِ وَتَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَمُضْطَرٍّ " فَانْظُرْهُ أَنْتَ (وَحُقْنَةٍ فِي إحْلِيلٍ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 دُهْنِ جَائِفَةٍ) الْإِحْلِيلُ مَجْرَى الْبَوْلِ وَتَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " بِحُقْنَةِ مَائِعٍ ". (وَمَنِيِّ مُسْتَنْكِحٍ أَوْ مَذْيٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْزَالُ مُجَرَّدِ الْفِكْرَةِ دُونَ تَتَابُعٍ إنْ كَثُرَ لَغْوٌ لِلْمَشَقَّةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَالنَّظَرُ أَحْرَى اُنْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ الِاحْتِلَامَ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يُبْطِلُ الصَّوْمَ الْمَنِيُّ بِلَذَّةٍ يَقِظَةً. (وَنَزْعِ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ أَوْ فَرْجٍ طُلُوعَ الْفَجْرِ) ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ يَأْكُلُ فَلْيُلْقِ مَا فِي فِيهِ، وَلْيَنْزِلْ عَنْ امْرَأَتِهِ إنْ كَانَ يَطَأُ، وَيُجْزِئُهُ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يُخَضْخِضَ الْوَاطِئُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ طَرَأَ الشَّكُّ ". وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: يُلْقِي مَا فِي فِيهِ وَيَتَمَضْمَضُ. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: مَنْ نَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَجَازَ سِوَاكٌ كُلَّ النَّهَارِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْس بِالسِّوَاكِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ بِعُودٍ يَابِسٍ وَإِنْ بَلَّهُ بِالْمَاءِ وَأَكْرَهُهُ بِالْعُودِ الرَّطْبِ خَوْفَ تَحَلُّلِهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: إلَّا لِعَالِمٍ (وَمَضْمَضَةٌ لِعَطَشٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ غَالِبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 مَضْمَضَةٍ ". (وَإِصْبَاحٌ بِجَنَابَةٍ) الرِّسَالَةُ: لَا يَحْرُمُ عَلَى الصَّائِمِ الْوَطْءُ فِي لَيْلِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصْبِحَ جُنُبًا مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 الْوَطْءِ. (وَصَوْمُ دَهْرٍ) قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِصِيَامِ الدَّهْرِ وَقَدْ سَرَدَهُ قَوْمٌ صَالِحُونَ إلَّا الْأَيَّامَ الَّتِي مُنِعَ صَوْمُهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: حَسَنٌ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ فَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى ذِي مَشَقَّةٍ أَوْ تَعْمِيمٍ فِيمَا مُنِعَ. (وَجُمُعَةٍ فَقَطْ) الْبَاجِيُّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ صِيَامَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ صِيَامَهُ لِأَنَّهُ يَوْمٌ مِنْ الْأُسْبُوعِ فَجَازَ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ. وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ صِيَامَهُ لِمَنْ لَمْ يَصِلْهُ بِصِيَامٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِلْحَدِيثِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيِّ: لَعَلَّ مَالِكًا لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ. (وَفِطْرٌ بِسَفَرِ قَصْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ سَافَرَ سَفَرًا مُبَاحًا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ فَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَإِنْ شَاءَ صَامَ وَالصَّوْمُ أَحَبُّ إلَيَّ. قَالَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 الْمُخْتَصَرِ: وَإِنْ قَدِمَ بَلْدَةً نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ فَلْيُفْطِرْ حَتَّى يَنْوِيَ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَيَلْزَمُهُ الصَّوْمُ كَمَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ. (شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ) الْبَاجِيُّ: مَنْ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ لِأَنَّ وَقْتَ انْعِقَادِ الصَّوْمِ كَانَ مُسَافِرًا فَكَانَ لَهُ الْفِطْرُ (وَلَمْ يَنْوِهِ فِيهِ وَإِلَّا قَضَى وَلَوْ تَطَوُّعًا وَلَا كَفَّارَةَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ بِسَفَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَصْبَحَ فِي حَضَرِهِ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يُرِيدُ سَفَرًا فَلَا يُفْطِرُ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَلَا بَعْدَ خُرُوجِهِ، لَكِنْ إذَا أَفْطَرَ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قَالَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ. وَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَ أَنْ سَافَرَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ أَصْبَحَ فِي السَّفَرِ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ ثُمَّ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ كَانَ فِي سَعَةٍ أَنْ يُفْطِرَ أَوْ يَصُومَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 فَلَمَّا صَامَ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ إلَّا لِعُذْرٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ أَصْبَحَ فِي الْحَضَرِ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا ثُمَّ سَافَرَ فَأَفْطَرَ وَصَامَ فِي السَّفَرِ مُتَطَوِّعًا ثُمَّ أَفْطَرَ، فَإِنْ كَانَ مِنْ عُذْرٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلْيَقْضِ انْتَهَى. وَأَظُنُّ أَنَّ لِهَذِهِ الْفُرُوعِ أَشَارَ خَلِيلٌ فَانْظُرْ هَلْ يَتَنَزَّلُ كَلَامُهُ عَلَيْهَا (كَفِطْرِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَصْبَحَ صَائِمًا فِي سَفَرِهِ فَأَفْطَرَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا أَفْطَرَ بَعْدَ دُخُولِهِ فَغَيْرُ خَلِيلٍ يَأْتِي بِهَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ لِأَجْلِ ذِكْرِهِمْ الْخِلَافَ لِأَنَّ الْفَرْعَ الْأَوَّلَ خَالَفَ فِيهِ أَشْهَبُ، وَهَذَا الْفَرْعُ وَافَقَ عَلَيْهِ أَشْهَبُ، فَكَانَ خَلِيلٌ فِي غِنًى عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِ إلَّا أَنَّهُ قَصَدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ اسْتِيفَاءُ الْفُرُوعِ الْمَنْصُوصَةِ كَقَوْلِهِ: " فِي النَّضْحِ أَوْ فِيهِمَا ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 (أَوْ بِمَرَضٍ خَافَ: زِيَادَتَهُ أَوْ تَمَادِيهِ وَوَجَبَ إنْ خَافَ هَلَاكًا، أَوْ شَدِيدَ أَذًى) اُنْظُرْ هَلْ يَتَنَزَّلُ هَذَا عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ؟ قَالَ أَشْهَبُ: فِي مَرِيضٍ لَوْ تَكَلَّفَ الصَّوْمَ لِقَدْرٍ أَوْ الصَّلَاةَ قَائِمًا لِقَدْرٍ إلَّا أَنَّهُ بِمَشَقَّةٍ وَتَعَبٍ فَلْيُفْطِرْ وَلْيُصَلِّ جَالِسًا وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَكَأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لِهَذَا بَلْ اتَّبَعَهُ بِقَوْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 مَالِكٍ رَأَيْتُ رَبِيعَةَ أَفْطَرَ فِي مَرَضٍ بِهِ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ قُلْتُ يَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: صَوْمُ ذِي الْمَرَضِ إنْ لَمْ يَشُقَّ وَاجِبٌ وَإِنْ شَقَّ فَقَطْ خُيِّرَ، وَإِنْ خَافَ طُولَهُ أَوْ حُدُوثَ آخَرَ مُنِعَ فَإِنْ صَامَ أَجْزَأَهُ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَيَحْرُمُ الصَّوْمُ مَعَ الْمَرَضِ إذَا أَدَّى إلَى التَّلَفِ أَوْ إلَى الْأَذَى الشَّدِيدِ (كَحَامِلٍ) اللَّخْمِيِّ: صَوْمُ الْحَامِلِ إنْ لَمْ يَشُقَّ وَاجِبٌ، وَإِنْ خِيفَ مِنْهُ حُدُوثُ عِلَّةٍ عَلَيْهَا. أَوْ عَلَى وَلَدِهَا مُنِعَ، وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ يُجْهِدُهَا أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهَا وَلَا تَخْشَى إنْ هِيَ صَامَتْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَانَتْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ. وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا إنْ أَفْطَرَتْ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي يَكُونُ لَهَا أَنْ تُفْطِرَ لِأَجْلِهَا كَانَ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ دُونَ إطْعَامٍ لِأَنَّهَا مَرِيضَةٌ انْتَهَى. اُنْظُرْ مَسَاقَ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَرَضِهَا فِي ذَاتِهَا. يَبْقَى النَّظَرُ إذَا أَصْبَحَتْ صَائِمَةً وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَشَمَّتْ رَائِحَةَ شَيْءٍ. وَقَدْ سُئِلْت قَدِيمًا وَأَنَا بِالْبَيَازِينَ عَنْ حَامِلٍ شَهَتْ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا وَالْعَامَّةُ تَشْهَدُ أَنَّ اضْطِرَارَهَا إلَيْهِ كَاضْطِرَارِ ذِي الْغُصَّةِ فَانْظُرْهُ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ: إنَّ لِلصَّائِمِ أَنْ يَجْعَلَ فِي ثُقْبِ ضِرْسِهِ لَوَبَانًا لِيُسَكِّنَ وَجَعَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ هَذَا الْيَوْمَ. (وَمُرْضِعٍ لَمْ يُمْكِنْهَا اسْتِئْجَارٌ وَلَا غَيْرُهُ) اللَّخْمِيِّ: الْمُرْضِعُ إذَا كَانَ الرَّضَاعُ غَيْرَ مُضِرٍّ بِهَا وَلَا بِوَلَدِهَا وَكَانَ مُضِرًّا بِهَا وَهُنَاكَ مَالٌ يُسْتَأْجَرُ مِنْهُ لِلِابْنِ أَوْ لِلْأَبِ أَوْ لِلْأُمِّ وَالْوَلَدُ يَقْبَلُ غَيْرَهَا لَزِمَهَا الصَّوْمُ، وَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِهَا تَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ عَلَى وَلَدِهَا وَالْوَلَدُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا أَوْ يَقْبَلُ غَيْرَهَا وَلَا يُوجَدُ مَنْ يُسْتَأْجَرُ أَوْ يُوجَدُ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَالٌ يُسْتَأْجَرُ مِنْهُ لَزِمَهَا الْإِفْطَارُ، وَإِنْ كَانَ يُجْهِدُهَا الصَّوْمُ وَلَا تَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا وَلَا عَلَى وَلَدِهَا وَالْوَلَدُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا كَانَتْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَتَى أَفْطَرَتْ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَضَتْ وَأَطْعَمَتْ. وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: لَا إطْعَامَ عَلَيْهَا وَهُوَ أَحْسَنُ قِيَاسًا عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ كِلَاهُمَا أَعْذَرُ مِنْ الْمُسَافِرِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: رِوَايَةُ الْمُدَوَّنَةِ إيجَابُ فِطْرِهَا الْإِطْعَامُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَدَّ عَلَيْهَا الْحَرُّ فِي نَذْرٍ مُعَيَّنٍ تُفْطِرُ وَتُطْعِمُ وَتَصُومُ بَعْدَ ذَلِكَ، ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ كَرَمَضَانَ إلَّا فِي كَفَّارَةِ الِانْتِهَاكِ (خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: خَوْفُهُمَا عَلَى وَلَدِهِمَا كَخَوْفِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَانْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ (وَالْأُجْرَةُ فِي مَالِ الْوَلَدِ ثُمَّ هَلْ فِي مَالِ الْأَبِ أَوْ مَالِهَا تَأْوِيلَانِ) اللَّخْمِيِّ: إذَا كَانَ الْحُكْمُ الْإِجَارَةَ لَهُ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِمَالِ الْوَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَالِ الْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَالِ الْأُمِّ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 غَيْرَ هَذَا. (وَالْقَضَاءُ بِالْعَدَدِ) ابْنُ بَشِيرٍ: مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَيَّامًا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا عِدَّتُهَا، فَإِنْ أَفْطَرَ جَمِيعَ الشَّهْرِ وَابْتَدَأَ الْقَضَاءَ مُتَفَرِّقًا أَوْ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ ثَانٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا عَدَدُ الْأَيَّامِ، فَإِنْ ابْتَدَأَ الْقَضَاءَ فِي شَهْرٍ وَعَوَّلَ عَلَى الْمُتَابَعَةِ مِنْ أَوَّلِهِ فَإِنْ كَانَ كَعَدَدِ الْأَوَّلِ فَلَا شَكَّ فِي الْإِجْزَاءِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الثَّانِي أَكْمَلَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ صِيَامُ جَمِيعِهِ أَوْ كَانَ أَنْقَصَ فَهَلْ يَكْتَفِي بِهِ؟ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ. (بِزَمَنٍ أُبِيحَ صَوْمُهُ) اللَّخْمِيِّ: قَضَاءُ رَمَضَانَ يَصِحُّ فِي كُلِّ زَمَانٍ يَصِحُّ فِيهِ صَوْمُ التَّطَوُّعِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيِّ عَنْ صِيَامِهَا وَلَا فِي شَهْرٍ نَذَرَ صِيَامَهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَصُومُ الْيَوْمَ الرَّابِعَ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ مِنْ نَذْرِهِ أَوْ نَذْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَلَا يَصُومُهُ مُتَطَوِّعًا وَلَا يَقْضِي فِيهِ رَمَضَانَ وَلَا يُبْتَدَأُ فِيهِ صِيَامٌ وَاجِبٌ مُتَتَابِعٌ مِنْ ظِهَارٍ أَوْ غَيْرِهِ (غَيْرَ رَمَضَانَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي الرَّجُلِ يَصُومُ رَمَضَانَ يَنْوِي بِهِ قَضَاءَ رَمَضَانَ قَدْ كَانَ أَفْطَرَهُ فِي سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ قَالَ: لَا يُجْزِئُ عَنْهُ صِيَامُ رَمَضَانَ عَامَّةَ ذَلِكَ وَلَا الَّذِي نَوَى صِيَامَهُ قَضَاءً عَنْهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَبْتَدِئَ قَضَاءَ الشَّهْرِ الَّذِي أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِمَا نَوَى ثُمَّ يَقْضِي الْأَوَّلَ الَّذِي كَانَ أَفْطَرَهُ فِي مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ الْآخَرَ حِينَ نَوَاهُ قَضَاءً لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ، وَلَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ، وَلَمْ يَجُزْ عَنْهُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَنْ غَيْرِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَعَلِيٍّ وَأَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْمَوَّازِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ صَامَ رَمَضَانَ فِي سَفَرٍ قَضَاءً عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ فَكَيْفَ بِمَنْ صَامَهُ عَنْهُ فِي حَضَرٍ. وَرَأَى غَيْرُهُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ إنْ فَعَلَ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ لَهُ فِطْرُهُ وَلَوْ نَوَاهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا لَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ عَنْ هَذَا الرَّمَضَانِ وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ صَامَهُ عَمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَهُ لَهُ فَلَا تُفْسِدُ نِيَّتُهُ مَا زَادَ فِيهَا مِمَّا لَا يَجُوزُ مِنْ نِيَّةِ الْقَضَاءِ. وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. (وَتَمَامُهُ إنْ ذَكَرَ قَضَاءَهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ ذَكَرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ أَنَّهُ قَضَاهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِطْرُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 الشَّيْخُ: فَإِنْ أَفْطَرَ قَضَاهُ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَعَادَ فِي جَمَاعَةٍ فَصَادَفَهُمْ فِي آخِرِ سُجُودِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ وَدَخَلَ مَعَهُمْ فَلْيُسَلِّمْ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يُتِمَّ نَافِلَةً. ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا خُفِّفَ لَهُ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى نِيَّةِ النَّافِلَةِ وَإِنَّمَا دَخَلَ عَلَى نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ مَا لَمْ يَنْوِ. (وَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ الْقَضَاءِ خِلَافٌ) فِي كِتَابِ الضَّمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَفْطَرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ فَإِنَّمَا يَقْضِي يَوْمًا وَاحِدًا. وَرَوَاهُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَفِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ عَلَيْهِ يَوْمَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَفْطَرَ فِي قَضَاءِ التَّطَوُّعِ مِنْ غَيْرِ عُذْرِ فَلْيَقْضِ يَوْمَيْنِ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ يَقْضِي إذَا أَفْطَرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ يَوْمًا وَاحِدًا فَلِأَنَّهُ إذَا قَضَى الْقَضَاءَ فَقَدْ صَحَّ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ لِرَمَضَانَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ. (وَأُدِّبَ الْمُفْطِرُ عَمْدًا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ تَائِبًا) اللَّخْمِيِّ: مَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ فِي رَمَضَانَ عُوقِبَ عَلَى قَدْرِ مَا يُرَى أَنَّ فِيهِ رَدْعًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِنْ الضَّرْبِ أَوْ السَّجْنِ أَوْ يُجْمَعُ عَلَيْهِ الْوَجْهَانِ جَمِيعًا الضَّرْبُ وَالسَّجْنُ، وَالْكَفَّارَةُ ثَابِتَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيُخْتَلَفُ فِيمَنْ أَتَى مُسْتَفْتِيًا وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ: لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ عُوقِبَ خَشِيتُ أَنْ لَا يَأْتِيَ أَحَدٌ يَسْتَفْتِي فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَاقِبْ السَّائِلَ. وَيَجْرِي فِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ قِيَاسًا عَلَى شَاهِدِ الزُّورِ إذَا أَتَى تَائِبًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُعَاقَبُ. (وَإِطْعَامُ مُدِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُفَرِّطٍ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ بِمِثْلِهِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ لِمِسْكِينٍ) ابْنُ يُونُسَ: كَفَّارَةُ مَنْ فَرَّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ مُدٌّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ فَأَوْصَى بِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ أَنَّ قَدْرَ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ مُدٌّ نَبَوِيٌّ مُطْلَقًا. (وَلَا يُعْتَدُّ بِالزَّائِدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُ أَنْ يُطْعِمَ أَمْدَادًا كَثِيرَةً لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَلَكِنْ مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ وَأَوْصَى أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ فَذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ فَإِنْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ الْوَرَثَةَ إلَّا أَنْ يَشَاءُوا. ابْنُ عَرَفَةَ: يُرِيدُ بِقَوْلِهِ فِيهَا: " لَا يُجْزِئُ أَمْدَادًا كَثِيرَةً لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ " يُرِيدُ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ لِأَنَّ فِدْيَةَ الرَّمَضَانِ الْوَاحِدِ كَأَمْدَادِ الْيَمِينِ الْوَاحِدِ وَالرَّمَضَانَانِ كَالْيَمِينَيْنِ. (إنْ أَمْكَنَ قَضَاؤُهُ فِي شَعْبَانَ لَا إنْ اتَّصَلَ مَرَضُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ لِمَرَضٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 أَوْ سَفَرٍ ثُمَّ صَحَّ أَوْ قَدِمَ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي بِأَيَّامٍ أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ فَلَمْ يَصُمْهَا حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ الْمُقْبِلُ، فَعَلَيْهِ عَدَدُ هَذِهِ الْأَيَّامِ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا أَمْدَادٌ يُفَرِّقُهَا إذَا أَخَذَ فِي الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنْ تَمَادَى بِهِ الْمَرَضُ أَوْ السَّفَرُ إلَى رَمَضَانَ الثَّانِي فَلْيَصُمْ هَذَا الدَّاخِلَ ثُمَّ يَقْضِي الْأَوَّلَ وَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ، يُرِيدُ وَكَذَلِكَ لَوْ صَحَّ أَوْ قَدِمَ بَعْدَ خُرُوجِ رَمَضَانَ فَمَادَتْ بِهِ الصِّحَّةُ أَوْ الْإِقَامَةُ حَتَّى دَخَلَ شَعْبَانُ فَمَرِضَهُ كُلُّهُ أَوْ سَافَرَ فِيهِ فَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْقَضَاءَ إلَى شَعْبَانَ، وَهَذَا كَمَنْ أَخَّرَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ إلَى قَدْرِ خَمْسِ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّهَارِ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ، فَإِنَّهَا لَا قَضَاءَ عَلَيْهَا لِذَلِكَ إذْ الْوَقْتُ قَائِمٌ بَعْدُ فَكَذَلِكَ هَذَا (مَعَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ) لَوْ قَالَ مَعَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ لِتَنْزِلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُفَرِّقُ هَذِهِ الْأَمْدَادَ إذَا أَخَذَ فِي الْقَضَاءِ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّقْهَا حَتَّى فَرَغَ فَلْيُفَرِّقْهَا بَعْدَ ذَلِكَ. ابْنُ حَبِيبٍ: الْمُسْتَحَبُّ فِي تَفْرِيقِ هَذَا الطَّعَامِ كُلَّمَا صَامَ يَوْمًا أَطْعَمَ مِسْكِينًا. قَالَ أَشْهَبُ: وَمَنْ عَجَّلَ كَفَّارَةَ التَّفْرِيطِ قَبْلَ وُجُوبِهَا لَمْ يُجْزِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ عِشْرُونَ يَوْمًا فَلَمَّا بَقِيَ لِرَمَضَانَ الثَّانِي عَشَرَةُ أَيَّامٍ كَفَّرَ عَنْ عِشْرِينَ يَوْمًا لَمْ يُجْزِهِ مِنْهَا إلَّا عَشَرَةُ أَيَّامٍ. (وَمَنْذُورُهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَجِبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 الْوَفَاءُ بِنَذْرٍ جَائِزٍ (وَالْأَكْثَرُ إنْ احْتَمَلَهُ بِلَفْظِهِ بِلَا نِيَّةٍ كَشَهْرٍ فَثَلَاثِينَ إنْ لَمْ يَبْدَأْ بِالْهِلَالِ) ابْنُ بَشِيرٍ: الْأَصْلُ فِي النَّذْرِ أَنَّهُ الْتِزَامٌ مِنْ الْمُكَلَّفِ عَلَى نَفْسِهِ فَيُحَاذِي فِيهِ قَصْدَهُ وَمَا نَصُّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا وَكَانَ اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ الْأَقَلَّ وَالْأَكْثَرَ فَقِيلَ إنَّهُ يَلْزَمُ الْأَكْثَرُ لِأَنَّهُ لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ إلَّا بِهِ. وَقِيلَ يَبْرَأُ بِالْأَقَلِّ حَتَّى يَنُصُّ عَلَى الْأَكْثَرِ. وَيَنْخَرِطُ فِي هَذَا السِّلْكِ أَنْ يَنْذُرَ صِيَامَ شَهْرٍ وَبَدَأَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَقِيلَ يُجْزِئُهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا لِأَنَّهَا الْأَقَلُّ. وَقِيلَ يَلْزَمُهُ إكْمَالُ ثَلَاثِينَ لِأَنَّهَا الْأَكْمَلُ اهـ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ شُهُورٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَلْيَصُمْ عَدَدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ تَابَعَهُ أَوْ فَرَّقَهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِأَقْصَى عِدَّةِ أَيَّامِهِ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ تَتَابُعُهُ، أَصْلُهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ نَذَرَ صِيَامَ شُهُورٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا مُتَتَابِعَةً فَلَهُ أَنْ يَصُومَهَا لِلْأَهِلَّةِ أَوْ لِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ، فَإِنْ صَامَهَا لِلْأَهِلَّةِ فَكَانَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ، وَمَنْ صَامَهُ لِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ أَكْمَلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا انْتَهَى. اُنْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةَ حَلِفِ نِسَاءِ زَمَانِنَا بِصِيَامِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفْتِي فِيهَا بِصَوْمِ يَوْمٍ وَاحِدٍ قَائِلًا: صَوْمُ الْمُسْلِمِينَ شَرْعًا وَعُرْفًا مِنْ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَانْظُرْ أَيْضًا الْحَالِفَ بِصَوْمِ عَامٍ سَيَأْتِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَنَحْنُ نَقْطَعُ أَنَّ قَلِيلًا مَنْ يَصُومُهُ. وَاَلَّذِي أَنَا أُفْتِي بِهِ أَنَّ هَذَا الْإِنْسَانَ إنْ صَامَ بِطُولِ الْعَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَالسِّتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ مِنْ شَوَّالٍ وَأَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَمَدِينَ إلَّا أَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَرَعِ، فَإِنْ تَرَكَ هَذَا الْمَأْخَذَ مِنْ صِيَامِ هَذِهِ الْأَيَّامِ مَعَ الْإِطْعَامِ وَسَوَّفَ صِيَامَ الْعَامِ فَهُوَ مُجْتَرِئٌ عَلَى اللَّهِ. أَمَّا صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَلِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ مَنْ صَامَهَا فَكَأَنَّمَا صَامَ الْعَامَ، وَأَمَّا مَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إنَّ مَنْ نَذَرَ صِيَامَ الدَّهْرِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ لُبٍّ: إنَّ الْحَالِفَ بِصَوْمِ الْعَامِ لَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ الصِّيَامُ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ قَدْ حُكِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الِاجْتِزَاءُ عَنْ ذَلِكَ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ. وَحُكِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ أَوْلَى مَا قِيلَ فِي هَذَا الْبَابِ وَرَجَّحَهُ وَاحْتَجَّ لَهُ، وَانْظُرْ آخِرَ الْعَوَاصِمِ مِنْ الْقَوَاصِمِ فَإِنَّهُ قَدْ مَهَّدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 هَذَا الْمَأْخَذَ وَعَزَاهُ أَيْضًا لِمَالِكٍ. وَسُئِلَ الْمَازِرِيُّ هَلْ لِلنِّسَاءِ رُخْصَةٌ إذَا حَنِثْنَ فِي صَوْمِ الْعَامِ؟ فَأَجَابَ: الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ سَوَاءٌ يُؤْمَرَانِ وَلَا يُجْبَرَانِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْيَمِينَ بِالصَّوْمِ لَمْ تَخْرُجْ بِقَصْدِ التَّبَرُّرِ وَلِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْ الصَّوْمِ وَيَبْقَى فِي ذِمَّتِهَا. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ تَعْجِيلِ قَضَاءِ رَمَضَانَ؟ الظَّاهِرُ لَا، لِأَنَّ لَهَا أَنْ تُبَادِرَ لِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهَا. وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّهَا إنْ تَلَبَّسَتْ بِصَلَاةِ تَطَوُّعٍ أَنَّ لَهُ قَطْعَهَا وَضَمَّهَا إلَيْهِ. وَلِلْمَازِرِيِّ أَيْضًا مَا يُذْكَرُ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي الْكَفَّارَةِ عَنْ الْمَشْيِ لِلضَّرُورَةِ لَا يَنْقُضُ الْمَذْهَبَ وَيَبْقَى مَطْلُوبًا إذَا وَجَدَ السَّبِيلَ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: الْكَفَّارَةُ بِالْإِطْعَامِ مَذْهَبٌ لِعَائِشَةَ لَا يُبَاعِدُهُ الْقِيَاسُ فَيُكَفِّرُ حَتَّى يَجِدَ السَّبِيلَ لِلْمَشْيِ وَنَحْوُهُ لِلسُّيُورِيِّ انْتَهَى. اُنْظُرْ ابْنَ بَشِيرٍ وَلِهَذَا أَشَارَ أَنَّ كُلَّ مَا خَرَجَ مَخْرَجَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ أَنَّ الْأَشْيَاخَ مَالُوا إلَى أَنَّ كَفَّارَتَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. قَالَ: وَيَعُدُّونَهُ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ اُنْظُرْ هَذَا كُلَّهُ. (وَابْتِدَاءُ سَنَةٍ وَقَضَى مَا لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ فِي سَنَةٍ) . اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي الْمُتَابَعَةِ فِيمَنْ نَذَرَ صِيَامًا مَضْمُونًا أَيَّامًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. فَقَالَ مَالِكٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا صَامَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا لَيْسَ فِيهَا رَمَضَانُ وَلَا يَوْمُ الْفِطْرِ وَلَا أَيَّامُ النَّحْرِ. وَفِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ: وَلَا أَيَّامُ مِنًى. وَهَذَا بَيِّنٌ لِأَنَّهَا سَنَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَصَارَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ لَمْ يَنْذُرْهُ وَهُوَ لَا يَصُومُهُ عِنْدَهُ إلَّا مَنْ نَذَرَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَمَا صَامَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى الشُّهُورِ فَعَلَى الْأَهِلَّةِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا يُفْطِرُ مِثْلَ رَمَضَانَ وَيَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الذَّبْحِ أَفْطَرَهُ وَقَضَاهُ، وَيَجْعَلُ الشَّهْرَ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَيَقْضِي عَلَى هَذَا إذَا كَانَ شَوَّالٌ نَاقِصًا يَوْمَيْنِ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَاللَّخْمِيِّ، وَانْظُرْ إذَا كَانَ ذُو الْحِجَّةِ نَاقِصًا فَنَصُّ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ يَقْضِي أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَعَلَى مُقْتَضَى ابْنِ يُونُسَ يَقْضِي خَمْسَةَ أَيَّامٍ (إلَّا أَنْ يُسَمِّيَهَا أَوْ يَقُولَ هَذِهِ وَيَنْوِيَ بَاقِيَهَا فَهُوَ وَلَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ) صَوَابُهُ أَوْ يَقُولُ هَذِهِ وَيَنْوِي بَاقِيَهَا. أَمَّا مَسْأَلَةُ إذَا سَمَّى السَّنَةَ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا صَامَهَا، وَإِنْ أَفْطَرَ مِنْهَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَأَيَّامِ الذَّبْحِ وَيَصُومُ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّهُ قَدْرُ نَذْرِهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيهِنَّ وَلَا فِي رَمَضَانَ إلَّا وَإِنْ يَنْوِي قَضَاءَ ذَلِكَ كَمَنْ نَذْرُهُ صَلَاةُ يَوْمٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي السَّاعَاتِ الَّتِي لَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ فِيهَا قَضَاءٌ وَإِنْ جَاءَ الْمَنْعُ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَا أَفْطَرَ مِنْ السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَإِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 أَفْطَرَ مِنْهَا شَهْرًا لِغَيْرِ عُذْرٍ قَضَاهُ، فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا قَضَى عَدَدَ أَيَّامِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهُ مُتَتَابِعًا فَإِنْ فَرَّقَهُ أَجْزَأَهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ أَفْطَرَ مِنْهُ يَوْمًا قَضَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِمَرَضٍ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ إذَا قَالَ هَذِهِ وَنَوَى بَاقِيَهَا فَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ وَقَدْ مَضَى نِصْفُهَا قَالَ: عَلَيْهِ صِيَامُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا. ابْنُ رُشْدٍ: إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ السَّنَةِ فَتَكُونُ لَهُ نِيَّتُهُ قَالَهُ مَالِكٌ. وَاسْتَشْكَلَ اللَّخْمِيِّ هَذَا وَقَالَ: إنَّهُ مِثْلُ مَنْ قَالَ فِي نِصْفِ النَّهَارِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ هَذَا الْيَوْمَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا صَلَاةُ مَا بَقِيَ مِنْهُ (بِخِلَافِ فِطْرِهِ لِسَفَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَلَا يَقْضِي أَيَّامَ مَرَضِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَتْ صَوْمَ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا لَا تَقْضِي أَيَّامَ حَيْضَتِهَا، وَأَمَّا السَّفَرُ فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَأَنِّي رَأَيْته يَسْتَحِبُّ لَهُ الْقَضَاءَ اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " إلَّا لِمُعَيَّنٍ ". (وَصَبِيحَةُ الْقُدُومِ فِي يَوْمِ قُدُومِهِ إنْ قَدِمَ لَيْلَةً غَيْرَ عِيدٍ وَإِلَّا فَلَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِ فُلَانٍ فَقَدِمَ لَيْلًا فَلْيَصُمْ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَلَوْ قَدِمَ نَهَارًا وَنِيَّةُ النَّاذِرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 الْفِرَارُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ. أَشْهَبُ: وَلَوْ قَدِمَ فُلَانٌ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَنَاذِرِ صَوْمِ غَدٍ فَكَانَ يَوْمُ غَدٍ يَوْمَ الْأَضْحَى وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ. (وَصِيَامُ الْجُمُعَةِ إنْ نَسِيَ الْيَوْمَ) الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ سَحْنُونَ أَنَّ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَنَسِيَهُ أَنَّهُ يَصُومُ الْجُمُعَةَ كُلَّهَا (عَلَى الْمُخْتَارِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِ فُلَانٍ أَبَدًا فَقَدِمَ فِي يَوْمٍ فَنَسِيَهُ فَلْيَصُمْ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ أَوَّلَ الْجُمُعَةِ السَّبْتُ. اللَّخْمِيِّ: آخِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ يَصُومُ الدَّهْرَ وَهُوَ الْأَقْيَسُ. ابْنُ رُشْدٍ: صِيَامُ الدَّهْرِ أَقْيَسُ لِيَأْتِيَ عَلَى شَكِّهِ (وَرَابِعُ النَّحْرِ لِنَاذِرِهِ وَإِنْ تَعْيِينًا) أَمَّا الْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ خِلَافٌ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَصُومُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يَصُومُهُ انْتَهَى. فَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ: " وَإِنْ تَعْيِينًا " قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيَصُومُهُ أَعْنِي الْيَوْمَ الرَّابِعَ مَنْ كَانَ فِي صِيَامٍ مُتَتَابِعٍ وَلَا يَصُومُ الْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ (لَا سَابِقَيْهِ إلَّا الْمُتَمَتِّعِ) . الْبَاجِيُّ: الَّذِي قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَا يَصُومهَا إلَّا الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي لَا يَجِدُ هَدْيًا (لَا تَتَابُعُ سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ أَيَّامٍ) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَشَهْرٍ فَثَلَاثِينَ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " وَابْتَدَأَ سَنَةً " (وَإِنْ نَوَى بِرَمَضَانَ فِي سَفَرِهِ غَيْرَهُ أَوْ قَضَاءَ الْخَارِجِ أَوْ نَوَاهُ وَنَذْرًا لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَمَّا إذَا نَوَى بِرَمَضَانَ فِي سَفَرِهِ غَيْرَهُ فَلَمْ أَجِدْهُ، وَأَمَّا إذَا نَوَى بِرَمَضَانَ فِي حَضَرِهِ غَيْرَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ صَامَ فِي الْحَضَرِ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ يَنْوِي بِهِمَا الظِّهَارَ لَمْ يُجْزِهِ رَمَضَانُ لِفَرْضِهِ وَلَا لِظِهَارِهِ، وَأَمَّا إذَا نَوَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 بِرَمَضَانَ فِي حَضَرِهِ قَضَاءَ الْخَارِجِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فِي حَضَرِهِ يَقْضِي بِهِ رَمَضَانَ كَانَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ لِهَذَا وَكَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْأَوَّلِ. اللَّخْمِيِّ: هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَأَتَى بِهِ ابْنُ يُونُسَ نَصًّا لِلْمُدَوِّنَةِ. وَقَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا هُوَ أَصْوَبُ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يُجْزِئَهُ ذَلِكَ عَنْ الشَّهْرِ الَّذِي حَضَرَ وَيَقْضِي الْأَوَّلَ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْكِتَابِ. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: فَإِذَا أَجْزَأَهُ عَنْ هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فَعَلَيْهِ الْإِطْعَامُ عَنْ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ لِتَفْرِيطِهِ إلَى أَنْ دَخَلَ رَمَضَانُ ثَانٍ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي النَّظَرِ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَأَمَّا إذَا نَوَى بِرَمَضَانَ فِي سَفَرِهِ قَضَاءَ الْخَارِجِ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فِي سَفَرٍ قَضَاءً عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ. اُنْظُرْهُ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " غَيْرَ رَمَضَانَ ". وَأَمَّا إذَا نَوَى فِي سَفَرِهِ رَمَضَانَ وَنَذَرَهُ فَلَمْ أَجِدْهُ، وَأَمَّا إذَا نَوَى فِي حَضَرِهِ رَمَضَانَ وَنَذَرَهُ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا قَضَى رَمَضَانَ فِي رَمَضَانَ آخَرَ وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ يُجْزِيهِ لِهَذَا وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأَوَّلِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَجْرِي الْجَوَابُ إذَا صَامَهُ قَضَاءً عَنْ ظِهَارٍ أَوْ نَذْرٍ مَضْمُونٍ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَجْرِي فِيهِمَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَشْرَكَ فِي صَوْمِهِ. رَاجِعْ اللَّخْمِيَّ. (وَلَيْسَ لِامْرَأَةٍ يَحْتَاجُ لَهَا زَوْجُهَا تَطَوُّعٌ بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ عَلِمَتْ حَاجَةَ زَوْجِهَا لَمْ تَصُمْ إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِنْ عَلِمَتْ عَدَمَهَا فَلَا بَأْسَ. ابْنُ عَرَفَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 الْأَقْرَبُ الْجَوَازُ إنْ جَهِلَتْ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَمِثْلُ الزَّوْجَةِ فِي هَذَا السُّرِّيَّةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ: إذَا تَلَبَّسَتْ بِالنَّافِلَةِ فَلِزَوْجِهَا أَنْ يَقْطَعَهَا عَلَيْهَا. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ أَذِنَ لِعَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ ". وَمِنْ الذَّخِيرَةِ: الْفَرْقُ بَيْنَ صَوْمِ الْعِيدِ وَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ أَنَّ نَفْسَ الْعِبَادَةِ فِي صَوْمِ الْعِيدِ هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ إنَّمَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ الصِّفَةُ الْمُقَارِنَةُ لِلْعِبَادَةِ فَأَحْكَامُ الصِّفَاتِ لَا تَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْصُوفَاتِ وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ. [كِتَابُ الِاعْتِكَافِ] [فَصْلٌ فِي أَرْكَانُ الِاعْتِكَافِ] كِتَابُ الِاعْتِكَافِ وَحَقِيقَتُهُ اللُّبْثُ فِي الْمَكَانِ وَفِي الشَّرِيعَةِ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ قُرْبَةٌ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ. ثُمَّ النَّظَرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 فِي ثَلَاثَةِ فُصُولٍ فِي أَرْكَانِهِ وَحُكْمِ النَّذْرِ وَحُكْمِ الِاعْتِكَافِ (وَصِحَّتُهُ لِمُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ) . ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّانِي الْمُعْتَكِفُ وَهُوَ كُلُّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ فَيَصِحُّ اعْتِكَافُ الصَّبِيِّ وَالرَّقِيقِ (بِمُطْلَقِ صَوْمٍ) . ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّالِثُ الصَّوْمُ وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ دُونَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ لَهُ. (وَلَوْ نَذْرًا) الَّذِي لِابْنِ يُونُسَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَفِي كُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ. فَأَمَّا مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا فَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 يَعْتَكِفُهُ فِي صَوْمٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا فِي قَضَائِهِ وَلَا فِي كَفَّارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ الصَّوْمُ لِلِاعْتِكَافِ فَلَا يُجْزِيهِ مِنْ صَوْمٍ لَزِمَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ نَذَرَ مَشْيًا فَلَا يَجْعَلُهُ فِي حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ. وَقَالَهُ سَحْنُونَ: وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَهُ أَنْ يَحْصُلَ اعْتِكَافُهُ الَّذِي نَذَرَهُ فِي أَيَّامِ صَوْمِهِ الَّتِي نَذَرَ لَهَا (وَمَسْجِدٍ إلَّا لِمَنْ فَرْضُهُ الْجُمُعَةُ وَتَجِبُ بِالْجَامِعِ) . الْبَاجِيُّ: الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمُعْتَكَفُ وَهُوَ الْمَسْجِدُ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الْمَسَاجِدِ إلَّا إذَا نَوَى مُدَّةً يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إتْيَانُ الْجُمُعَةِ فِي أَثْنَائِهَا فَيَتَعَيَّنُ الْجَامِعُ (مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ) . اللَّخْمِيِّ: لَا يَعْتَكِفُ فِي بَيْتِ الْقَنَادِيلِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِإِذْنٍ وَلَا عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ وَلَا فِي صَوْمَعَتِهِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيَعْتَكِفُ فِي عَجُزِ الْمَسْجِدِ وَفِي رِحَابِهِ (وَإِلَّا خَرَجَ وَبَطَلَ) قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 إنْ اعْتَكَفَ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْجُمُعَةِ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ. وَقَالَهُ سَحْنُونَ: ابْنُ شَاسٍ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. (كَمَرَضِ أَبَوَيْهِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَخْرُجُ لِمَرَضِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَيَبْتَدِئُ اعْتِكَافَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ وَبِرُّهُمَا يَفُوتُ (لَا جِنَازَتِهِمَا مَعًا) الْمُوَطَّأُ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ مَعَ جِنَازَةِ أَبَوَيْهِ وَلَا غَيْرِهِمَا. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ غَيْرُ عُقُوقٍ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ مَعَ جِنَازَةٍ لَا يُعْجِبُنِي لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْجَنَائِزِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ انْتَهَى إلَيْهِ زِحَامُ الْمُصَلِّينَ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا يَخْرُجُ لِلصَّلَاةِ عَلَى جِنَازَةِ أَبَوَيْهِ (وَكَشَهَادَةٍ وَإِنْ وَجَبَتْ وَلْتُؤَدَّ بِالْمَسْجِدِ أَوْ تُنْقَلْ عَنْهُ) رَوَى ابْنُ نَافِعٍ: لَا يَخْرُجُ لِأَدَاءِ شَهَادَةٍ وَلْيُؤَدِّهَا بِمَسْجِدِهِ. رَوَى الْعُتْبِيُّ يُؤَدِّيهَا بِهِ وَتُنْقَلُ عَنْهُ، ابْنُ مُحْرِزٍ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 كَذِي عُذْرٍ لِمَرَضٍ وَغَيْرِهِ. (وَكَرِدَّةٍ وَكَمُبْطِلٍ صَوْمَهُ) . ابْنُ رُشْدٍ: الرِّدَّةُ وَالسُّكْرُ وَالْمُكْتَسَبُ مَانِعَانِ مِنْ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ قَارَنَا الِابْتِدَاءَ أَوْ طَرَآ وَيَجِبُ اسْتِئْنَافُهُ بِطُرُوِّ أَحَدِهِمَا. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَفْطَرَ الْمُعْتَكِفُ انْتَقَضَ اعْتِكَافُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَتُبْطِلُهُ الْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ لِلَّذَّةِ وَلَوْ لَيْلًا. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ سَهْوًا. عِيَاضٌ: اتِّفَاقًا وَأَمَّا الِاحْتِلَامُ فَهُوَ لَغْوٌ. (وَكَسُكْرِهِ لَيْلًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ سَكِرَ لَيْلًا وَصَحَا قَبْلَ الْفَجْرِ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 عِيَاضٌ: فَقِيلَ لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَقِيلَ لِتَعْطِيلِ عَمَلِهِ. (وَفِي إلْحَاقِ الْكَبَائِرِ بِهِ تَأْوِيلَانِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ عِيَاضٍ فَقِيلَ لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَعَطَاءٍ: إنْ أَحْدَثَ ذَنْبًا مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ فِي اعْتِكَافِهِ ابْتَدَأَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ سَكِرَ الْمُعْتَكِفُ لَيْلًا وَصَحَا قَبْلَ الْفَجْرِ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ وَابْتَدَأَهُ. سَحْنُونَ: يَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ فِي الذَّنْبِ الَّذِي أَحْدَثَهُ. انْتَهَى مَا لِابْنِ يُونُسَ. (وَبِعَدَمِ وَطْءٍ وَقُبْلَةِ شَهْوَةٍ وَلَمْسٍ وَمُبَاشَرَةٍ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الْأَوَّلُ اسْتِمْرَارُ الْإِقَامَةِ عَلَى عَمَلٍ مَخْصُوصٍ مَعَ الْكَفِّ عَنْ الْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَكَرِدَّةٍ " (وَإِنْ لِحَائِضٍ نَاسِيَةٍ أَوْ نَائِمَةٍ) . ابْنُ يُونُسَ: لَوْ مَسَّهَا زَوْجُهَا أَوْ بَاشَرَهَا وَهِيَ حَائِضٌ فَسَدَ اعْتِكَافُهَا، وَكَذَا لَوْ وَطِئَهَا مُكْرَهَةً أَوْ نَاسِيَةً لَا فَرْقَ بَيْنَ السَّهْوِ وَالْإِكْرَاهِ. ابْنُ يُونُسَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 وَكَذَا عِنْدِي إذَا وَطِئَهَا نَائِمَةً فَسَدَ اعْتِكَافُهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ احْتَلَمَتْ لِأَنَّ الِاحْتِلَامَ لَا صُنْعَ لِآدَمِيٍّ فِيهِ. (وَإِنْ أُذِنَ لِعَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ فِي نَذْرٍ فَلَا مَنْعَ) اُنْظُرْ آخِرَ مَسْأَلَةٍ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ (كَغَيْرِهِ إنْ دَخَلَا) . ابْنُ عَرَفَةَ: الزَّوْجَةُ وَذُو رِقٍّ كَغَيْرِهِمَا وَيَفْتَقِرَانِ لِإِذْنِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَذِنَ لَهُمَا فَلَيْسَ لَهُ قَطْعُهُ إنْ دَخَلَا. ابْنُ رُشْدٍ: لَهُ مَنْعُهُمَا مَا لَمْ يَدْخُلَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ جَعَلَ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافًا فَمَنَعَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ عَتَقَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: وَهَذَا إنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَلَوْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا فَمَنَعَهُ السَّيِّدُ فِيهَا ثُمَّ عَتَقَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا. (وَأَتَمَّتْ مَا سَبَقَ مِنْهُ أَوْ عِدَّةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا طَلُقَتْ الْمُعْتَكِفَةُ أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا فَلْتَمْضِ عَلَى اعْتِكَافِهَا تُتِمُّهُ، ثُمَّ تَرْجِعُ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا فَتُتِمُّ فِيهِ بَاقِيَ الْعِدَّةِ فَإِنْ سَبَقَ الطَّلَاقُ الِاعْتِكَافَ فَلَا تَعْتَكِفُ حَتَّى تَحِلَّ (إلَّا أَنْ تُحْرِمَ وَإِنْ بِعِدَّةِ مَوْتٍ فَيَنْفُذُ وَتَبْطُلُ) اُنْظُرْ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 الْعِدَّةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمَضَتْ الْمُحْرِمَةُ وَالْمُعْتَكِفَةُ " (وَإِنْ مَنَعَ عَبْدَهُ نَذْرًا فَعَلَيْهِ إنْ عَتَقَ) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَغَيْرِهِ إنْ دَخَلَا ". (وَلَا يُمْنَعُ مُكَاتَبٌ يَسِيرَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ نَذَرَ الْمُكَاتَبُ اعْتِكَافًا يَسِيرًا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى سَيِّدِهِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ (وَلَزِمَ يَوْمٌ إنْ نَذَرَ لَيْلَةً) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ أَوْ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَزِمَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَسَاوَى بَيْنَ السُّؤَالَيْنِ. (لَا بَعْضَ يَوْمٍ) الْقَرَافِيُّ: لَوْ نَذَرَ عُكُوفَ بَعْضِ يَوْمٍ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا خِلَافًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 لِلشَّافِعِيِّ. (وَتَتَابُعُهُ فِي مُطْلَقِهِ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا أَلْزَمَهُ التَّتَابُعُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَيَكْفِيهِ شَهْرٌ بِالْأَهِلَّةِ (وَمَنْوِيُّهُ حِينَ دُخُولِهِ) فِي الْمَجْمُوعَةِ: لَهُ أَنْ يَتْرُكَ مَا نَوَى قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِذَا دَخَلَ وَجَبَ الْمَنْوِيُّ بِخِلَافِ الْجِوَارِ لَا يَجِبُ إلَّا بِاللَّفْظِ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا كَانَ يَلْزَمُهُ مَا نَوَى مِنْ الِاعْتِكَافِ بِالدُّخُولِ فِيهِ بِخِلَافِ مَنْ نَوَى صَوْمًا مُتَتَابِعًا فَلَا يَلْزَمُهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ إلَّا الْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ سَوَاءٌ فَهُوَ كَالْيَوْمِ الْوَاحِدِ، وَصَوْمُ الْأَيَّامِ الْمُتَتَابِعَةِ يَتَخَلَّلُهَا اللَّيْلُ فَصَارَ فَاصِلًا بَيْنَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُشْبِهُ الصَّوْمُ جِوَارَ مَكَّةَ الَّذِي يَنْقَلِبُ فِيهِ فِي اللَّيْلِ إلَى مَنْزِلِهِ لِكَوْنِ اللَّيْلِ فَاصِلًا. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي هَذَا الْجِوَارِ شَيْءٌ وَإِنْ دَخَلَ فِيهِ إذْ لَا صَوْمَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ وَالذِّكْرُ يَتَبَعَّضُ فَمَا ذَكَرَ فِيهِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى قِرَاءَةً مَعْلُومَةً فَلَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ مَا نَوَى وَلَوْ دَخَلَ فِيهِ لِأَنَّ مَا فِيهِ يُثَابُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ (كَمُطْلَقِ الْجِوَارِ) الَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ الِاعْتِكَافُ يَجِبُ إمَّا بِالنَّذْرِ إمَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ الدُّخُولِ فِيهِ لِاتِّصَالِ عَمَلِهِ، وَكَذَلِكَ الْجِوَارُ إذَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِ الصِّيَامَ انْتَهَى. وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِ الصِّيَامَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُجَاوِرَ كَجِوَارِ مَكَّةَ بِغَيْرِ صِيَامٍ فَلَا يَلْزَمُهُ بِالنِّيَّةِ مَعَ الدُّخُولِ فِيهِ مَا نَوَى مِنْ الْأَيَّامِ اهـ. فَذَكَرَ أَنَّ مُطْلَقَ الْجِوَارِ لَا يَكُونُ كَالِاعْتِكَافِ إلَّا إذَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِ الصِّيَامَ قَالَ: وَاخْتُلِفَ هَلْ يَلْزَمُهُ مُجَاوَرَةُ الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ مَتَى شَاءَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَشَبَّثْ بِعَمَلٍ يُبْطِلُ عَلَيْهِ بِقَطْعِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَجِوَارُ مَكَّةَ أَمْرٌ يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ مِثْلُ الرِّبَاطِ. وَمَنْ نَذَرَ جِوَارَ مَسْجِدٍ مِثْلَ جِوَارِ مَكَّةَ لَزِمَهُ فِي أَيِّ الْبِلَادِ كَانَ إذَا كَانَ سَاكِنًا بِذَلِكَ الْبَلَدِ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ بِسَاحِلٍ مِنْ السَّوَاحِلِ كَالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ أَوْ بِمَوْضِعٍ يَتَقَرَّبُ بِإِتْيَانِهِ إلَى اللَّهِ مِثْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لَزِمَهُ الصَّوْمُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَإِيلِيَاءَ. قَالَ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ: وَأَمَّا إنْ نَذَرَ ذَلِكَ فِي مِثْلِ الْعِرَاقِ وَشَبَهِهَا فَلَا يَأْتِيهَا وَيَصُومُ ذَلِكَ بِمَكَانِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرِ فِي مَسْجِدِ الْفُسْطَاطِ فَاعْتَكَفَ بِمَكَّةَ أَجْزَأَهُ وَلَا يَخْرُجُ إلَى مَسْجِدِ الْفُسْطَاطِ وَيَعْتَكِفُ بِمَوْضِعِهِ، وَلَا يَجِبُ الْخُرُوجُ إلَّا إلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَإِيلِيَاءَ، وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيَأْتِهِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ قَالَ: وَهَذَا لَمَّا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِيهِ فَقَدْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَهُ يُرِيدُ وَكَذَلِكَ لَوْ نَذَرَ ذَلِكَ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ أَوْ مَسْجِدِ إيلِيَاءَ فَلْيَأْتِهِمَا لِذَلِكَ وَلَا يُجْزِيهِ فِي غَيْرِهِمَا. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا بِسَاحِلٍ مِنْ السَّوَاحِلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 فَلْيَعْتَكِفْ بِمَوْضِعِهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْحِرْصِ وَالْجِهَادِ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَوْضِعِهِ أَفْضَلُ (لَا النَّهَارِ فَقَطْ فَبِاللَّفْظِ وَلَا يَلْزَمُ فِيهِ حِينَئِذٍ صَوْمٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَيَلْزَمُ بِالدُّخُولِ فِيهِ بِخِلَافِ الْجِوَارِ إنْ لَمْ يَجْعَلْ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِ الصِّيَامَ فَلَا يَلْزَمُهُ بِالنِّيَّةِ مَعَ الدُّخُولِ فِيهِ مَا نَوَى مِنْ الْأَيَّامِ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَيْضًا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ. وَيَبْقَى النَّظَرُ إذَا نَذَرَ أَنْ يُجَاوِرَ أَيَّامًا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَذَرَ مِثْلَ جِوَارِ مَكَّةَ يُجَاوِرُ إلَيْهَا النَّهَارَ وَيَنْقَلِبُ اللَّيْلَ إلَى مَنْزِلِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي جِوَارِهِ هَذَا صِيَامٌ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَلْزَمُهُ هَذَا الْجِوَارُ بِالنِّيَّةِ إلَّا أَنْ يَنْذُرَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ بِذَلِكَ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ خَلِيلٍ: " كَمُطْلَقِ الْجِوَارِ " (وَفِي يَوْمِ دُخُولِهِ تَأْوِيلَانِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ الْأَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَكَذَلِكَ حَكَى ابْنُ يُونُسَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 عَنْ أَبِي عِمْرَانَ (وَإِتْيَانُ سَاحِلٍ لِنَذْرِ صَوْمٍ بِهِ مُطْلَقًا) تَقَدَّمَ نَصُّ مَالِكٍ: مَنْ نَذَرَ صَوْمًا بِسَاحِلٍ لَزِمَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِ مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا بِذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِثْلَ نَذْرِ الصِّيَامِ بِالسَّوَاحِلِ هُوَ نَذْرُ الصِّيَامِ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنُصَّ عَلَى هَذَا خَلِيلٌ. (وَالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَقَطْ لِنَاذِرِ عُكُوفٍ بِهَا وَإِلَّا فَبِمَوْضِعِهِ) تَقَدَّمَ مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا بِمَسْجِدِ الْفُسْطَاطِ فَلْيَعْتَكِفْ بِمَوْضِعِهِ وَلَا يَخْرُجْ إلَّا إلَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا بِسَاحِلٍ فَاعْتِكَافُهُ بِمَوْضِعِهِ أَفْضَلُ. (وَكُرِهَ أَكْلُهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ) فِي الْمَجْمُوعَةِ: يُكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخْرُجَ يَأْكُلَ بَيْنَ يَدَيْ الْمَسْجِدِ وَلَا بَأْسَ بِهِ دَاخِلَ الْمَنَارَةِ وَيُغْلِقُ عَلَيْهِ بَابَهَا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَا يَأْكُلُ إلَّا دَاخِلَ الْمَسْجِدِ فَإِنْ أَكَلَ خَارِجَهُ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ (وَاعْتِكَافُهُ غَيْرُ مَكْفِيٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِخُرُوجِهِ لِشِرَاءِ طَعَامِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ كَافِيًا ثُمَّ قَالَ: لَا أَرَاهُ. ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ كَافِيًا فِي ابْتِدَاءِ اعْتِكَافِهِ، فَإِنْ دَخَلَ فَلَا كَرَاهَةَ فِي خُرُوجِهِ لِذَلِكَ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا خِلَافُ رِوَايَةِ أَبِي عُمَرَ. (وَدُخُولُهُ مَنْزِلَهُ وَإِنْ لِغَائِطٍ) . ابْنُ حَبِيبٍ: يُكْرَهُ دُخُولُهُ مَنْزِلَهُ الْمَسْكُونَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فَإِذَا دَخَلَ أَسْفَلَهُ وَأَهْلُهُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 عُلْوِهِ فَلَا بَأْسَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَكْرَهُهُ فِي بَيْتِهِ خَوْفَ الشَّغْلِ بِأَهْلِهِ وَاشْتِغَالِهِ. (بِعِلْمٍ وَكِتَابَةٍ وَإِنْ مُصْحَفًا إنْ كَثُرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْعُلَمَاءِ وَلَا يَكْتُبُ الْعِلْمَ إلَّا مَا خَفَّ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَى مَالِكٍ (وَفِعْلُ غَيْرِ ذِكْرٍ وَصَلَاةٍ وَتِلَاوَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ قَصْرُ عَمَلِ الْمُعْتَكِفِ عَلَى الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ (كَعِيَادَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَعُودُ الْمُعْتَكِفُ بِالْمَسْجِدِ مَرِيضًا وَلَا يَقُومُ بِالْمَسْجِدِ لِيُعَزِّيَ أَوْ لِيُهَنِّئَ أَوْ لِيُسَلِّمَ إلَّا أَنْ يَغْشَاهُ بِمَجْلِسِهِ. سَنَدٌ: فَإِنْ خَرَجَ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ أَوْ لِجِنَازَةٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ (وَجِنَازَةٍ وَلَوْ لَاصَقَتْ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " لَا جِنَازَتِهِمَا ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 (وَصُعُودُهُ لِتَأْذِينٍ بِمَنَارٍ أَوْ سَطْحٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ لِلْمُؤَذِّنِ الْمُعْتَكِفِ أَنْ يَرْقَى عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ لِلْأَذَانِ. وَاخْتُلِفَ قَوْلُهُ فِي صُعُودِ الْمَنَارِ وَجُلُّ قَوْلِهِ الْكَرَاهَةُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا رَأْيٌ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُقِيمَ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ يَمْشِي إلَى الْإِمَامِ وَذَلِكَ عَمَلٌ (وَتَرَتُّبُهُ لِلْإِمَامَةِ) سَمِعَ مُطَرِّفٌ: أَيَؤُمُّ الْقَوْمَ الْمُعْتَكِفُ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَمَا أَنْكَرَ ذَلِكَ أَحَدٌ. عِيَاضٌ: سَعْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَوْضِعِ إمَامَتِهِ مِنْ مَوْضِعِ مُعْتَكَفِهِ وَإِمَامَتِهِ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الِاعْتِكَافِ أَيْ هُوَ مِنْ بَابِ مَا هُوَ فِيهِ. وَمَنَعَ سَحْنُونَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إمَامَةَ الْمُعْتَكِفِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْكَافَّةُ عَلَى خِلَافِهِ (وَإِخْرَاجُهُ لِحُكُومَةٍ إنْ لَمْ يَلُذْ بِهِ) رَوَى ابْنُ نَافِعٍ: إنْ أَخْرَجَهُ قَاضٍ لِخُصُومَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَارِهًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْتَدِئَ وَلَا يَنْبَغِي إلَيْهِ إخْرَاجُهُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ إنَّمَا اعْتَكَفَ لِوَاذًا وَفِرَارًا مِنْ الْحَقِّ. (وَجَازَ إقْرَاءُ قُرْآنٍ) الْجَلَّابُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُقْرِئَ غَيْرَهُ الْقُرْآنَ بِمَوْضِعِهِ. (وَسَلَامُهُ عَلَى مَنْ بِقُرْبِهِ) ابْنُ نَافِعٍ: لَا يَعُودُ مَرِيضًا مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَ إلَى جَنْبِهِ فَيَسْأَلَهُ عَنْ حَالِهِ وَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ لِأَحَدٍ. (وَتَطَيُّبُهُ وَأَنْ يَنْكِحَ وَيُنْكِحَ بِمَجْلِسِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 أَنْ يَتَطَيَّبَ وَيَنْكِحَ. ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ عَقْدُ نِكَاحٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فِي مَجْلِسِهِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِشَيْءٍ مِنْ مِثْلِ هَذَا كُلِّهِ. (وَأَخْذُهُ إذَا خَرَجَ لِكَغُسْلِ جُمُعَةٍ ظُفُرًا أَوْ شَارِبًا) الذَّخِيرَةُ: إذَا خَرَجَ لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ فَلَهُ فِي بَيْتِهِ نَتْفُ إبِطِهِ وَتَقْلِيمُ أَظَافِرِهِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَكُرِهَ لَهُ ذَلِكَ بِالْمَسْجِدِ لِحُرْمَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 الْمَسْجِدِ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ حَيْثُ يَخْرُجُ لِحَاجَتِهِ لِلْجُمُعَةِ أَوْ تَبَرُّدًا (وَانْتِظَارُ غَسْلِ ثَوْبِهِ أَوْ تَجْفِيفِهِ وَنُدِبَ إعْدَادُ ثَوْبِهِ) الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْجَنَابَةِ وَلَا يَنْتَظِرُ غَسْلَ ثَوْبِهِ مِنْ الِاحْتِلَامِ وَتَجْفِيفَهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِدَّ ثَوْبًا آخَرَ يَأْخُذُهُ إذَا أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ. (وَمُكْثُهُ لَيْلَةَ الْعِيدِ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَخْرُجُ فِي غَيْرِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لِغُرُوبِ آخِرِ أَيَّامِهِ وَفِي الْعَشْرِ يُؤْمَرُ بِالْمُكْثِ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ. وَفِي كَوْنِهِ وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا قَوْلَانِ (وَدُخُولُهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَصَحَّ إنْ دَخَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ: " يَدْخُلُ الْمُعْتَكِفُ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ " الِاسْتِحْبَابُ لَا اللُّزُومُ. وَفِي الْمَعُونَةِ: إذَا دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي وَقْتٍ يَصِحُّ لَهُ الصَّوْمُ أَجْزَأَهُ. (وَاعْتِكَافُ عَشَرَةٍ) الرِّسَالَةُ: أَحَبُّ مَا هُوَ الِاعْتِكَافُ إلَيْنَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ (وَبِآخِرِ الْمَسْجِدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلْيَعْتَكِفْ فِي عَجُزِ الْمَسْجِدِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي رِحَابِهِ. (وَبِرَمَضَانَ وَبِالْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ الْغَالِبَةِ بِهِ وَفِي كَوْنِهَا بِالْعَامِ أَوْ بِرَمَضَانَ خِلَافٌ) ابْنُ حَبِيبٍ: أَفْضَلُ الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 رَمَضَانَ لِالْتِمَاسِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ. ابْنُ يُونُسَ: الَّذِي كَثُرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ أَنَّهَا مِنْ رَمَضَانَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ. وَاَلَّذِي قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي مِيقَاتِ رَجَاتِهَا فَقِيلَ هُوَ الْعَامُ كُلُّهُ، وَقِيلَ إنَّهَا فِي رَمَضَانَ. ابْنُ عَرَفَةَ: يَتَحَصَّلُ فِيهَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَوْلًا (وَانْتَقَلَتْ وَالْمُرَادُ بِكَسَابِعَةٍ مَا بَقِيَ) قَالَ مَالِكٌ فِي حَدِيثِ «الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ» قَالَ: أَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّاسِعَةِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَالسَّابِعَةِ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَالْخَامِسَةِ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، ابْنُ يُونُسَ: يَرِدُ هَذَا فِي نُقْصَانِ الشَّهْرِ. (وَبَنَى بِزَوَالِ إغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا زَوَالُ الْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ اكْتِسَابٍ كَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ فَيُوجِبَانِ الْبِنَاءَ دُونَ اسْتِئْنَافٍ (كَأَنْ مُنِعَ مِنْ الصَّوْمِ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ لِمَرَضٍ خَرَجَ فَإِذَا صَحَّ بَنَى. قَالَ سَنَدٌ: إنْ كَانَ رَمَضَانُ لَا يَحُوجُهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَجَبَتْ الْإِقَامَةُ لِيَأْتِيَ مِنْ الْعِبَادَةِ بِالْمُمْكِنِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: يَخْرُجُ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الصَّوْمِ إذْ لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ فَإِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ فِي بَعْضِ النَّهَارِ وَقَوِيَ عَلَى الصَّوْمِ فَلْيَدْخُلْ الْمَسْجِدَ حِينَئِذٍ وَلَا يُؤَخِّرْ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُعْتَكِفَةِ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا أَوَّلَ النَّهَارِ: إنَّهَا تَرْجِعُ إلَى الْمَسْجِدِ سَاعَةَ طَهُرَتْ ثُمَّ تَمْضِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهَا. (أَوْ عِيدٍ وَخَرَجَ وَعَلَيْهِ حُرْمَتُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اعْتَكَفَ بَعْضَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ثُمَّ مَرِضَ فَصَحَّ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 وَلَا يَلْبَثُ يَوْمَ الْفِطْرِ فِي مُعْتَكَفِهِ إذْ لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصِيَامٍ، وَيَوْمُ الْفِطْرِ لَا يُصَامُ فَإِذَا مَضَى يَوْمُ الْفِطْرِ عَادَ إلَى مُعْتَكَفِهِ فَيَبْنِي عَلَى مَا مَضَى. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ: يَشْهَدُ الْعِيدَ مَعَ النَّاسِ وَيَرْجِعُ إلَى الْمَسْجِدِ لَا إلَى بَيْتِهِ وَلَا يَعْتَدُّ بِذَلِكَ الْيَوْمِ (وَإِنْ أَخَّرَهُ بَطَلَ) ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ أَخَّرَ الْمَرِيضُ الرُّجُوعَ إلَى الْمَسْجِدِ بَعْدَ إفَاقَتِهِ أَوْ الْحَائِضُ بَعْدَ طُهْرِهَا كَانَ ذَلِكَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَلِيَبْتَدِئَا الِاعْتِكَافَ. (إلَّا لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَلْبَثُ يَوْمَ الْفِطْرِ فِي مُعْتَكَفِهِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَبِيتُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَبِيتَ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهَا لَيْلَةٌ لَا يَصِحُّ فِيهَا تَبْيِيتٌ (وَإِنْ اشْتَرَطَ سُقُوطَ الْقَضَاءِ لَمْ يُفِدْهُ) الرِّسَالَةُ: وَلَا شَرْطَ فِي الِاعْتِكَافِ. ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطٌ فِيهِ لَغْوٌ. بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ: لَوْ نَذَرَهُ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا بِدُخُولِهِ فَيَبْطُلُ شَرْطُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 [كِتَابُ الْحَجِّ] [مقدمات وَمَقَاصِد الْحَجّ] [بَاب فِي وُجُوب أَدَاء النسكين] وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَالنَّظَرُ فِيهِ فِي ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَهِيَ اثْنَانِ: الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى الشَّرَائِطُ. الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ الْمَوَاقِيتُ وَهِيَ زَمَانِيَّةٌ وَمَكَانِيَّةٌ الْقِسْمُ الثَّانِي فِي الْمَقَاصِدِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ مِنْ إفْرَادٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ تَمَتُّعٍ، الْبَابُ الثَّانِي فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ مِنْ الْإِحْرَامِ وَسُنَنِهِ وَسُنَنِ دُخُولِ مَكَّةَ وَوَاجِبَاتِهِ وَالسَّعْيِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَأَسْبَابِ التَّحَلُّلِ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَالرَّمْيِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ وَبَيَانِ مَا يُجْبَرُ بِالدَّمِ وَحُكْمِ الصَّبِيِّ الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ اللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ وَتَرْجِيلِ الشَّعْرِ وَالْحَلْقِ وَالْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَإِتْلَافِ الصَّيْدِ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ فِي اللَّوَاحِقِ وَفِيهِ بَابَانِ: الْأَوَّلُ فِي مَوَانِعِ الْحَجِّ مِنْ الْإِحْصَارِ وَالْحَبْسِ وَالرِّقِّ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَالدَّيْنِ الْبَابُ الثَّانِي فِي الدِّمَاءِ فِي أَحْكَامِ الْهَدَايَا وَأَنْوَاعِ الدِّمَاءِ وَأَزْمَانِ إرَاقَتِهَا (فُرِضَ الْحَجُّ وَسُنَّتْ الْعُمْرَةُ مَرَّةً) ابْنُ يُونُسَ: الْحَجُّ فَرْضٌ عَلَى مُسْتَطِيعِهِ مِنْ الْأَحْرَارِ الْمُكَلَّفِينَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ. قَالَ مَالِكٌ: وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 كَالْوِتْرِ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا قَالَ: وَهِيَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْعُمْرِ. (وَفِي فَوْرِيَّتِهِ وَتَرَاخِيهِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ خِلَافٌ) الْجَلَّابُ: مَنْ لَزِمَهُ فَرْضٌ فِي الْحَجِّ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَأْخِيرُهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَفَرْضُهُ عَلَى الْفَوْرِ دُونَ التَّرَاخِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 وَالتَّسْوِيفِ. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا لِلْعِرَاقِيِّينَ، وَعَزَا لِابْنِ مُحْرِزٍ وَالْمَغَارِبَةِ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَهُ. [شَرَائِط الْحَجّ] (وَصِحَّتُهُمَا بِإِسْلَامٍ) ابْنُ شَاسٍ: وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْحَجِّ إلَّا الْإِسْلَامُ ثُمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 قَالَ: وَتُسَاوِي الْعُمْرَةُ الْحَجَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ خَلَا الْوُجُوبِ فَإِنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. (فَيُحْرِمُ وَلِيٌّ عَنْ رَضِيعٍ وَجُرِّدَ قُرْبَ الْحَرَمِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَيَصِحُّ الْحَجُّ لِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَلِلْمَجْنُونِ وَيُحْرِمُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا بِتَجْرِيدِهِمَا نَاوِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 وَلَا يُلَبِّي عَنْهُمَا وَيُجَرَّدُ الْمُنَاهِزُ مِنْ مِيقَاتِهِ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَنْتَهِزُ كَابْنِ ثَمَانِ سِنِينَ فَيُجَرَّدُ قُرْبَ الْحَرَمِ. (وَمُطْبِقٍ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: يُحْرِمُ عَنْ الْمَجْنُونِ وَلِيُّهُ. اللَّخْمِيِّ: الرَّضِيعُ كَالْبَهِيمَةِ وَأَمَّا ابْنُ الرَّضِيعِ كَالْبَهِيمَةِ وَأَمَّا ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ فَيَخْتَلِفُ إذَا عَقَدَ وَلِيُّهُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامَ وَكَذَلِكَ الْمُطْبِقُ وَالْمَجْنُونُ فَأَجَازَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِخِلَافِ الْمُغْمَى فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ إحْرَامٌ. (لَا مُغْمًى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَحْرَمَ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَلَمْ يُفِقْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِهِ حَجُّهُ (وَالْمُمَيِّزُ بِإِذْنِهِ) . ابْنُ شَاسٍ: الْمُمَيِّزُ يُحْرِمُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَيُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ (وَإِلَّا فَلَهُ تَحْلِيلُهُ) . ابْنُ عَرَفَةَ: شَكَّ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ فِي جَوَازِ تَحْلِيلِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ السَّفِيهِ وَلِيُّهُ قُصُورٌ لِقَبُولٍ. الشَّيْخُ وَالصَّقَلِّيُّ: قَوْلُ أَشْهَبَ لَوْ عَتَقَ أَوْ بَلَغَ عَقِبَ تَحْلِيلِهِ سَيِّدُهُ أَوْ وَلِيُّهُ فَأَحْرَمَ لِفَرْضِهِ، أَجْزَأَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إحْرَامُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ لِسَفَهٍ اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلِلْوَلِيِّ مَنْعُ سَفِيهٍ ". (وَلَا قَضَاءَ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلِلْوَلِيِّ مَنْعُ سَفِيهٍ ". (بِخِلَافِ الْعَبْدِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: لِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُ ذِي رِقٍّ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ. الْجَلَّابُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 وَعَلَى الْعَبْدِ قَضَاؤُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ. (وَأَمَرَهُ مَقْدُورَهُ وَإِلَّا نَابَ عَنْهُ إنْ قَبِلَهَا كَطَوَافٍ لَا كَتَلْبِيَةٍ وَرُكُوعٍ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 (وَأَحْضَرَهُمْ الْمَوَاقِفَ) الْقَرَافِيُّ: إنْ لَمْ يَقْوَ الصَّبِيُّ عَلَى الطَّوَافِ طَافَ بِهِ مَنْ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ مَحْمُولًا عَلَى سُنَّةِ الطَّوَافِ وَلَا يَرْكَعُ عَنْهُ إنْ لَمْ يَعْقِلْ الصَّلَاةَ لِتَعَذُّرِ النِّيَابَةِ فِيهَا شَرْعًا، وَلَهُ أَنْ يَسْعَى عَنْهُ وَعَنْ الصَّبِيِّ سَعْيًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الطَّوَافِ. إذَا كَانَ الصَّبِيُّ يَتَكَلَّمُ لُقِّنَ التَّلْبِيَةَ وَإِلَّا سَقَطَتْ كَمَا تَسْقُطُ عَنْ الْأَخْرَسِ وَإِذَا سَقَطَ وُجُوبُهَا سَقَطَ دَمُهَا، وَيَخْرُجُ بِهِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَقِفُ بِهِ وَيَبِيتُ بِهِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ الرَّمْيُ رَمَى وَإِلَّا رَمَى عَنْهُ وَلَا يَرْمِي عَنْهُ إلَّا مَنْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَدَاخُلِ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ. (وَزِيَادَةُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ إنْ خِيفَ ضَيْعَتُهُ وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ إنْ بِحَجِّهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ إلَّا أَنْ يَخَافَ مِنْ ضَيْعَتِهِ بَعْدَهُ إذْ لَا كَافِلَ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ وَإِلَّا ضَمِنَ مَا أَكْرَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ إلَّا قَدْرَ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي مُقَامِهِ. (كَجَزَاءِ صَيْدٍ وَفِدْيَةٍ بِلَا ضَرُورَةٍ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: مَا أَصَابَ الصَّبِيُّ مِنْ صَيْدٍ أَوْ مَا فِيهِ فِدْيَةٌ فَفِي مَالِ الْأَبِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ بِهِ نَظَرًا لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 لَوْ تَرَكَهُ ضَاعَ فَيَكُونُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ. (وَشَرْطُ وُجُوبِهِ كَوُقُوعِهِ فَرْضًا حُرِّيَّةٌ وَتَكْلِيفٌ وَقْتَ إحْرَامِهِ) . ابْنُ شَاسٍ: لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْحَجِّ إلَّا الْإِسْلَامُ إذْ يَصِحُّ حَجُّ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَلَا يُشْتَرَطُ لِوُقُوعِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إلَّا الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ، وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ حَجِّ الْإِسْلَامِ مَا عَدَا الْإِسْلَامَ مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِطِ مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ. (بِلَا نِيَّةِ نَفْلٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مَنْ نَوَى النَّفَلَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 الْفَرْضِ (وَوَجَبَ بِاسْتِطَاعَةٍ بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: يَجِبُ بِالِاسْتِطَاعَةِ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهَا قُدْرَةُ الْوُصُولِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 (بِلَا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ) نَحْوُ هَذَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ (وَأَمْنٍ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمُعْتَبَرُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 الِاسْتِطَاعَةِ الْإِمْكَانُ غَيْرُ الْمُضِرِّ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَيُعْتَبَرُ الْأَمْنُ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ (إلَّا لِأَخْذِ ظَالِمٍ مَا قَلَّ لَا يَنْكُثُ عَلَى الْأَظْهَرِ) ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى الْحَجِّ إلَّا بِإِخْرَاجِ الْمَالِ إلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَيْهِ. وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ: إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا بِإِخْرَاجِ الْمَالِ الْكَثِيرِ الَّذِي يَشُقُّ وَيَخْرُجُ عَنْ الْعَادَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ كَالثَّمَنِ فِي مَاءِ الطَّهَارَةِ وَالثَّمَنِ فِي رَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا قَرِيبًا فَالْحَجُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا يُؤْمَنَ أَنْ يَخْفِرَهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 وَيَأْخُذَ أَمْوَالَهُمْ فَيَصِيرُونَ قَدْ غَرُّوا بِأَنْفُسِهِمْ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ يَغْلِبُ مِنْ غَالِبِ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَخْفِرُ مَا عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَهَذَا أَشْبَهُ انْتَهَى بِالْمَعْنَى ابْنُ يُونُسَ: وَلَمْ أَجِدْهُ لِابْنِ رُشْدٍ. (وَلَوْ بِلَا زَادٍ وَرَاحِلَةٍ) قِيلَ لِمَالِكٍ: الِاسْتِطَاعَةُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ؟ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ وَاحِدٌ يَجِدُ زَادًا وَرَاحِلَةً وَلَا يَقْدِرُ عَلَى السَّيْرِ، وَآخَرُ يَقْدِرُ أَنْ يَمْشِيَ رَاجِلًا وَرُبَّ صَغِيرٍ أَجْلَدُ مِنْ كَبِيرٍ وَلَا صِفَةَ فِي هَذَا أَبْيَنُ مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] . (كَذِي صَنْعَةٍ تَقُومُ بِهِ وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ) . ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ قَدَر عَلَى الْمَشْيِ وَمَا يَعِيشُ بِهِ فِي بَلَدِهِ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فِي طَرِيقِهِ مِنْ صِنَاعَتِهِ لَا يَعْدَمُهَا أَوْ سُؤَالٍ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فَالْحَجُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ. (وَكَأَعْمَى بِقَائِدٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: قُدْرَةُ أَعْمَى عَلَى وُصُولِهِ بِقَائِدٍ اسْتِطَاعَةٌ (وَإِلَّا اُعْتُبِرَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ مِنْهُمَا) . رَاجِعْ أَوَّلَ تَرْجَمَةٍ مِنْ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 الْحَجَّ تَارَةً يَجِبُ بِوُجُودِ الزَّادِ وَالْمَرْكَبِ وَتَارَةً يَجِبُ مَعَ عَدَمِهِمَا وَتَارَةً يَجِبُ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا. (وَإِنْ بِثَمَنِ وَلَدِ زِنًا) . ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ مَالِكٍ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ بِثَمَنِ وَلَدِ الزِّنَا وَأَنْ يُعْتِقَ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِحْبَابُ عِنْدَهُ خِلَافَ ذَلِكَ مِنْ رَسْمِ الْمُحْرِمِ. قَالَ عُمَرُ: هُوَ خَيْرُ الثَّلَاثَةِ. الْقَرَافِيُّ: إنْ غَصَبَ مَالًا فَحَجَّ بِهِ أَجْزَأَهُ حَجُّهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ: لَا يُجْزِئُهُ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ فِي الدَّارِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 الْمَغْصُوبَةِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ عِنْدَ الْحَجِّ بَلْ هُوَ كَمَنْ غَرَّ بِنَفْسِهِ وَحَجَّ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَنْ غَصَبَ فَرَسًا وَقَاتَلَ عَلَيْهِ قَالَ اللَّخْمِيِّ: سَهْمَاهُ لَهُ لَا لِرَبِّ الْفَرَسِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي مَسَالِكِهِ: مَنْ قَاتَلَ عَلَى فَرَسٍ مَغْصُوبٍ فَلَهُ الشَّهَادَةُ وَعَلَيْهِ الْمَعْصِيَةُ فَلَهُ أَجْرُ شَهَادَتِهِ وَعَلَيْهِ إثْمُ مَعْصِيَةٍ. (أَوْ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ) . ابْنُ شَاسٍ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ النَّاضِّ مَا يَحُجُّ بِهِ وَعِنْدَهُ عُرُوضٌ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 عُرُوضِهِ لِلْحَجِّ مَا يُبَاعُ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ. (أَوْ بِافْتِقَارِهِ أَوْ تَرَكَ وَلَدَهُ لِلصَّدَقَةِ) سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْقَرْيَةُ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا، أَيَبِيعُهَا فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَتْرُكُ وَلَدَهُ فِي الصَّدَقَةِ (إنْ لَمْ يَخْشَ هَلَاكًا) ابْنُ رُشْدٍ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: " وَيَتْرُكُ وَلَدَهُ فِي الصَّدَقَةِ " هَذَا إنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 أَمِنَ ضَيْعَتَهُمْ (لَا بِدَيْنٍ أَوْ عَطِيَّةٍ) . الْقَرَافِيُّ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَوْ بُذِلَ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 لِأَنَّ أَسْبَابَ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ تَحْصِيلُهَا وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَفَ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ مِنْ الْحَجِّ. (أَوْ سُؤَالٍ مُطْلَقًا) . ابْنُ عَرَفَةَ: لَا يَجِبُ عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ سَائِلٍ بِالْحَضَرِ قَادِرٍ عَلَى سُؤَالِ كِفَايَتِهِ بِالسَّفَرِ اسْتِطَاعَةٌ. وَقَالَ خَلِيلٌ فِي مَنَاسِكِهِ: وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ عَادَتُهُ السُّؤَالُ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 إعْطَاءَهُ وَيُكْرَهُ لَهُ الْمَسِيرُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُ السُّؤَالَ أَوْ لَمْ تَكُنْ الْعَادَةُ إعْطَاءَهُ سَقَطَ الْحَجُّ بِالِاتِّفَاقِ. (وَاعْتُبِرَ مَا يُرَدُّ بِهِ خَشِيَ ضَيَاعًا) نَصَّ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الِاسْتِطَاعَةِ مَا يُوَصِّلُ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ هُنَاكَ ضَاعَ وَخَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ فَيُرَاعِي مَا يُبْلِغُهُ وَيَرْجِعُ بِهِ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 يُمْكِنُهُ التَّمْعِيشُ. وَنَقَلَ ابْنُ الْمُعَلَّى عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْتِبَارَ الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. (وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَطَبُهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْبَحْرُ الْآمِنُ مَعَ أَدَاءِ فَرْضِ الصَّلَاةِ كَالْبَرِّ وَإِلَّا سَقَطَ (أَوْ يُضَيِّعَ رُكْنَ صَلَاتِهِ لِكَمِيدِ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ كَانَ غَالِبُ رَاكِبِ الْبَحْرِ الْعَطَبَ أَوْ عَلِمَ مِنْ حَالِ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَمِيدُ حَتَّى يُعَطِّلَ الصَّلَاةَ أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ الرُّكُوعَ أَوْ السُّجُودَ إلَّا عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ فَلَا يَرْكَبُهُ. قَالَ مَالِكٌ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 أَيَرْكَبُ حَيْثُ لَا يُصَلِّي وَيْلٌ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ. قَالَ سَنَدٌ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَإِذَا ذَكَرَ الْعِشَاءَ صَلَّاهَا وَإِنْ فَاتَ الْحَجُّ فَقَدَّمَ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ عَلَى الْحَجِّ. (وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ) . ابْنُ شَاسٍ: الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ إلَّا فِي اسْتِصْحَابِ الْوَلِيِّ. ابْنُ الْمَوَّازِ: لَيْسَ النِّسَاءُ كَالرِّجَالِ وَإِنْ قَوِينَ لِأَنَّهُنَّ عَوْرَةٌ فِي مَشْيِهِنَّ إلَّا الْمَكَانَ الْقَرِيبَ، مِثْلُ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا أَقْرَبُ مِنْهَا إذَا أَطَقْنَ الْمَشْيَ. وَكَرِهَ مَالِكٌ حَجَّ الْمَرْأَةِ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهَا تَنْكَشِفُ. (إلَّا فِي بَعِيدِ مَشْيٍ وَرُكُوبِ بَحْرٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ وَكَرَاهَةُ مَالِكٍ حَجَّهَا فِي الْبَحْرِ (إلَّا أَنْ تُخَصَّ بِمَكَانٍ) . اللَّخْمِيِّ: رُكُوبُ النِّسَاءِ فِي الْبَحْرِ إذَا كَانَتْ فِي سَرِيرٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ عِنْدَ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. وَمِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ: وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ إلَّا فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 الْمَشْيِ مِنْ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ وَرُكُوبِ الْبَحْرِ وَاخْتُلِفَ فِي إلْزَامِهَا ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ اللُّزُومِ فِيهَا. قَالَ عِيَاضٌ: إلَّا فِي الْمَرَاكِبِ الْكِبَارِ الَّتِي تَخْتَصُّ فِيهَا بِمَكَانٍ. (وَزِيَادَةِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَعْرُوفُ شَرْطُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِصُحْبَةِ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ (كَرُفْقَةٍ أُمِنَتْ) . الْبَاجِيُّ: لَا يُعْتَبَرُ صُحْبَةُ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ فِي كِبَرِ الْقَوَافِلِ وَعَامِرِ الطُّرُقِ الْمَأْمُونَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: جَمَاعَةُ النَّاسِ كَالْمَحْرَمِ (بِفَرْضٍ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 ابْنُ حَبِيبٍ: لَهَا أَنْ تَخْرُجَ لِلْفَرْضِ بِلَا إذْنِ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا وَلَا بُدَّ فِي التَّطَوُّعِ مِنْ إذْنِهِ وَالْمَحْرَمِ. وَقَالَ خَلِيلٌ فِي مَنَاسِكِهِ: لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ اسْتِطَاعَةِ الْمَرْأَةِ وُجُودُ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ بَلْ يَكْتَفِي بِالرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ. هَذَا فِي حَجِّ الْفَرِيضَةِ وَأَمَّا فِي النَّافِلَةِ فَلَا، وَسَوَاءٌ الشَّابَّةُ وَغَيْرُهَا. (وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِنِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ أَوْ بِالْمَجْمُوعِ تَرَدُّدٌ) عِيَاضٌ: اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ مَالِكٍ: " تَخْرُجُ مَعَ رِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ " هَلْ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ حَدِّ الْجِنْسَيْنِ؟ وَأَكْثَرُ مَا نَقَلَهُ أَصْحَابُنَا عَنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 اشْتِرَاطُ النِّسَاءِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا تَخْرُجُ مَعَ رِجَالٍ لَيْسُوا مِنْهَا بِمَحْرَمٍ، وَأَمَّا الْمُتَجَالَّةُ فَتُسَافِرُ كَيْفَ شَاءَتْ لِلْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ مَعَ الرِّجَالِ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ. (وَصَحَّ بِالْحَرَامِ وَعَصَى) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 الْجُمْهُورِ. (وَفُضِّلَ حَجٌّ عَلَى غَزْوٍ) رَوَى ابْنُ وَهْبٍ: تَطَوُّعُ الْجِهَادِ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّعِ الْحَجِّ. وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ عَنْ سَنَدٍ قَالَ مَالِكٌ: الْحَجُّ أَفْضَلُ مِنْ الْغَزْوِ (وَإِلَّا لِخَوْفٍ) سَمِعَ عِيسَى ابْنُ الْقَاسِمِ: الْحَجُّ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 الْغَزْوِ إلَّا فِي الْخَوْفِ، وَمِنْ الصَّدَقَةِ إلَّا فِي الْمُجَامَعَةِ وَالصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ. (وَرُكُوبٌ) رَوَى مُحَمَّدٌ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 الْحَجُّ عَلَى الْإِبِلِ وَالدَّوَابِّ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمَشْيِ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيِّ عَكْسَ هَذَا. (وَمُقَتَّبٌ) الْجَوْهَرِيُّ: الْقَتَبُ رَجُلٌ صَغِيرٌ عَلَى قَدْرِ السَّنَامِ وَاقْتَتَبَتْ الْبَعِيرَ أَقْتَابًا إذَا شَدَدْت عَلَيْهِ الْقَتَبَ. قَالَ خَلِيلٌ فِي مَنَاسِكِهِ: الْمُقَتَّبُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَحْمَلِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لِمُوَافَقَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلِإِرَاحَةِ الدَّابَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 (وَتَطَوُّعُ وَلِيِّهِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ كَصَدَقَةٍ وَدُعَاءٍ) . ابْنُ يُونُسَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالْحَجِّ عَنْ مَيِّتٍ ضَرُورَةً وَلْيَتَطَوَّعْ عَنْهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ يُهْدِي عَنْهُ أَوْ يَتَصَدَّقُ أَوْ يُعْتِقُ. التَّلْقِينُ: مَنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 يَحُجَّ لَمْ يَلْزَمْ الْحَجُّ عَنْهُ فِي رَأْسِ مَالِهِ وَلَا فِي ثُلُثِهِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهِ. (وَإِجَارَةُ ضَمَانٍ عَلَى بَلَاغٍ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عِنْدَنَا عَلَى الْحَجِّ، الْقَرَافِيُّ: إنَّمَا صَحَّحْنَاهَا لِأَنَّهَا مَحِلُّ اجْتِهَادٍ فَلَا يُقْطَعُ بِالْبُطْلَانِ وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: عَلَى وَجْهِ الْجَعَالَةِ وَهُوَ أَنْ لَا يُلْزِمَ نَفْسَهُ شَيْئًا وَلَكِنْ إنْ حَجَّ كَانَ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 كَذَا وَإِلَّا فَلَا الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ بِالنَّفَقَةِ وَتُسَمَّى الْبَلَاغُ وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَالًا لِيَحُجَّ بِهِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى زِيَادَةٍ رَجَعَ بِهَا وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ رَدَّهُ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْإِجَارَةِ عَلَى الْبَلَاغِ. (وَالْمَضْمُونَةُ كَغَيْرِهَا) الْجَلَّابُ: الْإِجَارَةُ الْمَضْمُونَةُ هُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 الرَّجُلُ عَلَى حَجَّةٍ مَوْصُوفَةٍ مِنْ مَكَان مَعْلُومٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَيَكُونَ الْفَضْلُ لَهُ وَالنُّقْصَانُ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ كَانَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ وَأَخَذَ الْبَاقِيَ مِنْ مَالِهِ. ابْنُ شَاسٍ: هِيَ كَالْإِجَارَةِ كُلِّهَا (وَتَعَيَّنَتْ فِي الْإِطْلَاقِ) مِنْ وَثَائِقِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجَزَائِرِيِّ. الْإِجَارَةُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: اسْتِئْجَارٌ وَبَلَاغٌ وَمَضْمُونٌ. وَلَا يُعْرَفُ غَيْرُهُ الْمَضْمُونُ إذْ لَا يَضْمَنُ الْعَمَلَ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْمَالَ وَلَوْ ضَمِنَ الْعَمَلَ لَوَجَبَ عَلَى وَرَثَتِهِ إكْمَالُ الْحَجِّ إنْ مَاتَ، وَكَانَ بَعْضُ الْقُضَاةِ يَقْضِي بِالْمَضْمُونِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّمَا يَضْمَنُ الْحَجَّةَ لَا الْإِجَارَةَ وَكَذَلِكَ سُنَّةُ السَّلَفِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ الْجُعَلَ وَاعْتَمَدَ فِي تَقْيِيدِ ذَلِكَ عَلَى مَا يَعْهَدُ بِهِ الْمُوصِي فَإِنْ لَمْ يُفَسِّرْ فَعَلَى عَادَةِ الْبَلَدِ. (كَمِيقَاتِ الْمَيِّتِ) فِي الْعُتْبِيَّةِ: مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْحَجِّ عَنْ مَيِّتٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِ الْمَيِّتِ (وَلَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 بِالْحِسَابِ إنْ مَاتَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْجَلَّابِ: كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحَسَبِ مَا عَمِلَ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا بَلَغَ وَانْفَسَخَ الْبَاقِي عَنْ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَى حُكْمِهِ فِي نَفْسِهِ، فَإِنْ صَدَّهُ عَدُوٌّ وَحَلَّ مَكَانَهُ وَإِنْ مَرِضَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ رَجَعَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ أَقَامَ حَتَّى مَكَانِهِ وَيَحِلُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 بِعُمْرَةٍ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي تَمَادِيهِ. وَكَذَلِكَ إنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِخَطَأِ الْعَدَدِ وَلَا شَيْءَ لَهُ بِتَمَادِيهِ لِأَنَّ الْعَامَ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ ذَهَبَ أَوْ فِي مَعْنَى الذَّاهِبِ، وَإِنَّمَا تَمَادِيهِ لِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِيمَا يَنْحَلُّ بِهِ مِنْ الْإِحْرَامِ. وَلَوْ أَقَامَ عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَإِنْ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ قَضَى قَابِلًا وَلَا شَيْءَ لَهُ. وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى حَجَّةٍ مَضْمُونَةٍ فَصَدَّهُ عَدُوٌّ حَلَّ ثُمَّ يَنْظُرُ. فَإِنْ كَانَ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ لِقَابِلٍ لَمْ تُفْسَخْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَصْبِرَ أَوْ يَفْسَخَ. وَكَذَلِكَ إنْ مَرِضَ وَفَاتَهُ الْحَجُّ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ هُوَ بِالْخِيَارِ إذَا كَانَ عَلَى بُعْدٍ، وَلَا خِيَارَ لَهُ إذَا لَمْ تُدْرِكْهُ مَشَقَّةٌ فِي الصَّبْرِ. وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ وَأَقَامَ عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ وَحَجّ أَجْزَأَهُ وَاسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ الْبَاقِي مِنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ وَمَا يُقِيمُ لِأَعْمَالِهِ حَتَّى يَقْضِيَ الْحَجَّ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ كُلَّهَا لِأَنَّهُ بَلَغَ مَكَّةَ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ عُمْدَةَ مَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَغَيْرِهِ. فَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ بِنَفَقَتِهِ عَلَى عَامٍ بِعَيْنِهِ فَصَدَّهُ عَدُوٌّ حَلَّ وَرَجَعَ وَلَهُ نَفَقَةُ رُجُوعِهِ، وَإِنْ تَمَادَى وَأَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ لَمْ تَكُنْ لَهُ نَفَقَةٌ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي صُدَّ فِيهِ حَتَّى رَجَعَ إلَيْهِ وَلَهُ النَّفَقَةُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي صُدَّ فِيهِ حَتَّى رَجَعَ. وَكَذَلِكَ إنْ مَرِضَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ لَهُ نَفَقَتُهُ مَا أَقَامَ مَرِيضًا وَلَا شَيْءَ فِي رَجْعَتِهِ وَلَهُ فِي تَمَادِيهِ إلَى مَكَّةَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ تَمَادَى وَلَهُ نَفَقَتُهُ فِي تَمَادِيهِ وَفِي رَجْعَتِهِ عَلَى الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ لِيَحُجَّ بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْرَمَ لَمْ يَسْتَطِعْ الرُّجُوعَ، وَإِنْ مَاتَ وَكَانَ الْحَجُّ عَلَى الْإِجَارَةِ كَانَ لَهُ بِقَدْرِ مَا سَارَ وَاسْتَرْجَعَ مِنْهُ الْبَاقِيَ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ بِنَفَقَتِهِ كَانَ لَهُ مَا أَنْفَقَ وَاسْتَرْجَعَ الْفَاضِلَ، وَإِنْ كَانَتْ جُعْلَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيمَا سَارَ مِنْ؛ الطَّرِيقِ شَيْءٌ. وَكُلُّ هَذَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَجَّةُ مَضْمُونَةً فِي الذِّمَّةِ اُسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يُتِمُّ مِنْ بَقِيَّةِ الطَّرِيقِ. (وَلَوْ بِمَكَّةَ) الْقَرَافِيُّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فِي الْأَجِيرِ إذَا مَاتَ بَعْدَ دُخُولِ مَكَّةَ لَهُ جُمْلَةُ الْأَجْرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ثُمَّ أَتَى بِعِبَارَةِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمَةِ (أَوْ صُدَّ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: مَنْ اُسْتُؤْجِرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 عَلَى حَجِّ عَامٍ بِعَيْنِهِ فَصَدَّهُ عَدُوٌّ كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا بَلَغَ (وَالْبَقَاءُ لِقَابِلٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى حَجَّةٍ مَضْمُونَةٍ فَصَدَّهُ عَدُوٌّ حَلَّ وَصَبَرَ لِقَابِلٍ إنْ كَانَ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ وَإِلَّا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ صَبَرَ لِقَابِلٍ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ. فَانْظُرْ أَنْتَ إنْ كَانَ خَلِيلٌ عَنَى هَذَا أَوْ يَكُونُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ مَضْمُونِهِ وَالْمُعَيَّنَةُ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَتَعَيَّنُ كَإِجَارَةٍ عَلَى سَوْقِ قُلَّةِ مَاءِ الْيَوْمِ إنْ لَمْ يَسْقِهَا وَجَبَ خَلَفُ مَاءٍ بِالْغَدِ. وَقَالَ خَلِيلٌ فِي مَنَاسِكِهِ: وَلَوْ صُدَّ الْأَجِيرُ أَوْ مَاتَ سَوَاءٌ عَلَى الضَّمَانِ وَعَلَى الْبَلَاغِ فَفِي الضَّمَانِ لَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ بِقَدْرِ صُعُوبَةِ الطَّرِيقِ وَسُهُولَتِهَا وَأَمْنِهَا وَخَوْفِهَا لَا بِمُجَرَّدِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ. فَقَدْ يَكُونُ رُبْعُهَا يُسَاوِي ثُلُثَ الْكِرَاءِ. وَفِي الْبَلَاغِ يَرُدُّ مَا فَضَلَ ثُمَّ يَسْتَأْجِرُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. إنْ أَمْكَنَ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَتْ النِّيَابَةُ إلَيْهِ. فَإِنْ أَرَادَ بَقَاءَ إجَارَتِهِ إلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ جَازَ فِي الْبَلَاغِ. أَمَّا إجَارَتُهُ فِي الْبَلَاغِ فَلِأَنَّ مَا أَخَذَهُ الْأَجِيرُ فِيهَا لَيْسَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ. وَفِي جَوَازِهِ فِي الْمَضْمُونَةِ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ. فَمَنْ رَأَى لَمَّا تَعَذَّرَ الْحَجُّ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فَصَارَ لَهُ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّأْخِيرُ لِأَنَّ فِيهِ فَسْخَ دَيْنٍ فِي مَنَافِعَ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا، وَمَنْ رَأَى أَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهَا وَأَنَّ الْمَقْصُودَ الْحَجُّ أَجَازَ، وَمَتَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 لَمْ تَتَعَيَّنْ السُّنَّةُ فَفِي الْبُطْلَانِ قَوْلَانِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الصِّحَّةُ. (وَاسْتُؤْجِرَ مِنْ الِانْتِهَاءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ مَاتَ أَجِيرٌ بِالطَّرِيقِ فَلَهُ بِقَدْرِ مَا بَلَغَ. الْقَابِسِيُّ: يَسْتَأْجِرُ مِنْ مَوْضِعِ مَوْتِ الْأَوَّلِ أَوْ صَدِّهِ. (وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ كَهَدْيِ تَمَتُّعٍ عَلَيْهِ وَصَحَّ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْعَامَ وَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمَتَى لَمْ يُعَيِّنْ السَّنَةَ فَفِي الْبُطْلَانِ قَوْلَانِ وَعَلَى الصِّحَّةِ تَتَعَيَّنُ أَوَّلُ سَنَةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى حَجَّةٍ وَلَمْ يُسَمِّ فِي أَيِّ سَنَةٍ فَتَكُونُ الْحَجَّةُ عَلَى الْحُلُولِ، فَإِنْ أَفْسَدَهَا فِي أَوَّلِ سَنَةٍ أَوْ حُصِرَ حَتَّى فَاتَتْهُ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا. قَالَ سَنَدٌ: يَجِبُ اتِّصَالُ الْعَمَلِ بِالْعَقْدِ فِي الْإِجَارَةِ الْمُعَيَّنَةِ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ وَإِنْ كَانَتْ بِالْحِجَازِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ لِيَشْرَعَ فِيهَا عَقِبَ الْعَقْدِ، وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ فِي الْمَضْمُونَةِ السِّنِينَ. ابْنُ يُونُسَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 حُكِيَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ: مَنْ اُسْتُؤْجِرَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ مَيِّتٍ وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُ مَتَى يَخْرُجُ أَنَّهَا إجَارَةٌ لَا تَجُوزُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ مَتَى شَاءَ خَرَجَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الشُّرُوعَ فَيَجُوزُ. (وَعَلَى عَامٍ مُطْلَقٍ) ابْنُ شَاسٍ: حُكْمُ الْأَجِيرِ أَنْ يَنْوِيَ الْحَجَّ عَمَّنْ حَجَّ عَنْهُ فَإِنْ نَوَى لِنَفْسِهِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ اُسْتُؤْجِرَ لِعَامٍ لَا بِعَيْنِهِ (وَعَلَى الْجَعَالَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: النِّيَابَةُ بِعِوَضِ إجَارَةٍ إنْ كَانَ عَنْ مُطْلَقِ الْعَمَلِ وَجُعْلٍ إنْ كَانَ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 تَمَامِهِ وَبَلَاغٍ إنْ كَانَتْ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ. اُنْظُرْ عِبَارَةَ غَيْرِهِ قَبْلَ هَذَا (وَحَجَّ عَلَى مَا فُهِمَ وَجَنَى إنْ وَفَى دَيْنَهُ وَمَشَى) اللَّخْمِيِّ: فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ: لَا يَنْبَغِي لِمَنْ أَخَذَ الْحِجَّةَ أَنْ يَرْكَبَ مِنْ الْجَمَالِ وَالدَّوَابِّ إلَّا مَا كَانَ الْمَيِّتُ يَرْكَبُهُ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ أَرَادَ الْمَيِّتُ أَنْ يُوصِيَ، وَلَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ وَيَسْأَلُ النَّاسَ وَهَذِهِ خِيَانَةٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمَيِّتُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِمَالِهِ وَالْعَادَةُ الْيَوْمَ خِلَافُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَصْنَعُ مَا أَحَبَّ وَيَحُجُّ مَاشِيًا وَكَيْفَ تَيَسَّرَ. (وَالْبَلَاغُ إعْطَاءُ مَا يُنْفِقُهُ بَدْءًا وَعَوْدًا) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِجَارَةُ ضَمَانٍ " (بِالْعُرْفِ) فِيهَا: مَنْ أَخَذَ عَلَى الْبَلَاغِ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مَالًا بَدَلَهُ مِنْهُ مِمَّا يَصْلُحُهُ مِنْ الْكَعْكِ وَاللَّحْمِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَالْوِطَاءِ وَاللِّحَافِ فَإِذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 رَجَعَ رَدَّ مَا فَضَلَ. (وَفِي هَدْيٍ وَفِدْيَةٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ مُوجِبَهُمَا) فِيهَا: مَنْ حَجَّ عَنْ مَيِّتٍ فَتَرَكَ مِنْ الْمَنَاسِكِ شَيْئًا. فَإِنْ كَانَتْ الْحَجَّةُ لَوْ كَانَتْ عَنْ نَفْسِهِ أَجْزَأَتْهُ فَهِيَ تُجْزِئُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ مِنْ ذَلِكَ أَوْ فَعَلَهُ لِضَرُورَةٍ فَوَجَبَ بِهِ عَلَيْهِ هَدْيٌ أَوْ أَصَابَهُ أَذًى فَأَمَاطَهُ فَلَزِمَهُ فِدْيَةٌ كَانَتْ الْفِدْيَةُ وَالْهَدْيُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي أَخْذِ الْمَالِ عَلَى الْبَلَاغِ وَمَا وَجَبَ فِي ذَلِكَ بِتَعَمُّدِهِ فَهُوَ فِي مَالِهِ (وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالسَّرَفِ وَاسْتَمَرَّ إنْ فَرَغَ) قَالَ خَلِيلٌ فِي مَنَاسِكِهِ: وَأَمَّا الْبَلَاغُ فِي الثَّمَنِ فَأَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مَا يُنْفِقُهُ، فَإِنْ فَضَلَ وَلَهُ شَيْءٌ رَدَّهُ، وَإِنْ عَجَزَ الْمَالُ وَجَبَ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَهُ تَمَامُ نَفَقَتِهِ وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ بِالْمَعْرُوفِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ كَعْكٍ وَزَيْتٍ وَلَحْمٍ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَالْوِطَاءِ وَاللِّحَافِ وَالثِّيَابِ. وَإِذَا رَجَعَ رَدَّ مَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَرَدَّ الثِّيَابَ وَيَكُونُ لَهُ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَهُ مَا لَزِمَهُ مِنْ هَدْيٍ وَفِدْيَةٍ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ مُوجِبَ ذَلِكَ فَإِنْ تَعَمَّدَ وَزَادَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 الْمَعْرُوفُ أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْحَجِّ كَهَدِيَّةٍ لِأَصْحَابِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَلْزَمْهُمْ. (أَوْ أَحْرَمَ وَمَرِضَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ مَرِضَ أَجِيرُ الْبَلَاغِ بَعْدَ إحْرَامِهِ تَمَادَى وَنَفَقَةُ تَمَادِيهِ وَرَجْعَتِهِ عَلَى مُسْتَأْجِرِهِ (وَإِنْ ضَاعَتْ قَبْلَهُ رَجَعَ) مُقْتَضَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَا لِابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ يُونُسَ أَنَّ مَنْ أَخَذَ مَالًا لِيَحُجَّ بِهِ عَنْ مَيِّتٍ عَلَى الْبَلَاغِ فَتَلِفَ مَا قَبَضَهُ لِنَفَقَتِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ رَجَعَ وَنَفَقَةُ رَجْعَتِهِ عَلَى آجِرِهِ، وَفِي لُزُومِ الْحَجِّ مِنْ بَقِيَّةِ الثُّلُثِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِأَشْهَبَ، وَالثَّانِي لِابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ تَمَادَى هَذَا الَّذِي سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ وَلَمْ يَرْجِعْ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِي ذَهَابِهِ. قَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ: وَلَا فِي رُجُوعِهِ إلَى مَوْضِعِ سُقُوطِهِ مِنْهُ وَلَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إلَى بُلُوغِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ تَسْقُطَ نَفَقَتُهُ بَعْدَ إحْرَامِهِ فَلْيَمْضِ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ وَلَمْ يَسْتَطِعْ الرَّحِيلَ وَيُنْفِقُ فِي ذَهَابِهِ وَرَجْعَتِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ لِيَحُجَّ بِهِ عَنْ الْمَيِّتِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ أَخَذَهُ عَلَى الْإِجَارَةِ فَسَقَطَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْحَجِّ، أَحْرَمَ أَوْ لَمْ يُحْرِمْ. انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. وَفِي مَنَاسِكِ خَلِيلٍ: فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ فِي الْمَضْمُونَةِ فَهُوَ مِنْ الْأَجِيرِ، وَإِنْ تَلِفَ فِي الْبَلَاغِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَجِيرِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرُّجُوعِ وَالتَّمَادِي وَالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُ إمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 أَنْ يَتْلَفَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَهُ. فَإِنْ تَلِفَ قَبْلَهُ وَرَجَعَ وَنَفَقَتُهُ فِي رُجُوعِهِ عَلَيْهِمْ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: عَلَيْهِ فَإِنْ تَمَادَى فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ إلَى مَكَانِ السُّقُوطِ. قَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ: وَلَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (وَإِلَّا فَنَفَقَتُهُ عَلَى آجِرِهِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. ثُمَّ قَالَ خَلِيلٌ فِي الْمَنَاسِكِ: وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ تَمَادَى إذْ الْإِحْرَامُ لَا يَرْتَفِضُ. ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَهُ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: النَّفَقَةُ أَيْضًا عَلَى مُسْتَأْجِرِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: بَلْ فِي مَالِ الْمَيِّتِ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يَحُجُّوا عَنْهُ بِالْبَلَاغِ، وَأَمَّا إنْ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ فَرَجَعَ فِي بَقِيَّةِ الثُّلُثِ إنْ لَمْ يُقَسَّمْ الْمَالُ بِاتِّفَاقٍ. قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَإِنْ كَانَ قَدْ قُسِّمَ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الَّذِي يُوصِي أَنْ يُشْتَرَى عَبْدٌ مِنْ ثُلُثِهِ فَيَعْتِقُ فَاشْتَرَى وَلَمْ يُنْفِذْ لَهُ الْعِتْقُ حَتَّى مَاتَ وَقَدْ اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ الْمَالَ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يُشْتَرَى عَبْدٌ آخَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. وَقِيلَ: لَا. (إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْبَلَاغِ فَفِي بَقِيَّةِ ثُلُثِهِ وَلَوْ قُسِمَ) تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا مِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ (وَأَجْزَأَ إنْ قُدِّمَ عَلَى عَامِ الشَّوْطِ) مِنْ مَنَاسِكِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ قُدِّمَ الْحَجُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 عَلَى الْعَامِ الْمُشْتَرَطِ فَقَالَ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ: يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ قَدَّمَ دَيْنًا قَبْلَ مَحِلِّهِ (أَوْ تَرَكَ الزِّيَارَةَ وَرَجَعَ بِقِسْطِهَا) مِنْ مَنَاسِكِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ وَشُرِطَتْ عَلَيْهِ زِيَارَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: يَرُدُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَسَافَةِ الزِّيَارَةِ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ ثَانِيَةً حَتَّى يَزُورَ (أَوْ خَالَفَ إفْرَادًا لِغَيْرِهِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمَيِّتُ وَإِلَّا فَلَا) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ الْإِفْرَادُ بِوَصِيَّةِ الْمَيِّتِ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ لَمْ يُجْزِهِ، وَلَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ فَخَالَفَ فَفِي الْإِجْزَاءِ خِلَافٌ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَإِنْ قُلْنَا ثُمَّ بِالْإِجْزَاءِ فَهَاهُنَا أَوْلَى، وَإِنَّ قُلْنَا بِعَدَمِهِ فَفِي ثُبُوتِ الْإِجْزَاءِ هَاهُنَا وَنَفْيِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، يُفَرَّقُ فِي الثَّالِثِ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ بِالْعُمْرَةِ الْمُوصِي فَيُجْزِئَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا نَفْسَهُ فَيُجْزِئَهُ. ثُمَّ إنْ تَمَتَّعَ أَعَادَ الْحَجَّ ثَانِيًا، وَإِنْ قَرَنَ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهُ خَائِنٌ وَلَا تُؤْمَنُ عَوْدَتُهُ (كَتَمَتُّعٍ بِقِرَانٍ) الْقَرَافِيُّ: لَوْ اسْتَأْجَرَ لِيَتَمَتَّعَ فَقَرَنَ لَمْ يُجْزِهِ (أَوْ عَكْسِهِ) خَلِيلٌ فِي مَنَاسِكِهِ: وَلَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ الْقِرَانُ فَأَفْرَدَ فَلَا يُجْزِئُهُ لِإِتْيَانِهِ بِغَيْرِ الْمَقْصُودِ. وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ عَلَى الْقِرَانِ فَتَمَتَّعَ أَوْ بِالْعَكْسِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ: لَمْ يُجْزِهِ لِغَيْرِ الْقَرَافِيُّ. (أَوْ هُمَا بِإِفْرَادٍ) أَمَّا لَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى أَنْ يَتَمَتَّعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 537 فَأَفْرَدَ فَقَالَ الْقَرَافِيُّ: لَا يُجْزِئُهُ وَأَمَّا لَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى أَنْ يَقْرُنَ فَأَفْرَدَ فَقَالَ خَلِيلٌ فِي مَنَاسِكِهِ: لَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ الْقِرَانُ فَأَفْرَدَ فَلَا يُجْزِيهِ لِإِتْيَانِهِ بِغَيْرِ الْمَقْصُودِ. (أَوْ مِيقَاتًا شُرِطَ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 538 شَرَطُوا إحْرَامَهُ مِنْ الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ (فُسِخَتْ إنْ عُيِّنَ الْعَامُ وَعُدِمَ) أَمَّا فَسْخُ الْإِجَارَةِ إذَا عُيِّنَ الْعَامُ وَخَالَفَ إفْرَادًا لِغَيْرٍ فَفِي مَنَاسِكِهِ وَحُكْمُ الْأَجِيرِ أَنْ يَنْوِيَ لِمَنْ حَجَّ عَنْهُ، فَإِنْ نَوَى لِنَفْسِهِ انْفَسَخَتْ إنْ عُيِّنَ الْعَامُ وَإِلَّا لَمْ يَنْفَسِخْ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْ الْمَيِّتِ ثُمَّ صَرَفَهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يُجْزِ عَنْهُمَا وَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ وَكَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا انْفَسَخَتْ. وَقِيلَ: بَلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 539 يُجْزِئُ. وَقِيلَ: إنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ أَجْزَأَهُ وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ هَذَا الثَّالِثَ تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ. (كَغَيْرِهِ) الْجَلَّابُ: مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ فِي ذَلِكَ غَيْرَهُ إلَّا بِإِذْنِ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ (أَوْ قَرَنَ) اُنْظُرْ هَلْ يَتَنَزَّلُ عَلَى كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ قَبْلَ هَذَا. (أَوْ صَرَفَهُ لِنَفْسِهِ) ابْنُ شَاسٍ: حُكْمُ الْأَجِيرِ أَنْ يَنْوِيَ الْحَجَّ لِمَنْ حَجَّ عَنْهُ وَإِنْ نَوَى لِنَفْسِهِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَامٍ لَا بِعَيْنِهِ (وَأَعَادَ إنْ تَمَتَّعَ) هَذَا لَفْظُ ابْنِ شَاسٍ قَبْلَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ: " كَتَمَتُّعٍ بِقِرَانٍ " فَانْظُرْ هَلْ يَتَنَزَّلُ كَلَامُهُ عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 540 (وَهَلْ يَنْفَسِخُ إنْ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ فِي الْمُعَيَّنِ أَوْ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ لِلْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ عَنْ الْمَيِّتِ فَيُجْزِئَهُ تَأْوِيلَانِ) الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْحَجِّ فَاعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْمَيِّتِ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى عَنْهُ كَمَا اُسْتُؤْجِرَ. ابْنُ يُونُسَ: وَاَلَّذِي أَرَى أَنَّهُ إنْ رَجَعَ فَأَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ مِنْهُ تَعَدَّى فَأَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ. وَلَمَّا نَقَلَ الْقَرَافِيُّ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَامٍ بِعَيْنِهِ وَقُلْنَا لَا يُجْزِئُهُ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ أَجْزَأَهُ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى مَتَاعٍ فَقَبَضَهُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ ضَمِنَهُ وَلَا كِرَاءَ لَهُ لِأَنَّ الْغَيْبَ كَشَفَ أَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَهُ لِنَفْسِهِ وَلَوْ رَدَّ الْمَتَاعَ ثُمَّ كَمَّلَ الْحُمُولَةَ كَانَتْ لَهُ جُمْلَةُ الْأُجْرَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 541 [الْإِنَابَةُ فِي الْحَجِّ] (وَمَنْعُ اسْتِنَابَةِ صَحِيحٍ فِي فَرْضٍ وَإِلَّا كُرِهَ) الْقَرَافِيُّ قَالَ سَنَدٌ: اتَّفَقَ أَرْبَابُ الْمَذَاهِبِ أَنَّ الصَّحِيحَ لَا تَجُوزُ اسْتِنَابَتُهُ فِي فَرْضِ الْحَجِّ وَالْمَذْهَبُ كَرَاهَتُهَا فِي التَّطَوُّعِ فَإِنْ وَقَعَتْ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ (كَبَدْءِ مُسْتَطِيعٍ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ) الْكَافِي: لَا يَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ حَتَّى يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَ عَنْهُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى كَرَاهِيَةٍ مِنْهُ (وَإِجَارَةِ نَفْسِهِ) اللَّخْمِيِّ: تُكْرَهُ الْإِجَارَةُ فِي الْجُمْلَةِ. قَالَ مَالِكٌ: يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 سُوقِ الْإِبِلِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ بِإِجَارَةٍ. (وَنَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ) فِيهَا بَعْدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 ذِكْرِهِ لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ قَالَ: يُوصِي فَيَنْفُذُ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِهِ (وَحُجَّ عَنْهُ حِجَجٌ إنْ وَسِعَ وَقَالَ يَحُجُّ بِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَهُوَ مَالٌ كَثِيرٌ فِيهِ مَا يَحُجُّ بِهِ عَنْهُ حَجَّاتٌ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِوَصِيَّتِهِ حَجَّةً وَاحِدَةً وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَنْفُذَ ثُلُثُهُ فِي حَجَّاتٍ فَيَنْفُذُ عَنْهُ ثُلُثُهُ فِي الْحَجِّ، وَلَا يَرْجِعُ مِنْهُ إلَى الْوَرَثَةِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ مَا فَضَلَ يَحُجُّ بِهِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَا بَلَغَ وَلَوْ مِنْ مِلْكِهِ، وَإِنْ أَشْبَهَ ثُلُثُهُ ثَمَنَ حَجَّةٍ فَفَضْلُهُ مِيرَاثٌ كَقَوْلِهِ: " فِي فَضْلِ أَرْبَعِينَ دِينَارًا " اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَدُفِعَ الْمُسَمَّى ". وَانْظُرْ مَنْ أَوْصَى بِبَقِيَّةِ ثُلُثِهِ يَشْتَرِي لَهُ أَرْبَعَةَ مَلَاحِفَ فَكَانَتْ الْبَقِيَّةُ كَثِيرَةً (لَا مِنْهُ) ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ لَمْ يَحُجَّ عَنْهُ إلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً وَإِنْ كَانَ ثُلُثُهُ وَاسِعًا كَثِيرًا. لِأَنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُنْفِقَ ثُلُثَهُ كُلَّهُ فِي حَجٍّ (وَإِلَّا فَمِيرَاتٌ) ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ الْأَنْدَلُسِ أَوْ مِنْ بَلَدِ كَذَا فَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ رَجَعَ ذَلِكَ الْمَالُ مِيرَاثًا. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَقَالَ حُجُّوا عَنِّي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِثُلُثِي وَلَا مِنْ ثُلُثِي وَلَا بِكَذَا وَكَذَا لَجَرَى ذَلِكَ عِنْدِي عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْأَمْرِ، هَلْ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَوْ لَا يَقْتَضِيهِ فَيَنْفُذُ عَنْهُ ثُلُثُهُ كُلُّهُ فِي الْحَجِّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمُعَلَّقَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَيَحُجُّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِهِ حَجَّةً وَاحِدَةً. (بِوُجُودِهِ بِأَقَلَّ) فِيهَا: لَوْ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ حُجُّوا عَنِّي بِهَذِهِ الْأَرْبَعِينَ دِينَارًا فَدَفَعُوهَا إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَلَى الْبَلَاغِ فَفَضَلَتْ مِنْهَا عِشْرُونَ دِينَارًا فَلْيَرُدَّ إلَى الْوَرَثَةِ مَا فَضَلَ، كَمَنْ قَالَ اعْتِقُوا بِهَا عَبْدَ فُلَانٍ فَبَاعَهُ بِثَلَاثِينَ، ثُمَّ نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ كَلَامًا عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ فِي آخِرِهِ: فَأَمَّا إنْ قَالَ يَحُجُّ عَنِّي بِهَا فَهَاهُنَا كُلُّهَا فِي حَجَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَوْ جَعَلَ ذَلِكَ فِي حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ أَحْسَنَ. (أَوْ تَطَوَّعَ غَيْرٌ) الْقَرَافِيُّ: إذَا أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِمَالٍ فَتَبَرَّعَ عَنْهُ بِغَيْرِ مَالٍ فَعَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَعُودُ الْمَالُ مِيرَاثًا (وَهَلْ إلَّا أَنْ يَقُولَ يَحُجُّ عَنِّي بِكَذَا فَحِجَجٌ تَأْوِيلَانِ) اُنْظُرْ هَلْ يَتَنَزَّلُ هَذَا عَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَبْلَ قَوْلِهِ: " أَوْ تَطَوَّعَ غَيْرٌ؟ " وَمِنْ مَنَاسِكِ الْمُؤَلِّفِ، ثُمَّ إنْ لَمْ يُسَمِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 الْمَيِّتُ مَا يَحُجُّ عَنْهُ بِهِ فَلَهُمْ أَنْ يَحُجُّوا عَنْهُ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَكِنْ إنَّمَا يَسْتَأْجِرُونَ عَنْهُ مِنْ مَكَانِهِ لِأَنَّهُ قَصَدَهُ، وَإِنْ سَمَّى قَدْرًا حُجَّ عَنْهُ بِهِ، فَإِنْ وَجَدُوا مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِدُونِهِ كَانَ الْفَاضِلُ مِيرَاثًا إلَّا أَنْ يُفْهِمَ إعْطَاءُ الْجَمِيعِ هَذَا إنْ سَمَّى حَجَّةً، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُسَمِّ فَكَذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحُجُّ عَنْهُ حِجَجٌ. وَاخْتُلِفَ هَلْ قَوْلُهُ تَفْسِيرٌ أَوْ خِلَافٌ؟ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ خِلَافٌ. قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِثُلُثِهِ حُجَّ عَنْهُ بِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ هَذَا صَاحِبُ الْبَيَانِ خِلَافًا قَالَ: لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ ثُلُثُهُ وَاسِعًا عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَجَّةً وَاحِدَةً. قَالَ: وَلَوْ كَانَ ثُلُثُهُ يُشْبِهُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ حَجَّةً وَاحِدَةً لَرَجَعَ الْبَاقِي مِيرَاثًا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا سَمَّى أَوْ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ بَلَدِ كَذَا حُجَّ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ مَوْضِعٍ أَمْكَنَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ سَمَّى بَلْدَةً فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ: يَرْجِعُ مِيرَاثًا. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ، وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ: كَالْأَوَّلِ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ حَجَّ، وَكَالثَّانِي إنْ لَمْ يَحُجَّ. (وَدُفِعَ الْمُسَمَّى وَإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَتِهِ لِمُعَيَّنٍ) نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ إثْرَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذَا مَا نَصُّهُ: وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ قَالَ أَعْطُوا فُلَانًا أَرْبَعِينَ دِينَارًا يَحُجُّ بِهَا عَنِّي فَاسْتَأْجَرَهُ بِثَلَاثِينَ فَحَجَّ عَنْهُ بِهَا فَالْعَشَرَةُ الْفَاضِلَةُ مِيرَاثٌ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيمَنْ أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى لَهُ غُلَامٌ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَيَعْتِقُ فَاشْتَرَوْهُ بِثَمَانِينَ أَنَّ الْبَقِيَّةَ مِيرَاثٌ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّمَا هَذَا إذَا عَرَفَ صَاحِبُ الْغُلَامِ وَاَلَّذِي يَحُجُّ بِمَا أَوْصَى لَهُ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَرَضِيَ بِدُونِهِ وَإِلَّا فَالْوَصِيَّةُ نَافِذَةٌ. (لَا يَرِثُ) مِنْ الْكَافِي: وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَارِثُهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَمَا زَادَ فَهُوَ وَصِيَّةٌ إنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ جَازَ وَإِلَّا رَجَعَ مِيرَاثًا. سَنَدٌ: لَا يُزَادُ الْوَارِثُ عَلَى النَّفَقَةِ وَالْكِرَاءِ شَيْئًا. (فُهِمَ إعْطَاؤُهُ لَهُ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ وَجَدُوا بِدُونِ مَا أَوْصَى بِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ كَانَ الْفَاضِلُ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ مِنْ قَصْدِهِ أَنَّهُ أَرَادَ إعْطَاءَ جُمْلَةِ مَا عَيَّنَ مِنْ الْمَالِ إلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَيُعْطَاهُ. (وَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ وَارِثٍ وَلَمْ يُسَمِّ زِيدَ إنْ لَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ثُلُثَهَا ثُمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 تُرُبِّصَ ثُمَّ أُوجِرَ لِلصَّرُورَةِ فَقَطْ) الصَّرُورَةِ لُغَةً مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ أَوْ لَمْ يَحُجَّ ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ قَالَ يَحُجُّ فُلَانٌ عَنِّي وَلَمْ يُسَمِّ عَدَدًا فَأَبَى فُلَانٌ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ لَكَانَ الْحُكْمُ أَنْ يُزَادَ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ مِثْلُ ثُلُثِهَا، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتُؤْجِرَ غَيْرُهُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَرْجِعْ ذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ إنْ كَانَتْ الْحَجَّةُ فَرِيضَةً بِاتِّفَاقٍ، أَوْ نَافِلَةً عَلَى قَوْلِ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى. (غَيْرُ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ وَإِنْ امْرَأَةً وَلَمْ يَضْمَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 وَصِيٌّ وَحَاجٌّ دَفَعَ لَهُمَا مُجْتَهِدًا) مِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا: وَتَحُجُّ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ عَنْ الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ الْحُرُّ عَنْ الْمَرْأَةِ وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَنْ فِيهِ عُلْقَةُ رِقٍّ وَيَضْمَنُ الدَّافِعُ إلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَجْتَهِدَ وَلَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ. (وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِمَا سَمَّى مِنْ مَكَانِهِ حُجَّ مِنْ الْمُمْكِنِ) ابْنُ رُشْدٍ: إذَا أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِسِتِّينَ دِينَارًا وَلَمْ يُسَمِّ مِنْ بَلَدِ كَذَا، فَلَا خِلَافَ أَنْ يَحُجَّ بِهَا عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يُوجَدُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَحُجُّ بِهَا عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ، وَأَمَّا إذَا قَالَ حُجُّوا بِهَا عَنِّي مِنْ بَلَدِ كَذَا وَبِهِ مَاتَ فَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِهَا مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّهَا تَرْجِعُ مِيرَاثًا وَلَا يَسْتَأْجِرُ لَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ. وَرُوِيَ مِثْلُهُ عِنْدَ أَصْبَغَ وَقَالَ: مِنْ رَأْيِهِ أَنَّهُ يَسْتَأْجِرُ لَهُ بِهَا مِنْ حَيْثُ يُوجَدُ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَنْ لَا يَحُجَّ عَنْهُ إلَّا مِنْ الْأَنْدَلُسِ وَحَكَى مِثْلَ ذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ وَاخْتَارَ هُوَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ حَجَّ وَقَوْلَ أَشْهَبَ إنْ كَانَ صَرُورَةً لَمْ يَحُجَّ (وَلَوْ سَمَّاهُ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ فَمِيرَاثٌ) فِي مَنَاسِكِ خَلِيلٍ: فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا سَمَّى أَوْ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ بَلَدِ كَذَا حُجَّ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ مَوْضِعٍ أَمْكَنَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ سَمَّى بَلْدَةً فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ: يَرْجِعُ مِيرَاثًا. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ، وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ كَالْأَوَّلِ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ حَجَّ، وَكَالثَّانِي إنْ لَمْ يَحُجَّ (وَلَزِمَهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْجَلَّابِ. وَمِنْ الْكَافِي: وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجَرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي تَعَلُّقِ فِعْلِ الْحَجِّ بِعَيْنِ الْأَجِيرِ أَوْ ذِمَّتِهِ قَوْلَانِ: لِابْنِ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَبَعْضِ شُيُوخِهِ. مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ مَاتَ أَجِيرُ حَجٍّ فَفِي مَالِهِ. اُنْظُرْ آخِرَ الْحَجِّ الثَّانِي مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (لَا الْإِشْهَادُ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ) سُئِلَ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ الْأُجَرَاءِ عَلَى الْحَجِّ، هَلْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُشْهِدُوا أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا عَمَّنْ اسْتَأْجَرَهُمْ؟ فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ لِأَنَّ عُرْفَ النَّاسِ قَدْ جَرَى عَلَيْهِ فَهُوَ كَالشَّرْطِ. ابْنُ يُونُسَ: صَوَابٌ. اُنْظُرْ آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْحَجِّ الثَّانِي مِنْهُ وَفِيهَا: مَنْ حَجَّ عَنْ مَيِّتٍ أَجْزَأَتْهُ نِيَّتُهُ دُونَ لَبَّيْكَ عَنْ فُلَانٍ. قَالَ سَنَدٌ: الِاقْتِصَارُ عَلَى النِّيَّةِ يَدُلُّ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 قَبُولِ قَوْلِهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْإِشْهَادِ يُعْلِنُ بِتَلْبِيَتِهِ عَنْهُ. (وَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِيمَنْ يَأْخُذُهُ فِي حَجَّةٍ وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ حَجَّ عَنْهُ وَلَهُ أَجْرُ النَّفَقَةِ وَالدُّعَاءِ) الْقَرَافِيُّ: مَا نَصُّهُ الْمَذْهَبُ أَنَّ حَجَّ النَّائِبِ لَا يُسْقِطُ حَجَّ الْمُنِيبِ. وَقَالَ خَلِيلٌ: يَقَعُ الْحَجُّ عَنْهُ تَطَوُّعًا عَنْ النَّائِبِ وَلِلْمُسْتَنِيبِ أَجْرُ النَّفَقَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ. وَفِي الصِّحَاحِ «إنَّ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْته نَفَعَهُ» . وَجَوَابُهُ إنَّ هَذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ لِمَا ذَكَرْت مِنْ الْعَجْزِ فَنَقُولُ بِمُوجِبِهِ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 بِالدُّعَاءِ وَبِالنَّفَقَةِ. [أَرْكَانُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ] (وَرُكْنُهُمَا الْإِحْرَامُ) أَمَّا الْعُمْرَةُ فَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَصِحَّتُهُمَا " وَأَمَّا الْحَجُّ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لِلْحَجِّ أَرْكَانٌ: الْأَوَّلُ الْإِحْرَامُ الْقَرَافِيُّ: مَقَاصِدُ الْحَجِّ اثْنَا عَشَرَ: الْإِحْرَامُ وَدُخُولُ مَكَّةَ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالدَّفْعُ إلَى مُزْدَلِفَةَ وَجَمْرَةُ الْعَقَبَةِ وَالْحِلَاقُ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَرَمْيُ مِنًى وَالرُّجُوعُ مِنْ مِنًى وَطَوَافُ الْوَدَاعِ. أَمَّا الْإِحْرَامُ فَيُقَالُ أَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ، وَأَحْرَمَ إذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 دَخَلَ فِي حُرُمَاتِ الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ (وَوَقْتُهُ لِلْحَجِّ شَوَّالٌ لِآخِرِ ذِي الْحَجَّةِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لِلْإِحْرَامِ مِيقَاتَانِ: زَمَانِيٌّ وَمَكَانِيٌّ. ابْنُ عَرَفَةَ: مِيقَاتُهُ الزَّمَانِيُّ مَا قَبْلَ زَمَانِ الْوُقُوفِ مِنْ أَشْهُرِهِ وَهِيَ شَوَّالٌ وَتَالِيَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 وَآخِرُهُمَا. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ. وَنَقَلَ اللَّخْمِيِّ وَأَيَّامُ الرَّمْيِ. وَذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ رِوَايَةَ أَشْهَبَ بَاقِيهِ فَائِدَتُهُ دَمُ تَأْخِيرِ الْإِفَاضَةِ (وَكُرِهَ قَبْلَهُ كَمَكَانِهِ) فِيهَا: كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُحْرِمَ أَحَدٌ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ مِيقَاتَهُ أَوْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنْ فَعَلَ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لَزِمَهُ ذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا يُحْرِمُ قَبْلَ مِيقَاتِهِ الزَّمَانِيِّ فَإِنْ فَعَلَ انْعَقَدَ. وَنَقَلَ اللَّخْمِيِّ: لَا يَنْعَقِدُ وَمَالَ إلَيْهِ وَمِنْ الْحَجِّ الْأَوَّلِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ بَلَدِهِ وَقَبْلَ الْمِيقَاتِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّا نَكْرَهُ لِمَنْ قَارَبَ الْمِيقَاتَ أَنْ يُحْرِمَ قَبْلَهُ، وَقَدْ أَحْرَمَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ (وَفِي رَابِعٍ تَرَدُّدٌ) وَمِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَرَأَى سَيِّدِي الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ أَنَّ إحْرَامَ الْمِصْرِيِّينَ مِنْ رَابِعٍ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ. وَمَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْجُحْفَةِ وَمُتَّصِلٌ بِهَا وَكَانَ يَنْقُلُهُ عَنْ الزَّوَاوِيِّ وَفِي بَهْرَامُ: ذَهَبَ إلَى الْكَرَامَةِ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ، وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْمِيقَاتِ وَمِنْ أَعْمَالِ الْجُحْفَةِ وَمُتَّصِلٌ بِهَا. حَكَى هَذَا شَيْخُ شُيُوخِنَا الْمَنُوفِيُّ نَفَعَنَا اللَّهُ بِبَرَكَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (وَصَحَّ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا فَإِنْ فَعَلَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 الْوَجْهَيْنِ لَزِمَهُ. (وَلِلْعُمْرَةِ أَبَدًا) الْقَرَافِيُّ: أَمَّا الْعُمْرَةُ فَجَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتٌ لَهَا لَكِنْ تُكْرَهُ فِي أَيَّامِ مِنًى لِمَنْ حَجَّ (إلَّا لِمُحْرِمٍ بِحَجٍّ لِتَحَلُّلِهِ وَكُرِهَ بَعْدَهُمَا وَقَبْلَ غُرُوبِ الرَّابِعِ) الْكَافِي: لَا يَعْتَمِرُ أَحَدٌ مِنْ الْحَاجِّ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَإِنْ رَمَى فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ بَعْدَ رَمْيِهِ وَقَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِهَا وَمَضَى فِيهَا حَتَّى يُتِمَّهَا، فَإِنْ أَتَمَّهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَمْ تُجْزِهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ رَمْيِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ عَمَلُهَا وَلَا قَضَاؤُهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَتَجُوزُ الْعُمْرَةُ فِي أَيَّامِ السَّنَةِ كُلِّهَا إلَّا الْحَاجَّ فَيُكْرَهُ لَهُمْ أَنْ يَعْتَمِرُوا حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ، وَكَذَلِكَ مَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ خَرَجَ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ، وَمِنْ مَنَاسِكِ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا الْعُمْرَةُ فَلَهَا مِيقَاتَانِ: مَكَانِيٌّ وَزَمَانِيٌّ فَذَكَرَ الْمَكَانِيَّ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الزَّمَانِيُّ فَجَمِيعُ أَيَّامِ السَّنَةِ وَفِي يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ إلَّا أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فَيُمْتَنَعَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ بِهَا مِنْ حِينِ إحْرَامِهِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَا يَعْتَمِرُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حَجِّهِ وَلَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 نَفَرَ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ بِهَا، وَكَذَلِكَ لَا يَنْعَقِدُ إذَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ رَمْيِهِ لِلْيَوْمِ الثَّالِثِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهَا وَلَا قَضَاؤُهَا، وَيُكْرَهُ أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ رَمْيِهِ وَقَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَإِنْ أَحْرَمَ حِينَئِذٍ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِهَا وَمَضَى فِيهَا حَتَّى يُتِمَّهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: أَنْ يَرْمِيَ لِلْيَوْمِ الثَّالِثِ وَأَنْ يَطُوفَ لِلْإِفَاضَةِ. (وَمَكَانُهُ لَهُ لِلْمُقِيمِ مَكَّةُ وَنُدِبَ الْمَسْجِدُ) تَقَدَّمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ لِلْإِحْرَامِ مِيقَاتَانِ زَمَانِيٌّ وَمَكَانِيٌّ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إحْرَامُ مُرِيدِ الْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ مِنْهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: وَيُسْتَحَبُّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (كَخُرُوجِ ذِي النَّفْثِ لِمِيقَاتِهِ) فِيهَا: إحْرَامُ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 دَخَلَهَا بِعُمْرَةٍ مِنْ دَاخِلِ الْحَرَمِ وَاجِبٌ لِآفَاقِيٍّ حَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَهُ نَفْسٌ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِهِ. (وَلَهَا وَلِلْقِرَانِ الْحِلُّ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ فَهُوَ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ مَكَّةُ فِي الْحَجِّ لَا فِي الْعُمْرَةِ وَلَا فِي الْقِرَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وُجُوبُ الْحِلِّ لِإِحْرَامِ قِرَانِ الْمَكِّيِّ (وَالْجِعْرَانَةُ أَوْلَى ثُمَّ التَّنْعِيمُ) ابْنُ عَرَفَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 مِيقَاتُ الْعُمْرَةِ لِلْآفَاقِيِّ كَحَجِّهِ وَمَنْ بِالْحَرَمِ طَرَفُ الْحِلِّ وَلَوْ كَخُطْوَةٍ وَالْجِعْرَانَةُ أَوْ التَّنْعِيمُ أَفْضَلُ. (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ أَعَادَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ بَعْدَهُ وَأَهْدَى إنْ حَلَقَ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 وَإِذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ الْحَرَمِ فَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا فِي طَوَافِهِ فَلْيُتِمَّ طَوَافَهُ وَلْيَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ وَيَدْخُلْ مِنْهُ. مُحَمَّدٌ: يُرِيدُ وَيَبْتَدِئُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى أَتَمَّ عُمْرَتَهُ وَحَلَقَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِحْلَالٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ وَيَدْخُلَ مِنْهُ وَيَأْتَنِفَ عَمَلَ الْعُمْرَةِ ثَانِيَةً وَيَمُرَّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي حِلَاقِهِ الْأَوَّلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا غَلَطٌ بَلْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِي حَلْقِهِ الْأَوَّلِ، وَهَكَذَا رَأَيْت فِي أُمَّهَاتِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهَا وَهُوَ الصَّوَابُ. (وَإِلَّا فَلَهُمَا ذُو الْحُلَيْفَةِ وَالْجُحْفَةُ وَيَلَمْلَمْ وَقَرْنٌ وَذَاتُ عِرْقٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 وَمَسْكَنٌ دُونَهَا وَحَيْثُ حَاذَى وَاحِدًا أَوْ مَرَّ وَلَوْ بِبَحْرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: مِيقَاتُ الْعُمْرَةِ لِلْآفَاقِيِّ كَحَجِّهِ، فَمِيقَاتُ الْمَدَنِيِّ ذُو الْحُلَيْفَةِ، وَالشَّامِيُّ وَالْمِصْرِيُّ وَالْمَغْرِبِيُّ الْجُحْفَةُ وَرَوَى الشَّيْخُ: إنْ حَجَّ فِي الْبَحْرِ أَحْرَمَ إذَا حَاذَاهَا. وَالْيَمَنُ يَلَمْلَمُ وَالنَّجْدِيُّ قَرْنٌ وَالْعِرَاقِيُّ ذَاتُ عِرْقٍ، وَمُحَاذِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِثْلُهُ وَلِمَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 بَعْدَهَا رَوَى الشَّيْخُ مِنْ دَارِهِ أَوْ مَسْجِدِهِ. (إلَّا كَمِصْرِيٍّ يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَهِيَ أَوْلَى) ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ مَرَّ بِمِيقَاتِ غَيْرِهِ أَحْرَمَ مِنْهُ إلَّا ذَا مِيقَاتِ الْجُحْفَةِ إنْ مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَهِيَ أَفْضَلُ لَهَا مِنْ أَنْ يُؤَخِّرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 لِلْجُحْفَةِ (وَإِنْ لِحَيْضٍ رُجِيَ رَفْعُهُ) فِي النَّوَادِرِ: وَإِذَا مَرَّتْ الْحَائِضُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَتَرْجُو أَنْ يَحْصُلَ لَهَا الطُّهْرُ قَبْلَ الْجُحْفَةِ فَإِنَّهَا لَا تُؤَخِّرُ إحْرَامَهَا إلَى الْجُحْفَةِ، وَالْأَوْلَى لَهَا أَنْ تُحْرِمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَمِنْ غَيْرِهَا اُخْتُلِفَ فِي تَأْخِيرِ الْمَدَنِيِّ إحْرَامُهُ لِلْجُحْفَةِ لِمَرَضٍ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤَخِّرُ. وَقَالَ أَيْضًا: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرَ إلَى الْجُحْفَةِ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَخِيطِ أَوْ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ فَعَلَ وَافْتَدَى. وَعَلَّلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 مَالِكٌ تَأْخِيرَهُ لِمَا يَرْجُو مِنْ قُوَّةٍ لَعَلَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ فِدَاءً. (كَإِحْرَامِهِ أَوَّلَهُ) الْكَافِي: مَنْ أَهَلَّ مِنْ الْجُحْفَةِ فَالْوَادِي كُلُّهُ مَحَلٌّ لَهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِهِ. وَمِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ: وَالْأَفْضَلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَإِزَالَةُ شَعَثِهِ) فِيهَا يَدْهُنُ الْمُحْرِمُ عِنْدَ إحْرَامِهِ رَأْسَهُ بِزَيْتٍ وَبِالْبَانِ غَيْرِ الْمُطَيَّبِ، وَأَمَّا مَا يَبْقَى رِيحُهُ فَلَا، وَلَا بَأْسَ أَنْ تَمْتَشِطَ الْمَرْأَةُ بِالْحِنَّاءِ وَبِمَا لَا طِيبَ فِيهِ قَبْلَ أَنْ تُحْرِمَ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُصَّ شَارِبَهُ وَيُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 وَيَتَنَوَّرُ عِنْدَمَا يُرِيدُ الْإِحْرَامَ لَا حَلْقَ رَأْسِهِ (وَتَرْكُ اللَّفْظِ بِهِ) فِيهَا يُجْزِئُ مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ التَّلْبِيَةُ وَيَنْوِي بِهَا مَا أَرَادَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَتَكْفِيهِ النِّيَّةُ فِي الْإِحْرَامِ وَلَا يُسَمِّي عُمْرَةً وَلَا حَجَّةً ذَلِكَ أَحَبُّ إلَى مَالِكٍ مِنْ تَسْمِيَةِ ذَلِكَ. (وَالْمَارُّ بِهِ إنْ لَمْ يُرِدْ مَكَّةَ أَوْ كَعَبْدٍ فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ وَإِنْ أَحْرَمَ إلَّا الصَّرُورَةَ الْمُسْتَطِيعُ فَتَأْوِيلَانِ) أَمَّا مَسْأَلَةُ الَّذِي يَمُرُّ بِالْمِيقَاتِ غَيْرَ مُرِيدِ مَكَّةَ فَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 مَالِكٌ: مَنْ تَعَدَّى الْمِيقَاتَ وَهُوَ صَرُورَةً ثُمَّ أَحْرَمَ فَعَلَيْهِ دَمٌ. قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَرُورَةً؟ قَالَ: إنْ كَانَ جَاوَزَهُ مُرِيدًا الْحَجَّ ثُمَّ أَحْرَمَ فَعَلَيْهِ دَمٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الصَّرُورَةِ وَغَيْرُ الصَّرُورَةِ سَوَاءٌ لَا دَمَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُجَاوِزَهُ يُرِيدُ الْحَجَّ. وَحَكَى ابْنُ شَبْلُونَ أَنَّ الصَّرُورَةَ يَلْزَمُهُ الدَّمُ إذَا تَعَدَّاهُ ثُمَّ أَحْرَمَ وَكَانَ مُرِيدًا لِلْحَجِّ أَوْ غَيْرَ مُرِيدٍ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي تَعَدِّيهِ غَيْرَ مُحْرِمٍ بِالْحَجِّ وَهُوَ صَرُورَةً، وَأَمَّا غَيْرُ الصَّرُورَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّاهُ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَقَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ صَوَابٌ، وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ تَعَدِّيهِ حَلَالٌ لِغَيْرِ دُخُولٍ وَلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ عَفْوٌ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَفِي دَمِهِ قَوْلَانِ. ابْنُ شَبْلُونَ مَعَ ظَاهِرِهَا الشَّيْخِ وَخُرِّجَا عَلَى الْفَوْرِ وَعَدَمِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ: الْأَوَّلُ لَا يُقَيِّدُ كَوْنَهُ أَحْرَمَ وَهُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ ابْنِ شَبْلُونَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي تَعَدِّيهِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ عَبْدُ الْحَقِّ بِزِيَادَةِ أَحْرَمَ بَعْدَ تَعَدِّيهِ انْتَهَى. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ فَفِيهَا لِلسَّيِّدِ أَنْ يُدْخِلَ عَبْدَهُ وَأَمَتَهُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكَذَلِكَ الصَّغِيرُ. وَفِيهَا إنْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ. (وَمُرِيدُهَا إنْ تَرَدَّدَ أَوْ عَادَ لَهَا لِأَمْرٍ فَكَذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 وَإِلَّا وَجَبَ الْإِحْرَامُ وَأَسَاءَ تَارِكُهُ وَلَا دَمَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ نُسُكًا) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَمَنْ دَخَلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَقَدْ عَصَى وَلَا دَمَ عَلَيْهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ وَاسِعٌ فِي مِثْلِ الَّذِي صَنَعَ ابْنُ عُمَرَ حِينَ خَرَجَ إلَى قَدِيدٍ فَبَلَغَهُ خَبَرُ فِتْنَةِ الْمَدِينَةِ فَرَجَعَ إلَى مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، أَوْ مِثْلِ أَهْلِ الطَّائِفِ وَعُسْفَانَ وَجُدَّةَ الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ بِالْفَوَاكِهِ وَالطَّعَامِ وَالْحَطَبِ أَنْ يَدْخُلُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكْثُرُ عَلَيْهِمْ. وَمِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ فِي مِثْلِ الْحَطَّابِينَ وَمَنْ يَكْثُرُ دُخُولُهُمْ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ لِأَمْرٍ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ أَمْرٌ فَدَخَلَهَا كَفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ لَمَّا بَلَغَتْهُ فِتْنَةُ الْمَدِينَةِ فَرَجَعَ، وَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ. (وَإِلَّا رَجَعَ وَإِنْ شَارَفَهَا وَلَا دَمَ) فِيهَا لِمَالِكٍ: وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مِمَّنْ يُرِيدُ الْحَجَّ جَاهِلًا أَوْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ فَلْيُرَاجِعْ فَيُحْرِمُ مِنْهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقِيلَ إنْ شَارَفَ مَكَّةَ أَحْرَمَ وَأَهْدَى. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إلَّا إنْ رَجَعَ فَأَحْرَمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 مِنْ الْمِيقَاتِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ (وَلَوْ عَلِمَ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْجَلَّابِ " إنْ كَانَ جَاهِلًا وَإِلَّا فَدَمٌ " لَا أَعْرِفُهُ. وَمِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَلَهُ حَالَتَانِ: الْأُولَى أَنْ يَكُونَ قَاصِدًا الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ لَا يَقْصِدَ أَحَدَهُمَا. أَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى وَهِيَ أَنْ يَقْصِدَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً فَإِنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَقَدْ أَسَاءَ، ثُمَّ إنْ عَادَ وَلَوْ بَعْدَ الْبُعْدِ أَسَاءَ، ثُمَّ إنْ عَادَ وَلَوْ بَعْدَ الْبُعْدِ فَلَا دَمَ وَيَرْجِعُ عِنْدَ مَالِكٍ إنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 أَمْكَنَهُ مَا لَمْ يُحْرِمْ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ مَا لَمْ يُشَارِفْ مَكَّةَ هَكَذَا نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ وَهَكَذَا نَقَلَ غَيْرُهُ. وَأَمَّا إنْ أَحْرَمَ ثُمَّ عَادَ فَالدَّمُ لَا يَسْقُطُ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إلَّا أَنْ يُحْرِمَ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ. قِيلَ: وَهُوَ يَحْتَمِلُ التَّفْسِيرَ. ثُمَّ إنَّ الدَّمَ إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ إذَا كَانَ جَاهِلًا. وَأَمَّا إنْ جَاوَزَهُ عَالِمًا بِقُبْحِ مَا فَعَلَهُ فَمَفْهُومُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ وَلَا يُسْقِطُهُ رُجُوعُهُ. وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى سُقُوطِ الدَّمِ بِالرُّجُوعِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ أَحَدَ النُّسُكَيْنِ كَالتُّجَّارِ، فَاخْتُلِفَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ يُسْتَحَبُّ عَلَى قَوْلَيْنِ. فَإِنْ أَحْرَمُوا فَلَا إشْكَالَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ عَلَى الْأَشْهَرِ إنْ لَمْ يُحْرِمُوا، وَإِنْ أَحْرَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَاخْتُلِفَ فِي لُزُومِ الدَّمِ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يُرِدْ مَكَّةَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَرُورَةٌ أَوْ كَانَ صَرُورَةٌ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَطِيعًا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ صَرُورَةٌ مُسْتَطِيعًا فَفِي الدَّمِ خِلَافٌ. [فَرْعٌ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَهُوَ مُرِيدٌ لِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ ثُمَّ أَحْرَمَ] فَرْعٌ: وَإِنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَهُوَ مُرِيدٌ لِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ ثُمَّ أَحْرَمَ لَزِمَهُ دَمٌ وَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ بِالْإِفْسَادِ وَلَوْ فَاتَهُ لَسَقَطَ الدَّمُ عَلَى الْمَشْهُورِ. (مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتًا فَالدَّمُ) فِيهَا: وَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا تَعَدَّى مِيقَاتَهُ خَافَ إنْ رَجَعَ إلَيْهِ فَوَاتَ الْحَجِّ فَلْيُحْرِمْ مِنْ مَوْضِعِهِ وَعَلَيْهِ دَمٌ (كَرَاجِعٍ بَعْدَ إحْرَامِهِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ أَحْرَمَ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَلَوْ رَجَعَ إلَيْهِ مُحْرِمًا. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: رُجُوعُهُ بَعْدَ إحْرَامِهِ يُسْقِطُ الدَّمَ عَنْهُ، وَدَلِيلُهَا أَنَّ الدَّمَ لَمْ يَجِبْ لِتَجَاوُزِ الْمِيقَاتِ لِانْفِرَادِهِ إنَّمَا هُوَ لِإِحْرَامِهِ بَعْدَهُ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ وَلَا حَلِّهِ بَعْدَ عَقْدِهِ نَاقِصًا. (وَلَوْ أَفْسَدَ) فِيهَا: إنْ تَعَدَّاهُ ثُمَّ أَحْرَمَ ثُمَّ جَامَعَ وَأَفْسَدَ حَجَّتَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى عَمَلِ حَجِّهِ مُتَمَادِيًا (لَا فَاتَ) فِيهَا: وَإِنْ قَضَاهُ مَنْ تَعَدَّى الْمِيقَاتَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَفَاتَهُ الْحَجُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ بِرُجُوعِهِ إلَى عَمَلِ الْعُمْرَةِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ لِأَنَّهُ لَمَّا فَاتَهُ الْحَجُّ وَرَجَعَ أَمْرُهُ إلَى الْعُمْرَةِ وَهُوَ لَمْ يُرِدْهَا صَارَ كَأَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ لَهَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا. (وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ) الْقَرَافِيُّ: صَرَّحَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ بَشِيرٍ وَاللَّخْمِيُّ أَنَّ النِّيَّةَ إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْحَجِّ لَا يَنْعَقِدُ الْحَجُّ، وَتَقَدَّمَ تَصْرِيحُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ النِّيَّةَ كَافِيَةٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّلْقِينِ وَالْمُعَلَّمِ وَالْقَبَسِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: بَلْ نَقَلَ سَنَدٌ أَنَّ الْإِحْرَامَ يَنْعَقِدُ مِنْهُ وَهُوَ يُجَامِعُ وَيَلْزَمُهُ التَّمَادِي وَالْقَضَاءُ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا، بَلْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاتِّفَاقِ عَلَى ذَلِكَ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ. (وَلَوْ خَالَفَهَا لَفْظُهُ وَلَا دَمَ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ اخْتَلَفَ الْعَقْدُ وَاللَّفْظُ فَالِاعْتِبَارُ بِالْعَقْدِ. وَرُوِيَ مَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 يُشِيرُ إلَى اعْتِبَارِ النُّطْقِ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ مُفْرِدًا فَأَخْطَأَ فَقَرَنَ أَوْ تَكَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ عَلَى حَجِّهِ. وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ: عَلَيْهِ دَمٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ انْتَهَى مِنْ الذَّخِيرَةِ. (وَإِنْ بِجِمَاعٍ) تَقَدَّمَ نَقْلُ سَنَدٍ وَهُوَ فَرْعُ الِانْعِقَادِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ دُونَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَانْظُرْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 (مَعَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ تَعَلَّقَا بِهِ) تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي هَذَا وَنَصُّ ابْنِ شَاسٍ يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالْقَوْلِ وَالنِّيَّةُ الْمُقْتَرِنَةُ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْحَجِّ كَالتَّلْبِيَةِ وَالتَّوَجُّهِ عَلَى الطَّرِيقِ، فَإِنْ تَجَرَّدَتْ النِّيَّةُ عَنْهُمَا فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ. (بَيَّنَ أَوْ أَبْهَمَ وَصَرَفَهُ لِلْحَجِّ وَالْقِيَاسُ الْقِرَانُ) . ابْنُ شَاسٍ: لَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا لَا يَنْوِي حَجًّا وَلَا عُمْرَةً فَقَالَ أَشْهَبُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي حَجَّةٍ. قَالَ أَشْهَبُ: فَمَنْ أَتَى يُرِيدُ الْإِحْرَامَ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا الِاسْتِحْسَانُ أَنْ يَكُونَ مُفْرِدًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ قَارِنًا، وَإِنْ نَوَى شَيْئًا فَنَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ كَانَ قَارِنًا لَا بُدَّ اللَّخْمِيِّ: جَوَابُهُ فِي السُّؤَالَيْنِ عَلَى مِثْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ يُحْرِمُ مَرَّةً لِلْعُمْرَةِ وَمَرَّةً لِلْحَجِّ، فَأَمَّا أَهْلُ الْمَغْرِبِ فَإِنَّمَا يُحْرِمُونَ لِلْحَجِّ لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَهُ وَلَا يُرِيدُونَ إلَّا إيَّاهُ وَإِنْ شَكَّ هَذَا هَلْ أَفْرَدَ أَوْ قَارَنَ وَتَمَادَى عَلَى نِيَّةِ الْقِرَانِ وَحْدَهُ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أَوْ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا طَافَ وَسَعَى لِإِمْكَانِ إحْرَامِهِ بِعُمْرَةٍ، وَلَا يَحْلِقُ لِإِمْكَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 أَنْ يَكُونَ فِي حَجٍّ وَيَتَمَادَى عَلَى عَمَلِ الْحَجِّ وَيُهْدِي لِتَأْخِيرِ الْحِلَاقِ وَلَيْسَ لِلْقِرَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ نِيَّةً لِلْحَجِّ وَإِنَّمَا يَتَمَادَى عَلَى نِيَّةٍ تَقَدَّمَتْ، وَتِلْكَ النِّيَّةُ كَانَتْ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ. فَإِنْ كَانَتْ لِعُمْرَةٍ فَقَدْ تَمَّتْ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَتَمَادِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بِهِ قَارِنًا، وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الْحَجَّ كَانَ مُفْرِدًا وَكَانَ ذَلِكَ الطَّوَافُ لَهُ لَا لِلْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ نِيَّةً لِلْعُمْرَةِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ فِي أَوْجُهِ الْإِحْرَامِ: وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: إفْرَادٌ وَقِرَانٌ وَتَمَتُّعٌ وَإِطْلَاقٌ. ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْإِطْلَاقُ فَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ عَلَى سَبِيلِ الْإِبْهَامِ ثُمَّ يُخَيَّرَ فِي صَرْفِهِ إلَى أَحَدِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَعْنِي مِنْ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَلَا يَفْعَلُ فِعْلًا إلَّا بَعْدَ التَّعْيِينِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ حِينَ طَافَ فَالصَّوَابُ أَنْ يَجْعَلَهُ حَجًّا، وَيَكُونُ هَذَا طَوَافَ قُدُومٍ، لِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ لَيْسَ رُكْنًا فِي الْحَجِّ وَالطَّوَافُ رُكْنٌ فِي الْعُمْرَةِ. قَالَ مَالِكٌ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي الْإِطْلَاقِ إلَى إفْرَادٍ. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقْرُنَ وَقِيلَ: الْقِيَاسُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى عُمْرَةٍ. وَرَأَى اللَّخْمِيِّ أَنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمَدَنِيِّ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْمَغْرِبِ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ لَا يَقْصِدُ إلَى الْحَجِّ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ. (وَإِنْ نَسِيَ فَقِرَانٌ) تَقَدَّمَ قَوْلُ أَشْهَبَ إنْ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ كَانَ قَارِنًا (وَنَوَى الْحَجَّ وَبَرِئَ مِنْهُ فَقَطْ كَشَكِّهِ أَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ عَمِلَ عَلَى الْحَجِّ وَالْقِرَانِ كَمَا لَوْ شَكَّ أَفْرَدَ أَمْ تَمَتَّعَ فَإِنَّهُ يَطُوفُ وَيَسْعَى لِجَوَازِ الْحَجِّ. وَقَالَ أَشْهَبُ: قَارَنَ وَيَنْوِي الْحَجَّ لِجَوَازِ التَّمَتُّعِ ابْنُ عَرَفَةَ: صُورَتُهُ مَسْأَلَةُ اللَّخْمِيِّ، وَقَوْلُهُ يَنْوِي الْحَجَّ خِلَافَ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ. (وَأَلْغَى عُمْرَةً عَلَيْهِ كَالثَّانِي فِي حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ) فِيهَا كَرِهَ مَالِكٌ لِمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ عُمْرَةً أَوْ حَجَّةً وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِمَّا أَرْدَفَ وَلَا قَضَاءَ وَلَا دَمَ قِرَانٍ. ابْنُ يُونُسَ: بِخِلَافِ مَنْ أَرْدَفَ حَجًّا عَلَى عُمْرَةٍ خَامِسُ تَرْجَمَةٍ مِنْ الْحَجِّ الْأَوَّلِ. (وَرَفْضُهُ) مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 مِنْ النُّكَتِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ: مَنْ رَفَضَ صَلَاتَهُ أَوْ رَفَضَ صِيَامَهُ كَانَ رَافِضًا بِخِلَافِ مَنْ رَفَضَ إحْرَامَهُ أَوْ رَفَضَ وُضُوءَهُ بَعْدَ كَمَالِهِ أَوْ فِي خِلَالِهِ. ثُمَّ قَالَ: فَرَافِضُ إحْرَامِهِ لَيْسَ رَفْضُهُ بِمُضَادٍّ لِمَا هُوَ فِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَفَضَ مَوَاضِعَ يَأْتِيهَا، فَإِذَا رَفَضَ إحْرَامَهُ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُخَاطَبُ بِهَا فَفَعَلَهَا لَمْ يُحْمَلْ لِرَفْضِهِ حُكْمٌ. وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي حِينِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ نَوَى الرَّفْضَ وَفَعَلَهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَالطَّوَافِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ رَافِضٌ بَعْدُ كَالتَّارِكِ لِذَلِكَ. الْقَرَافِيُّ: قَالَ سَنَدٌ: إنْ رَفَضَ إحْرَامَهُ الْمَدْخُولَ فِي جِنْسِهِ كَفَسْخِ عُمْرَةٍ فِي عُمْرَةٍ أَوْ حَجٍّ فِي حَجٍّ لَا يَخْتَلِفُ فِي بَقَائِهِ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ عُمْرَةً فَأَرَادَ بَقَاءَهَا مَعَ الْحَجِّ وَالْوَقْتُ قَابِلٌ لِلْإِرْدَافِ فَهُوَ قَارِنٌ، وَإِنْ أَرْدَفَ قَلَبَ الْأَوَّلَ إلَى الْحَجِّ فَهُوَ اعْتِقَادٌ فَاسِدٌ وَلَا يَنْقَلِبُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ حَجًّا فَاعْتَقَدَ بُطْلَانَهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ وَلَا تَدْخُلُ الْعُمْرَةُ عَلَى الْحَجِّ، وَإِنْ اعْتَقَدَ انْقِلَابَهُ عُمْرَةً لَمْ يَنْقَلِبْ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: وَأَمَّا لَوْ رَفَضَ إحْرَامَهُ لِغَيْرِ شَيْءٍ فَهُوَ بَاقٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْأَئِمَّةِ خِلَافًا لِدَاوُدَ انْتَهَى. (وَفِي كَإِحْرَامِ زَيْدٍ تَرَدُّدٌ) مِنْ الذَّخِيرَةِ: مَنْ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَشْهَبَ وَالشَّافِعِيَّةِ لِقَضِيَّةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. هَذَا هُوَ نَصُّ الْقَرَافِيُّ. (وَنُدِبَ إفْرَادٌ) فِيهَا لِمَالِكٍ: الْإِفْرَادُ بِالْحَجِّ أَوْلَى مِنْ الْقِرَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 وَالتَّمَتُّعِ (ثُمَّ قِرَانٌ) . أَشْهَبُ: إنْ لَمْ يُفْرِدْ فَالْقِرَانُ أَوْلَى مِنْ التَّمَتُّعِ، اللَّخْمِيِّ: التَّمَتُّعُ أَوْلَى مِنْ الْإِفْرَادِ لِلْحَدِيثِ وَالْقِيَاسِ. (بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا وَقَدَّمَهَا) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْقِرَانُ الْإِحْرَامُ بِنِيَّةِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَإِنْ سَمَّى قَدَّمَ الْعُمْرَةَ وَلَوْ عَكَسَ نَاوِيًا الْقِرَانَ فَقَارِنٌ وَإِلَّا فَمُفْرِدٌ. (أَوْ يُرْدِفُهُ بِطَوَافِهَا) الْكَافِي: إنْ أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ طَوَافَهُ فَهُوَ قَارِنٌ. (إنْ صَحَّتْ) مُحَمَّدٌ: لَوْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَأَفْسَدَ عُمْرَتَهُ ثُمَّ حَلَّ مِنْهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ قَبْلَ قَضَاءِ عُمْرَتِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَتِهِ بَعْدَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ حَجَّتِهِ وَحَجُّهُ تَامٌّ، وَلَوْ أَرْدَفَهُ عَلَى الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ الْحَجُّ، اُنْظُرْ سَادِسَ تَرْجَمَةٍ مِنْ الْحَجِّ الْأَوَّلِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (وَكَمَّلَهُ لَا يَسْعَى وَتَنْدَرِجُ وَكُرِهَ قَبْلَ الرُّكُوعِ) فِيهَا: إنْ طَافَ وَلَمْ يَرْكَعْ كُرِهَ لَهُ أَنْ يُرْدِفَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 الْحَجَّ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ وَصَارَ قَارِنًا عَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ ثُمَّ أَتَمَّ طَوَافَهُ بِالرُّكُوعِ وَلَا يَسْعَى. وَفِيهَا أَيْضًا: مَنْ أَرْدَفَ الْحَجَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ وَيَرْكَعَ فَطَوَافُهُ لَهَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ فَلِذَلِكَ جَبَرَهُ بِالْهَدْيِ وَكَانَ الْإِفْرَادُ أَفْضَلَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 (لَا بَعْدَهُ) فِيهَا: إنْ أَرْدَفَ الْحَجَّ بَعْدَ أَنْ طَافَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْعَ أَوْ سَعَى بَعْضَ السَّعْيِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَضَى عَلَى سَعْيِهِ ثُمَّ يُحِلُّ وَيَسْتَأْنِفُ الْحَجَّ. قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: إنْ شَاءَ انْتَهَى. فَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَلَكِنْ إنْ أَرْدَفَهُ قَبْلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 الرُّكُوعِ فَهُوَ قَارِنٌ، وَإِنْ أَرْدَفَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَجٌّ إلَّا أَنْ يَشَاءَ، فَقَوْلُ خَلِيلٍ لَا بَعْدَهُ أَيْ فَلَيْسَ بِقَارِنٍ وَلَا يَلْزَمُهُ حَجٌّ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ يُونُسَ بَعْدَ هَذَا مَا نَصُّهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا أَرْدَفَ الْحَجَّ بَعْدَ السَّعْيِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَمْ يَكُنْ قَارِنًا وَيُؤَخِّرُ حِلَاقَ رَأْسِهِ. (وَصَحَّ بَعْدَ سَعْيٍ وَحَرُمَ الْحَلْقُ وَأَهْدَى لِتَأْخِيرِهِ) فِيهَا: إنْ أَرْدَفَ الْحَجَّ بَعْدَ سَعْيٍ عُمْرَتُهُ قَبْلَ حِلَاقِهِ كَانَ مُفْرِدًا وَعَلَيْهِ دَمُ تَأْخِيرِ حِلَاقِ عُمْرَتِهِ (وَلَوْ فَعَلَهُ) . ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ حَلَقَ افْتَدَى. ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي سُقُوطِ دَمِ تَأْخِيرِهِ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ كَقَوْلِي سُقُوطِ دَمِ مُحْرِمٍ تَعَدَّى الْمِيقَاتَ رَجَعَ إلَيْهِ، وَكَقَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي سُقُوطِ سُجُودِ مَنْ قَامَ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 اثْنَتَيْنِ بِرُجُوعِهِ. (ثُمَّ تَمَتَّعَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ أَشْهَبَ أَنَّ التَّمَتُّعَ دُونَ الْقِرَانِ فِي الْفَضْلِ، وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ: لَا يَجُوزُ تَفْضِيلُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَعَهَا وَلَمْ يُفَضِّلْ بَيْنَهَا. (بِأَنْ يُحْرِمَ بَعْدَهَا) . الْكَافِي: التَّمَتُّعُ هُوَ أَنْ يَعْتَمِرَ الْإِنْسَانُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ يَتَحَلَّلَ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 الْحَجِّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِهَا فِي غَيْرِهَا ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ قَبْلَ الرُّجُوعِ إلَى بَلَدِهِ. (وَإِنْ بِقِرَانٍ) حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَلَقَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِقِرَانٍ. (وَشَرْطُ دَمِهِمَا عَدَمُ إقَامَتِهِ بِمَكَّةَ أَوْ ذِي طُوًى وَقْتَ فِعْلِهِمَا) . أَبُو عُمَرَ: عَلَى الْقَارِنِ هَدْيٌ هُوَ فِيهِ كَالتَّمَتُّعِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ. هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ أَهْلُ مَكَّةَ وَأَهْلُ ذِي طُوًى لِأَنَّهَا مِنْ مَكَّةَ. وَمَنْ كَانَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُمْ عِنْدَ مَالِكٍ أَهْلُ مَكَّةَ وَتَمَتَّعَ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَلَا صِيَامَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ سَائِرِ الْآفَاقِ وَكَانَتْ عُمْرَتُهُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جَاءَ بِالْعُمْرَةِ فِي سَفَرٍ وَبِالْحَجِّ فِي سَفَرٍ ثَانٍ، وَالْهَدْيُ إنَّمَا وَجَبَ عَلَى غَيْرِ الْمَكِّيِّ إذَا اعْتَمَرَ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ وَلَمْ يَنْصَرِفْ إلَى بَلَدِهِ لِإِسْقَاطِهِ أَحَدَ السَّفَرَيْنِ إلَى الْبَيْتِ مِنْ بَلَدِهِ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأُفُقُ الَّذِي انْصَرَفَ إلَيْهِ فِي الْبُعْدِ مِثْلَ أُفُقِهِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَإِنْ بِانْقِطَاعٍ بِهَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمُنْقَطِعُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 إلَيْهَا كَأَهْلِهَا كَمَا أَنَّ الْمُنْقَطِعَ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِهَا وَالدَّاخِلَ لَا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ كَغَيْرِهِمْ. وَفِيهَا: لَوْ انْتَجَعَ لِسُكْنَى مَكَّةَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجّ مِنْ عَامِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اعْتَمَرَ بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا. (أَوْ خَرَجَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 لِحَاجَةٍ لَا إنْ انْقَطَعَ بِغَيْرِهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُنْقَطِعُ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِهَا كَغَيْرِهِمْ. (أَوْ قَدِمَ بِهَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُنْقَطِعُ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِهَا كَغَيْرِهِمْ نَصُّهَا: مَنْ انْتَجَعَ لِسُكْنَى مَكَّةَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَا دَمَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَلَوْ دَخَلَهَا هَذَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَعَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ فِي هَذَا الْعَامِ ثُمَّ لَا دَمَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا دَامَ سَاكِنًا بِمَكَّةَ. (وَنُدِبَ لِذِي أَهْلَيْنِ وَهَلْ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَيُعْتَبَرُ تَأْوِيلَانِ) الْكَافِي: مَنْ كَانَ لَهُ بِمَكَّةَ أَهْلٌ وَبِغَيْرِهَا أَهْلٌ تَوَقَّفَ فِيهِ مَالِكٌ وَقَالَ: هِيَ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْأُمُورِ وَاسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمَ الْمُتْعَةِ إنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنَّمَا يَأْتِي أَهْلَهُ بِمَكَّةَ مُنْتَابًا فَعَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَإِنْ كَانَ سُكْنَاهُ بِمَكَّةَ وَيَأْتِي أَهْلَهُ الَّتِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 بِغَيْرِهَا مُنْتَابًا فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ كَالْمَكِّيِّ. اللَّخْمِيِّ: لَا يُخْتَلَفُ فِي هَذَا وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ مَالِكٌ عَلَى مُسَاوَاةِ إقَامَتِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. (وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ) الْكَافِي: الْهَدْيُ إنَّمَا وَجَبَ عَلَى غَيْرِ الْمَكِّيِّ إذَا اعْتَمَرَ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ. (وَلِلْمُتَمَتِّعِ عَدَمُ عَوْدِهِ لِبَلَدِهِ) الْكَافِي: كُلُّ مَنْ رَجَعَ لِبَلَدِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَا دَمَ عَلَيْهِ. (أَوْ مِثْلِهِ) . الْكَافِي: وَكَذَا إنْ رَجَعَ إلَى أُفُقٍ مِثْلِ أُفُقِهِ لَا دَمَ عَلَيْهِ. (وَلَوْ بِالْحِجَازِ) فِيهَا: أَمَّا أَهْلُ مِنًى أَوْ الْمَنَاهِلِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَوَاقِيتِ كَقَدِيدٍ وَمَرِّ الظَّهْرَانِ وَعُسْفَانَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ سُكَّانِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِمْ الدَّمُ إذَا قَرَنُوا أَوْ تَمَتَّعُوا (لَا بِأَقَلَّ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 الْكَافِي: إنْ رَجَعَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لَا أَنْ يَكُونَ مِثْلَ أُفُقِهِ. (وَفِعْلُ بَعْضِ رُكْنِهَا فِي وَقْتِهِ) ذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا مُتَمَتِّعًا: إنْ تَحَلَّلَ مِنْ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يُحْرِمُ فَلَوْ تَقَدَّمَ تَحَلُّلُهَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا إذْ لَمْ يَرْجِعْ الْحَجُّ بِالْعُمْرَةِ فِي مَظِنَّتِهِ. (وَفِي شَرْطِ كَوْنِهِمَا عَنْ وَاحِدٍ تَرَدُّدٌ) ذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ الشُّرُوطَ الَّتِي يَكُونُ بِهَا مُتَمَتِّعًا أَنْ يَقَعَ النُّسُكَانِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا بَلْ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 كِتَابِ مُحَمَّدٍ: مَنْ اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ عَنْ غَيْرِهِ مُتَمَتِّعٌ. (وَدَمُ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَجِبُ دَمَ التَّمَتُّعِ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُوهِمُ هَذَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ مَاتَ قَبْلَ وُقُوفِهِ وَلَا أَعْلَمُ فِي سُقُوطِهِ خِلَافًا. (وَأَجْزَأَ قَبْلَهُ) . ابْنُ عَرَفَةَ: يُجْزِئُ تَقْلِيدُهُ وَإِشْعَارُهُ بَعْدَ إحْرَامِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 حَجِّهِ وَيَجُوزُ أَيْضًا قَبْلَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. (ثُمَّ الطَّوَافُ لَهُمَا) أَمَّا الطَّوَافُ لِلْعُمْرَةِ فَفِي الرِّسَالَةِ ذَكَرْنَا يَعْنِي فِي الْحَجِّ إلَى تَمَامِ السَّعْيِ ثُمَّ يَحْلِقُ، وَأَمَّا الطَّوَافُ لِلْحَجِّ فَقَالَ عِيَاضٌ: أَرْكَانُ الْحَجِّ: النِّيَّةُ وَالْإِحْرَامُ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَوَقْتُ الْحَجِّ وَاخْتُلِفَ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: طَوَافٌ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَهُوَ السَّعْيُ فَكَانَ مِنْ مُتَأَكِّدِي السُّنَنِ، وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَرْضٌ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ مُسْتَحَبٌّ. الْقَرَافِيُّ: صِفَةُ الطَّوَافِ كُلُّهَا وَاحِدَةٌ. (سَبْعًا) الْقَرَافِيُّ: مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ إكْمَالُ الْعَدَدِ وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ ضَرُورَةِ الدِّينِ، وَفِي الْحَدِيثِ إنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 أَرْبَعًا» . (بِالطُّهْرَيْنِ وَالسَّتْرِ) . ابْنُ شَاسٍ: مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ: طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَطَهَارَةُ الْخَبَثِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 إلَّا أَنَّهُ يُبَاحُ فِيهِ الْكَلَامُ. (وَبَطَلَ بِحَدَثٍ بِنَاءٌ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ انْتَقَضَ فِي أَثْنَائِهِ تَطَهَّرَ وَاسْتَأْنَفَ فِيهَا إنْ ذَكَرَ أَنَّهُ طَافَ وَاجِبًا بِنَجَاسَةٍ لَمْ يَعُدْ كَذِكْرِهِ بَعْدَ وَقْتِ صَلَاةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ ذِكْرَهَا فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 ابْتَدَأَ. ابْنُ عَرَفَةَ: حَكَاهُ أَشْهَبُ. وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ إنْ ذَكَرَهَا فِيهِ بَنَى لَا أَعْرِفُهُ. (وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ) عَدَّ ابْنُ شَاسٍ مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ التَّرْتِيبَ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ وَلَوْ جَعَلَهُ عَلَى يَمِينِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 لَمْ يَصِحَّ. (وَخُرُوجُ كُلِّ الْبَدَنِ عَنْ الشَّاذَرْوَانِ) عَدَّ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ بَدَنِهِ خَارِجَ الْبَيْتِ فَلَا يَمْشِي عَلَى شَاذَرْوَانِهِ وَلَا فِي دَاخِلِ مَحُوطِ الْحَجَرِ فَإِنَّ بَعْضَهُ مِنْ الْبَيْتِ (وَسِتَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 أَذْرُعٍ مِنْ الْحَجَرِ وَنَصْبِ الْمُقْبِلِ قَامَتَهُ) وَفِي مَنَاسِكِ خَلِيلٍ: الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ خَارِجَ الْبَيْتِ فَلَا يَمْشِي عَلَى شَاذَرْوَانِهِ وَلَا فِي مَحُوطِ الْحِجْرِ فَإِنَّ بَعْضَهُ مِنْ الْبَيْتِ قَالَ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرُهُ: وَذَلِكَ الْقَدْرُ مِقْدَارُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ. وَصَحَّحَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ خَارِجَ الْمَذْهَبِ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ وَلِكَوْنِ الشَّاذَرْوَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 مِنْ الْبَيْتِ قَالُوا: يَنْتَبِهُ عِنْدَ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ إلَى مَنْكِبِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَطُوفَ مُطَأْطِئَ الرَّأْسِ بَلْ يُثَبِّتُ قَدَمَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعُ وَيَطُوفُ لِأَنَّهُ إذَا طَافَ مُطَأْطِئَ الرَّأْسِ يَكُونُ قَدْ طَافَ بَعْضَ الطَّوَافِ وَبَعْضَهُ فِي الْبَيْتِ. (دَاخِلَ الْمَسْجِدِ) . الْقَرَافِيُّ: مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ أَنْ يَكُونَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ. قَالَ سَنَدٌ: وَيُسْتَحَبُّ الدُّنُوُّ مِنْ الْبَيْتِ كَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَإِنْ طَافَ فِي السَّقَائِفِ لِغَيْرِ زِحَامٍ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَعَادَ، وَإِنْ طَافَ فِيهَا أَوْ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ مِنْ زِحَامِ النَّاسِ أَجْزَأَهُ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (وَوَلَاءً) . الْقَرَافِيُّ: مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ الْمُوَالَاةُ. قَالَ مَالِكٌ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 وَالشَّكُّ فِي الْإِكْمَالِ كَتَيَقُّنِ النَّقْصِ. (وَابْتَدَأَ إنْ قَطَعَ لِجِنَازَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ) فِيهَا: إنْ خَرَجَ فِي أَثْنَاءِ طَوَافِهِ فَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ أَوْ طَلَبِ نَفَقَةٍ نَسِيَهَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ طَوَافِهِ إلَّا لِلصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ الْيَسِيرَ لَا يُبْطِلُ لَا سِيَّمَا لِضَرُورَةِ الصَّلَاةِ. (أَوْ نَسِيَ بَعْضَهُ إنْ فَرَغَ سَعْيُهُ) فِيهَا: مَنْ ذَكَرَ مِنْ طَوَافِ السَّعْيِ بَعْدَ رُكُوعِهِ وَسَعْيِهِ شُرُوطًا بَنَى إنْ قَرُبَ وَبَقِيَ وُضُوءُهُ وَرَكَعَ وَسَعَى وَإِنْ طَالَ ابْتَدَأَ، ابْنُ عَرَفَةَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 لَا أَعْرِفُ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ إنَّ الْمَشْهُورَ يَبْتَدِئُ طَوَافَهُ إنْ ذَكَرَ بَعْدَ فَرَاغِ سَعْيِهِ أَنَّهُ نَسِيَ بَعْضَهُ انْتَهَى. غَرِيبٌ إنْ اتَّبَعَ خَلِيلُ ابْنَ الْحَاجِبِ وَتَرَكَ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ. (وَقَطَعَهُ لِلْفَرِيضَةِ) لَوْ قَالَ: " وَبَنَى " لِتَنْزِلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّهَا بِهَذَا (وَنُدِبَ كَمَالُ الشَّوْطِ) . الْقَرَافِيُّ قَالَ سَنَدٌ: وَإِذَا خَرَجَ لِلْفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ يَبْنِي قَبْلَ أَنْ يَتَنَفَّلَ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ كَمَالِ الشَّوْطِ عِنْدَ الْحَجَرِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الطَّوَافِ شَوْطَانِ أَتَمَّهُمَا إلَى أَنْ تَعْتَدِلَ الصُّفُوفُ. (وَبَنَى إنْ رَعَفَ) . ابْنُ حَبِيبٍ: يَبْنِي الرَّاعِفُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 (أَوْ عَلِمَ بِنَجِسٍ) تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ لَمْ يَعْرِفْ هَذَا. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبَطَلَ بِحَدَثٍ بِنَاءٌ ". وَقَالَ خَلِيلٌ فِي مَنَاسِكِهِ: أَمَّا النَّجَاسَةُ فَإِنْ طَافَ بِهَا نَاسِيًا ثُمَّ ذَكَرَ طَرَحَهَا مَتَى ذَكَرَ بَنَى. وَقَالَ أَشْهَبُ: يَبْطُلُ كَالصَّلَاةِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ فَاسْتَحَبَّ ابْنُ الْمَوَّازِ إعَادَةَ الرَّكْعَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 وَقْتَهُمَا بَاقٍ بِالْقُرْبِ، وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُمَا أَصْبَغُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَقْتَهُمَا مُنْقَضٍ بِفَرَاغِهِمَا، وَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا فَإِنَّهُ يُعِيدُ وَلَوْ بَعْدُ، وَلَوْ رَعَفَ وَهُوَ فِي الطَّوَافِ لَخَرَجَ وَغَسَلَ وَبَنَى. (وَأَعَادَ رَكْعَتَيْهِ بِالْقُرْبِ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بِثَوْبٍ نَجِسٍ لَمْ يُعِدْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يُعِيدُ الرَّكْعَتَيْنِ فَقَطْ إنْ كَانَ قَرِيبًا. اُنْظُرْ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدِ قَوْلِهِ: " وَبَطَلَ بِحَدَثٍ ". (وَعَلَى الْأَقَلِّ إنْ شَكَّ) قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 مَالِكٌ: وَالشَّكُّ فِي إكْمَالِ الْأَشْوَاطِ كَتَيَقُّنِ النَّقْصِ. (وَجَازَ بِسَقَائِفَ لِزَحْمَةٍ وَإِلَّا أَعَادَ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " دَاخِلَ الْمَسْجِدِ " (وَلَمْ يَرْجِعْ لَهُ) . ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ طَافَ فِي سَقَائِفِ الْمَسْجِدِ فِرَارًا مِنْ الشَّمْسِ أَعَادَ. قَالَ ابْنُ شَبْلُونَ: وَرَجَعَ مِنْ بَلَدِهِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَرْجِعُ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ يَجْرِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَلَا دَمَ) وَجَّهَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلَ أَبِي مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ كَمَنْ طَافَ رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَعَادَهُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى بَلَدِهِ فَلْيُهْرِقْ دَمًا كَالطَّائِفِ. وَمِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ: وَإِنْ طَافَ فِي سَقَائِفَ لَا لِزِحَامٍ بَلْ لِحَرٍّ وَنَحْوِهِ أَعَادَ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَلَا يَرْجِعُ لَهُ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 بَلَدِهِ. وَقَالَ ابْنُ شَبْلُونَ: يَرْجِعُ. الْبَاجِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ قَوْلًا بِأَنَّهُ لَا يَعُودُ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ. (وَوَجَبَ) تَقَدَّمَ نَصُّ عِيَاضٍ أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ رُكْنٌ. قَالَ: وَطَوَافُ الْقُدُومِ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ سُنَّةٌ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِيهِمَا وَزَادَ: وَطَوَافُ الْوَدَاعِ مُسْتَحَبٌّ. وَمِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اعْلَمْ أَنَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ وَاجِبَاتُ أَرْكَانٍ الْقِسْمُ الثَّانِي وَاجِبَاتٌ لَيْسَتْ بِأَرْكَانٍ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهَا بِالسُّنَنِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ سُنَنٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَيَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ التَّأْثِيمُ لَكِنْ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا هَلْ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا أَمْ لَا؟ وَأَرَادُوا بِالْوُجُوبِ وُجُوبَ الدَّمِ، وَالْأَمْرُ مُحْتَمَلٌ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ: أَوَّلُهَا تَرْكُ التَّلْبِيَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، ثَانِيهَا تَرْكُ طَوَافِ الْقُدُومِ لِغَيْرِ الْمُرَاهِقِ. (كَالسَّعْيِ قَبْلَ عَرَفَةَ إنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ) ثُمَّ قَالَ خَلِيلٌ فِي مَنَاسِكِهِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 الثَّانِي عَشَرَ إعَادَةُ السَّعْيِ فِي حَقِّ مَنْ أَنْشَأَ الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ وَطَافَ وَسَعَى أَوَّلًا قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ عَرَفَاتٍ. (لَمْ يُرَاهِقْ وَلَمْ يُرْدِفْ بِحَرَامٍ) اللَّخْمِيِّ: طَوَافُ الْقُدُومِ يَسْقُطُ عَمَّنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ وَعَمَّنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ إذَا كَانَ مُرَاهِقًا وَعَمَّنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَرْدَفَ الْحَجَّ مِنْ الْحَرَمِ وَلَا دَمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (وَإِلَّا سَعَى بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَإِلَّا فَدَمٌ إنْ قَدِمَ وَلَمْ يَعُدْ) الْكَافِي: مَنْ خَشِيَ أَنْ يَفُوتَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى الْمُرَاهِقَ. فَلْيَتْرُكْ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ، فَإِذَا طَافَ لِلْإِفَاضَةِ سَعَى بَعْدَهُ مُتَّصِلًا بِهِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَتْ حَجَّتُهُ مَكِّيَّةً مِنْ أَهْلِهَا كَانَ أَوْ مُتَمَتِّعًا فَلَا يَطُوفُ وَلَا يَسْعَى لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ مِنْ الْحِلِّ، فَإِنْ طَافَ وَسَعَى أَعَادَ السَّعْيَ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ حَتَّى رَجَعَ لِبَلَدِهِ فَلْيُهْدِ هَدْيًا، وَيُجْزِئُهُ عَنْ مَالِكٍ. (ثُمَّ السَّعْيُ سَبْعًا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) عِيَاضٌ: السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 وَالْمَرْوَةِ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ (مِنْهُ الْبَدْءُ مَرَّةً وَالْعَوْدُ أُخْرَى) أَبُو عُمَرَ: إذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عَادَ إلَى الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ فَلْيَسْتَلِمْهُ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا فَيَرْقَى عَلَيْهَا حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ الْبَيْتُ ثُمَّ يَمْشِيَ إلَى الْمَرْوَةِ يَصْنَعُ عَلَيْهَا مِثْلَ مَا صَنَعَ عَلَى الصَّفَا وَيُعَدُّ ذَلِكَ شَوْطًا، ثُمَّ يَسْعَى إلَى الصَّفَا. قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: يَفْعَلُ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَيَقِفُ بِذَلِكَ أَرْبَعَ وَقَفَاتٍ عَلَى الصَّفَا وَأَرْبَعًا عَلَى الْمَرْوَةِ. (وَصِحَّتُهُ بِتَقَدُّمِ طَوَافٍ وَنَوَى فَرْضِيَّتَهُ وَإِلَّا فَدَمٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُجْزِئُ السَّعْيُ إلَّا بَعْدَ طَوَافٍ يَنْوِي فَرْضَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا يَجُوزُ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا بِنِيَّةٍ لِمَا قَصَدَ لَهُ مِنْ الْحَجِّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ سَعْيَهُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الطَّوَافَيْنِ حَتَّى أَتَى بَلَدَهُ أَجْزَأَهُ سَعْيُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ دَمٌ. (وَرَجَعَ إنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَةٍ حَرَمًا وَافْتَدَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 لِحَلْقِهِ) فِيهَا: مَنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَذَكَرَ بَعْدَ أَنْ حَلَّ مِنْهَا بِمَكَّةَ أَوْ بِبَلَدِهِ فَلْيَرْجِعْ حَرَامًا كَمَا كَانَ، وَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَرْجِعُ وَيَسْعَى وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَطَأْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَلَقَ بَعْدَ طَوَافِهِ افْتَدَى. (وَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ سَعْيِهِ بِحَجٍّ فَقَارِنٌ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: نِسْيَانُ بَعْضِ طَوَافِهِ كَجَمِيعِهِ إلَّا أَنَّهُ يَبْنِي مَا لَمْ يُطِلْ، أَمَّا طَوَافُ عُمْرَتِهِ فَيَرْجِعُ لَهُ مُحْرِمًا كَمَارٍّ ثُمَّ يَحْلِقُ وَيَفْتَدِي مِنْ الْحَلْقِ الْمُتَقَدِّمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْتَمِرًا وَقَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ سَعْيِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ قَارِنًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 (كَطَوَافِ الْقُدُومِ إنْ سَعَى بَعْدَهُ وَاقْتَصَرَ) فِيهَا: إنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ قُدُومِهِ ثُمَّ سَعَى وَأَتَى عَرَفَةَ ثُمَّ رَجَعَ وَطَافَ لِلْإِفَاضَةِ عَلَى وُضُوءٍ وَلَمْ يَسْعَ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَلْيَرْجِعْ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى. اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَرَجَعَ إنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَةٍ ". (وَالْإِفَاضَةُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَهُ وَلَا دَمَ) فِيهَا مَنْ طَافَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 لِلْإِفَاضَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ رَجَعَ لِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ طَافَ بَعْدَ ذَلِكَ تَطَوُّعًا فَيُجْزِئُهُ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ (حَلَالًا إلَّا مِنْ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ وَكُرِهَ الطَّيِّبُ وَاعْتَمَرَ وَالْأَكْثَرُ إنْ وَطِئَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: فَلَوْ طَافَ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ أَعَادَ وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ رَجَعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 طَافَ بَعْدَهُ تَطَوُّعًا فَيُجْزِئُهُ وَفِي الدَّمِ نَظَرٌ، وَيَرْجِعُ حَلَالًا إلَّا مِنْ النِّسَاءِ وَالصَّيْدِ وَالطِّيبِ لِأَنَّ حُكْمَهُ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ فِي مِنًى حَتَّى يَطُوفَ ثُمَّ يَعْتَمِرَ وَيُهْدِيَ. وَقِيلَ: لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَطَأَ وَجُلُّ النَّاسِ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ لَمْ يَطَأْ فَلْيُرَاجِعْ وَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ. وَمِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ: أَمَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَيَرْجِعُ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ طَافَ بَعْدَهُ تَطَوُّعًا فَيُجْزِئُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَفَسَّرَ ابْنُ يُونُسَ الْمَشْهُورَ بِأَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فِي الدَّمِ نَظَرٌ. وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْمَشْهُورَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ نِسْيَانًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَمْدِ وَلَا يُجْزِئُ طَوَافُ الْقُدُومِ عَنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَأَمَّا طَوَافُ الْقُدُومِ إذَا سَعَى بَعْدُ بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ السَّعْيَ بَعْدَ رُجُوعِهِ عَنْ عَرَفَاتٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ وَرَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَلْيَرْجِعْ لَابِسًا لِلثِّيَابِ حَلَالًا إلَّا مِنْ النِّسَاءِ وَالطِّيبِ وَالصَّيْدِ، لِأَنَّ حُكْمَهُ بَاقٍ عَلَى مَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 كَانَ عَلَيْهِ فِي مِنًى حَتَّى يَطُوفَ ثُمَّ يَعْتَمِرَ وَيُهْدِيَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ إذَا رَجَعَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السَّعْيِ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَقَ بِمِنًى، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي لِبَاسِ الثِّيَابِ لِأَنَّهُ لَمَّا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَلَّ لَهُ اللِّبَاسُ بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ لَا يَحِلُّ لَهُ لُبْسُ الثِّيَابِ حَتَّى يَفْرُغَ عَنْ السَّعْيِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الطِّيبِ لِأَنَّهُ بَعْدُ رَمْيٌ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَهُوَ خَفِيفٌ وَعَلَيْهِ لِكُلِّ صَيْدٍ أَصَابَهُ الْجَزَاءُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ الَّذِي طَافَ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَأَرْجُوَ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ وَهُوَ كَالْمُرَاهِقِ وَالْعُمْرَةُ مَعَ الْهَدْيِ تُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَجُلُّ النَّاسِ يَقُولُونَ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (وَلِلْحَجِّ حُضُورُ جُزْءِ عَرَفَةَ) . عِيَاضٌ: مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ. ابْنُ شَاسٍ: وَالْوَاجِبُ مِنْهُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحُضُورِ فِي جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ عَرَفَةَ سِوَى بَطْنِ عُرَنَةَ (سَاعَةً لَيْلَةَ النَّحْرِ) . ابْنُ شَاسٍ: مُتَعَلِّقُ الْإِجْزَاءِ لَيْلَةَ النَّحْرِ لَا بُدَّ مِنْ الْوُقُوفِ فِيهَا وَلَوْ لَحْظَةً. (وَلَوْ مَرَّ إنْ نَوَاهُ) . ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ مَرَّ بِعَرَفَةَ مَارًّا بَعْدَ دَفْعِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقِفْ بِهَا أَجْزَاهُ إنْ نَوَى بِمُرُورِهِ وَقْفًا. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ كَانَ وُقُوفُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 بِهَا وَهُوَ لَا يَعْرِفُهَا لَمْ يُجْزِهِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (أَوْ بِإِغْمَاءٍ قَبْلَ الزَّوَالِ) فِيهَا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَةَ فَوُقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ مُغْمًى عَلَيْهِ حَتَّى دَفَعُوا مِنْهَا أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ. (أَوْ أَخْطَأَ الْجَمُّ بِعَاشِرٍ فَقَطْ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ وَقَفَ الْحَاجُّ يَوْمَ الْعَاشِرِ غَلَطًا فِي الْهِلَالِ أَجْزَأَهُمْ الْحَجُّ وَلَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ وَيَمْضُونَ عَلَى عِلْمِهِمْ وَلَوْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ وَثَبَتَ عِنْدَهُمْ بَقِيَّةُ يَوْمِهِمْ أَوْ بَعْدَهُ وَيَكُونُ حَالُهُمْ فِي شَأْنِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 كُلِّهِ كَحَالِ مَنْ لَمْ يُخْطِئْ، وَلَوْ وَقَفُوا الْيَوْمَ الثَّامِنَ لَمْ يُجْزِهِمْ، اُنْظُرْ فِيهِ الْخِلَافَ فِي هَذَا. (لَا بِالْجَاهِلِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَوْ مَرَّ " وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذَا رِوَايَتَيْنِ. (كَبَطْنِ عُرَنَةَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ بِهَذَا وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ بِالْحِلِّ وَعُرَنَةُ بِالْحَرَمِ. (وَأَجْزَأَ بِمَسْجِدِهَا بِكُرْهٍ) . الْقَرَافِيُّ: اخْتَلَفُوا فِي مَسْجِدِ عَرَفَةَ قَالَ مَالِكٌ: لَمْ يُصِبْ مَنْ وَقَفَ بِهِ فَمَنْ فَعَلَ لَا أَدْرِي. قَالَ أَصْبَغُ: لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 يُجْزِئُ، وَاخْتَارَ مُحَمَّدٌ الْإِجْزَاءَ. (وَصَلَّى وَلَوْ فَاتَ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ أَتَى قُرْبَ الْفَجْرِ وَقَدْ نَسِيَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 صَلَاةً فَإِنْ صَلَّاهَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَفَاتَهُ الْوُقُوفُ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ. (وَالسُّنَّةُ غُسْلٌ) . ابْنُ عَرَفَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 غُسْلُ الْإِحْرَامِ وَلَوْ بِعُمْرَةٍ سُنَّةٌ وَلَوْ لِصَبِيٍّ أَوْ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ وَلَا دَمَ إنْ تَرَكَ. سَحْنُونَ: وَقَدْ أَسَاءَ. (مُتَّصِلٌ) ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْكَاتِبِ: إنَّمَا يَجُوزُ الْغُسْلُ بِالْمَدِينَةِ لِرَجُلٍ يَغْتَسِلُ ثُمَّ يَرْكَبُ مِنْ فَوْرِهِ أَوْ رَجُلٍ يَأْتِي ذَا الْحُلَيْفَةِ فَيَغْتَسِلُ إذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ. سَحْنُونَ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَجَّ مِنْ الْمَدِينَةِ غُسْلُهُ بِهَا بِعَقِبِ خُرُوجِهِ ثُمَّ يُحْرِمُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ انْتَهَى. اسْتَظْهَرَ عَلَى هَذَا هَلْ هُوَ مَشْهُورٌ. ابْنُ يُونُسَ: كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ الَّذِي هُوَ مُتَّصِلٌ بِالرَّوَاحِ. (وَلَا دَمَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 (وَنُدِبَ بِالْمَدِينَةِ لِلْحُلَيْفِيِّ) تَقَدَّمَ قَوْلُ سَحْنُونٍ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَلَا دَمَ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 (وَلِدُخُولِ غَيْرِ حَائِضٍ مَكَّةَ بِذِي طُوًى) وَرَوَى مُحَمَّدٌ: غُسْلُ دُخُولٍ بِمَكَّةَ بِذِي طُوًى وَإِنْ فَعَلَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ فَوَاسِعٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَيُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَلِرَوَاحِهِ إلَى الصَّلَاةِ بِعَرَفَةَ، وَغُسْلُ الْإِحْرَامِ أَوْجَبُ مِنْ هَذَيْنِ الْغُسْلَيْنِ. قَالَ مَالِكٌ: وَيَتَدَلَّكُ فِي غُسْلِ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا غُسْلُ مَكَّةَ وَعَرَفَةَ فَلَا يَتَدَلَّكُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 فِيهِ، وَلَا يُغَيِّبُ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ ابْنُ عَرَفَةَ: رَوَى الشَّيْخُ: لَا يَغْتَسِلُ لِلدُّخُولِ حَائِضٌ وَلَا نُفَسَاءُ. (وَلِلْوُقُوفِ) تَقَدَّمَ نَصُّ مَالِكٍ يَغْتَسِلُ لِرَوَاحِهِ لِعَرَفَةَ. (وَلُبْسُ إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ) الَّذِي لِلْقَرَافِيِّ أَنَّ مِنْ السُّنَنِ التَّجَرُّدَ مِنْ الْمَخِيطِ فَانْظُرْهُ. سَحْنُونَ: وَإِذَا اغْتَسَلَ وَلَوْ بِالْمَدِينَةِ لَبِسَ ثَوْبَيْ إحْرَامِهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ ثَوْبَانِ يَرْتَدِي بِأَحَدِهِمَا وَيَأْتَزِرُ بِالْآخَرِ. زَادَ الْقَرَافِيُّ وَنَعْلَيْنِ. (وَتَقْلِيدُ هَدْيٍ ثُمَّ إشْعَارُهُ) فِيهَا: مَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 أَرَادَ الْإِحْرَامَ وَمَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُقَلِّدْهُ ثُمَّ يُشْعِرْهُ ثُمَّ يُجَلِّلْهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْإِشْعَارُ بِدْعَةٌ. (ثُمَّ رَكْعَتَانِ وَالْفَرْضُ مُجْزِئٌ) فِيهَا: مَنْ أَتَى الْمِيقَاتَ فَلْيُحْرِمْ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ وَلَا يُحْرِمُ إلَّا بِإِثْرِ صَلَاةٍ نَافِلَةٍ أَوْ بِإِثْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 فَرِيضَةٍ، كَانَ بَعْدَهَا نَافِلَةً أَمْ لَا، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُحْرِمَ إثْرَ النَّافِلَةِ. (يُحْرِمُ إذَا اسْتَوَى وَالْمَاشِي إذَا مَشَى وَتَلْبِيَةٌ) . ابْنُ شَاسٍ: مِنْ السُّنَّةِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُلَبِّي. وَفِيهَا: لَا يُحْرِمُ دُبُرَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَكِنْ إذَا خَرَجَ مِنْهُ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ فِي فِنَاءِ الْمَسْجِدِ لَبَّى وَلَمْ يَنْتَظِرْ أَنْ تَسِيرَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَاشِيًا فَحِينَ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ مُتَوَجِّهًا لِلذَّهَابِ يُحْرِمُ وَلَا يَنْتَظِرُ أَنْ يَذْهَبَ بِالْبَيْدَاءِ. قَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ: وَالتَّلْبِيَةُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك. وَيَكْفِي مِنْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ. . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 (وَجُدِّدَتْ لِتَغْيِيرِ حَالٍ وَخَلْفَ صَلَاةٍ) فِيهَا: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُلَبِّيَ فَلَا يَسْكُبُ وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا. وَتُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ عِنْدَ أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ وَعِنْدَ كُلِّ شَرَفٍ. الرِّسَالَةُ: وَعِنْدَ مُلَاقَاةِ الرِّفَاقِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَيُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ مِنًى فَلْيَرْفَعْ صَوْتَهُ فِيهِمَا. (وَهَلْ لِمَكَّةَ أَوْ لِلطَّوَافِ خِلَافٌ) . الرِّسَالَةُ: فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى ثُمَّ يُعَاوِدُهَا حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَرُوحُ إلَى مُصَلَّاهَا. وَفِيهَا: كَرِهَهَا مَالِكٌ مِنْ أَوَّلِ طَوَافِهِ حَتَّى يُتِمَّ سَعْيَهُ. (وَإِنْ تُرِكَتْ أَوَّلُهُ فَدَمٌ إنْ طَالَ) مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ: مَنْ لَمْ يُلَبِّ وَتَوَجَّهَ نَاسِيهَا حَتَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 طَالَ فَدَمٌ. (وَتَوَسُّطٌ فِي عُلُوِّ صَوْتِهِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: يَرْفَعُ الرَّجُلُ صَوْتَهُ وَسَطًا وَلَوْ بِمَسْجِدِ عَرَفَةَ وَمِنًى يُسْمِعُ مَنْ يَلِيهِ بِمَسْجِدِ غَيْرِهَا. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجُدِّدَتْ " (وَفِيهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُلَبِّيَ فَلَا يَسْكُتُ وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (وَعَاوَدَهَا بَعْدَ سَعْيٍ) فِيهَا وَيُلَبِّي بَعْدَ سَعْيِهِ. (وَإِنْ بِالْمَسْجِدِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ يُلَبِّي بِمَسْجِدِ مِنًى وَمَسْجِدِ عَرَفَةَ. وَقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (لِرَوَاحِ مُصَلَّى عَرَفَةَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الرِّسَالَةِ: وَيَرُوحُ إلَى مُصَلَّاهَا (وَمُحْرِمُ مَكَّةَ يُلَبِّي بِالْمَسْجِدِ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْمُحْرِمُ مِنْ مَكَّةَ يُلَبِّي بِالْمَسْجِدِ أَيْضًا. (وَمُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ وَفَائِتُهُ الْحَجُّ لِلْحَرَمِ) فِيهَا: وَمَنْ اعْتَمَرَ مِنْ مِيقَاتِهِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إذَا دَخَلَ أَوَّلَ الْحَرَمِ ثُمَّ لَا يُعَاوِدُهَا، وَكَذَا مَنْ أَتَى وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ أَوْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ حَتَّى فَاتَهُ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا دَخَلَ أَوَّلَ الْحَرَمِ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ صَارَ كَالْعُمْرَةِ. (وَمِنْ الْجِعْرَانَةُ وَالتَّنْعِيمِ لِلْبُيُوتِ) فِيهَا: وَاَلَّذِي يُهِلُّ بِعُمْرَةٍ مِنْ غَيْرِ مِيقَاتِهِ مِثْلِ الْجِعْرَانَةُ وَالتَّنْعِيمِ يَقْطَعُ إذَا دَخَلَ بُيُوتَ مَكَّةَ أَوْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، كُلُّ ذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 وَاسِعٌ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (وَلِلطَّوَافِ الْمَشْيُ وَإِلَّا فَدَمٌ لِقَادِرٍ لَمْ يُعِدْهُ) فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ طَافَ مَحْمُولًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَجْزَأَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى أَنْ يُعِيدَ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ رَأَيْت أَنْ يُهْرِقَ دَمًا. سَحْنُونَ: قَوْلُهُ: " مَحْمُولًا " أَيْ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ لِأَنَّ الدَّوَابَّ لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ. ابْنُ يُونُسَ: وَالْحُكْمُ فِيهِمَا سَوَاءٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ رُكُوبِهِ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ رَجُلٍ إنَّمَا يُبَاحُ الرُّكُوبُ لِعُذْرٍ. (وَتَقْبِيلُ حَجَرٍ بِفَمٍ أَوَّلَهُ) لَوْ قَالَ: " وَتَقْبِيلُ حَجَرٍ وَلَمْسُ الْيَمَانِيِّ أَوَّلَهُ " لَكَانَ أَبْيَنَ فِيهَا إذَا دَخَلَ الْبَيْتَ بَدَأَ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِفِيهِ إنْ قَدَرَ. قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُقَبِّلَهُ لَمَسَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ ذَلِكَ عِوَضٌ مِنْ التَّقْبِيلِ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ كَبَّرَ إذَا حَاذَاهُ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَمْضِي لِلطَّوَافِ وَلَا يَقِفُ، وَكُلَّمَا مَرَّ إنْ شَاءَ اسْتَلَمَ أَوْ تَرَكَ، وَلَا يُقَبِّلُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَلَكِنْ يَلْمِسُهُ بِيَدِهِ وَيَضَعُهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْ الزِّحَامِ كَبَّرَ وَمَضَى. وَكُلَّمَا مَرَّ بِهِ فِي طَوَافٍ وَاجِبٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَوَاسِعٌ إنْ شَاءَ اسْتَلَمَ أَوْ تَرَكَ، وَلَا يَدَعُ التَّكْبِيرَ كُلَّمَا حَاذَاهُمَا فِي طَوَافٍ وَاجِبٍ أَوْ تَطَوُّعٍ، وَلَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ وَلَا يُقَبَّلَانِ وَلَا يُكَبِّرُ إذَا حَاذَاهُمَا. (وَفِي الصَّوْتِ قَوْلَانِ) . الْقَرَافِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ يُقَبِّلُ يَدَهُ كَمَا يُقَبِّلُ الْحَجَرَ. قَالَ: وَحُجَّةُ الْمَشْهُورِ أَنَّ التَّقْبِيلَ فِي الْحَجَرِ تَعَبُّدٌ وَلَيْسَتْ الْيَدُ بِالْحَجَرِ. وَمِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ مَالِكٌ: وَلْيُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مَا لَمْ يَكُنْ أَذًى. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ بِاسْتِلَامِهِ بِغَيْرِ طَوَافٍ. قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَلَيْسَ الِاسْتِلَامُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ، وَلَا يُكَبِّرُ عِنْدَ مُحَاذَاةِ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ وَلَا يَسْتَلِمُهُمَا وَيُقَبِّلُ الْحَجَرَ بِغَيْرِ صَوْتٍ، وَأَشَارَ أَبُو عِمْرَانَ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصَّوْتِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ: الْأَوَّلُ ضَيِّقٌ. وَأَنْكَرَ مَالِكٌ وَضْعَ الْخَدَّيْنِ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَهُوَ بِدْعَةٌ. (وَلِلزَّحْمَةِ لَمْسٌ بِيَدٍ ثُمَّ عُودٍ وَوُضِعَا عَلَى فِيهِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ إنْ لَمْ يَقْدِرْ لَمَسَهُ بِيَدِهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ زُوحِمَ لَمَسَ الْحَجَرَ بِيَدِهِ أَوْ بِعُودٍ وَوَضَعَهُ عَلَى فِيهِ وَفِي تَقْبِيلِهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ كَبَّرَ وَمَضَى (ثُمَّ كَبَّرَ) . الْقَرَافِيُّ: إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ إنْ يَلْمِسَ الْحَجَرَ بِيَدِهِ كَبَّرَ إذَا حَاذَاهُ وَلَا يَرْفَعُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 يَدَيْهِ. (وَالدُّعَاءُ بِلَا حَدٍّ) . الْقَرَافِيُّ: مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ الدُّعَاءُ. وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ فِي كَافِيهِ أَدْعِيَتَهُ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَلَا حَرَجَ. وَقَالَ أَيْضًا: وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ. (وَرَمَلُ رَجُلٍ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ) فِيهَا: يَرْمُلُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَمَنْ جَهِلَ أَوْ نَسِيَ فَتَرَكَ الرَّمَلَ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: عَلَيْهِ الدَّمُ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا دَمَ عَلَيْهِ. وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ اعْتَمَرَ مِنْ الْجِعْرَانَةُ أَوْ التَّنْعِيمِ أَنْ يَرْمُلَ، وَلَيْسَ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ كَوُجُوبِهِ عَلَى مَنْ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ مِنْ الْمَوَاقِيتِ، وَأَمَّا السَّعْيُ فَوَاجِبٌ عَلَى مَنْ اعْتَمَرَ مِنْ التَّنْعِيمِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا رَمَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 عَلَى النِّسَاءِ وَلَا سَعْيَ بِبَطْنِ الْمَسِيلِ. (وَلَوْ مَرِيضًا وَصَبِيًّا حُمِلَا) فِيهَا: إنْ لَمْ يَقْوَ الصَّبِيُّ عَلَى الطَّوَافِ طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا وَيَرْمُلُ الَّذِي يَطُوفُ بِهِ الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى فِي الْمَسِيلِ وَالْمَجْنُونُ فِي جَمِيعِ أَمْرِهِ كَالصَّبِيِّ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي الرَّمَلِ بِالْمَرِيضِ وَالصَّبِيِّ قَوْلَانِ. (وَلِلزَّحْمَةِ الطَّاقَةُ) فِيهَا: وَإِذَا زُوحِمَ فِي الرَّمَلِ وَلَمْ يَجِدْ مَسْلَكًا رَمَلَ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ. (وَلِلسَّعْيِ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ) فِيهَا: إذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ الْوَاجِبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 وَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْمَقَامِ فَلَا يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ (وَرُقِيُّهُ عَلَيْهِمَا) فِيهَا: إذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ الْوَاجِبِ خَرَجَ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصْعَدَ مِنْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَعْلَاهُمَا حَيْثُ يَرَى الْكَعْبَةَ مِنْهُمَا فَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيَدْعُو، وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَدْعُوَ قَاعِدًا إلَّا مِنْ عِلَّةٍ (كَمَرْأَةٍ إنْ خَلَا) فِيهَا: وَيَقِفُ النِّسَاءُ أَيْضًا أَسْفَلَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَصْعَدْنَ إلَّا أَنْ يَخْلُوَ مِنْ الزِّحَامِ. (وَإِسْرَاعٌ بَيْنَ الْأَخْضَرَيْنِ فَوْقَ الرَّمَلِ) ابْنُ شَاسٍ: ثُمَّ يَمْشِي إلَى الْمَرْوَةِ وَيُسْرِعُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ فِي الْمَشْيِ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: وَثَمَّ مِيلٌ أَخْضَرُ مُلْصَقٌ بِرُكْنِ الْمَسْجِدِ فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ مَنْ سَعَى سَعْيًا هُوَ أَشَدُّ مِنْ الرَّمَلِ حَوْلَ الْبَيْتِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بَطْنِ الْمَسِيلِ إلَى مِيلٍ أَخْضَرَ هُنَاكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْهَيْئَةِ. (وَدُعَاءٌ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا بِهَذَا وَيَدْعُو. (وَفِي سُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ أَوْ وُجُوبِهِمَا تَرَدُّدٌ) . ابْنُ يُونُسَ: رَكْعَتَا الطَّوَافِ الْوَاجِبِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. الْقَرَافِيُّ: مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ اتِّصَالُ رَكْعَتَيْنِ بِهِ. فَإِنْ قُلْت: الشَّرْطُ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ. قُلْت: الْمَشْرُوطُ صِحَّةُ الطَّوَافِ وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الرُّكُوعِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَالرُّكُوعُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْفِعْلِ فَقَطْ. قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُمَا فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ، وَيَجِبَانِ بِالدُّخُولِ فِي التَّطَوُّعِ وَقَالَ سَنَدٌ: لَا خِلَافَ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا رُكْنًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ يُجْبَرَانِ بِالدَّمِ (وَنُدِبَا كَالْإِحْرَامِ بِالْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ) أَمَّا اسْتِحْبَابُ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ بِذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 وَأَمَّا فِي رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ. (وَبِالْمَقَامِ) الْكَافِي: إذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ إنْ أَمْكَنَهُ رَكْعَتَيْنِ وَإِلَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 فَحَيْثُ تَيَسَّرَ لَهُ. (وَدُعَاءٌ بِالْمُلْتَزَمِ) فِي الْمُوَطَّأِ: الْمُلْتَزَمُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ. أَبُو عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ دَعَا اللَّهَ عِنْدَهُ مِنْ ذِي حَاجَةٍ أَوْ ذِي كُرْبَةٍ أَوْ ذِي غَمٍّ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ» وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلْصِقُ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ بِالْمُلْتَزَمِ (وَاسْتِلَامُ الْحَجَرِ وَالْيَمَانِيِّ بَعْدَ الْأَوَّلِ) اُنْظُرْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَتَقْبِيلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 حَجَرٍ ". (وَاقْتِصَارٌ عَلَى تَلْبِيَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَشْهَبُ: مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَعْرُوفَةِ اقْتَصَرَ عَلَى حَظٍّ وَافِرٍ وَلَا بَأْسَ إنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ. (وَدُخُولُ مَكَّةَ نَهَارًا) فِيهَا مَنْ أَتَى مَكَّةَ لَيْلًا فَوَاسِعٌ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَهَا نَهَارًا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَإِذَا دَخَلْت مَكَّةَ فَائْتِ الْمَسْجِدَ وَلَا تُعَرِّجْ عَلَى شَيْءٍ دُونَهُ. (وَالْبَيْتِ) عِيَاضٌ: يُسْتَحَبُّ الْقَصْرُ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ إلَى الْبَيْتِ دُونَ التَّعْرِيجِ عَلَى غَيْرِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 (وَمِنْ كَدَاءٍ لِمَدَنِيٍّ) فِيهَا: أُحِبُّ لِلْحَاجِّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ لِمَنْ أَتَى مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ. ثَنِيَّةُ كَدَاءٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ هِيَ الصُّغْرَى الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ. وَمِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ مَوْضِعٌ بِأَعْلَى مَكَّةَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِأَنَّهُ عَلَمٌ. وَقَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ: لَمْ أَسْمَعْهُ إلَّا مُنَوَّنًا. (وَالْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) . ابْنُ حَبِيبٍ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَخَرَجَ إلَى الصَّفَا مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ وَخَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ بَابِ بَنِي سَهْمٍ. وَمِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى عِنْدَ الدُّخُولِ وَيَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك. وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: ثُمَّ يَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ وَطَوَافَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَحْضِرَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْخُشُوعِ وَالتَّذَلُّلِ. وَحُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً جَعَلَتْ تَقُولُ: أَيْنَ بَيْتُ رَبِّي حَتَّى أَرَى لَهَا فَأَلْصَقَتْ جَبِينَهَا بِالْبَيْتِ وَمَا رُفِعَتْ إلَّا مَيْتَةً. وَعَنْ الشِّبْلِيِّ أَنَّهُ غُشِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ أَفَاقَ فَأَنْشَدَ: هَذِهِ دَارُهُمْ وَأَنْتَ مُحِبٌّ ... مَا بَقَاءُ الدُّمُوعِ فِي الْآمَاقِ وَإِذَا خَرَجْتَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَلْتُقَدِّمْ رِجْلَكَ الْيُسْرَى وَتَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِك. (وَخُرُوجُهُ مِنْ كُدًى) الْقَرَافِيُّ: وَيَخْرُجُ مِنْ ثَنِيَّةِ كُدًى بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ فَتْحُ الْكَافِ وَهِيَ الْوُسْطَى الَّتِي بِأَسْفَلِ مَكَّةَ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى» . وَمِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ: وَإِذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ فَلْيَخْرُجْ مِنْ ثَنِيَّةِ كُدًى - مَنُونٌ مُنْصَرِفٌ - هَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ - وَالثَّنِيَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ الطَّرِيقِ الضَّيِّقَةِ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. (وَرُكُوعُهُ لِلطَّوَافِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ تَنَفُّلِهِ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ، وَإِنْ رَكَعَهُمَا قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَجَائِزٌ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ أَحَبُّ إلَيْنَا. الْقَرَافِيُّ: إنْ طَافَ بَعْدَ الصُّبْحِ فَالْمَشْهُورُ يُؤَخِّرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 الرُّكُوعَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ (وَبِالْمَسْجِدِ) الْقَرَافِيُّ: وَالْمُسْتَحَبُّ فِعْلُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ بِمَكَّةَ فَإِنْ صَلَّاهُمَا فِي طَرِيقِهِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَعَادَ الطَّوَافَ وَالرُّكُوعَ. (وَرَمَلُ مُحْرِمٍ مِنْ كَالتَّنْعِيمِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَحْرَمَ مِنْ التَّنْعِيمِ أَنْ يَرْمُلَ. (أَوْ بِالْإِفَاضَةِ لِمُرَاهِقٍ لَا تَطَوُّعٍ) . ابْنُ يُونُسَ: لَا يَرْمُلُ إلَّا طَوَافَ السَّعْيِ وَهُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ أَوْ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ الَّذِي يَسْعَى بَعْدَهُ الْمُرَاهِقُ وَلَا يَكُونُ الرَّمَلُ فِي طَوَافِ التَّطَوُّعِ. (وَوَدَاعٍ) قَالَ سَنَدٌ: لَا يُخْتَلَفُ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ أَنَّهُ لَا رَمَلَ فِيهِ. (وَكَثْرَةُ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ) . ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ وَالْوُضُوءِ بِهِ مَا أَقَامَ بِمَكَّةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلْيَقُلْ إذَا شَرِبَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسَالِكُ عِلْمًا نَافِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَهُوَ لِمَا شُرِبَ لَهُ انْتَهَى. نَقْلُ الْقَرَافِيُّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 (وَنَقْلُهُ وَلِلسَّعْيِ شُرُوطٌ الصَّلَاةُ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: إنْ سَعَى جُنُبًا أَجْزَأَهُ إنْ كَانَ فِي طَوَافِهِ وَرُكُوعِهِ طَاهِرًا وَتَسْعَى الْمَرْأَةُ حَائِضًا إذَا كَانَتْ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ طَاهِرَةً. ابْنُ يُونُسَ: أَمَّا الطَّوَافُ فَكَالصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ لِمَنْ أَحْدَثَ فِيهِ، وَأَمَّا السَّعْيُ فَيَجُوزُ أَنْ يَسْعَى غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ، فَكَذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ فِيهِ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 أَنْ يُتِمَّهُ كَذَلِكَ. الْقَرَافِيُّ عَنْ سَنَدٍ: يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ وَالطَّهَارَةُ لِلسَّعْيِ. (وَخُطْبَةٌ بَعْدَ ظُهْرِ السَّابِعِ بِمَكَّةَ وَاحِدَةٌ يُخْبِرُ بِالْمَنَاسِكِ) رَوَى مُحَمَّدٌ: خُطَبُ الْحَجِّ ثَلَاثٌ: الْأُولَى بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ لِسَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا مَنَاسِكَهُمْ وَلَا يَجْلِسُ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ. (وَخُرُوجُهُ بِمِنًى قَدْرَ مَا يُدْرِكُ بِهِ الظُّهْرَ) مَالِكٌ: مِنْ السُّنَّةِ الْخُرُوجُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى بِمِقْدَارِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِهَا. (وَبَيَاتُهُ بِهَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 مَالِكٌ: يَبِيتُ بِمِنًى تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَهِيَ لَيْلَةُ عَرَفَةَ. (وَسَيْرُهُ لِعَرَفَةَ بَعْدَ الطُّلُوعِ) مَالِكٌ: يُصَلِّي الصُّبْحَ بِمِنًى وَيَدْفَعُ مِنْهَا إلَى عَرَفَةَ. ابْنُ الْمَوَّازِ: بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا بَأْسَ لِلضَّعِيفِ وَمَنْ بِهِ عِلَّةٌ أَنْ يَغْدُوَ قَبْلَ ذَلِكَ وَنُزُولُهُ بِنَمِرَةَ. سَنَدٌ: يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ النُّزُولُ بِنَمِرَةَ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِعَرَفَةَ فَيَضْرِبُ الْإِمَامُ خِبَاءً أَوْ قُبَّةً كَفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (وَخُطْبَتَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ خُطَبِ الْحَجِّ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الظُّهْرِ يَجْلِسُ وَسَطَهَا وَهِيَ تَعْلِيمٌ لِلنَّاسِ مَا بَقِيَ مِنْ مَنَاسِكِهِمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ بِعَرَفَةَ، وَوُقُوفِهِمْ بِهَا وَدَفْعِهِمْ وَنُزُولِهِمْ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَصَلَاتِهِمْ بِهَا، وَوُقُوفِهِمْ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَالدَّفْعِ مِنْهُ وَرَمْيِ الْجَمْرَةِ وَالْحَلْقِ وَالنَّحْرِ وَالْإِفَاضَةِ. (ثُمَّ أَذَانٌ وَجَمْعٌ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ إثْرَ الزَّوَالِ) فِيهَا: إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ خَطَبَ الْإِمَامُ بِعَرَفَةَ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ، وَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ إنْ شَاءَ فِي الْخُطْبَةِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهَا، وَلَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ وَإِنْ وَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (وَدُعَاءٌ وَتَضَرُّعٌ لِلْغُرُوبِ) اسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يَقِفَ رَاكِبًا فَأَمَّا الْمَاشِي فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَدْعُوَ قَائِمًا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَإِذَا دَعَوْت وَسَأَلْت فَابْسُطْ يَدَك، وَإِذَا رَهِبْت وَاسْتَغْفَرْت وَتَضَرَّعْت فَحَوِّلْهَا، فَلَا تَزَلْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِالْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُعِ وَالتَّذَلُّلِ وَكَثْرَةِ الذِّكْرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّعْظِيمِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءِ لِنَفْسِك وَلِأَبَوَيْك وَالِاسْتِغْفَارِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَيَدْفَعُ الْإِمَامُ وَتَدْفَعُ مَعَهُ. (وَوُقُوفُهُ بِوُضُوءٍ) فِيهَا: إنْ وَقَفَ جُنُبًا مِنْ احْتِلَامٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَجْزَاهُ، وَكَوْنُهُ طَاهِرًا أَحَبُّ إلَيَّ (وَرُكُوبُهُ ثُمَّ قِيَامٌ إلَّا لِتَعَبٍ) اسْتَحَبَّ مَالِكٌ هَذَا. (وَصَلَاتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ الْعِشَاءَيْنِ) . ابْنُ يُونُسَ: قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 وَقَالَ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} [الحج: 32] إلَى قَوْلِهِ: {الْعَتِيقِ} «وَجَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَصَلَّى بِهَا الصُّبْحَ» ، فَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِعَرَفَةَ فِي وَقْتِهَا صَلَّى الْمَغْرِبَ بِعَرَفَةَ فِي وَقْتِهَا وَالْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا فَقَدْ تَرَكَ السُّنَّةَ وَأَجْزَاهُ. (وَبَيَاتُهُ بِهَا) الْكَافِي: إذَا اسْتَيْقَنَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ غُرُوبَ الشَّمْسِ بِعَرَفَةَ دَفَعَ بِهِمْ الْإِمَامُ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَهِيَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَهِيَ جَمْعٌ كُلُّ هَذَا اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ، وَيَبِيتُ النَّاسُ كُلُّهُمْ بِهَا حَتَّى يُصْبِحُوا، وَمَنْ لَمْ يَبِتْ بِهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَمَنْ أَقَامَ بِهَا أَكْثَرَ لَيْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَالْمَبِيتُ بِهَا لَيْلَةَ النَّحْرِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَرَخَّصَ لِلضَّعَفَةِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا لَيْلًا قَبْلَ الْفَجْرِ. انْتَهَى بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ. (وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ فَالدَّمُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 تَقَدَّمَ نَصُّ الْكَافِي. وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ وَلَمْ يُنِخْ بِهَا فَلْيُهْدِ بَدَنَةً، وَفِيهَا: إنْ نَزَلَ ثُمَّ دَفَعَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ. (وَجَمَعَ وَقَصَرَ، إلَّا لِأَهْلِهَا كَمِنًى وَعَرَفَةَ) ابْنُ عَرَفَةَ: ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ قَصْرًا وَيُتِمُّ الْعَرَفِيُّ. وَفِيهَا: لَا أُحِبُّ كَوْنَ الْإِمَامِ عُرْفِيًّا وَجَمْعُهُمَا السُّنَّةُ. أَبُو عُمَرَ: إجْمَاعًا (وَإِنْ عَجَزَ فَبَعْدَ الشَّفَقِ إنْ نَفَر مَعَ الْإِمَامِ) فِيهَا: وَمَنْ لَمْ تَكُنْ بِهِ عِلَّةٌ وَلَا بِدَابَّتِهِ وَهُوَ يَسِيرُ بِسَيْرِ النَّاسِ فَلَا يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ إلَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَإِنْ صَلَّى قَبْلَهَا أَعَادَ إنْ أَتَاهَا. ابْنُ الْمَوَّازِ: هَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا، وَهَذَا لِمَنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ، وَأَمَّا مَنْ وَقَفَ بَعْدَهُ فَلْيُصَلِّ كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا مَنْ بِهِ عِلَّةٌ أَوْ بِدَابَّتِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ الْمَسِيرَ مَعَ النَّاسِ أَمْهَلَ حَتَّى يَمِيلَ الشَّفَقُ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ كَانَ وَيُجْزِيهِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَلَمْ يَقُلْ يُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا لِأَنَّ السُّنَّةَ عِنْدَهُ فِيمَنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ. (وَإِلَّا فَكُلٌّ لِوَقْتِهِ) تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ: مَنْ وَقَفَ بَعْدَهُ فَلْيُصَلِّ كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا (وَإِنْ قُدِّمَتَا عَلَيْهِ أَعَادَهُمَا) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: لَا يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ إلَّا بِالْمُزْدَلِفَةِ فَإِنْ صَلَّى قَبْلَهَا أَعَادَ. (وَارْتِحَالُهُ بَعْدَ الصُّبْحِ مُغَلِّسًا) الْكَافِي: إذَا أَصْبَحُوا بِمُزْدَلِفَةَ صَلَّوْا الصُّبْحَ مُغَلِّسِينَ بِهَا وَوَقَفُوا عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ قَلِيلًا لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ ثُمَّ نَهَضُوا إلَى مِنًى قَبْلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الْإِسْفَارِ الْأَعْلَى وَلَيْسَ السُّنَّةُ أَنْ يُسْفِرُوا جِدًّا. (وَوُقُوفُهُ بِالْمَشْعَرِ يُكَبِّرُ وَيَدْعُو لِلْإِسْفَارِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْكَافِي: وَوَقَفُوا عِنْدَ الْمَشْعَرِ (وَاسْتِقْبَالُهُ بِهِ) فِيهَا: وَالْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ. قَالَ سَحْنُونَ: وَوَجْهُك إذَا وَقَفَتْ أَمَامَ الْبَيْتِ (وَلَا وُقُوفَ بَعْدَهُ) مَالِكٌ: وَلَا يَقِفُ أَحَدٌ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْإِسْفَارِ وَلْيَدْفَعُوا قَبْلَ ذَلِكَ (وَلَا قَبْلَ الصُّبْحِ) فِيهَا: مَنْ وَقَفَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَقِفْ. (وَإِسْرَاعٌ بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ) مِنْ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَتَفْعَلُ فِي الدَّفْعِ مِنْ الْمَشْعَرِ مِنْ الذِّكْرِ وَالسَّكِينَةِ مِثْلَ فِعْلِك فِي الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ وَيُهَرْوِلُ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ. (وَرَمْيُهُ الْعَقَبَةَ حِينَ وُصُولِهِ وَإِنْ رَاكِبًا) فِيهَا: الشَّأْنُ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ضَحْوَةً رَاكِبًا كَمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 يَأْتِي النَّاسُ عَلَى دَوَابِّهِمْ. قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: تَسْتَقْبِلُهَا وَمِنًى عَنْ يَمِينِك وَالْبَيْتُ عَنْ يَسَارِك وَأَنْتَ بِبَطْنِ الْوَادِي. التَّلْقِينُ: جُمْلَةُ مَا يَرْمِيهِ الْحَاجُّ سَبْعُونَ حَصَاةً مِنْهَا سَبْعٌ يَوْمَ النَّحْرِ (وَالْمَشْيُ فِي غَيْرِهَا) قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَيَرْمِي مَاشِيًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ مَشَى يَوْمَ النَّحْرِ رَمَى الْعَقَبَةَ رَكِبَ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَحَلَّ بِهَا غَيْرُ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ) قَالَ مَالِكٌ: مَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَالصَّيْدَ وَالطِّيبَ (وَكُرِهَ الطِّيبُ) كَرِهَ مَالِكٌ لِمَنْ رَمَى جَمْرَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 الْعَقَبَةِ أَنْ يَتَطَيَّبَ حَتَّى يُفِيضَ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَتَكْبِيرُهُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) فِيهَا: وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ فَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ أَجْزَأَهُ. (وَتَتَابُعُهَا) الْكَافِي: لَا يَرْمِي بِحَصَاتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي مَرَّةٍ فَإِنْ فَعَلَ عَدَّهَا حَصَاةً وَاحِدَةً. وَفِيهَا: وَيُوَالِي بَيْنَ الرَّمْيِ. (وَلَقْطُهَا) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: قَدْرَ حَصَاةِ الْجِمَارِ قَدْرَ الْفُولَةِ وَنَحْوِهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَلْيَأْخُذْهَا مِنْ حَيْثُ شَاءَ. قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَقْطُهَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كَسْرِهَا وَإِنْ أُلْجِئَ أَنْ يَكْسِرَهَا حَجَرًا فَلَا بَأْسَ، وَاسْتَحَبَّ ابْنُ الْقَاسِمِ أَخْذَهَا مِنْ مُزْدَلِفَةَ، وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِهَا مِنْ غَيْرِهَا إذَا اجْتَنَبَ رَمَى بِهِ. (وَذَبْحٌ قَبْلِ الزَّوَالِ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: وَإِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ نَحَرَ هَدْيًا إذَا كَانَ مَعَهُ ثُمَّ حَلَقَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وَإِنَّمَا قَالَ يَرْمِي ثُمَّ يَنْحَرُ ثُمَّ يَحْلِقُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ. (وَطَلَبُ بَدَنَتِهِ لَهُ لِيَحْلِقَ) فِيهَا: وَمَنْ ضَلَّتْ بَدَنَتُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 يَوْمَ النَّحْرِ أَخَّرَ الْحِلَاقَ وَطَلَبَهَا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ فَإِنْ أَصَابَهَا وَإِلَّا حَلَقَ (ثُمَّ حَلْقُهُ وَلَوْ بِنُورَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ: يَنْحَرُ ثُمَّ يَحْلِقُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ بِالنُّورَةِ عِنْدَ الْحِلَاقِ أَجْزَأَهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ حَلَقَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ كَالْحَلْقِ بِالْحَدِيدِ. (إنْ عَمَّ رَأْسَهُ) الْكَافِي: وَمَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ قَصَّرَهُ فَلْيَعُمَّ بِذَلِكَ رَأْسَهُ كُلَّهُ وَلَا يُجْزِيهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهِ (وَالتَّقْصِيرُ مُجْزِئٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 وَهُوَ سُنَّةُ الْمَرْأَةِ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ غَيْرُهُ: وَالْحِلَاقُ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ إلَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 التَّقْصِيرُ» . وَقَالَهُ عُمَرُ وَابْنُهُ: وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا (تَأْخُذُ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ وَالرَّجُلُ مِنْ قُرْبِ أَصْلِهِ) فِيهَا: إذَا قَصَّرَ الرَّجُلُ فَلْيَأْخُذْ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِ رَأْسِهِ وَمَا أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: يَجُزُّ ذَلِكَ جَزًّا وَهُوَ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْمَرْأَةُ تَأْخُذُ يَسِيرًا مِنْ جَمِيعِ الْقُرُونِ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَجُزُّ قَدْرَ التَّطْرِيفِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يُقَصِّرَا بَعْضًا وَيُبْقَيَا بَعْضًا. (ثُمَّ يُفِيضُ) الْكَافِي: فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ انْصَرَفَ إلَى مَكَّةَ لِجَوَازِ الْإِفَاضَةِ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا مِنْ غَيْرِ رَمَلٍ وَلَا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إنْ كَانَ قَدْ سَعَى مَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 طَوَافِ الدُّخُولِ. (وَحَلَّ بِهِ مَا بَقِيَ) الْكَافِي: إذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ حَجِّهِ وَتَمَّ لَهُ وَحَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ مِنْ النِّسَاءِ وَالطِّيبِ وَالصَّيْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ نُسُكِهِ غَيْرُ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِمِنًى وَوَدَاعُ الْبَيْتِ. (إنْ حَلَقَ) الْكَافِي: مَنْ أَفَاضَ قَبْلَ الْحِلَاقِ فَلَا حَرَجَ. (وَإِنْ وَطِئَ قَبْلَهُ فَدَمٌ) فِيهَا: وَإِنْ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ الْإِفَاضَةِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ بَعْدَ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَعُمْرَةٌ يَنْحَرُ الْهَدْيَ فِيهَا. (بِخِلَافِ الصَّيْدِ) الَّذِي فِي الذَّخِيرَةِ مَا نَصُّهُ: يَخْتَلِفُ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ فِي الثِّيَابِ وَالصَّيْدِ وَاللَّمْسِ وَالطِّيبِ وَالْمَذْهَبُ التَّحْرِيمُ لِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ. وَفِي الْجَلَّابِ: إنْ تَطَيَّبَ بَعْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ صَادَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ وَطِئَ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَيُهْدِي وَيَعْتَمِرُ انْتَهَى. قَيَّدْت هَذَا لِأَنِّي ظَنَنْت أَنَّ الضَّمِيرَ فِي " قَبْلَهُ " يَعُودُ عَلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالنَّقْلُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ إنَّمَا عَنَى قَبْلَ الْحَلْقِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْحَلْقُ بِمِنًى أَفْضَلُ وَلَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى بَلَغَ بَلَدَهُ حَلَقَ وَأَهْدَى، فَإِنْ وَطِئَ قَبْلَ فِعْلِهِ أَهْدَى بِخِلَافِ الصَّيْدِ (كَتَأْخِيرِ الْحَلْقِ لِبَلَدِهِ) اُنْظُرْ لِمَ لَمْ يَقُلْ كَتَأْخِيرِهِ فَلِإِتْيَانِهِ بِالظَّاهِرِ هُنَا فَهِمْت مِنْهُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي " قَبْلَهُ " يَعُودُ عَلَى الطَّوَافِ. قَالَ مَالِكٌ: الْحِلَاقُ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبُّ إلَيَّ وَأَفْضَلُ وَإِنْ أَخَّرَ الْحِلَاقَ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَأَهْدَى. (أَوْ الْإِفَاضَةُ لِلْمُحْرِمِ) الذَّخِيرَةُ: طَوَافُ الْإِفَاضَةِ رُكْنٌ فِي الْحَجِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 وَفِي الْكِتَابِ: تَعْجِيلُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ. وَأَمَّا تَحْدِيدُ آخِرِ وَقْتِهِ فَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا تَمَامُ الشَّهْرِ وَعَلَيْهِ الدَّمُ بِدُخُولِ الْمَحْرَمِ. (وَرَمْيُ كُلِّ حَصَاةٍ أَوْ الْجَمِيعِ لِلَّيْلِ) وَفِي الْعُتْبِيَّةِ: الرَّمْيُ أَيَّامَ مِنًى حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ إلَى أَنْ تَصْفَرَّ، فَإِذَا اصْفَرَّتْ فَقَدْ فَاتَ الرَّمْيُ إلَّا لِمَرَضٍ أَوْ نَاسٍ، وَأَمَّا يَوْمَ النَّحْرِ فَمِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةٍ مِنْ هَذَا الْجِمَارِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ أَوْ الْجِمَارَ كُلَّهَا حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ رَمَاهَا لَيْلًا وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَلْزَمَهُ الدَّمُ. الْقَرَافِيُّ: الْمَرَّةُ اسْمٌ لِلْحَصَاةِ. عِيَاضٌ: مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ثُمَّ قَالَ: وَالْمَبِيتُ بِمِنًى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَرَمْيُ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ ثَلَاثَ جَمَرَاتٍ بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ جَمْرَةً بِسَبْعِ حَصَاةٍ. فَانْظُرْ قَوْلَهُ: " وَرَمْيُ " هَلْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى " وَالْإِفَاضَةُ " أَوْ عَلَى الْمَعْطُوفَاتِ قَبْلَهُ؟ . (وَإِنْ لِصَغِيرٍ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ أَوْ عَاجِزٍ وَيَسْتَنِيبُ فَيَتَحَرَّى وَقْتَ الرَّمْيِ وَكَبَّرَ) فِيهَا: إذَا قَدَرَ عَلَى حَمْلِ الْمَرِيضِ وَهُوَ يَقْوَى عَلَى الرَّمْيِ حَمَلَ وَرَمَى بِيَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَمْلِهِ أَوْ لَمْ يَسْتَطِعْ الرَّمْيَ رَمَى عَنْهُ غَيْرُهُ. مُحَمَّدٌ: مِمَّنْ قَدْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ يَتَحَرَّى الْمَرِيضُ وَقْتَ الرَّمْيِ فَيُكَبِّرُ لِكُلِّ حَصَاةٍ تَكْبِيرَةً وَعَلَيْهِ الدَّمُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْمِ وَإِنَّمَا رَمَى عَنْهُ غَيْرُهُ، وَيَرْمِي عَنْ الصَّغِيرِ مَنْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ كَالطَّوَافِ، وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ كَبِيرًا قَدْ عَرَفَ الرَّمْيَ فَلْيَرْمِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَوْ تَرَكَ الرَّمْيَ أَوْ لَمْ يَرْمِ عَنْ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الرَّمْيِ فَالدَّمُ عَلَى مَنْ أَحَجَّهُمَا. (وَأَعَادَ إنْ صَحَّ قَبْلَ الْفَوَاتِ بِالْغُرُوبِ مِنْ الرَّابِعِ وَقَضَاءُ كُلٍّ إلَيْهِ) فِيهَا: وَإِنْ صَحَّ الْمَرِيضُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ أَعَادَ مَا رُمِيَ عَنْهُ كُلَّهُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 الدَّمُ. (وَاللَّيْلُ قَضَاءٌ) ابْنُ شَاسٍ: لِلرَّمْيِ وَقْتُ أَدَاءٍ وَوَقْتُ قَضَاءٍ وَوَقْتُ فَوَاتٍ. فَوَقْتُ الْأَدَاءِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالْفَضِيلَةُ تَتَعَلَّقُ بِعَقِيبِ الزَّوَالِ، وَتَرَدَّدَ الْبَاجِيُّ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تَلِي يَوْمَ النَّحْرِ هَلْ هِيَ وَقْتُ أَدَاءٍ أَوْ وَقْتُ الْقَضَاءِ؟ وَوَقْتُ الْأَدَاءِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ إلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ وَيَتَرَدَّدُ فِي اللَّيْلِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَحَمَلَ مُطِيقٌ وَرَمَى) فِيهَا: الْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالْمَرِيضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّهَا فِي الْمَرِيضِ إنْ قَدَرَ عَلَى الرَّمْيِ حَمَلَ وَرَمَى بِيَدِهِ (وَلَا يَرْمِي فِي كَفِّ غَيْرِهِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يَرْمِي الْحَصَاةَ فِي كَفِّ غَيْرِهِ لِيَرْمِيَهَا ذَلِكَ عَنْهُ وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: يُسْتَحَبُّ لَهُ وَضْعُ الْحَصَاةِ فِي يَدِ النَّائِبِ عَنْهُ. (وَتَقْدِيمُ الْحَلْقِ أَوْ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ) اُنْظُرْ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الْمَعْطُوفَاتِ عَلَى تَأْخِيرِ الْحَلْقِ، وَعَلَى هَذَا فَأَمَّا مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ فَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَفْتَدِي، وَأَمَّا إذَا أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُجْزِئُهُ. قَالَ: وَلْيَرْمِ ثُمَّ يَحْلِقْ ثُمَّ يُفِضْ ثَانِيَةً. (لَا إنْ خَالَفَ فِي غَيْرِ) مَالِكٍ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ حَلَقَ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ. (وَعَادَ لِلْمَبِيتِ فِيهِ بِمِنًى فَوْقَ الْعَقَبَةِ ثَلَاثًا) الْكَافِي: إذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ عَادَ إلَى مِنًى فَيَبِيتُ بِهَا لَيَالِيَ مِنًى كُلِّهَا (وَإِنْ تَرَكَ جُلَّ لَيْلَةٍ فَدَمٌ) الْكَافِي: إنْ بَاتَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَبِتْ بِمِنًى فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيْلَةً كَامِلَةً أَوْ جُلَّهَا. (أَوْ لَيْلَتَيْنِ إنْ تَعَجَّلَ) قَالَ مَالِكٌ: لِلْحَاجِّ التَّعْجِيلُ فِي يَوْمَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَرْمِيَ الْيَوْمَ الثَّانِيَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ ثَالِثُ يَوْمِ النَّحْرِ. مُحَمَّدٌ: يَرْمِي بِإِحْدَى وَعِشْرِينَ حَصَاةً، كُلُّ جَمْرَةٍ سَبْعُ حَصَيَاتٍ فَيَصِيرُ جَمِيعُ رَمْيِهِ بِسَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ حَصَاةً، وَيَسْقُطُ رَمْيُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَذَلِكَ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ، فَإِنْ غَرَبَتْ وَهُوَ بِمِنًى أَقَامَ حَتَّى يَرْمِيَ مِنْ الْغَدِ، فَإِنْ جَهِلَ أَسَاءَ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ. (وَلَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ) . ابْنُ يُونُسَ: وَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ مَا بَدَا لَهُ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إنْ بَاتَ بِمَكَّةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَيَرْجِعُ إلَى مِنًى. (أَوْ مَكِّيًّا) فِيهَا: لَا بَأْسَ بِأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَتَعَجَّلُوا. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ. (قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ الثَّانِي فَيَسْقُطُ عَنْهُ رَمْيُ الثَّالِثِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 مَالِكٍ وَهُوَ ثَالِثُ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ رَمْيُ الثَّالِثِ إنْ لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ. (وَرُخِّصَ لِرَاعٍ بَعْدَ الْعَقَبَةِ أَنْ يَنْصَرِفَ وَيَأْتِيَ الثَّالِثَ فَيَرْمِيَ لِلْيَوْمَيْنِ) مَالِكٌ: وَأُرْخِصَ لِرُعَاةِ الْإِبِلِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ الْعَقَبَةَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ، فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ مِنًى نَفَرَ الْمُتَعَجِّلُ أَتَوْا فَرَمَوْا الْجِمَارَ لِلْيَوْمِ الْمَاضِي وَلِلْيَوْمِ، ثُمَّ لَهُمْ أَنْ يَتَعَجَّلُوا فَإِنْ أَقَامُوا رَمَوْا لِلْغَدِ مَعَ النَّاسِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ رَعَوْا النَّهَارَ وَرَمَوْا اللَّيْلَ أَجْزَأَهُمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 (وَتَقْدِيمُ الضَّعَفَةِ فِي الرَّدِّ لِلْمُزْدَلِفَةِ) فِيهَا: اسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِدَفْعِ الْإِمَامِ وَلَا يَتَعَجَّلُ قَبْلَهُ. قَالَ: وَوَاسِعٌ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ أَنْ يَتَقَدَّمُوا أَوْ يَتَأَخَّرُوا. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ ضَعَفَةَ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ وَلَمْ يُقَدِّمْهُمْ مِنْ عَرَفَةَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا فَرْضٌ. (وَتَرْكُ التَّحْصِيبِ لِغَيْرِ مُقْتَدًى بِهِ) اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَتَحْصِيبُ الرَّاجِعِ " (وَرَمْيُ كُلِّ يَوْمٍ الثَّلَاثَ) مَالِكٌ: أَيَّامُ الرَّمْيِ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ يَرْمِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا ثَلَاثَ جَمَرَاتٍ مَاشِيًا بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ يَرْمِي كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ (وَخَتَمَ بِالْعَقَبَةِ) فِيهَا: وَيَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ لِلدُّعَاءِ ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَلَا يَقِفُ (مِنْ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ: وَقْتُ الْأَدَاءِ مِنْ الْفَجْرِ لِلْغُرُوبِ وَالْفَضِيلَةُ تَتَعَلَّقُ بِعَقِبِ الزَّوَالِ وَقْتَ الْأَدَاءِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ إلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ وَيَتَرَدَّدُ فِي اللَّيْلِ (وَصِحَّتُهُ بِحَجَرٍ كَحَصَى الْخَذْفِ) . ابْنُ يُونُسَ: الْحَصَاةُ الْخَذْفُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُهُ أَنَّهَا كَالْفُولَةِ. (وَرَمَى) مِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ: وَيُشْتَرَطُ الرَّمْيُ بِالْحَجَرِ. وَفِيهَا: إنْ وَضَعَ الْحَصَاةَ وَضْعًا أَوْ طَرَحَهَا لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَاهَا رَمْيًا. (وَإِنْ بِمُتَنَجِّسٍ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 الْكَافِي: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَصَى الْمَسْجِدِ وَيُسْتَحَبُّ أَخْذُهَا مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَمِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ طَاهِرٍ. وَلَا يُجْزِئُ فِيهَا الْمَدَرُ وَلَا شَيْءَ غَيْرُ الْحَجَرِ، وَلَوْ لَمْ يَغْسِلْ الْجِمَارَ النَّجِسَةَ أَوْ رَمَى بِمَا قَدْ رَمَى بِهِ فَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَسَاءَ وَأَجْزَأَ عَنْهُ. (عَلَى الْجَمْرَةِ) ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: تَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ أَسْفَلِهَا وَالْجَمْرَتَانِ مِنْ أَعْلَاهُمَا. (وَإِنْ أَصَابَتْ غَيْرَهَا إنْ ذَهَبَتْ بِقُوَّةٍ) فِيهَا: إنْ رَمَى حَصَاةً فَسَقَطَتْ فِي مَحْمَلِ رَجُلٍ فَقَبَضَهَا صَاحِبُ الْمَحْمَلِ فَسَقَطَتْ فِي الْجَمْرَةِ لَمْ يُجْزِهِ، وَلَوْ أَصَابَتْ الْمَحْمَلَ ثُمَّ مَضَتْ بِقُوَّةِ الرَّمْيِ الْأَوَّلِ حَتَّى وَقَفَتْ فِي الْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ. (لَا دُونَهَا) . أَبُو عُمَرَ: أَجْمَعُوا إنْ رَمَاهَا مِنْ أَسْفَلَ أَوْ مِنْ فَوْقُ وَوَقَفَتْ الْحَصَاةُ فِي الْجَمْرَةِ أَجْزَاهُ، وَإِنْ لَمْ تَقَعْ فِيهَا وَلَا قُرْبَهَا أَعَادَ. (وَإِنْ أَطَارَتْ غَيْرَهَا لَهَا) . سَنَدٌ: الْعَقَبَةُ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ، وَالْجَمْرَةُ اسْمٌ لِلْكُلِّ، فَلَوْ وَقَعَتْ دُونَ الْجَمْرَةِ وَقَدْ خَرَجَتْ إلَيْهَا أَجْزَاهُ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ، فَلَوْ شَكَّ فِي وُصُولِهَا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، فَلَوْ وَقَعَتْ دُونَ الْمَرْسَى عَلَى حَصَاةٍ فَطَارَتْ الثَّانِيَةُ فِي الْمَرْمَى لَمْ يُجْزِهِ. (وَلَا طِينٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْكَافِي بِهَذَا (وَلَا مَعْدِنٍ) مِنْ الذَّخِيرَةِ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ مَنْعُ الطِّينِ وَالْمَعَادِنِ الْمُتَطَرِّقَةِ كَالْحَدِيدِ وَغَيْرِ الْمُتَطَرِّقَةِ كَالزِّرْنِيخِ. قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ. (وَفِي إجْزَاءِ مَا وَقَفَ بِالْبِنَاءِ تَرَدُّدٌ) مِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ: وَإِنْ وَقَعَتْ الْحَصَاةُ فِي شُقُوقِ الْبِنَاءِ فَفِي الْإِجْزَاءِ نَظَرٌ، وَالْفَقِيهُ خَلِيلٌ الَّذِي بِمَكَّةَ يُفْتِي بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ وَرَأَيْت مِنْ شَيْخِنَا الشَّهِيرِ الْمَنُوفِيِّ مَيْلًا إلَى الْإِجْزَاءِ. (وَبِتَرَتُّبِهِنَّ) وَأَعَادَ مَا حَضَرَ بَعْدَ الْمَنْسِيَّةِ وَمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 بَعْدَهَا فِي يَوْمِهَا فَقَطْ. مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ عَكَسَ تَرْتِيبَهَا أَعَادَ الْمُقَدَّمَ وَمَا بَعْدَهُ فَقَطْ. الْكَافِي: فِي الرَّمْيِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا يُرَتِّبُ الْجَمَرَاتِ وَيَجْمَعُهُنَّ وَلَا يُفَرِّقُهُنَّ وَلَا يُنَكِّسُهُنَّ يَبْدَأُ بِالْجَمْرَةِ الْأُولَى، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ رَمْيِهَا تَقَدَّمَ فَوَقَفَ طَوِيلًا لِلدُّعَاءِ ثُمَّ يَرْمِي الثَّانِيَةَ وَهِيَ الْوُسْطَى وَيَنْصَرِفُ عَنْهَا ذَاتَ الشِّمَالِ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ وَيُطِيلُ الْوُقُوفَ عِنْدَهَا لِلدُّعَاءِ، ثُمَّ يَرْمِي الثَّالِثَةَ بِمَوْضِعِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ الْوُسْطَى ثُمَّ الْأَخِيرَةُ ثُمَّ الْأُولَى أَعَادَ يَرْمِي مِنْ أَسْفَلِهَا وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، فَإِنْ نَكَّسَ الْجِمَارَ فَرَمَى الْأَخِيرَةَ ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ أَعَادَ الْوُسْطَى ثُمَّ الْأَخِيرَةَ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَى الْوُسْطَى ثُمَّ الْأَخِيرَةَ ثُمَّ الْأُولَى أَعَادَ الْوُسْطَى ثُمَّ الْأَخِيرَةَ ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ الْأَخِيرَةَ فَقَطْ، وَمِنْ الذَّخِيرَةِ: إذَا تَرَكَ حَصَاةً مِنْ يَوْمِهِ الذَّاهِبِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأُولَى فَقَدْ تَرَكَ الْأَخِيرَتَيْنِ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَخِيرَةِ قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ شَاةٌ. (وَنُدِبَ تَتَابُعُهُ) فِيهَا: يُوَالِي بَيْنَ الرَّمْيِ وَلَا يَنْتَظِرُ بَيْنَ الْحَصَاتَيْنِ شَيْئًا. (فَإِنْ رَمَى بِخَمْسٍ خَمْسٍ اعْتَدَّ بِالْخَمْسِ الْأُوَلِ) فِيهَا: مَنْ رَمَى يَوْمَ ثَانِي النَّحْرِ الْجِمَارَ الثَّلَاثَةَ بِخَمْسٍ خَمْسٍ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ يَوْمِهِ رَمَى الْأُولَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى بِحَصَاتَيْنِ ثُمَّ الْوُسْطَى بِسَبْعٍ ثُمَّ الْعَقَبَةُ بِسَبْعٍ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَلَوْ ذَكَرَهَا مِنْ الْغَدِ رَمَى هَكَذَا وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْأَمْسِ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي رَمَى عَنْ أَمْسِ كَمَا ذَكَرْنَا وَعَلَيْهِ دَمٌ وَلَا يُعِيدُ رَمْيَ يَوْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا بَعْدَ يَوْمِهِ وَذَكَرَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ رَمَى الْأُولَى بِحَصَاةٍ وَالِاثْنَيْنِ بِسَبْعٍ عَنْ أَوَّلِ يَوْمٍ وَأَعَادَ رَمْيَ يَوْمِهِ هَذَا فَقَطْ إذْ عَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ وَقْتِهِ، وَلَا يُعِيدُ رَمْيَ الْيَوْمِ الَّذِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ وَقْتَ رَمْيِ ذَلِكَ مَضَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (وَإِنْ لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَ حَصَاةٍ اعْتَدَّ بِسِتٍّ مِنْ الْأُولَى) فِيهَا: مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ حَصَاةً مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ جَمْرَةٍ هِيَ فَلْيَرْمِ الْأُولَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى وَالْعَقَبَةَ بِسَبْعٍ سَبْعٍ، وَبِهَذَا أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ. (وَأَجْزَأَ عَنْهُ وَعَنْ صَبِيٍّ آخَرَ وَلَوْ حَصَاةً حَصَاةً) قَالَ الْقَابِسِيُّ: مَنْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ حَصَاةً وَعَنْ صَبِيٍّ مَعَهُ حَصَاةً حَتَّى أَتَمَّ الرَّمْيَ فَلْيُعِدْ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَعْتَدُّ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ رَمَى جَمْرَةً عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ رَمَاهَا عَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 الصَّبِيِّ حَتَّى أَتَمَّ فَذَاكَ يُجْزِئُهُ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ يَسِيرٌ. (وَرَمْيُ الْعَقَبَةَ أَوَّلَ يَوْمٍ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَإِلَّا إثْرَ الزَّوَالِ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " الْعَقَبَةَ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " إثْرَ الزَّوَالِ " (قَبْلَ الظُّهْرِ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَخَتَمَ بِالْعَقَبَةِ " وَوُقُوفُهُ إثْرَ الْأُولَيَيْنِ قَدْرَ إسْرَاعِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِيهَا: يَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ لِلدُّعَاءِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: يَبْدَأُ بِالْأُولَى الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى فَإِذَا رَمَاهَا تَقَدَّمَ أَمَامَهَا فَوَقَفَ وَأَطَالَ الْوُقُوفَ لِلدُّعَاءِ، ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى وَيَنْصَرِفُ مِنْهَا إلَى الشِّمَالِ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ فَيَقِفُ أَمَامَهَا مِمَّا يَلِي يَسَارَهَا وَوَجْهُهُ إلَى الْبَيْتِ فَيَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ فِي الْأُولَى. ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَيَنْصَرِفُ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا. وَكَانَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ يَقِفَانِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ السَّرِيعُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ. (وَتَيَاسُرُهُ فِي الثَّانِيَةِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ: فِي الثَّانِيَةِ يَنْصَرِفُ مِنْهَا إلَى الشِّمَالِ فَيَقِفُ مِمَّا يَلِي يَسَارَهَا (وَتَحْصِيبُ الرَّاجِعِ لِيُصَلِّيَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ) مِنْ الذَّخِيرَةِ: الْمَقْصِدُ الْحَادِيَ عَشَرَ الرُّجُوعُ مِنْ مِنًى. فِيهَا: لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 بَأْسَ بِتَقْدِيمِ الْأَثْقَالِ إلَى مَكَّةَ بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْأَثْقَالِ إلَى مِنًى قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ أَوْ إلَى عَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ. قَالَ مَالِكٌ: إذَا رَجَعَ النَّاسُ مِنْ مِنًى نَزَلُوا بِبَطْحَاءِ مَكَّةَ فَصَلَّوْا بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ يَدْخُلُونَ مَكَّةَ بَعْدَ الْعِشَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِمَنْ يَقْتَدِي بِهِ أَنْ لَا يَدَعَ النُّزُولَ بِالْأَبْطُحِ. الذَّخِيرَةُ: الْأَبْطُحُ حَيْثُ الْمَقْبَرَةُ بِأَعْلَى مَكَّةَ تَحْتَ عَقَبَةِ كَدَاءٍ وَهُوَ مِنْ الْمُحَصَّبِ، وَالْمُحَصَّبُ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ إلَى الْمَقْبَرَةِ، وَسُمِّيَ مُحَصَّبًا لِكَثْرَةِ الْحَصْبَاءِ فِيهِ مِنْ الْمَسِيلِ] وَنُزُولِ الْأَبْطُحِ لَيْلَةَ الرَّابِعَ عَشَرَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلَيْسَ بِنُسُكٍ. (وَطَوَافُ الْوَدَاعِ) الْكَافِي: لَا يَنْصَرِفُ أَحَدٌ إلَى بَلَدِهِ حَتَّى يُوَدِّعَ الْبَيْتَ بِالطَّوَافِ سَبْعًا فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ وَنُسُكٌ، وَلَا يَسْقُطُ إلَّا عَنْ الْحَائِضِ وَحْدَهَا، وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ مُسْتَحَبٌّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَدَاعُهُ الْبَيْتَ مُتَّصِلًا بِنُهُوضِهِ بَعْدَ كُلِّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ، فَإِنْ اشْتَغَلَ بَعْدَ الْوَدَاعِ فَبَاعَ وَاشْتَرَى أَوْ عَادَ مَرِيضًا وَنَحْوَ ذَلِكَ عَادَ لِلْوَدَاعِ حَتَّى يَكُونَ صَدْرُهُ وَنُهُوضُهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ مُتَّصِلًا بِهِ، وَيُسْتَحَبُّ إذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْ طَوَافِهِ أَنْ يَقِفَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ فَيَحْمَدَ اللَّهَ وَيَشْكُرَهُ عَلَى مَا مَنَّ عَلَيْهِ وَيَجْتَهِدَ فِي الدُّعَاءِ عَلَى أَنَّهُ مَوْضِعُ رَغْبَةٍ وَلْيَقُلْ إنْ شَاءَ: اللَّهُمَّ إنَّك حَمَلْتَنِي عَلَى مَا سَخَّرْت بِنِعْمَتِك لِعِبَادِك وَمَا كَانُوا لَهُ مُقْرِنِينَ حَتَّى بَلَّغْتَنِي لِبَيْتِك الْحَرَامِ، فَإِنْ كُنْت يَا رَبِّ قَبِلْت وَرَضِيت فَازْدَدْ عَنِّي رِضًا وَإِلَّا الْآنَ قَبْلَ أَنْ أَبْعُدَ عَنْ بَيْتِك غَيْرَ مُبَدِّلٍ بِك وَلَا رَاغِبٍ عَنْك، اللَّهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي وَكُلَّ مَا يُنْقِصُ أَجْرِي أَوْ يُحْبِطُ عَمَلِي وَاجْمَعْ لِي خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. (إنْ خَرَجَ لِكَالْجُحْفَةِ لَا كَالتَّنْعِيمِ) فِيهَا: وَمَنْ فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ فَخَرَجَ لِيَعْتَمِرَ مِنْ الْجِعْرَانَةُ أَوْ التَّنْعِيمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ، وَأَمَّا إنْ خَرَجَ لِيَعْتَمِرَ مِنْ مِيقَاتٍ كَالْجُحْفَةِ وَغَيْرِهَا فَلْيُوَدِّعْ قَالَ: وَإِذَا سَافَرَ مَكِّيٌّ فَلْيُوَدِّعْ، وَمَنْ حَجَّ مِنْ عَرَفَةَ فَلْيُوَدِّعْ إذَا خَرَجَ. (وَإِنْ صَغِيرًا) فِيهَا: طَوَافُ الْوَدَاعِ عَلَى مَنْ حَجَّ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ (وَتَأَدَّى بِالْإِفَاضَةِ) فِيهَا: إنْ خَرَجَ إثْرَ طَوَافِ إفَاضَتِهِ سَقَطَ (وَالْعُمْرَةِ) فِيهَا: مَنْ خَرَجَ إثْرَ عُمْرَتِهِ سَقَطَ وَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ وَدَّعَ. (وَلَا يَرْجِعُ الْقَهْقَرَى وَبَطَلَ بِإِقَامَةِ بَعْضِ يَوْمٍ) فِيهَا: إنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْضَ يَوْمٍ رَجَعَ وَطَافَ (لَا بِشُغْلٍ خَفَّ) فِيهَا: يَسِيرٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 شَغَلَ بَعْدَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ لَا يُبْطِلُهُ (وَرَجَعَ لَهُ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَرْجِعُ مَنْ لَمْ يَبْعُدْ. وَفِيهَا: وَلَمْ يَجِدْ لَهُ مَالِكٌ أَكْثَرَ مِنْ الْقُرْبِ، وَأَرَى أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ أَوْ يَمْنَعُهُ كَرِيُّهُ (وَحَبَسَ الْكَرِيُّ وَالْوَلِيُّ لِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ وَقَدْرَهُ، وَقُيِّدَ إنْ أَمِنَ) اُنْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ لِأَيِّ شَيْءٍ يُحْبَسُ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يُحْبَسُ لِلْإِفَاضَةِ لَا لِلْوَدَاعِ. وَتَقَدَّمَ نَصُّ الْكَافِي فِي أَنَّ الْحَائِضَ يَسْقُطُ عَنْهَا طَوَافُ الْوَدَاعِ. ابْنُ شَاسٍ: الْحَائِضُ تَخْرُجُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَلَا تَتَرَقَّبُ الطُّهْرَ لِتُوَدِّعَ، فَأَمَّا لَوْ حَاضَتْ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ فَجَلَسَتْ حَتَّى تَطْهُرَ وَيُحْبَسَ عَلَيْهَا كَرِيُّهَا. رَوَى ابْنُ وَهْبٍ: يَحْبِسُ أَكْثَرَ مَا تُقِيمُ الْحَائِضُ فِي الْحَيْضِ وَالنُّفَسَاءُ فِي النِّفَاسِ. قَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ: هَذَا فِي الْأَمْنِ، وَأَمَّا الْيَوْمُ فَالْفَسْخُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 لِخَوْفِ الطَّرِيقِ. عِيَاضٌ: اتِّفَاقًا. قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُعِينَهُ فِي الْعَلَفِ. قَالَ: وَإِنْ بَقِيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطُّهْرِ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ حُبِسَ الْكَرِيُّ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِهِ، فَإِنْ كَانَ بَقِيَ لَهَا أَيَّامٌ لَمْ يُحْبَسْ إلَّا وَحْدَهُ. الْبَاجِيُّ: وَمِثْلُ هَذَا عِنْدِي الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا مَحْرَمَ لَهَا وَإِنَّمَا فِي الرُّفْقَةِ الْعَظِيمَةِ، وَأَمَّا ذَاتُ الْمَحْرَمِ مَعَ الطَّرِيقِ الْآمِنِ فَلَا. ثُمَّ قَالَ: وَاقْتَضَى أَنَّ الْحَيْضَ يَحْبِسُ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ تُفِضْ وَيَحْبِسُ مَنْ مَعَهَا مِمَّنْ يَلْزَمُهُ أَمْرُهَا. اُنْظُرْ تَرْجَمَةَ إفَاضَةِ الْحَائِضِ مِنْ الْمُوَطَّأِ. (وَالرُّفْقَةُ فِي كَيَوْمَيْنِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الِاسْتِذْكَارِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 عَنْ مَالِكٍ: إنْ كَانَ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ حُبِسَ الْكَرِيُّ وَمَنْ مَعَهُ. (وَكُرِهَ رَمْيٌ بِمَرْمِيٍّ بِهِ) فِيهَا: لَا يَرْمِي بِحَصَى الْجِمَارِ لِأَنَّهَا قَدْ رُمِيَ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَقَطَتْ مِنِّي حَصَاةٌ فَلَمْ أَعْرِفْهَا فَرَمَيْت بِحَصَاةٍ مِنْ حَصَى الْجِمَارِ فَقَالَ لِي مَالِكٌ: إنَّهُ لَمَكْرُوهٌ وَمَا أَرَى عَلَيْك شَيْئًا. (كَأَنْ يُقَالَ لِلْإِفَاضَةِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ أَوْ زُرْنَا قَبْرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) فِيهَا: طَوَافُ الْإِفَاضَةِ هُوَ الَّذِي يُسَمَّى طَوَافَ الزِّيَارَةِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُقَالَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَأَنْ يُقَالَ زُرْنَا قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ابْنُ يُونُسَ: كَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ لِلْحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ» . (وَرُقِيُّ الْبَيْتِ أَوْ عَلَيْهِ أَوْ مِنْبَرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنَعْلٍ بِخِلَافِ الطَّوَافِ وَالْحَجَرِ) فِيهَا: لَمْ يَكْرَهْ مَالِكٌ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فِي النَّعْلَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَكَرِهَ أَنْ يَدْخُلَ بِهِمَا الْبَيْتَ أَوْ يَرْقَى بِهِمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْبَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إعْظَامًا لَهُ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَجْعَلَ نَعْلَهُ فِي الْبَيْتِ إذَا جَلَسَ يَدْعُو. قَالَ: وَلْيَجْعَلْهَا فِي حُجْرَتِهِ وَأَيَّامَ دُخُولِ الْحِجْرِ بِالنَّعْلَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ. (وَإِنْ قَصَدَ بِطَوَافِهِ نَفْسَهُ مَعَ مَحْمُولِهِ لَمْ يُجِزْ وَاحِدًا مِنْهُمَا) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ الصَّبِيِّ طَوَافًا وَاحِدًا أَجْزَأَهُ عَنْ الصَّبِيِّ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ أَصْبَغُ: بَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُعِيدَ أَيْضًا عَنْ الصَّبِيِّ وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ. (وَأَجْزَأَ السَّعْيُ عَنْهُمَا) فِيهَا: لَا يَطُوفُ بِالصَّبِيِّ إلَّا مَنْ طَافَ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا السَّعْيُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْعَى لِنَفْسِهِ وَلِلصَّبِيِّ سَعْيًا وَاحِدًا يَحْمِلُهُ فِي ذَلِكَ (كَمَحْمُولِينَ فِيهِمَا) أَمَّا فِي الطَّوَافِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ لِمَنْ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَطُوفَ بِصَبِيَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ يَحْمِلُهُمْ طَوَافًا وَاحِدًا. [بَاب فِي مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَهِيَ: اللُّبْسُ وَالتَّطَيُّبُ وَتَرْجِيلُ الشَّعْرِ وَالتَّنْظِيفُ وَالْجِمَاعُ وَمُقَدَّمَاتُهُ وَإِتْلَافُ الصَّيْدِ (حَرُمَ بِالْإِحْرَامِ عَلَى الْمَرْأَةِ لُبْسُ قُفَّازٍ وَسِتْرُ وَجْهٍ إلَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 لِسَتْرٍ بِلَا غَرْزٍ وَرَبْطٍ) الْكَافِي: الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ تَلْبَسُ مَا شَاءَتْ غَيْرَ الْقُفَّازَيْنِ وَالْبُرْقُعِ وَالنِّقَابِ وَلَا تُغَطِّي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 وَجْهَهَا، وَإِحْرَامُهَا فِي وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا، وَلَا بَأْسَ أَنْ تَسْدُلَ ثَوْبَهَا عَلَى وَجْهِهَا لِتَسْتُرَهُ مِنْ غَيْرِهَا، وَلْتَسْدُلْهُ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهَا وَلَا تَرْفَعُهُ مِنْ تَحْتِ ذَقَنِهَا وَلَا تَشُدُّهُ عَلَى رَأْسِهَا بِإِبْرَةٍ وَلَا غَيْرِهَا (وَإِلَّا فَفِدْيَةٌ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: لِلْمَرْأَةِ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ وَفِي الْقُفَّازَيْنِ الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَعَلَى الرَّجُلِ مُحِيطٌ بِعُضْوٍ) الْكَافِي: لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ قَمِيصًا وَلَا مَخِيطًا وَلَا عِمَامَةً وَلَا سَرَاوِيلَ وَلَا خُفَّيْنِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْتَزِرَ كَمَا لَهُ أَنْ يَرْتَدِيَ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْفِرَ بِالْمِئْزَرِ عِنْدَ رُكُوبِهِ. وَلَا يَشُدُّ فَوْقَ مِئْزَرِهِ تِكَّةً وَلَا خَيْطًا، وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْهِمْيَانِ لِلسُّرَّةِ وَالْمِنْطَقَةِ لِلْحِزَامِ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَمْنُوعٌ إلَّا لُبْسَ الرَّجُلِ الْمَخِيطَ لِكَيْفِ نَفْسِهِ كَالْقَمِيصِ. الْبَاجِيُّ: لَا الْمَخِيطُ عَلَى صُورَةِ النَّسْجِ. فِيهَا: جَائِزٌ طَرْحُ قَمِيصِهِ عَلَى ظَهْرِهِ يَرْتَدِي بِهِ دُونَ دُخُولٍ فِيهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 (وَإِنْ بِنَسْجٍ أَوْ زِرٍّ أَوْ عَقْدٍ) فِيهَا: التَّخْلِيلُ وَالْعَقْدُ وَالتَّزَرُّرُ كَالْخِيَاطَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لِذَا قَالُوا: الْمُلَبَّدُ وَالْمَنْسُوجُ عَلَى صُورَةِ الْمَخِيطِ الْمَمْنُوعِ مِثْلُهُ. (كَخَاتَمٍ) . ابْنُ بَشِيرٍ: فِي جَوَازِ لِبَاسِهِ الْخَاتَمَ قَوْلَانِ اُنْظُرْ، وَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ تَأْوِيلَانِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ. (وَقَبَاءٍ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ كَمَا) . ابْنُ شَاسٍ: لَوْ لَبِسَ الْقَبَاءَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 لَمْ يُدْخِلْ الْيَدَ فِي الْكُمِّ وَلَا زَرَّهُ (وَسَتْرُ وَجْهٍ أَوْ رَأْسٍ) . ابْنُ شَاسٍ: إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي الرَّأْسِ وَوَجْهِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ رَأْسَهُ بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا مِنْ خِرْقَةٍ أَوْ رِدَاءٍ. مَالِكٌ: وَلَا يَسْتُرُ الْمُحْرِمُ عَلَى رَأْسِهِ وَلَا عَلَى وَجْهِهِ مِنْ الشَّمْسِ بِعَصًا فِيهَا ثَوْبٌ فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى. (بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا كَطِينٍ) مِنْ الذَّخِيرَةِ: لَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ الْمَخِيطِ بَلْ مَا أَوْجَبَ رَفَاهِيَةً لِلْجَسَدِ كَانَ مَخِيطًا أَوْ مُحِيطًا كَالطِّينِ أَوْ جِلْدِ حَيَوَانٍ يُسْلَخُ فَيُلْبَسُ، وَقَدْ لَا يُمْنَعُ الْمَخِيطُ إذَا اُسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَالَ غَيْرِ الْمَخِيطِ عَلَى الظَّهْرِ أَوْ يَأْتَزِرَ بِهِ. (وَلَا فِدْيَةَ فِي سَيْفٍ وَلَا بِلَا عُذْرٍ) فِيهَا: إنْ أُلْجِئَ الْمُحْرِمُ أَنْ يُقَلَّدَ سَيْفًا فَلَا بَأْسَ بِهِ فَإِنْ قُلِّدَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَنْزِعُهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ. (وَاحْتِزَامٍ وَاسْتِثْفَارٍ لِعَمَلٍ فَقَطْ) فِيهَا: لَا يَحْتَزِمُ الْمُحْرِمُ فَإِنْ احْتَزَمَ فَوْقَ إزَارِهِ افْتَدَى وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَزِمَ. الْقَرَافِيُّ: وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الِاسْتِثْفَارِ عِنْدَ الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ بِالْكَرَاهَةِ وَالْجَوَازِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعَلَى الرَّجُلِ ". (وَجَازَ خُفٌّ قُطِعَ أَسْفَلَ مِنْ كَعْبٍ لِفَقْدِ نَعْلٍ أَوْ غُلُوِّهِ فَاحِشًا) فِيهَا: إنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ وَوَجَدَ خُفَّيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَيَلْبَسْهُمَا وَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَجَدَ نَعْلَيْنِ وَاحْتَاجَ إلَى لُبْسِ الْخُفَّيْنِ لِضَرُورَةٍ بِقَدَمَيْهِ فَقَطَعَهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ فَلْيَلْبَسْهُمَا وَيَفْتَدِي لِأَنَّ لِبَاسَهُ الْخُفَّيْنِ لِضَرُورَةٍ بِسَبَبِ الدَّوَاءِ فَلِذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ وَجَدَ نَعْلَيْنِ. بِشِرَاءٍ فَلَا رُخْصَةَ لَهُ فِي قَطْعِ الْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ يَرْفَعَ فِي الثَّمَنِ كَثِيرًا. (وَاتِّقَاءُ شَمْسٍ أَوْ رِيحٍ بِيَدٍ) فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ يَسْتُرَ بِيَدِهِ وَجْهَهُ مِنْ الشَّمْسِ. هَذَا لَا يَدُومُ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ. لِلْمُحْرِمِ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ مِنْ غُبَارٍ أَوْ جِيفَةٍ مَرَّ بِهَا. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَاسْتَحَبَّ لَهُ ذَلِكَ إنْ مَرَّ عَلَى طِيبٍ (أَوْ مَطَرٍ بِمُرْتَفِعٍ) ابْنُ رُشْدٍ: لَهُ رَفْعُ مَا يَقِيهِ الْمَطَرَ فَوْقَهُ. (وَتَقْلِيمُ ظُفْرٍ انْكَسَرَ) فِيهَا: لَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 انْكَسَرَ ظُفْرُهُ قَلَّمَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَارْتِدَاءٌ بِقَمِيصٍ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: جَائِزٌ طَرْحَ قَمِيصِهِ عَلَى ظَهْرِهِ. (وَفِي كُرْهِ السَّرَاوِيلِ رِوَايَتَانِ) رَوَى مُحَمَّدٌ: مَنْ لَمْ يَجِدْ مِئْزَرًا لَا يَلْبَسْ سَرَاوِيلَ وَلَوْ افْتَدَى فِيهِ وَجَاءَ النَّهْيُ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يَلْبَسُهُ وَيَفْتَدِي. (وَتَظَلُّلٌ بِبِنَاءٍ وَخِبَاءٍ وَمَحَارَةٍ لَا فِيهَا كَثَوْبٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 بِعَصًا فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ خِلَافٌ) قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُعَادِلُ الْمَرْأَةَ فِي الْمَحْمَلِ لَا يَجْعَلُ عَلَيْهَا ظِلًّا عَسَى أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا. وَرَوَى أَشْهَبُ: تَسْتَظِلُّ هِيَ دُونَهُ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ لَمْ يَكْشِفْ الْمَحَارَةَ افْتَدَى وَلَا يَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا إنْ كَانَ نَازِلًا، فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ فِي ظِلِّهَا خَارِجًا عَنْهَا وَلَا يَمْشِي تَحْتَهَا، وَاخْتُلِفَ إذَا فَعَلَ انْتَهَى نَقْلُ الذَّخِيرَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: رَوَى مُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ بِاسْتِظْلَالِهِ بِالْفُسْطَاطِ وَالْبَيْتِ الْمَبْنِيِّ وَالْقُبَّةِ وَهُوَ نَازِلٌ. ابْنُ الْحَاجِبِ: فِي الِاسْتِظْلَالِ بِثَوْبٍ فِي عَصًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 قَوْلَانِ. الْقَرَافِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي اسْتِظْلَالِهِ إذَا نَزَلَ بِثَوْبٍ عَلَى شَجَرَةٍ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَجَوَّزَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ قِيَاسًا عَلَى الْخَيْمَةِ، وَأَمَّا الرَّاكِبُ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ. (وَحَمْلٌ لِحَاجَةٍ وَفَقْرٍ بِلَا تَجْرٍ) فِيهَا: لَا بَأْسَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 بِحَمْلِهِ عَلَى رَأْسِهِ خَرَجَ زَادُهُ أَوْ جِرَابُهُ وَلَا يَنْبَغِي حَمْلُهُ تَجْرًا لَهُ. اللَّخْمِيِّ: مَعْنَاهُ لَمْ يَضْطَرَّ لَهُ. (وَإِبْدَالُ ثَوْبِهِ أَوْ بَيْعُهُ) فِيهَا: لَا بَأْسَ أَنْ يُبْدِلَ ثِيَابَهُ الَّتِي أَحْرَمَ فِيهَا أَوْ يَبِيعَهَا لِقَمْلٍ آذَاهُ فِيهَا أَوْ غَيْرِهِ. (بِخِلَافِ غُسْلِهِ إلَّا النَّجَسَ فَبِالْمَاءِ فَقَطْ) فِيهَا: وَأَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَغْسِلَ ثَوْبَهُ إلَّا أَنْ تُصِيبَهُ جَنَابَةٌ فَيَغْسِلَهُ بِالْمَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 وَحْدَهُ، وَلَا أَرَى لَهُ أَنْ يَغْسِلَ ثَوْبَ غَيْرِهِ خِيفَةَ قَتْلِ الدَّوَابِّ. زَادَ فِي رِوَايَةِ الدَّبَّاغِ: فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى. (وَرَبْطُ جُرْحِهِ) . الْجَلَّابُ: لَا بَأْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَرْبِطَ جُرْحَهُ. ابْنُ حَبِيبٍ: أَكْرَهُ الْحِجَامَةَ لِلْمُحْرِمِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ. لَمْ يَكْرَهْ مَالِكٌ أَنْ يَعْصِبَ الْمُحْرِمُ عَلَى جِرَاحِهِ خِرَقًا فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى. (وَحَكُّ مَا خَفِيَ بِرِفْقٍ) . الْجَلَّابُ: لَا يَشُدُّ فِي حَكِّ مَا خَفِيَ مِنْ جَسَدِهِ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ جَسَدِهِ (وَفَصْدٌ إنْ لَمْ يَعْصِبْهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ: لَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ احْتَجَمَ وَفِيهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 تَعْصِيبُ الْجَسَدِ كَالرَّأْسِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْفِدْيَةِ سَوَاءٌ عَصَبَ لِعِلَّةٍ أَمْ لَا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَفْتَرِقَانِ فِي الْإِبَاحَةِ وَالْمَنْعِ. (وَشَدُّ مِنْطَقَتِهِ لِنَفَقَتِهِ عَلَى جِلْدِهِ) فِيهَا: لَا بَأْسَ بِرَبْطِهِ مِنْطَقَتَهُ لِنَفَقَتِهِ تَحْتَ إزَارِهِ وَجَعْلَ سُيُورِهَا فِي ثَقْبِهَا وَجَعْلَ نَفَقَةِ غَيْرِهِ فِيهَا بَعْدَ نَفَقَتِهِ (وَإِضَافَةُ نَفَقَةِ غَيْرِهِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: مَفْهُومُ الْمُدَوَّنَةِ مَنْعُ جَعْلِ نَفَقَةِ غَيْرِهِ مَعَهُ ابْتِدَاءً (وَإِلَّا فَفِدْيَةٌ) فِيهَا: لَوْ شَدَّهَا فَوْقَ إزَارِهِ أَوْ لِنَفَقَةِ غَيْرِهِ افْتَدَى. (كَعَصْبِ جُرْحِهِ أَوْ رَأْسِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا عَصْبُهُ لِعِلَّةٍ أَمْ لَا (أَوْ لَصْقِ خِرْقَةٍ كَدِرْهَمٍ) التُّونِسِيُّ فِيهَا: صَغِيرُ خَرْقِ التَّعْصِيبِ وَالرَّبْطِ كَكَبِيرِهَا. وَرَوَى مُحَمَّدٌ: رُقْعَةٌ قَدْرَ الدِّرْهَمِ كَبِيرَةٌ فِيهَا الْفِدْيَةُ. (أَوْ لَفَّهَا عَلَى ذَكَرٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ وَلَا فِدْيَةَ فِي جَعْلِ فَرْجِهِ فِي خِرْقَةٍ عِنْدَ النَّوْمِ فَإِنْ لَفَّهَا عَلَى ذَكَرِهِ لِبَوْلٍ أَوْ مَذْيٍ افْتَدَى. (أَوْ قُطْنَةٍ بِأُذُنَيْهِ) فِيهَا: الْفِدْيَةُ فِي جَعْلِ قُطْنٍ بِأُذُنَيْهِ لِشَيْءٍ فِيهِمَا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ مَحَلُّ إحْرَامٍ بِخِلَافِ الْجَسَدِ (أَوْ قِرْطَاسٍ بِصُدْغَيْهِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ جَعَلَ صُدْغَيْنِ افْتَدَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 (وَتَرْكُ ذِي نَفَقَةٍ ذَهَبَتْ) الْجَلَّابُ: إنْ نَفَذَتْ نَفَقَتُهُ أَلْقَى الْمِنْطَقَةَ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ تَرَكَهَا افْتَدَى. اللَّخْمِيِّ: إنْ شَدَّ مِنْطَقَتَهُ فِي وَسَطِهِ لِنَفَقَتِهِ تَحْتَ مِئْزَرِهِ فَلَا بَأْسَ، وَكَرِهَ أَنْ يَشُدَّهَا عَلَى فَخِذِهِ أَوْ عَضُدِهِ أَوْ سَاقِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ إنْ فَعَلَ، وَإِنْ شَدَّهَا لِغَيْرِ نَفَقَتِهِ أَوْ لِنَفَقَةِ غَيْرِهِ افْتَدَى، وَإِنْ فَرَغَتْ نَفَقَتُهُ وَكَانَ قَدْ جَعَلَ مَعَهَا نَفَقَةَ غَيْرِهِ رَدَّ نَفَقَةَ غَيْرِهِ إلَى صَاحِبِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا افْتَدَى، وَإِنْ ذَهَبَ صَاحِبُهَا وَهُوَ عَالِمٌ افْتَدَى وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (أَوْ رَدَّهَا لَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ رَدَّ نَفَقَةَ غَيْرِهِ إلَى صَاحِبِهَا وَإِلَّا افْتَدَى. (وَلِلْمَرْأَةِ خَزٌّ وَحُلِيٌّ) فِيهَا: جَائِزٌ لِلْمُحْرِمَةِ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالْحُلِيِّ. (وَكُرِهَ شَدُّ نَفَقَتِهِ بِعَضُدِهِ أَوْ فَخِذِهِ) تَقَدَّمَ مَا لِلَّخْمِيِّ وَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ. (وَكَبُّ رَأْسٍ عَلَى وِسَادَةٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ: أَكْرَهُ جَعْلَ رَأْسِهِ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَلَا بَأْسَ بِوَضْعِ خَدِّهِ عَلَيْهَا، وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ شَاسٍ تَوَسُّدُهُ جَائِزٌ. (وَمَصْبُوغٌ لِمُقْتَدًى بِهِ) رَوَى مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ لِبَاسِ الْمُحْرِمِ إلَيَّ الْبَيَاضُ. الْجَلَّابُ: لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الثِّيَابِ السُّودِ وَالْكُحْلِيَّاتِ وَالدُّكْنِ وَالْخُضْرِ وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ وَمَنْ يَقْتَدِي بِهِ أَنْ يَلْبَسَ مُمَشَّقًا فِي الْإِحْرَامِ وَلَا بَأْسَ بِهِ لِغَيْرِهِ. وَفِي الْمُوَطَّأِ: رَأَى عُمَرُ عَلَى طَلْحَةَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: إنَّمَا هُوَ مَدَرٌ. فَقَالَ عُمَرُ: إنَّكُمْ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِكُمْ الْحَدِيثُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِ لِبَاسِ مَا صُبِغَ بِالْمَدَرِ وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مِنْ طَرِيقِ رَفْعِ الشُّبُهَاتِ مَخَافَةَ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ مَصْبُوغٌ بِطِيبٍ، وَقَدْ أَبْصَرَ عُمَرُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ثَوْبَيْنِ مُضَرَّجَيْنِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ عُمَرُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: مَا أَخَالُ أَحَدًا يُعَلِّمُنَا السُّنَّةَ فَسَكَتَ عُمَرُ انْتَهَى. حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ مَا فِيهِ طِيبٌ أَوْ مَا يُشْبِهُهُ لَا الْمَصْبُوغُ مُطْلَقًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 (وَشَمٌّ كَرَيْحَانٍ) . ابْنُ حَبِيبٍ: شَمُّ مُطْلَقِ الطِّيبِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَا فِدْيَةَ فِي مُذَكَّرِهِ وَلَوْ بِمَسِّهِ كَالرَّيْحَانِ وَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَلَا فِي مُجَرَّدِ شَمِّ مُؤَنَّثِهِ كَالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ. (وَمُكْثٌ بِمَكَانٍ فِيهِ طِيبٌ) ابْنُ شَاسٍ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِي جُلُوسِهِ فِي حَانُوتِ عَطَّارٍ مَعَ كَرَاهِيَةِ تَمَادِيهِ عَلَى ذَلِكَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 (وَاسْتِصْحَابُهُ) رَوَى مُحَمَّدٌ: كَرَاهَةَ خُرُوجِهِ فِي رُفْقَةِ أَحْمَالِ الطِّيبِ. (وَحِجَامَةٌ بِلَا عُذْرٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ أَكْرَهُ الْحِجَامَةَ لِلْمُحْرِمِ (وَغَمْسُ رَأْسِهِ) فِيهَا: يَجُوزُ صَبُّ الْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ لِحَرٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَيُحَرِّكُهُ فِي الْجَنَابَةِ بِيَدِهِ حِينَ صَبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ، وَأَكْرَهُ غَمْسَ رَأْسِهِ فِي الْمَاءِ خَوْفَ قَتْلِ الدَّوَابِّ فَإِنْ فَعَلَ أَطْعَمَ شَيْئًا. ابْنُ عَرَفَةَ: إسْقَاطُ ابْنِ الْحَاجِبِ إنْ فَعَلَ أَطْعَمَ مُوهِمٌ إسْقَاطَ الْإِطْعَامِ انْتَهَى. اُنْظُرْ كَذَلِكَ هُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 أَيْضًا خَلِيلٌ. (وَتَجْفِيفُهُ بِشِدَّةٍ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: لَا يُجَفِّفُ رَأْسَهُ إذَا اغْتَسَلَ بَلْ يُحَرِّكُهُ بِيَدِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: كَرِهَهُ خَوْفَ أَنْ يُجَفِّفَ بِشِدَّةٍ فَيَقْتُلَ دَوَابَّهُ وَلَوْ جَفَّفَهُ بِرِفْقٍ لَمْ يُكْرَهْ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ شِبْهُ تَغْطِيَةٍ وَفِي هَذَا الْبَابِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ. (وَنَظَرٌ بِمِرْآةٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أُحِبُّ نَظَرَ الْمُحْرِمِ فِي مِرْآةٍ فَإِنْ نَظَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ. (وَلُبْسُ امْرَأَةٍ قَبَاءً مُطْلَقًا) فِيهَا كَرِهَ مَالِكٌ لِلْمَرْأَةِ لُبْسَ الْقَبَاءِ فِي الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِ لِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَصِفُهُنَّ. (وَعَلَيْهِمَا دَهْنُ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ وَإِنْ صَلِعَا) . ابْنُ شَاسٍ: النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ تَرْجِيلُ الشَّعْرِ وَاللِّحْيَةِ بِالدُّهْنِ وَهُوَ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ فِيهَا إنْ دَهَنَ رَأْسَهُ بِزَيْتٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 افْتَدَى ابْنُ شَاسٍ: وَكَذَا لَوْ دَهَنَ الْأَصْلَعُ رَأْسَهُ انْتَهَى. وَهَذَا فِي الْمُحْرِمِ وَأَمَّا الْمُحْرِمَةُ. (وَإِبَانَةُ ظُفْرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ وَسَخٍ) . ابْنُ شَاسٍ: النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ التَّنْظِيفُ بِالْحَلْقِ وَفِي مَعْنَاهُ الْقَلْمُ، فَإِنْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ افْتَدَى، وَلَوْ نَتَفَ شَعْرَةً أَوْ شَعَرَاتٍ أَطْعَمَ شَيْئًا مِنْ طَعَامٍ، فَإِنْ نَتَفَ مَا أَمَاطَ عَنْهُ أَذًى فَلْيَفْتَدِ وَنَحْوُ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. الْجَلَّابُ: وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ فِي إلْقَاءِ التَّفَثِ وَإِزَالَةِ الشُّعْثِ. وَفِيهَا: وَأَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ بِالْأُشْنَانِ الْمُطَيَّبِ بِالرَّيْحَانِ وَالْغَاسُولِ وَشِبْهِ ذَلِكَ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي إزَالَةِ الْوَسَخِ الْفِدْيَةُ. (إلَّا غَسْلَ يَدَيْهِ بِمُزِيلِهِ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: فِي غَسْلِ رَأْسِهِ بِسِدْرٍ الْفِدْيَةُ بِخِلَافِ يَدَيْهِ بِالْحُرُضِ. ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ غَسْلُ يَدَيْهِ بِأُشْنَانٍ دُونَ طِيبٍ. (وَتَسَاقُطُ شَعْرٍ لِوُضُوءٍ أَوْ رُكُوبٍ) فِيهَا: لَا شَيْءَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِيمَا تَقَلَّعَ عِنْدَ وُضُوئِهِ مِنْ لِحْيَتِهِ أَوْ شَارِبِهِ أَوْ مَا حَلَقَ الْإِكَافَ وَالسُّرُوجُ فِي الرُّكُوبِ مِنْ سَاقِهِ وَهَذَا خَفِيفٌ وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهُ. (وَدَهْنُ الْجَسَدِ كَكَفٍّ وَرِجْلٍ بِمُطَيَّبٍ) فِيهَا: إنْ دَهَنَ بِطِيبٍ افْتَدَى. وَنَصُّ التَّهْذِيبِ: إنْ دَهَنَ قَدَمَيْهِ وَعَقِبَيْهِ مِنْ شُقُوقٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَهَنَهُمَا لِغَيْرِ عِلَّةٍ أَوْ دَهَنَ ذِرَاعَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 لِيُحْسِنَهُمَا لَا مِنْ عِلَّةٍ افْتَدَى. وَنَصُّ التَّهْذِيبِ: إنْ دَهَنَ شُقُوقًا فِي يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ بِزَيْتٍ أَوْ شَحْمٍ أَوْ وَدَكٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَهَنَ ذَلِكَ بِطِيبٍ افْتَدَى (وَلَهَا قَوْلَانِ اخْتَصَرَتْ عَلَيْهِمَا) تَقَدَّمَ نَصُّ التَّهْذِيبِ: إنْ دَهَنَ مِنْ شُقُوقٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، مِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ: فَإِنْ دَهَنَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ لِشُقُوقٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَهَنَهُمَا لِغَيْرِ عِلَّةٍ أَوْ دَهَنَ ذِرَاعَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ أَوْ مَا هُوَ دَاخِلُ الْجَسَدِ فَالْفِدْيَةُ، هَكَذَا قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 فِي التَّهْذِيبِ وَاخْتَصَرَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَإِنْ دَهَنَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ لِعِلَّةٍ. (وَتَطَيُّبٌ بكورس وَإِنْ ذَهَبَ رِيحُهُ) . ابْنُ شَاسٍ: النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ التَّطَيُّبُ وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 بِاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ الْمُؤَنَّثِ كَالْمِسْكِ وَالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ وَلَوْ بَطَلَتْ رِيحُ الطِّيبِ لَمْ يُبَحْ اسْتِعْمَالُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي هَذَا نَظَرٌ. (أَوْ لِضَرُورَةِ كُحْلٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: اكْتِحَالُ الْمُحْرِمِ مُطْلَقًا لِدَوَاءٍ جَائِزٌ وَفِيهِ بِمُطَيَّبٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 الْفِدْيَةُ. (وَلَوْ فِي طَعَامٍ) فِيهَا: إنْ أَكَلَ طَعَامًا مَسَّتْهُ النَّارُ فِيهِ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرَسٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ. (أَوْ لَمْ يُعَلِّقْ) فِيهَا: إنْ مَسَّ الطِّيبَ افْتَدَى. قَالَ عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ: وَجَدَ رِيحَهُ أَوْ لَمْ يَجِدْ لَصِقَ بِيَدِهِ أَوْ لَمْ يَلْصَقْ. (إلَّا قَارُورَةً سُدَّتْ) . ابْنُ شَاسٍ: لَوْ حَمَلَ الْمِسْكَ فِي قَارُورَةٍ مُصَمَّمَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 الرَّأْسِ فَلَا فِدْيَةَ (وَمَطْبُوخًا) تَقَدَّمَ نَصُّهَا إنْ مَسَّتْهُ النَّارُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَبَاقِيًا مِمَّا قَبْلَ إحْرَامِهِ) . مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ: لَا يَتَطَيَّبُ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِمَا يَبْقَى رِيحُهُ بَعْدَهُ. الْبَاجِيُّ: إنْ فَعَلَ فَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِإِتْلَافِهِ بَعْدَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 (وَمُصِيبًا مِنْ إلْقَاءِ رِيحٍ) ابْنِ الْحَاجِبِ: فِعْلُ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ وَالضَّرُورَةِ وَالْجَهْلِ فِي الْفِدْيَةِ سَوَاءٌ إلَّا فِي حَرَجٍ عَامٍّ كَمَا لَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ الطِّيبَ عَلَيْهِ فَلَوْ تَرَاخَى فِي إزَالَتِهِ لَزِمَتْهُ. (أَوْ غَيْرِهِ) فِيهَا: إنْ طَيَّبَ نَائِمًا غَيْرَهُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَى النَّائِمِ إنْ غَسَلَهُ إثْرَ انْتِبَاهِهِ. (أَوْ خَلُوقِ كَعْبَةٍ وَخُيِّرَ فِي نَزْعِ يَسِيرِهِ) فِيهَا: إنْ مَسَّهُ خَلُوقُ الْكَعْبَةِ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا. قَالَ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذْ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ إذَا دَخَلَ الْبَيْتَ وَلَا أَرَى أَنْ تَخْلَقَ الْكَعْبَةُ أَيَّامَ الْحَجِّ. (وَإِلَّا افْتَدَى إنْ تَرَاخَى) تَقَدَّمَ هَذَا النَّصُّ لِابْنِ الْحَاجِبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 فِيمَا أَلْقَتْ الرِّيحُ، وَلِلْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ طَيَّبَ نَائِمًا، وَأَمَّا إنْ تَرَاخَى فِي نَزْعِ غَيْرِ الْيَسِيرِ مِمَّا مَسَّهُ مِنْ خَلُوقِ الْكَعْبَةِ. ثُمَّ إنْ كَانَ كَثِيرًا نَزَعَهُ وَإِلَّا افْتَدَى، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي نَزْعِهِ. وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ اسْتِدَامَةُ شَمِّ الطِّيبِ وَاسْتِصْحَابُ أَعْدَالٍ هُوَ فِيهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ إذَا مَرَّ بِطِيبٍ وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ: لَا تَخْلَقُ الْكَعْبَةُ أَيَّامَ الْحَجِّ وَيُقَامُ الْعَطَّارُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. (كَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ نَائِمًا) فِيهَا: مَا جَرَّهُ الْمُحْرِمُ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ لِحَافِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فَانْتَبَهَ فَنَزَعَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ طَالَ، وَإِنْ نَامَ فَغَطَّى رَجُلٌ رَأْسَهُ أَوْ طَيَّبَهُ فَنَزَعَ ذَاكَ أَوْ نَزَعَ الطِّيبَ عَنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْفِدْيَةُ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ. قَالَ أَشْهَبُ فِي مُدَوَّنَتِهِ: فَإِذَا انْتَبَهَ فَلَمْ يَغْسِلْ الطِّيبَ مَكَانَهُ وَأَخَّرَهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ (وَلَا تَخْلَقُ أَيَّامَ الْحَجِّ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: لَا أَرَى أَنْ تَخْلَقَ الْكَعْبَةُ (وَيُقَامُ الْعَطَّارُونَ فِيهَا مِنْ الْمَسْعَى) فِيهَا: يُقَامُ الْعَطَّارُونَ مِنْ بَيْنِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيَّامَ الْحَجِّ. (وَافْتَدَى الْمُلْقِي الْحِلُّ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: إنْ نَامَ فَطَيَّبَهُ رَجُلٌ فَالْفِدْيَةُ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ (إنْ لَمْ تَلْزَمْهُ) تَقَدَّمَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَشْهَبُ: إنْ لَمْ يَغْسِلْ الطِّيبَ مَكَانَهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ (بِلَا صَوْمٍ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يُجْزِئُ الْفَاعِلَ أَنْ يَفْتَدِيَ بِالصِّيَامِ وَلَكِنْ يَفْتَدِي بِالنُّسُكِ أَوْ الْإِطْعَامِ (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَفْتَدِ الْمُحْرِمُ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ عَدِيمًا فَلْيَفْتَدِ هَذَا عَلَى نَفْسِهِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْفَاعِلِ إنْ أَيْسَرَ وَقَدَرَ عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ ثَمَنِ الطَّعَامِ وَثَمَنِ النُّسُكِ إنْ افْتَدَى بِأَحَدِهِمَا، وَأَمَّا إنْ صَامَ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ. ابْنُ يُونُسَ: الْبَيِّنُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْفَاعِلُ عَدِيمًا (كَأَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: إنْ نَامَ فَغَطَّى رَأْسَهُ أَوْ طَيَّبَهُ أَوْ حَلَقَهُ (وَرَجَعَ بِالْأَقَلِّ إنْ لَمْ يَفْتَدِ بِصَوْمٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَيَرْجِعُ عَلَى الْفَاعِلِ بِالْأَقَلِّ. (وَعَلَى الْمُحْرِمِ الْمُلْقِي فِدْيَتَانِ عَلَى الْأَرْجَحِ) اخْتَلَفَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَابْنُ الْقَابِسِيِّ إذَا طَيَّبَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 مُحْرِمٌ مُحْرِمًا فَقَالَ ابْنُ الْقَابِسِيِّ: يَجِبُ عَلَى الْفَاعِلِ فِدْيَتَانِ: فِدْيَةٌ لِمَسِّهِ الطِّيبَ وَفِدْيَةٌ لِتَطْيِيبِهِ النَّائِمَ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا أَصْوَبُ (وَإِنْ حَلَقَ حِلٌّ مُحْرِمًا بِإِذْنٍ فَعَلَى الْمُحْرِمِ) اللَّخْمِيِّ: فِدْيَةُ إمَاطَةِ حَلَالٍ عَنْ مُحْرِمٍ أَذًى بِإِذْنِهِ عَلَى الْمُحْرِمِ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ (وَإِلَّا فَعَلَيْهِ) فِيهَا: عَلَى مَنْ حَلَقَ رَأْسَ نَائِمٍ مُحْرِمٍ أَوْ غِطَاءٍ الْفِدْيَةُ. (وَإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ رَأْسَ حِلٍّ أَطْعَمَ) فِيهَا قَالَ مَالِكٌ: يَفْتَدِي الْمُحْرِمُ إنْ حَلَقَ رَأْسَ حَلَالٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ طَعَامٍ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَبْيَنُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وِفَاقًا. (وَهَلْ حَفْنَةٌ أَوْ فِدْيَةٌ تَأْوِيلَانِ) اُنْظُرْ خَامِسَ فَصْلٍ مِنْ بَابِ مَا يُلْقِيهِ الْمُحْرِمُ مِنْ ابْنِ يُونُسَ (وَفِي الظُّفْرِ الْوَاحِدِ لَا لِإِمَاطَةِ الْأَذَى حَفْنَةٌ) فِيهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا سَمِعْت بِحَدٍّ فِيمَا دُونَ إمَاطَةِ الْأَذَى أَكْثَرَ مِنْ حَفْنَةٍ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَقَدْ قَالَ فِي قَمْلَةٍ أَوْ قَمَلَاتٍ حَفْنَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَالْحَفْنَةُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ. ابْنُ شَاسٍ: إنْ قَلَّمَ ظُفْرًا وَاحِدًا لِإِمَاطَةِ الْأَذَى افْتَدَى، وَإِنْ لَمْ يُمِطْ بِهِ أَذًى أَطْعَمَ شَيْئًا مِنْ طَعَامٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 (كَشَعْرَةٍ أَوْ شَعَرَاتٍ أَوْ قَمْلَةٍ أَوْ قَمَلَاتٍ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا بِهَذَا. (أَوْ طَرَحَهَا) فِيهَا: لَا يَطْرَحُ الْمُحْرِمُ عَنْ نَفْسِهِ الْقَمْلَ. ابْنُ الْحَاجِبِ: فِي قَتْلِ قَمْلَةٍ أَوْ قَمَلَاتٍ حَفْنَةٌ وَكَذَلِكَ طَرْحُهَا. رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: إنْ وَقَعَتْ مِنْ رَأْسِهِ قَمْلَةٌ عَلَى ثَوْبِهِ فَلَهُ نَقْلُهَا لِمَوْضِعٍ أَخْفَى وَرَوَى أَشْهَبُ لَا يَنْقُلُهَا. (كَحَلْقِ مُحْرِمٍ لِمِثْلِهِ مَوْضِعَ الْحِجَامَةِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ نَفْيُ الْقَمْلِ) فِيهَا: لَوْ اُضْطُرَّ مُحْرِمٌ إلَى الْحِجَامَةِ جَازَ لِمُحْرِمٍ غَيْرِهِ أَنْ يَحْلِقَ مَوْضِعَ الْحِجَامَةِ وَيَحْجُمَهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ قَمْلًا، وَأَمَّا إذَا خَافَ أَنْ يَقْتُلَ قَمْلًا فَلَا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 وَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ ذَلِكَ. (وَتَقْرِيدِ بَعِيرِهِ) فِيهَا: لَوْ طَرَحَ الْقُرَادَ عَنْ بَعِيرِهِ فَلْيُطْعِمْ شَيْئًا مِنْ طَعَامٍ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لِأَنَّهُ عَرَّضَهُ لِلْقَتْلِ. (لَا كَطَرْحِ عَلَقَةٍ أَوْ بُرْغُوثٍ) فِيهَا: لَا بَأْسَ أَنْ يَطْرَحَ عَنْ نَفْسِهِ الْقَمْلَةَ وَالْقُرَادَ وَالْبُرْغُوثَ وَالْعَلَقَةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ طَرَحَ الْعَلَقَةَ عَنْ بَعِيرِهِ أَوْ دَابَّتِهِ (وَالْفِدْيَةُ فِيمَا يَتَرَفَّهُ بِهِ أَوْ يُزِيلُ أَذًى) ابْنُ شَاسٍ: وَتَكْمُلُ الْفِدْيَةُ بِحَلْقِ مَا يَتَرَفَّهُ بِهِ وَيَزُولُ مَعَهُ أَذًى. (كَقَصِّ الشَّارِبِ أَوْ ظُفْرٍ) . ابْنُ شَاسٍ: إنْ قَصَّ الشَّارِبَ افْتَدَى لِأَنَّهُ إمَاطَةُ أَذًى فِيهَا: إنْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ الْوَاحِدَ فَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 أَمَاطَ بِهِ أَذًى افْتَدَى وَإِنْ لَمْ يُمِطْ بِهِ أَطْعَمَ وَفِي كُلِّ مَا أَمَاطَ بِهِ أَذًى الْفِدْيَةُ. (وَقَتْلِ قَمْلٍ كَثِيرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: فِي الْقَمْلَةِ وَالْقَمْلَتَيْنِ حَفْنَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَفِي الْكَثِيرِ الْفِدْيَةُ. (وَخَضْبٍ بِكَحِنَّاءَ) فِيهَا: إنْ خَضَّبَ لِحْيَتَهُ أَوْ رَأْسَهُ وَالْمَرْأَةُ رَأْسَهَا أَوْ رِجْلَيْهَا أَوْ طَرَفَتْ أَصَابِعَهَا بِحِنَّاءٍ افْتَدَيَا. (وَإِنْ رُقْعَةً إنْ كَثُرَتْ) فِيهَا: إنْ عَصَبَ جُرْحَ أُصْبُعِهِ بِرُقْعَةٍ صَغِيرَةٍ فَلَا فِدْيَةَ، وَبِكَبِيرَةٍ افْتَدَى وَفِي رُقْعَةٍ بِمُؤَنَّثِ طِيبٍ الْفِدْيَةُ وَلَوْ صَغُرَتْ (وَمُجَرَّدُ حَمَّامٍ عَلَى الْمُخْتَارِ) فِيهَا: لَا يَدْخُلُ الْمُحْرِمُ الْحَمَّامَ فَإِنْ دَخَلَهُ وَتَدَلَّكَ وَأَلْقَى الْوَسَخَ افْتَدَى. اللَّخْمِيِّ: أَرَى أَنْ يَفْتَدِيَ وَلَوْ لَمْ يَتَدَلَّكْ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِيمَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ ثُمَّ اغْتَسَلَ أَنَّ الشُّعْثَ يَذْهَبُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَتَدَلَّكْ. (وَاتَّحَدَتْ إنْ ظَنَّ الْإِبَاحَةَ أَوْ تَعَدَّدَ مُوجِبُهَا بِفَوْرٍ) فِيهَا: إنْ لَبِسَ وَتَطَيَّبَ وَحَلَقَ وَقَلَّمَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ فَعَلَهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَفِي كُلِّ وَجْهٍ فِدْيَةٌ، وَإِنْ تَطَيَّبَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَفِي كُلِّ وَجْهٍ فِدْيَةٌ، وَمِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ: وَلَوْ فَعَلَ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ بِأَنْ لَبِسَ وَتَطَيَّبَ وَحَلَقَ وَقَلَّمَ فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ مُتَقَارِبٍ فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْمَنْصُوصِ كَمَا لَوْ لَامَسَ وَقَبَّلَ وَبَالَ، وَخَرَّجَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 اللَّخْمِيِّ قَوْلًا بِالتَّعَدُّدِ بِمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ، وَكَذَا أَيْضًا تَتَّحِدُ الْفِدْيَةُ وَإِنْ تَرَاخَى الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ فَظَنَّ إبَاحَتَهَا (أَوْ نَوَى التَّكْرَارَ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ لَبِسَ وَتَطَيَّبَ وَحَلَقَ وَقَلَّمَ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ فِعْلَ جَمِيعِهَا فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ بَعُدَ مَا بَيْنَ تِلْكَ الْأَفْعَالِ فَذَلِكَ سَوَاءٌ. وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَحَدَهُمَا ثُمَّ حَدَثَتْ نِيَّةٌ فَفَعَلَ أَيْضًا كَانَ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِدْيَةٌ إلَّا إنْ فَعَلَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ. (أَوْ قَدَّمَ الثَّوْبَ عَلَى السَّرَاوِيلِ) ابْنُ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ: إنْ احْتَاجَ إلَى قَمِيصٍ ثُمَّ اسْتَحْدَثَ السَّرَاوِيلَ مَعَ الْقَمِيصِ فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِسَتْرِ الْقَمِيصِ مَوْضِعَ السَّرَاوِيلِ فَلَوْ احْتَاجَ إلَى السَّرَاوِيلِ أَوَّلًا فَفِدْيَتَانِ (وَشَرْطُهُمَا فِي اللُّبْسِ انْتِفَاعٌ مِنْ حَرٍّ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 بَرْدٍ) . ابْنُ شَاسٍ: ثُمَّ حَيْثُ قُلْنَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِاللُّبْسِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا انْتَفَعَ بِاللُّبْسِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ دَامَ عَلَيْهِ كَالْيَوْمِ. (لَا إنْ نَزَعَ مَكَانَهُ) فِيهَا: لَهُ أَنْ يَحْتَبِيَ وَيَتَوَشَّحَ بِثَوْبِهِ مَا لَمْ يَعْقِدْ ذَلِكَ فَإِنْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ ثَوْبَهُ الَّذِي تَوَشَّحَ بِهِ وَذَكَرَ ذَلِكَ مَكَانَهُ فَحَلَّهُ أَوْ صَاحَ بِهِ رَجُلٌ فَحَلَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ حَتَّى انْتَفَعَ بِهِ افْتَدَى (وَفِي صَلَاةٍ قَوْلَانِ) قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: اُخْتُلِفَ إذَا صَلَّى بِهِ فَقِيلَ يَفْتَدِي، وَقِيلَ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ قَرِيبًا كَغَيْرِ الْمُصَلِّي وَلَمْ يُرَجِّحْ ابْنُ يُونُسَ مِنْهُمَا قَوْلًا. (وَلَمْ يَأْثَمْ إنْ فَعَلَ لِعُذْرِهِ) . الْكَافِي: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَأْتِيَ شَيْئًا مِمَّا أُمِرَ بِاجْتِنَابِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِيَسَارَةِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ إنَّمَا الرُّخْصَةُ فِي ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ. (وَهِيَ نُسُكٌ بِشَاةٍ فَأَعْلَى أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلٍّ مُدَّانِ كَالْكَفَّارَةِ أَوْ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 ابْنُ عَرَفَةَ: فِدْيَةُ الْأَذَى عَلَى التَّخْيِيرِ فِي صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِيهَا وَيَصُومُهَا حَيْثُ شَاءَ، أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ نَبَوِيَّانِ، أَوْ يَنْسُكُ بِشَاةٍ فِيهَا وَيَذْبَحُهَا أَيْضًا حَيْثُ شَاءَ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَفِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَنْسُكَ بِبَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ بِبَلَدِهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ هَدْيًا وَيُقَلِّدَهُ وَيُشْعِرَهُ ثُمَّ يَنْحَرَهُ إذَا قَلَّدَهُ إلَّا بِمِنًى أَوْ بِمَكَّةَ إنْ أَدْخَلَهُ مِنْ الْحِلِّ فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْإِطْعَامُ وَالصِّيَامُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْبِلَادِ وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ لِلْفِدْيَةِ مَحَلًّا وَسَمَّاهَا نُسُكًا وَلَمْ يُسَمِّهَا هَدْيًا فَأَيْنَمَا ذُبِحَتْ أَجْزَأَتْ. (وَلَوْ أَيَّامَ مِنًى) . اللَّخْمِيِّ: إنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَأُحِبُّ أَنْ تَكُونَ بِالصِّيَامِ صَامَ قَبْلَ وُقُوفِهِ، فَإِنْ أَخَّرَ فَهَلْ يَصُومُ أَيَّامَ الرَّمْيِ؟ أَبَاحَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَرِهَهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ (وَلَمْ يَخْتَصَّ بِزَمَانٍ أَوْ بِمَكَانٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالذَّبْحِ الْهَدْيَ فَكَحُكْمِهِ) هَذَا كُلُّهُ مَفْهُومٌ مِنْ النَّقْلِ قَبْلَهُ (وَلَا يُجْزِئُ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ إنْ لَمْ يَبْلُغْ مُدَّيْنِ) فِيهَا: لَا يُجْزِئُ الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّى مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ. أَشْهَبُ: إلَّا أَنْ يَبْلُغَاهُمَا. (وَالْجِمَاعُ) . ابْنُ شَاسٍ: النَّوْعُ الْخَامِسُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الْجِمَاعُ وَنَتِيجَتُهُ الْفَسَادُ وَالْقَضَاءُ وَالْهَدْيُ (وَمُقَدَّمَاتُهُ) ابْنُ شَاسٍ: النَّوْعُ السَّادِسُ مُقَدَّمَاتُ الْجِمَاعِ وَهِيَ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا دُونَهُ وَجَمِيعُهَا مَكْرُوهٌ فَإِنْ كَانَ عَنْهُ إنْزَالٌ أَفْسَدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 (وَأَفْسَدَ مُطْلَقًا) . الْبَاجِيُّ: مَغِيبُ الْحَشَفَةِ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَلَوْ كَانَ سَهْوًا يُفْسِدُ الْحَجَّ. (كَاسْتِدْعَاءِ مَنِيٍّ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ: إنْ كَانَ عَنْهُ إنْزَالٌ أَفْسَدَ. (وَإِنْ بِنَظَرٍ) مَالِكٌ: إنْ أَرَادَ الْمُحْرِمُ النَّظَرَ لِلَّذَّةِ حَتَّى أَنْزَلَ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ، فَإِنْ لَمْ يُبَالِغْ النَّظَرَ وَلَا أَدَامَهُ فَأَنْزَلَ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ. الْأَبْهَرِيُّ: عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (قَبْلَ الْوُقُوفِ مُطْلَقًا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْبَاجِيِّ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَلَوْ سَهْوًا وَانْظُرْ ابْنَ الْحَاجِبِ أَوْ بَعْدَهُ. (إنْ وَقَعَ قَبْلَ إفَاضَةٍ وَعَقَبَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ) . ابْنُ شَاسٍ: إذَا وَقَعَ الْجِمَاعُ بَعْدَ الْوُقُوفِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَلَمْ يَرْمِ وَلَمْ يُفِضْ فَالْمَشْهُورُ يُفْسِدُ (أَوْ قَبْلَهُ) قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ إذَا وَطِئَ قَبْلَ الرَّمْيِ بَعْدَ الْوُقُوفِ أَنَّهُ أَفْسَدَ حَجَّهُ (وَإِلَّا فَهَدْيٌ) . الْبَاجِيُّ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَطِئَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ وَيُفِيضَ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 عُمْرَةٌ وَهَدْيَانِ: هَدْيٌ لِوَطْئِهِ وَهَدْيٌ لِتَأْخِيرِ رَمْيِ الْجَمْرَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: وَإِنْ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ فَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ يَلْزَمُهُ عُمْرَةٌ وَهَدْيٌ. (كَإِنْزَالٍ ابْتِدَاءً) أَمَّا لَوْ أَمْنَى ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ مُدَاوَمَةِ النَّظَرِ وَالتَّذَكُّرِ فَقَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ: عَلَيْهِ الْهَدْيُ فَقَطْ وَيَجِبُ التَّمَادِي وَفِي الْفَاسِدِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ قَابِلٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَا أَبْدَاهُ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا. مِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ: وَتَقَدَّمَ نَصُّ مَالِكٍ إنْ لَمْ يُبَالِغْ النَّظَرَ وَلَا أَدَامَهُ فَأَنْزَلَ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ (وَإِمْذَائِهِ) اُنْظُرْ رَسْمَ اغْتَسَلَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَقُبْلَتِهِ) . الْبَاجِيُّ: الْقُبْلَةُ مَمْنُوعَةٌ لِحَقِّ الْإِحْرَامِ فَإِذَا قَبَّلَ فَقَدْ أَدْخَلَ عَلَى نُسُكِهِ نَقْصًا فَلَزِمَهُ الْهَدْيُ قَالَ مَالِكٌ: وَهَدْيُهُ مَمْنُوعَةٌ لِحَقِّ الْإِحْرَامِ فَإِذَا قَبَّلَ فَقَدْ أَدْخَلَ عَلَى نُسُكِهِ فِدْيَةً، وَأَمَّا غَيْرُ الْقُبْلَةِ مِمَّا يُفْعَلُ لِلَّذَّةِ وَلِغَيْرِ اللَّذَّةِ مِثْلُ لَمْسِ كَفِّهَا فَإِنْ كَانَ لِلَّذَّةِ فَمَمْنُوعٌ وَإِلَّا فَمُبَاحٌ. (وَوُقُوعِهِ بَعْدَ سَعْيٍ فِي عُمْرَتِهِ) الْكَافِي: إنْ جَامَعَ الْمُعْتَمِرُ بَعْدَ تَمَامِ السَّعْيِ وَقَبْلَ الْحِلَاقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَعُمْرَتُهُ تَامَّةٌ (وَإِلَّا فَسَدَتْ) الْكَافِي: إنْ جَامَعَ الْمُعْتَمِرُ قَبْلَ تَمَامِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَقَدْ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ. (وَوَجَبَ إتْمَامُ الْمُفْسِدِ) الْكَافِي: مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ فِي حَجَّتِهِ كَمَا يُكْمِلُهَا وَيُحِلَّ مِنْهَا بِمَا يُحِلُّ بِهِ مَنْ لَمْ يُفْسِدْ حَجَّتَهُ سَوَاءً، ثُمَّ عَلَيْهِ بَدَلُهَا بِحَجَّةٍ أُخْرَى مِنْ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 وَسَوَاءٌ كَانَ حَجُّهُ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا وَمَنْ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ مَضَى فِيهَا حَتَّى يُتِمَّهَا ثُمَّ يُبْدِلَهَا وَأَهْدَى هَدْيًا. (وَإِلَّا فَهُوَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَحْرَمَ) فِيهَا: مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِوَطْءٍ فَلَمْ يُتِمَّهُ حَتَّى أَحْرَمَ بِحَجَّةِ الْقَضَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 ذَلِكَ وَهُوَ عَلَى حَجِّهِ الَّذِي أَفْسَدَهُ فَيُتِمُّهُ وَيَقْضِيهِ وَيَهْدِي وَلَا يَكُونُ مَا جَدَّدَ مِنْ إحْرَامِهِ نَقْضًا لِحَجَّتِهِ الْفَاسِدَةِ. (وَلَمْ يَقَعْ قَضَاؤُهُ إلَّا فِي ثَالِثَةٍ) هَذَا نَصُّ ابْنِ الْجَلَّابِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْمُدَوَّنَةِ (وَفَوْرِيَّةُ الْقَضَاءِ وَإِنْ تَطَوُّعًا) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي الْفَاسِدِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ فِي قَابِلٍ تَطَوُّعًا كَانَ أَوْ فَرْضًا (وَقَضَاءُ الْقَضَاءِ) . ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ فَقَضَاهُ قَابِلًا فَأَفْسَدَهُ أَيْضًا فَعَلَيْهِ قَضَاءُ حَجَّتَيْنِ. قَالَهُ مَالِكٌ فِيمَنْ أَفْطَرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَقْضِي يَوْمَيْنِ. أَصْبَغُ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ يَوْمٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَمَا هُوَ فِي الْحَجِّ بِالْقَوِيِّ. عَبْدُ الْمَلِكِ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَبِهَذَا أَقُولُ (وَنَحْرُ هَدْيٍ فِي الْقَضَاءِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْكَافِي: عَلَيْهِ بَدَلُهَا وَالْهَدْيُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أُحِبُّ نَحْرَهُ قَبْلَ قَضَائِهِ فَإِنْ فَعَلَ وَحَجَّ أَجْزَاهُ إذْ لَوْ مَاتَ قَبْلَ حَجِّهِ أَهْدَى عَنْهُ. (وَاتَّحَدَ وَإِنْ تَكَرَّرَ لِنِسَاءٍ) فِيهَا: أَمَّا وَطْؤُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ مِرَارًا أَوْ عَدَدًا مِنْ النِّسَاءِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ إلَّا هَدْيٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ بِالْوَطْءِ فَسَدَ حَجُّهُ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ. عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَلِأَنَّ الْوَطْءَ الثَّانِيَ لَمْ يُفْسِدْ الْحَجَّ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْوَطْءَ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الْفَسَادَ فَلَهُ الْحُكْمُ كَثَلَاثَةِ شُرَكَاءَ فِي عَبْدٍ أَعْتَقَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَ الثَّانِي بَعْدَهُ فَإِنَّمَا التَّقْوِيمُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْفَسَادَ وَلَا تَقْوِيمَ عَلَى الثَّانِي. (بِخِلَافِ صَيْدٍ وَفِدْيَةٍ) فِيهَا: مَنْ جَامَعَ فِي حَجِّهِ فَأَفْسَدَ ثُمَّ أَصَابَ بَعْدَ ذَلِكَ صَيْدًا بَعْدَ صَيْدٍ وَلَبِسَ وَتَطَيَّبَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فِي مَجَالِسَ شَتَّى وَحَلَقَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَعَلَيْهِ فِيمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ لِكُلِّ مَرَّةٍ فِدْيَةٌ وَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ عَدَدًا مِنْ الْفِدْيَةِ وَعَلَيْهِ جَزَاءُ كُلِّ صَيْدٍ أَصَابَهُ. ابْنُ يُونُسَ: فَارَقَ الْوَطْءُ الصَّيْدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] فَهُوَ لَوْ قَتَلَ صَيْدًا صَغِيرًا فَعَلَيْهِ جَزَاءُ مِثْلِهِ وَكَبِيرًا عَلَيْهِ جَزَاءُ مِثْلِهِ فَكَذَلِكَ جَمَاعَةُ صَيْدٍ عَلَيْهِ جَزَاءُ مِثْلِهِمْ (وَأَجْزَأَ إنْ عَجَّلَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا أُحِبُّ نَحْرَهُ قَبْلَ قَضَائِهِ فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ. (وَثَلَاثَةٌ إنْ أَفْسَدَ قَارِنًا ثُمَّ فَاتَهُ وَقَضَى) فِيهَا: مَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَجَامَعَ فِيهِمَا فَعَلَيْهِ الْآنَ دَمٌ لِقِرَانِهِ هَذَا الْفَاسِدِ وَيَفْعَلُ فِيهِ كَمَا يَفْعَلُ لَوْ لَمْ يُفْسِدْهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ قَابِلًا قَارِنًا، وَعَلَيْهِ مَعَ حَجَّةِ الْقَضَاءِ هَدْيَانِ: هَدْيٌ لِقِرَانِهِ الثَّانِي وَهَدْيٌ لِفَسَادِ الْأَوَّلِ. سَمِعَ أَبُو زَيْدٍ فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ مَعَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ هَدَايَا. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا وَسَمِعَ أَصْبَغُ ثَلَاثَ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. (وَعُمْرَةٌ إنْ وَقَعَ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِلَّا فَسَدَتْ ". (وَإِحْجَاجُ مُكْرَهَتِهِ وَإِنْ نَكَحَتْ غَيْرَهُ) التَّهْذِيبُ: إنْ أَكْرَهَ نِسَاءَهُ وَهُنَّ مُحْرِمَاتٌ أَحَجَّهُنَّ وَكَفَّرَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَفَّارَةً وَإِنْ بِنَّ مِنْهُ وَنَكَحْنَ غَيْرَهُ وَإِنْ طَاوَعْنَهُ فَذَلِكَ عَلَيْهِنَّ دُونَهُ (وَعَلَيْهَا إنْ أَعْدَمَ وَرَجَعَتْ) لَوْ قَالَ: " كَالْمُكْرَهَةِ فِي رَمَضَانَ " لِتَنْزِلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا لَمْ يَجِدْ الزَّوْجُ مَا يُحِجُّهَا بِهِ وَيُهْدِي عَنْهَا فَلْتَفْعَلْ هِيَ ذَلِكَ وَتَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ صَامَتْ لَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْهَدْيِ بِشَيْءٍ إذْ الصَّوْمُ لَا عِوَضَ لَهُ، وَلَوْ أَطْعَمَتْ عَنْ فِدْيَةِ الْأَذَى لَرَجَعَتْ عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ النُّسُكِ أَوْ الْإِطْعَامِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَانْظُرْ لَوْ كَانَ النُّسُكُ بِالشَّاةِ أَرْفَقَ بِهَا حَتَّى نَسَكَتْ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ أَيْسَرَ وَقَدْ غَلَا النُّسُكُ وَرَخُصَ الطَّعَامُ فَقَالَ: إنَّمَا أُغْرِمَ الطَّعَامَ إذْ هُوَ الْآنَ أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الَّذِي نَسَكَتْ بِهِ انْتَهَى. اُنْظُرْ نَحْوَ هَذَا فِي الصِّيَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَرَجَعَتْ إنْ لَمْ تَصُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 بِالْأَقَلِّ مِنْ الرَّقَبَةِ وَكَيْلِ الطَّعَامِ ". وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُكْرَهَةَ عَلَى الْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ أَوْ فِي رَمَضَانَ إنْ كَفَّرَتْ عَنْ نَفْسِهَا بِالصَّوْمِ لَمْ تَرْجِعْ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَفَّرَتْ بِغَيْرِ الصَّوْمِ رَجَعَتْ بِالْأَقَلِّ (كَالْمُتَقَدِّمِ) اُنْظُرْ هَلْ هُوَ بِمَعْنًى كَالْمُتَقَدِّمِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ بَلْ الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا: " وَرَجَعَ بِالْأَقَلِّ إنْ لَمْ يَفْتَدِ بِصَوْمٍ ". (وَفَارَقَ مَنْ أَفْسَدَ مَعَهُ مِنْ إحْرَامِهِ لِتَحَلُّلِهِ) فِيهَا: وَإِذَا حَجَّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فَجَامَعَهَا فَلْيَفْتَرِقَا إذَا أَحْرَمَا بِحَجَّةِ الْقَضَاءِ وَلَا يَجْتَمِعَا حَتَّى يُحِلَّا (وَلَا يُرَاعَى زَمَنُ إحْرَامِهِ) . ابْنُ شَاسٍ: لَوْ أَحْرَمَ فِي زَمَانٍ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ. (بِخِلَافِ مِيقَاتٍ إنْ شَرَعَ وَإِنْ تَعَدَّاهُ فَدَمٌ) فِيهَا: يُحْرِمُ لِلْقَضَاءِ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 حَيْثُ أَحْرَمَ فِي الْأُولَى إلَّا أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ الْأَوَّلُ أَبْعَدَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ الثَّانِيَةَ إلَّا مِنْ الْمِيقَاتِ، فَإِنْ تَعَدَّى الْمِيقَاتَ فِي الْقَضَاءِ ثُمَّ أَحْرَمَ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ. (وَأَجْزَأَ تَمَتُّعٌ عَنْ إفْرَادٍ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ أَفْسَدَ مُفْرِدًا فَقَضَى مُتَمَتِّعًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْهَدْيَ لِإِتْيَانِهِ بِالْعُمْرَةِ حِينَئِذٍ وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ فِي الْحَجِّ (وَعَكْسُهُ) مِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ: وَمَا وَقَعَ مِنْ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي الْعَكْسِ فِي ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ. اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ أَفْسَدَ وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ فَقَضَى مُفْرِدًا غَيْرَ مُتَمَتِّعٍ أَجْزَأَهُ. (لَا قِرَانٌ عَنْ إفْرَادٍ) . ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَفْسَدَ وَهُوَ مُفْرِدٌ فَقَضَى قَارِنًا لَمْ يُجْزِهِ (أَوْ تَمَتُّعٍ وَعَكْسُهُمَا) مِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ: وَلَا يُجْزِئُ الْإِفْرَادُ وَالتَّمَتُّعُ عَنْ الْقِرَانِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: إذَا طَافَ الْقَارِنُ أَوَّلَ دُخُولِهِ مَكَّةَ وَسَعَى ثُمَّ جَامَعَ قَارِنًا قَالَ الْأَئِمَّةُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ مُفْرِدًا. وَفِي ابْنِ شَاسٍ: فَلَوْ قَضَى عَنْ الْأَوَّلِ إفْرَادًا أَوْ تَمَتُّعًا لَمْ يَجُزْ. (وَلَمْ يَنُبْ قَضَاءُ تَطَوُّعٍ عَنْ وَاجِبٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يَقْضِي قَضَاءَ التَّطَوُّعِ عَنْ الْوَاجِبِ. (وَكُرِهَ حَمْلُهَا لِلْمَحْمِلِ وَلِذَلِكَ اُتُّخِذَتْ السَّلَالِيمُ) . ابْنُ شَاسٍ: يُكْرَهُ أَنْ يَحْمِلَ امْرَأَتَهُ عَلَى الْمَحْمِلِ وَإِنَّ النَّاسَ لَيَتَّخِذُونَ سَلَالِيمَ. (وَرُؤْيَةُ ذِرَاعَيْهَا لَا شَعْرِهَا) . ابْنُ شَاسٍ: يُكْرَهُ أَنْ يَرَى ذِرَاعَيْ امْرَأَتِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرَى شَعْرَهَا (وَالْفَتْوَى فِي أَمْرِهِنَّ) . ابْنُ شَاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُفْتِيَ الْمُفْتِي فِي أُمُورِ النِّسَاءِ. (وَحَرُمَ بِهِ وَبِالْحَرَمِ) . ابْنُ شَاسٍ: النَّوْعُ السَّابِعُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إتْلَافُ الصَّيْدِ قَالَ: وَالصَّيْدُ يَحْرُمُ بِسَبَبَيْنِ بِالْإِحْرَامِ وَبِالْحَرَمِ (مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 نَحْوِ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ أَوْ خَمْسَةٌ لِلتَّنْعِيمِ وَمِنْ الْعِرَاقِ ثَمَانِيَةٌ لِلْمَقْطَعِ وَمِنْ عَرَفَةَ تِسْعَةٌ وَمِنْ جُدَّةَ عَشْرَةٌ لِآخِرِ الْحُدَيْبِيَةِ وَيَقِفُ سَيْلُ الْحِلِّ دُونَهُ) ابْنُ شَاسٍ: حَدُّ الْحَرَمِ مِمَّا يَلِي الْمَدِينَةَ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ إلَى مُنْتَهَى التَّنْعِيمِ، وَمِمَّا يَلِي الْعِرَاقَ ثَمَانِيَةُ أَمْيَالٍ إلَى مَكَان يُقَالُ لَهُ الْمَقْطَعُ، وَمِمَّا يَلِي عَرَفَةَ تِسْعَةُ أَمْيَالٍ، وَمِمَّا يَلِي جُدَّةَ عَشْرَةُ أَمْيَالٍ إلَى مُنْتَهَى الْحُدَيْبِيَةِ. قَالَ مَالِكٌ: وَالْحُدَيْبِيَةُ فِي الْحَرَمِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْحَرَمُ خَلْفُ الْمُزْدَلِفَةِ بِمِثْلِ مِيلَيْنِ وَمُزْدَلِفَةُ فِي الْحَرَمِ. وَسَمِعْت أَنَّ الْحَرَمَ يُعْرَفُ بِأَنْ لَا يَجِيءَ سَيْلٌ مِنْ الْحِلِّ فَيَدْخُلَ الْحَرَمَ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ السَّيْلُ مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ وَهُوَ يَجْرِي مِنْ الْحِلِّ فَإِذَا انْتَهَى إلَى الْحَرَمِ وَقَفَ وَلَمْ يَدْخُلْ الْحَرَمَ (تَعَرُّضُ بَرِّيٍّ) هَذَا فَاعِلُ حَرُمَ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: فَلْيُخَصِّصْ التَّحْرِيمَ بِصَيْدِ الْبَرِّ. الْقَرَافِيُّ: وَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِأَجْزَائِهِ وَبَيْضِهِ. (وَإِنْ تَأَنَّسَ أَوْ لَمْ يُؤْكَلْ) ابْنُ شَاسٍ: فَيَحْرُمُ صَيْدُ الْبَرِّ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَمَا لَمْ يُؤْكَلْ لَحْمُهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَأَنِّسًا لَهُ أَوْ وَحْشِيًّا، مَمْلُوكًا أَوْ مُبَاحًا (أَوْ طَيْرَ مَاءٍ) . التَّهْذِيبُ: إنْ أَصَابَ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ شَيْئًا فَعَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 جَزَاؤُهُ (وَجُزْؤُهُ وَبَيْضُهُ) ابْنُ شَاسٍ: وَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِأَجْزَائِهِ وَبَيْضِهِ. (وَلْيُرْسِلْهُ بِيَدِهِ أَوْ رُفْقَتِهِ) لَعَلَّهُ وَلْيُرْسِلْهُ إنْ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ رُفْقَتِهِ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: إنْ كَانَ بِيَدِهِ فَأَحْرَمَ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَزِمَهُ إرْسَالُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي رُفْقَتِهِ وَهُوَ مِلْكُهُ فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ يَدَهُ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ لَزِمَهُ جَزَاؤُهُ (وَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ: زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ (لَا بِبَيْتِهِ) . ابْنُ شَاسٍ: إثْبَاتُ الْيَدِ سَبَبُ الضَّمَانِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ فَأَحْرَمَ فَلَا يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ. (وَهَلْ وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْهُ تَأْوِيلَانِ) الْكَافِي: وَلَا يَجُوزُ لِمُحْرِمٍ شِرَاءُ صَيْدٍ وَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 مِلْكُهُ. وَفِيهَا: وَمَنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ صَيْدٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يُرْسِلُهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَسَوَاءٌ كَانَ إحْرَامُهُ مِنْ مَنْزِلِهِ أَوْ مِيقَاتِهِ بِخِلَافِ مَا تَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. (فَلَا يَسْتَجِدُّ مِلْكُهُ) فِيهَا: إنْ أَحْرَمَ وَالصَّيْدُ بِيَدِهِ فَأَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا لِأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ عَنْ الصَّيْدِ بِإِحْرَامِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَبَسَهُ مَعَهُ حَتَّى يَحِلَّ أَوْ بَعَثَهُ إلَى بَيْتِهِ بَعْدَمَا أَحْرَمَ وَهُوَ بِيَدِهِ ثُمَّ حَلَّ وَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ. الْكَافِي: وَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ شِرَاءُ صَيْدٍ وَلَا مِلْكُهُ (وَلَا يَسْتَوْدِعُهُ وَرَدَّ إنْ وَجَدَ مُودِعَهُ وَإِلَّا بَقِيَ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْبِسَهُ مَعَهُ أَوْ يَبْعَثَ بِهِ إلَى بَيْتِهِ. وَانْظُرْ لَوْ كَانَ هَذَا الْمُحْرِمُ قَدْ اسْتَوْهَبَهُ حَلَالٌ صَيْدًا. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ إحْرَامِهِ وَلَيْسَ مَعَهُ صَاحِبُهُ فِي رَحْلِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إطْلَاقُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُطْلِقُ مِلْكَهُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ إحْرَامِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ، فَإِنْ قَبِلَهُ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إطْلَاقُهُ وَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ. هَكَذَا وَقَعَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ. (وَفِي صِحَّةِ اشْتِرَائِهِ قَوْلَانِ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ ابْتَاعَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فَعَلَيْهِ إرْسَالُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَيْضًا: يَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ لَمْ يَفُتْ. (إلَّا الْفَأْرَةَ وَالْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ مُطْلَقًا) رَوَى مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ الْفَأْرَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ وَلَوْ لَمْ يُرِيدَاهُ وَصَغِيرِهَا. الْقَرَافِيُّ: وَمِثْلُ الْفَأْرَةِ ابْنُ عِرْسٍ. وَفِي التَّلْقِينِ: يَجُوزُ قَتْلُ الزُّنْبُورِ. وَفِي التَّفْرِيعِ: يُطْعِمُ إنْ قَتَلَهُ. (وَغُرَابًا وَحِدَأَةً وَفِي صَغِيرِهِمَا خِلَافٌ) فِيهَا: إنْ قَتَلَ سِبَاعَ الطَّيْرِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ إلَّا الْحِدَأَةُ وَالْغُرَابُ فَإِنَّهُ إنْ قَتَلَهُمَا وَلَمْ يَبْتَدِئَاهُ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِإِيذَائِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَا صَغِيرَيْنِ. وَفِي مَنَاسِكِهِ: وَيَقْتُلُ صِغَارَ الْغِرْبَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَفِي ابْنِ شَاسٍ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْغُرَابَ وَالْحَدَأَةَ يُقْتَلَانِ وَإِنْ لَمْ يَبْتَدِئَا بِالْأَذَى. وَرَوَى أَشْهَبُ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يُؤْذِيَ فَيُقْتَلُ إلَّا أَنَّهُ إنْ قَتَلَهُمَا مِنْ غَيْرِ أَذًى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ قَتَلَهُمَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَدَاهَمَا. وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي قَتْلِ صِغَارِهِمَا ابْتِدَاءً وَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِهِمَا. (وَعَادِيَ سَبُعٍ كَذِئْبٍ إنْ كَبُرَ) فِيهَا: لَا بَأْسَ أَنْ يَقْتُلَ الْمُحْرِمُ سِبَاعَ الْوَحْشِ الَّتِي تَعْدُو وَتَفْتَرِسُ وَإِنْ لَمْ تَبْتَدِئْهُ، وَلَا يَقْتُلُ صِغَارَ وَلَدِهَا الَّتِي لَا تَعْدُو وَلَا تَفْتَرِسُ. عَبْدُ الْوَهَّابِ: فَلَهُ عِنْدَنَا قَتْلُ الذِّئْبِ وَالْأَسَدِ وَالْفَهْدِ وَالْكَلْبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 الْعَقُورِ وَكُلِّ مَا يَعْدُو. (وَكَطَيْرٍ خِيفَ إلَّا بِقَتْلِهِ) فِيهَا: إنْ عَدَا عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ فَخَافَهَا قَتَلَهَا وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ عَدَا عَلَيْهِ رَجُلٌ يُرِيدُ قَتْلَهُ فَدَافَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَتَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. (وَوَزَغًا لِحِلٍّ بِحَرَمٍ) رَوَى مُحَمَّدٌ: لَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ وَزَغًا وَيَقْتُلُهَا الْحَلَالَ فِي الْحَرَمِ فَإِنْ قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ. (كَأَنْ عَمَّ الْجَرَادُ وَاجْتَهَدَ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: أَمَّا لَوْ عَمَّ الْجَرَادُ الْمَسَالِكَ سَقَطَ الْجَزَاءُ بِالِاجْتِهَادِ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْفَرْعَ ابْنُ عَرَفَةَ. وَفِيهَا: مَا وَقَعَ مِنْ الْجَرَادِ فِي الْحَرَمِ مَا يَصِيدُهُ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ قَالَ: وَلَا يُصَادُ الْجَرَادُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ. الْبَاجِيُّ: وَأَمَّا الْمُحْرِمُ يَطَأُ بِبَعِيرِهِ الْجَرَادَ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ لِكَثْرَتِهِ فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَالَ مَالِكٌ قَبْلَ ذَلِكَ: إذَا وَطِئَ الذُّبَابَ أَطْعَمَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الِاحْتِرَاسَ مِنْهُ (وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ) أَبُو عُمَرَ: قَالَ مَالِكٌ: فِي الْجَرَادِ قَبْضَةٌ وَفِي الْجَرَادَاتِ أَيْضًا قَبْضَةٌ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ الْجَرَادَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ وَأَنَّ الْمُحْرِمَ يَفْدِيهِ. الْبَاجِيُّ: عِنْدِي أَنَّهُ لَوْ شَاءَ الصِّيَامَ لَحَكَمَ عَلَيْهِ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَإِنَّمَا قَالُوا قَبْضَةٌ لِأَنَّهَا أَسْهَلُ مِنْ صِيَامِ يَوْمٍ فَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ التَّخْيِيرِ. وَهَذَا حُكْمُ الذُّبَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَشَرَاتِ (وَفِي الْوَاحِدَةِ حَفْنَةٌ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْجَرَادَاتِ قَبْضَةٌ وَهِيَ دُونَ الْحَفْنَةِ. فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَفِي قَمْلَةٍ أَوْ قَمَلَاتٍ حَفْنَةُ طَعَامٍ فِي مَنَاسِكِهِ مَنْ قَتَلَ قَمْلَةً أَوْ قَمَلَاتٍ أَوْ نَتَفَ شَعْرَةً أَوْ شَعَرَاتٍ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يُطْعِمُ حَفْنَةً مِنْ طَعَامٍ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: قَبْضَةٌ وَهِيَ دُونَ الْحَفْنَةِ وَكَذَلِكَ الذَّرُّ وَالذُّبَابُ (وَإِنْ فِي نَوْمٍ، كَدُودٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْبَاجِيِّ: وَكَذَا حُكْمُ الذُّبَابِ وَغَيْرِهِ. (وَالْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ وَإِنْ بِمَخْمَصَةٍ) الْكَافِي: مَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ. ابْنُ شَاسٍ: وَلَوْ أَكَلَهُ فِي مَخْمَصَةٍ ضَمِنَهُ (وَجَهْلٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْجَهْلُ وَالْعَمْدُ وَالسَّهْوُ وَالضَّرُورَةُ فِي الْفِدْيَةِ سَوَاءٌ (وَنِسْيَانٍ) . ابْنُ شَاسٍ: النَّاسِي كَالْعَامِدِ فِي الْجَزَاءِ إلَّا فِي الْإِثْمِ. قَالَ مَالِكٌ: فِي مُوَطَّئِهِ فِي الْحَلَالِ يَرْمِي فِي الْحَرَمِ شَيْئًا فَيُصِيبُ صَيْدًا لَمْ يُرِدْهُ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، وَالْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. (وَتَكَرُّرٍ) فِيهَا: مَنْ قَتَلَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ بِعَدَدِهِ كَفَّارَاتٍ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " بِخِلَافِ صَيْدٍ " (كَسَهْمٍ مَرَّ بِالْحَرَمِ) . الْبَاجِيُّ: مَنْ رَمَى مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحِلِّ إلَّا أَنَّ سَهْمَهُ يَمُرُّ عَلَى الْحَرَمِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَأْكُلُهُ وَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ. (وَكَلْبٍ تَعَيَّنَ طَرِيقُهُ) . ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ رَمَى الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ مِنْ الْحِلِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 فَمَرَّ السَّهْمُ عَلَى الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ. اللَّخْمِيِّ: وَكَذَا إرْسَالُ كَلْبِهِ ابْنُ شَاسٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ سِوَاهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (أَوْ قَصَّرَ فِي رَبْطِهِ) اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَتَعْرِيضُهُ لِلتَّلَفِ ". (أَوْ أَرْسَلَ بِقُرْبِهِ فَقَتَلَ خَارِجَهُ) إنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ فِي الْحِلِّ عَلَى الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ فَأَدْخَلَهُ الْكَلْبُ فِي الْحَرَمِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ فَقَتَلَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 فِي الْحِلِّ لَمْ يُؤْكَلْ وَبِغَيْرِهِ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ قُرْبُ الْحِلِّ وَبُعْدُهُ. اُنْظُرْ جَامِعَ الْفِدْيَةِ مِنْ الْمُنْتَقَى. (وَطَرْدِهِ مِنْ حَرَمٍ) فِيهَا: مَنْ طَرَدَ صَيْدًا فَأَخْرَجَهُ مِنْ الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ ابْنُ يُونُسَ: هَذَا إنْ كَانَ الصَّيْدُ لَا يَنْجُو بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ عُرْضَةٌ لِلْقَتْلِ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ خَلِيلٍ. (وَرَمْيٍ مِنْهُ أَوْ لَهُ) فِيهَا. وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فِي الْحَرَمِ مِنْ الْحِلِّ أَوْ فِي الْحِلِّ مِنْ الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ. (وَتَعْرِيضِهِ لِلتَّلَفِ) . ابْنُ شَاسٍ: مِنْ مُوجِبَاتِ الْجَزَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 التَّسَبُّبُ كَنَصْبِ شَبَكَةٍ أَوْ إرْسَالِ كَلْبٍ أَوْ انْحِلَالِ رِبَاطِهِ بِنَوْعِ تَقْصِيرٍ فِي رَبْطِهِ وَتَنْفِيرِ صَيْدٍ حَتَّى بَعْدَ وَقَبْلَ سُكُونِ نِفَارِهِ. كُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ الضَّمَانَ إذَا أَفْضَى إلَى التَّلَفِ (وَجَرْحِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ سَلَامَتُهُ) الْكَافِي: لَوْ قَطَعَ شَيْئًا مِنْ أَعْضَاءِ الصَّيْدِ وَسَلِمَتْ نَفْسُهُ وَلَحِقَ بِالصَّيْدِ فَقَوْلُ مَالِكٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَدْ قِيلَ عَلَيْهِ مِنْ الْجَزَاءِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَهُ، وَلَوْ ذَهَبَ فَلَمْ يَدْرِ مَا فَعَلَ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَهُ مَخُوفًا عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ أَيْضًا جَزَاءً كَامِلًا (وَلَوْ بِنَقْصٍ) أَشَارَ بِ " لَوْ " لِنَقْلِ الْكَافِي وَقَدْ قِيلَ عَلَيْهِ مِنْ الْجَزَاءِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَهُ. (وَكَرَّرَ إنْ أَخْرَجَ لِشَكٍّ ثُمَّ تُحَقِّقَ مَوْتُهُ) . ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ رَمَى صَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَتَحَامَلَ الصَّيْدُ حَتَّى غَابَ عَنْهُ فَإِنْ أَصَابَهُ بِمَا يَفُوتُ بِمِثْلِهِ فَلْيُؤَدِّهِ، فَإِنْ أَدَّاهُ ثُمَّ وَجَدَهُ لَمْ يَعْطَبْ ثُمَّ عَطِبَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلْيُؤَدِّهِ ثَانِيَةً لِأَنَّ الْجَزَاءَ الْأَوَّلَ قَدْ كَانَ قَبْلَ وَجِيبَتِهِ. قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. (كَكُلٍّ مِنْ الْمُشْتَرِكِينَ) وَإِذَا اجْتَمَعَ مُحْرِمُونَ عَلَى قَتْلِ صَيْدٍ أَوْ اجْتَمَعَ مُحِلُّونَ عَلَى قَتْلِ صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ أَوْ مُحِلٌّ وَحَرَامٌ قَتَلَا صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ كَامِلًا. (وَبِإِرْسَالٍ لِسَبُعٍ) فِيهَا: إنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى ذِئْبٍ فِي الْحَرَمِ فَأَخَذَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ. (أَوْ نَصْبِ شَرَكٍ لَهُ) فِيهَا: إنْ نَصَبَ الْمُحْرِمُ شَرَكًا لِلذِّئْبِ أَوْ السِّبَاعِ خَوْفًا عَلَى غَنَمِهِ وَدَوَابِّهِ وَنَفْسِهِ فَوَقَعَ فِيهِ صَيْدٌ أَوْ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِقَوْلِ مَالِكٍ: مَنْ حَفَرَ فِي دَارِهِ بِئْرًا لِسَارِقٍ فَوَقَعَ فِيهِ السَّارِقُ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ. (وَبِقَتْلِ غُلَامٍ أُمِرَ بِإِفْلَاتِهِ فَظَنَّ الْقَتْلَ وَهَلْ إنْ تَسَبَّبَ السَّيِّدُ فِيهِ أَوْ لَا تَأْوِيلَانِ) فِيهَا: إذَا أَمَرَ الْمُحْرِمُ عَبْدَهُ أَنْ يُرْسِلَ صَيْدًا كَانَ مَعَهُ فَظَنَّ الْعَبْدُ أَنَّهُ أُمِرَ بِذَبْحِهِ فَعَلَى السَّيِّدِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 الْجَزَاءُ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُحْرِمًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ أَيْضًا وَلَا يَنْفَعُهُ خَطَؤُهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْخَطَأَ وَالْعَمْدَ عِنْدَنَا سَوَاءٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: حَمَلَ ابْنُ مُحْرِزٍ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالَ: لِأَنَّ فِعْلَهُ كَفِعْلِ سَيِّدِهِ بِآلَةٍ. قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْكَاتِبِ لِأَنَّ سَيِّدَهُ سَبَّبَ لَهُ فِي أَخْذِهِ فَلَوْ صَادَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى السَّيِّدِ شَيْءٌ خِلَافَ ظَاهِرِ قَوْلِ مَالِكٍ. (وَبِتَسَبُّبٍ وَلَوْ اتَّفَقَ كَفَزَعِهِ فَمَاتَ وَالْأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ كَخِلَافِهِ كَفُسْطَاطِهِ وَبِئْرِ الْمَاءِ) فِيهَا: إذَا رَأَى الصَّيْدُ مُحْرِمًا فَفَزِعَ مِنْهُ فَحُصِرَ فَمَاتَ فِي حَصْرِهِ فَعَلَى الْمُحْرِمِ جَزَاؤُهُ لِأَنَّهُ نَفَرَ مِنْ رُؤْيَتِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ أَشْهَبُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَهُوَ الصَّوَابُ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا أَصْوَبُ لِأَنَّ ذَلِكَ فِعْلُ الصَّيْدِ بِنَفْسِهِ أَصْلُهُ إذَا تَعَلَّقَ بِأَطْنَابِ فُسْطَاطِهِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ ضَرَبَ فُسْطَاطًا فَتَعَلَّقَ بِأَطْنَابِهِ صَيْدٌ فَعَطِبَ أَوْ حَفَرَ بِئْرَ الْمَاءِ فَعَطِبَ فِيهِ صَيْدٌ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ فِعْلُ الصَّيْدِ فِي نَفْسِهِ. (وَدَلَالَةِ مُحْرِمٍ أَوْ حِلٍّ) التَّهْذِيبُ: إذَا دَلَّ الْمُحْرِمُ عَلَى صَيْدٍ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا فَقَتَلَهُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ فَلْيَسْتَغْفِرْ الدَّالُّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَرَمْيُهُ عَلَى فَرْعٍ أَصْلُهُ بِالْحَرَمِ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَا عَلَى غُصْنٍ بِالْحِلِّ أَصْلُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 بِالْحَرَمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: مَعَهَا. لِابْنِ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ وَنُوقِضَ بِقَوْلِهَا يَمْسَحُ مَا طَالَ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْمَسْحِ الشَّعْرُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ نَابِتًا لِرَأْسٍ، وَمُتَعَلِّقُ الصَّيْدِ الْحَيَوَانُ مِنْ حَيْثُ مَحَلُّهُ وَمَحَلُّهُ الْحِلُّ لِأَنَّهُ مَحَلُّ مَحَلِّهِ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْعَكْسِ يَقْطَعُ وَلَا يُصَادُ مَا عَلَيْهِ. (أَوْ بِحِلٍّ وَتَحَامُلٍ فَمَاتَ فِيهِ إنْ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ وَكَذَا إنْ لَمْ يُنْفِذْ عَلَى الْمُخْتَارِ) اللَّخْمِيِّ: مَنْ رَمَى صَيْدًا مِنْ الْحِلِّ وَالصَّيْدُ فِي الْحِلِّ ثُمَّ تَحَامَلَ فَمَاتَ فِي الْحَرَمِ، فَإِنْ كَانَ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ فِي الْحِلِّ أَكَلَ، وَاخْتُلِفَ إذَا لَمْ يُنْفِذْ مُقَاتِلَهُ فَقَالَ أَشْهَبُ: يُؤْكَلُ. وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يُؤْكَلُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَقَوْلُ أَشْهَبَ أَبْيَنُ. (أَوْ أَمْسَكَهُ لِيُرْسِلَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 إنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ) التَّهْذِيبُ: إذَا أَمْسَكَ مُحْرِمٌ صَيْدًا لِغَيْرِ الْقَتْلِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُرْسِلَهُ فَقَتَلَهُ حَرَامٌ فَعَلَى الْقَاتِلِ جَزَاؤُهُ، وَإِنْ قَتَلَهُ حَلَالٌ فَعَلَى الْمَاسِكِ جَزَاؤُهُ لِأَنَّ قَتْلَهُ مِنْ سَبَبِهِ (وَغَرِمَ الْحِلُّ لَهُ الْأَقَلَّ) . ابْنُ يُونُسَ: وَيَغْرَمُ الْحِلُّ لِلْمَاسِكِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الصَّيْدِ أَوْ الْجَزَاءِ. (وَلِلْقَتْلِ شَرِيكَانِ) فِيهَا: لَوْ أَمْسَكَهُ الْمُحْرِمُ لِلْقَتْلِ فَقَتَلَهُ مُحْرِمٌ فَعَلَيْهِمَا جَزَاءَانِ، وَإِنْ قَتَلَهُ حَلَالٌ فَعَلَى الْمُحْرِمِ جَزَاؤُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَلَالِ. (وَمَا صَادَهُ مُحْرِمٌ أَوْ صِيدَ لَهُ مَيْتَةٌ) فِيهَا: مَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ بِيَدِهِ أَوْ صَادَهُ بِكَلْبِهِ فَأَدَّى جَزَاءَهُ فَلَا يَأْكُلُهُ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ، وَمَا ذُبِحَ مِنْ مُحْرِمٍ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَوَلِيَ ذَبْحَهُ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ فَلَا يَأْكُلُهُ مُحْرِمٌ وَلَا حَلَالٌ. (كَبَيْضِهِ) فِيهَا: وَإِذَا شَوَى الْمُحْرِمُ بَيْضَ النَّعَامِ لَمْ يَصْلُحْ أَكْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ (وَفِيهِ الْجَزَاءُ إنْ عَلِمَ وَأَكَلَ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ: إنْ أَكَلَ مِنْهُ مَنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ وَهُوَ بِذَلِكَ عَالِمٌ وَدَاهُ. قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَإِنْ لَمْ يُصَدْ مِنْ أَجْلِهِ وَأَكَلَ مِنْهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَلَكِنْ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ. (لَا فِي أَكْلِهَا) ابْنُ شَاسٍ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْمُحْرِمِ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ صَادَهُ حَلَالٌ لِنَفْسِهِ أَوْ لِحَلَالٍ، وَمَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ فَكَالْمَيْتَةِ لَا يَأْكُلُهُ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ وَلَوْ، وَدَاهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْ لَحْمِهِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِمَا أَكَلَ كَأَكْلِهِ الْمَيْتَةَ. وَفِيهَا: مَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ فَأَدَّى جَزَاءَهُ فَلَا يَأْكُلُهُ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ آخَرُ لِأَنَّهُ لَحْمُ مَيْتَةٍ وَمَا لَا يَحِلُّ. (وَجَازَ مَصِيدُ حِلٍّ لِحِلٍّ وَإِنْ سَيُحْرِمُ) رَوَى أَشْهَبُ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْمُحْرِمِ مِنْ صَيْدٍ ذُبِحَ لِلْمُحْرِمِينَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمُوا أَوْ صِيدَ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 أَجْلِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمُوا لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ أَوْ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمْ. قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ لِلْمُحْرِمِ وَإِنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ. (وَذَبْحُهُ بِحَرَمٍ مَا صَادَ بِحِلٍّ) فِيهَا: مَا دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ حَمَامِ الْإِنْسِيِّ أَوْ الْوَحْشِيِّ. ابْنُ يُونُسَ: مِمَّا قَدْ صِيدَ فِي الْحِلِّ فَجَائِزٌ لِلْحَلَالِ أَنْ يَذْبَحَهُ فِيهَا كَمَا يَجُوزُ لِلْحَلَالِ أَنْ يَذْبَحَ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ إذَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ الْحِلِّ. (وَلَيْسَ الْإِوَزُّ وَالدَّجَاجُ بِصَيْدٍ بِخِلَافِ الْحَمَامِ) فِيهَا: كَرِهَ مَالِكٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 ذَبْحَ الْمُحْرِمِ الْحَمَامَ وَلَوْ إنْسِيًّا لَا يَطِيرُ لِأَنَّ أَصْلَهُ يَطِيرُ إلَّا الْإِوَزَّ وَالدَّجَاجَ لِأَنَّ أَصْلَهُمَا لَا يَطِيرُ. التُّونِسِيُّ: وَأَمَّا النَّعَمُ إنْ كَانَ لَا يَطِيرُ فَإِنَّهُ وَحْشٌ لَا يَصِيدُهُ الْمُحْرِمُ، وَأَمَّا الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ فَجَائِزٌ أَنْ يَذْبَحَ ذَلِكَ الْمُحْرِمُ وَيَأْكُلَهُ إلَّا بَقَرَ الْوَحْشِ فَإِنَّهُ صَيْدٌ. (وَحَرُمَ بِهِ قَطْعُ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ إلَّا الْإِذْخِرَ وَالسَّنَا) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: وَلَا يَقْطَعُ أَحَدٌ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ شَيْئًا يَبِسَ أَوْ لَمْ يَيْبَسْ مِنْ حَرَمِ مَكَّةَ أَوْ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَإِنْ فَعَلَ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا جَزَاءَ وَفِيهَا، وَلَا بَأْسَ بِقَطْعِ مَا أَنْبَتَهُ النَّاسُ فِي الْحَرَمِ مِنْ الشَّجَرِ مِثْلِ النَّخْلِ وَالرُّمَّانِ وَالْفَاكِهَةِ كُلِّهَا وَالْبَقْلِ كُلِّهِ وَالْكُرَّاثِ وَالْخَسِّ وَالسَّلْقِ وَشِبْهِهِ وَالْقِثَّاءِ وَالْإِذْخِرِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ مَا أَنْبَتَهُ النَّاسُ إنْسِيًّا مِثْلَ أَنِيسِي الْحَيَوَانِ. ابْنُ شَاسٍ: يُسْتَثْنَى مِمَّا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ الْإِذْخِرُ لِحَاجَةٍ وَكَذَا السَّنَا. (كَمَا يَسْتَنْبِتُ) مِنْ الذَّخِيرَةِ: وَأَصْلُهُ لِلْبَاجِيِّ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إذَا نَبَتَ فِي الْحَرَمِ مَا شَأْنُهُ أَنْ يَسْتَنْبِتَ أَوْ اسْتَنْبَتَ فِيهِ مَا عَادَتُهُ أَنْ يَنْبُتَ بِنَفْسِهِ فَالِاعْتِبَارُ بِالْجِنْسِ لَا بِالْحَالَةِ الظَّاهِرَةِ (وَإِنْ لَمْ يُعَالَجْ وَلَا جَزَاءَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ: فَإِنْ فَعَلَ اسْتَغْفَرَ وَلَا جَزَاءَ (كَصَيْدِ الْمَدِينَةِ) . اللَّخْمِيِّ: الِاصْطِيَادُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ حَرَامٌ فَإِنْ صَادَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا جَزَاءَ فِيهِ، وَالْأَقْيَسُ أَنَّ فِيهِ الْجَزَاءَ وَلَا يُؤْكَلُ (بَيْنَ الْحِرَارِ وَشَجَرِهَا بَرِيدًا فِي بَرِيدٍ) فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ إبْرَاهِيمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي أُحَرِّمُ الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتِهَا يَعْنِي لَابَتَيْهَا» الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ حُرِّيَّتَهَا وَاللَّابَةُ الْحَرَّةُ وَهَاتَانِ الْحَرَّتَانِ إحْدَاهُمَا حَيْثُ يَنْزِلُ الْحَاجُّ وَالْأُخْرَى تُقَابِلُهَا شَرْقِيَّ الْمَدِينَةِ. قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: وَحَرَّتَانِ أُخْرَيَانِ أَيْضًا مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ وَالْجَوْفِ. قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: فَمَا بَيْنَ هَذِهِ الْحِرَارِ فِي الدُّورِ كُلِّهِ يَحْرُمُ أَنْ يُصَابَ فِيهِ صَيْدٌ وَحَرُمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 قَطْعُ الشَّجَرِ مِنْهَا عَلَى بَرِيدٍ مِنْ كُلِّ شِقٍّ حَوْلَهَا كُلِّهَا. (وَالْجَزَاءُ بِحُكْمِ عَدْلَيْنِ فَقِيهَيْنِ بِذَلِكَ) . ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ الْجَزَاءِ فِي الْمِثْلِ وَالْإِطْعَامِ كَوْنُهُ بِحَكَمَيْنِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيَجُوزُ كَوْنُهُمَا دُونَ إذْنِ الْإِمَامِ. مَالِكٌ: الْحَكَمَانِ فِي الْجَزَاءِ يَكُونَانِ عَدْلَيْنِ فَقِيهَيْنِ. اللَّخْمِيِّ: فَقِيهَيْنِ بِمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ (مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ) ابْنُ عَرَفَةَ: جَزَاءُ الصَّيْدِ مُخَيَّرٌ فِيهِ مِثْلُهُ وَنَصُّهَا نَظِيرُهُ مِنْ النَّعَمِ. أَبُو عُمَرَ: نَظِيرُهُ فِي الْمَنْظَرِ وَالْبَدَنِ. (أَوْ إطْعَامٌ بِقِيمَةِ الصَّيْدِ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظِيرٌ مِنْ النَّعَمِ وَأَحَبَّ أَنْ يُخْرِجَ الْإِطْعَامَ أَخْرَجَ قِيمَتَهُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ فِيهِ وَيُقَوَّمُ الطَّعَامُ مِنْ عَيْشِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَإِنْ قُوِّمَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ طَعَامًا أَجْزَأَهُ (يَوْمَ التَّلَفِ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: يُقَوَّمُ بِالطَّعَامِ عَلَى حَالِهِ حِينَ الْإِصَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى فَرَاهَةٍ وَجَمَالٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 وَتَعْلِيمٍ لَا صِغَرٍ وَلَا عَيْبٍ. قَالَ: وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّقْوِيمِ مَحَلُّ الْإِتْلَافِ وَإِلَّا فَالْأَقْرَبُ إلَيْهِ وَفِي مَكَانِهِ ثَلَاثَةٌ حَيْثُ يُقَوَّمُ اُنْظُرْهَا فِيهِ (بِمَحَلِّهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: أَخْرَجَ قِيمَتَهُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ فِيهِ (وَإِلَّا فَيُقَرِّبُهُ) اللَّخْمِيِّ: مَوْضِعُ الْقَضَاءِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَخْتَلِفُ، فَمَوْضِعُ النَّظِيرِ مِنْ النَّعَمِ مَكَّةُ، وَمَوْضِعُ الْإِطْعَامِ حَيْثُ أَصَابَ الصَّيْدُ وَمَا يُقَارِبُهُ وَالصَّوْمُ بِحَيْثُ أَحَبَّ مِنْ الْبِلَادِ. (وَلَا يُجْزِئُ بِغَيْرِهِ) . اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا أَخْرَجَ الطَّعَامَ بِغَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَ الصَّيْدَ فِيهِ فَمَنَعَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ: يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَيُطْعِمُ بِمِصْرَ. (وَلَا زَائِدٌ عَلَى مُدٍّ لِمِسْكِينٍ) . ابْنُ يُونُسَ: وَيُقَوَّمُ الصَّيْدُ بِالْحِنْطَةِ فَإِنْ قُوِّمَ تَمْرًا أَوْ شَعِيرًا أَجْزَأَ إذَا كَانَ طَعَامَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَيَتَصَدَّقُ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ مِنْ ذَلِكَ مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ الْحِنْطَةِ، وَلَا يُطْعِمُ بِمُدِّ هِشَامٍ إلَّا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَحْدَهَا إلَّا أَنْ يُسَاوِيَ سِعْرَهُ فَتَأْوِيلَانِ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ يُفَرِّقُهُ بِمَوْضِعِ إصَابَتِهِ أَوْ أَقْرَبِ مَحَلٍّ بِهِ، وَفِي إجْزَاءِ إخْرَاجِهِ بِغَيْرِهِ رَابِعُهَا إنْ اتَّفَقَ سِعْرَاهُمَا وَخَامِسُهَا اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ (أَوْ لِكُلِّ مُدٍّ صَوْمُ يَوْمٍ وَكَمَّلَ لِكَسْرِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: جَزَاءُ الصَّيْدِ مُخَيَّرٌ فِيهِ مِثْلُهُ أَوْ طَعَامٌ أَوْ صِيَامٌ ثُمَّ قَالَ: وَالصِّيَامُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 عَدْلُ الطَّعَامِ لِكُلِّ مُدٍّ أَوْ كَسْرِهِ يَوْمٌ. (فَالنَّعَامَةُ بَدَنَةٌ) التَّلْقِينُ: فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ. (وَالْفِيلُ بِذَاتِ سَنَامَيْنِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِي جَزَاءِ الْفِيلِ بِمُطْلَقِ بَدَنَةٍ أَوْ بِقَيْدِ عِظَمِهَا عَرَابِيَّةً ذَاتَ سَنَامَيْنِ خَامِسُهَا قِيمَةُ شِبَعِ لَحْمِهِ. قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: لَا رِوَايَةَ فِيهِ. (وَحِمَارُ الْوَحْشِ وَبَقَرُهُ بَقَرَةٌ) . ابْنُ شَاسٍ: فِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَكَذَلِكَ فِي بَقَرِ الْوَحْشِ وَالْإِبِلِ. (وَالضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ شَاةٌ) . الْجَلَّابُ: فِي الظَّبْيِ شَاةٌ. الْبَاجِيُّ: وَالضَّبُعُ كَالظَّبْيِ. ابْنُ شَاسٍ: فِي كَوْنِ جَزَاءِ الثَّعْلَبِ شَاةً أَوْ طَعَامًا قَوْلَانِ. (كَحَمَامِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ) . ابْنُ شَاسٍ: فِي حَمَامِ مَكَّةَ شَاةٌ وَلَا يُفْتَقَرُ فِي إخْرَاجِهَا إلَى حَكَمَيْنِ، وَيُلْحَقُ حَمَامُ الْحَرَمِ بِحَمَامِ مَكَّةَ عِنْدَ مَالِكٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ (وَيَمَامُهُ) فِيهَا: الْيَمَامُ كَالْحَمَامِ (بِلَا حَكَمٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ: اُنْظُرْ إنْ لَمْ يَجِدْ شَاةً. رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ: يَصُومُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ لَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ وَلَا تَخْيِيرٌ. اللَّخْمِيِّ: وَعَلَيْهِ لَا يَفْتَقِرُ لِحَكَمَيْنِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: إنْ شَاءَ شَاةً أَوْ قَدْرَ شِبَعِهَا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَوْمِ يَوْمٍ لِكُلِّ مُدٍّ. (وَلِلْحِلِّ وَضَبٍّ وَأَرْنَبٍ وَيَرْبُوعٍ وَجَمِيعِ الْقِيمَةِ طَعَامًا) . ابْنُ شَاسٍ: حَمَامُ الْحِلِّ يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ كَسَائِرِ الطَّيْرِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي الضَّبِّ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ شَاةٌ، وَابْنُ الْقَاسِمِ قِيمَتُهُ طَعَامًا أَوْ صِيَامٌ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْأَرْنَبِ وَالْيَرْبُوعِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الظَّبْيِ إلَّا إطْعَامٌ أَوْ صِيَامٌ. (وَالصَّغِيرُ وَالْجَمِيلُ وَالْمَرِيضُ كَغَيْرِهِ) فِيهَا: يَحْكُمُ فِي صَغِيرِ كُلِّ صَيْدٍ كَكَبِيرِهِ كَمُسَاوَاةِ صَغِيرِ الْحُرِّ لِكَبِيرِهِ فِي الدِّيَةِ. الْبَاجِيُّ: وَالْمَعِيبُ كَسَلِيمٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 ابْنُ عَرَفَةَ: وَاضِحٌ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ. الْقَرَافِيُّ: وَالْفَرَاهَةُ وَالْجَمَالُ لَا تُعْتَبَرُ فِي تَقْوِيمِ الصَّيْدِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ كَانَ لِلْأَكْلِ وَإِنَّمَا يُؤْكَلُ اللَّحْمُ. (وَقُوِّمَ لِرَبِّهِ بِذَلِكَ مَعَهَا) فِيهَا: وَإِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ بَازًا مُعَلَّمًا فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ غَيْرَ مُعَلَّمٍ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِرَبِّهِ مُعَلَّمًا فَلَعَلَّهُ وَالصَّغِيرُ وَالْجَمِيلُ وَالْمَرِيضُ كَغَيْرِهِ. (وَاجْتَهَدَ وَإِنْ رُوِيَ فِيهِ) رَوَى مُحَمَّدٌ: فِي الْحَكَمَيْنِ لِيَحْكُمَا فِي كَبِيرِ الصَّيْدِ وَصَغِيرِهِ الْجَرَادُ لِمَا فَوْقَهُ فَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَهَا أَعَادَ بِهِمَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَكْتَفِيَانِ بِمَا رُوِيَ وَلِيَبْتَدِئَا الِاجْتِهَادَ وَلَا يَخْرُجَانِ فِيهِ عَلَى أَثَرِ مَنْ مَضَى. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجْتَزِئُ فِي حَمَامِ مَكَّةَ وَحِمَارِ الْوَحْشِ وَالظَّبْيِ وَالنَّعَامَةِ بِحُكُومَةِ مَنْ مَضَى وَلَا بُدَّ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْحُكُومَةِ. (وَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ) فِيهَا: الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَنْ يَحْكُمَا عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ مِنْ النَّعَمِ أَوْ بِالصِّيَامِ أَوْ بِالطَّعَامِ، فَإِنْ أَمَرَهُمَا أَنْ يَحْكُمَا عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ مِنْ النَّعَمِ فَحَكَمَا بِهِ فَأَصَابَا فَأَرَادَ بَعْدَ حُكْمِهِمَا أَنْ يَرْجِعَ إلَى الطَّعَامِ أَوْ الصِّيَامِ فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِهِ هُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا فَذَلِكَ لَهُ (إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي صِحَّةِ انْتِقَالِهِ عَمَّا حَكَمَا بِهِ بِإِذْنِهِ طُرُقٌ وَانْظُرْهُ فِيهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا ابْتَدَأَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 فِيهَا: وَإِنْ حَكَمَا فَاخْتَلَفَا ابْتَدَأَ الْحُكْمَ فِيهِ غَيْرُهُمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ (وَالْأَوْلَى كَوْنُهُمَا بِمَجْلِسٍ) مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إلَيْنَا كَوْنُهُمَا بِمَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِنْ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ (وَنُقِضَ إنْ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ) فِيهَا: إنْ أَخْطَأَ خَطَأً بَيِّنًا فَحَكَمَا بِشَاةٍ فِيمَا فِيهِ بَدَنَةٌ انْتَقَضَ حُكْمُهُمَا وَيُؤْتَنَفُ الْحُكْمُ فِيهِ. (وَفِي الْجَنِينِ وَالْبَيْضِ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ وَلَوْ تَحَرَّكَ وَدِيَتُهَا إنْ اسْتَهَلَّ) هَكَذَا هِيَ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَنُصُوصُ الْمَذْهَبِ أَنَّ جَزَاءَ الْجَنِينِ عُشْرُ جَزَاءِ أُمِّهِ. وَفِيهَا: عَلَى الْمُحْرِمِ فِي كَسْرِ الْبَيْضِ الْوَحْشِ أَوْ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ عُشْرُ ثَمَنِ أُمِّهِ وَلَوْ كَانَ بِهِ فَرْخٌ إلَّا أَنْ يَسْتَهِلَّ بَعْدَ كَسْرِهِ فَكَكَبِيرِهِ. [لَوَاحِق الْحَجّ] [أَنْوَاع الدِّمَاء] (وَغَيْرُ الْفِدْيَةِ وَالصَّيْدِ مُرَتَّبٌ هَدْيٌ) . ابْنُ عَرَفَةَ: جَزَاءُ الصَّيْدِ مُخَيَّرٌ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: أَوْ فِدْيَةُ الْأَذَى عَلَى التَّخْيِيرِ. ابْنُ شَاسٍ: وَهُوَ مَا وَجَبَ فِي إلْقَاءِ التَّفَثِ وَطَلَبِ الرَّأْفَةِ. ابْنُ شَاسٍ: مِنْ النَّوْعِ الثَّالِثِ مَا خَرَجَ عَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ وَهَذَا النَّوْعُ يَلْزَمُ إخْرَاجُهُ وَلَا يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَالْفَوَاتِ وَالْفَسَادِ وَتَرْكِ الرَّمْيِ وَتَعَدِّي الْمِيقَاتِ وَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَمَنْ نَذَرَ مَشْيًا فَعَجَزَ عَنْهُ، وَهَذَا النَّوْعُ يَنْتَقِلُ الْعَاجِزُ عَنْهُ إلَى الصِّيَامِ وَلَا إطْعَامَ فِيهِ، وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ شَاةُ هَدْيٍ. ابْنُ الْحَاجِبِ: دِمَاءُ الْحَجِّ هَدْيٌ وَنُسُكٌ. فَالْهَدْيُ جَزَاءُ الصَّيْدِ وَمَا وَجَبَ لِنَقْصٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. (وَنُدِبَ إبِلٌ فَبَقَرٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِبِلُ أَفْضَلُ دَمٍ ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الْغَنَمُ. (ثُمَّ صِيَامُ ثَلَاثَةٍ مِنْ إحْرَامِهِ وَصِيَامُ أَيَّامِ مِنًى بِنَقْصٍ لِحَجٍّ إنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْوُقُوفِ وَسَبْعَةٌ إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى) رَوَى مُحَمَّدٌ: مَنْ لَزِمَهُ هَدْيٌ فَلَمْ يَجِدْهُ وَلَا ثَمَنَهُ وَلَا مَنْ يُسَلِّفُهُ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى. مِنْ الذَّخِيرَةِ: إنَّمَا يَصُومُ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ الْمُتَمَتِّعُ وَالْقَارِنُ وَمُتَعَدِّي الْمِيقَاتِ وَمُفْسِدُ الْحَجِّ وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَأَمَّا مَنْ لَزِمَهُ ذَلِكَ لِتَرْكِ جَمْرَةٍ أَوْ النُّزُولِ بِمُزْدَلِفَةَ فَيَصُومُ مَتَى شَاءَ لِأَنَّهُ يَقْضِي فِي غَيْرِ حَجٍّ فَيَصُومُ فِي غَيْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 حَجٍّ. (وَلَمْ تُجْزِ إنْ قُدِّمَتْ عَلَى وُقُوفِهِ) . اللَّخْمِيِّ: الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ عَجَّلَ صَوْمَ السَّبْعَةِ قَبْلَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ وَأَرَى أَنْ يُجْزِئَهُ (كَصَوْمٍ أَيْسَرَ قَبْلَهُ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: إذَا لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَإِنْ لَمْ يَصُمْهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ أَفْطَرَ يَوْمَ النَّحْرِ وَصَامَ الثَّلَاثَةَ وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَلَهُ بِهِ مَالٌ فَلْيَبْعَثْ بِهَدْيٍ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصِّيَامَ لِيُهْدِيَ مِنْ بَلَدِهِ (أَوْ وَجَدَ مُسَلِّفًا لِمَالٍ بِبَلَدِهِ) فِيهَا: مَنْ وَجَدَ مُسَلِّفًا فَلَا يَصُومُ وَلْيَتَسَلَّفْ إنْ كَانَ مُوسِرًا بِبَلَدِهِ. (وَنُدِبَ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ) . اللَّخْمِيِّ: اسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِمَنْ وَجَدَ الْهَدْيَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ صِيَامَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الْهَدْيِ. (وَوُقُوفُهُ بِهِ الْمَوَاقِفَ) مِنْ الذَّخِيرَةِ: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوقِفَ الْهَدْيُ الْمَوَاقِفَ التَّابِعَةَ لِعَرَفَاتٍ فَإِنْ أَرْسَلَهُ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَمْ يَكُنْ مَحَلُّهُ مِنًى لِعَدَمِ الْوُقُوفِ بِاللَّيْلِ وَإِذَا فَاتَ ذَلِكَ فَمَحَلُّهُ مَكَّةُ. (وَالنَّحْرُ بِمِنًى إنْ كَانَ فِي حَجٍّ وَوَقَفَ بِهِ هُوَ) . اللَّخْمِيِّ: لَا يَنْحَرُ بِمِنًى عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا مَا وَقَفَ بِهِ بِعَرَفَةَ وَإِنْ وَقَفَ بِهِ ثُمَّ نَحَرَهُ بِمَكَّةَ فِي أَيَّامِ مِنًى لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 كَانَ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَتْ أَيَّامُ مِنًى أَجْزَاهُ. (أَوْ نَائِبُهُ) مِنْ الذَّخِيرَةِ: لَا يَجُوزُ إيقَافُ غَيْرِ رَبِّهِ كَالْبَالِغِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا عَبْدُك أَوْ ابْنُك فَيُجْزِي لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَفِيهَا: مَنْ قَلَّدَ هَدْيَهُ وَأَشْعَرَهُ ثُمَّ ضَلَّ فَأَصَابَهُ رَجُلٌ فَأَوْقَفَهُ بِعَرَفَةَ ثُمَّ وَجَدَهُ رَبُّهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ التَّوْقِيفُ. ابْنُ يُونُسَ: مَعْنَاهُ وَإِنْ أَوْقَفَهُ الْأَجْنَبِيُّ عَنْ نَفْسِهِ. (كَهُوَ بِأَيَّامِهَا) اللَّخْمِيِّ: النَّحْرُ وَالذَّبْحُ بِمِنًى يَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 وَيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ. فَإِنْ ذَهَبَتْ لَمْ يَكُنْ مَنْحَرًا وَلَا مَذْبَحًا إلَّا لِمِثْلِهِ مِنْ قَابِلٍ. (وَإِلَّا فَمَكَّةُ) . اللَّخْمِيِّ: أَمَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 مَكَّةُ فَكُلُّ أَيَّامِ السَّنَةِ مَنْحَرٌ وَمَذْبَحٌ فَمَنْ فَاتَهُ نَحْرٌ بِمِنًى فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ نَحَرَهُ بِمَكَّةَ. (وَأَجْزَأَ إنْ أَخْرَجَ لِحِلٍّ) مِنْ الذَّخِيرَةِ: مِنْ أَحْكَامِ الْهَدْيِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فَإِذَا اشْتَرَى فِي الْحَرَمِ أَخْرَجَ إلَى الْحِلِّ أَوْ اشْتَرَى مِنْ الْحِلِّ أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ. (كَأَنْ وَقَفَ بِهِ فَضَلَّ مُقَلَّدًا أَوْ نُحِرَ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: مَنْ قَلَّدَ هَدْيَهُ ثُمَّ ضَلَّ فَأَوْقَفَهُ مَنْ وَجَدَهُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ التَّوْقِيفُ. وَفِيهَا أَيْضًا: مَنْ أَوْقَفَ هَدْيَهُ بِعَرَفَةَ ثُمَّ ضَلَّ مِنْهُ فَوَجَدَهُ رَجُلٌ فَنَحَرَهُ بِمِنًى لِأَنَّهُ رَآهُ هَدْيًا فَوَجَدَهُ رَبُّهُ مَنْحُورًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ وَجَبَ هَدْيًا. (وَفِي الْعُمْرَةِ بِمَكَّةَ بَعْدَ سَعْيِهَا ثُمَّ حَلَقَ) فِيهَا: وَمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَسَاقَ مَعَهُ هَدْيًا فَطَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى فَلْيَنْحَرْ إذَا أَتَمَّ سَعْيَهُ ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ وَيُحِلُّ وَلَا يُؤَخِّرُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ. وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ: لَا يُجْزِئُ نَحْرُ هَدْيٍ فِي عُمْرَةٍ إلَّا بِبُيُوتِ مَكَّةَ. (وَإِنْ أَرْدَفَ لِخَوْفِ فَوَاتٍ أَوْ لِحَيْضٍ أَجْزَأَ التَّطَوُّعُ لِقِرَانِهِ) فِيهَا: قَالَ مَالِكٌ فِي امْرَأَةٍ دَخَلَتْ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ وَمَعَهَا هَدْيٌ فَحَاضَتْ بَعْدَ دُخُولِهَا مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ: فَإِنَّهَا لَا تَنْحَرُ هَدْيًا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَطُوفَ وَتَسْعَى وَتَنْحَرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 وَتُقَصِّرَ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُرِيدُ الْحَجَّ وَخَافَتْ الْفَوَاتَ وَلَمْ تَسْتَطِعْ الطَّوَافَ لِحَيْضَتِهَا أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ وَسَاقَتْ هَدْيَهَا وَأَوْقَفَتْهُ بِعَرَفَةَ وَلَا تَنْحَرُهُ إلَّا بِمِنًى وَأَجْزَأَهُ لِقِرَانِهَا وَسَبِيلُهَا سَبِيلُ مَنْ قَارَنَ. (كَأَنْ سَاقَهُ فِيهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ) فِيهَا: مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَسَاقَ مَعَهُ هَدْيًا فَإِنْ هُوَ لَمَّا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ أَخَّرَ هَدْيَهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَنَحَرَهُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ مُتْعَتِهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ أَنْ يَنْحَرَهُ أَوَّلًا. ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَخَّرَهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَنَحَرَهُ عَنْ مُتْعَتِهِ رَجَوْت لَهُ أَنْ يُجْزِئَهُ، وَقَدْ فَعَلَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَنْحَرَهُ وَلَا يُؤَخِّرَهُ. (وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِمَا إذَا سِيقَ لِلتَّمَتُّعِ وَالْمَنْدُوبُ بِمَكَّةَ الْمَرْوَةُ) لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا ابْنُ يُونُسَ هَذَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ بُيُوتَ مَكَّةَ، وَعِبَارَةُ الْقَرَافِيُّ نَحَرَ فِي الْحَجِّ بِمِنًى وَفِي الْعُمْرَةِ عِنْدَ الْمَرْوَةِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ مَا مَحَلُّهُ مِنْ الْهَدْيِ مَكَّةُ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَبْلُغَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 بِهِ بُيُوتَ مَكَّةَ لَمْ يُجْزِهِ إنَّمَا مَحَلُّهُ مَكَّةُ أَوْ مَا يَلِي بُيُوتَهَا. (وَكُرِهَ نَحْرُ غَيْرِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ) وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَهُ غَيْرُهُ أَوْ أُضْحِيَّتَهُ وَلْيَلِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ نَحَرَهُ غَيْرُهُ أَجْزَأَهُ. (وَإِنْ مَاتَ مُتَمَتِّعٌ فَالْهَدْيُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ رَمَى الْعَقَبَةَ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ مَاتَ مُتَمَتِّعٌ قَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ رَمْيِهَا وَجَبَ الدَّمُ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِيهِ نَحْرُهُ وَهُوَ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ لَوْ مَاتَ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ رَمْيِهِ لَمْ يَجِبْ دَمٌ وَهُوَ خِلَافُ نَقْلِ النَّوَادِرِ. (وَسِنُّ الْجَمِيعِ وَعَيْبُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ) مِنْ الذَّخِيرَةِ: الْحُكْمُ الرَّابِعُ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 صِفَاتِ دِمَاءِ الْحَجِّ مِنْ الْجِنْسِ وَالسِّنِّ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ وَحُكْمُهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ حُكْمُ الضَّحَايَا (وَالْمُعْتَبَرُ حِينَ وُجُوبِهِ وَتَقْلِيدِهِ) ابْنُ شَاسٍ: تُعْتَبَرُ السَّلَامَةُ وَقْتَ الْوُجُوبِ حِينَ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ دُونَ وَقْتِ الذَّبْحِ. (فَلَا يُجْزِئُ مُقَلَّدٌ بِعَيْبٍ وَلَوْ سَلِمَ بِخِلَافِ عَكْسِهِ) فِيهَا: وَإِذَا قَلَّدَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 وَأَشْعَرَهُ وَهُوَ لَا يُجْزِئُ لِعَيْبٍ بِهِ فَزَالَ قَبْلَ بُلُوغِهِ لِمَحَلِّهِ لَمْ يُجْزِهِ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ إنْ كَانَ مَضْمُونًا، وَلَوْ حَدَثَ بِهِ ذَلِكَ بَعْدَ التَّقْلِيدِ أَجْزَأَهُ. (إنْ تَطَوَّعَ بِهِ وَأَرْشُهُ وَثَمَنُهُ فِي هَدْيٍ إنْ بَلَغَ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ فَانْظُرْ مَا نَقَصَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا. قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي رَابِعِ فَصْلٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مَا نَصُّهُ: وَمَنْ اشْتَرَى هَدْيًا تَطَوُّعًا فَلَمَّا قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ أَصَابَ بِهِ عَيْبًا يُجْزِئُ بِهِ الْهَدْيُ أَوْ لَا يُجْزِئُهُ فَلْيَمْضِ بِهِ هَدْيًا وَلَا بَدَلَ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالدَّاءِ فَيَجْعَلُهُ فِي هَدْيٍ آخَرَ إنْ بَلَغَ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ تَصَدَّقَ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذْ لَا يُشْرَكُ فِيهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا وَأَصَابَ بِهِ عَيْبًا لَا يُجْزِئُ بِهِ الْهَدْيُ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ وَيَلْزَمُهُ شُرُطُ هَذَا الْمَعِيبِ أَيْضًا لِأَنَّهُ كَعَبْدٍ عَتَقَ فِي وَاجِبٍ وَبِهِ عَيْبٌ وَلَا يُجْزِئُ بِهِ، وَمَا رَجَعَ بِهِ مِنْ قِيمَةِ عَيْبِ هَذَا الْهَدْيِ فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ فِي الْبَدَلِ إنْ شَاءَ (وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: إنْ لَمْ يَبْلُغْ تَصَدَّقَ بِهِ (وَفِي الْفَرْضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَيْرِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ مَالِكٍ: إنْ كَانَ وَاجِبًا فَمَا يَرْجِعُ بِهِ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ فِي الْبَدَلِ إنْ شَاءَ. فَقَدْ تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 اخْتَصَرَ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ فَلَا ارْتِبَاطَ بَيْنَ قَوْلِهِ: " إنْ تَطَوَّعَ " وَمَا قَبْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا نَقَصَ هُنَا. (وَسُنَّ إشْعَارُ سَنَمِهَا مِنْ الْأَيْسَرِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: تَقْلِيدُ هَدْيِ الْبُدْنِ سُنَّةٌ. الْقَرَافِيُّ: وَكَذَا الْإِشْعَارُ وَتَقْلِيدُ الْبَقَرِ وَلَا تُشْعَرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا أَسْنِمَةٌ فَتُشْعَرُ. وَقَالَ خَلِيلٌ: الْإِشْعَارُ بِدْعَةٌ. ابْنُ شَاسٍ: الْإِشْعَارُ أَنْ يَشُقَّ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ الْقَرَافِيُّ: مِنْ سَنَامِهَا عَرْضًا. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ (لِلرَّقَبَةِ مُسَمِّيًا) . ابْنُ الْحَاجِبِ: الْإِشْعَارُ أَنْ يَشُقَّ مِنْ الْأَيْسَرِ. وَقِيلَ: مِنْ الْأَيْمَنِ مِنْ نَحْوِ الرَّقَبَةِ إلَى الْمُؤَخَّرِ مُسَمِّيًا. وَفِي الْحَدِيثِ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا طَعَنَ فِي سَنَامِ هَدْيِهِ وَهُوَ يُشْعِرُهُ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 (وَتَقْلِيدٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ. (وَنُدِبَ نَعْلَانِ) . ابْنُ شَاسٍ: صِفَةُ التَّقْلِيدِ أَنْ يَجْعَلَ فِي عُنُقِ الْبَعِيرِ أَوْ الْبَقَرَةِ حَبْلٌ وَيُعَلِّقَ فِيهِ نَعْلَانِ. رَوَى مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ نَعْلٍ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَجَائِزٌ أَنْ يُقَلِّدَ بِمَا شَاءَ (بِنَبَاتِ الْأَرْضِ) رَوَى مُحَمَّدٌ: فِي التَّقْلِيدِ يَفْتِلُ فَتْلًا أُحِبُّهَا مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ. وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: فَتَلَتْهَا مِنْ عِهْنٍ. وَمَنَعَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْأَوْتَارِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَكَذَا الشَّعْرُ. (وَتَجْلِيلُهَا) . ابْنُ الْحَاجِبِ: ثُمَّ يُجَلِّلُهَا إنْ شَاءَ. الصِّحَاحُ: الْجَلُّ وَاحِدُ جِلَالِ الدَّوَابِّ. (وَشَقُّهَا إنْ لَمْ تَرْتَفِعْ) فِي الْمُوَطَّأِ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُجَلِّلُ بُدُنَهُ الْقَبَاطِيَّ وَالْأَنْمَاطَ وَالْحُلَلَ يَكْسُو بِهَا الْكَعْبَةَ، فَلَمَّا كُسِيَتْ هَذِهِ الْكِسْوَةُ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِهَا. رَوَى مُحَمَّدٌ: وَالْبَيَاضُ أَحَبُّ إلَيَّ وَشَقُّ الْجِلَالِ أَحَبُّ إلَيَّ إنْ قَلَّ ثَمَنُهُ كَدِرْهَمَيْنِ لَا الْمُرْتَفِعَاتُ. (وَقُلِّدَتْ الْبَقَرُ فَقَطْ إلَّا بِأَسْنِمَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْقَرَافِيُّ: تُقَلَّدُ الْبَقَرُ وَلَا تُشْعَرُ إلَّا إنْ كَانَ لَهَا أَسْنِمَةٌ. (لَا الْغَنَمُ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: الْأَشْهَرُ أَنَّ الْغَنَمَ لَا تُقَلَّدُ. الْقَرَافِيُّ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُشْعَرُ. (وَلَمْ يُؤْكَلْ مِنْ نَذْرِ مَسَاكِينَ عُيِّنَ) فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُؤْكَلُ مِنْ الْهَدْيِ كُلِّهِ وَاجِبِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 وَتَطَوُّعِهِ إذَا بَلَغَ مَحَلَّهُ إلَّا فِي ثَلَاثَةٍ: جَزَاءُ الصَّيْدِ وَفِدْيَةُ الْأَذَى وَنَذْرُ الْمَسَاكِينِ. اللَّخْمِيِّ: كُلُّ هَدْيٍ وَاجِبٌ فِي الذِّمَّةِ عَنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ فَسَادٍ أَوْ مُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ تَعَدِّي مِيقَاتٍ أَوْ تَرْكِ النُّزُولِ بِعَرَفَةَ نَهَارًا أَوْ تَرْكِ النُّزُولِ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ تَرْكِ رَمْيِ الْجِمَارِ أَوْ أَخَّرَ الْحِلَاقَ، يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ قَبْلَ بُلُوغِ مَحَلِّهِ وَبَعْدَ، وَأَمَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ وَفِدْيَةُ الْأَذَى فَيُؤْكَلُ مِنْهُمَا قِيلَ وَلَا يُؤْكَلُ مِنْهُمَا بَعْدُ، وَأَمَّا النَّذْرُ الْمَضْمُونُ إذَا لَمْ يُسَمِّهِ لِلْمَسَاكِينِ يَأْكُلُ مِنْهُ بَعْدُ، وَإِنْ كَانَ مَنْذُورًا مُعَيَّنًا وَلَمْ يُسَمِّهِ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ مِنْ غَيْرِ نَذْرٍ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ قَبْلُ، وَإِنْ نَذَرَ لِلْمَسَاكِينِ وَهُوَ مُعَيَّنٌ أَوْ نَوَى ذَلِكَ حِينَ التَّقْلِيدِ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ (مُطْلَقًا) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: إنْ نَذَرَهُ لِلْمَسَاكِينِ وَهُوَ مُعَيَّنٌ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ (عَكْسُ الْجَمِيعِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: يُؤْكَلُ مِنْ الْهَدْيِ كُلِّهِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ وَسَيَنُصُّ هُوَ بَعْدُ هَذَا عَلَى مَا اُسْتُثْنِيَ. (فَلَهُ إطْعَامُ الْغَنِيِّ وَالْقَرِيبِ) . اللَّخْمِيِّ: كُلُّ هَدْيٍ جَازَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ جَازَ أَنْ يُطْعِمَهُمْ الْغَنِيَّ وَالْقَرِيبَ، وَكُلُّ هَدْيٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُطْعِمُهُ فَقِيرًا مُسْلِمًا لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَالْكَفَّارَةِ. (وَكُرِهَ لِذِمِّيٍّ) مِنْ الذَّخِيرَةِ: إطْعَامُ الذِّمِّيِّ مَكْرُوهٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. (إلَّا نَذْرًا لَمْ يُعَيَّنْ وَالْفِدْيَةُ وَالْجَزَاءُ بَعْدَ الْمَحِلِّ) مِنْ مَنَاسِكِهِ: فِيمَا يُؤْكَلُ مِنْهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَلَا بَعْدَهُ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: جَزَاءُ الصَّيْدِ وَفِدْيَةُ الْأَذَى وَنَذْرُ الْمَسَاكِينِ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ، أَمَّا مَنْعُ أَكْلِهِ مِنْ النَّذْرِ الَّذِي لَمْ يُعَيَّنْ بَعْدَ مَحَلِّهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ أَنَّ النَّذْرَ الْمَضْمُونَ يَأْكُلُ مِنْهُ قَبْلُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 بَعْدُ إنْ سَمَّاهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُسَمِّهِ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ قَبْلُ وَبَعْدُ، فَلَوْ قَالَ إلَّا نَذْرًا لِلْمَسَاكِينِ لَمْ يُعَيَّنْ، وَأَمَّا مَنْعُ أَكْلِهِ مِنْ الْفِدْيَةِ وَالْجَزَاءِ بَعْدَ مَحَلِّهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: أَمَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ وَفِدْيَةُ الْأَذَى فَيُؤْكَلُ مِنْهُ قَبْلُ وَلَا يُؤْكَلُ مِنْهُ بَعْدُ. (وَهَدْيُ تَطَوُّعٍ إنْ عَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَتُلْقَى قَلَائِدُهُ بِدَمِهِ وَيُخَلَّى لِلنَّاسِ) فِيهَا: مَنْ اعْتَمَرَ وَسَاقَ هَدْيًا تَطَوُّعًا فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ وَلَا يَأْكُلْ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ وَلَا عَلَيْهِ بَدَلُهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَيُلْقِي قَلَائِدَهَا بِدَمِهَا وَخَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا وَلَا يَأْمُرُ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهُ. (كَرَسُولِهِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ بَعَثَ بِهَا مَعَ رَجُلٍ فَعَطِبَتْ فَسَبِيلُ الرَّسُولِ سَبِيلُ صَاحِبِهَا هُوَ الَّذِي يَنْحَرُهَا أَوْ يَأْمُرُ بِنَحْرِهَا وَيَفْعَلُ فِيهَا كَفِعْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 رَبِّهَا لَوْ كَانَ مَعَهَا وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا الرَّسُولُ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا لَمْ يَضْمَنْ. (وَضَمِنَ فِي غَيْرِ الرَّسُولِ بِأَمْرِهِ بِأَخْذِ شَيْءٍ كَأَكْلِهِ مِنْ مَمْنُوعٍ بَدَلَهُ) فِيهَا: مَنْ هَلَكَ هَدْيُهُ التَّطَوُّعُ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَأَكَلَ مِنْهُ أَوْ أَمَرَ مَنْ يَأْكُلُ أَوْ يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ لَحْمِهَا فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ، وَإِنْ بَعَثَ بِهِ مَعَ رَسُولٍ فَهَلَكَ فَكَذَلِكَ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا الرَّسُولُ، فَإِنْ أَكَلَ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَا إنْ تَصَدَّقَ بِهَا الرَّسُولُ لَمْ يَضْمَنْ وَذَلِكَ كَمَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 عَطِبَ هَدْيُهُ التَّطَوُّعُ فَخَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا فَأُمِرَ أَجْنَبِيٌّ فَقَسَمَهَا بَيْنَ النَّاسِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى رَبِّهَا. وَقَوْلُهُ: " بَدَلَهُ " مَفْعُولُ " ضَمِنَ ". (وَهَلْ إلَّا نَذْرَ مَسَاكِينَ عُيِّنَ فَقَدْرُ أَكْلِهِ؟ خِلَافٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: إنْ نَذَرَهُ لِلْمَسَاكِينِ وَهُوَ مُعَيَّنٌ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ. وَفِيهَا: إنْ أَكَلَ مِمَّا نَذَرَهُ لِلْمَسَاكِينِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أَدْرِي مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ وَأَرَى أَنْ يُطْعِمَ لِلْمَسَاكِينِ قَدْرَ مَا أَكَلَ لَحْمًا وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ لِأَنَّ هَدْيَ نَذْرِ الْمَسَاكِينِ فِي تَرْكِ الْأَكْلِ مِنْهُ عِنْدَ مَالِكٍ بِمَنْزِلَةِ الْجَزَاءِ وَالْفِدْيَةِ، وَلَوْ كَانَ مَضْمُونًا لَكَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ كُلُّهُ إنْ أَكَلَ مِنْهُ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُورُ، وَشَهَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ عَلَيْهِ قَدْرَ مَا أَكَلَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَشَهَرَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 الْكَافِي وُجُوبَ الْبَدَلِ. (وَالْخِطَامُ وَالْجِلَالُ كَاللَّحْمِ) فِيهَا: وَسَبِيلُ الْجِلَالِ وَالْخِطَامِ سَبِيلُ اللَّحْمِ. (وَإِنْ سُرِقَ بَعْدَ ذَبْحِهِ أَجْزَأَ لَا قَبْلَهُ) فِيهَا: كُلُّ هَدْيٍ وَاجِبٌ ضَلَّ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَهُ فَلَا يُجْزِيهِ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ، وَكُلُّ هَدْيٍ مَاتَ أَوْ سُرِقَ أَوْ ضَلَّ فَلَا بَدَلَ عَلَى صَاحِبِهِ فِيهِ، وَمَنْ سُرِقَ هَدْيُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 الْوَاجِبُ بَعْدَمَا ذَبَحَهُ أَجْزَأَ. (وَحَمْلُ الْوَلَدِ عَلَى غَيْرٍ ثُمَّ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَرَكَهُ لِيَشْتَدَّ فَكَالتَّطَوُّعِ) فِيهَا: إذَا نَتَجَتْ النَّاقَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ أَوْ الشَّاةُ وَهِيَ هَدْيٌ فَلْيُحْمَلْ وَلَدُهَا مَعَهَا إلَى مَكَّةَ إنْ وَجَدَ مَحْمِلًا عَلَى غَيْرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَمَلَهُ عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أُمِّهِ مَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهَا تَكَلَّفَ حَمْلَهُ، ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ مِنْ مَالِهِ. وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَكَلَّفَ حَمَلَهُ عَلَى حَالِ نَحْرِهِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَيَصِيرُ كَهَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا عَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ إذَا كَانَ فِي فَلَاةٍ لَا يَجِدُ مَنْ يُوَكِّلُ عَلَيْهِ وَلَا يُرْتَجَى حَيَاتُهُ. (وَلَا يَشْرَبُ مِنْ اللَّبَنِ وَإِنْ فَضَلَ) فِيهَا: وَلَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ الْهَدْيِ فِي شَيْءٍ وَلَا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا فَإِنْ فَعَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَغَرِمَ إنْ أَضَرَّ بِشُرْبِهِ الْأُمَّ أَوْ الْوَلَدَ مُوجِبُ فِعْلِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ أَضَرَّ بِوَلَدِهَا فِي لَبَنِهَا فَمَاتَ أَبْدَلَهُ بِمَا يَجُوزُ هَدْيُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 ابْنُ شَاسٍ: وَلَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ الْهَدْيِ لِوُجُوبِهَا بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إنْ فَعَلَ إلَّا أَنْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِهَا أَوْ بِفَصِيلِهَا فَيَغْرَمَ مَا أَوْجَبَهُ فِعْلُهُ. (وَنُدِبَ عَدَمُ رُكُوبِهَا بِلَا عُذْرٍ فَلَا يَلْزَمُ النُّزُولُ بَعْدَ الرَّاحَةِ) . فِيهَا: وَمَنْ احْتَاجَ إلَى ظَهْرِ هَدْيِهِ فَلْيَرْكَبْهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِلَ بَعْدَ رَاحَتِهِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ لَا يَرْكَبَهَا حَتَّى يَحْتَاجَ إلَيْهَا. (وَنَحْرِهَا قَائِمَةً أَوْ مَعْقُولَةً) فِيهَا: لِمَالِكٍ الشَّأْنُ أَنْ تُنْحَرَ الْبُدُنُ قَائِمَةً قِيَامًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ امْتَنَعَتْ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُعْقَلَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ نَحْرِهَا. ابْنُ حَبِيبٍ: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {صَوَافَّ} أَنْ تُصَفَّ أَيْدِيهَا بِالْقُيُودِ عِنْدَ نَحْرِهَا. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ {صَوَافِنَ} وَهِيَ الْمَعْقُولَةُ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ يَدٌ وَاحِدَةٌ فَتَقِفُ عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ. (وَأَجْزَأَ إنْ ذَبَحَ غَيْرُهُ عَنْهُ مُقَلَّدًا وَلَوْ نَوَى نَفْسَهُ إنْ غَلِطَ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: إذَا وَجَدَ بَدَنَةً ضَالَّةً فِي أَيَّامِ مِنًى لَمْ يَنْحَرْهَا إنْ لَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهَا إلَّا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لَعَلَّ رَبَّهَا أَنْ يَأْتِيَ، فَإِذَا خِيفَ خُرُوجُ أَيَّامِ مِنًى نَحَرَهَا عَنْ رَبِّهَا وَأَجْزَأَتْهُ لِأَنَّهَا بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ وَجَبَتْ. وَقِيلَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 لَوْ نَحَرَهَا عَنْ نَفْسِهِ لَأَجْزَأَتْ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ فَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ نِيَّةُ أَنَّهَا عَنْ نَفْسِهِ كَمَا إذَا وَقَعَ الْغَلَطُ فِي الْهَدَايَا. عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْ أَصْحَابِهَا ثُمَّ ذَكَرَ خِلَافَ أَشْهَبَ. وَاَلَّذِي لِلَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا نَحَرَهُ عَنْ نَفْسِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَخْطَأَ أَجْزَأَتْ عَنْ صَاحِبِهَا إنْ غَلِطَ. اُنْظُرْ هَذَا هُوَ مُقْتَضَى الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَانْظُرْ مَا يَظْهَرُ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (وَلَا يَشْتَرِكُ فِي هَدْيٍ) اللَّخْمِيِّ: لَا يَشْتَرِكُ فِي هَدْيِ الْوَاجِبِ وَاخْتُلِفَ فِي التَّطَوُّعِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَشْتَرِكُ فِيهِ كَانُوا أَجْنَبِيَّيْنِ أَوْ أَهْلَ بَيْتٍ. (وَإِنْ وُجِدَ بَعْدَ نَحْرِ بَدَلِهِ نُحِرَ إنْ قُلِّدَ) فِيهَا: لَوْ ضَلَّ مِنْهُ هَدْيٌ وَاجِبٌ أَوْ جَزَاءٌ فَنَحَرَ غَيْرَهُ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ نَحَرَهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَهُ فَلَا يَرُدُّهُ فِي مَالِهِ. انْتَهَى مَا لِابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا نَصُّهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: مَنْ أَبْدَلَ جَزَاءً ضَلَّ فَوَجَدَهُ نَحَرَ الْبَدَلَ مَعَهُ إنْ قَلَّدَهُ وَصَارَ تَطَوُّعًا. (وَقِيلَ نَحَرَهُ نَحْرًا إنْ قُلِّدَ وَإِلَّا بِيعَ وَاحِدٌ) ابْنُ شَاسٍ: مَنْ ضَلَّ هَدْيُهُ فَأَبْدَلَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ نَحْرِ الْبَدَلِ لَزِمَهُ نَحْرُهُ إنْ كَانَ مُقَلَّدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقَلَّدًا فَلَهُ بَيْعُهُ، وَإِنْ وَجَدَهُ قَبْلَ نَحْرِ الْبَدَلِ نَحْرَهُمَا، وَإِنْ كَانَا مُقَلَّدَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُقَلَّدٍ فَلَهُ بَيْعُهُ. [بَاب مَوَانِع الْحَجّ مِنْ الْإِحْصَار وَغَيْره] فَصْلٌ (وَإِنْ مَنَعَهُ عَدُوٌّ أَوْ فِتْنَةٌ أَوْ حُبِسَ لَا بِحَقٍّ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَهُ التَّحَلُّلُ) . اللَّخْمِيِّ: لَا خِلَافَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يُحِلَّ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ تَكُنْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ. وَفِيهَا لِمَالِكٍ: وَالْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ غَالِبٍ أَوْ فِتْنَةٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يَتَرَبَّصُ مَا رَجَا كَشْفَ ذَلِكَ، فَإِذَا يَئِسَ فَلْيُحْلِلْ بِمَوْضِعِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ الْبِلَادِ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي غَيْرِهِ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ هَدْيٌ فَيَنْحَرَهُ هُنَاكَ وَيَحْلِقَ وَيُقَصِّرَ وَيَرْجِعَ إلَى بَلَدِهِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَرُورَةً فَلَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ أَخَّرَ حِلَاقَ رَأْسِهِ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ حَلَقَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ. ابْنُ الْقَصَّارِ: مَنْ حُبِسَ بِحَقٍّ مِمَّنْ قَبْلَهُ أَتَى وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَلَا نَصَّ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ كَمَنْ مَنَعَهُ عَدُوٌّ، وَقَدْ يُفَرَّقُ. ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ أَنَّهُ كَمَنْ صَدَّهُ عَدُوٌّ (إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ الْعَدُوُّ طَارِئًا بَعْدَ الْإِحْرَامِ أَوْ مُتَقَدِّمًا وَلَمْ يَعْلَمْ أَوْ عَلِمَ وَكَانَ يَرَى أَنَّهُ لَا يَصُدُّهُ فَصَدَّهُ جَازَ الْإِحْلَالُ وَإِنْ شَكَّ فَمَنَعَهُ لَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 يَحِلَّ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الْإِحْلَالُ (وَأَيِسَ مِنْ زَوَالِهِ قَبْلَ فَوْتِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: إذَا يَئِسَ فَلْيُحِلَّ بِمَوْضِعِهِ (وَلَا دَمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 بِنَحْرِ هَدْيِهِ وَحَلْقِهِ وَلَا دَمَ إنْ أَخَّرَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا بِهَذَا كُلِّهِ. (وَلَا يَلْزَمُهُ طَرِيقٌ مُخِيفَةٌ) . اللَّخْمِيِّ: وَمَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 صُدَّ عَنْ طَرِيقٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْوُصُولِ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ لَمْ يُحِلَّ وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ إلَّا أَنْ يَكُونَ طَرِيقًا مَخُوفًا أَوْ بِهِ مَشَقَّةٌ بَيِّنَةٌ. (وَكُرِهَ إبْقَاءُ إحْرَامِهِ) . الْبَاجِيُّ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ أَنْ يُحِلَّ بِعُمْرَةٍ وَلَا يَسْتَدِيمَ الْإِحْرَامَ، فَإِنْ اسْتَدَامَهُ إلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ تَحَلَّلَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً: بِئْسَ مَا صَنَعَ. وَقَالَ مَرَّةً: تَحَلُّلُهُ بَاطِلٌ. اُنْظُرْ الْبَاجِيَّ. (إنْ قَارَبَ مَكَّةَ أَوْ دَخَلَهَا) . اللَّخْمِيِّ: لِمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَفَاتَهُ أَنْ يُحِلَّ بِعُمْرَةٍ فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا اُسْتُحِبَّ أَنْ يُحِلَّ، وَإِنْ كَانَ عَلَى بُعْدٍ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَمْضِيَ لَهُ فَيُحِلَّ أَوْ يَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ أَوْ إلَى الْحَجِّ الثَّانِي. (وَلَا يَتَحَلَّلُ إنْ دَخَلَ وَقْتُهُ) . الْبَاجِيُّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِمَرَضٍ لَا يُحِلُّ دُونَ الْبَيْتِ. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ إنْ كَانُوا قَرِيبًا فَيُقِيمَ عِنْدَهُمْ حَرَامًا حَتَّى يَقْوَى عَلَى الْعُمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَلْيَقُمْ بِمَوْضِعِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَسْتَدْبِرَ طَرِيقَهُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ حَوَائِجِهِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا بَعُدَ مِنْ الْأَسْفَارِ وَلَهُ الْبَقَاءُ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَيَحُجَّ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ رُخْصَةٌ. فَإِنْ أَقَامَ عَلَى إحْرَامِهِ فَحَجَّ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ أَرَادَ الْبَقَاءَ عَلَى إحْرَامِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُحِلَّ فَلَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ تَدْخُلْ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَلَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ. (وَإِلَّا فَثَالِثُهَا يَمْضِي وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ) . الْبَاجِيُّ: إنْ اسْتَدَامَ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ إحْرَامَهُ إلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ تَحَلَّلَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: صَحَّ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ. وَقَالَ مَرَّةً: تَحَلُّلُهُ بِالْحِلِّ. فَإِذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ تَحَلُّلِهِ فَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَقَالَ مَرَّةً لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا. اُنْظُرْ الْبَاجِيَّ (وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَرُورَةً فَلَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. (وَلَا يَفْسُدُ بِوَطْءٍ إنْ لَمْ يَنْوِ الْبَقَاءَ) فِي الْمَبْسُوطِ: فِيمَنْ حَلَّ لَهُ الْإِحْلَالُ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَصَابَ النِّسَاءَ فَإِنْ كَانَ نَوَى أَنْ يُحِلَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يُقِيمَ عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ كَانَ قَدْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 أَفْسَدَ حَجَّهُ إلَى قَابِلٍ ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ حَجَّتَهُ تِلْكَ. (وَإِنْ وَقَفَ وَحُصِرَ عَنْ الْبَيْتِ فَحَجُّهُ تَمَّ وَلَا يُحِلُّ إلَّا بِالْإِفَاضَةِ وَعَلَيْهِ لِلرَّمْيِ وَمَبِيتِ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ هَدْيٌ كَنِسْيَانِ الْجَمِيعِ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أُحْصِرَ بَعْدَ أَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إنَّهُ إنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَيُجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُحِلُّهُ إلَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَعَلَيْهِ لِجَمِيعِ مَا فَاتَهُ مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ وَالْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَبِمِنًى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 هَدْيٌ وَاحِدٌ كَمَنْ تَرَكَ ذَلِكَ نَاسِيًا حَتَّى زَالَتْ أَيَّامُ مِنًى. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ كَانَ بِعَدُوٍّ لَمْ يَهْدِ. (وَإِنْ حُصِرَ عَنْ الْإِفَاضَةِ أَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِغَيْرِ مَرَضٍ أَوْ خَطَأِ عَدَدٍ أَوْ حَبْسٍ بِحَقٍّ لَمْ يُحِلَّ إلَّا بِفِعْلِ عُمْرَةٍ) . الْبَاجِيُّ: الْمَنْعُ لِسَبَبٍ عَامٍّ فَلَهُ حُكْمُ الْحَصْرِ وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ خَاصٍّ كَالْمَسْجُونِ فِي دَيْنٍ وَالْمَرِيضِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 وَمَنْ ضَلَّ عَنْ الطَّرِيقِ أَوْ أَخْطَأَ الْعَدَدَ فَلَا يُحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ. ابْنُ الْحَاجِبِ: فَوَاتُ الْوُقُوفِ بِكَمَرَضٍ لَا يُحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ وَلَوْ أَقَامَ سِنِينَ فَيَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ عَنْ إهْلَالِهِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا فَعَلَهُ قَبْلَ الْحَصْرِ وَيُعِيدُ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ إحْرَامٍ إلَّا إنْ كَانَ قَدْ أَنْشَأَ الْحَجَّ وَأَرْدَفَهُ فِي الْحَرَمِ. (وَلَا يَكْفِي قُدُومُهُ) فِيهَا: مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ فَطَافَ وَسَعَى ثُمَّ أُحْصِرَ وَلَمْ يَحْضُرْ الْمَوْسِمَ مَعَ النَّاسِ لَمْ يُجْزِهِ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ مَعَ إحْصَارِهِ وَلَا يُحِلُّ إلَّا بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ مُؤْتَنَفَيْنِ. (وَحَبْسُ هَدْيِهِ مَعَهُ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ فَوَاتٍ) فِيهَا: وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ هَدْيٌ حَبَسَهُ حَتَّى يَصِحَّ فَيَنْطَلِقَ بِهِ مَعَهُ إلَّا أَنْ يُصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 مَرَضٌ يَتَطَاوَلُ عَلَيْهِ وَيَخَافُ عَلَى الْهَدْيِ فَلْيَبْعَثْ بِهِ يَنْحَرْهُ بِمَكَّةَ وَيُقِيمُ عَلَى إحْرَامِهِ، فَإِذَا صَحَّ مَضَى وَلَا يُحِلُّ دُونَ الْبَيْتِ، وَعَلَيْهِ إذَا حَلَّ وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ هَدْيٌ آخَرُ مَعَ حَجَّةِ الْقَضَاءِ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ هَدْيُهُ الَّذِي بَعَثَ وَلَوْ لَمْ يَبْعَثْهُ مَا أَجْزَاهُ أَيْضًا. (وَخَرَجَ لِلْحِلِّ إنْ أَحْرَمَ بِحَرَمٍ أَوْ أَرْدَفَ) فِيهَا: وَإِذَا أَحْرَمَ مَكِّيٌّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ رَجُلٌ دَخَلَ مُعْتَمِرًا فَفَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَأُحْصِرَ بِمَرَضٍ حَتَّى فَرَغَ النَّاسُ مِنْ حَجِّهِمْ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ وَيَعْمَلَ عَلَى الْعُمْرَةِ وَيَحُجَّ قَابِلًا وَيُهْدِيَ. وَيُؤْمَرُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَقَدْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ فَيَعْمَلَ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مَا يَعْمَلُ الْمُعْتَمِرُ وَيُحِلُّ. (وَأَخَّرَ دَمَ الْفَوَاتِ لِلْقَضَاءِ وَأَجْزَأَ إنْ قَدِمَ) . الْقَرَافِيُّ: تَحْرِيرُ هَذِهِ الْفَتَاوَى أَنَّ الْمَرَضَ لَيْسَ عُذْرًا لِلتَّحَلُّلِ إذَا طَرَأَ عَلَى الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الْعَدُوِّ. فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَحْصُورِ بِعَدُوٍّ: إنَّهُ لَا يَهْدِي وَلَا يَقْضِي وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 فِي الْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ يَعْمَلُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ وَيَحُجُّ قَابِلًا وَيُهْدِي. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُؤَخِّرُ دَمَ الْفَوَاتِ إلَى الْقَضَاءِ وَفِي إجْزَائِهِ قَبْلَهُ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَإِنْ أَفْسَدَ ثُمَّ فَاتَ أَوْ بِالْعَكْسِ وَإِنْ بِعُمْرَةِ التَّحَلُّلِ. (تَحَلَّلَ وَقَضَاهُ دُونَهَا وَعَلَيْهِ هَدْيَانِ) مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ مَنْ فَاتَهُ حَجُّهُ قَدْ أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ تَحَلُّلُهُ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ أَفْسَدَ أَوْ فَاتَ ثُمَّ أَفْسَدَ قَبْلَهُ تَحَلَّلَ الْعُمْرَةَ أَوْ فِيهِمَا فَقَضَاءٌ وَاحِدٌ وَهَدْيَانِ وَلَا بَدَلَ لِعُمْرَةِ التَّحَلُّلِ. (لَا دَمُ قِرَانٍ وَمُتْعَةٍ لِلْفَائِتِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: يُسْقِطُ دَمُ الْفَوَاتِ دَمَ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَفِيهِ خِلَافٌ. اللَّخْمِيِّ: إنْ اجْتَمَعَ فَوَاتٌ وَفَسَادٌ لِمُفْرَدٍ فَهَدْيَانِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ قِرَانٌ وَفَوَاتٌ وَفَسَادٌ عَلَيْهِ هَدْيُ الْفَوَاتِ وَالْقِرَانِ وَالْفَسَادِ بِحَجَّةِ الْقَضَاءِ. (وَلَا تُفِيدُ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ نِيَّةُ التَّحَلُّلِ بِحُصُولِهِ) أَمَّا نِيَّةُ التَّحَلُّلِ لِلْمَرَضِ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يُفِيدُ الْمَرِيضَ نِيَّةُ التَّحَلُّلِ أَوَّلًا بِتَقْدِيرِ الْعَجْزِ، وَأَمَّا نِيَّةُ التَّحَلُّلِ لِغَيْرِهِ فَانْظُرْ هَلْ يَعْنِي بِهِ حَيْضًا أَوْ نَحْوَهُ؟ وَأَمَّا مَنْ تَوَقَّعَ مِنْهُ عَدُوٌّ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: لِلْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ خَمْسُ حَالَاتٍ يَصِحُّ الْإِحْلَالُ فِي ثَلَاثٍ وَيُمْنَعُ فِي وَجْهٍ وَيَصِحُّ فِي وَجْهٍ إذَا شُرِطَ الْإِحْلَالُ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُحْمَلُ مَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ: إنْ شَكَّ هَلْ يَصُدُّهُ الْعَدُوُّ ثُمَّ أَحْرَمَ فَمَنَعَهُ لَمْ يُحِلَّ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الْإِحْلَالُ. (وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الْمَالِ لِحَاصِرٍ إنْ كَفَّرَ) قَالَ سَنَدٌ: إنْ طَلَبَ الْكَافِرُ مَالًا عَلَى الطَّرِيقِ كُرِهَ دَفْعُهُ نَفْيًا لِلْمَذَلَّةِ. ابْنُ شَاسٍ: لَا يُعْطَاهُ إنْ كَانَ كَافِرًا لِأَنَّهُ وَهَنٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَظْهَرُ جَوَازُهُ وَوَهَنُ الرُّجُوعِ لِصَدِّهِ أَشَدُّ مِنْ إعْطَائِهِ. الْقَرَافِيُّ: وَظَاهِرُهُ عَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 سَنَدٍ: وَإِنْ كَانَ الصَّادُّ مُسْلِمًا فَإِنْ طَلَبَ الْيَسِيرَ مِنْ الْمَالِ دَفَعَهُ وَلَمْ يَتَحَلَّلْ كَالْحِرَابَةِ وَلَا ذِلَّةَ فِيهِ عَلَى الْإِسْلَامِ. (وَفِي جَوَازِ الْقِتَالِ مُطْلَقًا تَرَدُّدٌ) . ابْنُ عَرَفَةَ: قِتَالُ الْحَاصِرِ الْبَادِي جِهَادٌ وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا. سَنَدٌ: إنْ كَانَ الْعَدُوُّ الْمَانِعُ كَافِرًا وَلَمْ يَبْدَأْ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَتَحَلَّلَ أَوْ يَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ وَيُقَاتِلُ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 لَا يَجُوزُ قِتَالُ الْحَاصِرِ بِغَيْرِ مَكَّةَ، وَإِنْ كَانَ بِهَا فَالْأَظْهَرُ نَقْلُ ابْنِ شَاسٍ عَنْ الْمَذْهَبِ لِحَدِيثِ «إنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» . وَأَمَّا قِتَالُ ابْنِ الزُّبَيْرِ الْحَجَّاجَ فَلِأَنَّ الْحَجَّاجَ بَدَأَ بِهِ. (وَلِلْوَلِيِّ مَنْعُ سَفِيهٍ) الْقَرَافِيُّ: الْمَانِعُ الثَّامِنُ السَّفَهُ. قَالَ سَنَدٌ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحُجُّ السَّفِيهُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ إنْ رَأَى ذَلِكَ نَظَرًا أَذِنَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا حَلَّلَهُ الْوَلِيُّ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 (كَزَوْجٍ فِي تَطَوُّعٍ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَلَهُ التَّحَلُّلُ) عَدَّ الْقَرَافِيُّ مِنْ مَوَانِعِ الْحَجِّ الزَّوْجِيَّةَ. ابْنُ شَاسٍ: الْمُسْتَطِيعَةُ لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ لَهَا إنْ قُلْنَا: إنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ وَإِلَّا فَقَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ أَحْرَمَتْ بِالْفَرِيضَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهَا. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إلَّا أَنْ تَكُونَ أَحْرَمَتْ إحْرَامَ عَدَاءٍ يَكُونُ عَلَى الزَّوْجِ ضَرَرٌ فِي إحْرَامِهَا لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهَا فَلَهُ أَنْ يُحِلَّهَا، أَمَّا لَوْ أَحْرَمَتْ بِالتَّطَوُّعِ فَأَمَّا لَوْ أَحْرَمَتْ بِالتَّطَوُّعِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ لَكَانَ لَهُ مَنْعُهَا وَتَحْلِيلُهَا فَتَتَحَلَّلُ كَالْمُحْصَرِ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَلِلزَّوْجِ مُبَاشَرَتُهَا وَالْإِثْمُ عَلَيْهَا دُونَهُ (وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ) أَمَّا السَّفِيهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ سَنَدٍ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ لِخَلِيلٍ أَوَّلَ الْبَابِ فِي إحْلَالِ الْمُمَيِّزِ لَا قَضَاءَ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا يَخْلُو إحْلَالُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يُحَلِّلَهَا مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنْ تَطَوُّعٍ أَوْ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَضْمُونٍ، فَأَمَّا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 تَقْضِيَ غَيْرَهَا. وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَتَقْضِيهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَذَا تَقْضِي أَيْضًا النَّذْرَ الْمُعَيَّنَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَأَمَّا النَّذْرُ الْمَضْمُونُ فَتَقْضِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا. انْتَهَى مِنْ اللَّخْمِيِّ، اُنْظُرْ هَذَا كُلَّهُ مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ. (كَالْعَبْدِ) . اللَّخْمِيِّ: إذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُحِلَّهُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مَا لَمْ يُحْرِمْ، وَاخْتُلِفَ إذَا أَحَلَّهُ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ إذَا أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ أَعْتَقَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ: لَا قَضَاءَ وَهُوَ أَبْيَنُ. ثُمَّ ذَكَرَ تَفْصِيلًا اُنْظُرْهُ فِيهِ (وَأَثِمَ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَهُ مُبَاشَرَتُهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ بِهَذَا كُلِّهِ. (كَفَرِيضَةٍ قَبْلَ الْمِيقَاتِ) اللَّخْمِيِّ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 إنْ أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا فَإِنْ كَانَ إحْرَامُهَا بَعِيدًا مِنْ الْمِيقَاتِ وَعَلَى بُعْدٍ مِنْ وَقْتِ الْحَجِّ كَانَ لَهُ أَنْ يُحِلَّهَا إذَا كَانَتْ لَهُ إلَيْهَا حَاجَةٌ (وَإِلَّا فَلَا) . اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ قَبْلَهُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ وَقَدْ قَرُبَ الْحَجُّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحِلَّهَا (إنْ دَخَلَ) قَالَ سَنَدٌ: ظَاهِرُ الْكِتَابِ لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ. وَمِنْ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَأَحْرَمَ لَمْ يَبْقَ لَهُ الْمَنْعُ وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لَهُ الْمَنْعَ. قَالَ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرُهُ: وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ. (وَلِلْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يَعْلَمْهُ رَدُّهُ لَا تَحْلِيلُهُ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي الْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَ ثُمَّ أَرَادَ بَيْعَهُ فَأَجَازَ لَهُ ذَلِكَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 الْمُدَوَّنَةِ، لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لِمُشْتَرِيهِ قَالَ: وَلَيْسَ لِمُبْتَاعِهِ تَحْلِيلُهُ وَلَهُ رَدُّهُ بِهِ إنْ جَهِلَهُ مَا لَمْ يَقْرُبْ إحْلَالُهُ (وَإِنْ أَذِنَ فَأَفْسَدَ لَمْ يَلْزَمْهُ إذْنٌ لِلْقَضَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ) . ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ فَلَا يَلْزَمُ سَيِّدَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْقَضَاءِ. زَادَ الْقَرَافِيُّ: لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ ثَانِيَةٌ. مُحَمَّدٌ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. (وَمَا لَزِمَهُ عَنْ خَطَأٍ أَوْ ضَرُورَةٍ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي الْإِخْرَاجِ وَإِلَّا صَامَ بِلَا مَنْعٍ وَإِنْ تَعَمَّدَ فَلَهُ مَنْعُهُ إنْ أَضَرَّ بِهِ فِي عَمَلِهِ) فِي الْجَوَاهِرِ: مَا لَزِمَهُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ خَطَأً أَوْ فِدْيَةً لِإِمَاطَةِ أَذًى مِنْ ضَرُورَةٍ أَوْ فَوَاتِ حَجٍّ أَوْ بِغَيْرِ عَمْدٍ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ مَالِهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَإِلَّا صَامَ وَلَا يَمْنَعُهُ الصِّيَامُ وَإِنْ أَضَرَّ بِهِ، وَمَا أَصَابَهُ عَمْدًا فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الصِّيَامِ وَالضَّارِّ بِهِ فِي عَمَلِهِ لِأَنَّ الْعَبْدَ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ مِنْ إذْنِ السَّيِّدِ. انْتَهَى مِنْ الذَّخِيرَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 [بَابُ الذَّكَاةِ] [شُرُوطُ الذَّكَاةِ] (بَابُ الذَّكَاةِ قَطْعُ مُمَيِّزٍ) فِيهَا لِمَالِكٍ: وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الصَّبِيِّ قَبْلَ الْبُلُوغِ إذَا أَطَاقَ الذَّبْحَ وَعَرَفَهُ، وَكَذَلِكَ ذَبِيحَةُ الْمَرْأَةِ تُؤْكَلُ وَإِنْ ذُبِحَتْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، ابْنُ الْمَوَّازِ: وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْأَغْلَفِ وَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْأَخْرَسِ، وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ السَّارِقِ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَرُمَ عَلَيْهِ السَّرِقَةُ لَا عَيْنُ الذَّبْحِ. ابْنُ شَاسٍ: وَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ ذَكَاةِ مَنْ لَا يُصَلِّي. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ السَّكْرَانِ إذْ لَا يُصَدَّقُ وَيَأْكُلُهَا هُوَ وَحْدَهُ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ جَوَازِهِمْ أَكْلَ ذَبِيحَةِ السَّارِقِ وَمَنْ لَا يُصَلِّي. وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَصَّابِ فِي الذَّكَاةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ كِتَابِيًّا أَوْ مَنْ مِثْلُهُ يَذْبَحُ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ إذَا قَالَ هَذِهِ ذَكِيَّةٌ صُدِّقَ قَالُوا: وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي إهْدَاءِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ أَيْضًا: إنَّ الصَّبِيَّ وَالْأُنْثَى وَالْكَافِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَقْبُولٌ قَوْلُهُ فِي الْهَدِيَّةِ وَالِاسْتِئْذَانِ. (يُنَاكِحُ) فِيهَا لِمَالِكٍ: ذَكَاةُ رِجَالِ الْكِتَابَيْنِ ذِمِّيِّهِمْ وَحَرْبِيِّهِمْ جَائِزَةٌ فَسَوَّى بَيْنَهُمْ. ابْنُ الْقَاسِمِ: نِسَاءَهُمْ وَصِبْيَانَهُمْ مُطِيقِي الذَّبْحِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ النَّصْرَانِيِّ الْعَرَبِيِّ وَذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ إذَا تَنَصَّرَ. (تَمَامَ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ) فِيهَا لِمَالِكٍ: وَتَمَامُ الذَّبْحِ إفْرَاءُ الْأَوْدَاجِ وَالْحُلْقُومِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا الْمَرِيءُ الَّذِي يَكُونُ مَعَ الْحُلْقُومِ فَهُوَ الْعِرَاقُ الْأَحْمَرُ فَلَمْ أَسْمَعْ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ شَيْئًا. ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَشْهُورُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ قَطْعِ الْمَرِيءِ. الْكَافِي: وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْغَلْصَمَةُ إلَى الرَّأْسِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَلَا بَأْسَ، وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الْفَتْوَى بِتُونِسَ مُنْذُ مِائَةِ عَامٍ بِجَوَازِ أَكْلِ الْمُغَلْصَمَةِ وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي أَشْيَاخُنَا أَيْضًا. (مِنْ الْمُقَدَّمِ) سَمِعَ أَشْهَبُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ أَمَرَ بِثَلَاثَةِ دِيَكَةٍ لَهُ أَنْ تُسَمَّنَ حَتَّى إذَا امْتَلَأْنَ شَحْمًا أَمَرَ غُلَامَهُ أَنْ يَذْبَحَهَا فَذَبَحَهَا مِنْ أَقْفِيَتِهَا فَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا تُؤْكَلُ. قِيلَ لِمَالِكٍ: أَتَرَى مَا قَالَ سَعِيدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ لَا تُؤْكَلُ وَأَرَى أَنْ تُطْرَحَ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّ مَنْ ذَبَحَ مِنْ الْقَفَا قَدْ قَطَعَ النُّخَاعَ وَهُوَ الْمُخُّ الَّذِي فِي عِظَامِ الرَّقَبَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى مَوْضِعِ الذَّبْحِ فَيَكُونُ بِفِعْلِهِ قَدْ قَتَلَ الْبَهِيمَةَ بِقَطْعِهِ نُخَاعَهَا إذْ هُوَ مَقْتَلٌ مِنْ مَقَاتِلِهَا قَبْلَ أَنْ يُذَكِّيَهَا فِي مَوْضِعِ ذَكَاتِهَا. ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ: لَوْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ ثُمَّ لَمْ تُسَاعِدْهُ السِّكِّينُ فِي مَرِّهَا عَلَى الْوَدَجَيْنِ إذْ لَيْسَتْ بِحَادَّةٍ فَقَلَّبَهَا وَقَطَعَ الْأَوْدَاجَ بِهَا مِنْ دَاخِلٍ فَلَا تُؤْكَلُ (بِلَا رَفْعٍ قَبْلَ التَّمَامِ) ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إنْ رَفَعَ يَدَهُ ثُمَّ أَعَادَهَا فَإِنْ كَانَ حِينَ رَفَعَ يَدَهُ لَوْ تُرِكَتْ الذَّبِيحَةُ لَعَاشَتْ وَعَادَ وَأَتَمَّ الذَّكَاةَ فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ وَكَأَنَّهُ الْآنَ ابْتَدَأَ ذَكَاتَهَا، وَإِنْ كَانَ حِينَ رَفَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 يَدَهُ لَوْ تَرَكَهَا لَمْ تَعِشْ إذْ قَدْ أَنْفَدَ الْمَقَاتِلَ فَلَا تُؤْكَلُ وَتَصِيرُ مِثْلَ الْمُتَرَدِّيَةِ وَأَكِيلَةِ السَّبُعِ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ: إنْ رَجَعَ فِي فَوْرِ الذَّبْحِ وَأَجْهَزَ صَحَّتْ الذَّكَاةُ كَمَنْ سَلَّمَ سَاهِيًا وَرَجَعَ بِالْقُرْبِ وَأَصْلَحَ. ابْنُ أَبِي يَحْيَى: وَهَذَا مَعَ الِاخْتِيَارِ، أَمَّا إذَا وَقَعَتْ السِّكِّينُ مِنْ يَدِهِ أَوْ كَانَتْ لَا تَقْطَعُ فَأَتَى بِأُخْرَى بِالْقُرْبِ فَلَا يَضُرُّهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إبْقَاءِ السِّكِّينِ عَلَى الْمَذْبَحِ إذَا لَمْ يُمِرَّهَا وَبَيْنَ رَفْعِهَا لِأَنَّ الْمُرَاعَى الذَّبْحُ لَا إبْقَاءُ السِّكِّينِ. قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَكَذَا نَقَلَ ابْنُ عَلَاقٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَايَا رَجُلٌ فَوَضَعَ رَجُلُ يَدَهُ عَلَى يَدِهِ فَذَبَحَهَا أَوْ رَفَعَ الْأَوَّلُ يَدَهُ لَا فَرْقَ. وَانْظُرْ هَلْ يَحْتَاجُ الثَّانِي إلَى التَّسْمِيَةِ وَالنِّيَّةِ أَمْ لَا؟ وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَلَزِمَ بِشَعْرِك طَالِقٌ ". وَقَالَ التُّونِسِيُّ: اُنْظُرْ لَوْ غَلَبَتْهُ قَبْلَ تَمَامِ الذَّكَاةِ فَقَامَتْ ثُمَّ أَضْجَعَهَا وَأَتَمَّ الذَّكَاةَ وَكَانَ أَمْرًا قَرِيبًا. ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ أَبُو حَفْصِ بْنُ الْعَطَّارِ: تُؤْكَلُ وَنَزَلَتْ أَيَّامَ قَضَاءِ ابْنِ قِدَاحٍ فِي ثَوْرٍ وَحَكَمَ بِأَكْلِهِ وَبَيَانُ بَائِعِهِ ذَلِكَ وَكَانَ مَسَافَةُ هُرُوبِهِ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ بَاعٍ. (وَفِي النَّحْرِ طَعْنٌ بِلَبَّةٍ) اللَّبَّةُ هِيَ الْحُفْرَةُ الَّتِي فِي الصَّدْرِ فِي أَصْلِ الْعُنُقِ. اللَّخْمِيِّ: وَيُجْزِئُ مِنْ النَّحْرِ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِيهِ الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُومَ كَمَا قَالُوا فِي الذَّبْحِ. قِيلَ: لِأَنَّ مِنْ اللَّبَّةِ تَصِيرُ الْآلَةُ إلَى الْقَلْبِ. ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَلَا يَكْتَفِي بِالطَّعْنِ فِي الْحُلْقُومِ دُونَ أَنْ يُصِيبَ شَيْئًا مِنْ الْأَوْدَاجِ وَيُجْزِئُ مِنْهُ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ: وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِيهِ الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُومَ كَمَا قَالُوا فِي الذَّبْحِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ اشْتِرَاطُ قَطْعِ الثَّلَاثَةِ كَالذَّبْحِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 (وَشُهِرَ أَيْضًا الِاكْتِفَاءُ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ) . الْبَاجِيُّ: الْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ. رَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إذَا أَجْهَزَ عَنْ الْأَوْدَاجِ وَنِصْفِ الْحُلْقُومِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (وَالْوَدَجَيْنِ) . ابْنُ رُفَيْعٍ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ فَإِنَّهُ إذَا قَطَعَ نِصْفَ الْوَدَجِ أَنْهَرَ الدَّمَ. الْهَرَوِيَّ: فَرْيُ الْأَوْدَاجِ تَشْقِيقُهَا وَإِخْرَاجُ مَا فِيهَا مِنْ الدَّمِ. اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا لَمْ يَسْتَأْصِلْ الْقَطْعُ وَقُطِعَ النِّصْفُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فَأَكْثَرَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا قَطَعَ الْأَوْدَاجَ وَنِصْفَ الْحُلْقُومِ فَأَكْثَرَ أُكِلَتْ، وَإِنْ قَطَعَ مِنْهُ أَقَلَّ لَمْ تُؤْكَلْ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ: فِي الدَّجَاجَةِ وَالْعُصْفُورِ إذَا أُجْهِزَ عَلَى أَوْدَاجِهِ وَنِصْفِ حَلْقِهِ وَلَبَّتِهِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يُحِلُّ حَتَّى يَحْتَزَّ الْحُلْقُومَ. انْتَهَى نَقْلُهُ. فَانْظُرْ جَعْلَ مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ إذَا قُطِعَ النِّصْفُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَلَمْ يَنُصَّ إلَّا عَلَى حُكْمِ الْحُلْقُومِ. عِيَاضٌ: فِي جَوَازِهَا بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ مَعَ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ قَوْلَا مَالِكٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ بَقِيَ يَسِيرُ الْأَوْدَاجِ فَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ وَالرِّسَالَةُ مَعَهَا. وَنَصُّ ابْنِ شَعْبَانَ: وَالشَّيْخِ عَنْ سَحْنُونٍ. لَا تُؤْكَلُ. وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: لَا تَحْرُمُ اُنْظُرْ كَثِيرًا مَا يَتَّفِقُ بَقَاءُ وَدَجٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ قَطَعَ الْمَرِيءَ وَالْوَدَجَ الْآخَرَ وَالْحُلْقُومَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 لَكَانَتْ ذَكِيَّةً عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى قَوْلَةٍ لِمَالِكٍ حَكَاهَا عِيَاضٌ. اُنْظُرْ مِنْهَاجَ الْمُحَدِّثِينَ فِي الضَّحَايَا. (وَإِنْ سَامِرِيًّا) مُحَمَّدٌ: تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ السَّامِرِيِّ صِنْفٌ مِنْ الْيَهُودِ يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ (أَوْ مَجُوسِيًّا تَنَصَّرَ) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " يُنَاكِحُ ". (وَذَبَحَ لِنَفْسِهِ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ قِيلَ لِمَالِكٍ: إنَّ الْيَهُودِيَّ يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ فَيُطْعِمُك مِنْ ذَبِيحَتِهِ فَإِذَا ذَبَحْت أَنْتَ لِنَفْسِك لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا وَيَقُولُ إنْ أَرَدْت أَنْ آكُلَ فَهَاتِ حَتَّى أَذْبَحَهُ أَنَا، أَفَتَرَى أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهَا؟ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ مَا أَرَى ذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ إنَّمَا أَبَاحَ لَنَا أَكْلَ مَا ذَبَحُوا لِأَنْفُسِهِمْ، فَأَمَّا أَنْ نُوَلِّيَهُمْ ذَبْحَ شَيْءٍ نَمْلِكُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَا يَأْكُلُونَ ذَبَائِحَنَا فَإِنَّ هَذَا لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يَفْعَلَهُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الشَّاةُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ لَمْ يَنْبَغِ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ ذَبْحِهَا. سَمِعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. (مُسْتَحِلَّهُ) فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَا ذَبَحَهُ الْيَهُودُ مِمَّا لَا يَسْتَحِلُّونَهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَمِنْهُ كُلُّ ذِي ظُفْرٍ الْإِبِلُ وَحُمْرُ الْوَحْشِ وَالنَّعَمُ وَالْإِوَزُّ وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِمَشْقُوقِ الظِّلْفِ وَلَا مُنْفَرِجِ الْقَائِمَةِ وَشُحُومُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الشَّحْمُ الْخَالِصُ كَالثَّرْبِ وَالْكِسَاءِ وَهُوَ شَحْمُ الْكِلَاءِ وَمَا لَصِقَ بِالْقُطْنَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الشَّحْمِ الْمَحْضِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَأَمَّا مَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِمَّا لَيْسَ فِي التَّنْزِيلِ مِثْلَ الطَّرِيفَةِ فَمَكْرُوهٌ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَفِيهَا: مَا ذَبَحَهُ الْيَهُودُ مِنْ الْغَنَمِ فَأَصَابُوهُ فَاسِدًا عِنْدَهُمْ لَا يَسْتَحِلُّونَهُ لِأَجْلِ الدِّيَةِ وَشَبَهِهَا الَّتِي يُحَرِّمُونَهَا فِي دِينِهِمْ، فَمَرَّةً كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 مَالِكٌ يُجِيزُ أَكْلَهَا ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَكْرَهُهُ وَيَقُولُ لَا يُؤْكَلُ. اللَّخْمِيِّ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الطَّرِيقَةِ بِالْإِجَازَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَثَبَتَ عَلَى الْكَرَاهَةِ. (وَإِنْ أَكَلَ الْمَيْتَةَ إنْ لَمْ يَغِبْ) رَوَى مُحَمَّدٌ: إنْ عَرَفَ أَكْلَ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمَيْتَةَ لَمْ يَأْكُلْ مَا غَابَ عَلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: كَذَا نَقَلُوهُ وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ أَكْلِهِ مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ عَدَمِ نِيَّةِ الذَّكَاةِ. (لَا صَبِيٌّ ارْتَدَّ) فِيهَا لِمَالِكٍ: إذَا ارْتَدَّ الْغُلَامُ إلَى أَيِّ دَيْنٍ كَانَ لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ. (وَذَبْحٌ لِصَنَمٍ) فِيهَا: كَرِهَ مَالِكٌ أَكْلُ مَا ذَبَحَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ لِكَنَائِسِهِمْ أَوْ لِأَعْيَادِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ مَا سَمَّوْا عَلَيْهِ الْمَسِيحَ وَلَا أَرَى أَنْ يُؤْكَلَ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكَرِهَ مَالِكٌ أَكْلَ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِالْمُحَرَّمِ وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ (أَوْ غَيْرُ حِلٍّ لَهُ إنْ ثَبَتَ بِشَرْعِنَا وَإِلَّا كُرِهَ) . اللَّخْمِيِّ: قَالَ أَشْهَبُ: كُلُّ مَا كَانَ مُحَرَّمًا بِكِتَابِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا} [الأنعام: 146] إلَى {شُحُومَهُمَا} الْآيَةُ. فَلَا يَأْكُلُ الْمُسْلِمُ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ وَلَا بَأْسَ بِمَا حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُؤْكَلُ هَذَا وَلَا هَذَا ثُمَّ قَالَ: إنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ بَاقٍ وَأَنَّ هَذِهِ الذَّكَاةَ لَيْسَتْ بِذَكَاةٍ قَالَ: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهَا ذَكَاةٌ بِغَيْرِ نِيَّةٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا لِابْنِ يُونُسَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " مُسْتَحِلَّهُ ". (كَجِزَارَتِهِ) فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ: الْحَرْبِيُّونَ وَمَنْ عِنْدَنَا مِنْ الذِّمِّيِّينَ سَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ فِي ذَبَائِحِهِمْ وَمَالِكٌ يَكْرَهُ ذَبَائِحَهُمْ كُلَّهُمْ وَالشِّرَاءَ مِنْ مَجَازِرِهِمْ وَلَا يَرَاهُ حَرَامًا، وَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ أَنْ لَا يَكُونُوا جَزَّارِينَ وَلَا صَيَارِفَةَ فِي الْأَسْوَاقِ، ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقَدْ كَانَ مَنْ مَضَى يَخْتَارُونَ لِذَبَائِحِهِمْ أَهْلَ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ (وَبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ لِعَبْدِهِ) سَيَأْتِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 الْكَلَامُ عَلَى هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِجَارَةٍ لِعَبْدٍ كَافِرٍ وَشِرَاءِ ذَبْحِهِ ". الْبَاجِيُّ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ مَنْعُ أَكْلِ الطَّرِيقَةِ وَهِيَ فَاسِدَةُ ذَبِيحَةِ الْيَهُودِ. اللَّخْمِيِّ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الطَّرِيقَةِ بِالْإِجَازَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَثَبَتَ عَلَى الْكَرَاهَةِ. (وَتَسَلُّفِ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ بَيْعٍ بِهِ لَا أَخْذِهِ قَضَاءً) . فِيهَا لِمَالِكٍ: إذَا بَاعَ الذِّمِّيُّ خَمْرًا بِدِينَارٍ كَرِهْت لِمُسْلِمٍ أَنْ يَتَسَلَّفَهُ مِنْهُ أَوْ يَبِيعَهُ بِهِ شَيْئًا أَوْ يَأْخُذَهُ هِبَةً أَوْ يُعْطِيَهُ فِيهِ دَرَاهِمَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامٍ ابْتَاعَهُ الذِّمِّيُّ بِذَلِكَ الدِّينَارِ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْكَلَ طَعَامُ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَبِيعُ الْخَمْرَ لِأَنَّ مِنْ ذَلِكَ أَكْلَهُمْ وَتَصَرُّفَهُمْ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ ذَلِكَ الدِّينَارَ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ أَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ. (وَشَحْمِ يَهُودِيٍّ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: شُحُومُ الْيَهُودِ الْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِمْ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ، مُحَرَّمَةٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، اللَّخْمِيِّ: الِاخْتِلَافُ فِي ذِي ظُفُرٍ كَالِاخْتِلَافِ فِي الشُّحُومِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ الشَّحْمُ لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَتَبَعَّضُ. (وَذَبْحٍ لِصَلِيبٍ أَوْ عِيسَى) . الْبَاجِيُّ: كَرِهَ مَالِكٌ مَا ذَبَحُوا لِلْكَنَائِسِ أَوْ لِعِيسَى أَوْ لِجِبْرِيلَ أَوْ لِأَعْيَادِهِمْ. زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالصَّلِيبُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ. وَأَمَّا مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ فَمُحَرَّمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3] . ابْنُ حَبِيبٍ: فِي أَكْلِ مَا ذُبِحَ لِأَعْيَادِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ تَعْظِيمٌ لِشِرْكِهِمْ. وَقَدْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ فِي النَّصْرَانِيِّ يُوصِي بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ لِكَنِيسَةٍ فَيُبَاعُ: لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ شِرَاؤُهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شَرَائِعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ، وَمُسْلِمٌ يَشْتَرِي مُسْلِمَ سَوْءٍ. وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ: لَا يَنْبَغِي الذَّبْحُ لِعَوَامِرِ الْجَانِّ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الذَّبْحِ لِلْجَانِّ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ قَصَدَ بِهِ اخْتِصَاصَهَا بِانْتِفَاعِهَا بِالْمَذْبُوحِ كُرِهَ، وَإِنْ قَصَدَ التَّقَرُّبَ بِهِ إلَيْهَا حَرُمَ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا كَرِهَ مَالِكٌ مَا ذَبَحُوهُ لِجِبْرِيلَ. وَمِنْ شَرْحِ سَيِّدِي ابْنِ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْتَحِقُ بِهَذَا مَا يَعْمَلُهُ الْمَحْمُومُ مِنْ طَعَامٍ وَيَضَعُهُ عَلَى الطَّرِيقِ وَيُسَمِّيهِ ضِيَافَةَ الْجَانِّ. وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُهْدِيَ لِلنَّصْرَانِيِّ فِي عِيدِهِ مُكَافَأَةً لَهُ وَنَحْوُهُ إعْطَاءُ الْيَهُودِيِّ وَرَقَ النَّخِيلِ لِعِيدِهِ. (وَقَبُولُ مُتَصَدِّقٍ بِهِ كَذَلِكَ) سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الطَّعَامِ يَتَصَدَّقُ بِهِ النَّصْرَانِيُّ عَنْ مَوْتَاهُ: يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ قَبُولُهُ قَالَ: لِأَنَّهُ يُعْمَلُ تَعْظِيمًا لِشِرْكِهِمْ. (وَذَكَاةِ خُنْثَى وَخَصِيٍّ وَفَاسِقٍ) . ابْنُ رُشْدٍ: الَّتِي تُكْرَهُ ذَبَائِحُهُمْ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى وَالْخَصِيُّ وَالْأَغْلَفُ وَالْفَاسِقُ، وَإِنْ كَانَ السَّكْرَانُ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ لَمْ يُمْنَعْ أَكْلُ ذَبِيحَتِهِ لِلشَّكِّ فِي نِيَّةِ الذَّكَاةِ وَلَا يُصَدِّقُ نَفْسَهُ وَيَنْوِي فِي حَقِّ نَفْسِهِ. وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَذَبَحَهَا بِيَدِهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَفِي ذَبْحِ كِتَابِيٍّ لِمُسْلِمٍ " (قَوْلَانِ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُمَكِّنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 ذَبِيحَتَهُ مِنْ كِتَابِيٍّ وَإِنْ كَانَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ فَعَلَ أُكِلَتْ. انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَذَبَحَ لِنَفْسِهِ ". (وَجُرْحُ مُسْلِمٍ) فِيهَا لِمَالِكٍ: ذَبِيحَةُ الصَّبِيِّ تُؤْكَلُ إذَا أَطَاقَ الذَّبْحَ وَعَرَفَهُ وَكَذَلِكَ صَيْدُهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا أَرَى صَيْدَهُمَا مِثْلَ ذَبَائِحِهِمَا، وَأَرَى أَنْ لَا يُؤْكَلَ صَيْدُهُمَا. اللَّخْمِيِّ: قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] قَالَ ابْنُ الْجَهْمِ: مَعْنَاهُ ذَبَائِحُهُمْ. وَرَشَّحَ اللَّخْمِيُّ جَوَازَ صَيْدِ الْكِتَابِيِّ بِأَنَّهَا ذَكَاةٌ كُلُّهَا لَا فَرْقَ بَيْنَ تَذْكِيَتِهِمْ الْإِنْسِيِّ وَالْوَحْشِيِّ. اُنْظُرْ مَا عَقَرُوهُ مِنْ الْإِنْسِيِّ وَقَالُوا: إنَّهُ ذَكِيٌّ عِنْدَهُمْ، كَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ إنَّا لَا نَسْتَبِيحُ الْوَحْشِيَّ بِعُقْرِهِمْ فَمِنْ بَابِ الْأَوْلَى الْإِنْسِيُّ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاسْتِبَاحَةِ عَلَّلَهُ اللَّخْمِيِّ بِأَنَّهُ ذَكَاةٌ عِنْدَنَا، وَعَقْرُهُمْ الْإِنْسِيَّ لَيْسَ بِذَكَاةٍ عِنْدَنَا فَلَا نَسْتَبِيحُهُ بِذَلِكَ. فَمَا وَقَعَ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ فَهُوَ هَفْوَةٌ وَقَدْ اتَّبَعَ الْفُقَهَاءُ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِهِ. (مُمَيِّزٌ) رَوَى مُحَمَّدٌ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 لَا يُؤْكَلُ صَيْدُ سَكْرَانَ وَلَا مَجْنُونٍ. فِيهَا: وَلَا صَبِيٌّ لَا يَعْقِلُ. ابْنُ حَبِيبٍ: أَكْرَهُ صَيْدَ الْجَاهِلِ بِحُدُودِ الصَّيْدِ غَيْرِ مُتَحَرٍّ صَوَابَهُ. (وَحْشِيًّا) فِيهَا لِمَالِكٍ: مَا نَدَّ مِنْ الْأَنْعَامِ الْإِنْسِيَّةِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ فَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةِ الْإِنْسِيَّةِ. (وَإِنْ تَأَنَّسَ) فِيهَا لِمَالِكٍ: مَا دَجَنَ مِنْ الْوَحْشِ ثُمَّ نَدَّ وَاسْتَوْحَشَ فَإِنَّهُ يُذَكَّى بِمَا يُذَكَّى بِهِ الصَّيْدُ مِنْ الرَّمْيِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى أَصْلِهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: حَمَامُ الْبُيُوتِ وَالْبِرَكِ وَالْإِوَزُّ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَهَا وَحْشِيَّةٌ وَلَا أَرَى هَذَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ إذْ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الْوَحْشِيَّةِ تَرْجِعُ إلَيْهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْقِرَ عَقْرًا لَا يَبْلُغُ مَقْتَلًا وَتُعَرْقَبُ ثُمَّ تُذَكَّى. وَأَمَّا الْبَقَرُ فَهِيَ عِنْدِي لَهَا أَصْلٌ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ تَرْجِعُ إلَيْهِ فَإِذَا اسْتَوْحَشَتْ حَلَّتْ عِنْدِي بِالصَّيْدِ. (عَجَزَ عَنْهُ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْوَحْشِيُّ يَتَأَنَّسُ كَالنَّعَمِ. وَكَذَا لَوْ عَجَزَ أَوْ حَلَّ بَعْدَ الْإِرْسَالِ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِلَا مَشَقَّةٍ، وَفِيهَا لِمَالِكٍ: مَنْ رَأَى صَيْدًا فَأَثْخَنَهُ حَتَّى صَارَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَفِرَّ ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّ هَذَا قَدْ صَارَ أَسِيرًا كَالشَّاةِ لَا تُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ وَيَضْمَنُ الَّذِي رَمَاهُ فَقَتَلَهُ لِلْأَوَّلِ قِيمَتَهُ يُرِيدُ قِيمَتَهُ مَجْرُوحًا. (إلَّا بِعُسْرٍ) . أَصْبَغُ إنْ كَانَ الْوَكْرُ فِي شَاهِقَةِ جَبَلٍ أَوْ عَلَى شَجَرَةٍ يَكُونُ فِيهَا فِرَاخُ الطَّيْرِ لَا يُوجَدُ سَبِيلٌ إلَى إنْزَالِهَا عَلَى حَالٍ أَوْ لَعَلَّهُ يُطَاقُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَخَافُ فِي ذَلِكَ الْعَطَبَ وَالْعَنَتَ، فَإِنِّي لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْهَا بَازَهُ وَيَأْكُلَهَا وَإِنْ قَتَلَهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ بِمَوْضِعٍ قَرِيبٍ يُنَالُ بِالطُّلُوعِ إلَيْهَا وَالِاحْتِيَالِ إلَيْهَا فَتَقَعُ بِالْأَرْضِ فَتُؤْخَذُ بِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ مَأْسُورَةٌ مَمْلُوكَةٌ لَا تُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ، فَإِنْ أَرْسَلَ بَازَهُ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا لَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 يَأْكُلْهَا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهَا. (لَا نَعَمٍ شَرَدَ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: مَا نَدَّ مِنْ الْأَنْعَامِ فَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ. (أَوْ تَرَدَّى بِكَهُوَّةٍ) فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَالْعُتْبِيِّ عَنْ أَصْبَغَ: مَا اضْطَرَّهُ الْجَارِحُ لِحُفْرَةٍ لَا خُرُوجَ لَهُ مِنْهَا أَوْ انْكَسَرَ رِجْلُهُ فَكَنَعَمٍ. مُحَمَّدٌ: وَكَذَا مَا بِجَزِيرَةٍ صَغِيرَةٍ يَتَأَتَّى أَخْذُهُ مِنْهَا. (بِسِلَاحٍ مُحَدَّدٍ) التَّلْقِينُ: كُلُّ مَا جَرَحَ مِنْ السِّلَاحِ فَالِاصْطِيَادُ، بِهِ جَائِزٌ مِنْ سَيْفٍ وَرُمْحٍ وَسِكِّينٍ وَسَهْمٍ وَمِعْرَاضٍ أَصَابَ بِحَدِّهِ دُونَ عَرْضِهِ. عِيَاضٌ: الْمِعْرَاضُ عَصًا فِي طَرَفَيْهَا حَدِيدَةٌ وَقَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ حَدِيدَةٍ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ إلَّا مَا خَرَقَ بِحَدِّهِ. وَفِيهَا: مَا جَرَحَهُ حَدُّ مِعْرَاضٍ أَوْ عَصًا أَوْ عُودٌ وَلَمْ يَنْفُذْ مَقْتَلًا فَمَاتَ أُكِلَ كَالسَّهْمِ. ابْنُ يُونُسَ: الْمِعْرَاضُ خَشَبَةٌ فِي رَأْسَهَا كَالزَّجِّ. (وَحَيَوَانٍ عُلِّمَ) التَّلْقِينُ: شَرْطُ الْجَارِحِ الْمَصِيدِ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا. وَفِيهَا لِمَالِكٍ: مَنْ أَرْسَلَ كَلْبًا غَيْرَ مُعَلَّمٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 لَمْ يُؤْكَلْ مَا صَادَ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ فَيُذَكِّيهِ. (بِإِرْسَالٍ مِنْ يَدِهِ) فِيهَا لِمَالِكٍ: وَإِذَا أَثَارَ الرَّجُلُ صَيْدًا فَأَشْلَى عَلَيْهِ كَلْبَهُ وَهُوَ مُطْلَقٌ فَانْشَلَى عَلَيْهِ وَصَادَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسِلَهُ مِنْ يَدِهِ فَلْيَأْكُلْ مَا صَادَهُ. ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ: لَا يُؤْكَلُ حَتَّى يُطْلِقَهُ مِنْ يَدِهِ مُرْسِلًا لَهُ مُشْلِيًا، وَبِالْأَوَّلِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَفِيهَا لِمَالِكٍ: وَلَوْ ابْتَدَأَ الْكَلْبُ طَلَبَهُ أَوْ أَفْلَتَهُ مِنْ يَدِهِ مُرْسَلًا ثُمَّ أَشْلَاهُ رَبُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَخَذَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ قَبْلَ إنْفَاذِ مَقَاتِلِهِ، لِأَنَّ الْكَلْبَ خَرِجَ مِنْ غَيْرِ إرْسَالٍ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْإِرْسَالَ شَرْطٌ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ، وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الذَّكَاةِ النِّيَّةَ فَإِرْسَالُ الْكَلْبِ كَنِيَّةِ الذَّابِحِ. الْبَاجِيُّ: إذَا انْشَلَى الْكَلْبُ بِنَفْسِهِ عَلَى الصَّيْدِ ثُمَّ أَعَانَهُ الصَّائِدُ بِالْإِشْلَاءِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُؤْكَلُ، وَرَوَى ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُؤْكَلُ. وَوَجَّهَهُ أَنَّهُ بِإِشْلَائِهِ تَمَادَى فَوَجَبَ أَنْ يَطْرَحَ مَا كَانَ مِنْ جَرْيِهِ قَبْلَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَبِهَذَا كَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ يُفْتِي وَيَنْقُلُ نَصَّ ابْنِ رُشْدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمَبْسُوطِ لِيَحْيَى قَالَ: وَكَيْفَ يُبْتَغَى الصَّيْدُ إلَّا هَكَذَا. يُخْرِجُ كِلَابَهُ مَعَهُ فَإِذَا بَلَغَ مَوْضِعَ الصَّيْدِ وَمَظَانَّهُ أَرْسَلَهَا فِيهِ لِلطَّلَبِ وَتَدْخُلُ الْغِيَاضَ وَالشَّجَرَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يُشْلِيهَا وَيَحُضُّهَا أَوْ يَأْمُرُهَا، فَإِذَا أَثَارَتْ الصَّيْدَ أَشْلَاهَا عَلَيْهِ فَطَلَبَتْهُ. فَإِنْ قُلْتَ: طَابَ أَكْلُهُ وَحَلَّ وَهَذَا نَاحِيَةُ قَوْلِ مَالِكٍ عِنْدَنَا وَتَأْوِيلُهُ وَاَلَّذِي نَأْخُذُ بِهِ وَنَرَاهُ، وَهَذَا إذَا أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ عَلَى الْإِشْلَاءِ وَالطَّلَبِ فِي مَظَانِّهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: أَجَازَ أَصْبَغُ كُلَّ مَا يَبْتَدِئُ الْكَلْبُ طَلَبَهُ إذَا اتَّبَعَ رَبَّهُ بِالْإِشْلَاءِ وَالتَّحْرِيضِ وَالتَّسْمِيَةِ. وَصَدَرَتْ مِنِّي فُتْيَا بِأَنْ قُلْت: الَّذِي أَتَحَمَّلُ عُهْدَتَهُ فِي الْكَلْبِ إذَا أَنْفَذَ مَقَاتِلَ الصَّيْدِ أَنْ أَقُولَ لِصَاحِبِهِ: هَلْ رَأَيْتَ كَلْبَكَ حِينَ رَأَى هَذَا الصَّيْدَ وَصَوَّبَ إلَيْهِ وَدَعْ كُنْتَ أَنْتَ غَائِبًا عَنْ الصَّيْدِ. فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ لَهُ: فَصِحْتَ أَنْتَ عَلَى الْكَلْبِ حِينَئِذٍ وَزِدْتَهُ إغْرَاءً وَسَمِعَكَ. فَإِنْ قَالَ نَعَمْ. قُلْتُ: فَسَمَّيْتَ اللَّهَ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُمْ نَصُّوا أَنَّ الْكَلْبَ إذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ وَسَمَّى اللَّهَ فَشَمَّ كَلْبًا آخَرَ أَوْ جِيفَةً فِي طَرِيقِهِ أَنَّ هَذَا الْإِرْسَالَ قَدْ بَطَلَ وَيَحْتَاجُ لِإِرْسَالٍ آخَرَ وَتَسْمِيَةٍ أُخْرَى. فَإِنْ قَالَ لِي نَعَمْ، فَأَقُول لَهُ: هَذَا الصَّيْدُ ذَكِيٌّ وَدَعْكَ لَمْ تُرْسِلْ الْكَلْبَ مِنْ يَدِكَ وَلَا رَأَيْتَ الصَّيْدَ، فَإِنْ تَخَلَّفَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَالصَّيْدُ غَيْرُ ذَكِيٍّ إلَّا التَّسْمِيَةَ سَهْوًا فَالْأَمْرُ فِيهَا قَرِيبٌ. (بِلَا ظُهُورِ تَرْكٍ) فِيهَا: وَمَنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ عَلَى صَيْدٍ فَطَلَبَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الطَّلَبِ ثُمَّ عَادَ فَقَتَلَهُ، فَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 كَانَ كَالطَّالِبِ لَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا أَوْ عَطَفَ وَهُوَ عَلَى طَلَبِهِ فَهُوَ عَلَى أَوَّلِ إرْسَالِهِ، وَإِنْ وَقَفَ لِأَكْلِ الْجِيفَةِ أَوْ شَمَّ كَلْبًا أَوْ سَقَطَ الْبَازِي عَجْزًا عَنْهُ ثُمَّ رَأَيَاهُ فَاصْطَادَهُ فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا بِإِرْسَالٍ مُؤْتَنَفٍ. (وَلَوْ تَعَدَّدَ مَصِيدُهُ) فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى جَمَاعَةِ صَيْدٍ وَلَمْ يُرِدْ وَاحِدًا مِنْهَا دُونَ الْآخَرِ فَأَخَذَهَا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا أَكَلَ مَا أَخَذَ مِنْهَا. اللَّخْمِيِّ: الْمُرْسَلُ عَلَى مُتَعَدِّدٍ إنْ نَوَى مُعَيَّنًا فَغَيْرُهُ كَنَعَمْ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فَالثَّانِي كَنَعَمْ، فَلَوْ شَكَّ فِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا فَكِلَاهُمَا كَنَعَمْ، وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَأَخَذَ أَكْثَرَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ بِسَهْمٍ أَكَلَهَا. ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَمَالِكٌ: وَكَذَا بِغَيْرِهِ. (أَوْ أَكَلَ) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِي شَرْطِ عَدَمِ أَكْلِهِ طُرُقٌ، الْأَكْثَرُ لَغْوُهُ. ابْنُ بَشِيرٍ: لَا يُعْتَبَرُ فِي الطَّيْرِ اتِّفَاقًا وَالْكَلْبُ الْمَعْرُوفُ مِثْلُهُ. وَفِيهَا لِمَالِكٍ: وَإِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ أَكْثَرَهُ فَلْيَأْكُلْ بَقِيَّتَهُ مَا لَمْ يَبِتْ وَهُوَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْ كُلِّ مَا أَخَذَ فَهُوَ مُعَلَّمٌ. (أَوْ لَمْ يَرَ بِغَارٍ أَوْ غَيْضَةٍ) اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ: مَا بَغِيضَةٍ أَوْ غَارٍ أَوْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ إنْ كَانَ بِهَا صَيْدٌ يُحِلُّ بِقَتْلِهِ. الْبَاجِيُّ: مَا لَا يَخْتَلِطُ بِهِ غَيْرُهُ كَالْغَارِ الْمَشْهُورُ أَكْلُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ اضْطَرَبَ الْبَازِي عَلَى يَدِ صَاحِبِهِ عَلَى شَيْءٍ يَرَاهُ وَلَا يَرَاهُ صَاحِبُهُ فَأَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ يَنْوِي مَا صَادَهُ كَانَ الَّذِي اضْطَرَبَ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ لَا كُلُّ مَا صَادَهُ عَلَى مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي يُرْسِلُ كَلْبَهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنْ الصَّيْدِ وَيَنْوِي إنْ كَانَ وَرَاءَهَا جَمَاعَةٌ أُخْرَى لَمْ يَرَهَا فَيَأْخُذُ مِمَّا لَمْ يَرَ أَنَّهُ يَأْكُلُهُ، وَيُبَيِّنُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: مَنْ رَأَى كَلْبَهُ يُحِدُّ النَّظَرَ وَكَالْمُلْتَفِتِ يَمِينًا وَشِمَالًا فَأَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ لَمْ يَرَهُ فَلْيَأْكُلْ مَا أَخَذَ، وَهُوَ كَإِرْسَالِهِ فِي الْغِيَاضِ وَالْغَيْرَانِ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 يَدْرِي مَا فِيهَا، عَرَفَ أَنَّ فِيهَا صَيْدًا أَوْ لَمْ يَعْرِفْ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَظْهَرُ. (أَوْ لَمْ يَظُنَّ نَوْعَهُ مِنْ الْمُبَاحِ) . ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ رَآهُ أَوْ نَوَاهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ كَفَى. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. (أَوْ ظَهَرَ خِلَافُهُ) . ابْنُ بَشِيرٍ: لَوْ رَمَى إبِلًا فَوَجَدَ بَقَرَةَ وَحْشٍ فَفِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ. وَنَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ أَشْهَبَ الْجَوَازَ وَصَوَّبَهُ التُّونِسِيُّ قَالَ: وَانْظُرْ لَوْ أَرَادَ ذَبْحَ كَبْشٍ فَذَبَحَهُ فَإِذَا هُوَ نَعْجَةٌ وَالْأَصْوَبُ أَكْلُهُ. (لَا إنْ ظَنَّهُ حَرَامًا) فِيهَا لِمَالِكٍ: مَنْ رَمَى صَيْدًا بِسِكِّينٍ فَقَطَعَ رَأْسَهُ أَكَلَهُ إنْ نَوَى اصْطِيَادَهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ اصْطِيَادَهُ لَمْ يُؤْكَلْ. وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَى صَيْدًا وَهُوَ يَظُنُّهُ سَبُعًا أَوْ خِنْزِيرًا فَأَصَابَ ظَبْيًا لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ حِينَ رَمَاهُ لَمْ يُرِدْ صَيْدَهُ فَلَا يَأْكُلُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ رَمَى سَبُعًا لِذَكَاةِ جِلْدِهِ فَإِذَا هُوَ ظَبْيٌ فَفِي جَوَازِ أَكْلِهِ نَقْلٌ نَقَلَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ شُيُوخِهِ وَصَوَّبَ طَرْحَهُ. (أَوْ أَخَذَ غَيْرَ مُرْسَلٍ عَلَيْهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: إنْ نَوَى مُعَيَّنًا فَغَيْرُهُ كَنَعَمٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ نَوَى جَمَاعَتَيْنِ فَأَصَابَ مِنْ جَمَاعَةٍ أُخْرَى غَيْرَهَا فَلَا يَأْكُلُهُ إذَا كَانَ قَدْ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ. (أَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُبِيحُ فِي شَرِكَةِ غَيْرِهِ كَمَاءٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 فَسُبِعَ أَوْ ضُرِبَ بِمَسْمُومٍ أَوْ كَلْبِ مَجُوسِيٍّ) أَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُبِيحُ فِي شَرِكَةِ الْمَاءِ. أَبُو زَيْدٍ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ مَقَاتِلَهُ وَأَدْرَكَهُ وَقَدْ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ وَسَهْمُهُ فِي مَقَاتِلِهِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أَصَابَ مَقَاتِلَهُ فَلَا يَقْرُبُهُ إلَّا أَنْ يُذَكِّيَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا بَيِّنٌ إنْ كَانَ مَا أَصَابَهَا بَعْدَ إنْفَاذِ الْمَقَاتِلِ فَلَا يَضُرُّهُ إذْ قَدْ فَرَغَ مِنْ ذَكَاتِهَا وَهُوَ مِثْلُ مَنْ ذَبَحَ ذَبِيحَةً فَسَقَطَتْ فِي مَاءٍ فَمَاتَتْ فِيهِ أَوْ تَرَدَّتْ مِنْ جَبَلٍ أَنَّهَا تُؤْكَلُ. قَالَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَفِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُبِيحُ فِي شَرِكَةِ السَّهْمِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَا مَاتَ بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ وَلَمْ يُنْفَذْ مَقْتَلُهُ وَلَا أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ طُرِحَ. ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا. قَالَ عُمَرُ فِي كَافِيهِ: فَإِنْ أَنْفَذَ السَّهْمُ مَقَاتِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْرِيَ السُّمُّ فِيهِ لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ خَوْفًا مِنْ أَذَى السُّمِّ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا أَنْفَذَ السَّهْمُ بِالسُّمِّ مَقَاتِلَهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ الِاخْتِلَافُ بِالْمَعْنَى مِنْ مَسْأَلَةِ الذَّبْحِ فِي الْمَاءِ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ وَصَلَ إلَى مَذْبَحِهَا فِي الْمَاءِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا خِلَافًا لِابْنِ نَافِعٍ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ فَلِمَالِكٍ لَا يُؤْكَلُ لَعَلَّ السَّهْمَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ وَأَخَافُ عَلَى مَنْ أَكَلَهُ وَهَذَا عِنْدِي إذَا لَمْ يَنْفُذْ السَّهْمُ مَقَاتِلَهُ فَإِنْ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ فَقَدْ ذَهَبَتْ عِلَّةُ خَوْفِهِ أَنْ يُعِينَ عَلَى قَتْلِهِ السُّمُّ بَقِيَتْ عِلَّةُ الْخَوْفِ عَلَى آكِلِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ السَّمُومِ الَّتِي يُؤْمَنُ عَلَى آكِلِهَا كَالْبَقْلَةِ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْعِلَّتَانِ وَجَازَ أَكْلُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى أَصْلِ ابْنِ نَافِعٍ انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا رَمَى بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ وَلَمْ يَنْفُذْ مَقَاتِلَهُ وَأُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا يُؤْكَلُ. وَنَحْوُهُ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَالَ سَحْنُونَ: إنَّهُ يُؤْكَلُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ قَدْ ذُكِّيَ وَحَيَاتُهُ فِيهِ مُجْتَمِعَةٌ قَبْلَ أَنْ يَنْفُذَ مَقَاتِلَهُ انْتَهَى. ابْنُ رُشْدٍ: وَيَتَخَرَّجُ عَلَى الذَّبْحِ فِي الْمَاءِ وَالرَّمْيِ بِالسَّهْمِ الْمَسْمُومِ فَيَنْفُذُ مَقَاتِلَهُ الْمُنْخَنِقَةُ بِذَبْحٍ فِي الْمَاءِ فِي حَالِ خِنَاقِهَا وَهِيَ تَنْفُسُ وَعَيْنُهَا تَطْرِفُ انْتَهَى. اُنْظُرْ ذَبْحَ الدِّيَكَةِ عِنْدَ خِنَاقِهَا بِالْعَجِينِ، هَلْ هُوَ مِنْ هَذَا؟ وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَنْ دِيكٍ أُطْعِمَ الْعَجِينَ لِيَسْمَنَ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَفِي شَقِّ الْوَدَجِ " وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ بِنَهْشِهِ " وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُبِيحُ فِي شَرِكَةِ كَلْبِ مَجُوسِيٍّ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إذَا أَرْسَلَ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ كَلْبَيْهِمَا عَلَى صَيْدٍ فَتَعَاوَنَا أَوْ لَمْ يَتَعَاوَنَا فَلَمْ يَدْرِ أَيَّهُمَا سَبَقَ إلَيْهِ فَقَتَلَهُ أَنَّهُ لَمْ يُؤْكَلْ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ كَلْبَ الْمُسْلِمِ قَتَلَهُ وَلَمْ يُمْسِكْهُ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ أَكَلَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ إمْسَاكِهِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَإِنْ صَادَ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ أَكَلَ، وَإِنْ صَادَ الْمَجُوسِيُّ بِكَلْبِ الْمُسْلِمِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ بِمَنْزِلَةِ لَوْ ذَبَحَ أَحَدُهُمَا بِسِكِّينِ الْآخَرِ. (أَوْ بِنَهْشِهِ مَا قَدَرَ عَلَى خَلَاصِهِ مِنْهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَدْرَكَ الصَّيْدَ يَضْطَرِبُ وَقَدْ أَنْفَدَتْ الْجَوَارِحُ مَقَاتِلَهُ فَأَحْسَنُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَفْرِيَ أَوْدَاجَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ أَكَلَهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ أَدْرَكَ الْكَلْبَ وَالْبَازَ عَلَى صَيْدِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُذَكِّيَهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَإِنْ كَانَ قَدْ غَلَبَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَأْتِ التَّفْرِيطُ مِنْهُ حَتَّى مَاتَ بِنَفْسِهِ فَلْيَأْكُلْهُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 وَلَوْ كَانَ إنْ شَاءَ عَزَلَهُ عَنْهُ عَزَلَهُ وَذَكَّاهُ فَلَمْ يَعْزِلْهُ حَتَّى مَاتَ فَلَا يَأْكُلُهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلَاصِهِ مِنْ الْكَلْبِ إلَّا أَنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يُذَكِّيَهُ تَحْتَهُ فَلْيُذَكِّهِ، فَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ حَتَّى مَاتَ فَلَا يَأْكُلُهُ قَالَ: وَلَوْ قَدَرَ عَلَى خَلَاصِهِ مِنْ الْكِلَابِ فَذَكَّاهُ وَهُوَ فِي أَفْوَاهِهَا تَنْهَشُهُ فَلَا يُؤْكَلُ إذْ لَعَلَّهُ مِنْ نَهْشِهَا مَاتَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يُوقِنَ أَنَّهُ ذَكَّاهُ وَهُوَ مُجْتَمِعٌ قَبْلَ أَنْ تَنْفُذَ هِيَ مَقْتَلَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ (أَوْ أَغْرَى فِي الْوَسَطِ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " بِإِرْسَالٍ مِنْ يَدِهِ ". (أَوْ تَرَاخَى فِي اتِّبَاعِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ تَوَارَى عَنْهُ كَلْبُهُ وَالصَّيْدُ فَرَجَعَ الرَّجُلُ إلَى بَيْتِهِ ثُمَّ عَادَ فَأَصَابَهُ مِنْ يَوْمِهِ لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ إدْرَاكِ ذَكَاتِهِ لَوْ تَبِعَهُ. اللَّخْمِيِّ: هَذَا إنْ وَجَدَهُ غَيْرَ مَنْفُوذٍ وَلَوْ وَجَدَهُ مَنْفُوذًا فَإِنْ كَانَ بِرَمْيٍ أُكِلَ، وَبِجَارِحٍ طُرِحَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْجَارِحَ يَقْتُلُهُ سَرِيعًا لِقُوَّتِهِ وَضَعْفِ الصَّيْدِ. اللَّخْمِيِّ: وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَصَّارِ. وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ فِي السَّهْمِ وَالْجَارِحِ لَوْ رَجَعَ مِنْ اتِّبَاعِهِ اخْتِيَارًا (إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ تَرَاخَى فِي اتِّبَاعِهِ فَإِنْ ذَكَّاهُ قَبْلَ أَنْ يَنْفُذَ مَقَاتِلَهُ أُكِلَ بِالذَّبْحِ لَا بِالصَّيْدِ وَإِلَّا فَلَا، إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَرَاخَى لَمْ يَعُدْ وَهَذَا يَظْهَرُ فِي السَّهْمِ. (أَوْ حَمَلَ الْآلَةَ مَعَ غَيْرٍ أَوْ بِخُرْجٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَدْرَكَهُ حَيًّا قَبْلَ أَنْ تَنْفُذَ الْكِلَابُ مَقَاتِلَهُ فَاشْتَغَلَ بِإِخْرَاجِ سِكِّينٍ مِنْ خُرْجٍ أَوْ بِانْتِظَارِ مَنْ مَعَهُ مِنْ عَبْدٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى تَقْتُلَهُ الْجَوَارِحُ أَوْ يَمُوتَ وَقَدْ اعْتَزَلَتْ الْجَوَارِحُ عَنْهُ، لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ أَدْرَكَهُ حَيًّا، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُذَكِّيَهُ ذَكَّاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ كَانَ السِّكِّينُ فِي حَقِّهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: أَوْ فِي حِزَامِهِ فَبَيْنَمَا يُخْرِجُهَا مِنْ الْحَقِّ وَمِنْ الْحِزَامِ مَاتَ الصَّيْدُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ حَمَلَهَا فِي مَوْضِعٍ تُحْمَلُ فِيهِ لَمْ يُفَرِّطْ وَاَلَّذِي حَمَلَهَا فِي الْخُرْجِ فَرَّطَ فَافْتَرَقَا. (أَوْ بَاتَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَوَارَى عَنْهُ كَلْبُهُ وَالصَّيْدُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا فِيهِ أَثَرُ كَلْبِهِ أَوْ بَازِهِ أَوْ سَهْمِهِ وَهُوَ فِيهِ أَكَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ إلَّا آخِرَ النَّهَارِ مَا لَمْ يَبِتْ، فَإِنْ بَاتَ فَلَا يَأْكُلُهُ، وَإِنْ أَنْفَذَتْ مَقَاتِلَهُ الْجَوَارِحُ أَوْ سَهْمَهُ وَهُوَ فِيهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَمَّا السَّهْمُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ وَإِنْ بَاتَ. وَقَالَ أَصْبَغُ: قَالَ: وَقَدْ أَمِنَ عَلَيْهِ مِمَّا يَخَافُ الْفُقَهَاءُ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ السَّهْمِ قَالَ: وَلَمْ نَجِدْ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذِهِ عَنْ مَالِكٍ ذِكْرًا فِي كُتُبِ السَّمَاعِ، وَلَا رَوَاهَا عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَمْ نَشُكَّ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَهَمَ فِيهَا. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَبِهِ أَقُولُ. ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ الصَّوَابُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ. قَالَ سُلَيْمَانُ: وَقَالَهُ سَحْنُونَ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَصْحَابِنَا. الْبَاجِيُّ: وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَنْفُذْ السَّهْمُ مَقَاتِلَهُ حَتَّى غَابَ عَنْهُ، أَمَّا إنْ نَفَذَ السَّهْمُ أَوْ الْكَلْبُ مَقَاتِلَ الصَّيْدِ بِمُشَاهَدَةِ الصَّائِدِ ثُمَّ تَحَامَلَ الصَّيْدُ وَغَابَ عَنْهُ فَقَدْ كَمَلَتْ ذَكَاتُهُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ مَغِيبُهُ وَلَا مَبِيتُهُ. (أَوْ صَدَمَ أَوْ عَضَّ بِلَا جُرْحٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا طَلَبَ الْجَارِحُ صَيْدًا فَمَاتَ ابْنُهَا أَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ لَمْ يُؤْكَلْ كَالْمَوْقُوذَةِ، وَلَوْ أَخَذَتْهُ الْكِلَابُ فَقَتَلَهُ بِالْعَضِّ وَالرَّضِّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ تُنْبِيهِ أَوْ تُدْمِهِ لَمْ يُؤْكَلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 كَالْمَوْقُوذَةِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ أَدْمَتْهُ وَلَوْ فِي أُذُنِهِ أُكِلَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الصَّيْدُ بِصَدْمِهَا فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ، وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبْتَ الصَّيْدَ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَقْطَعْ فِيهِ لَمْ يُؤْكَلْ كَالْعَصَا وَهَذَا كُلُّهُ مَوْقُوذًا (أَوْ قَصَدَ مَا وَجَدَ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ لَمْ يَرَ بِغَارٍ " لَكِنْ قَالَ الْبَاجِيُّ: الْإِرْسَالُ عَلَى غَيْرِ تَعْيِينٍ، مِثْلُ أَنْ يُرْسِلَهُ عَلَى كُلِّ صَيْدٍ يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. (أَوْ أَرْسَلَ ثَانِيًا بَعْدَ مَسْكِ أَوَّلٍ وَقَتْلٍ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ ثُمَّ أَمَدَّهُ بِآخَرَ بَعْدَ أَنْ فَارَقَهُ الْأَوَّلُ فَقَتَلَاهُ أَوْ قَتَلَهُ أَحَدُهُمَا فَأَكْلُهُ جَائِزٌ. اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ قَتَلَهُ الثَّانِي وَكَانَ إرْسَالُهُ بَعْدَ أَنْ أَمْسَكَهُ الْأَوَّلُ لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ. (أَوْ اضْطَرَبَ فَأَرْسَلَ وَلَمْ يَرَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُضْطَرِبُ وَغَيْرُهُ فَتَأْوِيلَانِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي الْبَازِي يَضْطَرِبُ عَلَى شَيْءٍ يَرَاهُ وَلَا يَرَاهُ صَاحِبُهُ فَيُرْسِلُهُ لَا أُحِبُّ أَنْ يَأْكُلَ مَا صَادَ إلَّا أَنْ يُوقِنَ أَنَّهُ الَّذِي اضْطَرَبَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: فَلَوْ نَوَى مَا صَادَ كَانَ الَّذِي اضْطَرَبَ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ لَا كُلَّ مَا صَادَ رَاجِعْ مَا قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَمْ يَرَ بِغَارٍ ". (وَوَجَبَ نِيَّتُهَا) فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: مَنْ رَمَى صَيْدًا لِيُنَفِّرَهُ عَنْ مَحَلِّهِ لَا لِصَيْدٍ فَكَنَعَمٍ وَنَحْوُهُ سَمْعُ ابْنِ وَهْبٍ. (وَتَسْمِيَةٌ إنْ ذَكَرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الرَّمْيِ وَعِنْدَ إرْسَالِ الْجَوَارِحِ وَعِنْدَ الذَّبْحِ لِقَوْلِهِ: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] وَإِنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَكَلَ وَسَمَّى اللَّهَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 وَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا لَمْ تُؤْكَلْ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي تَرْكِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ. التَّلْقِينُ: عَمْدُ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ يُحَرِّمُهَا عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إلَّا أَنْ يَتَأَوَّلَ. (وَنَحْرُ إبِلٍ وَذَبْحُ غَيْرِهِ إنْ قَدَرَ وَجَازَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 لِلضَّرُورَةِ إلَّا الْبَقَرَ فَيُنْدَبُ الذَّبْحُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُذْبَحُ مَا يُنْحَرُ وَلَا يُنْحَرُ مَا يُذْبَحُ خَلَا الْبَقَرِ فَإِنَّ النَّحْرَ وَالذَّبْحَ فِيهَا جَائِزٌ. وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ فِيهَا الذَّبْحَ قَالَ مَالِكٌ: وَالْغَنَمُ تُذْبَحُ وَلَا تُنْحَرُ، وَالْإِبِلُ تُنْحَرُ وَلَا تُذْبَحُ، فَإِنْ نُحِرَتْ الْغَنَمُ أَوْ ذُبِحَتْ الْإِبِلُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لَمْ تُؤْكَلْ. وَقَالَ أَشْهَبُ تُؤْكَلُ. ابْنُ يُونُسَ: وَوَجَّهَهُ لِأَنَّهُ جَائِزٌ مَعَ الضَّرُورَةِ. الْبَاجِيُّ: وَالْخَيْلُ كَالْبَقَرِ. الْأَبْهَرِيُّ: إنْ نَحَرَ الْفِيلَ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِعَظْمِهِ وَجِلْدِهِ وَنَحْرُ الطَّيْرِ حَتَّى النَّعَامَةِ لَغْوٌ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهَا لَا لَبَّةَ لَهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَمَا عَجَزَ عَنْهُ فِي مُهْوَاةٍ جَازَ فِيهِ مَا أَمْكَنَ مِنْ ذَبْحٍ وَنَحْرٍ فَإِنْ تَعَذَّرَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُحِلُّ بِطَعْنِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا. (كَالْحَدِيدِ) عِيَاضٌ: وَلَا يُذَكَّى بِغَيْرِ حَدِيدٍ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَهُ اتِّفَاقًا فَإِنْ فَعَلَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَسَاءَ وَلَا يَحْرُمُ أَكْلُهَا. (وَإِحْدَادُهُ) فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: السُّنَّةُ أَنْ تُحَدَّ الشَّفْرَةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الذَّبْحِ. وَرَأَى عُمَرُ رَجُلًا يَحُدُّ شَفْرَتَهُ وَقَدْ أَخَذَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: تُعَذِّبُ الرُّوحَ أَلَا فَعَلْتَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْخُذَهَا. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا خَيْرَ فِي الذَّبْحِ بِمِنْجَلِ الْحَصْدِ الْمُضَرَّسِ لَا الْأَمْلَسِ، وَلَوْ قَطَعَ الْمُضَرَّسُ قَطْعَ الشَّفْرَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 وَمَا أَرَاهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ. (وَقِيَامُ الْإِبِلِ وَضَجْعُ ذَبْحٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تُنْحَرُ الْبُدُنُ قَائِمَةً أَحَبُّ إلَيَّ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ تُضْجَعُ وَتُذْبَحُ. (عَلَى أَيْسَرَ) فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: السُّنَّةُ أَخْذُ الشَّاةِ بِرِفْقٍ يُضْجِعُهَا عَلَى شِقِّهَا الْأَيْسَرِ لِلْقِبْلَةِ رَأْسُهَا مَشْرِقَ يَأْخُذُهُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى جِلْدُ حَلْقِهَا مِنْ اللَّحْيِ الْأَسْفَلِ فَيَمُدُّهُ لِتَبِينَ الْبَشَرَةُ فَيَضَعُ السِّكِّينَ حَيْثُ تَكُونُ الْجَوْزَةُ فِي الرَّأْسِ ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ وَيُمِرُّ السِّكِّينَ مَرًّا مُجْهِزًا مِنْ غَيْرِ تَرْدِيدٍ، فَيَرْفَعُ يَدَهُ دُونَ نَخْعٍ وَقَدْ حُدَّتْ الشَّفْرَةُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا يَضْرِبُ بِهَا الْأَرْضَ وَلَا يَجْعَلُ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِهَا وَلَا يَجُرُّهَا بِرِجْلِهَا. وَكَرِهَ رَبِيعَةُ ذَبْحَهَا وَأُخْرَى تَنْظُرُ، وَكَرِهَ مَالِكٌ ذَبْحَهَا عَلَى شِقِّهَا الْأَيْمَنِ إلَّا الْأَعْسَرَ، وَكَرِهَ ابْنُ حَبِيبٍ ذَبْحَ الْأَعْسَرِ. (وَتَوَجُّهُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مِنْ السُّنَّةِ تَوْجِيهُ الذَّبِيحَةِ إلَى الْقِبْلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أُكِلَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 وَبِئْسَ مَا صَنَعَ. وَنَهَى مَالِكٌ الْجَزَّارِينَ يَدُورُونَ حَوْلَ الْحُفْرَةِ يَذْبَحُونَ حَوْلَهَا وَأَمَرَهُمْ بِتَوْجِيهِهَا إلَى الْقِبْلَةِ. مُحَمَّدٌ: تَرْكُ تَوْجِيهِهَا لِلْقِبْلَةِ سَهْوًا عَفْوٌ وَعَمْدًا لَا أُحِبُّ أَكْلَهَا. ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ كَانَ عَمْدًا لَا جَهْلًا لَمْ تُؤْكَلْ. (وَإِيضَاحُ الْمَحَلِّ) تَقَدَّمَ نَصُّ مُحَمَّدٍ لِتَبَيُّنِ الْبَشَرَةُ (وَفَرْيُ وَدَجَيْ صَيْدٍ أُنْفِذَ مَقْتَلُهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: أَحْسَنُ أَنْ يَفْرِيَ أَوْدَاجَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَكَلَهُ (وَفِي جَوَازِ الذَّبْحِ بِالظُّفْرِ وَالسِّنِّ أَوْ إنْ انْفَصِلَا أَوْ بِالْعَظْمِ أَوْ مَنْعِهِمَا خِلَافٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ احْتَاجَ أَنْ يَذْبَحَ بِمَرْوَةِ أَوْ عُودٍ أَوْ عَظْمٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ ذَبَحَ بِذَلِكَ وَمَعَهُ سِكِّينٌ فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ إذَا أَفْرَى الْأَوْدَاجَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ أَسَاءَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْمَرْوَةُ حِجَارَةٌ بِيضٌ صُلْبَةٌ حِدَادٌ وَالْعَظْمُ يَجُوزُ بِهِ الذَّبْحُ ذَكِيًّا أَوْ غَيْرَ ذَكِيٍّ، وَأَمَّا السِّنُّ وَالظُّفْرُ الْمَنْهِيُّ عَنْ التَّذْكِيَةِ بِهِمَا فَهُمَا الْمُرَكَّبَانِ فِي فَمِ الْإِنْسَانِ وَفِي أُصْبُعِهِ، فَإِنْ كَانَا مَنْزُوعَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ بِهِمَا إذَا أَمْكَنَ. التَّلْقِينُ: وَفَلَقَةُ الْقَصَبَةِ. وَتَقَدَّمَ نَصُّ عِيَاضٍ: إنَّ هَذَا كُلَّهُ إنَّمَا هُوَ مَعَ الضَّرُورَةِ. انْتَهَى مَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ عَرَفَةَ. (وَحَرُمَ اصْطِيَادُ مَأْكُولٍ إلَّا بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ) اللَّخْمِيِّ: الصَّيْدُ لِلْعَيْشِ اخْتِيَارًا مُبَاحٌ وَلِسَدِّ خَلَّتِهِ وَلِتَوْسِيعِ ضِيقِ عَيْشِهِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَلِإِحْيَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 نَفْسٍ وَاجِبٌ وَلِلَّهْوِ مَكْرُوهٌ، وَأَبَاحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَدُونَ نِيَّةٍ أَوْ لِمُضَيِّعٍ وَاجِبًا حَرَامٌ (إلَّا بِكَخِنْزِيرٍ فَيَجُوزُ) اللَّخْمِيِّ: صَيْدُ الْخِنْزِيرِ لِأَكْلِهِ غَيْرَ مُضْطَرٍّ حَرَامٌ. وَلِمُضْطَرٍّ قَالَ الْوَقَارُ: يُسْتَحَبُّ فِيهِ نِيَّةُ ذَكَاتِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ تَعَلَّقَتْ بِهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَيْتَةً لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَتَذْكِيَةُ الْمَيْتَةِ لَغْوٌ. اللَّخْمِيِّ: وَصَيْدُهُ لِقَتْلِهِ جَائِزٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ: مَنْ وَرِثَ مِنْ عَبْدِهِ النَّصْرَانِيِّ خِنْزِيرًا سَرَّحَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ» ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يُرِيدَ بُيُوتَ الْمَدِينَةِ خَاصَّةً وَأَنْ يُرِيدَ جَمِيعَ الْبُيُوتِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا فَيُسْتَحَبُّ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تُقْتَلَ حَيَّاتُ الْبُيُوتِ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ بِخِلَافِ حَيَّاتِ الْمَدِينَةِ، وَأَمَّا حَيَّاتُ الصَّحَارَى وَالْأَوْدِيَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى الْأَمْرِ بِقَتْلِهَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: «خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ» فَذَكَرَ فِيهِنَّ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ، فَيُقْتَلُ مَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِهِ مِنْ الْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالْحَدَأَةِ وَالْوَزَغَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ رُشْدٍ. وَانْظُرْ حُكْمَ الْكَلْبِ غَيْرِ الْعَقُورِ فِي الْبُيُوعِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَيُقْتَلُ كُلُّ مَا يُؤْذِي مِنْ الدَّوَابِّ كَالْبُرْغُوثِ وَالْقَمْلَةِ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالنَّارِ. (كَذَكَاةِ مَا لَا يُؤْكَلُ إنْ أَيِسَ مِنْهُ) سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الدَّابَّةِ الَّتِي يُؤْكَلُ لَحْمُهَا تَعْيَا فِي أَرْضٍ لَا عَلَفَ فِيهَا فَقَالَ: يَدَعُهَا وَلَا يَذْبَحُهَا قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ دَابَّةٌ مَرِيضَةٌ يَئِسَ مِنْ النَّفْعِ بِهَا عَلَى كُلِّ وَجْهٍ فَذَبْحُهَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ تَرْكِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا قَالَ فِي الدَّابَّةِ الَّتِي تَعْيَا أَنَّهُ يَدَعُهَا، رَجَاءَ أَنْ يَجِدَهَا مَنْ يَقُومُ عَلَيْهَا حَتَّى تَصِحَّ، ثُمَّ إنْ وَجَدَهَا صَاحِبُهَا قَدْ صَحَّتْ عِنْدَ الَّذِي قَامَ عَلَيْهَا فَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الَّذِي قَامَ عَلَيْهَا مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا، وَاسْتَحَبَّ فِي الَّتِي يَئِسَ مِنْ الْمُنْتَفَعِ بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنْ يَذْبَحَهَا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رَاحَتَهَا، وَهَذَا هُوَ الْآتِي عَلَى مَا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ أَنَّ الْقِطَطَ الصِّفَارَ يَجُوزُ قَتْلُهَا إذَا قَلَّ غِذَاءُ أُمَّهَاتِهَا وَأَمَّا الْكِبَارُ فَحَكَى الْقَرَافِيُّ أَنَّهُ إذَا خَرَجَتْ إذَايَتُهَا عَنْ عَادَةِ الْقِطَطِ وَتَكَرَّرَتْ قُتِلَتْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 (وَكُرِهَ ذَبْحٌ بِدُونِ حُفْرَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَتَوْجِيهُهُ " (وَسَلْخٌ أَوْ قَطْعٌ قَبْلَ الْمَوْتِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَبْدَأَ الْجَزَّارُ بِسَلْخِ الشَّاةِ قَبْلَ أَنْ تَزْهَقَ نَفْسُهَا قَالَ: وَلَا يَقْطَعُ رَأْسَهَا وَلَا شَيْئًا مِنْ لَحْمِهَا حَتَّى تَزْهَقَ نَفْسُهَا فَإِنْ فَعَلَتْ أُكِلَتْ مَعَ مَا قُطِعَ مِنْهَا. (كَقَوْلِ مُضَحٍّ: اللَّهُمَّ مِنْكَ وَإِلَيْكَ) أَنْكَرَ مَالِكٌ قَوْلَ الْمُضَحِّي: اللَّهُمَّ مِنْكَ وَإِلَيْكَ وَقَالَ: هَذِهِ بِدْعَةٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ قَالَ هَذَا الذِّكْرَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَرَجٌ وَأُجِرَ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ تَأَوَّلَ قَوْلَ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَبْيَنُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعَاءٌ لَهُ فَلَا وَجْهَ لِكَرَاهَتِهِ. (وَتَعَمُّدُ إبَانَةِ رَأْسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ذَبَحَ فَتَرَامَتْ يَدُهُ إلَى أَنْ أَبَانَ الرَّأْسَ أُكِلَتْ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ وَبَدَأَ فِي قَطْعِهِ بِالْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ أُكِلَتْ لِأَنَّهَا كَذَبِيحَةٍ ذُكِّيَتْ ثُمَّ عَجَّلَ قَطْعَ رَأْسِهَا قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ أَنْ تُؤْكَلَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ فَهُوَ اسْتِحْسَانٌ (وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ الْأَكْلِ إنْ قَصَدَهُ أَوَّلًا) لَمْ يَنْقُلْ ابْنُ يُونُسَ إلَّا مَا تَقَدَّمَ فَانْظُرْهُ أَنْتَ. (وَدُونَ نِصْفٍ أُبِينَ مَيْتَةٌ إلَّا الرَّأْسَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا قَطَعَ الْكَلْبُ أَوْ الْبَازُ عُضْوًا مِنْ الصَّيْدِ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ فَخِذٍ أَوْ جَنَاحٍ أَوْ خَطْمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَبَانَهُ فَلْيُذْكِهِ وَيَأْكُلْ بَقِيَّتَهُ دُونَ مَا أَبَانَ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ ذَكَاتَهُ وَفَاتَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلْيَأْكُلْهُ دُونَ مَا أَبَانَ مِنْهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبْتَ صَيْدًا فَأَبَنْتَ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ أَبْقَيْتَهُ مُعَلَّقًا بِالْجِلْدِ بَقَاءً لَا يَعُودُ لِهَيْئَتِهِ أَبَدًا فَإِنَّهُ يُذَكَّى وَيُؤْكَلُ دُونَ مَا تَعَلَّقَ مِنْهُ أَوْ بَانَ قَالَ: فَأَمَّا إنْ كَانَ مَا تَعَلَّقَ مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَلْتَحِمُ وَيَعُودُ لِهَيْئَتِهِ فَلْيُؤْكَلْ جَمِيعُهُ. قَالَ: وَإِنْ ضَرَبْتَهُ فَأَبَنْتَ رَأْسَهُ أَوْ ضَرَبْتَ رَأْسَهُ فَجَزَلْتَهُ نِصْفَيْنِ فَلْيَأْكُلْ جَمِيعَهُ. ابْنُ يُونُسَ: الْعِلَّةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ ضَرْبَةٍ بَلَغَتْ الْمَقَاتِلَ فَجَذَلَتْ ذُكِّيَ كُلُّهُ إذْ لَا حَيَاةَ لِصَيْدٍ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا، وَكُلُّ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْمَقَاتِلَ وَأَمْكَنَ أَنْ يَحْيَا الصَّيْدُ بَعْدَهُ فَاَلَّذِي جُزِلَ مِنْهُ مَيْتَةٌ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ أُخِذَ مِنْ الْحَيِّ مِمَّا جَرَى فِيهِ الدَّمُ فَهُوَ مَيْتَةٌ إذْ لَا يُذَكِّي شَخْصٌ مَرَّتَيْنِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُؤْكَلْ مَا جُذِلَ مِنْهُ مِنْ يَدٍ أَوْ جَنَاحٍ. (وَمَلَكَ الصَّيْدَ الْمُبَادِرُ وَإِنْ تَنَازَعَ قَادِرُونَ فَبَيْنَهُمْ) قِيلَ لِسَحْنُونٍ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا سَائِرِينَ فِي طَرِيقٍ فَوَجَدَ أَحَدُهُمْ عُشًّا فَقَالَ هَذَا الْعُشُّ لِي أَنَا رَأَيْتَهُ قَبْلَكُمْ فَلَا تَأْخُذُوهُ فَبَدَرَهُ إلَيْهِ رَجُلٌ فَأَخَذَهُ قَالَ: هُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَلَيْسَ قَوْلُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 هُوَ لِي قَبْضًا مِنْهُ وَلَا حِيَازَةً لَهُ. قِيلَ: فَلَوْ وَجَدُوهُ كُلُّهُمْ فَبَدَرَ إلَيْهِ أَحَدُهُمْ فَأَخَذَهُ فَقَالَ: هُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ. قِيلَ: فَلَوْ وَجَدُوهُ كُلُّهُمْ فَأَرَادَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ وَتَدَافَعُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَتْرُكْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يَصِلُ إلَيْهِ قَالَ: إذَنْ أَقْضِي بِهِ بَيْنَهُمْ خَوْفًا أَنْ يَقْتَتِلُوا عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ لَا خِلَافَ فِيهَا. (وَإِنْ نَدَّ وَلَوْ مِنْ مُشْتَرٍ فَلِلثَّانِي لَا إنْ تَأَنَّسَ وَلَمْ يَتَوَحَّشْ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِيمَا نَدَّ مِنْ صَائِدِهِ وَصَادَهُ غَيْرُهُ طَرِيقَانِ. اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ: إنْ صِيدَ قَبْلَ تَوَحُّشِهِ وَبَعْدَ تَأَنُّسِهِ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ اتِّفَاقًا، وَلَوْ صَادَهُ بَعْدَ تَوَحُّشِهِ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: هُوَ لِلثَّانِي. ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِنْ مَلَكَهُ الْأَوَّلُ بِشِرَاءٍ فَهَلْ يَكُونُ كَالْأَوَّلِ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: هُوَ كَالْأَوَّلِ. وَقَالَ ابْنِ الْكَاتِبِ: هَذَا يَكُونُ لِلْأَوَّلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ يُحْيِيهَا الْإِنْسَانُ ثُمَّ يَتْرُكُهَا حَتَّى تَرْجِعَ إلَى حَالِهَا قَبْلَ الْإِحْيَاءِ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِمَنْ أَحْيَاهَا ثَانِيًا، وَإِنْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ تَرَكَهَا فَإِنَّهَا لَا تَزُولُ عَنْ مِلْكِهِ. (وَاشْتَرَكَ طَارِدٌ مَعَ ذِي حِبَالَةٍ قَصَدَهَا وَلَوْلَاهَا لَمْ يَقَعْ بِحَسَبِ فِعْلِهِمَا) سَمِعَ عِيسَى ابْنُ الْقَاسِمِ الرَّجُلَ يَنْصِبُ حِبَالَةً لِلصَّيْدِ أَوْ فَخًّا أَوْ يَعْمَلُ حُفْرَةً لِيَقَعَ فِيهَا الصَّيْدُ فَيَخْرُجُ قَوْمٌ فَيَطْرُدُونَ صَيْدًا إلَى ذَلِكَ الْمَنْصِبِ لِيَقَعَ فِيهِ، هَلْ تَرَى لِصَاحِبِ الْحُفْرَةِ أَوْ الْفَخِّ أَوْ الْحِبَالَةِ شَيْئًا مِنْ الصَّيْدِ؟ قَالَ: نَعَمْ أَرَى أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ شَرِيكًا فِي ذَلِكَ الصَّيْدِ بِقَدْرِ مَا يَرَى لَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ قَاسِمٍ هَذَا عَلَى مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا إشْكَالَ عَلَى مَذْهَبِهِ إذَا طَرَدُوهُ إلَى الْمَنْصِبِ وَقَصَدُوا إيقَاعَهُ فِيهِ وَهُمْ مُتَّبِعُونَ لَهُ عَلَى قُرْبٍ مِنْهُ أَوْ بُعْدٍ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ بِقَدْرِ مَا يَرَى لَهُ وَلَهُمْ. وَكَذَلِكَ لَا إشْكَالَ عَلَى مَذْهَبِهِ إذَا كَانُوا عَلَى بُعْدٍ مِنْهُ وَأَيِسَ مَا أَخَذَهُ فَمَشَى بِاخْتِيَارِهِ وَهُوَ قَدْ انْقَطَعَ عَنْهُمْ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ أَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 لِصَاحِبِهِ وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِيهِ. وَكَذَلِكَ لَا إشْكَالَ عَلَى مَذْهَبِهِ لَوْ طَرَدُوا صَيْدًا لِيَأْخُذُوهُ وَهُمْ لَا يُرِيدُونَ إيقَاعَهُ فِي الْمَنْصِبِ فَلَمَّا أَعْيَوْهُ أَشْرَفُوا عَلَى أَخْذِهِ، وَكَانَ كَالشَّيْءِ الَّذِي قَدْ مَلَكُوهُ وَحَازُوهُ لِقُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِ وَقَعَ فِي الْمَنْصِبِ دُونَ أَنْ يَقْصِدُوا إيقَاعَهُ فِيهِ أَنَّهُ لَهُمْ وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْمَنْصِبِ فِيهِ. وَانْظُرْ لَوْ كَانُوا إنَّمَا طَرَدُوهُ وَأَعْيَوْهُ وَهُمْ لَا يُرِيدُونَ إيقَاعَهُ فِي الْمَنْصِبِ، فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى أَخْذِهِ قَصَدُوا إيقَاعَهُ فِي الْمَنْصِبِ لِيَخِفَّ عَنْهُمْ فِي أَخْذِهِ بَعْضُ النَّصَبِ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي عَلَى مَذْهَبِهِمْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ وَيَكُونَ عَلَيْهِمْ لِصَاحِبِ الْمَنْصِبِ قِيمَةُ انْتِفَاعِهِمْ بِمَنْصِبِهِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ لَوْ طَرَدُوا صَيْدًا إلَى دَارِ رَجُلٍ فَأَخَذُوهُ فِيهِ وَهَذَا أَشْبَهُ وَأَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي هَذَا (وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَأَيِسَ مِنْهُ فَلِرَبِّهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: لَا إشْكَالَ إذَا كَانُوا عَلَى بُعْدٍ مِنْهُ وَأَيِسَ مِنْ أَخْذِهِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِيهِ (وَعَلَى تَحْقِيقٍ بِغَيْرِهَا فَلَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: لَوْ كَانَ كَالشَّيْءِ الَّذِي مَلَكُوهُ وَوَقَعَ فِي الْمَنْصِبِ دُونَ أَنْ يَقْصِدُوا إيقَاعَهُ فِيهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْمَنْصِبِ فِيهِ (كَالدَّارِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: يَكُونُ لِصَاحِبِ الْمَنْصِبِ قِيمَةُ انْتِفَاعِهِمْ بِمَنْصِبِهِ، وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ لَوْ طَرَدُوا صَيْدًا إلَى دَارِ رَجُلٍ فَانْظُرْهُ مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ. (إلَّا أَنْ لَا يَطْرُدَهُ لَهَا فَلِرَبِّهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ طَرَدَ صَيْدًا حَتَّى دَخَلَ دَارَ قَوْمٍ فَإِنْ اضْطَرَّهُ وَجَوَارِحَهُ إلَيْهَا فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَضْطَرَّهُ وَكَانَ عَلَى بُعْدٍ مِنْهُ فَهُوَ لِرَبِّ الدَّارِ. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ الصَّيْدُ غَيْرَ مَقْهُورٍ وَلَا مَضْغُوطٍ بِالطَّلَبِ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَذْهَبَ إلَى غَيْرِ طَرِيقِ الْمَنْصِبِ لِعُذْرٍ فَأَرَاهُ لِصَاحِبِ الْمَنْصِبِ وَلَا شَيْءَ لِطَالِبِهِ. قَالَ ابْنُ حَارِثٍ: وَلَوْ لَمْ يَضْطَرَّهُ طَارِدٌ لِلدَّارِ فَدَخَلَهَا الصَّيْدُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِرَبِّ الدَّارِ. (وَضَمِنَ مَارٌّ أَمْكَنَهُ ذَكَاتُهُ وَتَرَكَ) . ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ مَرَّ بِالصَّيْدِ غَيْرُ صَاحِبِهِ فَرَآهُ فِي مَخَالِبِ الْبَازِي أَوْ فِي فَمِ الْكَلْبِ وَكَانَ يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهِ فَتَرَكَهُ وَلَمْ يَلْحَقْهُ صَاحِبُهُ حَتَّى فَاتَ بِنَفْسِهِ فَلَا يُؤْكَلُ، وَغَيْرُ صَاحِبِهِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 هَذَا مِثْلُ صَاحِبِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لِأَنَّهُ قَدْ أَمْكَنَ الْمَارَّ بِهِ ذَكَاتُهُ فَكَانَ كَرَبِّهِ وَفِي هَذَا بُعْدٌ، لِأَنَّ رَبَّهُ قَدْ عَجَزَ عَنْ ذَكَاتِهِ حَتَّى مَاتَ بِنَفْسِهِ. وَمَنْ رَآهُ فِي فَمِ الْكَلْبِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُذَكِّيَهُ بَلْ يُقَالُ لَهُ قَتَلْتَهُ فَعَلَيْكَ قِيمَتُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي ضَمَانِ الْمَارِّ طُرُقٌ. ابْنُ مُحْرِزٍ: فِيهِ نَظَرٌ. ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَنْصُوصُ أَنَّ الْمَارَّ بِهِ يَضْمَنُهُ لِصَاحِبِهِ. قَالَهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ. اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّاةِ يَجِدُهَا مَرِيضَةً فَلَا يَلْزَمُهُ ذَكَاتُهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ تَرَكَ بِاتِّفَاقٍ. (كَتَرْكِ تَخْلِيصِ مُسْتَهْلَكٍ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ بِيَدِهِ) . ابْنُ بَشِيرٍ: أَجْرَى ابْنُ مُحْرِزٍ عَلَى هَذَا فُرُوعًا مِنْهَا: أَنْ يَرَى إنْسَانًا يَسْتَهْلِكُ نَفْسَ إنْسَانٍ أَوْ مَالَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى خَلَاصِهِ فَلَا يَفْعَلُ حَتَّى يَهْلَكَ (أَوْ شَهَادَتِهِ) . ابْنُ بَشِيرٍ: وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِإِنْسَانٍ فَلَا يُؤَدِّيهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى تَلَفِهِ أَوْ تَلَفِ مَالِهِ (أَوْ بِإِمْسَاكِ وَثِيقَةٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ وَثِيقَةٌ بِحَقٍّ فَلَا يُخْرِجُهَا حَتَّى يَقَعَ التَّلَفُ أَيْضًا (أَوْ تَقْطِيعُهَا) . ابْنُ بَشِيرٍ: أَمَّا لَوْ قَطَعَ إنْسَانٌ وَثِيقَةَ إنْسَانٍ حَتَّى ضَاعَ مَا فِيهَا فَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ فِي ضَمَانِهِ (وَفِي قَتْلِ شَاهِدَيْ حَقٍّ تَرَدُّدٌ) . ابْنُ بَشِيرٍ: دُونَ هَذَا فِي الْمَرْتَبَةِ أَنْ يَقْتُلَ شَاهِدَيْهِ اللَّذَيْنِ يَشْهَدَانِ لَهُ بِحَقٍّ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَتَعَدَّ عَلَى نَفْسِ الشَّهَادَةِ إنَّمَا تَعَدَّى عَلَى سَبَبِهَا، فَهُوَ بِلَا شَكٍّ أَضْعَفُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى إذَا رَجَعَ الْمُزَكِّي أَوْ شَاهِدُ الْإِحْصَانِ (وَتَرْكِ مُوَاسَاةٍ وَجَبَتْ بِخَيْطٍ لِجَائِفَةٍ) . ابْنُ بَشِيرٍ: وَمِنْهَا أَنْ يَجْرَحَ إنْسَانٌ جُرْحَ جَائِفَةٍ أَوْ غَيْرَهَا فَيُمْسِكُ عَنْهُ آخَرُ مَا يَخِيطُ بِهِ حَتَّى يَهْلِكَ (وَفَضْلِ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ لِمُضْطَرٍّ) . ابْنُ بَشِيرٍ: وَمِنْهَا أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ مُوَاسَاةُ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَفْعَلُ حَتَّى يَهْلِكَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَهَا أَصْلٌ فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ (وَعُمُدٍ وَخَشَبٍ فَيَقَعُ الْجِدَارُ) . ابْنُ مُحْرِزٍ: إنْ وَجَبَ ضَمَانُ الْمَارِّ وَجَبَ فِي التَّلَفِ بِتَرْكِ مُوَاسَاةٍ بِفَضْلِ سَقْيِ زَرْعٍ أَوْ مَاسِكِ حَائِطِ جَارٍ عَنْ سُقُوطِهِ أَوْ الْتِقَاطِ مَالٍ ذِي قَدْرٍ (لَهُ لِثَمَنٍ إنْ وُجِدَ) سَيَأْتِي النَّصُّ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَطَعَامُ غَيْرٍ إنْ لَمْ يَخَفْ الْقَطْعَ ". وَخَرَّجَ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَسْأَلَةً سُئِلَ عَنْهَا وَهِيَ: صَاحِبُ حَبْسٍ حُوسِبَ فَشَطَّ دَخْلُهُ عَلَى خُرُوجِهِ فَادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَزَلْ بَاقِيًا عِنْدَ سُكَّانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 رُبْعِ الْحَبْسِ وَاطَّلَعَ عَلَى هَذَا بَعْدَ وَفَاةِ صَاحِبِ الْحَبْسِ، هَلْ تَرَوْنَ يَمِينًا عَلَى مَنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ مِنْ الْوَرَثَةِ؟ فَأَجَابَ: السُّؤَالُ عَنْ تَوْجِيهِ الْيَمِينِ كَالدَّلِيلِ عَلَى وُضُوحِ عَدَمِ تَضْمِينِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالصَّوَابُ إنْ قَامَ دَلِيلٌ بِتَفْرِيطِهِ تَضْمِينُهُ، وَنَزَلْت أَيَّامَ الْقَاضِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَضَى بِتَضْمِينِهِ وَأَظُنُّ دَلِيلَهُ فِي ذَلِكَ مَسْأَلَةَ التَّضْمِينِ بِالتَّرْكِ الْمَشْهُورِ. ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الصَّيْدِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ فِي الْوَصِيِّ إذَا بَوَّرَ أَرْضَ الْيَتِيمِ حَتَّى نَقَصَتْ أَنَّ عَلَيْهِ غُرْمَ مَا نَقَصَهُ. وَلِلَّخْمِيِّ مَا يَقْرُبُ مِنْ هَذَا فِي دَلَالِيِّ الطَّعَامِ. (وَأُكِلَ الْمُذَكَّى وَإِنْ أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ) . ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِي الْمَرِيضَةِ وَإِنْ أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهَا إذَا وَجَدَ دَلِيلَ الْحَيَاةِ فِيهَا حِينَ الذَّكَاةِ (بِتَحَرُّكٍ قَوِيٍّ) . ابْنُ رُشْدٍ: الْحَرَكَةُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ اسْتِفَاضَةِ نَفَسِهَا فِي حَلْقِهَا دَلِيلٌ عَلَى الْحَيَاةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَأَدْنَى الْحَرَكَةِ أَنْ تَطْرِفَ بِعَيْنِهَا أَوْ تُحَرِّكَ ذَنَبَهَا أَوْ تَرْكُضَ بِرِجْلِهَا أَوْ يُوجَدَ مِنْهَا مَا يَقُومُ مَقَامَ الْحَرَكَةِ وَهُوَ اسْتِفَاضَةُ نَفَسِهَا فِي حَلْقِهَا، وَعِبَارَةُ ابْنِ حَبِيبٍ فِي جَوْفِهَا أَوْ مَنْخِرَيْهَا. ابْنُ بَشِيرٍ: وَحَرَكَةُ الِارْتِعَاشِ وَالِارْتِعَادِ وَمَدِّ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ قَبْضِهَا لَغْوٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي لَغْوِ الْقَبْضِ نَظَرٌ. اللَّخْمِيِّ: وَحَرَكَةُ الذَّنَبِ أَقْوَى مِنْ حَرَكَةِ الْعَيْنِ. فَإِنْ وُجِدَتْ هَذِهِ الْعَلَامَاتُ فِي حَالِ الذَّبْحِ خَاصَّةً فَلِابْنِ حَبِيبٍ تُؤْكَلُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَاجِيُّ غَيْرَهُ، وَلِابْنِ نَافِعٍ أَيْضًا كَذَلِكَ مَا مُقْتَضَاهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْحَرَكَةِ حَالَ الذَّبْحِ لَا بَعْدَ الذَّبْحِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ كَثِيرٌ، ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا سَيَلَانُ الدَّمِ دُونَ الْحَرَكَةِ فَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْحَيَاةِ فِي الصَّحِيحَةِ خَاصَّةً (مُطْلَقًا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: الْحَرَكَةُ دَلِيلٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ (وَسَيْلُ دَمٍ إنْ صَحَّتْ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: سَيَلَانُ الدَّمِ دُونَ حَرَكَةٍ دَلِيلٌ فِي الصَّحِيحَةِ خَاصَّةً (إلَّا الْمَوْقُوذَةَ وَمَا مَعَهَا الْمَنْفُوذَةُ الْمَقَاتِلِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُصَابَةُ بِهَا مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَلَا مَانِعَ عَيْشِهَا غَالِبًا كَصَحِيحَةٍ وَالْمُصَابَةُ بِمَا أَنْفَذَ مَقْتَلَهَا فِيهَا طُرُقٌ. الْبَاجِيُّ: ذَكَاتُهَا لَغْوٌ اتِّفَاقًا. ابْنَ رُشْدٍ: مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ أَجَازَ ذَكَاةَ الْمُنْخَنِقَةِ وَأَخَوَاتِهَا، وَإِنْ صَارَتْ الْبَهِيمَةُ بِمَا أَصَابَهَا مِنْ ذَلِكَ إلَى حَالِ الْيَأْسِ مَا لَمْ يَنْفُذْ لَهَا ذَلِكَ مَقْتَلًا، وَذَلِكَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ وَإِحْدَى رِوَايَتَيْ أَشْهَبَ انْتَهَى. وَانْظُرْ الرِّسَالَةَ فَظَاهِرُهَا أَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 الْمَوْقُوذَةَ وَأَخَوَاتِهَا إنْ بَلَغَتْ مَبْلَغًا لَا تَعِيشُ مَعَهُ لَا تَنْفَعُ فِيهَا الذَّكَاةُ وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَنْفُوذَةِ الْمَقَاتِلِ. (بِقَطْعِ نُخَاعٍ) . ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ الْمَقَاتِلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا انْقِطَاعُ النُّخَاعِ وَهُوَ الْمُخُّ الَّذِي فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ وَالصُّلْبِ. الْبَاجِيُّ: وَهُوَ الْمُخُّ الْأَبْيَضُ الَّذِي فِي وَسَطِ فَقَارِ الْعُنُقِ وَالظَّهْرِ، فَإِنْ انْدَقَّ الْعُنُقُ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعِ نُخَاعِهِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ بِمَقْتَلٍ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَا كَسْرُ الصُّلْبِ وَلَمْ يَنْقَطِعْ النُّخَاعُ (وَنَثْرِ دِمَاغٍ) . الْبَاجِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ: مِنْ الْمَقَاتِلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا انْتِثَارُ الدِّمَاغِ. عَبْدُ الْحَقِّ: وَشَدْخُ الرَّأْسِ دُونَ انْتِثَارِ الدِّمَاغِ لَيْسَ بِمَقْتَلٍ. وَمِنْ نَوَازِلِ ابْنِ لُبٍّ: مَعْنَى انْتِثَارِ الدِّمَاغِ أَنْ يَبْرُزَ شَيْءٌ مِنْ الْمُخِّ الَّذِي فِي الصِّفَاقِ وَيَنْفَصِلَ عَنْ مَقَرِّهِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ ابْنُ الشَّيْخِ: إذَا انْفَصَلَ الْمُخُّ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ وَلَمْ يَنْقَطِعْ النُّخَاعُ فَالصَّحِيحُ جَوَازُ الْأَكْلِ وَيُبَيِّنُ إذَا بَاعَ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يَتَخَرَّجُ عَلَى شَقِّ الْوَدَجِ شَقُّ النُّخَاعِ. وَقَالَ ابْنُ لُبٍّ: الْخِلَافُ فِي شَقِّ الْوَدَجِ وَالْمَصِيرِ خِلَافٌ فِي شَهَادَةٍ هَلْ يَلْتَئِمُ أَمْ لَا؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْتَئِمُ بِخِلَافِ الْقَطْعِ. وَسُئِلَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَّنْ وَجَدَ بَعْدَ السَّلْخِ جُرْحًا فِي الْقَلْبِ، فَأَجَابَ: إنْ كَانَ يَسِيرًا يُمْكِنُ أَنْ لَا يُصِيبَهَا مِنْهُ مَوْتٌ فَلَا بَأْسَ (أَوْ حُشْوَةٍ) . ابْنُ رُشْدٍ وَالْبَاجِيُّ: مِنْ الْمَقَاتِلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ انْتِثَارُ الْحُشْوَةِ. عَبْدُ الْحَقِّ: وَشَقُّ الْجَوْفِ دُونَ قَطْعِ مَصِيرٍ وَدُونَ انْتِثَارِ شَيْءٍ مِنْ الْحُشْوَةِ غَيْرَ مَقْتَلٍ. وَقَالَ عِيَاضٌ: إذَا انْشَقَّ الْجَوْفُ فَانْتَثَرَتْ مِنْهُ الْحُشْوَةُ وَلَمْ تَنْقَطِعْ فَلَيْسَ انْتِثَارُهَا حِينَئِذٍ بِمَقْتَلٍ لِأَنَّهَا قَدْ تَرِدُ، وَأَمَّا قَرْضُ الْمُصْرَانِ وَانْبِتَاتُ بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ فَمَقْتَلٌ بِخِلَافِ شَقِّهِ. وَفِي الصِّحَاحِ: الْحُشْوَةُ كُلُّ مَا حَوَاهُ الْبَطْنُ مِنْ كَبِدٍ وَطِحَالٍ وَرِئَةٍ وَأَمْعَاءٍ وَكُلًى وَقَلْبٍ. وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: انْتِثَارُ الْحُشْوَةِ انْقِطَاعُهَا، وَأَمَّا شَقُّ شَيْءٍ مِنْهَا أَوْ ثَقْبُهُ فَيَظْهَرُ أَنْ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 يَكُونَ مَقْتَلًا، وَرَأَيْتُ لِابْنِ الْجَمَاعَةِ: اخْتَلَفَ فِي شَقِّ الْقَلْبِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَالْمِرَّةِ وَالْكُلْوَةِ وَالْأُنْبُولَةِ وَالدَّوَّارَةِ وَالْمَبْعَرِ وَالْكَرِشِ وَالرِّئَةِ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ الذَّكَاةَ، وَمِنْ نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ قَالَ ابْنُ غَلَّابٍ: تُكْرَهُ الذَّبِيحَةُ بِثَمَانٍ: شَقُّ الْقَلْبِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَالْكُلْوَةِ وَالْأُنْبُولَةِ وَالْمَنْحَرِ وَالدَّوَّارَةِ وَالْمِرَّةِ، فَمَا كَثُرَ شَقُّهُ كَرَاهَتَهُ تَحْرِيمٌ وَإِلَّا فَتَنْزِيهٌ، وَمِنْ كُتُبِ الطِّبِّ قَالَ بُقْرَاطُ: مَنْ انْخَرَقَتْ كَبِدُهُ مَاتَ (وَفَرْيِ وَدَجٍ) . الْبَاجِيُّ: مِنْ الْمَقَاتِلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا فَرْيُ الْأَوْدَاجِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ خَرْقُ الْأَوْدَاجِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ شَقُّ الْأَوْدَاجِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: انْشِقَاقُ الْأَوْدَاجِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ لَيْسَ مَقْتَلًا. وَقَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ هُوَ مَقْتَلٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: يَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ النُّخَاعُ (وَثَقْبِ مُصْرَانٍ) . الْبَاجِيُّ: مِنْ الْمَقَاتِلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا انْفِتَاقُ الْمُصْرَانِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ خَرْقُ الْمُصِيرِ. قَالَ ابْنُ لُبٍّ: الصَّحِيحُ أَنَّ شَقَّ الْمُصِيرِ الْأَعْلَى لَيْسَ بِمَقْتَلٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْتَئِمُ بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالِانْتِثَارِ جُمْلَةً فَإِنَّهُ لَا يَلْتَئِمُ أَصْلًا، وَهَكَذَا ثَقْبُ شَيْءٍ مِنْ الْمُصْرَانِ فِي الْحُشْوَةِ، وَفِي غَيْرِهَا إنَّمَا الْمَقْتَلُ فِيهَا كُلُّهَا الْقَطْعُ وَالِانْتِثَارُ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُصِيرَ الْأَعْلَى وَهُوَ الْمَرِيءُ أَنَّهُ مَقْتَلٌ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي خَرْقِ الْمُصِيرِ أَنَّهُ مَقْتَلٌ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا خُرِقَ أَعْلَاهُ فِي مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ وَيَصِيرَ إلَى حَالِ الرَّجِيعِ، وَأَمَّا إذَا خُرِقَ أَسْفَلُهُ حَيْثُ يَكُونُ الرَّجِيعُ فَلَيْسَ بِمَقْتَلٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّا وَجَدْنَا كَثِيرًا مِنْ الْحَيَوَانِ وَمِنْ بَنِي آدَمَ يُجْرَحُ فَيَخْرُجُ مَصِيرُهُ فِي مَجْرَى الرَّجِيعِ فَيَخْرُجُ الرَّجِيعُ عَلَى ذَلِكَ الْجُرْحِ وَيَعِيشُ مَعَ ذَلِكَ زَمَانًا وَهُوَ مُتَصَرِّفٌ يُقْبِلُ وَيُدْبِرُ. وَلَوْ خُرِقَ فِي مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لَمَا عَاشَ إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ طُعِنَ فَسُقِيَ اللَّبَنَ فَخَرَجَ مِنْ الْجُرْحِ عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ؟ وَالصَّوَابُ فُتْيَا ابْنِ رِزْقٍ بِجَوَازِ أَكْلِ ثَوْرٍ ذُبِحَ فَوُجِدَ كَرِشُهُ مَثْقُوبًا وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ إنْ بَاعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا نَقْلُ عَدَدِ التَّوَاتُرِ مِنْ كَاسِي الْبَقَرِ بِإِفْرِيقِيَّةَ أَنَّهُمْ يَثْقُبُونَ كَرِشَ الثَّوْرِ لِبَعْضِ الْأَدْوَاءِ فَيَزُولُ عَنْهُ مَا بِهِ. وَسُئِلَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ثَوْرٍ رَقَدَ بِمَا أَكَلَ مِنْ الشَّعِيرِ فَذُبِحَ فَإِذَا مَصَارِينُهُ قَدْ تَقَطَّعَتْ فَقَالَ يُؤْكَلُ. الْبُرْزُلِيِّ: لَعَلَّهَا كَانَتْ السُّفْلَى الَّتِي تَلِي الْكَرِشَ، وَأَمَّا الْمَصَارِينُ الْعُلْيَا الَّتِي يَجْرِي مَعَهَا الطَّعَامُ فَإِنَّهَا مَقْتَلٌ. قَالَ: وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَنْ دِيكٍ أُطْعِمَ الْعَجِينَ لِيَسْمَنَ فَدَخَلَ فِي حَلْقِهِ فَخِيفَ فَذُبِحَ فَسَالَ الدَّمُ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ فَأَجَابَ: إذَا ذَكَّاهُ وَهُوَ يَسْتَيْقِنُ حَيَاتَهُ مَا عِنْدِي غَيْرُ ذَلِكَ (وَفِي شَقِّ الْوَدَجِ قَوْلَانِ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَفَرْيُ وَدَجٍ " وَكَذَا هِيَ قَوْلَانِ أَيْضًا فِي شَقِّ غَيْرِهِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ (وَفِيهَا أَكْلُ مَا دُقَّ عُنُقُهُ أَوْ مَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ لَمْ يَنْخَعْهَا) اُنْظُرْ لِمَ أَتَى بِهَذَا وَهُوَ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: أَنَّ الْمُنْخَنِقَةَ وَأَخَوَاتِهَا وَإِنْ صَارَتْ إلَى حَالِ الْيَأْسِ إذَا لَمْ يُنْفَذْ مَقْتَلُهَا أَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِيهَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَإِحْدَى رِوَايَتَيْ أَشْهَبَ، فَلَوْ كَانَ الْفِقْهُ عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ الْأُخْرَى مَا اُحْتِيجَ لِذِكْرِ الْمَقَاتِلِ فَانْظُرْ مَا مُرَادُهُ بِنَقْلِ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ وَلَفْظِهَا: قَالَ مَالِكٌ: إذَا تَرَدَّتْ الشَّاةُ مِنْ جَبَلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَانْدَقَّ عُنُقُهَا وَأَصَابَهَا مَا يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ نَخَعَهَا فَإِنَّهَا تُذَكَّى وَتُؤْكَلُ لِأَنَّ بَعْضَهَا مُجْتَمِعٌ إلَى بَعْضٍ، وَلَوْ انْقَطَعَ النُّخَاعُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 لَمْ تُؤْكَلْ وَإِنْ ذُكِّيَتْ وَفِيهَا الْحَيَاةُ. [ذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ] (وَذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ إنْ تَمَّ بِشَعْرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْجَنِينُ يَمُوتُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ بِبَطْنِهَا ذُكِّيَ إنْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ضَحَّيْت بِنَعْجَةٍ حَامِلٍ فَلَمَّا ذَبَحْتُهَا رَكَضَ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا فَأَمَرْتهمْ أَنْ يَتْرُكُوهَا حَتَّى يَمُوتَ فِي بَطْنِهَا، ثُمَّ أَمَرْتهمْ فَشَقُّوا جَوْفَهَا فَأُخْرِجَ مَيِّتًا فَذَبَحْتُهُ فَسَالَ مِنْهُ دَمٌ فَأَمَرْتهمْ أَنْ يَشْوُوهُ لِي. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ خَرَجَ يَتَحَرَّكُ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُذْبَحَ، فَإِنْ سَبَقَهُمْ بِنَفَسِهِ قَبْلَ أَنْ يُذْبَحَ أُكِلَ، وَسَوَاءٌ مَاتَ فِي بَطْنِهَا بِمَوْتِهَا أَوْ أَبْطَأَ مَوْتُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ وَفِيهِ رُوحٌ، فَإِنْ أُخْرِجَ وَفِيهِ رُوحٌ وَهُوَ تُرْجَى حَيَاتُهُ أَوْ يُشَكُّ فِيهَا فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ رَمَقٌ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِحْبَابُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يُذَكَّى، وَأَمَّا إنْ بَقَرَ عَلَيْهِ فَأُخْرِجَ يَتَحَرَّكُ فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ وَأَقْوَالِ الْأَشْيَاخِ الْمُعْتَبَرُ نَبَاتُ شَعْرِ جَسَدِهِ لَا شَعْرُ عَيْنِهِ فَقَطْ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ فَلَا يُؤْكَلُ، ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي حِلِّ أَكْلِ مَشِيمَتِهِ ثَالِثُهَا إنَّ حِلَّ أَكْلِهِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَتَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ: السِّلَاءُ وِعَاءُ الْوَلَدِ هُوَ كَلَحْمِ النَّاقَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَجَوَابُ الصَّائِغِ وَبَعْضِ شُيُوخِ شُيُوخِنَا، وَانْظُرْ أُنْثَى الْخَصِيِّ سُئِلَ عَنْهَا الصَّائِغُ فَقَالَ: تُؤْكَلُ لَوْلَا الْحَيَاةُ لَنَتُنَتْ وَنَحْوُهُ لِلْإِبْيَانِيِّ قَالَ: هِيَ كَالْمَعِدَةِ الْغِذَاءُ يَصِلُ إلَيْهَا وَلَمْ تَبْنِ مِنْ الْبَدَنِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ اسْتِثْقَالُ أَكْلِ عَشْرَةٍ دُونَ تَحْرِيمِ الْأُنْثَيَانِ وَالْعَسِيبِ وَالْغُدَّةِ وَالطِّحَالِ وَالْعُرُوقِ وَالْمَرَارَةِ وَالْكُلْيَتَانِ وَالْمَثَانَةِ وَأُذُنَا الْقَلْبِ (وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ذُكِّيَ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ فَيَفُوتَ) اُنْظُرْ هَذِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 الْعِبَارَةَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ: إنْ رُجِيَتْ حَيَاتُهُ أَوْ شَكَّ فِيهَا لَمْ تُؤْكَلْ إلَّا بِذَكَاةٍ. (وَذُكِّيَ الْمُزْلَقُ إنْ حَيِيَ مِثْلُهُ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي بَقَرَةٍ أَزْلَقَتْ وَلَدَهَا: فَإِنَّهُ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ يَحْيَا وَيَعِيشُ لَمْ يَكُنْ بِأَكْلِهِ بَأْسٌ إذَا ذُكِّيَ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ لَا يَعِيشُ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ ذُكِّيَ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ فِي هَذَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُزْلَقِ وَبَيْنَ الْمَرِيضَةِ فِي جَوَازِ تَذْكِيَتِهَا وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ، أَنَّ الْمَرِيضَةَ عُلِمَتْ حَيَاتُهَا إلَى أَنْ ذُبِحَتْ، وَالْجَنِينُ لَمْ تَتَحَقَّقْ حَيَاتُهُ لِأَنَّ حَيَاتَهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ لَا يُعْتَبَرُ بِهَا لَكِنَّهُ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا بِدَلِيلِ كَوْنِ ذَكَاتِهِ فِي ذَكَاتِهَا. (وَافْتَقَرَ نَحْوُ الْجَرَادِ لَهَا بِمَا يَمُوتُ بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَرَأَيْتَ دَوَابَّ الْأَرْضِ كُلَّهَا خُشَاشَهَا وَعَقَارِبَهَا وَدُودَهَا وَحَيَّاتِهَا وَشَبَهَهُ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْحَيَّاتِ إذَا ذُكِّيَتْ فِي مَوْضِعِ ذَكَاتِهَا إنْ احْتَاجَ إلَيْهَا، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ فِي هَوَامِّ الْأَرْضِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي خُشَاشِهَا: إنْ مَاتَ فِي مَاءٍ أَوْ طَعَامٍ وَلَمْ يُفْسِدْهُ وَمَا لَا يُفْسِدُهُمَا فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ إذَا ذُكِّيَ كَالْجَرَادِ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُؤْكَلُ مَيْتَةُ الْجَرَادِ وَلَا مَا مَاتَ مِنْهُ فِي الْغَرَائِرِ بَعْدَ أَخْذَهُ حَيًّا، وَلَا يُؤْكَلُ مِنْهُ إلَّا مَا قُطِفَ رَأْسُهُ أَوْ قُلِيَ أَوْ شُوِيَ حَيًّا، وَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ رَأْسُهُ فَهُوَ حَلَالٌ. قِيلَ: أَفَتُطْرَحُ فِي النَّارِ وَهِيَ حَيَّةٌ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهُوَ ذَكَاتُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ قُطِعَتْ أَرْجُلُهُ أَوْ أَجْنِحَتُهُ فَمَاتَ لِذَلِكَ لَأُكِلَ. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ عَلَيْهِ عِنْدَ مَا يَكُونُ عَنْهُ مَوْتُهُ مِنْ قَطْعِ رَأْسٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ ذَكَاتُهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَالْحَلَزُونُ كَالْجَرَادِ إنْ سُلِقَ أَوْ شُوِيَ أُكِلَ وَلَا تُؤْكَلُ مَيْتَتُهُ. عِيَاضٌ: هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَاللَّامِ. وَانْظُرْ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ أَسْمَعْ فِي الْهَوَامِّ شَيْئًا إلَّا قَوْلَهُ فِي الْخُشَاشِ. قِيلَ: الْخُشَاشُ مَا لَهُ قِشْرٌ يَابِسٌ وَالْهَوَامُّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ. (وَلَوْ لَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 يُعَجِّلْ) رَوَى مُحَمَّدٌ: إلْقَاءُ الْجَرَادِ فِي مَاءٍ بَارِدٍ ذَكَاتُهُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا فِي مَاءٍ حَارٍّ. الْبَاجِيُّ: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا تَمُوتُ بِهِ مُطْلَقًا أَوْ عَاجِلًا (كَقَطْعِ جَنَاحٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ قُطِعَتْ أَرْجُلُهُ أَوْ أَجْنِحَتُهُ فَمَاتَ لِذَلِكَ لَأُكِلَ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ التَّلْقِينِ: " حُكْمُ الْخُشَاشِ كَدَوَابِّ الْبَحْرِ لَا يَنْجُسُ وَلَا يَنْجُسُ مَا مَاتَ فِيهِ " لَا يَدُلُّ عَلَى أَكْلِهِ دُونَ ذَكَاةٍ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ مَاتَ الْخُشَاشُ فِي الْمَاءِ لَمْ يُفْسِدْهُ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ إذَا ذُكِّيَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْحَيَّاتِ إذَا ذُكِّيَتْ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: ذَكَاةُ الْعَقْرَبِ قَطْعُ رَأْسِهَا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَا تُؤْكَلُ حَيَّةٌ وَلَا عَقْرَبٌ. الْأَبْهَرِيُّ: لِلْخَوْفِ مِنْ سُمِّهَا وَلَمْ يَقُمْ عَلَى حُرْمَتِهَا دَلِيلٌ وَلَا بَأْسَ بِهَا تَدَاوِيًا وَلِذَا أُبِيحَ التِّرْيَاقُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ احْتَاجَ لِأَكْلِ شَيْءٍ مِنْ الْخُشَاشِ ذَكَّاهُ كَالْجَرَادِ وَالْعَقْرَبِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالْجُنْدُبِ وَالزُّنْبُورِ وَالْيَعْسُوبِ وَالذَّرِّ وَالنَّمْلِ وَالسُّوسِ وَالْحَلَمِ وَالدُّودِ وَالْبَعُوضِ وَالذُّبَابِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَدُودُ الطَّعَامِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَغَيْرِهِ، فَقَوْلُ أَبِي عُمَرَ رَخَّصَ قَوْمٌ فِي أَكْلِ دُودِ التِّينِ وَسُوسُ الْفُولِ وَالطَّعَامِ لَا يُوجَدُ فِي الْمَذْهَبِ، اُنْظُرْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " الطَّاهِرُ مَيِّتٌ مَا لَا دَمَ لَهُ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 [كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ] [فَصْلٌ الْمُبَاحُ طَعَامٌ طَاهِرٌ] ِ وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ فِي الِاخْتِيَارِ الثَّانِي فِي حَالِ الِاضْطِرَار ِ (فَصْلٌ الْمُبَاحُ طَعَامٌ طَاهِرٌ) ابْنُ شَاسٍ: مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ مِنْ جَمِيعِ الْأَطْعِمَةِ الْمُعْتَادَةِ فَأَكْلُهُ جَائِزٌ مَا لَمْ يَكُنْ نَجِسًا بِنَفْسِهِ أَوْ يُخَالِطْهُ نَجِسٌ. وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ: لَا بَأْسَ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ فِي الدَّوَاءِ وَكَذَلِكَ أَبْوَالُ الْأَنْعَامِ وَلَا خَيْرَ فِي أَبْوَالِ الْأُتُنِ وَأَبْوَالِ النَّاسِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ وَقَاسَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ سَائِرَ أَبْوَالِ، مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فِي الطَّهَارَةِ عَلَى أَبْوَالِ الْأَنْعَامِ، وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبَوْلٌ وَعَذِرَةٌ ". (وَالْبَحْرِيُّ وَإِنْ مَيِّتًا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الضَّفَادِعِ وَإِنْ مَاتَتْ لِأَنَّهَا مِنْ صَيْدِ الْمَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَالْبَحْرِيُّ وَلَوْ طَالَتْ حَيَاتُهُ بِبَرٍّ ". (وَطَيْرٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمْ يَكْرَهْ مَالِكٌ أَكْلَ شَيْءٍ مِنْ الطَّيْرِ كُلِّهِ. الرُّخَامِ وَالْعِقْبَانِ وَالنُّسُورِ وَالْأَحْدِيَةِ وَالْغِرْبَانِ وَجَمِيعِ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَغَيْرِ سِبَاعِهَا، مَا أَكَلَ الْجِيَفَ مِنْهَا وَمَا لَمْ يَأْكُلْهَا. وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْهُدْهُدِ وَالْخُطَّافِ وَرَوَى عَلِيٌّ كَرَاهَةَ أَكْلِ الْخُطَّافِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِقِلَّةِ لَحْمِهَا مَعَ تَحَرُّمِهَا بِمَنْ عَشَّشَتْ عِنْدَهُ. وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ» . (وَلَوْ جَلَّالَةً) ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الدَّجَاجِ الَّتِي تَأْكُلُ النَّتِنَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْجَلَّالَةِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ كَالطَّيْرِ الَّتِي تَأْكُلُ الْجِيَفَ. (وَذَا مِخْلَبٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 الْمَذْهَبُ أَنَّ الطَّيْرَ كُلَّهُ مُبَاحٌ ذُو الْمِخْلَبِ وَغَيْرُهُ. (وَنَعَمٌ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَنَحْرُ إبِلٍ " (وَوَحْشٌ لَمْ يَفْتَرِسْ) ابْنُ عَرَفَةَ: غَيْرُ مُفْتَرِسِ الْوَحْشِ، أَمَّا الْخِنْزِيرُ فَحَرَامٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْيَرْبُوعِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْخُلْدُ. مَالِكٌ: وَالْوَبْرُ وَالْأَرْنَبُ وَالْقُنْفُوذُ وَالْيَرْبُوعُ وَالضَّبُّ وَالضَّرَابِيبُ (كَيَرْبُوعٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: الْيَرْبُوعُ أَصْغَرُ مِنْ الْقِنْيَةِ فَقُدِّمَ قَوْلُ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ (وَخُلْدٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ فَأْرٌ أَعْمَى يَكُونُ بِالصَّحْرَاءِ وَالْأَجِنَّةُ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ (وَوَبْرٍ) هُوَ دُوَيْبَّةٌ صَغِيرَةٌ أَصْغَرُ مِنْ السِّنَّوْرِ وَفَوْقَ الْيَرْبُوعِ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ يُؤْكَلُ (وَأَرْنَبٍ) هُوَ دَابَّةٌ قَدْرَ الْهُدْهُدِ فِي أُذُنَيْهِ طُولٌ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ يُؤْكَلُ (وَقُنْفُذٍ وَضَرْبُوبٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: يُسَمَّى الضَّرْبُوبُ بِالْأَنْدَلُسِ الْمُلَوَّنَةَ. الصِّحَاحُ: وَهُوَ حَيَوَانٌ ذُو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 شَوْكٍ كَالْقُنْفُذِ الْكَبِيرِ، تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ يُؤْكَلُ الْقُنْفُذُ وَالضَّرَابِيبُ. (وَحَيَّةٍ أُمِنَ سُمُّهَا) الْبَاجِيُّ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْحَيَّةِ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي. إذَا أُمِنَ أَذَاهَا (وَخَشَاشِ أَرْضٍ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَافْتَقَرَ نَحْوُ الْجَرَادِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 لَهَا ". (وَعَصِيرٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: عَصِيرُ الْعِنَبِ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ وَجَمِيعُ الْأَنْبِذَةِ حَلَالٌ مَا لَمْ يُسْكِرْ، وَلَا أَجِدُ فِي قِيَامِ الْأَنْبِذَةِ قَدْرًا مِنْ تَوْقِيتِ وَقْتٍ أَوْ غَلَيَانٍ، وَكُنْت أَسْمَعُ أَنَّ الْمَطْبُوخَ إذَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ لَمْ يُكْرَهْ وَلَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ إنْ طُبِخَ حَتَّى لَا يُسْكِرَ كَثِيرُهُ حَلَّ. الْبَاجِيُّ: الْعَصِيرُ قَبْلَ أَنْ يَنِشَّ وَهُوَ حَارٌّ لَا خِلَافَ أَنَّهُ حَلَالٌ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ مَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ. أَبُو عُمَرَ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْتَبَرُ الْغَلَيَانُ وَإِنْ قَلَّ إذَا كَانَ يُسْكِرُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: أَشْرَبُ الْعَصِيرَ حَتَّى يَغْلِيَ وَيُقْذَفَ بِالزَّبَدِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: إنْ أَتَتْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَقَدْ حَرُمَ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: أَشْرَبُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً. وَهَذَا كُلُّهُ بِمَعْنًى مُتَقَارِبٍ يَجْمَعُهُ أَنْ يَكُونَ كَثِيرُهُ يُسْكِرُ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: لَا بَأْسَ بِشُرْبِ الْعَصِيرِ وَإِنْ عُصِرَ لِخَمْرٍ، وَأَكْرَهُ أَنْ يُعَالِجَ الْعَصِيرَ حَتَّى يُبْطِئَ هَدِيرَهُ وَغَلَيَانَهُ وَيَسْتَحِلَّهُ بِذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ إذْ لَيْسَ يَحْرُمُ الْعَصِيرُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ خَمْرًا إذْ لَا تُحَرِّمُ النِّيَّةُ الْحَلَالَ وَلَا تُحِلُّ الْحَرَامَ وَإِنَّمَا كُرِهَ مُعَالَجَةُ الْعَصِيرِ حَتَّى يُبْطِئَ هَدِيرَهُ وَغَلَيَانَهُ مَخَافَةَ الذَّرِيعَةِ إلَى اسْتِحْلَالِ الْحَرَامِ هَدَرَ الشَّرَابُ غَلَا. (وَفُقَّاعٌ) مَنَعَ مَالِكٌ مِنْ شَرَابِ الْفُقَّاعِ وَأَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 وَسَحْنُونٌ وَهُوَ شَرَابُ يُعْمَلُ مِنْ الشَّعِيرِ أَوْ مِنْ الْقَمْحِ. (وَسُوبْيَا) ابْنُ شَاسٍ: وَشُرْبُ السُّوبِيَةِ حَلَالٌ مَا لَمْ تَدْخُلْهَا الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ فَتَحْرُمُ. (وَعَقِيدٌ) ابْنُ شَاسٍ: شُرْبُ الْعَصِيرِ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ الْعَقِيدُ الَّذِي ذَهَبَ مِنْهُ قُوَّةُ الْإِسْكَارِ. مُحَمَّدٌ: لَا أُحِبُّ فِي طَبْخِهِ ثُلُثَيْنِ وَنَحْوُهُمَا وَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى السُّكْرِ. قَالَ أَشْهَبُ: وَلَوْ ذَهَبَتْ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ. (أُمِنَ سُكْرُهُ) لَوْ قَالَ: " سُكْرُهَا " لَرَجَعَ إلَى الْأَرْبَعَةِ فَقَدْ قَالَ الْبَاجِيُّ: الْعَصِيرُ قَبْلَ أَنْ يَنِشَّ حَلَالٌ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ مَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: فِي السُّوبْيَا مَا لَمْ تَدْخُلْهَا الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْعَقِيدِ: إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى السُّكْرِ وَأَنْظُرُ مُعَالَجَةَ الْعَصِيرِ حَتَّى يُبْطِئَ هَدِيرَهُ وَغَلَيَانَهُ يَسْتَحِلُّهُ بِذَلِكَ فِي آخِرِ سَمَاعٍ مِنْ جَامِعِ الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ ابْنَ كِنَانَةَ كَرِهَهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: كَرِهَ ذَلِكَ مَخَافَةَ الذَّرِيعَةِ إلَى اسْتِحْلَالِ الْحَرَامِ. وَقَالَ فِي صَدْرِ مُقَدِّمَاتِهِ: الْمَكْرُوهُ ضِدُّ الْمُسْتَحَبِّ وَهُوَ مَا كَانَ فِي تَرْكِهِ ثَوَابٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي فِعْلِهِ عِقَابٌ وَهُوَ الْمُتَشَابِهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 (وَلِلضَّرُورَةِ مَا يَسُدُّ) اُنْظُرْ هَذَا فَإِنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَعْزُهُ أَبُو عُمَرَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. وَنَصُّ الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَحْسَنِ مَا سَمِعْتُ فِي الرَّجُلِ يَضْطَرُّ إلَى الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهَا حَتَّى يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ مِنْهَا فَإِنْ وَجَدَ عَنْهَا غِنًى طَرَحَهَا. أَبُو عُمَرَ: حُجَّةُ مَالِكٍ أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَيْسَ مِمَّنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْمَيْتَةُ فَإِذَا كَانَتْ حَلَالًا لَهُ أَكَلَ مِنْهَا مَا شَاءَ حَتَّى يَجِدَ غَيْرَهَا فَتَحْرُمَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ فِي الرِّسَالَةِ (غَيْرَ آدَمِيٍّ) الْبَاجِيُّ: لَا يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلُ لَحْمِ ابْنِ آدَمَ الْمَيِّتِ وَإِنْ خَافَ الْمَوْتَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (وَخَمْرٍ إلَّا لِغُصَّةٍ) الْبَاجِيُّ: وَهَلْ لِمَنْ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ أَنْ يَشْرَبَ لِجُوعِهِ أَوْ عَطَشِهِ الْخَمْرَ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَشْرَبُهَا وَلَنْ تَزِيدَهُ إلَّا عَطَشًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَشْرَبُ الْمُضْطَرُّ الدَّمَ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَلَا يَقْرَبُ ضَوَالَّ الْإِبِلِ وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ غَصَّ بِطَعَامٍ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُجَوِّزَهُ بِالْخَمْرِ وَقَالَهُ أَبُو الْفَرْجِ، وَأَمَّا التَّدَاوِي بِهَا فَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا لِلضَّرُورَةِ فَالْفَرْقُ أَنَّ التَّدَاوِيَ لَا يُتَيَقَّنُ الْبُرْءُ بِهَا مِنْ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَرَمَادٌ نَجَسٌ ". (وَقَدَّمَ الْمَيْتَةَ عَلَى خِنْزِيرٍ) الْبَاجِيُّ: إنْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَيْتَةً وَخِنْزِيرًا فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ مَيْتَةٌ وَهُوَ لَا يُسْتَبَاحُ بِوَجْهٍ. (وَصَيْدٍ لِمُحْرِمٍ) . الْبَاجِيُّ: مَنْ وَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدًا وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 مُحْرِمٌ أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَلَمْ يُذَكِّ الصَّيْدَ لِأَنَّ بِذَكَاتِهِ يَكُونُ مَيْتَةً (لَا لَحْمِهِ) ابْنُ شَاسٍ: لَحْمُ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ الْمُضْطَرِّ أَوْلَى مِنْ الْمَيْتَةِ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ خَاصٌّ. (وَطَعَامِ غَيْرٍ إنْ لَمْ يَخَفْ الْقَطْعَ وَقَاتَلَ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُوَطَّأِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمُضْطَرِّ إلَى الْمَيْتَةِ أَيَأْكُلُ مِنْهَا وَهُوَ يَجِدُ تَمْرًا لِقَوْمٍ أَوْ زَرْعًا أَوْ غَنَمًا بِمَكَانِهِ أَمْ لَا؟ قَالَ مَالِكٌ: إنْ ظَنَّ أَنَّ أَهْلَ تِلْكَ التَّمْرِ وَالزُّرُوعِ أَوْ الْغَنَمِ يُصَدِّقُونَهُ بِضَرُورَتِهِ حَتَّى لَا يُعَدَّ سَارِقًا فَتُقْطَعَ يَدُهُ رَأَيْتُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ وَجَدَ مَا يَرُدُّ جُوعَهُ وَلَا يَحْمِلُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ. وَإِنْ هُوَ خَشِيَ أَنْ لَا يُصَدِّقُوهُ وَأَنْ يَعُدُّوهُ سَارِقًا بِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ خَيْرٌ لَهُ عِنْدِي، وَلَهُ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَعَةٌ. الْبَاجِيُّ: نَحْوُ هَذَا. رَوَى مُحَمَّدٌ: وَزَادَ إنْ كَانَ مَالُ الْغَيْرِ لَا قَطْعَ فِيهِ فَلْيَأْخُذْ مِنْهُ إنْ خَفِيَ لَهُ ذَلِكَ. الْبَاجِيُّ: فَشَرَطَ فِي التَّمْرِ الْمُعَلَّقِ أَنْ يَخْفَى لَهُ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْذَى وَيُضْرَبَ إنْ عُلِمَ بِهِ وَلَمْ يُصَدَّقْ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الضَّرُورَةِ، وَشَرَطَ فِي تَمْرِ الْجَرِينِ وَغَنَمِ الْمُرَاحِ أَنْ يُصَدِّقُوهُ مَخَافَةَ أَنْ يُقْطَعَ إنْ لَمْ يُصَدِّقُوهُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَخْفَى لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ أَخْذَهُ عَلَى وَجْهِ التَّسَتُّرِ هُوَ الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ فَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَأْخُذَهُ مُعْلَنًا إنْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يُصَدِّقُونَهُ. وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمَيْتَةِ يَشْبَعُ وَيَتَزَوَّدُ وَقَالَ فِي مَالِ غَيْرِهِ يَأْكُلُ مَا يَرُدُّ بِهِ جُوعَهُ وَلَا يَتَزَوَّدُ، لِأَنَّ مَالَ غَيْرِهِ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِحَقِّ اللَّهِ وَلِحَقِّ مَالِكِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ مِنْهُ، وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ وَحْدَهُ، فَإِذَا اُسْتُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ تَجَاوَزَتْ الرُّخْصَةُ فِيهَا مَوَاضِعَ الضَّرُورَةِ وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ لَا تَتَجَاوَزُ مَوَاضِعَ الضَّرُورَةِ، وَإِذَا بَلَغَتْ الضَّرُورَةُ إلَى اسْتِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ فَقَدْ لَزِمَ صَاحِبُ التَّمْرِ وَالزَّرْعِ مُوَاسَاتُهُ بِثَمَنٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ أَوْ بِغَيْرِ ثَمَنٍ إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَجِدْ مَا لَا يُؤْكَلُ كَالثِّيَابِ وَالْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ، وَسَوَاءٌ وَجَدَ مَيْتَةً أَمْ لَا. وَقَدْ أَحْسَنَ ابْنُ حَبِيبٍ إيرَادَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ: إنْ حَضَرَ صَاحِبُ الْمَالِ فَحَقٌّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْأَكْلِ، فَإِنْ مَنَعَهُ فَجَائِزٌ لِلَّذِي خَافَ الْمَوْتَ أَنْ يُقَاتِلَهُ حَتَّى يَصِلَ إلَى أَكْلِ مَا يَرُدُّ نَفْسَهُ. الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهُ يَدْعُوهُ أَوَّلًا إلَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ أَبَى اسْتَطْعَمَهُ، فَإِنْ أَبَى أَعْلَمَهُ أَنَّهُ يُقَاتِلُهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَكَلَ الْمُضْطَرُّ إلَى الْمَيْتَةِ مَالَ غَيْرِهِ فَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: يَضْمَنُ. أَبُو عَمْرٍو: قَالَ الْأَكْثَرُ: إنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَجِدُ التَّمْرَ سَاقِطًا لَا يَأْكُلُ مِنْهُ إلَّا إنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهُ طَيِّبُ النَّفْسِ بِذَلِكَ أَوْ يَكُونُ مُحْتَاجًا قَالَ: وَلَا يَأْخُذُ مِنْ مَالِ الذِّمِّيِّ شَيْئًا. (وَالْمُحَرَّمُ النَّجِسُ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " الْمُبَاحُ طَعَامٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 طَاهِرٌ (وَخِنْزِيرٌ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَوَحْشٌ " وَانْظُرْ خِنْزِيرَ الْمَاءِ. الْبَاجِيُّ: أَمَّا كَلْبُ الْبَحْرِ وَخِنْزِيرُهُ فَرَوَى ابْنُ شَعْبَانَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ: - وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يُجِيبُنَا فِي خِنْزِيرِ الْمَاءِ بِشَيْءٍ وَيَقُولُ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ خِنْزِيرٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَتَّقِيهِ وَلَوْ أَكَلَهُ رَجُلٌ لَمْ أَرَهُ حَرَامًا. (وَبَغْلٌ وَفَرَسٌ وَحِمَارٌ وَلَوْ وَحْشِيًّا دُجِّنَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تُؤْكَلُ الْبِغَالُ وَالْخَيْلُ وَالْحُمُرُ قَالَ: وَإِذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 دُجِّنَ حِمَارُ وَحْشٍ وَصَارَ يَعْمَلُ عَلَيْهِ لَمْ يُؤْكَلْ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ فَلِأَنَّهُ لَمَّا تَأَنَّسَ وَصَارَ يُعْمَلُ عَلَيْهِ فَقَدْ صَارَ كَالْأَهْلِيِّ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ صَيْدٌ مُبَاحٌ أَكْلُهُ فَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ التَّأَنُّسُ كَسَائِرِ الصَّيْدِ انْتَهَى. اُنْظُرْ إذَا اسْتَوْحَشَ الْأَهْلِيُّ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: فِي كَرَاهَةِ أَكْلِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَحُرْمَتِهَا رِوَايَتَانِ، وَالْبِغَالُ مِثْلُهَا. وَفِي التَّلْقِينِ: الْخَيْلُ مَكْرُوهَةٌ دُونَ كَرَاهِيَةِ السِّبَاعِ، وَمَا حَكَى الْمَازِرِيُّ خِلَافَ هَذَا، وَمَا عَزَا الْبَاجِيُّ لِمَالِكٍ فِي الْخَيْلِ إلَّا الْكَرَاهَةَ خَاصَّةً، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ إبَاحَتُهَا. (وَالْمَكْرُوهُ سَبُعٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ أَكْلَ السَّبُعِ وَلَا الثَّعْلَبِ وَلَا الذِّئْبِ وَلَا الْهِرِّ الْوَحْشِيِّ وَلَا الْإِنْسِيِّ وَلَا شَيْئًا مِنْ السِّبَاعِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: رَوَى الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ السِّبَاعَ أَكْلُهَا عَنْ الْكَرَاهَةِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ وَلَا تَفْصِيلٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَدَنِيُّونَ فِي تَحْرِيمِ لُحُومِ السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ: الْأَسَدُ وَالنَّمِرُ وَالذِّئْبُ وَالْكَلْبُ. فَأَمَّا غَيْرُ الْعَادِيَةِ كَالذِّئْبِ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبُعِ وَالْهِرِّ الْوَحْشِيِّ وَالْإِنْسِيِّ فَمَكْرُوهَةٌ دُونَ تَحْرِيمٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَنَحْوُ هَذَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ. اللَّخْمِيِّ: فِي حُرْمَةِ كُلِّ ذِي نَابٍ كَالْكَلْبِ وَالذِّئْبِ وَكَرَاهَتُهُمَا قَوْلَانِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: إدْخَالُ مَالِكٍ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي ثَعْلَبَةَ يَدُلُّ أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ نَهْيُ تَحْرِيمٍ، وَأَصْلُ النَّهْيِ أَنْ تَنْظُرَ إلَى مَا وَرَدَ مِنْهُ، فَمَا كَانَ مِنْهُ وَارِدًا عَلَى مَا فِي مِلْكِكَ فَهِيَ نَهْيُ أَدَبٍ وَإِرْشَادٍ كَالْأَكْلِ مِنْ رَأْسِ الصَّحْفَةِ وَالِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ وَالْأَكْلِ بِالشِّمَالِ، وَمَا طَرَأَ عَلَى غَيْرِ مِلْكِك فَهُوَ عَلَى التَّحْرِيمِ كَالشِّغَارِ وَعَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ وَاسْتِبَاحَةِ الْحَيَوَانِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ. وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} [الأنعام: 145] الْآيَةُ. لِأَنَّ سُورَةَ الْأَنْعَامِ مَكِّيَّةٌ وَقَدْ نَزَلَ بَعْدَهَا نَهْيُ أَشْيَاءَ مُحَرَّمَاتٍ وَبِإِجْمَاعٍ أَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ إنَّمَا كَانَ مِنْ الْمَدِينَةِ. وَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ: سَبُعٌ إنْ كَانَ عَنَى بِهِ الْأَسَدَ فَعَلَى مَا قَالَ الْبَاجِيُّ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَمُقْتَضَى مَا لِابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْمَوَّازِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ حَرَامٌ. (وَضَبُعٌ وَثَعْلَبٌ) مُقْتَضَى مَا لِابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الضَّبُعَ وَالثَّعْلَبَ لَا يَخْتَلِفُ. مَالِكٌ: إنَّ أَكْلَهُمَا مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ الْبَاجِيِّ. (وَذِئْبٌ) حُكْمُ الذِّئْبِ وَاللَّيْثِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالْكَلْبِ كَحُكْمِ الْأَسَدِ كَمَا تَقَدَّمَ فَانْظُرْهُ (وَهِرٌّ وَإِنْ وَحْشِيًّا) تَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ هَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الثَّعْلَبِ وَالدُّبِّ. (وَفِيلٌ) ابْنُ عُمَرَ: كَرِهَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ أَكْلَ الْفِيلِ لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ، وَهُمْ لِلْأَسَدِ أَشَدُّ كَرَاهِيَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ نُحِرَ اُنْتُفِعَ بِعَظْمِهِ وَجِلْدِهِ (وَكَلْبُ مَاءٍ وَخِنْزِيرُهُ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَبَغْلٌ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 (وَشَرَابُ خَلِيطَيْنِ) ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ الْمُوَطَّأِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ هَذَا تَعَبُّدٌ لَا لِعِلَّةٍ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَا عَلِمْتُ لَهَا وَجْهًا إلَى الْآنَ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْمُحَرَّمُ الْإِسْكَارَ فَدَعْهُ يَخْلِطُهُ بِمَا شَاءَ وَيَشْرَبُهُ فِي الْحَالِ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الِاتِّبَاعُ حَتَّى إنِّي رَوَيْتُ فِي ذَلِكَ مَسْأَلَتَيْنِ غَرِيبَتَيْنِ: الْأُولَى أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ الْمُذَنَّبُ وَهُوَ الَّذِي بَدَا الْإِرْطَابُ فِي ذَنَبِهِ وَصَدَقَ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَلِيطَيْنِ. الثَّانِيَةُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ أَجْرَى النَّهْيَ فِي الْخَلِيطَيْنِ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى مَنَعَ مِنْهَا فِي شَرَابِ الطِّيبِ، وَهَذَا جُمُودٌ عَظِيمٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " الْبُسْرُ الْمُذَنَّبُ " هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْبَاجِيُّ: هُوَ كَالْبُسْرِ مَعَ التَّمْرِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْخَلِيطَيْنِ مِنْ طُرُقٍ ثَابِتَةٍ ثُمَّ قَالَ: وَرَدَّ أَبُو حَنِيفَةَ هَذِهِ الْآثَارَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 بِرَأْيِهِ وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِشَرَابِ الْخَلِيطَيْنِ. وَنَحْوُ هَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَإِبْرَاهِيمَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُخْلَطَ نَبِيذُ التَّمْرِ وَنَبِيذُ الزَّبِيبِ ثُمَّ يُشْرَبَانِ جَمِيعًا، وَإِنَّمَا نَهَى أَنْ يُنْبَذَا ثُمَّ يُشْرَبَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَجُوزُ شَرَابُ الْخَلِيطَيْنِ يُنْبَذَانِ وَيُخْلَطَانِ عِنْدَ الشُّرْبِ نَهَى عَنْهُ مَالِكٌ إلَّا الْفُقَّاعَ فَقَالَ أَصْبَغُ: يُسْتَحَبُّ تَحْلِيَتُهُ بِالْعَسَلِ وَشُرْبُهُ بِاللَّبَنِ. الْبَاجِيُّ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَمْنُوعًا لِأَنَّ الْفُقَّاعَ مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُنْبَذُ مُفْرَدًا وَالْعَسَلُ يُنْبَذُ مُفْرَدًا، فَالْقِيَاسُ مَنْعُ جَمْعِهِمَا. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْعَسَلِ يُطْرَحُ فِيهِ قِطْعَةُ الْعَجِينِ أَوْ الْحَرِيرَةِ. وَأَمَّا خَلْطُ الْعَسَلِ بِاللَّبَنِ وَشُرْبِهِمَا فَلَا بَأْسَ بِهِ إنَّمَا هُوَ خَلْطُ مَشْرُوبَيْنِ كَشَرَابِ الْوَرْدِ وَشَرَابِ النَّيْلُوفَرِ. انْتَهَى مِنْ الْبَاجِيِّ. قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَى هَذَا يَجُوزُ خَلْطُ الرُّبِّ وَالْخَلِّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَنْتَهِي إلَى الْإِسْكَارِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي مَعْنَى خَلْطِ شَرَابِ الطِّيبِ وَحَكَى اللَّخْمِيِّ أَيْضًا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ خَلْطِ شَرَابِ الْوَرْدِ وَالسَّكَنْجَبِينِ. وَعَنْ مَالِكٍ: لَا خَيْرَ فِي الْخَلِيطَيْنِ لِلْخَلِّ. وَعَنْهُ أَيْضًا: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَمَنْ نَبَذَ الْخَلِيطَيْنِ فَقَدْ أَسَاءَ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَيَجُوزُ شُرْبُهُ مَا لَمْ يُسْكِرْ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا بَأْسَ بِمَا طُبِخَ بِالْعَصِيرِ مِنْ سَفَرْجَلٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ يَوْمَ عُمِلَ بِهِ حَلَالًا يُرِيدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ إلَّا الِانْتِبَاذَ بَلْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِبْقَاءِ لِمَنْفَعَتِهِ وَدَفْعِ الْفَسَادِ عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِمَعْنَى الْخَلِيطَيْنِ لِلْخَلِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي خَلْطِهِمَا لِلْخَلِّ غَرَضٌ مَقْصُودٌ مُبَاحٌ كَمَا فِي المري. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي جَوَازِ خَلْطِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ لِلْخَلِّ وَكَرَاهَتِهِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَلِكَ فِي النُّضُوخِ مِنْ الْخَلِيطَيْنِ لِرَأْسِ الْمَرَّةِ رِوَايَتَانِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْتَبَذَ تَمْرٌ مَعَ زَبِيبٍ، وَلَا بُسْرٌ أَوْ زَهْوٌ مَعَ رُطَبٍ، وَلَا بُرٌّ مَعَ شَعِيرٍ أَوْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَعَ تِينٍ أَوْ عَسَلٍ. الْبَاجِيُّ: ظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ عَلَى الْكَرَاهَةِ. (وَنَبِيذٌ بكدباء) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُنْبَذُ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ لِئَلَّا يُعَجِّلَ مَا يُنْبَذُ فِيهِ فَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَالتَّخْلِيلُ أَحَبُّ إلَيَّ وَبِهِ أَقُولُ وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ فَمَنْ اجْتَرَأَ عَلَى ذَلِكَ جَازَ أَنْ يَشْرَبَ النَّبِيذَ مَا لَمْ يُسْكِرْ كَتَخْلِيلِ الْخَمْرِ مَنْ اجْتَرَأَ وَخَلَّلَهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ. قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي الْحَنْتَمِ أَنَّهُ مَا طُلِيَ مِنْ الْفَخَّارِ بِالْحَنْتَمِ وَهُوَ الزُّجَاجُ وَالدُّبَّاءُ الْقَرْعَةُ - بِسُكُونِ الرَّاءِ - وَالنَّقِيرُ الْمَنْقُورُ وَهُوَ جِذْعُ النَّخْلَةِ يُنْقَرُ. ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ مَا كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 مِنْ عُودٍ ثُمَّ يُنْبَذُ فِيهِ، وَالْمُقَيَّرُ مَا طُلِيَ بِالْقَارِ وَهُوَ الزِّفْتُ. (وَفِي كُرْهِ الْقِرْدِ) ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَحِلُّ لَحْمُ الْقِرْدِ. أَبُو عُمَرَ: لَا خِلَافَ فِي هَذَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ عِنْدِي مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ. (وَالطِّينِ وَمَنْعِهِمَا قَوْلَانِ) ابْنُ شَاسٍ: كَرِهَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَكْلُ الطِّينِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: أَكْلُهُ حَرَامٌ. اُنْظُرْ رَسْمَ الْبَزِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ وَفِي بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ الْمَازِرِيِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 [بَابُ الضَّحَايَا] [أَرْكَانُ الضَّحَايَا وَأَحْكَامُهَا] ابْنُ شَاسٍ: وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: الذَّبِيحَةُ وَالْوَقْتُ وَالذَّابِحُ. وَأَحْكَامُ الضَّحَايَا قِسْمَانِ قَبْلَ الذَّبْحِ وَبَعْدَهُ (سُنَّ لِحُرٍّ غَيْرِ حَاجٍّ بِمِنًى ضَحِيَّةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا لِقَادِرٍ عَلَيْهَا مِنْ أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا الْحَاجَّ فَلَيْسَتْ عَلَيْهِمْ أُضْحِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ سُكَّانِ مِنًى وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 الْمَوْسِمَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا فَهُمْ فِي ضَحَايَاهُمْ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا لَمْ تَكُنْ عَلَى الْحَاجِّ لِأَنَّ مَا يُنْحَرُ بِمِنًى إنَّمَا هُوَ هَدْيٌ لِأَنَّهُ يُوقَفُ بِعَرَفَةَ، وَلِأَنَّ الْحُجَّاجَ لَمْ يُخَاطَبُوا بِصَلَاةِ الْعِيدِ لِأَجْلِ حَجِّهِمْ فَكَذَلِكَ فِي الْأُضْحِيَّةِ (لَا تُجْحِفُ) ابْنُ بَشِيرٍ: لَا يُؤْمَرُ بِهَا مَنْ تُجْحِفُ بِمَالِهِ. (وَإِنْ يَتِيمًا) ابْنُ عَرَفَةَ: الصَّغِيرُ أَوْ الْأُنْثَى أَوْ الْمُسَافِرُ كَقَسِيمِهِ يَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَمْرِ بِالْأُضْحِيَّةِ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْيَتِيمِ يَكُونُ لَهُ ثَلَاثُونَ دِينَارًا، أَيُضَحِّي عَنْهُ وَلِيُّهُ بِالشَّاةِ بِالنِّصْفِ دِينَارٍ وَنَحْوِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَرِزْقُهُ عَلَى اللَّهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ قَالَ: وَأَرَى التَّضْحِيَةَ بِنِصْفِ دِينَارٍ مِنْ ثَلَاثِينَ مِمَّا يَلْزَمُ الْوَصِيَّ أَنْ يَفْعَلَهُ وَيَصْدُقُ فِي ذَلِكَ كَمَا يَصْدُقُ فِي تَزْكِيَةِ مَالِهِ وَفِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي عِيَالِهِ. وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً وَمَالُهُمْ فِي يَدِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ ضَحَّى عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِشَاةٍ شَاةٍ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُمْ مِنْ مَالِهِمْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمْ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُمْ كُلِّهِمْ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانُوا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُدْخِلَهُمْ فِي ضَحِيَّتِهِ إنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا مِنْ قَرَابَتِهِ. (بِجَذَعِ ضَأْنٍ وَثَنِيِّ مَعْزٍ وَبَقَرٍ وَإِبِلٍ ذِي سَنَةٍ وَثَلَاثٍ وَخَمْسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تُجْزِئُ مَا دُونَ الثَّنِيِّ مِنْ سَائِرِ الْأَنْعَامِ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا إلَّا الضَّأْنُ وَحْدَهَا فَإِنَّ جَذَعَهَا يُجْزِئُ. ابْنُ حَبِيبٍ: الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ ابْنُ سَنَةٍ تَامَّةٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقِيلَ: ابْنُ عَشْرَةِ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: ابْنُ ثَمَانِيَةٍ، وَقِيلَ: ابْنُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَالثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ لَهُ سَنَةٌ وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَالثَّنِيُّ مِنْ الْبَقَرِ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ. وَفِي الرِّسَالَةِ: مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: مَا لَهُ سَنَتَانِ وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَالثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ ابْنُ سِتِّ سِنِينَ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ مَا أَتَمَّ خَمْسَ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ. (بِلَا شِرْكٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ مَنْعُ الشَّرِكَةِ فِيهَا بِالْمِلْكِ (إلَّا فِي الْأَجْرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ أُضْحِيَّةً بِمَالِ نَفْسِهِ وَذَبَحَهَا عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَجَائِزٌ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرِكَةٍ فِي مِلْكِ اللَّحْمِ وَإِنَّمَا هِيَ شَرِكَةٌ فِي الثَّوَابِ وَالْبَرَكَةِ. (وَإِنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ ضَحَّى بِشَاةٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَجْزَأَهُمْ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةِ أَنْفُسٍ. (إنْ سَكَنَ مَعَهُ وَقَرُبَ لَهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَبَرُّعًا) الْبَاجِيُّ: مَنْ الَّذِي يُشْرِكُهُ فِي أُضْحِيَّتِهِ قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي بِأَهْلِ بَيْتِهِ أَهْلَ نَفَقَتِهِ قَلِيلًا كَانُوا أَوْ كَثِيرًا. زَادَ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ: وَوَلَدَهُ وَوَالِدَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَهُ أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 يُدْخِلَ فِي أُضْحِيَّتِهِ مَنْ بَلَغَ مِنْ وَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، وَأَخَاهُ وَابْنُ أَخِيهِ وَقَرِيبِهِ إذَا كَانُوا فِي نَفَقَتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ فَأَبَاحَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ: الْقَرَابَةُ وَالْمُسَاكَنَةُ وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ. مُحَمَّدٌ: وَلَهُ أَنْ يُدْخِلَ زَوْجَتَهُ فِي أُضْحِيَّتِهِ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ آكَدُ مِنْ الْقَرَابَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ زَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ. (وَإِنْ جَمَّاءَ) . ابْنُ بَشِيرٍ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْأُضْحِيَّةِ بِالْجَمَّاءِ وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا. انْتَهَى. اُنْظُرْ إنْ كَانَ عَنَى بِهَذَا إذَا كَانَ ذَلِكَ لَهَا خِلْقَةً فَإِنَّ مُسْتَأْصَلَةَ الْقَرْنَيْنِ دُونَ إدْمَاءٍ اخْتَلَفَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 جَوَازِ التَّضْحِيَةِ بِهَا مَنَعَ أَحَدُهُمَا وَأَجَازَ الْآخَرُ (وَمُقْعَدَةً لِشَحْمٍ) سَحْنُونَ: تُجْزِئُ الَّتِي أَقْعَدَهَا الشَّحْمُ. (وَمَكْسُورَةَ قَرْنٍ لَا إنْ أَدْمَى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُجْزِئُ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا الْمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يُدْمِي فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَرَضٌ. (كَبَيِّنِ مَرَضٍ وَجَرَبٍ وَبَشَمٍ) . ابْنُ يُونُسَ: نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَرِيضَةِ الْبَيِّنِ مَرَضُهَا، وَلِأَنَّ الْمَرَضَ يُفْسِدُ اللَّحْمَ وَيَضُرُّ بِمَنْ يَأْكُلُهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تُجْزِئُ الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَلَا الْحَمِرَةُ وَهِيَ الْبَشِمَةُ يُرِيدُ الَّذِي أَصَابَهَا التُّخَمَةُ مِنْ الْأَكْلِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَرَضٌ بِهَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ الْجَرِبَةُ إنْ كَانَ ذَلِكَ مَرَضًا لَهَا وَلَا تُجْزِئُ ذَاتُ الدَّبَرَةِ الْكَبِيرَةِ. (وَجُنُونٍ) أَبُو عُمَرَ: لَا بَأْسَ بِالتَّوْلَاءِ إذَا كَانَتْ سَمِينَةً. الْجَوْهَرِيُّ: التَّوْلُ جُنُونٌ يُصِيبُ الشَّاةَ فَلَا تَتْبَعُ الْغَنَمَ وَتَسْتَدْبِرُ فِي مَرْتَعِهَا. الْبَاجِيُّ: الْجُنُونُ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَلَمْ أَجِدْ لِأَصْحَابِنَا نَصًّا فِيهِ. (وَهُزَالٍ) أَبُو عُمَرَ: الْمَهْزُولَةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِغَايَةٍ فِي الْهُزَالِ تُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا تُجْزِئُ الْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي. ابْنُ حَبِيبٍ: هِيَ الَّتِي لَا شَحْمَ لَهَا. عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَلَا مُخَّ فِي عَظْمِهَا. (وَعَرَجٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَسِيرُ الْعَرَجِ غَيْرُ الْمَانِعِ لُحُوقَهَا بِالْغَنَمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 خَفِيفٌ (وَعَوَرٍ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: أَمَّا الْعَوَرُ فَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي مَنْعِ الْأُضْحِيَّةِ بِهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالْهَدَايَا وَالضَّحَايَا بِالْبَيَاضِ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْعَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى النَّاظِرِ مِنْهُ شَيْءٌ. (وَفَائِتِ جُزْءٍ غَيْرِ خُصْيَةٍ) الْبَاجِيُّ: إنْ كَانَ نَقْصُ الْخِلْقَةِ يُنْقِصُ مَنَافِعَهَا وَجِسْمَهَا وَلَا يَعُودُ بِمَنْفَعَةٍ فِي لَحْمِهَا فَهُوَ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ كَعَدَمِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ. ابْنُ زَرْقُونٍ: إنَّمَا قَالَ لَا يَعُودُ بِمَنْفَعَةٍ تَحَرُّزًا مِنْ الْخُصَى الَّذِي يَعُودُ بِمَنْفَعَةٍ فِي لَحْمِهَا. (وَصَمْعَاءَ جِدًّا) . الْبَاجِيُّ: وَأَمَّا الصَّكَّاءُ وَهِيَ الصَّغِيرَةُ الْأُذُنِ وَهِيَ الصَّمْعَاءُ فَتُجْزِئُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَأَمَّا الَّتِي خُلِقَتْ بِغَيْرِ أُذُنَيْنِ وَهِيَ السَّكَّاءُ فَلَا خَيْرَ فِيهَا، وَعِنْدِي أَنَّهَا إنْ كَانَتْ الْأُذُنُ مِنْ الصِّغَرِ بِحَيْثُ تَقْبُحُ بِهِ الْخِلْقَةُ وَيَقَعُ بِهَا التَّشْوِيهُ فَلَا تُجْزِئُ. (وَذِي أُمٍّ وَحْشِيَّةٍ) . الْبَاجِيُّ: لَوْ ضَرَبَتْ فَحَوْلُ الْبَقَرِ الْإِنْسِيَّةِ إنَاثَ الْبَقَرِ الْوَحْشِيَّةِ فَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يُضَحِّي بِهَا لِأَنَّ كُلَّ وَلَدٍ تَبَعٌ لِأُمِّهِ فِي الْجِنْسِ وَالْحُكْمِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ فِي بَنِي آدَمَ. وَاخْتَلَفُوا إذَا ضَرَبَتْ فَحَوْلُ الْوَحْشِيَّةِ إنَاثَ الْإِنْسِيَّةِ وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ إجَازَةُ ذَلِكَ. (وَبَتْرَاءَ) . ابْنُ رُشْدٍ: لَا تُجْزِئُ الْبَتْرَاءُ وَهِيَ الَّتِي قُطِعَ مِنْ ذَنَبِهَا النِّصْفُ أَوْ الثُّلُثُ، قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ وَهْبٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: الثُّلُثُ يَسِيرٌ وَأَمَّا الرُّبْعُ فَيَسِيرٌ بِاتِّفَاقٍ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: سِمَنُ الْغَنَمِ كُلِّهَا فِي تِلْكَ الْبِلَادِ فِي أَذْنَابِهَا وَلَذَّتُهَا فِي تِلْكَ الشُّحُومِ حَتَّى تَرَى الشَّاةَ لَا تَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ لِعِظَمِ ذَنَبِهَا، فَلِهَذَا الْمَعْنَى رَاعَى الْعُلَمَاءُ الذَّنَبَ وَتَكَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَأَمَّا بِلَادُنَا فَلَوْ كَانَ عَدَمُ الذَّنَبِ كُلِّهِ مَا أَثَّرَ إلَّا فِي الْجَمَالِ خَاصَّةً. (وَبَكْمَاءَ وَبَخْرَاءَ) اللَّخْمِيِّ: لَا تُجْزِئُ الْبَكْمَاءُ وَيُتَّقَى نَتِنُ الْفَمِ (وَيَابِسَةِ ضَرْعٍ) فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لَا خَيْرَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 يَابِسَةِ الضَّرْعِ وَلَا بَأْسَ بِيَابِسَةِ بَعْضِهِ. (مَشْقُوقَةِ أُذُنٍ) خَرَّجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ وَلَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ وَلَا مُدَابَرَةٍ وَلَا شَرْقَاءَ وَلَا خَرْقَاءَ» . أَبُو عُمَرَ: يُرِيدُ بِالْمُقَابَلَةِ مَا قُطِعَ طَرَفُ أُذُنِهَا، وَالْمُدَابِرَةُ مَا قُطِعَ مِنْ جَانِبَيْ الْأُذُنِ. الْبَاجِيُّ: الْمُدَابِرَةُ الَّتِي يُقْطَعُ مِنْ مُؤَخَّرِ أُذُنِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ لَا تَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَإِنَّمَا تَمْنَعُ الِاسْتِحْبَابَ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَذْهَبُ الْجَلَّابِ وَابْنِ الْقَصَّارِ وَالْبَغْدَادِيِّينَ قَصْرُ مَنْعِ الْإِجْزَاءِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرْبَعَةٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ فَذَكَرَ الْعَوْرَاءَ وَالْعَرْجَاءَ وَالْمَرِيضَةَ وَالْعَجْفَاءَ» . ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَشْهُورُ لُحُوقُ بَيِّنِ الْعَيْبِ بِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَى مَفْهُومِ الْعَدَدِ وَعَكْسِهِ. (وَمَكْسُورَةِ سِنٍّ لِغَيْرِ إثْغَارٍ أَوْ كِبَرٍ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِاَلَّتِي سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا مِنْ كِبَرٍ وَهَرَمٍ أَوْ حَفًا، وَأَمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ عَيْبٌ فَلَا يُضَحِّي بِهَا. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ مِنْ ثَغَارٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُضَحِّيَ بِمَا سَقَطَتْ لَهَا سِنٌّ وَاحِدَةٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا مِنْ كِبَرٍ. انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ. وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا: إنْ ذَهَبَ لَهَا سِنٌّ فَلَا يُضَحِّي بِهَا. (وَذَاهِبَةِ ثُلُثِ ذَنَبٍ لَا أُذُنٍ) تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ وَابْنَ وَهْبٍ قَالَا: ثُلُثُ الذَّنَبِ كَثِيرٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: ثُلُثُ الذَّنَبِ يَسِيرٌ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ ذَهَابَ ثُلُثِ الْأُذُنِ فِي حَيِّزِ الْيَسِيرِ، وَذَهَابُ ثُلُثِ الذَّنَبِ فِي حَيِّزِ الْكَثِيرِ، لِأَنَّ الذَّنَبَ لَحْمٌ وَعَصَبٌ وَالْأُذُنَ طَرَفُ جِلْدٍ لَا يَكَادُ يَسْتَضِرُّ بِهِ لَكِنْ يُنْقِصُ الْجَمَالَ كَثِيرُهُ. وَعِنْدِي أَنَّ الشَّقَّ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مَبْلَغَ تَشْوِيهِ الْخِلْقَةِ، وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَنْ قَصِيرَةِ الذَّنَبِ خِلْقَةً لَا يَعِيبُهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 قَالَ: تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ. ابْنُ قِدَاحٍ: وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ. (مِنْ ذَبْحِ الْإِمَامِ لِآخِرِ الثَّالِثِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْأَيَّامُ الَّتِي يُضَحَّى فِيهَا يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِهَا، وَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَقَدْ انْقَضَى الذَّبْحُ وَفَاتَ، وَلَا يُضَحَّى بِلَيْلٍ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ. قَالَ مَالِكٌ: وَيَوْمُ النَّحْرِ هُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَوَقْتُ الذَّبْحِ مِنْهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ بِيَدِهِ، وَلَا يُرَاعَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ ذَبْحُ الْإِمَامِ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَكِنْ إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ وَحَلَّتْ الصَّلَاةُ جَازَ لَهُ الذَّبْحُ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَجْرِ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ أَجْزَأَهُ. أَبُو عُمَرَ: نَصَّ مَالِكٌ أَنَّ الصُّبْحَ مِنْ النَّهَارِ، وَهُوَ الْحَقُّ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: هُوَ مِنْ اللَّيْلِ (وَهَلْ هُوَ الْعَبَّاسِيُّ أَوْ إمَامُ الصَّلَاةِ قَوْلَانِ) . اللَّخْمِيِّ: الْمُعْتَبَرُ إمَامُ الطَّاعَةِ كَالْعَبَّاسِيِّ الْيَوْمَ أَوْ مَنْ أَقَامَهُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ بِبَلَدِهِ أَوْ عَمَلُهُ عَلَى بَلَدٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 مِنْ بُلْدَانِهِ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَأَمَّا الْمُتَغَلِّبُونَ عَلَى الْبِلَادِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى فِعْلِهِمْ وَنَحْوِهِ لِلَّخْمِيِّ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فِي هَذَا نَظَرٌ لِنُصُوصِ الْمَذْهَبِ بِنُفُوذِ أَحْكَامِهِمْ وَأَحْكَامِ قُضَاتِهِمْ. ابْنُ عَرَفَةَ: يَرِدُ بِعَدَمِ إمْكَانِ غَيْرِ ذَلِكَ وَإِمْكَانِ الثَّانِي لِتَحَرِّي وَقْتِ الْإِمَامِ غَيْرِ الْمُتَغَلِّبِ كَمَا لَوْ كَانَ وَأَخَّرَ ذَبْحَهُ اخْتِيَارًا. ابْنُ رُشْدٍ: الْمُرَاعَى لِلْإِمَامِ الَّذِي يُصَلِّي صَلَاةَ الْعِيدِ بِالنَّاسِ إذَا كَانَ مُسْتَخْلَفًا عَلَى ذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ: صَرِيحُ نَصِّهَا مَعَ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ بِأَقْرَبِ الْأَئِمَّةِ، وَكَوْنُ الْمُعْتَبَرِ إمَامَ بَلَدِ مَنْ ذَبَحَ عَنْ مُسَافِرٍ لَا إمَامَ بَلَدِ الْمُسَافِرِ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهِ إمَامَ الصَّلَاةِ لِامْتِنَاعِ تَعَدُّدِ إمَامِ الطَّاعَةِ. وَعَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ ذَبْحُ إمَامِ صَلَاتِنَا لِأَنَّ إخْرَاجَ السُّلْطَانِ أُضْحِيَّتَهُ لِلذَّبْحِ بِالْمُصَلَّى دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ نِيَابَتِهِ إيَّاهُ فِي الِاقْتِدَاءِ بِذَبْحِهِ. (وَلَا يُرَاعَى قَدْرُهُ فِي غَيْرِ الْأَوَّلِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ: لَا يُرَاعَى فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 الثَّانِي وَالثَّالِثِ ذَبْحُ الْإِمَامِ وَلَوْ ذَبَحَ بَعْدَ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ (وَأَعَادَ سَابِقُهُ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الْإِمَامِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ وَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ (إلَّا الْمُتَحَرِّي أَقْرَبَ إمَامٍ كَأَنْ لَمْ يُبْرِزْهَا وَتَوَانَى بِلَا عُذْرٍ قَدْرَهُ وَبِهِ انْتَظَرَ لِلزَّوَالِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَجْهُ الشَّأْنِ أَنْ يُخْرِجَ الْإِمَامُ أُضْحِيَّتَهُ إلَى الْمُصَلَّى فَيَذْبَحَهَا بِيَدِهِ ثُمَّ يَذْبَحَ النَّاسُ بَعْدَهُ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَلَى النَّاسِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُظْهِرَ أُضْحِيَّتَهُ لِيَصِلَ النَّاسُ إلَى الْعِلْمِ بِوَقْتِ ذَبْحِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ تَحَرَّوْا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ تَحَرَّوْا فَسَبَقُوهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ اجْتَهَدُوا كَالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ مَعَ الْغَيْبَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَمْ يُخْرِجْ الْإِمَامُ أُضْحِيَّتَهُ إلَى الْمُصَلَّى وَجَبَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُؤَخِّرُوا ذَبْحَ ضَحَايَاهُمْ إلَى قَدْرِ مَا يَبْلُغُ الْإِمَامُ فَيَذْبَحَ عِنْدَ وُصُولِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ انْتِظَارُهُ إنْ تَرَاخَى فِي الذَّبْحِ بَعْدَ وُصُولِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ أَخَّرَ الذَّبْحَ لِعُذْرٍ مِنْ اشْتِغَالٍ بِقِتَالِ عَدُوٍّ أَوْ غَيْرِهِ انْتَظَرُوهُ مَا لَمْ يَذْهَبْ وَقْتُ الصَّلَاةِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلْيَتَحَرَّ أَهْلُ الْبَوَادِي وَمَنْ لَا إمَامَ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى صَلَاةَ أَقْرَبِ الْأَئِمَّةِ إلَيْهِمْ وَذَبْحُهُ فَيَذْبَحُونَ بَعْدَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ تَحَرَّوْا فَذَبَحُوا قَبْلَهُ أَجْزَاهُمْ. (وَالنَّهَارُ شَرْطٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُضَحَّى بِلَيْلٍ (وَنُدِبَ إبْرَازُهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَجْهُ الشَّأْنِ أَنْ يُخْرِجَ الْإِمَامُ أُضْحِيَّتَهُ إلَى الْمُصَلَّى. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ أَنَّ غَيْرَ الْإِمَامِ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ فِي الْمُصَلَّى بَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ جَازَ وَكَانَ صَوَابًا وَقَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ. الْبَاجِيُّ: لِأَنَّهَا مِنْ الْقُرَبِ الْمَسْنُونَةِ الْعَامَّةِ فَالْأَفْضَلُ إظْهَارُهَا لِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءَ سُنَّتِهَا وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. (وَجَيِّدٌ وَسَالِمٌ) . ابْنُ بَشِيرٍ: صِفَةُ الْكَمَالِ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَعَلَا الْغَنَمِ سَالِمَةً مِنْ الْعُيُوبِ الْكَثِيرَةِ وَالْيَسِيرَةِ لِأَنَّهَا قُرْبَانٌ إلَى اللَّهِ وَقَدْ سُمِّيَتْ هَدَايَا. اللَّخْمِيِّ: يُسْتَحَبُّ اسْتِفْرَاهُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ عَدَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ اسْتِحْبَابَهَا بِكَبْشٍ عَظِيمٍ سَمِينٍ فَحْلٍ أَقَرْنَ يَنْظُرُ فِي سَوَادٍ وَيَسْمَعُ فِيهِ وَيَشْرَبُ فِيهِ. زَادَ ابْنُ يُونُسَ: أَمْلَحَ وَهُوَ مَا كَانَ بَيَاضُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَوَادِهِ. (وَغَيْرُ خَرْقَاءَ وَشَرْقَاءَ وَمُقَابَلَةٌ وَمُدَابَرَةٌ) اُنْظُرْ النَّصَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمَشْقُوقَةِ أُذُنٍ " (وَسَمِينٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ اسْتِحْبَابُ سَمِينٍ. عِيَاضٌ: الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ تَسْمِينِهَا. (وَذَكَرٌ) . الْبَاجِيُّ: فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ ذُكُورَ كُلِّ جِنْسٍ أَفْضَلُ مِنْ إنَاثِهِ. (وَأَقْرَنُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ بِاسْتِحْبَابِ أَقْرَنَ (وَفَحْلٌ) ابْنُ حَبِيبٍ: الْفَحْلُ فِي الضَّحَايَا أَفْضَلُ مِنْ الْخَصِيِّ (إنْ لَمْ يَكُنْ الْخَصِيُّ أَسْمَنَ) ابْنُ حَبِيبٍ: سَمِينُ الْخَصِيِّ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ هَزِيلِ الْفَحْلِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَمِنْ أَغْرَبِ الْخِلَافِ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْخَصِيَّ أَوْلَى مِنْ الْفَحْلِ لِأَنَّهُ أَسْمَنُ قُلْنَا لَيْسَ بِأَكْمَلَ. (وَضَأْنٌ مُطْلَقًا ثُمَّ مَعْزٌ ثُمَّ هَلْ بَقَرٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَوْ إبِلٌ خِلَافٌ) قَالَ مَالِكٌ: فَحَوْلُ الضَّأْنِ فِي الضَّحَايَا أَفْضَلُ مِنْ إنَاثِهَا، وَإِنَاثُهَا أَفْضَلُ مِنْ فُحُولِ الْمَعْزِ، وَفُحُولُ الْمَعْزِ أَفْضَلُ مِنْ إنَاثِهَا. ابْنُ شَعْبَانَ: إنَاثُهَا أَفْضَلُ مِنْ ذُكُورِ الْإِبِلِ ثُمَّ ذُكُورُ الْبَقَرِ ثُمَّ إنَاثُهَا. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: الْبَقَرُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِبِلِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَوَجَّهَ ابْنُ رُشْدٍ كِلَا الْقَوْلَيْنِ وَلَمْ يُرَجِّحْ قَوْلًا. (وَتَرْكُ حَلْقٍ وَقَلْمٍ لِمُضَحٍّ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ) الْبَاجِيُّ: عَنْ مَالِكٍ وَالْمَازِرِيِّ عَنْ رِوَايَةِ الْأَبْهَرِيِّ وَابْنِ الْقَصَّارِ. يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ إذَا رَأَى هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ أَنْ لَا يَقُصَّ شَيْئًا مِنْ شَعْرِهِ وَلَا يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ حَتَّى يُضَحِّيَ قَالَا: وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ. (وَضَحِيَّةٌ عَلَى صَدَقَةٍ وَعِتْقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الصَّدَقَةُ بِثَمَنِهَا أَحَبُّ إلَى مَالِكٍ مِنْهَا أَمْ هِيَ أَحَبُّ إلَيْهِ قَالَ قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ تَرْكَهَا لِمَنْ قَدَرَ. ابْنُ حَبِيبٍ: هِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ. (وَذَبْحُهَا بِيَدِهِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَلِيَ ذَكَاةَ أُضْحِيَّتِهِ بِيَدِهِ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ: لَا يَلِي ذَبْحَهَا غَيْرُ رَبِّهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ ضَعْفٍ. ابْنُ حَبِيبٍ: أَوْ كِبَرٍ أَوْ رَعْشَةٍ فَإِنْ أَمَرَ مُسْلِمًا غَيْرَهُ دُونَ عُذْرٍ فَبِئْسَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 مَا صَنَعَ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ بِنَفْسِهِ صَاغِرًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ: لِتَلِ الْمَرْأَةُ ذَبْحَ أُضْحِيَّتِهَا بِيَدِهَا أَحَبُّ إلَيَّ. وَكَانَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ يَأْمُرُ بَنَاتِهِ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَمَا رَأَيْت مَنْ نَقَلَ خِلَافَ هَذَا إلَّا ابْنَ رُشْدٍ فَإِنَّهُ ارْتَضَى أَنْ لَا تَذْبَحَ الْمَرْأَةُ أُضْحِيَّتَهَا إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ. (وَلِلْوَارِثِ إنْفَاذُهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَبْحِ أُضْحِيَّتِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِهَا بِيعَتْ لَهُ. وَسَمِعَ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ اُسْتُحِبَّ لِوَرَثَتِهِ ذَبْحُهَا عَنْهُ فَإِنْ شَحُّوا فَهِيَ مِنْ مَالِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ أَصْلَ مَالِكٍ وَكُلِّ أَصْحَابِهِ إنَّمَا تَجِبُ بِالذَّبْحِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. (وَجَمْعُ أَكْلٍ وَصَدَقَةٍ) . ابْنُ حَبِيبٍ: يَنْبَغِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَيُطْعِمَ كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ مَا يَأْكُلُ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ. قَالَهُ عُثْمَانُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: يَأْكُلُ مِنْ كَبِدِهَا قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْهَا. (وَإِعْطَاءٌ بِلَا حَدٍّ) قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنْ لَيْسَ فِي الضَّحَايَا وَالنَّذْرِ وَالتَّطَوُّعِ قِسْمٌ مَوْصُوفٌ وَلَا حَدٌّ مَعْلُومٌ. (وَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَهَلْ جَمِيعُهُ أَوْ إلَى الزَّوَالِ قَوْلَانِ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: أَفْضَلُ الذَّبْحِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَأَنْكَرَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّهُ إذَا فَاتَهُ الذَّبْحُ أَوَّلَ يَوْمٍ إلَى الزَّوَالِ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ إلَى ضُحَى الْيَوْمِ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي رِوَايَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَاخْتِيَارُهُ أَحْسَنُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، وَهُوَ أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ كُلَّهُ الذَّبْحُ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الثَّانِي وَالثَّانِي أَفْضَلُ مِنْ الثَّالِثِ. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافًا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِمَنْ لَمْ يُضَحِّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ أَنْ يُؤَخِّرَ الذَّبْحَ إلَى ضُحَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ، وَحَكَى الْخِلَافَ فِيمَنْ فَاتَهُ الذَّبْحُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَى الزَّوَالِ، هَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُضَحِّيَ بَقِيَّةَ النَّهَارِ أَوْ يُؤَخِّرَ إلَى ضُحَى الْيَوْمِ الثَّانِي. (وَفِي أَفْضَلِيَّةِ أَوَّلِ الثَّالِثِ عَلَى آخِرِ الثَّانِي تَرَدُّدٌ) هَذَا صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ مَا ذَكَرَ خِلَافًا فِي أَفْضَلِيَّةِ أَوَّلِ الثَّالِثِ عَلَى آخِرِ الثَّانِي. وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ يُونُسَ حَكَى الْخِلَافَ وَقَالَ: إنَّ رِوَايَةَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَاخْتِيَارَهُ وَالْأَحْسَنُ الْمَعْرُوفُ أَنَّ الْيَوْمَ الثَّانِيَ كُلَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَيَبْقَى آخِرُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ. فَمُقْتَضَى قَوْلِ خَلِيلٍ إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ ضُحَى الْيَوْمِ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي رَشَّحَ ابْنُ يُونُسَ وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَوْلَيْنِ وَلَمْ يُرَجِّحْ مِنْهُمَا قَوْلًا فَقَوْلُ خَلِيلٍ بَيِّنٌ. (وَذَبْحُ وَلَدٍ خَرَجَ قَبْلَ الذَّبْحِ) هَذِهِ إحْدَى أَرْبَعِ الْمَسَائِلِ الْمَمْحُوَّاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: إذَا وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ فَحَسَنٌ أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا وَإِنْ تَرَكَهُ لَمْ أَرَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَاجِبًا لِأَنَّ عَلَيْهِ بَدَلَ أُمِّهِ إنْ هَلَكَتْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ثُمَّ عَرَضْتهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: اُمْحُ وَاتْرُكْ مِنْهَا إنْ ذَبَحَهُ فَحَسَنٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَاجِبًا وَبَعْدَهُ جُزْءٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: لَوْ وَجَدَ فِي بَطْنِ الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَمَا ذَبَحَهَا جَنِينًا حَيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ ذُكِّيَتْ وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 بِبَطْنِهَا فَهُوَ كَلَحْمِهَا إنْ حَلَّ فَهُوَ كَلَحْمِهَا. (وَكُرِهَ جَزُّ صُوفِهَا قَبْلَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُجَزُّ صُوفُ الْأُضْحِيَّةِ قَبْلَ الذَّبْحِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إلَّا فِي الْوَقْتِ الْبَعِيدِ الَّذِي يَنْبُتُ فِيهِ مِثْلُهُ قَبْلَ الذَّبْحِ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَهُ أَنْ يَجُزَّهُ بَعْدَ الذَّبْحِ قَالَ: فَإِنْ جَزَّهُ قَبْلَ الذَّبْحِ يُرِيدُ بِالْقُرْبِ ثُمَّ ذَبَحَهَا أَجْزَأَتْهُ وَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يَبِيعُهُ وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ. قَالَ سَحْنُونَ: وَلَوْ بَاعَهُ لَمْ أَرَ بَأْسًا بِأَكْلِ ثَمَنِهِ إلَّا أَنْ يَجُزَّهُ بَعْدَ الذَّبْحِ فَلَا يَبِعْهُ (إنْ لَمْ يَنْبُتْ لِلذَّبْحِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ إلَّا فِي الْوَقْتِ الْبَعِيدِ الَّذِي يَنْبُتُ فِيهِ مِثْلُهُ. (وَلَمْ يَنْوِهِ حِينَ أَخَذَهَا) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِي قَبُولِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا وَقَعَ لِعَبْدِ الْحَمِيدِ مَنْ اشْتَرَى شَاةً وَنِيَّتُهُ جَزُّ صُوفِهَا لِيَنْتَفِعَ بِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ لَهُ وَلَوْ جَزَّهُ بَعْدَ ذَبْحِهَا نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إنْ شَرَطَهُ قَبْلَ ذَبْحِهَا فَذَبَحَهَا بِبَيْتِهِ وَبَعْدَهُ مُنَاقِضٌ لِحُكْمِهَا فَيَبْطُلُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ فِي الشَّرْطِ الْمُنَافِي لِلْعَقْدِ (وَبَيْعُهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ السَّمَاعِ لَا بَيْعُهُ وَتَفْرِقَةٌ لِسَحْنُونٍ بَيْنَ أَنْ يَجُزَّهُ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهُ. (وَشُرْبُ لَبَنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي لَبَنِ الْأُضْحِيَّةِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ كَرِهَ لَبَنَ الْهَدْيِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ: لَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ مِنْهَا بَعْدَ رِيِّ فَصِيلِهَا. وَرَأَى إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأُضْحِيَّةِ وَلَدٌ أَنْ لَا يَشْرَبَهُ إلَّا أَنْ يَضُرَّ بِهَا فَيَحْلِبَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَوْ أَكَلَهُ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا، وَإِنَّمَا مَنَعْته أَنْ يَنْتَفِعَ بِلَبَنِهَا قَبْلَ ذَبْحِهَا كَمَا مَنَعَهُ مَالِكٌ أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 يَجُزَّ صُوفَهَا قَبْلَ ذَبْحِهَا أَوْ يَنْتَفِعَ بِهِ. (وَإِطْعَامُ كَافِرٍ وَهَلْ إنْ بَعَثَ لَهُ أَوْ وُلِدَ فِي عِيَالِهِ تَرَدُّدٌ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُطْعِمَ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ جَارَهُ النَّصْرَانِيَّ أَوْ الظِّئْرَ النَّصْرَانِيَّةَ عِنْدَهُ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ النَّصْرَانِيَّةِ تَكُونُ الظِّئْرَ لِلرَّجُلِ فَيُضَحِّي فَتُرِيدُ أَنْ تَأْخُذَ فَرْوَةَ أُضْحِيَّةِ ابْنِهَا فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ أَنْ تُوهَبَ لَهَا الْفَرْوَةُ وَتُطْعَمَ مِنْ اللَّحْمِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَرَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ قَوْلَيْهِ إلَيَّ. ابْنُ رُشْدٍ: اخْتِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّمَا مَعْنَاهُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي عِيَالِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي عِيَالِهِ أَوْ غَشِيَتْهُمْ وَهُمْ يَأْكُلُونَ لَمْ يَكُنْ بَأْسٌ أَنْ تُطْعَمَ مِنْهُ دُونَ خِلَافٍ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ مُخَالَفَةٌ لِابْنِ حَبِيبٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَيْسَ كَذَلِكَ اُنْظُرْهُ فِيهِ. الطُّرْطُوشِيُّ: لَوْ أَقَامَ بِأُضْحِيَّتِهِ سُنَّةَ عُرْسِهِ أَجْزَأَتْهُ وَلَوْ عَقَّ بِهَا عَنْ وَلَدِهِ لَمْ تُجْزِهِ. (وَالتَّغَالِي فِيهَا) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: أَكْرَهُ التَّغَالِيَ فِي الضَّحِيَّةِ يَجِدَ بِعَشْرَةٍ فَيَشْتَرِي بِمِائَةٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْمُبَاهَاةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ اللَّخْمِيِّ خِلَافُ هَذَا، اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجَيِّدٌ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِفْرَازُهَا ". الْبَاجِيُّ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا ابْتَاعَ أُضْحِيَّةً يَأْمُرُ غُلَامَهُ بِحَمْلِهَا فِي السُّوقِ فَيَقُولُ هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنِ عُمَرَ. اللَّخْمِيِّ: يُسْتَحَبُّ اسْتِفْرَاهُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الرِّقَابِ أَغْلَاهَا» وَنَقَلَ الْجَوْزِيُّ بِسَنَدِهِ لِبَعْضِ التَّابِعِينَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُمَاكِسُ فِي ثَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ. وَيَقُولُ: يُمَاكَسُ فِي شَيْءٍ وَيُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ. (وَفِعْلُهَا عَنْ مَيِّتٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُضَحَّى عَمَّنْ فِي الْبَطْنِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 وَقَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ الْعَمَلُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ أَبَوَيْهِ وَقَدْ مَاتَا وَلَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ (كَعَتِيرَةٍ) ابْنُ يُونُسَ: الْعَتِيرَةُ الطَّعَامُ الَّذِي يُبْعَثُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ. قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ أَنْ يُرْسِلَ لِمَنَاحَةٍ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَتَهْيِئَةُ طَعَامٍ لِأَهْلِهِ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 (وَإِبْدَالُهَا بِدُونٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً وَأَرَادَ أَنْ يُبْدِلَهَا قَالَ مَالِكٌ: لَا يُبْدِلُهَا إلَّا بِخَيْرٍ مِنْهَا. فَإِنْ بَاعَهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ يَجِدْ بِالثَّمَنِ شَاةً فَلْيَزِدْ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى يَشْتَرِيَ مِثْلَهَا. ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ بَاعَهَا وَاشْتَرَى بِدُونِ الثَّمَنِ مِثْلَهَا أَوْ خَيْرًا مِنْهَا أَوْ دُونَهَا فَلْيَتَصَدَّقْ بِمَا اسْتَفْضَلَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَبْدَلَهَا بِدُونِهَا فَلْيَتَصَدَّقْ بِمَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ فَإِنْ شَحَّ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا صَنَعَ بِالْفَضْلِ مَا شَاءَ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَنْ لَقِيت مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. (وَإِنْ لِاخْتِلَاطٍ قَبْلَ الذَّبْحِ) سُئِلَ سَحْنُونَ عَنْ رَفِيقَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 اشْتَرَكَا فِي شِرَاءِ شَاتَيْنِ لِلْأُضْحِيَّةِ فَيَقْتَسِمَانِهِمَا: فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي السَّمَانَةِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوِيَا كَرِهْت ذَلِكَ لِآخِذِ الدَّنِيَّةِ إلَّا أَنَّهَا تُجْزِئُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمَا ابْتِدَاءً أَنْ لَا يَتَقَاوَمَا إلَّا لِسِمَنٍ وَيَبِيعَا الْأَدْنَى وَيَشْتَرِي الَّذِي خَرَجَ عَنْ الْأَسْمَنِ مِنْ الَّذِي ضَحَّى بِهِ رَفِيقُهُ وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّمَنِ مِنْ مَالِهِ. (وَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ إنْ اخْتَلَطَتْ بَعْدَهُ عَلَى الْأَحْسَنِ) الَّذِي لِابْنِ يُونُسَ: إذَا اخْتَلَطَتْ أُضْحِيَتَا رَجُلَيْنِ بَعْدَ ذَبْحِهِمَا فَإِنَّهُمَا يُجَزِّئَانِهِمَا وَلَا يَأْكُلَانِ لَحْمَهُمَا وَلِيَتَصَدَّقَا بِهِ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا أَجْزَأْنَاهُمَا لِأَنَّهُمَا بِالذَّبْحِ وَجَبَتَا أُضْحِيَّةً فَلَا يَقْدَحُ اخْتِلَاطُهُمَا فِي الْإِجْزَاءِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْكُلَا لَحْمَهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ قَدْ يَأْكُلُ لَحْمَ شَاةِ صَاحِبِهِ فَيَصِيرُ بَيْعًا لِلَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ بِلَحْمِ أُضْحِيَّةِ صَاحِبِهِ. وَفَارَقَ ذَلِكَ اقْتِسَامَ الْوَرَثَةِ لِلَحْمِ أُضْحِيَّةٍ وَرِثُوهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَرِثَ مِنْهَا جُزْءًا مَعْلُومًا ثُلُثًا أَوْ رُبْعًا فَيَأْخُذُهُ مِنْهَا وَهُوَ تَمْيِيزُ حَقٍّ هَاهُنَا لَا بَيْعٌ انْتَهَى. فَيَظْهَرُ مِنْ خَلِيلٍ أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِالِاخْتِلَاطِ هَذَا وَإِنَّمَا عَنِيَ مَنْ تَلِفَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ عِنْدَ صَانِعٍ أَوْ غَاصِبٍ أَوْ مُتَعَدٍّ. فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ سُرِقَتْ رُءُوسُ أَضَاحِيِّهِ فِي الْفُرْنِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ لَا يُغَرِّمَهُ شَيْئًا وَكَأَنَّهُ رَآهُ بَيْعًا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ: لَهُ أَخْذُ الْقِيمَةِ وَيَصْنَعُ بِهَا مَا شَاءَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ ثَوْبَهُ فَغَصَبَهُ غَاصِبٌ أَنَّ لَهُ أَخْذَ قِيمَتِهِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ اللَّحْمِ الْمُسْتَهْلَكِ مَا شَاءَ مِنْ طَعَامٍ أَوْ حَيَوَانٍ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ؟ انْتَهَى نَصُّ الْبَاجِيِّ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَوْ اخْتَلَطَتْ أُضْحِيَّةٌ أَوْ جُزْءٌ مِنْهَا بِغَيْرِهَا فَفِي إبَاحَةِ أَخْذِ الْعِوَضِ قَوْلَانِ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ الْبَاجِيِّ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ اللَّحْمِ الْمُسْتَهْلَكِ مَا شَاءَ مِنْ طَعَامٍ أَوْ حَيَوَانٍ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ. وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: مَنْ أَتْلَفَ لَك طَعَامًا لَا يُعْرَفُ كَيْلُهُ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إتْلَافِهِ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا وَلَوْ غَابَ عَلَيْهِ اتَّهَمَ أَنَّهُ أَمْسَكَهُ وَدَفَعَ فِيهِ طَعَامًا، وَسَوَاءٌ تَلِفَ بِانْتِفَاعِ الْمُتَعَدِّي أَوْ غَيْرِهِ، وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: عَلَى هَذَا إذَا تَبَدَّلَ لِلْإِنْسَانِ فِي الْفُرْنِ قِدْرٌ أَوْ خُبْزٌ لَا يَأْخُذُ عِوَضَهُ طَعَامًا وَلَا غُرْمَ قِيمَتِهِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّ خُبْزَهُ قَدْ أُكِلَ. قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ قَرِينَةُ الْحَالِ تَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ كَمِثْلِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ يَوْمٍ وَالْمَخْبِزُ دَيْنٌ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فَإِنْ كَانَ خُبْزًا وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضَهُ خُبْزَ صَاحِبِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْقِيمَةِ فَعَلَى مَا لِلْبَاجِيِّ لَا يَأْخُذُ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ، إلَّا مَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ خُبْزِهِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 غَاصِبُ الطَّعَامِ يَغْرَمُ مِثْلَهُ صِفَةً وَقَدْرًا، فَإِنْ كَانَ جُزَافًا جُهِلَ كَيْلُهُ غَرِمَ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصَبَهُ، وَاخْتُلِفَ إنْ قَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَغْرَمُهُ مِنْ الْكَيْلِ مَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ وَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ أَحْسَنَ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافًا فِي أَنَّ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ الْغَاصِبَ عَلَى مَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ أَقَلُّ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْقِدْرِ فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ اللَّحْمَ الْمَطْبُوخَ وَإِنْ تَنَوَّعَ عَلَى مَا طُبِخَ بِهِ يَكُونُ جِنْسًا وَاحِدًا فَيَكُونُ كَالْخُبْزِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ اللَّحْمِ مَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ لَحْمِ قِدْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى الْقِيمَةِ، فَإِذَا تَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ أَخَذَ بِهَا لَحْمَ هَذَا الْقِدْرِ وَيَزِيدُهُ صَاحِبُهَا مَا بَقِيَ مِنْ الْقِيمَةِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: الطَّعَامُ الْمُسْتَهْلَكُ الَّذِي لَا يُعْلَمُ قَدْرُهُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ قَالَ: فَإِذَا أُلْزِمَ الْقِيمَةَ بِحُكْمٍ أَوْ صُلْحٍ فَقَالَ أَشْهَبُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ كَيْلًا مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الطَّعَامِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 الْمُسْتَهْلَكِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا غَصَبَهُ صُبْرَةً لَا يَعْلَمُ كَيْلَهَا فَصَالَحَهُ عَلَى قِيمَةٍ اتَّفَقَا عَلَيْهَا أَوْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِهَا فَجَائِزٌ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ صِنْفِ طَعَامِ الصُّبْرَةِ الَّتِي اغْتَصَبَهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهَا وَعَلَى مَا شَاءَ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، أَوْ عَلَى دَنَانِيرَ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ، أَوْ دَرَاهِمَ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ دَنَانِيرَ يُعَجِّلُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَلَا يُؤَخِّرُ مِنْهُ شَيْئًا انْتَهَى. وَانْظُرْ نَقْلَ ابْنِ سَلْمُونَ: إذَا أَفْسَدَ الزَّرْعَ أَخْضَرَ قَالَ: لَا يَأْخُذُ فِي قِيمَتِهِ طَعَامًا، فَإِنْ أَخْلَفَ كَانَتْ الْخِلْفَةُ لِدَافِعِ الْقِيمَةِ. بِخِلَافِ خِلْفَةِ الْقَصِيلِ، وَانْظُرْ فِي الصُّلْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجَازَ عَنْ دَيْنٍ ". (وَصَحَّ إنَابَةٌ) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَنُدِبَ ذَبْحُهَا بِيَدِهِ " (بِلَفْظٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: الِاسْتِنَابَةُ تَحْصُلُ بِاللَّفْظِ أَوْ بِعَادَةٍ تَقُومُ مَقَامَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُعْتَادُ يَتَوَلَّى ذَلِكَ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا. هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. (إنْ أَسْلَمَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَمَرَ أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّته ذِمِّيًّا لَمْ تُجْزِهِ. (وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ) ابْنُ بَشِيرٍ: لَا يُسْتَنَابُ تَارِكُ الصَّلَاةِ اللَّخْمِيِّ: فَإِنْ اسْتَنَابَهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُعِيدَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 (أَوْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ نَوَاهَا الْمَأْمُورُ عَنْ نَفْسِهِ فَسَمِعَ الْقَرِينَانِ تُجْزِئُ عَنْ رَبِّهَا وَصَوَّبَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ نِيَّةُ رَبِّهَا كَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا يُوَضِّئُهُ فَالنِّيَّةُ فِي ذَلِكَ نِيَّةُ الْآمِرِ الْمُوَضَّأِ لَا نِيَّةُ الْمَأْمُورِ الْمُوَضِّئِ. وَرَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: لَوْ أَمَرَ رَبُّهَا رَجُلًا يَذْبَحُهَا لَهُ فَذَبَحَهَا عَنْ نَفْسِهِ لَأَجْزَأَتْ عَنْ صَاحِبِهَا، وَقَدْ اشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ شَاةً مِنْ رَاعٍ فَأَنْزَلَهَا مِنْ الْجَبَلِ وَأَمَرَهُ بِذَبْحِهَا فَذَبَحَهَا وَقَالَ الرَّاعِي: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: رَبُّك أَعْلَمُ مِمَّنْ أَنْزَلَهَا مِنْ الْجَبَلِ اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا أَحْسَنُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الذَّابِحِ نِيَّةُ الذَّكَاةِ لَا غَيْرَ ذَلِكَ النِّيَّةِ فِي الْقُرْبَةِ إلَى رَبِّهَا. (أَوْ بِعَادَةٍ كَقَرِيبٍ إلَّا فَتَرَدُّدٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَك بِغَيْرِ أَمْرِك فَأَمَّا وَلَدُك أَوْ بَعْضُ عِيَالِك فَمَنْ فَعَلَهُ لِيَكْفِيَك مُؤْنَتَهَا فَذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْك، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا يُجْزِئُك. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ ذَبَحَهَا صَدِيقُهُ إذَا وَثِقَ بِهِ أَنَّهُ ذَبَحَهَا عَنْهُ. انْتَهَى جَمِيعُ مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِصَدِيقِهِ الَّذِي يَقُومُ بِأَمْرِهِ وَقَدْ فَوَّضَ إلَيْهِ أَمْرَهُ حَتَّى يُصَدِّقَهُ أَنَّهُ لَمْ يَذْبَحْهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ غَيْرَ الْمُفَوِّضِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَبَحَهَا عَنْهُ بِمُجَرَّدِ الصَّدَقَةِ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ لَوْ شَاءَ أَنْ يَضْمَنَهُ ضَمَّنَهُ انْتَهَى. وَلِلَّخْمِيِّ أَيْضًا تَفْصِيلٌ آخَرُ اُنْظُرْهُ فِيهِ، وَلَوْلَا لَفْظُ خَلِيلٍ لَاكْتَفَيْت بِنَقْلِ ابْنِ يُونُسَ. (لَا إنْ غَلِطَ فَلَا تُجْزِئُ عَنْ أَحَدِهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ ذَبَحْت أُضْحِيَّةً صَاحِبِك وَذَبَحَ هُوَ أُضْحِيَّتَك غَلَطًا لَمْ تُجْزِ وَاحِدًا مِنْكُمَا وَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 لِصَاحِبِهِ الْقِيمَةَ. ابْنُ رُشْدٍ: فَإِذَا غَرِمَ الْقِيمَةَ وَلَمْ يَأْخُذْهَا مَذْبُوحَةً فَالْأَصَحُّ قَوْلُ أَشْهَبَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهَا تُجْزِئُ أُضْحِيَّةً لِذَابِحِهَا كَمَا لَوْ أَعْتَقَ رَقَبَةً عَنْ ظِهَارٍ عَلَيْهِ فَاسْتُحِقَّتْ فَأَجَازَ بِهَا الْبَيْعَ وَأَخْذَ الثَّمَنِ. وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ عَنْهُ انْتَهَى. فَيَظْهَرُ مِنْ خَلِيلٍ أَنَّهُ بَنَى عَلَى رِوَايَةِ عِيسَى. وَفِي النُّكَتِ: لَوْ غَصَبَ شَاةً وَضَحَّى بِهَا وَأَخَذَ رَبُّهَا مِنْهُ الْقِيمَةَ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ أُضْحِيَّةً. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهَا لَا تُجْزِئُ عَنْهُ إذَا غَرِمَ قِيمَتَهَا مِنْ كُتُبِ الْمَجَالِسِ الَّتِي لَمْ تُدَبَّرْ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تُجْزِئَ أُضْحِيَّةً عَنْ ذَابِحِهَا إذَا اخْتَارَ رَبُّهَا أَخْذَ الْقِيمَةِ كَعَبْدٍ أَعْتَقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَشَهِدَ الْمُعْتِقُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَهَادَاتٍ وَطَلَّقَ وَنَكَحَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ فَأَجَازَ رَبُّهُ عِتْقَهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ مُعْتِقَهُ وَتَنْفُذُ شَهَادَتُهُ الَّتِي كَانَ شَهِدَ بِهَا وَجَمِيعُ أَحْكَامِهِ، وَإِنْ نَقَضَهُ سَقَطَتْ تِلْكَ الشَّهَادَاتُ وَأُمُورُهُ وَرَجَعَتْ إلَى أُمُورِ الْعَبِيدِ، وَانْظُرْ لِصَاحِبِ الْأُضْحِيَّةِ أَنْ لَا يُغَرِّمَهُ الْقِيمَةَ وَيَأْخُذَهَا مَذْبُوحَةً، وَعَلَى هَذَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَهُ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ اللَّحْمَ وَلَا حُرْمَةَ لَهُ. (وَمُنِعَ الْبَيْعُ وَإِنْ ذَبَحَ قَبْلَ الْإِمَامِ) ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً فَقَامَ عَلَيْهِ غَرِيمُهُ فَلَهُ بَيْعُهَا عَلَيْهِ فِي دَيْنِهِ، وَلَوْ ضَحَّى بِهَا لَمْ تُبَعْ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَجِلْدُ الْأُضْحِيَّةِ وَصُوفُهَا وَشَعْرُهَا، هَلْ يَشْتَرِي بِهِ مَتَاعًا لِلْبَيْتِ أَوْ يَبِيعُهُ؟ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَشْتَرِي بِهِ شَيْئًا وَلَا يَبِيعُهُ وَلَا يُبَدِّلُ جِلْدَهَا بِمِثْلِهِ وَلَا بِخِلَافِهِ وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ. قَالَ: وَلَا يُعْطَى الْجَزَّارُ عَلَى جَزْرِهِ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَالنُّسُكَ مِنْ لُحُومِهَا وَلَا جُلُودِهَا شَيْئًا وَكَذَلِكَ خَطْمُهَا وَجِلَالُهَا. الْبَاجِيُّ: وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ لَحْمِ الشَّاةِ الَّتِي ذَبَحَهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ؟ ابْنُ زَرْقُونٍ: لَمْ يَذْكُرْ الْبَاجِيُّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَدِيثِ «هِيَ خَيْرُ نُسُكٍ» فَسَمَّاهَا نُسُكًا. (أَوْ تَعَيَّبَتْ حَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 الذَّبْحِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَضْجَعَ أُضْحِيَّتَهُ لِلذَّبْحِ فَاضْطَرَبَتْ وَانْكَسَرَتْ رِجْلُهَا أَوْ أَصَابَتْ السِّكِّينُ عَيْنَهَا فَفَقَأَتْهَا لَمْ تُجْزِهِ وَلَكِنْ لَا يَبِيعُ لَحْمَهَا لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ النُّسُكَ (أَوْ قَبْلَهُ) اُنْظُرْ هَذَا لَيْسَ كَالتَّعْيِيبِ حَالَ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِالذَّبْحِ النُّسُكَ، وَمُقْتَضَى مَا يَتَقَرَّرُ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ إذَا تَعَيَّبَتْ قَبْلَ الذَّبْحِ فَهِيَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ. وَقَدْ قَالَ بَعْدَ هَذَا فَلَا تُجْزِئُ إنْ تَعَيَّبَتْ قَبْلَهُ وَصَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً سَلِيمَةً فَعَجَفَتْ عِنْدَهُ أَوْ أَصَابَهَا عَوَرٌ لَمْ يُجْزِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ ضَلَّتْ أُضْحِيَّتُهُ وَلَمْ يُبْدِلْهَا ثُمَّ وَجَدَهَا بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَلْيَصْنَعْ بِهَا مَا شَاءَ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً فَحَبَسَهَا حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَقَدْ أَتَمَّ حِينَ لَمْ يُضَحِّ. انْتَهَى مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَانْظُرْ قَوْلَ إسْمَاعِيلَ الْقَاضِي فِيمَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً فَقَالَ بِلِسَانِهِ قَدْ أَوْجَبْتهَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَدَلُهَا وَلَا يَضُرُّهَا عَيْبٌ دَخَلَهَا. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَهَا بِالنِّيَّةِ وَالْقَوْلِ قَالَ: وَلَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ مَالِكٍ خِلَافُهُ. (أَوْ ذَبَحَ مَعِيبًا جَهْلًا) سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الضَّحِيَّةِ إذَا ذُبِحَتْ فَوُجِدَ جَوْفُهَا فَاسِدًا تُجْزِئُهُ قَالَ: إنَّ الْمَرِيضَةَ مِنْ الضَّحَايَا لَا تَجُوزُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مِمَّا يَسْتَوِي الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ فِي الْجَهْلِ بِمَعْرِفَتِهِ، وَلَا يَبِيعُ مِنْ لَحْمِهَا شَيْئًا لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَبَحَهَا عَلَى أَنَّهَا نُسُكٌ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ. (وَالْإِجَارَةُ) هُنَا مَسْأَلَتَانِ: أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى سَلْخِهَا بِشَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ وَهُوَ بَيْعٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُعْطَى الْجَزَّارُ مِنْ لَحْمِهَا. الْمَسْأَلَةُ الْأُخْرَى إجَارَةُ جِلْدِهَا قَالَ سَحْنُونَ: تَجُوزُ إجَارَةُ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ بَعْدَ دَبْغِهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ الْبَاجِيُّ وَلَا الصَّقَلِّيُّ خِلَافَهُ وَحَكَاهُ ابْنُ شَاسٍ بَعْدَ أَنْ قَالَ: إنَّ الْمَذْهَبَ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ. (وَالْبَدَلُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: لَا يُبْدِلُ جِلْدَهَا بِمِثْلِهِ (إلَّا لِمُتَصَدَّقٍ عَلَيْهِ) مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: لَا يُتَصَدَّقُ بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ لَحْمِهَا عَلَى مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ، وَمَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَلَا يَبِيعُهُ وَلَا يُبْدِلُهُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِلْدِ أُضْحِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا. قَالَهُ مَالِكٌ، وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ يُونُسَ خِلَافَ هَذَا، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الرَّجُلُ يَهَبُ لِجَارِيَتِهِ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ لَا تَبِيعُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهَا أَمَتُهُ وَلَهُ انْتِزَاعُ مَالِهَا فَإِذَا بَاعَتْهُ فَكَأَنَّهُ هُوَ الْبَائِعُ، وَلَوْ وَهَبَ الْجِلْدَ لِمِسْكِينٍ لَجَازَ لِلْمِسْكِينِ أَنْ يَبِيعَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اللَّحْمِ الَّذِي تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» . وَنَقَلَ اللَّخْمِيِّ الْمَنْعُ لِلْكِتَابِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَالْجَوَازُ لِأَصْبَغَ قَالَ: وَهُوَ أَحْسَنُ وَرَجَّحَهُ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ قَائِلًا: لَوْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ بَعْدَ انْتِقَالِهَا إلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ لَمْ تَحِلَّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . (وَفُسِخَتْ) رَوَى سَحْنُونَ: مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ أَوْ شَيْئًا مِنْ لَحْمِهَا أَوْ صُوفِهَا فَإِنْ أَدْرَكَ فَسَخَ وَإِلَّا فَلْيَجْعَلْ ثَمَنَ الْجُلُودِ فِي مَاعُونِهِ أَوْ فِي طَعَامِهِ وَثَمَنُ اللَّحْمِ يَشْتَرِي بِهِ طَعَامًا يَأْكُلُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلْيَصْنَعْ بِثَمَنِهِ مَا شَاءَ. ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ بَاعَهُ جَهْلًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالثَّمَنِ وَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ عَبْدُهُ أَوْ بَعْضُ أَهْلِهِ. انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ. (وَتَصَدَّقَ بِالْعِوَضِ فِي الْفَوْتِ إنْ لَمْ يَتَوَلَّ غَيْرٌ بِلَا إذْنٍ وَصُرِفَ فِيمَا لَا يَلْزَمُهُ) أَمَّا إنْ بَاعَ الْإِنْسَانُ شَيْئًا مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَفَاتَ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ عَلَيْهِ صَدَقَةَ ثَمَنِهِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: يَجْعَلُ ثَمَنَ الْجِلْدِ فِي مَاعُونٍ وَثَمَنَ اللَّحْمِ فِي طَعَامٍ يَأْكُلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إنْ بَاعَ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَهُوَ الْبَائِعُ هَكَذَا قَالَ أَصْبَغُ قَالَ: وَعَلَيْهِ إخْرَاجُ الثَّمَنِ وَالصَّدَقَةِ بِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا إشْكَالَ إذَا أَذِنَ لَهُمْ أَنَّ عَلَيْهِ إخْرَاجَ الثَّمَنِ مِنْ مَالِهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ وَفَاتَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ اسْتَنْفَقُوا الثَّمَنَ. وَمَعْنَاهُ عِنْدِي إنْ اسْتَنْفَقُوهُ فِيمَا لَهُ عَنْهُ غِنًى، وَأَمَّا إنْ اسْتَنْفَقُوهُ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ عَنْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مَالِهِ وَيَتَصَدَّقَ بِهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَنْ يَجِدَهُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ أَنْفَقَهُ إذْ قَدْ وَفَّى بِهِ مَالُهُ انْتَهَى. وَمَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ وَلَا نَقْلَ ابْنِ عَرَفَةَ أَيْضًا هَذَا. (كَأَرْشِ عَيْبٍ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ) سَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 الضَّحِيَّةُ يُوجَدُ بِهَا الْعَيْبُ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ بَعْدَمَا ذُبِحَتْ فَيَأْخُذُ قِيمَتَهُ يَصْنَعُ بِهَا مَا شَاءَ وَأُبْدِلَ مَكَانَهَا إنْ كَانَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَإِنْ فَاتَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُضَحِّ وَالْأَرْشُ لَهُ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا تَجُوزُ بِهِ الضَّحِيَّةُ تَصَدَّقَ بِمَا يَأْخُذُ مِنْ قِيمَتِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا صَحِيحٌ لَا أَعْلَمُ فِيهِ نَصَّ خِلَافٍ. (وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالنَّذْرِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْلِ مَالِكٍ. اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " أَوْ ذَبَحَ مَعِيبًا " (وَالذَّبْحِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ إنَّمَا يَجِبُ بِالذَّبْحِ (فَلَا تُجْزِئُ إنْ تَعَيَّبَتْ قَبْلَهُ وَصَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ) هَذَا صَحِيحٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا أَوْ قَبْلَهُ وَقَدْ كَانَ اللَّائِقُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ النَّقْلُ هُنَا إلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَلْتَفِتُ لِقَوْلِهِ هُنَا فَانْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ هُنَاكَ أَوْ قَبْلَهُ (كَحَبْسِهَا حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ إلَّا أَنَّ هَذَا آثِمٌ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: لَوْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً فَحَبَسَهَا حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ فَهُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَقَدْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 أَثِمَ. (وَلِلْوَارِثِ الْقَسْمُ وَلَوْ ذُبِحَتْ) أَمَّا قَبْلَ الذَّبْحِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً وَمَاتَ قَبْلَ ذَبْحِهَا فَإِنَّهَا تُورَثُ، وَاسْتَحَبَّ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَذْبَحَهَا عَنْهُ الْوَرَثَةُ وَلَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَنُدِبَ إنْفَاذُهَا ". وَأَمَّا بَعْدَ الذَّبْحِ فَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا مَاتَ وَقَدْ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ كَانَتْ لِأَهْلِهِ يَأْكُلُونَهَا وَلَمْ تُبَعْ. ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ وَيَأْكُلُونَهَا عَلَى نَحْوِ مَا كَانُوا يَأْكُلُونَهَا لَوْ لَمْ يَمُتْ. وَرَثَةً كَانُوا أَوْ غَيْرَ وَرَثَةٍ. وَهَذَا أَظْهَرُ مِمَّا يَأْتِي فِي هَذَا السَّمَاعِ وَفِي سَمَاعِ عِيسَى إذْ لَا يَقْسِمُ الْوَرَثَةُ إلَّا مَا تَكُونُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ وَالدَّيْنُ لِلْوَارِثِ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: إنْ مَاتَ فِي دَيْنِهِ لِأَنَّهُ نُسُكٌ وَكُلُّ نُسُكٍ سُمِّيَ لِلَّهِ فَلَا يُبَاعُ لِغَرِيمٍ وَلَا لِغَيْرِهِ وَلَا يَقْتَسِمُهُ الْوَرَثَةُ عَلَى الْمِيرَاثِ فَيَصِيرُ بَيْعًا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَهُمْ أَنْ يَقْتَسِمُوهَا لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ مَا كَانَ لَهُ ثُمَّ يُنْهُونَ عَنْ بَيْعِ أَنْصِبَائِهِمْ. وَكَذَا فَسَّرَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ، وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ " (لَا بَيْعٌ بَعْدَهُ فِي دَيْنٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: إنْ مَاتَ عَنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ لَا تُبَاعُ فِي دَيْنِهِ. [الْعَقِيقَة] (وَنُدِبَ ذَبْحُ وَاحِدَةٍ تُجْزِئُ ضَحِيَّةً فِي سَابِعِ الْوِلَادَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْعَقِيقَةُ مَا تَقَرَّبَ بِذَكَاتِهِ مِنْ جَذَعِ ضَأْنٍ أَوْ ثَنِيِّ سَائِرِ الْأَنْعَامِ سَلِيمَيْنِ مِنْ عَيْبٍ مَشْرُوطًا بِكَوْنِهِ فِي نَهَارِ سَابِعِ وِلَادَةِ آدَمِيٍّ حَيٍّ. وَفِي حُكْمِهَا عِبَارَاتٌ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقَعُ فِي قَلْبِي أَنَّهَا شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ. وَلَمْ يَحْكِ الْمَازِرِيُّ غَيْرَ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ كَانُوا يَكْرَهُونَ تَرْكَهَا. قَالَ: وَلَيْسَتْ كَوُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ. الْبَاجِيُّ: وَمُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّهَا مِنْ مَالِ الْأَبِ لَا مِنْ مَالِ الِابْنِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: " يَعُقُّ عَنْ الْيَتِيمِ مِنْ مَالِهِ " أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ قَرِيبًا غَيْرَ الْأَبِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَعُقُّ عَنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِشَاةٍ شَاةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَعُقُّ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدَانِ فِي بَطْنٍ عَقَّ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 بِشَاةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّ الْبَقَرَ تُجْزِئُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ قِيَاسًا عَلَى الضَّحَايَا. (تُجْزِئُ ضَحِيَّةً) ابْنُ حَبِيبٍ: سِنُّهَا وَاجْتِنَابُ عُيُوبِهَا وَمَنْعُ بَيْعِ شَيْءٍ مِنْهَا مِثْلُ الْأُضْحِيَّةِ الْحُكْمُ وَاحِدٌ (فِي سَابِعِ الْوِلَادَةِ) ابْنُ بَشِيرٍ: سُنَّةُ ذَبْحِهَا فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ الْوِلَادَةِ وَهَذَا إذَا وُلِدَ قَبْلَ الْفَجْرِ. (نَهَارًا) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَجْهُ ذَبْحِ الْعَقَائِقِ ضَحْوَةً. ابْنُ رُشْدٍ: وَمَنْ ذَبَحَهَا لَيْلًا لَمْ تُجْزِهِ، وَأَمَّا إنْ ذَبَحَهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُجْزِئُهُ وَهُوَ أَظْهَرُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَا تُجْزِئُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَأُلْغِيَ يَوْمُهَا إنْ سُبِقَ بِالْفَجْرِ) ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ إنْ وُلِدَ بَعْدَ الْفَجْرِ أُلْغِيَ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَحُسِبَ لَهُ سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَإِنْ وُلِدَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ حُسِبَ لَهُ ذَلِكَ الْيَوْمُ. (وَالتَّصَدُّقُ بِزِنَةِ شَعْرِهِ) فِي الْمُوَطَّأِ: وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَعْرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَزَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ وَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةً. أَبُو عُمَرَ: أَهْلُ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ مَا فَعَلَتْهُ فَاطِمَةُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ الْعَقِيقَةِ أَوْ دُونَهَا وَيَرَوْنَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا يَعُقُّ عَنْ وَلَدِهِ لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَبْدَأ بِالْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ. الْبَاجِيُّ: التَّصَدُّقُ بِوَزْنِ الشَّعْرِ حَسَنٌ وَعَمَلُ بِرٍّ، ثُمَّ تَأَوَّلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 الْبَاجِيُّ قَوْلَ مَالِكٍ مَا ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْلِقَ يَوْمَ سَابِعِهِ. الْجَلَّابُ: وَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ: «وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» «وَأَذَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُذُنِ الْحَسَنِ حِينَ وُلِدَ» . وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: فَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً قَالَ: وَقَدْ فَعَلْت ذَلِكَ بِأَوْلَادِي وَاَللَّهُ يَهَبُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 الْهَدْيَ. (وَجَازَ كَسْرُ عَظْمِهَا) فِي الْمُوَطَّأِ: الْعَقِيقَةُ بِمَنْزِلَةِ الضَّحَايَا وَتُكْسَرُ عِظَامُهَا وَلَا يُمَسُّ الصَّبِيُّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِهَا. عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَيْسَ كَسْرُ عِظَامِهَا بِمَسْنُونٍ إنَّمَا هُوَ جَائِزٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَعَطَاءٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ: لَا يُكْسَرُ لَهَا عَظْمٌ وَرُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ أَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى رُفِعَتْ عَنْهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ» . (وَكُرِهَ عَمَلُهَا وَلِيمَةً) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تُطْبَخُ الْعَقِيقَةُ وَيَأْكُلُ مِنْهَا أَهْلُ الْبَيْتِ وَيُطْعِمُ الْجِيرَانَ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ إلَيْهَا فَإِنِّي أَكْرَهُ الْفَخُورَ. وَزَادَ فِي سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ: إنْ أَرَادُوا صَنِيعًا صَنَعُوا مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 غَيْرِهَا وَدَعَوْا إلَيْهِ النَّاسَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَدْعُو إلَى الْوِلَادَةِ وَإِلَى خِتَانِ الذُّكُورِ. (وَلَطْخُهُ بِدَمِهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُوَطَّأِ: لَا يَمَسُّ الصَّبِيَّ شَيْءٌ مِنْ دَمِهَا. ابْنُ يُونُسَ: كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ يَجْعَلُونَ فِي رَأْسِ الْمَوْلُودِ مِنْ دَمِ الْعَقِيقَةِ فَلِذَلِكَ نَهَى مَالِكٌ عَنْهُ. (وَخِتَانُهُ يَوْمَهَا) كَرِهَ مَالِكٌ الْخِتَانَ يَوْمَ يُولَدُ الصَّبِيُّ وَفِي يَوْمِ سَابِعِهِ وَقَالَ: هُوَ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ. وَكَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لَعَلَّهُ يَخَافُ عَلَى الصَّبِيِّ قَالَ: وَحَدُّ الْخِتَانِ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ إلَى عَشْرَةٍ انْتَهَى. اُنْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْخِتَانِ وَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَاجِبٌ وَعِنْدَ مَالِكٍ سُنَّةٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ يَؤُمَّ الْأَغْلَفُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ أَمَّ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَأْمُومِيهِ. وَإِذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 أَسْلَمَ الْكَبِيرُ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْخِتَانِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَهُ تَرْكُهُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يُتْرَكُ انْتَهَى. وَانْظُرْ مَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا فَقَالَ: تَمُرُّ الْمُوسَى عَلَيْهِ فَإِنْ بَقِيَ مَا يُقْطَعُ قُطِعَ قَالَ: وَقِيلَ: إنَّهُ قَدْ كَفَى الْمُؤْنَةَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 [كِتَابُ الْأَيْمَانِ] [بَابٌ فِي نَفْسِ الْيَمِينِ] ِ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ فِي نَفْسِ الْيَمِينِ. الثَّانِي فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَالْكَفَّارَةِ. وَالثَّالِثُ فِيمَا يَقْتَضِي الْبِرَّ وَالْحِنْثَ (الْيَمِينُ تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ) . ابْنُ رُشْدٍ: النَّذْرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 وَالْيَمِينُ وَالْحَلِفُ وَالْقَسَمُ عِبَارَاتٌ عَنْ الْعَقْدِ عَلَى النَّفْسِ بِحَقِّ مَنْ لَهُ حَقٌّ، وَلَمَّا كَانَ لَا حَقَّ عَلَى الْحَقِيقَةِ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى مُنِعَ الْيَمِينُ بِغَيْرِهِ إذْ مَا سِوَاهُ بَاطِلٌ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: الْأَيْمَانُ ثَلَاثَةٌ: مَمْنُوعَةٌ وَهِيَ الْأَيْمَانُ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَقَوْلِهِ وَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ وَالْآبَاءِ، فَمَنْ حَلَفَ بِهَذِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالنَّهْيِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَجَائِزَةٌ وَهِيَ الْيَمِينُ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالْعَزِيزِ وَالْقَدِيمِ، وَكُلُّ يَمِينٍ بِالذَّاتِ فَجَائِزَةٌ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَسْمَاءُ. وَمُخْتَلَفٌ فِيهَا وَهِيَ الْيَمِينُ بِصِفَةِ اللَّهِ بِعِزَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ وَإِنَّ كَفَّارَتَهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى. اُنْظُرْ نَصُّوا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِأَسْمَاءٍ كَثِيرَةٍ وَحَنِثَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى وَالْمُسَمَّيَاتُ عِبَارَةٌ عَنْهُ بِخِلَافِ مَنْ حَلَفَ بِصِفَاتٍ كَثِيرَةٍ وَحِنْثٍ فَعَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 بِكُلِّ صِفَةٍ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ كُنَّا نَقُولُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنَّهَا لَا هِيَ هُوَ أَوْ لَا هِيَ غَيْرُهُ وَلَا هِيَ مُتَضَادَّةٌ وَلَا هِيَ مُتَمَاثِلَةٌ. (كَبِاللَّهِ) التَّلْقِينُ: الْأَلْفَاظُ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا تَجْرِيدُ الِاسْمِ الْمَحْلُوفِ بِهِ كَقَوْلِك: اللَّهُ لَا فَعَلْت. وَالْآخَرُ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ وَهِيَ ضَرْبَانِ: زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ وَزِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ. فَالْمُتَّصِلَةُ هِيَ الْحُرُوفُ نَحْوَ وَاَللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ وَأَيْمِ اللَّهِ وَلَعَمْرُ اللَّهِ، وَالْمُنْفَصِلَةُ هِيَ الْكَلِمَاتُ نَحْوَ أَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَأُقْسِمُ. فَهَذِهِ إنْ قَرَنَهَا بِاَللَّهِ أَوْ بِصِفَاتِ ذَاتِهِ نُطْقًا أَوْ نِيَّةً كَانَتْ أَيْمَانًا، وَإِنْ أَرَادَ بِهَا غَيْرَ ذَلِكَ أَوْ أَعْرَاهَا مِنْ نِيَّةٍ لَمْ تَكُنْ أَيْمَانًا وَلَا يَلْزَمُ بِهَا حُكْمٌ وَلَفْظُ مَاضِيهَا كَمُسْتَقْبَلِهَا (وَهَاللَّهِ) . ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 لَاهَا اللَّهِ يَمِينٌ بِخِلَافِ رَاعٍ عَلَيَّ أَوْ كَفِيلٌ (وَحَقِّ اللَّهِ) أَبُو عُمَرَ: الْحَالِفُ بِحَقِّ اللَّهِ كَالْحَالِفِ بِعَهْدِ اللَّهِ. (وَالْعَزِيزِ وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَإِرَادَتِهِ وَكَفَالَتِهِ وَكَلَامِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْحَلِفُ بِجَمِيعِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ لَازِمٌ كَقَوْلِهِ وَالْعَزِيزِ وَالسَّمِيعِ وَالْخَبِيرِ وَاللَّطِيفِ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ وَعِزَّةِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَقُدْرَتِهِ وَذِمَّتِهِ وَأَمَانَتِهِ فَهِيَ كُلُّهَا أَيْمَانٌ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْحَلِفُ بِمَا دَلَّ عَلَى ذَاتِهِ الْعَلِيَّةِ جَائِزٌ وَفِيهِ بِصِفَتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ كَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِزَّتِهِ وَجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَإِرَادَتِهِ وَلُطْفِهِ وَغَضَبِهِ وَرِضَاهُ وَرَحْمَتِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَحَيَاتِهِ وَوُجُودِهِ وَكَلَامِهِ وَعَهْدِهِ وَمِيثَاقِهِ وَذِمَّتِهِ وَكَفَالَتِهِ وَعَهْدِهِ طَرِيقَانِ الْأَكْثَرُ كَذَلِكَ. اللَّخْمِيِّ: الْمَشْهُورُ جَوَازُهُ. (وَالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: يَمِينُهُ بِالْمُصْحَفِ أَوْ بِالْكِتَابِ أَوْ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ يَمِينٌ وَفِيهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَقَالَ سَحْنُونَ: وَمَنْ حَلَفَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ ذَلِكَ كَلَامُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَهُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ فَكَأَنَّهُ حَلَفَ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِاتِّفَاقٍ. (وَإِنْ قَالَ أَرَدْت وَثِقْت بِاَللَّهِ ثُمَّ ابْتَدَأْت لَأَفْعَلَنَّ دُيِّنَ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ بِاَللَّهِ أَوْ بِالرَّحْمَنِ ثُمَّ حَنِثَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. فَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِاَللَّهِ وَثِقْت ثُمَّ ابْتَدَأْت لَأَفْعَلَنَّ دُيِّنَ (لَا بِسَبْقِ لِسَانِهِ) اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا لَغْوَ " اللَّخْمِيِّ: إذَا خَرَجَتْ الْيَمِينُ عَلَى سَبْقِ اللِّسَانِ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ إنَّهَا لَيْسَتْ بِلَغْوٍ قَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 وَأَرَى أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا يَمِينٌ بِغَيْرِ نِيَّةٍ. (وَكَعِزَّةِ اللَّهِ وَأَمَانَتِهِ وَعَهْدِهِ وَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمَخْلُوقَ) ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَنَحْنُ نَكْرَهُ الْيَمِينَ بِأَمَانَةِ اللَّهِ فَإِنْ حَلَفَ بِهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ مِثْلَ الْعَهْدِ وَالذِّمَّةِ. قَالَ أَشْهَبُ: إنْ حَلَفَ بِأَمَانَةِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ فَهِيَ يَمِينٌ، وَإِنْ حَلَفَ بِأَمَانَةِ اللَّهِ الَّتِي بَيْنَ الْعِبَادِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي عِزَّةِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ صِفَةُ ذَاتِهِ، وَأَمَّا الْعِزَّةُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ فِي خَلْقِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ تَكَلَّمَ سَحْنُونَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180] إنَّهَا الْعِزَّةُ الَّتِي هِيَ غَيْرُ صِفَتِهِ الَّتِي خَلَقَهَا فِي خَلْقِهِ. (وَكَأَحْلِفُ وَأُقْسِمُ وَأَشْهَدُ إنْ نَوَى بِاَللَّهِ أَوْ أَعْزِمُ إنْ قَالَ بِاَللَّهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ أَحْلِفُ أَوْ أُقْسِمُ أَوْ أَشْهَدُ أَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا، فَإِنْ أَرَادَ بِاَللَّهِ فَهِيَ يَمِينٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ أَعْزِمُ أَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا يَمِينًا إلَّا أَنْ يَقُولَ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ يَمِينٌ. وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَعْزِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ إلَّا مَا فَعَلْت كَذَا فَيَأْبَى فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَامْتَنَعَ فَلَا شَيْءَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. (وَفِي أُعَاهِدُ اللَّهَ قَوْلَانِ) . اللَّخْمِيِّ: اخْتَلَفَ إنْ قَالَ أُعَاهِدُ اللَّهَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ بِالْعَهْدِ فَيَكُونُ قَدْ حَلَفَ بِصِفَةٍ. وَقَوْلُهُ أُعَاهِدُ اللَّهَ فَالْعَهْدُ مِنْهُ وَلَيْسَ بِصِفَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا أُعْطِيَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 بِاَللَّهِ عَهْدًا، فَإِنْ عَقَدَ أَنْ يَفْعَلَ طَاعَةً لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهَا لِمَا عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (لَا بِلَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ أَوْ أُعْطِيك عَهْدًا) . اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ أَعْطَيْتُك عَهْدَ اللَّهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ (وَعَزَمْت عَلَيْك بِاَللَّهِ) اُنْظُرْ عَبَّرَ هُنَا بِالْفِعْلِ الْمَاضِي وَعَبَّرَ قَبْلَ هَذَا بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ أَعْزِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَفِي الْكَافِي: لَا فَرْقَ بَيْنَ عَزَمْت وَأَعْزِمُ أَوْ حَلَفْت وَأَحْلِفُ أَوْ شَهِدْت وَأَشْهَدُ إذَا قَالَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِاَللَّهِ فَهِيَ يَمِينٌ. (وَحَاشَ اللَّهَ وَمَعَاذَ اللَّهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ مَعَاذَ اللَّهِ وَحَاشَ اللَّهَ يَمِينًا قَوْلَانِ (وَاَللَّهُ رَاعٍ أَوْ كَفِيلٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 لِلَّهِ ". (وَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: إنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِالنَّبِيِّ أَوْ بِالْكَعْبَةِ وَالْيَمِينِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 بِذَلِكَ مَمْنُوعَةٌ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَكْرُوهَةٌ. (وَكَالْخَلْقِ وَالْأَمَانَةِ) . ابْنُ يُونُسَ: صِفَاتُ أَفْعَالِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْهَا. (وَهُوَ يَهُودِيٌّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ أَيْمَانًا وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ مِمَّا قَالَ وَلَا يَكُونُ كَافِرًا. (وَغَمُوسٍ بِأَنْ ظَنَّ أَوْ شَكَّ وَحَلَفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْغَمُوسُ الْحَلِفُ عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ أَوْ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفِّرَهُ الْكَفَّارَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 77] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ اقْتَطَعَ " الْحَدِيثُ. وَابْنُ حَبِيبٍ: وَلْيَتُبْ الْحَالِفُ بِهَا إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ يَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ صِيَامٍ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي شَرْطِ حَلِفٍ مَعَ شَاهِدِهِ بِتَيَقُّنِهِ أَوْ بِظَنِّهِ قَوْلَا مُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ بِقَوْلِ الْمَيِّتِ وَبِقَسَامَةِ وَلِيِّهِ الصَّغِيرِ إذَا كَبُرَ وَأَنَّ الْغَائِبَ يُحَلِّفُهُ لَقَدْ وَصَلَتْ النَّفَقَةُ. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: " وَاعْتَمَدَ الْبَابَ عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ ". (بِلَا تَبَيُّنِ صِدْقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا لَقِيت فُلَانًا أَمْسِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَلَقِيَهُ أَمْ لَا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ بَرَّ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِهِ أَثِمَ كَتَعَمُّدِ الْكَذِبِ. عِيَاضٌ: يُرِيدُ بِقَوْلِهِ بَرَّ وَافَقَ الْبِرَّ لَا نَفْيَ إثْمِ الْحَلِفِ عَلَى الشَّكِّ، وَلَا يَصِحُّ فَهْمُ بَعْضِهِمْ سُقُوطَ الْإِثْمِ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا إنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُهُ إذَا حَلَفَ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّوْزَةَ فِيهَا قَلْبَانِ فَوَجَدَهَا كَذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ أَبُو عُمَرَ، وَأَمَّا عَلَى مَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّ مَنْ حَلَفَ مُقْتَحِمًا عَلَى الشَّكِّ وَغَفَلَ عَنْهُ حَتَّى جَاءَ الْأَمْرُ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ (وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ بِهَذَا. (وَإِنْ قَصَدَ بِكَالْعُزَّى التَّعْظِيمَ فَكُفْرٌ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: وَأَمَّا الْيَمِينُ بِنَحْوِ الْعُزَّى وَاللَّاتِ فَإِنْ اعْتَقَدَ تَعْظِيمَهَا فَكُفْرٌ وَإِلَّا فَحَرَامٌ. (وَلَغْوٌ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ فَظَهَرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 نَفْيُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا لَغْوَ فِي طَلَاقٍ وَلَا غَيْرِهِ إنَّمَا يَكُونُ اللَّغْوُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ قَالَ: وَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ سِوَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ عَلَى شَيْءٍ يُوقِنُهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ خِلَافُ ذَلِكَ فَقَدْ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَثْنَى فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَحَنِثَ لَزِمَهُ مَا حَلَفَ بِهِ. الرِّسَالَةُ: يَمِينَانِ لَا يُكَفَّ الْأَيْمَانِ سِوَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ عَلَى شَيْءٍ يُوقِنُهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ خِلَافُ ذَلِكَ فَقَدْ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَثْنَى فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَحَنِثَ لَزِمَهُ مَا حَلَفَ بِهِ. الرِّسَالَةُ: يَمِينَانِ لَا يُكَفَّرَانِ: أَحَدُهُمَا لَغْوُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ كَذَلِكَ فِي يَقِينِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا إثْمَ، وَالْآخَرُ الْحَالِفُ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ أَوْ شَاكًّا فَهَذَا يَأْثَمُ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ، فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ بِلَغْوٍ. وَقَالَ إسْمَاعِيلُ وَشَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ: إنَّهُ مِنْ حَيِّزِ اللَّغْوِ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْبِرُّ وَلَا الْحِنْثُ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَيَظْهَرُ مِنْهُ وَمِنْ أَبِي عُمَرَ مَيْلٌ لِهَذَا أَقُولُ: وَقَدْ رَشَّحَهُ أَبُو عُمَرَ كَثِيرًا. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ لِغَيْرِ نِيَّةٍ وَإِنَّمَا خَرَجَ عَلَى سَبْقِ اللِّسَانِ فَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ: نَزَلَ لَغْوُ الْيَمِينِ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ، وَبِهَذَا أَخَذَ إسْمَاعِيلُ لِأَنَّهَا يَمِينٌ بِغَيْرِ نِيَّةٍ. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الطَّلَاقِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَأَرَى أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . (وَلَمْ يُفِدْ فِي غَيْرِ اللَّهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا لَغْوَ فِي طَلَاقٍ وَلَا فِي مَشْيٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ اللَّغْوُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ نَذْرٍ لَا مَخْرَجَ لَهُ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ أَرَى خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْمَشْيُ وَلَا يَنْفَعُهُ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَيُرِيدُ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ يَمِينَهُ بِفِعْلٍ فَيَنْفَعُهُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فِي الْفِعْلِ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي يَمِينِهِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. [بَاب فِي الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمِين وَالْكَفَّارَة] (كَالِاسْتِثْنَاءِ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ إنْ قَصَدَ كَإِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) نَصُّ اللَّخْمِيِّ أَنَّ إلَّا أَنْ يَشَاءَ مِثْلُ إنْ شَاءَ. وَنَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ إلَّا إنْ نَوَى بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ وَنَصُّهَا: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ عَلَى شَيْءٍ يُوقِنُهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ خِلَافُ ذَلِكَ فَقَدْ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَثْنَى فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَحَنِثَ لَزِمَهُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا اسْتِثْنَاءَ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ بِنَذْرٍ لَا مَخْرَجَ لَهُ إلَّا بِفِعْلٍ كَذَا أَوْ حَلَفَ بِعَهْدِ اللَّهِ أَوْ مِيثَاقِهِ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ أَوْ صِفَاتِهِ فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ نَوَى بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ، وَإِنْ أَرَادَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] غَيْرَ مُرِيدٍ الِاسْتِثْنَاءَ فَلَا شَيْءَ لَهُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ سَهْوًا. ابْنُ يُونُسَ: الْأَصْلُ فِيمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ فِعْلَ شَيْءٍ بِيَمِينٍ مِنْ الْأَيْمَانِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ أَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ فَفَعَلَهُ أَنْ يَلْزَمَهُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فِيهِ إذْ لَا عِلْمَ لَنَا بِمَشِيئَتِهِ فَخَرَجَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِهِ. ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فَلَا يَصِحُّ فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ أَوْ نَحْوِهِمَا مِنْ الِالْتِزَامَاتِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُعَلَّقَةً بِفِعْلٍ، فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَرُدَّ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى الْفِعْلِ أَوْ إلَى الْيَمِينِ، فَإِنْ رَدَّهَا إلَى الْفِعْلِ فَقَوْلَانِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَنْفَعُ. ابْنُ رُشْدٍ: الْأَصَحُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي النَّظَرِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْفَعُ، وَعَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ دَرْكٌ عَظِيمٍ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ لَا يَنْفَعُ. انْتَهَى مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ. وَلَهُ فِي الْبَيَانِ مَا نَصُّهُ: لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَنَفَعَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ إذْ قَدْ نَصَّ عَلَى رَدِّ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْفِعْلِ بِذِكْرِهِ إيَّاهُ عَقِيبَهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ انْتَهَى. فَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْفَعُ إذَا رَدَّهُ لِلْفِعْلِ. (أَوْ يُرِيدَ أَوْ يَقْضِيَ عَلَى الْأَظْهَرِ) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ لَأَفْعَلُ كَذَا إلَّا أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ أَوْ يُرِيدُ غَيْرَهُ لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ عِيسَى: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: حَمَلَهُ ابْنُ حَارِثٍ وَابْنُ رُشْدٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَاخْتَارَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَ عِيسَى، وَظَاهِرُ النَّوَادِرِ حَمْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ خِلَافًا انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ هَذَا الْخِلَافَ قَالَ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ هَلْ يُقَاسُ عَلَيْهَا إذَا عَقَلَ مَعْنَاهَا أَمْ لَا؟ كَمَا قِيلَ فِي قِيَاسِ النَّبْشِ عَلَى السَّرِقَةِ. (وَأَفَادَ بِكَإِلَّا فِي الْجَمِيعِ إنْ اتَّصَلَ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الِاسْتِثْنَاءُ بِ " إلَّا " وَبِ " لَا إنْ " مُعْتَبَرٌ فِي كُلِّ يَمِينٍ وَشَرْطُهُ فِي الْكُلِّ عَدَمُ فَصْلِهِ اخْتِيَارًا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا اسْتِثْنَاءَ إلَّا وَاصِلٌ بِيَمِينِهِ يَحْرُمُ بِهِ لِسَانُهُ، فَأَمَّا فِي نَفْسِهِ أَوْ يَلْفِظُ بِهِ بَعْدَ ضَمَانِهِ فَلَا. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ حَدَثَتْ لَهُ نِيَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَ تَمَامِ لَفْظِهِ بِالْيَمِينِ أَوْ بَعْدَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَصْمُتْ حَتَّى وَصَلَ بِهَا الِاسْتِثْنَاءَ أَجْزَاهُ. قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَهُوَ مِثْلُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَحْلِفَ بِالْبَتَّةِ فَيَقُولُ: امْرَأَتِي طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَسَكَتَ عَنْ تَمَامِ الْيَمِينِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِآخِرِ الْيَمِينِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ مَنْ نَسَّقَ الطَّلَاقَ بِفِعْلٍ أَوْ الْحُكْمَ لِآخِرِ الْكَلَامِ فَكَذَلِكَ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا نَسَّقَ الِاسْتِثْنَاءَ بِنِيَّةٍ حَدِيثَةٍ بَعْدَ تَمَامِ الْيَمِينِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: ذَلِكَ اسْتِثْنَاءٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ بِغَيْرِ حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ أَنْ يُفِيدَ الْعُمُومَ بِصِفَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي إخْرَاجَ مَنْ لَيْسَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ بِالْمَعْنَى وَلَهُ حُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي أَنْ لَا يَنْفَعَ إلَّا بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ وَاتِّصَالِهِ بِالْكَلَامِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ مَا رَأَيْت الْيَوْمَ قُرَشِيًّا عَاقِلًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا رَأَيْت الْيَوْمَ قُرَشِيًّا إلَّا أَحْمَقَ فَإِنْ وَصَلَ عَاقِلًا بِيَمِينِهِ نَفَعَهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَصِلَ بِهَا إلَّا أَحْمَقَ، وَذَلِكَ مَنْصُوصٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 فِي الَّذِي يَسْأَلُ الرَّجُلَ عَنْ وَدِيعَةٍ قَدْ كَانَ اسْتَدْفَعَهُ إيَّاهَا فَيَحْلِفُ إنْ كَانَتْ فِي بَيْتِهِ فَيُلَقِّنُهُ رَجُلٌ فِي عِلْمِك فَيَقُولُ فِي عِلْمِي: إنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ يَنْفَعُهُ إنْ كَانَ الْكَلَامُ نَسَقًا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا صُمَاتٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: فِي عِلْمِي بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ فِي بَيْتِي إلَّا أَنْ أَكُونَ غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ بِالْمَعْنَى انْتَهَى. اُنْظُرْ كَثِيرًا مَا يُتَّفَقُ هَذَا أَنْ يَقُولَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لِلْحَالِفِ قُلْ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَيَقُولَهَا، فَعَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّتُهُ قَبْلَ تَمَامِ يَمِينِهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ. وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيِّ. لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ النِّيَّةِ. ظَاهِرُ اللَّخْمِيِّ قَبْلَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَظَاهِرُ الشَّيْخِ وَالصَّقَلِّيِّ قَبْلَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْ الْمُقْسَمِ بِهِ. (إلَّا لِعَارِضٍ) التَّلْقِينُ: قَطْعُ الِاسْتِثْنَاءِ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْ سُعَالٍ أَوْ عُطَاسٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ لَا يَضُرُّ. الْبَاجِيُّ: وَكَذَا انْقِطَاعُ النَّفَسِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ (وَنَوَى الِاسْتِثْنَاءَ) تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ الِاسْتِثْنَاءَ فَلَا ثُنْيَا لَهُ، وَكَذَا إنْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ سَهْوًا وَظَاهِرُهُ وَلَمْ يَنْوِهِ قَبْلَ تَمَامِ يَمِينِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَوَجْهُهُ أَنَّ لَفْظَ الِاسْتِثْنَاءِ لَمَّا لَمْ يُشْتَرَطْ تَقْدِيمُهُ عَلَى آخِرِ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْيَمِينِ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ فِي النِّيَّةِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ لَا تُؤَثِّرُ، وَلَوْ أَثَّرَ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ فِي حِلِّ الْيَمِينِ لَاسْتَغْنَى عَنْ لَفْظِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ (وَقَصَدَ) اُنْظُرْ إنَّمَا شَرَطُوا هَذَا فِي إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: " كَإِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إنْ قَصَدَ " فَانْظُرْ هَذَا. (وَنَطَقَ بِهِ) . ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِ " إلَّا " مِنْ حَرَكَةِ اللِّسَانِ، وَكَذَلِكَ مَا هُوَ مِثْلُهُ مِنْ تَقْيِيدِ الْعُمُومِ بِصِفَةٍ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ لَا يَنْفَعُ إلَّا بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ وَاتِّصَالُهُ بِالْكَلَامِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ آثَرَ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ فِي حِلِّ الْيَمِينِ لَاسْتَغْنَى عَنْ لَفْظِ إنْ شَاءَ اللَّهُ (وَإِنْ سِرًّا) . ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ حَرَّكَ بِالِاسْتِثْنَاءِ شَفَتَيْهِ أَجْزَاهُ وَإِنْ لَمْ يَجْهَرْ بِهِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَحْلَفًا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الْجَهْرُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَنْفَعُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ الْمَحْلُوفُ لَهُ (بِحَرَكَةِ لِسَانِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ فَأَمَّا فِي نَفْسِهِ فَلَا. (إلَّا أَنْ يَعْزِلَ فِي يَمِينِهِ أَوَّلًا) اللَّخْمِيِّ: اخْتَلَفَ إذَا لَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ. وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَنَّ الْمُحَاشَاةَ تَصِحُّ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْمُحَاشَاةَ هِيَ إخْرَاجُ ذَلِكَ قَبْلَ الْيَمِينِ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ إنْ كَانَ ذَلِكَ نِيَّتَهُ قَبْلَ الْيَمِينِ لِأَنَّهَا مُحَاشَاةٌ. وَسَمِعَ عِيسَى: شَرْطُ الثُّنْيَا حَرَكَةُ لِسَانِهِ وَتَنْفَعُ النِّيَّةُ دُونَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الثُّنْيَا اسْتِدْرَاكٌ بَعْدَ صُدُورِ الْيَمِينِ دُونَ نِيَّةٍ وَالنِّيَّةُ قَصْرُ بَعْضِ الْيَمِينِ عَلَى بَعْضٍ مَدْلُولُهَا الظَّاهِرُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النُّطْقُ اتِّفَاقًا. وَلِشِهَابِ الدِّينِ يَكْفِي فِي الْمُحَاشَاةِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ لِأَنَّهَا تَخْصِيصٌ يَكْفِي فِيهِ إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ كَمَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَنَوَى إخْرَاجَ الْكَتَّانِ مِنْ يَمِينِهِ فَيَصِيرُ هَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ، وَلَا يَحْنَثُ إذَا لَبِسَ الْكَتَّانَ لِأَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ بِنِيَّتِهِ. وَكَذَلِكَ إذَا نَوَى تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيُكْرِمَنَّ رَجُلًا وَنَوَى فَقِيهًا فَلَا يَبَرُّ بِإِكْرَامِ غَيْرِهِ لِأَنَّ " رَجُلًا " مُطْلَقٌ وَقَدْ قَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ فَقِيهًا كَالزَّوْجَةِ فِي الْحَلَالِ عَلَى حَرَامٍ وَهِيَ الْمُحَاشَاةُ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ: كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ فَقَطْ أَنْ يُحَاشِيَهَا بِقَلْبِهِ. عَبْدُ الْحَقِّ: إنْ لَمْ يَنْوِ إخْرَاجَهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 قَبْلَ تَمَامِ الْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ فَإِخْرَاجُهَا اسْتِثْنَاءٌ شَرْطُهُ النُّطْقُ، وَلَوْ قَصَدَ أَوَّلًا إدْخَالَهَا مَعَ غَيْرِهَا لَمْ يَنْفَعْهُ اسْتِثْنَاؤُهُ إيَّاهَا بِحَالٍ. الْبَاجِيُّ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: الْحَلَالُ كُلُّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، فَإِذَا قَالَ: حَاشَيْت الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَهُ نِيَّتُهُ وَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ إلَّا أَنْ يَسْتَحْلِفَ. وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: مَنْ قَالَ عَلَيْهِ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ فَلَمَّا حَلَفَ قَالَ: لَمْ أُرِدْ الطَّلَاقَ صُدِّقَ. الْبَاجِيُّ: وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِالْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ فَقَالَ: إنِّي حَاشَيْت الطَّلَاقَ أَوْ الْعِتْقَ أَوْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِنِيَّتِي، فَأَمَّا مَا لَا يُطَالَبُ بِهِ مِنْ الصَّوْمِ وَالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ وَالْعِتْقُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَلَا خِلَافَ فِي تَصْدِيقِهِ، وَأَمَّا مَا لِلْأَمَامِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّتُهُ عَلَى مَا رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَلَى مَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي الْحَالِفِ بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ، وَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ لِلشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ فِي الْيَمِينِ بِالْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ. وَلِلْبَرْزَلِيِّ تَقَدَّمَ لِلسُّيُورِيِّ أَنَّهُ إذَا حَاشَا زَوْجَتَهُ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَوَقَعَ لِابْنِ رُشْدٍ فِيمَنْ قَالَ لِغَرِيمِهِ: احْلِفْ لِي بِالطَّلَاقِ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ فَقَالَ: احْلِفْ لِي بِالْحَلَالِ عَلَيْك حَرَامٌ فَحَلَفَ وَهُوَ جَاهِلٌ بِأَنَّ الْحَلَالَ عَلَيْهِ حَرَامٌ يَدْخُلُهُ الطَّلَاقُ فَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَتَى مُسْتَفْتِيًا جَرَى ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي مُجَرَّدِ اللَّفْظِ دُونَ النِّيَّةِ هَلْ يَلْزَمُ بِهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ الْبَيِّنَةِ انْتَهَى. وَانْظُرْ مَسْأَلَةً سُئِلْت عَنْهَا وَهِيَ: رَجُلٌ تَحَرَّجَ أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّازِمَةِ فَكَنَّى عَنْهَا فَقَالَ ذَلِكَ الْيَمِينُ يَلْزَمُنِي فَتَوَقَّفْت فِي طَلَاقِهِ وَأَفْتَاهُ غَيْرِي بِالطَّلَاقِ. وَلِابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا: إشْكَالُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ يَا مُطَلَّقَةُ الطَّلَاقَ. (وَفِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ وَالْيَمِينِ لِلْكَفَّارَةِ وَالْمُنْعَقِدَةِ عَلَى بِرٍّ بِأَنْ فَعَلْت وَلَا فَعَلْت أَوْ حَنِثَ بِلَأَفْعَلَنَّ وَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ إنْ لَمْ يُؤَجِّلْ إطْعَامَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 التَّلْقِينُ: إنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا هُوَ فَهَذَا فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْخَمْرَ أَوْ نَحْوَهُ مِنْ الْمَعَاصِي فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيُكَفِّرُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، فَإِنْ اجْتَرَأَ وَفَعَلَ أَثِمَ وَسَقَطَ عَنْهُ النَّذْرُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: وَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ إنْ فَعَلْت فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. الْبَاجِيُّ: فَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ أَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَيْهِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَعْرِفُ أَنَّ ابْنَ الْمَوَّازِ قَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: يَمِينُ الْبِرِّ مَا مُتَعَلِّقُهَا نَفْيٌ أَوْ وُجُودٌ مُؤَجَّلٌ وَيَمِينُ الْحِنْثِ خِلَافُهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَأُطَلِّقَنَّكِ فَلَيْسَ بِمُولٍ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ، فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ فَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِمَوْتِهِ أَوْ مَوْتِهَا وَلَا يُجْبَرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 عَلَى الْكَفَّارَةِ انْتَهَى. وَانْظُرْ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ هَذِهِ بِاللَّازِمَةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: الْأَيْمَانُ تَلْزَمُهُ مَا تَبْقَى لَهُ فِي مِلْكٍ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ: إنْ لَمْ أُطَلِّقْك قَالَ: فَأَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ مَكَانَهُ طَلْقَةٌ إذْ لَا بِرَّ لَهُ إلَّا بِالطَّلَاقِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ تَرْفَعَهُ لِلسُّلْطَانِ. وَانْظُرْ إنْ قَالَ: الْأَيْمَانُ تَلْزَمُهُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا الرِّوَايَةُ إنْ قَالَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ أَوْ غُلَامُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا سَمَّاهُ فَلَمْ يَفْعَلْهُ حَتَّى مَاتَ قَالَ: تَرِثُهُ امْرَأَتُهُ وَيُعْتَقُ الْغُلَامُ فِي ثُلُثِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْحَالِفَ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا هُوَ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَفْعَلَ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ وَقَعَ عَلَيْهِ الْحِنْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعِتْقِ فَوَجَبَ أَنْ تَرِثَهُ الْمَرْأَةُ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَصِحُّ، وَأَنْ يُعْتَقَ الْغُلَامُ فِي الثُّلُثِ عَلَى حُكْمِ الْعِتْقِ بَعْدَ الْمَوْتِ احْتِيَاطًا لِلْعِتْقِ لِئَلَّا يُسْتَرَقَّ بِالشَّكِّ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالْحَالِفُ بِالطَّلَاقِ وَبِالْمَشْيِ وَالصَّدَقَةِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا لَا يَقَعُ الْحِنْثُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ فِي فُسْحَةٍ مَنْ فَعَلَ مَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ مَا لَمْ يَمُتْ إلَّا أَنَّهُ عَلَى حِنْثٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ إنْ كَانَ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ بِالطَّلَاقِ وَاحِدَةً فَيُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً كَمَا حَلَفَ لَيَرْتَجِعُ وَيَطَأُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ بَرَّ بِالتَّزْوِيجِ قَبْلَ الْمَوْتِ سَقَطَ عَنْهُ الْمَشْيُ وَالصَّدَقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَبَرَّ حَتَّى مَاتَ كَانَتْ الصَّدَقَةُ فِي ثُلُثِ مَالِهِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ حُكْمُ مَنْ وَطِئَ وَهُوَ عَلَى حِنْثٍ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِاسْتِبْرَاءٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ. وَانْظُرْ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يُكْرَهْ يَبَرُّ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا، حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ وَإِلَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ. وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا فَعَلْت لَمْ يُحَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ فَيَحْنَثَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَضْرِبُ فُلَانًا فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى يَضْرِبَهُ. وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ لَيَفْعَلَنَّهُ فَهُوَ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَفْعَلَهُ لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَيَفْعَلُهُ أَمْ لَا. وَمَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ لَا يَفْعَلُهُ فَهُوَ عَلَى بِرٍّ حَتَّى يَفْعَلَهُ. قَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 الْأَيْمَانَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ، فَالْبِرُّ بِالْمُوَافَقَةِ وَالْحِنْثُ بِالْمُخَالَفَةِ، لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا فَعَلْت كَذَا فَهُوَ وَقْتُ حَلِفِهِ غَيْرُ فَاعِلٍ فَهُوَ عَلَى بِرٍّ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْحِنْثُ مُتَرَقَّبٌ فَإِذَا فَعَلَ حَنِثَ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ حِينَئِذٍ وُجِدَتْ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إنْ فَعَلْت، وَأَمَّا إنْ لَمْ أَفْعَلْ أَوْ لَأَفْعَلَنَّ فَالْمُخَالَفَةُ مَوْجُودَةٌ وَقْتَ الْحَلِفِ لِأَنَّهُ إنْ قَالَ: إنْ لَمْ أَضْرِبْ عَبْدِي فَهُوَ فِي الْحَالِ غَيْرُ ضَارِبٍ فَهُوَ عَلَى حِنْثٍ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِحَلِفِهِ وَالْبِرُّ مُتَرَقَّبٌ فَإِذَا فَعَلَ بَرَّ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْبِرُّ لَا فَعَلْت وَإِنْ فَعَلْت وَالْحِنْثُ لَأَفْعَلَنَّ وَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ. وَمَنْ ضَرَبَ أَجَلًا فَعَلَى بِرٍّ إلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: مَنْ حَنِثَ كَانَ عَلَى بِرٍّ، وَمَنْ بَرَّ كَانَ عَلَى حِنْثٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ بِاَللَّهِ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا أَوْ لَيَقْتُلَنَّهُ، فَإِنْ ضَرَبَ أَجَلًا فَهُوَ عَلَى بِرٍّ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَفْعَلْ وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ أَجَلًا فَهُوَ عَلَى حِنْثٍ وَلْيُكَفِّرْ أَوْ يُطَلِّقْ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ يُعْتِقُ إنْ رَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ بِالْقَضَاءِ، وَإِنْ اجْتَزَأَ فَفَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّظَرِ فِيهِ زَالَتْ عَنْهُ أَيْمَانُهُ. وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَرَادَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَيُطَلِّقَهَا طَلْقَةً ثُمَّ يَرْتَجِعُهَا فَتَزُولُ عَنْهُ يَمِينُهُ، وَلَوْ ضَرَبَ أَجَلًا كَانَ عَلَى بِرٍّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا مَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ. انْتَهَى مَا لَا بُدَّ مِنْ مُرَاجَعَتِهِ مِنْ أَجْلِ أَلْفَاظِ خَلِيلٍ. فَعَلَى فَرْضِ أَنَّ عِبَارَةَ خَلِيلٍ فِيهَا إجْمَالٌ أَوْ نَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ فَقَدْ حَصَلَ النَّفْعُ بِتَنْبِيهِهِ عَلَى جُمْلَةِ مَسَائِلَ مِنْهَا: مَسْأَلَةٌ أُولَى: فِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ: عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلْت أَوْ لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ نَقَلْت مِنْ أَجْلِهَا نَصَّ التَّلْقِينِ وَالْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ فِي حُكْمِ الْكَفَّارَةِ وَغَيْرِهَا. مَسْأَلَةٌ ثَانِيَةٌ: مَنْ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ إنْ فَعَلْت نَقَلْت نَصَّ الْبَاجِيِّ وَالْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَيْضًا. مَسْأَلَةٌ ثَالِثَةٌ: إنْ قَالَ: عَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لَمْ أَجِدْهَا إلَّا لِابْنِ شَاسٍ بِلَفْظِ إنْ قَالَ عَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَإِنَّهَا كَالنَّذْرِ الْمُبْهَمِ. مَسْأَلَةٌ رَابِعَةٌ: فِي تَبْيِينِ أَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ الْمَرْءُ فِيهَا عَلَى بِرٍّ حَتَّى يَحْنَثَ، وَقِسْمٌ هُوَ فِيهَا عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَبَرَّ. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْحَاجِبِ هَذَا هُنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ هُوَ وَابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ. مَسْأَلَةٌ خَامِسَةٌ: مَا حُكْمُ مَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا فَعَلْت. نَقَلْت مِنْ أَجْلِهَا نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: وَاَللَّهِ لَأُطَلِّقَنَّكِ لَمْ يُحَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ. مَسْأَلَةٌ سَادِسَةٌ: مَا حُكْمُ مَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ إنْ فَعَلْت. نَقَلْت مِنْ أَجْلِهَا نَصَّ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُدَوَّنَةِ أَنَّ حُكْمَ " إنْ " وَ " لَا " وَاحِدٌ كِلَاهُمَا حَرْفُ نَفْيٍ. مَسْأَلَةٌ سَابِعَةٌ: مَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ وَلَمْ يُؤَجِّلْ فَهَبْهُ عَلَى حَنِثَ مَا حُكْمُهُ. وَقَدْ نَقَلْت نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: وَاَللَّهِ لَأُطَلِّقَنَّكِ فَلَيْسَ بِمُولٍ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ بِاللَّازِمَةِ، وَيَبْقَى النَّظَرُ إذَا لَمْ يُطَلِّقْ حَتَّى وَطِئَ أَوْ مَاتَ هُوَ أَوْ هِيَ، وَقَدْ أَشَرْت إلَى الْفِقْهِ فِي ذَلِكَ. مَسْأَلَةٌ ثَامِنَةٌ: مَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ إنْ لَمْ أَفْعَلْ وَلَمْ يُؤَجِّلْ. وَقَدْ نَقَلْت نَصَّ ابْنِ الْحَاجِبِ: " إنْ لَمْ أَفْعَلْ " مِثْلَ " لَأَفْعَلَنَّ " وَكَذَا أَيْضًا فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنَّهُ فَرَضَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ. وَتَقَدَّمَ نَصُّهَا مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا وَلَمْ يَضْرِبْ أَجَلًا فَهُوَ عَلَى حِنْثٍ وَلْيُطَلِّقْ عَلَيْهِ الْإِمَامُ. وَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَرَادَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلْيُطَلِّقْهَا وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي يَمِينِهِ عَلَى ذَلِكَ بِاَللَّهِ وَبِالنَّذْرِ الْمُبْهَمِ وَنَحْوِهِ لَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ. مَسْأَلَةٌ تَاسِعَةٌ: مَأْخُوذَةٌ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 لَأَفْعَلَنَّ وَضَرَبَ أَجَلًا. نَقَلْت مِنْ أَجْلِهَا نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِطَلَاقٍ لَيَضْرِبَنَّ زَيْدًا وَضَرَبَ أَجَلًا فَهُوَ عَلَى بِرٍّ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَفْعَلْ. مَسْأَلَةٌ عَاشِرَةٌ: أَنْ يَحْلِفَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ وَضَرَبَ أَجَلًا. نَقَلْت مِنْ أَجْلِهَا نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك وَضَرَبَ أَجَلًا كَانَ عَلَى بِرٍّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا مَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ الْكَفَّارَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ يَمِينٌ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك وَضَرَبَ أَجَلًا وَمَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يَفْعَلْ. مَسْأَلَةٌ حَادِيَةَ عَشَرَ: الْكَفَّارَةُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَالنَّذْرِ الْمُبْهَمِ وَالْيَمِينِ وَالْكَفَّارَةِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ شَاسٍ الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْكَفَّارَةِ: وَالنَّظَرُ فِي السَّبَبِ وَالْكَيْفِيَّةِ وَالْمُلْتَزِمِ. أَمَّا السَّبَبُ فَهِيَ يَمِينٌ مَعْقُودَةٌ فَلَا كَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ وَلَا فِي اللَّغْوِ، وَأَمَّا الْمُلْتَزِمُ فَهُوَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ حَنِثَ، وَأَمَّا الْكَيْفِيَّةُ فَهِيَ إطْعَامٌ وَعِتْقٌ وَكِسْوَةٌ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: الْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأُمَّةِ بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] مَعْنَاهُ إذَا حَنِثْتُمْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَيُسَمُّونَهُ لَحْنَ الْخِطَابِ، وَإِذَا حَنِثَ فَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فَهِيَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَنَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] . (لِكُلٍّ مُدٌّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْإِطْعَامُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُدُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 قَمْحٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ. وَأَمَّا سَائِرُ الْبُلْدَانِ فَإِنَّ لَهُمْ عَيْشًا غَيْرَ عَيْشِنَا فَلْيَخْرُجْ وَسَطًا مِنْ عَيْشِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: حَيْثُ مَا أَخْرَجَ مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْزَأَهُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَمَنْ زَادَ فَلَهُ ثَوَابُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ (وَنُدِبَ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ زِيَادَةُ نِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ) أَفْتَى ابْنُ وَهْبٍ بِمِصْرَ بِمُدٍّ وَنِصْفٍ وَأَشْهَبُ بِمُدٍّ وَثُلُثٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ (أَوْ رِطْلَانِ خُبْزًا بِإِدَامٍ) فِي التَّلْقِينِ: الْإِطْعَامُ بِالْمَدِينَةِ مُدٌّ بِالْأَصْغَرِ وَبِالْأَمْصَارِ وَسَطٌ مِنْ الشِّبَعِ وَهُوَ رِطْلَانِ بِالْبَغْدَادِيِّ وَشَيْءٌ مِنْ الْإِدَامِ انْتَهَى هَذَا النَّصُّ. وَانْظُرْ أَيْضًا نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ الْخُبْزُ وَحْدَهُ وَفِيهِ عَدْلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَبِّ أَجْزَأَهُ. قَالَ هَذَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُجْزِئُ الدَّقِيقُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكَفَّارَاتِ كَمَا لَا يُجْزِئُ ذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَمُقْتَضَى مَا لِلْأَشْيَاخِ أَنَّ الدَّقِيقَ يُجْزِئُ فِي جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ وَفِي الْفِطْرَةِ إذَا رَاعَى الرَّيْعَ وَقَدْ كَفَاهُمْ مُؤْنَةَ الطَّحْنِ، وَكَذَا أَيْضًا يُجْزِئُ الْخُبْزُ قِفَارًا إذَا رَاعَى الرَّيْعَ وَقَدْ كَفَاهُمْ مُؤْنَةَ الْخَبْزِ وَالطَّحْنِ. وَنَصُّ ابْنِ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: إنْ غَدَّى وَعَشَّى كَفَّارَةَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَجْزَأَهُ وَلَا يُجْزِئُ غَدَاءٌ دُونَ عَشَاءٍ وَلَا عَشَاءٌ دُونَ غَدَاءٍ. قَالَ: وَيُطْعِمُ الْخُبْزَ مَأْدُومًا بِزَيْتٍ وَنَحْوِهِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا يُجْزِئُهُ الْخُبْزُ قِفَارًا وَلَكِنْ بِإِدَامٍ وَزَيْتٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ لَحْمٍ قَالَ: وَإِذَا أَعْطَى مِنْ الْخُبْزِ يُرِيدُ قِفَارًا قَدْرَ مَا يَخْرُجُ مِنْ كَيْلِ الطَّعَامِ أَجْزَأَهُ فِي الْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَيْسَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الدَّقِيقِ يَعْنِي أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فِي الْكَفَّارَةِ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: مَعْنَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَنْ يُطْعِمَ الْخُبْزَ قِفَارًا أَنْ لَا يَسْتَوْفُوا مِقْدَارَ الْمُدِّ مِنْ الْخُبْزِ، أَمَّا إذَا أَطْعَمَهُمْ بِإِدَامٍ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُشْبِعَهُمْ لِلْعَشَاءِ وَالْغَدَاءِ، فَإِنْ اسْتَوْعَبُوا ذَلِكَ وَإِلَّا فَقَدْ أَجْزَأَهُ مَا أَكَلُوا. التُّونِسِيُّ: وَتَكُونُ الْعَشَرَةُ مَسَاكِينَ إذَا أَطْعَمَهُمْ يَقْرَبُ أَكْلُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ لِأَنَّهُ لَا يُعْطِي الْمَرِيضَ وَالصَّبِيَّ إلَّا قَدْرَ مَا يَأْكُلُهُ الْكَبِيرُ وَإِنْ أَقَامَ فِي أَكْلِهِ أَيَّامًا انْتَهَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 الْبَاجِيُّ خِلَافًا فِي جَوَازِ إخْرَاجِ الدَّقِيقِ إذَا أَعْطَى مِنْهُ قَدْرَ رَيْعِ الْقَمْحِ، وَكَذَا ابْنُ بَشِيرٍ. وَقَالَ فِي النُّكَتِ مَا نَصُّهُ: اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَعْطَى فِي الظِّهَارِ دَقِيقًا بِرَيْعِهِ وَفِي زَكَاةِ الْفِطْرِ أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَعْطَى خُبْزًا. وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِنَا الْقَرَوِيِّينَ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُجْزِئُ الدَّقِيقُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَلَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْكَفَّارَاتِ، يُرِيدُ إذَا أَخْرَجَ الدَّقِيقَ بِغَيْرِ رَيْعِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ بِرَيْعِهِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَحْسَنَ وَقَدْ كَفَاهُمْ الْمُؤْنَةَ فِي طَحْنِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ مِنْ بَابٍ أَوْلَى الْخُبْزُ إذَا رَاعَى الرَّيْعَ يَكُونُ قَدْ كَفَاهُمْ مُؤْنَةَ الطَّحْنِ وَالْخَبْزِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْبَاجِيِّ. وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الْإِدَامُ إذَا غَدَّى وَعَشَّى أَنْ لَا يَسْتَوْفُوا شِبَعَهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ الْخُبْزُ وَحْدَهُ وَفِيهِ عَدْلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَبِّ أَجْزَأَهُ بِإِعْطَاءِ فَلْسَيْنِ عِوَضًا مِنْ الْخُبْزِ الرُّومِيِّ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ لَا يَكُونُ قَدْرُ الْمُدِّ وَيَكُونُ قَدْ كَفَاهُمْ مُؤْنَةَ الطَّحْنِ وَالْخَبْزِ وَالْفُتْيَا بِفَلْسَيْنِ وَإِلَّا زَادَ فِي الْقَدْرِ عَلَى مَا قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ (كَتَبَعِهِمْ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: إنْ غَدَّى وَعَشَّى فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَجْزَأَهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ هُنَا يُشْتَرَطُ الْإِدَامُ. (أَوْ كِسْوَتُهُمْ الرَّجُلُ ثَوْبٌ وَالْمَرْأَةُ دِرْعٌ وَخِمَارٌ) وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 إنْ كَسَا فِي الْكَفَّارَةِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا مَا تَحِلُّ بِهِ الصَّلَاةُ ثَوْبٌ لِلرَّجُلِ وَلَا تُجْزِئُ عِمَامَةٌ وَحْدَهَا وَتُكْسَى الْمَرْأَةُ دِرْعًا وَخِمَارًا (وَلَوْ غَيْرَ وَسَطِ أَهْلِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: لَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَنْ يَكْسُوَهُمْ كَمَا يَكْسُو نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ إذْ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي ذَلِكَ مِنْ أَوْسَطِ مَا يُكْسَى الْأَهْلُ. وَرَأَى اللَّخْمِيِّ لُزُومَ ذَلِكَ. وَلَوْ قِيلَ هَذَا مِنْ بَابِ رَدِّ الْمُطْلَقِ إلَى الْمُقَيَّدِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ. (وَالرَّضِيعُ كَالْكَبِيرِ فِيهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُعْطَى الرَّضِيعُ مِنْ الطَّعَامِ كَمَا يُعْطَى الْكَبِيرُ إنْ أَكَلَ الطَّعَامَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَسَا صِغَارَ الْإِنَاثِ فَلْيُعْطِ دِرْعًا وَخِمَارًا كَالْكَبِيرَةِ وَالْكَفَّارَةُ وَاحِدَةٌ لَا يُنْقَصُ مِنْهَا لِلصَّغِيرِ وَلَا يُزَادُ فِيهَا لِلْكَبِيرِ. قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يُعْجِبُنِي كِسْوَةُ الْمَرَاضِعِ عَلَى حَالٍ. انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ. (أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ كَالظِّهَارِ) ابْنُ بَشِيرٍ: وَأَمَّا الْعِتْقُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ كَامِلَةِ الْجِسْمِ وَالْمِلْكِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَعِيبَةِ وَتَفْصِيلُ حُكْمِ السَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ مُحَالٌ عَلَى كِتَابِ الظِّهَارِ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُجْزِئُ فِي عِتْقِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ مَا يُجْزِئُ فِي الظِّهَارِ. (ثُمَّ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ فَحَنِثَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي إطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتِهِمْ أَوْ عِتْقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَلَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَيْ يُتَابِعُهَا وَإِنْ فَرَّقَهَا أَجْزَأَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ إنْ كَانَ يَمْلِكُ دَارًا أَوْ خَادِمًا وَإِنْ قَلَّ ثَمَنُهَا كَالظِّهَارِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَنْ قُوتِ يَوْمِ مَا يُطْعِمُ أَطْعَمَ إلَّا أَنْ يَخَافَ الْجُوعَ وَهُوَ فِي بَلَدٍ لَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ فَلْيَصُمْ. (وَلَا تُجْزِئُ مُلَفَّقَةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ بِإِطْعَامِ خَمْسَةِ مَسَاكِينَ وَكِسْوَةِ خَمْسَةٍ. ابْنُ الْمَوَّازِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 وَيُضِيفُ إلَى أَيِّهِمْ شَاءَ مَا يُتِمُّهُ بِهِ لِجَوَازِ التَّفْرِقَةِ فِيهِ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. (وَمُكَرَّرٌ لِمِسْكِينٍ وَنَاقِصٌ كَعِشْرِينَ لِكُلٍّ نِصْفٌ إلَّا أَنْ يُكَمِّلَ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ أَعْطَى طَعَامَ عَشْرَةٍ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ بَطَلَتْ وَلَهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا دُونَ الْمُدَّيْنِ كَانَ قَائِمًا (وَهَلْ إنْ بَقِيَ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي شَرْطِ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ بِقِيَامِهِ قَوْلَانِ لِأَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ زَاعِمًا أَنَّهُ ظَاهِرُهَا، وَعِيَاضٌ مَعَ الْأَكْثَرِ رَادًّا قَوْلَ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ بِظَاهِرِهَا ابْنُ عَرَفَةَ بَلْ بِنَصِّهَا. (وَلَهُ نَزْعُهُ بَيَّنَ بِالْقُرْعَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ أَعْطَى طَعَامَ عَشَرَةٍ أَقَلَّ فَلَهُ أَخْذُ الزَّائِدِ مِنْ كُلِّ مِسْكِينٍ عَلَى مُدَّيْنِ كَانَ قَائِمًا. اُنْظُرْ فِي الظِّهَارِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَكَالْيَمِينِ ". (وَجَازَ لِثَانِيَةٍ إنْ أَخْرَجَ وَإِلَّا كُرِهَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 اللَّخْمِيِّ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ أَنْ يُطْعِمَ عِشْرِينَ مِسْكِينًا، فَإِنَّ أَطْعَمَ عَشْرَةً وَكَسَاهُمْ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ أَعْطَى عَشْرَةً مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ فَذَلِكَ يُجْزِئُهُ، وَإِنْ أَطْعَمَ عَشْرَةً ثُمَّ حَنِثَ فِي يَمِينٍ أُخْرَى جَازَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ الْكَفَّارَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. انْتَهَى نَقْلُهُ. وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ عَلَيْهِ يَمِينَانِ فَأَطْعَمَ عَنْ وَاحِدَةٍ مَسَاكِينَ فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ أَيْضًا عَنْ يَمِينِهِ الْأُخْرَى مَكَانَهُ أَوْ بَعْدَ أَيَّامٍ فَلَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمْ فَلْيَطْلُبْ سِوَاهُمْ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا ذَلِكَ لِئَلَّا تَخْتَلِطَ النِّيَّةُ فِي الْكَفَّارَتَيْنِ، أَمَّا لَوْ صَحَّتْ النِّيَّةُ فِي كُلِّ كَفَّارَةٍ وَخَلَصَتْ كُلُّ كَفَّارَةٍ مِنْ الْأُخْرَى لَجَازَ، وَصَوَّبَهُ أَبُو عِمْرَانَ وَأَجَازَ السُّيُورِيُّ أَنْ يُعْطِيَ مِائَةَ مُدٍّ لِعَشَرَةِ مَسَاكِينَ عَنْ عَشْرَةِ أَيْمَانٍ، وَأَنْ يُعْطِيَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ أَلْفَ مُدٍّ عَنْ مِائَةِ كَفَّارَةٍ، مُدٌّ عَنْ كُلِّ يَمِينٍ، وَالْكُلُّ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. (وَإِنْ كَيَمِينٍ وَظِهَارٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَطْعَمَ مَسَاكِينَ عَنْ أَحَدِ كَفَّارَتَيْهِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعْطِيَهُمْ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ الْأُخْرَى. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَا وَإِحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينٍ وَالْأُخْرَى عَنْ ظِهَارٍ وَغَيْرِهِ. [بَاب فِيمَا يَقْتَضِي الْبَرّ وَالْحِنْث] (وَأَجْزَأَتْ قَبْلَ حِنْثِهِ وَوَجَبَتْ بِهِ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ وَهَاهُنَا هُوَ مَوْضِعُ تَبْيِينِ يَمِينِ الْبِرِّ وَيَمِينِ الْحِنْثِ، وَهَاهُنَا ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ الْحِنْثُ وَفِي الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ طُرُقٌ. ثُمَّ قَالَ: فَالْأَقْوَالُ فِي الْبِرِّ وَالْحِنْثِ خَمْسَةٌ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ عَلَى بِرٍّ فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدٍ: إنْ فَعَلَ أَجْزَأَ وَقَالَ مَرَّةً لَا يُجْزِئُهُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ لَا بِطَلَاقٍ وَلَا بِمَشْيٍ وَلَا بِصَدَقَةٍ. وَعِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ آلَى بِعِتْقٍ فَهَمَّ فَأَعْتَقَ قَبْلَ الْحِنْثِ إنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ. وَيَجْرِي عَلَى هَذَا الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ آخِرَ طَلْقَةٍ وَالصَّدَقَةُ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ فَأَرَادَ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ فَأَمَّا فِي يَمِينِهِ لَا أَفْعَلُ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُكَفِّرَ بَعْدَ الْحِنْثِ، فَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَهُ أَجْزَأَهُ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا فِي يَمِينِهِ لَأَفْعَلَنَّ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ أَوْ لَأُكَلِّمَنَّهُ وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُ أَجَلًا، فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا يَفْعَلَ، وَإِنْ ضَرَبَ أَجَلًا فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ انْتَهَى. فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحَالِفَ بِاَللَّهِ، إنْ كَانَ عَلَى بِرٍّ فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ وَالْأَوْلَى بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى حِنْثٍ فَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ أَجَلًا فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا يَفْعَلَ، وَإِنْ ضَرَبَ أَجَلًا فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَإِنْ ضَرَبَ أَجَلًا فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ فَلْيُطَلِّقْهَا وَاحِدَةً، وَيَرْتَجِعُهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ضَرَبَ أَجَلًا صَبَرَ إلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ حَلَفَ بِالظِّهَارِ عَلَى شَيْءٍ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَمْ يَضْرِبْ لِذَلِكَ أَجَلًا لَجَازَ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْكَفَّارَةَ وَيَبَرَّ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ عَلَى حِنْثٍ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الطَّلَاقَ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُ أَجَلًا وَيَبَرُّ بِذَلِكَ فِي يَمِينِهِ. لِأَنَّهُ عَلَى حِنْثٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 حَتَّى يَفْعَلَ عَلَى مَا فِي النُّذُورِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يَقْتُلَ فُلَانًا وَلَمْ يَضْرِبْ أَجَلًا لَمْ يَبَرَّ بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَهُ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ. وَفِي التَّفْرِيعِ: لَا تُجْزِئُ الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَحْدَهَا، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا كَفَّارَةَ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَفَّرَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ قَبْلَ الْحِنْثِ رَجَوْت أَنْ يُجْزِئَ عَنْهُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ أَنْ لَا يَطَأَ فَأَعْتَقَ قَبْلَ الْوَطْءِ إرَادَةَ إسْقَاطِ الْإِيلَاءِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقَدْ قَالَ أَيْضًا: لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ إلَّا فِي رَقَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْأَحْكَامِ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَيُجْزِئُهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ بِهِ قَبْلَ الْحِنْثِ. (إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَهَا مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إذَا أَجْهَدَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَقْعُدْ بَعْدَ أَنْ قَدَرَ أَنْ يَخْرُجَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ كَانَ وَاقِفًا عَلَى دَابَّتِهِ بِقُرْبِ الدَّارِ فَنَفَرَتْ بِشَيْءٍ فَاقْتَحَمَتْ بِهِ فَدَخَلَتْهَا، فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُمْسِكَ رَأْسَهَا أَوْ يُثْنِيَ رِجْلَهُ فَيَنْزِلَ أَوْ يَتَرَامَى مِنْ غَيْرِ عَنَتٍ يُصِيبُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ قَالَ سَحْنُونَ: وَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَكْرَهَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى الدُّخُولِ فَلَا يَحْنَثُ بِإِكْرَاهِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا هُوَ فَأَخَافُ إنَّ إكْرَاهَهُ لَهَا رِضًا بِالْحِنْثِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَا الرَّغِيفَ فَأُكْرِهَ عَلَى أَكْلِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْيَمِينِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُكْرَهُ عَلَى الْيَمِينِ لَيْسَ يَمِينُهُ بِشَيْءٍ. ابْنُ بَشِيرٍ: الْإِكْرَاهُ يَرْفَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ وَيَرْفَعُ الْحِنْثَ إنْ انْعَقَدَتْ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ ثُمَّ أُكْرِهَ عَلَى الْحِنْثِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَحْنَثُ بِالْإِكْرَاهِ فِي لَا أَفْعَلُ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي لَأَفْعَلَنَّ الْمَشْهُورُ حِنْثُهُ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: لَا يَحْنَثُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِيمَنْ حَلَفَ لَأَفْعَلَنَّ فَغُلِبَ حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ: لَا حِنْثَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَى ذَلِكَ فَأَشْبَهَ الْمُكْرَهَ. قَالَ التُّونِسِيُّ: وَحَنَّثَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: وَهَذَا الْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ إنَّمَا هُوَ فِي الَّذِي غُلِبَ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ مَعَ بَقَاءِ يَمِينِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ مَاتَتْ الدَّوَابُّ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا: لَأَرْكَبَنَّ هَذِهِ الدَّوَابَّ غَدًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَاَلَّذِي حَلَفَ عَلَى الْحَمَامِ لَيَذْبَحَنَّهَا فَبَادَرَ إلَيْهَا فَوَجَدَهَا مَاتَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَلَوْ طَارَتْ الْحَمَامُ لَجَاءَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ. وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ لَا خَرَجَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَى رَأْسِ الْحَوْلِ فَأَخْرَجَهَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَرَبِّ الدَّارِ أَوْ سَيْلٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ خَوْفٍ، لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَيَمِينُهُ حَيْثُ انْتَقَلَ بَاقِيَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا وَأَحَالَ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْإِكْرَاهِ فِي لَا أَفْعَلُ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ بِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ إنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 أَخْرَجَهَا قَاضٍ لِتَحْلِفَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ قَالَ سَحْنُونَ: لَا يَحْنَثُ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ أُكْرِهُ وَلَوْ بِكَتَقْدِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ ". (وَفِي عَلَيَّ أَشَدُّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ بَتُّ مَنْ يَمْلِكُهُ وَعِتْقُهُ وَصَدَقَةٌ بِثُلُثِهِ وَمَشْيٌ لِحَجٍّ) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِي أَشَدِّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ أَنْ أَخْرَجَ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: اُخْتُلِفَ فِيمَنْ قَالَ عَلَيَّ أَشَدُّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يَمِينَ أَعْظَمُ مِنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَلَا إثْمَ أَعْظَمُ مِنْ إثْمِ مَنْ اجْتَرَأَ عَلَى الْحِنْثِ فِيهَا فَلِذَلِكَ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ لِنِسَائِهِ وَالْعِتْقُ لِرَقِيقِهِ وَالصَّدَقَةُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَيَمْشِي إلَى الْكَعْبَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ (وَكَفَّارَةٌ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. (وَزِيدَ فِي الْأَيْمَانِ تَلْزَمُنِي مِنْ صَوْمِ سَنَةٍ إنْ اُعْتِيدَ حَلِفٌ بِهِ وَفِي لُزُومِ شَهْرَيْ ظِهَارٍ تَرَدُّدٌ) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ اضْطِرَابٌ. الْأَبْهَرِيُّ وَأَبُو عُمَرَ: لَا شَيْءَ فِيهَا إلَّا الِاسْتِغْفَارُ. وَعَنْهُ أَيْضًا: كَفَّارَةُ يَمِينٍ. الطُّرْطُوشِيُّ: ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: يَنْوِي فَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا صُدِّقَ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَفْتِيًا. الْبَاجِيُّ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 تَقْرِيرُ مَا تَحَقَّقَ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ مِنْ أَقْوَالِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ يُنَوَّى، فَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ أَوْ لَمْ أَنْوِ إلَّا طَلْقَةً صُدِّقَ. وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي بَدْوِيٍّ حَلَفَ بِاللَّازِمَةِ: إنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْزَمُهُ بِهَا فِي امْرَأَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا لَكِنْ يَلْزَمُهُ سَائِرُ مَا يَلْزَمُ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا لِلْبَاجِيِّ قَبْلَ قَوْلِهِ وَهِيَ الْمُحَاشَاةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا لِلَّخْمِيِّ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ إنَّمَا خُرِّجَتْ عَلَى سَبْقِ اللِّسَانِ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: الْأَيْمَانُ تَلْزَمُهُ أَنَّ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ لَازِمَةٌ لَهُ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي الْقَصْرِ عَلَى أَحَدِهَا وَكَانَ مِمَّا يَنْوِي، لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَحْضُرْهُ، لَكِنْ اخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّلَاقِ، فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا، وَقِيلَ: إنَّمَا يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقِيلَ إنْ كَانَ لَهُ مَقْصِدٌ فِي التَّعْمِيمِ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَقْصِدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: كُلُّ الْأَيْمَانِ أَوْ جَمِيعُ الْأَيْمَانِ أَوْ لَا يَقُولُ ذَلِكَ، وَأَمَّا غَيْرُ الطَّلَاقِ مِنْ الْأَيْمَانِ فَيَلْزَمُهُ عِتْقُ مَا يَمْلِكُ وَالْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ وَالصَّدَقَةُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ بِاَللَّهِ. وَمَنْ اعْتَادَ الْحَلِفَ بِصَوْمِ سَنَةٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِأَنَّ مِنْ الْأَيْمَانِ الظِّهَارَ وَفِي هَذِهِ نَظَرٌ. ابْنُ زَرْقُونٍ: صَوْمُ الشَّهْرَيْنِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ. (وَتَحْرِيمُ الْحَلَالِ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ لَغْوٌ) اُنْظُرْ أَنْتَ عَلَى مَا تَحْمِلُ قَوْلَهُ: " وَالْأَمَةُ ". ابْنُ عَرَفَةَ: تَحْرِيمُ غَيْرِ الزَّوْجَةِ سَاقِطٌ. ابْنُ وَهْبٍ: وَقَدْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمِّ وَلَدِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَوَاللَّهِ لَا أَمَسُّكِ» فَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ وَلَمْ يُكَفِّرْ لِتَحْرِيمِهِ. قَالَ مَسْرُوقٌ: عَاتَبَهُ اللَّهُ فِي التَّحْرِيمِ وَأَمَرَهُ بِالْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ: الْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ إنْ فَعَلَ كَذَا قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ الْحَرَامُ يَمِينًا فِي شَيْءٍ لَا فِي أُمِّ وَلَدٍ إنْ حَرَّمَهَا وَلَا فِي عَبْدٍ وَلَا فِي خَادِمٍ وَلَا فِي طَعَامٍ وَلَا فِي شَرَابٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُحَرِّمَ امْرَأَتَهُ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ. (وَتَكَرَّرَتْ إنْ قَصَدَ تَكَرُّرَ الْحِنْثِ أَوْ كَانَ الْعُرْفُ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 ابْنُ عَرَفَةَ: حِنْثُ الْيَمِينِ يُسْقِطُهَا وَلِذَا لَا يَتَعَدَّدُ مَا يُوجِبُ الْحِنْثَ بِتَكَرُّرِ مُوجِبِهِ إلَّا بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ أَوْ عُرْفٍ. ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَلْبَتَّةَ إنْ خَرَجَتْ إلَى أَهْلِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ إنْ لَمْ يَضْرِبْهَا فَخَرَجَتْ مَرَّةً فَضَرَبَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ خَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ مِرَارًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَضْرِبَهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنْ ضَرَبَهَا فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ الْيَمِينُ كَمَا لَوْ حَنِثَ مَرَّةً لَسَقَطَتْ عَنْهُ الْيَمِينُ وَلَيْسَ يَبَرُّ أَحَدٌ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، يُرِيدُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَخَرَجَتْ مَرَّةً بِغَيْرِ إذْنِهِ فَوَقَعَتْ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ، ثُمَّ إنْ خَرَجَتْ ثَانِيَةً لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهَا يَمِينٌ حَنِثَ فِيهَا فَلَا يَتَكَرَّرُ الْحِنْثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كُلَّمَا خَرَجَتْ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. الْكَافِي إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَزِمَهُ طَلَاقُهَا، فَإِنْ عَادَ تَزَوَّجَهَا ثَانِيَةً لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ كُلَّمَا. (كَعَدِمِ تَرْكِ الْوِتْرِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ حَلَفَ إنْ نَامَ حَتَّى يُوتِرَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ دِينَارٌ فَنَامَ لَيْلَةً قَبْلَ أَنْ يُوتِرَ فَلَزِمَهُ صَدَقَةُ دِينَارٍ، ثُمَّ نَامَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: مَا رَأَيْت أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا يُرِيدُ بِذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً - وَمَا أَرَاهُ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَا فَعَلَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمَا إنَّمَا عَلَى مَنْ حَلَفَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا عَشْرَةَ أَيَّامٍ فَكَلَّمَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَسَمَاعُ أَشْهَبَ: مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ إنْ أَبَقَ، وَسَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ إنْ بَاتَ عَنْهَا، وَسَمَاعُهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ امْرَأَتَهُ إنْ خَرَجَتْ. وَهَذَا الْخِلَافُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْأَمْرِ الْمُقَيَّدِ بِصِفَةٍ هَلْ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا أَمْ لَا. ابْنُ عَرَفَةَ: يَرُدُّ هَذَا بِأَنَّ التَّكْرَارَ فِي الْوِتْرِ قَدْ عَلَّلَهُ مَالِكٌ بِتَقَرُّرِ الْعُرْفِ تَكْرِيرَ الْجَزَاءِ بِتَكَرُّرِ شَرْطِهِ، وَمَحْمَلُ السَّمَاعَاتِ عَلَى عَدَمِ تَقْرِيرِهِ وَلَيْسَتْ مَسْأَلَةُ الْكَلَامِ مِنْ هَذَا بِوَجْهٍ. (أَوْ نَوَى كَفَّارَاتٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ فَجَامَعَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حَنِثَ وَلَهُ أَنْ يَطَأَ الْبَوَاقِيَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَهُنَّ بَعْدَ أَنْ يُكَفِّرَ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا وَطِئَ إحْدَاهُنَّ أَوْ كُلَّهُنَّ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ وَلَا أَضْرِبُ فُلَانًا فَفَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْأَشْيَاءِ. وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ وَاَللَّهِ لَا أَضْرِبُ فُلَانًا فَعَلَيْهِ هُنَا لِكُلِّ صِنْفٍ فَعَلَهُ كَفَّارَةٌ، لِأَنَّ هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ بِاَللَّهِ عَلَى أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ. وَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَكَانَتْ فِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَكُلُّ مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا ثُمَّ رَدَّدَ الْيَمِينَ فِي ذَلِكَ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَفِي مَجَالِسَ ثُمَّ حَنِثَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُهُ عَنْ ذَلِكَ، نَوَى بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةَ غَيْرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ أَوْ بِالثَّالِثَةِ غَيْرِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ كَالنَّذْرِ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ كَفَّارَاتٍ، سَوَاءٌ قَالَ فِي نِيَّتِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَمْ لَا. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَذَلِكَ كَأَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: عَلَيْهِ ثَلَاثُ نُذُورٍ فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلْت كَذَا ثُمَّ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلْت كَذَا فَفَعَلَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالنَّذْرِ الْأَخِيرِ النَّذْرَ الْأَوَّلَ فَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا كَالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ لَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: إنْ كَلَّمْته فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثُمَّ كَلَّمَهُ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ وَاحِدَةً، وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلْقَةَ الْأُولَى غَيْرُ الثَّانِيَةِ. وَكَذَلِكَ النَّذْرُ الْأَوَّلُ غَيْرُ الثَّانِي فَلِذَلِكَ لَزِمَاهُ جَمِيعًا، وَفِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ الْمَحْلُوفِ بِهَا أَوَّلًا هُوَ الْمَحْلُوفُ بِهَا آخِرًا فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا. (أَوْ قَالَ لَا وَلَا) . ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ حَلَفَ لَا بَاعَ سِلْعَتَهُ هَذِهِ مِنْ فُلَانٍ فَقَالَ لَهُ آخَرُ: وَأَنَا فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ وَلَا أَنْتَ فَبَاعَهَا مِنْهُمَا جَمِيعًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَفِي الطَّلَاقِ طَلْقَتَانِ. وَلَوْ بَاعَهَا مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ ثُمَّ بَاعَهَا أَيْضًا مِنْ الثَّانِي فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ. وَقَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ. وَمَنْ قَالَ: وَاَللَّهُ لَا بِعْتهَا مِنْ فُلَانٍ وَلَا مِنْ فُلَانٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِيهِ، بَاعَهَا مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ رَدَّهُمَا عَلَيْهِ فَبَاعَهَا أَيْضًا مِنْ الْآخَرِ فَهُوَ سَوَاءٌ انْتَهَى. فَانْظُرْ عَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَوْ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ وَلَا وَأَمَّا لَا وَلَا فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. (أَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْنَثَ) ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلُ كَذَا فَقِيلَ لَهُ: إنَّك سَتَحْنَثُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَحْنَثُ ثُمَّ حَنِثَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَتَانِ (أَوْ بِالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالْكِتَابِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ إنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِاتِّفَاقٍ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَالَ: ظَاهِرُ سَمَاعِ عِيسَى فِي الْحَالِفِ بِالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالْكِتَابِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ فَانْظُرْ أَنْتَ هَذَا (أَوْ دَلَّ لَفْظُهُ بِجَمْعٍ) اُنْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى هَذَا. (أَوْ بِكُلَّمَا أَوْ مَهْمَا) لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ مُوجِبَاتِ الْحِنْثِ تَتَعَدَّدُ بِاللَّفْظِ وَالنِّيَّةِ وَالْعُرْفِ قَالَ: فَاللَّفْظُ " كُلَّمَا وَ " مَهْمَا "، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا يَتَكَرَّرُ الْحِنْثُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ مَا لَمْ يَكُنْ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مِثْلُ " كُلَّمَا " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 وَ " مَهْمَا "، وَعِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ الْحِنْثُ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ إلَّا إذَا أَتَى بِصِيغَةٍ تَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَقَوْلِهِ: " كُلَّمَا " أَوْ يَقْصِدُ التَّكْرَارَ ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْوِتْرِ. (لَا مَتَى مَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك أَبَدًا أَوْ " إذَا مَا " أَوْ " مَتَى مَا " حَنِثَ مَرَّةً فَقَطْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِمَتَى مَا كُلَّمَا. ابْنُ عَرَفَةَ: " إنْ " وَ " إذَا " وَ " أَبَدًا " بَعِيدَةٌ فِي التَّكْرَارِ فَلَا يَثْبُتُ التَّكْرَارُ فِيهَا إلَّا بِنِيَّةٍ. " وَمَتَى مَا " قَرِيبَةٌ مِنْ " كُلَّمَا ". اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ طَالِقٌ أَبَدًا طَلْقَةً ". (وَوَاللَّهِ ثُمَّ وَاَللَّهِ) مُحَمَّدٌ: لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ ثُمَّ وَاَللَّهِ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ (وَإِنْ قَصَدَهُ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ نَوَى كَفَّارَاتٍ " مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ رَدَّدَ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ مَجَالِسَ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا ثُمَّ حَنِثَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ (وَالْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ بِالْقُرْآنِ ". (وَلَا أُكَلِّمُهُ غَدًا وَبَعْدَهُ ثُمَّ غَدًا) . ابْنُ يُونُسَ: لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك غَدًا ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك غَدًا ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك غَدًا وَلَا بَعْدَ غَدٍ، فَإِنْ كَلَّمَهُ غَدًا لَزِمَتْهُ كَفَّارَتَانِ، ثُمَّ إنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ غَدٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يُكَلِّمْهُ غَدًا وَكَلَّمَهُ بَعْدَ غَدٍ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَانَ إنَّمَا قَالَ لَهُ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك غَدًا وَلَا بَعْدَ غَدٍ ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك غَدًا فَكَلَّمَهُ فِي غَدٍ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَرَّرَ الْيَمِينَ فِي كَلَامِهِ فِي غَدٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَرَّرَهُ فِيهِمَا جَمِيعًا. وَتَعَقَّبْ هَذَا ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ طُولٌ اُنْظُرْهُمَا أَنْتَ. (وَخَصَّصَتْ نِيَّةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 427 الْحَالِفِ وَقَيَّدَتْ إنْ نَافَتْ أَوْ سَاوَتْ فِي اللَّهِ وَغَيْرِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 كَطَلَاقٍ كَكَوْنِهَا مَعَهُ فِي لَا يَتَزَوَّجُ حَيَاتَهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 كَأَنْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ لَفْظِهِ كَسَمْنِ ضَأْنٍ فِي لَا آكُلُ سَمْنًا أَوْ لَا أُكَلِّمُهُ كَتَوْكِيلِهِ فِي لَا يَبِيعُهُ وَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 يَضْرِبُهُ إلَّا لِمُرَافَعَةٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فِي طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ فَقَطْ وَاسْتَحْلَفَ مُطْلَقًا فِي وَثِيقَةِ حَقٍّ لَا إرَادَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 مَيِّتَةٍ وَكَذِبٍ فِي طَالِقٍ وَحُرَّةٍ أَوْ حَرَامٍ وَإِنْ بِفَتْوَى) . ابْنُ عَرَفَةَ: النِّيَّةُ إنْ وَافَقَتْ ظَاهِرَ اللَّفْظِ أَوْ خَالَفَتْهُ بِأَشَدَّ اُعْتُبِرَتْ اتِّفَاقًا وَإِلَّا فَطُرُقٌ. التَّلْقِينُ: يُعْتَبَرُ فِي الْيَمِينِ النِّيَّةُ وَيُعْمَلُ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يُرَادَ اللَّفْظُ بِهَا، كَانَتْ مُطَابِقَةً لَهُ أَوْ زَائِدَةً فِيهِ أَوْ نَاقِصَةً عَنْهُ بِتَقْيِيدِ مُطْلَقِهِ أَوْ تَخْصِيصِ عَامِّهِ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ تَوَافَقَ اللَّفْظُ وَالنِّيَّةُ اسْتَوَى حُكْمُ مَا يَقْضِي بِهِ وَمَا لَا يَقْضِي بِهِ وَإِنْ خَالَفَ اللَّفْظُ مُقْتَضَى النِّيَّةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُقْضَى بِهِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ النِّيَّةِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَاهُ وَإِنْ حَضَرَتْهُ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ احْتَمَلَهُ وَلَكِنْ عَلَى بُعْدٍ فَإِنْ حَضَرَتْهُ بَيِّنَةٌ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى النِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ تَحْضُرْهُ بَيِّنَةٌ فَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُسْتَفْتِيَ تُقْبَلُ نِيَّتُهُ. وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ النِّيَّةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: مِنْهَا مَا لَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ لِزَوْجَتِهِ بِطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُ فِي حَيَاتِهَا أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ شَرْطًا فِي أَصْلِ نِكَاحِهَا فَتَبِينُ مِنْهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُ وَيَقُولُ: نَوَيْت مَا كَانَتْ تَحْتِي فَيُصَدَّقُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الَّذِي يُعَاتِبُ زَوْجَتَهُ فِي دُخُولِ بَعْضِ قَرَابَتِهَا فَتَحْلِفُ بِالْحُرِّيَّةِ لَا دَخَلَ عَلَيَّ مِنْ أَهْلِي أَحَدٌ، فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: نَوَيْت مَا كَانَ حَيًّا، فَذَلِكَ لَهَا فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْقَابِسِيِّ فِي الَّذِي يَعْجَبُ مِنْ عَمَلِ عَبْدِهِ فَيَقُولُ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ. الْوَجْهُ الْآخَرُ مَا تُقْبَلُ مِنْهُ نِيَّتُهُ فِي الْفُتْيَا دُونَ الْقَضَاءِ، وَذَلِكَ كُلُّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا وَلَمْ يَذْكُرْ تَأْبِيدًا ثُمَّ قَالَ: نَوَيْت شَهْرًا أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَظْهَرَ يَمِينًا يَدُلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ وَادَّعَى مَا يَقْطَعُ التَّأْبِيدَ فَيُصَدَّقُ فِي الْفُتْيَا وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ سَمْنًا وَقَالَ نَوَيْت سَمْنَ ضَأْنٍ، أَوْ حَلَفَ لِزَوْجَتِهِ فِي جَارِيَةٍ لَهُ إنْ كَانَ وَطِئَهَا وَهُوَ يُرِيدُ بِقَدَمِهِ فَلَهُ نِيَّتُهُ فِي هَذَا، وَشِبْهُهُ فِي الْفُتْيَا دُونَ الْقَضَاءِ. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ رَاجَعْتُك فَأَرَادَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَقَدْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ وَقَالَ: إنَّمَا نَوَيْت مَا كَانَتْ فِي عَدَمِهَا، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى يَمِينِهِ بَيِّنَةٌ لِمَ أُدِينُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى يَمِينِهِ بَيِّنَةٌ دَيَّنْته. وَقِيلَ: إنَّمَا مَعْنَى هَذَا إذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا بِلَا مُخَاصَمَةٍ وَلَا مُرَافَعَةٍ، وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ الْمُرَافَعَةُ فَسَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى أَصْلِ يَمِينِهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ فَإِقْرَارُهُ بِهَا كَالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْإِقْرَارِ مُدَّعٍ فِيمَا يَطْرَحُهُ فَيُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: حِكْمَةُ طَالِقٌ وَلَهُ جَارِيَةٌ وَزَوْجَةٌ يُسَمَّيَانِ كَذَلِكَ وَقَالَ: نَوَيْت جَارِيَتِي فَلَهُ نِيَّتُهُ فِي الْفَتْوَى، وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ إنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ أَوْ حَلَفَ بِهِ عَلَى وَثِيقَةِ حَقٍّ فَلَا تَنْفَعُهُ وَأَكْثَرُ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. الْوَجْهُ الْآخَرُ مَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ نِيَّتُهُ فِي قَضَاءٍ وَلَا فُتْيَا وَهِيَ كُلُّ يَمِينٍ عَلَى وَثِيقَةِ حَقٍّ أَوْ شَرْطٍ أَوْ لِتَأْخِيرِ أَجَلٍ دُيِّنَ، فَمَا كَانَ يَقْضِي فِيهِ السُّلْطَانُ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ نِيَّتُهُ، وَمَا كَانَ لَا يَقْضِي بِهِ كَيَمِينٍ بِصَدَقَةٍ أَوْ بِمَشْيٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَيُدَيَّنُ فِي نِيَّتِهِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ. انْتَهَى بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ مِنْ ابْنِ يُونُسَ، رُمْتُ بِذَلِكَ مُسَايَرَةَ أَلْفَاظِ خَلِيلٍ لَكِنْ لَمْ يَتَّجِهْ مَا رُمْتُهُ فَانْظُرْهُ إلَّا أَنَّ ابْنَ يُونُسَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: اخْتِصَارُ هَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ عَلَى تَوْثِقَةٍ أَوْ تَأْخِيرِ رَبِّهِ أَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ طَوْعًا فِي أَمْرٍ كُذِّبَ فِيهِ فَيَقُولُ: نَوَيْت امْرَأَتِي أَوْ جَارِيَتِي الْمَيِّتَةَ، فَهَذَا لَا تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ فِي قَضَاءٍ وَلَا فُتْيَا. وَاخْتُلِفَ هَلْ تَنْفَعُهُ الْمُحَاشَاةُ فِي يَمِينِهِ عَلَى ذَلِكَ بِالْحَلَالِ عَلَيَّ حَرَامٌ؟ وَالثَّانِي أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا وَقَالَ: نَوَيْت شَهْرًا أَوْ لَا يَأْكُلَ سَمْنًا فَيَقُولُ: نَوَيْت سَمْنَ ضَأْنٍ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَقَالَ: نَوَيْت شَيْئًا، فَهَذَا الَّذِي تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ فِي الْفُتْيَا فِي الْقَضَاءِ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَحْلِفَ لِزَوْجَتِهِ بِطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُ فِي حَيَاتِهَا فَيُفَارِقُهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجُ فَيَقُولُ: نَوَيْت مَا كَانَتْ تَحْتِي أَوْ يُعَاتِبُ زَوْجَتَهُ فِي دُخُولِ بَعْضِ قَرَابَتِهَا إلَيْهَا فَتَحْلِفُ بِالْحُرِّيَّةِ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: نَوَيْت مَا كَانَ حَيًّا فَذَلِكَ لَهَا فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ التَّوْكِيلِ فِي لَا يَبِيعُهُ وَلَا يَضْرِبُهُ فَسَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 وَحَنِثَ بِفِعْلِهِ فِي لَا أَفْعَلُهُ إلَّا بِنِيَّةٍ ". وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ عَبْدَهُ فَبَاعَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ فَإِنَّهُ حَانِثٌ وَلَمْ يَنْوِهِ فِي الْكِتَابِ بِخِلَافِ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِضَرْبِهِ، فَإِنْ قَالَ: نَوَيْت بِنَفْسِي صُدِّقَ انْتَهَى. فَانْظُرْ هَذَا مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ وَانْظُرْ هُنَا مَسَائِلَ: مَسْأَلَةٌ أَوْلَى: اُسْتُحْلِفَ عَلَى وَثِيقَةِ حَقٍّ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ فِيهِ نِيَّةٌ. مَسْأَلَةٌ ثَانِيَةٌ: اُسْتُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ بِاَللَّهِ أَوْ بِمَشْيٍ وَنَحْوِهِ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَدِينُ. مَسْأَلَةٌ ثَالِثَةٌ: طَاعَ بِالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ عَلَى ذَلِكَ. تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ: مَنْ قَالَ: حِكْمَةُ طَالِقٌ إلَى آخِرِهِ أَنَّ لَهُ نِيَّتَهُ فِي الْفَتْوَى دُونَ الْقَضَاءِ إنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ حَلَفَ بِهِ عَلَى وَثِيقَةٍ. مَسْأَلَةٌ رَابِعَةٌ: طَاعَ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ أَوْ بِمَا لَا يُقْضَى عَلَيْهِ، تَقَدَّمَ نَصُّ التَّلْقِينِ أَنَّ النِّيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيهِ مُطْلَقًا. مَسْأَلَةٌ خَامِسَةٌ: اُسْتُحْلِفَ فِي غَيْرِ حَقٍّ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ. مَسْأَلَةٌ سَادِسَةٌ: اُسْتُحْلِفَ فِي غَيْرِ حَقٍّ بِاَللَّهِ أَوْ بِمَا لَا يُقْضَى عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ الْيَمِينِ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ طَرِيقَيْنِ. ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ زَرْقُونٍ: فِيمَا يَقْطَعُ بِهِ حَقَّ غَيْرِهِ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ إجْمَاعًا مَعَ إثْمِهِ وَفِي غَيْرِهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعِتْقِ فِي حَقٍّ عَلَى الْحَالِفِ وَأَحْلَفَهُ الطَّالِبُ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ قَضَى بِظَاهِرِ يَمِينِهِ وَلَمْ يُصَدِّقْ أَنَّهُ نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ إذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِمَا لَا يُقْضَى عَلَيْهِ، هَلْ ذَلِكَ إلَى نِيَّتِهِ أَوْ إلَى نِيَّةِ الطَّالِبِ؟ رَاجِعْهُ فِي بَابِ لَغْوِ الْيَمِينِ وَالْغَمُوسِ، وَانْظُرْ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ لَا يُصَدَّقُ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ مُخْلِصٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَجُلٍ اُبْتُلِيَ بِالْغَيْرَةِ فَحَلَفَ لِزَوْجَتِهِ فِي جَارِيَةٍ لَا يَطَؤُهَا وَهُوَ يَنْوِي بِرِجْلِهِ فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَذَلِكَ يَسُوقُ إلَى غَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اللُّغْزُ اعْتِذَارًا أَوْ تَطْيِيبًا لِلنَّفْسِ لَا فِي حَقٍّ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَنَحْوِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذْ لَا حَقَّ لِامْرَأَتِهِ فِي تَرْكِ وَطْءِ أَمَتِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ وَيَكُونُ لَهُ نِيَّتُهُ فِيهِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا السَّمَاعِ. الثَّانِي: أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يُكْرَهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِلُغْزٍ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي يَحْلِفُ لِلسُّلْطَانِ طَائِعًا فَيَقُولُ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ أَرَادَ امْرَأَةً كَانَتْ لَهُ مِنْ قَبْلُ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ: امْرَأَتُك طَالِقٌ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا وَكَذَا قَالَ: نَعَمْ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كُنْت فَعَلْت وَاسْتَثْنَى فِي نَفْسِهِ إلَّا كَذَا وَكَذَا الَّذِي اسْتَحْلَفَهُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: رَأَيْته يَرَى إنْ كَانَ تَكَلَّمَ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 الْمَحْلُوفُ لَهُ وَهَذَا نَصٌّ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ لَا عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ وَمِثْلُهُ لِابْنِ وَهْبٍ انْتَهَى. وَانْظُرْ فِي رَسْمِ يَشْتَرِي إذَا قَالَ: حَلَفْت بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا ثُمَّ كَلَّمَهُ وَقَالَ: كُنْت كَاذِبًا فِي قَوْلِي حَلَفْت، فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: إذَا كَلَّمْت الْيَوْمَ فُلَانًا فَعُوتِبَ فِي ذَلِكَ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ مَا كَلَّمَهُ وَأَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا فَإِنَّهُ يَدِينُ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالزُّورِ. (ثُمَّ بِسَاطُ يَمِينِهِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْبِسَاطُ سَبَبُ الْيَمِينِ. التَّلْقِينُ: إنْ عَدِمَ الْحَالِفُ تَحْصِيلَ النِّيَّةِ نُظِرَ إلَى السَّبَبِ الْمُثِيرِ لِلْيَمِينِ لِتُعْرَفَ مِنْهُ. وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّ ابْنَةَ ابْنِ تَشْفِينَ حَلَفَتْ بِصَوْمٍ وَبِغَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ إذَا مَاتَ زَوْجُهَا الْأَمِيرُ إلَى دَارِ الْإِمَارَةِ أَبَدًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الْأَمِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: تَرْجِعُ وَلَا حِنْثَ عَلَيْهَا لِأَنَّ ظَاهِرَ أَمْرِهَا إنَّمَا كَرِهَتْ الرُّجُوعَ إلَيْهَا عَلَى غَيْرِ الْحَالِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَتَقَلَّدُهُ قَالَ: لِأَنَّ الْأَيْمَانَ تُحْمَلُ عَلَى بِسَاطِهَا كَرِوَايَةِ أَشْهَبَ فِي الَّذِي حَلَفَ لِلنَّقِيبِ أَنَّ زَوْجَتَهُ فِي الْبَيْتِ فَكَانَتْ حِينَئِذٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ كَانَتْ عَلَى حَاضِرَةٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي وَجَدَ الزِّحَامَ عَلَى الْمَجْزَرَةِ فَحَلَفَ لَا يَشْتَرِي اللَّيْلَةَ عَشَاءً فَوَجَدَ لَحْمًا دُونَ زِحَامٍ فَاشْتَرَاهُ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ. انْتَهَى مِنْ نَوَازِلِهِ. وَعَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: يَنْبَغِي صَرْفُ اللَّفْظِ إلَى مَعْنَى مَخَارِجِهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْأُمُورُ، أَلَا تَرَى قَوْله تَعَالَى: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21] وَقَالَ أَيْضًا: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 15] هَذَا نَهْيٌ وَالْآخَرُ أَمْرٌ. وَانْظُرْ بَسْطَ هَذَا أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ فِي صَاحِبِ حَقٍّ ضَاعَ لَهُ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ فِي مَوْضِعٍ وَمَا هُوَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ فِي بَيْتِهِ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَمْ يُحَنِّثْهُ سَحْنُونَ بِمُقْتَضَى لَفْظِهِ وَحَمَلَهُ عَلَى الْبِسَاطِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. (ثُمَّ عُرْفٌ قَوْلِيٌّ ثُمَّ مَقْصِدٌ لُغَوِيٌّ) ابْنُ رُشْدٍ: الْأَشْهَرُ إنْ لَمْ تَكُنْ لِلْحَالِفِ نِيَّةٌ أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 يُرَاعِيَ بِسَاطَ يَمِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِيَمِينِهِ بِسَاطٌ حُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَقَاصِدِ النَّاسِ بِأَيْمَانِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ لِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ مَقْصِدٌ حُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا يُوجِبُهُ ظَاهِرُ لَفْظِهِ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ، فَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِوَجْهَيْنِ فَأَكْثَرَ فَعَلَى أَظْهَرْ مُحْتَمَلَاتِهِ، فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الِاحْتِمَالِ أَجْرَى ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْمُجْتَهِدِ تَتَعَارَضُ عِنْدَهُ الْأَدِلَّةُ وَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. قِيلَ: إنَّهُ يَأْخُذُ بِالْأَثْقَلِ. وَقِيلَ: إنَّهُ يَأْخُذُ بِالْأَخَفِّ. فَكَذَلِكَ هَذَا يَأْخُذُ بِالْبِرِّ عَلَى قَوْلٍ. وَوَجْهُهُ بِالطَّلَاقِ يَتَيَقَّنُ الْعِصْمَةَ وَفِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَيَأْخُذُ بِالْحِنْثِ عَلَى قَوْلٍ، وَوَجْهُهُ الِاحْتِيَاطُ وَيَأْخُذُ بِمَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ فِي قَوْلٍ. وَوَجْهٌ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَمَّا كَانَ مَأْمُورًا بِالْحُكْمِ مَمْنُوعًا مِنْ التَّقْلِيدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ كَانَ اسْتِوَاءُ الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُ دَلِيلًا عَلَى التَّخْيِيرِ كَمَا يُخَيَّرُ الْمُكَفِّرُ فِي الْكَفَّارَةِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْكِسْوَةِ، وَكَمَا يُخَيَّرُ وَاطِئُ الْأُخْتَيْنِ فِي تَحْرِيمِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ وَمَا أَشْبَهَ ذَاكَ كَثِيرًا. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحَالِفِ عَلَى يَقِينِهِ بِمَا لَا يُقْضَى بِهِ أَوْ بِمَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ إذَا أَتَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 مُسْتَفْتِيًا وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِيَمِينِهِ. (ثُمَّ شَرْعِيٌّ) لَمْ يَذْكُرْ هَذَا ابْنُ رُشْدٍ. وَاَلَّذِي لِابْنِ بَشِيرٍ: إنْ فَقَدَ الْبِسَاطَ وَالنِّيَّةَ فَهَلْ يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى مُقْتَضَاهُ لُغَةً أَوْ مُقْتَضَاهُ عُرْفًا أَوْ مُقْتَضَاهُ شَرْعًا إنْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالِ سَيَأْتِي قَوْلُهُ: " وَسَافَرَ الْقَصْرَ فِي لَأُسَافِرَنَّ ". وَانْظُرْ مَسْأَلَةً وَقَعَتْ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مَنْ حَلَفَ لَا رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ إذَا رَجَعَ بَعْدَمَا أَفَادَ نِصَابًا مِنْ الدَّرَاهِمِ فَقَدْ بَرَّ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: دَلِيلُهُ حَدِيثُ: «إنَّ اللَّهَ أَمَرَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ فَتُرَدَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ» فَهُوَ مِمَّنْ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ غَنِيٍّ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِأَبِي عُمَرَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِمَنْ قَالَ مَالِكُ النِّصَابِ غَنِيٌّ. اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمَالِكُ نِصَابٍ ". (وَحَنِثَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا بِسَاطٌ بِفَوْتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلْنَذْكُرْ الْفُرُوعَ تَأْنِيسًا عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَالْبِسَاطِ. وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَبِيبِهِ: أُمُّك طَالِقٌ لَإِنْ جِئْتنِي إلَى بَيْتِي بِخُبْزٍ لَأَطْرَحَنَّهُ بِالْخَرِبَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْغُلَامُ وَمَعَهُ خُبْزٌ فَصَاحَتْ لَهُ أُمُّهُ فَخَرَجَ بِالْخُبْزِ فَقَالَ: إنْ كَانَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْخُذَ الْخُبْزَ فَتَوَانَى فَأُرَاهُ حَانِثًا، وَإِنْ كَانَ فَاتَهُ هَرَبًا وَلَوْ أَرَادَ أَخْذَهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ عَلَى أُصُولِهِمْ لَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا فَلَمْ يُمْكِنْهُ فِعْلُهُ حَتَّى فَاتَ فَوَاتًا لَا يُمْكِنُهُ الْبِرُّ فِيهِ بِعَدَمِ الْإِمْكَانِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، كَمَسْأَلَةِ الْحَمَّامَاتِ مِنْ نُذُورِ الْمُدَوَّنَةِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ ". (وَلَوْ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ) لِمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا خِلَافَ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْفِعْلُ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ قَالَ: وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْفِعْلُ لِمَنْعِ الشَّرْعِ مِنْهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِحُرِّيَّتِهَا لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ فَإِذَا هِيَ حَائِضٌ، لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَحَنِثَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا بَعْدَ أَنْ كَانَ فَعَلَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ مِنْهُ وَكِيلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ لَمَا كَانَ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِاتِّفَاقٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا ثُمَّ وَجَدَهُ قَدْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ الشَّيْءَ قَبْلَ يَمِينِهِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ. قَالَ سَحْنُونَ: مَنْ بَاعَ مِلْكًا فَضَادَّهُ الْمُشْتَرِي فَحَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 فَقَضَى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ بِالْبَيْعِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْهُ بَعْدُ وَالْبَيْعُ قَدْ مَضَى. قَالَ السَّيِّدُ مُفْتِي تُونُسَ الْبُرْزُلِيِّ: عَلَى هَذَا تَتَخَرَّجُ فُتْيَا ابْنِ الْبَرَاءِ لِمَنْ بَاعَ ثَوْبًا بِعِشْرِينَ ثُمَّ اسْتَوْضَعَهُ الْمُشْتَرِي فَحَلَفَ الْبَائِعُ بِالطَّلَاقِ لَا بَاعَهُ مِنْهُ فَأَجَابَ الثَّوْبُ لِلْمُشْتَرِي، وَلَا حِنْثَ عَلَى الْبَائِعِ. اُنْظُرْ آخِرَ تَرْجَمَةٍ مِنْ النُّذُورِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (أَوْ سَرِقَةٍ لَا بِكَمَوْتِ حَمَامٍ فِي لَيَذْبَحَنَّهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ أَوْ لَيَرْكَبَنَّ دَابَّتَهُ غَدًا فَهَلَكَتْ قَبْلَ غَدٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى بِرٍّ بِالتَّأْجِيلِ. وَإِنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ غَدًا أَوْ لَيَلْبَسَنَّ هَذَا الثَّوْبَ فِي غَدٍ فَسُرِقَ ذَلِكَ قَبْلَ غَدٍ حَنِثَ إذْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا فِي غَدٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إلَّا أَنْ يُسْرَقَا أَوْ لَا أَجِدُهُمَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ دِينَارٍ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ لَيَذْبَحَنَّ حَمَامَةً لِيَتِيمِهِ وَهُوَ يَظُنُّهَا حَيَّةً ثُمَّ قَامَ مَكَانَهُ فَأَلْفَاهَا مَيِّتَةً فَلَمْ يَبْقَ عَالِمٌ بِالْمَدِينَةِ إلَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ وَأَنَّ وَجْهَ يَمِينِهِ إنْ أَدْرَكَهَا حَيَّةً. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ يُونُسَ. قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: إنَّمَا فَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالسَّرِقَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، لِأَنَّ الْأَجَلَ إذَا تَمَّ وَالْعَبْدُ وَالدَّابَّةُ مَيِّتَانِ اسْتَحَالَ أَنْ يَفْعَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 فِيهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَفِي السَّرِقَةِ لَوْ أَمْكَنَهُ السَّارِقُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْأَجَلِ أَمْكَنَهُ هُوَ فِعْلُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَكَوْنُهَا عِنْدَ السَّارِقِ أَمْرٌ لَا يُعْذَرُ بِهِ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْحَالِفَ لَيَفْعَلَنَّ لَا يُعْذَرُ بِالْإِكْرَاهِ وَالْغَلَبَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ. قَالَ: وَمَسْأَلَةُ الْحَمَامَاتِ إنَّمَا لَمْ يُحَنِّثْهُ فِيهَا لِأَنَّ الْفِعْلَ فِيهَا مُسْتَحِيلٌ وَنَاقَضَ. سَحْنُونَ: مَسْأَلَةَ الْحَمَامَاتِ بِمَسْأَلَةِ الْحَالِفِ لَيَبِيعَنَّ أَمَةً فَبَاعَهَا فَأُلْفِيَتْ حَامِلًا مِنْهُ وَذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ عَلَى الْبَيْعِ إذَا وَجَدَهَا حَامِلًا كَمَسْأَلَةِ الْحَمَامَاتِ وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: لِافْتِرَاقِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمَةَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ وَطْؤُهَا لَوْلَا مَنْعُ الشَّرْعِ فَصَارَ مَنْعُ الشَّرْعِ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ كَمَنْعِ آدَمِيٍّ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَالسَّرِقَةِ فَلَا يُعْذَرُ بِالْإِكْرَاهِ أَوْ الْغَلَبَةِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَنَحْوُ هَذَا لِأَبِي عِمْرَانَ لِأَنَّ إخْفَاءَ السَّارِقِ لَهُ كَمَنْعِ غَاصِبٍ مِنْ رُكُوبِهَا أَوْ مُسْتَحِقٍّ اسْتَحَقَّهَا أَوْ رُبِطَ أَوْ سُجِنَ حَتَّى فَاتَ الْأَجَلُ. وَهَذَا كَمَنْ حَلَفَ لَيَأْخُذَنَّ حَقَّهُ مِنْ غَرِيمِهِ الْيَوْمَ فَمَطَلَهُ أَوْ الدَّابَّةُ حَتَّى انْقَضَى الْيَوْمُ أَوْ مَرِضَ أَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ دَارَ نَفْسِهِ فَحُبِسَ عَنْ دُخُولِهَا. وَخَرَّجَ السَّيِّدُ مُفْتِي تُونُسَ الْبُرْزُلِيِّ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَمَامَاتِ مَنْ حَلَفَتْ أَنْ لَا تَأْكُلَ لِزَوْجِهَا طَعَامًا حَتَّى يَقْدَمَ وَلَدُهَا الْغَائِبُ فَتُوُفِّيَ الْوَلَدُ قَبْلَ قُدُومِهِ قَالَ: وَسَوَاءٌ تَأَخَّرَ قُدُومُهُ عَلَى عَادَةٍ أَمْ لَا خِلَافًا لِابْنِ الْبَرَاءِ. (وَبِعَزْمِهِ عَلَى ضِدِّهِ) اُنْظُرْ الْمَدْرَكَ السَّادِسَ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَانْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا: " وَأَجْزَأَتْ قَبْلَ حِنْثِهِ ". وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَا كَفَّرَ حَتَّى عَزَمَ عَلَى الضِّدِّ، وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَفِي النَّذْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 الْمُبْهَمِ ". نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَرَادَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَلْقَةً ثُمَّ يَرْتَجِعْهَا فَتَزُولُ يَمِينُهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ فِي يَمِينِهِ عَلَى حِنْثٍ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ فِي ظِهَارِهَا خِلَافُ هَذَا انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ كَانَ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَالْمَشْيِ وَالصَّدَقَةِ لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَرَادَ إذَا حَلَفَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ فِي الطَّلَاقِ وَحْدَهُ فَيُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً كَمَا حَلَفَ لَيَرْتَجِعُ وَيَطَأُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ بَرَّ بِالتَّزْوِيجِ قَبْلَ الْمَوْتِ سَقَطَ عَنْهُ الْمَشْيُ وَالصَّدَقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَبَرَّ حَتَّى مَاتَ كَانَتْ الصَّدَقَةُ فِي ثُلُثِ مَالِهِ لِأَنَّ الْحِنْثَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَرَثَتِهِ شَيْءٌ فِي الْمَشْيِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهِ فَيَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ فِي الْحَالِفِ: لَيَفْعَلَنَّ إنَّهُ عَلَى التَّعْجِيلِ وَيَحْنَثُ إنْ أَخَّرَ فِعْلَ هَذَا الَّذِي حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْحَالِفِ لَيَنْتَقِلَنَّ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْتَقِلْ تِلْكَ السَّاعَةَ حَنِثَ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فِي الشَّهْرِ الدَّاخِلِ فَلَهُ أَنْ يُصَالِحَهَا فِي الْحِينِ وَيَتْرُكَهَا الشَّهْرَ الدَّاخِلَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْتَجِعُهَا فَيَكُونُ الْحِنْثُ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ مُبْهَمَةً لَيْسَ فِيهَا أَجَلٌ فَصَالَحَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا لَرَجَعَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ. وَانْظُرْ هَلْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الْأَجَلِ لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ؟ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ لَمْ أَعْتِقْ رَقَبَةً أَوْ أَفْعَلْ كَذَا، فَإِنْ شَاءَ فَعَلَهُ فَبَرَّ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (وَبِالنِّسْيَانِ إنْ أَطْلَقَ) ابْنُ بَشِيرٍ: مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ النَّاسِيَ يَحْنَثُ بِنِسْيَانِهِ. وَرَأَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مُحَقِّقِي الْأَشْيَاخِ نَفْيَ الْحِنْثِ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ أَرَادُوا تَخَرُّجَهُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ أَنَّ النِّسْيَانَ كَالْعَمْدِ وَاخْتَارَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَالسُّيُورِيُّ خِلَافَهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَصُومَنَّ غَدًا فَفَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يُصْبِحَ صَائِمًا وَيَأْكُلَ نَاسِيًا وَبَيْنَ أَنْ يُصْبِحَ يَأْكُلُ نَاسِيًا. اُنْظُرْ رَسْمَ سَلَفٍ، وَانْظُرْ الْخَطَأَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 كَمَا لَوْ سَلَّمَ الْحَالِفُ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: هُوَ حَانِثٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ أَنَّهُ فِيهِمْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِهِ وَيُحَاشِيَهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَلْ يَبَرُّ بِهَذَا السَّلَامِ مَنْ حَلَفَ عَلَى هَذَا الْمُسَلِّمِ أَنْ يَتْرُكَ هِجْرَانَ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَالسَّلَامُ يُخْرِجُ مِنْ الْهِجْرَانِ أَوْ يَكُونُ كَالْفَرْعِ بَعْدَ هَذَا. (وَبِالْبَعْضِ عَكْسُ الْبِرِّ) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الْحِنْثُ يَدْخُلُ بِأَقَلِّ الْوُجُوهِ وَالْبِرُّ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَكْمَلِ الْوُجُوهِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَبَاحَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا بَعْدَ زَوْجٍ فَلَمْ تَحِلَّ لَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا دُونَ الدُّخُولِ، وَحَرُمَ مَا نَكَحَ الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ مِنْ النِّسَاءِ فَحَرُمَتْ عَلَى الْأَبِ زَوْجَةُ الِابْنِ بِأَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ نِكَاحٍ وَهُوَ الْعَقْدُ دُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 الدُّخُولِ، وَعَلَى الِابْنِ زَوْجَةُ الْأَبِ بِمِثْلِ ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا يُبَاحُ بِهِ الشَّيْءُ أَقْوَى مِمَّا يُحْظَرُ بِهِ. فَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَا الرَّغِيفَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ بِسَاطٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ اسْتِيعَابَ جَمِيعِهِ، وَمَنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِأَكْلِ جَمِيعِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ بِسَاطٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَكْلَ بَعْضِهِ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. (وَبِسَوِيقٍ أَوْ لَبَنٍ فِي لَا آكُلُ لَا مَاءٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ حَلَفَ لَا آكُلُ فَشَرِبَ سَوِيقًا أَوْ لَبَنًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ. وَهَذَا إنْ تَبَيَّنَ أَنَّ قَصْدَهُ التَّضْيِيقُ عَلَى نَفْسِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 بِتَرْكِ الْغِذَاءِ. وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَصَدَ الْأَكْلَ دُونَ الشَّرَابِ لَمْ يَحْنَثْ لَوْ شَرِبَ مَاءً وَمَا فِي مَعْنَاهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي اللَّبَنِ نِيَّةٌ أَوْ فِي السَّوِيقِ لِمَا يَعْرِضُ مِنْ نَفْخِهِ. (وَلَا تَسَحُّرٍ فِي لَا أَتَعَشَّى) ابْنُ بَشِيرٍ: لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَعَشَّى فَتَسَحَّرَ لَمْ يَحْنَثْ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ السُّحُورِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ أَنَّهُ قَصَدَ تَرْكَ الْغِذَاءِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. (وَذَوْقِ مِلْحٍ لَمْ يَصِلْ جَوْفَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامَ كَذَا وَلَا يَشْرَبُ شَرَابَ كَذَا فَذَاقَهُ فَإِنْ لَمْ يَصِل إلَى جَوْفِهِ لَمْ يَحْنَثْ. (وَبِوُجُودِ أَكْثَرَ فِي لَيْسَ مَعِي غَيْرُهُ لِمُتَسَلِّفٍ لَا أَقَلَّ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَدَمَ حِنْثِ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لِمَنْ طَلَبَهُ فِي سَلَفِ خَمْسَةَ عَشَرَ مَا يَمْلِكُ إلَّا عَشْرَةً فَوَجَدَ تِسْعَةً فَقَطْ. ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا. وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِيمَنْ تَسَلَّفَ مِنْ رَجُلٍ دِينَارًا فَوَجَدَهُ نَاقِصًا فَسَأَلَهُ أَوْزَنَ مِنْهُ فَحَلَفَ مَا مَعَهُ إلَّا أَنْقَصَ مِنْهُ فَوَجَدَ مَعَهُ مِثْلَ وَزْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَا مَعَهُ أَوْزَنَ. ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الَّذِي عُوتِبَ عَلَى إدْخَالِ سِلْعَتِهِ السُّوقَ يَوْمَ الْأَحَدِ بَعْدَ فَوَاتِ السُّوقِ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَقَدْ أَدْخَلَهَا السُّوقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا أَدْخَلَهَا يَوْمَ السَّبْتِ فَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ: إنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ صَحِيحٌ عَلَى مُرَاعَاةِ الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ تَتَأَخَّرْ سِلْعَتُهُ عَنْ سُوقِهَا وَهَذَا إنْ كَانَتْ سُوقُ تِلْكَ السِّلْعَةِ يَوْمَ السَّبْتِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ سُوقُ تِلْكَ السِّلْعَةِ إنَّمَا هُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَقَدْ حَنِثَ إذْ قَدْ تَأَخَّرَ بِهَا عَنْ سُوقِهَا وَعَنْ الْيَوْمِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ مِنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ. (وَبِدَوَامِ رُكُوبِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 وَلُبْسِهِ فِي لَا أَرْكَبُ وَلَا أَلْبَسُ) ابْنُ عَرَفَةَ: دَوَامُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَابْتِدَائِهِ إنْ أَمْكَنَ تَرْكُهُ كَاللُّبْسِ وَالسُّكْنَى وَالرُّكُوبِ لَا الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ وَالنَّوْمِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ لَا يَرْكَبَ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ عَلَيْهَا. فَإِنْ نَزَلَ عَنْهَا أَوْ نَزَعَ الثَّوْبَ مَكَانَهُ وَإِلَّا حَنِثَ. (لَا فِي كَدُخُولِ دَارٍ) مِنْ الْمَجْمُوعَةِ: إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَهِيَ فِي الدَّارِ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي تَمَادِيهَا وَإِنَّمَا النَّهْيُ عَنْ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِحَامِلٍ إذَا حَمَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْحَمْلِ وَلَكِنْ بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ. (وَبِدَابَّةِ عَبْدِهِ فِي دَابَّتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِهِ حَنِثَ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ، لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 الْعَبْدَ لَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِهِ لَعَتَقَ عَلَيْهِ. (وَبِجَمْعِ الْأَسْوَاطِ فِي لَأَضْرِبَنَّهُ كَذَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةً سَوْطٍ فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا أَوْ أَخَذَ سَوْطًا لَهُ رَأْسَانِ أَوْ جَمَعَ سَوْطَيْنِ فَضَرَبَ بِهِمَا خَمْسِينَ جَلْدَةً لَمْ يَبَرَّ، وَلَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ مِائَةَ جَلْدَةٍ جَلْدًا خَفِيفًا لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِضَرْبٍ مُؤْلِمٍ. (وَبِلَحْمِ الْحُوتِ وَبَيْضِهِ وَعَسَلِ الرَّطْبِ فِي مُطْلَقِهَا) أَمَّا مَنْ أَطْلَقَ وَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَالِكٍ: إنْ أَكَلَ لَحْمَ الْحُوتِ. مُحَمَّدٌ: أَوْ لَحْمَ طَيْرٍ حَنِثَ لِأَنَّ الِاسْمَ يَجْمَعُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14] وَلِقَوْلِهِ: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21] إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فَلَهُ مَا نَوَى. وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ رُءُوسًا فَأَكَلَ رُءُوسَ السَّمَكِ حَنِثَ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ لِيَمِينِهِ بِسَاطٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ أَطْلَقَ وَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ بَيْضًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَيْضِ سَائِرِ الطَّيْرِ وَبَيْضِ السَّمَكِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَحْنَثُ بِبَيْضِ الْحُوتِ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَقْيَسُ لِأَنَّا إذَا عَدِمْنَا النِّيَّةَ وَالْبِسَاطَ نَظَرْنَا إلَى عُرْفِ النَّاسِ وَمَقَاصِدِهِمْ فِي أَيْمَانِهِمْ، فَالْمَعْهُودُ فِي الرُّءُوسِ عِنْدَ النَّاسِ رُءُوسُ الْأَنْعَامِ، وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْضِ بَيْضُ الطَّيْرِ لَا رُءُوسُ السَّمَكِ وَبَيْضُهُ. وَقَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَحْوَطُ وَبِهِ أَقُولُ. وَأَرَى أَنَّ النِّيَّةَ تَنْفَعُهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، هَذَا إذَا قَالَ لَمْ أُرِدْ لَحْمَ السَّمَكِ وَلَا رُءُوسَهُ وَلَا بَيْضَهُ وَلَا رُءُوسَ الطَّيْرِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى يَمِينِهِ بِالطَّلَاقِ بَيِّنَةٌ لِلْمَعْهُودِ مِنْ مَقَاصِدِ النَّاسِ، وَأَمَّا مَنْ أَطْلَقَ وَحَلَفَ لَا آكُلُ عَسَلًا فَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: مِمَّا يُلْتَفَتُ فِيهِ عَلَى النَّظَرِ إلَى الْعُرْفِ أَوْ أَصْلِ التَّسْمِيَةِ فِي اللُّغَةِ فَذَكَرَ فُرُوعًا ثُمَّ قَالَ: وَمِنْهُ أَيْضًا أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ عَسَلًا، هَلْ يَحْنَثُ بِأَكْلِ عَسَلِ الْقَصَبِ؟ وَالْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْقَاسِمِ الْحِنْثُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: عَسَلُ الْقَصَبِ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: عَسَلُ الرُّطَبِ. (وَبِكَعْكٍ وَخُشْكَنَانَ وَهَرِيسَةٍ وَإِطْرِيَةٍ فِي خُبْزٍ لَا عَكْسِهِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: يَحْنَثُ فِي الْخُبْزِ بِالْكَعْكِ لَا الْعَكْسُ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْخُشْكَنَانِ كَالْخُبْزِ. ابْنُ بَشِيرٍ: هَلْ يَحْنَثُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 بِأَكْلِ الْإِطْرِيَةِ وَالْهَرِيسَةِ وَالْكَعْكِ وَالْكَعْكُ أَقْرَبُ إلَى الْحِنْثِ لِأَنَّهُ مُلْتَحِقٌ بِالْخُبْزِ قَطْعًا. ابْنُ عَرَفَةَ: الْحِنْثُ بِالْهَرِيسَةِ بَعِيدٌ. (وَبِضَأْنٍ وَمَعْزٍ وَدِيَكَةٍ وَدَجَاجَةٍ فِي غَنَمٍ وَدَجَاجٍ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ غَنَمًا حَنِثَ بِأَكْلِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، لِأَنَّ الِاسْمَ يَجْمَعُهُمَا، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَحَدِهِمَا مِنْ ضَأْنٍ وَمَعْزٍ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْآخَرِ لِلِاسْمِ الْأَخَصِّ بِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ دَجَاجًا فَأَكَلَ دَجَاجَةً أَوْ دِيكًا حَنِثَ لِلِاسْمِ الْجَامِعِ، وَإِنْ خَصَّ أَحَدَهُمَا فَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ دِيكًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ دَجَاجَةٍ، وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ دَجَاجَةً لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ دِيكٍ (لَا بِأَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ: وَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ خَصَّ أَحَدَهُمَا ". (وَبِسَمْنٍ اُسْتُهْلِكَ فِي سَوِيقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ سَمْنًا فَأَكَلَ سَوِيقًا لُتَّ بِسَمْنٍ حَنِثَ وَجَدَ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ أَمْ لَا. إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ خَالِصًا. (وَبِزَعْفَرَانٍ فِي طَعَامٍ) سَحْنُونٌ: مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ زَعْفَرَانًا فَأَكَلَ طَعَامًا فِيهِ زَعْفَرَانٌ حَنِثَ وَلَا يَنْوِي لِأَنَّ الزَّعْفَرَانَ لَا يُؤْكَلُ إلَّا هَكَذَا وَلَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ. (لَا بِكَخَلٍّ طُبِخَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ خَلًّا فَأَكَلَ مَرَقًا طُبِخَ بِخَلٍّ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامًا دَخَلَهُ الْخَلُّ. ابْنُ الْمَوَّازِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 وَقَالَهُ أَشْهَبُ. قَالَ إسْمَاعِيلُ: إنَّمَا فَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ السَّمْنِ وَالْخَلِّ لِأَنَّ السَّمْنَ الْمَلْتُوتَ بِهِ السَّوِيقُ هُوَ عَلَى حَالَتِهِ وَإِنَّمَا أَلُزِقَ بِالسَّوِيقِ إلْزَاقًا. قَالَ غَيْرُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ لِأَنَّهُ يَصْعَدُ فَوْقَهُ فَيُجْمَعُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْخَلِّ أَبَدًا. (وَبِاسْتِرْخَاءٍ لَهَا فِي لَا قَبَّلْتُك أَوْ قَبَّلْتِنِي) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَبَّلْتُك فَقَبَّلَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ اسْتِرْخَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ إنْ قَبَّلْتنِي حَنِثَ بِكُلِّ حَالٍ. (وَبِفِرَارِ غَرِيمِهِ فِي لَا فَارَقْتُك أَوْ فَارَقْتِنِي إلَّا بِحَقِّي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ لَا فَارَقَ غَرِيمَهُ إلَّا بِحَقِّهِ فَفَرَّ مِنْهُ أَوْ أَفْلَتَ أَوْ غَصَبَ الْحَالِفُ بِرَبْطٍ فَهُوَ حَانِثٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لَا أُفَارِقُك كَالْقَائِلِ لَا أَتْرُكُهُ إلَّا أَنْ يَفِرَّ أَوْ أَغْلِبَ عَلَيْهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: مَنْ حَلَفَ لَا فَارَقَ غَرِيمَهُ إلَّا بِحَقِّهِ فَفَارَقَهُ الْغَرِيمُ حَنِثَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا فَارَقَتْنِي وِفَاقٌ وَنَحْوُ هَذَا لِابْنِ بَشِيرٍ (وَلَوْ لَمْ يُفَرِّطْ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: فَفَرَّ مِنْهُ أَوْ رُبِطَ الْحَالِفُ. (وَإِنْ أَحَالَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ لِغَرِيمِهِ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 حَقَّهُ فَأَحَالَهُ عَلَى غَرِيمٍ لَهُ لَمْ يَبَرَّ. (وَبِالشَّحْمِ فِي اللَّحْمِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا حَنِثَ لِأَنَّ الشَّحْمَ يَخْرُجُ مِنْ اللَّحْمِ مَعَ قُرْبِ اسْمِهِ وَمَنَافِعِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فِي اللَّحْمِ دُونَ الشَّحْمِ قَالَ: وَسَوَاءٌ كَانَ شَحْمَ ثَوْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَا الْعَكْسِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ شَحْمًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ اللَّحْمِ لِأَنَّ اللَّحْمَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الشَّحْمِ. (وَبِفَرْعٍ فِي لَا آكُلُ مِنْ كَهَذَا الطَّلْعِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ هَذَا الطَّلْعِ فَأَكَلَ بُسْرَهُ أَوْ رُطَبَهُ أَوْ تَمْرَهُ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الطَّلْعَ بِعَيْنِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ فَأَكَلَ مِنْ زُبْدِهِ أَوْ جُبْنِهِ حَنِثَ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ. وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ بُسْرَ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَوْ بُسْرًا فَأَكَلَ مِنْ بَلَحِهَا لَمْ يَحْنَثْ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْبُسْرِ. ابْنُ حَبِيبٍ: أَوَّلُ دَرَجَاتِ النَّخْلِ طَلْعٌ ثُمَّ إغْرِيضٌ ثُمَّ بَلَحٌ ثُمَّ زَهْوٌ ثُمَّ بُسْرٌ ثُمَّ رُطَبٌ ثُمَّ تَمْرٌ انْتَهَى. وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ أَوَائِلَ كَلِمِهَا فِي قَوْلِك طَابَ زَبَرَتْ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْحَالِفُ لَا آكُلُ مِنْ شَيْءٍ مُشَارٍ إلَيْهِ وَلَا نِيَّةَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ: يَحْنَثُ بِمَا تَوَلَّدَ عَنْهُ مَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَا بِمَا تَوَلَّدَ هُوَ عَنْهُ. (أَوْ هَذَا الطَّلْعَ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا فِي شَيْءٍ كَالْأَكْلِ مَثَلًا فَيَنْتَقِلُ ذَلِكَ الشَّيْءُ أَوْ يُخَالِطُ غَيْرَهُ، فَإِنْ انْتَقَلَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَا هُوَ مُعَدٌّ إلَى الِانْتِقَالِ إلَيْهِ أَوْ لَا، فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى مَا هُوَ مُعَدٌّ إلَيْهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقُولَ مِنْ هَذَا الطَّلْعِ أَوْ هَذَا الطَّلْعُ، فَإِنْ ذَكَرَ لَفْظَةَ مِنْ كَقَوْلِهِ: لَا أَكَلْت مِنْ هَذَا الطَّلْعِ أَوْ مِنْ هَذَا الْقَمْحِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَحْنَثُ، قَرُبَ تَغَيُّرُهُ أَوْ بَعُدَ. فَإِنْ أَكَلَ مِنْ بُسْرِ ذَلِكَ الطَّلْعِ أَوْ رُطَبِهِ أَوْ تَمْرِهِ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَةَ مِنْ كَأَنْ يَقُولَ: لَا أَكَلْتُ هَذَا الطَّلْعَ أَوْ هَذَا الْقَمْحَ وَأَشَارَ إلَى مُعَيَّنٍ، فَإِنْ بَعُدَتْ اسْتِحَالَتُهُ فَلَا شَكَّ فِي نَفْيِ الْإِثْمِ. وَإِنْ قَرُبَتْ جِدًّا وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُصْنَعَ فِيهِ صُنْعٌ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَهَذَا كَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَا الْقَمْحَ فَأَكَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 خُبْزَهُ، أَوْ هَذَا الزَّبِيبُ فَشَرِبَ نَبِيذَهُ، وَهَلْ يُلْحَقُ بِهَذَا الْجُبْنِ مِنْ اللَّبَنِ وَالرُّطَبِ مِنْ الْبَلَحِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُلْحَقُ بِذَلِكَ وَهَذَا لِبُعْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ (لَا الطَّلْعَ أَوْ طَلْعًا) ابْنُ بَشِيرٍ: يَنْبَغِي أَنْ يَفْتَرِقَ الْحُكْمُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ مِنْ هَذَا الْكَذَا وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ مِنْ الْكَذَا فَيُسَمِّي شَيْئًا غَيْرَ مُشَارٍ إلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يُشِرْ إلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ إذَا نَكَّرَ وَلَمْ يَقُلْ " مِنْ " وَالْمَذْهَبُ إذَا نَكَّرَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَةَ " مِنْ " أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِيمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ إلَّا أَنْ يَقْرُبَ مِنْ ذَلِكَ جِدًّا كَالسَّمْنِ مِنْ الزُّبْدِ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَنَفْيُ الْحِنْثِ هُوَ الْأَصْلُ. (إلَّا بِنَبِيذِ زَبِيبٍ وَمَرَقَةِ لَحْمٍ أَوْ شَحْمِهِ وَخُبْزِ قَمْحٍ وَعَصِيرِ عِنَبٍ) ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْبُسْرِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا فِي خَمْسَةٍ: فِي الشَّحْمِ مِنْ اللَّحْمِ، وَالنَّبِيذِ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَالْعَصِيرِ مِنْ الْعِنَبِ، وَالْمَرَقِ مِنْ اللَّحْمِ، وَالْخُبْزِ مِنْ دَقِيقِ الْقَمْحِ. فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ. هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ. (وَبِمَا أَنْبَتَتْ الْحِنْطَةُ إنْ نَوَى الْمَنَّ لَا الرَّدَاءَةَ كَسُوءِ صَنْعَةِ طَعَامٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَا الدَّقِيقَ أَوْ هَذِهِ الْحِنْطَةَ فَأَكَلَهُمَا بِحَالِهِمَا أَوْ أَكَلَ خُبْزَيْهِمَا أَوْ سَوِيقَ الْحِنْطَةِ حَنِثَ، لِأَنَّ هَذَا هَكَذَا يُؤْكَلُ وَلَا يُؤْكَلُ مَا اشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهَا مِنْ طَعَامٍ وَلَا مَا أَنْبَتَتْ الْحِنْطَةُ إنْ نَوَى وَجْهَ الْمَنِّ، وَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ كَرِهَهُ فِي الْحِنْطَةِ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 456 رَدَاءَةٍ أَوْ سُوءِ صَنْعَةٍ فِي الطَّعَامِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ مَا ذَكَرْنَا. (وَبِالْحَمَّامِ فِي الْبَيْتِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْمَسْجِدَ لَمْ يَحْنَثْ وَلَيْسَ عَلَى هَذَا حَلَفَ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ مَعَهُ تَحْتَ سَقْفٍ فَصَلَّى مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ تَحْتَ سَقْفِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْحَالِفِ عَلَى الدُّخُولِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ دَخَلَ مَعَهُ الْحَمَّامَ لَحَنِثَ: لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ لَا يَدْخُلَهُ قَدَرَ وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ وَيَقُومُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الْقَوْلَانِ. (وَدَارِ جَارِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ الْحَالِفُ عِنْدَ جَارِهِ فَوَجَدَ الْمَحْلُوفَ عِنْدَهُ حَنِثَ، وَإِنْ دَخَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَلَى الْحَالِفِ فَخَافَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْحِنْثَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ لَا يُجَامِعَهُ فِي بَيْتٍ فَيَحْنَثَ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقِيلَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ مَعَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَجْلِسُ بَعْدَ دُخُولِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ جَلَسَ وَتَرَاخَى حَنِثَ وَيَصِيرُ كَابْتِدَاءِ دُخُولِهِ هُوَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ فِي الْحَالِفِ أَنْ لَا يَأْذَنَ لِامْرَأَتِهِ فِي الْخُرُوجِ فَخَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَعَلِمَ بِهِ، فَجَعَلَ تَرْكَهُ لَهَا بَعْدَ عِلْمِهِ بِخُرُوجِهَا كَابْتِدَاءِ إذْنٍ. ابْنُ يُونُسَ: صَوَابُ ذَلِكَ بَيِّنٌ فِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ وَابْنِ حَبِيبٍ وَإِنْ اُحْتُمِلَ الْحَالِفُ فَدُخِلَ بِهِ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَرْهًا قَالَ: لَا حِنْثَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَتَرَاخَ وَأَجْهَدَ نَفْسَهُ وَكَانَ إذَا قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ خَرَجَ مَكَانَهُ، فَإِنْ أَقَامَ وَهُوَ لَوْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ لَخَرَجَ فَقَدْ حَنِثَ. (أَوْ بَيْتِ شَعَرٍ) الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ بَيْتًا فَسَكَنَ بَيْتَ شَعَرٍ وَهُوَ بَادٍ أَوْ حَضَرِيٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ حَنِثَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا} [النحل: 80] الْآيَةُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لِيَمِينِهِ مَعْنًى يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَيْهِ، مِثْلَ أَنْ يَسْمَعَ بِقَوْمٍ انْهَدَمَ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنُ فَحَلَفَ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ بِسُكْنَى بَيْتِ الشَّعَرِ. (كَحَبْسٍ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ) أَصْبَغُ: يَحْنَثُ فِي لَا جَامَعَهُ تَحْتَ سَقْفٍ بِإِدْخَالِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 الْإِمَامُ السِّجْنَ كَارِهًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ طَائِعًا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إنْ سَجَنَهُ فِي حَقٍّ عَلَيْهِ وَلَوْ سَجَنَهُ ظُلْمًا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ فِي لَا أَفْعَلُ وَلَا يَحْنَثُ فِيهِ مُكْرَهًا اتِّفَاقًا (لَا بِمَسْجِدٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ لَا دَخَلَ عَلَيَّ فُلَانٌ بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْمَسْجِدَ لَا يَحْنَثُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ تَحْتَ سَقْفٍ. (وَبِدُخُولِهِ عَلَيْهِ مَيِّتًا فِي بَيْتٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ حَلَفَ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَيِّتٌ حَنِثَ وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يَحْنَثُ. قَالَ أَصْبَغُ: وَإِنْ حَلَفَ لَا أَدْخُلُ بَيْتَ فُلَانٍ مَا عَاشَ أَوْ قَالَ: حَتَّى يَمُوتَ فَدَخَلَ بَيْتَهُ وَهُوَ مَيِّتٌ قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ حَنِثَ. ابْنُ يُونُسَ: وَيَجِبُ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنْ لَا يَحْنَثَ وَهُوَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَقْوَى مِنْ الْأُولَى، لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ مَا عَاشَ أَوْ حَتَّى يَمُوتَ فَدَخَلَ بَعْدَ حُلُولِ الشَّرْطِ فَكَانَ لَا يَجِبُ الْحِنْثُ بِاتِّفَاقٍ وَقَوْلُ مَنْ يُحَنِّثُهُ بِذَلِكَ ضَعِيفٌ. وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ: يُحَنِّثُهُ فِي لَا دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتًا حَيَاتَهُ بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ مَيِّتًا. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يَحْنَثُ. ابْنُ رُشْدٍ: بِنَاءً عَلَى حَمْلِ حَيَاتِهِ عَلَى مَعْنَى الْأَبَدِ أَوْ الْحَقِيقَةِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَلَا يَدْخُلُ حَانُوتَهُ وَلَا قَرْيَتَهُ وَلَا جِنَانَهُ وَلَا مَوْضِعًا لَهُ فِيهِ أَهْلٌ أَوْ مَتَاعٌ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ إلَّا أَنْ يَكْرِهِ عَيْنَ الدَّارِ لِوَجْهٍ مَا فَلَا يَحْنَثُ فِيمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. ابْنُ يُونُسَ: لَا يَحْنَثُ عِنْدِي إذَا دَخَلَ حَانُوتَهُ أَوْ جِنَانَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لِأَنَّ دَارِهِ لَيْسَتْ هِيَ جَنَانَهُ. (يَمْلِكُهُ) ابْنُ بَشِيرٍ: لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِ بَيْتًا يَمْلِكُهَا فَإِنْ قَالَ: مَا دَامَتْ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 مِلْكِهِ فَدَخَلَهَا وَهُوَ مَيِّتٌ فَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ: إنَّهُ يَحْنَثُ. فَتَعَقَّبَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ وَقَالَ: قَدْ خَرَجَتْ بِالْمَوْتِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَعَلَّهُ فِي الرِّوَايَةِ رَأْيُ إبْقَاءِ حَقِّهِ فِي تَجْهِيزِهِ لِلدَّفْنِ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْمِلْكِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمِيعُ مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ فَانْظُرْهُ مَعَ هَذَا (لَا بِدُخُولِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُجَامَعَةَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ أَخَافُ عَلَيْهِ الْحِنْثَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ لَا يُجَامِعَهُ فِي بَيْتٍ. (وَبِتَكْفِينِهِ فِي لَا يَنْفَعُهُ حَيَاتَهُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 رَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَقَالَهُ: إنْ حَلَفَ لَا يَنْفَعُهُ مَا عَاشَ يَحْنَثُ بِتَكْفِينِهِ. (وَبِأَكْلٍ مِنْ تَرِكَتِهِ قَبْلَ قَسْمِهَا فِي لَا أَكَلْت طَعَامَهُ إنْ أَوْصَى أَوْ كَانَ مَدِينًا) ابْنُ سَحْنُونٍ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ مَالِ فُلَانٍ وَلَا يَنْتَفِعُ مِنْ مَالِهِ بِشَيْءٍ فَانْتَفَعَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ جَمْعِ مَالِهِ أَوْ بَعْدَ قَبْلَ أَنْ يُفَرِّقَ أَوْ بَعْدَ قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ أَوْ بَعْدَ أَنْ يُدْفَنَ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ حَانِثٌ، كَانَ دَيْنًا مُحِيطًا أَوْ غَيْرَ مُحِيطٍ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَقَدْ أَوْصَى بِوَصَايَا فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مَا تَرَكَ بِمَوْتِهِ لِأَهْلِ الْمِيرَاثِ وَلِأَهْلِ الْوَصَايَا. وَمَا جَرَى فِيهِ مِنْ حَادِثٍ فَمِنْهُمْ قَالَ: وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ سَاوَى بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَعَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُمَا سَاوَيَا بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ فَرَاجِعْهُ أَنْتَ. ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامَ فُلَانٍ فَسَافَرَ مَعَهُ فَاشْتَرَيَا طَعَامًا فَأَكَلَاهُ فَلْيَحْلِفْ مَا أَرَادَ إلَّا طَعَامَهُ خَالِصًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ أَكْثَرَ مِنْ صَاحِبِهِ اُنْظُرْ قَبْلُ تَرْجَمَةَ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 (وَبِكِتَابٍ إنْ وَصَلَ أَوْ رَسُولٍ فِي لَا كَلَّمَهُ وَلَمْ يَنْوِ فِي الْكِتَابِ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُشَافَهَتَهُ، يُرِيدُ وَيَحْلِفُ وَالْكِتَابُ أَشَدُّ. قَالَهُ مَالِكٌ. وَهَذَا فِي أَيْمَانِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ: لَا يَنْوِي فِي الْكِتَابِ وَيَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ حَتَّى يَقْرَأَهُ وَلَوْ عِنْوَانَهُ. وَقَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 اللَّخْمِيِّ: يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِ الْكِتَابِ. (وَبِالْإِشَارَةِ لَهُ) ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ فَأَشَارَ إلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ وَقِيلَ يَحْنَثُ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] وَسَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ لَا سَأَلَ فُلَانًا حَاجَةً فَاحْتَاجَ إلَيْهِ فَلَزِمَ الْجُلُوسَ إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ يَجْلِسُ إلَيْهِ لَا أُحِبُّهُ وَلَا يَحْنَثُ بِهِ، وَلَوْ فَهِمَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ حَاجَتَهُ مِنْ طُولِ جُلُوسِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا هُوَ عَلَى أَصْلِهِ فِي لَغْوِ الْإِشَارَةِ. (وَبِكَلَامِهِ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ) ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ مَرَّ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فَقَالَ لَهُ: الصَّلَاةَ يَا نَائِمٌ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَعَرَفَهُ فَهُوَ حَانِثٌ، وَكَذَلِكَ يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَهُوَ مُسْتَثْقِلٌ نَوْمًا وَهُوَ كَالْأَصَمِّ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ مَشْغُولٌ يُكَلِّمُ رَجُلًا وَلَمْ يَسْمَعْهُ. مُحَمَّدٌ: لَوْ قَالَ الْحَالِفُ لِمَنْ دَقَّ بَابَهُ: مَنْ أَنْتَ فَإِذَا هُوَ حَنِثَ لَا فِي الْعَكْسِ (لَا قِرَاءَتَهُ بِقَلْبِهِ) أَمَّا عَلَى قَوْلِ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الْوُصُولِ، فَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا قَرَأَهُ بِقَلْبِهِ. وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ فَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهُ يَحْنَثُ إنْ قَرَأَهُ بِقَلْبِهِ حَسْبَمَا يَأْتِي. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنَّ الْحَالِفَ لَوْ أَمَرَ مَنْ يَكْتُبُ عَنْهُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَقْرَأَهُ الْحَالِفُ أَوْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ أَوْ يُمْلِيَهُ. ثُمَّ إذَا أَرْسَلَ الْكِتَابَ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ: إنَّ الْحَالِفَ يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِ الْكِتَابِ. وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْرَأَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَلَوْ عِنْوَانَهُ. وَعَلَى هَذَا فَفِي حِنْثِهِ بِمُجَرَّدِ قِرَاءَتِهِ أَوْ بِقَيْدِ كَوْنِهَا لَفْظًا قَوْلَانِ: لِظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَنَصُّ أَشْهَبَ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَوْ قَالَ لِرَسُولِهِ: اُرْدُدْهُ أَوْ اقْطَعْهُ فَعَصَاهُ وَدَفَعَهُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَقَرَأَهُ أَوْ رَمَاهُ فَأَخَذَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَقَرَأَهُ لَمْ يَحْنَثْ. اُنْظُرْ قَبْلُ تَرْجَمَةً فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَ رَجُلًا مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (أَوْ قَرَأَهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ بِلَا إذْنٍ) تَضَمَّنَ هَذَا أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا كَلَّمَ زَيْدًا مَثَلًا فَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا حَنِثَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 إنْ وَصَلَ الْكِتَابُ لِزَيْدٍ لَا إنْ قَرَأَهُ زَيْدٌ بِقَلْبِهِ وَلَا إنْ قَرَأَهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِلَا إذْنٍ. فَانْظُرْ أَنْتَ هَذَا مَعَ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ أَعْنِي إنْ قَرَأَهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِلَا إذْنٍ إنَّمَا هِيَ فِي كُتُبِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَذَكَرَهَا خَلِيلٌ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي كِتَابَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. وَسَأَذْكُرُ هَذَا النَّصَّ هُنَاكَ فَانْظُرْهُ أَنْتَ. (وَلَا بِسَلَامِهِ عَلَيْهِ بِصَلَاةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ زَيْدًا فَأَمَّ قَوْمًا فِيهِمْ زَيْدٌ فَسَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ صَلَّى الْحَالِفُ خَلْفَ زَيْدٍ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ حِينَ سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَيْسَ مِثْلُ هَذَا كَلَامًا انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا سَلَّمَ الْمَأْمُومُ الثَّالِثَةَ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ رَدَّهُ عَلَى الْمَحْلُوفِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 عَلَيْهِ عَنْ يَسَارِهِ كَرَدِّهِ عَلَى الْإِمَامِ، وَنَسَبَهُ لِلْمُدَوِّنَةِ وَلَمْ أَجِدْهُ فِيهَا. (وَلَا كِتَابَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ قَرَأَهُ عَلَى الْأَصْوَبِ وَالْمُخْتَارِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ عَبْدَ اللَّهِ فَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ إلَى الْحَالِفِ كِتَابًا فَقَرَأَهُ الْحَالِفُ وَلَمْ يُجِبْهُ فِيهِ بِشَيْءٍ قَالَ: هُوَ حَانِثٌ. وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَقْرَأْهُ هُوَ وَقُرِئَ عَلَيْهِ مَا فِيهِ بِأَمْرِهِ فَهُوَ حَانِثٌ، وَإِنْ قُرِئَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ لِلرَّسُولِ: اقْرَأْهُ عَلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا وَمَا ذَلِكَ بِالْبَيِّنِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَدْ قِيلَ: إنَّ الْحَالِفَ لَا يَحْنَثُ بِقِرَاءَةِ كِتَابِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى. وَنَحْوُ هَذَا أَيْضًا لِلَّخْمِيِّ. قَالَ مَا نَصُّهُ: عَدَمُ الْحِنْثِ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْكَلَامَ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اجْتَمَعَ مَعَهُ وَكَلَّمَهُ وَلَمْ يُجَاوِبْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ لَا أُكَلِّمُهُ وَلَمْ يَحْلِفْ لَا كَلَّمَنِي. وَرَجَّحَ ابْنُ رُشْدٍ عَدَمَ الْحِنْثِ بِأَنْ قَالَ: حَقِيقَةُ التَّكْلِيمِ إنَّمَا هُوَ أَنْ يُعَبِّرَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ عَمَّا فِي نَفْسِهِ بِلِسَانِهِ عِبَارَةً يَفْقَهُهَا عَنْهُ إذَا سَمِعَهَا، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ أَنْ لَا يُكَلِّمَ رَجُلًا بِالْكِتَابِ إلَيْهِ إذَا قَرَأَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلِّمًا لَهُ بِذَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ التَّفْهِيمُ وَهُوَ مَعْنَى الْكَلَامِ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَالِفَ يَحْنَثُ إذَا قَرَأَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِقَلْبِهِ. (وَبِسَلَامِهِ عَلَيْهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُهُ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبِالنِّسْيَانِ إنْ أَطْلَقَ " (وَبِفَتْحٍ عَلَيْهِ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ تَعَايَا الْحَالِفُ فَلَقَّنَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَأَمَّا لَوْ تَعَايَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَلَقَّنَهُ الْحَالِفُ فَقَدْ حَنِثَ. (وَبِلَا عِلْمِ إذْنٍ فِي لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَأَذِنَ لَهَا فِي سَفَرٍ أَوْ حَيْثُ لَا تَسْمَعُهُ وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ فَخَرَجَتْ بَعْدَ إذْنِهِ وَقَبْلَ عِلْمِهَا بِالْإِذْنِ فَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 حَانِثٌ. (وَبِعَدَمِ إعْلَامِهِ فِي لَأُعْلِمَنَّهُ وَإِنْ بِرَسُولٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ حَلَفَ لِرَجُلٍ إنْ عَلِمَ كَذَا لَيُعْلِمَنَّهُ أَوْ لَيُخْبِرَنَّهُ فَعَلِمَاهُ جَمِيعًا لَمْ يَبَرَّ حَتَّى يُعْلِمَهُ أَوْ يُخْبِرَهُ، وَإِنْ كَتَبَ إلَيْهِ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا بَرَّ انْتَهَى. نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ: وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: يُرِيدُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ بِعِلْمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَلِمَ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا عَلَى مَنْ رَاعَى الْأَلْفَاظَ (وَهَلْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ عَلِمَ) تَأْوِيلَانِ تَقَدَّمَ إطْلَاقُ ابْنِ يُونُسَ وَتَقْيِيدُهَا اللَّخْمِيِّ بِذَلِكَ (أَوْ عَلِمَ وَالٍ ثَانٍ فِي حَلِفِهِ الْأَوَّلِ فِي نَظَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ حَلَفَ رَجُلٌ لِلْأَمِيرِ طَوْعًا إنْ رَأَى أَمْرَ كَذَا لَيَرْفَعَنَّهُ إلَيْهِ فَعُزِلَ ذَلِكَ الْأَمِيرُ أَوْ مَاتَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ عَدْلًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى مَنْ وَلِي بَعْدَهُ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمِيرِ يَحْلِفُ قَوْمًا أَنْ لَا يَخْرُجُوا إلَّا بِإِذْنِهِ فَعَزَلَ فَلَا يَخْرُجُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوا مِنْ وَلِيَ بَعْدَهُ، يُرِيدُ إذَا كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا. قَالَ سَحْنُونَ: إنَّمَا يَلْزَمُ الرُّفُوعَ إلَيْهِ إذَا كَانَ الَّذِي اسْتَحْلَفَهُمْ عَلَيْهِ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ أَيْمَانِهِمْ شَيْءٌ. أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ قَاضِيًا كَتَبَ إلَى قَاضٍ فِي شَيْءٍ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ عُزِلَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ الَّذِي كَتَبَ إلَيْهِ لَمْ يَجِبْ الْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَنْقُضَ مَا كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَكَذَلِكَ هَذَا. قَالَ أَشْهَبُ: إنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَخُصُّ الْمَعْزُولَ فِي نَفْسِهِ فَإِذَا رَآهُ بَعْدَ عَزْلِهِ فَلْيُعْلِمْهُ بِهِ وَإِلَّا حَنِثَ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَفْعُ ذَلِكَ إلَى وَارِثِهِ أَوْ إلَى وَصِيِّهِ وَلَا إلَى أَمِيرٍ بَعْدَهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " لَيْسَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَيْمَانِهِمْ شَيْءٌ ". (وَبِمَرْهُونٍ فِي لَا ثَوْبَ لِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اُسْتُعِيرَ ثَوْبًا فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَمْلِكُ إلَّا ثَوْبًا هُوَ عَلَيْهِ وَلَهُ ثَوْبَانِ مَرْهُونَانِ، فَإِنْ كَانَ كَفَافَ دَيْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ نِيَّتُهُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيَحْلِفُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا لِلْعَارِيَّةِ وَذَلِكَ نِيَّتُهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حَنِثَ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ أَمْ لَا. (وَبِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فِي لَا إعَارَةَ وَبِالْعَكْسِ وَنَوَى إلَّا فِي صَدَقَةٍ عَنْ هِبَةٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: وَمِمَّا يُلْتَفَتُ فِيهِ إلَى الْمَقَاصِدِ أَنْ يَحْلِفَ لَا أَعَارُ إنْسَانًا فَوَهَبَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فَيُرِيدُ مَنْعَهُ الْعَارِيَّةَ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ عَلَيْهِ مَتَاعَهُ أَوْ يَكُونَ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابِهِ وَيُكْرَهُ لِبَاسُ غَيْرِهِ لَهُ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَهُ فَتَصَدَّقَ حَنِثَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَ فُلَانًا هِبَةً فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ حَنِثَ، وَكُلُّ هِبَةٍ لِغَيْرِ الثَّوَابِ فَهِيَ كَالصَّدَقَةِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا نَفَعَهُ مِنْ عَارِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ أَصْلَ يَمِينِهِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فِي الْعَارِيَّةِ. (وَبِبَقَاءٍ وَلَوْ لَيْلًا فِي لَا سَكَنْت) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا خَرَجَ مَكَانَهُ وَإِنْ كَانَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَإِنْ أَخَّرَ إلَى الصَّبَاحِ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ فَلْيَجْتَهِدْ إذَا أَصْبَحَ فِي مَسْكَنٍ وَيَنْتَقِلُ، فَإِنْ تَغَالَى عَلَيْهِ فِي الْكِرَاءِ أَوْ وَجَدَ مَنْزِلًا لَا يُوَافِقُهُ فَلْيَنْتَقِلْ إلَيْهِ حَتَّى يَجِدَ سِوَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يَخْرُجُ سَاعَةَ حَلَفَ وَلَكِنْ لَا يَحْنَثُ فِي إقَامَةِ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَكَانَ الْقَابِسِيُّ رُبَّمَا اسْتَحْسَنَ قَوْلَ أَشْهَبَ وَأَفْتَى بِهِ مَعَ إنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا غَيْرَ أَشْهَبَ وَأَصْبَغَ وَسِعَ عَلَيْهِ تَأْخِيرُ ذَلِكَ. اُنْظُرْ ثَانِيَ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْبَيَانِ. قَالَ: إنَّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ يَأْتِي عَلَى اعْتِبَارِ اللَّفْظِ قَالَ: وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّهُ رَاعَى مَقْصِدَ الْحَالِفِ دُونَ الِاعْتِبَارِ بِمُقْتَضَى لَفْظِهِ، لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَ رَجُلًا فَعَنَى بِيَمِينِهِ لِيَنْتَقِلَ عَنْهُ فِي أَعْجَلِ مَا يَقْدِرُ، فَإِذَا لَمْ يُفَرِّطْ فِي ارْتِيَادِ مَنْزِلٍ وَالِانْتِقَالِ إلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ. (لَا فِي لَأَنْتَقِلَنَّ) . ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ حَمْلُ يَمِينِهِ لَأَفْعَلَنَّ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا يَحْنَثُ بِالتَّأْخِيرِ. فَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَمْكَنْتنِي مِنْ حَلْقِ رَأْسِك لَأَحْلِقَنَّهُ فَأَمْكَنَتْهُ فَلَمْ يَحْلِقْ ثُمَّ أَمْكَنَتْهُ مَرَّةً أُخْرَى فَحَلَقَ لَبَرَّ فِي يَمِينِهِ. اُنْظُرْ رَسْمَ إنْ أَمْكَنْتنِي مِنْ حَلْقِ رَأْسِك مِنْ سَمَاعِ عِيسَى. وَمِنْ الْوَاضِحَةِ: مَنْ حَلَفَ لَيَنْتَقِلَنَّ لَا يَحْنَثُ بِالتَّأْخِيرِ. زَادَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 وَالتَّعْجِيلُ أَحَبُّ إلَيَّ، فَإِنْ أَقَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَطْلُبُ مَنْزِلًا أَرْجُو أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قِيلَ: إنْ أَقَامَ شَهْرًا قَالَ: إنْ تَرَاخَى فِي الطَّلَبِ خِفْت حِنْثَهُ. وَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ إنَّهُ يَحْنَثُ بِالْبَقَاءِ فِي " لَا سَكَنْت " لَا فِي " لَأَنْتَقِلَنَّ " كَذَلِكَ أَيْضًا بَيْنَهُمَا فَرْقٌ آخَرُ فِي وَجْهٍ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ حَلَفَ لَا سَكَنْت فَخَرَجَ ثُمَّ رَجَعَ فَسَكَنَ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَيَنْتَقِلَنَّ فَانْتَقَلَ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَلَفَ أَنْ لَا يُوجَدَ مِنْهُ سُكْنَى فَمَتَى وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ حَنِثَ، وَالْآخَرُ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً بَرَّ. (وَلَا بِخَزْنٍ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَهَا فَاخْتَزَنَ فِيهَا حَنِثَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَشْهَبَ. ابْنُ بَشِيرٍ: لَعَلَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يُوَافِقُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْخَزْنَ إذَا انْفَرَدَ لَا يُعَدُّ سُكْنَى. وَإِنَّمَا يُعِدُّ ابْنُ الْقَاسِمِ بَقَاءَ الْمَتَاعِ سُكْنَى إذَا كَانَ تَابِعًا لِسُكْنَى الْأَهْلِ وَإِذَا انْفَرَدَ لَمْ يُعِدَّهُ سُكْنَى. (وَانْتَقَلَ فِي لَا أُسَاكِنُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 عَمَّا كَانَا) . ابْنُ بَشِيرٍ: وَمِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ إلَى الْمَقَاصِدِ وَإِلَى السَّبَبِ الْمُحَرِّكِ عَلَى الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَ إنْسَانًا فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ عَنْ مُسَاكَنَتِهِ حَتَّى تَنْتَقِلَ حَالَتُهُ عَنْ الْحَالَةِ الْأُولَى الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَوَّلًا فِي بَلَدٍ وَظَهَرَ أَنَّهُ قَصَدَ الِانْتِقَالَ عَنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي قَرْيَةٍ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ فِي حَارَةٍ انْتَقَلَ عَنْهَا (أَوْ ضَرَبَا جِدَارًا وَلَوْ جَرِيدًا بِهَذِهِ الدَّارِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ فِي دَارٍ وَجَبَ الِانْتِقَالُ عَنْهَا. وَهَلْ يَكْفِي فِي هَذَا أَنْ يَضْرِبَا بَيْنَهُمَا حَائِطًا حَتَّى يَصِيرَا دَارَيْنِ؟ شَكَّ مَالِكٌ وَخَافَ الْحِنْثَ، وَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ فِي دَارٍ سَمَّاهَا أَمْ لَا، فَقُسِمَتْ وَضَرَبَ بَيْنَ النَّصِيبَيْنِ بِحَائِطٍ وَجَعَلَ لِكُلٍّ نَصِيبَ مَدْخَلٍ عَلَى حِدَةٍ فَسَكَنَ هَذَا فِي نَصِيبٍ وَهَذَا فِي نَصِيبٍ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُهُ: " سَمَّاهَا أَمْ لَا " خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ: " لَوْ عَيَّنَ الدَّارَ لَمْ يَبَرَّ بِالْجِدَارِ اتِّفَاقًا ". وَفَسَّرَ ابْنُ مُحْرِزٍ الْمُدَوَّنَةَ بِأَنَّ الْجِدَارَ مِنْ جَرِيدٍ كَالْبِنَاءِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 وَابْنُ حَبِيبٍ: الْجِدَارُ مِنْ جَرِيدٍ لَغْوٌ. (وَبِالزِّيَارَةِ إنْ قَصَدَ التَّنَحِّيَ لَا لِدُخُولِ عِيَالٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ فَزَارَهُ. فَلَيْسَتْ الزِّيَارَةُ سُكْنَى وَيَنْظُرُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ يَمِينُهُ، فَإِنْ كَانَ بِمَا يَدْخُلُ بَيْنَ الْعِيَالِ أَوْ الصِّبْيَانِ فَهُوَ أَخَفُّ، وَإِنْ أَرَادَ التَّنَحِّيَ فَهُوَ أَشَدُّ. التُّونِسِيُّ: يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: " أَشَدُّ " حِنْثَهُ بِزِيَارَتِهِ وَبِقَوْلِهِ: " أَخَفُّ " عَدَمَهُ (إنْ لَمْ يُكْثِرْهَا نَهَارًا أَوْ بِبَيْتٍ بِلَا مَرَضٍ) فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: الزِّيَارَةُ تَخْتَلِفُ لَيْسَتْ زِيَارَةُ الْحَاضِرِ كَزِيَارَةِ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ قَرْيَتِهِ، وَهَذَا يُقِيمُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ. قَالَ أَصْبَغُ: إذَا أَكْثَرَ الزِّيَارَةَ نَهَارًا فِي الْحَضَرِ أَوْ أَكْثَرَ الْمَبِيتَ وَالْمُقَامَ فِي شُخُوصِهِ إلَيْهِ يَعْنِي فِي غَيْرِ الْحَضَرِ فَهُوَ حَانِثٌ. (وَسَافَرَ الْقَصْرَ فِي لَأُسَافِرَنَّ) ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِنْ حَلَفَ لَيُسَافِرَنَّ فَفِي الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يُسَافِرُ مِقْدَارَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَهَذَا نَظَرٌ إلَى حَمْلِ الْأَلْفَاظِ إلَى الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ، وَلَوْ نَظَرَ إلَى التَّسْمِيَةِ اللُّغَوِيَّةِ لَكَفَى فِي هَذَا أَقَلُّ سَفَرٍ، أَوْ إلَى الْمَقَاصِدِ الْعُرْفِيَّةِ لَنَظَرَ إلَى مَا يُسَمِّيهِ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الْقُطْرِ سَفَرًا (وَمَكَثَ نِصْفَ شَهْرٍ وَنُدِبَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 كَمَالُهُ كَأَنْتَقِلَنَّ) ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا حَلَفَ لَيُسَافِرَنَّ أَوْ لَيَنْتَقِلَنَّ فَسَافَرَ أَوْ انْتَقَلَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يُقِيمُ بِالْمَكَانِ الَّذِي وَصَلَ إلَيْهِ؛ قِيلَ: شَهْرٌ، وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إذَا خَرَجَ يُقِيمُ شَهْرًا وَلَوْ أَقَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَأَجْزَأَهُ. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: مَنْ حَلَفَ لَا بَقِيَ لَهُ قُشَاشٌ فِي غُرْفَةٍ فَأَخْرَجَهُ فِي الْحَالِ فَهُوَ كَمَنْ حَلَفَ لَيَنْتَقِلَنَّ وَيُقَالُ لِلْمُسْتَفْتِي انْتَقِلْ وَأَقِمْ شَهْرًا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَسَلَّ وَلَا تَشْعُرُ بِالرُّجُوعِ. وَمِنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِاللَّازِمَةِ أَنْ يَنْتَزِعَ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ مَالَهَا: إنَّهُ إنْ انْتَزَعَهُ مِنْهَا بَرَّ فِي يَمِينِهِ، ثُمَّ إنْ رَدَّهُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ الِانْتِزَاعِ لَمْ يَحْنَثْ. انْتَهَى النَّصُّ. (وَلَوْ بِإِبْقَاءِ رَحْلِهِ لَا بِكَمِسْمَارٍ وَهَلْ إنْ نَوَى عَدَمَ عَوْدِهِ لَهُ تَرَدُّدٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ هَذِهِ الدَّارَ يَرْتَحِلُ بِجَمِيعِ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَجَمِيعِ مَتَاعِهِ وَإِنْ أَبْقَى مَتَاعَهُ حَنِثَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ تَرَكَ مِنْ السِّقْطِ مِثْلَ الْوَتَدِ وَالْمِسْمَارِ وَالْخَشَبَةِ مِمَّا لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِ أَوْ تَرَكَ ذَلِكَ نِسْيَانًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: هَذَا إنْ تَرَكَ الْوَتَدَ وَنَحْوَهُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ لَأَخَذَهُ لِخِفَّةِ أَمْرِهِ، وَأَمَّا إنْ تَرَكَهُ لِيَرْجِعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 إلَى أَخْذِهِ حَنِثَ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ تَرَكَ ذَلِكَ نِسْيَانًا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ وَإِنَّمَا رَأَى ذَلِكَ لَا يُعَدُّ بِهِ سَاكِنًا لِخِفَّتِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَبِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ أَوْ عَيْبِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ فَقَضَاهُ إيَّاهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ دِرْهَمًا نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا أَوْ نَاقِصًا بَيِّنَ النَّقْصِ أَوْ مَا لَا يَجُوزُ أَوْ اسْتَحَقَّتْ مِنْ يَدِهِ فَقَامَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْأَجَلِ فَهُوَ حَانِثٌ. اللَّخْمِيِّ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ. وَهَذَا عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ لَا يَلِدَ فَلَمْ يَلِدْ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبَرِيءَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 فِي الْحَاكِمِ إنْ لَمْ يُحَقِّقْ جَوْرَهُ ". (وَبَيْعٍ فَاسِدٍ فَاتَ قَبْلَهُ إنْ لَمْ تَفِ كَأَنْ لَمْ تَفُتْ عَلَى الْمُخْتَارِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ فَأَعْطَاهُ قَضَاءً مِنْهُ عَرْضًا يُسَاوِي مَا عَلَيْهِ لَوْ بِيعَ بَرَّ. ثُمَّ اسْتَثْقَلَهُ مَالِكٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَعْجَبُ إلَيَّ. اللَّخْمِيِّ: فَإِنْ بَاعَهُ بِهِ عَرْضًا فَاسِدًا وَالْأَجَلُ قَائِمٌ، فَإِنْ فَاتَ وَقِيمَتُهُ كَالدَّيْنِ بَرَّ مُطْلَقًا وَأَقَلُّ بَرَّ إنْ قَضَاهُ تَمَامَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَإِلَّا حَنِثَ. وَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ وَهُوَ قَائِمٌ فَقَالَ سَحْنُونَ: يَحْنَثُ. وَأَشْهَبُ: لَا يَحْنَثُ. وَأَرَى بِرَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ، وَلَوْ عَلِمَ الْفَسَادَ إنْ قَصَدَ الْبَيْعَ وَإِنْ أَرَادَ لِيَقُومَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَبَرَّ. (وَبِهِبَتِهِ لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ لَك غَرِيمُك لَيَقْضِيَنَّكَ حَقَّك رَأْسَ الشَّهْرِ فَوَهَبْت لَهُ حَقَّك أَوْ وَضَعْت مِنْهُ صَدَقَةً أَوْ صِلَةً لَمْ يَبَرَّ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَعَلَى مُرَاعَاةِ الْمَقَاصِدِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ. (أَوْ دَفْعِ قَرِيبٍ عَنْهُ وَإِنْ مِنْ مَالِهِ) . ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ غَابَ الْحَالِفُ لِغَرِيمِهِ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فَأَرَادَ بَعْضُ أَهْلِهِ أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ يُبْرِئُ الْحَالِفَ مِنْ الْحَقِّ وَلَا يُنَجِّيهِ مِنْ الْحِنْثِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَيَرْضَى بِذَلِكَ. وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ وَكِيلٌ عَلَى الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَالتَّقَاضِي يَبَرُّ بِقَضَائِهِ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ. (أَوْ بِشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ بِالْقَضَاءِ إلَّا بِدَفْعِهِ ثُمَّ أَخْذِهِ) . ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَعَلَّقَ بِرَجُلٍ فِي حَقٍّ لَهُ فَقَالَ لَهُ: قَدْ قَضَيْتُك فَقَالَ صَاحِبُ الْحَقِّ: مَا قَضَيْتنِي فَقَالَ: الْمَطْلُوبُ إذَا أَنْكَرْت أَنَا آتِيك بِحَقِّك غَدًا وَحَلَفَ لَهُ بِالطَّلَاقِ، ثُمَّ نَظَرَ صَاحِبُ الْحَقِّ فِي كِتَابٍ تُقَاضِيهِ أَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ تَقَاضَاهُ مِنْهُ فَقَالَ: اذْهَبْ لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ قَدْ وَجَدْت مَا ادَّعَيْت عَلَيْك بَاطِلًا: إنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُوَفِّيَهُ الْحَقَّ وَإِلَّا حَنِثَ، ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ. قُلْت: فَإِنْ قَامَتْ لِلْحَالِفِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَضَاهُ ذَلِكَ الْحَقَّ قَالَ: لَوْ شَهِدَ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 أَبُو شُرَيْحٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ الْقَاسِمِ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ الْحَقَّ ثُمَّ يَرُدَّهُ إلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: رَعْيُ الْمَقْصِدِ يُوجِبُ بِرَّهُ بِذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: حَمَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ وَلَمْ يُرَاعِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا الْمَعْنَى الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْحَالِفَ قَصَدَ إلَيْهِ فِي يَمِينِهِ. (لَا إنْ جُنَّ وَدَفَعَ الْحَاكِمُ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ فَقَوْلَانِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الْحِنْثِ بِتَعَذُّرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِجُنُونِ الْحَالِفِ خِلَافٌ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَوْ حَلَفَ لَأَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ فَجُنَّ الْحَالِفُ عِنْدَ الْأَجَلِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقْضِي عَنْهُ وَيَبَرُّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَضَى الْأَجَلُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ حِينَئِذٍ لَمْ يَلْزَمْهُ. وَقَالَ أَصْبَغُ: هُوَ حَانِثٌ وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ. (وَبِعَدَمِ قَضَاءٍ فِي غَدٍ فِي لَأَقْضِيَنَّكَ غَدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ هُوَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ غَدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَإِذَا هُوَ يَوْمُ الْخَمِيسِ قَالَ: إنْ لَمْ يَقْضِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمَ الْخَمِيسِ حَنِثَ لِأَنَّ يَمِينَهُ كَانَتْ عَلَى الْخَمِيسِ حِينَ قَالَ: غَدًا فَكَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى غَدٍ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ قَالَ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَدًا فَإِذَا هُوَ يَوْمُ الْخَمِيسِ؟ قَالَ: هَذَا ضَلَالٌ أَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ إذَا قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ. وَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ كُلَّهُ وَاحِدًا. ابْنُ رُشْدٍ: يَدُلُّ قَوْلُهُ: " وَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ " إلَى آخِرِهِ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ لِمَالِكٍ. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَيْضًا قَوْلُهُ: " هَذَا ضَلَالٌ " لِأَنَّهُ يُعْرَفُ مِنْ مَذْهَبِهِ الطَّعْنُ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَكَثِيرًا مَا يَمِيلُ إلَى مَذْهَبِهِمْ فِي مَسَائِلِهِ وَيُرَاعِي أَقْوَالَهُمْ. وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ. وَانْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَبِدَوَامِ رُكُوبِهِ ". (لَا إنْ قَضَى قَبْلَهُ بِخِلَافِ لَآكُلَنَّهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ غَدًا فَقَضَاهُ الْيَوْمَ فَقَدْ بَرَّ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ غَدًا فَأَكَلَهُ الْيَوْمَ حَنِثَ إذْ الطَّعَامُ قَدْ يَخُصُّ بِهِ الْيَوْمَ، وَالْغَرِيمُ إنَّمَا الْقَصْدُ فِيهِ الْقَضَاءُ. قَالَ أَشْهَبُ: إنْ سُئِلَ فِي أَكْلِهِ الْيَوْمَ فَقَالَ: دَعَوْنِي الْيَوْمَ فَأَنَا وَاَللَّهِ آكُلُهُ غَدًا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ إذَا أَكَلَهُ الْيَوْمَ لِأَنَّ قَصْدَهُ الْأَكْلُ لَا تَعْيِينُ الْيَوْمِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ حَنِثَ. (وَلَا إنْ بَاعَهُ بِهِ عَرْضًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَنَانِيرَك وَلَمْ يَقُلْ حَقَّك فَذَلِكَ سَوَاءٌ وَيَبَرُّ إنْ دَفَعَ إلَيْك عَرْضًا سِوَى دَنَانِيرِك إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَلَمْ تَكُنْ عَلَى أَعْيَانِ الدَّنَانِيرِ، وَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى أَعْيَانِ الدَّنَانِيرِ لَمْ يَبَرَّ إلَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 بِدَفْعِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ. اُنْظُرْ تَمَامَ هَذَا الْفَرْعِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبِالْإِقَالَةِ ". (وَبَرَّ إنْ غَابَ بِقَضَاءِ وَكِيلِ تَقَاضٍ أَوْ مُفَوَّضٍ) . ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ غَرِيمَهُ حَقَّهُ فَغَابَ الْغَرِيمُ بَرَّ بِقَضَاءِ وَكِيلِهِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَكِيلٌ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ فَالْحَاكِمُ الْعَدْلُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ دَفَعَ إلَى حَاكِمٍ غَيْرِ عَدْلٍ بَرِيءَ مِنْ الْحِنْثِ وَلَمْ يَبَرَّ مِنْ الدَّيْنِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَضَاءُ وَكِيلِ رَبِّهِ نَصًّا أَوْ تَفْوِيضًا لِغَيْبَتِهِ كَقَضَائِهِ، فَلَوْ عَدِمَا وَخَافَ الْحِنْثَ فَالرِّوَايَاتُ يَبَرُّ بِقَضَاءِ السُّلْطَانِ. ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ: وَيَبْرَأُ. (وَهَلْ ثُمَّ وَكِيلُ ضَيْعَةٍ أَوْ إنْ عَدِمَ الْحَاكِمُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ يُرِيدُ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ رَأْسَ الشَّهْرِ فَغَابَ فُلَانٌ، فَلْيَقْضِ وَكِيلُهُ أَوْ السُّلْطَانُ وَيُخْرِجُهُ ذَلِكَ مِنْ يَمِينِهِ، وَإِنْ احْتَجَبَ عَنْهُ السُّلْطَانُ فَلَمْ يَجِدْهُ أَوْ كَانَ بِقَرْيَةٍ لَا سُلْطَانَ فِيهَا وَخَافَ إنْ خَرَجَ إلَى السُّلْطَانِ حَلَّ الْأَجَلُ قَبْلَ بُلُوغِهِ، فَإِنْ جَاءَ بِالْحَقِّ عَلَى شَرْطِهِ إلَى عُدُولٍ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ فِي طَلَبِهِ بِعِلْمِهِمْ فَلَمْ يَجِدْهُ لِتَغَيُّبٍ أَوْ سَفَرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ شَهِدُوا لَهُ بِذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قَضَى وَكِيلًا فِي ضَيْعَتِهِ وَلَمْ يُوَكِّلْهُ رَبُّ الْحَقِّ بِتَقَاضِي دَيْنِهِ أَجْزَأَهُ. قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إذَا لَمْ يَجِدْ وَكِيلًا عَلَى الْحَقِّ وَلَا سُلْطَانًا مَأْمُونًا وَدَفَعَ إلَى ثِقَةٍ مِنْ أَهْلِ الطَّالِبِ أَوْ وَكِيلِ ضَيْعَتِهِ أَوْ إلَى أَجْنَبِيٍّ بَرَّ وَلَكِنَّهُ يَضْمَنُهُ حَتَّى يَصِلَ إلَى رَبِّهِ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. عِيَاضٌ: قَوْلُهُ: " وَإِنْ قَضَى وَكِيلًا فِي ضَيْعَتِهِ أَجْزَأَهُ " ظَاهِرُهُ كَانَ بِالْبَلَدِ سُلْطَانٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَعَلَى هَذَا اخْتَصَرَهَا بَعْضُهُمْ، وَاخْتَصَرَهَا آخَرُونَ أَنَّهُ لَا يَبَرُّ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ السُّلْطَانِ أَوْ الْوُصُولِ إلَيْهِ. (وَبَرِيءَ فِي الْحَاكِمِ إنْ لَمْ يُحَقِّقْ جَوْرَهُ وَإِلَّا ضَرَّ) تَقَدَّمَتْ عِبَارَةُ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ إنْ دَفَعَ إلَى حَاكِمٍ عَدْلٍ مِنْ الْحِنْثِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ الدَّيْنِ. ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: إنْ دَفَعَ إلَى الْإِمَامِ غَيْرِ عَدْلٍ مِمَّنْ يَأْكُلُهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ. قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: وَإِنَّمَا بَرَّ بِدَفْعِهِ إلَى السُّلْطَانِ وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ لَا يَقْبِضُ دِينًا لِغَائِبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَفْقُودًا لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلْحَالِفِ لِبِرِّهِ فِي يَمِينِهِ وَبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ (كَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُمْ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ جَاءَ بِالْحَقِّ إلَى عُدُولٍ فَأَشْهَدَهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 475 فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَتْ عِبَارَةُ ابْنِ بَشِيرٍ فَالْحَاكِمُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ. (وَلَهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ أَوْ عِنْدَ رَأْسِهِ أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ رَأْسَ الشَّهْرِ أَوْ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ الشَّهْرُ فَلَهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَإِنْ قَالَ: إلَى اسْتِهْلَالِ الشَّهْرِ أَوْ إلَى رَمَضَانَ فَإِذَا انْسَلَخَ شَعْبَانُ وَاسْتَهَلَّ رَمَضَانُ وَلَمْ يَقْضِهِ حَنِثَ. ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَكَذَا كُلُّ مَا ذُكِرَ فِيهِ " إلَى " فَهُوَ حَانِثٌ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ شَهْرٍ هُوَ فِيهِ كَقَوْلِهِ إلَى الْهِلَالِ أَوْ إلَى مَجِيئِهِ أَوْ إلَى رُؤْيَتِهِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ إلَى رُؤْيَتِهِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ " إلَى " وَذَكَرَ " اللَّامَ " أَوْ " عِنْدَ " أَوْ " إذَا " فَلَهُ لَيْلَةَ يُهِلُّ الْهِلَالُ وَيَوْمُهَا كَقَوْلِهِ: لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِدُخُولِهِ لِاسْتِهْلَالِهِ أَوْ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ أَوْ إذَا دَخَلَ وَنَحْوُهُ (وَإِلَى رَمَضَانَ أَوْ لِاسْتِهْلَالِهِ شَعْبَانَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى رَمَضَانَ أَوْ إلَى اسْتِهْلَالِ الشَّهْرِ، فَإِنْ اسْتَهَلَّ رَمَضَانُ وَلَمْ يَقْضِهِ حَنِثَ. يَبْقَى النَّظَرُ إذَا قَالَ: لِاسْتِهْلَالِهِ؛ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ الْفَرْقُ بَيْنَ " اللَّازِمِ " وَ " إلَى "، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ غَدًا فَقَضَاهُ الْيَوْمَ بَرَّ. (وَبِجَعْلِ ثَوْبٍ قَبَاءً أَوْ عِمَامَةً فِي لَا أَلْبَسُهُ لَا إنْ كَرِهَهُ لِضِيقِهِ وَلَا وَضَعَهُ عَلَى فَرْجِهِ) مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هَذَا الثَّوْبَ فَقَطَعَهُ قَبَاءً أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ جُبَّةً فَلَبِسَهُ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَرِهَ الْأَوَّلَ لِضِيقِهِ أَوْ لِسُوءِ عَمَلِهِ فَحَوَّلَهُ فَلَا يَحْنَثُ. وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ قَمِيصٌ أَوْ مِلْحَفَةٌ فَاِتَّزَرَ بِهِ أَوْ لَفَّ فِيهِ رَأْسَهُ أَوْ طَرَحَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ حَنِثَ، وَلَوْ أَصَابَهُ مِنْ اللَّيْلِ هِرَاقَةُ بَوْلٍ فَجَعَلَهُ عَلَى فَرْجِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَيْسَ هَذَا لُبْسًا وَلَوْ أَدَارَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ لُبْسٌ وَيَحْنَثُ وَقَالَهُ مَالِكٌ. (وَبِدُخُولِهِ مِنْ بَابٍ غُيِّرَ فِي لَا أَدْخُلُهُ إنْ لَمْ يَكْرَهْ ضِيقِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَحُوِّلَ الْبَابُ عَنْ حَالِهِ وَأُغْلِقَ وَفُتِحَ غَيْرُهُ، فَإِنْ دَخَلَ مِنْهُ حَنِثَ إلَّا أَنْ يُكْرَهَ الْبَابُ دُونَ الدَّارِ، إمَّا لِضِيقِهِ أَوْ لِجِوَارِ أَحَدٍ فَلَا يَحْنَثُ. (وَبِقِيَامٍ عَلَى ظَهْرِهِ وَبِمُكْتَرًى فِي لَا أَدْخُلُ لِفُلَانٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَعَلَا عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 477 ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْهَا حَنِثَ إنْ دَخَلَ بَيْتًا يَسْكُنُهَا وَفُلَانٌ بِكِرَاءٍ حَنِثَ وَهِيَ كَمِلْكِهِ. (وَبِأَكْلٍ مِنْ وَلَدٍ دَفَعَ لَهُ مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لِرَجُلٍ طَعَامًا فَدَخَلَ وَلَدُ الْحَالِفِ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَأَطْعَمَهُ خُبْزًا فَخَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُوهُ وَلَمْ يَعْلَمْ حَنِثَ. قَالَ سَحْنُونَ: أَمَّا أَنَا فَتَبَيَّنَ لِي أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الِابْنَ قَدْ مَلَكَ الطَّعَامَ. عَبْدُ الْحَقِّ: قَيَّدَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ الْمُدَوَّنَةَ بِكَوْنِ الْأَبِ قَادِرًا عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ لِابْنِهِ لِكَوْنِ الطَّعَامِ يَسِيرًا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِأَكْلِهِ فِي الْوَقْتِ كَالْكِسْرَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ يَقُولُ: نَفَقَةُ ابْنِي عَلَيَّ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَمِلَ عَنِّي مِنْهَا شَيْئًا. فَهَذَا إنْ أَكَلَ مِمَّا أَعْطَى الصَّبِيَّ حَنِثَ وَيُعَدُّ ذَلِكَ قَبُولًا مِنْهُ لِخُبْزِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْدِمًا حَتَّى لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ ابْنِهِ فَلَا يَحْنَثُ، وَابْنُهُ وَعَبْدُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَهُ رَدُّ هِبَةٍ لِعَبْدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَدِينًا. التُّونِسِيُّ: وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى رَدِّهِ فَمَا أَكَلَهُ إلَّا فِي مِلْكِ ابْنِهِ. (وَبِالْكَلَامِ أَبَدًا فِي لَا أُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ أَوْ الشُّهُورَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ لَمْ يُكَلِّمْهُ الْأَبَدَ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24] فَلَوْ قَالَ: الشُّهُورُ فَفِي كَوْنِهِ سَنَةً لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36] أَوْ الْأَبَدُ قَوْلَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ غَيْرَ هَذَا. (وَثَلَاثَةً فِي كَأَيَّامٍ) اللَّخْمِيِّ: لَوْ حَلَفَ لَا أُكَلِّمُهُ شُهُورًا أَوْ أَيَّامًا أَوْ سِنِينَ فَثَلَاثَةٌ مِنْ الْمُسَمَّى. ابْنُ بَشِيرٍ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الذِّمَّةَ تَعْمُرُ بِإِلَّا وَهُوَ الْمَشْهُورُ (وَهَلْ كَذَلِكَ لَأَهْجُرَنَّهُ أَوْ شَهْرًا قَوْلَانِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا حَلَفَ لَيَهْجُرَنَّهُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَبَرُّ بِهِ، فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: يَهْجُرُهُ شَهْرًا. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ: يُجْزِئُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ» وَاسْتَحَبَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 478 سَحْنُونَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْأَبَدُ. وَقِيلَ: بِمُضِيِّ مُدَّةُ عَادَتُهُمَا الِاجْتِمَاعُ فِيمَا دُونَهُ. وَقِيلَ: سَنَةٌ. وَقِيلَ: ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ. ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَلَيْسَ فِي " لَيَهْجُرَنَّهُ " وَصْلُ الْهَجْرِ إنْ بِيَمِينِهِ بِخِلَافِ " لَا أُكَلِّمُهُ "، وَهَلْ يَبَرُّ بِمُجَرَّدِ السَّلَامِ مَعَ الْكَفِّ عَنْ كَلَامِهِ؟ قَوْلَانِ عَلَى رَعْيِ اللَّفْظِ وَالْمَقْصِدِ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَسَنَةٌ فِي حِينٍ وَزَمَنٍ وَعَصْرٍ وَدَهْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك إلَى حِينٍ أَوْ زَمَنٍ أَوْ دَهْرٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَنَةٌ. اللَّخْمِيِّ: وَعَصْرًا أَوْ زَمَانًا سَنَةٌ. (وَبِمَا يُفْسَخُ أَوْ بِغَيْرِ نِسَائِهِ فِي لَأَتَزَوَّجَنَّ) اللَّخْمِيِّ: مَنْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ بَرَّ بِبِنَائِهِ بِحُرَّةٍ مِنْ مُنَاكَحَةٍ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ اتِّفَاقًا. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ تَزَوُّجُهُ بِمُجَرَّدِ بِرِّهِ. ابْنُ رُشْدٍ: قِيلَ: لَا يَبَرُّ إذَا تَزَوَّجَهَا لَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ وَلَا يُمْسِكُهَا وَإِنَّمَا يَبَرُّ إنْ تَزَوَّجَهَا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ وَالرِّوَايَاتُ لَا يَبَرُّ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ. ذَكَرَهُ اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ: وَالْقِيَاسُ بِرُّهُ مُطْلَقًا. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ تَزَوَّجَ مَنْ لَيْسَتْ مِنْ مُنَاكِحِهِ لَمْ يَبَرَّ. وَسَهَّلَ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَزَوَّجَ ثُمَّ مَاتَتْ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا قَالَ: هُوَ حَانِثٌ سَاعَةَ مَلَكَ عُقْدَتَهَا، مَسَّ أَوْ لَمْ يَمَسَّ. وَلَوْ كَانَ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَزَوَّجَ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ يَمِينِهِ حَتَّى يَمَسَّهَا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ عَلَى أُصُولِهِمْ فِي أَنَّ الْحِنْثَ يَقَعُ بِأَقَلِّ الْوُجُوهِ وَالْبِرُّ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَكْمَلِ الْوُجُوهِ، وَلَا يَبَرُّ بِالدُّخُولِ أَيْضًا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَزَوَّجَ مِمَّنْ يُشْبِهُ مُنَاكِحِهِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُحِلُّهَا هَذَا النِّكَاحُ لِزَوْجٍ كَانَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: لَا يُحِلُّهَا، كَانَتْ تُشْبِهُ مُنَاكِحَهُ أَوْ لَا تُشْبِهُ. وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ عَلَى قِيَاسِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ. (وَبِضَمَانِ الْوَجْهِ فِي لَا أَتَكَفَّلُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَدَمَ الْغُرْمِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ أَبَدًا فَتَكَفَّلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ حَنِثَ، لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ كَالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ وَجْهُهُ بِلَا مَالٍ فَلَا يَحْنَثُ. (وَبِهِ لِوَكِيلٍ فِي لَا أَضْمَنُ لَهُ إنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَتِهِ وَهَلْ إنْ عَلِمَ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ لِفُلَانٍ بِكَفَالَةٍ فَتَكَفَّلَ لِوَكِيلٍ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَكِيلُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ مِنْ سَبَبِ فُلَانٍ وَنَاحِيَتُهُ لَمْ يَحْنَثْ. ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ وُكَلَائِهِ أَوْ مِنْ سَبَبِهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ حَنِثَ. عِيَاضٌ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مَتَى كَانَ مِنْ سَبَبِهِ لَمْ يُرَاعَ عَلِمَ الْحَالِفُ بِهِ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ خِلَافُهُ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وِفَاقٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَفِي لَا بَاعَ مِنْهُ " فَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وِفَاقٌ فَانْظُرْهُ. (وَبِقَوْلِهِ مَا ظَنَنْته قَالَهُ لِغَيْرِي لِمُخْبِرٍ فِي لَيُسِرَّنَّهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ أَسَرَّ إلَيْهِ رَجُلٌ سِرًّا فَأَحْلَفَهُ لَيَكْتُمَنَّهُ ثُمَّ أَسَرَّهُ الْمُسِرُّ لِآخَرَ فَذَكَرَهُ الْآخَرُ لِلْحَالِفِ فَقَالَ لَهُ الْحَالِفُ مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ أَسَرَّهُ لِغَيْرِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 479 حَنِثَ. (وَبِاذْهَبِي الْآنَ إثْرَ لَا كَلَّمْتُكِ حَتَّى تَفْعَلِي وَلَيْسَ قَوْلُهُ لَا أُبَالِي بَدْءًا لِقَوْلٍ آخَرَ فِي لَا أُكَلِّمُك حَتَّى تَبْدَأَنِي) سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: إنْ كَلَّمْتنِي حَتَّى تَقُولِي إنِّي أُحِبُّك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ لَهُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ نَعَمْ أَنَا أُحِبُّك فَقَالَ: هُوَ حَانِثٌ حِينَ قَالَتْ: غَفَرَ اللَّهُ لَك قَبْلَ أَنْ تَقُولَ أَنَا أُحِبُّك. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَقَدْ اخْتَصَمْت أَنَا وَابْنُ كِنَانَةَ إلَى مَالِكٍ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ كَلَّمْتُك حَتَّى تَفْعَلِي كَذَا وَكَذَا ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي ذَلِكَ النَّسَقِ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَاذْهَبِي الْآنَ كَالْقَائِلِ إنْ شِئْت فَافْعَلِي وَإِنْ شِئْت فَدَعِي. فَقُلْت أَنَا: قَدْ حَنِثَ حِينَ قَالَ لَهَا: اذْهَبِي. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: لَمْ يَحْنَثْ. فَدَخَلْنَا عَلَى مَالِكٍ فَقَضَى لِي عَلَيْهِ وَرَآهُ حَانِثًا، فَمَسْأَلَتُك أَبْيَنُ مِنْ هَذَا. وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ أَصْوَبُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي أَخَوَيْنِ حَلَفَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ إنْ كَلَّمْتُك أَبَدًا حَتَّى تَبْدَأَنِي ثُمَّ حَلَفَ الْآخَرُ إنْ كَلَّمْتُك أَبَدًا حَتَّى تَبْدَأَنِي: إنَّ الْأَيْمَانَ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا حَلَفَا عَلَيْهِ مَنْ بَدَأَ مِنْهُمَا صَاحِبُهُ فَهُوَ حَانِثٌ، وَحَلْفَةُ الثَّانِي حِينَ حَلَفَ لَيْسَتْ بِتَبْدِئَةٍ تَسْقُطُ بِهَا الْأَيْمَانُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي رَجُلٍ قَالَ لِصَاحِبِهِ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتُك حَتَّى تَبْدَأنِي بِالْكَلَامِ فَقَالَ صَاحِبُهُ إذَنْ وَاَللَّهِ لَا أُبَالِي: لَيْسَتْ هَذِهِ تَبْدِئَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ الَّذِي صَوَّبَهُ أَصْبَغُ أَخَذَ بِهِ، وَمَا أَلْزَمَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ مِنْ الِاضْطِرَابِ لَازِمٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَهُوَ اخْتِلَافٌ مِنْ قَوْلِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْحِنْثَ لَا يَقَعُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ مَا كَانَا فِيهِ فَلَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَإِنَّمَا وَقَّعْت عَلَى اسْتِئْنَافِ كَلَامٍ بَعْدَهُ. وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْحِنْثَ بِهَذَا مَنْ اعْتَبَرَ مُجَرَّدَ الْأَلْفَاظِ فِي الْأَيْمَانِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى مَعَانِيهَا، وَتُوجَدُ فِي الْمَذْهَبِ مَسَائِلُ لَيْسَتْ عَلَى أُصُولِهِ تَنْحُو إلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ. (وَبِالْإِقَالَةِ فِي لَا تَرَكَ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا إنْ لَمْ يَفِ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ لَا وَضَعَ مِنْ ثَمَنِ سِلْعَتِهِ شَيْئًا لَا يَقْبَلُ مِنْهُ رَبُّ إقَالَةٍ أَحْسَنَ مِنْ وَضَيْعَةٍ. ابْنُ الْقَاسِمِ: يُرِيدُ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ يَوْمَئِذٍ أَقَلُّ مِنْ ثَمَنِهِ. وَسَمِعَهُ مِنْهُ عِيسَى وَأَصْبَغُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ بَيِّنٌ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي يَحْلِفُ لَيَقْضِيَنَّ رَجُلًا دَنَانِيرَ. أَوْ حَقَّهُ فَقَضَاهُ عَرْضًا أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ لِحَقِّهِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا اسْتَثْقَلَهُ. وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْإِقَالَةِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْمَالُ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ فِي الْإِقَالَةِ فِيهِ وَفَاءٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْقَمْحِ أَوْ السِّلْعَةِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ (لَا إنْ أَخَّرَ الثَّمَنَ عَلَى الْمُخْتَارِ) لِمَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ مَسْأَلَةَ مَنْ حَلَفَ لَا وَضَعَ مِنْ ثَمَنِ سِلْعَتِهِ شَيْئًا فَأَقَالَ مِنْهُ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَفِي الْمَجْمُوعَةِ قِيلَ: فَإِنْ أَخَّرَهُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: رُبَّ نَظْرَةٍ خَيْرٌ مِنْ وَضَيْعَةٍ، يَكُونُ لِلْعَشْرَةِ أَحَدَ عَشَرَ. قِيلَ: فَمَا حَدُّهُ؟ قَالَ: قَدْرُ تَقَاضِيهِ الْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ. وَالتُّونِسِيُّ قَالَ مَالِكٌ: يَحْنَثُ بِتَأْخِيرِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَحْنَثُ. اللَّخْمِيِّ: عَدَمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 الْحِنْثِ أَبْيَنُ. التُّونِسِيُّ: الْحِنْثُ أَصْوَبُ. (وَلَا إنْ دَفَنَ مَالًا فَلَمْ يَجِدْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَكَانَهُ فِي أَخَذْتِيهِ) سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ دَفَنَ دَرَاهِمَ لَهُ فِي بَيْتِهِ فَالْتَمَسَهَا بَيْنَ فُرُشِهِ فِي بَيْتِهِ فَلَمْ يَجِدْهَا فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَيْنَ الدَّرَاهِمُ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتهَا فَقَالَ لَهَا: هِيَ طَالِقٌ إنْ أَخَذَهَا أَحَدٌ غَيْرَهَا ثُمَّ وَجَدَ تَحْتَ مُصَلًّى كَانَ لَهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ جَعَلَهَا ثُمَّ وَنَسِيَهَا قَالَ: أَرَى أَنَّهَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ. ابْنُ بَشِيرٍ: يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ أَنَّهُ أَرَادَ إنْ كَانَتْ أَخَذَتْ. وَرَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فَسُئِلَ عَنْهَا عَامَّةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَسْأَلَةِ السَّوْطِ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِضَاعَةِ. اُنْظُرْ رَسْمَ طَلَّقَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَبِتَرْكِهَا عَالِمًا فِي لَا خَرَجْتِ إلَّا بِإِذْنِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 لَا إنْ أَذِنَ لِأَمْرٍ فَزَادَتْ بِلَا عِلْمٍ) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَدَارُ جَارِهِ فِي الْحَالِفِ أَنْ لَا يَأْذَنَ لِامْرَأَتِهِ فِي الْخُرُوجِ فَخَرَجْت بِغَيْرِ إذْنِهِ فَعَلِمَ. جَعَلَ تَرْكَهُ لَهَا بَعْدَ عِلْمِهِ بِخُرُوجِهَا كَابْتِدَاءِ إذْنٍ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ لَا خَرَجَتْ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهَا حِينَ لَا تَسْمَع وَأَشْهَد بِذَلِكَ فَخَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنه قَبْل عِلْمهَا بِهِ حَنِثَ. عِبَارَة اللَّخْمِيِّ: وَلَوْ حَلَفَ لَا خَرَجَتْ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهَا وَلَمْ تَسْمَعْ ثُمَّ خَرَجَتْ حَنِثَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَة أَيْضًا يَحْنَث مِنْ حَلَفَ لَا أَذِنَ لِزَوْجَتِهِ فِي خُرُوج بِسُكُوتِهِ عَنْهَا بَعْد عِلْمه بِخُرُوجِهَا. زَادَ ابْن حَبِيب عَنْ ابْن الْقَاسِم وَغَيْره: إلَّا أَنْ يَحْلِف عَلَى التَّأَثُّم وَالتَّحَرُّج عَنْ الْإِذْن لَهَا وَيَتْرُكهَا عَلَى السَّخْطَة وَغَيْر رِضَا فَلَا يَحْنَث. وَمِنْ الْمُدَوَّنَة قَالَ ابْن الْقَاسِم: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْذَن لِزَوْجَتِهِ إلَّا فِي عِيَادَة مَرِيض فَخَرَجَتْ فِي الْعِيَادَة بِإِذْنِهِ ثُمَّ مَضَتْ بَعْد ذَلِكَ إلَى حَاجَة أُخْرَى لَمْ يَحْنَث، لِأَنَّ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنه وَهِيَ كُلَّمَا خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنه مِنْ حَمَّام أَوْ غَيْره لَا يَحْنَث إلَّا أَنْ يَتْرُكهَا بَعْد عِلْمه فَيَصِير ذَلِكَ كَابْتِدَاءِ إذْن، وَإِنْ هُوَ حِين عِلْم بِذَلِكَ لَمْ يَتْرُكهَا فَلَا يَحْنَث، وَإِنْ لَمْ يَعْلَم بِذَلِكَ حَتَّى رَجَعَتْ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، فَانْظُرْ هَذِهِ الْفُرُوع مَعَ عِبَارَة خَلِيل. (وَبِعَوْدِهِ لَهَا بَعْدُ بِمِلْكٍ آخَرَ فِي لَا أَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَا دَامَتْ لَهُ لَا دَارَ فُلَانٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ قَالَ دَارُ فُلَانٍ هَذِهِ فَبَاعَهَا فُلَانٌ فَسَكَنَهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا دَامَتْ فِي مِلْكِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: دَارُ فُلَانٍ وَلَمْ يَقُلْ هَذِهِ فَبَاعَهَا فُلَانٌ فَسَكَنَهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا أَبَدًا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ فَكَأَنَّهُ إنَّمَا كَرِهَ سُكْنَى تِلْكَ الدَّارِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا دَامَتْ فِي مِلْكِ فُلَانٍ، وَإِذَا قَالَ: دَارُ فُلَانٍ فَبِالْبَيْعِ قَدْ صَارَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 غَيْرَ دَارِ فُلَانٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَحْنَثَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ عَيْنَ الدَّارِ. (وَلَا إنْ خَرِبَتْ وَصَارَتْ طَرِيقًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ فَهُدِمَتْ أَوْ خَرَجَتْ حَتَّى صَارَتْ طَرِيقًا فَدَخَلَهَا لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ مِنْ أَجْلِ صَاحِبِهَا أَوْ كَرَاهِيَةِ فِيهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْمُرُورِ، وَإِنْ كَانَتْ كَرَاهِيَتُهُ فِي الدَّارِ خَاصَّةً فَلَا يَمُرُّ بِهَا. قَالَ فِيهِ: وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ بُنِيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَدْخُلُهَا. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: فَإِنْ دَخَلَهَا حَنِثَ وَإِنْ حُوِّلَتْ مَسْجِدًا لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهِ (إنْ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ) لَمْ أَجِدْ هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 الْفَرْعَ. (وَفِي لَا بَاعَ مِنْهُ أَوْ لَهُ بِالْوَكِيلِ إنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَتِهِ وَإِنْ قَالَ حِينَ الْبَيْعِ أَنَا حَلَفْت فَقَالَ هُوَ لِي ثُمَّ صَحَّ أَنَّهُ ابْتَاعَ لَهُ حَنِثَ وَلَزِمَ الْبَيْعُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ لِفُلَانٍ شَيْئًا فَدَفَعَ فُلَانٌ ثَوْبًا لِرَجُلٍ فَأَعْطَاهُ الرَّجُلُ لِلْحَالِفِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ ثَوْبُ فُلَانٍ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ سَبَبِ فُلَانٍ وَنَاحِيَتِهِ مِثْلَ الصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ أَوْ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَنَحْوِهِ حَنِثَ وَإِلَّا لَمْ يَحْنَثْ. وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ مِنْهُ فَبَاعَهُ مِمَّنْ اشْتَرَى لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ سَبَبِ فُلَانٍ وَنَاحِيَتِهِ حَنِثَ وَإِلَّا لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ قَالَ لَهُ عِنْدَ الْبَيْعِ: أَنَا حَلَفْت أَنْ لَا أَبِيعَ فُلَانًا فَقَالَ لَهُ: إنَّمَا ابْتَاعَ لِنَفْسِي ثُمَّ صَحَّ بَعْدَ الْبَيْعِ أَنَّهُ إنَّمَا ابْتَاعَ لِفُلَانٍ، لَزِمَ الْحَالِفُ الْبَيْعَ وَلَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَحَنِثَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ نَاحِيَةِ فُلَانٍ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: إذَا كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 الْمُشْتَرِي مِنْ نَاحِيَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ رَسُولُهُ وَقَدْ عَرَفَ ذَلِكَ الْبَائِعُ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ سَبَبِهِ لَمْ يَحْنَثْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا وِفَاقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ. (وَأَجْزَأَ تَأْخِيرُ الْوَارِثِ فِي إلَّا أَنْ تُؤَخِّرَنِي لَا فِي دُخُولِ دَارٍ وَتَأْخِيرِ وَصِيٍّ بِالنَّظَرِ وَلَا دَيْنَ وَتَأْخِيرُ غَرِيمٍ إنْ أَحَاطَ وَأَبْرَأَ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ بِالنَّظَرِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَأْخِيرُ الْوَصِيِّ عَلَى غَيْرِ النَّظَرِ يُبْرِئُهُ وَالْوَصِيُّ ظَالِمٌ. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ لَأَقْضِيَنَّك حَقَّك إلَى أَجَلٍ إلَّا أَنْ تَشَاءَ أَنْ تُؤَخِّرَنِي فَمَاتَ الطَّالِبُ، أَنَّهُ يُجْزِئُهُ تَأْخِيرُ وَرَثَتِهِ إنْ كَانُوا كِبَارًا أَوْ وَصِيِّهِ إنْ كَانَ أَوْلَادُهُ صِغَارًا وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَكُنْ لِوَصِيٍّ وَلَا وَارِثٍ تَأْخِيرٌ مَعَ الْغُرَمَاءِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُجْزِئُهُ تَأْخِيرُ الْغُرَمَاءِ إنْ أَحَاطَ دَيْنُهُمْ بِمَالِهِ عَلَى أَنْ يُبْرِئُوا ذِمَّةَ الْمَيِّتِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ زَيْدٍ أَوْ لَا يُعْطِيَ فُلَانًا حَقَّهُ إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ فَمَاتَ فُلَانٌ لَمْ يُجْزِهِ إذْنُ وَرَثَتِهِ إذْ لَيْسَ بِحَقٍّ يُورَثُ، وَإِنْ دَخَلَ وَقَضَى حَنِثَ. (وَفِي بِرِّهِ فِي لَأَطَأَنَّهَا فَوَطِئَهَا حَائِضًا فِي لَتَأْكُلَنَّهَا فَخَطَفَتْهَا هِرَّةٌ فَشَقَّ جَوْفَهَا وَأَكَلَتْ أَوْ بَعْدَ فَسَادِهَا قَوْلَانِ إلَّا أَنْ تَتَوَانَى) فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 يَطَأَ امْرَأَتَهُ فَوَطِئَهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ نَهَارًا فَلَا يَبَرُّ. وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ فَوَطِئَهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ فَقَدْ حَنِثَ. ابْنُ رُشْدٍ: تَفْرِقَتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ إنَّمَا يُفَرَّقُ فِي مَعْنَى الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ تَزُولُ يَمِينُهُ بِذَلِكَ الْوَطْءِ وَيَأْثَمُ وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ أَنْ يَبَرَّ بِهَذَا الْوَطْءِ كَمَا يَحْنَثُ بِهِ أَوْ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِهِ كَمَا لَا يَبَرُّ بِهِ وَسَمِعَ أَبُو زَيْدٍ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ فِي رَجُلٍ تَغَذَّى مَعَ أَهْلِهِ فَجَعَلَ بَيْنَ يَدَيْ امْرَأَتِهِ بِضْعَةَ لَحْمٍ فَرَدَّتْهَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَأْكُلِيهَا فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَذَهَبَتْ بِهَا فَأَكَلَتْهَا فَأَخَذَتْ الْمَرْأَةُ الْهِرَّةَ فَذَبَحَتْهَا فَأَخْرَجَتْ الْبِضْعَةَ فَأَكَلَتْهَا الْمَرْأَةُ: لَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنْ يَمِينِهِ فِي شَيْءٍ يَحْنَثُ فِي مِثْلِهِ، فَإِنْ كَانَ سَاعَةَ حَلَفَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَمِينِهِ وَبَيْنَ أَخْذِ الْهِرَّةِ الْبِضْعَةَ قَدْرُ مَا تَتَنَاوَلُهَا الْمَرْأَةُ وَتَحُوزُهَا دُونَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَوَانَتْ قَدْرَ مَا لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَهَا وَتَحُوزَهَا دُونَهَا فَعَلَتْ فَهُوَ حَانِثٌ. ابْنُ رُشْدٍ: مِثْلُ هَذَا لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَقَاصِدِ الَّتِي تَظْهَرُ مِنْ الْحَالِفِينَ بِهَا وَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ مُقْتَضَى أَلْفَاظِهِمْ فِيهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ فِي وَقْتِ يَمِينِهِ أَنْ تَأْكُلَهَا إلَّا وَهِيَ عَلَى حَالِهَا مُسْتَسَاغَةً لَا عَلَى أَنَّهَا مَأْكُولَةٌ تُعَافُ وَتُسْتَكْرَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهَا إنْ اسْتَخْرَجَتْهَا مِنْ بَطْنِ الْهِرَّةِ قَبْلَ أَنْ يَنْحَلَّ فِي جَوْفِهَا شَيْءٌ مِنْهَا فَأَكَلَتْهَا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ. وَهَذَا يَأْتِي عَلَى مُرَاعَاةِ مَا يَقْتَضِيهِ مُجَرَّدُ الْأَلْفَاظِ فِي الْأَيْمَانِ دُونَ اعْتِبَارِ الْمَقَاصِدِ فِيهَا، وَهُوَ أَصْلٌ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَعْنَى وَبَيْنَ الَّذِي يَحْلِفُ لَيَأْكُلَنَّ الطَّعَامَ فَلَا يَأْكُلُهُ حَتَّى يَفْسُدَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ. (وَفِيهَا الْحِنْثُ بِأَحَدِهِمَا فِي لَا كِسْوَتُهُمَا وَنِيَّتُهُ الْجَمْعُ وَاسْتَشْكَلَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ خُبْزًا وَزَيْتًا حَنِثَ بِأَكْلِ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ جَمِيعَهُمَا فَلَا يَحْنَثُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: مَنْ حَلَفَ لَا كَسَا امْرَأَتَهُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ وَنِيَّتُهُ لَا كَسَاهَا إيَّاهُمَا جَمِيعًا فَكَسَاهَا أَحَدُهُمَا حَنِثَ يَعْنِي إنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ لَا يَكْسُوَهُمَا إيَّاهَا مُجْتَمِعَتَيْنِ وَلَا مُفْتَرِقَيْنِ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ وَزَادَ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَجْمَعَهُمَا لَهَا لَمْ يَحْنَثْ إنْ كَسَاهَا وَاحِدًا. ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ الشَّيْخُ: فَارَقَ جَوَابَهُ فِي تَنْوِيَتِهِ فِي لَا آكُلُ خُبْزًا وَزَيْتًا لِأَنَّ الْعُرْفَ جَمَعَهُمَا بِخِلَافِ الثَّوْبَيْنِ لَيْسَ الْعُرْفُ جَمَعَهُمَا. ابْنُ رُشْدٍ: اتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى حِنْثِ مَنْ حَلَفَ لَأَفْعَلُ فِعْلَيْنِ بِأَحَدِهِمَا وَلَا فَعَلَ فِعْلًا بِبَعْضِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ جَمَعَهُمَا فَلَا يَحْنَثُ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 487 دَخَلْتُمَا الدَّارَ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ أَوْ يَقُولَ لَهُمَا: إنْ مَسَسْتُكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ. اُنْظُرْ رَسْمَ إنْ أَمْكَنْتنِي وَذَكَرَ فِيهِ كَاَلَّذِي يَقُولُ لِعَبْدَيْهِ: إنْ شِئْتُمَا الْحُرِّيَّةَ فَأَنْتُمَا حُرَّانِ، فَشَاءَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَشَأْ الْآخَرُ كَاَلَّذِي يَتَصَدَّقُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ بِعَبْدٍ وَيَقُولُ: إنْ قَبِلْتُمَاهُ فَقَبِلَهُ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ. وَانْظُرْ فِي ثَالِثِ تَرْجَمَةٍ مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِي الْقَائِلِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ وَدَارَ فُلَانٍ فَدَخَلْت إحْدَاهُمَا أَنَّهُ حَانِثٌ، ثُمَّ إنْ دَخَلْت الثَّانِيَةَ لَمْ تَطْلُقْ ثَانِيَةً. وَانْظُرْ فِي التَّرْجَمَةِ نَفْسَهَا إنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَخَالَعَهَا فَدَخَلَتْهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ثُمَّ رَدَّهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 [فَصْلٌ النَّذْرُ] [أَرْكَانُ النَّذْرِ وَأَحْكَامُهُ] ُ وَالنَّظَرُ فِي أَرْكَانِ النُّذُورِ وَأَحْكَامِهِ أَمَّا أَرْكَانُهُ فَهِيَ: الْمُلْتَزِمُ وَالْمُلْتَزَمُ وَصِيغَةُ الِالْتِزَامِ. وَأَمَّا أَحْكَامُهُ فَالْمُلْتَزَمَاتُ أَنْوَاعٌ الصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَإِتْيَانُ الْمَسَاجِدِ وَالضَّحَايَا وَالْهَدَايَا (النَّذْرُ الْتِزَامُ) . ابْنُ شَاسٍ: النَّذْرُ عِبَارَةٌ عَنْ الِالْتِزَامِ وَالْإِيجَابِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: النَّذْرُ اللَّازِمُ هُوَ أَنْ يُوجِبَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ فِعْلَ مَا فَعَلَهُ قُرْبَةً لِلَّهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، لِأَنَّ الطَّاعَةَ الْوَاجِبَةَ لَا تَأْثِيرَ لِلنَّذْرِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْمَعْصِيَةِ الْمُحَرَّمَةِ لَا تَأْثِيرَ لِلنَّذْرِ فِيهِ لِوُجُوبِ تَرْكِ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالشَّرْعِ دُونَ النَّظَرِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ التَّرْكِ بِالنَّذْرِ التَّرْكُ الْمُسْتَحَبُّ، مِثْلُ أَنْ يَنْذِرَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَحَدًا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. [شُرُوطُ النَّذْرِ] (مُسْلِمٍ كُلِّفَ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ النَّذْرِ التَّكْلِيفُ وَالْإِسْلَامُ. ابْنُ رُشْدٍ: أَدَاءُ مُلْتَزِمِهِ كَافِرًا بَعْدَ إسْلَامِهِ عِنْدَنَا نَدْبٌ. (وَلَوْ غَضْبَانَ) ابْنُ رُشْدٍ: نَذْرُ الْغَضَبِ لَازِمٌ اتِّفَاقًا كَيَمِينِهِ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْتِزَامَ كُلِّ الطَّاعَاتِ يَلْزَمُ عِنْدَنَا، كَانَ عَلَى وَجْهِ الرِّضَا أَوْ عَلَى سَبِيلِ اللَّجَاجِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَدْ حَكَى الْأَشْيَاخُ أَنَّهُمْ وَقَفُوا عَلَى قَوْلَةٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَلَّقْت أَنَّهُ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيل عَلَى سَبِيلِ اللَّجَاجِ وَالْحَرَجِ يَكْفِي فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَهَذَا هُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ. وَكَانَ مَنْ لَقِينَاهُ مِنْ الشُّيُوخِ يَمِيلُ إلَى هَذَا الْمَذْهَبِ وَيَعُدُّونَهُ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ فَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصِّيَامِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ شَيْخِ الشُّيُوخِ ابْنِ لُبٍّ وَأَنَّ كَفَّارَةَ ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَرَشَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَائِلًا: الْحَالِفُ بِالطَّاعَةِ عِنْدَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ عَنْ قَصْدِ الْعِبَادَةِ بِمَعْزِلٍ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لِلْقَائِلِ لِنَاقَتِهِ أَنْتِ بَدَنَةٌ أَزَجْرَهَا قَصَدْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْك. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْقُرْبَةَ. وَكَمَا قَالُوا فِيمَنْ بَنَى مَسْجِدًا ضِرَارًا إنَّ نَفَقَتَهُ تَرْجِعُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ قُرْبَةً. قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: وَمِنْ هَذَا الصَّدَقَةُ عَلَى اللَّجَاجَةِ الَّتِي فِي سَمَاعِ يَحْيَى فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ إنْ قُمْتُ بِجَائِحَةٍ فَعَلَيَّ لِلْمَرْضَى كَذَا، إنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ وَلَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ، وَلِلْمَازِرِيِّ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ الْحَالِفَ بِالْمَشْيِ يُكَفِّرُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ لَا يُنَاقِضُ الْمَشْهُورَ بَلْ يَبْقَى مَطْلُوبًا بِالْمَشْيِ إذَا وَجَدَ سَبِيلًا. وَعِبَارَةُ اللَّخْمِيِّ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُكَفِّرَ حَتَّى يَجِدَ لِلْمَشْيِ سَبِيلًا كَانَ حَسَنًا. وَنَحْوُهُ لِلسُّيُورِيِّ وَلِلْمَازِرِيِّ أَيْضًا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ كِلَاهُمَا إذَا حَنِثَ بِصَوْمِ الْعَامِ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ وَلَا يُجْبَرُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْيَمِينَ بِذَلِكَ لَمْ تَخْرُجْ بِقَصْدِ النَّذْرِ فَتَمْضِي بِحُكْمِ الْأَوَامِرِ الْوَارِدَةِ. انْتَهَى مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ. حَمَلَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ كَمَا يَقُولُ: إنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ فَيُكَلِّمُهُ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَبَيْنَ مَا الْتَزَمَهُ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: خَافَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ كَلَّفَ ابْنَهُ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ فَلَا يَفْعَلُ فَيَسْتَهِينُ بِمَسْأَلَةٍ مِنْ الدِّينِ فَيَكُونُ ذَلِكَ طَرِيقًا إلَى غَيْرِهَا فَيَسْتَهِينُ أَيْضًا بِهَا. ثُمَّ قَالَ: وَجُزْءٌ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 الْفَتْوَى عَظِيمٌ أَنْ يَرْكَبَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: عَلَى قُوَّةِ الْخِلَافِ تَقْوَى مُرَاعَاتُهُ. (وَإِنْ قَالَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ أَرَى خَيْرًا مِنْهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ إلَّا أَنْ أَرَى خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ الْمَشْيُ وَلَا يَنْفَعُهُ اسْتِثْنَاؤُهُ، يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُضَمِّنَ يَمِينَهُ بِفِعْلٍ فَيَنْفَعَهُ قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فِي الْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْيَمِينِ بِالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ. اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ فَإِنَّهُ رَشَّحَ أَنَّ قَوْلَهُ: إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي كَقَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ، وَهَذَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَشَاءَ فُلَانٌ فَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَشَأْ هُوَ (بِخِلَافِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَبِمَشِيئَتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا ثُنْيَا فِي طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَا مَشْيٍ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَشَاءَ فُلَانٌ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ (وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ بِهَذَا أَوَّلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 الْبَابِ (كَلِلَّهِ عَلَيَّ) إنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ طَلَاقُ زَوْجَتِي وَعِتْقُ أَمَتِي فَفَعَلَ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالزَّوْجَةِ فَرْقٌ. نَقَلَ هَذَا عَنْ الْبُرْزُلِيُّ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ قُرْبَةٍ وَيُؤْمَرُ بِعِتْقِ الْأَمَةِ وَلَا يُجْبَرُ. نَقَلَ ذَلِكَ مِنْ النَّوَادِرِ وَسَمَاعِ عِيسَى وَقَدْ تَقَدَّمَ لِي نَحْوُ هَذَا. وَمِمَّا جَمَعْته أَيْضًا مِمَّا تَقَدَّمَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ فَعَلَيَّ فَرْقٌ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: فَعَلَيَّ عِتْقُ أَمَتِي أَوْ عِتْقُ أَمَةٍ فَرْقٌ نَظِيرُ أَمَةِ الْمَشْيِ وَالصَّدَقَةِ لِمُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ انْتَهَى. [النَّذْرُ الْمُسْتَحَبُّ] ابْنُ رُشْدٍ: النَّذْرُ الْمُسْتَحَبُّ هُوَ الْمُطْلَقُ الَّذِي يُوجِبُهُ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى أَوْ لِغَيْرِ سَبَبٍ، وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ كَذَا وَكَذَا أَوْ نَذْرٌ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا أَوْ نَذْرٌ أَنْ لَا أَفْعَلَ أَوْ لَا يَلْفِظُ بِذِكْرِ النَّذْرِ فَيَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا أَوْ أَفْعَلُ كَذَا شُكْرًا لِلَّهِ، الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يَقُلْ نَذْرٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِكَذِبٍ، وَقَوْلُ مَالِكٍ أَصَحُّ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا إنْ أَرَادَ بِهِ الْإِخْبَارَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ النَّذْرَ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْإِخْبَارِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى النَّذْرِ الَّذِي لَهُ فَائِدَةٌ وَفِيهِ طَاعَةٌ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْكَذِبِ الَّذِي لَا فَائِدَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ مَعْصِيَةٌ (أَوْ عَلَيَّ ضَحِيَّةٌ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ مِنْ الْمُلْتَزَمَاتِ أَنْوَاعٌ مِنْهَا الضَّحَايَا، فَإِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِبَدَنَةٍ لَمْ تَقُمْ مَقَامَهَا بَقَرَةٌ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا مَعَ الْعَجْزِ فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ. وَكَذَلِكَ فِي إجْزَاءِ سَبْعٍ مِنْ الْغَنَمِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْبَقَرَةِ وَمَذْهَبُ الْكِتَابِ الْإِجْزَاءُ فِيهِمَا (وَنُدِبَ الْمُطْلَقُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: النَّذْرُ الْمُسْتَحَبُّ هُوَ الْمُطْلَقُ (وَكُرِهَ الْمُكَرَّرُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ كُلِّ خَمِيسٍ يَأْتِي لَزِمَهُ، فَإِنْ أَفْطَرَ مِنْهُ خَمِيسًا مُتَعَمِّدًا قَضَاهُ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَنْذِرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِوَقْتِهِ (وَفِي كُرْهِ الْمُعَلَّقِ تَرَدُّدٌ) الْبَاجِيُّ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ النَّذْرِ، وَأَمَّا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْهُ وَأَنَّهُ يَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يَنْذِرَ لِمَعْنًى مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، مِثْلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 أَنْ يَقُولَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ نَجَّانِي اللَّهُ مِنْ أَمْرِ كَذَا فَإِنِّي أَصُومُ يَوْمَيْنِ أَوْ أُصَلِّي صَلَاةً أَوْ أَتَصَدَّقُ بِكَذَا فَهَذَا الْمَكْرُوهُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ ذَلِكَ لِلَّهِ رَجَاءَ ثَوَابِهِ وَأَنْ يَكُونَ نَذْرُهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ دُونَ تَعَلُّقِ نَذْرِهِ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَعَرَضِهَا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: النَّذْرُ الْمُبَاحُ هُوَ الْمُقَيَّدُ بِشَرْطٍ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: عَلَيَّ كَذَا إنْ شَفَانِي اللَّهُ مِنْ مَرَضِي أَوْ قَدِمَ غَائِبِي وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ الشَّرْطُ مِنْ فِعْلِهِ، فَإِنْ قَيَّدَ مَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ بِشَرْطٍ مِنْ فِعْلِهِ وَيَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا فَعَلَيَّ كَذَا وَكَذَا فَلَيْسَ بِنَذْرٍ وَإِنَّمَا هِيَ يَمِينٌ مَكْرُوهَةٌ لِحَدِيثِ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» إلَّا أَنَّهَا لَازِمَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ فِيمَا يَلْزَمُ فِيهِ النَّذْرُ مِنْ الطَّاعَاتِ وَفِي الطَّلَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ فِيهِ طَاعَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ بِالطَّلَاقِ مُطَلِّقٌ عَلَى صِفَةٍ وَيُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ وَبِالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ بِخِلَافِ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَشْيِ وَالصَّدَقَةِ لِمُعَيَّنٍ أَوْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَالْعِتْقِ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ ذَلِكَ مِنْ تَقْيِيدِهِ مَخْرَجَ النَّذْرِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا، فَلَا يَلْزَمُهُ فِي الطَّلَاقِ إذْ لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ طَاعَةٌ وَيَلْزَمُهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الطَّاعَاتِ دُونَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عِتْقًا بِعَيْنِهِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ وَإِنْ كَانَ لِمُعَيَّنٍ لِأَنَّهُ لَا وَفَاءَ فِيهِ إلَّا مَعَ النِّيَّةِ، وَمَتَى قَضَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ لَمْ تَصِحَّ لَهُ نِيَّةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ. وَهَذَا إذَا سَمَّى النَّذْرَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُسَمِّهِ وَإِنَّمَا قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَهُوَ كَالْحَالِفِ بِاَللَّهِ، سَوَاءٌ فِي اللَّغْوِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَفِي جَمِيعِ وُجُوهِهِ وَلَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلَ اللَّهُ فِي كَذَا وَكَذَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. ابْنُ يُونُسَ: مَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَبِيدِي هَؤُلَاءِ يَأْمُرُ بِعِتْقِهِمْ وَلَمْ يُجْبَرْ وَلَمْ يُعْتَقُوا فِي ثُلُثٍ وَلَا غَيْرِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ غَدًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ. وَمُقْتَضَى نَقْلِ اللَّخْمِيِّ عَنْ أَصْبَغَ: أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِمَشْيٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى فِعْلِهِمَا. قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا خِلَافُ مَعْرُوفِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَهُوَ فِي الْمَشْيِ أَبْيَنُ أَنْ لَا يُجْبَرَ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ لَا لِآدَمِيٍّ كَقَوْلِهِ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَيْسَ فِي قَوْلِ أَصْبَغَ فِي النَّوَادِرِ لَفْظُ الْجَبْرِ إنَّمَا فِيهِ لَفْظُ اللُّزُومِ وَاللُّزُومُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْجَبْرَ. (وَلَزِمَ الْبَدَنَةُ بِنَذْرِهَا فَإِنْ عَجَزَ فَبَقَرَةٌ ثُمَّ سَبْعُ شِيَاهٍ لَا غَيْرُ وَصَامَ) لَوْ قَالَ: " وَصَامَ إنْ أَحَبَّ " لِتَنْزِلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَدَنَةً فَلْيَنْحَرْ بَعِيرًا لِأَنَّ الْبَدَنَةَ مِنْ الْإِبِلِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَعِيرًا فَبَقَرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَقَرَةً فَسَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْغَنَمَ لِضِيقٍ وَجَدَهُ فَلَا أَعْرِفُ فِي هَذَا صَوْمًا إلَّا أَنْ يُحِبَّ الصَّوْمَ فَلْيَصُمْ عَشْرَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَيْسَرَ يَوْمًا كَانَ عَلَيْهِ مَا نَذَرَ. (وَصِيَامٌ بِثَغْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ بِمَوْضِعٍ يَتَقَرَّبُ بِإِتْيَانِهِ إلَى اللَّهِ كَعَسْقَلَانَ وَإِسْكَنْدَرِيَّةَ لَزِمَهُ ذَلِكَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ. (وَثُلُثُهُ حِينَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ فَمَا بَقِيَ بِمَالِي فِي كَسَبِيلِ اللَّهِ) الرِّسَالَةُ: مَنْ جَعَلَ مَالَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 496 صَدَقَةً أَوْ هَدْيًا أَجْزَأَهُ ثُلُثُهُ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُهُ، وَاخْتُلِفَ مَا الْقَدْرُ اللَّازِمُ لَهُ مِنْهُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ الثُّلُثُ. وَإِذَا حَلَفَ وَمَالُهُ لَهُ مِقْدَارٌ فَزَادَ بَيْنَ الْحِنْثِ وَالْيَمِينِ أَخْرَجَ ثُلُثَ الْمِقْدَارِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ نَقَصَ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ يَمِينُهُ عَلَى بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى بِرٍّ كَقَوْلِهِ: لَا فَعَلْت أَخْرَجَ ثُلُثَ مَا عِنْدَهُ يَوْمَ الْحِنْثِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى حِنْثٍ كَقَوْلِهِ: لَأَفْعَلَنَّ أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ فَقَوْلَانِ (وَهُوَ الْجِهَادُ وَالرِّبَاطُ بِمَحَلٍّ خَفِيفٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ جَعَلَ مَالًا أَوْ غَيْرَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَسُبُلُ اللَّهِ كَثِيرَةٌ وَلَكِنْ إنَّمَا يُعْطَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِ الْجِهَادِ وَالرِّبَاطِ مِنْ السَّوَاحِلِ وَالثُّغُورِ، وَلَيْسَ جُدَّةُ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ فِيهَا الْخَوْفُ وَنُزُولُ الْعَدُوِّ بِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَمْ يَرَهَا مِثْلَ السَّوَاحِلِ (وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 مِنْ غَيْرِهِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ: مَالِي هَدْيٌ قَالَ: يُهْدِي ثُلُثَهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ حَتَّى يُبَلِّغَهُ مِنْ غَيْرِ الثُّلُثِ. وَقَالَ مَالِكٌ: فِيمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ ثُلُثِ مَالِهِ وَهُوَ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ مَسَاكِينُ فَلْيُكْرِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ. وَقِيلَ: إنَّ النَّفَقَةَ مِنْ الثُّلُثِ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ هَذَا الْقِيَاسُ عَلَى الزَّكَاةِ إذَا نُقِلَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا مِنْهَا. (إلَّا لِمُتَصَدِّقٍ بِهِ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالْجَمِيعُ) لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ هُنَا هُوَ مَوْضِعُهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّذْرِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 هُنَا ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ. وَاَلَّذِي لِابْنِ عَرَفَةَ الْهِبَةُ لِمُعَيَّنٍ دُونَ يَمِينٍ وَلَا تَعْلِيقٍ يَقْضِي بِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا وَعَلَى مُعَيَّنٍ فِي يَمِينٍ أَوْ تَعْلِيقٍ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِهَا. اُنْظُرْ آخِرَ الْهِبَاتِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَانْظُرْهُ فِي الْهِبَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ ". (وَكَرَّرَ إنْ أَخْرَجَ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا تَكَرَّرَتْ الْيَمِينُ بِصَدَقَةِ الْمَالِ فَإِنْ أَخْرَجَ مَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ عَنْ الْيَمِينِ الْأُولَى ثُمَّ حَلَفَ أَخْرَجَ عَنْ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ. وَهَكَذَا كُلَّمَا تَكَرَّرَتْ الْيَمِينُ فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ حَتَّى وَقَعَ يَمِينٌ ثَانٍ وَثَالِثٌ أَوْ أَكْثَرُ فَهَلْ يُجْزِئُهُ ثُلُثٌ وَاحِدٌ أَوْ يُخْرِجُ ثُلُثَ مَا بَقِيَ بَعْدَ أَنْ يُخْرِجَ ثُلُثَ الْيَمِينِ الْأُولَى؟ وَهَكَذَا عَلَى هَذَا الْحِسَابِ فِيهِ قَوْلَانِ (وَمَا سَمَّى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ قَالَ: نِصْفُ مَالِي أَوْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ صَدَقَةٌ أَوْ أَكْثَرُ فَلْيُخْرِجْ جَمِيعَ مَا سَمَّى مَا لَمْ يَقُلْ مَالِي كُلُّهُ. وَفِي الْوَاضِحَةِ: وَلَوْ قَالَ مَالِي كُلُّهُ صَدَقَةٌ إلَّا دِرْهَمًا فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ وَكَذَلِكَ فِي جُزْءٍ مِنْهُ (وَإِنْ مُعَيَّنًا أَتَى عَلَى الْجَمِيعِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ سَمَّى شَيْئًا مِنْ مَالِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 فَقَالَ: دَارِي أَوْ دَابَّتِي أَوْ ثَوْبِي صَدَقَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَ مَا سَمَّى فَحَنِثَ فَلْيُخْرِجْ كُلَّ مَا سَمَّى وَلَا يُجْزِئُهُ مِنْهُ الثُّلُثُ (وَبَعْثُ فَرَسٍ وَسِلَاحٍ لِمَحَلِّهِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بِيعَ وَعُوِّضَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ جَعَلَ عَبْدَهُ صَدَقَةً أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي يَمِينٍ فَحَنِثَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَفِي الصَّدَقَةِ يَبِيعُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ، وَفِي السَّبِيلِ يَدْفَعُ ثَمَنَهُ إلَى مَنْ يَغْزُو عَنْهُ مِنْ مَوْضِعِهِ إنْ وُجِدَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَبْعَثْ بِثَمَنِهِ. وَإِنْ كَانَ فَرَسًا أَوْ سِلَاحًا أَوْ شَيْئًا مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ جَعَلَهُ فِي السَّبِيلِ فِي يَمِينٍ فَحَنِثَ أَوْ فِي غَيْرِ يَمِينٍ فَلْيَبْعَثْ بِثَمَنِهِ فَيُجْعَلُ فِي مِثْلِ الْمَبِيعِ مِنْ كُرَاعٍ أَوْ سِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْبَقَرِ الْهَدْيِ تُبَاعُ إذَا لَمْ تَبْلُغْ فَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا إبِلًا لِأَنَّ تِلْكَ كُلُّهَا لِلْأَكْلِ وَهَذَا تَخْتَلِفُ مَنَافِعُهُ. وَإِنْ جَعَلَ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ صَدَقَةً فِي يَمِينٍ فَحَنِثَ أَوْ فِي غَيْرِ يَمِينٍ بَاعَ ذَلِكَ وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ جَعَلَهُ هَدْيًا فَلْيَبِعْهُ وَيُهْدِي ثَمَنَهُ. (كَهَدْيٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَغَنَمِي أَوْ إبِلِي أَوْ بَقَرِي هَدْيٌ فَحَنِثَ فَلْيَبْعَثْ بِهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إنْ كَانَتْ تَصِلُ. وَتُقَلَّدُ الْإِبِلُ وَتُشْعَرُ وَالْبَقَرُ لَا تَصِلُ مِنْ مِصْرَ. فَإِذَا خَافَ عَلَى هَذِهِ الْهَدَايَا أَنْ لَا تَبْلُغَ لِبُعْدِ سَفَرٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ بَاعَهَا وَابْتَاعَ بِثَمَنِ الْغَنَمِ غَنَمًا وَبِثَمَنِ الْإِبِلِ إبِلًا وَبِثَمَنِ الْبَقَرِ بَقَرًا، وَجَائِزٌ أَنْ يَبْتَاعَ بِثَمَنِ الْبَقَرِ إبِلًا لِأَنَّهَا لَمَّا بِيعَتْ صَارَتْ كَالْعَيْنِ، وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا غَنَمًا حَتَّى تَقْصُرَ عَنْ ثَمَنِ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ (وَلَوْ مَعِيبًا) أَشْهَبُ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ بَدَنَةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 عَوْرَاءَ وَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا كَالْجَذَعِ مِنْ الْمَعْزِ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فَلْيُهْدِهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَلْيُهْدِ مَا يَجُوزُ، كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ ابْنَهُ فَإِنَّهُ يُهْدِي مَكَانَهُ مَا يَجُوزُ فِي الْهَدْيِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: الْمَعِيبُ الْمُعَيَّنُ يُهْدِي قِيمَتَهُ أَوْ بَعِيرًا سَالِمًا. التُّونِسِيُّ: وَالْأَشْبَهُ فِي الْمَعِيبِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ سُقُوطُهُ كَنَذْرِ صَلَاةٍ فِي وَقْتٍ لَا تَحِلُّ. اللَّخْمِيِّ: الْمُعَيَّنُ وَالْمُبْهَمُ سَوَاءٌ لَيْسَ عَلَى الْجَاهِلِ إلَّا مَا نَذَرَ يَبِيعُ الْمُعَيَّنَ وَيُخْرِجُ قِيمَةَ الْمُبْهَمِ (عَلَى الْأَصَحِّ وَلَهُ فِيهِ إذَا بِيعَ الْإِبْدَالُ بِالْأَفْضَلِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةُ: جَائِزٌ أَنْ يَبْتَاعَ بِثَمَنِ الْبَقَرِ إبِلًا وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا غَنَمًا. (وَإِنْ كَانَ كَثَوْبٍ بِيعَ وَكُرِهَ بَعْثُهُ وَأُهْدِيَ بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ: دَارِي أَوْ عَبْدِي أَوْ دَابَّتِي أَوْ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ مِمَّا لَا يُهْدَى هُوَ هَدْيٌ أَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ فَحِنْثٌ فَلْيَبِعْهُ وَيَبْعَثْ بِثَمَنِهِ وَمَا أُهْدِيَ مِنْ الْعَيْنِ فَيَبْتَاعُ بِهِ هَدْيًا. ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ وَبَعَثَ بِهِ بِعَيْنِهِ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ وَيُبَاعُ هُنَالِكَ فَيَشْتَرِي بِهِ هَدْيًا، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ ثَمَنَ هَدْيٍ وَأَدْنَاهُ شَاةٌ أَوْ فَضَلَ مِنْهُ مَا لَا يَبْلُغُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: يَبْعَثُهُ إلَى خَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُنْفَقُ عَلَيْهَا. قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: فَإِنْ لَمْ تَحْتَجْ إلَيْهِ الْكَعْبَةُ تَصَدَّقَ بِهِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْسُو الْكَعْبَةَ بِأَجَلِهِ بَدَنَةً، فَلَمَّا كُسِيَتْ تَصَدَّقَ بِهَا. وَقَالَ أَصْبَغُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ خَاصَّةً. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: أَعْظَمَ مَالِكٌ أَنْ يُشْرَكَ مَعَ الْحَجَبَةِ فِي الْخَزَنَةِ أَحَدٌ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ دَفَعَ الْمَفَاتِيحَ لِعُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ (وَهَلْ اُخْتُلِفَ هَلْ يُقَوِّمُهُ أَوْ لَا أَوْ لَا نَدْبًا أَوْ التَّقْوِيمُ إنْ كَانَ بِيَمِينٍ تَأْوِيلَاتٌ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ هَدْيًا وَهُوَ مِمَّا لَا يُهْدَى إنْ شَاءَ بَاعَهُ وَأَخْرَجَ ثَمَنَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ قِيمَتَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَوْلُهُمْ فِي الصَّدَقَةِ لَا يَحْبِسُهُ وَيُخْرِجُ قِيمَتَهُ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ فِي هَدْيِ مَتَاعِهِ إلَّا إلَى عِوَضِهِ وَفِي صَدَقَةِ مَتَاعِهِ يُحْسِنُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ بِعَيْنِهِ فَكَأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِعَيْنِهِ. ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِهِمْ: مَنْ تَصَدَّقَ بِعَرَضٍ تَطَوُّعًا لَمْ يَكُنْ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 503 حَبْسُهُ وَإِخْرَاجُ قِيمَتِهِ، وَلَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ فَحَنِثَ أَجْزَأَهُ إخْرَاجُ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْحَالِفَ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْقُرْبَةِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي حَدِيثِ الْعَائِدِ فِي صَدَقَتِهِ، وَالْمُتَطَوِّعُ قَاصِدٌ لِلْقُرْبَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْحَدِيثِ فَأَمْرُ ذَلِكَ مُفْتَرَقٌ. ابْنُ يُونُسَ: هُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّ الْحَالِفَ أَيْضًا إنَّمَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا أَتَصَدَّقُ بِكَذَا فَهُوَ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ الْقُرْبَةَ بِالصَّدَقَةِ إنْ فَعَلَ كَذَا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَعَلَى إخْرَاجِ الْقِيمَةِ لَا يُكْتَفَى بِتَقْوِيمِ الْعُدُولِ بَلْ يُنَادَى عَلَيْهِ، فَإِذَا بَلَغَ فِيمَا خُيِّرَ فِيهِ وَمِثْلُهُ طَلَبُ الْوَرَثَةِ إخْرَاجَ الثُّلُثِ دُونَ بَيْعٍ لِرَغْبَتِهِمْ فِي الْمَتْرُوكِ أَوْ خَوْفًا مِنْ الْوُلَاةِ عَلَيْهِ، فَرَأَيْت بَعْضَ الشُّيُوخِ يُمَكِّنُهُمْ مِنْ ذَلِكَ بِشَرْطِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ بِالِاجْتِهَادِ (فَإِنْ عَجَزَ عُوِّضَ الْأَدْنَى ثُمَّ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُصْرَفُ فِيهَا إنْ احْتَاجَتْ وَإِلَّا تُصُدِّقَ بِهِ وَأَعْظَمَ مَالِكٌ أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ ثَمَنَ هَدْيٍ وَأَدْنَاهُ شَاةٌ بَعَثَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 504 ذَلِكَ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ. قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ لَهُ تَصَدَّقَ بِهِ، وَأَعْظَمَ مَالِكٌ أَنْ يُشْرَكَ مَعَ الْحَجَبَةِ غَيْرُهُمْ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَالْمَشْيِ لِمَسْجِدِ مَكَّةَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ أَوْ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ أَوْ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَحَنِثَ لَزِمَهُ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ إنْ شَاءَ فِي حَجَّةِ أَوْ فِي عُمْرَةٍ، وَإِحْرَامُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ مِيقَاتِهِ لَا مِنْ مَوْضِعِهِ. (وَلَوْ لِصَلَاةٍ) لَمْ يَحْكِ ابْنُ يُونُسَ هَذَا الْقَوْلَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُورَ، وَانْظُرْهُ فِي الْإِكْمَالِ. وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفُتْيَا مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ لَزِمَهُ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ إنْ شَاءَ فِي حَجٍّ وَإِنْ شَاءَ فِي عُمْرَةٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَسْجِدِ إيلِيَاءَ أَوْ إلَى مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِيهِمَا رَاكِبًا لَا مَاشِيًا، لِأَنَّ الْمُبْتَغَى فِيهِمَا الصَّلَاةُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْمَشْيُ إذْ لَا طَاعَةَ فِيهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 511 عَلَى نَفْسِهِ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ مَكَّةَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِيهِ دُونَ الْإِحْرَامِ لَكَانَ كَذَلِكَ وَيَرْكَبُ إنْ شَاءَ، وَإِنَّمَا يَمْشِي مَنْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ قَالَ إسْمَاعِيلُ: لِأَنَّ الَّذِي قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ وَالْمَشْيُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَاعَةٌ. انْتَهَى مَا لِابْنِ يُونُسَ. (وَخَرَجَ مَنْ بِهَا وَأَتَى بِعُمْرَةٍ) مُحَمَّدٌ: لَوْ حَلَفَ بِمَكَّةَ مَشَى مِنْ الْحِلِّ بِعُمْرَةٍ (لِمَكَّةَ أَوْ الْبَيْتِ) لَا غَيْرُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَلْزَمُ الْمَشْيُ فِي قَوْلٍ إلَّا لِمَنْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ أَوْ لِبَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ الْكَعْبَةِ أَوْ الْحِجْرِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: أَوْ الرُّكْنِ فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَوْ مِنًى أَوْ عَرَفَةَ أَوْ الْمُزْدَلِفَةَ أَوْ ذِي طُوًى أَوْ الْحَرَمِ أَوْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جِبَالِ الْحَرَمِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَإِنَّمَا لَزِمَ مَنْ قَالَ إلَى مَكَّةَ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْتَوِي عَلَى الْبَيْتِ وَالْبَيْتُ لَا يُؤْتَى إلَيْهِ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحِجْرِ وَإِلَى الْحَطِيمِ أَوْ زَمْزَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ (إنْ لَمْ يَنْوِ نُسُكًا) فِي الْمُوَطَّأِ: لَا يَكُونُ مَشْيٌ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. الْبَاجِيُّ: فَإِنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى غَيْرِ مَكَّةَ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ لَا إلَى الْمَدِينَةِ وَلَا إلَى غَيْرِهَا إذْ لَيْسَ هُنَاكَ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ. وَإِنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى مَكَّةَ فَإِنْ قَيَّدَ نِيَّتَهُ بِالنُّسُكِ أَوْ أَطْلَقَهَا لَزِمَهُ الْمَشْيُ وَالنُّسُكُ لِأَنَّ ظَاهِرَ نَذْرِهِ الْقُرْبَةُ وَإِنَّمَا هِيَ فِي النُّسُكِ، وَأَمَّا إنْ قَيَّدَ نَذْرَهُ بِالْمَشْيِ خَاصَّةً فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا (مِنْ حَيْثُ نَوَى وَإِلَّا حَيْثُ حَلَفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَيَمْشِي الْحَالِفُ مِنْ حَيْثُ حَلَفَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَوْضِعًا يَمْشِي مِنْهُ فَلَهُ نِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 513 يُحَرِّكْ بِذَلِكَ لِسَانَهُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: فَلَوْ حَلَفَ بِمِصْرَ وَحَنِثَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَرْجِعْ إلَى مِصْرَ حَتَّى يَمْشِيَ مِنْهَا (أَوْ مِثْلِهِ إنْ حَنِثَ بِهِ) اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ وَهُوَ مِثْلُهُ فِي الْمَسَافَةِ مَشَى مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِي ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى قَدْرِ الْبُعْدِ وَالْقُرْبِ وَكَثْرَةِ الْخُطَا وَلَا مَزِيَّةَ فِي هَذَا لِلْأَرَاضِيِ (وَتَعَيَّنَ مَحَلٌّ اُعْتِيدَ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَالِفِ نِيَّةٌ فَإِنْ كَانَ مَوْضِعُ يَمِينِهِ هُوَ مَوْضِعُ حِنْثِهِ مَشَى مِنْ حَيْثُ حَلَفَ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى لَفْظِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عُرْفٌ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ. (وَرَكِبَ فِي الْمَنْهَلِ وَلِحَاجَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَكَلَّمَهُ فَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ، وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. فَإِنْ جَعَلَهُ فِي عُمْرَةٍ مَشَى حَتَّى يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَإِنْ رَكِبَ بَعْدَ سَعْيِهِ وَقَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ جَعَلَهُ فِي حَجَّةٍ مَشَى حَتَّى يَقْضِيَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، فَإِذَا قَضَاهُ فَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ فِي رُجُوعِهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى وَفِي رَمْيِ الْجِمَارِ بِمِنًى، وَإِنْ أَخَّرَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى فَلَا يَرْكَبُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ فِي حَوَائِجِهِ، كَمَا لَهُ إذَا وَصَلَ إلَى الْمَدِينَةِ أَوْ إلَى الْمَنَاهِلِ مَاشِيًا أَنْ يَرْكَبَ فِي حَوَائِجِهِ أَوْ تَذَكَّرَ فِي طَرِيقِهِ وَهُوَ سَائِرٌ حَاجَةً نَسِيَهَا فَلْيَرْجِعْ وَرَاءَهَا رَاكِبًا (كَطَرِيقِ قُرْبَى اُعْتِيدَتْ) رَوَى مُحَمَّدٌ: لَهُ مَشْيُ أَقْصَرِ طَرِيقٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَقَبِلَهُ الشَّيْخُ وَقَيَّدَهُ. الْبَاجِيُّ: بِأَنْ كَانَ مُعْتَادًا. ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ نَذْرُ التَّحْلِيقِ فِي الْمَشْيِ (وَبَحْرٍ اُضْطُرَّ لَهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: فِي جَوَازِ رُكُوبِ الْبَحْرِ الْمُعْتَادَ وَتَخْصِيصُهُ بِمَوْضِعِ الِاضْطِرَارِ قَوْلَانِ (لَا اُعْتِيدَ عَلَى الْأَرْجَحِ) ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ وَهُوَ بِصِقِلِّيَةَ فَحَنِثَ هَلْ يَمْشِي مِنْ أَقْرَبِ بَرٍّ لَهَا أَوْ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّة قَالَ: إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّة لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ فِعْلِهِمْ إذَا أَرَادُوا الْحَجَّ إنَّمَا يَنْزِلُونَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ. وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: بَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ بَرٍّ إلَيْهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَبْيَنُ (لِتَمَامِ الْإِفَاضَةِ وَسَعْيِهَا) لَوْ قَالَ: وَسَعْيِ الْعُمْرَةِ لَكَانَ أَبْيَنَ. ابْنُ عَرَفَةَ: آخِرُ مَشْيِ الْعُمْرَةِ السَّعْيُ وَآخِرُ مَشْيِ الْحَجِّ الْإِفَاضَةُ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَرَكِبَ فِي الْمَنْهَلِ " (وَرَجَعَ وَأَهْدَى إنْ رَكِبَ كَثِيرًا بِحَسَبِ مَسَافَتِهِ أَوْ الْمَنَاسِكِ وَالْإِفَاضَةِ نَحْوَ الْمِصْرِيِّ قَابِلًا) أَمَّا إنْ رَكِبَ كَثِيرًا فِي غَيْرِ الْمَنَاسِكِ وَالْإِفَاضَةِ فَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ رَكِبَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ لِعَجْزٍ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ إنْ كَانَ لِلرُّكُوبِ مِقْدَارٌ وَإِلَّا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَسَاوَى رُكُوبُهُ وَمَشْيُهُ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَثِيرًا وَالْآخَرُ أَكْثَرَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيَمْشِيَ مَا رَكِبَ وَيَرْكَبَ الْمَوَاضِعَ الَّتِي مَشَى فِيهَا وَلَوْ كَانَ مَوْضِعُهُ بَعِيدًا جِدًّا، فَإِنْ عَجَزَ فِي الثَّانِي لَمْ يُكَلَّفْ الْعَوْدَةَ ثَالِثَةً. وَأَمَّا إنْ رَكِبَ فِي الْمَنَاسِكِ وَالْإِفَاضَةِ فَفِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 514 الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ مَشَى حَجَّهُ كُلَّهُ وَرَكِبَ فِي الْإِفَاضَةِ فَقَطْ لَمْ يُعِدْ ثَانِيَةً وَأَهْدَى لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا مَرِضَ فِي طَرِيقِهِ يَرْكَبُ الْأَمْيَالَ أَوْ الْبَرِيدَ أَوْ الْيَوْمَ. ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: أَوْ الْيَوْمَيْنِ وَمَشَى الْبَقِيَّةَ لَمْ يُعِدْ ثَانِيَةً وَأَهْدَى. قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ مَشَى حَتَّى يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى عَرَفَاتٍ وَشَهِدَ الْمَنَاسِكَ وَالْإِفَاضَةَ رَاكِبًا رَجَعَ قَابِلًا رَاكِبًا فَرَكِبَ مَا مَشَى وَمَشَى مَا رَكِبَ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ رَكِبَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ وَأَيَّامَ الرَّمْيِ وَفِي الْإِفَاضَةِ، وَهَذَا كَثِيرٌ لِأَنَّ رُكُوبَهُ وَقَعَ فِي مَوَاضِعَ فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ، فَهَذَا أَشَدُّ مِمَّنْ رَكِبَ فِي الطَّرِيقِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ فَلِذَلِكَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ. وَالصَّوَابُ أَنْ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِوُصُولِهِ إلَى مَكَّةَ بَرَّ وَإِلَيْهَا كَانَتْ الْيَمِينُ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: وَيُهْدِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَلَمْ يَرَهُ فِي الْهَدْيِ، مِثْلُ مَنْ عَجَزَ فِي الطَّرِيقِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ عَجْزًا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدَةَ فِيهِ أَمْ لَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " نَحْوَ الْمِصْرِيِّ " فَاَلَّذِي فِي الرِّسَالَةِ: إنْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ رَكِبَ ثُمَّ رَجَعَ ثَانِيَةً إنْ قَدَرَ فَيَمْشِي أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ قَعَدَ وَأَهْدَى، وَنَحْوُ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. (فَيَمْشِي مَا رَكِبَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَزِمَهُ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ مَاشِيًا فَعَجَزَ فِي مَشْيِهِ فَلْيَرْكَبْ فِيمَا عَجَزَ. فَإِذَا اسْتَرَاحَ نَزَلَ وَعَرَفَ أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ يَعُودُ ثَانِيَةً فَيَمْشِي أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ، وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَمْشِيَ عِدَّةَ أَيَّامِ رُكُوبِهِ إذْ قَدْ يَرْكَبُ مَوَاضِعَ رُكُوبِهِ أَوَّلًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي رُجُوعِهِ ثَانِيَةً إنْ كَانَ قَوِيًّا أَنْ يَمْشِيَ الطَّرِيقَ كُلَّهُ وَلَكِنْ يَمْشِي مَا رَكِبَ فَقَطْ وَيُهْرِقُ دَمًا لِتَفْرِيقِ مَشْيِهِ (فِي مِثْلِ الْمُعَيَّنِ) مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 515 الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ نَذَرَ الْمَشْيَ الْأَوَّلَ فِي حَجٍّ فَلَا يَجْعَلُ الثَّانِيَ فِي عُمْرَةٍ، وَإِنْ نَذَرَ الْأَوَّلَ فِي عُمْرَةٍ فَلَا يَجْعَلُ الثَّانِيَ فِي حَجَّةٍ (وَإِلَّا فَلَهُ الْمُخَالَفَةُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لِمَنْ أَبْهَمَ مَشْيَهُ فَجَعَلَهُ فِي عُمْرَةٍ فَعَجَزَ وَرَكِبَ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ الثَّانِيَةَ فِي حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ. قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ مَشْيَهُ الْأَوَّلَ فِي حَجٍّ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَشْيَهُ الثَّانِيَ فِي عُمْرَةٍ. الشَّيْخُ: يُرِيدُ إنْ كَانَ مَشْيُهُ فِي غَيْرِ الْمَنَاسِكِ (إنْ ظَنَّ أَوَّلًا الْقُدْرَةَ وَإِلَّا مَشَى مَقْدُورَهُ وَرَكِبَ وَأَهْدَى فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ عَلِمَ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمَامِ الْمَشْيِ قَعَدَ وَأَهْدَى، كَانَتْ حَجَّةً أَوْ عُمْرَةً. وَلَوْ عَلِمَ أَوَّلَ خُرُوجِهِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمْشِيَ كُلَّ الطَّرِيقِ، فِي تَرْدَادِهِ إلَى مَكَّةَ مَرَّتَيْنِ لِضَعْفِهِ أَوْ بُعْدِ بَلَدِهِ أَوْ كَانَ شَيْخًا زَمِنًا أَوْ امْرَأَةً ضَعِيفَةً أَوْ مَرِيضًا أَيِسَ مِنْ الْبُرْءِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلَوْ كَانَ رَاكِبًا يَمْشِي وَلَوْ نِصْفَ مِيلٍ ثُمَّ يَرْكَبَ وَيُصَلِّي وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ (كَأَنْ قَلَّ) . ابْنُ عَرَفَةَ: رُكُوبُ يَسِيرٍ لِعُذْرٍ لَا يَعُودُ لَهُ فِي نُسُكٍ آخَرَ. وَتَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ بَشِيرٍ: وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلرُّكُوبِ مِقْدَارٌ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لُزُومُ الْهَدْيِ مُطْلَقًا (وَلَوْ قَادِرًا) . ابْنُ يُونُسَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ رَكِبَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ (كَالْإِفَاضَةِ فَقَطْ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ رَكِبَ فِي الْإِفَاضَةِ فَقَطْ لَمْ يَعُدْ ثَانِيَةً وَأَهْدَى. (وَكَعَامٍ عُيِّنَ) اللَّخْمِيِّ: مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ فِي عَامٍ بِعَيْنِهِ فَمَرِضَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ مَا مَرِضَ فِيهِ، وَإِذَا حَضَرَ خُرُوجُ الْحَاجِّ وَهُوَ مَرِيضٌ خَرَجَ عَلَى حَالِهِ رَاكِبًا فَإِنْ صَحَّ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ مَشَى، فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ أَجْزَأَ عَنْهُ وَأَهْدَى، وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا أُمْهِلَ لِعَامٍ آخَرَ (وَلْيَقْضِهِ) اُنْظُرْ مَا نَقَصَ هُنَا، وَاَلَّذِي لِابْنِ الْحَاجِبِ إذَا لَمْ يَمْشِ عَلَى الْمُعْتَادِ فَطُولُ الْقِيَامِ فِي أَثْنَائِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَفَاتَهُ أَثِمَ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ مُقَابِلَ الْمَعْرُوفِ (أَوْ لَمْ يَقْدِرْ) تَقَدَّمَ نَصُّ الرِّسَالَةِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ قَعَدَ وَأَهْدَى. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَهَدْيٌ وَاحِدٌ يُجْزِئُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ (وَكَإِفْرِيقِيٍّ وَكَأَنْ فَرَّقَهُ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: اتِّصَالُ زَمَنِ مَشْيِهِ الْمُعْتَادِ مَطْلُوبٌ وَتَفْرِيقُهُ لِعُذْرٍ عَفْوٌ وَلِغَيْرِ عُذْرٍ فِيهِ طُرُقٌ. اللَّخْمِيِّ: رَوَى مُحَمَّدٌ: إنْ مَشَى مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَأَقَامَ بِمِصْرَ شَهْرًا ثُمَّ أَتَمَّ بِالْمَدِينَةِ شَهْرًا ثُمَّ أَتَمَّ عُمْرَتَهُ أَجْزَأَهُ، يُرِيدُ وَكَذَا فِي نَذْرِ مَشْيَ الْحَجِّ مُعَيَّنًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 516 وَمَضْمُونًا كَقَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ بَعْدَ لُزُومِ تَتَابُعِ نَذْرِ صَوْمِ سَنَةٍ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ (وَفِي لُزُومِ الْجَمِيعِ بِمَشْيِ عَقَبَةٍ وَرُكُوبِ أُخْرَى تَأْوِيلَانِ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ كَثُرَ رُكُوبُهُ فَكَانَ يَمْشِي عَقَبَةً وَيَرْكَبُ عَقَبَةً فَلْيَرْجِعْ وَيَمْشِ الطَّرِيقَ كُلَّهُ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ. قَالَهُ مَالِكٌ انْتَهَى. وَلَمْ يُقَيِّدْ ابْنُ يُونُسَ وَلَا ابْنُ رُشْدٍ وَلَا اللَّخْمِيِّ هَذَا بِشَيْءٍ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَعَلَّ بُطْلَانَهُ يَعْنِي بُطْلَانَ الْمَشْيِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ ضَبْطِ مَحَلِّ رُكُوبِهِ فَلَا يَلْزَمُ فِيمَا يَضْبِطُهُ. وَقَالَ بَهْرَامَ مَا نَصَّهُ الشَّيْخُ: قَدْ يُقَالُ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَيْسَ بِخِلَافٍ ثُمَّ نَقَلَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، فَحَصَلَ أَنَّ أَحَدَ التَّأْوِيلَيْنِ لِابْنِ عَرَفَةَ وَالشَّيْخِ بَهْرَامُ (وَالْهَدْيُ وَاجِبٌ إلَّا لِمَنْ شَهِدَ الْمَنَاسِكَ فَنَدْبٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ مَالِكٍ: يُصَلِّي أَحَبُّ إلَيَّ وَلَمْ يَرَهُ فِي الْهَدْيِ مِثْلُ مَنْ عَجَزَ فِي الطَّرِيقِ. اُنْظُرْهُ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَرَجَعَ وَأَهْدَى " (وَلَوْ مَشَى الْجَمِيعَ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ مَشَى الطَّرِيقَ كُلَّهُ فِي عَوْدَتِهِ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ مَشْيَهُ. انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ. ابْنُ بَشِيرٍ: تَعَقَّبَ هَذَا الْأَشْيَاخُ وَقَالُوا: كَيْفَ يَسْقُطُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْهَدْيِ فِي ذِمَّتِهِ بِمَشْيٍ غَيْرِ وَاجِبٍ عَلَيْهِ؟ وَمَثَّلُوهُ بِمَنْ صَلَّى صَلَاةً فَسَهَا فِيهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودٌ فَأَعَادَهَا ثَانِيَةً وَلَمْ يَسْجُدْ، أَنَّ السُّجُودَ يَتَقَرَّرُ فِي ذِمَّتِهِ. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَفِي الْمَذْهَبِ فِيمَنْ قَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ ثُمَّ عَادَ سَاهِيًا قَوْلَانِ: هَلْ يَكُونُ سُجُودُهُ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ؟ وَمَسْأَلَةُ مَنْ مَشَى كُلَّ الطَّرِيقِ الثَّانِي تُشْبِهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، فَمَنْ رَأَى تَرْتِيبَ السُّجُودِ فِي ذِمَّتِهِ جَعَلَ سُجُودَهُ قَبْلُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا دَمٌ لِتَرَتُّبِهِ فِي ذِمَّتِهِ، فَانْظُرْ اخْتِصَارَ خَلِيلٍ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ مَعَ أَنَّ ابْنَ بَشِيرٍ إنَّمَا تَرَدَّدَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَرْتَهِنْ فِيهَا. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ تَعَقَّبَ تَخْرِيجَ ابْنِ بَشِيرٍ (وَلَوْ أَفْسَدَ أَتَمَّهُ وَمَشَى فِي قَضَائِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ مَشْيٌ فَمَشَى فِي حَجِّهِ فَأَفْسَدَهَا بِوَطْءٍ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ حَجَّهُ وَيَقْضِي وَيُعِيدُ الْمَشْيَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَيَرْكَبُ مَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ الْمَشْيَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْوَطْءُ يُجْزِئُهُ وَلَا يُعِيدُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 وَعَلَيْهِ هَدْيٌ لِلْفَسَادِ وَهَدْيٌ لِتَبْعِيضِ الْمَشْيِ (وَإِنْ فَاتَهُ جَعَلَهُ فِي عُمْرَةٍ وَرَكِبَ فِي قَضَائِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ فَمَشَى فِي حَجٍّ فَفَاتَهُ أَجْزَأَهُ مَا مَشَى وَجَعَلَهَا عُمْرَةً وَمَشَى حَتَّى يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَقْضِي الْحَجَّ قَابِلًا رَاكِبًا وَيُهْدِي لِفَوَاتِ الْحَجِّ. (وَإِنْ حَجَّ نَاوِيًا نَذْرَهُ وَفَرْضَهُ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا أَجْزَأَهُ عَنْ النَّذْرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَذَرَ مَشْيًا فَحَجَّ مَاشِيًا وَهُوَ صَرُورَةً يَنْوِي فِي ذَلِكَ فَرْدِيَّتَهُ وَنَذْرَهُ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ لِنَذْرِهِ وَلَا تُجْزِئُهُ لِفَرِيضَتِهِ وَعَلَيْهِ قَضَاءٌ لِفَرِيضَتِهِ قَابِلًا. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ لِنَذْرِهِ حِينَ نَذَرَ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَأَمَّا إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِحَجَّةٍ فَحَنِثَ فَمَشَى فِي حَجٍّ نَوَى بِهِ فَرْضَهُ وَنَذْرَهُ فَهَذَا لَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. ابْنُ يُونُسَ: ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَنَصُّ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ لِنَذْرِهِ وَلِفَرْضِهِ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا الْخِلَافُ فِيهِمَا وَاحِدٌ (وَهَلْ إنْ لَمْ يَنْذِرْ حَجًّا تَأْوِيلَانِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ: هَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ لِنَذْرِهِ حِينَ نَذَرَ حَجًّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 518 وَحِكَايَةُ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَعَلَى الصَّرُورَةِ جَعْلُهُ فِي عُمْرَةٍ ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ مَكَّةَ عَلَى الْفَوْرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ جَعَلَ مَشْيَهُ فِي عُمْرَةٍ فَحَلَّ مِنْهَا فَلَهُ أَنْ يَحُجَّ الْفَرِيضَةَ مِنْ مَكَّةَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا إنْ كَانَتْ عُمْرَتُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (وَعَجَّلَ الْإِحْرَامَ فِي أَنَا مُحْرِمٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِحَجَّةٍ، فَإِنْ حَنِثَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ نَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا حَتَّى تَأْتِيَ أَشْهُرُ الْحَجِّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ يَوْمِ حَنِثَ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ. (أَوْ أَحْرَمَ إنْ قَيَّدَ بِيَوْمِ كَذَا) . ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا عَيَّنَ النَّاذِرُ أَوْ الْحَالِفُ وَقْتًا لِإِحْرَامِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ وَقَبْلَ مِيقَاتِهِ لَكِنْ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَهُ، فَكَذَلِكَ هَذَا إنْ عَيَّنَ مَكَانًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 519 أَوْ زَمَانًا لَزِمَهُ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ إنْ قَالَ أَنَا مُحْرِمٌ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَإِنَّهُ يَوْمَ يُكَلِّمُهُ مُحْرِمٌ. (كَالْعُمْرَةِ مُطْلَقًا إنْ لَمْ يَعْدَمْ صَحَابَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ لَهَا وَقْتَ حِنْثِهِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ صَحَابَةً وَيَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ فَلْيُؤَخِّرْ حَتَّى يَجِدَ فَيُحْرِمَ حِينَئِذٍ (لَا الْحَجِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 520 وَالْمَشْيِ فَلِأَشْهُرِهِ إنْ وَصَلَ وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ يَصِلُ عَلَى الْأَظْهَرِ) قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْعُمْرَةُ لَا وَقْتَ لَهَا فَلِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يُحْرِمَ لَهَا وَقْتَ حِنْثِهِ، وَالْحَجُّ لَهُ زَمَانٌ وَهِيَ الْأَشْهُرُ فَمَتَى حَنِثَ قَبْلَهَا لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ حَتَّى تَدْخُلَ الْأَشْهُرُ. وَهَذَا إذَا كَانَ يَصِلُ مِنْ بَلَدِهِ إلَى مَكَّةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يَصِلُ مِنْ بَلَدِهِ إلَى مَكَّةَ حَتَّى تَخْرُجَ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَإِنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْ وَقْتٍ يَصِلُ فِيهِ إلَى مَكَّةَ وَيُدْرِكُ الْحَجَّ. وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: بَلْ يَخْرُجُ مِنْ بَلَدِهِ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْهُ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَحْرَمَ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ أَوْلَى لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَنَا مُحْرِمٌ بِحَجَّةٍ أَيْ إذَا جَاءَ وَقْتُ خُرُوجِ النَّاسِ خَرَجْتُ أَنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 521 مُحْرِمًا بِخِلَافِ مَنْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ فَهَذَا يُحْرِمُ مِنْ مِيقَاتِهِ جَعَلَ مَشْيَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. (وَلَا يَلْزَمُ فِي مَالِي فِي الْكَعْبَةِ أَوْ بَابِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَفِيهَا مَالِي فِي الْكَعْبَةِ أَوْ رِتَاجِهَا أَوْ حَطِيمِهَا لَغْوٌ. وَالْحَطِيمُ مَا بَيْنَ الْبَابِ إلَى الْمَقَامِ، وَقِيلَ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إلَى الْبَابِ إلَى الْمَقَامِ عَلَيْهِ يَنْحَطِمُ النَّاسُ (أَوْ كُلُّ مَا أَكْتَسِبُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 523 حَلِفُهُ بِصَدَقَةِ مَا يُفِيدُ أَوْ يُكْتَسَبُ أَبَدًا لَغْوٌ اتِّفَاقًا وَإِلَى مُدَّةٍ أَوْ فِي بَلَدٍ فِي لَغْوِهِ وَلُزُومِهِ قَوْلَانِ وَالصَّوَابُ اللُّزُومُ كَالْعِتْقِ. (أَوْ هَدْيٌ لِغَيْرِ مَكَّةَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَنْحَرَ بَدَنَةً أَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ فَلْيَنْحَرْ ذَلِكَ بِمَكَّةَ وَبِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ، وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ جَزُورٌ أَوْ أَنْحَرَ جَزُورًا فَلْيَنْحَرْهَا بِمَوْضِعِهِ. وَلَوْ نَوَى مَوْضِعًا فَلَا يُخْرِجُهَا إلَيْهِ وَيَنْحَرُهَا بِمَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ نَذَرَهَا لِمَسَاكِينِ الْبَصْرَةِ أَوْ مِصْرَ وَهُوَ بِغَيْرِهَا فَلْيَنْحَرْهَا بِمَوْضِعِهِ وَلْيَتَصَدَّقْ بِهَا عَلَى مَسَاكِينِ مَنْ عِنْدَهُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 526 كَانَتْ الْجَزُورُ بِعَيْنِهَا أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، وَسَوْقُ الْبُدْنِ إلَى غَيْرِ مَكَّةَ مِنْ الضَّلَالِ. (أَوْ مَالُ غَيْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ عَبْدُ فُلَانٍ أَوْ دَارُهُ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ هَدْيٌ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ (إنْ لَمْ يُرِدْ إنْ مَلَكَهُ) ابْنُ بَشِيرٍ: إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْتِزَامَ ذَلِكَ إنْ مَلَكَهُ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْعِتْقِ قَبْلَ الْمِلْكِ وَالطَّلَاقِ وَقَبْلَ النِّكَاحِ وَالْمَشْهُورُ لُزُومُهُ (أَوْ عَلَيَّ نَحْرُ فُلَانٍ وَلَوْ قَرِيبًا إنْ لَمْ يَلْفِظْ بِالْهَدْيِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 528 أَوْ يَنْوِهِ أَوْ يَذْكُرْ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا نَذَرَ مُعَيَّنًا هَدْيًا وَجَبَ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَالْمَنْصُوصُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إنْ مَلَكْته، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْلَكُ كَالْحُرِّ فَالْمَشْهُورُ عَلَيْهِ هَدْيٌ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْهَدْيَ وَالْتَزَمَ نَحْرَ حُرٍّ، فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَالْمَشْهُورُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا وَذَكَرَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ أَوْ مَكَّةَ أَوْ مِنًى وَنَحْوَهَا لَزِمَهُ هَدْيٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَمِنْ ابْنِ عَرَفَةَ: نَذْرُ هَدْيِ الْحُرِّ فِي الْيَمِينِ هَدْيٌ قِيَاسًا عَلَى قِصَّةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي قَوْلِهِ لِابْنِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ أُهْدِيهِ لِبَيْتِ اللَّهِ نَذْرًا أَوْ يَمِينًا هَدْيٌ وَإِحْجَاجُهُ فَإِنْ أَبَى سَقَطَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا أَنْحَرُ وَلَدِي فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ وَقَالَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا غَيْرَهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ وَجْهَ الْهَدْيِ أَنْ يُهْدِيَ ابْنَهُ لِلَّهِ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الَّذِي سَمِعْت مِنْهُ، وَاَلَّذِي سَمِعْت مِنْهُ إنْ لَمْ يَقُلْ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 529 يَمِينٍ، وَإِنْ قَالَ: عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَلْيُهْدِ هَدْيًا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَلْزَمُهُ فِي نَحْرِ أَبَوَيْهِ مَا يَلْزَمُهُ فِي نَحْرِ وَلَدِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ: أَنَا أَنَحْرُك عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَلْيُهْدِ عَنْهُ هَدْيًا وَابْنُهُ وَأَجْنَبِيُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. (وَالْأَحَبُّ حِينَئِذٍ كَنَذْرِ الْهَدْيِ بَدَنَةٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ) الرِّسَالَةُ: وَأَمَّا فِي الْهَدَايَا فَالْإِبِلُ أَفْضَلُ ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الضَّأْنُ ثُمَّ الْمَعْزُ. (كَنَذْرِ الْحَفَاءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 530 عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ حَافِيًا رَاجِلًا فَلْيَنْتَعِلْ وَإِنْ أَهْدَى فَحَسَنٌ وَإِنْ لَمْ يُهْدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، «وَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ حَافِيًا إلَى الْكَعْبَةِ الْقَهْقَرَى قَالَ: مُرُوهُ أَنْ يَمْشِيَ بِوَجْهِهِ» . (وَحَمْلِ فُلَانٍ إنْ نَوَى التَّعَبَ وَإِلَّا رَكِبَ وَحَجَّ بِهِ بِلَا هَدْيٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا أَحْمِلُ فُلَانًا إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَحَنِثَ فَإِنَّهُ يَنْوِي، فَإِنْ أَرَادَ التَّعَبَ بِحَمْلِهِ عَلَى عُنُقِهِ حَجَّ مَاشِيًا وَأَهْدَى وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِالرَّجُلِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ حَجَّ رَاكِبًا بِالرَّجُلِ مَعَهُ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ حَجَّ الْحَالِفُ وَحْدَهُ رَاكِبًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الرَّجُلِ (وَأَلْغَى عَلَيَّ الْمَسِيرُ وَالذَّهَابُ وَالرُّكُوبُ لِمَكَّةَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَعَلَيَّ أَنْ أَسِيرَ أَوْ أَذْهَبَ أَوْ أَنْطَلِقَ أَوْ آتِيَ أَوْ أَرْكَبَ إلَى مَكَّةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَأْتِيَهَا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَيَأْتِيَهَا رَاكِبًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَاشِيًا (وَمُطْلَقُ الْمَشْيِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ وَلَمْ يَقُلْ إلَى بَيْتِ اللَّهِ، فَإِنْ نَوَى مَكَّةَ مَشَى إلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَمَشْيٌ لِمَسْجِدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا، مِثْلُ قَوْلِهِ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ أَوْ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ فَأُصَلِّي فِيهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَلْيُصَلِّ فِي مَوْضِعِهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَلَا يَأْتِيهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» فَذَكَرَ مَسْجِدَهُ وَمَسْجِدَ إيلِيَاءَ وَالْمَسْجِدَ الْحَرَامَ (وَإِنْ لِاعْتِكَافٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: نَذْرُ عُكُوفٍ بِمَسْجِدٍ كَنَذْرِ الصَّلَاةِ فِيهِ إلَّا أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ فِي الْبُيُوتِ (إلَّا الْقَرِيبِ جِدًّا فَقَوْلَانِ) الْبَاجِيُّ: لَا خِلَافَ فِي كَوْنِ الْمَشْيِ إلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ قُرْبَةً لِمَنْ قَرُبَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 531 مِنْهُ. فَمَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَنَذَرَ مَشْيًا إلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى مَسْجِدٍ هُوَ مَعَهُ بِالْبَلَدِ فَإِنَّهُ يَمْشِي إلَيْهِ وَيُصَلِّي فِيهِ. وَقَدْ أَوْجَبَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ. قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ، فَمَنْ كَانَ عَلَى بُعْدٍ مِمَّا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ إعْمَالِ الْمَطِيِّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ هُوَ مِنْهَا عَلَى سَفَرٍ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ لِحَدِيثِ: «لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» وَالْمَشْيُ إلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ لِمَنْ قَرُبَ لَيْسَ مِنْ إعْمَالِ الْمَطِيِّ. عِيَاضٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِنَّمَا يُمْنَعُ إعْمَالُ الْمَطِيِّ لِلنَّاذِرِ وَأَمَّا لِغَيْرِ النَّاذِرِ مِمَّنْ يَرْغَبُ فِي فَضْلِ مَشَاهِدِ الصَّالِحِينَ فَلَا (تَحْتَمِلُهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ وَيُصَلِّيَ فِي مَوْضِعِهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَعَهُ فِي مَوْضِعِهِ كَمَسْجِدِ جُمُعَتِهِ فَيَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ قَالَهُ مَالِكٌ. انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ. (وَمَشْيٌ لِلْمَدِينَةِ أَوْ إيلِيَاءَ إنْ لَمْ يَنْوِ صَلَاةً بِمَسْجِدَيْهِمَا أَوْ يُسَمِّيهِمَا فَيَرْكَبُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ قَالَ: عَلَيَّ أَنْ آتِيَ الْمَدِينَةِ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 532 بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَا يَأْتِيهِمَا حَتَّى يَنْوِيَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدَيْهِمَا أَوْ يُسَمِّيهِمَا فَيَقُولَ: إلَى مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الصَّلَاةَ فِيهِمَا فَلْيَأْتِهِمَا رَاكِبًا وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّهُ لَمَّا سَمَّاهُمَا قَالَ: عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِمَا (وَهَلْ وَإِنْ كَانَ بِبَعْضِهَا أَوْ إلَّا لِكَوْنِهِ بِأَفْضَلِ خِلَافٌ وَالْمَدِينَةُ أَفْضَلُ ثُمَّ مَكَّةُ) ابْنُ بَشِيرٍ: حَمَلَ اللَّخْمِيِّ الْمَذْهَبَ عَلَى أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ الْمَشْيَ إلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَأْتِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا وَالْتَزَمَ الْمَشْيَ إلَى الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الْمُلْتَزَمُ فِيهِ أَفْضَلَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ بِهِ لَزِمَهُ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَالْمَدِينَةُ عِنْدَ مَالِكٍ أَفْضَلُ ثُمَّ مَكَّةُ ثُمَّ بَيْتُ الْمَقْدِسِ. وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَى أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَفْضَلَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي الْتَزَمَ الْمَشْيَ إلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ لَا شَكَّ أَفْضَلُ. ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 [كِتَابُ الْجِهَادِ] [بَابٌ فِي وُجُوبِ الْجِهَادِ وَكَيْفِيَّتِهِ] ِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِهِ. الْبَابُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّتِهِ وَالنَّظَرِ فِي تَفْصِيلِ مَا يُعَامَلُ بِهِ الْكُفَّارُ مِنْ قَتْلِهِمْ وَاسْتِرْقَاقِهِمْ وَإِهْلَاكِ أَمْوَالِهِمْ وَاغْتِنَامِهَا. الْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَرْكِ الْقِتَالِ بِالْأَمَانِ. وَيَتْلُو هَذَا الْكِتَابَ كِتَابُ عَقْدِ الْجِزْيَةِ وَالْمُهَادَنَةِ، وَكِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنَائِمِ، وَكِتَابُ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ. وَمِنْ النَّوَادِرِ مَا نَصُّهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَمَوْقِفُ سَاعَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ شُهُودِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ» وَقَالَ الْحَسَنُ: مَنْ قَلَّتْ حَسَنَاتُهُ وَكَثُرَتْ سَيِّئَاتُهُ فَلْيَجْعَلْ الدُّرُوبَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَغْبَرَ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» . وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ يَتَلَثَّمُ مِنْ الْغُبَارِ» . وَكَرِهَ مَكْحُولٌ التَّلَثُّمَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «غُبْرَةٌ بَعْدَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ حَجَّةٍ مِنْ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» وَلَمَّا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ «لَوْ قُمْت اللَّيْلَ وَصُمْت النَّهَارَ مَا بَلَغْت نَوْمَ الْمُجَاهِدِ» . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «لَمْ تَبْلُغْ شِرَاكَ نِعَالِهِ» نُقِلَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَأَنْ أَقِفَ مَوْقِفًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُوَاجِهًا لِلْعَدُوِّ وَلَا أَضْرِبُ بِسَيْفٍ وَلَا أَطْعَنُ بِرُمْحٍ وَلَا أَرْمِي بِسَهْمٍ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ سِتِّينَ سَنَةً لَا أَعْصِيهِ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: لَحَرَسُ لَيْلَةٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ صِيَامِ أَلْفِ يَوْمٍ أَصُومُهَا وَأَقُومُ لَيْلَهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَعِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أَهْلِ حِمْصَ: عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمْ الرِّمَايَةَ وَالْفُرُوسِيَّةَ وَالسِّبَاحَةَ وَالِاخْتِفَاءَ بَيْنَ الْأَغْرَاضِ وَقَالَ: اخْتَفُوا وَتَمَعْدَدُوا وَاخْشَوْشِنُوا وَاسْتَقْبِلُوا حَرَّ الشَّمْسِ بِوُجُوهِكُمْ وَارْمُوا الْأَغْرَاضَ وَانْزُوا عَلَى الْخَيْلِ نَزْوًا. وَكَانَ هُوَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُمْسِكُ بِأُذُنِ فَرَسِهِ وَبِأُذُنِ نَفْسِهِ ثُمَّ يَنْزُو عَلَيْهِ. قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُو بِهِ الْمُؤْمِنُ بَاطِلٌ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: تَأْدِيبِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 535 فَرَسَهُ وَرَمْيِهِ عَنْ كَبِدِ قَوْسِهِ وَمُلَاعَبَتِهِ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهُ حَقٌّ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ بَعْدَ أَنْ تَعَلَّمَهُ فَقَدْ عَصَانِي» . وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَهْوَانِ تَحْضُرُهُمَا الْمَلَائِكَةُ: الرَّمْيُ وَاسْتِبَاقُ الْخَيْلِ» . انْتَهَى مِنْ النَّوَادِرِ. (الْجِهَادُ فِي أَهَمِّ جِهَةٍ كُلَّ سَنَةٍ وَإِنْ خَافَ مُحَارِبًا كَزِيَارَةِ الْكَعْبَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: الْجِهَادُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْجَهْدِ وَهُوَ التَّعَبُ، فَالْجِهَادُ الْمُبَالَغَةُ فِي إتْعَابِ الْأَنْفُسِ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: جِهَادٌ بِالْقَلْبِ أَنْ يُجَاهِدَ الشَّيْطَانَ وَالنَّفْسَ عَنْ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَجِهَادٌ بِاللِّسَانِ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ. وَجِهَادٌ بِالْيَدِ أَنْ يَزْجُرَ ذَوُو الْأَمْرِ أَهْلَ الْمَنَاكِرِ عَنْ الْمُنْكَرِ بِالْأَدَبِ وَالضَّرْبِ عَلَى مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ فِي ذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ إقَامَتُهُمْ الْحُدُودَ، وَجِهَادٌ بِالسَّيْفِ قِتَالُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الدِّينِ. فَكُلُّ مَنْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ فَقَدْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ إلَّا أَنَّ الْجِهَادَ إذَا أُطْلِقَ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى مُجَاهَدَةِ الْكُفَّارِ بِالسَّيْفِ، وَإِنَّمَا يُقَاتَلُ الْكُفَّارُ عَلَى الدِّينِ لِيَدْخُلُوا مِنْ الْكُفْرِ إلَى الْإِسْلَامِ لَا عَلَى الْغَلَبَةِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُجَاهِدِ أَنْ يَعْقِدَ نِيَّتَهُ أَنْ يُقَاتِلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ابْتِغَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ، فَإِذَا عَقَدَ نِيَّتَهُ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 536 هَذَا فَلَا يَضُرُّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ الْخَطَرَاتِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْقَلْبِ وَلَا تُمْلَكُ لِحَدِيثِ «مُعَاذٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ إلَّا مُقَاتِلٌ؛ مِنْهُمْ مَنْ الْقِتَالُ طَبِيعَتُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَاتِلُ رِيَاءً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَاتِلُ احْتِسَابًا، فَأَيُّ هَؤُلَاءِ شَهِيدٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا مُعَاذُ مَنْ قَاتَلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ وَأَصْلُ أَمْرِهِ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» . رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ فَيُخْفِيهِ فَيَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَيُسِرُّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَهُ أَجْرُ السِّرِّ وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ» . انْتَهَى مِنْ ابْنِ رُشْدٍ. التَّلْقِينُ: لَا يَجُوزُ تَرْكُ الْجِهَادِ لِهُدْنَةٍ. الدَّاوُدِيِّ: بَقِيَ الْجِهَادُ فَرْضًا بَعْدَ الْفَتْحِ عَلَى مَنْ يَلِي الْعَدُوَّ وَسَقَطَ عَمَّنْ بَعُدَ عَنْهُ. الْمَازِرِيُّ: فَإِنْ عَصَى الْحَاضِرُ تَعَلَّقَ بِمَنْ يَلِيهِ. وَفِي الْكَافِي: فَرَضَ عَلَى الْإِمَامِ إغْزَاءَ طَائِفَةٍ إلَى الْعَدُوِّ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً لِيَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَيُرَغِّبَهُمْ وَيَكُفَّ أَذَاهُمْ وَيُظْهِرَ دِينَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وَفَرَضَ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ الْخُرُوجَ الْمَذْكُورَ لَا خُرُوجَهُمْ كَافَّةً. وَالنَّافِلَةُ مِنْهُ إخْرَاجُ طَائِفَةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَبَعْثُ السَّرَايَا وَقْتَ الْغُرَّةِ وَالْفُرْصَةِ. ابْنُ بَشِيرٍ: الْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا كَانَ يَكْفِي فِيهِ قِيَامُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْإِمَامُ أَحَدًا. (وَلَوْ مَعَ وَالٍ جَائِرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ الْوُلَاةِ. وَرَجَعَ مَالِكٌ عَنْ كَرَاهَةِ ذَلِكَ لَمَا كَانَ مِنْ زَمَنِ عُمَرَ وَمَا صَنَعَ الرُّومُ بِغَارَتِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِالْجِهَادِ مَعَهُمْ وَلَوْ تَرَكَ لَكَانَ ضَرَرًا عَلَى الْإِسْلَامِ. ابْنُ حَبِيبٍ: سَمِعْت أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: لَا بَأْسَ بِالْغَزْوِ مَعَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَضَعُوا الْخُمُسَ مَوْضِعَهُ وَلَمْ يُوفُوا بِعَهْدٍ وَإِنْ عَمِلُوا مَا عَمِلُوا. وَقَالَهُ الصَّحَابَةُ حِينَ أَدْرَكُوا مِنْ الظُّلْمِ فَكُلُّهُمْ قَالَ: اُغْزُ مَعَهُمْ عَلَى حَظِّك مِنْ الْآخِرَةِ وَلَا تَفْعَلْ مَا يَفْعَلُونَ مِنْ فَسَادٍ وَخِيَانَةٍ. ابْنُ بَشِيرٍ: اُخْتُلِفَ فِي مُعَاوَنَةِ وُلَاةِ الْجَوْرِ فِي الْجِهَادِ وَالْوِلَايَاتِ وَالْأَحْكَامِ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، فَتَنْظُرُ مَنْ تَوَجَّهَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ دَعَا إلَيْهِ هَلْ يُؤَدِّيهِ الدُّخُولُ فِيهِ إلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ مِمَّا يَدْعُو إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ، أَوْ يُؤَدِّيهِ تَرْكُهُ إلَى مَضَرَّةٍ تَطْرَأُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ فَيَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ. أَصْلُ هَذَا تَرْكُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَعْرَابِيَّ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ خَوْفَ مَضَرَّةٍ أَشَدَّ. وَتَرْكُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَاءَ الْكَعْبَةِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ خِيفَةً عَلَى اعْتِقَادِ مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْإِيمَانُ فِي صَدْرِهِ انْتَهَى. اُنْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَقْضِيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " إلَّا لِوُسْعِ عَمَلِهِ " وَانْظُرْ اسْمَ الدَّاوُدِيُّ فِي الْمَدَارِكِ حِينَ عَتَبَ عَلَى عُلَمَاءِ إفْرِيقِيَّةَ إقَامَتَهُمْ بَيْنَ أَظْهُرِ بَنِي عُبَيْدٍ فَقَالُوا لَهُ: اُسْكُتْ لَا شَيْخَ لَك. وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى اتِّفَاقَ الْفُقَهَاءِ عَلَى هَدْمِ سُوَرِ عَسْقَلَانَ وَهَدْمِ سُوَرِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ لَا يَطْمَعَ الْعَدُوُّ فِيهِ وَقْتَ اسْتِيلَاءِ الضَّعْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَقْلِيلًا لِلْمَفْسَدَةِ خَشْيَةَ أَنْ يَعُودَ لِلْعَدُوِّ لِاجْتِمَاعِ الضَّرَرِ وَلِلْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ ، وَقَدْ كَانَ عُمْرُهُمْ بِهَدْمِ الْمِصِّيصَةِ وَبِإِخْلَاءِ جَزِيرَةِ الْأَنْدَلُسِ، وَأَصْلُ هَذَا أَيْضًا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ فِي خَرْقِ الْخَضِرِ السَّفِينَةَ، وَقَدْ كُنْت أَفْتَيْت بِهَدْمِ جَبَلِ الْفَتْحِ قَبْلَ أَخْذِهِ الْعَدُوَّ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ أَزَلْ أُفْتِي بِهَدْمِ سُورِ الْمُتِلَّيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 537 وَهَدْمِ أَرِينَةَ وَالصَّخْرَةِ وَأَنَا مَعَ ذَلِكَ لَا أَجِدُ إلَّا مُعَارِضًا ثُمَّ أَحُضُّ عَلَى الْبِنَاءِ فَلَا أَجِدُ مُسَاعِدًا وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. [شُرُوطُ وُجُوبِ الْجِهَادِ] (عَلَى كُلِّ حُرٍّ ذَكَرٍ مُكَلَّفٍ قَادِرٍ) . ابْنُ رُشْدٍ: لِوُجُوبِ الْجِهَادِ سِتُّ شَرَائِطَ لَا يَجِبُ إلَّا بِهَا مَتَى انْخَرَمَ وَاحِدٌ مِنْهَا سَقَطَ وُجُوبُهُ وَهِيَ: الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالِاسْتِطَاعَةُ بِصِحَّةِ الْبَدَنِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْمَالِ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} [التوبة: 91] . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] وَالْعَبْدُ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ (كَالْقِيَامِ بِعُلُومِ الشَّرْعِ) . ابْنُ رُشْدٍ: طَلَبُ الْعِلْمِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ كَالْجِهَادِ إلَّا مَا لَا يَسَعُ الْإِنْسَانَ جَهْلُهُ مِنْ صِفَةِ وُضُوئِهِ وَصَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ وَزَكَاتِهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ فِيهِ مَوْضِعٌ لِلْإِمَامَةِ وَالِاجْتِهَادِ فَطَلَبُ الْعِلْمِ عَلَيْهِ وَاجِبٌ. وَسُئِلَ مَالِكٌ أَوَاجِبٌ طَلَبُ الْعِلْمِ؟ فَقَالَ: أَمَّا عَلَى كُلِّ النَّاسِ فَلَا (وَالْفَتْوَى) نَقَلَ أَبُو عُمَرَ عَنْ الْحَسَنِ مَا نَصُّهُ: سِتٌّ إذَا أَدَّاهَا قَوْمٌ كَانَتْ مَوْضُوعَةً عَنْ الْعَامَّةِ، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْعَامَّةُ عَلَى تَرْكِهَا كَانُوا آثِمِينَ. الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - يَعْنِي سَدَّ الثُّغُورِ وَالضَّرْبَ فِي الْعَدُوِّ - وَالْفُتْيَا وَغُسْلُ الْمَيِّتِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ وَحُضُورُ الْخُطْبَةِ (وَالدَّرْءُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ مَالِكٌ فِي النَّصِّ: إنْ قَطَعَ عَلَى غَيْرِك وَسَلِمْت مِنْهُ فَحُقَّ عَلَيْك الرُّجُوعُ وَالْمُعَاوَنَةُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: النَّاسُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ عَلَى مَرَاتِبَ. فَفَرْضُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ تَنْبِيهُ الْوُلَاةِ وَحَمْلُهُمْ عَلَى جَادَّةِ الْعِلْمِ، وَفَرْضُ الْوُلَاةِ تَغْيِيرُهُ بِقُوَّتِهِمْ وَسُلْطَانِهِمْ وَلَهُمْ هُمْ الْيَدُ الْعُلْيَا، وَفَرْضُ سَائِرِ النَّاسِ رَفْعُهُ إلَى الْحُكَّامِ وَالْوُلَاةِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ قَوْلًا وَهَذَا فِي الْمُنْكَرِ الَّذِي لَهُ دَوَامٌ، وَأَمَّا إنْ رَأَى أَحَدٌ نَازِلَةً بَدِيهِيَّةً مِنْ الْمُنْكَرِ كَالسَّلْبِ فَيُغَيِّرُهَا بِنَفْسِهِ بِحَسَبِ الْحَالِ وَالْقُدْرَةِ (وَالْقَضَاءِ) اللَّخْمِيِّ: إقَامَةُ الْحُكْمِ لِلنَّاسِ وَاجِبَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ رَفْعِ الْهَرَجِ وَالْمَظَالِمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَوْضِعِ وَإِلَّا كَانَ عَلَى ذَوِي الرَّأْيِ وَالثِّقَةِ أَنْ يُقَدِّمُوا مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَبُولُ وِلَايَتِهِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ إلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ (وَالشَّهَادَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الشَّهَادَةُ بِاعْتِبَارِ تَحَمُّلِهَا الرِّوَايَاتِ وَاضِحَةً بِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ. فِي نَوَازِلَ سَحْنُونٍ: سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] قَالَ: إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عِنْدَك عِلْمٌ قَدْ أَشْهَدَك عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَك عِلْمٌ إنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يُشْهِدَك ابْتِدَاءً فَأَنْتَ فِي سَعَةٍ إنْ وُجِدَ فِي الْبَلَدِ غَيْرُك مِمَّنْ يَشْهَدُ فَقَرِّرْهُ. ابْنُ رُشْدٍ: بِأَنْ تُحْمَلَ الشَّهَادَةُ فَرْضَ كِفَايَةٍ يَحْمِلُهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. وَأَمَّا أَنْ يُدْعَى لِيَشْهَدَ بِمَا عِنْدَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ (وَالْإِمَامَةِ) قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 538 إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي: لَا يُسْتَدْرَكُ بِمُوجِبَاتِ الْعُقُولِ نَصْبُ إمَامٍ وَلَكِنْ يَثْبُتُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَدِلَّةِ السَّمْعِ وُجُوبُ نَصْبِ إمَامٍ فِي كُلِّ عَصْرٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي الْمُلِمَّاتِ وَتُفَوَّضُ إلَيْهِ الْمَصَالِحُ الْعَامَّةُ (وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: قَدْ جَرَى رَسْمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِذِكْرِ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ بِمَجَالِ الْفِقْهِ أَجْدَرُ، فَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبَانِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْجُمْلَةِ إلَّا مَا اخْتَصَّ مُدْرِكُهُ بِالِاجْتِهَادِ، فَلَيْسَ الْقَوْلُ فِيهِ أَمْرٌ وَنَهْيٌ بَلْ الْأَمْرُ فِيهِ مَوْكُولٌ إلَى أَهْلِ الِاجْتِهَادِ. ثُمَّ لَيْسَ بِالْمُجْتَهِدِ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى مُجْتَهِدٍ آخَرَ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ إذْ كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْفُرُوعِ مُصِيبٌ عِنْدَنَا، وَمَنْ قَالَ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ فَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَلِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يَصُدَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ بِفِعْلِهِ إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ عَنْهَا بِقَوْلِهِ، وَيَسُوغُ لِآحَادِ الرَّعِيَّةِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَنْتَهِ الْأَمْرُ إلَى شَهْرِ السِّلَاحِ، فَإِذَا انْتَهَى الْأَمْرُ بِذَلِكَ إلَى ذَلِكَ رُبِطَ الْأَمْرُ بِالسُّلْطَانِ. وَلَيْسَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ الْبَحْثَ وَالتَّنْفِيرَ وَالتَّجَسُّسَ وَاقْتِحَامَ الدُّورِ بِالظُّنُونِ بَلْ إنْ عَثَرَ عَلَى مُنْكَرٍ غَيَّرَهُ جَهْدَهُ، فَهَذِهِ عُقُودُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ. انْتَهَى مِنْ الْإِرْشَادِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَأْمُرُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ فَإِنْ عَصَوْا كَانُوا شُهُودًا عَلَى مَنْ عَصَى. قِيلَ لَهُ: أَيَأْمُرُ الرَّجُلُ الْوَالِيَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُ عَنْ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: إنْ رَجَا أَنْ يُطِيعَهُ فَلْيَفْعَلْ وَيَأْمُرُ وَالِدَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمَا عَنْ الْمُنْكَرِ وَيَخْفِضُ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ انْتَهَى. مِنْ ابْنِ يُونُسَ: وَانْظُرْ فِي أَوَّلِ الْمَدَارِكِ حِينَ أَنْكَرَ ابْنُ هُرْمُزَ عَلَى بَعْضِ الْأَقْدَارِ وُقُوفَهُ مَعَ امْرَأَةٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِعَبِيدِهِ: طَئُوا بَطْنَهُ، فَوَطِئُوهُ حَتَّى حُمِلَ إلَى مَنْزِلِهِ فَعَادَهُ النَّاسُ. وَفِيهِمْ مَالِكٌ. فَجَعَلَ يَشْكُو وَالنَّاسُ يَدْعُونَ لَهُ وَمَالِكٌ سَاكِتٌ ثُمَّ تَكَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ لَك تَأْتِي الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْقَدَرِ عَلَى بَابِ دَارِهِ مَعَهُ حَشَمُهُ وَمَوَالِيهِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ هُرْمُزَ: فَتَرَانِي أَنِّي أَخْطَأْت؟ قَالَ: أَيْ وَاَللَّهِ (وَالْحِرَفِ الْمُهِمَّةِ) الَّذِي لِعِزِّ الدِّينِ فِي قَوَاعِدِهِ: فُرُوضُ الْكِفَايَةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا الْمَصَالِحُ الدُّنْيَوِيَّةُ مِنْ الْحَرْثِ وَالزَّرْعِ وَالْغَزْلِ وَالنَّسْجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهَا فَاعِلُهَا إلَّا إنْ قَصَدَ بِهَا الْقُرْبَةَ، كَمَا لَا يُؤْجَرُ عَلَى تَرْكِ الْعِصْيَانِ إلَّا إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ طَاعَةَ الدَّيَّانِ (وَرَدِّ السَّلَامِ) الرِّسَالَةُ: وَرَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ وَالِابْتِدَاءُ بِهِ سُنَّةٌ، وَإِذَا سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ وَكَذَلِكَ إنْ رَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ (وَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ) تَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي وُجُوبِ غُسْلِ الْمَيِّتِ (وَفَكِّ الْأَسِيرِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِدَاءُ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ فِيهِ طُرُقٌ الْأَكْثَرُ وَاجِبٌ وَفِي الْمَبْدَأِ بِالْفِدَاءِ مِنْهُ طُرُقٌ وَسَيَأْتِي هَذَا عِنْدَ ذِكْرِهِ. (وَتَعَيَّنَ بِفَجْءِ الْعَدُوِّ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَدْ يَعْرِضُ لِلْفَرْضِ الْكِفَايَةِ مَا يُوجِبُهُ عَلَى الْأَعْيَانِ. التَّلْقِينُ: قَدْ يَتَعَيَّنُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَلَى مَنْ يَفْجَؤُهُمْ الْعَدُوُّ. سَحْنُونَ: إنْ نَزَلَ أَمْرٌ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْجَمِيعِ كَانَ عَلَيْهِمْ فَرْضًا وَيَنْفِرُ مَنْ بِسَفَاقُسَ لِغَوْثِ سُوسَةٍ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى أَهْلِهِ لِرُؤْيَةِ سُفُنٍ أَوْ خَبَرٍ عَنْهَا (وَإِنْ عَلَى امْرَأَةٍ) مِنْ النَّوَادِرِ: يَخْرُجُ لِمُتَعَيَّنِهِ مُطِيقُهُ وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً. أَبُو عُمَرَ: يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ إنْ حَلَّ الْعَدُوُّ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مُحَارِبًا لَهُمْ فَيَخْرُج إلَيْهِ أَهْلُ تِلْكَ الدَّارِ خِفَافًا وَثِقَالًا شُبَّانًا وَشُيُوخًا، وَلَا يَتَخَلَّفُ أَحَدٌ يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ مُقَاتِلٍ أَوْ مُكْتِرٍ، وَإِنْ عَجَزَ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ عَنْ الْقِيَامِ بِعَدُوِّهِمْ كَانَ عَلَى مَنْ جَاوَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا عَلَى حَسَبِ مَا لَزِمَ أَهْلُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 539 وَكَذَلِكَ مَنْ عَلِمَ أَيْضًا بِضَعْفِهِمْ وَأَمْكَنَهُ غِيَاثُهُمْ لَزِمَهُ أَيْضًا الْخُرُوجُ، فَالْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ (وَعَلَى قُرْبِهِمْ إنْ عَجَزُوا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْكَافِي وَالْمَازِرِيِّ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَلَوْ مَعَ وَالٍ جَائِرٍ ". وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا نَزَلَ قَوْمٌ مِنْ الْعَدُوِّ بِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ فِيهِمْ قُوَّةٌ عَلَى مُدَافَعَتِهِمْ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الْمُدَافَعَةُ، فَإِنْ عَجَزُوا تَعَيَّنَ عَلَى مَنْ قَرُبَ مِنْهُمْ نُصْرَتُهُمْ. وَتَقَدَّمَ نَصُّ الْمَازِرِيِّ: إذَا عَصَى الْأَقْرَبُ وَجَبَ عَلَى الْأَبْعَدِ. (وَبِتَعَيُّنِ الْإِمَامِ) ابْنُ بَشِيرٍ: يَتَعَيَّنُ الْجِهَادُ عَلَى مَنْ رَسَمَ الْإِمَامُ خُرُوجَهُ لِجِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ. (وَسَقَطَ بِمَرَضٍ وَصِبًا وَجُنُونٍ وَعَمًى وَعَرَجٍ وَأُنُوثَةٍ وَعَجْزٍ عَنْ مُحْتَاجٍ لَهُ) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " عَلَى كُلِّ حُرٍّ ذَكَرٍ مُكَلَّفٍ قَادِرٍ " (وَرِقٍّ) رَوَى مُحَمَّدٌ: لَا يَخْرُجُ لِغَيْرِ مُتَعَيَّنِهِ ذُو رِقٍّ وَلَوْ مُكَاتَبًا إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ (وَدَيْنٍ حَلَّ) سَحْنُونَ: وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَدْ حَلَّ وَعِنْدَهُ بِهِ قَضَاءٌ فَلَا يَنْفِرُ وَلَا يُرَابِطُ وَلَا يَعْتَمِرُ وَلَا يُسَافِرُ حَتَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 540 يَقْضِيَ دَيْنَهُ، وَإِنْ كَانَ دَيْنٌ لَمْ يَحِلَّ أَوْ لَا وَفَاءَ لَهُ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَنْفِرَ. (كَوَالِدَيْنِ فِي فَرْضِ كِفَايَةٍ أَوْ بِبَحْرٍ أَوْ خَطَرٍ) لَعَلَّهُ كَبَحْرٍ أَوْ خَطَرٍ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: لِلْأَبَوَيْنِ الْمَنْعُ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ وَالْبَرَارِيِ الْمُخْطِرَةِ لِلتِّجَارَةِ. قَالَ سَحْنُونَ: وَلَا أُحِبُّ لِمَنْ لَهُ وَالِدَانِ أَنْ يَنْفِرَ إلَّا بِإِذْنِهِمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ بِمَكَانِهِ مِنْ الْعَدُوِّ مَا لَا طَاقَةَ لِمَنْ حَضَرَ بِدَفْعِهِ فَلْيَنْفِرْ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا، وَلَوْ نَزَلَ ذَلِكَ بِسَاحِلٍ بِغَيْرِ مَوْضِعِهِ وَلَا غَوْثَ عَنْهُمْ أَوْ كَانَ الْغَوْثُ بَعِيدًا مِنْهُمْ فَلْيَنْفِرْ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبَوَيْنِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 541 (لَا جَدٍّ) سَحْنُونَ: بِرُّ الْجَدَّةِ وَالْجَدِّ وَاجِبٌ وَلَيْسَا كَالْأَبَوَيْنِ أُحِبُّ أَنْ يَسْتَرْضِيَهُمَا لِيَأْذَنَا لَهُ فِي الْجِهَادِ، فَإِنْ أَبَيَا فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي عَمٍّ أَوْ عَمَّةٍ وَمَنْ لَهُ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ وَعَمَّةٌ وَعَمَّاتٌ وَخَالٌ وَخَالَاتٌ إنْ كَانَ الْقَائِمَ بِهِمْ وَيَخَافُ ضَيْعَتَهُمْ بِخُرُوجِهِ، فَمُقَامُهُ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَخُرُوجُهُ (وَالْكَافِرُ كَغَيْرِهِ فِي غَيْرِهِ) اُنْظُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ وَابْنِ عَرَفَةَ: لَا أُحِبُّ لِمَنْ لَهُ وَالِدَانِ أَنْ يَنْفِرَ إلَّا بِإِذْنِهِمَا إلَّا لِعَدُوِّ لَا طَاقَةَ لِمَنْ حَضَرَ بِدَفْعِهِ وَاحِدُ الْأَبَوَيْنِ كَالْأَبَوَيْنِ وَلَوْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَنْعَهُمَا كَرَاهَةُ إعَانَةِ الْمُسْلِمِينَ. (وَدُعُوا لِلْإِسْلَامِ ثُمَّ جِزْيَةٍ بِمَحَلٍّ يُؤْمِنُ وَإِلَّا قُوتِلُوا) عِبَارَةُ الرِّسَالَةِ: أَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ لَا يُقَاتِلَ الْعَدُوّ حَتَّى يَدْعُوا إلَى دَيْنِ اللَّهِ، فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ وَإِلَّا قُوتِلُوا، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقَاتِلُ الْمُشْرِكُونَ حَتَّى يَدْعُوا. قَالَ أَصْبَغُ: وَبِهَذَا كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لِأَنَّا إنَّمَا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى الدِّينِ وَإِنَّهُ يُخَيَّلُ إلَيْهِمْ وَإِلَى كَثِيرٍ مِنَّا أَنَّ مَا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى الْغَلَبَةِ فَلَا يُقَاتَلُونَ حَتَّى يَتَبَيَّنُوا. قِيلَ لِأَصْبَغَ: أَرَأَيْت مَنْ دُعِيَ إلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِزْيَةِ فَأَبَوْا فَقُوتِلُوا مِرَارًا، أَيَدْعُوا كُلَّمَا غَزَوْنَاهُمْ؟ قَالَ: أَمَّا الْجُيُوشُ الْغَالِبَةُ الظَّاهِرَةُ فَلَا يُقَاتِلُوا قَوْمًا وَلَا حِصْنًا حَتَّى يَدْعُوهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا لِطَلَبِ غُرَّةٍ وَلَا لِانْتِهَازِ فُرْصَةٍ وَإِنَّمَا خَرَجُوا ظَاهِرِينَ قَاهِرِينَ، وَأَمَّا السَّرَايَا وَشَبَهُهَا الَّتِي تَطْلُبُ الْغُرَّةَ وَتَنْتَهِزُ الْفُرْصَةَ فَلَا دَعْوَةَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ دَعْوَتَهُمْ إنْذَارٌ وَتَجْلِيبٌ عَلَيْهِمْ مَعَ مَا فِي الدَّعْوَةِ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَقَدْ قَالَ جُلُّ النَّاسِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 542 الدَّعْوَةُ بَلَغَتْ جَمِيعَ الْأُمَمِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا وَجَبَتْ الدَّعْوَةُ فَإِنَّمَا يُدْعَوْا إلَى الْإِسْلَامِ جُمْلَةٌ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّرَائِعِ إلَّا أَنْ يُسْأَلُوا عَنْهَا فَلْتُبَيَّنْ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ يُدْعَوْا إلَى الْجِزْيَةِ مُجْمَلًا بِلَا تَوْقِيفٍ وَلَا تَحْدِيدٍ إلَّا أَنْ يُسْأَلُوا عَنْ ذَلِكَ فَيُبَيَّنُ لَهُمْ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَلَا يَجُوزُ تَبْيِيتُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ. قَالَ سَحْنُونَ: وَإِذَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ يُعْطُونَهَا عَامًا بَعْدَ عَامٍ عَلَى أَنْ يُقِيمُوا بِمَوْضِعٍ، فَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ يَنَالُهُ سُلْطَانُ الْإِسْلَامِ وَحُكْمُهُ قُبِلَتْ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانُوا فِي بُعْدٍ مِنْ سُلْطَانِنَا فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ إلَّا أَنْ يَنْتَقِلُوا إلَى حَيْثُ سُلْطَانُنَا. (وَقُتِلُوا إلَّا الْمَرْأَةَ إلَّا فِي مُقَاتَلَتِهَا وَالصَّبِيَّ) لَوْ قَالَ: إلَّا الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ إلَّا فِي مُقَاتِلِهِمَا لَكَانَ أَبْيَنَ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُقْتَلُ كُلُّ مُقَاتِلٍ حَالَ قِتَالِهِ. ابْنُ سَحْنُونٍ: وَلَوْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُقْتَلُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ النِّسَاءُ وَلَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَلَا الرُّهْبَانُ. اللَّخْمِيِّ: إلَّا أَنْ يُعْلَمَ مِنْ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ مِمَّنْ لَهُ الرَّأْيُ وَالتَّدْبِيرُ فَلْيُقْتَلْ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا يُقْتَلُ الزُّمَنَاءُ مِنْهُمْ الْمُقْعَدُ وَالْأَعْمَى وَالْأَشَلُّ وَالْأَعْرَجُ وَاَلَّذِي لَا رَأْيَ لَهُمْ وَلَا تَدْبِيرَ وَلَا نِكَايَةَ، وَمَحْمَلُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ مَنْظُورٍ إلَيْهِمْ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ يُرْجَعُ إلَى رَأْيِهِمْ وَتَدْبِيرِهِمْ (وَالْمَعْتُوهَ) نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى أَنَّ الْمَعْتُوهَ وَالْمَجْنُونَ مِنْ الزُّمَنَاءِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَالنَّصْرِ فِي الْأَسْرَى " (كَشَيْخٍ فَانٍ) تَقَدَّمَ أَنَّ حُكْمَ الشَّيْخِ حُكْمُ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ (وَزَمِنٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ لَا يُقْتَلُ الزَّمْنَى (وَأَعْمَى) تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَعْمَى مِنْ الزَّمْنَى (وَرَاهِبٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 543 مُنْعَزِلٍ بِدَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ بِلَا رَأْيٍ) اللَّخْمِيِّ: الرُّهْبَانُ الَّذِينَ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارَاتِ لَا يُعْرَضُ لَهُمْ بِقَتْلٍ وَلَا أَسْرٍ. التَّلْقِينُ: إلَّا أَنْ يَخَافَ أَذًى أَوْ تَدْبِيرًا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ رُهْبَانَ الْكَنَائِسِ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ وَسِبَاؤُهُمْ (وَتَرَكَ لَهُمْ الْكِفَايَةَ فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُتْرَكُ لِلرُّهْبَانِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا يَعِيشُونَ بِهِ وَلَا تُؤْخَذُ كُلُّهَا فَيَمُوتُونَ. سَحْنُونَ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ بِمَنْزِلَةِ الرَّاهِبِ فِيمَا يُتْرَكُ لَهُ مِنْ الْعَيْشِ وَالْكِسْوَةِ. (وَاسْتَغْفَرَ قَاتِلُهُمْ) سَحْنُونَ: مَنْ قَتَلَ مَنْ نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ شَيْخٍ هَرَمٍ فَإِنْ قَتَلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ فِي الْمَغْنَمِ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ، وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ مَغْنَمًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يُجْعَلُ ذَلِكَ فِي الْمَغْنَمِ (كَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ) . سَحْنُونَ: إذَا قَاتَلَ الْمُسْلِمُونَ قَوْمًا لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ وَلَمْ يَدْعُوهُمْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ يُرِيدُ لِلِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَحَكَى هَذَا الْمَازِرِيُّ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ (وَإِنْ حِيزُوا فَقِيمَتُهُمْ) تَقَدَّمَ قَوْلُ سَحْنُونٍ: مَنْ قَتَلَ مَنْ نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِمْ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ فَلْيَسْتَغْفِرْ، وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ مَغْنَمًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ. (وَالرَّاهِبُ وَالرَّاهِبَةُ حُرَّانِ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: لَا يُعْرَضُ لَهُمْ بِقَتْلٍ وَلَا أَسْرٍ. اُنْظُرْ الشَّيْخَ الْهَرَمَ هَلْ هُوَ حُرٌّ؟ اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَاسْتَغْفَرَ قَاتِلُهُمْ " وَانْظُرْ إثْرَ قَوْلِهِ: " وَاسْتَغْفَرَ قَاتِلُهُمْ " (بِقَطْعِ مَاءٍ وَآلَةٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ أَنْ تُرْمَى حُصُونُهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ وَيُقْطَعَ عَنْهُمْ الْمَيْرَ وَالْمَاءَ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمُونَ أَوْ ذُرِّيَّةٌ وَقَالَهُ أَشْهَبُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِتَحْرِيقِ قُرَاهُمْ وَحُصُونِهِمْ وَتَغْرِيقِهَا بِالْمَاءِ وَحِرَابَتِهَا وَقَطْعِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا} [التوبة: 120] . «وَقَدْ قَطَعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَأَحْرَقَهَا» . سَحْنُونَ: وَأَوَّلُ نَهْيِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ قَطْعِ الشَّجَرِ فِيمَا رُجِيَ مَصِيرُهُ لِلْمُسْلِمِينَ (وَبِنَارٍ إنْ لَمْ يُمْكِنْ غَيْرُهَا) . ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا انْفَرَدَ أَهْلُ الْحَرْبِ قُوتِلُوا بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ وَهَلْ يُحْرَقُونَ بِالنَّارِ؟ أَمَّا إنْ لَمْ يُمْكِنْ غَيْرُهَا وَكُنَّا إنْ تَرَكْنَاهُمْ خِفْنَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَا شَكَّ أَنَّا نَحْرُقُهُمْ، وَإِنْ لَمْ نَخَفْ فَهَلْ يَجُوزُ إحْرَاقُهُمْ إذَا انْفَرَدَ الْمُقَاتِلَةُ وَلَمْ يُمْكِنْ قَتْلُهُمْ إلَّا بِالنَّارِ؟ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ: الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ. ابْنُ رُشْدٍ: الْحُصُونُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا الْمُقَاتِلَةُ أَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يُرْمَوْا بِالنَّارِ (وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْلِمٌ) . ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ كَانَ فِي الْحِصْنِ مَعَ الْمُقَاتِلَةِ أَسْرَى مُسْلِمُونَ فَلَا يُرْمَوْا بِالنَّارِ وَلَا يُغَرَّقُوا. ابْنُ يُونُسَ: لَا خِلَافَ فِي هَذَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَاخْتُلِفَ فِي قَطْعِ الْمَاءِ عَنْهُمْ وَرَمْيِهِمْ بِالْمَجَانِيقِ، فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَمَنَعَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَحُكْمُ الْمَنْعِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ الْمَدَنِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ (وَإِنْ بِسُفُنٍ) . ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا السُّفُنُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَسْرَى مُسْلِمِينَ جَازَ أَنْ يُرْمَوْا بِالنَّارِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَسْرَى مُسْلِمِينَ فَقَالَ أَشْهَبُ: ذَلِكَ جَائِزٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ (وَبِالْحِصْنِ بِغَيْرِ تَحْرِيقٍ وَتَغْرِيقٍ مَعَ ذُرِّيَّةٍ) . ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ فِي الْحِصْنِ مَعَ الْمُقَاتِلَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 544 النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَفِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرْمَوْا بِالْمَجَانِيقِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُغَرَّقُوا وَلَا أَنْ يُحَرَّقُوا. اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَبِنَارٍ " (وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِذُرِّيَّةٍ تُرِكُوا إلَّا لِخَوْفٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ اتَّقَى الْمُحَارِبُونَ بِالذُّرِّيَّةِ تَرَكْنَاهُمْ إلَّا أَنْ يُخَافَ مِنْ تَرْكِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَنُقَاتِلُهُمْ وَإِنْ اتَّقُوا بِالذُّرِّيَّةِ (وَبِمُسْلِمٍ لَمْ يُقْصَدْ التُّرْسُ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى أَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ تَتَرَّسَ كَافِرٌ بِمُسْلِمٍ لَمْ يُقْصَدْ التُّرْسَ وَلَوْ خِفْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا فَإِنَّ دَمَ الْمُسْلِمِ لَا يُسْتَبَاحُ بِالْخَوْفِ وَلَوْ تَتَرَّسُوا بِالصَّفِّ، وَإِنْ تُرِكُوا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَخِيفَ اسْتِئْصَالُ قَاعِدَةِ الْإِسْلَامِ وَجُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْقُوَّةِ مِنْهُمْ وَجَبَ الدَّفْعُ وَسَقَطَتْ حُرْمَةُ التُّرْسِ انْتَهَى. (وَحَرُمَ نَبْلٌ سُمَّ) كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُقَاتَلَ الْعَدُوُّ بِالنَّبْلِ الْمَسْمُومِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُعَادُ إلَيْنَا. وَكَرِهَ سَحْنُونَ جَعْلَ السُّمِّ فِي قِلَالِ خَمْرٍ لِيَشْرَبَهَا الْعَدُوُّ. [حُكْمُ الِاسْتِعَانَة بِالْمُشْرِكِينَ] (وَاسْتِعَانَةٌ بِمُشْرِكٍ لَا لِكَخِدْمَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُسْتَعَانُ بِالْمُشْرِكِينَ فِي الْقِتَالِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» . وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونُوا نَوَاتِيَةً وَخَدَمَةً. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَارَ مِنْهُمْ السِّلَاحُ انْتَهَى. اُنْظُرْ إنْ كَانَ هَذَا مَأْخُوذًا مِنْ الْحَدِيثِ وَفِيهِ: «يَا مَعْشَرَ يَهُودٍ قَاتِلُوا مَعَنَا أَوْ أَعِيرُونَا سِلَاحَكُمْ» وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: حَدِيثُ: «لَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» مُخْتَلَفٌ فِي إسْنَادِهِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: إنَّمَا كَانَ النَّهْيُ فِي وَقْتٍ خَاصٍّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا بَأْسَ بِالِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الشِّرْكِ. وَأَجَازَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ بِمَنْ سَالَمَهُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ عَلَى مَنْ لَمْ يُسَالِمْهُ. وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْمُشْرِكِينَ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ. أَبُو عَمْرٍو: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعَانَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَهُودٍ لِضَرُورَةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا أُحِبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي الْغَزْوِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَسْتَأْذِنُوهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَمْنَعَهُمْ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ غَزْوُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ، فَإِنْ غَزَوْا بِإِذْنِ الْإِمَامِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 545 أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ مُنْفَرِدِينَ تُرِكَتْ لَهُمْ غَنِيمَتُهُمْ وَلَمْ تُخَمَّسْ، وَإِنْ غَزَوَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي عَسْكَرِهِمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ نَصِيبٌ إلَّا أَنْ يَكُونُوا مُتَكَافِئِينَ أَوْ يَكُونُوا هُمْ الْغَالِبِينَ فَتُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ أَنْ تُخَمَّسَ ثُمَّ يُخَمَّسُ سَهْمُ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً. (وَإِرْسَالُ مُصْحَفٍ لَهُمْ) . ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَوْ أَنَّ الطَّاغِيَةَ كَتَبَ إلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِ مُصْحَفًا يَتَدَبَّرُهُ إلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ وَلَيْسَ هَذَا وَجْهَ الدَّعْوَةِ وَهُمْ أَنْجَاسٌ وَأَهْلُ طَعْنَةٍ وَبُغْضٍ فِي الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَإِنْ طَلَبَك كَافِرٌ أَنْ تُعَلِّمَهُ الْقُرْآنَ فَلَا تَفْعَلْ لِأَنَّهُ جُنُبٌ. وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَيْهِ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ عِيَاضٌ: أَجَازَ الْفُقَهَاءُ الْكَتْبَ لَهُمْ بِالْآيَةِ وَنَحْوِهَا فِي الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ بِهَا إلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَوْعِظَةِ (وَسَفَرٌ بِهِ لِأَرْضِهِمْ) رَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُسَافِرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» . وَقَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ خَوْفَ أَنْ يَنَالَهُمْ الْعَدُوُّ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمَّا يُخْشَى مِنْ اسْتِهْزَائِهِمْ وَتَصْغِيرِهِمْ مَا عَظَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْهُمْ. سَحْنُونَ: وَلَا فِي جَيْشٍ كَبِيرٍ خَوْفَ نِسْيَانِهِمْ فَيَنَالُهُ الْعَدُوُّ. اللَّخْمِيِّ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْغَالِبُ السَّلَامَةُ. (كَمَرْأَةٍ إلَّا فِي جَيْشٍ آمِنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَخْرُجُ بِالنِّسَاءِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا فِي عَسْكَرٍ عَظِيمٍ لَا يَخَافُ مِنْ قِبَلِهِ عَلَيْهِمْ فَلَا بَأْسَ (وَفِرَارٌ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ) . اللَّخْمِيِّ: اعْتِبَارُ الْقُوَّةِ عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يَكُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 546 الْمُسْلِمُونَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْعَدُوِّ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْأَكْثَرُ مِنْ الْقَوْلِ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْعَدَدِ فَلَا تَفِرُّ الْمِائَةُ مِنْ الْمِائَتَيْنِ وَإِنْ كَانُوا أَشَدَّ جَلَدًا وَأَكْثَرَ سِلَاحًا. وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَذَلِكَ فِي الْقُوَّةِ. ابْنُ يُونُسَ: الْمُعْتَبَرُ الْعَدَدُ مَعَ تَقَارُبِ الْقُوَّةِ فِي السِّلَاحِ، أَمَّا لَوْ لَقِيَ مِائَةَ غَيْرٍ مُعَدَّةً ضِعْفُهَا مُعَدًّا فَلَا، لِأَنَّ الْوَاحِدَ مُعَدًّا يَعْدِلُ عَشْرَةً غَيْرَ مُعَدِّينَ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا كَانَ الْعَدُوُّ ضِعْفَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفِرُّوا مِنْهُ وَلَوْ فَرَّ إمَامُهُمْ، وَمَنْ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِنَّمَا تَظْهَرُ تَوْبَتُهُ بِثُبُوتِهِ فِي زَحْفٍ آخَرَ. اُنْظُرْ الْمَازِرِيَّ فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا فَرُّوا لَا يَلْزَمُ مَنْ ثَبَتَ أَنْ يَقِفَ لِأَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِهِ (وَلَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا) أَنْكَرَ سَحْنُونَ قَوْلَ الْعِرَاقِيِّينَ لَا يَفِرُّ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنْ عَدُوٍّ وَلَوْ كَثُرَ، وَعَزَا ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَ الْعِرَاقِيِّينَ لِأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ بِهِ، وَمَا ذَكَرَ إنْكَارَ سَحْنُونٍ أَصْلًا (إلَّا تَحَرُّفًا أَوْ تَحَيُّزًا إنْ خِيفَ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يَحِلُّ الْفِرَارُ مِنْ الضِّعْفِ إلَّا انْحِرَافًا لِقِتَالٍ أَوْ تَحَيُّزًا إلَى وَالِي جَيْشِهِ الَّذِي دَخَلَ مَعَهُ وَرُبَّمَا تَكُونُ سَرِيَّةً فَتَنْحَازُ الْمُقَدِّمَةُ إلَى مَنْ خَلْفَهَا مِمَّنْ يَلِيهَا. وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ رَاوِيًا عَنْ مَالِكٍ: لَا يَجُوزُ الِانْحِيَازُ إلَّا عَنْ خَوْفٍ بَيِّنٍ وَضَعْفٍ مِنْ السُّلْطَانِ، وَلَهُمْ السَّعَةُ أَنْ يَثْبُتُوا لِقِتَالٍ أَكْثَرَ مِنْ الضِّعْفَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 547 وَالثَّلَاثَةُ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا يَجِدُونَ مُنْصَرِفًا عَنْهُمْ. (وَالْمُثْلَةُ) . ابْنُ حَبِيبٍ: قَتْلُ الْأَسِيرِ بِضَرْبِ عُنُقِهِ لَا يُمَثَّلُ بِهِ وَلَا يَعْبَثُ عَلَيْهِ. قِيلَ لِمَالِكٍ: يُضْرَبُ وَسَطُهُ؟ قَالَ: قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] لَا خَيْرَ فِي الْعَبَثِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَتْلُ ذِمِّيٍّ بِنَقْضِ الْعَهْدِ كَقَتْلِ الْأَسِيرِ. وَنَزَلَتْ فِي ذِمِّيٍّ ثَبَتَ بَيْعُهُ أَوْلَادَ الْمُسْلِمِينَ لِأَهْلِ الْحَرْبِ. الْبَاجِيُّ: لَا يُمَثَّلُ بِالْأَسِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا مَثَّلُوا بِالْمُسْلِمِينَ. قِيلَ لِمَالِكٍ: أَيُعَذَّبُ الْأَسِيرُ إنْ رُجِيَ أَنْ يَدُلَّ عَلَى عَوْرَةِ الْعَدُوِّ؟ وَقَالَ: مَا سَمِعْت بِذَلِكَ (وَحَمْلُ رَأْسٍ لِبَلَدٍ أَوْ وَالٍ) . سَحْنُونَ: لَا يَجُوزُ حَمْلُ الرُّءُوسِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَلَا حَمْلُهَا إلَى الْوُلَاةِ، وَكَرِهَ أَبُو بَكْرٍ حَمْلَ رَأْسِ الْعُرْفُطِ إلَيْهِ مِنْ الشَّامِ وَقَالَ: هَذَا فِعْلُ الْأَعَاجِمِ. (وَخِيَانَةُ أَسِيرٍ ائْتَمَنَ طَائِعًا وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ) أَصْبَغُ: سَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ فِي الْأَسِيرِ: إذَا خَلَّوْهُ فِي بِلَادِهِمْ عَلَى وَجْهِ الْمَمْلَكَةِ وَالْقُهْرَةِ فَهَرَبَ فَلَهُ أَخْذُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَلْيَقْتُلْ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَيَهْرُبُ إنْ اسْتَطَاعَ وَلْيَسْتَرِقَّ مِنْ ذَرَارِيّهِمْ وَنِسَائِهِمْ مَا اسْتَطَاعَ. قَالَ فِي سَمَاعِ مُوسَى: وَمَا خَرَجَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ فِيهِ خُمُسٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ. وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ: وَإِذَا خَلَّوْهُ عَلَى وَجْهِ الِائْتِمَانِ أَنْ لَا يَهْرُبَ وَلَا يُحْدِثَ شَيْئًا فَلَا يَفْعَلُ وَلَا يَقْتُلُ مِنْهُمْ أَحَدًا وَلَا يَخُنْهُ. قَالَ أَصْبَغُ: وَلَا يَهْرُبُ. ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ الْمَخْزُومِيُّ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَهُ أَنْ يَهْرُبَ وَيَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيَقْتُلُ إنْ قَدَرَ، وَإِنْ ائْتَمَنُوهُ وَوَثِقُوا بِهِ وَاسْتَخْلَفُوهُ فَهُوَ فِي فُسْحَةٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ أَصْلَ أَمْرِهِ الْإِكْرَاهُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي النَّظَرِ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَرَوَيَاهُ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُمْ إنْ ائْتَمَنُوهُ عَلَى أَنْ لَا يَهْرُبَ وَلَا يَقْتُلَ وَلَا يَأْخُذَ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 548 أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا فَلَهُ أَنْ يَهْرُبَ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَلَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا لِأَنَّ الْمُقَامَ عَلَيْهِ بِبَلَدِ الْحَرْبِ حَرَامٌ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفِيَ بِمَا وَعَدَهُمْ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: " وَلَا خُمُسَ فِيمَا خَرَجَ بِهِ " هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأُسَارَى يَغْنَمُونَ مِنْ أَسْرَاهُمْ. [مِنْ فَرَائِضِ الْجِهَادِ تَرْكُ الْغُلُولِ] (وَالْغُلُولُ) ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ فَرَائِضِ الْجِهَادِ تَرْكُ الْغُلُولِ (وَأَدَبُ) عَبْدَ الْوَهَّابِ: وَيُعَاقَبُ مَنْ غَلَّ وَلَا يَحْرُمُ سَهْمُهُ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّهُ بِحُصُولِ سَبَبِهِ مِنْ الْقِتَالِ وَالْحُضُورِ (وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ) ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ ظَهَرَ عَلَى الْغَالِّ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ أُدِّبَ وَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ إنْ افْتَرَقَ الْجَيْشُ وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقْ رُدَّ فِي الْمَغْنَمِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ جَاءَ تَائِبًا لَمْ يُؤَدَّبْ. سَحْنُونَ: كَالزِّنْدِيقِ وَالرَّاجِعِ عَنْ شَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْثَرَ عَلَيْهِ (وَجَازَ أَخْذُ مُحْتَاجٍ فِعْلًا حَرَامًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِمَا يَأْخُذُونَ مِنْ جُلُودٍ يَعْمَلُونَهَا نِعَالًا وَخِفَاقًا أَوْ لِأَكُفِّهِمْ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حَوَائِجِهِمْ. وَمَنْ نَحَتَ سَرْجًا أَوْ بَرَى سَهْمًا أَوْ صَنَعَ تَخْتًا بِبَلَدِ الْعَدُوِّ فَهُوَ لَهُ وَلَا يُخَمَّسُ. سَحْنُونَ: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ يَسِيرًا. قَالَ مَكْحُولٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَصْنُوعًا فَيَدْخُلَ فِي الْمَغَانِمِ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا. ابْنُ حَبِيبٍ: كُلُّ مَا صَنَعَهُ بِيَدِهِ مِنْ سَرْجٍ أَوْ سَهْمٍ أَوْ قَصْعَةٍ أَوْ قَدَحٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 549 وَشَبَهِهِ فَلَهُ إخْرَاجُ ذَلِكَ كُلِّهِ لِمَنْفَعَةٍ أَوْ بَيْعٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهِ وَإِنْ كَثُرَ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَالِمٍ. أَبُو عُمَرَ: كُلُّ مَا كَانَ مُبَاحًا فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَلَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَأَخْذُهُ جَائِزٌ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: جُلُودُ مَا ذَبَحَهُ الْغُزَاةُ بِأَرْضِ الْحَرْبِ تُطْرَحُ فِي الْمَغَانِمِ إنْ كَانَ لَهَا ثَمَنٌ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذُوهَا. ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ إنْ لَمْ يَحْتَاجُوا إلَيْهَا، فَأَمَّا إنْ اخْتَلَفُوا فَإِنْ احْتَاجُوا إلَيْهَا لِشَدِّ قَتَبٍ وَنَحْوِهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِأَخْذِهِمْ إيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ وَمِثْلُهُ فِي الْوَاضِحَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ (وَإِبْرَةً) . ابْنُ رُشْدٍ: الْإِبْرَةُ إذَا أَخَذَهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا وَلَمْ يَأْخُذْهَا مُغْتَالًا لَهَا فَلَيْسَتْ مِنْ الْغُلُولِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إذَا قَضَى حَاجَتَهُ أَنْ يَرُدَّهَا فِي الْمَغَانِمِ إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا. وَحَدِيثُ: «أَدُّوا الْمَخِيطَ» كَلَامٌ خُرِّجَ عَلَى التَّحْذِيرِ عَلَى حَدِّ «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ» . (وَطَعَامًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: سُنَّةُ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ أَنَّهُ يُؤْكَلُ وَيُعْلَفُ مِنْهُ الدَّوَابُّ وَلَا يُسْتَأْمَرُ فِيهِ الْإِمَامُ وَلَا غَيْرُهُ وَلَوْ نَهَاهُمْ سُلْطَانٌ عَنْ إصَابَةِ ذَلِكَ ثُمَّ اضْطَرُّوا إلَيْهِ لَكَانَ لَهُمْ أَكْلُهُ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَلَا يُخْرِجُ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ فَعَلَ رَدَّهُ فِي الْمَغْنَمِ (وَإِنْ نَعَمًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ أَيْضًا لِمَنْ أَخَذَهَا مِثْلُ الطَّعَامِ يَأْكُلُ مِنْهَا وَيَنْتَفِعُ بِهَا. «وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفَرٍ مِنْ الْعَسْكَرِ أَصَابُوا غَنَمًا كَثِيرَةً: لَوْ أَطْعَمْتُمْ إخْوَانَكُمْ مِنْهَا. قَالَ: فَرَمَيْنَاهُمْ بِشَاةٍ شَاةٍ حَتَّى كَانَ الَّذِي مَعَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ الَّذِي مَعَنَا» . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا ضَمَّ الْوَالِي مَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ إلَى الْمَغْنَمِ ثُمَّ احْتَاجَ النَّاسُ إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ (وَعَلَفًا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا (كَثَوْبٍ وَسِلَاحٍ وَدَابَّةٍ لِتَرُدَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَغْنَمِ دَابَّةً يُقَاتِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْكَبُهَا إلَى بَلَدِهِ إنْ احْتَاجَهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا إلَى الْغَنِيمَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ كَانَتْ الْغَنِيمَةُ قَدْ قُسِمَتْ بَاعَهَا وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا وَكَذَلِكَ إنْ احْتَاجَ إلَى سِلَاحٍ يُقَاتِلُ بِهِ أَوْ ثِيَابٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ يَلْبَسُهَا حَتَّى يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّابَّةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ حَازَ الْإِمَامُ هَذِهِ الثِّيَابَ أَوْ هَذِهِ الْجُلُودَ ثُمَّ اُحْتِيجَ إلَيْهَا فَلَهُمْ أَنْ يَنْتَفِعُوا بِهَا كَمَا كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحُوزَهَا الْإِمَامُ (وَرَدَّ الْفَضْلَ إنْ كَثُرَ فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهِ) قَالَ مَالِكٌ: إذَا خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ وَمَعَهُ فَضْلَةُ طَعَامٍ أَكَلَهُ إنْ كَانَ يَسِيرًا وَيَتَصَدَّقُ بِالْكَثِيرِ. اللَّخْمِيِّ وَالْبَاجِيُّ: إنَّمَا يَتَصَدَّقُ بِهِ إنْ افْتَرَقَ الْجَيْشُ وَإِلَّا رَدَّهُ لِلْقِسْمِ وَنَحْوُ هَذَا لِأَبِي عُمَرَ. (وَمَضَتْ الْمُبَادَلَةُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا أَخَذَ هَذَا عَسَلًا وَهَذَا لَحْمًا وَهَذَا طَعَامًا فَيُبْدِلُونَهُ وَيَمْنَعُ أَحَدُهُمْ صَاحِبَهُ حَتَّى يُبَادِلَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَلِكَ الْعَلَفُ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ التَّفَاضُلَ بَيْنَ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ فِي هَذَا، وَخَفَّفَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ خَفِيفٌ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ الْمُوَاسَاةَ فِيهِ بَيْنَهُمْ قَالَ: وَمَنْ جَهِلَ فَبَاعَ بِثَمَنٍ وَاشْتَرَى جِنْسًا آخَرَ مِنْ الطَّعَامِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ ثَمَنًا انْبَغَى أَنْ يَرْجِعَ مَغْنَمًا بِخِلَافِ الْمُبَادَلَةِ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَخَذَ طَعَامًا فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 550 اسْتَغْنَى عَنْهُ فَلْيُعْطِهِ إلَى أَصْحَابِهِ بِغَيْرِ بَيْعٍ وَلَا قَرْضٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أَقْرَضَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: فَإِنْ جَهِلَ فَرَدَّهُ إلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ يَمْلِكُهُ فَلْيَرْجِعْ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: فَإِنْ جَهِلَ فَرَدَّهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ طَعَامٍ يَمْلِكُهُ فَلْيَرْجِعْ بِمَا دَفَعَ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ أَفَاتَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَنْ عَوَّضَ عَنْ صَدَقَةٍ وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي عِوَضِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ فَاتَهُ لِي شَيْءٌ لَهُ لِأَنَّهُ هُوَ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ. وَصَوَّبَ ابْنُ يُونُسَ هَذَا الْقَوْلَ وَقَدْ ذَكَرُوا لِهَذَا نَظَائِرَ. (وَبِبَلَدِهِمْ إقَامَةُ الْحَدِّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ سَرَقَ مُسْلِمٌ مِنْ حَرْبِيٍّ دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ قُطِعَ، وَإِنْ سَرَقَ الْحَرْبِيُّ وَقَدْ دَخَلَ بِأَمَانٍ قُطِعَ. وَيُقِيمُ أَمِيرُ الْجَيْشِ الْحُدُودَ بِبَلَدِ الْحَرْبِ عَلَى أَهْلِ الْجَيْشِ فِي السَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ أَقْوَى عَلَى الْحَقِّ. (وَتَخْرِيبٌ وَقَطْعُ نَخْلٍ وَحَرْقٌ إنْ أَنْكَى أَوْ لَمْ تُرْجَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ كَعَكْسِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَطْعِ نَخْلِ بَنِي النَّضِيرِ. وَرُوِيَ إنَّهُمْ لَمَّا قَطَعُوا بَعْضًا وَتَرَكُوا بَعْضًا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ لَهُمْ أَجْرٌ فِيمَا قَطَعُوا وَهَلْ عَلَيْهِمْ وِزْرٌ فِيمَا تَرَكُوا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} [الحشر: 5] . فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى إبَاحَةِ الْقَطْعِ وَأَنْ لَا حَرَجَ فِي التَّرْكِ. وَتَوَقَّفَ مَالِكٌ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ ذَلِكَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْقَطْعَ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْكِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إذْلَالِ الْعَدُوِّ وَإِصْغَارِهِمْ وَنِكَايَتِهِمْ وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا} [التوبة: 120] إلَّا أَنْ يَكُونَ بَلَدًا يُرْجَى أَنْ يَصِيرَ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ التَّوَقُّفُ عَنْ الْقَطْعِ وَالتَّحْرِيقِ وَالتَّخْرِيبِ أَفْضَلَ بِدَلِيلِ نَهْيِ أَبِي بَكْرٍ أُمَرَاءَ جُيُوشِهِ إلَى الشَّامِ عَنْ ذَلِكَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَفْتِحُونَهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَتُفْتَحُ الشَّامُ» إلَى قَوْلِهِ: «وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» ، وَلِحَضِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّلَاةِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. (وَوَطْءُ أَسِيرٍ زَوْجَةً أَوْ أَمَةً سَبْيًا) . ابْنُ الْقَاسِمِ: لِلْأَسِيرِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ الْمَأْسُورَتَيْنِ مَعَهُ إنْ أَمِنَ مِنْ وَطْئِهِمَا الْعَدُوَّ، وَإِنَّمَا أَكْرَهَهُ خَوْفُ بَقَاءِ ذُرِّيَّتِهِ بِأَرْضِ الْحَرْبِ. وَلَوْ تَرَكَ وَطْءَ الْأَمَةِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ لِأَنَّ الْعَدُوَّ قَدْ مَلَكَهَا مِلْكًا لَوْ أَسْلَمَ عَلَيْهَا لَمْ تُنْزَعْ مِنْهُ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ. ابْنُ رُشْدٍ: الْأَمْرُ فِي وَطْءِ الْحُرَّةِ عَلَى مَا قَالَ بِاتِّفَاقٍ. (وَذَبْحُ حَيَوَانٍ وَعَرْقَبَتُهُ) قَالَ مَالِكٌ: مَا ضَعُفَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ النُّفُوذِ بِهِ مِنْ بِلَادِهِمْ مِنْ مَاشِيَةٍ وَدَوَابَّ وَمَتَاعٍ مِمَّا غَنِمُوا أَوْ كَانَ مَتَاعُهُمْ أَوْ قَامَ عَلَيْهِمْ مِنْ دَوَابِّهِمْ فَلْيُعَرْقِبُوا الدَّوَابَّ وَيَذْبَحُونَهَا، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْمَاشِيَةِ وَلَا تُتْرَكُ لِلْعَدُوِّ لِيَنْتَفِعَ بِهَا وَأَمَّا الْمَتَاعُ وَالسِّلَاحُ فَإِنَّهَا تُحَرَّقُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي الدَّوَابِّ أَنَّهَا تُحْرَقُ بَعْدَمَا عُرْقِبَتْ. اللَّخْمِيِّ: إلَّا أَنْ يَخْشَى إدْرَاكَهَا الْعَدُوُّ قَبْلَ فَسَادِهَا. الْبَاجِيُّ إنْ كَانُوا يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ فَالصَّوَابُ حَرْقُهَا (وَأَجْهَزَ عَلَيْهِمْ) ابْنُ الْقَاسِمِ: تُعْقَرُ بَقَرُهُمْ وَغَنَمُهُمْ إنْ لَمْ يَحْتَاجُوا إلَيْهَا. ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ أَنَّهَا تُعْقَرُ بِالْإِجْهَازِ عَلَيْهَا وَبَعْدَ ذَلِكَ تُحْرَقُ إنْ خَشَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا الْعَدُوُّ بَعْدَ عَقْرِهَا وَذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهَا يَتَقَوَّوْنَ بِهَا. (وَفِي النَّحْلِ إنْ كَثُرَتْ وَلَمْ يُقْصَدْ عَسَلُهَا رِوَايَتَانِ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: يُكْرَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 551 تَحْرِيقُ النَّحْلِ وَتَغْرِيقُهَا لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ، وَلِأَنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى دِيَارِنَا كَحَمَامِ الْأَبْرِجَةِ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَوْضِعٍ يَكْثُرُ نَفْعُهُمْ بِهَا وَيُؤْذِيهِمْ تَلَفُهَا جَازَ ذَلِكَ فِيهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَعْظَمَ حُرْمَةً مِنْ الْخَيْلِ وَالْأَنْعَامِ. انْتَهَى نَقْلُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ لِطَالِبِ عَسَلِهَا تَغْرِيقُهَا لِخَوْفِ لَدْغِهَا (وَحُرِقَ إنْ أَكَلَ الْمَيْتَةَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْبَاجِيِّ بِهَذَا (كَمَتَاعٍ عَجَزَ عَنْ حَمْلِهِ) ابْنُ حَبِيبٍ: مَا عَجَزَ الْإِمَامُ عَنْ حَمْلِهِ مِنْ الْأَثَاثِ وَالْمَتَاعِ وَلَمْ يَجِدْ بِهِ ثَمَنًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ لِمَنْ شَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَأْخُذُهُ فَلْيُحْرِقْهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْرُقْهُ ثُمَّ حَمَلَهُ أَحَدٌ فَلَا خُمُسَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا قَسْمَ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْطَاهُ لَهُ الْإِمَامُ. اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ ". (وَجُعْلُ الدِّيوَانِ) اللَّخْمِيِّ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْغَزْوَ أَنْ لَا يَأْخُذَ عَلَيْهِ أَجْرًا، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَكْتُبَ فِي دِيوَانِ الْجُنْدِ وَالْعَطَاءِ لَمْ يُمْنَعْ إذَا كَانَ الْعَطَاءُ مِنْ حَيْثُ يَجُوزُ. قَالَ الْأَوْزَاعِيِّ: أَوْقَفَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْفَيْءَ وَخَرَاجَ الْأَرَضِينَ لِلْمُجَاهِدِينَ، فَفَرَضَ مِنْهُ لِلْمُقَاتِلَةِ وَالْعِيَالِ وَالذُّرِّيَّةِ فَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً لِمَنْ بَعْدَهُ، فَمَنْ افْتَرَضَ فِيهِ وَنِيَّتُهُ الْجِهَادُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: أَصْحَابُ الْعَطَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُتَطَوِّعَةِ لِمَا يُرَوَّعُونَ. قَالَ مَكْحُولٌ: رَوْعَاتُ الْبُعُوثِ تَقِي رَوْعَاتِ الْقِيَامَةِ (وَجُعْلٌ مِنْ قَاعِدٍ لِمَنْ يَخْرُجُ عَنْهُ إنْ كَانَا بِدِيوَانٍ) ابْنُ شَاسٍ: الْجَعَالَةُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْجِهَادِ جَائِزَةٌ يَجْعَلُ الْقَاعِدُ لِلْخَارِجِ إنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ دِيوَانٍ وَاحِدٍ، وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْعَبِيدِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قُلْت لِابْنِ عُمَرَ: أُرِيدُ الْغَزْوَ فَقَالَ: إنِّي أُحِبُّ أَنْ أُعِينَكَ بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِي قُلْت: قَدْ أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيَّ قَالَ: إنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 552 غِنَاك لَك وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِي فِي هَذَا الْوَجْهِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: «مَنْ قَتَلَ فَلَهُ السَّلَبُ» . (وَرَفْعُ صَوْتِ مُرَابِطٍ بِالتَّكْبِيرِ وَكُرِهَ التَّطْرِيبُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالتَّكْبِيرِ فِي الرِّبَاطِ وَالْحَرَسِ عَلَى الْبَحْرِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنْكَرَ التَّطْرِيبَ. (وَقَتْلُ عَيْنٍ وَإِنْ أُمِّنَ) سَحْنُونَ: إنْ أُمِّنَ حَرْبِيٌّ بَانَ أَنَّهُ عَيْنٌ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ أَوْ اسْتِرْقَاقُهُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ وَلَا خُمُسَ فِيهِ. اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ عَلِمَ مِنْ ذِمِّيٍّ عِنْدَنَا أَنَّهُ عَيْنٌ لَهُمْ يُكَاتِبُهُمْ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا عَهْدَ لَهُ. قَالَ سَحْنُونَ: يُقْتَلُ نَكَالًا يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُ (وَالْمُسْلِمُ كَالزِّنْدِيقِ) سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْجَاسُوسِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُؤْخَذُ وَقَدْ كَاتِب الرُّومَ وَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: مَا سَمِعْت فِيهِ بِشَيْءٍ وَأَرَى فِيهِ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ. اللَّخْمِيِّ: قَوْلُ مَالِكٍ هَذَا أَحْسَنُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَى أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ أَضَرُّ مِنْ الْمُحَارِبِ. (وَقَبُولُ الْإِمَامِ هَدِيَّتَهُمْ) سَحْنُونَ: لَا بَأْسَ بِقَبُولِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَهْدَى إلَيْهِ أَمِيرُ الرُّومِ وَتَكُونُ لَهُ خَاصَّةً (وَهِيَ لَهُ إنْ كَانَتْ مِنْ بَعْضٍ لِكَقَرَابَتِهِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ عَلِمَ أَنَّ الْهَدِيَّةَ لِلْإِمَامِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ إنَّمَا هِيَ لِقَرَابَةٍ أَوْ مُكَافَأَةٍ كُوفِئَ فَأَرَاهَا لَهُ خَاصَّةً (وَفَيْءٌ إنْ كَانَتْ مِنْ الطَّاغِيَةِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بَلَدَهُ) ابْنُ رُشْدٍ: الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ أَنَّهُ إذَا أَتَتْ الْأَمِيرَ الْهَدِيَّةُ مِنْ الطَّاغِيَةِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعَدُوِّ وَقَبْلَ أَنْ يُدَرَّبَ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ أَنَّهَا تَكُونُ فَيْئًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ الْأَمِيرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا إذَا أَتَتْ مِنْ الطَّاغِيَةِ وَهُوَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ لَهُ. وَاخْتُلِفَ هَلْ تَكُونُ غَنِيمَةً لِلْجَيْشِ أَوْ فَيْئًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّهَا تَكُونُ لِلْجَيْشِ يُرِيدُ غَنِيمَةً لَهُمْ وَتَخْمِيسٌ. وَقِيلَ: إنَّهَا تَكُونُ فَيْئًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ كَالْجِزْيَةِ. وَأَمَّا الرَّجُلُ مِنْ الْجَيْشِ تَأْتِيهِ الْهَدِيَّةُ فَقَالَ: هِيَ لَهُ خَاصَّةً لَا شَكَّ فِيهِ. سَحْنُونَ: وَأَمِيرُ الطَّائِفَةِ فِي قَبُولِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 553 الْهَدِيَّةِ وَاخْتِصَاصِهِ بِهَا كَأَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ إنْ كَانَ الرُّومُ فِي مَنَعَةٍ وَقُوَّةٍ وَإِلَّا فَهِيَ رِشْوَةٌ لَا يَحِلُّ قَبُولُهَا (وَقِتَالُ رُومٍ وَتُرْكٍ) اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْفَرَازِنَةِ: وَهُمْ جِنْسٌ مِنْ الْحَبَشَةِ لَا يُقَاتَلُوا حَتَّى يُدْعَوْا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي التُّرْكِ مِثْلُ ذَلِكَ فَأَبَاحَا قِتَالَهُمْ إذَا دُعُوا فَأَبَوْا. وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ: لَا يُقَاتَلُ الْحَبَشَةُ إلَّا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ وَكَذَلِكَ التُّرْكُ. قَالَ مَالِكٌ: لَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَغْزُونَ الرُّومَ وَغَيْرَهُمْ وَتَرَكُوا الْحَبَشَةَ وَمَا أَرَاهُمْ تَرَكُوا قِتَالَهُمْ إلَّا لِأَمْرٍ (وَاحْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ بِقُرْآنٍ) تَقَدَّمَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَيْهِمْ (وَبَعْثُ كِتَابٍ فِيهِ كَالْآيَةِ) تَقَدَّمَ نَقْلُ عِيَاضٍ هَذَا عَنْ الْفُقَهَاءِ (وَإِقْدَامُ رَجُلٍ عَلَى كَثِيرٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لِيُظْهِرَ شَجَاعَةً عَلَى الْأَظْهَرِ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: حَمَلَ رَجُلٌ أَحَاطَ بِهِ الْعَدُوُّ عَلَى جَيْشِهِ خَوْفَ الْأَسْرِ خَفِيفٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْسِرَ اتِّفَاقًا وَحَمْلُ الرَّجُلِ وَحْدَهُ مِنْ الْجَيْشِ الْكَثِيفِ عَلَى جَيْشِ الْعَدُوِّ لِلسُّمْعَةِ وَالشَّجَاعَةِ مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا. ابْنُ عَرَفَةَ: الصَّوَابُ حُرْمَتُهُ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَحَمْلُهُ مُحْتَسِبًا بِنَفْسِهِ لِيُقَوِّيَ نُفُوسَ الْمُسْلِمِينَ وَيُلْقِيَ بِهِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ، فَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ كَرِهَهُ وَمِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ وَاسْتَحَبَّهُ لِمَنْ كَانَتْ بِهِ قُوَّةٌ عَلَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَعَلَ ذَلِكَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأُمَرَاءِ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَلَا أَنْكَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 554 وَرَوَى أَشْهَبُ فِي الرَّجُلِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَدْعُو لِلْمُبَارَزَةِ: لَا بَأْسَ بِهِ إنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ. وَرَوَى عَلِيٌّ: إنْ لَقِيَتْ سَرِيَّةٌ أَضْعَافَهُمْ فَإِنْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَا يَنْكَوْا الْعَدُوَّ فَلَا يَلْقَوْهُ لِئَلَّا يَسْتَأْسِرَ بِقَتْلِهِمْ. (وَانْتِقَالٌ مِنْ مَوْتٍ لِآخَرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا أَحْرَقَ الْعَدُوُّ سَفِينَةً لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَطْرَحُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهُمْ فَرُّوا مِنْ مَوْتٍ إلَى مَوْتٍ. ابْنُ رُشْدٍ: الصَّوَابُ أَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ أَفْضَلُ وَفِعْلَهُ جَائِزٌ (وَوَجَبَ إنْ رَجَا حَيَاةً) ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا حَصَلَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي صُورَةٍ يَخَافُ فِيهَا مِنْ الْقَتْلِ فَأَرَادَ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهَا، فَإِنْ رَجَا السَّلَامَةَ فَالِانْتِقَالُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَجَا السَّلَامَةَ بِالْبَقَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ. وَلِمَا نَقَلَ اللَّخْمِيِّ أَنَّ لَهُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمَوْتِ وَلَا يَفِرَّ لِلْأَسْرِ قَالَ: هَذَا غَيْرُ بَيِّنٍ اُنْظُرْهُ فِيهِ (أَوْ طُولَهَا) اُنْظُرْ ابْنَ بَشِيرٍ. (كَالنَّظَرِ فِي الْأَسْرَى بِقَتْلٍ أَوْ مَنٍّ أَوْ فِدَاءٍ أَوْ جِزْيَةٍ أَوْ اسْتِرْقَاقٍ) ابْنُ رُشْدٍ: ذَهَبَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي الْأَسْرَى بَيْنَ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: فَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ، وَإِمَّا أَنْ يَأْسِرَ وَيَسْتَعْبِدَ، وَإِمَّا أَنْ يُعْتِقَ، وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ فِيهِ الْفِدَاءَ، وَإِمَّا أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهِ الذِّمَّةَ وَيَضْرِبَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ، وَهَذَا التَّخْيِيرُ لَيْسَ عَلَى الْحُكْمِ فِيهِمْ بِالْهَوَى وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 555 جِهَةِ الِاجْتِهَادِ فِي النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ كَالتَّخْيِيرِ فِي الْحُكْمِ فِي حَدِّ الْمُحَارِبِ. فَإِنْ كَانَ الْأَسِيرُ مِنْ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالْفُرُوسِيَّةِ وَالنِّكَايَةِ لِلْمُسْلِمِينَ قَتَلَهُ الْإِمَامُ وَلَمْ يَسْتَحْيِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَأُمِنَتْ غَائِلَتُهُ وَلَهُ قِيمَةٌ اسْتَرَقَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ قَبِلَ فِيهِ الْفِدَاءَ إنْ بُذِلَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ وَلَا فِيهِ مَحْمَلٌ لِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ أَعْتَقَهُ كَالضُّمَنَاءِ وَالزَّمْنَى الَّذِينَ لَا قِتَالَ عِنْدَهُمْ وَلَا رَأْيَ لَهُمْ وَلَا تَدْبِيرَ. فَمِنْ الضُّمَنَاءِ وَالزَّمْنَى الَّذِينَ لَا يُقْتَلُونَ الْمَعْتُوهُ وَالْمَجْنُونُ وَالْيَابِسُ الشَّقَّ بِاتِّفَاقٍ. وَالْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ عَلَى اخْتِلَافٍ. وَالِاخْتِلَافُ فِي هَذَا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي وُجُوبِ السَّهْمُ لَهُمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَفِي جَوَازِ إعْطَائِهِمْ مِنْ الْمَالِ الَّذِي يُجْعَلُ فِي السَّبِيلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ وَفِيهِ مَحْمَلٌ لِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ عَقَدَ لَهُ الذِّمَّةَ وَضَرَبَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ، وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ مُخَالَفَةَ مَا وَصَفْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الِاجْتِهَادِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، مِثْلَ أَنْ يَبْذُلَ الْفَارِسُ الْمَعْرُوفُ بِالنَّجْدَةِ وَالْفُرُوسِيَّةِ فِي نَفْسِهِ الْمَالَ الْوَاسِعَ الْكَثِيرَ فَيَرَى الْإِمَامُ أَخْذَهُ أَوْلَى مِنْ قَتْلِهِ. (وَلَا يَمْنَعُهُ حَمْلٌ مِنْ مُسْلِمٍ وَرُقَّ إنْ حَمَلَتْ بِهِ بِكُفْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ كِتَابِيٌّ أَوْ بَعْدَ قُدُومِهِ إلَيْنَا لَمْ تَزُلْ عِصْمَتُهُ عَنْ نِسَائِهِ وَهُوَ عَلَى نِكَاحِهِ وَيَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهِمْ وَافْتِرَاقُ الدَّارَيْنِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَمِنْ اللَّخْمِيِّ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْحَرْبِيِّ: ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا فَغَزَا الْمُسْلِمُونَ بِلَادَهُ فَغَنِمُوا أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَمَالَهُ: أَنَّهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ: وَسَأَلْت مَالِكًا عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَسْلَمَ ثُمَّ غَزَا الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الدَّارَ فَأَصَابُوا أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ قَالَ مَالِكٌ: فَهُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ هَاهُنَا أَنَّهُمْ فَيْءٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ إلَيْنَا ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ ثُمَّ قَالَ: وَالْقَوْلُ أَنَّ مَالَهُ وَوَلَدَهُ لَهُ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ مَالُهُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَإِنْ كَانَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْوَلَدُ مِنْ وَطْءٍ كَانَ بَعْدَ إسْلَامِهِ لَمْ يُسْتَرَقَّ قَوْلًا وَاحِدًا. وَكَذَلِكَ لَوْ سُبِيَتْ زَوْجَتُهُ بِحَمْلٍ حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَهُوَ إذَنْ وَلَدُهُ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا زَوْجَتُهُ فَفَيْءٌ قَوْلًا وَاحِدًا، وَسَوَاءٌ أَسْلَمَ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا أَوْ أَقَامَ حَتَّى دَخَلُوا عَلَيْهِ، وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الْكُفْرُ وَالرِّقُّ وَالزَّوْجِيَّةُ إلَّا إنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ عَتَقَتْ فَإِنَّهَا تَبْقَى زَوْجَةً. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَا يَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِرْقَاقِ كَوْنُ الْمَرْأَةِ حَامِلًا مِنْ مُسْلِمٍ لَكِنْ لَا يُرَقَّ الْوَلَدُ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَمَلَتْ بِهِ فِي حَالِ كُفْرِهِ ثُمَّ سُبِيَتْ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَالْحَمْلُ فَيْءٌ. وَانْظُرْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ حُكْمَ أَمْوَالِ الْمُدْجِنِينَ. هَلْ هِيَ كَمَالِ مَنْ أَسْلَمَ وَبَقِيَ بِدَارِ الْحَرْبِ؟ وَانْظُرْ هُنَاكَ أَيْضًا الْحُرَّةَ يَأْسِرُهَا الْعَدُوُّ فَتَلِدُ عِنْدَهُمْ ثُمَّ يَغْنَمُهَا الْمُسْلِمُونَ وَأَوْلَادَهَا، وَانْظُرْ مَالَ مَنْ مَاتَ بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ وَغَاصِبُ مَتْرُوكِهِ مُدْجِنٌ بِأَرْضِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 556 الشِّرْكِ. [بَابٌ مِنْ فَرَائِضِ الْجِهَادِ الْوَفَاءُ بِالْأَمَانِ] (وَالْوَفَاءُ بِمَا فَتَحَ لَنَا بِهِ بَعْضُهُمْ) ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ فَرَائِضِ الْجِهَادِ الْوَفَاءُ بِالْأَمَانِ. ابْنُ سَحْنُونٍ: لَوْ قَالَ الْإِمَامُ لِأَهْلِ حِصْنٍ: مَنْ فَتَحَ الْبَابَ فَهُوَ آمِنٌ. فَفَتَحَهُ عِشْرُونَ مَعًا فَهُمْ آمِنُونَ. وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ مِنْ حِصْنٍ حُوصِرَ غَيْرُ أَمِيرِهِ نَفْتَحُ لَكُمْ عَلَى أَنْ تُؤَمِّنُونِي عَلَى فُلَانٍ أَوْ عَلَى قَرَابَتِي أَوْ أَهْلِ مَمْلَكَتِي أَوْ حِصْنِي دَخَلَ مَعَهُمْ فِي الْأَمَانِ الْأَمْوَالُ وَالسِّلَاحُ. وَفِي أَمِّنُونِي عَلَى أَهْلِ حِصْنِي عَلَى أَنْ أَدُلَّكُمْ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ عَلَى كَذَا يَدْخُلُ الْأَمْوَالُ وَالسِّلَاحُ لِأَنَّ " أَفْتَحُ " دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ النَّاسِ فَقَطْ. " وَفِي " أَفْتَحُ لَكُمْ " عَلَى عَشْرَةٍ مِنْ الرَّقِيقِ أَوْ " مِنْ كَذَا لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمَالُهُ فَيْءٌ (وَبِأَمَانِ الْإِمَامِ مُطْلَقًا) ابْنُ بَشِيرٍ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ أَنْ يُعْطِيَ الْأَمَانَ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَصَرَّفَ عَلَى حُكْمِ التَّمَنِّي وَالتَّشَهِّي دُونَ مَصْلَحَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ. اللَّخْمِيِّ: فَمَا عَقَدَهُ أَمِيرُ الْجَيْشِ مِنْ الْأَمَانِ جَازَ وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ، فَإِنْ جَعَلَ لَهُمْ الْأَمَانَ عَلَى أَنْ يَرْحَلَ عَنْهُمْ أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ آمِنُونَ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَكُلُّ ذَلِكَ بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِ مَالٍ أَوْ عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا عَلَى أَنَّهُمْ آمِنُونَ مِنْ الْقَتْلِ خَاصَّةً وَيَسْتَرِقَّهُمْ أَوْ عَلَى أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَلَا يَسْتَرِقَّهُمْ وَعَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَمْوَالَهُمْ خَاصَّةً وَلَا يَعْرِضَ لَهُمْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ يَأْخُذَ أَمْوَالَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ بَعْضَ ذَلِكَ عَلَى عَقْدٍ، جَائِزٌ لَازِمٌ (كَالْمُبَارِزِ مَعَ قِرْنِهِ) ابْنُ شَاسٍ: يَجِبُ عَلَى الْمُبَارِزِ مَعَ قَرْنِهِ الْوَفَاءَ بِشَرْطِهِ. الْبَاجِيُّ: فَإِنْ خِيفَ عَلَى الْمُسْلِمِ الْقَتْلُ فَأَجَازَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ الْمُشْرِكُ وَلَا يُقْتَلُ لِأَنَّ مُبَارَزَتَهُ عَهْدٌ أَنْ لَا يَقْتُلَهُ إلَّا مَنْ بَارَزَهُ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا يُعْجِبُنِي تَرْكُ الدَّفْعِ عَنْهُ لِأَنَّ الْعِلْجَ لَوْ أَسَرَهُ لَوَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَنْقِذَهُ إذَا قَدَرْنَا. انْتَهَى مَا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى دُونَ نَقْلِ الْخِلَافِ. وَرَوَى أَشْهَبُ فِي الرَّجُلِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَدْعُو إلَى الْمُبَارَزَةِ: لَا بَأْسَ بِهِ إنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ. قَالَ سَحْنُونَ: وَوَثِقَ بِنَفْسِهِ خَوْفَ إدْخَالِ الْوَهْنِ عَلَى النَّاسِ. ابْنُ وَهْبٍ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبَارِزَ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ إنْ كَانَ عَدْلًا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْإِمَامَ إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ لَمْ يَلْزَمْ اسْتِئْذَانُهُ فِي مُبَارَزَةٍ وَلَا قِتَالٍ إذْ قَدْ يَنْهَاهُ عَنْ غُرَّةٍ قَدْ تَبَيَّنَتْ لَهُ فَيَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ، فَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْعَدْلُ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ فِي الِاسْتِئْذَانِ لَهُ لَا فِي طَاعَتِهِ إذَا أُمِرَ بِشَيْءٍ أَوْ نُهِيَ عَنْهُ، لِأَنَّ الطَّاعَةَ لِلْإِمَامِ مِنْ فَرَائِضِ الْغَزْوِ فَوَاجِبٌ عَلَى الرَّجُلِ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ مَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِمَعْصِيَةٍ (وَإِنْ أُعِينَ بِإِذْنِهِ قُتِلَ مَعَهُ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ خَرَجَ جَمَاعَةٌ لِإِعَانَةِ الْكَافِرِ بِاسْتِنْجَادِهِ قَتَلْنَاهُ مَعَهُمْ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ نَتَعَرَّضْ لَهُ. الْجَوْهَرِيُّ: تَقُولُ: اسْتَنْجَدَنِي فَأَنْجَدْته أَيْ اسْتَعَانَ بِي فَأَعَنْته (وَلَمِنْ خَرَجَ فِي جَمَاعَةٍ لِمِثْلِهَا إذَا فَرَغَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 557 مِنْ قِرْنِهِ الْإِعَانَةُ) سَحْنُونَ: لَوْ بَارَزَ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ مِثْلَهُمْ جَازَ أَنْ يَقْصِدَ مَنْ فَرَغَ مِنْ مُبَارَزَةِ أَصْحَابِهِ كَمَا فَعَلَ عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ يَوْمَ بَدْرٍ (وَأُجْبِرُوا عَلَى حُكْمِ مَنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ إنْ كَانَ عَدْلًا وَعَرَفَ الْمَصْلَحَةَ وَإِلَّا نَظَرَ الْإِمَامُ) سَحْنُونَ: صَحَّ النَّهْيُ عَنْ إنْزَالِ الْعَدُوِّ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَإِنْ جَهِلَ الْإِمَامُ فَأَنْزَلَهُمْ عَلَيْهِ رُدُّوا لِمَأْمَنِهِمْ وَلْيُنْزِلْهُمْ الْإِمَامُ عَلَى حُكْمِهِ لَا عَلَى حُكْمِ غَيْرِهِ وَلَوْ طَلَبُوهُ بِأَنْ أَنْزَلَهُمْ عَلَى حُكْمِ غَيْرِهِ. وَلَوْ حَكَمَ فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا عَدْلًا نَفَذَ حُكْمُهُ وَلَمْ يَرُدَّهُمْ لِمَأْمَنِهِمْ، فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا تَعَقَّبْ الْإِمَامُ حُكْمَهُ إنْ رَآهُ الْإِمَامُ حَسَنًا أَمْضَاهُ وَإِلَّا حَكَمَ بِمَا يَرَاهُ نَظَرًا وَلَا يَرُدُّهُمْ لِمَأْمَنِهِمْ. وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَجُلَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا رُدُّوا لِمَأْمَنِهِمْ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْحُكْمِ رُدُّوا أَيْضًا لِمَأْمَنِهِمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 558 (كَتَأْمِينِ غَيْرِهِ إقْلِيمًا) سَحْنُونَ: لَوْ أَشْرَفَ عَلَى أَخْذِ حِصْنٍ وَتَيَقَّنَ أَخْذَهُ فَأَمَّنَهُمْ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَلِلْإِمَامِ رَدُّهُ (وَإِلَّا فَهَلْ يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ يَمْضِي مِنْ مُؤَمِّنٍ مُمَيِّزٍ وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ رِقًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ خَارِجًا عَلَى الْإِمَامِ لَا ذِمِّيًّا وَخَائِفًا مِنْهُمْ تَأْوِيلَانِ) اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَمِّنَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَيْشِ وَاحِدًا مِنْ الْحِصْنِ. فَإِنْ فَعَلَ فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَمْضِي تَأْمِينُهُ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّ مَنْ كَمُلَتْ فِيهِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ وَهِيَ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورِيَّةُ، فَإِذَا أَعْطَى أَمَانًا فَهُوَ كَأَمَانِ الْإِمَامِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَمَانُ الْمَرْأَةِ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ عِنْدِي أَمَانُ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ الْأَمَانَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِاجْتِهَادِهِ. ابْنُ يُونُسَ: جَعَلَ عَبْدُ الْوَهَّابِ قَوْلَ الْغَيْرِ خِلَافًا وَغَيْرَهُ وِفَاقًا. وَعَزَا أَبُو عُمَرَ قَوْلَ الْغَيْرِ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ قَالَ: وَهُوَ شَاذٌّ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى. قَالَ يَحْيَى: سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ نَاسٍ مِنْ الْعَدُوِّ كَانُوا خَرَجُوا إلَى رَجُلٍ كَانَ فِي الثَّغْرِ مِنْ أَهْلِ الْخِلَافِ لِلْإِمَامِ وَكَانَ يَلِي مَدِينَةً مِنْ الثَّغْرِ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهَا فَأَعْطَاهُمْ عَهْدًا فَأَمِنُوا بِذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 559 عِنْدَهُ، هَلْ يُسْتَحَلُّونَ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا إلَيْهِ وَقَبِلُوا عَهْدَهُ وَقَدْ عَلِمُوا خِلَافَهُ لِلْإِمَامِ؟ فَقَالَ: لَا تَحِلُّ دِمَاؤُهُمْ وَلَا ذَرَارِيُّهُمْ وَلَا أَمْوَالُهُمْ لِأَحَدٍ، لِأَنَّ عَهْدَهُ عَهْدٌ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَعْقِدُ لَهُمْ أَمَانًا عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ يُقَالُ لَهُمْ: إنَّ عَهْدَهُ لَا يُمْضِيهِ الْوَالِي فَارْجِعُوا إلَى مَأْمَنِكُمْ، فَإِذَا رُدُّوا إلَى أَرْضِهِمْ عَادُوا إلَى حَالِهِمْ الْأَوَّلِ فَكَانُوا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مَا هُمْ. قُلْت: فَإِنْ اخْتَارُوا الْإِقَامَةَ عَلَى الْجِزْيَةِ قَالَ: لَا أُحِبُّ لَهُ رَدَّهُمْ إذَا رَضُوا بِالْجِزْيَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: " إنَّهُمْ يَحْرُمُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْعَهْدِ الَّذِي أَعْطَاهُمْ الْمُخَالِفُ عَلَى الْإِمَامِ " صَحِيحٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ» وَذَلِكَ مَا لَمْ يُغِيرُوا بَعْدَ مُعَاهَدَتِهِمْ إيَّاهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ أَمَانَ غَيْرِ الْمُسْلِمِ لَيْسَ بِأَمَانٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ قَالُوا: ظَنَنَّا الذِّمِّيَّ مُسْلِمًا رُدُّوا لِمَأْمَنِهِمْ. وَسُئِلَ أَشْهَبُ عَنْ رَجُلٍ شَذَّ عَنْ عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فَأَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَطَلَبَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ الْعَدُوُّ: لِلْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ أَعْطِنَا الْأَمَانَ فَأَعْطَاهُمْ الْأَمَانَ فَقَالَ: إذَا كَانَ أَمَّنَهُمْ وَهُوَ آمِنٌ عَلَى نَفْسِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ أَمَّنَهُمْ وَهُوَ خَائِفٌ عَلَى نَفْسِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَائِزٍ. وَقَوْلُ الْأَسِيرِ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ. مُحَمَّدٌ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَسَقَطَ الْقَتْلُ) اللَّخْمِيِّ: مُتَعَلَّقُ الْأَمَانِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 560 الْأَسِيرِ عَدَمُ قَتْلِهِ وَلَوْ كَانَ أَمَانًا لِمَنْ فِي حِصْنٍ كَانَ لَا يُبَاحُ بِقَتْلٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَسْتَبِينَ أَنَّهُ فِي النَّفْسِ دُونَ الْمَالِ (وَلَوْ بَعْدَ الْفَتْحِ) لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ بَشِيرٍ الْخِلَافَ فِي أَمَانِ الْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ التَّأْمِينُ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْفَتْحُ وَمَا دَامَ الَّذِي أَمِنَ مُتَمَنِّعًا. وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الْفَتْحُ وَصَارَ فِي قَبْضَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَمَّنَهُ الْأَمِيرُ صَحَّ تَأْمِينُهُ، وَإِنْ أَمَّنَهُ غَيْرُهُ فَهَلْ يَصِحُّ تَأْمِينُهُ فَيَكُونُ مَانِعًا مِنْ الْقَتْلِ؟ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: صِحَّةُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ الْأَسْرِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأُمِّ هَانِئٍ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت يَا أُمَّ هَانِئٍ» . وَكَانَتْ إجَارَتُهَا بَعْدَ الْفَتْحِ. وَعَزَا اللَّخْمِيِّ هَذَا لِابْنِ الْمَوَّازِ. الثَّانِي: عَدَمُ صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ صَارَ فِي قَبْضَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْإِمَامِ صِيَانَةُ دَمِهِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يَحِلُّ لِمَنْ أَمَّنَهُ قَتْلُهُ وَالْإِمَامُ يَتَعَقَّبُ ذَلِكَ إنْ رَأَى قَتْلَهُ أَصْلَحَ قَتَلَهُ وَهَذَا أَحْسَنُ، إذْ لَوْ كَانَتْ إجَارَةُ أُمِّ هَانِئٍ لَازِمَةً لَمْ يَقُلْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت. قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ: إنَّمَا تَمَّ أَمَانُهَا بِإِجَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِلَفْظٍ أَوْ إشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: يَصِحُّ التَّأْمِينُ بِكُلِّ مَا يُفْهَمُ بِهِ ذَلِكَ كَانَ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ أَوْ بِالْعَجَمِيِّ، نُطْقًا أَوْ إشَارَةً (إنْ لَمْ يَضُرَّ) مِنْ الذَّخِيرَةِ: لَوْ أَمَّنَ جَاسُوسًا أَوْ طَلِيعَةً لَمْ يَنْعَقِدْ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ بَلْ يَكْفِي عَدَمُ الْمَضَرَّةِ. (وَإِنْ ظَنَّهُ حَرْبِيٌّ فَجَاءَ أَوْ نَهَى النَّاسَ عَنْهُ فَعَصَوْا أَوْ نَسُوا أَوْ جَهِلُوا أَوْ جُهِلَ إسْلَامُهُ لَا إمْضَاؤُهُ أَمْضَى أَوْ رُدَّ لِمَحَلِّهِ) أَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَرْبِيِّ يَظُنُّ الْأَمَانَ فَيَجِيءُ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي مَرْكَبٍ لِلْمُسْلِمِينَ قَاتَلُوا مَرْكَبَ عَدُوِّهِمْ يَوْمَهُمْ فَطَلَبَ الْعَدُوُّ الْأَمَانَ فَنَشَرَ الْمُسْلِمُونَ الْمُصْحَفَ وَحَلَفُوا بِمَا فِيهِ لَنَقْتُلَنَّكُمْ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 561 فَظَنَّهُ الْعَدُوُّ أَمَانًا فَاسْتَسْلَمُوا ثُمَّ طَلَبُوا بَيْعَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ أَمَانٌ قَالَ: وَلَوْ طَلَبُوا مَرْكَبًا لِلْعَدُوِّ فَصَاحُوا بِهِ: اُرْخُ قَلْعَك فَأَرْخَاهَا، هُوَ أَمَانٌ إنْ كَانَ قَبْلَ الظَّفَرِ بِهِمْ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ أَمَّنَ وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ نَهَى عَنْهُ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَيْشِ أَنْ يُؤَمِّنَ أَحَدًا غَيْرَ الْإِمَامِ وَحْدَهُ وَلِذَلِكَ قُدِّمَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ إنْ أَمَّنَ أَحَدٌ أَحَدًا قَبْلَ نَهْيِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ، إمَّا أَمَّنَهُ أَوْ رَدَّهُ إلَى مَأْمَنِهِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ: إذَا نُهِيتُمْ عَنْ الْأَمَانِ فَأَمَّنَ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْهُمْ نَاسِيًا أَوْ عَاصِيًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ جَاهِلًا رُدَّ إلَى مَأْمَنِهِ وَلَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُقِيمَ فِيكُمْ فَيَكُونَ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْجِزْيَةِ: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ إذَا قَالُوا: ظَنَنَّا الذِّمِّيَّ مُسْلِمًا رُدُّوا لِمَأْمَنِهِمْ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَوْ جُهِلَ كُفْرُهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ " لَا إمْضَاؤُهُ " فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لَا أَمَانَ لِذِمِّيٍّ، فَإِنْ قَالُوا: ظَنَنَّا أَنَّ لَهُ جِوَارًا بِمَكَانِ الذِّمَّةِ فَلَا أَمَانَ لَهُمْ. اللَّخْمِيِّ: أَرَى أَنْ يُرَدُّوا لِمَأْمَنِهِمْ (وَإِنْ أَخَذَ مُقْبِلًا بِأَرْضِهِمْ وَقَالَ جِئْت أَطْلُبُ الْأَمَانَ أَوْ بِأَرْضِنَا وَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّكُمْ لَا تَعْرِضُونَ لِتَاجِرٍ أَوْ بَيْنَهُمَا رُدَّ لِمَأْمَنِهِ وَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ فَعَلَيْهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَخَذَ الرُّومِيُّ بِبَلَدِ الْعَدُوِّ وَهُوَ مُقْبِلٌ إلَيْنَا فَيَقُولُ: جِئْت أَطْلُبُ الْأَمَانَ فَقَالَ مَالِكٌ: هَذِهِ أُمُورٌ مُشْكِلَةٌ وَأَرَى رَدَّهُ لِمَأْمَنِهِ. قِيلَ: فَمَنْ أَخَذَ حَرْبِيًّا دَخَلَ بِلَادَ الْإِسْلَامِ دُونَ أَمَانٍ. أَيَكُونُ لَهُ أَمْ فَيْءٌ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ وُجِدُوا بِسَاحِلِ الْمُسْلِمِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ تُجَّارٌ: لَا يُصَدَّقُونَ وَلَيْسُوا لِمَنْ وَجَدَهُمْ وَيَرَى الْإِمَامُ رَأْيَهُ. قُلْت: إنْ نَزَلَ تَاجِرٌ دُونَ أَمَانٍ وَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّكُمْ لَا تَعْرِضُونَ لِتَاجِرٍ؟ قَالَ: هَذَا كَقَوْلِ مَالِكٍ أَوَّلًا. أَمَّا قَبْلَ قَوْلِهِ: " أَوْ رُدَّ لِمَأْمَنِهِ ". ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِذَا وُجِدَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي مَوَاضِعَ بَيْنَ أَرْضِهِمْ أَوْ أَرْضِنَا فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُمْ مُحَارِبُونَ حُكِمَ فِيهِمْ بِحُكْمِ أَهْلِ الْحَرْبِ. وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مُسْتَأْمَنُونَ حُكِمَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمُسْتَأْمَنِينَ، وَإِنْ شَكَّ فَقَوْلَانِ. اللَّخْمِيِّ: إنْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ كَانَ آمِنًا وَلَمْ يُسْتَرَقَّ، وَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَكَانَ رَقِيقًا، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ وَلَا عَلَى كَذِبِهِ فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ رَأَى مَرَّةً أَنَّهُ صَارَ أَسِيرًا رَقِيقًا بِنَفْسِ الْأَخْذِ يَدَّعِي وَجْهًا يُزِيلُ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَرَأَى مَرَّةً أُخْرَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلَهُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ صَدَقَ وَلَا يُسْتَرَقُّ بِشَكٍّ وَهُوَ أَحْسَنُ. فَإِنْ قَالَ: جِئْتُ رَسُولًا وَمَعَهُ مُكَاتَبَةٌ أَوْ جِئْتُ لِفِدَاءٍ وَلَهُ مَنْ يَفْدِيهِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِهِ (وَإِنْ رُدَّ بِرِيحٍ فَعَلَى أَمَانِهِ حَتَّى يَصِلَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا نَزَلَ تُجَّارُهُمْ بِأَمَانٍ فَبَاعُوا وَانْصَرَفُوا فَأَيْنَمَا رَمَتْهُمْ الرِّيحُ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَالْأَمَانُ لَهُمْ مَا دَامُوا فِي تَجْرِهِمْ حَتَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 562 يَرِدُوا بِلَادَهُمْ. (وَإِنْ مَاتَ عِنْدَنَا فَمَالُهُ فَيْءٌ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَارِثٌ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى التَّجْهِيزِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ مَاتَ عِنْدَنَا وَقَدْ كَانَ اسْتَأْمَنَ عَلَى رُجُوعِهِ بِانْقِضَاءِ أَرَبِهِ فَمَالُهُ لِأَهْلِ الْكُفْرِ وَفِي رَدِّهِ لِوَارِثِهِ أَوْ لِحُكَّامِهِمْ قَوْلَانِ. وَلَعَلَّهُ خِلَافٌ فِي حَالِ إنْ انْتَقِلْ لَنَا حَقِيقَةُ تَوْرِيثِهِمْ دُفِعَ لِوَارِثِهِمْ وَإِلَّا فَلِحَاكِمِهِمْ. ابْنُ عَرَفَةَ: رَابِعُ الْأَقْوَالِ مَالُهُ لِوَارِثِهِ وَدِيَتُهُ لِحَاكِمِهِمْ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ مَاتَ عِنْدَنَا حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمَنٌ وَتَرَكَ مَالًا فَلْيُرَدَّ مَالُهُ إلَى وَرَثَتِهِ بِبَلَدِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ قُتِلَ فَتُدْفَعُ دِيَتُهُ إلَى وَرَثَتِهِ وَيُعْتِقُ قَاتِلُهُ رَقَبَةً. وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ قَالَ: وَدِيَةُ الْمُسْتَأْمَنِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنَّمَا يُرَدُّ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ عِنْدَنَا إذَا اسْتَأْمَنَ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ إذَا كَانَ شَأْنُهُمْ الرُّجُوعَ، وَأَمَّا لَوْ اسْتَأْمَنَ عَلَى الْمُقَامِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ شَأْنَهُمْ فَإِنَّ مَا تَرَكَ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَقَالَ فِيهِ: وَإِنْ كَانَ شَأْنُهُمْ الرُّجُوعَ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَمِيرَاثُهُ إنْ مَاتَ رُدَّ إلَى وَرَثَتِهِ بِبَلَدِهِ إلَّا أَنْ تَطُولَ إقَامَتُهُ عِنْدَنَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا يُرَدُّ مِيرَاثُهُ، وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُمْ وَلَا ذَكَرُوا رُجُوعًا فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ. (وَلِقَاتِلِهِ إنْ أُسِرَ ثُمَّ قُتِلَ وَإِلَّا أُرْسِلَ مَعَ دِيَتِهِ لِوَارِثِهِ كَوَدِيعَتِهِ وَهَلْ وَإِنْ قُتِلَ فِي مَعْرَكَةٍ أَوْ فَيْءٍ قَوْلَانِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا أَوْدَعَ الْمُسْتَأْمَنُ عِنْدَنَا مَالًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَمَاتَ فَلْيُرَدَّ مَالُهُ إلَى وَرَثَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قُتِلَ فِي مُحَارَبَتِهِ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّا نَبْعَثُ بِمَالِهِ الَّذِي لَهُ عِنْدَنَا، وَأَمَّا لَوْ أُسِرَ ثُمَّ قُتِلَ صَارَ مَالُهُ فَيْئًا لِمَنْ أَسَرَهُ وَقَتَلَهُ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا رَقَبَتَهُ قَبْلَ قَتْلِهِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ قُتِلَ بَعْدَ أَنْ أُسِرَ قَالَ: وَأَمَّا إنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 563 قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ فَهِيَ فَيْءٌ لَا خُمُسَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ الْأَسِيرَ إذَا بِيعَ فِي الْمَقَاسِمِ أَوْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ بَعْدَ الْأَسْرِ يَكُونُ الْمَالُ الَّذِي كَانَ لَهُ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ مُسْتَوْدَعًا فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ: مَعْنَاهُ يَكُونُ غَنِيمَةً لِلْجَيْشِ فَيُخَمَّسُ وَتَجْرِي فِيهِ السِّهَامُ فَهُوَ كَمَا أَصَابُوا مَعَهُ مِنْ مَالِهِ. وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَغُرَمَاؤُهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْجَيْشِ بِخِلَافِ مَا غُنِمَ مَعَهُ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا إذَا قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَلَمْ يُؤْسَرْ فَجَعَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بِمَنْزِلَةِ إذَا مَاتَ بِأَرْضِهِ فَيُرَدُّ الْمَالُ الْمُسْتَوْدَعُ إلَى وَرَثَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّهُ يَكُونُ فَيْئًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَعَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا يُخَمَّسُ. وَلِكِلَا الْقَوْلَيْنِ وَجْهٌ مِنْ النَّظَرِ. (وَكُرِهَ لِغَيْرِ الْمَالِكِ اشْتِرَاءُ سِلْعَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْعَدُوِّ مَا أَحْرَزُوا مِنْ مَتَاعِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَأَتَوْا بِهِ لِيَبِيعُوهُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَاسْتَحَبَّ غَيْرُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بِأَيْدِيهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَأْخُذَهُ رَبُّهُ بِالثَّمَنِ. ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا حَصَلَتْ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَرْبِ ثُمَّ صَارَتْ لِمُسْلِمٍ، فَإِنْ كَانَ مَصِيرُهَا إلَيْهِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ، فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ بِمُعَاوَضَةٍ فَلِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ بَعْدَ دَفْعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ فَلِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، فَإِنْ لَمْ يَقُمْ صَاحِبُهُ حَتَّى بَاعَهُ مَنْ أَخَذَهُ فَأَمَّا مَنْ صَارَ إلَيْهِ بِمُعَاوَضَةٍ فَالْبَيْعُ مَاضٍ، وَأَمَّا مَنْ صَارَ إلَيْهِ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ فَهَلْ لِرَبِّهِ نَقْضُ الْبَيْعِ؟ قَوْلَانِ فِي الْكِتَابِ. وَإِذَا قُلْنَا: لَيْسَ لَهُ النَّقْضُ فَلَهُ الثَّمَنُ وَإِنْ قَدِمَ أَهْلُ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنِينَ فِي أَيْدِيهمْ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ وَالذِّمِّيِّينَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُكْرَهُ لِغَيْرِ أَرْبَابِهَا شِرَاؤُهَا مِنْهُمْ. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إنَّهُ يُسْتَحَبُّ. وَهَذَا عَلَى الْخِلَافِ، هَلْ يَكُونُ أَرْبَابُهَا أَحَقَّ بِهَا بِالثَّمَنِ أَمْ لَا؟ فَعَلَى أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِهَا يُسْتَحَبُّ شِرَاؤُهَا مِنْهُمْ لِيَتَوَصَّلَ أَرْبَابُهَا إنْ شَاءُوا، وَهَذَا قِيَاسُ مَا اشْتَرَى مِنْهُمْ بِأَرْضِهِمْ. فَإِنْ أَخَذَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ فَهَلْ لِأَرْبَابِهَا أَخْذُهَا. قَوْلَانِ (وَفَاتَتْ بِهِ وَبِهِبَتِهِمْ لَهَا) اللَّخْمِيِّ: إذَا قَدِمَ الْحَرْبِيُّ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ وَمَعَهُ مَالُ الْمُسْلِمِ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ فِيهِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا أُحِبُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 564 يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ وَهَبَهُ لِأَحَدٍ لَمْ يَأْخُذْهُ سَيِّدُهُ عَلَى حَالٍ. وَاَلَّذِي يُشْبِهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَفِي الْهِبَةِ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَهَذَا أَحْسَنُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ وَهُوَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ أَوْ هُوَ بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ. (وَانْتُزِعَ مَا سُرِقَ ثُمَّ عِيدَ بِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ) يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَوْ سَرَقَ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَمْوَالَنَا وَعَبِيدًا وَكَتَمُوا ذَلِكَ حَتَّى حَارَبُوا ثُمَّ صُولِحُوا عَلَى أَنْ رَجَعُوا إلَى حَالِهِمْ مِنْ غُرْمِ الْجِزْيَةِ لَا يُنْزَعُ مِنْهُمْ شَيْءٌ. وَقَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي النَّفْرِ مِنْ الْعَدُوِّ يَنْزِلُونَ بِأَمَانٍ فَإِذَا فَرَغُوا سَرَقُوا عَبِيدَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بَعْضَ الْأَحْرَارِ ثُمَّ رَجَعُوا وَهُمْ مَعَهُمْ فَنَزَلُوا عَلَى أَمَانٍ وَلَمْ يَعْرِفُوا فَأَرَادُوا أَنْ يَبِيعُوهُمْ قَالَ: لَا يُتْرَكُوا. وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ عِنْدِي مِثْلُ مَا لَوْ نَزَلُوا بِأَمَانٍ فَدَايَنُوا الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ هَرَبُوا وَالدَّيْنُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا فَنَزَلُوا بِأَمَانٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ الدُّيُونِ. ثُمَّ رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ أَيْدِيهِمْ وَأَرَى أَنْ يُوَفَّى لَهُمْ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَحْرَزُوهُمْ. وَلَا يُتْبِعُوا بِمَا دَايَنُوا عَلَيْهِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْعَهْدَ وَالْأَمَانَ شَدِيدٌ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْأَوَّلِ أَنْ يُنْزِلَهُمْ الْإِمَامُ عَلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَإِنْ فَعَلَ أَنْفَذَ لَهُمْ الشَّرْطَ وَلَمْ يَنْتَزِعْ مِنْهُمْ شَيْئًا. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ. وَنَحْوُهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ يَقْدُمُونَ بِأَمَانٍ لِلتِّجَارَةِ فَيَشْتَرِطُونَ أَنْ لَا يَرُدَّ عَلَيْهِمْ إلَّا مِنْ جُنُونٍ أَوْ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ أَنَّ لَهُمْ شَرْطَهُمْ. ابْنُ رُشْدٍ: وَاخْتِلَافُ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دَاخِلٌ فِي مَسْأَلَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى، وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَلَا يُتْرَكَ لَهُمْ لَا سِيَّمَا فِي مَسْأَلَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا حَارَبُوا ثُمَّ رَجَعُوا إلَى غُرْمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 565 الْجِزْيَةِ. اُنْظُرْ السَّمَّاعَيْنِ فَفِيهِمَا طُولٌ. (لَا أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ قَدِمُوا بِهِمْ) اللَّخْمِيِّ: إذَا قَدِمَ الْحَرْبِيُّ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ وَمَعَهُ مُسْلِمُونَ أَحْرَارٌ أَوْ عَبِيدٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِمْ إنْ أَحَبَّ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيُعْطَى فِي كُلِّ مُسْلِمٍ أَوْ فِي الْقِيمَةِ وَيُنْتَزَعُ مِنْهُ. وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ الْمُسْلِمَةِ يُرِيدُ بِخِلَافِ الذَّكَرِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ. وَقَالَ: إذَا عَاقَدَ الْأَمَانَ عَلَى شَرْطِ مَنْ جَاءَ مُسْلِمًا رَدَّهُ إلَيْهِمْ يُوَفَّى لَهُمْ بِذَلِكَ فِي الرِّجَالِ وَلَا يُوَفَّى لَهُمْ بِهِ فِي النِّسَاءِ، فَأَمْضَى لَهُمْ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاضَى أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى مَنْ أَتَاهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مُسْلِمًا رَدَّهُ إلَيْهِمْ» وَلَمْ يَمْضِ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَقَبْلَ أَنْ يَكْثُرَ الْمُسْلِمُونَ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بَعْدَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ. وَفَرَّقَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10] . وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا نَزَلَ الْحَرْبِيُّونَ بِأَمَانٍ لِلتِّجَارَةِ فَأَسْلَمَ رَقِيقُهُمْ أَوْ قَدِمُوا بِهِمْ مُسْلِمِينَ فَلَا يُمْنَعُوا مِنْ الرُّجُوعِ بِهِمْ إذَا أَدَّوْا مَا رَضُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ كُنَّ إمَاءً لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ وَطْئِهِنَّ. وَلَقَدْ أَنْكَرَ رَجُلٌ عَلَى مَالِكٍ هَذَا فَقَالَ مَالِكٌ: أَلَمِ تَعْلَمْ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ أَهْلَ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ فَهَرَبَ أَبُو جَنْدَلٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَطَلَبَهُ أَبُوهُ مِنْ مَكَّةَ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: إنَّا لَا نَخْفِرُ بِالْعَهْدِ» . قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ حُجَّةُ الْحَرْبِيِّ أَنْ يَقُولَ: عَهْدِي لَا يُنْقَضُ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَمَّا مَنْ أَسْلَمَ مِنْ رَقِيقِ الْمُسْتَأْمَنِينَ فَيُبَاعُ عَلَيْهِمْ كَمَا يُفْعَلُ بِالذِّمِّيِّ ثُمَّ لَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْعَهْدِ، وَأَمَّا مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ سَبَايَا الْمُسْلِمِينَ فَلْتُؤْخَذْ مِنْهُمْ وَيُعْطُوا قِيمَتَهُمْ وَإِنْ كَرِهُوا، وَأَمَّا مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ رَقِيقٍ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ أَوْ أَحْرَارِ ذِمَّتِنَا مِمَّنْ أَخَذُوهُ. وَأَسَرُوهُ فَلَا يَعْرِضُ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِثَمَنٍ وَلَا بِغَيْرِ ثَمَنٍ. وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ نَافِعٍ وَغَيْرُهُمْ وَرَوَوْهُ عَنْ مَالِكٍ. وَانْفَرَدَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ: لَا يَعْرِضُ لَهُمْ فِيمَا أَسْلَمَ مِنْ رَقِيقِهِمْ أَوْ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ سَبَايَا الْمُسْلِمِينَ وَأُسَارَاهُمْ وَلَا يُعْجِبُنِي. (وَمَلَكَ بِإِسْلَامِهِ غَيْرَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فِي يَدَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ لَهُ. ابْنُ يُونُسَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 566 لِأَنَّ لِلْكَافِرِ شُبْهَةَ مِلْكٍ عَلَى مَا حَازَهُ إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ اسْتَهْلَكَ فِي حَالِ شِرْكِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَضْمَنْهُ وَلَوْ أَتْلَفَهُ مُسْلِمٌ عَلَى صَاحِبِهِ لَضَمِنَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَا أَسْلَمَ عَلَيْهِ حَرْبِيٌّ إنْ كَانَ مُتَمَوِّلًا فَلَهُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَابْنُ الْقَاسِمِ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: يُنْزَعُ مِنْهُ مَجَّانًا. ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا. ابْنُ بَشِيرٍ: عَلَى الْمَشْهُورِ (وَفُدِيَتْ أُمُّ وَلَدٍ وَعَتَقَ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِ سَيِّدِهِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فِي يَدِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَرْبَابِهِ مَا لَمْ يَكُنْ حُرًّا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ وَتُرَدُّ أُمُّ الْوَلَدِ إلَى سَيِّدِهَا وَيَتْبَعُهُ بِقِيمَتِهَا، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَتَكُونُ لَهُ كِتَابَتُهُ وَإِنْ عَجَزَ بَقِيَ رَقِيقًا لِهَذَا الْحَرْبِيِّ، وَإِنْ أَدَّى كَانَ حُرًّا وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي عَقَدَ كِتَابَتَهُ وَالْمُدَبَّرُ يَخْتَدِمُهُ وَيُؤَاجِرُهُ مَا دَامَ سَيِّدُهُ حَيًّا، فَإِنْ مَاتَ وَحَمَلَهُ ثُلُثُهُ كَانَ حُرًّا. سَحْنُونَ: وَلَا يُتْبَعُ بِشَيْءٍ وَإِنْ رَقَّ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ مَا رَقَّ مِنْهُ لِلْحَرْبِيِّ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَيْهِ (وَمُعْتَقٌ لِأَجَلٍ بَعْدَهُ) . سَحْنُونَ: الْمَعْتُوقُ لِأَجَلٍ إذَا سُبِيَ ثُمَّ أَسْلَمَ عَلَيْهِ حَرْبِيٌّ كَانَ لَهُ خِدْمَتُهُ إلَى الْأَجَلِ دُونَ سَيِّدِهِ، فَإِنْ عَتَقَ بِتَمَامِ الْأَجَلِ لَمْ يُتْبَعْ بِشَيْءٍ (وَلَا يُتْبَعُونَ بِشَيْءٍ وَلَا خِيَارَ لِلْوَارِثِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمَنْصُوصُ فِي أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ نَزْعُهُمْ لَوْ أَسْلَمُوا عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الرَّقِيقِ وَبِخِلَافِ الذِّمِّيِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ تُفْدَى وَالْمُدَبَّرُ وَنَحْوُهُ كَالْمِلْكِ الْمُحَقَّقِ ثُمَّ يُعْتَقُونَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ بَعْدُ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يُتْبَعُونَ بِشَيْءٍ وَلَا قَوْلَ لِلْوَرَثَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ فِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ يُنْزَعُ مَجَّانًا، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ فِي الْمُدَبَّرِ لَا يُتْبَعُ بِشَيْءٍ وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ. (وَحُدَّ زَانٍ وَسَارِقٌ إنْ حِيزَ الْمَغْنَمُ) . ابْنُ شَاسٍ: لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُ الْغَانِمِينَ عَلَى الْغَنِيمَةِ بِنَفْسِ الْغَنِيمَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: إذَا وَطِئَ أَمَةً مِنْ الْمَغْنَمِ حُدَّ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ، وَكَذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 567 يُقْطَعُ إنْ سَرَقَ مِنْهُ. اُنْظُرْ فِي الْحُدُودِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْغَنِيمَةِ " (وَوُقِفَتْ الْأَرْضُ كَمِصْرِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ) . ابْنُ شَاسٍ: أَرَاضِي الْكُفَّارِ الْمَأْخُوذَةُ بِالِاسْتِيلَاءِ قَهْرًا وَعَنْوَةً تَكُونُ وَقْفًا يُصْرَفُ خَرَاجُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَأَرْزَاقِ الْمُقَاتِلَةِ وَالْعُمَّالِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سُبُلِ الْخَيْرِ وَلَا تُقْسَمُ. ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا كَانَ كَذَلِكَ مِنْ أَرَاضِيِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَكَذَلِكَ دُورُ مَكَّةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا. اللَّخْمِيِّ: لَا خِلَافَ أَنَّ مَكَّةَ اُفْتُتِحَتْ عَنْوَةً وَأَنَّهَا لَمْ تُقْسَمْ، وَاخْتُلِفَ هَلْ مَنْ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا أَوْ أُقِرَّتْ لِلْمُسْلِمِينَ؟ وَاخْتُلِفَ فِي كِرَاءِ دُورِهَا وَبَيْعِهَا فَمَنَعَهَا مَالِكٌ مَرَّةً ثُمَّ ذَكَرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَهُمَا فَإِنْ وَقَعَا لَمْ يُفْسَخَا. اللَّخْمِيِّ: وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ إنْ قُسِمَتْ أَنَّ ذَلِكَ مَاضٍ وَلَا يُنْقَضُ. (وَخُمِّسَ غَيْرُهَا إنْ أَوْجَفَ عَلَيْهِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: مَا مُلِكَ مِنْ مَالِ الْكَافِرِ غَنِيمَةٌ وَمُخْتَصٌّ وَفَيْءٌ. فَالْغَنِيمَةُ مَا كَانَ بِقِتَالٍ أَوْ بِحَيْثُ يُقَاتَلُ عَلَيْهِ وَلَازَمَهُ تَخْمِيسُهُ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ: مَا أُخِذَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 568 مِنْ حَيْثُ يُقَاتَلُ عَلَيْهِ كَمَا بِقُرْبِ قُرَاهُمْ كَمَا قُوتِلَ عَلَيْهِ. (فَخَرَاجُهَا وَالْخُمُسُ وَالْجِزْيَةُ لِآلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لِلْمَصَالِحِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْفَيْءُ مَا سِوَى الْغَنِيمَةِ وَالْمُخْتَصُّ فِيهَا خَرَاجُ الْأَرَضِينَ وَالْجِزْيَةُ وَمَا اُفْتُتِحَ مِنْ أَرْضٍ بِصُلْحٍ وَخُمُسِ غَنِيمَةٍ أَوْ رِكَازٍ فَيْءٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ وَمَا أُخِذَ مِنْ تُجَّارِهِمْ وَتُجَّارِ الذِّمِّيِّينَ. قَالَ مَالِكٌ: وَالْخُمُسُ وَالْفَيْءُ سَوَاءٌ يُجْعَلَانِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيُعْطِي الْإِمَامُ أَقْرِبَاءَ رَسُولِ اللَّهِ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ بِقَدْرِ الِاجْتِهَادِ وَلَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ. ابْنُ حَبِيبٍ: لَمَّا كَثُرَ الْمَالُ دَوَّنَ عُمَرَ لِلْعَطَاءِ دِيوَانًا فَاضَلَ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ وَقَالَ: ابْدَءُوا بِقَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ حَتَّى تَضَعُوا عُمَرَ حَيْثُ وَضَعَهُ اللَّهُ. اللَّخْمِيِّ: يَبْدَأُ مِنْهُ بِسَدِّ مَخَاوِفِ ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي جُبِيَ مِنْهُ وَإِصْلَاحِ حُصُونِ سَوَاحِلِهِ وَيُشْتَرَى مِنْهُ السِّلَاحُ وَالْكُرَاعُ إذَا كَانَ بِهِمْ حَاجَةٌ إلَى ذَلِكَ، وَغُزَاةِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَعَامِلِيهِ وَفُقَهَائِهِ وَقَاضِيهِ. فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أُعْطِي لِلْفُقَرَاءِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ وُقِفَ عُدَّةً لِمَا يَنُوبُ الْمُسْلِمِينَ. وَإِنَّمَا بُدِئَ بِمَنْ تَقَدَّمَ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الزَّكَاةَ لِأَنَّ أُولَئِكَ لَا تَحِلُّ لَهُمْ الزَّكَاةُ فَكَانُوا أَحَقَّ بِالِارْتِفَاقِ بِمَالِهِمْ الْأَخْذُ مِنْهُ وَيَنْتَفِعُ الْآخَرُونَ بِمَا جُعِلَ لَهُمْ مِمَّا لَا يَجُوزُ لِأُولَئِكَ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُقْطَعُ مِنْهُ رِزْقُ الْعُمَّالِ وَالْقُضَاةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَلِمَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ يَخْرُجُ عَطَاءُ الْمُقَاتِلَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ تَبْدِئَةُ الْعُمَّالِ عَلَى الْمُقَاتِلَةِ وَيَأْتِي لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَكْسُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ (وَبُدِئَ بِمَنْ فِيهِمْ الْمَالُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ: يَبْدَأُ بِالْبَلَدِ الَّذِي جُبِيَ مِنْهُ (وَنُقِلَ لِلْأَحْوَجِ الْأَكْثَرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ حَاجَةً أُعْطِيَ الْبَلَدُ الَّذِي فِيهِمْ الْمَالُ مِنْ ذَلِكَ وَنُقِلَ الْأَكْثَرُ إلَى الْبَلَدِ الْمُحْتَاجِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ فِي أَعْوَامِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 569 الرَّمَادَةِ. (وَنَفَّلَ مِنْهُ السَّلَبَ لِمَصْلَحَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: النَّفَلُ مِنْ الْخُمُسِ. قَالَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} [الأنفال: 41] . فَجَعَلَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ لِمَنْ غَنِمَهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَالنَّفَلُ كُلُّهُ مِنْ الْخُمُسِ سَلَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَالنَّفَلُ زِيَادَةٌ عَلَى السَّهْمِ أَوْ هِبَةٌ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ السَّهْمِ يَفْضُلُهُ الْإِمَامُ الرَّأْيُ يَرَاهُ مِمَّا يُؤَدِّيهِ اجْتِهَادُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 570 إلَيْهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَهَلْ يَكُونُ لَهُ سَلَبُهُ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ إلَّا فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ يَجْتَهِدُ فِيهِ. ابْنُ يُونُسَ: مِثْلُ أَنْ يَرَى ضَعْفًا مِنْ الْجَيْشِ فَيُرَغِّبَهُمْ بِذَلِكَ فِي الْقِتَالِ. (وَلَمْ يَجُزْ إنْ لَمْ يَنْقَضِ الْقِتَالُ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ السَّلَبُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ نَفْلٌ قَبْلَ الْغَنِيمَةِ وَيَجُوزُ النَّفَلُ فِي أَوَّلِ الْمَغْنَمِ وَفِي آخِرِهِ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ. اللَّخْمِيِّ: النَّفَلُ جَائِزٌ وَمَكْرُوهٌ. فَالْجَائِزُ مَا كَانَ بَعْدَ الْقِتَالِ، وَالْمَكْرُوهُ مَا كَانَ قَبْلُ. وَيَقُولُ وَالِي الْجَيْشِ: مَنْ يَقْتُلْ فُلَانًا فَلَهُ سَلَبُهُ أَوْ دَنَانِيرُهُ أَوْ كِسْوَتُهُ أَوْ مَنْ جَاءَ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ مِنْ الْمَتَاعِ أَوْ مِنْ الْخَيْلِ فَلَهُ رُبْعُهُ أَوْ نِصْفُهُ أَوْ مَنْ صَعِدَ مِنْ مَوْضِعِ كَذَا أَوْ بَلَغَهُ أَوْ وَقَفَ بِهِ فَلَهُ كَذَا، مَمْنُوعٌ ابْتِدَاؤُهُ لِأَنَّهُ قِتَالٌ لِلدُّنْيَا وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّحَامُلِ عَلَى الْقِتَالِ. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ: لَا تُقَدِّمُوا جَمَاجِمَ الرِّجَالِ إلَى الْحُصُونِ فَلَمُسْلِمٌ أَسْتَبْقِيهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ حِصْنٍ أَفْتَحُهُ. فَإِنْ فَاتَ الْقِتَالُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ شَرْطُهُ لِأَنَّهُ عَمِلَ عَلَى حَظِّهِ مِنْ الدُّنْيَا فَهِيَ كَالْمُبَالَغَةِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: النَّفَلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: مِنْ الْخُمُسِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَبْعَثَ الْإِمَامُ سَرِيَّةً مِنْ الْعَسْكَرِ وَيُرِيدَ أَنْ يُنَفِّلَهَا مِمَّا غَنِمَتْ دُونَ أَهْلِ الْعَسْكَرِ فَحَقُّهُ أَنْ يُخَمِّسَ مَا غَنِمَتْ ثُمَّ يُعْطِيَ السَّرِيَّةَ مِمَّا بَقِيَ بَعْدَ الْخُمُسِ مَا شَاءَ رُبْعًا أَوْ ثُلُثًا لَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ، وَيَقْسِمَ الْبَاقِيَ بَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعَسْكَرِ وَبَيْنَ السَّرِيَّةِ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةً وَالرَّاجِلِ وَاحِدًا. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُحَرِّضَ الْإِمَامُ أَهْلَ الْعَسْكَرِ عَلَى قِتَالِ قَبْلٍ اللِّقَاءَ وَيُنَفِّلَ جَمِيعَهُمْ مِمَّا فَتَحَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الرُّبْعُ أَوْ الثُّلُثُ قَبْلَ الْقَسْمِ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَقَالَ: لِأَنَّ قِتَالَهُمْ حِينَئِذٍ عَلَى الدُّنْيَا. وَأَجَازَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: هَلْ لَك أَنْ نَبْعَثَك فِي جَيْشٍ فَيُسَلِّمَك اللَّهُ وَيُغْنِمَك وَأَرْغَبُ لَك مِنْ الْمَالِ رَغْبَةً صَالِحَةً» ؟ قَالَ سَحْنُونَ: كُلُّ شَيْءٍ يَبْذُلُهُ الْإِمَامُ قَبْلَ الْقِتَالِ لَا يَنْبَغِي عِنْدَنَا إلَّا أَنَّهُ إنْ نَزَلَ وَقَالَهُ إمَامٌ أَمْضَيْنَاهُ وَإِنْ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَذَلِكَ مِمَّا يُفْسِدُ النِّيَّاتِ، وَلَا بَأْسَ بِالْخُرُوجِ مَعَهُمْ لِمَنْ لَا يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذَا. أَصْبَغُ: وَمَا أَرَاهُ حَرَامًا لِمَنْ أَخَذَهُ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَدْ اسْتَحَبَّ هَذَا بَعْضُهُمْ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ، مِثْلُ أَنْ تُرْهِبَهُ كَثْرَةُ الْعَدُوِّ أَوْ نَحْوُهُ، وَقَدْ فَعَلَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ لَمَّا دَهَمَهُ كَثْرَةُ الْعَدُوِّ. وَمِنْ النَّوَادِرِ مَا نَصُّهُ: لَوْ نَفَّلَ فِي السَّرِيَّةِ الرُّبْعَ بَعْدَ الْخُمُسِ فَهَذَا النَّفَلُ عِنْدَنَا لَا يَصِحُّ فَإِنْ عَقَدَهُ وَخَرَجُوا عَلَيْهِ فَلْيُنْفِذْهُ كَقَضِيَّةٍ قَضَى بِهَا قَاضٍ بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ انْتَهَى. اُنْظُرْ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْأَنْدَلُسِ أَنَّ خُرُوجَهُمْ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَنْ يَكُونَ سَهْمٌ لِلرَّاجِلِ وَسَهْمَانِ لِلْفَارِسِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلِلْفَرَسِ مِثْلَا فَارِسِهِ " (وَمَضَى) تَقَدَّمَ نَصُّ سَحْنُونٍ: أَمْضَيْنَاهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ وَقَعَ النَّفَلُ قَبْلَ الْقِتَالِ مَضَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 571 لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ (إنْ لَمْ يُبْطِلْهُ قَبْلَ الْمَغْنَمِ) سَحْنُونَ: لَوْ أَشْهَدَ مُنَفِّلُ السَّرِيَّةِ بَعْدَ أَنْ فَضَلَتْ أَنَّهُ أَبْطَلَ ذَلِكَ نَظَرًا أَبْطَلَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ أَنْ غَنِمَتْ (وَلِلْمُسْلِمِ فَقَطْ سَلَبٌ) سَحْنُونَ: إذَا قَالَ الْإِمَامُ بَعْدَ أَنْ يَرِدَ الْقِتَالَ أَوْ قَبْلُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَلَا شَيْءَ مِنْ السَّلَبِ لِذِمِّيٍّ وَإِنْ وَلِيَ الْقَتْلَ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ بِهِ الْإِمَامُ وَيَنْفُذَهُ فَلَا يُتَعَقَّبُ بِرَدٍّ، لِأَنَّ أَهْلَ الشَّامِ يَرَوْنَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَتْ امْرَأَةٌ فَلَا شَيْءَ لَهَا إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ لَهَا فَيَمْضِي. (اُعْتِيدَ لَا سِوَارٌ) ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا قَالَ الْإِمَامُ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ أَوْ قَبْلَهُ وَحَكَمْنَا بِصِحَّتِهِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَلِلْقَاتِلِ السَّلَبُ الْمُعْتَادُ. وَهَلْ يَكُونُ لَهُ مَا يَلْبَسُهُ عُظَمَاءُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْأَسْوِرَةِ وَالتِّيجَانِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا؟ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِلْقَاتِلِ نَظَرًا إلَى حَمْلِ الْأَمْرِ عَلَى الْغَالِبِ (وَصَلِيبٌ) سَحْنُونَ: لَا يَكُونُ الصَّلِيبُ فِي عُنُقِهِ مِنْ النَّفْلِ. الْأَوْزَاعِيِّ: يَدْخُلُ الصَّلِيبُ فِي السَّلَبِ. قَالَ الْوَلِيدُ: وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ. (وَعَيْنٌ) قَالَ سُلَيْمَانُ: لَا نَفْلَ فِي عَيْنٍ وَلَا فِضَّةٍ. قَالَ سَحْنُونَ: وَقَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَإِنَّمَا النَّفَلُ فِي الْعُرُوضِ السَّيْفِ وَالْقَوْسِ وَالسِّلَاحِ وَنَحْوِهِ وَالْمِنْطَقَةُ مِنْ السَّلَبِ لَا مَا فِيهَا مِنْ نَفَقَةٍ. اللَّخْمِيِّ: لَا مَا فِيهَا مِنْ دَنَانِيرَ. وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ أَصَابَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَلَهُ مِنْهَا الرُّبْعُ بَعْدَ الْخُمُسِ أَمْضَيْنَاهُ عَلَى مَا قَالَ وَلِمَنْ أَصَابَ ذَلِكَ نَفْلُهُ كَانَ مَسْكُوكًا أَوْ غَيْرَ مَسْكُوكٍ. (أَوْ دَابَّةٌ) اُنْظُرْ هَذَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْفَرَسَ مِنْ السَّلَبِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَرَسُهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ يُمْسِكُهَا وَجْهُ فَتَالٍ عَلَيْهِ مِنْ السَّلَبِ لَا مَا تَجَنَّبَ أَوْ كَانَ مُنْفَلِتًا عَنْهُ (وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: وَإِنْ قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 572 سَلَبُهُ فَسَمِعَ ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ السَّلَبُ لِمَنْ قَتَلَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ (أَوْ تَعَدَّدَ إنْ لَمْ يَقُلْ قَتِيلًا وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا، هَلْ هُوَ يُرِيدُ قَوْلَ سَحْنُونٍ إذَا قَالَ الْأَمِيرُ مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَمَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَلَهُ سَلَبُهُمْ وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ: إنْ قَتَلْتَ قَتِيلًا فَلَكَ سَلَبُهُ فَقَتَلَ اثْنَيْنِ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ بِنَحْرٍ فَكَرِهَهُ وَإِنْ نَزَلَ مَضَى وَكَانَ لَهُ سَلَبُ الْأَوَّلِ (وَلَمْ يَكُنْ لِكَمَرْأَةٍ إنْ لَمْ تُقَاتِلْ) سَحْنُونَ: إذَا قَالَ الْأَمِيرُ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَإِنْ سَلَبَ كُلَّ مَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ سَلْبُ مَنْ قَتَلَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ زَمِنٍ أَوْ رَاهِبٍ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ هَؤُلَاءِ فَلَهُ سَلَبُهُمْ لِإِجَازَةِ قَتْلِهِمْ. (كَالْإِمَامِ إنْ لَمْ يَقُلْ مِنْكُمْ) سَحْنُونَ: وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَأَمْضَيْنَاهُ ثُمَّ لَقِيَ هُوَ عِلْجًا فَقَتَلَهُ فَإِنَّ لَهُ سَلَبَهُ. فَإِنْ قَالَ: " مِنْكُمْ " لَمْ يَكُنْ لَهُ هُوَ سَلَبُ مَنْ قُتِلَ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ: " مِنْكُمْ " (أَوْ يَخُصَّ نَفْسَهُ) سَحْنُونَ: وَإِذَا قَالَ الْأَمِيرُ: إنْ قَتَلْتَ قَتِيلًا فَلِي سَلَبُهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِمَا خَصَّ نَفْسَهُ. (وَلَهُ الْبَغْلَةُ إنْ قَاتَلَ عَلَى بَغْلٍ لَا إنْ كَانَتْ بِيَدِ غُلَامِهِ وَقَسْمُ الْأَرْبَعَةِ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ حَاضِرٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: لَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ كَمُلَتْ فِيهِ سِتُّ صِفَاتٍ اسْتَحَقَّ الْغَنِيمَةَ وَهِيَ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالصِّحَّةُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَحُضُورُ الْوَقِيعَةِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَالْمُسْتَنِدُ لِلْجَيْشِ كَهُوَ ". (كَتَاجِرٍ وَأَجِيرٍ إنْ قَاتَلَا أَوْ خَرَجَا بِنِيَّةِ غَزْوٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: التَّاجِرُ وَالْأَجِيرُ بِنِيَّةِ الْغَزْوِ يُسْهَمُ لَهُمَا وَإِلَّا فَلَا إلَّا أَنْ يُقَاتِلَا. عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنَّمَا لَمْ يُسْهَمْ لِلتُّجَّارِ وَالصُّنَّاعِ وَالْأُجَرَاءِ الْمُتَشَاغِلِينَ بِاكْتِسَابِهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِهِ السَّهْمُ وَهُوَ الْقِتَالُ وَالْمُعَاوَنَةُ، وَلِأَنَّ أَحَدَهُمْ إنَّمَا حَضَرَ لِغَرَضِ نَفْسِهِ وَلِخِدْمَةِ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ. وَأَمَّا إنْ قَاتَلَ فَإِنَّهُ يُسْهِمُ لَهُ لِأَنَّهُ مِمَّنْ خُوطِبَ بِالْجِهَادِ وَقَاتَلَ فِيهِ وَالْقَتْلُ سَبَبُ الْغَنِيمَةِ فَلَيْسَ إجَارَةُ نَفْسِهِ تَمْنَعُهُ السَّهْمَ إذَا قَاتَلَ كَاَلَّذِي يَحُجُّ وَمَعَهُ تِجَارَةٌ أَوْ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُهُ صِحَّةُ الْحَجِّ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْأَجِيرَ وَالتَّاجِرَ إذَا قَاتَلَ يُسْهَمُ لَهُ وَإِنْ لِمَ يُقَاتِلْ فَلَا يُسْهِمُ لَهُ وَيَصِيرُ كَالْأَجِيرِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ خُرُوجُهُ لِلْغَزْوِ غَيْرَ أَنَّ مَعَهُ تِجَارَةً فَهَذَا يُسْهَمُ لَهُ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ. قَالَ سَحْنُونَ: وَإِذَا قَاتَلَ الْأَجِيرُ فَلَهُ سَهْمُهُ وَيَبْطُلُ مِنْ أَجْرِهِ بِقَدْرِ مَا اشْتَغَلَ عَنْ الْخِدْمَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 573 قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: وَلَيْسَ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ السَّهْمَانِ الَّذِي صَارَ لَهُ عِوَضًا مِمَّا عَطَّلَ مِنْ الْخِدْمَةِ بِخِلَافِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي خِدْمَةِ آخَرَ لِأَنَّ ذَلِكَ قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْقِتَالَ لَا يُشَابِهُ الْخِدْمَةَ (لَا ضِدِّهِمْ وَلَوْ قَاتَلُوا) ابْنُ حَارِثٍ: لَا يُسْهِمُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ اتِّفَاقًا. اُنْظُرْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَاسْتِعَانَةٌ بِمُشْرِكٍ ". وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُسْهِمُ لِلْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَإِنْ قَاتَلُوا وَلَا يُرْضَخُ لَهُمْ (إلَّا الصَّبِيَّ فَفِيهِ إنْ أُجِيزَ وَقَاتَلَ خِلَافٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُسْهِمُ لِلصِّبْيَانِ. وَفِي الرِّسَالَةِ: إلَّا أَنْ يُطِيقَ الصَّبِيُّ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ الْقِتَالَ وَيُجِيزَهُ الْإِمَامُ وَيُقَاتِلَ فَيُسْهِمَ لَهُ وَنَحْوُهُ نَقَلَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ (وَلَا يَرْضَخُ لَهُمْ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا (كَمَيِّتٍ قَبْلَ اللِّقَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا قِتَالَ) ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْقِتَالِ فَلَا يُسْهِمُ لَهُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْقِتَالِ قَبْلَ الْغَنِيمَةِ فَلَهُ سَهْمُهُ وَلَوْ كَانَتْ غَنِيمَةً بَعْدَ غَنِيمَةٍ، فَمَا كَانَ مُتَتَابِعًا فَلَهُ سَهْمُهُ فِي الْجَمِيعِ، مِثْلُ أَنْ يَفْتَتِحَ حِصْنًا فَيَمُوتَ ثُمَّ يَفْتَتِحَ آخَرَ عَلَى جِهَةِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ. أَصْبَغُ: وَأَمَّا إنْ رَجَعُوا قَافِلِينَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ انْقِطَاعِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا اسْتَوْقَفَ بَعْدَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ لِكُلِّ قَوْلٍ مِنْهَا وَجْهٌ. اُنْظُرْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَرَسْمِ الْكَبْشِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى. وَنَصُّ السُّؤَالِ: سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يُقْتَلُ فِي الْمَعْرَكَةِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ أَوْ يَخْرُجُ فَيَمُوتُ بَعْدَ أَيَّامٍ أَوْ يَمْرَضُ فَيَمُوتُ بَعْدَ شُهُودِ الْقِتَالِ. (وَأَعْمَى وَأَعْرَجَ وَأَشَلَّ) سَحْنُونَ: يُسْهَمُ لِلْأَعْمَى وَلِلْأَعْرَجِ وَأَقْطَعْ الْيَدَيْنِ وَالْمُقْعَدِ وَالْمَجْذُومِ فَارِسًا. اللَّخْمِيِّ: الصَّوَابُ فِي الْأَعْمَى أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ كَانَ يَرَى النَّبْلَ دَخَلَ بِذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْخَدَمَةِ الَّذِينَ لَا يُقَاتِلُونَ، وَكَذَلِكَ أَقْطَعُ الْيَدَيْنِ لَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيُسْرَى أَسْهَمَ لَهُ، وَيُسْهِمُ لِلْأَعْرَجِ إذَا حَضَرَ الْقِتَالَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجْبُنُ عَنْ الْقِتَالِ لِأَجْلِ عَرَجِهِ لَمْ يُسْهِمْ لَهُ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ فَارِسًا، وَلَا شَيْءَ لِلْمُقْعَدِ إنْ كَانَ رَاجِلًا، وَإِنْ كَانَ فَارِسًا يَقْدِرُ عَلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ أَسْهَمَ لَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ أَنَّ شَرْطَ كَوْنِهِ فَارِسًا مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ نَصُّ سَحْنُونٍ. (وَمُتَخَلِّفٍ لِحَاجَةٍ إنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالْجَيْشِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ بَعَثَ الْأَمِيرُ قَوْمًا مِنْ الْجَيْشِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْبَلَدِ الْعَدُوُّ فِي أَمْرٍ مِنْ مَصْلَحَةِ الْجَيْشِ مِنْ حَشْدٍ أَوْ إقَامَةِ سُوقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَاشْتَغَلُوا فِي ذَلِكَ حَتَّى غَنِمَ الْجَيْشُ فَلَهُمْ مَعَهُمْ سَهْمُهُمْ. وَقَدْ «قَسَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُثْمَانَ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ خَلَّفَهُ عَلَى بِنْتِهِ، وَقَسَمَ لِطَلْحَةَ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَهُمَا غَائِبَانِ بِالشَّامِ» . قَالَ سَحْنُونَ: وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا شَيْءَ لَهُمْ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ. الْبَاجِيُّ: مَنْ وُجِدَ مِنْهُ الْخُرُوجُ فِي الْجَيْشِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ الشُّرُوعُ فِي الْعَمَلِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ السَّهْمِ إلَّا الرُّجُوعُ بِاخْتِيَارِهِ إلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ: وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ الرُّجُوعِ عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ. وَسَمِعَ يَحْيَى ابْنَ الْقَاسِمِ فِي أَهْلِ مَرْكَبٍ بَعَثُوا بَعْدَ نُزُولِهِمْ جَزِيرَةَ الرُّومِ رَجُلًا لِنَاحِيَةٍ مِنْهَا لِيُخْبِرَ مَا فِيهَا مِنْ سُفُنِ الْمُسْلِمِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 574 فَأَبْطَأَ فَأَقْبَلُوا فَغَنِمُوا وَكَانَ الرَّجُلُ دَخَلَ بَعْضَ سُفُنِ الْمُسْلِمِينَ، إنْ قَعَدَ مَعَهُمْ تَارِكًا لَهُمْ فَلَا شَيْءَ لَهُ مَعَهُمْ وَإِلَّا فَلَهُ حَظُّهُ مَعَهُمْ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا أَبْيَنُ عَلَى مَا قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلُوهُ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ فِيمَا يَخُصُّهُمْ مِنْ أَمْرِ غَزْوِهِمْ عَلَى أَنْ يَلْحَقَهُمْ فَلَمْ يُدْرِكْهُمْ إلَّا بَعْدَ أَنْ غَنِمُوا لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَهْمُهُ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ (وَضَالٌّ بِبَلَدِنَا وَإِنْ بِرِيحٍ) هَذَا يُفْهَمُ مِنْ اللَّخْمِيِّ وَقَدْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ عَرَفَةَ حَسْبَمَا يَأْتِي. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرَاكِبِ تَصِلُ إلَى أَرْضِ الرُّومِ ثُمَّ يَرُدُّ بَعْضَهَا الرِّيحُ إلَى بَلَدِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَرْجِعْ أَهْلُهَا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ: فَإِنَّ لَهُمْ سِهَامَهُمْ مَعَ أَصْحَابِهِمْ الَّذِينَ وَصَلُوا إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَغَنِمُوا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ ضَلَّ رَجُلٌ مِنْ الْعَسْكَرِ فَلَمْ يَرْجِعْ حَتَّى غَنِمُوا فَلَهُ سَهْمُهُ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي الَّذِينَ رَدَّتْهُمْ الرِّيحُ. قَالَ عَنْهُ أَصْبَغُ: وَكَذَلِكَ لَوْ ضَلَّ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَلَهُ سَهْمُهُ. (بِخِلَافِ بَلَدِهِمْ) اللَّخْمِيِّ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ضَلَّ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ فَغَنِمُوا بَعْدَهُ فَلَهُ سَهْمُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: تَخْصِيصُهُ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَيَتَعَقَّبُ بِنَصِّهَا فَلَهُ سَهْمُهُ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي الَّذِينَ رَدَّتْهُمْ الرِّيحُ وَهُوَ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَنْقُلُ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ سَوَاءٌ ضَلَّ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ أَوْ الْإِسْلَامِ. (وَمَرِيضٌ شَهِيدٌ) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الْمَرَضِ طُرُقٌ. الْبَاجِيُّ: إنْ مُنِعَ الْقُدْرَةَ عَلَى الْقِتَالِ حَالًا وَمَآلًا مُنِعَ الْإِسْهَامَ وَإِلَّا فَلَا. اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِيمَنْ خَرَجَ مَرِيضًا وَأَرَى لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَقْتَدِيَ بِرَأْيِهِ، رُبَّ رَأْيٍ أَنْفَعَ مِنْ قِتَالٍ. وَمَنْ مَرِضَ بَعْدَ الْقِتَالِ أَسْهَمَ لَهُ. وَيَخْتَلِفُ إنْ مَرِضَ بَعْدَ الْإِدْرَابِ وَقَبْلَ الْقِتَالِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْبَاجِيِّ عَنْ مَالِكٍ الرُّجُوعُ عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِسْهَامِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 575 وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ خَرَجَ غَازِيًا فَلَمْ يَزَلْ مَرِيضًا حَتَّى شَهِدَ الْقِتَالَ وَحَازُوا الْغَنِيمَةَ فَلَهُ سَهْمُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ الْقِتَالَ بِفَرَسٍ رَهِيصٍ فَلَهُ سَهْمُهُ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: بِخِلَافِ الْحَطِيمِ وَالْكَسِيرِ. ابْنُ سَحْنُونٍ قَالَ مَالِكٌ: يُسْهِمُ لِلْفَرَسِ الْمَرِيضِ وَالرَّجُلِ الْمَرِيضِ قَالَ: وَمَا كُلُّ مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ يُقَاتِلُ وَلَا كُلُّ فَرَسٍ يُقَاتِلُ. وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ أَنَّهُ لَا يُسْهِمُ لَهُ وَبِالْأَوَّلِ أَخَذَ سَحْنُونَ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: الْقِتَالُ سَبَبُ الْغَنِيمَةِ فَمَنْ قَاتَلَ أَوْ حَضَرَ الْقِتَالَ أَسْهَمَ لَهُ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، لِأَنَّهُ قَدْ حَضَرَ سَبَبَ الْغَنِيمَةِ وَهُوَ الْقِتَالُ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ الْجَيْشِ يُقَاتِلُ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَصْلَحَةِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ فِي الرِّدْءِ وَبَعْضُهُمْ يَحْفَظُونَ السَّوَادَ وَبَعْضُهُمْ فِي الْعُلُوفَةِ عَلَى حَسَبِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْحَرْبِ. وَلَوْ قَاتَلَ كُلُّ الْجَيْشِ لَفَسَدَ التَّدْبِيرُ. وَلِذَلِكَ قُلْنَا: إنَّ الْمَرِيضَ يُسْهَمُ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ شَهِدَ الْوَاقِعَةَ وَيَحْصُلُ مِنْهُ التَّكَثُّرُ وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: {قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا} [آل عمران: 167] أَيْ كَثِّرُوا. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَلَمْ يَبْلُغْ الْعَسْكَرَ حَتَّى مَرِضَ فَخَلَفُوهُ فِي الطَّرِيقِ لَعَلَّهُ يُفِيقُ فَيَلْحَقُ بِهِمْ فَغَنِمُوا وَرَجَعُوا فَلَهُ سَهْمُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ تَخَلُّفُهُ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُدَرَّبَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ فَلَهُ سَهْمُهُ (كَفَرَسٍ رَهِيصٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا. (وَمَرِضَ بَعْدَ أَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْغَنِيمَةِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ) تَقَدَّمَ مَا يَنْبَغِي نَقْلُهُ مِنْ النُّصُوصِ وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ وَهِيَ عِبَارَةُ ابْنِ بَشِيرٍ قَالَ مَا نَصُّهُ: إنْ فَصَّلْت قُلْت: أَمَّا إنْ مَرِضَ بَعْدَ أَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ أَوْ بَعْدَ أَنْ أَشْرَفُوا عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 576 الْغَنِيمَةِ أُسْهِمَ لَهُ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُشْرِفُوا فَفِي كُلِّ صُورَةٍ قَوْلَانِ. (وَلِلْفَرَسِ مِثْلَا فَارِسِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَسَهْمٌ لِفَارِسِهِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ. قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: وَمَا عَلِمْت أَنَّ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ مَنْ قَالَ لِلْفَرَسِ سَهْمٌ وَلِفَارِسِهِ سَهْمٌ غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ خَالَفَهُ صَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ. لَكِنْ هُنَا نَظَرٌ وَهُوَ أَنَّ الْفَرَسَ إذَا اسْتَحَقَّ السَّهْمَيْنِ عِنْدَنَا فَهَلْ نَقُولُ: إنَّهُمَا جُعِلَا لِأَجْلِ الْفَارِسِ وَالْفَرَسُ تَبَعٌ لَهُ، أَوْ نُقَدِّرُ أَنَّ السَّهْمَيْنِ لِأَجْلِ الْفَرَسِ لِأَجْلِ فَرِّهِ وَكَرِّهْ وَالْفَارِسُ فِي حُكْمِ التَّبَعِ؟ هَذَا مِمَّا فِيهِ اضْطِرَابٌ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ ذَلِكَ فِيمَنْ قَاتَلَ عَلَى فَرَسٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مُسْتَعَارٍ وَفِي عَبْدٍ قَاتَلَ عَلَى فَرَسٍ لِسَيِّدِهِ. (وَإِنْ بِسَفِينَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا لَقُوا الْعَدُوَّ فِي الْبَحْرِ وَمَعَهُمْ الْخَيْلُ فِي السُّفُنِ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 577 وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ، وَكَذَلِكَ إنْ أَسْرَى أَهْلُ الْعَسْكَرِ رَجَّالَةً وَلِبَعْضِهِمْ خَيْلٌ فَغَنِمُوا وَهُمْ رَجَّالَةٌ فَإِنَّهُ يُعْطَى مَنْ لَهُ فَرَسٌ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَرَجَتْ سَرِيَّةٌ مِنْ الْعَسْكَرِ فَغَنِمَتْ أَنَّ ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْعَسْكَرِ وَأَهْلِ السَّرِيَّةِ بَعْدَ الْخُمُسِ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا لِأَنَّهُ كَمَا يُسْهَمُ لِمَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ كَذَلِكَ يُسْهَمُ لِفَرَسِ مَنْ شَهِدَ بِفَرَسِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ عَلَيْهِ. وَفِي الْكَافِي لِأَبِي عُمَرَ مَا نَصُّهُ: مَنْ شَهِدَ الْحَرْبَ فَارِسًا أُسْهِمَ لَهُ سَهْمُ الْفَارِسِ وَلَا يُرَاعَى عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الدُّخُولُ إنَّمَا يُرَاعَى اللِّقَاءُ، فَمَنْ دَخَلَ فَارِسًا وَقَاتَلَ رَاجِلًا أُسْهِمَ لَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ (أَوْ بِرْذَوْنًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَالْبَرَاذِينُ إنْ أَجَازَهَا الْوَالِي كَانَتْ كَالْخَيْلِ. ابْنُ حَبِيبٍ: هِيَ كَالْخَيْلِ الْعِظَامِ. الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ الْجَافِيَةَ الْخِلْقَةِ الْعَظِيمَةَ الْأَعْضَاءِ وَالْعِرَابُ أَضْمَرُ وَأَرَقُّ أَعْضَاءً (أَوْ هَجِينًا أَوْ صَغِيرًا) مِنْ الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى الْهَجِينَ إلَّا مِنْ الْخَيْلِ. ابْنُ حَبِيبٍ: الْهَجِينُ الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ مِنْ الْبَرَاذِينِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا أَشْبَهَتْ الْخَيْلَ فِي الْقِتَالِ عَلَيْهَا وَالطَّلَبَ بِهَا أَسْهَمَ لَهَا. الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخَيْلِ الْكَرُّ وَالْفَرُّ وَالطَّلَبُ بِهَا. وَلَمْ يَشْتَرِطْ ابْنُ حَبِيبٍ إجَازَةَ الْوَالِي وَاشْتَرَطَهُ مَالِكٌ فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَفَقَّدَ أَمْرَ الْخَيْلِ فَيُجِيزَ مِنْهَا مَا يُحِبُّ وَيَرُدَّ مِنْهَا مَا لَا يُمْكِنُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ، وَإِنَاثُ الْخَيْلِ كَذُكُورِهَا يُسْهَمُ لَهَا، وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ. وَأَمَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 578 صِغَارُ الْخَيْلِ لَا مَرْكَبَ فِيهَا فَلَا يُسْهَمُ لَهَا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنْ كَانَ فِيهَا بَعْضُ الْقُوَّةِ عَلَى ذَلِكَ أُسْهِمَ لَهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُسْهَمُ لِبَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ بَعِيرٍ وَصَاحِبُهُ رَاجِلٌ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ مَنْ غَزَا عَلَى حِمَارٍ أَوْ بَغْلٍ فَيَأْخُذُ فَرَسًا أُعْطِيَ فِي السَّبِيلِ قَالَ: الْحِمَارُ ضَعِيفٌ وَالْبَغْلُ أَقْوَى وَلَا يَأْخُذُ الْفَرَسُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ عَلَى التَّقَدُّمِ إلَى الْأَسِنَّةِ يَقْدِرُ بِهَا عَلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ. ابْنُ الْحَاجِبِ: الْبِرْذَوْنُ وَالْهَجِينُ وَالصَّغِيرُ يَقْدِرُ بِهَا عَلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ. الْجَلَّابُ: وَذُكُورُ الْخَيْلِ وَإِنَاثُهَا سَوَاءٌ كَغَيْرِهَا بِخِلَافِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْحَمِيرِ. (وَمَرِيضٌ رُجِيَ) تَقَدَّمَ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إنْ خَلَّفُوا الْمَرِيضَ فِي الطَّرِيقِ لَعَلَّهُ يُفِيقُ فَيَلْحَقُ بِهِمْ فَغَنِمُوا وَرَجَعُوا فَلَهُ سَهْمُهُ. (وَمُحَبَّسٍ) سَحْنُونَ: يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ الْمُحَبَّسِ لِلْغَزْوِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ مَنْ اكْتَرَى فَرَسًا أَوْ اسْتَعَارَهُ فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ. (وَمَغْصُوبٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ) . اللَّخْمِيِّ: لَوْ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ خَيْلًا فَغَصَبَ رَجُلٌ مِنْهَا فَرَسًا فَقَاتَلَ عَلَيْهِ كَانَ سَهْمَاهُ لِلْغَاصِبِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَعَلَيْهِ إجَارَةُ الْمِثْلِ (أَوْ مِنْ غَيْرِ الْجَيْشِ وَمِنْهُ لِرَبِّهِ) . اللَّخْمِيِّ: الْقَوْلَانِ وَلَوْ غَصَبَ فَرَسًا مِنْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَقَاتَلَ عَلَيْهِ كَانَ سَهْمَاهُ لِلْغَاصِبِ وَلِصَاحِبِهِ إجَارَةُ الْمِثْلِ. ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ: وَإِنْ تَغَيَّرَ خُيِّرَ رَبُّهُ إمَّا ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْفَرَسِ أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْأُجْرَةَ. وَانْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ إذَا غَصَبَ فَرَسًا لِأَهْلِ الْجَيْشِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهِ قَوْلَيْنِ وَعَزَا اللَّخْمِيِّ الْقَوْلَيْنِ لِابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: وَهَذَا رَاجِعٌ لِلْخِلَافِ فِي الضَّالِّ انْتَهَى. فَحَصَلَ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْفَرَسَ الْمُحَبَّسَ وَالْمُكْتَرَى وَالْمُسْتَعَارَ وَالْمَغْصُوبَ حُكْمُ الْجَمِيعِ وَاحِدٌ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي فَرَسٍ انْفَلَتَ مِنْ رَبِّهِ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ فَأَخَذَهُ آخَرُ فَقَاتَلَ عَلَيْهِ حَتَّى غَنِمُوا إنَّ سُهْمَانَهُ لِلَّذِي انْفَلَتَ مِنْهُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: سُهْمَانُهُ لِلَّذِي قَاتَلَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ إجَارَةُ مِثْلِهِ، وَانْظُرْ الْعَبْدَ إذَا قَاتَلَ عَلَى فَرَسِ سَيِّدِهِ. الْمَازِرِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا. (لَا أَعْجَفَ أَوْ كَبِيرٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ) . ابْنُ شَاسٍ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 579 لَا يُسْهَمُ لِلْأَعْجَفِ إذَا كَانَ فِي حَيِّزِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَمَا لَا يُسْهَمُ لِلْكَبِيرِ (وَبَغْلٍ وَبَعِيرٍ) اُنْظُرْهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَمَرِيضٍ رُجِيَ " (وَثَانٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَهُ أَفْرَاسٌ لَا يُزَادُ عَلَى سَهْمِ فَرَسٍ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ، مَالِكٍ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَاتِلَ الْعَدُوَّ عَلَى فَرَسَيْنِ إلَّا عَلَى فَرَسٍ وَاحِدٍ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَزِيَادَةُ عَدَدٍ كَزِيَادَةِ رِمَاحٍ أَوْ سُيُوفٍ (وَالْمُشْتَرَكُ لِلْمُقَاتِلِ وَدَفَعَ أَجْرَ شَرِيكِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: إنْ أَدْرَبَ رَجُلَانِ بِفَرَسٍ لَهُمَا فَسَهْمَاهُ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِ لِلْآخَرِ نِصْفُ أُجْرَتِهِ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَالْمُسْتَنَدُ لِلْجَيْشِ كَهُوَ وَإِلَّا فَلَهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمُسْتَنَدُ إلَى الْجَيْشِ مِنْ مُفْرَدٍ وَسَرِيَّةٍ كَالْجَيْشِ وَإِلَّا فَهُمْ كَالْمُتَلَصِّصِ. ابْنُ عَلَاقٍ: الْمُرَادُ بِالْمُسْتَنَدِ إلَى الْجَيْشِ أَنْ يَخْرُجَ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْجَيْشِ فَيُقَاتِلُونَ دُونَ الْجَيْشِ وَيَغْنَمُونَ، فَمَا غَنِمَ هَؤُلَاءِ شَارَكَهُمْ فِيهِ الْجَيْشُ كَمَا أَنَّهُمْ لَوْ غَنِمَ الْجَيْشُ فِي غَيْبَتِهِمْ لَشَارَكُوهُ فِي ذَلِكَ. وَهَذَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ الْعَسْكَرِ بَعْدَمَا فَصَلَ عَنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ: بَيِّنٌ، وَأَمَّا إنْ خَرَجَتْ مِنْ بِلَادٍ ثُمَّ اتَّبَعَهَا بَقِيَّةُ الْجَيْشِ فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّ أَمِيرَ الْجَيْشِ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَتَقَدَّمَتْ لِيَتْبَعَهَا فَغَنِمَتْ قَبْلَ خُرُوجِهِ فَلَحِقَهَا بِمَوْضِعٍ غَنِمَتْ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا لِمَنْ مَعَهُ فِيمَا غَنِمَتْ، فَلَوْ غَنِمَتْ بَعْدَمَا اتَّبَعَهَا بِبَقِيَّةِ عَسْكَرِهِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ. قَالَ أَشْهَبُ: إنْ غَنِمَتْ بَعْدَ فُصُولِ الْعَسْكَرِ فَكُلُّهُمْ شُرَكَاءُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا لِأَنَّهُمْ إذَا فَصَلُوا عَنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ صَارُوا رِدْءًا لِلسَّرِيَّةِ وَنَصِيرًا لَهَا، وَإِذَا كَانَتْ الْغَنِيمَةُ قَبْلَ فُصُولِهِمْ مِنْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ لَمْ تَكُنْ السَّرِيَّةُ رِدْءًا. قَالَ سَحْنُونَ: إنْ دَخَلَ الْجَيْشُ أَرْضَ الْحَرْبِ فَمَاتَ أَمِيرُهُمْ قَبْلَ الْقِتَالِ فَافْتَرَقُوا طَائِفَتَيْنِ وَأَمَّرَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ أَمِيرًا وَأَغَارَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ عَلَى حِدَةٍ فَقَاتَلَتْ وَغَنِمَتْ فَكُلُّ مَا غَنِمَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: إلَّا أَنْ تَتَبَاعَدَ كُلُّ طَائِفَةٍ عَنْ الْأُخْرَى بَعْدَ أَنْ لَا يُمْكِنَهَا الْمَعُونَةُ وَلَمْ يَجْتَمِعَا إلَّا بِدَارِ الْإِسْلَامِ، فَأَمَّا إنْ اجْتَمَعَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَلْيَرْجِعَا عَلَى أَمْرِهِمَا. وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ سَحْنُونٍ. وَسَمِعَ يَحْيَى ابْنَ الْقَاسِمِ فِي أَمِيرِ سَرِيَّةٍ عَرَضَ لَهُ نَهْرٌ حِينَ دَنَا مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ فَجَازَهُ بِبَعْضِ مَنْ مَعَهُ وَتَخَلَّفَ الْآخَرُونَ مُعْتَذِرِينَ عَنْ طَاعَتِهِ بِشِدَّةِ خَطَرِهِ فَرَجَعَ بِغَنِيمَةٍ وَوَجَدَ الْمُتَخَلِّفِينَ بِمَكَانِهِمْ لَا قَسْمَ لَهُمْ. ابْنُ رُشْدٍ: الَّذِي يَنْبَغِي عِنْدِي عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ يَنْظُرُوا فِي وُقُوفِ الْمُتَخَلِّفِينَ بِمَكَانِهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَجْهُ مَنْفَعَةٍ لِلْغَانِمَيْنِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْرُ قُرْبَ بَلَدِ الْعَدُوِّ بِحَيْثُ يَظُنُّ الْعَدُوُّ جَوَازَهُمْ أَجْمَعِينَ قُسِمَ لَهُمْ مَعَهُمْ وَإِلَّا فَلَا. سَحْنُونَ: وَلَوْ حَبَسَ الْإِمَامُ حِينَ خَرَجَ النَّاسُ مِنْ الْمَدِينَةِ طَائِفَةً لِحِفْظِهَا كَانَ لَهُمْ حَظُّهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ، لِأَنَّهُ حَبَسَهُمْ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَانْظُرْ رَابِعَ تَرْجَمَةٍ وَخَامِسَ تَرْجَمَةٍ مِنْ الْجِهَادِ الثَّالِثِ مِنْ نَوَادِرِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَسَمِعَ أَيْضًا عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ فِي عَدُوٍّ حَصَرَ أَهْلَ حِصْنٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَخَرَجَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ وَقَاتَلُوا الْعَدُوَّ فَأَظْفَرَهُمْ اللَّهُ بِهِ وَأَصَابُوا خَيْلَهُ وَأَسْلَابَهُ يُقْسَمُ ذَلِكَ بَيْنَ جَمِيعِ مَنْ خَرَجَ، قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَبَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ الْحِصْنِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ وَيُقْسَمُ لِخَيْلِ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ وَلِخَيْلِ مَنْ خَرَجَ رَاجِلًا وَخَلَّفَ فَرَسَهُ فِي الْحِصْنِ إذَا كَانُوا بِمَوْضِعِ رِبَاطٍ وَضَعُوا فِيهِ رُصْدَةً لِلْعَدُوِّ وَلِذَلِكَ سَكَنُوا، وَلَوْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَيْءٌ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْغَنِيمَةَ تُقْسَمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 580 عَلَى الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ مَنْ قَاتَلَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ لِكَوْنِ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ رِدْءًا لِمَنْ قَاتَلَ وَعَوْنًا لَهُمْ عَلَى الْغَنِيمَةِ لِأَنَّ نُفُوسَهُمْ تَقْوَى بِوُقُوفِهِمْ وَتَزِيدُ فِي جُرْأَتِهِمْ عَلَى الْعَدُوِّ. وَكَذَلِكَ الَّذِينَ فِي الْحِصْنِ بِهِمْ قَوِيَتْ نُفُوسُ مَنْ خَرَجَ وَلَعَلَّ الْعَدُوَّ إنَّمَا انْهَزَمَ بِسَبَبِهِمْ. وَانْظُرْ فِي نَوَادِرِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ إذَا أَغَارَ الْعَدُوُّ عَلَى بَعْضِ الثُّغُورِ فَتَدَاعَى عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَانْهَزَمُوا مِنْ غَيْرِ مُلَاقَاةٍ وَنَالُوا مِنْهُمْ مَغْنَمًا أَنَّهُ يُخَمِّسُ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَهُمْ، لِأَنَّ مِنْهُمْ جَزِعُوا وَهَرَبُوا. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: مَا غُنِمَ بِغَيْرِ إيجَافٍ وَلَا قِتَالٍ وَهُوَ مِمَّا يَنْجَلِي عَنْهُ أَهْلُهُ وَيَتْرُكُونَهُ رَهْبَةً وَفَزَعًا وَهَذَا لَا يُخَمَّسُ، وَهُوَ فَيْءٌ. لِابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ: إذَا كَانَتْ قُرًى إنَّمَا فِيهَا أَهْلُهَا فَخَرَجُوا فِي طَلَبِ الَّذِينَ أَغَارُوا عَلَيْهِمْ قُسِمَ مَا أَصَابُوا بَيْنَ كُلِّ مَنْ طَلَبَ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ مِمَّنْ خَرَجَ طَالِبًا بِالثَّبْتِ وَالْيَقِينِ. زَادَ فِي الِاسْتِغْنَاءِ: وَلَا شَيْءَ لِمَنْ خَرَجَ بَعْدَ الْوَقِيعَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَدِينَةُ ثَغْرًا وَمُحْرِسًا. وَمِنْهُ أَيْضًا: وَإِنْ غَار الْعَدُوُّ عَلَى جِهَتَيْنِ فَلِكُلِّ جِهَةٍ مَا غَنِمُوا. وَانْظُرْ رَابِعَ تَرْجَمَةٍ وَخَامِسَ تَرْجَمَةٍ مِنْ الْجِهَادِ الثَّالِثِ مِنْ نَوَادِرِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمُتَخَلِّفٌ لِحَاجَةٍ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " وَضَالٌّ بِبَلَدِنَا " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمَرِيضٌ شَهِدَ " وَقَوْلَ عَبْدِ الْوَهَّابِ لِأَنَّ لَيْسَ كُلُّ الْجَيْشِ يُقَاتِلُ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَصْلَحَةِ الْحَرْبِ. وَقَدْ فُسِّرَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ» أَنَّهُمْ يَتَفَاضَلُونَ فِي الْمَغْنَمِ يُسْهِمُونَ مِنْهُ لِمَنْ شَغَلَهُ عَنْ حُضُورِ الْمُعْتَرَكِ مَصْلَحَةٌ مِنْ مَصَالِحِ الْغَانِمِينَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ نَقَلَ صَاحِبُ كِتَابِ مَعَارِفِ الْأَشْوَاقِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ كَانُوا يَتَعَفَّفُونَ عَنْ الْمَغْنَمِ قَالَ: وَمِنْهُمْ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ فَقِيلَ لَهُ: أَتَشُكُّ فِي أَنَّ الْغَنِيمَةَ حَلَالٌ؟ فَيَقُول: وَهَلْ هُوَ الزُّهْدُ إلَّا فِي الْحَلَالِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ إلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنْ الْآخِرَةِ وَيَبْقَى لَهُمْ ثُلُثٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ» وَنَقَلَ أَيْضًا هُوَ وَصَاحِبُ الْمُقَرِّبِ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَّرَ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ عَلَى غَزْوِ إفْرِيقِيَّةَ وَكَانَ صَاحِبُ إفْرِيقِيَّةَ جِرْجِيرٌ سُلْطَانُهُ مِنْ طَرَابُلُسَ إلَى طَنْجَةَ فَهَالَهُ أَمْرُ الْعَرَبِ بِحَيْثُ إنْ زَيَّنَ بِنْتًا لَهُ كَانَتْ بَارِعَةَ الْجَمَالِ وَقَالَ لِحَشَمِهِ: أَتَعْرِفُونَ هَذِهِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ سَيِّدَتُنَا وَبِنْتُ سَيِّدِنَا لِمَالِكٍ. فَقَالَ: وَحَقِّ الْمَسِيحِ وَدِينِ النَّصْرَانِيَّةِ لَا قَتَلَ مِنْكُمْ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ أَمِيرَ الْعَرَبِ إلَّا زَوَّجْتهَا لَهُ وَسُقْت لَهَا جَمِيعَ مَا مَعَهَا مِنْ الْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ وَالْجَوَارِي يُحَرِّضُ بِذَلِكَ الرُّومَ تَحْرِيضًا شَدِيدًا. وَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ فَأَخْبَرَ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِمَقَالَةِ جِرْجِيرٍ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: وَحَقِّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِينِ الْإِسْلَامِ لَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْكُمْ جِرْجِيرًا إلَّا نَفَّلْته ابْنَتَهُ. فَانْتَدَبَ أُنَاسٌ وَفِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَشَقُّوا الصُّفُوفَ وَظَهَرُوا بِجِرْجِيرٍ وَانْهَزَمَ الْكُفَّارُ وَتَنَازَعُوا فِي قَتْلِ جِرْجِيرٍ فَقَالَتْ الِابْنَةُ: أَنَا أَعْرِفُ قَاتِلَ أَبِي فَأَمَرَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ أَنْ يَمُرَّ الْجَيْشُ بَيْنَ يَدَيْهَا وَهِيَ تَنْظُرُ حَتَّى مَرَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَتْ: هَذَا وَالْمَسِيحِ قَاتِلُ أَبِي. فَقَالَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ: لِمَ كَتَمْتنَا؟ قَالَ: قَدْ عَلِمَ الَّذِي قَتَلْته لَهُ فَقَالَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ: إذَنْ وَاَللَّهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 581 أُنَفِّلُك ابْنَتَهُ فَنَفَّلَهُ إيَّاهَا وَاِتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ. وَنَقَلَ أَيْضًا فِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ أَنَّ مَسْلَمَةَ حَاصَرَ حِصْنًا مِنْ حُصُونِ الْكُفَّارِ وَنَدَبَ النَّاسَ لِلدُّخُولِ مِنْ نَقْبٍ هُنَاكَ فَمَا دَخَلَهُ أَحَدٌ. فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ عَرْضِ الْجَيْشِ فَدَخَلَهُ فَفَتَحَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَنَادَى مَسْلَمَةُ: أَيْنَ صَاحِبُ النَّقْبِ؟ فَمَا جَاءَ أَحَدٌ فَنَادَى: إنِّي عَزَمْت عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ فَأَتَى رَجُلٌ وَقَالَ: صَاحِبُ النَّقْبِ يَأْخُذُ عَلَيْكُمْ ثَلَاثًا أَنْ لَا تَجْعَلُوا اسْمَهُ فِي صَحِيفَةٍ إلَى الْخَلِيفَةِ. وَلَا تَأْمُرُوا لَهُ بِشَيْءٍ وَلَا تَسْأَلُوهُ مِمَّنْ هُوَ. فَقَالَ مَسْلَمَةُ: ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: أَنَا هُوَ. فَكَانَ مَسْلَمَةُ لَا يُصَلِّي صَلَاةً إلَّا قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مَعَ صَاحِبِ النَّقْبِ. [الْجِهَادُ بِالرَّاتِبِ] وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْجِهَادِ بِالرَّاتِبِ قَالَ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ إنْ كَانَتْ إنْ مُنِعَ الرَّاتِبُ لَمْ يَخْرُجْ وَإِنَّمَا خَرَجَ مِنْ أَجْلِ الْمُرَتَّبِ فَهَذَا إنْ قُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ فِي الظَّاهِرِ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ غَيْرُ شَهِيدٍ قَالَ: إلَّا إنْ حَضَرَتْ لَهُ نِيَّةٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ فَيَكُونُ شَهِيدًا عِنْدَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَأَمَّا غَدْوُهُ وَرَوَاحُهُ وَمَا نَالَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ غُبَارٍ وَخَوْفٍ فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ. وَنَقَلَ أَيْضًا - أَعْنِي صَاحِبَ كِتَابِ مَعَارِفِ الْأَشْوَاقِ - أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْجِهَادِ لَا تَنْحَصِرُ لِتَنَوُّعِ الْمَقَاصِدِ أَعْلَاهَا مَنْ يَقْصِدُ بِجِهَادِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى لِاسْتِحْقَاقِهِ هَذِهِ الْعِبَادَةَ وَأَمْرِهِ بِهَا وَافْتَرَضَهَا عَلَى عِبَادِهِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ لِجَزَاءٍ عَلَيْهَا لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ. قَالَ: وَمِنْهُ مَا رَوَاهُ الْجَوْزِيُّ بِسَنَدِهِ إلَى مَيْسَرَةَ. قَالَ: غَزَوْنَا بَعْضَ الْغَزَوَاتِ فَإِذَا بَيْنَ الصُّفُوفِ شَابٌّ فَحَمَلَ عَلَى الْمَيْمَنَةِ ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْقَلْبِ ثُمَّ قَالَ: أَحْسِنْ بِمَوْلَاك سَعِيدٍ ظَنَّا ... هَذَا الَّذِي كُنْت لَهُ تَمَنَّى تَنَحَّى يَا حُورَ الْجِنَانِ عَنَّا ... لَا فِيك قَاتَلْنَا وَلَا قُتِلْنَا لَكِنْ إلَى سَيِّدِنَا اشْتَقْنَا ... قَدْ عَلِمَ السِّرَّ وَمَا أَعْلَنَّا ثُمَّ حَمَلَ وَهُوَ يَقُولُ: قَدْ كُنْت أَرْجُو وَرَجَائِي لَمْ يَخِبْ ... أَنْ لَا يَضِيعَ الْيَوْمَ كَدِّي وَالتَّعَبْ يَا مَنْ مَلَا تِلْكَ الْقُصُورَ بِاللَّعِبِ ... لَوْلَاك مَا طَابَ وَمَا طَابَ الطَّرَبْ ثُمَّ حَمَلَ حَتَّى قَتَلَ مِنْهُمْ عَدَدًا كَثِيرًا ثُمَّ رَجَعَ فَحَمَلَ وَهُوَ يَقُولُ: يَا لُعْبَةَ الْخُلْدِ قِفِي ثُمَّ اسْمَعِي ... لَا فِيك قَاتَلْنَا فَكَفَى وَارْجِعِي ارْجِعِي إلَى الْجِنَانِ وَاتْرَعِي ... لَا تَطْمَعِي لَا تَطْمَعِي لَا تَطْمَعِي ثُمَّ حَمَلَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. (كَمُتَلَصِّصٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ بِهَذَا وَيَبْقَى النَّظَرُ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ سَحْنُونَ: أَصْحَابُنَا يَرَوْنَ فِي سَرِيَّةٍ تَخْرُجُ فِي قِلَّةٍ وَغَرَرٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَغَنِمُوا. فَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ الْغَنِيمَةَ أَدَبًا لَهُمْ. فَقَالَ سَحْنُونَ: فَأَمَّا جَمَاعَةٌ لَا يَخَافُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَحْرُمُهُمْ الْغَنِيمَةَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنُوهُ، يُرِيدُ وَقَدْ أَخْطَئُوا. ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمُسْتَنِدُ إلَى الْجَيْشِ مِنْ مُنْفَرِدٍ وَسَرِيَّةٍ كَالْجَيْشِ وَإِلَّا فَهُمْ كَالْمُتَلَصِّصِ. (فَيُخَمَّسُ الْمُسْلِمُ دُونَ الذِّمِّيِّ وَفِي الْعَبْدِ قَوْلَانِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: مَا مَلَكَ مِنْ أَمْوَالِ الْكَافِرِينَ غَنِيمَةٌ وَفَيْءٌ وَمُخْتَصٌّ. ثُمَّ قَالَ: وَالْمُخْتَصُّ بِأَخْذِهِ مَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ غَيْرِ مُؤَمَّنٍ دُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 582 عِلْمِهِ أَوْ كُرْهًا دُونَ صُلْحٍ وَلَا قِتَالٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْأَسِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ هَارِبًا مِنْهُمْ فَيَخْرُجُ بِأَمْوَالٍ أَصَابَهَا لَهُمْ: لَا خُمُسَ عَلَيْهِ فِيهَا إنَّمَا يُخَمَّسُ مَا يُوجَفُ عَلَيْهِ الْخَيْلُ وَالرِّكَابُ. وَقَالَ فِي الْعَبْدِ يَخْرُجُ مُتَلَصِّصًا فِي بَعْضِ قُرَى الْعَدُوِّ فَيُصِيبُ غَنَائِمَ: إنَّهَا تُخَمَّسُ وَيَكُونُ فَضْلُ ذَلِكَ لَهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا خَرَجَ بِهِ الْأَسِيرُ وَبَيْنَ إصَابَةِ الْعَبْدِ الْمُتَلَصِّصِ أَنَّ الْخُمُسَ فِيمَا تَعَمَّدَ الْخُرُوجَ لِإِصَابَتِهِ وَالْأَسِيرُ لَيْسَ لِلْإِصَابَةِ خَرَجَ وَلَا لِلْقِتَالِ تَعَرَّضَ فَلِذَلِكَ لَمْ أَرَ فِيهِ خُمُسًا. قِيلَ: فَإِنَّ خَرَجَ حُرٌّ وَعَبْدٌ مُتَلَصِّصَيْنِ فَغَنِمَا؟ قَالَ: يُخَمَّسُ مَا أَصَابَا ثُمَّ يُقْسَمُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا. قُيَّل: فَإِنْ خَرَجَ ذِمِّيٌّ مُتَلَصِّصًا مَعَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فَغَنِمَا؟ قَالَ: يُخَمَّسُ حَظُّ الْمُسْلِمِ وَلَا خُمُسَ فِي حَظِّ الذِّمِّيِّ (وَخُمِّسَ مُسْلِمٌ وَلَوْ عَبْدًا عَلَى الْأَصَحِّ) ابْنُ الْقَاسِمِ: يُخَمَّسُ وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَهَذَا خِلَافٌ لِسَحْنُونٍ وَأَصْبَغَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا كَانَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جُمْلَةِ عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ كَالْحُرِّ فِي أَنَّ لَهُ مَا غَنِمَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ فِي أَنَّ عَلَيْهِ الْخُمُسَ لِأَنَّهُ مُؤَمَّنٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} [الأنفال: 41] . (لَا ذِمِّيٌّ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا خُمُسَ فِي حَظِّ الذِّمِّيِّ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الْكَافِرَ إذَا خَرَجَ غَازِيًا مَعَ الْأَحْرَارِ وَلَمْ يَكُنْ فِي حَيِّزِ التَّبَعِ كَانَ لَهُ حَقُّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، فَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ مَعَ الرَّجُلِ أَوْ الرَّجُلَيْنِ أَوْ الْأَرْبَعَةِ كَانَ لَهُ سَهْمُهُ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَاسْتِعَانَةٌ بِمُشْرِكٍ " (وَمَنْ عَمِلَ سَرْجًا أَوْ سَهْمًا) تَقَدَّمَ نَصٌّ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجَازَ أَخْذُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ ". (وَالشَّأْنُ الْقَسْمُ بِبَلَدِهِمْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَالشَّأْنُ أَنْ تُقْسَمَ الْغَنَائِمُ وَتُبَاعَ بِبَلَدِ الْحَرْبِ وَهُمْ أَوْلَى بِرُخْصِهَا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 583 رَوَى الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءَ لَمْ يَقْسِمُوا غَنِيمَةً قَطُّ إلَّا فِي دَارِ الشِّرْكِ» (وَهَلْ يَبِيعُ لِيَقْسِمَ قَوْلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ إنَّ قَسْمَ الْغَنِيمَةِ هُوَ بَيْعُهَا وَقَسْمَ ثَمَنِهَا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَقْسِمَهَا خَمْسَةَ أَقْسَامٍ بِالسَّوِيَّةِ بِأَنْ يَجْعَلَ خَمْسَةَ وُصَفَاءَ فِي كُلِّ سَهْمٍ وَصَيْفٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ جِنْسٍ حَتَّى يَعْدِلَ ثُمَّ يُسْهِمَ بَيْنَهَا فَيُخْرِجَ أَحَدَهَا وَالْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسُ لِلْجَيْشِ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَبِيعَ الْجَمِيعَ وَيَقْسِمَ الثَّمَنَ فَعَلَ. وَقَالَ سَحْنُونَ: إنَّهُ يَبِيعُ وَيَقْسِمُ الثَّمَنَ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَشْتَرِي فَيَقْسِمَ الْعُرُوضَ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ، وَالْأَظْهَرُ قِسْمَةُ ذَلِكَ دُونَ بَيْعٍ عَلَى ظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ كَانَ النَّاسُ يَعْدِلُونَ الْبَعِيرَ بِعَشْرَةِ شِيَاهٍ يَقْتَضِي تَكْرَارَ ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا نَعْلَمُ مُخَالِفًا لَهُمْ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ. انْتَهَى مِنْ الْأَنْوَارِ. (وَأُفْرِدَ كُلُّ صِنْفٍ إنْ أَمْكَنَ عَلَى الْأَرْجَحِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: صِفَةُ الْقِسْمَةِ أَنْ يَقْسِمَ كُلُّ صِنْفٍ عَلَى خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ، فَإِذَا اعْتَدَلُوا خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ وَاجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِ أَهْلِ الْبَصَرِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْقِيمَةِ وَالِاقْتِسَامِ كَتَبَ فِي رُقْعَةٍ هَذَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقْرَعُ فَحَيْثُ وَقَعَ سَهْمُ الْخُمُسِ كَانَ لِلْإِمَامِ لَا رَجْعَةَ لِأَحَدٍ فِيهِ، ثُمَّ يَبِيعُ الْإِمَامُ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ وَيَقْسِمُهَا عَلَيْهِمْ، فَإِنْ رَأَى بَيْعَ الْجَمِيعِ وَالْخُمُسَ فَعَلَ. انْتَهَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ. لَمْ يُرَجِّحْ ابْنُ يُونُسَ شَيْئًا وَإِنَّمَا رَجَّحَ هَذَا الْبَاجِيُّ فَانْظُرْهُ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ يَجْعَلُ الْوُصَفَاءَ بِانْفِرَادِهِمْ وَالنِّسَاءَ كَذَلِكَ حَسَنٌ مَعَ الْكَثْرَةِ. (وَأَخَذَ مُعَيَّنٌ وَإِنْ ذِمِّيًّا مَا عَرَفَ لَهُ قَبْلَهُ مَجَّانًا) رَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلَّذِي وَجَدَ بَعِيرَهُ فِي الْمَغْنَمِ: إنْ وَجَدْتَهُ لَمْ يُقْسَمْ فَخِذَهُ وَإِنْ قُسِمَ فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ إنْ أَرَدْته» ، مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا أَحْرَزَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ مِنْ عَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ أَبَقَ إلَيْهِمْ ثُمَّ غَنِمْنَاهُ، فَإِنْ عَرَفَ رَبَّهُ قَبْلَ أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 584 يُقْسَمَ كَانَ أَحَقَّ بِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ غَابَ أَوْقَفَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ رَبَّهُ بِعَيْنِهِ أَوْ عَرَفَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ خُمِّسَ وَقُسِمَ. ثُمَّ إنْ جَاءَ رَبُّهُ كَانَ أَحَقَّ بِهِ بِالثَّمَنِ مَا بَلَغَ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى فِدَائِهِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ، فَإِنْ أَرَادَ أَخْذَهُ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ ذَلِكَ بِيَدِهِ أَنْ يَأْبَى عَلَيْهِ. (وَحَلَفَ أَنَّهُ مَلَكَهُ) . ابْنُ شَعْبَانَ: لَوْ ادَّعَى مُسْلِمٌ فِيمَا وَجَدَ فِي الْمَغَانِمِ أَنَّهُ لَهُ إنْ أَثْبَتَ الْمِلْكَ سَلَّمَ لَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِهِ الْمِلْكَ وَهَذَا بَيِّنٌ مَعَ الْقَوْلِ إنَّ الْغَانِمِينَ مَلَكُوا بِالْغَنِيمَةِ. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّمَا يَمْلِكُونَ بِالْقَسْمِ فَقَدْ يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِ إنْ ادَّعَاهُ مَعَ يَمِينِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا وُجِدَ فِي أَيْدِي اللُّصُوصِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي أَخْذِهِ رَبُّهُ إنْ حَضَرَ بِمُوجِبِ الِاسْتِحْقَاقِ طُرُقٌ مُقْتَضَى نَقْلِ اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَبْعَثُ لِرَبِّهِ الْغَائِبِ عَدَمَ يَمِينِهِ. (وَحُمِلَ لَهُ إنْ كَانَ خَيْرًا وَإِلَّا بِيعَ لَهُ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِذَا عَرَفَ رَبَّهُ وَكَانَ غَائِبًا فَإِنْ كَانَ خَيْرًا لِرَبِّهِ أَنْ يَحْمِلَ إلَيْهِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ كِرَاءَ حَمْلِهِ فَعَلَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَمْلُهُ إلَيْهِ أَوْفَقَ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيَنْفُذُ بَيْعُهُ الْإِمَامُ فِيهِ وَلَا يَكُونُ لِرَبِّهِ غَيْرُ الثَّمَنِ (وَلَمْ يَمْضِ قَسْمُهُ) أَشْهَبُ: إنْ كَانَ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَى إيصَالِهِ لِرَبِّهِ، مِثْلُ الْعَبْدِ وَالسَّيْفِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ مُؤْنَةٌ كَثِيرَةٌ فَبَاعُوهُ فِي الْغَنِيمَةِ لِأَنْفُسِهِمْ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ بِلَا ثَمَنٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي الْغَنَائِمِ مَالُ رَجُلٍ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَهُوَ غَائِبٌ فَبِيعَ فَذَلِكَ خَطَأٌ وَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ بِلَا ثَمَنٍ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يَأْخُذُهُ رَبُّهُ إلَّا بِالثَّمَنِ وَهِيَ قَضِيَّةٌ مِنْ حَاكِمٍ وَافَقَتْ اخْتِلَافًا بَيْنَ النَّاسِ قَدْ قَالَ الْأَوْزَاعِيِّ: إذَا عَرَفَ رَبَّهُ وَلَمْ يَحْضُرْ أَنَّهُ يُقْسَمُ ثُمَّ لَا يَأْخُذُهُ رَبُّهُ إلَّا بِالثَّمَنِ. انْتَهَى جَمِيعُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (إلَّا لِتَأَوُّلٍ عَلَى الْأَحْسَنِ) ابْنُ بَشِيرٍ: لَوْ جَهِلَ الْوَالِي أَوْ تَأَوَّلَ قَسَمَ مَا وَجَدَ فِي أَيْدِي الْعَدُوِّ وَصَاحِبُهُ الْمُسْلِمُ حَاضِرٌ، فَهَلْ يَمْضِي فِعْلُهُ؟ قَوْلَانِ. وَهَذَا فِي التَّأْوِيلِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ وَنَقْضُهُ هُوَ الْمُشْكِلُ هَاهُنَا إلَّا أَنْ يَتَأَوَّلَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يَتَأَوَّلْ مُوَافَقَةَ الْخِلَافِ وَإِنَّمَا تَأَوَّلَ أَنَّهُ لَهُ الْقَسْمُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبٌ لِأَحَدٍ. وَأَمَّا إذَا جَهِلَ فَقَدْ اعْتَرَضَ الْأَشْيَاخُ الْقَوْلَ بِمُضِيِّهِ لِأَنَّ الْجَاهِلَ لَا يُعْذَرُ بِمُوَافَقَةٍ لِلْمَذَاهِبِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الصَّوْمِ أَنَّ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ وَخَرَّجْنَا عَلَيْهِ مَسْأَلَةَ الْمُفْطِرَةِ وَالْمُفْطِرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 585 تَقُولُ: الْيَوْمَ حَيْضَتِي أَوْ يَقُولُ: الْيَوْمَ نَوْبَةُ الْحُمَّى (لَا إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ عَلَى الْجُمْلَةِ، فَهَلْ يُقْسَمُ أَوْ يُوقَفُ لِصَاحِبِهِ كَاللُّقَطَةِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُقْسَمُ بِنَاءً عَلَى تَغْلِيبِ مِلْكِ الْغَانِمِينَ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ صَاحِبَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَدَّعِيَهُ وَلَا مُدَّعٍ هَاهُنَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ بِاخْتِيَارِهِ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَأَخَذَ الْمُعَيَّنَ ". (وَبِيعَتْ خِدْمَةُ مُعْتَقٍ لِأَجَلٍ وَمُدَبَّرٍ) ابْنُ عَلَاقٍ: فِي عَطْفِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُدَبَّرَ عَلَى الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ نَظَرٌ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُدَبَّرُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ ظَفِرَ بِهِ اُسْتُتِيبَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، فَإِنْ تَابَ لَمْ يُقْسَمْ وَرُدَّ لِسَيِّدِهِ إنْ عُرِفَ بِعَيْنِهِ. سَحْنُونَ: وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ سَيِّدَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَقَاسِمِ إلَّا خِدْمَتُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ أَنَّهُ يُؤَاجَرُ بِمِقْدَارِ قِيمَةِ رَقَبَتِهِ فَيَجْعَلُ تِلْكَ الْقِيمَةَ فِي الْمَقَاسِمِ أَوْ يُتَصَدَّقُ بِذَلِكَ إنْ افْتَرَقَ الْجَيْشُ، فَإِذَا اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ خِدْمَتَهُ كَانَ بَاقِي خَرَاجِهِ مَوْقُوفًا كَاللُّقَطَةِ. قَالَ سَحْنُونَ: وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ إذَا سَبَى ثُمَّ غَنِمْنَاهُ كَالْمُدَبَّرِ إذَا عَرَفَ رَبَّهُ وُقِفَ لَهُ وَإِلَّا جُعِلَتْ خِدْمَتُهُ فِي الْمَغْنَمِ، ثُمَّ إنْ جَاءَ سَيِّدُهُ خُيِّرَ فِي فِدَاءِ خِدْمَتِهِ أَوْ اسْتِلَامِهَا لِمُشْتَرِيهَا كَالْمُدَبَّرِ. (وَكِتَابَةٌ) الْمُدَوَّنَةُ: إنْ سَبَى الْعَدُوُّ مُكَاتَبًا لِمُسْلِمٍ أَوْ لِذِمِّيٍّ أَوْ أَبَقَ هَذَا الْمُكَاتَبُ إلَيْهِمْ فَغَنِمْنَاهُ رُدَّ إلَى رَبِّهِ غَابَ أَوْ حَضَرَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ رَبَّهُ بِعَيْنِهِ وَعُلِمَ إنْ مُكَاتَبٌ أَقَرَّ عَلَى كِتَابَتِهِ وَبِيعَتْ كِتَابَتُهُ فِي الْمَقَاسِمِ مَغْنَمًا وَيُؤَدَّى إلَى مَنْ صَارَ إلَيْهِ، وَإِنْ عَجَزَ رُقَّ لَهُ، وَإِنْ أَدَّى عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ. (لَا أُمِّ وَلَدٍ) ابْنُ عَلَاقٍ: إنْ ثَبَتَ فِي أَمَةٍ مِنْ الْمَغْنَمِ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِمُسْلِمٍ وَلَمْ يُعْرَفْ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهَا لَا تُقْسَمُ وَلَا يُبَاعُ لَهَا خِدْمَةٌ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ. قَالَ سَحْنُونَ: إذَا عُرِفَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْمَقَاسِمِ. ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ عُلِمَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِمُسْلِمٍ لَمْ تُقْسَمْ. (وَلَهُ بَعْدَهُ أَخْذُهُ بِثَمَنِهِ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَأَخْذُ مُعَيَّنٍ مَا عَرَفَ لَهُ قَبْلَهُ مَجَّانًا " أَنَّهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ يَأْخُذُهُ بِثَمَنِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ ثَبَتَ أَنَّ فِي الْغَنِيمَةِ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ قَبْلَ الْقَسْمِ رُدَّ مَجَّانًا، وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَسْمِ فَلِمَالِكِهِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِثَمَنِهِ إنْ عُلِمَ وَإِلَّا فَبِقِيمَتِهِ، فَإِنْ بِيعَ مِرَارًا فَقَوْلَانِ نَصُّهَا قُسِمَ، ثُمَّ إنْ جَاءَ رَبُّهُ كَانَ أَحَقَّ بِهِ بِالثَّمَنِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى فِدَائِهِ. اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَحَلَفَ " (وَبِالْأَوَّلِ إنْ تَعَدَّدَ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ تَعَدَّدَ بِيعَ مَارٌّ بِهِ أَحَقُّ بِهِ بِثَمَنِهِ فَطُرُقٌ. ابْنُ مُحْرِزٍ وَالشَّيْخُ: فِي أَخْذِهِ بِأَيِّ ثَمَنٍ شَاءَ أَوْ بِالْأَوَّلِ قَوْلَانِ. ابْنُ يُونُسَ: رَجَعَ سَحْنُونَ وَقَالَ: لَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِمَا وَقَعَ فِي الْمَقَاسِمِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَالشُّفْعَةِ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ فِي الشُّفْعَةِ لَمْ يَمْنَعْ أَخْذَهُ بِالثَّانِي وَلَوْ سَلَّمَ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ فِيمَا غَنِمَ مَنَعَهُ وَهَذَا رَابِعُ الْأَقْوَالِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْعَبْدِ يَسْبِيهِ الْعَدُوُّ ثُمَّ يَقَعُ فِي سَهْمَانِ رَجُلٍ يَبِيعُهُ ثُمَّ يَتَدَاوَلُهُ رِجَالٌ ثُمَّ يَأْتِي سَيِّدُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي يَشْتَرِي الْعَبْدَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ ثُمَّ يَقُومُ بِهِ فَيَبِيعُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ إلَّا مَا بَيْنَ الثَّمَنَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَيْعَ فَوْتٌ لِشُبْهَةِ مِلْكِ الْعَدُوِّ إيَّاهُ إذْ قَدْ قِيلَ: لَا سَبِيلَ لِصَاحِبِهِ إلَيْهِ فَلَهُ مَا اسْتَفْضَلَ فِيهِ الْمُبْتَاعُ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالثَّمَنِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا نَزَلَ حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ وَمَعَهُ عَبِيدٌ لِأَهْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 586 الْإِسْلَامِ فَبَاعَهُمْ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّهِمْ أَخْذُهُمْ بِالثَّمَنِ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِمْ مِنْ بَائِعِهِمْ فِي عَهْدِهِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْحَرْبِيِّ إيَّاهُمْ فِي بَلَدِهِ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ وَهَبَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِمُسْلِمٍ ثُمَّ قَدِمَ بِهِمْ لَأَخَذَهُمْ رَبُّهُمْ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لَوْ وَهَبَهُمْ لَهُ مُعَاهَدٌ. (وَأُجْبِرَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ عَلَى الثَّمَنِ وَاتُّبِعَ بِهِ إنْ أَعْدَمَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ وُجِدَتْ فِي الْمَغَانِمِ أُمُّ وَلَدٍ مُسْلِمٍ لَمْ تُقْسَمْ وَإِنْ قُسِمَتْ بَعْدُ لِمَعْرِفَةٍ أَخَذَهَا سَيِّدُهَا بِغَيْرِ ثَمَنٍ. ابْنُ عَلَاقٍ: إنْ قُسِمَتْ جَهْلًا بِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ ثُمَّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ثَبَتَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى رَبِّهَا قِيلَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَهَذَا يُحْكَى عَنْ سُفْيَانَ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ إلَّا بِعِوَضٍ، وَهَلْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؟ قَالَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّمَا يَفْدِيهَا سَيِّدُهَا وَهَلْ بِمِثْلِ الثَّمَنِ وَيُتْبَعُ بِهِ دَيْنًا إنْ كَانَ عَدِيمًا؟ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ ثَالِثُ الْأَقْوَالِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ حَرْبِيٍّ بِبَلَدِ الْحَرْبِ فَعَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يُعْطِيَهُ جَمِيعَ مَا أَدَّى، شَاءَ السَّيِّدُ أَوْ أَبَى، وَإِنْ جَاوَزَ قِيمَتَهَا وَلَا خِيَارَ لَهُ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالْعُرُوضِ، وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا اُتُّبِعَ بِذَلِكَ وَأَخَذَهَا وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي أُمِّ الْوَلَدِ تَقَعُ فِي الْمَقَاسِمِ (إلَّا أَنْ تَمُوتَ هِيَ أَوْ سَيِّدُهَا) سَحْنُونَ: لَوْ مَاتَ سَيِّدُهَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ بِشَيْءٍ وَلَا فِي تَرِكَةِ سَيِّدِهَا، وَلَوْ مَاتَتْ بِيَدِ مَنْ صَارَتْ بِيَدِهِ لَمْ يُتْبَعْ سَيِّدُهَا بِشَيْءِ. (وَلَهُ فِدَاءُ مُعْتَقٍ إلَى أَجَلٍ وَمُدَبَّرٌ بِحَالِهِمَا وَتَرْكُهُمَا مُسْلِمًا لِخِدْمَتِهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ جَهِلُوا أَنَّهُ مُدَبَّرٌ حَتَّى اقْتَسَمُوا ثُمَّ جَاءَ سَيِّدُهُ فَلَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ بِالثَّمَنِ وَيَرْجِعَ مُدَبَّرًا ثُمَّ لَا يُتْبِعُهُ سَيِّدُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هُوَ وَلَا وَرَثَتُهُ إنْ أُعْتِقَ فِي ثُلُثِهِ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَفْدِيَهُ خَدَمَ مَنْ صَارَ إلَيْهِ فِي الثَّمَنِ الَّذِي حُسِبَ بِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَوْفَى وَسَيِّدُهُ الْأَوَّلُ حَيٌّ رَجَعَ إلَيْهِ مُدَبَّرًا، وَإِنْ هَلَكَ السَّيِّدُ وَقَدْ تَرَكَهُ بِيَدِ مَنْ صَارَ فِي سَهْمِهِ يَخْتَدِمُهُ فِي ثَمَنِهِ فَمَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ وَفَاءِ ذَلِكَ خَرَجَ حُرًّا مِنْ ثُلُثِهِ وَاتُّبِعَ بِبَاقِي الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَسَعْهُ الثُّلُثُ عَتَقَ مَا وَسِعَ الثُّلُثَ وَاتُّبِعَ مَا عَتَقَ مِنْهُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ الثَّمَنِ كَالْجِنَايَةِ فِي هَذَا. وَلَا بُدَّ أَنْ تُضَمَّ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ عَبْدًا إلَى مَالِ سَيِّدِهِ لِيَعْلَمَ مَا يَحْمِلُ الثُّلُثُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ السَّيِّدُ شَيْئًا غَيْرَهُ عَتَقَ ثُلُثُ الْمُدَبَّرِ وَرَقَّ مَا بَقِيَ لِمُشْتَرِيهِ لِأَنَّ سَيِّدَهُ أَسْلَمَهُ وَلَا قَوْلَ لِوَرَثَتِهِ فِيهِ، وَأَمَّا فِي الْجِنَايَةِ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ يُخَيَّرُونَ بِمَا رَقَّ مِنْهُ أَوْ يَفْدُوهُ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْجِنَايَةِ أَوْ يُسَلِّمُونَهُ رِقًّا لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مُشْتَرِيهِ مِنْ الْمَغَانِمِ إنَّمَا اشْتَرَى رَقَبَتَهُ فَلَمَّا أَسْلَمَهُ سَيِّدُهُ فَقَدْ أَسْلَمَ لَهُ مَا اشْتَرَاهُ بِمَا يُرَقَّ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَفِي الْجِنَايَةِ إنَّمَا أَسْلَمَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ خِدْمَتَهُ، وَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ عَتَقَ مِنْهُ مَحْمَلَهُ وَصَارَ كَمُعْتَقِ بَعْضِهِ حَيًّا فَيُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ فِيمَا رَقَّ مِنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا. ابْنُ يُونُسَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْهُ اخْتِلَافُ قَوْلٍ اُنْظُرْهُ فِيهِ. قَالَ سَحْنُونَ: وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ إذَا سُبِيَ ثُمَّ غَنِمْنَاهُ كَالْمُدَبَّرِ إذَا عَرَفَ رَبَّهُ أُوقِفَ لَهُ وَإِلَّا وَقَعَتْ خِدْمَتُهُ فِي الْمَقَاسِمِ، ثُمَّ إنْ جَاءَ سَيِّدُهُ خُيِّرَ فِي فِدَاءِ خِدْمَتِهِ وَإِسْلَامِهَا لِمُشْتَرِيهَا كَالْمُدَبَّرِ، وَلَوْ جَهِلَ أَنَّهُ مُعْتَقٌ إلَى أَجَلٍ فَبِيعَ فِي الْمَغَانِمِ فَإِنْ فَدَاهُ سَيِّدُهُ بِالثَّمَنِ عَادَ إلَى سَيِّدِهِ، وَإِنْ تَمَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَفِ عَتَقَ وَلَمْ يُتْبَعْ بِشَيْءٍ (وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فَحُرٌّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 587 إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَاتُّبِعَ بِمَا بَقِيَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ هَلَكَ السَّيِّدُ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ وَاتُّبِعَ بِبَاقِي الثَّمَنِ كَمُسْلِمٍ. (أَوْ ذِمِّيٍّ قُسِمَا وَلَمْ يُعْذَرَا فِي سُكُوتِهِمَا بِأَمْرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ يُبَاعَانِ فِي الْغَنِيمَةِ خَطَأً لِصَمْتِهِمَا فِيهِمَا طُرُقٌ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ إذَا عُذِرَا لِلْجَهْلِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَإِذَا لَمْ يُعْذَرَا بِجَهْلٍ وَسَكَتَا وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّ الِاسْتِرْقَاقَ لَا يَلْزَمُهُمَا فَأَوْجَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِمَا فِي رِوَايَةِ عِيسَى غُرْمَ أَثْمَانِهِمَا لِلْمُشْتَرِي إنْ فَاتَ الْقَسْمُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى مَنْ يَرْجِعُ، وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا فِي رِوَايَةِ يَحْيَى، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ سَحْنُونُ وَاخْتِيَارُ ابْنِ الْمَوَّازِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَنَحْوَ رِوَايَةِ عِيسَى هُوَ رِوَايَتُهُ أَيْضًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ يُقِرَّانِ بِالْمَمْلَكَةِ فَيُبَاعَانِ فَتُوطَأُ الْمَرْأَةُ فَتَلِدُ وَقَدْ مَاتَ بَائِعُهُمَا أَوْ فَلِسَ أَنَّ أَثْمَانَهُمَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي دَيْنًا عَلَيْهِمَا. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ جَارٍ عَلَى مُجَرَّدِ الْغُرُورِ بِالْقَوْلِ: هَلْ يَلْزَمُ بِهِ غُرْمٌ أَمْ لَا. وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْتَزَمَ الْمُوَثَّقُونَ أَنْ يَكْتُبُوا فِي عَقْدِ الرَّقِيقِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ قَدْ بَلَغَا إقْرَارُهُمَا بِالرِّقِّ لِبَائِعِهِمَا لِيَكُونَ لِلْمُشْتَرِي اتِّبَاعُهُمَا بِأَثْمَانِهِمَا إنْ اسْتَحَقَّا بِحُرِّيَّةٍ وَثَبَتَ الْعِلْمُ عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ وَالْبَائِعُ مَيِّتٌ أَوْ عَدِيمٌ وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ السُّكُوتَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَالْإِقْرَارِ يَجِبُ بِهِ الرُّجُوعُ لِلْمُشْتَرِي، وَعَلَى رِوَايَةِ يَحْيَى وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَاخْتِيَارُ ابْنِ الْمَوَّازِ لَا فَائِدَةَ فِي كِتَابِهِ إذْ لَا يُوجِبُ شَيْئًا. ابْنُ عَرَفَةَ: لَيْسَ شَرْطُ الْفَائِدَةِ كَوْنَهَا فِي مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ حُصُولُهَا بِقَوْلٍ مَشْهُورٍ وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ (وَإِنْ حَمَلَ بَعْضُهُ رُقَّ بَاقِيهِ وَلَا خِيَارَ لِلْوَارِثِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ لَمْ يَتْرُكْ السَّيِّدُ شَيْئًا غَيْرَهُ عَتَقَ ثُلُثُ الْمُدَبَّرِ وَمَا بَقِيَ لِمُشْتَرِيهِ وَلَا قَوْلَ لِوَرَثَتِهِ، وَأَمَّا فِي الْجِنَايَةِ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ يُخَيَّرُونَ. اُنْظُرْهُ قَبْلَ هَذَا. (وَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ ثَمَنَهُ فَعَلَى حَالِهِ وَإِلَّا فَقِنٌّ أَسْلَمَ أَوْ فُدِيَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ غَنِمَ الْمُكَاتَبُ وَلَمْ يَعْرِفْ رَبَّهُ بِعَيْنِهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ مُكَاتَبٌ أَقَرَّ عَلَى كِتَابَتِهِ وَبِيعَتْ كِتَابَتُهُ فِي الْمَقَاسِمِ وَيُؤَدِّي إلَى مَا صَارَ إلَيْهِ وَإِنْ عَجَزَ رُقَّ لَهُ وَإِنْ أَدَّى عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ سَحْنُونَ: وَإِنْ جَاءَ سَيِّدُهُ بَعْدَ أَنْ بِيعَتْ كِتَابَتُهُ فَفَدَاهَا عَادَ إلَيْهِ مُكَاتَبًا وَإِنْ أَسْلَمَهَا وَعَجَزَ رُقَّ لِمُبْتَاعِهِ. (وَعَلَى الْآخِذِ إنْ عَلِمَ بِمِلْكٍ مُعَيَّنٍ تَرْكُ تَصَرُّفٍ لِيُخَيِّرَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قُلْت: إنْ صَارَتْ جَارِيَةٌ فِي سَهْمِ رَجُلٍ فَعَلِمَ أَنَّهَا لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَيَطَؤُهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ وَسَمِعْته قَالَ: مَنْ أَصَابَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 588 جَارِيَةً أَوْ غُلَامًا فِي مَغْنَمٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَوْ عَلِمَ رَبُّهُ رَدَّهُ لَهُ يُرِيدُ يُخَيِّرُهُ فِيهِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا. ابْنُ بَشِيرٍ: اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ هَلْ يَلْزَمُ مِثْلُ هَذَا فِيمَنْ اشْتَرَى شِقْصًا فِيهِ شَفِيعٌ فَلَا يُحْدِثُ فِيهِ حَدَثًا إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ بِرَأْيِ الشَّفِيعِ قِيَاسًا عَلَى هَذَا (وَإِنْ تَصَرَّفَ مَضَى كَالْمُشْتَرِي مِنْ حَرْبِيٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ أَمَةٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ ابْتَاعَهَا مِنْ حَرْبِيٍّ فَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَعْرِضَهَا عَلَيْهِ فَيَأْخُذَهَا بِالثَّمَنِ أَوْ يَدَعَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ عَرْضًا فَلْيَعْرِضْهُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَا وَجَدَهُ السَّيِّدُ قَدْ فَاتَ بِعِتْقٍ أَوْ وِلَادَةٍ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ وَلَا إلَى رِقِّهِ. أَخَذَهُمْ مِمَّنْ كَانُوا بِيَدِهِ مِنْ مَغْنَمٍ أَوْ اشْتَرَاهُمْ مِنْ حَرْبِيٍّ أَغَارَ عَلَيْهِمْ أَوْ أَبَقُوا إلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَإِنْ فَاتُوا بِبَيْعٍ مَضَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْصُهُ وَلَكِنْ لَهُ أَخْذُ الثَّمَنِ الَّذِي بِيعَ بِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ مَا وَقَعَ بِهِ فِي الْمَقَاسِمِ وَيَتَقَاضَاهُ (بِاسْتِيلَادٍ إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى رَدِّهِ لِرَبِّهِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَفِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 589 الْمُؤَجَّلِ تَرَدُّدٌ) اُنْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُعَجَّلَ وَأَقْحَمَ " إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ " بَيْنَ " بِاسْتِيلَادٍ " وَبَيْنَ " وَفِي الْمُؤَجَّلِ " فَلَا شَكَّ أَنَّ هُنَا تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَنَقْصًا. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا تَصَرَّفَ فِي الرَّقِيقِ بِالْعِتْقِ الْمُنَجَّزِ وَالِاسْتِيلَادِ مَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ أَعْتَقَ إلَى أَجَلٍ فَأَجْرَاهُ اللَّخْمِيِّ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَا وَجَدَهُ السَّيِّدُ قَدْ فَاتَ بِعِتْقٍ أَوْ وِلَادَةٍ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَيَخْتَلِفُ عَلَى هَذَا إذَا أَعْتَقَ إلَى أَجَلٍ؛ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَمْضِي ذَلِكَ كُلُّهُ. ابْنُ بَشِيرٍ: يُفِيدُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ إنْجَازِ الْعِتْقِ فَيَقْوَى هَاهُنَا الرَّدُّ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَانْظُرْ لَوْ كَاتَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مُقْتَضَى اللَّخْمِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَدَمُ وُقُوفِهِمْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْكِتَابَةَ وَالتَّدْبِيرَ كَالْعِتْقِ انْتَهَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى رَدِّهِ لِرَبِّهِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ " فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَلْقَى الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيَّ وَعَلَى أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْكَاتِبِ إذَا اشْتَرَى إنْسَانٌ عَبْدًا مِنْ الْمَقَاسِمِ فَقَالَ: أَنَا أُعْطِيهِ لِصَاحِبِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. هَلْ يَمْضِي عِتْقُهُ؟ فَقُلْت: يَمْضِي عِتْقُهُ لِأَنَّ السَّيِّدَ كَانَ لَهُ بِالْخِيَارِ وَضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَكَانَ عِتْقُهُ جَائِزًا فِيهِ. وَخَالَفَنِي أَبُو الْقَاسِمِ وَقَالَ: يُرَدُّ عِتْقُهُ لَأَنْ قَدْ رَضِيَ أَنْ يَدْفَعَهُ لِصَاحِبِهِ. وَاسْتَحْسَنَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ جَوَابِي. وَقَالَ: لَا يَضُرُّهُ فِي عِتْقِهِ مَا أَرَادَ مِنْ دَفْعِهِ لِسَيِّدِهِ لِمَا بَدَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فِيهِ. (وَلِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَخْذُ مَا وَهَبُوهُ بِدَارِهِمْ مَجَّانًا وَبِعِوَضٍ بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ دَخَلْت إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَابْتَعْت عَبْدَ الْمُسْلِمِ مِنْ حَرْبِيٍّ أَسَرَهُ أَوْ أَبَقَ إلَيْهِ أَوْ وَهَبَهُ لَك الْحَرْبِيُّ فَكَافَأْته عَلَيْهِ فَلِسَيِّدِهِ أَخْذُهُ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْك مَا أَدَّيْت فِيهِ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ عَرْضٍ وَإِنْ لَمْ تُثَبْ وَاهِبُك أَخَذَهُ رَبُّهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ (إنْ لَمْ يَبِعْ فَيَمْضِي وَلِمَالِكِهِ أَخْذُ الثَّمَنِ أَوْ الزَّائِدِ.) ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ بَاعَهُ الَّذِي وُهِبَ لَهُ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ مَضَى الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ صَاحِبُهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمَوْهُوبِ فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ، وَأَمَّا إنْ ابْتَاعَهُ ثُمَّ بَاعَهُ فَلِرَبِّهِ أَخْذُ الثَّمَنِ الَّذِي بِيعَ بِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى مُشْتَرِيهِ مِنْ بَلَدِ الْحَرْبِ مَا أَدَّى فِيهِ. قَالَ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ: وَيُقَاصُّهُ بِهِ فِي ذَلِكَ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِفَضْلٍ إنْ بَقِيَ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (وَالْأَحْسَنُ فِي الْمَفْدِيِّ مِنْ لِصٍّ أَخْذُهُ بِالْفِدَاءِ) . ابْنُ بَشِيرٍ: فِي رُجُوعِ مَنْ فَدَى مِنْ يَدِ لِصٍّ لِفِدَائِهِ عَلَى رَبِّهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: كَثِيرُ عُرُوضِ هَذِهِ النَّازِلَةِ بِإِقْلِيمِنَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِدَاءَهُ بِحَيْثُ يُرْجَى لِرَبِّهِ خَلَاصُهُ مِنْ اللِّصِّ بِأَمْرٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 590 مَا حِرْمَانُ فَادِيهِ. وَمَا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ إلَّا أَخْذَهُ بِالْفِدَاءِ وَسَيَأْتِي نَصٌّ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَرَجَعَ بِمِثْلِ الْمِثْلِيِّ ". (وَإِنْ أُسْلِمَ لِمُعَاوِضٍ مُدَبَّرٌ وَنَحْوُهُ اُسْتُوْفِيَتْ خِدْمَتُهُ ثُمَّ هَلْ يُتَّبَعُ إنْ عَتَقَ بِالثَّمَنِ أَوْ بِمَا بَقِيَ قَوْلَانِ) قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: فِي الْمُدَبَّرِ يَشْتَرِي مِنْ بَلَدِ الْحَرْبِ إنْ أَبَى سَيِّدُهُ أَنْ يَفْدِيَهُ خُدِمَ مَنْ صَارَ إلَيْهِ فِي الثَّمَنِ الَّذِي دُفِعَ فِيهِ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَحَمَلَهُ الثَّالِثُ فَإِنَّهُ يُعْتِقُ وَيُتْبِعُهُ مُشْتَرِيهِ بِمَا بَقِيَ لَهُ بَعْدَ أَنْ يُحَاسِبَهُ بِمَا اخْتَدَمَهُ بِهِ وَمَا اسْتَغَلَّ مِنْهُ، لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ هَذَا يُتَّبَعُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: صَوَابٌ وَذَكَرَ عَنْهُ ابْنُ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا يُحَاسِبُهُ بِشَيْءٍ مِمَّا اخْتَدَمَهُ وَيُتْبِعُهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ سَحْنُونَ. ابْنُ يُونُسَ: الْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ. قَالَ سَحْنُونَ: إذَا سَبَى فَفَدَاهُ رَجُلٌ مِنْ الْعَدُوِّ بِمَالٍ فَإِنْ شَاءَ سَيِّدُهُ فَدَاهُ بِذَلِكَ وَلَا يُحَاسِبُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَإِنْ أَسْلَمَهُ صَارَتْ جَمِيعُ خِدْمَتِهِ لِلَّذِي فَدَاهُ إلَى الْأَجَلِ، فَإِذَا أُعْتِقَ اتَّبَعَهُ بِجَمِيعِ مَا فَدَاهُ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يُحَاسِبُهُ بِالْخِدْمَةِ فَإِنْ بَقِيَ لَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ بِبُلُوغِ الْأَجَلِ شَيْءٌ اتَّبَعَهُ بِهِ. (وَعَبْدُ الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ حُرٌّ إنْ فَرَّ أَوْ بَقِيَ حَتَّى غَنِمَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَسْلَمَ مِنْ عَبِيدِ الْحَرْبِيِّينَ لَمْ يَزُلْ مِلْكُ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ الْعَبْدُ إلَيْنَا أَوْ نَدْخُلَ نَحْنُ بِلَادَهُمْ فَلْنَغْنَمْهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَسَيِّدُهُ مُشْرِكٌ فَيَكُونُ حُرًّا وَلَا يُرَدُّ لِسَيِّدِهِ إنْ أَسْلَمَ سَيِّدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. (لَا إنْ خَرَجَ بَعْدَ إسْلَامِ سَيِّدِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ خَرَجَ الْعَبْدُ إلَيْنَا مُسْلِمًا وَتَرَكَ سَيِّدَهُ مُسْلِمًا فَهُوَ لَهُ رُقَّ إنْ أَتَى. (وَهَدَمَ السَّبْيُ النِّكَاحَ إلَّا أَنْ تُسْبَى وَتُسْلِمَ بَعْدَهُ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالسَّبْيُ يَهْدِمُ النِّكَاحَ إلَّا إذَا سُبِيَتْ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَهُوَ حَرْبِيٌّ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ فَأَسْلَمَتْ فَإِنْ لَمْ تُسْلِمْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا أَمَةٌ كَافِرَةٌ وَهِيَ وَوَلَدُهَا وَمَالُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيْءٌ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فَانْظُرْ أَنْتَ لَفْظَ خَلِيلٍ مَعَ هَذَا، وَانْظُرْ فِي النِّكَاحِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقُرِّرَ عَلَيْهَا إنْ أَسْلَمَ ". قَالَ ابْنُ عَلَاقٍ: قَوْلُهُ: " السَّبْيُ يَهْدِمُ النِّكَاحَ " يَشْمَلُ ثَلَاثَ صُوَرٍ: أَنْ تُسْبَى الزَّوْجَةُ وَحْدَهَا وَيَبْقَى الزَّوْجُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَأَنْ يُسْبَى الزَّوْجُ أَوَّلًا ثُمَّ تُسْبَى هِيَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَنْ يُسْبَيَا مَعًا. وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ السَّبْيَ يَهْدِمُ النِّكَاحَ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: رَابِعُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ السَّبْيَ يَهْدِمُ النِّكَاحَ سُبِيَا مَعًا أَوْ مُفْتَرِقَيْنِ، فَكَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِهِمَا إذَا سُبِيَ أَحَدُهُمَا قَبْلُ ثُمَّ أَتَى الْآخَرُ بِأَمَانٍ، وَأَمَّا إنْ أَتَى أَحَدُهُمَا أَوَّلًا بِأَمَانٍ ثُمَّ سُبِيَ الثَّانِي فَلَا يَنْهَدِمُ النِّكَاحُ وَيُخَيَّرُ هُوَ إنْ كَانَ الَّذِي سُبِيَ بَعْدَ أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 591 قَدِمَتْ هِيَ بِأَمَانٍ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَأَقَامَ بِهَا أَوْ قَدِمَ إلَيْنَا مُسْلِمًا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ ثُمَّ سَبَى الْمُسْلِمُونَ زَوْجَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ الْإِسْلَامَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَهِيَ وَوَلَدُهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا وَجَمِيعُ مَا لِلزَّوْجِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيْءٌ لِذَلِكَ الْجَيْشِ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فَالنِّكَاحُ بَيْنَهُمَا ثَابِتٌ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكَذَا إنْ عَتَقَتْ. (وَوَلَدُهُ وَمَالُهُ فَيْءٌ مُطْلَقًا) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا يَمْنَعُهُ حَمْلٌ بِمُسْلِمٍ فِي الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَيْنَا فَغَزَا الْمُسْلِمُونَ بِلَادَهُ فَغَنِمُوا أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَوَلَدَهُ ". قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابُوا أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَمَالَهُ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ وَقَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْنَا خِلَافًا لِنَقْلِ التُّونِسِيِّ وَمُخْتَارِ اللَّخْمِيِّ. وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ بِبَلَدِهِ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِمْ فَإِنَّ مَالَهُ وَوَلَدَهُ فَيْءٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ سَحْنُونَ وَأَشْهَبُ: إنَّ وَلَدَهُ أَحْرَارٌ تَبَعٌ لَهُ، وَمَالُهُ وَامْرَأَتُهُ فَيْءٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ هَاجَرَ وَحْدَهُ وَتَرَكَ ذَلِكَ بِأَرْضِهِ وَمُقْتَضَى مَا لِابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ وَخَرَجَ إلَيْنَا فَمَالُهُ وَوَلَدُهُ فَيْءٌ لَوْ بَقِيَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَفِي كَوْنِهِ كَمَا لَوْ خَرَجَ قَوْلَا الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ: وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: مَالُ الْمُسْلِمِ الْمُقِيمِ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَالِ مَنْ أَسْلَمَ وَأَقَامَ بِدَارِ الْحَرْبِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: يَتَرَجَّحُ أَنْ يُحْكَمَ فِي مَالِ الْمُدْجِنِينَ بِقَوْلِ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ. وَلِأَنَّ مَالَ مَنْ أَسْلَمَ كَانَ مُبَاحًا قَبْلَ إسْلَامِهِ بِخِلَافِ مَالِ الْمُدْجِنِينَ. اُنْظُرْ قَبْلَ سَمَاعِ سَحْنُونٍ بِمَسْأَلَةٍ، فَقَوْلُهُ: " مُطْلَقًا " أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَدْ خَرَجَ إلَيْنَا أَوْ أَقَامَ بِبَلَدِهِ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَهَذَا خِلَافُ نَقْلِ التُّونِسِيِّ وَمُخْتَارِ اللَّخْمِيِّ. (لَا وَلَدٌ صَغِيرٌ لِكِتَابِيَّةٍ سُبِيَتْ أَوْ مُسْلِمَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا سَبَى الْعَدُوُّ حُرَّةً مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا ثُمَّ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ فَوَلَدُهَا الصِّغَارُ بِمَنْزِلَتِهَا لَا يَكُونُونَ فَيْئًا، وَأَمَّا الْكِبَارُ إذَا بَلَغُوا وَقَاتَلُوا فَهُمْ فَيْءٌ (وَهَلْ كِبَارُ الْمُسْلِمَةِ فَيْءٌ أَوْ إنْ قَاتَلُوا تَأْوِيلَانِ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ: حُكِيَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا بَلَغَ وَلَدُهَا وَلَمْ يُقَاتِلْ لَمْ يَكُنْ فَيْئًا حَتَّى يُقَاتِلَ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَقَالَ ابْنُ شَبْلُونَ: إذَا بَلَغُوا فَهُمْ فَيْءٌ قَاتَلُوا أَوْ لَمْ يُقَاتِلُوا (وَوَلَدُ الْأَمَةِ لِمَالِكِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ كَانَتْ الْمَسْبِيَّةُ أَمَةً كَانَ كَبِيرُ وَلَدِهَا وَصَغِيرُهُمْ لِسَيِّدِهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 592 [كِتَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَالْمُهَادَنَةِ] [أَرْكَانُ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَأَحْكَامُهُ] ابْنُ شَاسٍ: كِتَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَالْمُهَادَنَةِ. فَأَمَّا عَقْدُ الذِّمَّةِ فَيُنْظَرُ فِي أَرْكَانِهِ وَأَحْكَامِهِ. فَأَمَّا أَرْكَانُهُ فَخَمْسَةٌ: نَفْسُ الْعَقْدِ وَالْعَاقِدِ وَفِيمَنْ يَعْقِدُهُ لَهُ وَفِي الْبِقَاعِ وَفِي مِقْدَارِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ (عَقْدُ الْجِزْيَةِ إذْنُ الْإِمَامِ) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ أَرْكَانِ عَقْدِ الذِّمَّةِ الْعَاقِدُ وَهُوَ الْإِمَامُ فَلَوْ عَقَدَهُ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَصِحَّ لَكِنْ يَمْنَعُ الِاغْتِيَالَ. اُنْظُرْ تَعَقُّبَ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَيْهِ (لِكَافِرٍ صَحَّ سِبَاؤُهُ مُكَلَّفٍ حُرٍّ قَادِرٍ) . ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّالِثُ فِيمَنْ تُعْقَدُ لَهُ وَهُوَ كُلُّ كَافِرٍ ذَكَرٍ بَالِغٍ حُرٍّ قَادِرٍ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى دِينِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 593 لَيْسَ بِمَجْنُونٍ وَلَا بِمُتَرَهِّبٍ مُنْقَطِعٍ فِي دَيْرٍ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْجِزْيَةُ تُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس وَمِنْ الْعَجَمِ بِاتِّفَاقٍ، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَا مِنْ الْمُرْتَدِّينَ بِاتِّفَاقٍ. أَمَّا الْمُرْتَدُّونَ فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى دِينٍ يُقَرُّونَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» وَأَمَّا قُرَيْشٌ فَقِيلَ لِمَكَانِهِمْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَمَنْ دَانَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْعَرَبِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمَجُوسِ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ حَبِيبٍ، وَكَذَلِكَ ذَهَبَ أَيْضًا مَالِكٌ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ. أَبُو مُحَمَّدٍ عُمَرُ قَالَ مَالِكٌ: تُؤْخَذُ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالنِّيرَانِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَمَنْ ضَعُفَ عَنْهَا. ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ سُقُوطُهَا وَقِيلَ: إلَّا قَدْرَ مَا يَحْمِلُ. عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنْ ضَعُفَ عَنْهَا أَحَدٌ فَيُخَفَّفُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْبَغُ وَمُحَمَّدٌ: يُخَفَّفُ عَمَّنْ لَا يَقْدِرُ. وَبِذَلِكَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمْ فَإِنْ احْتَاجُوا فَاطْرَحُوهَا عَنْهُمْ فَإِنْ احْتَاجُوا فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِمْ وَأَسْلِفُوهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. (مُخَالِطٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: تُؤْخَذُ مِنْ الْعُقَلَاءِ الْمُخَالِطِينَ لِلْكُفَّارِ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ الْمَجَانِينِ وَلَا مِنْ الرُّهْبَانِ (لَمْ يُعْتِقْهُ مُسْلِمٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا جِزْيَةَ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ وَلَوْ جُعِلَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ كَانَ الْعِتْقُ أَضَرَّ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أَعْتَقَهُ ذِمِّيٌّ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ الْجِزْيَةُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عَبِيدِ النَّصَارَى إذَا تَجَرُوا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ الْعُشْرُ (بِسُكْنَى غَيْرِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَا يُقَرُّ كَافِرٌ وَلَوْ بِجِزْيَةٍ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ لِإِجْلَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 594 عُمَرَ مِنْهَا كُلَّ كَافِرٍ. اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي مُسَمًّى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ قَالَ مَالِكٌ: مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَنُ وَأَرْضُ الْعَرَبِ. قَالَ عِيسَى: وَيُخْرَجُ الْعَبِيدُ كَمَا يُخْرَجُ الْأَحْرَارُ. وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: لَا يُخْرَجُ الْعَبِيدُ (وَلَهُمْ الِاجْتِيَازُ) الْبَاجِيُّ: لَا يُمْنَعُونَ مِنْهَا مُسَافِرِينَ لِدُخُولِهِمْ إيَّاهَا بِجَلْبِهِمْ الطَّعَامَ مِنْ الشَّامِ إلَى الْمَدِينَةِ وَضَرَبَ لَهُمْ عُمَرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَسْتَوْفُونَ وَيُسِرُّونَ فِي حَوَائِجِهِمْ (بِمَالٍ لِلْعَنَوِيِّ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فِي سَنَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: الْجِزْيَةُ الْعَنْوِيَّةُ هِيَ الَّتِي تُوضَعُ عَلَى الْمَغْلُوبِينَ عَلَى بِلَادِهِمْ الْمُقَرِّينَ فِيهَا لِعِمَارَتِهَا فَإِنَّهَا عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى مَا فَرَضَهَا عُمَرُ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَإِنْ كَثُرَ يُسْرُهُمْ فَلَا يُزَادُونَ. [حَدُّ وُجُوبِ الْجِزْيَةِ] (وَالظَّاهِرُ آخِرُهَا) ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ وُجُوبِ الْجِزْيَةِ فَقِيلَ: إنَّهَا تَجِبُ بِأَوَّلِ الْحَوْلِ حِينَ تُعْقَدُ لَهُمْ الذِّمَّةُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ أَوَّلِ كُلِّ حَوْلٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقِيلَ: إنَّهَا لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 595 تَجِبُ إلَّا بِآخِرِ الْحَوْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَلَيْسَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ نَصٌّ، وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّهَا تَجِبُ بِآخِرِ الْحَوْلِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ سَنَةً بِسَنَةٍ جَزَاءً عَلَى تَأْمِينِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْجِزْيَةِ الصُّلْحِيَّةِ إذَا وَقَعَتْ مُبْهَمَةً مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ كَمَا ذَكَرْنَا (وَنُقِّصَ الْفَقِيرُ بِوُسْعِهِ) هَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ يُونُسَ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " قَادِرٍ " (وَلَا تُزَادُ) تَقَدَّمَ نَصُّ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَإِنْ كَثُرَ يُسْرُهُمْ فَلَا يُزَادُونَ (وَلِلصُّلْحِيِّ مَا شَرَطَ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا حَدَّ لِلْجِزْيَةِ الصُّلْحِيَّةِ إذْ لَا يُجْبَرُونَ عَلَيْهَا وَلِأَنَّهُمْ مَنَعُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ حَتَّى صَالَحُوا عَلَيْهَا فَإِنَّمَا هِيَ عَلَى مَا يُرَاضِيهِمْ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ عَلَى أَنْ يُقَرُّوا فِي بِلَادِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ إذَا كَانُوا بِحَيْثُ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ وَتُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا يَلْزَمُ أَهْلَ الْحَرْبِ الرِّضَا بِهِ لِأَنَّهُمْ مَالِكُونَ لِأَمْرِهِمْ وَأَنَّ لِأَقَلِّهَا حَدًّا إذَا بَذَلُوهُ لَزِمَ الْإِمَامَ قَبُولُهُ وَحَرُمَ عَلَيْهِ قِتَالُهُمْ. وَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدِي أَنَّ أَقَلَّهَا مَا فَرَضَ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الْعَنْوَةِ فَإِذَا بَذَلَ ذَلِكَ أَهْلُ الْحَرْبِ فِي الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوهُ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ لَزِمَ الْإِمَامَ قَبُولُهُ وَحَرُمَ عَلَيْهِ قِتَالُهُمْ وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمْ فِي الصُّلْحِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ (وَإِنْ أُطْلِقَ فَكَالْأَوَّلِ) ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ صَالَحُوا عَلَى الْجِزْيَةِ مُبْهَمَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَلَا تَحْدِيدٍ وَجَبَتْ لَهُمْ الذِّمَّةُ وَحُمِلُوا فِي الْجِزْيَةِ مَحْمَلَ أَهْلِ الْعَنْوَةِ فِي جَمِيعِ وُجُوهِهَا (وَالظَّاهِرُ إنْ بَذَلَ الْأَوَّلَ حَرُمَ قِتَالُهُ مَعَ الْإِهَانَةِ عِنْدَ أَخْذِهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: عِنْدِي إذَا بَذَلَ مَا فَرَضَ عُمَرُ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ حَرُمَ قِتَالُهُمْ. (وَسَقَطَتَا بِالْإِسْلَامِ) ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ فِيمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ وُجُوبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ أَنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِ. وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ: وَإِذَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ الذِّمِّيِّ الْجِزْيَةُ سَنَةً حَتَّى أَسْلَمَ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي أَهْلِ حِصْنٍ هُودِنُوا ثَلَاثَ سِنِينَ عَلَى أَنْ يُعْطُوا الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا مَعْلُومًا فَأَعْطَوْهُمْ سَنَةً وَاحِدَةً ثُمَّ أَسْلَمُوا: إنَّهُ يُوضَعُ عَنْهُمْ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْمَالُ الَّذِي هُودِنُوا عَلَيْهِ مِثْلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 596 الْجِزْيَةِ (كَأَرْزَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِضَافَةِ الْمُجْتَازِ ثَلَاثًا لِلظُّلْمِ فَقَطْ) مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ: أَرَى إسْقَاطَ مَا فَرَضَهُ عُمَرُ مَعَ ذَلِكَ مِنْ أَرْزَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَضِيَافَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَفِّ لَهُمْ. الْبَاجِيُّ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَازِمَةٌ مَعَ الْوَفَاءِ. سَحْنُونَ: لَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ شَيْءٌ إلَّا عَنْ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ إلَّا الضِّيَافَةُ الَّتِي وَضَعَهَا عُمَرُ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ إلْزَامُهُمْ الضِّيَافَةَ. قَالَ سَحْنُونَ: وَكَانَ عُمَرُ فَرَضَ عَلَيْهِمْ أَرْزَاقَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْحِنْطَةِ مُدَّانِ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ فِي الشَّهْرِ مَعَ ثَلَاثَةِ أَقْسَاطٍ مِنْ الزَّيْتِ مِمَّنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ. وَأَمَّا أَهْلُ مِصْرَ فَإِرْدَبٌّ مِنْ حِنْطَةٍ كُلَّ شَهْرٍ وَلَا أَدْرِي كَمْ مِنْ الْوَدَكِ وَالْعَسَلِ وَكِسْوَةٍ كَانَ عُمَرُ يَكْسُوهَا لِلنَّاسِ وَعَلَى أَنْ يُضَيِّفُوا مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَعَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا كُلَّ شَهْرٍ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ وَكِسْوَةٌ مَعْرُوفَةٌ لَا أَعْرِفُ قَدْرَهَا كَانَ يَكْسُوهَا عُمَرُ لِلنَّاسِ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا تَعَدَّى عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ وَأَخَذَ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا فَرَضَ عُمَرُ سَقَطَتْ عَنْهُمْ الضِّيَافَةُ وَلَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْتَضِيفَهُمْ وَلَا يَأْكُلَ لَهُمْ شَيْئًا. وَانْظُرْ لَمْ يَذْكُر مَا يَلْزَمُهُمْ إذَا تَجَرُوا مِنْ أُفْقٍ إلَى أُفْقٍ لَا شَكَّ أَنَّهُ سَهَا عَنْهُ. (وَالْعَنَوِيُّ حُرٌّ) مِنْ سَمَاعِ عِيسَى سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ نِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ أُخِذُوا عَنْوَةً، مِثْلُ أَهْلِ مِصْرَ، هَلْ يَحِلُّ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَى شُعُورِهِنَّ؟ قِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ هُنَّ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَاءِ؟ قَالَ: لَا بَلْ هُنَّ أَحْرَارٌ لِأَنَّ دِيَةَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُنَّ خَمْسُمِائَةٍ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُنَّ كَانَ حُرًّا فَهُنَّ أَحْرَارٌ يَحْرُمُ مِنْهُنَّ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْأَحْرَارِ. ابْنُ رُشْدٍ: حَكَمَ لِأَهْلِ الْعَنْوَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِحُكْمِ الْأَحْرَارِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ جَعَلَ إقْرَارَهُمْ فِي الْأَرْضِ لِعِمَارَتِهَا مِنْ نَاحِيَةِ الْمَنِّ الَّذِي قَالَ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا} [محمد: 4] وَالْمَنُّ الْعَتَاقَةُ. فَعَلَى هَذَا تَكُونُ لَهُمْ أَمْوَالُهُمْ إذَا أَسْلَمُوا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ. وَسَمِعَ يَحْيَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْعَنْوَةِ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ. قِيلَ: كَيْفَ يُعْرَفُ إنْ كَانَ تَرَكَ وَارِثًا أَوْ لَا وَفَرَائِضُهُمْ مُخَالِفَةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 597 لِفَرَائِضِنَا؟ فَقَالَ: يُرَدُّ ذَلِكَ إلَى أَسَاقِفَتِهِمْ فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ يَرِثُهُ فِي دِينِنَا أَخِذَ مِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ قَالُوا تَرِثُهُ عَمَّتُهُ أَوْ خَالَتُهُ أَوْ ذَاتُ رَحِمٍ مِنْهُ فَذَلِكَ إلَيْهِمْ بِدَيْنُونَةٍ. الْبَاجِيُّ: هَذَا طَرِيقُهُ الْخَبَرُ كَإِخْبَارِهِمْ فِيمَا يَعْلَمُونَهُ مِنْ الْأَدْوَاءِ كَتَرْجَمَتِهِمْ عَلَى الْأَلْسِنَةِ الَّتِي لَا نَعْرِفُهَا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا يَأْتِي عَلَى رِوَايَةِ عِيسَى أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ وَلَا يُنْظَرُ إلَى شُعُورِ نِسَائِهِمْ. وَيَلْزَمُ عَلَى قِيَاسِ هَذَا أَنْ لَا يُمْنَعُوا مِنْ هِبَةِ أَمْوَالِهِمْ وَالصَّدَقَةِ بِهَا وَأَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَنْ لَا يُمْنَعُوا مِنْ الْوَصَايَا بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَارِثٌ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ وَكَانَ مِيرَاثُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ. وَسَمِعَ سَحْنُونَ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَسْلَمَ أَهْلُ الْعَنْوَةِ أَخَذَ مِنْهُمْ دَرَاهِمَهُمْ وَعَبِيدَهُمْ وَكُلَّ مَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ مَأْذُونٌ لَهُمْ فِي التَّجْرِ وَمَا أُحِبُّ تَزْوِيجَ بَنَاتِهِمْ وَإِنِّي لَأَتَّقِيهِ وَمَا أَرَاهُ حَرَامًا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا عَلَى أَنَّهُمْ فِي حُكْمِ الْعَبِيدِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا أَسْلَمُوا كَانَ لَهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَمْ تُنْتَزَعْ مِنْهُمْ وَهُوَ الْآتِي عَلَى سَمَاعِ عِيسَى أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ. وَتَفْرِقَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَبَيْنَ مَا اسْتَفَادُوهُ بَعْدَ الْفَتْحِ لَيْسَ جَارِيَةً عَلَى قِيَاسٍ. اُنْظُرْ الْأَسْمِعَةَ الثَّلَاثَةَ فَفِيهَا طُولٌ (وَإِنْ مَاتَ أَوْ أَسْلَمَ فَالْأَرْضُ فَقَطْ لِلْمُسْلِمِينَ) مَالِكٌ: مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْعَنْوَةِ لَمْ تَكُنْ أَرْضُهُ لَهُ وَلَا مَالُهُ وَلَا دَارُهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْجِزْيَةُ. ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ مَالَهُ الَّذِي اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْفَتْحِ فَأَسْلَمَ فَإِنَّهُ لَهُ قَالَهُ مَالِكٌ. انْتَهَى مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ فَانْظُرْهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ. (وَفِي الصُّلْحِ إنْ أُجْمِلَتْ فَلَهُمْ أَرْضُهُمْ وَالْوَصِيَّةُ بِمَالِهِمْ وَوَرِثُوهَا) ابْنُ رُشْدٍ: الْجِزْيَةُ الصُّلْحِيَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فَإِنْ كَانَتْ مُجْمَلَةً عَلَيْهِمْ فَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّ أَرْضَهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَالِهِمْ يَبِيعُونَهَا وَيَرِثُونَهَا وَيَقْتَسِمُونَهَا وَتَكُونُ لَهُمْ إنْ أَسْلَمُوا عَلَيْهَا، وَإِنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ وَلَا وَارِثَ لَهُ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ فَأَرْضُهُ وَمَالُهُ لِأَهْلِ مُؤَدَّاهُ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْوَصَايَا وَإِنْ أَحَاطَتْ بِأَمْوَالِهِمْ إذْ لَا يُنْقِصُونَ شَيْئًا مِنْ الْجِزْيَةِ لِمَوْتِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ. وَكَذَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ الْجِزْيَةَ إذَا كَانَتْ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 598 الْجَمَاجِمِ وَمَنْ مَاتَ سَقَطَتْ عَنْهُ، فَهَذَا إنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ يَكُونُ مَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَالِ الْمُرْتَدِّ (وَإِنْ فُرِّقَتْ عَلَى الرِّقَابِ فَهِيَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَمُوتَ بِلَا وَارِثٍ فَلِلْمُسْلِمِينَ وَوَصِيَّتُهُمْ فِي الثُّلُثِ) ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ كَانَتْ مُفَرَّقَةً عَلَى رِقَابِهِمْ دُونَ الْأَرْضِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُمْ أَرْضَهُمْ وَمَالَهُمْ يَبِيعُونَ وَيَرِثُونَ وَتَكُونُ لَهُمْ إنْ أَسْلَمُوا عَلَيْهَا. وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَا وَارِثَ لَهُ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ فَأَرْضُهُ وَمَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ إلَّا فِي ثُلُثِ مَالِهِ (وَإِنْ فُرِّقَتْ عَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِمَا فَلَهُمْ بَيْعُهَا وَخَرَاجُهَا عَلَى الْبَائِعِ) ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ كَانَتْ الْجِزْيَةُ عَلَى الْجَمَاجِمِ وَالْأَرْضِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ دُونَ الْجَمَاجِمِ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ جَائِزٌ وَيَكُونُ الْخَرَاجُ عَلَى الْبَائِعِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ أَشْهَبَ: أَنَّ الْخَرَاجَ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ. الْبَاجِيُّ: وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْخَرَاجَ إنَّمَا هُوَ سَبَبُ الْأَرْضِ لِأَنَّهَا لَوْ اسْتَعْذَرَتْ أَوْ تَلِفَتْ لَسَقَطَ الْخَرَاجُ فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ الْخَرَاجُ مَعَهَا، وَقَدْ كَانَ الْعَمَلُ بِالْأَنْدَلُسِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَرَ الْمَنْصُورُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ بِالْأَخْذِ بِقَوْلِ أَشْهَبَ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ يَهْلِكُ مِنْ غَيْرِ مَالٍ أَوْ يَخْرُجُ مِنْ الْبَلَدِ فَيُرِيدُ ابْتِيَاعَ الْأَرْضِ بِمَا عَلَيْهَا، وَقَدْ أَلْحَقَ أَهْلُ بَلَدِنَا بِذَلِكَ مَا لَزِمَ أَرْضَ الْإِسْلَامِ مِنْ وَظَائِفِ الظُّلْمِ لِلسَّلَاطِينِ فَأَجْرَوْهَا مَجْرَاهَا وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ هَذِهِ الْوَظَائِفَ مَظْلِمَةٌ لَيْسَتْ بِحَقٍّ ثَابِتٍ، وَمَنْ أَمْكَنَهُ دَفْعُهَا عَنْ نَفْسِهِ بِفِرَارٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَأْثَمْ بِذَلِكَ. وَخَرَاجُ أَهْلِ الصُّلْحِ لَا يَحِلُّ لَهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسٍ وَإِنَّمَا مِثْلُ الْمَظَالِمِ الْمُوَظَّفَةِ عَلَى الْأَرْضِ، مِثْلُ ابْتِيَاعِ الثِّيَابِ فِي بَلَدٍ يَلْزَمُ الْمُبْتَاعَ الْمَكْسُ فِي كُلِّ مَا يَبْتَاعُ مِنْهُ، فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ التَّبَايُعِ. كَذَلِكَ مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً فِي طَرِيقٍ يُؤْخَذُ فِيهَا عَنْ كُلِّ دَابَّةٍ مَكْسٌ وَرُبَّمَا خَفِيَ أَمْرُهُ فَسَلَّمَ فَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْكِرَاءِ. (وَلِلْعَنَوِيِّ إحْدَاثُ كَنِيسَةٍ إنْ شَرَطَ وَإِلَّا فَلَا) اُنْظُرْ كِتَابَ الْجُعْلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَانْظُرْ فِي الْأَخِيرِ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ. اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ إحْدَاثِ الْكَنَائِسِ فِي بَلْدَةٍ بَنَاهَا الْمُسْلِمُونَ وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكْنَا رَقَبَةَ بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِهِمْ قَهْرًا وَسَكَنَهَا الْمُسْلِمُونَ مَعَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا أَعْطَوْا ذَلِكَ، وَيَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَرْضِ الصُّلْحِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 599 وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ مُسْلِمُونَ. وَعَبَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَفِي جَوَازِ إحْدَاثِ ذَوِي الذِّمَّةِ الْكَنَائِسَ بِبَلَدِ الْعَنْوَةِ الْمُقَرِّ بِهَا أَهْلُهَا وَفِيمَا اخْتَطَّهُ الْمُسْلِمُونَ فَسَكَنُوهُ مَعَهُمْ وَتَرَكَهَا إنْ كَانَتْ ثَالِثَهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: تُتْرَكُ وَلَا تُحْدَثُ إلَّا أَنْ يَكُونُوا أَعْطَوْا ذَلِكَ (كَرْمَ الْمُنْهَدِمِ وَلِلصُّلْحِيِّ الْإِحْدَاثُ) ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَجُوزُ لَهُمْ الْإِحْدَاثُ بِأَرْضِ الصُّلْحِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا مَعَهُمْ مُسْلِمُونَ وَإِلَّا فَفِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ: الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْقَوْلُ بِالْمَنْعِ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ قَائِلًا: وَيُمْنَعُونَ مِنْ رَمِّ قَدِيمِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فَيُوَفَّى وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ لِلصُّلْحِيِّ الْإِحْدَاثَ كَرْمَ الْمُنْهَدِمِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَدَّمَ الْمَخْرَجَ وَأَخَّرَ (وَبَيْعُ عَرْصَتِهَا أَوْ حَائِطِهِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ بَاعَ الْأُسْقُفُ عَرْصَةً مِنْ الْكَنِيسَةِ أَوْ حَائِطًا جَازَ ذَلِكَ إنْ كَانَ الْبَلَدُ صُلْحًا وَلَمْ يَجُزْ إنْ كَانَ الْبَلَدُ عَنْوَةً. ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا أَرْضُ الْعَنْوَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئًا لِأَنَّ جَمِيعَهَا فَيْءٌ لِلَّهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْكَنَائِسُ وَغَيْرُهَا. وَأَمَّا أَرْضُ الصُّلْحِ فَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَرْضِ الْكَنِيسَةِ تَكُونُ عَرْصَةَ الْكَنِيسَةِ أَوْ حَائِطًا فَيَبِيعُ ذَلِكَ أُسْقُفُ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَهُوَ النَّاظِرُ وَالْقَائِمُ عَلَيْهَا، هَلْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَعَمَّدَ الشِّرَاءَ؟ فَأَجَازَ ذَلِكَ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَمَنَعَهُ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ. وَالْوَجْهُ إنْ أَرَادَ مِنْ حَبْسِهَا إبْقَاءَهَا وَأَرَادَ الْأُسْقُفُ بَيْعَهَا لَزِمَ الْكَنِيسَةَ أَوْ لِخَرَاجِهِمْ وَرَضِيَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ. اُنْظُرْهُ فِيهِ وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ (لَا بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ إلَّا لِمَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ) فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: لَمَّا أَمَرَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ بِنَقْلِ النَّصَارَى الْمُعَاهَدِينَ مِنْ الْأَنْدَلُسِ لِلْعُدْوَةِ الْأُخْرَى خَوْفًا مِنْ دَاخَلْتِهِمْ. اسْتَفْتَى الْعُلَمَاءَ فَأَجَابَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْوَاجِبُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 600 أَنْ يُبَاحَ لَهُمْ بُنْيَانُ بِيعَةٍ وَاحِدَةٍ لِإِقَامَةِ شَرْعِهِمْ وَيُمْنَعُونَ مِنْ ضَرْبِ النَّوَاقِيسِ فِيهَا. قَالَ: وَهَذَا هُوَ وَجْهُ الْحُكْمِ. (وَمُنِعَ رُكُوبُ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالسُّرُوجِ وَجَادَّةِ الطَّرِيقِ) ابْنُ عَرَفَةَ: السِّيرَةُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ الْوَفَاءُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ. ابْنُ شَاسٍ: يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ رُكُوبَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ النَّفِيسَةِ لَا الْحَمِيرُ وَلَا يَرْكَبُونَ السُّرُوجَ بَلْ عَلَى الْأَكُفِّ عَرْضًا. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا لَقِيتُمُوهُمْ بِطَرِيقٍ فَالْجِئُوهُمْ إلَى أَضْيَقِهَا. قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَذِلُّوهُمْ وَلَا تَظْلِمُوهُمْ (وَأُلْزِمَ بِلُبْسٍ يُمَيَّزُ بِهِ وَعُزِّرَ لِتَرْكِ الزُّنَّارِ) سَحْنُونَ: تَوَاتَرَتْ الْأَحَادِيثُ بِالنَّهْيِ عَنْ ظُلْمِهِمْ وَلَا يَتَشَبَّهُونَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي زِيِّهِمْ وَيُؤَدَّبُونَ عَلَى تَرْكِ الزَّنَانِيرِ. (وَإِظْهَارِ السُّكْرِ وَمُعْتَقِدِهِ) ابْنُ حَبِيبٍ: يُمْنَعُ الذِّمِّيُّونَ السَّاكِنُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إظْهَارَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَتُكْسَرُ إنْ ظَهَرْنَا عَلَيْهَا وَيُؤَدَّبُ السَّكْرَانُ مِنْهُمْ. وَإِنْ أَظْهَرُوا صُلْبَهُمْ فِي أَعْيَادِهِمْ وَاسْتِسْقَائِهِمْ كُسِرَتْ وَأُدِّبُوا وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ (وَبَسْطِ لِسَانِهِ) . ابْنُ شَاسٍ: عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ كَفُّ اللِّسَانِ فَإِنْ أَظْهَرُوا مُعْتَقَدَهُمْ فِي الْمَسِيحِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى مُسْلِمٍ عَزَّرْنَاهُمْ وَلَا يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ (وَأُرِيقَتْ الْخَمْرُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ: تُكْسَرُ إنْ ظَهَرْنَا عَلَيْهَا. (وَكُسِرَ النَّاقُوسُ) تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّلِيبَ هُوَ الَّذِي يُكْسَرُ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَلَا يَرْفَعُوا أَصْوَاتَ نَوَاقِيسِهِمْ وَلَا أَصْوَاتَهُمْ بِالْقِرَاءَةِ فِي حَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ. (وَيُنْتَقَضُ بِقِتَالٍ وَمَنْعِ جِزْيَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: اتَّفَقَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى اتِّبَاعِ قَوْلِهِ فِي أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ وَمَنَعُوا الْجِزْيَةَ وَخَرَجُوا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ حَرْبًا وَعْدًا فَيُسْبَوْنَ وَيُقْتَلُونَ إلَّا عَلَى شُرُوطِ أَشْهَبَ، وَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَصَحُّ فِي النَّظَرِ وَذَلِكَ كَالصُّلْحِ يَنْعَقِدُ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى شُرُوطٍ، فَإِذَا لَمْ يُوفُوا بِهَا انْتَقَضَ الصُّلْحُ، وَكَمَنْ اكْتَرَى دَارًا مُشَاهَرَةً فَإِذَا مُنِعَ مِنْ الْكِرَاءِ أُخْرِجَ مِنْ الدَّارِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ هَرَبُوا لَيْلًا إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فَأَدْرَكَتْهُمْ خَيْلُ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ دَخَلُوا أَرْضَ الْحَرْبِ فَادَّعَوْا أَنَّ هُرُوبَهُمْ خَوْفًا مِنْ التَّظَلُّمِ وَكَانُوا مُجَاوِرِينَ لِقَوْمٍ مِنْ الْعَرَبِ أَهْلِ ظُلْمٍ لِمَنْ جَاوَزَهُمْ: أَرَى أَنْ يُصَدَّقُوا وَيَرُدُّوا إلَى جِزْيَتِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ عَلَيْهِمْ ظُلْمَ الَّذِينَ هَرَبُوا مِنْهُمْ أَوْ ظُلْمَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَشْبَاهِهِمْ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُمْ يَسِيرُونَ حَيْثُ أَحَبُّوا إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَغَيْرِهَا. قَالَ أَصْبَغُ: وَإِنْ أُشْكِلَ أَمْرُهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 601 فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَلَا يُسْتَحَلُّوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ نَقَضُوا أَشَرًا عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ مِنْ تَحْتِ إمَامٍ عَدْلٍ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ أَصْبَغَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَتَمَرُّدٍ عَلَى الْأَحْكَامِ) ابْنُ شَاسٍ: يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ بِالتَّمَرُّدِ عَلَى الْأَحْكَامِ وَمَنْعِ الْجِزْيَةِ. (وَغَصْبِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ) قَتَلَ عُمَرُ نَصْرَانِيًّا اغْتَصَبَ مُسْلِمَةً. ابْنُ حَبِيبٍ: وَصَدَاقُهَا فِي مَالِهِ وَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ لَا أَبِ لَهُ وَلَوْ أَسْلَمَ غَاصِبُهَا لَمْ يُقْتَلْ لِأَنَّ قَتْلَهُ لِلنَّقْضِ لَا لِلزِّنَا. وَقَالَهُ أَصْبَغُ: اللَّخْمِيِّ: وَوَطْؤُهُ الْأَمَةَ الْمُسْلِمَةَ بِمِلْكٍ أَوْ زِنًا غَيْرُ نَقْضٍ إنْ طَاوَعَتْهُ وَإِلَّا فَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذْ لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ (وَغُرُورِهَا) اللَّخْمِيِّ: وَطْؤُهُ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ إنْ كَانَ زِنًا طَوْعًا مِنْهَا فَفِي كَوْنِهِ نَقْضًا قَوْلَا رَبِيعَةَ، وَإِنْ كَانَ بِنِكَاحٍ فَغَيْرُ نَقْضٍ مُطْلَقًا. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: إنْ غَرَّهَا فَنَقْضٌ وَيُضْرَبُ عُنُقُهُ (وَتَطَلُّعِ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ) سَحْنُونَ: إنْ وَجَدْنَا بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ ذِمِّيًّا كَاتَبَ لِأَهْلِ الشِّرْكِ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ قُتِلَ لِيَكُونَ نَكَالًا لِغَيْرِهِ، وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقَتْلُ عَيْنٍ وَإِنْ أَمِنَ ". (وَسَبِّ نَبِيٍّ بِمَا لَمْ يُكَفَّرُوا بِهِ قَالُوا كَلَيْسَ بِنَبِيٍّ أَوْ لَمْ يُرْسَلْ أَوْ لَمْ يُنْزَلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ أَوْ تَقَوَّلَهُ أَوْ عِيسَى خَلَقَ مُحَمَّدًا أَوْ مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ بِالْجَنَّةِ مَالَهُ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسَهُ حِينَ أَكَلَتْهُ الْكِلَابُ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ تَعَرَّضَ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - بِالسَّبِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ. وَمِنْ آخِرِ كِتَابِ الشِّفَاءِ لِعِيَاضٍ مَا نَصُّهُ: الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ سَابِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَثَانِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ فُصُولًا إلَى أَنْ قَالَ فِي رَابِعِ فَصْلٍ مِنْهَا: هَذَا حُكْمُ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ إذَا صَرَّحَ بِسَبِّهِ أَوْ عَرَّضَ أَوْ وَصَفَهُ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ فَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي قَتْلِهِ إنْ لَمْ يُسْلِمْ. قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ فِيمَنْ شَتَمَ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ: قُتِلَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي ذِمِّيٍّ قَالَ: إنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُرْسَلْ إلَيْنَا وَإِنَّمَا أُرْسِلَ إلَيْكُمْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ سَبَّ فَقَالَ: لَيْسَ بِنَبِيٍّ أَوْ لَمْ يُرْسَلْ أَوْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ تَقَوَّلَهُ وَنَحْوُ هَذَا فَيُقْتَلُ. وَقَالَ أَبُو الْمُصْعَبِ فِي نَصْرَانِيٍّ قَالَ عِيسَى خَلَقَ مُحَمَّدًا قَالَ: يُقْتَلُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي نَصْرَانِيٍّ قَالَ مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ بِالْجَنَّةِ مَالَهُ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسَهُ إذَا كَانَتْ الْكِلَابُ تَأْكُلُ سَاقَيْهِ قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُهُ (وَقُتِلَ إنْ لَمْ يُسْلِمْ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ فِي نَصِّ مَنْ غَصَبَ مُسْلِمَةً إنْ أَسْلَمَ لَمْ يُقْتَلْ. عِيَاضٌ: وَلَا خِلَافَ فِي قَتْلِهِ إنْ لَمْ يُسْلِمْ. وَتَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ: إنْ تَعَرَّضَ بِالسَّبِّ قُتِلَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ (وَإِنْ خَرَجَ لِدَارِ الْحَرْبِ وَأُخِذَ اُسْتُرِقَّ إنْ لَمْ يَظْلِمْ وَإِلَّا فَلَا) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَتَمَرُّدٍ عَلَى الْأَحْكَامِ " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 602 (كَمُحَارَبَتِهِ) فِيهَا: حِرَابَةٌ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَحِرَابَةِ الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا لِابْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ يُقْتَلُ لِأَنَّهَا نَقْضُ عَهْدٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: حُكْمُ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْحِرَابَةِ مَا وَصَفْنَا فِي الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ. (وَإِنْ ارْتَدَّ جَمَاعَةٌ وَحَارَبُوا فَكَالْمُرْتَدِّينَ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: إنْ مَنَعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْجِزْيَةَ قُوتِلُوا وَسُبُوا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي حِصْنِ مُسْلِمِينَ ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ وَيُقَاتَلُونَ وَأَمْوَالُهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا نَسْبِي ذَرَارِيّهِمْ. وَقَالَ أَشْهَبُ: أَهْلُ الذِّمَّةِ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا سَوَاءٌ لَا تُسْبَى ذَرَارِيّهِمْ وَلَا أَمْوَالُهُمْ وَيُقَرُّونَ عَلَى جِزْيَتِهِمْ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَمْوَالُهُمْ فَيْءٌ أَيْ لَا تَكُونُ غَنِيمَةً لِلْجَيْشِ الَّذِي قَاتَلَهُمْ لِأَنَّ حُكْمَ أَمْوَالِهِمْ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي قَوْلِهِ: إنَّ ذَرَارِيّهِمْ لَا يُسْبَوْنَ " حُكْمُ مَالِ الْمُرْتَدِّ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ يَكُونُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةُ السَّلَفِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: تُسْبَى ذَرَارِيّهِمْ وَتُقْسَمُ أَمْوَالُهُمْ عَلَى حُكْمِ النَّاقِضِينَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَهَذَا الَّذِي خَالَفَتْ فِيهِ سِيرَةُ عُمَرَ سِيرَةَ أَبِي بَكْرٍ فِي الَّذِينَ ارْتَدُّوا مِنْ الْعَرَبِ سَارَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ سِيرَةَ النَّاقِضِينَ فَسَبَى النِّسَاءَ وَالصِّغَارَ وَجَرَتْ الْمَقَاسِمُ فِي أَمْوَالِهِمْ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بَعْدَهُ نَقَضَ ذَلِكَ وَسَارَ فِيهِمْ سِيرَةَ الْمُرْتَدِّينَ، أَخْرَجَهُمْ مِنْ الرِّقِّ وَرَدَّهُمْ إلَى عَشَائِرِهِمْ وَإِلَى الْجِزْيَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: حَكَى هَذَا ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالُوا: إنَّ الْقَاضِيَ لَا يَرُدُّ مَا قَضَى بِهِ غَيْرُهُ قَبْلَهُ بِاجْتِهَادِهِ فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ. وَقَوْلُ أَشْهَبَ: " إنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ وَأَهْلَ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ " خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ، لِأَنَّ الْمُرْتَدِّينَ أَحْرَارٌ مِنْ أُصُولِهِمْ وَالْمُعَاهَدِينَ لَمْ تَتِمَّ حُرِّيَّتُهُمْ بِالْمُعَاهَدَةِ وَإِنَّمَا كَانَتْ عِصْمَةً لَهُمْ مِنْ الْقِتَالِ فَإِذَا نَقَضُوهَا رَجَعُوا إلَى الْأَصْلِ فَحَلَّ دَمُهُمْ وَسَبَاؤُهُمْ. وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ فِي الْمُتَنَصِّرِ يُصِيبُ دِمَاءَ النَّاسِ وَأَمْوَالَهُمْ ثُمَّ يُؤْسَرُ فَيَتَشَهَّدُ فَقَالَ: يَصْدُرُ عَنْهُ مَا أَصَابَ فِي ارْتِدَادِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ كَالْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ تَنَصُّرُهُ مُجُونًا وَفِسْقًا. ابْنُ عَرَفَةَ: تَلْقِينُ الشَّيْخِ وَابْنِ رُشْدٍ: مَا حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ عُمَرَ بِالْقَبُولِ وَفِي ذَلِكَ عِنْدِي نَظَرٌ لِمَا ذَكَرَهُ الرَّاوِيَةُ الْعَدْلُ أَبُو الرَّبِيعِ فِي اكْتِفَائِهِ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ. [عَقْدِ الْمُهَادَنَة وَشُرُوطهَا] (وَلِلْإِمَامِ الْمُهَادَنَةُ لِمَصْلَحَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُهَادَنَةُ وَهِيَ الصُّلْحُ عَقْدُ الْمُسْلِمِ مَعَ الْحَرْبِيِّ عَلَى الْمُسَالَمَةِ مُدَّةً لَيْسَ هُوَ فِيهَا تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ. فَخَرَجَ الْأَمَانُ وَالِاسْتِئْمَانُ وَشَرْطُهَا أَنْ يَتَوَلَّاهَا الْإِمَامُ لَا غَيْرُهُ سَحْنُونَ: تُكْرَهُ مِنْ السَّرَايَا وَالْإِمَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوْهِينِ الْجِهَادِ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَإِنْ نَزَلَ بِغَيْرِهَا مَضَى (إنْ خَلَا عَنْ كَشَرْطِ بَقَاءِ مُسْلِمٍ) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ شَرْطِ الْمُهَادَنَةِ الْخُلُوُّ مِنْ شَرْطٍ فَاسِدٍ كَشَرْطِ تَرْكِ مُسْلِمٍ فِي أَيْدِيهِمْ. الْمَازِرِيُّ: وَلَوْ تَضَمَّنَتْ الْمُهَادَنَةُ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ مُسْلِمًا وَفِي لَهُمْ بِذَلِكَ فِي الرِّجَالِ لِرَدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا جَنْدَلٍ وَأَبَا بَصِيرٍ، وَلَا يُوَفِّي بِذَلِكَ بِرَدِّ النِّسَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] ابْنُ شَاسٍ: لَا يَحِلُّ شَرْطُ ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَةِ وَحُسْنِ الْعَافِيَةِ. وَانْظُرْ اسْتِدْلَالَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ بِقَضِيَّةِ أَبِي جَنْدَلٍ عِنْدَ قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا: " وَإِنْ رَسُولًا " وَانْظُرْ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " لَا أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ قَدِمُوا بِهِمْ " (وَإِنْ بِمَالٍ إلَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 603 لِخَوْفٍ) اُنْظُرْ هَذَا الْعِبَارَةَ. الْمَازِرِيُّ: لَا يُهَادَنُ الْعَدُوُّ بِإِعْطَائِهِ مَالًا لِأَنَّهُ عَكْسُ مَصْلَحَةِ شَرْعِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ إلَّا لِضَرُورَةِ التَّخَلُّصِ مِنْهُ خَوْفَ اسْتِيلَائِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَائِزًا مَا شَاوَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إعْطَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي قَضِيَّةِ الْأَحْزَابِ لَمَّا أَحَاطُوا بِالْمَدِينَةِ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ مَرْوَانَ (وَلَا حَدَّ) الْمَازِرِيُّ: مُدَّةُ الْمُهَادَنَةِ عَلَى حَسَبِ نَظَرِ الْإِمَامِ (وَنُدِبَ أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) ابْنُ شَاسٍ: اسْتَحَبَّ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ أَنْ لَا تَكُونَ الْمُدَّةُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا مَعَ الْعَجْزِ (وَإِنْ اسْتَشْعَرَ خِيَانَتَهُمْ نَبَذَهُ وَأَنْذَرَهُمْ وَوَجَبَ الْوَفَاءُ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ لِلْمُهَادَنَةِ ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالشُّرُوطِ إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ إلَّا أَنْ يَسْتَشْعِرَ خِيَانَةً مِنْهُمْ فَلَهُ أَنْ يَنْبِذَ الْعَهْدَ إلَيْهِمْ وَيُنْذِرَهُمْ. (وَإِنْ بِرَدِّ رَهَائِنَ وَلَوْ أَسْلَمُوا) ابْنُ رُشْدٍ: أَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ اشْتِرَاءَ أَوْلَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ آبَائِهِمْ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ هُدْنَةٌ، وَإِذَا جَازَ اشْتِرَاؤُهُمْ مِنْهُمْ جَازَ ارْتِهَانُهُمْ مِنْهُمْ وَبَيْعُهُمْ فِيمَا رُهِنُوا فِيهِ عَلَى مَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ عَنْ أَشْهَبَ. ابْنُ شَاسٍ: وَهَلْ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ رَهَائِنِهِمْ؟ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمْ يُرَدُّونَ إلَيْهِمْ. أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُ مَالِكٍ يَأْبَى ذَلِكَ وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا. اُنْظُرْ الْأَسِيرَ الْكَافِرَ يَأْبِقُ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ ثُمَّ يَأْتِي تَاجِرًا. اُنْظُرْ النَّوَادِرَ. وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعِلْجِ يَرْهَنُ ابْنَهُ أَوْ بِنْتَهُ فِي فِدَائِهِ ثُمَّ يَذْهَبُ لِيَأْتِيَ بِهِ فَيُقِيمَ بِبَلَدِهِ: فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا اُسْتُرِقَّ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أُطْلِقَ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ لِلْأَبِ عُذْرًا وَلَمْ يَنْكُثْ حِينَ مَضَى لَزِمَ السَّيِّدَ إطْلَاقُ الْوَلَدِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَسِيرِ وَالْحَرْبِيِّ، أَنَّ الْحَرْبِيَّ حَاكِمٌ عَلَى وَلَدِهِ الْبَاقِي فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي بَلَدِهِ فَجَازَ بَيْعُ الْوَلَدِ فِيمَا رُهِنَ فِيهِ، وَالْأَسِيرُ لَا حُكْمَ فِيهِ عَلَى وَلَدِهِ الْبَاقِي فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى إذَا قَدِمَ الْحَرْبِيُّ بِأَهْلِهِ مُسْتَأْمَنًا فَلَنَا شِرَاءُ بَنِيهِ وَرَقِيقِهِمْ إلَّا أَنْ تَرْضَى بِذَلِكَ زَوْجَتُهُ وَابْنُهُ الْكَبِيرُ وَابْنَتُهُ الَّتِي وَلِيَتْ نَفْسَهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ هَادَنَ الْمُسْلِمُونَ لِأَخْذٍ وَلَنَا شِرَاءُ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ أَرْضِهِمْ لِأَنَّهُمْ بِأَرْضِهِمْ بِخِلَافِ مَنْ دَخَلَ بِأَمَانٍ (كَمَنْ أَسْلَمَ) ابْنُ شَاسٍ: وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ مَنْ أَسْلَمَ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَغَيْرُهُ: لَا يُوَفِّي لَهُمْ بِذَلِكَ وَهَذَا جَهْلٌ مِنْ فَاعِلِهِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: مَالِكٌ يَرَى أَنْ يَرُدَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الرَّهْنِ وَالرُّسُلِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يُرَدُّونَ (وَإِنْ رَسُولًا) ابْنُ عَرَفَةَ: سَمِعَ سَحْنُونَ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ أَسْلَمَ رَسُولُ أَهْلِ الْحَرْبِ رُدَّ إلَيْهِمْ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُرَدُّ إلَيْهِمْ وَلَوْ شَرَطُوهُ، وَثَالِثُهَا إنْ لَمْ يَشْتَرِطُوهُ. ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَبِي جَنْدَلٍ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا حُجَّةَ فِي هَذَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا رَدَّ أَبَا جَنْدَلٍ بِالشَّرْطِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْحُجَّةَ لِمَالِكٍ أَنَّهُ يَرُدُّ إلَيْهِمْ مَنْ أَسْلَمَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ فَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ «أَبِي رَافِعٍ قَالَ: أَقْبَلْت بِكِتَابٍ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا رَأَيْته أُلْقِيَ فِي قَلْبِي حُبُّ الْإِسْلَامِ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَرْجِعُ إلَيْهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي لَا أَخْفِرُ بِالْعَهْدِ وَلَا أَحْبِسُ الْبُرْدَ وَلَكِنْ ارْجِعْ إلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِك بَعْدَ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِمْ الَّذِي فِي قَلْبِك الْآنَ فَارْجِعْ. قَالَ: فَرَجَعْت إلَيْهِمْ ثُمَّ أَقْبَلْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» انْتَهَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 604 وَلَمْ أَرَ مَنْ عَزَا لِمَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ إلَيْهِمْ مَنْ أَسْلَمَ إلَّا مَا تَقَدَّمَ لِأَبِي عُمَرَ، وَانْظُرْ مَنْ يَسْتَشْكِلُ قَوْلَ مَالِكٍ كَأَنَّهُمْ يُرَدُّونَ إلَى الْكُفْرِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ بِالْأَصَالَةِ وَأُسِرُوا وَقَدِمَ بِهِمْ الْحَرْبِيُّونَ بِأَمَانٍ؟ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ لَهُمْ الرُّجُوعَ بِهِمْ إنْ أَحَبُّوا. وَانْظُرْ قَضِيَّةَ نُعَيْمٍ سَمَحَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إخْفَاءِ إسْلَامِهِ عَنْ قَوْمِهِ أَنْ يُخَذِّلَ، وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِلرَّهْنِ حَتَّى يَكُونَ إسْلَامُهُ تَطْمَئِنُّ نُفُوسُنَا إلَيْهِ. وَإِنَّمَا انْبَسَطْتُ فِي تَرْسِيخِ هَذَا لِكَثْرَةِ مَنْ غَرَّنَا فَانْخَدَعْنَا لَهُ بِالْأُسْوَةِ بِمَالِكٍ وَبِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ: ارْجِعْ إلَى قَوْمِك فَإِنْ بَقِيَ فِي قَلْبِك مَا بِقَلْبِك الْآنَ فَارْجِعْ أَوْ كَمَا قَالَ: فَسَلِي ثِيَابَك مِنْ ثِيَابِي تَنْسَلِ ... لَا خَيْرَ فِي وُدٍّ يَكُونُ تَكَلُّفَا (إنْ كَانَ ذَكَرًا) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " إنْ خَلَا عَنْ كَشَرْطِ بَقَاءِ مُسْلِمٍ " وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَالْمَازِرِيِّ، وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ قَدِمُوا بِهِمْ ". (وَفُدِيَ بِالْفَيْءِ ثُمَّ بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ بِمَالِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِدَاءُ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ فِيهِ طُرُقٌ وَالْأَكْثَرُ وَاجِبٌ. وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ: اسْتِنْقَاذُهُمْ بِالْقِتَالِ وَاجِبٌ فَكَيْفَ بِالْمَالِ؟ زَادَ اللَّخْمِيِّ فِي رِوَايَتِهِ مَعَ رِوَايَةِ أَشْهَبَ: وَلَوْ بِجَمِيعِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَا لَمْ يَخْشَ اسْتِيلَاءَ الْعَدُوِّ بِذَلِكَ وَفِي الْمَبْدَأِ بِالْفِدَاءِ مِنْهُ طُرُقٌ. ابْنُ بَشِيرٍ: بَيْتُ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْأَسِيرُ كَأَحَدِهِمْ، فَإِنْ ضَيَّعَ الْإِمَامُ وَالْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْأَسِيرِ مِنْ مَالِهِ. وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ: مَنْ رَهَنَهُ أَبُوهُ فَمَاتَ فَفَدَاهُ مُسْلِمٌ يَرْجِعُ بِفِدَائِهِ فِي قَدْرِ إرْثِهِ مِنْ أَبِيهِ أَوْ عَلَى التَّرِكَةِ قَالَ: لَوْ فَدَاهُ الْإِمَامُ. ابْنُ بَشِيرٍ: يُرِيدُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ فَإِنْ لَمْ يَفْدِهِ وَلَا أَحَدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَالْوَاجِبُ كَوْنُهُ مِنْ رَأْسِ مَالِ أَبِيهِ، فَإِنْ قَصَّرَ فَعَلَى الِابْنِ وَيُتْبَعُ بِهِ فِي عَدَمِهِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ. سَحْنُونَ: إنْ رَهَنَهُ أَبُوهُ فِي تِجَارَتِهِ فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ وَيُؤَدَّبُ، فَإِنْ مَاتَ فَمِنْ تَرِكَتِهِ، وَإِنْ رَهَنَهُ فِي مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَى الْإِمَامِ فِدَاؤُهُ. ابْنُ يُونُسَ: أَمَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يُفْدَى مَنْ هَرَبَ إلَيْهِمْ طَوْعًا مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْتَكَّ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَيْتِ مَالِهِمْ فَمَا قَصُرَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ تَعَيَّنَ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ عَلَى مَقَادِيرِهَا وَيَكُونُ هُوَ كَأَحَدِهِمْ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ مِنْ فَكِّ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ إلَّا مَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، فَإِذَا ضَيَّعَ الْإِمَامُ وَالْمُسْلِمُونَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ هَذَا فَوَاجِبٌ عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مِنْ الْأَسْرَى أَنْ يَفُكَّ نَفْسَهُ مِنْ مَالِهِ. اُنْظُرْ طَرِيقَةَ سَحْنُونٍ وَطَرِيقَةَ اللَّخْمِيِّ فِي ابْنِ عَرَفَةَ. (وَرَجَعَ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ اشْتَرَيْتَ حُرًّا مُسْلِمًا مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلْتَرْجِعْ عَلَيْهِ بِمَا اشْتَرَيْتَهُ بِهِ عَلَى مَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ لِأَنَّهُ فِدَاءٌ. قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يُؤْخَذُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَثُرَ وَإِنْ كَانَ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ شَاءَ أَوْ أَبَى. قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ اُتُّبِعَ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَاَلَّذِي فَدَاهُ وَاشْتَرَاهُ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 605 الْعَدُوِّ وَأَحَقُّ بِهِ مِنْ غُرَمَائِهِ إلَى مَا يَبْلُغُ مَا أَدَّى فِيهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِدَاءٌ لَهُ وَلِمَالِهِ كَمَا لَوْ فَدَيْت مَالَهُ مِنْ اللُّصُوصِ أَوْ فَدَيْت دَابَّتَهُ مِنْ مُلْتَقِطِهَا أَوْ مَتَاعًا لَهُ أَوْ اكْتَرَيْت عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ وَلَا لِغُرَمَائِهِ حَتَّى يَأْخُذَ هَذَا مَا أَدَّى فِيهِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِلَّا حُبِسَ فِي الْمَفْدِيِّ مِنْ لِصٍّ " وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ الْقَضَاءِ فِي الْمَفْدِيِّ مِنْ لِصٍّ أَوْ ظَالِمٍ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: إنَّمَا كَانَ الَّذِي فَدَاهُ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ يَفْدِيهِ وَهُوَ كَارِهٌ بِأَضْعَافِ ثَمَنِهِ وَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ طَوْعِهِ، فَلِهَذَا صَارَ أَوْلَى مِنْ دَيْنِهِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ بِطَوْعِهِ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ مُشْتَرِيَهُ مِنْ الْعَدُوِّ مَا يَكُونُ أَحَقَّ إلَّا فِي مَالِهِ الَّذِي أَخَذَهُ الْعَدُوُّ مَعَ رَقَبَتِهِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ وَهَبَهُ الْعَدُوُّ هَذَا الْحُرَّ الْمُسْلِمَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يُكَافِئَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا كَافَأَهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَالْحُرُّ الذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ (بِمِثْلِ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةِ غَيْرِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِذَا أَوْجَبْنَا الرُّجُوعَ رَجَعَ بِمِثْلِ مَا فَدَاهُ بِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ. (وَعَلَى الْمَلِيءِ وَالْمُعْدِمِ) تَقَدَّمَ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ اُتُّبِعَ فِي ذِمَّتِهِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الصَّحِيحُ الَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ وَالْقِيَاسُ أَنَّ فِدَاءَ أَسِيرٍ لَا مَالَ لَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَا فَدَاهُ بِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ خِلَافُ ذَلِكَ وَهُوَ بَعِيدٌ. اللَّخْمِيِّ: إنْ اشْتَرَى مِنْ بَلَدِ الْحَرْبِ حُرًّا كَانَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ بِالثَّمَنِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَأْخُذَ مَا افْتَدَاهُ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ لِأَنَّ فِدَاءَهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْتَدُوهُ. قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَلَوْ بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ أَبَدًا وَهُوَ بِبَلَدِ الْحَرْبِ كَانَ لِمَنْ أَتَى بِهِ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ الْفِدَاءِ عَلَى مَنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يُفْتَدَى. (إنْ لَمْ يَقْصِدْ صَدَقَةً) . ابْنُ بَشِيرٍ: مَنْ افْتَدَى مُسْلِمًا وَلَا مَالَ لَهُ إنْ قَصَدَ الْفَادِي الصَّدَقَةَ أَوْ كَانَ الْفِدَاءُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَافْتَدَاهُ مَنْ يُرِيدُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ، فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ نُصُوصُ الْمَذْهَبِ لَهُ الرُّجُوعُ. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ بَشِيرٍ لَا مَالَ، مَعَ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ. وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَرَجَعَ (وَلَمْ يُمْكِنْ الْخَلَاصُ بِدُونِهِ) . ابْنُ بَشِيرٍ: وَقَدْ نَزَّلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الرُّجُوعَ وَنَفْيَهُ عَلَى أَحْوَالٍ. فَإِنْ كَانَ الْأَسِيرُ لَا يُرْجَى خَلَاصُهُ إلَّا بِمَا بَذَلَ فِيهِ وَجَبَ الرُّجُوعُ بِالْفِدَاءِ وَلَوْ كَانَ الْمَبْذُولُ أَضْعَافَ الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ يَرْجُو الْخَلَاصَ بِالْهُرُوبِ أَوْ بِالتَّرْكِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَرْجُو الْخَلَاصَ بِدُونِ مَا بَذَلَ فِيهِ وَجَبَ الرُّجُوعُ بِالْقَدْرِ الَّذِي يُرْجَى بِهِ الْخَلَاصُ وَيَسْقُطُ الزَّائِدُ (إلَّا مُحْرِمًا أَوْ زَوْجًا إنْ عَرَفَهُ أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ) . ابْنُ بَشِيرٍ: وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ إذَا كَانَ الْفَادِي أَجْنَبِيًّا الْبَاجِيُّ: وَالْقَرِيبُ غَيْرُ ذِي مَحْرَمٍ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي اتِّبَاعِهِ بِفِدَائِهِ. ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَمَنْ فَدَى مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ يُرِيدُ أَوْ ابْتَاعَهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَدَاهُ بِأَمْرِهِ أَوْ يَفْدِيهِ وَهُوَ غَيْرُ عَارِفٍ فَلْيَتْبَعْهُ بِذَلِكَ فِي عَدَمِهِ وَمَلَائِهِ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَالِكٌ. وَسَبِيلُ فِدَاءِ الْقَرِيبِ لِقَرِيبِهِ كَانَ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 606 أَوْ مِمَّنْ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ سَبِيلُ الزَّوْجِيَّةِ إذَا فَدَاهُ وَهُوَ يَعْرِفُهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ فَدَاهُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ رَجَعَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إنْ فَدَاهُ بِأَمْرِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ كَانَ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَوْ مِمَّنْ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: فَصَارَ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ فَدَاهُ وَهُوَ يَعْرِفُهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَإِنْ فَدَاهُ بِأَمْرِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَإِنْ فَدَاهُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ سِوَاهُ مِنْ الْقَرَابَةِ الَّذِينَ لَا يُعْتَقُونَ عَلَيْهِ وَعَلَى الزَّوْجَيْنِ (أَوْ يَلْتَزِمُهُ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ أَشْهَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ يَفْتَدِي صَاحِبَهُ إنَّ ذَلِكَ لَيَرْجِعُ عَلَيْهِ رَجَعَ بِذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ سَحْنُونَ: كُلُّ مَنْ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي هَذَا إذَا كَانَ عَالِمًا يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ يَفْدِيهِ لِيَرْجِعَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ ابْنًا لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِهِ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا قَصَدَ الِافْتِدَاءَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْهِبَةَ لَمَّا شَرَطَ الرُّجُوعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ فَقِيرًا فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُجْبَرًا عَلَى أَنْ يَفْتَدِيَهُ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الِافْتِدَاءِ آكَدُ (وَقُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ فَدَاهُ وَمَالَهُ فَالْفَادِي أَحَقُّ بِهِ مِنْ غُرَمَائِهِ (وَلَوْ فِي غَيْرِ مَا بِيَدِهِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِنْ كَانَ لِلْمَفْدِيِّ مَالٌ لَمْ يَفْدِ مَعَهُ فَفِي اخْتِصَاصِ الْفَادِي بِهِ نَقَلَا اللَّخْمِيِّ وَالصَّقَلِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَالشَّيْخُ عَنْ سَحْنُونٍ وَاللَّخْمِيِّ مَعَ ظَاهِرِ الصَّقَلِّيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ. اُنْظُرْ مَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى. عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَرَجَعَ " فَهُوَ مُوَافِقٌ لِخَلِيلٍ. (عَلَى الْعَدَد إنْ جَهِلُوا قَدْرَهُمْ) . ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ: مَنْ فَدَى خَمْسِينَ أَسِيرًا بِبَلَدِ الْحَرْبِ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَفِيهِمْ ذُو الْقَدْرِ غَيْرُهُ وَالْمَلِيءُ وَالْمُعْدِمُ، فَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ وَقَدْ عَرَفَ ذَا الْقَدْرِ مِنْهُمْ وَشَحُّوا عَلَيْهِ فَيُقْسَمُ عَلَيْهِمْ الْفِدَاءُ عَلَى تَقَارُبِ أَقْدَارِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ جَهِلَ ذَلِكَ فَذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مِنْهُمْ عَبِيدٌ فَهُمْ سَوَاءٌ، وَالسَّيِّدُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُسْلِمَهُمْ أَوْ يَفْدِيَهُمْ. (وَالْقَوْلُ لِلْأَسِيرِ فِي الْفِدَاءِ أَوْ بَعْضِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ فَدَى أَسِيرًا مِنْ بَلَدِ الْحَرْبِ وَقَدِمَ بِهِ فَقَالَ الْأَسِيرُ: مَا فَدَانِي بِشَيْءٍ أَوْ قَالَ: بِشَيْءٍ يَسِيرٍ وَقَالَ الْآخَرُ: بِكَثِيرٍ، فَالْأَسِيرُ مُصَدَّقٌ فِي الْوَجْهَيْنِ، كَانَ مِمَّا يُشْبِهُ مَا قَالَ الْأَسِيرُ أَوْ لَا يُشْبِهُ، يُرِيدُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ قَالَ: لَمْ يَفْدِنِي أَصْلًا لَصُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْآخَرُ بِبَيِّنَةٍ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ هُوَ أَخْرَجَهُ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ. انْتَهَى. نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَسِيرِ أَشْبَهَ قَوْلَهُ أَوْ لَمْ يُشْبِهْ لَيْسَ عَلَى أُصُولِهِمْ، وَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى أُصُولِهِمْ إذَا اخْتَلَفَا فِي مَبْلَغِ الْفِدْيَةِ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَفْدِيِّ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ، فَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْفَادِي إنْ أَتَى بِمَا يُشْبِهُ، وَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ أَيْضًا حَلَفَا جَمِيعًا وَكَانَ لِلْفَادِي مَا يَفْدِي بِهِ مِثْلُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَكَذَلِكَ إنْ نَكَلَا، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الْآخَرُ كَانَ لَهُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ لِأَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ أَمْكَنَهُ مِنْ دَعْوَاهُ بِنُكُولِهِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْفَادِي إذَا كَانَ الْأَسِيرُ بِيَدِهِ. (وَجَازَ بِالْأَسْرَى الْمُقَاتِلَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ سَحْنُونٍ وَالْأَخَوَيْنِ وَأَصْبَغَ: يُفْدَى الْأَسْرَى بِأَسْرَى الْكُفَّارِ الْقَادِرِينَ عَلَى الْقِتَالِ لِمَا لَمْ يَرْضَوْا إلَّا بِهِ. اللَّخْمِيِّ عَنْ أَصْبَغَ: مَا لَمْ يَخْشَ بِفِدَائِهِ ظُهُورَهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 607 عَلَى الْمُسْلِمِينَ. قَالَ سَحْنُونَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُفْدَى بِصِغَارِ أَطْفَالِهِمْ إذَا لَمْ يُسْلِمُوا بِالذِّمِّيِّ إذَا رَضِيَ الذِّمِّيُّ وَكَانُوا لَا يَسْتَرِقُّونَهُ. (وَبِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عَلَى الْأَحْسَنِ) ابْنُ رُشْدٍ: أَجَازَ سَحْنُونَ أَنْ يُفْدَى مِنْهُمْ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ قَالَ: وَيَأْمُرُ الْإِمَامُ أَهْلَ الذِّمَّةِ أَنْ يَدْفَعُوا ذَلِكَ إلَيْهِمْ، وَيُحَاسِبُهُمْ بِقِيمَتِهِ فِي الْجِزْيَةِ، فَإِنْ أَبَوْا لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ بَأْسٌ بِابْتِيَاعِ ذَلِكَ لَهُمْ. قَالَ: وَهَذِهِ ضَرُورَةٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُفَادَاةَ بِالْخَمْرِ أَخَفُّ مِنْهَا بِالْخَيْلِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُفَادَاةِ مِنْهُمْ بِالْخَمْرِ وَعَلَيْهِمْ الضَّرَرُ فِي الْمُفَادَاةِ مِنْهُمْ بِالْخَيْلِ. اُنْظُرْ فِي ابْنِ عَرَفَةَ خِلَافَ أَشْهَبَ فِي هَذَا. (وَلَا يُرْجَعُ بِهِ عَلَى مُسْلِمٍ) . ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ فَدَى مُسْلِمًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعْطَى ذِمِّيًّا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ إنْ كَانَتْ مِمَّا يَمْلِكُونَهَا. قَالَهُ سَحْنُونَ. وَمَعْنَاهُ إنْ فَدَاهُ بِذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَمَّا إنْ ابْتَاعَهُ لِيَفْدِيَهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ (وَفِي الْخَيْلِ وَآلَةِ الْحَرْبِ قَوْلَانِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: الْمُفَادَاةُ بِالْخَمْرِ أَخَفُّ مِنْهَا بِالْخَيْلِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يُفْدَى بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُفْدَى بِالْخَمْرِ إذْ لَا يَدْخُلُ فِي نَافِلَةٍ بِمَعْصِيَةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا التَّفْرِيقُ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ إذَا ائْتَمَنَ الْعَدُوُّ وَالْأَسِيرَ طَائِعًا عَلَى أَنْ لَا يَهْرُبَ وَلَا يَخُونَهُمْ مُخْتَارُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ يَهْرُبُ وَلَا يَخُونُهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَأَمَّا إنْ ائْتَمَنُوهُ مُكْرَهًا أَوْ لَمْ يَأْتَمِنُوهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلَهُ أَنْ يَهْرُبَ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ عَاهَدُوهُ عَلَى أَنْ لَا يَهْرُبَ فَلِيُوَفِّ بِالْعَهْدِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى الْعَهْدِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِينَ، يَرَى الْعَدُوُّ أَنَّ الْأُسَارَى لَا يُوَفُّونَ بِعَهْدٍ. وَإِنْ حَلَّفُوهُ بِالطَّلَاقِ عَلَى أَنْ لَا يَهْرُبَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْهُرُوبُ لِأَنَّ الْعَدُوَّ يَرَاهُ آثَرَ الطَّلَاقَ عَلَى الْمُقَامِ وَلَمْ يَرَ أَنَّهُ خَفَرَ بِعَهْدٍ، ثُمَّ إنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ أَيْضًا. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَلَاقٍ: وَالْفَرْعُ الثَّالِثُ إذَا خَلَّوْهُ عَلَى أَيْمَانٍ حَلَفَهَا لَهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَيْمَانُ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا خَلَّوْهُ عَلَى أَيْمَانٍ فَأَمَّا مِثْلُ الْعَهْدِ وَالْمَوْعِدِ فَذَلِكَ لَهُ لَازِمٌ، وَأَمَّا أَيْمَانٌ بِطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ فَلَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا خَلَّوْهُ عَلَى أَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ بِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَهَذَا مُكْرَهٌ. وَانْظُرْ فِي الْعِتْقِ قَبْلَ قَوْلِهِ: " أَوْ دَفْعُ مَكْسٍ ". وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِلْأَسِيرِ أَنْ يَسْرِقَ مَا بِبَلَدِ الْعَدُوِّ وَقَالَ: وَلَا يُعَامِلُهُمْ بِالرِّبَا. وَقَالَ أَشْهَبُ: وَإِنْ دَفَعُوا لَهُ ثَوْبًا يَخِيطُهُ لَهُمْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْرِقَ مِنْهُ. وَمِنْ النَّوَادِرِ: وَلَوْ أَطْلَقُوهُ عَلَى أَنْ لَا يُجَاهِدَهُمْ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَغْزُوَهُمْ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ تَنْزِلُ بِالْإِسْلَامِ، وَإِنْ أَطْلَقُوهُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِفِدَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ فِدَاءً فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ. وَنَقَلَ ابْنُ عَلَاقٍ فِي هَذَا خِلَافًا وَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ وَطْؤُهُ زَوْجَتَهُ وَأَمَتَهُ. وَانْظُرْ هَلْ لِلْأُسَارَى أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَ الْعَدُوِّ وَمَنْ خَالَفَهُ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهِ؟ أَجَازَ ذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 608 الْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ سَحْنُونَ فِي الْأَسِيرِ الْمُوثَقِ يُمْنَعُ الصَّلَاةَ قَالَ: يُصَلِّي إيمَاءً وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا وَتَجْرِي هُنَا الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ وَالْأَدَاءُ أَشْبَهُهَا. وَانْظُرْ لَوْ طَلَبَ الْعَدُوُّ فِدَاءَ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ عِلْجًا لَهُمْ فِي مِلْكِ مُسْلِمٍ فَأَبَى مَالِكُ الْعِلْجِ أَنْ يَبِيعَهُ، اُنْظُرْهَا فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ وَنَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ وَبَيْنَهُمَا خِلَافٌ. [كِتَابُ السَّبَقِ وَالرَّمْيِ] [بَابٌ فِي السَّبَقِ وَشُرُوطُهُ وَحُكْمُهُ] بَابٌ ابْنُ شَاسٍ: كِتَابُ السَّبَقِ وَالرَّمْيِ وَفِيهِ بَابَانِ: الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي السَّبَقِ وَهُوَ عَقْدٌ لَازِمٌ كَالْإِجَارَةِ. وَيُشْتَرَطُ فِي السَّبَقِ مَا يُشْتَرَطُ فِي عَرْضِ الْإِجَارَةِ. أَبُو عُمَرَ: جَوَازُ الْمُسَابَقَةِ مِمَّا خُصَّ مِنْ بَابِ الْقِمَارِ وَمِنْ بَابِ تَعْذِيبِ الْبَهَائِمِ لِلْحَاجَةِ إلَى تَأْدِيبِهَا وَتَدْرِيبِهَا. الْبَاجِيُّ: وَتَدْرِيبِ مَنْ يُسَابِقُ بِهَا. (الْمُسَابَقَةُ بِجُعْلٍ) ابْنُ رُشْدٍ: الْمُسَابَقَةُ جَائِزَةٌ عَلَى الرِّهَانِ وَعَلَى غَيْرِ الرِّهَانِ. الصِّحَاحُ: رَاهَنْت فُلَانًا عَلَى كَذَا مُرَاهَنَةً خَاطَرْته. ابْنُ رُشْدٍ: وَالْمُرَاهَنَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: جَائِزَةٌ بِاتِّفَاقٍ وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُ الْمُتَسَابِقَيْنِ إنْ كَانَا اثْنَيْنِ، أَوْ أَحَدُ الْمُتَسَابِقَيْنِ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً جُعْلًا لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ بِحَالٍ وَلَا يُخْرِجُ مَنْ سِوَاهُ شَيْئًا، فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُ مُخْرِجِ الْجُعْلِ كَانَ الْجُعْلُ لِلسَّابِقِ، وَإِنْ سَبَقَ هُوَ صَاحِبَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ كَانَ الْجُعْلُ طُعْمَةً لِمَنْ حَضَرَ، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً كَانَ الْجُعْلُ لِمَنْ جَاءَ سَابِقًا بَعْدَهُ مِنْهُمْ. وَهَذَا الْوَجْهُ فِي الْجَوَازِ مِثْلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 609 أَنْ يُخْرِجَ الْإِمَامُ الْجُعْلَ فَيَجْعَلَهُ لِمَنْ سَبَقَ مِنْ الْمُتَسَابِقَيْنِ فَهُوَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَوَجْهٌ لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَسَابِقَيْنِ إنْ كَانَا اثْنَيْنِ، أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَسَابِقِينَ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً جُعْلًا عَلَى أَنَّهُ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمْ أَحْرَزَ جُعْلَهُ وَأَخَذَ جُعْلَ صَاحِبِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سِوَاهُ، وَأَجْعَالَ أَصْحَابِهِ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً، فَهَذَا لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ لِأَنَّهُ مِنْ الْغَرَرِ وَالْقِمَارِ وَالْمَيْسِرِ وَالْخُضَارِ (فِي الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ) أَبُو عُمَرَ: أَجَازَ الْعُلَمَاءُ فِي غَيْرِ الرِّهَانِ السَّبَقَ عَلَى الْأَقْدَامِ بِدَلِيلِ مُسَابَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ، وَمُسَابَقَةِ مَسْلَمَةَ مَعَ الْأَنْصَارِيِّ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا السَّبَقُ فِي الرِّهَانِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الْخُفُّ وَالْحَافِرُ وَالنَّصْلُ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَالْخُفُّ الْبَعِيرُ، وَالْحَافِرُ الْفَرَسُ، وَالنَّصْلُ السَّهْمُ (وَبَيْنَهُمَا) ابْنُ يُونُسَ: وَلَا بَأْسَ بِسِبَاقِ الْخَيْلِ مَعَ الْإِبِلِ يَجْرِي الْفَرَسُ مَعَ الْجَمَلِ (وَالسَّهْمِ) ابْنُ رُشْدٍ: الْمُسَابَقَةُ جَائِزَةٌ فِي الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَبِالرَّمْيِ بِالسِّهَامِ (إنْ صَحَّ بَيْعُهُ) مُحَمَّدٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يُنَاضِلَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ نَضَلَهُ أَعْتَقَ عَنْهُ عَبْدَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ عَمَلًا مَعْرُوفًا أَوْ عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالسَّبَقِ أَوْ يُبْنَى بِهِ الْغَرَضُ وَيَشْتَرِي بِهِ حُصْرًا يَجْلِسُونَ عَلَيْهَا، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ لَا مَجْهُولٍ، وَكَوْنُهُ عَرَضًا مَوْصُوفًا أَوْ سُكْنَى مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ عَفْوًا عَنْ جُرْحٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَيُمْنَعُ بِالْغَرَرِ. وَمَنْ وَجَبَ لَهُ جَازَ أَنْ يُحَالَ بِهِ أَوْ يُؤَخِّرَهُ بِرَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ وَحَاصَّ بِهِ الْغُرَمَاءَ. الصِّحَاحُ: نَاضَلَهُ أَيْ رَمَاهُ وَتَنَاضَلُوا أَيْ رَمَوْا لِلسَّبَقِ. (وَعُيِّنَ الْمَبْدَأُ وَالْغَايَةُ) . الْبَاجِيُّ: لَا يَجُوزُ السَّبَقُ فِي الرَّمْيِ إلَّا بِغَايَةٍ مَعْلُومَةٍ وَرَشْقٍ مَعْلُومٍ وَنَوْعٍ مِنْ الْإِصَابَةِ مُشْتَرَطٍ خَسْقًا أَوْ إصَابَةً بِغَيْرِ خَسْقٍ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ إلَّا فِي غَايَةٍ مَعْلُومَةٍ وَأَمَدٍ مَعْلُومٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ تَرَاهَنَا دُونَ شَرْطِ مَبْدَأِ غَايَةِ الْجَرْيِ أَوْ مُنْتَهَاهَا وَلِأَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ سُنَّةٌ فِي ذَلِكَ حَمَلَا عَلَيْهَا. وَلِأَهْلِ مِصْرَ سُنَّةٌ عُرِفَتْ فِي مَبْدَأِ إجْرَاءِ الْقَارِحِ وَالرُّبَاعِ وَالثَّنِيِّ وَالْحَوْلِيِّ وَفِي الْغَايَةِ الَّتِي يَجْلِسُ بِهَا الْوَالِي أَوْ مَنْ يُقِيمُهُ لِذَلِكَ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَا سُرَادِقًا أَوْ خَطًّا أَوْ دَخَلَهُ أَوَّلًا أَوْ جَازَهُ أَوَّلًا فَهُوَ السَّابِقُ، وَبَعْدَ الْغَرَضِ فِي الرَّمْيِ مَا رَضِيَاهُ، وَكَانَ غَرَضُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَرْبَعَمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا ذَرْعًا حَمَلَا عَلَى الْعُرْفِ وَهُوَ مِائَتَا ذِرَاعٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَنَاضَلَا عَلَى أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْغَرَضِ إلَى الْغَرَضِ وَالْآخَرُ مِنْ نِصْفِهِ أَوْ مِنْ أَبْعَدَ مِنْهُ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ. (وَالْمَرْكَبُ) . ابْنُ شَاسٍ: مِنْ شُرُوطِ السَّبَقِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 610 مَعْرِفَةُ أَعْيَانِ الْخَيْلِ وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ جَرْيِهَا وَلَا مَنْ يَرْكَبُ عَلَيْهَا مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا إلَّا مُحْتَلِمٌ وَنَحْوُ هَذَا لِلْبَاجِيِّ (وَالرَّامِي) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَيْسَ عَلَى الْمُتَنَاضِلَيْنِ وَصْفُ سَهْمٍ أَوْ وَتَرٍ بِرِقَّةِ أَوْ طُولٍ أَوْ مُقَابِلَيْهِمَا وَلِمَنْ شَاءَ بَدَّلَ مَا شَاءَ بِغَيْرِهِ وَقَوْسًا بِالْأُخْرَى مِنْ جِنْسِهَا لَا عَرَبِيَّةً بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، وَيَجُوزُ تَعَاقُدُهُمَا عَلَى فَارِسِيَّةٍ وَعَرَبِيَّةٍ. ثُمَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَدَلُ قَوْسِهِ بِأَيِّ صِنْفٍ شَاءَ مِنْ الْقَسِيِّ، وَلَا أُحِبُّ شَرْطَ أَنْ لَا يُرَامِيَهُ إلَّا بِقَوْسٍ مُعَيَّنَةٍ بِخِلَافِ الْفَرَسِ لِأَنَّ الْفَرَسَ هُوَ الْمُسَابِقُ وَفِي الرَّمْيِ الرَّامِي لَا الْقَوْسُ [بَابٌ فِي الرَّمْيِ وَشُرُوطِهِ] (وَعَدَدُ الْإِصَابَةِ) ابْنُ شَاسٍ: الرَّمْيُ كَالسَّبَقِ بَيْنَ الْخَيْلِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ الرَّمْيُ مِنْ كَوْنِهِمَا يَشْتَرِطَانِ رَشْقًا مَعْلُومًا وَنَوْعًا مِنْ الْإِصَابَةِ مُعَيَّنًا مِنْ خَزْقٍ أَوْ إصَابَةٍ مِنْ غَيْرِ خَزْقٍ وَسَبْقٍ إلَى عَدَدٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الْإِصَابَةِ (وَنَوْعُهَا مِنْ خَزْقٍ أَوْ غَيْرِهِ) الْخَزْقُ بِخَاءٍ وَزَايٍ مُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَثْقُبَ وَلَا يَثْبُتَ، وَالْخَسْقُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَنْ لَا يَثْقُبَ السَّهْمُ وَلَا يَثْبُتَ تَقَدَّمَ نَصُّ الْكَافِي وَابْنُ رُشْدٍ بِهَذَا (وَأَخْرَجَهُ مُتَبَرِّعٌ أَوْ أَحَدُهُمَا فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُهُ أَخَذَهُ وَإِنْ سَبَقَ هُوَ فَلِمَنْ حَضَرَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ بِأَنَّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (إلَّا إنْ أَخْرَجَا لِيَأْخُذَهُ السَّابِقُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ (وَلَوْ بِمُحَلِّلٍ يُمْكِنُ سَبْقُهُ) الْكَافِي: الْأَسْبَاقُ ثَلَاثَةٌ: سَبَقٌ يُعْطِيهِ الْوَالِي أَوْ الرَّجُلُ غَيْرُ الْوَالِي مِنْ مَالِهِ مُتَطَوِّعًا فَيَجْعَلُ السَّابِقُ شَيْئًا مَعْلُومًا، فَمَنْ سَبَقَ أَخَذَهُ، وَسَبَقٌ يُخْرِجُهُ أَحَدُ الْمُتَسَابِقِينَ دُونَ صَاحِبِهِ فَإِنْ سَبَقَ صَاحِبُهُ أَخَذَهُ وَإِنْ سَبَقَ هُوَ صَاحِبَهُ أَحْرَزَ سَبَقَهُ الَّذِي أَخْرَجَهُ وَحَسَنٌ أَنْ يُمْضِيَهُ فِي الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ لَهُ وَلَا يَرْجِعَ إلَى مَالِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 611 وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَبَقَ سَبْقًا عَلَى أَنَّهُ إنْ نَضَلَ لَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا وَإِنْ نُضِلَ أَعْطَى السَّبَقَ، فَلَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَالسَّابِقُ الثَّالِثُ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا، وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِثْلَ مَا يُخْرِجُ صَاحِبُهُ، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ أَحْرَزَ سَبَقَهُ وَأَخَذَ سَبَقَ صَاحِبِهِ. وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا لَا يَأْمَنَانِ أَنْ يَسْبِقَهُمَا، فَإِنْ سَبَقَ الْمُحَلِّلُ أَخَذَ السَّبَقَيْنِ جَمِيعًا وَحْدَهُ وَلَمْ يُشَارِكَاهُ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُ الْمُتَسَابِقَيْنِ أَحْرَزَ سَبَقَهُ وَأَخَذَ سَبَقَ صَاحِبِهِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُحَلِّلِ فِيهِ وَلَا عَلَيْهِ، وَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ مِنْهُمْ الثَّالِثَ كَانَ كَمَنْ لَمْ يَسْبِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَأَيُّهُمَا سَبَقَ صَاحِبَهُ فَلَهُ السَّبَقُ وَقَدْ قَالَ: لَا نَأْخُذُ بِقَوْلِ سَعِيدٍ فِي الْمُحَلِّلِ ثُمَّ قَالَ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمُحَلِّلِ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدٍ وَالْجُمْهُورِ، وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَرَاهَنَ الرَّاكِبَانِ يَجْعَلُ هَذَا سَبَقًا وَهَذَا سَبَقًا وَيَدْخُلُ مَعَهُمَا ثَالِثٌ لَا يَجْعَلُ شَيْئًا، فَإِنْ سَبَقَ أَخَذَ وَإِنْ سُبِقَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إذَا سَبَقَ الْمُحَلِّلُ أَخَذَ سَبَقَ الرَّجُلَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ هُوَ وَسَبَقَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ أَخَذَ السَّابِقُ سَبَقَ صَاحِبِهِ وَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ مَالِكٌ. (وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ السَّهْمِ وَالْوَتَرِ وَلَهُ مَا شَاءَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِهَذَا (وَلَا مَعْرِفَةُ الْجَرْيِ وَالرَّاكِبِ وَلَمْ يُحْمَلْ صَبِيٌّ) تَقَدَّمَ النَّصُّ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلِلرَّاكِبِ " (وَلَا اسْتِوَاءُ الْجُعْلِ) مِنْ شَرْحِ خَلِيلٍ لِابْنِ الْحَاجِبِ: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنْ سَبَقَ فُلَانٌ فَلَهُ وَإِنْ سَبَقَ غَيْرُهُ فَلَهُ كَذَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَنَحْوُ هَذَا فِي ابْنِ يُونُسَ (أَوْ مَوْضِعُ الْإِصَابَةِ) ابْنُ شَاسٍ: وَيُشْتَرَطُ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُحْتَسَبُ لَهُ إلَّا بِمَا أَصَابَ فِي الدَّائِرَةِ خَاصَّةً وَيُسْتَحَبُّ لِلْآخَرِ مَا أَصَابَ فِي الْجِلْدِ كُلِّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُشْبِهُ جَمِيعَهُ صَحِيحٌ لَازِمٌ (أَوْ تُسَاوِيهِمَا) . ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ شَرَطُوا أَنْ لَا يَرْمُوا إلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ جَازَ وَلِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ رَمْيُهُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا مَا لَمْ يُشْتَرَطْ قِيَامٌ، وَتَحَوُّلُهُ مِنْ مَكَان لِآخَرَ مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى غَيْرِهِ. (وَإِنْ عَرَضَ لِلسَّهْمِ عَارِضٌ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 612 انْكَسَرَ لِلْفَرَسِ ضَرْبُ وَجْهٍ أَوْ نَزْعُ سَوْطٍ لَمْ يَكُنْ مَسْبُوقًا بِخِلَافِ تَضْيِيعِ السَّوْطِ وَحَرَنِ الْفَرَسِ) . ابْنُ شَاسٍ: لَوْ عَرَضَ لِلسَّهْمِ نَكْبَةٌ مِنْ بَهِيمَةٍ عَرَضَتْ أَوْ انْكَسَرَ السَّهْمُ أَوْ الْقَوْسُ فَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ مَسْبُوقًا، وَأَمَّا الْفَارِسُ يَسْقُطُ عَنْ فَرَسِهِ أَوْ يَسْقُطُ الْفَرَسُ فَيَنْكَسِرُ، فَإِنْ كَانَ السَّابِقُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ خَرَجَ هَذَا عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا هُوَ وَقَرِينُهُ فَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ الَّذِي رَأَى أَهْلُ الْخَيْلِ عَلَيْهِ أَنْ يَعْدُوَ الَّذِي بَلَغَ الْغَايَةَ سَابِقًا ثُمَّ قَالَ: وَمَا لِهَذَا عِنْدِي وَجْهٌ، وَاخْتَارَ هُوَ إنْ كَانَ مَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الْفَارِسِ مِنْ تَضْيِيعِ السَّوْطِ وَانْقِطَاعِ اللِّجَامِ وَحَرَنِ الْفَرَسِ فَلَا يُعْذَرُ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَفَرَ مِنْ السُّرَادِقِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ وَدَخَلَهُ الْآخَرُ سَبَقَ الْمُتْبِعُ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ نَزَعَ سَوْطَهُ أَوْ ضَرَبَ وَجْهَ فَرَسِهِ عُذِرَ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَسْبُوقًا (وَجَازَ فِيمَا عَدَاهُ مَجَّانًا) . ابْنُ شَاسٍ: مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِ السِّبَاقِ فَهُوَ مَا بَيْنَ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ يَعْنِي وَالرَّمْيُ وَلَا يُلْحَقُ غَيْرُهَا بِهَا بِوَجْهٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَتَجُوزَ فِيهِ الْمُسَابَقَةُ إذَا كَانَ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي نِكَايَةِ الْعَدُوِّ وَنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ، فَتَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمُسَابِقَةُ بَيْنَ السُّفُنِ وَبَيْنَ الطَّيْرِ إذَا كَانَ لِإِيصَالِ الْخَبَرِ بِسُرْعَةٍ لِلنَّفْعِ، وَأَمَّا لِطَلَبِ الْمُغَالَبَةِ فَقِمَارٌ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْفِسْقِ. وَتَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الْأَقْدَامِ وَفِي رَمْيِ الْحِجَارَةِ. وَيَجُوزُ الصِّرَاعُ كُلُّ ذَلِكَ إذَا قَصَدَ بِهِ الِانْتِفَاعَ وَالِارْتِيَاضَ لِلْحَرْبِ جَازَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي جَمِيعِهِ. (وَالِافْتِخَارُ عِنْدَ الرَّمْيِ، وَالرَّجَزُ، وَالتَّسْمِيَةُ وَالصِّيَاحِ وَالْأَحَبُّ ذِكْرُ اللَّهِ لِأَحَادِيث الرَّمْيِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: وَالِافْتِخَارُ وَالِانْتِمَاءُ لِلْقَبِيلَةِ عِنْدَ ظَنِّ الْإِصَابَةِ بِالرَّمْيِ جَائِزٌ وَيَذْكُرُ اللَّهَ أَحَبُّ إلَيَّ كَقَوْلِهِ: أَنَا الْفُلَانِيُّ لِأَنَّهُ إغْرَاءٌ لِغَيْرِهِ. رُوِيَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى فَقَالَ: أَنَا ابْنُ الْعَوَاتِكِ» . وَرَمَى ابْنُ عُمَرَ بَيْنَ الْهَدَفَيْنِ فَقَالَ: أَنَا بِهَا أَنَا بِهَا. وَقَالَ مَكْحُولٌ: أَنَا الْغُلَامُ الْهُذَلِيُّ. ابْنُ عَرَفَةُ: وَهَذَا فِي حِينِ الْحَرْبِ أَوْضَحُ فَمِنْهُ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ حِينَ نَزَلَ عَنْ بَغْلَتِهِ وَاسْتَنْصَرَ: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ » وَمِنْهُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ: خَرَجْت فِي أَثَرِ الْقَوْمِ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ وَأَرْتَجِزُ وَأَقُولُ: أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَكَذَلِكَ أُمُورُ الْحُرُوبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَدُوِّهِمْ وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْقُوَّةِ عَلَيْهِمْ فَلَا بَأْسَ بِالْمُفَاخَرَةِ فِيهِ، وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي دُجَانَةَ حِينَ تَبَخْتَرَ فِي مِشْيَتِهِ فِي الْحَرْبِ: إنَّهَا لَمِشْيَةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 613 يُبْغِضُهَا اللَّهُ إلَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ» . وَأَجَازَ الْمُسْلِمُونَ تَحْلِيَةَ السُّيُوفِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِمَا أُجِيزَ مِنْ التَّفَاخُرِ فِيهِ، وَكَرِهُوا آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَجَازُوا ذَلِكَ فِي السِّلَاحِ. انْتَهَى بِنَصِّهِ مِنْ النَّوَادِرِ (وَلَزِمَ الْعَقْدُ كَالْإِجَارَةِ) تَقَدَّمَ هَذَا النَّصُّ لِابْنِ شَاسٍ: السَّبَقُ عَقْدٌ لَازِمٌ كَالْإِجَارَةِ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ. قَالَ خَلِيلٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 614 [كِتَابُ النِّكَاحِ] [الْقَسْم الْأَوَّل مُقَدِّمَاتُ النِّكَاحِ] ابْنُ شَاسٍ: كِتَابُ النِّكَاحِ يَنْحَصِرُ النَّظَرُ فِيهِ فِي خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَهِيَ خَصَائِصُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُكْمِ النِّكَاحِ وَالْخِطْبَةِ (خُصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوُجُوبِ الضُّحَى وَالْأَضْحَى وَالتَّهَجُّدِ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: خُصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَحْكَامٍ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ، فَخُصَّ مِنْ الْوَاجِبَاتِ بِالتَّهَجُّدِ. وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «كُتِبَ عَلَيَّ الْأُضْحِيَّةُ وَصَلَاةُ الضُّحَى وَالْوِتْرِ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ» . (وَالْوِتْرِ بِحَضَرٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 وَالسِّوَاكِ) . ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَجَبَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السِّوَاكُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْت بِالسِّوَاكِ وَلَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» (وَتَخْيِيرِ نِسَائِهِ فِيهِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ: " وَإِمْسَاكُ كَارِهَتِهِ " ابْنُ الْعَرَبِيِّ: خُصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّخْيِيرِ لِنِسَائِهِ فَلَا تَصْحَبُهُ امْرَأَةٌ تَكْرَهُهُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {قُلْ لأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 28] الْآيَةُ (وَطَلَاقِ مَرْغُوبَتِهِ) عَزَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا لِأَبِي الْمَعَالِي قَالَ: وَقَدْ بَيَّنَّا الْأَمْرَ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 قَضِيَّةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ (وَإِجَابَةِ الْمُصَلِّي) . ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أُبِيحَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَعَا الرَّجُلَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يُجِيبَهُ وَيَقُولَ لَبَّيْكَ عَامِدًا وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. اُنْظُرْ فِي الْمُوَطَّأِ حَدِيثَ أَبِي فِي فَضِيلَةِ الْفَاتِحَةِ. (وَالْمُشَاوَرَةِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُشَاوَرَةَ وَإِنْ كَانَ الْوَحْيُ يُسَدِّدُهُ وَجِبْرِيلُ يُؤَيِّدُهُ أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّبَ بِهَا أُمَّتَهُ. وَعِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ: وَمُشَاوَرَةُ ذَوِي الْأَحْلَامِ فِي غَيْرِ الشَّرَائِعِ. الْمُتَيْطِيُّ: إنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُشَاوِرُ فِي الْحُرُوبِ وَفِيمَا لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ بَيْنَ النَّاسِ. وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يُشَاوِرَ فِي الْأَحْكَامِ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ: وَهَذِهِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ. (وَقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ وَإِثْبَاتِ عَمَلِهِ) نَقَلَ ابْنُ شَاسٍ أَنَّ مَا خُصَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْوَاجِبَاتِ قَضَاءُ دَيْنِ مَنْ مَاتَ مُعْسِرًا وَأَنَّهُ إذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ (وَمُصَابَرَةِ الْعَدُوِّ الْكَثِيرِ) . ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كُلِّفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ مِنْ الْجِهَادِ مَا كُلِّفَ النَّاسُ أَجْمَعُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} [التوبة: 73] الْآيَةَ وَمَا حَمَلَ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَعِلْمِ الشَّرِيعَةِ (وَتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ) قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي إرْشَادِهِ: قَدْ جَرَى رَسْمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِذِكْرِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ بِمَجَالِ الْفُقَهَاءِ أَجْدَرُ، فَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبَانِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَلَا تَكْتَرِثْ بِقَوْلِ الرَّوَافِضِ إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ظُهُورِ الْإِمَامِ، فَإِذَا ثَبَتَ مَا قُلْنَا فَلَا يُخَصَّصُ الْأَمْرُ الْمَعْرُوفُ ذَلِكَ ثَابِتٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 لِأَحَدِ الْمُسْلِمِينَ (وَحُرْمَةِ الصَّدَقَتَيْنِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعَدَمُ بُنُوَّةٍ لِهَاشِمٍ " أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَا تَحْرُمُ عَلَى آلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَأَكْلِهِ كَثُومٍ أَوْ مُتَّكِئًا وَإِمْسَاكِ كَارِهَتِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 وَتَبَدُّلِ أَزْوَاجِهِ وَنِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ أَوْ الْأَمَةِ) نَقَلَ ابْنُ شَاسٍ: حَرُمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْلُ الثُّومِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ الْكَرِيهَةِ الرَّائِحَةِ وَالْأَكْلِ مُتَّكِئًا وَالتَّبَدُّلِ بِأَزْوَاجِهِ وَإِمْسَاكِ مَنْ كَرِهَتْ نِكَاحَهُ وَنِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ وَالْأَمَةِ وَخَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وَهُوَ أَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا يُضْمِرُ أَوْ يَنْخَدِعَ عَمَّا يَجِبُ (وَمَدْخُولَتِهِ لِغَيْرِهِ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 ابْنُ الْعَرَبِيِّ: «حَرَّمَ اللَّهُ نِسَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَعْدِهِ عَلَى غَيْرِهِ» . (وَنَزْعِ لَامَتِهِ حَتَّى يُقَاتِلَ) نَقَلَ ابْنُ شَاسٍ: «حَرُمَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَخْلَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ بِهَا أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ» (وَالْمَنِّ لِيَسْتَكْثِرَ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 ابْنُ الْعَرَبِيِّ: «حَرُمَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَمُنَّ بِشَيْءٍ عَلَى أَحَدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] أَوْ تَسْتَكْثِرُ حِينَ عَمَلِهِ» . وَفِي النُّكَتِ: أَنَّ مَعْنَى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] أَنْ يَهْدِيَ لِيُهْدَى لَهُ وَأُبِيحَ هَذَا لِغَيْرِهِ (وَخَائِنَةِ الْأَعْيُنِ) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَأَكْلِهِ كَثُومٍ " (وَالْحُكْمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ) هَذَا الْفَرْعُ مِنْ خَطَأِ الْمَخْرَجِ مِنْ الْمُبَيَّضَةِ لِأَنَّهُ قَسِيمُ قَوْلِهِ: " وَنَزْعِ لَامَتِهِ حَتَّى يُقَاتِلَ ". (وَرَفْعِ الصَّوْتِ عَلَيْهِ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: «رَفَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] » وَحُرْمَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيًّا كَحُرْمَتِهِ مَيِّتًا، فَإِذَا قُرِئَ كَلَامُهُ وَجَبَ عَلَى كُلِّ حَاضِرٍ أَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِهِ عِنْدَ تَلَفُّظِهِ بِهِ (وَنِدَائِهِ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ) قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4] (وَبِاسْمِهِ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كُلُّ أَحَدٍ يُدْعَى بِاسْمِهِ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يُدْعَى بِخُطَّتِهِ وَهِيَ الرِّسَالَةُ (وَإِبَاحَةِ الْوِصَالِ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَبَاحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوِصَالَ فِي الصَّوْمِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ» (وَدُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَبَاحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُخُولَ الْحَرَمِ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ خَائِفًا كَانَ أَمْ آمِنًا وَغَيْرُهُ فِيهِ تَفْصِيلٌ. اُنْظُرْهُ فِي جَامِعِ الْمَسَالِكِ (وَبِقِتَالٍ) . ابْنُ الْعَرَبِيِّ: «أَبَاحَ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَتْلَ فِي الْحَرَمِ مِثْلَ قَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَطَلٍ» . اُنْظُرْ فِي الْحَجِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَفِي جَوَازِ الْقِتَالِ مُطْلَقًا تَرَدُّدٌ ". (وَصَفِيِّ الْمَغْنَمِ) نَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ: «خُصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْغَنِيمَةِ بِخُمُسِ الْخُمُسِ وَكَانَ لَهُ صَفِيٌّ يَأْخُذُهُ قَبْلَ الْغَنِيمَةِ دَابَّةٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 أَوْ سَيْفٌ» (وَالْخُمُسِ) . ابْنُ شَاسٍ: كَانَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الِاسْتِبْدَادُ بِخُمُسِ الْخُمُسِ أَوْ الْخُمُسِ (وَيُزَوِّجُ مِنْ نَفْسِهِ) . ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مِمَّا خُصَّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِكَاحُ الْمَوْهُوبَةِ وَالنِّكَاحُ بِتَزْوِيجِ اللَّهِ إيَّاهُ لِقَوْلِهِ: {زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] وَالنِّكَاحُ بِلَا وَلِيٍّ بِلَا شُهُودٍ قِيَاسًا عَلَى الْمَوْهُوبَةِ (وَمَنْ شَاءَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي الْمَوْهُوبَةِ (وَزَائِدٍ عَلَى أَرْبَعٍ وَبِلَا مَهْرٍ وَوَلِيٍّ) نَقَلَ ابْنُ شَاسٍ: نِكَاحُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَبِغَيْرِ وَلِيٍّ وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ وَفِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَسْمُ فِي زَوْجَتِهِ (وَشُهُودٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْعَرَبِيِّ بِهَذَا (وَبِإِحْرَامٍ وَبِلَا قَسْمٍ) تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ (وَبِحُكْمٍ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ) . ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أُبِيحَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ (وَيَحْمِي لَهُ وَلَا يُورَثُ) عِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ: «خُصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يُورَثُ» انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ زِيَادَةً عَلَى الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ خَصْلَةً الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَتَرَكَ مِنْهَا خِصَالًا مِنْهَا: «أَنَّهُ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ شَيْئًا، وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 الْأَشَرَّ بِالْأَحْسَنِ، وَإِذَا رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ أَنْ يَقُولَ لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ فَكَانَ يَقُولُهَا فِي حَالِ الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ» ، وَهَكَذَا يَقُولُ كُلُّ مَنْ عَرَفَ الْآخِرَةَ وَحَقَرَ الدُّنْيَا وَذَمَّهَا، «وَكُلِّفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشَاهَدَةَ الْحَقِّ مَعَ مُعَاشَرَةِ الْخَلْقِ فَكَانَ يَخْرُجُ أَوْقَاتًا إلَى جَبَلِ حِرَاءٍ» ، «وَأَوْجَبَ اللَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً» . [فَصْلٌ نُدِبَ لِمُحْتَاجٍ ذِي أُهْبَةٍ نِكَاحُ] (نُدِبَ لِمُحْتَاجٍ ذِي أُهْبَةٍ نِكَاحُ) الْمُحْكَمُ أَخَذَ لِذَلِكَ الْأَمْرِ أُهْبَتَهُ أَيْ عُدَّتَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: الْقَوْلُ بِنَدْبِ النِّكَاحِ مُطْلَقًا لَا يَصِحُّ الْمَازِرِيُّ: إلَّا مِنْ وُقُوعِهِ فِي مُحَرَّمٍ إنْ اشْتَهَى النِّكَاحَ وَلَمْ يَقْطَعْهُ عَنْ فِعْلِ الْخَيْرِ نُدِبَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِ وَقَطَعَهُ عَنْهُ كُرِهَ لَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ خَافَ الْعَنَتَ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْعَنَتَ وَهُوَ يَضُرُّ بِالْمَرْأَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْوَطْءِ أَوْ عَنْ النَّفَقَةِ أَوْ الْأَمْنِ حَرَامٌ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ. اللَّخْمِيِّ: مَنْ لَا أَرَبَ لَهُ وَلَا يُرْجَى نَسْلُهُ فَهُوَ لَهُ مُبَاحٌ كَالْعَقِيمِ وَالشَّيْخِ وَالْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ، وَالْمَرْأَةُ مِثْلُ الرَّجُلِ لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 فِي النِّسَاءِ لِامْتِنَاعِهِ عَلَيْهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُوجِبُهُ عَلَيْهَا عَجْزُهَا عَنْ قُوَّتِهَا أَوْ سِتْرِهَا إلَّا بِهِ (بِكْرٍ) لَوْ قَالَ: " وَبِكْرٍ " لَكَانَ أَبْيَنَ، وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ النِّكَاحُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «وَحَضَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نِكَاحِ الْأَبْكَارِ وَقَالَ: فَإِنَّهُنَّ أَطْيَبُ أَفْوَاهًا وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا وَأَطْيَبُ أَخْلَاقًا» قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَنْتَقُ أَرْحَامًا أَقْبَلُ لِلْوَلَدِ. (وَنَظَرُ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا فَقَطْ بِعِلْمٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِمُرِيدِ تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ نَظَرٌ إلَيْهَا بِإِذْنِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: إلَى وَجْهِهَا. الْمَازِرِيُّ: وَيَدَيْهَا. وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَغْتَفِلَهَا. وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَطَّانِ كَوْنَ النَّظَرِ إلَيْهَا مَنْدُوبًا لِلْأَحَادِيثِ بِالْأَمْرِ بِهِ وَاخْتَارَ قَوْلَ ابْنِ وَهْبٍ أَنْ يَغْتَفِلَهَا وَمَالَ إلَى جَوَازِ النَّظَرِ إلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ سِوَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 السَّوْأَتَيْنِ. (وَحَلَّ لَهُمَا حَتَّى نَظَرُ الْفَرْجِ كَالْمِلْكِ وَتَمَتُّعٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: صَحِيحُ النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ الْمُسْتَقْبَلِ يُبِيحُ الِاسْتِمْتَاعَ بِالْحَلِيلَةِ فِي غَيْرِ الدُّبُرِ. وَرَوَى الشَّيْخُ: لَا بَأْسَ بِنَظَرِ فَرْجِهَا. زَادَ أَصْبَغُ: وَلَحْسِهِ بِلِسَانِهِ تَحْقِيقًا لِإِبَاحَةِ النَّظَرِ لِاعْتِقَادِ الْعَوَامّ حُرْمَتَهُ. وَحَكَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْكَلَامِ عِنْدَ الْجِمَاعِ فَقَالَ: إذَا خَلَوْتُمْ فَافْعَلُوا مَا شِئْتُمْ. الْمُتَيْطِيُّ: قَوْله تَعَالَى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] قَالَ الْحَسَنُ: عَلَى الرَّجُلِ إذَا فَرَغَ أَنْ يَنْتَظِرَهَا حَتَّى تَفْرُغَ ثُمَّ قَالَ: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 (بِغَيْرِ دُبُرٍ) . ابْنُ شَاسٍ: الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْفَرْجِ فِي إفْسَادِهِ الْعِبَادَةَ وَإِيجَابِ الْغُسْلِ وَالْكَفَّارَةِ وَلَا يَحِلُّ وَلَا يُحْصِنُ. وَحَرَّمَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ حَلَالٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَعَلَى هَذَا قَوْلُهَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِيلَاءُ. وَفِي الْمَدَارِكِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَقِيَ أَشْهَبَ فَقَالَ لَهُ الْعِرَاقِيُّ: أَنْتُمْ تُحِلُّونَ إتْيَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ. فَقَالَ لَهُ أَشْهَبُ: أَنْتُمْ تُحَرِّمُونَهُ وَلَكِنْ تَعَالَ احْلِفْ بِاَللَّهِ مَا فَعَلْتَهُ وَاحْلِفْ لِي أَنْتَ بِمِثْلِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ الْعِرَاقِيُّ. (وَخُطْبَةٌ بِخِطْبَةٍ وَعَقْدٍ) ابْنُ شَاسٍ: تُسْتَحَبُّ الْخُطْبَةُ بِالضَّمِّ. عِنْدَ الْخِطْبَةِ - بِالْكَسْرِ - وَعِنْدَ الْعَقْدِ (وَتَقْلِيلُهَا) رَوَى مُحَمَّدٌ: الْخُطْبَةُ عِنْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ وَمَا نَرَى تَرْكَهَا وَمَا قَالَ أَفْضَلُ. (وَإِعْلَانُهُ) أَبُو عُمَرَ: مِنْ فُرُوضِ النِّكَاحِ عِنْدَ مَالِكٍ: إعْلَانُهُ لِحِفْظِ النَّسَبِ يُسْتَحَبُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 إعْلَانُ النِّكَاحِ. (وَتَهْنِئَتُهُ وَالدُّعَاءُ لَهُ) . ابْنُ رُشْدٍ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُهَنَّأَ النَّاكِحُ عِنْدَ نِكَاحِهِ وَيُدْعَى لَهُ بِالْبَرَكَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 فِيهِ. (وَإِشْهَادُ عَدْلَيْنِ غَيْرِ الْوَلِيِّ بِعَقْدِهِ) . أَبُو عُمَرَ: يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ عِنْدَ مَالِكٍ كَمَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ وَكَانَتْ مَالِكَةً أَمْرَهَا أَوْ يَتِيمَةً مَالِكَةً بُضْعَهَا وَكَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ وَلِيٍّ وَيَشْهَدُونَ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْعَقْدِ، نَقَلَ الْأَكْثَرُ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ شَرْطٌ فِي الْبِنَاءِ وَشَهَادَةُ الْوَلِيِّ لَغْوٌ. الْمُتَيْطِيُّ: يَصِحُّ النِّكَاحُ دُونَ إشْهَادٍ وَمَعْنَى لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْإِشْهَادِ إنَّمَا ذَلِكَ عِنْدَ الْمُنَاكَرَةِ. اُنْظُرْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 تَعْلِيقَةَ السُّيُورِيِّ تَطَلَّعَ عَلَى بَسْطِ هَذَا الْمَعْنَى. (وَفُسِخَ إنْ دَخَلَ بِلَا هُوَ وَلَا حَدَّ إنْ فَشَا وَلَوْ عَلِمَ) قَالَ مَالِكٌ: لَوْ دَخَلَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يُشْهِدَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ وَخَطَبَ إنْ أَحَبَّ بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا يَحُدَّانِ إنْ كَانَ أَمْرُهُمَا فَاشِيًا. اُنْظُرْ فِيمَنْ نَكَحَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ مِنْ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ لِابْنِ يُونُسَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ إنْ دَخَلَا دُونَ إشْهَادٍ حَدًّا إلَّا أَنْ يَكُونَ الدُّخُولُ فَاشِيًا. (وَحَرُمَ خِطْبَةُ رَاكِنَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: خِطْبَةُ رَجُلٍ عَلَى خِطْبَةِ آخَرَ قَبْلَ مُرَاكَنَةِ الْمَخْطُوبِ إلَيْهِ جَائِزَةٌ. أَبُو عُمَرَ: وَإِنْ رَكَنَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ وَلِيُّهَا وَوَقَعَ الرِّضَا لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يُسَمُّوا صَدَاقًا (لِغَيْرِ فَاسِقٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَقَدُّمُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 خِطْبَةِ الْمَسْخُوطِ مَعَ تَقَارُبِ الْأَمْرِ بَيْنَهُمَا لَا يَمْنَعُ خِطْبَتَهَا. صَالِحٌ: وَيَنْبَغِي لِلْوَلِيِّ حَضُّهَا عَلَى الصَّالِحِ دُونَهُ (وَلَوْ لَمْ يُقَدَّرْ صَدَاقٌ) مُقْتَضَى نَقْلِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ كِلَا الْقَوْلَيْنِ مَشْهُورٌ. (وَفُسِخَ إنْ لَمْ يَبْنِ) أَبُو عُمَرَ: فِي فَسْخِهِ ثَالِثُ الرِّوَايَاتِ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُفْسَخُ وَيُؤَدَّبُ فَاعِلُهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 (وَصَرِيحُ خِطْبَةِ مُعْتَدَّةٍ) أَبُو عُمَرَ: صَرِيحُ خِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَالتَّعْرِيضُ بِهَا جَائِزٌ (وَمُوَاعَدَتُهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُوَاعَدَةُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَنْ يَعِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ لِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ تُكْرَهُ فِي الْعِدَّةِ ابْتِدَاءً إجْمَاعًا وَالتَّعْرِيضُ بِهَا جَائِزٌ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ وَرِوَايَةُ الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ ابْنُ رُشْدٍ: وَالْعِدَةُ أَنْ يَعِدَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالتَّزْوِيجِ دُونَ أَنْ يَعِدَهُ الْآخَرُ وَتُكْرَهُ اتِّفَاقًا. (كَوَلِيِّهَا) ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَاعِدَ وَلِيُّهَا دُونَ عِلْمِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَمْلِكُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 أَمْرَهَا (كَمُسْتَبْرَأَةٍ مِنْ زِنًا) عَبْدُ الْوَهَّابِ: حَيْضَةُ أُمِّ الْوَلَدِ لِمَوْتِ سَيِّدِهَا اسْتِبْرَاءٌ. وَقَالَ: مَالِكٌ: هِيَ عِدَّةٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 الْبَاجِيُّ: فَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ لَا تَبِيتُ إلَّا بِبَيْتِهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أُحِبُّ لَهَا الْمُوَاعَدَةَ فِيهَا. (وَتَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا بِوَطْءٍ) أَبُو عُمَرَ: مَنْ عَقَدَ عَلَى مُعْتَدَّةٍ نِكَاحًا فِي عِدَّتِهَا فَهُوَ مَفْسُوخٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ فُسِخَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ جَازَ لَهُ خِطْبَتُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فِي عِدَّتِهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا أَبَدًا عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهَا فِي عِدَّتِهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَمَنْ وَطِئَهَا فِي عِدَّتِهَا لَا يَنْكِحُهَا أَبَدًا، وَهُوَ تَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ (وَإِنْ بِشُبْهَةٍ) . ابْنُ رُشْدٍ: الْوَطْءُ بِنِكَاحٍ أَوْ بِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِمَا فِي عِدَّةِ نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ يَحْرُمُ (وَلَوْ بَعْدَهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ أَبِي عُمَرَ هَذَا هُوَ تَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ وَحَصَّلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ وَقَوْلَ ابْنِ نَافِعٍ. (وَبِمُقَدِّمَتِهِ فِيهَا) اللَّخْمِيِّ: فِي كَوْنِ قُبْلَتِهَا وَمُبَاشَرَتِهَا فِي الْعِدَّةِ مُحَرَّمًا قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَعَزَا ابْنُ رُشْدٍ التَّحْرِيمَ لِلْمُدَوَّنَةِ. قَالَ: وَلَا تَحْرُمُ الْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ بَعْدَ الْعِدَّةِ اتِّفَاقًا (أَوْ بِمِلْكٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ الْوَطْءُ بِمِلْكٍ فِي الْعِدَّةِ كَالْوَطْءِ بِنِكَاحٍ (كَعَكْسِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: فِي التَّحْرِيمِ بِالْوَطْءِ بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَتِهِ فِي عِدَّةِ غَيْرِ نِكَاحٍ كَعِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ لِوَفَاةِ رَبِّهَا أَوْ عِتْقِهَا أَوْ اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ لِبَيْعٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ اغْتِصَابٍ أَوْ زِنًا اخْتِلَافٌ أَخَفُّهَا تَحْرِيمًا النِّكَاحُ فِي اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ مِنْ زِنًا ثُمَّ مِنْ اغْتِصَابٍ ثُمَّ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْمَوْتِ ثُمَّ مِنْ الْعِتْقِ ثُمَّ فِي عِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ ثُمَّ مَوْتِ رَبِّهَا لِأَنَّهُ عِدَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ، ثُمَّ فِي اسْتِبْرَاءِ الْحُرَّةِ مِنْ زِنًا ثُمَّ مِنْ اغْتِصَابٍ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي كَانَ يُفْتِي بِهِ شُيُوخِي مَا فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ وَنَصُّهُ: أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَ أَنْ عَرَفَهَا عَلَى مَا يَحْرُمُ ثُمَّ دَخَلَ بِهَا دُونَ اسْتِبْرَائِهَا وَبَقِيَ مَعَهَا مُدَّةً ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ لَامَ نَفْسَهُ عَلَى الْمُقَامِ مَعَهَا عَلَى مِثْلِ هَذَا. فَأَجَابَ أَصْبَغُ بْنُ مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَتْ مُرَاجَعَتُهُ بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ فَالْمُرَاجَعَةُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 اسْتِبْرَائِهَا فَيُفَارِقُهَا وَيَتْرُكُهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ ثُمَّ يَنْكِحَهَا بَعْدَ ذَلِكَ نِكَاحًا صَحِيحًا إنْ شَاءَ وَشَاءَتْ. قَالَهُ أَصْبَغُ بْنُ مُحَمَّدٍ. وَأَجَابَ ابْنُ الْحَاجِّ: الْجَوَابُ صَحِيحٌ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَاجِّ. وَأَجَابَ ابْنُ رُشْدٍ: الْجَوَابُ صَحِيحٌ وَبِهِ أَقُولُ قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَابْنُ رُشْدٍ (لَا بِعَقْدٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْكَافِي: إنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ جَازَ لَهُ خِطْبَتُهَا (أَوْ بِزِنًا) ابْنُ رُشْدٍ: الْوَطْءُ بِزِنًا فِي عِدَّةٍ أَوْ اسْتِبْرَاءٍ لَا يَحْرُمُ اتِّفَاقًا (أَوْ بِمِلْكٍ عَنْ مِلْكٍ) ابْنُ رُشْدٍ: الْوَطْءُ بِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ فِي عِدَّةِ غَيْرِ نِكَاحٍ كَعِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ لِوَفَاةِ سَيِّدِهَا أَوْ عِتْقِهَا أَوْ اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ لِبَيْعٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ اغْتِصَابٍ أَوْ زِنًا لَا يَحْرُمُ اتِّفَاقًا (أَوْ مَبْتُوتَةٍ قَبْلَ زَوْجٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ اللَّخْمِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا نَصَّ فِيهَا. وَلِلْبَاجِيِّ: مَنْ تَزَوَّجَ مَبْتُوتَةً فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ. قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: تَحْرُمُ عَلَيْهِ كَالْأَجْنَبِيِّ (كَالْمُحْرِمِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِحْرَامُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ نِكَاحُهُ وَإِنْكَاحُهُ وَيُوجِبُ فَسْخَهُ. أَبُو عُمَرَ: وَلَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ. (وَجَازَ تَعْرِيضٌ كَفِيك رَاغِبٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: التَّعْرِيضُ بِالْخِطْبَةِ جَائِزٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 فِي الْمُوَطَّأِ كَانَ يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ فِي عِدَّتِهَا إنِّي فِيك لَرَاغِبٌ. وَفِيهَا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: وَإِنِّي بِك لَمُعْجَبٌ وَلَك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 مُحِبٌّ (وَالْإِهْدَاءُ) رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُهْدِيَ لَهَا. (وَتَفْوِيضُ الْوَلِيِّ الْعَقْدَ لِفَاضِلٍ) ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُفَوِّضَ النِّكَاحَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ الصَّالِحِ أَوْ الشَّرِيفِ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ وَكَانَ يُفْعَلُ فِيمَا مَضَى، وَقَدْ فُوِّضَ فِي ذَلِكَ عُرْوَةُ فَخَطَبَ وَاخْتَصَرَ وَقَالَ: اللَّهُ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 خَطَبَ فُلَانٌ فُلَانَةَ وَقَدْ زَوَّجْتُهُ إيَّاهَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَرْطِهِ وَهُوَ إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ. (وَذِكْرُ الْمَسَاوِي) ابْنُ شَاسٍ: يَجُوزُ الصِّدْقُ فِي ذِكْرِ مَسَاوِي الْخَاطِبِ لِيَحْذَرَ (وَكُرِهَ عِدَّةٌ مِنْ أَحَدِهِمَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَتَزَوُّجُ زَانِيَةٍ) قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْمُعْلِنَةَ بِالسُّوءِ وَلَا أَرَاهُ حَرَامًا، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ (أَوْ مُصَرَّحٍ لَهَا بَعْدَهَا) اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ نَقَلَ أَنَّ مَنْ وَاعَدَ فِي الْعِدَّةِ وَنَكَحَ بَعْدَهَا أَنَّ رَابِعَ الْأَقْوَالِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُسْتَحَبُّ فَسْخُهُ وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ (وَنُدِبَ فِرَاقُهَا) أَمَّا فِرَاقُ الزَّانِيَةِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ تَزْنِي أَنْ يُفَارِقَهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُضَارُّهَا لِتَفْتَدِي. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ إذَا كَرِهَ الْمَرْأَةَ أَنْ يُمْسِكَهَا وَيُضَيِّقَ عَلَيْهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ وَإِنْ أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ مِنْ زِنًا أَوْ نُشُوزٍ وَبَذَاءٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ. انْتَهَى مِنْ رَسْمِ سَمَاعٍ وَفِي رَسْمٍ اسْتَأْذَنَ فِي الْمَرْأَةِ النَّاشِزِ تَقُولُ لَا أُصَلِّي وَلَا أَصُومُ وَلَا أَسْتَحِمُّ مِنْ جَنَابَةٍ، هَلْ يُجْبَرُ زَوْجُهَا عَلَى فِرَاقِهَا؟ قَالَ: لَا يُجْبَرُ عَلَى فِرَاقِهَا وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّبَهَا، فَإِنْ افْتَدَتْ مِنْهُ لِتَأْدِيبِهِ إيَّاهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ حَلَّ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهَا الْفِدَاءَ إذَا لَمْ يَكُنْ أَدَبُهُ لَهَا لِتَفْتَدِيَ، وَأَمَّا فِرَاقُ الْمُصَرَّحِ لَهَا بَعْدَهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ يُسْتَحَبُّ فَسْخُهُ (وَعَرْضُ رَاكِنَةٍ لِغَيْرٍ عَلَيْهِ) ابْنُ وَهْبٍ: مَنْ تَزَوَّجَ بِخِطْبَتِهِ عَلَى خِطْبَةِ آخَرَ فَتَابَ تَحَلَّلَ الْأَوَّلَ، فَإِنْ حَلَّلَهُ رَجَوْتُ أَنَّهُ مَخْرَجٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُحَلِّلْهُ اسْتَحْسَنْتُ لَهُ تَرْكَهَا دُونَ قَضَاءٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَرَكَهَا فَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا فَلِلثَّانِي مُرَاجَعَتُهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ. [الْقِسْمُ الثَّانِي فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ] ابْنُ شَاسٍ: الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي الْأَرْكَانِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الصِّيغَةُ وَالْمَحَلُّ وَالصَّدَاقُ وَالْعَاقِدُ. (وَرُكْنُهُ وَلِيٌّ وَصَدَاقٌ وَمَحَلٌّ وَصِيغَةٌ) ابْنُ الْحَاجِبِ: أَرْكَانُ النِّكَاحِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 الصِّيغَةُ وَالْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَالصَّدَاقُ (بِأَنْكَحْتُ وَزَوَّجْتُ) ابْنُ عَرَفَةَ: صِيغَتُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَفْظِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ. (وَبِصَدَاقٍ وَهِبَةٍ) أَبُو عُمَرَ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِحْلَالِ وَلَا بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْهِبَةِ، عَلَى أَنَّ مَالِكًا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي لَفْظِ الْهِبَةِ فَقَالَ مَرَّةً إنَّهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 الْهِبَةِ إذَا أَرَادُوا النِّكَاحَ وَفَوَّضُوا الصَّدَاقَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ (وَهَلْ كُلُّ لَفْظٍ يَقْتَضِي الْبَقَاءَ مُدَّةَ الْحَيَاةِ كَبِعْتُ تَرَدُّدٌ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِكُلِّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى التَّمْلِيكِ أَبَدًا كَالْبَيْعِ، ابْنُ الْقَصَّارِ: وَإِنْ لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 يُذْكَرْ صَدَاقٌ (وَكَقَبِلْتُ) ابْنُ شَاسٍ: يَكْفِي أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ قَبِلْتُ إذَا تَقَدَّمَ مِنْ الْوَلِيِّ الْإِيجَابُ وَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا. أَبُو عُمَرَ: إشَارَةُ الْأَخْرَسِ بِهِ كَلَفْظِهِ (وَبِزَوِّجْنِي فَيَفْعَلُ وَلَزِمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 وَإِنْ لَمْ يَرْضَ) فِيهَا: إنْ قَالَ لِأَبِي الْبِكْرِ أَوْ الْوَلِيِّ فَوَّضْتُ إلَيْهِ زَوِّجْنِي وَلِيَّتَكَ بِكَذَا فَقَالَ: فَعَلْتُ فَقَالَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 لَا أَرْضَى، لَزِمَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: ثَلَاثٌ هَزْلُهُنَّ جَدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ. (وَجَبَرَ الْمَالِكُ أَمَةً وَعَبْدًا بِلَا إضْرَارٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَالِكُ وَلَوْ تَعَدَّدَ يُجْبَرُ عَبْدُهُ وَأَمَتُهُ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ: إنْ قَصَدَ ضَرَرًا كَرَفِيعَةٍ مِنْ عَبْدِهِ الْأَسْوَدِ عَلَى غَيْرِ صَلَاحٍ لَمْ يَجُزْ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَضُرُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 بِعَبْدِهِ بِتَزْوِيجِهِ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ. (لَا عَكْسُهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُجْبَرُ السَّيِّدُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ أَوْ عَبْدَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 (وَلَا مَالِكُ بَعْضٍ وَلَهُ الْوِلَايَةُ وَالرَّدُّ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَالِكُ بَعْضِ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ لَا يُجْبَرُ وَلَا يُجْبِرُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 (وَالْمُخْتَارُ وَلَا أُنْثَى بِشَائِبَةٍ وَمُكَاتَبٍ بِخِلَافِ مُدَبَّرٍ وَمُعْتَقٍ لِأَجَلٍ إنْ لَمْ يَمْرَضْ السَّيِّدُ أَوْ يَقْرُبْ الْأَجَلُ) اللَّخْمِيِّ: أَصْوَبُ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ فِيمَنْ فِيهِ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ أَنْ يُمْنَعَ السَّيِّدُ مِنْ إجْبَارِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَيَا أَنْفُسَهُمَا مِنْ السَّيِّدِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ إجْبَارِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّهُمَا الْيَوْمَ عَلَى حَالِ الرِّقِّ إلَّا أَنْ يَمْرَضَ السَّيِّدُ أَوْ يَقْرُبَ الْأَجَلُ فَيُمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا أَشْرَفَا عَلَى الْعِتْقِ، وَيُمْنَعُ مِنْ إجْبَارِ الْإِنَاثِ يَعْنِي اللَّائِي فِيهِنَّ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعْتَقَةِ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ إنَّمَا هُوَ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْحُرِّيَّةِ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِيمَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَنَافِعَ لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ وَعَقْدُ النِّكَاحِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 عَلَيْهِنَّ بِيعَ مِنْهُ لِمَا يَكُونُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ الْآنَ وَمَا يَكُونُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَاَلَّذِي بَعْدَ الْعِتْقِ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَلَيْسَ لَهُنَّ حَلُّ ذَلِكَ الْعَقْدِ إذَا صِرْنَ إلَى الْحُرِّيَّةِ وَقَدْ يَسْتَخِفُّ ذَلِكَ إذَا زَوَّجَهُنَّ لِعَبْدٍ لِأَنَّ إلَيْهِنَّ حَلَّ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الْعِتْقِ. (ثُمَّ أَبٌ وَجَبَرَ الْمَجْنُونَةَ وَالْبِكْرَ وَلَوْ عَانِسًا) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَبُ يُجْبِرُ الْبِكْرَ وَلَوْ عَنَسَتْ إنْ لَمْ يَطُلْ مُكْثُهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ وَلَمْ تَرْشُدْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْمَجْنُونَةُ كَالْبِكْرِ (إلَّا لِكَخَصِيٍّ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَإِنْ زَوَّجَ الْأَبُ بِنْتَهُ مِنْ خَصِيٍّ أَوْ مَجْبُوبٍ أَوْ عِنِّينٍ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَزِمَهَا. وَقَالَ سَحْنُونَ: إنْ أَبَتْ الْبِنْتُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لِلسُّلْطَانِ مَنْعُهُ (عَلَى الْأَصَحِّ) اللَّخْمِيِّ: قَوْلُ سَحْنُونَ فِي هَذَا أَحْسَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَاهِبُ الْأُنْثَيَيْنِ خَاصَّةً فَيَمْضِيَ نِكَاحُهُ (وَالثَّيِّبُ إنْ صَغُرَتْ) . سَحْنُونَ: مَنْ دَخَلَ بِهَا وَطَلُقَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِلْأَبِ إجْبَارُهَا بَلَغَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوْ لَمْ تَبْلُغْ وَرَجَّحَ اللَّخْمِيِّ قَوْلَ أَشْهَبَ أَنَّهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَلَا تُجْبَرُ بَعْدَهُ (أَوْ بِعَارِضٍ) . ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ الثَّيِّبَ بِعَارِضٍ كَالْبِكْرِ (أَوْ بِحَرَامٍ) اللَّخْمِيِّ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ زَنَتْ يُزَوِّجُهَا كَمَا يُزَوِّجُ الْبِكْرَ. ابْنُ رُشْدٍ: غَصْبُهَا كَزِنَاهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذِهِ أَقْرَبُ لِلْجَبْرِ (وَهَلْ إنْ لَمْ تُكَرِّرْ الزِّنَا تَأْوِيلَانِ) قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: أُلْزِمَتْ فِي مَجْلِسِ النَّظَرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 بِحَضْرَةِ وَلِيِّ الْعَهْدِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي الْمَزْنِيِّ بِهَا الْحَيَاءَ، فَإِذَا تَكَرَّرَ الزِّنَا مِنْهَا فَقَدْ ارْتَفَعَ حَيَاؤُهَا وَزَالَتْ عِلَّةُ الْإِجْبَارِ وَلَمْ يَكُنْ لِأَبِيهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا بِرِضَاهَا فَالْتَزَمَتْ ذَلِكَ لِلْمُخَالِفِ (لَا بِفَاسِدٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الثُّيُوبَةُ الرَّافِعَةُ لِلْجَبْرِ مَا كَانَتْ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ وَلَوْ فَسَدَ. اللَّخْمِيِّ: وَلَوْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ فَحُكْمُهُ فِي تَرْكِ الْجَبْرِ حُكْمُ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ (وَإِنْ سَفِيهَةً) . ابْنُ عَرَفَةَ: لَا يُجْبِرُ ابْنَتَهُ الثَّيِّبَ الرَّشِيدَةَ اتِّفَاقًا وَالْمَعْرُوفُ وَلَا السَّفِيهَةُ (وَبِكْرًا رَشَدَتْ) الْمُتَيْطِيُّ: الْمَشْهُورُ وَاَلَّذِي بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ الْأَبَ لَا يُجْبِرُ مُرْشِدَتَهُ الْبِكْرَ. قَالَ ابْنُ مُغِيثٍ: وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ نَفَقَتُهَا حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي وَثَائِقِهِ: السَّمَاعُ مِنْهَا كَالثَّيِّبِ (أَوْ أَقَامَتْ بَيِّنَتَهَا سَنَةً وَأَنْكَرَتْ) لَوْ قَالَ: " لَا بِقُرْبٍ كَمَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ جَامَعْتُهَا وَأَنْكَرَتْ " لِتَنْزِلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. اللَّخْمِيِّ: إذَا طَالَ مُقَامُ الْبِكْرِ عِنْدَ الزَّوْجِ مُدَّةً يَخْلُصُ فِيهَا إلَيْهَا الْعِلْمُ بِحَالِ الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ثُمَّ وَقَعَ الْفِرَاقُ وَهِيَ بِحَالِ الْبَكَارَةِ، ارْتَفَعَ الْإِجْبَارُ. وَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا حَدَّ لِذَلِكَ إلَّا مَا يَرَى أَنَّ تِلْكَ الْإِقَامَةَ تَعْلَمُ مِنْهَا مَا تَعْلَمُهُ الثَّيِّبُ. وَقِيلَ: حَدُّ ذَلِكَ سَنَةٌ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَأَرَى السَّنَةَ طُولًا وَإِنْ كَانَ أَمْرًا قَرِيبًا جَبَرَهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُجْبِرُهَا فِي الْأَمْرِ الْقَرِيبِ وَإِنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِجِمَاعِهَا وَأَنْكَرَتْ هِيَ لِأَنَّهَا تَقُولُ أَنَا بِكْرٌ وَتُقِرُّ بِأَنَّ صَنِيعَ الْأَبِ جَائِزٌ عَلَيْهَا وَلَا يَضُرُّ قَوْلُ الزَّوْجِ (وَجَبَرَ وَصِيٌّ أَمَرَهُ أَبٌ بِهِ أَوْ عَيَّنَ الزَّوْجَ) . اللَّخْمِيِّ: الْإِجْبَارُ يَخْتَصُّ بِالْإِبَاءِ وَبِمَنْ أَقَامَهُ الْأَبُ مَقَامَهُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ إذَا عَيَّنَ الْأَبُ الزَّوْجَ الَّذِي يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ مِنْهُ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْأَبُ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ لِلْمُقَامِ إجْبَارَهَا وَإِنْكَاحَهَا مِمَّنْ يَرَاهُ حُسْنَ نَظَرٍ لَهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ، وَالْأَحْسَنُ قَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّهُ لَا يُجْبِرُهَا (وَإِلَّا فَخِلَافٌ) اللَّخْمِيِّ: لَيْسَ لِلْأَوْصِيَاءِ إذَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ الْإِجْبَارَ وَلَا لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُزَوِّجُوا الْإِنَاثَ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالِاسْتِئْذَانِ (وَهُوَ فِي الثَّيِّبِ وَلِيٌّ) فِيهَا: لَا أَمْرَ لِوَلِيٍّ مَعَ وَصِيٍّ فِي الْبِكْرِ، وَإِنْ زَوَّجَ وَلِيُّ الثَّيِّبِ جَازَ عَلَى الْوَصِيِّ كَجَوَازِهِ لِلْأَخِ عَلَى الْأَبِ، وَإِنْ زَوَّجَهَا الْوَصِيُّ جَازَ عَلَى الْوَلِيِّ فَحَمْلُهَا فَضْلٌ عَلَى الْمُرْشِدَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ رَشَدَ مَحْجُورَتُهُ فَلَا نَصَّ وَالظَّاهِرُ بَقَاءُ وِلَايَتِهِ (وَصَحَّ إنْ مِتُّ فَقَدْ زَوَّجْتُ ابْنَتِي بِمَرَضٍ وَهَلْ إنْ قَبِلَ بِقُرْبِ مَوْتِهِ تَأْوِيلَانِ) . ابْنُ يُونُسَ: فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ قَالَ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي فَقَدْ زَوَّجْتُ ابْنَتِي مِنْ فُلَانٍ جَازَ. فَأَطْلَقَهُ أَصْبَغُ قَائِلًا: فِيهِ مَغْمَزٌ لَكِنْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ طَالَ وَقَيَّدَهُ سَحْنُونَ بِقَبُولِهِ بِالْقُرْبِ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا فِي الْمَبْسُوطِ (ثُمَّ لَا جَبْرَ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: الْإِجْبَارُ مُخْتَصٌّ بِالْآبَاءِ وَالْوَصِيِّ إلَّا أَنَّهُ أَلْحَقَ بِذَلِكَ الْبَالِغَ الثَّيِّبَ بِالنِّكَاحِ إذَا ظَهَرَ مِنْهَا الْفَسَادُ وَلَمْ يَقْدِرْ وَلِيُّهَا عَلَى صِيَانَتِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 يَصُونُهَا، وَالْأَحَبُّ رَفْعُ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ الْوَلِيُّ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ وَزَوَّجَ مَضَى فِعْلُهُ (فَالْبَالِغُ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِ الْمَالِكِ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجُوا الْإِنَاثَ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ (إلَّا يَتِيمَةً خِيفَ فَسَادُهَا وَبَلَغَتْ عَشْرًا) مُحَمَّدٌ: قَالَ مَالِكٌ فِي صَبِيَّةٍ بِنْتِ عَشْرِ سِنِينَ فِي حَاجَةٍ تَتَكَفَّفُ النَّاسَ: لَا بَأْسَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِرِضَاهَا لِمَكَانِ مَا هِيَ فِيهِ مِنْ الْخَصَاصَةِ وَالْكَشْفَةِ، وَهَذَا أَحْسَنُ لِتَغْلِيبِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ. انْتَهَى نَصُّ اللَّخْمِيِّ (وَشُووِرَ الْقَاضِي) . ابْنُ بَشِيرٍ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَيُشَاوَرُ الْقَاضِي (وَالْأَصَحُّ إنْ دَخَلَ وَطَالَ) الْمُتَيْطِيُّ: لَوْ زَوَّجَهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَصِيٌّ أَوْ وَلِيٌّ أَوْ حَاكِمٌ وَلَمْ تَكُنْ مُحْتَاجَةً فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا بِوَجْهٍ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ مَا لَمْ يَطُلْ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ. هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ، وَانْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةً وَهِيَ إذَا قَطَعَ الْأَبُ النَّفَقَةَ عَنْ بِنْتِهِ وَخَشِيَ عَلَيْهَا الضَّيْعَةَ لَا خِلَافَ أَنَّهَا تُزَوَّجُ وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَالْمَشْهُورُ هُنَا: أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا هُنَا إلَّا السُّلْطَانُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 وَقِيلَ يُزَوِّجُهَا وَلِيُّهَا لِأَنَّ أَبَاهَا صَارَ كَالْمَيِّتِ. (وَقُدِّمَ ابْنٌ فَابْنُهُ فَأَخٌ فَابْنُهُ فَجَدٌّ فَعَمٌّ فَابْنُهُ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَعْرُوفُ أَنَّ الْأَحَقَّ الِابْنُ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ ثُمَّ ابْنُهُ وَلَوْ سَفَلَ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُهُ وَلَوْ سَفَلَ. اُنْظُرْ قَدْ يَكُونُ الِابْنُ تَصِحُّ مِنْهُ الْوِلَايَةُ وَلَكِنْ يَكُونُ الْأَبُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ وَذَلِكَ فِي الْمَحْجُورَةِ اُنْظُرْ فِي ابْنِ عَاتٍ. (وَقُدِّمَ الشَّقِيقُ عَلَى الْأَصَحِّ) . رِوَايَةُ الْمُدَوَّنَةِ: كِلَا الشَّقِيقِ وَلِيٌّ لَا تَقْدِيمَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (وَالْمُخْتَارُ) اللَّخْمِيِّ: رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الشَّقِيقَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ أَحْسَنُ مِنْ رِوَايَةِ الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ يُدْلِي بِزِيَادَةِ دَمِ رَحِمٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا الْمِيرَاثَ وَالصَّلَاةَ وَالْوَلَاءَ دُونَ مَنْ شَارَكَهُ فِي الْأُبُوَّةِ بِانْفِرَادِهَا (فَمَوْلًى) الْبَاجِيُّ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَاصِبٌ مِنْ النَّسَبِ فَالْمَوْلَى الْأَعْلَى (ثُمَّ هَلْ الْأَسْفَلُ وَبِهِ فُسِّرَتْ) . ابْنُ زَرْقُونٍ: رَوَى مُحَمَّدٌ: الْأَسْفَلُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ (أَوَّلًا وَصُحِّحَ) . أَبُو عُمَرَ: وَقِيلَ لَا وِلَايَةَ لَهُ وَجَعَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ الْأَصَحَّ (فَكَافِلٌ) الْمُتَيْطِيُّ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْكَافِلَ إنَّمَا يَكُونُ وَلِيًّا فِي الدَّنِيَّةِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْوَلِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي الْيَتِيمَةِ، فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ أَبٍ فَهَلْ يُزَوِّجُهَا الْكَافِلُ أَوْ لَا؟ ثَالِثُهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا إنْ كَانَ الْأَبُ غَائِبًا، عِيَاضٌ: وَمَجْهُولَةُ الْأَبِ لِغُرْبَتِهَا بِالْجَلَاءِ يَتِيمَةٌ، وَفِي اسْتِمْرَارِ وِلَايَتِهِ بَعْدَ فُرْقَتِهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، فَإِنْ كَانَتْ الْكَافِلَةُ امْرَأَةً، فَهَلْ لَهَا أَنْ تُقَدِّمَ مَنْ يَعْقِدُ نِكَاحَ مَحْضُونَتِهَا؟ قَوْلَانِ. وَانْظُرْ إنْ كَانَ هَذَا الْكَافِلُ إنَّمَا كَفَلَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ وَلَمْ يَكْفُلْهَا فِي صِغَرِهَا، فَنَقَلَ ابْنُ عَاتٍ لَهُ إنْكَاحُهَا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْعَطَّارِ لَا يَنْكِحُهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ إعْطَاءُ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ لِغَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ بِحَسَنٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ لِذِي مَحْرَمٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا دُونَ إسَاءَةٍ وَضَرَرٍ مِنْهُ بِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: كَرَاهَتُهُ لِغَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ صَحِيحَةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَزَبًا. وَفِيهَا: أَكْرَهُ لِلْعَزَبِ أَنْ يُؤَاجِرَ غَيْرَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ ذَا أَمْنٍ وَهُوَ مَأْمُونٌ جَازَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ (وَهَلْ إنْ كَفَلَ عَشْرًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ مَا يُشْفِقُ تَرَدُّدٌ) قَالَ شَارِحُ التَّهْذِيبِ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ: أَقَلُّ ذَلِكَ أَرْبَعُ سِنِينَ، وَقِيلَ عَشْرُ سِنِينَ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا حَدَّ إلَّا مَا يُوجِبُ الْحَنَانَ وَالشَّفَقَةَ (وَظَاهِرُهَا شَرْطُ الدَّنَاءَةِ) تَقَدَّمَ هَذَا لِلْمُتَيْطِيِّ قَالَ: وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْعَطَّارِ أَنَّ الْحَاضِنَ وَلِيٌّ مُطْلَقًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 (فَحَاكِمٌ) ابْنُ لُبَابَةَ: يُزَوِّجُ مِنْ وَلِيٍّ لَهَا السُّلْطَانُ إنْ كَانَ يُقِيمُ السُّنَّةَ وَيَهْتَبِلُ بِمَا يَجُوزُ بِهِ الْعَقْدُ وَإِلَّا فَلَا، وَيَعْقِدُ عَلَيْهَا صَاحِبُ السُّوقِ إنْ كَانَ يَكْشِفُ عَنْ مِثْلِ هَذَا (فَوِلَايَةُ عَامَّةِ مُسْلِمٍ) التَّلْقِينُ: الْوِلَايَةُ وِلَايَتَانِ: خَاصَّةٌ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهِ: بِنَسَبٍ أَوْ خِلَافَةِ نَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ أَوْ سُلْطَانٍ. وَأَمَّا الْعَامَّةُ فَهِيَ: وِلَايَةُ الدِّينِ وَهِيَ جَائِزَةٌ مَعَ تَعَذُّرِ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ. أَبُو عُمَرَ: وَهِيَ لِلْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ هُمْ فِي النِّكَاحِ بَعْضُهُمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ. (وَصَحَّ بِهَا فِي دَنِيَّةٍ مَعَ خَاصٍّ لَمْ يُجْبَرْ) ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ رِوَايَةُ عَلِيٍّ مَعَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ إنْكَاحُ الدَّنِيَّةِ بِوِلَايَةِ الْإِسْلَامِ. وَإِنْ كَانَ ثَمَّ سُلْطَانٌ فَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: وَبِهَذَا هُوَ الْعَمَلُ وَالْفُتْيَا وَسَيَأْتِي لِلَّخْمِيِّ: يَمْضِي عَقْدُ الْأَبْعَدِ مَعَ الْأَقْرَبِ فِي الدَّنِيَّةِ اتِّفَاقًا (كَشَرِيفَةٍ دَخَلَ وَطَالَ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِيمَا عَقَدَهُ أَجْنَبِيٌّ فِي ذَاتِ قَدْرٍ لَهَا وَلِيُّ نَسَبٍ مِنْ كُفْءٍ سِتَّةُ أَقْوَالٍ. ابْنُ يُونُسَ: تَحْصِيلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 طَالَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فُسِخَ وَإِنْ طَالَ بَعْدَ الْبِنَاءِ مَضَى، وَإِنْ قَرُبَ بَعْدَ الْبِنَاءِ خُيِّرَ الْوَلِيُّ. (وَإِنْ قَرُبَ فَلِلْأَقْرَبِ أَوْ الْحَاكِمِ إنْ غَابَ الرَّدُّ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ إنْ قَرُبَ خُيِّرَ الْوَلِيُّ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَإِنْ غَابَ الْأَقْرَبُ وَقَرُبَتْ غَيْبَتُهُ كَتَبَ لَهُ. اللَّخْمِيِّ: وَوَقَفَ الزَّوْجُ عَنْهَا وَإِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ فَفِي كَوْنِ الْخِيرَةِ لِلسُّلْطَانِ أَوْ لِلْحَاضِرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالثَّانِي تَخْرِيجٌ، وَالثَّالِثُ تَأْوِيلٌ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ (وَفِي تَحَتُّمِهِ إنْ طَالَ قَبْلَهُ تَأْوِيلَانِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ: تَحْصِيلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَإِنْ طَالَ، وَالتَّأْوِيلُ الْآخَرُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ سَعْدُونٍ أَنَّهُ يُخَيَّرُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَوْ طَالَ. (وَبِأَبْعَدَ مَعَ أَقْرَبَ إنْ لَمْ يُجْبَرْ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي إنْكَاحِ وَلِيٍّ خَاصٍّ أَبْعَدَ مَعَ أَقْرَبَ غَيْرِ مُجْبَرٍ تِسْعَةُ أَقْوَالٍ. اللَّخْمِيِّ: لَا فَسَادَ فِيهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 اتِّفَاقًا إنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ فِيهِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ أَوْ لَا وَيَمْضِي فِي الدَّنِيَّةِ بِالْعَقْدِ اتِّفَاقًا. وَفِيهَا: إنْ نَكَحَ مُعْتَقَتَهُ بِإِذْنِهَا جَازَ وَإِنْ كَرِهَ وَلِيُّهَا. وَفِيهَا أَيْضًا فِي إنْكَاحِ أَبْعَدَ مَعَ أَقْرَبَ. وَرَوَى أَكْثَرُ الرُّوَاةِ إنْ نَزَلَ نَظَرَ السُّلْطَانُ وَرَوَى بَعْضُهُمْ لِلْأَقْرَبِ رَدُّهُ مَا لَمْ يَطُلْ وَتَلِدُ الْأَوْلَادَ. وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ: وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ الْمَرْأَةِ حُضُورًا كُلُّهُمْ وَبَعْضُهُمْ أَقْعَدُ مِنْ بَعْضٍ مِنْهُمْ الْوَلَدُ وَالْوَالِدُ نَفْسُهُ وَالْأَخُ وَالْجَدُّ وَالْعَمُّ وَغَيْرُهُمْ فَزَوَّجَهَا الْعَمُّ أَوْ الْأَخُ بِرِضَاهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ وَأَنْكَرَ وَالِدُهَا وَسَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ لَمْ يَرُدَّ النِّكَاحَ وَلَيْسَ لِلْأَبِ هَاهُنَا قَوْلٌ لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ أَمْرَهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ بِكْرًا بَالِغًا لَا أَبِ لَهَا وَلَا وَصِيَّ وَلَهَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ مَنْ ذَكَرْنَا فَزَوَّجَهَا الْأَبْعَدُ بِرِضَاهَا وَأَنْكَرَ الْأَقْعَدُ، فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّ الرَّجُلَ مِنْ الْفَخِذِ يُزَوِّجُ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ أَوْلَى مِنْهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا يَجُوزُ إنْكَاحُهُ إيَّاهَا إذَا كَانَ لَهُ فَضْلٌ وَصَلَاحٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ وَلَهَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ مَنْ ذَكَرْنَا. انْتَهَى نَصُّهُ. وَانْظُرْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرَاجَعَةِ قَدْ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ لُبٍّ: إنَّ الْأَمْرَ فِيهَا أَخَفُّ قَالَ: وَقَدْ رَوَى أَبُو قُرَّةَ عَنْ مَالِكٍ صِحَّةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 الْمُرَاجَعَةِ بِلَا وَلِيٍّ بِخِلَافِ النِّكَاحِ الْمُبْتَدَأِ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ قَالَ: وَالْفَرْقُ أَنَّ طَلَبَ الْوَلِيِّ إنَّمَا هُوَ لِتَحْصُلَ الْكَفَاءَةُ بِنَظَرِ الْوَلِيِّ فِيهَا وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْمُرَاجَعَةِ فِي النِّكَاحِ الْمُبْتَدَأِ انْتَهَى وَلَمْ يُجِزْ عِيَاضٌ: رَوَى الْبَغْدَادِيُّونَ جَوَازَ إنْكَاحِ أَبْعَدَ مَعَ أَقْرَبَ ابْتِدَاءً، وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهَا إنْ زَوَّجَ ثَيِّبًا أَخُوهَا بِإِذْنِهَا فَلَا مَقَالَ لِأَبِيهَا. وَفِيهَا: رَوَى عَلِيٌّ: إنْ كَانَا أَخَوَيْنِ جَازَ وَلَا يَنْبَغِي إنْ كَانَا أَخًا وَعَمًّا. وَفِيهَا: إنْ نَزَلَ مَضَى وَحُمِلَتْ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْأَخِ وَمَسَائِلُ فِيهَا ظَاهِرُهَا الْجَوَازُ ابْتِدَاءً (كَأَحَدِ الْمُعْتَقِينَ) فِيهَا لِمَالِكٍ: كِلَا مُعْتَقِي الْأَمَةِ وَلِيٌّ لَهَا. قُلْتُ: فَإِنْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا دُونَ إذْنِ الْآخَرِ؟ قَالَ: نِكَاحُهُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ. عِيَاضٌ: مُقْتَضَى هَذَا جَوَازُهُ ابْتِدَاءً (وَرِضَا الْبِكْرِ صَمْتٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَعْرُوفُ لَا يُزَوِّجُ الْبِكْرَ غَيْرُ الْمُجْبَرِ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهَا بِإِذْنِهَا وَلَوْ كَانَتْ سَفِيهَةً وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا (كَتَفْوِيضِهَا) الْمُتَيْطِيُّ: دَلِيلُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُفَوِّضَ لِوَلِيِّهَا، وَهَلْ يَكُونُ نُطْقًا إنْ كَانَتْ بِكْرًا؟ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْمُوَثَّقِينَ إنَّهُ يَكُونُ بِغَيْرِ نُطْقٍ، وَأَنَّهُ يُجْزِي صُمَاتُهَا إلَّا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ مَوْضِعِ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ فَالظَّاهِرُ لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ. ابْنُ زَرْبٍ: إنْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ وَاحِدٌ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُفَوِّضَ. ابْنُ عَاتٍ: اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْفَصْلِ، هَلْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُفَوِّضَ أَمْرَهَا إلَى الْوَلِيِّ، أَوْ هَلْ ذَلِكَ بِيَدِهِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى تَفْوِيضِ الْمَرْأَةِ؟ ذَلِكَ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: ذَلِكَ جَارٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْوِلَايَةِ هَلْ هِيَ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ أَوْ حَقٌّ لِلْوَلِيِّ. اُنْظُرْ تَرْجَمَةَ مَا جَاءَ فِي الْأَوْلِيَاءِ. (وَنُدِبَ إعْلَامُهَا بِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي اسْتِحْبَابِ إعْلَامِهَا أَنَّ الصَّمْتَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 إذْنُهَا وَوُجُوبُهُ قَوْلَانِ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَعِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ الِاسْتِحْبَابُ وَعَزَاهُ الْبَاجِيُّ رِوَايَةً لِابْنِ الْمَاجِشُونِ (وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى جَهْلِهِ فِي تَأْوِيلِ الْأَكْثَرِ) فِيهَا: إنْ قَالَ لَهَا وَلِيُّهَا إنِّي زَوَّجْتُكِ مِنْ فُلَانٍ فَسَكَتَتْ فَذَلِكَ مِنْهَا رِضًا. قَالَ غَيْرُهُ: إذَا كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ السُّكُوتَ رِضًا. وَفِي كَوْنِهِ خِلَافًا أَوْ وِفَاقًا ثَالِثُهَا الْوَقْفُ. وَفِيهَا: لَا يَنْفَعُ الْبِكْرَ إنْكَارُهَا بَعْدَ صُمَاتِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَسُقُوطُ هَذَا مِنْ التَّهْذِيبِ نَقْصٌ (وَإِنْ مَنَعَتْ أَوْ نَفَرَتْ لَمْ تُزَوَّجْ) الْجَلَّابُ: إنْ نَفَرَتْ أَوْ قَامَتْ أَوْ ظَهَرَ مِنْهَا دَلِيلُ كَرَاهَتِهَا لَمْ تُنْكَحْ (لَا إنْ ضَحِكَتْ) ابْنُ مُغِيثٍ: ضَحِكُهَا رِضًا (أَوْ بَكَتْ) قَوْلُ الْجَلَّابِ مَعَ ابْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّ بُكَاهَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ رِضَاهَا. قَالَ ابْنُ مُغِيثٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَاخْتَلَفَ فِيهَا وَحَكَمَ بِإِمْضَائِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الصَّوَابُ الْكَشْفُ عَنْ حَالِ بُكَائِهَا هَلْ هُوَ إنْكَارٌ أَوْ لَا (وَالثَّيِّبُ تُعْرِبُ) هَذَا نَصُّ الْحَدِيثِ. وَقَالَ الْكَافِي: لَا يَكُونُ سُكُوتُ الثَّيِّبِ إذْنًا مِنْهَا فِي نِكَاحِهَا وَلَا تُنْكَحُ إلَّا بِإِذْنِهَا قَوْلًا (كَبِكْرٍ رَشَدَتْ) الْمُتَيْطِيُّ: الْمَشْهُورُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنَّ الْأَبَ إذَا رَشَدَ بِنْتُهُ الْبِكْرُ انْقَطَعَ إجْبَارُهُ لَهَا وَلَا يُزَوِّجُهَا إلَّا بِرِضَاهَا، وَعَلَى هَذَا فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْقَوْلِ وَقَالَهُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَابْنُ الْعَطَّارِ وَالْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنْ لَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا وَالسَّمَاعِ مِنْهَا كَالثَّيِّبِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْخَمْسِ مَسَائِلَ الَّتِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ نُطْقِهَا (أَوْ عَضَلَتْ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُتَيْطِيُّ هَذِهِ فِي جُمْلَةِ الْأَبْكَارِ اللَّاتِي يَتَكَلَّمْنَ لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْوَثِيقَةِ مَا نَصُّهُ: بَعْدَ ثُبُوتِ أَنَّهَا بِكْرٌ عَضَلَهَا أَبُوهَا فَأَنْكَحَهَا فُلَانٌ بَعْدَ أَنْ اسْتَأْمَرَهَا (أَوْ زُوِّجَتْ بِعَرْضٍ) اُنْظُرْ فِي زَمَانِنَا لَا يَخْلُو مَهْرُ كُلِّ يَتِيمَةٍ مِنْ عَرْضٍ كَفَرْخَةِ شُرْبٍ وَعِمَامَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ يَعْنِي بِهَذِهِ الْمُرْشِدَةَ: فَإِنَّ إذْنَهَا عِنْدَهُ نُطْقٌ زُوِّجَتْ بِعَرْضٍ أَمْ لَا، فَيَبْقَى النَّظَرُ. إنْ كَانَ عَنِيَ بِهَذِهِ الْيَتِيمَةِ وَقَدْ عَدُّوا مِنْ الْخَمْسِ اللَّائِي إذْنُهُنَّ نُطْقٌ الْيَتِيمَةُ يُسَاقُ لَهَا مَا نُسِبَتْ مَعْرِفَتُهُ إلَيْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَصِيٌّ. وَقَالَ ابْنُ الْفَخَّارِ: قَوْلُ ابْنِ الْعَطَّارِ فِي ذَاتِ الْوَصِيِّ إنَّهَا تُسْتَأْمَرُ بِالرِّضَا بِالزَّوْجِ وَالصَّدَاقِ، قَوْلٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ ذَاتَ الْوَصِيِّ لَيْسَ لَهَا الرِّضَا بِالْمَهْرِ، إنَّمَا لَهَا الرِّضَا بِالزَّوْجِ، وَهَذَا إجْمَاعٌ وَإِنَّمَا تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ الَّتِي لَا وَصِيَّ لَهَا عَنْ الرِّضَا بِالْمَهْرِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي جَوَازِ أَمْرِهَا، لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَجَازَ لَهَا الرِّضَا بِدُونِ الْمَهْرِ لِأَنَّ فِعْلَهَا عِنْدَهُمْ جَائِزٌ. وَاَلَّذِي لِابْنِ سَلْمُونَ كَيْفِيَّةُ الِاسْتِئْمَارِ أَنْ يُقَالَ لَهَا إنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَكِ بِصَدَاقِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ رَاضِيَةً فَاصْمُتِي، فَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ عَرْضًا فَذَكَرَ ابْنُ فَتْحُونَ أَنَّ سُكُوتَهَا فِي قَبْضِهِ مَعَ الْمُعَايَنَةِ فِيهِ بَرَاءَةٌ لِلزَّوْجِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: لَا يَبْرَأُ حَتَّى تَنْطِقَ. رَاجِعْ ابْنَ سَلْمُونَ فِي إنْكَاحِ الْأَخِ. وَحَصَّلَ الْمُتَيْطِيُّ فِي الْيَتِيمَةِ يَكُونُ فِي صَدَاقِهَا عَرْضٌ لِثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ لِابْنِ الْهِنْدِيِّ وَابْنِ الْعَطَّارِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 وَالْبَاجِيِّ، وَالثَّانِي لِكَثِيرٍ مِنْ الشُّيُوخِ، وَالثَّالِثُ لِابْنِ لُبَابَةَ أَنَّ الصُّمَاتَ يُجْزِئُ فِيهِمَا. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ لُبَابَةَ أَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي وَجَبَ الصَّدَاقُ بِهِ هُوَ الرِّضَا بِالزَّوْجِ وَالصَّدَاقُ فَرْعٌ لَهُ وَحُكْمُ الْفَرْعِ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِلْأَصْلِ، فَلَمَّا كَانَ صُمَاتُهَا يُجْزِي فِي الْأَصْلِ كَانَ الصَّدَاقُ تَابِعًا لَهُ وَإِنْ كَانَ عَرَضًا لِأَنَّهَا قَدْ عُرِفَتْ بِهِ وَأُعْلِمَتْ أَنَّ سُكُوتَهَا تُجْزِئُ فِيهِ. وَالدَّلِيلُ لِهَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ لِقَوْمٍ اشْهَدُوا أَنَّ لِي عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَفُلَانٌ مَعَ الْقَوْمِ سَاكِتٌ لَمْ يَقُلْ نَعَمْ وَلَا لَا، فَإِنَّ الدَّنَانِيرَ تَلْزَمُهُ. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ نَفْسِهِ فِي اسْتِئْمَارِ بِكْرٍ قَالَ: لَمْ أَجْتَزْ حَتَّى تَكَلَّمَتْ وَعَرَفَ بِهَا مَنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا هِيَ قَالَ: وَطَلَبْت كَلَامَهَا لِأَنَّهَا سِيقَ لَهَا بَعْضُ الْجِهَازِ عُرُوضًا (أَوْ لِرِقٍّ) الْبَاجِيُّ: مِنْ الْخَمْسِ اللَّائِي لَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهِنَّ الْبِكْرُ الَّتِي تُزَوَّجُ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا فَلَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا بِالرِّضَا بِهِ إذْ هُوَ عَيْبٌ يَلْزَمُهَا وَتَدْخُلُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ صُمَاتُهَا هُنَا رِضًا (أَوْ عَيْبٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُتَيْطِيُّ هَذَا وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَاتٍ قَالَ: الْمُزَوَّجَةُ مِنْ ذِي رِقٍّ أَوْ ذِي عَاهَةٍ إذْنُهَا نُطْقٌ (أَوْ يَتِيمَةٌ أَوْ اُفْتِيتَ عَلَيْهَا) فِي الْمُدَوَّنَةِ: الْبِكْرُ الْيَتِيمَةُ تُزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِهَا ثُمَّ تُعْلَمُ بِقُرْبِ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا بِالرِّضَا بِذَلِكَ. وَانْظُرْ بَقِيَ مِنْ اللَّائِي إذْنُهُنَّ نُطْقٌ: الْبِكْرُ الْيَتِيمَةُ الْمُعَنَّسَةُ لَمْ يَذْكُرْهُ خَلِيلٌ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا خِلَافًا. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونَ: إذَا بَلَغَتْ حَدَّ التَّعْنِيسِ فَلَا يَكُونُ رِضَاهَا إلَّا بِالْكَلَامِ قَالَ: وَفِي حَدِّ التَّعْنِيسِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ، ثَالِثُهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً. رَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَخَامِسُهَا أَنْ تَقْعُدَ عَنْ الْمَحِيضِ وَهِيَ رِوَايَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ رَاجِعْ ابْنَ سَلْمُونَ (وَصَحَّ إنْ قَرُبَ رِضَاهَا بِالْبَلَدِ) فِيهَا إنْ زَوَّجَ الْبِكْرَ وَلِيُّهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا ثُمَّ أَعْلَمَهَا بِالْقُرْبِ فَرَضِيَتْ جَازَ وَلَا يُعَدُّ صُمَاتُهَا هُنَا رِضًا، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ الْبَلَدِ أَوْ فِيهِ وَتَأَخَّرَ إعْلَامُهَا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ رَضِيَتْ. ابْنُ عَرَفَةَ: النِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ فِيهِ طُرُقٌ. الْبَاجِيُّ: هُوَ أَنْ يَعْقِدَ الْوَلِيُّ نِكَاحَهَا وَيُوقِفَهُ عَلَى إجَازَتِهَا وَيَذْكُرُ أَنَّهُ لَمْ يُعْلِمْهَا ذَلِكَ فِي إجَازَتِهِ إنْ أُجِيزَ بِالْقُرْبِ رِوَايَتَانِ: الْأُولَى لِابْنِ الْقَصَّارِ قَائِلًا: الَّذِي ذَكَرَ أَصْحَابُنَا جَوَازُ مَا وَقَفَ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ (وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ حَالَ الْعَقْدِ) ابْنُ رُشْدٍ: الْعَاقِدُ عَنْ غَيْرِهِ - وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا - إنْ زَعَمَ فِي الْعَقْدِ أَنَّهُ بِإِذْنِ الْغَائِبِ لَمْ يَفْسَخْ قَبْلَ قُدُومِهِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ صَحَّ وَإِنْ بَعُدَ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ إذْنِهِ فَسَدَ وَلَوْ قَرُبَ. ابْنُ سَلْمُونَ: إنْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ جَائِزٌ إذَا أَعْلَمَهَا بِالْقُرْبِ. قَالَ سَحْنُونَ وَأَصْبَغُ: حَدُّ الْقُرْبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 يَوْمًا. وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ: مَنْ زَوَّجَ أُخْتَهُ الْبِكْرَ أَوْ الثَّيِّبَ بِغَيْرِ أَمْرِهَا قَالَ سَحْنُونَ: وَإِنْ كَانَتْ عَنْ الْبَلَدِ غَائِبَةً كَالْقِلْزِمِ مِنْ مِصْرَ وَبَيْنَهُمَا يَوْمَانِ فَهُوَ قَرِيبٌ إذَا أَرْسَلَ إلَيْهَا فِي فَوْرِ ذَلِكَ فَأَجَازَتْ، وَأَمَّا مِثْلُ الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَلَا. انْتَهَى وَانْظُرْ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَلِيِّ قَالَ مَالِكٌ: يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِ وَلِيِّهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ فَعَلَ كُرِهَ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَعْلَمَ وَلِيُّهَا فَيُجِيزَ أَوْ يَفْسَخَ (وَإِنْ أَجَازَ مُجْبِرٌ فِي ابْنٍ وَأَخٍ وَجَدٍّ فَوَّضَ لَهُ أُمُورَهُ بِبَيِّنَةٍ جَازَ) فِيهَا: مَنْ زَوَّجَ أُخْتَهُ الْبِكْرَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْأَبِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَجَازَهُ الْأَبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الِابْنُ قَدْ فَوَّضَ إلَيْهِ أَبُوهُ جَمِيعَ شَأْنِهِ فَقَامَ بِأَمْرِهِ فَيَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْأَبِ، وَكَذَلِكَ فِي أَمَةِ الْأَبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ الْأَخُ وَالْجَدُّ يُقِيمُهُ هَذَا الْمَقَامَ. ابْنُ مُحْرِزٍ: كَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَجْنَبِيُّ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ وِلَايَةَ الْبِنْتِ فَلَا وِلَايَةَ لِابْنٍ وَلَا أَخٍ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ تَفْوِيضَ الْأَبِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَجْنَبِيٍّ وَوَلِيٍّ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ هَذَا النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ الْأَبُ انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَهُ: " بِبَيِّنَةٍ " قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ التَّفْوِيضِ لِلِابْنِ أَوْ لِلْأَخِ قَبْلَ عَقْدِهِ النِّكَاحَ وَبِذَلِكَ يَتِمُّ إجَازَةُ الْأَبِ لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ دَاعِيًا إلَى إجَازَةِ نِكَاحٍ عَقَدَهُ غَيْرُ مَنْ يَجُوزُ عَقْدُهُ (وَهَلْ إنْ قَرُبَ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي شَرْطِ إمْضَاءِ الْأَبِ بِقُرْبِهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِحَمْدِيسَ، وَالثَّانِي لِابْنِ عِمْرَانَ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ يُونُسَ شَيْئًا مِنْ هَذَا. (وَفُسِخَ تَزْوِيجُ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ ابْنَتَهُ فِي كَعَشْرٍ) ابْنُ عَاتٍ: مَغِيبُ الرَّجُلِ عَلَى ابْنَتِهِ الْبِكْرِ غَيْبَةً قَرِيبَةً الْعَشَرَةَ الْأَيَّامِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُزَوَّجُ فِي مَغِيبِهِ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فِي مَغِيبِهِ فُسِخَ النِّكَاحُ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ أَوْ السُّلْطَانُ انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فَقَدْ اعْتَرَضَهُ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ. (وَزَوَّجَ الْحَاكِمُ فِي كَإِفْرِيقِيَةَ) فِيهَا لِمَالِكٍ: مَنْ غَابَ عَنْ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ كَمَنْ خَرَجَ إلَى الْمَغَازِي إلَى مِثْلِ إفْرِيقِيَةَ وَالْأَنْدَلُسِ وَطَنْجَةَ فَأَقَامَ فَرَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى الْإِمَامِ فَلْيَنْظُرْ لَهَا وَيُزَوِّجْهَا. قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَهَلْ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُزَوِّجُوهَا بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ؟ قَالَ: إنَّمَا سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: تَرْفَعُ أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا إنْ خَرَجَ تَاجِرًا إلَى مِثْلِ إفْرِيقِيَةَ وَنَحْوِهَا وَلَمْ يُرِدْ الْمُقَامَ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ فَلَا يُزَوِّجُهَا وَلِيٌّ وَلَا سُلْطَانٌ وَإِنْ إرَادَتُهُ الِابْنَةُ لِأَنَّ مَالِكًا لَمْ يُوَسِّعْ أَنْ تُزَوَّجَ ابْنَةُ الرَّجُلِ إلَّا أَنْ يَغِيبَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً (وَظَاهِرُهَا مِنْ مِصْرَ) عِبَارَةُ ابْنِ عَاتٍ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 مِثْلُ إفْرِيقِيَةَ أَوْ طَنْجَةَ أَوْ الْأَنْدَلُسِ مِنْ مِصْرَ (وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِالِاسْتِيطَانِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِعِبَارَةِ ابْنِ يُونُسَ. وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ يَسْقُطُ حَقُّ أَبِي الْبِكْرِ بِبُعْدِ غَيْبَتِهِ وَتَأَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إنْ لَمْ يَسْتَوْطِنْ (كَغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ الثَّلَاثَ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ السُّلْطَانَ لِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ أَحَقُّ مِنْ الْأَبْعَدِ. قَالَ: وَقُرْبُ غَيْبَةِ الْوَلِيِّ كَحُضُورِهِ. قَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: وَإِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ ثَلَاثِ لَيَالٍ لَا يَقْدُمُ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ (وَإِنْ أُسِرَ أَوْ فُقِدَ فَالْأَبْعَدُ) أَمَّا هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَبِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ فُقِدَ أَبُو الْبِكْرِ فَانْقَطَعَ خَبَرُ مَوْتِهِ وَحَيَاتِهِ فَالْمَشْهُورُ يُزَوِّجُهَا الْوَلِيُّ بِإِذْنِهَا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ أَمْرِهِ الْمَوْتُ فَجَازَ إنْكَاحُهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَأَمَّا إنْ غَابَ الْأَبُ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ وَكَانَتْ حَيَاتُهُ مَعْلُومَةً وَمَكَانُهُ مَعْرُوفًا، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُهَا إذَا رَفَعَتْ إلَيْهِ لِأَنَّ الْأَبَ حِينَئِذٍ يَكُونُ كَالْعَاضِلِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ عَاتٍ: إنْ كَانَ الْأَبُ أَسِيرًا أَوْ فَقِيدًا فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْإِمَامَ يُزَوِّجُهَا إذَا دَعَتْهُ إلَى ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ فِي نَفَقَتِهِ وَأَمِنَتْ عَلَيْهَا الضَّيْعَةُ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَقْرَبِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ قُرْبَ غَيْبَةِ الْأَقْرَبِ كَحُضُورِهِ وَإِنْ بَعُدَتْ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ فَيَبْقَى النَّظَرُ إذَا أُسِرَ أَوْ فُقِدَ. وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْإِمَامَ يُزَوِّجُ ابْنَةَ الْفَقِيدِ مَعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ الْمَشْهُورِ إنَّ الْوَلِيَّ يُزَوِّجُهَا وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي بِنْتِ الْأَسِيرِ (كَذِي رِقٍّ وَصِغَرٍ وَعَتَهٍ وَأُنُوثَةٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ الْوَلِيِّ عَقْلُهُ وَبُلُوغُهُ وَحُرِّيَّتُهُ وَذُكُورِيَّتُهُ، فَالْمَعْتُوهُ أَوْ الصَّبِيُّ سَاقِطٌ وَكَذَلِكَ ذُو الرِّقِّ وَالْمَرْأَةِ وَيُوَكِّلَانِ لِعَقْدِ مَنْ وُكِّلَا وَأُوصِيَا عَلَيْهِ أَوْ مَلَكَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي الْإِنَاثِ وَيَلِيَانِهِ فِي الذُّكُورِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُوَكِّلَ الرَّجُلُ نَصْرَانِيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً عَلَى عَقْدِ نِكَاحِهِ وَزِيَادَةُ ابْنِ شَاسٍ أَوْ صَبِيًّا لَا أَعْرِفُهُ (لَا فِسْقٍ وَسَلَبَ الْكَمَالَ) الْبَاجِيُّ: لَا يُنَافِي الْفِسْقُ الْوِلَايَةَ عِنْدَ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْفِسْقَ لَا يَسْلُبُ إلَّا الْكَمَالَ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا الشَّاذَّ. ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْوَلِيِّ الْعَدَالَةُ وَالرُّشْدُ. اُنْظُرْ الْمُفِيدَ لِابْنِ هِشَامٍ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ النَّقْلِ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعَقْدُ السَّفِيهِ " (وَوَكَّلَتْ مَالِكَةٌ وَوَصِيَّةٌ وَمُعْتَقَةٌ وَإِنْ أَجْنَبِيًّا) لَوْ قَالَ: " وَوَكَّلَتْ مَالِكَةٌ وَوَصِيَّةٌ وَإِنْ أَجْنَبِيًّا وَمُعْتَقَةٌ " لَكَانَ أَبْيَنَ كَمَا قَالَهُ فِي الْجِهَادِ إلَّا مُحْرِمًا أَوْ زَوْجًا إنْ عَرَفَهُ أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: تُوَكِّلُ الْمَرْأَةُ الْوَصِيَّ رَجُلًا حُرًّا بِعَقْدِ نِكَاحِ مَحْجُورَتِهَا. وَفِيهَا: لَهَا أَنْ تَسْتَخْلِفَ أَجْنَبِيًّا وَإِنْ حَضَرَ أَوْلِيَاؤُهَا، وَقَالَ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُوَكِّلُ لِعَقْدِ مَنْ مَلَكَتْهُ مِنْ الْإِنَاثِ. ابْنُ بَطَّالٍ: وَكَذَا الْمُعْتَقَةُ (كَعَبْدٍ أُوصِيَ) تَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ الْعَبْدَ يُوَكِّلُ لِعَقْدِ مَنْ وَكَّلَ أَوْ أُوصِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِنَاثِ وَيَلِيهِ مِنْ الذُّكُورِ (وَمُكَاتَبٍ فِي أَمَةٍ طَلَبَ فَضْلًا وَإِنْ كَرِهَ سَيِّدُهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُوَكِّلُ الْمُكَاتَبُ عَلَى الْعَقْدِ عَلَى أَمَتِهِ دُونَ إذْنِ سَيِّدِهِ عَلَى ابْتِغَاءِ الْفَضْلِ (وَمَنَعَ إحْرَامٌ مِنْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ نِكَاحُهُ وَإِنْكَاحُهُ وَيَجِبُ فَسْخُهُ (كَكُفْرِ الْمُسْلِمَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْكُفْرُ يَمْنَعُ وِلَايَةَ الْمُسْلِمَةِ اتِّفَاقًا (وَعَكْسِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: سَادِسُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْقِدَ نِكَاحَ وَلِيَّتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ لَا لِمُسْلِمٍ وَلَا لِنَصْرَانِيٍّ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 إلَّا الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجِزْيَةِ قَدْ أَعْتَقَهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَيَجُوزُ لِأَنَّ وَلَاءَهَا لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ: وَلْيَعْقِدْ النَّصْرَانِيُّ نِكَاحَ وِلَايَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ لِمُسْلِمٍ إنْ شَاءَ (إلَّا الْأَمَةَ) ابْنُ الْقَاسِمِ: لِلْمُسْلِمِ رَبِّ النَّصْرَانِيَّةِ إنْكَاحُهَا مِنْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَا يَجُوزُ مِنْ الْمُسْلِمِ إذْ لَا يَتَزَوَّجُ الْمُسْلِمُ أَمَةً كَافِرَةً (وَمُعْتَقَةٍ مِنْ غَيْرِ نِسَاءِ الْجِزْيَةِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا لِأَنَّ وَلَاءَهَا لِلْمُسْلِمِينَ. اُنْظُرْ فِي الْجِهَادِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " إلَّا أَنْ يَمُوتَ بِلَا وَارِثٍ فَلِلْمُسْلِمِينَ " وَفِي اللُّقَطَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَدَفَعَتْ لِحَبْرٍ " (وَزَوَّجَ الْكَافِرُ لِمُسْلِمٍ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا قَبْلَ قَوْلِهِ إلَّا الْأَمَةَ (وَإِنْ عَقَدَ مُسْلِمٌ لِكَافِرٍ تُرِكَ) فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لَوْ عَقَدَ عَلَى كَافِرَةٍ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ لِكَافِرٍ لَمْ أَعْرِضْ لَهُ وَقَدْ ظَلَمَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ (وَعَقَدَ السَّفِيهُ ذُو الرَّأْيِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ) فِي هَذَا اضْطِرَابٌ وَرَابِعُ الْأَقْوَالِ وَهُوَ حَاصِلُ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ السَّفِيهَ إنْ كَانَ ذَا عَقْلٍ وَدِينٍ إنَّمَا سَفَهُهُ بِعَدَمِ حِفْظِهِ لِمَالِهِ فَلَهُ أَنْ يُجْبِرَ بِنْتَهُ وَيَعْقِدَ عَلَيْهَا وَيُسْتَحْسَنُ مُطَالَعَتُهُ وَصِيَّهُ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصَ التَّمْيِيزِ خُصَّ بِالنَّظَرِ فِي تَعْيِينِ الزَّوْجِ وَصِيُّهُ وَتُزَوَّجُ ابْنَتُهُ كَيَتِيمَةٍ. وَيُخْتَلَفُ فِيمَنْ يَلِي الْعَقْدَ هَلْ الْوَصِيُّ أَوْ الْأَبُ؟ وَلَوْ عَقَدَ حَيْثُ يَمْنَعُ مِنْهُ نَظَرَ إنْ حَسُنَ إمْضَاؤُهُ أَمْضَى وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَاك إنْ كَانَ غَيْرَ مُوَلًّى عَلَيْهِ نُظِرَ فِي عَقْدِهِ. كَذَا اُنْظُرْ تَرْجَمَةً فِي إنْكَاحِ الْأَخِ مِنْ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ لَمْ يُوَلِّ عَلَى السَّفِيهِ وَهُوَ ذُو رَأْيٍ جَازَ إنْكَاحُهُ اتِّفَاقًا. الْبَاجِيُّ عَنْ أَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ: أُخْتُهُ كَابْنَتِهِ. ابْنُ الْعَطَّارِ: لَا يُزَوِّجُهَا بَلْ وَصِيُّهُ أَوْ السُّلْطَانُ فَإِنْ عَقَدَ فُسِخَ، وَرَوَى ابْنُ أَشْرَسَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَرْأَةِ لَا يَكُونُ لَهَا وَلِيٌّ إلَّا مُوَلًّى عَلَيْهِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُزَوِّجُهَا لِأَنَّهُ لَا نِكَاحَ لِسَفِيهٍ. وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ. (وَصَحَّ تَوْكِيلُ زَوْجِ الْجَمِيعِ) تَقَدَّمَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ: " لَا فِسْقٍ " وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ لَهُ الصَّبِيُّ فَيَكُونُ كَمَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ (لَا وَلِيَّ إلَّا كَهُوَ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يَصِحُّ تَوْكِيلُ الزَّوْجِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالنَّصْرَانِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْوَلِيِّ لَا يُوَكِّلُ إلَّا مَنْ يَصِحُّ عَقْدُهُ لَوْ كَانَ وَلِيًّا (وَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ لِكُفْءٍ) الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: إنْ أَبَى وَلِيٌّ إنْكَاحَ وَلِيَّتِهِ وَأَبْدَى وَجْهًا قُبِلَ وَإِلَّا أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِإِنْكَاحِهَا، فَإِنْ أَبَى زَوَّجَهَا عَلَيْهِ (وَكُفْؤُهَا أَوْلَى) فِيهَا: إذَا رَضِيَتْ ثَيِّبٌ بِكُفْءٍ فِي دِينِهِ وَهُوَ دُونَهَا فِي النَّسَبِ وَرَدَّهُ أَبٌ أَوْ وَلِيٌّ زَوَّجَهَا مِنْهُ الْإِمَامُ. اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ أَذِنَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 لِوَلِيَّيْنِ " (فَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ ثُمَّ زَوَّجَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ فَإِنْ أَبَى زَوَّجَهَا عَلَيْهِ (وَلَا يَعْضُلُ أَبٌ بِكْرًا بِرَدٍّ مُتَكَرِّرٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ) رَابِعُ الْأَقْوَالِ فِي الْعَضْلِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ. قُلْت: إنْ أَبَى أَبٌ إنْكَاحَ أَوَّلِ خَاطِبٍ رَضِيَتْهُ الْبِكْرُ كُفُؤًا. قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ وَلَا يُكْرَهُ إلَّا أَنْ يَعْرِضَ ضَرَرُهُ فَيَقُولُ لَهُ السُّلْطَانُ زَوِّجْهَا وَإِلَّا زَوَّجْتهَا عَلَيْك. قُلْت: حَدُّهُ بِرَدِّ خَاطِبٍ أَوْ خَاطِبَيْنِ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ إلَّا أَنْ يُعَرِّفَ ضَرَرَهُ وَإِعْضَالَهُ لَهُ اهـ. وَنَصُّهَا عَنْ ابْنِ يُونُسَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَكُونُ الْأَبُ عَاضِلًا لِابْنَتِهِ الْبِكْرِ الْبَالِغِ فِي رَدِّهِ أَوَّلَ خَاطِبٍ أَوْ خَاطِبَيْنِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ ضَرَرُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَضْلُ الْوَلِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ لِكُفْءٍ " وَيَبْقَى عَضْلُ الْوَصِيِّ (وَإِنْ وَكَّلَتْهُ مِمَّنْ أَحَبَّ عَيَّنَ وَإِلَّا فَلَهَا الْإِجَازَةُ) فِيهَا لِمَالِكٍ: إنْ قَالَتْ لِوَلِيِّهَا زَوِّجْنِي مَنْ أَحْبَبْت فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُسَمِّيَ لَهَا مَنْ يُزَوِّجُهَا وَلَهَا أَنْ تُجِيزَ أَوْ تَرُدَّ (وَلَوْ بَعُدَ) ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَلْ يَصِحُّ بِرِضَاهَا مُطْلَقًا أَوْ بِالْقُرْبِ؟ قَوْلَانِ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ نَقْلُ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ (لَا الْعَكْسُ) اللَّخْمِيِّ: إنْ وَكَّلَ رَجُلٌ امْرَأَةً لِتُزَوِّجَهُ مِنْ نَفْسِهَا وَعَقَدَ ذَلِكَ وَلِيُّهَا اُخْتُلِفَ فِيهِ وَأَنْ لَا يَلْزَمَ أَحْسَنُ. عَبْدُ الْحَقِّ: تَوْكِيلُ الزَّوْجِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى تَعْيِينٍ بِخِلَافِ تَوْكِيلِ الزَّوْجَةِ (وَلِابْنِ عَمٍّ وَنَحْوِهِ إنْ عَيَّنَ تَزْوِيجَهَا مِنْ نَفْسِهِ بِتَزَوَّجْتُكِ بِكَذَا وَتَرْضَى وَتَوَلَّيْ الطَّرَفَيْنِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلِابْنِ الْعَمِّ وَالْمُعْتَقِ وَالْحَاكِمِ وَوَكِيلِهِمْ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ بِالْإِذْنِ لَهُ مُعَيَّنًا. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: بَابٌ إذَا كَانَ الزَّوْجُ وَلِيًّا هَلْ تُوَكِّلُهُ فَيُزَوِّجُهَا مِنْ نَفْسِهِ؟ يَقُولُ لَهَا قَدْ تَزَوَّجْتُك عَلَى صَدَاقٍ كَذَا وَكَذَا فَتَقُولُ رَضِيت (وَإِنْ أَنْكَرَتْ الْعَقْدَ صُدِّقَ الْوَكِيلُ إنْ ادَّعَاهُ الزَّوْجُ) فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَقَرَّتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 بِالْإِذْنِ وَأَنْكَرَتْ إنْكَاحَهُ إيَّاهَا صُدِّقَ الْوَكِيلُ إنْ ادَّعَاهُ الزَّوْجُ. (وَإِنْ تَنَازَعَ الْأَوْلِيَاءُ الْمُتَسَاوُونَ فِي الْعَقْدِ أَوْ الزَّوْجِ نَظَرَ الْحَاكِمُ) سَادِسُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اخْتَلَفَ الْأَوْلِيَاءُ وَهُمْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ نَظَرَ السُّلْطَانُ. ابْنُ سَعْدُونٍ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِيمَنْ يَعْقِدُ أَوْ فِي الزَّوْجِ، وَانْظُرْ إنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ بَعْدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 عَقْدِ أَحَدِهِمْ فَإِنَّهُ يَمْضِي إلَّا لِحَقٍّ فِي الْكَفَاءَةِ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ (وَإِنْ أَذِنَتْ لِوَلِيَّيْنِ فَعَقَدَا فَالْأَوَّلُ إنْ لَمْ يَتَلَذَّذْ الثَّانِي بِلَا عِلْمٍ) فِيهَا: إذَا وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ وَلِيَّيْهَا فَزَوَّجَهَا هَذَا مِنْ رَجُلٍ وَهَذَا مِنْ رَجُلٍ فَالنِّكَاحُ لِأَوَّلِهِمَا إذَا عُرِفَ الْأَوَّلُ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الْآخَرُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَلِكَ إذَا تَلَذَّذَ بِهَا فَإِنَّهُ كَدُخُولِهِ بِهَا اهـ. اُنْظُرْ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الْآخَرُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَيَّدُوهُ بِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْأَوَّلِ قَبْلَ دُخُولِهِ (وَلَوْ تَأَخَّرَ تَفْوِيضُهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يُفَرِّقْ الْأَكْثَرُ بَيْنَ تَوْكِيلِهَا وَلِيَّيْهَا فِي كَلِمَةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 أَوْ مُتَعَاقِبَيْنِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إنْ تَعَاقَبَا ثَبَتَ الْأَوَّلُ وَفُسِخَ الثَّانِي وَلَوْ بَنَى وَحْدَهُ اهـ. اُنْظُرْ هَذَا كُلَّهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الزَّوْجِ. (إنْ لَمْ تَكُنْ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ عَقْدُ هَذَا الَّذِي دَخَلَ بِهَا بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ أَوْ طَلَاقِهِ افْتَرَقَ الْجَوَابُ، فَيُفْسَخُ إذَا مَاتَ لِأَنَّهُ نَاكِحٌ فِي عِدَّةٍ وَلَا يُفْسَخُ إذَا طَلَّقَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهَا فِي عِدَّةٍ (وَلَوْ تَقَدَّمَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَظْهَرِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ عَقْدُ الْآخَرِ فِي حَيَاةِ الْأَوَّلِ وَدُخُولُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ، فَالصَّوَابُ أَنَّهُ مُتَزَوِّجٌ فِي عِدَّةٍ بِمَنْزِلَةِ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ تَتَزَوَّجُ بَعْدَ ضَرْبِ الْأَجَلِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَيَدْخُلُ بِهَا زَوْجُهَا فَيَكْشِفُ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ قَبْلَ مَوْتِ زَوْجِهَا الْمَفْقُودِ وَدَخَلَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَزَوِّجًا فِي الْعِدَّةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَوَّازِ (وَفُسِخَ بِلَا طَلَاقٍ إنْ عَقَدَ بِزَمَنٍ) اللَّخْمِيِّ: لَوْ عَقَدَ الْوَلِيَّانِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِنْ رَجُلَيْنِ مَعًا لَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ لَفُسِخَ النِّكَاحَانِ جَمِيعًا، دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ فَاسِدَانِ لِعِلْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدِ الْآخَرِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ الْكَافِي وَابْنِ شَاسٍ: " إنْ عَقَدَا مَعًا تَرَافَعَا " ظَاهِرُهُ وَلَوْ جَهِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَقْدَ الْآخَرِ (أَوْ لِبَيِّنَةٍ بِعِلْمِهِ أَنَّهُ ثَانٍ) ابْنُ رُشْدٍ: إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى الْوَكِيلِ أَنَّهُ زَوَّجَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَزْوِيجِ الْآخَرِ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَفْسَخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ (لَا إنْ أَقَرَّ) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا لَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ أَنَّهُ زَوَّجَهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِتَزْوِيجِ الْآخَرِ قَبْلَهُ لَمْ يُصَدَّقْ وَثَبَتَ النِّكَاحُ اهـ. اُنْظُرْ إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعِلْمِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفْسَخُ نِكَاحَهُ بِطَلَاقٍ وَيَكُونُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الصَّدَاقِ (أَوْ جُهِلَ الزَّمَنُ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ جُهِلَ الْأَوَّلُ وَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 اخْتِصَاصَ بِبِنَاءٍ فَسْخًا، وَثَالِثُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ فَسْخَهُ يَكُونُ بِطَلَاقٍ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ جُهِلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فُسِخَ النِّكَاحَانِ جَمِيعًا بِطَلَاقٍ، فَإِنْ لَمْ يَعْثُرْ عَلَى الْأَمْرِ إلَّا بَعْدَ أَنْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ نِكَاحَ هَذَا الَّذِي دَخَلَ ثَابِتٌ. اُنْظُرْ تَرْجَمَةً فِي الْمَرْأَةِ يَتَزَوَّجُهَا رَجُلَانِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ (وَإِنْ مَاتَتْ وَجُهِلَ الْأَحَقُّ فَفِي الْإِرْثِ قَوْلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ مَاتَتْ وَجُهِلَ الْأَحَقُّ بِهَا فَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: يَرِثَانِهَا نِصْفَيْنِ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَا إرْثَ وَرَجَّحَهُ التُّونِسِيُّ. وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الشَّكَّ فِي تَعْيِينِ مُسْتَحِقِّ الْإِرْثِ أَوْ مُوجِبِهِ (وَعَلَى الْإِرْثِ فَالصَّدَاقُ وَإِلَّا فَزَائِدَةٌ) ابْنُ شَاسٍ: يَثْبُتُ الصَّدَاقُ حَيْثُ يَثْبُتُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 الْمِيرَاثُ. وَأَمَّا حَيْثُ يَنْتَفِي فَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِ مَا زَادَ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ (وَإِنْ مَاتَ الرَّجُلَانِ فَلَا إرْثَ وَلَا صَدَاقَ) ابْنُ شَاسٍ: إذْ مَاتَ الرَّجُلَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا مِيرَاثَ وَلَا صَدَاقَ لِلشَّكِّ فِي الزَّوْجِيَّةِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهِيَ السَّبَبُ (وَأَعْدَلِيَّةُ مُتَنَاقِضَتَيْنِ مُلْغَاةٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً سَقَطَتَا. ابْنُ شَاسٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ هَاهُنَا بِمَزِيدِ الْعَدَالَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذْ لَا يَثْبُتُ نِكَاحٌ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَيَثْبُتُ بِهِ الْبَيْعُ وَمَزِيدُ الْعَدَالَةِ هَاهُنَا كَشَاهِدٍ وَاحِدٍ (وَلَوْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ) لِمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالْأَعْدَلِ قَالَ: وَلَا عِبْرَةَ بِتَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ. (وَفُسِخَ مُوصًى وَإِنْ بِكَتْمِ شُهُودٍ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ بِمَنْزِلٍ أَوْ أَيَّامٍ) لَعَلَّهُ: " وَفَسْخُ مُوصٍ بِكَتْمِ شُهُودٍ وَإِنْ مِنْ امْرَأَةٍ " قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: نِكَاحُ السِّرِّ بَاطِلٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَا أُمِرَ الشُّهُودُ حِينَ الْعَقْدِ وَلَوْ كَانَ الشُّهُودُ مِلْءَ الْجَامِعِ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَوْ عَنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى أَوْ فِي مَكَان مَخْصُوصٍ. ابْنُ يُونُسَ: أَوْ فِي مَنْزِلِ الَّتِي نَكَحَ بِظُهُورِهِ فِي غَيْرِهِ. اللَّخْمِيِّ: وَلَوْ يَوْمَيْنِ فَقَطْ (إنْ لَمْ يَدْخُلْ أَوْ يَطُلْ) ابْنُ رُشْدٍ: إذَا أُمِرَ شُهُودُ النِّكَاحِ بِكَتْمِهِ فُسِخَ إلَّا أَنْ يَطُولَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَيَمْضِيَ بِالْمُسَمَّى (وَعُوقِبَا وَالشُّهُودُ) ابْنُ حَبِيبٍ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 إنْ اتَّفَقَ الْوَلِيُّ وَالزَّوْجَانِ عَلَى كَتْمِهِ وَلَمْ يُعْلِمُوا بِذَلِكَ الْبَيِّنَةَ فَهُوَ نِكَاحُ سِرٍّ. فِيهَا لِابْنِ شِهَابٍ: وَيُعَاقَبُ مَنْ كَتَمَ ذَلِكَ مِنْ الشُّهُودِ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: أَوْ الْوَلِيِّ أَوْ الزَّوْجَيْنِ (وَقَبْلَ الدُّخُولِ وُجُوبًا عَلَى أَنْ لَا تَأْتِيَهُ إلَّا نَهَارًا) اُنْظُرْ هَذَا فَإِنَّهُ مُقْحَمٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ مِنْ الْمُبَيَّضَةِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي شَرْطِ مَا يُنَاقِضُ النِّكَاحَ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَأْتِيَهَا لَيْلًا أَوْ يُؤْثِرَ عَلَيْهَا أَوْ لَا يُعْطِيَهَا الْوَلَدَ أَوْ لَا نَفَقَةَ لَهَا أَوْ لَا إرْثَ بَيْنَهُمَا، ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلُ مَالِكٍ فِي النَّهَارِيَّةِ وَهِيَ الَّتِي تَتَزَوَّجُ عَلَى أَنْ لَا تَأْتِيَهُ أَوْ يَأْتِيَهَا إلَّا نَهَارًا أَوْ لَا تَأْتِيَهُ إلَّا لَيْلًا لَا خَيْرَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُفْسَخُ مَا لَمْ يَدْخُلْ فَإِنْ دَخَلَ ثَبَتَ وَلَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ وَيَسْقُطُ الشَّرْطُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونَ: مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تُفْسِدُ النِّكَاحَ مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا أَوْ عَلَى الطَّلَاقِ بِيَدِهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَشِبْهُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُنَافٍ لِمَقْصُودِ الْعَقْدِ وَمُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، فَالنِّكَاحُ بِهَا فَاسِدٌ يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَمِنْ الشَّامِلِ مَا نَصُّهُ: وَإِذَا شَرَطَ مَا يُنَافِي الْعَقْدَ كَأَنْ لَا يَقْسِمَ لَهَا وَأَنْ لَا نَفَقَةَ وَلَا مِيرَاثَ أَوْ لَا يُعْطِيَهَا الْوَلَدَ. أَوْ يُؤْثِرَ عَلَيْهَا أَوْ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا بَعْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ (أَوْ بِخِيَارٍ لِأَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَنْصُوصُ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 نِكَاحِ الْخِيَارِ أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَفِيهَا رَجَعَ عَنْ فَسْخِهِ بَعْدَهُ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: النِّكَاحُ عَلَى خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَبَعْدَ الِافْتِرَاقِ فِيمَا قَرُبَ جَائِزٌ وَهُوَ فِي هَذَا أَوْسَعُ مِنْ الصَّرْفِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنْ شَرَطَ مَشُورَةً فَلِأَنَّ الشَّيْءَ الْقَلِيلَ وَهُوَ حَاضِرٌ بِالْبَلَدِ يَأْتِيَانِهِ مِنْ فَوْرِهِمَا جَازَ، وَيَخْتَلِفُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فَمَنَعَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: لِأَنَّهُمَا لَوْ مَاتَا قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَا لَمْ يَتَوَارَثَا. اللَّخْمِيِّ: وَمُرَاعَاةُ الْمَوْتِ فِي خِيَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ نَادِرٌ وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ، وَأَيْضًا فَالنِّكَاحُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ حَتَّى يَمْضِيَ فَلَمْ يَضُرَّ عَدَمُ الْمِيرَاثِ. وَعَلَى تَعْلِيلِهِ بِجَوَازِ الْخِيَارِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ هِيَ أَمَةً. ابْنُ عَرَفَةَ: أَوْ كِتَابِيَّةً. ثُمَّ رَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا كُلَّهُ عَلَى اللَّخْمِيِّ. اُنْظُرْهُ فِيهِ (أَوْ عَلَى إنْ لَمْ يَأْتِ بِالصَّدَاقِ لِكَذَا فَلَا نِكَاحَ وَجَاءَ بِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا نِكَاحُ خِيَارٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ لِلْأَجَلِ أَنَّهُ لَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا إذَا أَتَى بِالصَّدَاقِ إلَى الْأَجَلِ أَوْ اخْتَارَ الْبَتَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ مُضِيِّ أُمِّهَا فَفِيهِ الْخِلَافُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَزَوَّجَ عَلَى إنْ لَمْ يَأْتِ بِالْمَهْرِ إلَى أَجَلِ كَذَا فَلَا نِكَاحَ. فُسِخَ نِكَاحُهُ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَقُلْ مَالِكٌ دَخَلَ أَمْ لَا وَلَوْ دَخَلَ لَمْ أَفْسَخْهُ (وَمَا فَسَدَ لِصَدَاقِهِ) فِيهَا: مَنْ نَكَحَ عَلَى آبِقٍ أَوْ شَارِدٍ أَوْ جَنِينٍ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَوْ بِزَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ أَوْ عَلَى دَارِ فُلَانٍ فُسِخَ النِّكَاحُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَثَبَتَ بَعْدَهُ وَلَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ، وَتَرُدُّ مَا قَبَضَتْ مِنْ آبِقٍ أَوْ شَارِدٍ وَغَيْرِهِ. وَمَا هَلَكَ بِيَدِهَا ضَمِنَتْهُ وَلَا تَضْمَنُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَتَكُونُ مُصِيبَةً مِنْ الزَّوْجِ، وَمَا قَبَضَتْهُ فَتَغَيَّرَ فِي يَدِهَا فِي بَدَنٍ أَوْ سُوقٍ فَقَدْ فَاتَ وَتَرُدُّ قِيمَتَهُ مَا يُقَوَّمُ بِهِ يَوْمَ قَبَضَتْهُ، وَتَرُدُّ مِثْلَ مَا لَهُ مِثْلٌ إنْ زَالَتْ عَيْنُهُ أَوْ تَغَيَّرَتْ، وَكَذَلِكَ فِي فَسْخِ مَا عَقَدَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ إجَارَتِهِ وَفِي كُلِّ مَا فَسَادُهُ فِي صَدَاقِهِ (أَوْ عَلَى شَرْطٍ يُنَاقِضُ الْعَقْدَ كَأَنْ لَا يَقْسِمَ لَهَا أَوْ يُؤْثِرَ عَلَيْهَا وَإِلَّا أُلْغِيَ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَقَبْلَ الدُّخُولِ وُجُوبًا إنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَقْسِمَ لَهَا أَوْ يُؤْثِرَ عَلَيْهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 هُوَ مِنْ الشَّرْطِ وَالْمُنَاقَضَةِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ النَّهَارِيَّةِ. وَتَقَدَّمَ النَّصُّ فِيهَا وَهُوَ أَنَّ النِّكَاحَ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، فَإِنْ وَقَعَ الدُّخُولُ ثَبَتَ النِّكَاحُ وَأُلْغِيَ الشَّرْطُ، فَانْظُرْ مَا نَقَصَ هُنَا. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: إذَا شَرَطَ مَا يُنَافِي الْعَقْدَ فَكَالصَّدَاقِ الْفَاسِدِ وَمَا لَا يُنَاقِضُهُ يُلْغَى اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّهَارِيَّةَ مُقْحَمَةٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا فَانْظُرْهُ، وَانْظُرْ أَيْضًا كَمَا نَصُّوا عَلَى أَنَّ النَّهَارِيَّةَ إذَا وَقَعَ الدُّخُولُ يُلْغَى الشَّرْطُ كَذَلِكَ أَيْضًا نَصُّوا عَلَى شُرُوطٍ هِيَ مَكْرُوهَةٌ فِي الْعَقْدِ، فَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ صَحَّ النِّكَاحُ وَأُلْغِيَ الشَّرْطُ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا وَلَا يَتَسَرَّى وَلَا يُذْكَرُ فِي ذَلِكَ عِتْقٌ وَلَا طَلَاقٌ قَالَ: فَهَذَا مَكْرُوهٌ، فَإِنْ نَزَلَ جَازَ النِّكَاحُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ. وَعَدَّ اللَّخْمِيِّ أَيْضًا مِنْ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ مَا يَكُونُ جَائِزًا مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَضُرَّ بِهَا فِي نَفْسِهَا وَلَا فِي نَفَقَةٍ وَلَا فِي كِسْوَةٍ وَلَا فِي عِشْرَةٍ. قَالَ: وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَدَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] وَانْظُرْ أَيْضًا ذِكْرَ ابْنِ سَلْمُونَ فِي الشُّرُوطِ: جَعْلُ الْوَلَدِ فِي الْمَهْرِ أَوْ امْرَأَةٍ مَعْلُومَةٍ وَمَاتَ قَبْلَهَا. وَمِنْ نَوَازِلِ السَّيِّدِ مُفْتِي تُونُسَ الْبُرْزُلِيِّ: وَقَعَتْ الْفُتْيَا إنْ كَانَ جَعَلَ الزَّوْجُ نَفَقَةَ الرَّبِيبِ عَلَى نَفْسِهِ حُرْمَةً لِأُمِّهِ رَجَعَتْ الْأُمُّ بِهَا، وَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ لِلْوَلَدِ فَلَا رُجُوعَ. وَإِذَا قَدَرَ الْوَلَدُ عَلَى الْكَسْبِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ عَنْ الزَّوْجِ. وَانْظُرْ إذَا رَجَعَ الزَّوْجُ زَوْجَةً هَلْ تَعُودُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 النَّفَقَةُ كَمَا كَانَتْ؟ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: تَعُودُ مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِ الْعِصْمَةِ شَيْءٌ (وَمُطْلَقًا كَالنِّكَاحِ لِأَجَلٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: نِكَاحُ الْمُتْعَةِ فِيهَا هُوَ النِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ أَوْ بُعْدٍ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَا قَوْلُ الْمُسَافِرِ أَتَزَوَّجُك مَا أَقَمْت. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهَا مَعَ غَيْرِهَا وَلَوْ بَعْدَ الْأَجَلِ بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُهُ عُمْرُ أَحَدِهِمَا. اللَّخْمِيِّ: وَسَوَاءٌ شَرَطَ الْأَجَلَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ يَفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ مَنْ نِيَّتُهُ قَضَاءُ إرَبِهِ وَيُطَلِّقُهَا وَلَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ (أَوْ إنْ مَضَى شَهْرٌ فَأَنَا أَتَزَوَّجُك) فِيهَا: مَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ إذَا مَضَى شَهْرٌ فَأَنَا أَتَزَوَّجُك فَرَضِيَتْ هِيَ وَوَلِيُّهَا فَهَذَا النِّكَاحُ بَاطِلٌ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ. عَبْدُ الْحَقِّ: إنْ قَصَدَ لُزُومَ النِّكَاحِ بِمُضِيِّ الْأَجَلِ لَا الْوَعْدَ بِإِيقَاعِهِ فَهُوَ مُتْعَةٌ. (وَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ كَمُحْرِمٍ وَشِغَارٍ) فِي التَّهْذِيبِ مَا نَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِرِوَايَةٍ بَلَغَتْهُ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ: إنَّ كُلَّ نِكَاحٍ نَصَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى تَحْرِيمِهِ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَإِنْ طَلَّقَ فِيهِ قَبْلَ الْفَسْخِ لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَا يَتَوَارَثَانِ كَمُتَزَوِّجِ الْخَامِسَةِ وَأُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَالْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا، وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَبْنِ بِهَا حَتَّى تَزَوَّجَ بِنْتَهَا، أَوْ نَاكِحَ فِي عِدَّةٍ. وَلَا تَحْرُمُ بِهَذَا النِّكَاحِ إنْ لَمْ تَمَسَّ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَلَمْ يُحَصِّنْهَا الْوَطْءُ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكُلُّ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 فِي إجَازَتِهِ وَرَدِّهِ فَالْفَسْخُ فِيهِ بِطَلَاقٍ وَيَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ وَالْخُلْعُ وَالْمُوَارَثَةُ قَبْلَ الْفَسْخِ كَالْمَرْأَةِ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا أَوْ تَنْكِحُ مِنْ غَيْرِ وَلِيٍّ، وَالْأَمَةِ تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ لِأَنَّ هَذَا قَدْ قَالَ خَلْقٌ كَثِيرٌ: إنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ جَازَ وَإِذَا قَضَى بِهِ قَاضٍ لَمْ أَنْقُضْهُ وَكَذَلِكَ نِكَاحُ الشِّغَارِ وَالْمُحْرِمِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِمَا. (وَالتَّحْرِيمُ بِبَلَدِهِ وَوَطْئِهِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 (وَفِيهِ الْإِرْثُ) التَّهْذِيبُ: مَنْ فُسِخَ نِكَاحُهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِابْنِهِ وَلَا لِأَبِيهِ، لِأَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَالْحُرْمَةُ تَقَعُ بِهِ كَحُرْمَةِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ نَصُّهَا وَتَقَعُ فِيهِ الْمُوَارَثَةُ قَبْلَ الْفَسْخِ (إلَّا نِكَاحَ الْمَرِيضِ) لِمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ قَالَ: كَالشِّغَارِ وَنِكَاحِ الْمَرِيضِ. ثُمَّ قَالَ: وَتَقَعُ بِهِ الْمُوَارَثَةُ مَا لَمْ يَكُنْ الْفَسْخُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ. وَفِيهَا: لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَرِيضِ وَالْمَرِيضَةِ وَكَانَ يَقُولُ لَا يَثْبُتُ وَإِنْ صَحَّا. ثُمَّ قَالَ: اُمْحُهُ وَأَرَى إذَا صَحَّا أَنْ يَثْبُتَ النِّكَاحُ وَإِنْ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا صَدَاقَ لَهَا وَلَا مِيرَاثَ (وَإِنْكَاحُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ) هَذَا الْفَرْعُ مَدْخَلٌ مِنْ الْمُبَيَّضَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَلَعَلَّهُ كَانَ كَمُحْرِمٍ وَشِغَارٍ وَإِنْكَاحِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّهَا كَالْمَرْأَةِ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا، أَوْ تَنْكِحُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَالْأَمَةُ تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ نِكَاحُ الشِّغَارِ وَالْمُحْرِمِ، وَجَعَلَ الْحُكْمَ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدًا. وَأَمَّا الْعَبْدُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ نَكَحَ عَبْدٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ سَيِّدُهُ فَالطَّلَاقُ لَازِمٌ، وَإِنْ فَسَخَ السَّيِّدُ نِكَاحَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَمْ يَحِلَّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا (لَا اُتُّفِقَ عَلَى فَسَادِهِ فَلَا طَلَاقَ وَلَا إرْثَ كَخَامِسَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: كُلُّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَإِنْ طَلَّقَ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَا يَتَوَارَثَانِ كَمُتَزَوِّجٍ الْخَامِسَةَ وَأُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ (وَحَرُمَ وَطْؤُهُ فَقَطْ) تَقَدَّمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 نَصُّهَا: وَلَا تَحْرُمُ إنْ لَمْ تُمَسَّ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ (وَمَا فُسِخَ بَعْدَهُ فَالْمُسَمَّى) فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ: كُلُّ مَا فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ مِمَّا فَسَدَ لِعَقْدِهِ فَفِيهِ الْمُسَمَّى وَمَا فُسِخَ مِنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا صَدَاقَ فِيهِ وَتَرُدُّهُ إنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ (وَإِلَّا فَصَدَاقُ الْمِثْلِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي صَرِيحِ الشِّغَارِ أَنَّهُ إنْ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا صَدَاقَ لَهَا، وَإِنْ فُسِخَ بَعْدَ الْبِنَاءِ كَانَ لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ (وَسَقَطَ بِالْفَسْخِ قَبْلَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: مَا فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا صَدَاقَ فِيهِ وَتَرُدُّهُ إنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ (إلَّا نِكَاحَ الدِّرْهَمَيْنِ فَنِصْفُهُمَا كَطَلَاقِهِ) فِيهَا: مَنْ نَكَحَ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ مَا يُسَاوِيهِمَا فَإِنْ تَمَّ لَهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ثَبَتَ النِّكَاحُ وَإِنْ أَبَى فُسِخَ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ فَيُجْبَرَ عَلَى إتْمَامِهَا وَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَهَا نِصْفُ الدِّرْهَمَيْنِ. انْتَهَى نَصُّهَا. يَبْقَى النَّظَرُ إذَا فَسَخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ، هَلْ يَلْزَمُ نِصْفُ الدِّرْهَمَيْنِ؟ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ. قَالَ بِالْأَوَّلِ مُحَمَّدٌ وَجَمَاعَةٌ وَصَوَّبَهُ الْقَابِسِيُّ. وَقَالَ بِالثَّانِي الْجَلَّابُ وَجَمَاعَةٌ وَصَوَّبَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 ابْنُ الْكَاتِبِ لِأَنَّهُ فُسِخَ بِجَبْرٍ فَفَارَقَ الطَّلَاقَ. (وَتُعَاضُ الْمُتَلَذَّذُ بِهَا وَلِوَلِيِّ صَغِيرٍ فَسْخُ عَقْدِهِ بِلَا مَهْرٍ وَلَا عِدَّةٍ) فِيهَا: لِلْوَلِيِّ إمْضَاءُ إنْكَاحِ الصَّغِيرِ بِنَفْسِهِ الْقَادِرِ عَلَى الْوَطْءِ، فَإِنْ رَدَّهُ فَلَا مَهْرَ وَلَا عِدَّةَ إنْ وَطِئَ لِأَنَّهَا مَكَّنَتْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً وَافْتَضَّهَا فَيَضْمَنُ مَا شَانَهَا كَمَا يَضْمَنُ مَا أَفْسَدَ وَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ إنْ مَاتَ قَبْلَ الرَّدِّ. إنْ جَهِلَ حَتَّى مَلَكَ نَفْسَهُ مَضَى، وَانْظُرْ إنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَنْظُرَ لَهُ وَلِيُّهُ. اُنْظُرْ تَرْجَمَةَ الْقَضَاءِ فِي فِعْلِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِ الْحَجْرِ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ وَفِي تَرْجَمَتِهِ فِي إنْكَاحِ الْأَخِ أُخْتَهُ مِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ: إذَا لَمْ يَرُدَّ نِكَاحَ الصَّبِيِّ حَتَّى كَبُرَ وَخَرَجَ مِنْ الْوِلَايَةِ جَازَ النِّكَاحُ، وَإِنْ رَدَّ الْوَلِيُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 بَعْدَ الْبِنَاءِ نِكَاحَ السَّفِيهِ فَالصَّوَابُ الْجَارِي عَلَى أَصْلِ الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَتْرُكَ لَهَا رُبْعَ دِينَارٍ كَالْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ وَيَدْخُلُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ (وَإِنْ زُوِّجَ بِشُرُوطٍ أَوْ أُجِيزَتْ وَبَلَغَ وَكَرِهَ فَلَهُ التَّطْلِيقُ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ نَكَحَ عَلَى شُرُوطٍ فَأَمْضَاهُ وَلِيُّهُ أَوْ زَوَّجَهُ عَلَيْهَا فَفِي لُزُومِهَا وَنَفْيِهَا حَتَّى يَلْتَزِمَهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ قَوْلَانِ. الْقَوْلُ بِاللُّزُومِ لِابْنِ وَهْبٍ. وَخَرَجَ مِنْ قَوْلِهَا يَلْزَمُ خُلْعُ وَلِيِّهِ عَنْهُ وَالْقَوْلُ بِنَفْيِ اللُّزُومِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَكْثَرُ الْمُوَثَّقِينَ إنْ الْتَزَمَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لَزِمَهُ النِّكَاحُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ لَمْ يَلْتَزِمْهَا بَعْدَ رُشْدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ نِكَاحٌ وَلَا صَدَاقٌ إلَّا أَنْ تَرْضَى الْمَرْأَةُ بِطَرْحِ الشُّرُوطِ فَيَلْزَمُهُ النِّكَايَةُ. اُنْظُرْ يَبْقَى النَّظَرُ إذَا لَمْ يَلْتَزِمْهَا، هَلْ تَكُونُ الْفِدْيَةُ بِطَلَاقٍ؟ هَكَذَا نَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ: " فَلَهُ التَّطْلِيقُ " (وَفِي نِصْفِ الصَّدَاقِ قَوْلَانِ) ابْنُ حَارِثٍ: إنْ لَمْ يَلْتَزِمْ الشُّرُوطَ وَيُخَلِّي عَنْ النِّكَاحِ فَفِي لُزُومِ نِصْفِ الصَّدَاقِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ رَوَاهُمَا عَنْهُ مُحَمَّدٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ رُشْدٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنَّ نِصْفَ الصَّدَاقِ لَازِمٌ لَهُ وَصَوَّبَ مُحَمَّدٌ نَفْيَ اللُّزُومِ اهـ. اُنْظُرْ إذَا كَانَ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ لِمَ قِيلَ لَهُ التَّطْلِيقُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 (عُمِلَ بِهِمَا وَالْقَوْلُ لَهَا أَنَّ الْعَقْدَ وَهُوَ كَبِيرٌ) ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ قَالَ كُنْت حِينَ شَرَطَ أَبِي صَغِيرًا وَقَالَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ أَبًا أَوْ وَصِيًّا كُنْت كَبِيرًا وَعَجَزَ الزَّوْجُ عَنْ الْبَيِّنَةِ، فَسَمِعَ أَبُو زَيْدٍ. يَحْلِفُ وَلِيُّهَا دُونَهَا. وَيَتَخَرَّجُ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَحْلِفُ (وَلِلسَّيِّدِ رَدُّ نِكَاحِ عَبْدِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: نِكَاحُ ذِي الرِّقِّ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ يَصِحُّ بِإِمْضَائِهِ رَبَّهُ وَلَهُ رَدُّهُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَوَارِثُهُ مِثْلُهُ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَلَوْ بَعُدَ (بِطَلْقَةٍ فَقَطْ) ابْنُ عَرَفَةَ: لِرَبِّهِ فَسْخُهُ بِطَلْقَةٍ وَفِيهِ بِبَتَاتِهِ رِوَايَتَانِ. فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَلَى الثَّانِيَةِ (بَائِنَةٍ) فِيهَا: لِسَيِّدِهِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ طَلْقَةً بَائِنَةً (إنْ لَمْ يَبِعْهُ إلَّا أَنْ يَرُدَّ بِهِ) فِيهَا: إنْ بَاعَهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِنِكَاحِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ فَسْخُهُ، فَإِمَّا رَضِيَهُ أَوْ رَدَّهُ فَيَفْسَخُ الْبَائِعُ نِكَاحَهُ أَوْ يُجِيزُهُ اهـ. قَالُوا: وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ثَبَتَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 فَبَاعَ الشِّقْصَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِبَيْعِ شَرِيكِهِ. وَانْظُرْ لَوْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي حَبْسَهُ بِعَيْبِ التَّزْوِيجِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَهُ الرَّدُّ ثُمَّ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ فَسْخُ النِّكَاحِ. وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ هَلْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِعَيْبِ النِّكَاحِ يَقُولُ رِضَاك بِهِ مَنَعَنِي فَسْخَهُ، وَانْظُرْ أَيْضًا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ عَلِمَ بِالزَّوْجَةِ، هَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِعَيْبِهَا وَالْبَائِعُ أَيْضًا يَقُولُ لَهُ عِتْقُك مَنَعَنِي فَسْخَهُ؟ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ. رَاجِعْ الْمُتَيْطِيَّ، وَانْظُرْ هَلْ يَرْجِعُ الْخِيَارُ لِعَبْدٍ إذَا عَتَقَ؟ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ. وَانْظُرْ أَخْذَ أَهْلِ كَتْبِ الْأَحْكَامِ أَنَّ مَنْ حَدَثَ عَلَى مِلْكِهِ فَبَاعَ الْمِلْكَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي قِيَامٌ، فَإِنْ رَضِيَ وَإِلَّا رَدَّ وَبَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ الْكَلَامُ لِلْبَائِعِ. اُنْظُرْ أَوَاخِرَ نَوَازِلِ ابْنِ سَعْدٍ (أَوْ يُعْتِقُهُ) فِيهَا: إنْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِنِكَاحِهِ جَازَ نِكَاحُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ رَدُّهُ (وَلَهَا رُبْعُ دِينَارٍ إنْ دَخَلَ) فِيهَا: لِرَبِّهِ رَدُّ الْمَهْرِ مِنْ الزَّوْجَةِ بِرَدِّهِ نِكَاحَهُ الْأَرْبَعَ دِينَارٌ إنْ بَنَى. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَتُتْبِعُهُ بِهِ إنْ عَتَقَ وَقَدْ بَنَى إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْقَطَهُ عَنْهُ السُّلْطَانُ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي دَيْنِهِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ. سَحْنُونَ: وَإِنْ أَبْطَلَهُ رَبُّهُ بَطَلَ (وَاتُّبِعَ عَبْدٌ وَمُكَاتَبٌ بِمَا بَقِيَ وَإِنْ لَمْ يَغُرَّا إنْ لَمْ يُبْطِلْهُ سَيِّدٌ أَوْ سُلْطَانٌ) لَوْ قَالَ وَاتُّبِعَ عَبْدٌ وَمُكَاتَبٌ بِمَا بَقِيَ إنْ غَرَّا إنْ لَمْ يُبْطِلْهُ سَيِّدٌ أَوْ سُلْطَانٌ لِتَنْزِلَ عَلَى نَصِّ ابْنِ يُونُسَ وَالتَّهْذِيبِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: تَعَقَّبَ عَبْدُ الْحَقِّ تَسْوِيَةَ الْبَرَاذِعِيِّ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ: إنْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ أَتْبَعَتْهُ بِمَا رَدَّتْهُ إنْ غَرَّهَا، وَإِنْ بَيَّنَ لَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَبْطَلَهُ عَنْهُ رَبُّهُ أَوْ السُّلْطَانُ قَبْلَ عِتْقِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَصَوَّبَ قَوْلَ بَعْضِ شُيُوخِهِ لِرَبِّ الْعَبْدِ إسْقَاطُهُ وَلَوْ غَرَّهَا، وَفِي الْمُكَاتَبِ إنْ لَمْ يَغُرَّهَا وَإِنْ غَرَّهَا فَيُوقَفُ الْأَمْرُ، فَإِنْ عَجَزَ كَانَ كَالْعَبْدِ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ، وَإِنْ أَدَّى فَهُوَ عَلَيْهِ لَيْسَ يَسْقُطُ، فَالْمُكَاتَبُ هُوَ الَّذِي يَفْتَرِقُ فِيهِ الْوَجْهَانِ لَا الْعَبْدُ. وَقَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 أَبُو عِمْرَانَ: الْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ سَوَاءٌ اهـ. (وَلَهُ الْإِجَازَةُ إنْ قَرُبَ وَلَمْ يُرِدْ الْفَسْخَ) فِيهَا: لَوْ قَالَ رَبُّهُ لَا أُجِيزُهُ إنْ أَرَادَ لَسْت أَفْعَلُ ثُمَّ كَلَّمَ فَأَجَازَ جَازَ بِالْقُرْبِ، وَإِنْ أَرَادَ الْفَسْخَ كَقَوْلِهِ رَدَدْته لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ (أَوْ يَشُكَّ فِي قَصْدِهِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: يُصَدَّقُ رَبُّهُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ عَزَمَ الْفِرَاقَ فِي الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَتَّهِمْ، وَإِنْ شَكَّ السَّيِّدُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ صَدَرَ ذَلِكَ مِنْهُ فَهُوَ فِرَاقٌ وَاقِعٌ، قَالَهُ مَالِكٌ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَبِخِلَافِ ذَلِكَ إذَا قَالَ فِيمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 بِيعَ عَلَيْهِ قَدْ رَضِيتُ فَقَدْ تَمَّ لِلْمُشْتَرِي. (وَلِوَلِيِّ سَفِيهٍ فَسْخُ عَقْدِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: نِكَاحُ السَّفِيهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ لِلْوَلِيِّ إمْضَاؤُهُ فَإِنْ رَدَّهُ قَبْلَ بِنَائِهِ فَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجَةِ (وَلَوْ مَاتَتْ وَتَعَيَّنَ لِمَوْتِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي إبْقَاءِ النَّظَرِ وَرَفْعِهِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. فَفِي ثُبُوتِ الْإِرْثِ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ النَّظَرِ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ، وَاَلَّذِي لِابْنِ الْقَاسِمِ: إذَا مَاتَتْ الزَّوْجَةُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ الْوَلِيُّ بِالنِّكَاحِ فَيَبْقَى النَّظَرُ إلَى الْوَلِيِّ عَلَى حَالِهِ إنْ رَأَى أَنْ يُثْبِتَ النِّكَاحَ وَيَأْخُذَ الْمِيرَاثَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، يُرِيدُ وَيَغْرَمُ الصَّدَاقَ. وَإِنْ رَأَى أَنْ يَرُدَّهُ وَيَتْرُكَ الْمِيرَاثَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ أَيْضًا. وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَسَحْنُونٌ. وَأَمَّا إنْ مَاتَ السَّفِيهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ الْوَلِيُّ بِالنِّكَاحِ فَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ إنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهَا وَلَا صَدَاقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ فَيَكُونُ لَهَا قَدْرَ مَا يَسْتَحِلُّ بِهِ. وَقَوْلٌ إنَّ لَهَا الْمِيرَاثَ وَجَمِيعَ الصَّدَاقِ. وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ جَارِيَانِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي فِعْلِهِ، هَلْ هُوَ عَلَى الْجَوَازِ حَتَّى يَرُدَّ أَوْ عَلَى الرَّدِّ حَتَّى يُجَازَ؟ اهـ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُتَيْطِيُّ وَهُوَ ثُبُوتُ الْإِرْثِ لَا الْمَهْرِ. (وَلِمُكَاتَبٍ وَمَأْذُونٍ تَسَرٍّ بِمَالِهِمَا وَإِنْ بِلَا إذْنٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: لِلْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ لَهُ التَّسَرِّي بِمَالِهِمَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَمَعْنَى رِوَايَةِ النَّسَائِيّ «لَا يَتَسَرَّى الْعَبْدُ فِي مَالِهِ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهِ» فِي غَيْرِ الْمَأْذُونِ (وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ فِي غَيْرِ خَرَاجٍ وَكَسْبٍ) فِيهَا: يَلْزَمُ الْعَبْدَ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً، وَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ تَبِيتُ عِنْدَ أَهْلِهَا وَنَفَقَةُ زَوْجَةِ الْعَبْدِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالُهُ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا مِنْ كَسْبِهِ وَعِلْمِهِ وَذَلِكَ لِسَيِّدِهِ، فَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ السَّيِّدُ بِالنَّفَقَةِ (إلَّا لِعُرْفٍ) اللَّخْمِيِّ: نَفَقَةُ الْعَبْدِ الْمُخَارَجِ عَلَى زَوْجَتِهِ مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ فَضْلِ خَرَاجِهِ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهِ أَوْ عَادَةٍ بِذَلِكَ. (كَالْمَهْرِ وَلَا يَضْمَنُهُ سَيِّدٌ بِإِذْنِ التَّزْوِيجِ) فِيهَا: مَنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ فَالْمَهْرُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ لَا فِي رَقَبَتِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ عَلَى السَّيِّدِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَحَيْثُ هُوَ عَلَى الْعَبْدِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ فِيمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ مَعْرُوفٍ لَا فِي فَضْلِ خَرَاجِهِ. (وَجَبَرَ أَبٌ وَوَصِيٌّ وَحَاكِمٌ مَجْنُونًا احْتَاجَ) اللَّخْمِيِّ: الْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يُفِيقُ إنْ خَشِيَ فَسَادَهُ زَوَّجَ وَإِلَّا فَلَا، وَمَنْ يُفِيقُ كَسَفِيهٍ وَفِي جَبْرِهِ وَوَقَفَهُ عَلَى رِضَاهُ قَوْلَانِ: الْجَبْرُ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ ابْنِ حَبِيبٍ، وَالْوَقْفُ عَلَى رِضَاهُ لِلْمُدَوَّنَةِ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ. وَيُرْوَى عَنْ اللَّيْثِ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْت مَكَّةَ فَوَجَدْت النَّاسَ مُزْدَحِمِينَ عَلَى رَجُلٍ فَقُلْت: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ لِي: أَبُو حَنِيفَةَ، فَدَنَوْت مِنْهُ وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ وَلَدٍ لَهُ لَا يُزَوِّجُهُ امْرَأَةً إلَّا طَلَّقَهَا وَلَا سُرِّيَّةً إلَّا أَعْتَقَهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: اشْتَرِ جَارِيَةً وَزَوِّجْهَا مِنْهُ إنْ أَعْتَقَهَا لَمْ يَلْزَمْك عِتْقُهُ لِأَنَّهَا مَالُكَ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَقِيَتْ فِي مِلْكِكَ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْكَ فَسَادٌ فِي مَالِكِ. فَقَالَ اللَّيْثُ: فَعَجِبْت مِنْ فَهْمِهِ وَسُرْعَةِ جَوَابِهِ (وَصَغِيرًا) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَنْصُوصُ أَنَّ الْأَبَ يُجْبِرُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ عَلَى النِّكَاحِ. الْمُتَيْطِيُّ: الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ إنْ زَوَّجَ الصَّغِيرُ وَصِيَّهُ مِنْ قِبَلِ أَبٍ أَوْ قَاضٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهِ وَلَا خِيَارَ لَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ (وَفِي السَّفِيهِ خِلَافٌ) الْمُتَيْطِيُّ فِي سَمَاعِ عِيسَى: يُزَوَّجُ بِغَيْرِ رِضَاهُ كَالصَّغِيرِ وَفِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يُزَوِّجُهُ إلَّا بِرِضَاهُ وَفِي إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ابْنِ عَرَفَةَ (وَصَدَاقُهُمْ إنْ أَعْدَمُوا عَلَى الْأَبِ وَإِنْ مَاتَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ سَفِيهٌ فَإِنْ اشْتَرَطَ الصَّدَاقَ عَلَى الِابْنِ وَالِابْنُ مُعْسِرٌ فَالصَّدَاقُ عَلَى الْأَبِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ وَالِابْنُ مُعْسِرٌ فَإِنَّ الْأَبَ هُوَ الْمَطْلُوبُ بِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَإِنْ اشْتَرَطَهُ عَلَى الِابْنِ وَهُوَ مُوسِرٌ كَانَ عَلَى الِابْنِ، وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ الْقَوْلَ وَالِابْنُ مُوسِرٌ. وَإِنْ اشْتَرَطَهُ الْأَبُ عَلَى نَفْسِهِ إنْ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ الِابْنُ، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَبِ عَلَى وَجْهِ الْحَمْلِ اهـ. اُنْظُرْ إذَا كَانَ الِابْنُ مُعْسِرًا وَنَحَلَهُ أَبُوهُ وَأَطْلَقَ الْعَقْدَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَكُونُ الصَّدَاقُ عَلَى الِابْنِ وَإِنْ كَانَ لَا مَالَ لَهُ قَبْلَ النِّحْلَةِ لِأَنَّ الِابْنَ قَدْ صَارَ مُوسِرًا بِتِلْكَ النِّحْلَةِ (أَوْ أَيْسَرُوا بَعْدُ) اللَّخْمِيِّ: إذَا تَرَتَّبَ عَلَى الْأَبِ بِالشَّرْطِ أَوْ لِعُسْرِ الِابْنِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ لِيُسْرِ الِابْنِ بَعْدَ ذَلِكَ (وَلَوْ شُرِطَ ضِدُّهُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوَّلَ صُورَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: إنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ هَذَا مَرَّةً. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا: إذَا شَرَطَ أَنَّهُ عَلَى ابْنِهِ الْمُعْسِرِ وَرَضِيَ الْمُزَوِّجُ فَإِنَّهُ عَلَى الِابْنِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِاسْمِهِ وَكَتَبَ الثَّمَنَ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا أَخَذَ أَصْبَغُ وَابْنُ حَبِيبٍ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: وَعَلَى هَذَا رَأَيْت مَنْ اقْتَدَى بِهِ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ (وَإِلَّا فَعَلَيْهِمْ) تَقَدَّمَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ: إنْ اشْتَرَطَهُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ وَهُوَ مُوسِرٌ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنَّهُ عَلَى الِابْنِ (إلَّا لِشَرْطٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ: إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 اشْتَرَطَهُ الْأَبُ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ الِابْنُ (وَإِنْ تَطَارَحَهُ رَشِيدٌ وَأَبٌ فُسِخَ وَلَا مَهْرَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ الِابْنُ بَالِغًا رَشِيدًا فَزَوَّجَهُ الْأَبُ بِرِضَاهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الصَّدَاقَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى الِابْنِ وَقَالَ الْأَبُ إنَّمَا أَرَدْت أَنْ يَكُونَ عَلَى الِابْنِ وَقَالَ الِابْنُ إنَّمَا ظَنَنْت أَنَّ ذَلِكَ عَلَى أَبِي قَالَ مَالِكٌ: يُفْسَخُ النِّكَاحُ وَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الِابْنُ وَالْأَبُ فَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمَا أَلْزَمَهُ. وَأَرَى إنْ نَكَلَا أَنْ يَثْبُتَ النِّكَاحُ وَيَغْرَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الصَّدَاقِ (وَهَلْ إنْ حَلَفَا وَإِلَّا لَزِمَ النَّاكِلَ تَرَدُّدٌ) هَذَا نَصُّ مُحَمَّدٍ الَّذِي أَتَى بِهِ اللَّخْمِيِّ كَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ، ثُمَّ ذَكَرَ إذَا نَكَلَا فَقَالَ: وَأَرَى إذَا نَكَلَا إلَى آخِرِهِ (وَحَلَفَ رَشِيدٌ وَأَجْنَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ أَنْكَرُوا الرِّضَا وَالْأَمْرُ حُضُورًا إنْ لَمْ يُنْكِرُوا بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِمْ وَإِنْ طَالَ كَثِيرًا لَزِمَ) أَمَّا مَسْأَلَةُ الرَّشِيدِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ زَوَّجَ ابْنَهُ الْبَالِغَ الْمَالِكَ لِأَمْرِهِ وَهُوَ حَاضِرٌ صَامِتٌ فَلَمَّا فَرَغَ الْأَبُ مِنْ النِّكَاحِ قَالَ الِابْنُ مَا أَمَرْته وَلَمْ أَرْضَ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ. ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ النِّكَاحُ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ غَائِبًا فَأَنْكَرَ حِينَ بَلَغَهُ سَقَطَ النِّكَاحُ وَالصَّدَاقُ عَنْهُ وَعَنْ الْأَبِ. اللَّخْمِيِّ: إنْ أَنْكَرَ حِينَ فَهِمَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ لَمْ يَحْلِفْ وَبَعْدَ حِينِ فَرَاغِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ شَارِحُ التَّهْذِيبِ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إذَا حَضَرَ الْبَيْعَ رَجُلٌ ثُمَّ قَامَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَثْبَتَ الْمَبِيعَ لِنَفْسِهِ أَوْ شِقْصًا مِنْهُ إنْ طَلَبَهُ يَسْقُطُ. وَبِهَذَا أَفْتَى ابْنُ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ وَالْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةٌ فِي أَقْضِيَةِ الْعُتْبِيَّةِ وَشُفْعَتِهَا وَيَبْقَى مَقَالُهُ فِي الثَّمَنِ. ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْأَجْنَبِيِّ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: الِابْنُ وَالْأَجْنَبِيُّ سَوَاءٌ. وَلِابْنِ عَرَفَةَ: مَنْ عَقَدَ لِغَائِبٍ بِادِّعَاءِ أَمْرِهِ وَمَهْرِهِ ضَمِنَ فَأَنْكَرَهُ بَطَلَ النِّكَاحُ. وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَمِينَ عَلَيْهِ. وَفِيهَا: وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ عَنْ الضَّامِنِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَرْأَةِ فَسَمِعَ يَحْيَى بْنَ الْقَاسِمِ مَنْ أَشْهَدَ لِرَجُلٍ بِإِنْكَاحِهِ وَلِيَّتَهُ فَأَنْكَرَتْ عِلْمَهَا بِذَلِكَ وَرِضَاهَا بِهِ إنْ كَانَ الْإِشْهَادُ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْهُ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ مِثْلُ كَوْنِهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ يَرَى أَنَّهَا عَالِمَةٌ حَلَفَتْ مَا وَكَّلَتْهُ وَلَا رَضِيَتْ وَلَا ظَنَنْت أَنَّ اللَّعِبَ الَّذِي كَانَ بِدَارِهَا وَلَا الطَّعَامَ الَّذِي صُنِعَ لَهَا إلَّا لِغَيْرِهَا، فَإِنْ نَكَلَتْ لَزِمَهَا النِّكَاحُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 (وَرَجَعَ لِأَبٍ وَذِي قَدْرٍ زَوَّجَ غَيْرَهُ وَضَامِنٌ لِابْنَتِهِ النِّصْفَ بِالطَّلَاقِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مِثْلَ الْأَبِ ذُو الْقَدْرِ يُزَوِّجُ رَجُلًا وَيَضْمَنُ صَدَاقَهُ لَا يَتْبَعُهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْحَمْلِ، لَيْسَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ كَحَمَالَةِ الدُّيُونِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَلَوْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَفِي كَوْنِ النِّصْفِ لِلْحَامِلِ أَوْ لِلزَّوْجِ قَوْلَانِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لِلْحَامِلِ. الْمُتَيْطِيُّ: وَبِهِ الْعَمَلُ بَهْرَامَ وَسَنَدٌ: فَرْعٌ: أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَسْتَحِقُّ بِالْعَقْدِ إلَّا نِصْفَ الصَّدَاقِ (وَالْجَمِيعُ بِالْفَسَادِ) . ابْنُ حَبِيبٍ: لَوْ فَسَخَ لِفَسَادٍ فَلِلْحَامِلِ (وَلَا يَرْجِعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالْحَمَالَةِ أَوْ يَكُونَ بَعْدَ الْعَقْدِ) . ابْنُ رُشْدٍ: ضَمَانُ الرَّجُلِ صَدَاقَ ابْنِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ إنْ كَانَ فِي الْعَقْدِ، فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ حَمَلَ حَتَّى يَنُصَّ عَلَى الْحَمَالَةِ وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَهُوَ عَلَى الْحَمَالَةِ بِاتِّفَاقٍ. ابْنُ سَلْمُونَ: إنْ وَقَعَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَانَ كَالْهِبَةِ بِخِلَافِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ (وَلَهَا الِامْتِنَاعُ إنْ تَعَذَّرَ أَخْذُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ حَمْلُ صِلَةٍ لَيْسَ كَحَمَالَةِ الدِّينِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَتَعَذَّرَ أَخْذُهُ فَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ فَلِسَ الْحَامِلُ أَوْ مَاتَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَلَا غُرْمَ عَلَى الزَّوْجِ (حَتَّى يُقْدَرَ وَتَأْخُذُ الْحَالَّ وَلَهُ التَّرْكُ) اللَّخْمِيِّ: إنْ ضَمِنَ عَنْ الزَّوْجِ صَدَاقَ بِنْتِهِ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَخْلُفْ شَيْئًا كَانَ الزَّوْجُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ إلَيْهَا أَوْ يُفَارِقَهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ خَمْسِينَ نَقْدًا وَخَمْسِينَ إلَى أَجَلٍ وَخَلَفَ الْأَبُ خَمْسِينَ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَأْخُذُهَا وَكَانَتْ مَفْضُوضَةً نِصْفُهَا عَنْ الْمُعَجَّلِ وَنِصْفُهَا عَنْ الْمُؤَجَّلِ، يَعْنِي لِأَنَّ بِالْمَوْتِ حَلَّ جَمِيعُ الْحَقِّ، فَإِنْ أَتَى الزَّوْجُ بِتَمَامِ الْمُعَجَّلِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَنَى بِهَا وَإِلَّا فَارَقَ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ التَّحَمُّلُ بِرِضَاهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ (وَبَطَلَ إنْ ضَمِنَ فِي مَرَضٍ عَنْ وَارِثٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: ضَمَانُ مَهْرِ إنْكَاحِ ابْنِهِ فِي مَرَضِهِ فِيهَا سَاقِطٌ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَالصَّدَاقُ عَلَى الِابْنِ إنْ أَحَبَّ وَإِلَّا فُسِخَ النِّكَاحُ وَسَقَطَ الصَّدَاقُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا نَظَرَ لَهُ وَصِيٌّ (لَا زَوْجَ ابْنَتِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْكَاحُهُ ابْنَتَهُ فِي مَرَضِهِ ضَامِنًا مَهْرَهَا صَحِيحٌ. قَالَ مَالِكٌ: وَيَثْبُتُ فِي ثُلُثِهِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا إذَا تَحَمَّلَ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَإِلَّا فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِابْنَتِهِ. وَانْظُرْ ثَالِثَ تَرْجَمَةٍ مِنْ النِّكَاحِ الثَّانِي مِنْ ابْنِ يُونُسَ. [الْكَفَاءَةُ فِي النِّكَاحِ الدِّينُ وَالْحَالُ] (وَالْكَفَاءَةُ الدِّينُ وَالْحَالُ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْكَفَاءَةُ الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُقَارَبَةُ وَهِيَ مَطْلُوبَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ خَامِسُ الْأَقْوَالِ نَقَلَ الْقَاضِي عَنْ الْمَذْهَبِ إنَّهَا فِي الدِّينِ وَالْحَالِ (وَلَهَا وَلِلْوَلِيِّ تَرْكُهَا) هَذَا نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالتَّلْقِينِ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: يَنْبَغِي فِي الْيَتِيمَةِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهَا بِكْرٌ بَالِغٌ وَأَنَّ الزَّوْجَ كُفُؤٌ لَهَا فِي مَالِهِ وَحَالِهِ. هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: اعْتِبَارُ الدِّينِ فِي الْكَفَاءَةِ. قَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: وَهَذَا فِي الْبِكْرِ، وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَتَتَزَوَّجُ مَنْ شَاءَتْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ فِي الثَّيِّبِ الْكَفَاءَةُ كَالْبِكْرِ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ يَأْخُذُ بِهَذَا الْقَوْلِ وَيَقُولُ: وَإِنْ كَانَتْ تَمْلِكُ أَمْرَ نَفْسِهَا لَمْ يَلْزَمْنِي أَنْ أُعِينَهَا إذَا دَعَتْ إلَى غَيْرِ كُفْءٍ (وَلَيْسَ لِوَلِيٍّ رِضًا بِمُطْلَقِ امْتِنَاعٍ بِلَا حَادِثٍ) فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ رَضِيَ الْوَلِيُّ بِعَيْبٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 فَطَلَّقَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مِنْهُ حَدَثٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ. (وَلِلْأُمِّ التَّكَلُّمُ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ الْمُوسِرَةَ الْمَرْغُوبَ فِيهَا مِنْ فَقِيرٍ وَرُوِيَتْ بِالنَّفْيِ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا لِضَرَرٍ بَيِّنٍ) فِيهَا: أَتَتْ امْرَأَةٌ مُطَلَّقَةٌ لِمَالِكٍ قَالَتْ: لِي ابْنَةٌ مُوسِرَةٌ مَرْغُوبٌ فِيهَا أُصْدِقَتْ صَدَاقًا كَثِيرًا أَرَادَ أَبُوهَا إنْكَاحَهَا ابْنَ أَخِيهِ مُعْدِمًا لَا شَيْءَ لَهُ، أَلِيَ أَنْ أَتَكَلَّمَ؟ قَالَ: لَكِ فِي ذَلِكَ مُتَكَلَّمٌ. ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْكَاحُهُ جَائِزٌ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَضُرَّ فَيُمْنَعَ، وَرُوِيَتْ لَا لَكِ (وَهَلْ وِفَاقٌ؟ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ حَبِيبٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافٌ أَبُو عِمْرَانَ وِفَاقٌ (وَالْمَوْلَى وَغَيْرُ الشَّرِيفِ وَالْأَقَلُّ جَاهًا كُفْءٌ) أَمَّا الْمَوْلَى فَفِيهَا إنْ رَضِيَتْ بِكُفْءٍ فِي الدِّينِ لَا فِي الْمَالِ وَأَبَاهُ وَلِيُّهَا قَالَ: مَا سَمِعْتُ فِيهِ شَيْئًا إلَّا قَوْلَهُ لَا بَأْسَ بِإِنْكَاحِ الْمَوَالِي فِي الْعَرَبِ وَأَعْظَمُ تَفْرِقَتِهِمْ بَيْنَ عَرَبِيَّةٍ وَمَوْلًى قَالَ: وَالْمُسْلِمُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ أَكْفَاءٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ} [الحجرات: 13] إلَى قَوْلِهِ: {أَتْقَاكُمْ} وَأَمَّا غَيْرُ الشَّرِيفِ فَفِيهَا: إذَا رَضِيَتْ ثَيِّبٌ بِكُفْءٍ فِي دِينِهِ وَهُوَ دُونَهَا فِي النَّسَبِ وَالشَّرَفِ وَرَدَّهُ أَبٌ أَوْ وَلِيٌّ، زَوَّجَهَا مِنْهُ الْإِمَامُ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِإِنْكَاحِ الْمَوَالِي فِي الْعَرَبِ (وَفِي الْعَبْدِ تَأْوِيلَانِ) فِيهَا: قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ رَضِيَتْ بِعَبْدٍ وَهِيَ امْرَأَةٌ ثَيِّبٌ مِنْ الْعَرَبِ وَأَبَى الْأَبُ أَوْ الْوَلِيُّ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهَا مِنْ مَالِكٍ شَيْئًا إلَّا مَا أَخْبَرْتُك مِنْ نِكَاحِ الْمَوَالِي فِي الْعَرَبِ، وَأُعْظِمُ إعْظَامًا شَدِيدًا التَّفْرِقَةَ بَيْنَ عَرَبِيَّةٍ وَمَوْلًى، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ الْوَلِيُّ بِعَاضِلٍ فِي مَنْعِهِ ذَاتَ الْقَدْرِ نِكَاحَ الْعَبْدِ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَسَحْنُونٌ: يُفْسَخُ. عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَهَذَا مِنْ الصَّوَابِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ الْكَفَاءَةِ انْتَهَى نَقْلُ ابْنُ يُونُسَ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: قَوْلُ الْمُغِيرَةِ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ سَعْدُونٍ وَغَيْرِهِ بَلْ هُوَ وِفَاقٌ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ نِكَاحَ الْعَبْدِ عَرَبِيَّةً (وَحَرُمَ أُصُولُهُ وَفُصُولُهُ) . [الْقِسْمُ الثَّالِثُ فِي مَوَانِعِ النِّكَاحِ] ابْنُ شَاسٍ: الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي الْمَوَانِعِ وَهِيَ قَرَابَةٌ وَرَضَاعٌ وَصِهْرٌ، وَمِنْ ذَلِكَ اللِّعَانُ وَالْوَطْءُ فِي الْعِدَّةِ وَالرِّقُّ وَالْجَمْعُ بَيْنَ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ. أَمَّا الْقَرَابَةُ فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أُصُولُهُ وَفُصُولُهُ وَفُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ وَإِنْ عَلَا. أَمَّا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 أُصُولُهُ فَكُلُّ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا فُصُولُهُ فَكُلُّ مَنْ لِهَذَا الْإِنْسَانِ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ حَرَامٌ عَلَيْهِ أَيْضًا (وَلَوْ خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَاءِ زَانٍ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَفِي تَخْطِئَةِ مَنْ خَالَفَ هَذَا نَظَرٌ لِمَنْ أَنْصَفَ (وَزَوْجَتُهُمَا) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَانِعُ الثَّانِي الصِّهْرُ وَهُوَ زَوْجَةُ أَصْلِهِ أَوْ زَوْجَةُ فَرْعِهِ (وَفُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ بِهَذَا فَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْءِ بِهَذَا إخْوَتُهُ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ وَبَنُوهُمْ مَا سَفَلُوا (وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ بِهَذَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ إخْوَةُ أَبِيهِ وَإِخْوَةُ أُمِّهِ وَإِخْوَةُ جَدِّهِ وَإِخْوَةُ جَدَّتِهِ وَهَكَذَا مَا عَلَوْا (وَأُصُولُ زَوْجَتِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَنْ لَهَا عَلَى زَوْجَتِهِ وِلَادَةٌ (وَبِتَلَذُّذٍ وَإِنْ بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَوْ بِنَظَرِ فُصُولِهَا) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا بَنَاتُ الزَّوْجَةِ فَلَا يَحْرُمْنَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بَلْ بِالْوَطْءِ فِيهِ، وَفِي مَعْنَى الْوَطْءِ مُقَدِّمَاتُهُ مِنْ نَحْوِ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ إذَا كَانَ ذَلِكَ لِلَذَّةٍ، وَكَذَلِكَ النَّظَرُ إلَى بَاطِنِ الْجَسَدِ بِشَهْوَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي تَحْرِيمِ بَنَاتِ الزَّوْجَةِ كَوْنُهُنَّ فِي حِجْرِهِ. ابْنُ بَشِيرٍ: النَّظَرُ لِلْوَجْهِ لَغْوٌ اتِّفَاقًا وَلِغَيْرِهِ الْمَشْهُورُ يَحْرُمُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَطْءُ الْمَيْتَةِ بِنِكَاحٍ وَتَقْبِيلُهَا كَالْحَيَّةِ. ابْنُ رُشْدٍ: مُقْتَضَى النَّظَرِ لَغْوُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُحْصَنُ (كَالْمِلْكِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْوَطْءُ بِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَةٍ كَوَطْءٍ بِنِكَاحٍ (وَحَرُمَ الْعَقْدُ وَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 فَسَدَ إنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ حُرْمَةِ الصِّهْرِ صِحَّةُ نِكَاحِهِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ كَذَلِكَ أَيْضًا هُوَ يَحْرُمُ (وَإِلَّا فَوَطْؤُهُ إنْ دَرَأَ الْحَدَّ) ابْنُ عَرَفَةَ: وَطْءُ ذَاتِ الْعَقْدِ الْمُحَرَّمِ إنْ حُدَّ بِهِ كَزِنًا وَإِلَّا فَقَالَ الصَّقَلِّيُّ: يَحْرُمُ اتِّفَاقًا. ابْنُ رُشْدٍ: الصَّحِيحُ عَدَمُ تَحْرِيمِهِ. ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَشْهُورُ لَغْوُ عَقْدِهِ (وَفِي الزِّنَا خِلَافٌ) اُنْظُرْ إذَا كَانَ ابْنُ رُشْدٍ قَدْ قَالَ الصَّحِيحُ لَغْوُ النِّكَاحِ الْمُحَرَّمِ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى الزِّنَا. وَفِي الْمُوَطَّأُ: لَا يَحْرُمُ بِالزِّنَا حَلَالٌ وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي رِسَالَتِهِ. عِيَاضٌ: وَحَمَلَ الْأَكْثَرُ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْكَرَاهَةِ. اُنْظُرْ الْوَطْءَ غَلَطًا هَلْ يَحْرُمُ؟ قِيلَ: يَحْرُمُ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ. وَثَالِثُ الْأَقْوَالِ الْوَقْفُ. وَانْظُرْ وَطْءَ الْمُكْرَهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ: عَلَى حَدِّهِ كَزِنًا وَعَلَى عَزْرِهِ كَغَلَطٍ (وَإِنْ حَاوَلَ تَلَذُّذًا بِزَوْجَتِهِ فَتَلَذَّذَ بِابْنَتِهَا فَتَرَدُّدٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي حُرْمَةِ الْأُمِّ بِمَسِّ ابْنَتِهَا تَلَذُّذًا غَلَطًا، طَرِيقَانِ أَلَّفَ الْمَازِرِيُّ فِي ذَلِكَ " كَشْفُ الْغَطَا عَنْ لَمْسِ الْخَطَأِ " (وَإِنْ قَالَ أَبٌ نَكَحْتُهَا أَوْ وَطِئْتُ أَمَةً عِنْدَ قَصْدِ الِابْنِ ذَلِكَ وَأَنْكَرَ نُدِبَ التَّنَزُّهُ) فِيهَا: لَوْ اشْتَرَى أَمَةً أَوْ أَرَادَ شِرَاءَهَا أَوْ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ أَبُوهُ وَطِئْتهَا بِمِلْكٍ أَوْ نَكَحْت الْمَرْأَةَ وَكَذَّبَهُ ابْنُهُ قَالَ قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ فِي الرَّضَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاشِيًا وَأُحِبُّ تَنَزُّهَهُ عَنْهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَشَهَادَةُ الْأَبِ كَالْمَرْأَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَاشِيًا (وَفِي وُجُوبِهِ إنْ فَشَا تَأْوِيلَانِ) أَبُو عِمْرَانَ: التَّنَزُّهُ مَعَ الْفَشْوِ أَقْوَى مِنْهُ مَعَ عَدَمِ الْفَشْوِ. عِيَاضٌ: وَقِيلَ يَقْضِي فِي الْفَشْوِ بِالْحُرْمَةِ (وَجَمْعُ خَمْسٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: تَزْوِيجُ الْخَامِسَةِ حَرَامٌ إجْمَاعًا لَا مَا دُونَهَا (وَلِلْعَبْدِ الرَّابِعَةُ) رِوَايَةُ الْمُدَوَّنَةِ: لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا وَلَوْ كُنَّ حَرَائِرَ. وَرَوَى أَشْهَبُ: أَوْ بَعْضُهُنَّ. اُنْظُرْ عِبَارَةَ خَلِيلٍ (أَوْ الثِّنْتَيْنِ لَوْ قُدِّرَتْ أَيَّةٌ ذَكَرًا حَرُمَ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَحْرُمُ الْجَمْعُ بِالنِّكَاحِ وَلَوْ فِي عَقْدَيْنِ بَيْنَ كُلِّ فَرْعٍ وَأَصْلِهِ أَوْ أَقْرَبِ فَرْعِهِ وَلَوْ بِرَضَاعٍ، فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُمِّهَا أَوْ جَدَّتِهَا وَلَوْ عَلَتْ، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُخْتِهَا وَلَوْ مِنْ أُمٍّ أَوْ ابْنَةِ أَبِيهَا أَوْ جَدِّهَا أَوْ جَدَّتِهَا وَلَوْ بَعُدَ. وَفِيهَا الرَّضَاعُ فِي هَذَا كَالنَّسَبِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: ضَابِطُ هَذَا كُلُّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مِنْ الْقَرَابَةِ أَوْ الرَّضَاعِ مَا يَمْنَعُ نِكَاحَهُمَا لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَزِيدَ مِنْ الْقَرَابَةِ لِيَخْرُجَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُمِّ زَوْجِهَا أَوْ ابْنَتِهِ (كَوَطْئِهِمَا بِالْمِلْكِ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ حَرُمَ جَمْعُهُمَا فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 نِكَاحٍ حَرُمَ فِي وَطْئِهِمَا بِمِلْكٍ وَاحِدٍ، وَطْءُ إحْدَاهُمَا فِيهِ يَمْنَعُ وَطْءَ الْأُخْرَى وَلَوْ طَرَأَ مِلْكُهَا عَلَى الْأُخْرَى بَعْدَ وَطْئِهَا حَتَّى يَحْرُمَ فَرْجُ الْمَوْطُوءَةِ (وَفُسِخَ نِكَاحُ ثَانِيَةٍ صَدَّقَتْ وَإِلَّا حَلَفَ لِلْمَهْرِ بِلَا طَلَاقٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يُفْسَخُ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ أَبَدًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تُخَالِفَهُ الْمَتْرُوكَةُ فَيَحْلِفُ لِلْمَهْرِ وَيُفْسَخُ حِينَئِذٍ بِطَلَاقٍ (كَأُمٍّ وَابْنَتِهَا بِعَقْدٍ) اُنْظُرْ هَذَا فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 فِي عَقْدٍ كِلَاهُمَا يُفْسَخُ أَبَدًا. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا عَقَدَ عَلَى أُمٍّ وَابْنَتِهَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فُسِخَ أَبَدًا ثُمَّ قَالَ: وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مُحَرَّمٌ ثُمَّ ذَكَرَ الضَّابِطَ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ جَمَعَا فُسِخَا أَبَدًا (وَتَأَبَّدَ تَحْرِيمُهُمَا إنْ دَخَلَ) فِيهَا: مَنْ نَكَحَ أُمًّا وَابْنَتَهَا فِي عُقْدَةٍ وَسَمَّى صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَبَنَى بِهِمَا قَبْلَ الْفَسْخِ حَرُمَتَا عَلَيْهِ لِلْأَبَدِ، وَلَوْ بَنَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فُسِخَا وَخَطَبَ الَّتِي بَنَى بِهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ. أُمًّا كَانَتْ أَوْ بِنْتًا وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى أَبَدًا (وَلَا إرْثَ وَإِنْ تَرَتَّبَتَا) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ تَزَوَّجَ الْأُمَّ وَالِابْنَةَ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَعْثِرْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى دَخَلَ بِهِمَا جَمِيعًا فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقُهَا بِالْمَسِيسِ، وَيَكُونُ عَلَيْهِمَا الِاسْتِبْرَاءُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَبَدًا وَلَا يَكُونُ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِيرَاثٌ إنْ مَاتَ اهـ. نَصُّ الْمُقَدِّمَاتِ. وَمِنْ بَابٍ أَوْلَى إذَا كَانَ قَدْ جَمَعَهُمَا فِي عَقْدٍ أَنْ لَا يَكُونَ مِيرَاثٌ (وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ حَلَّتْ الْأُمُّ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا عَقَدَ عَلَى أُمٍّ وَابْنَتِهَا بِعَقْدٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ فَسَخَ وَلَمْ تَحْرُمْ الْبِنْتُ وَفِي الْأُمِّ قَوْلَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ تَرَتَّبَتَا وَلَا بِنَاءَ فُسِخَ الثَّانِي أَبَدًا وَصَحَّ الْأَوَّلُ مُطْلَقًا أُمًّا كَانَتْ أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 بِنْتًا (وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ تُعْلَمْ السَّابِقَةُ فَالْإِرْثُ وَلِكُلٍّ نِصْفُ صَدَاقِهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ مَاتَ وَالْأُولَى مَجْهُولَةٌ فَالْإِرْثُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَعَلَيْهِمَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُ مَهْرِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: اتَّفَقَ أَوْ اخْتَلَفَ (كَأَنْ لَمْ تُعْلَمْ الْخَامِسَةُ) لِمَا قَرَّرَ ابْنُ رُشْدٍ حُكْمَ مَنْ تَزَوَّجَ أُمًّا وَابْنَتَهَا قَالَ: وَمِمَّا يُضَارِعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَسْأَلَةُ مَنْ تَزَوَّجَ خَمْسَ نِسْوَةٍ وَالْمَجُوسِيُّ يُسْلِمُ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ. اُنْظُرْهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ (وَحَلَّتْ الْأُخْتُ بِبَيْنُونَةِ السَّابِقَةِ) فِيهَا: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا فَلَهُ تَزْوِيجُ أُخْتِهَا فِي عِدَّتِهَا وَكَذَا خَامِسَةٌ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 عِدَّةِ رَابِعَةٍ مَبْتُوتَةٍ (أَوْ زَوَالِ مِلْكٍ بِعِتْقٍ وَإِنْ لِأَجَلٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ إنْكَاحٍ يُحِلُّ الْمَبْتُوتَةَ أَوْ أَسْرٍ أَوْ إبَاقٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 أَوْ إيَاسٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ حَرُمَ جَمْعُهُمَا فِي نِكَاحٍ حَرُمَ وَطْؤُهُمَا بِمِلْكٍ وَاحِدٍ وَوَطْءُ إحْدَاهُمَا فِيهِ يَمْنَعُ وَطْءَ الْأُخْرَى وَلَوْ طَرَأَ مِلْكُهَا عَلَى الْأُخْرَى حَتَّى يَحْرُمَ فَرْجُ الْمَوْطُوءَةِ بِمَا يَمْنَعُ مُطْلَقَ مُتْعَتِهَا كَالْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَكَذَا الْفَاسِدُ بَعْدَ فَوْتِهِ مَعَ الْخُرُوجِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَا الْعِتْقُ لِأَجَلٍ وَالْكِتَابَةُ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ: الْكِتَابَةُ لَا تَحْرُمُ وَهْمٌ أَوْ تَوَهُّمٌ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَا التَّزْوِيجُ غَيْرُ الْفَاسِدِ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ عَبْدِهِ فَمَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ مَسِّهَا حَلَّتْ لَهُ أُخْتُهَا. وَفِيهَا: وَكَذَا لِأَسْرٍ وَإِبَاقٍ. اللَّخْمِيِّ: وَكَذَا عِتْقُ بَعْضِهَا (أَوْ بَيْعٍ دَلَّسَ فِيهِ) فِي الْمُدَوَّنَةِ: بَيْعُهَا مُعَيَّنَةً تَحْرِيمٌ لِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي التَّمَاسُكَ بِهَا، فَلَوْ بَاعَهَا مُدَلِّسًا فَأَخَذَ ابْنُ مُحْرِزٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ تَحْرِيمٌ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَحْرُمُ (لَا فَاسِدٍ لَمْ يَفُتْ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا وَكَذَا الْفَاسِدُ (وَحَيْضٍ وَعِدَّةِ شُبْهَةٍ وَرِدَّةٍ وَإِحْرَامٍ وَظِهَارٍ) . ابْنُ شَاسٍ: الْعَارِضُ الْمُحَرِّمُ كَالْحَيْضِ وَالْعِدَّةِ لِشُبْهَةٍ وَالرِّدَّةِ وَالْإِحْرَامِ لَغْوٌ. وَفِيهَا: وَالظِّهَارُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ رِدَّةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مُزِيلٌ لِلْعِصْمَةِ إنْ رَاجَعَتْ الْإِسْلَامَ بَقِيَ عَلَى وَطْءِ الْأَمَةِ وَاسْتَأْنَفَ نِكَاحَ الزَّوْجَةِ (وَاسْتِبْرَاءٍ وَخِيَارٍ وَعُهْدَةِ ثَلَاثٍ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: بَيْعٌ فِيهِ اسْتِبْرَاءٌ أَوْ خِيَارٌ أَوْ عَلَى الْعُهْدَةِ لَغْوٌ. مُحَمَّدٌ: يُرِيدُ عُهْدَةَ الثَّلَاثِ (وَإِخْدَامِ سَنَةٍ) . ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إخْدَامُهَا لِأَجَلِ الطَّوِيلِ كَالسِّنِينَ الْكَثِيرَةِ أَوْ حَيَاةِ الْمُخْدَمِ تَحْرِيمٌ وَأَمَّا السَّنَةُ فَلَغْوٌ (وَهِبَةٍ لِمَنْ يَعْتَصِرُهَا مِنْهُ وَإِنْ بِبَيْعٍ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قِيلَ: لَوْ وَهَبَهَا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ يَتِيمِهِ قَالَ: كُلُّ مَا لَهُ أَنْ يُصِيبَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 بِشِرَاءٍ هُوَ الْحَاكِمُ فِيهِ أَوْ بِاعْتِصَارٍ أَوْ انْتِزَاعٍ وَمَا يُفْسَخُ مِنْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ لَا يَثْبُتَانِ عَلَيْهِ إنْ شَاءَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَغْوٌ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَذْهَبَ صِحَّةُ الِاعْتِصَارِ مِنْ الْكَبِيرِ وَلَوْ غَابَ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَدَّعِ وَطْأَهَا. (بِخِلَافِ صَدَقَةٍ عَلَيْهِ إنْ حِيزَتْ) . ابْنُ يُونُسَ: لَوْ وَهَبَهَا لِابْنِهِ الْكَبِيرِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَا تَحِلُّ لَهُ أُخْتُهَا حَتَّى يَقْبِضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ لِأَنَّ رَبَّهَا لَوْ أَعْتَقَهَا قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ أَحْبَلَهَا مَضَى عِتْقُهُ وَإِيلَادُهُ وَبَطَلَتْ الْهِبَةُ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَبُولُ الصَّقَلِّيِّ هَذَا مَرْدُودٌ لِأَنَّ الِاعْتِصَارَ مِنْ الْكَبِيرِ بَعْدَ الْغَيْبَةِ صَحِيحٌ إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا (وَإِخْدَامِ سِنِينَ) تَقَدَّمَ نَصُّ، ابْنِ الْمَاجِشُونِ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِخْدَامِ سَنَةٍ " (وَوَقَفَ إنْ وَطِئَهُمَا لِيُحَرِّمَ فَإِنْ أَبْقَى الثَّانِيَةَ اسْتَبْرَأَهَا) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ وَطِئَ الْأُخْرَى قَبْلَ تَحْرِيمِهِ الْأُولَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 وَقَفَ عَنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ، إنْ حَرَّمَ الثَّانِيَةَ لَمْ يُوقَفْ عَنْ الثَّانِيَةِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا لِفَسَادِ مَائِهِ (وَإِنْ عَقَدَ فَاشْتَرَى فَالْأُولَى) فِيهَا: مَنْ ابْتَاعَ أُخْتَ زَوْجَتِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا لَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ دُونَ الْأَمَةِ، فَإِنْ وَطِئَ الْأَمَةَ كَفَّ عَنْ الزَّوْجَةِ حَتَّى يُحَرِّمَ الْأَمَةَ وَلَا يَفْسُدَ النِّكَاحُ بِحَالٍ (فَإِنْ وَطِئَ أَوْ عَقَدَ بَعْدَ تَلَذُّذِهِ بِأُخْتِهَا بِمِلْكٍ فَكَالْأَوَّلِ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي مَعْنَى الْوَطْءِ مُقَدِّمَاتِهِ، اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبِتَلَذُّذِهِ " وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا يُتَصَوَّرُ مِنْ كَلَامِهِ. أَمَّا إنْ وَطِئَ بَعْدَ تَلَذُّذِهِ بِأُخْتِهَا بِمِلْكٍ فَهَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ: وَوَقَفَ إنْ وَطِئَهُمَا لِيُحَرِّمَ. وَأَمَّا إنْ عَقَدَ بَعْدَ تَلَذُّذِهِ بِأُخْتِهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا ثُمَّ إنَّهُ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 فَإِنَّهُ لَا يُعْجِبُنِي نِكَاحُهُ وَلَا أَفْسَخُهُ وَيُوقَفُ إمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَإِمَّا أَنْ يُحَرِّمَ الْأَمَةَ. (وَالْمَبْتُوتَةُ حَتَّى يُولِجَ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُكَمَّلُ طَلَاقُهَا وَهُوَ ثَلَاثٌ لِلْحُرِّ وَثِنْتَانِ لِلْعَبْدِ حَرَامٌ عَلَى مُكَمِّلِهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ (مُسْلِمٌ) فِيهَا: النَّصْرَانِيَّةُ يَبُتُّهَا مُسْلِمٌ لَا يُحِلُّهَا وَطْءُ نَصْرَانِيٍّ بِنِكَاحٍ إلَّا أَنْ يَطَأهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ (بَالِغٌ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يُشْتَرَطُ بُلُوغُ الزَّوْجِ عِنْدَ الْوَطْءِ وَأَطَاقَتْ الزَّوْجَةُ الْوَطْءَ (قَدْرَ الْحَشَفَةِ) . الْبَاجِيُّ: يَكْفِي مَغِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ مَعَ الِانْتِشَارِ (بِلَا مَنْعٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: ثَالِثُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ إنْ صَحَّ الْعَقْدُ وَفَسَدَ الْوَطْءُ مَا أَحْصَنَ وَلَا أَحَلَّ كَوَطْءِ الْحَائِضِ الْمُعْتَكِفَةِ أَوْ كَانَ هُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 الْمُعْتَكِفُ أَوْ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ أَوْ مُحْرِمٌ أَعْنِي كُلَّ وَطْءٍ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى يَطَأَ بَعْدَهُ وَطْئًا صَحِيحًا (وَلَا نُكْرَةَ فِيهِ) عَدُّوا مِنْ مُثْبِتِ وَطْءِ الْإِحْلَالِ اتِّفَاقُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْإِصَابَةِ. اللَّخْمِيِّ: وَانْفِرَادُ الزَّوْجَةِ بِدَعْوَاهُ لَغْوٌ فِي الْأَمَدِ الْقَرِيبِ (بِانْتِشَارِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْبَاجِيِّ مَعَ الِانْتِشَارِ. (فِي نِكَاحٍ لَازِمٍ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا تَحِلُّ بِعَقْدٍ وَلَا مِلْكٍ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ نِكَاحًا صَحِيحًا لَازِمًا. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَوْ خَصِيًّا " (وَعِلْمِ خَلْوَةٍ) . اللَّخْمِيِّ: مِنْ مُثْبِتِ وَطْءِ الْإِحْلَالِ شَاهِدَانِ عَلَى نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَامْرَأَتَانِ بِالْخَلْوَةِ (وَزَوْجَةٍ بِوَطْءٍ فَقَطْ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: يُشْتَرَطُ عِلْمُ الزَّوْجَةِ خَاصَّةً بِالْوَطْءِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: وَعِلْمُ الزَّوْجِ. اللَّخْمِيِّ: وَوَطْءُ النَّائِمَةِ لَغْوٌ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: الْمَجْنُونَةُ الْمَغْلُوبَةُ عَلَى عَقْلِهَا تُحْصِنُ وَاطِئَهَا وَلَا يُحْصِنُهَا (وَلَوْ خَصِيًّا) فِيهَا: وَطْءُ الْخَصِيِّ الْقَائِمِ الذَّكَرُ بَعْدَ عِلْمِهَا بِهِ يُحِلُّ وَيُحْصِنُ (كَتَزْوِيجِ غَيْرِ مُشْبِهَةٍ لِيَمِينٍ) ثَالِثُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ تَزَوَّجَهَا مَنْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَى زَوْجَتِهِ لِيَبَرَّ بِحِلِّهَا وَلَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 لَمْ تُشْبِهْ مُنَاكَحَهُ، وَتَقَدَّمَ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَا يَبَرُّ مَنْ حَلَفَ بِذَلِكَ (لَا بِفَاسِدٍ إنْ لَمْ يَثْبُتْ بَعْدَهُ بِوَطْءٍ ثَانٍ وَفِي الْأَوَّلِ تَرَدُّدٌ) . ابْنُ عَرَفَةَ: وَطْؤُهَا بِالْمِلْكِ وَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ قَبْلَ صِحَّتِهِ لَغْوٌ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْوَطْءُ الثَّانِي فِيمَا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا بَعْدَهُ يَحِلُّ وَيُحْصِنُ، وَأَمَّا الْوَطْءُ الْأَوَّلُ فَلَا نَصَّ فِيهِ وَفِيهِ عِنْدِي احْتِمَالٌ (كَمُحَلِّلٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ وَهُوَ مَا عَقَدَهُ الثَّانِي بِنِيَّةِ تَحْلِيلِهَا (وَإِنْ مَعَ نِيَّةِ إمْسَاكِهَا مَعَ الْإِعْجَابِ) ابْنُ حَبِيبٍ: لَوْ قَالَ فِي نَفْسِهِ إنْ وَافَقَتْنِي أَمْسَكْتُهَا وَإِلَّا كُنْتُ احْتَسَبْتُ بِتَحْلِيلِهَا لَمْ يَحِلَّ الْمُقَامُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَحِلَّ بِهِ إذَا خَالَطَتْ نِيَّتُهُ شَيْئًا مِنْ التَّحْلِيلِ. عَبْدُ الْحَمِيدِ: لَوْ نَوَى التَّحْلِيلَ دُونَ شَرْطٍ لَمْ يُحِلَّهَا عِنْدَ مَالِكٍ. وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: يُحِلُّهَا وَهُوَ مَأْجُورٌ، وَلَوْ زَوَّجَهَا مِنْ عَبْدِهِ لِيَسْأَلَهُ طَلَاقَهَا بَعْدَ وَطْئِهَا حَلَّتْ بِهِ وَمَالَ إلَيْهِ بَعْضُ الشُّيُوخِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ تُعْجِبُهُ لِيُصِيبَهَا وَقَدْ أَضْمَرَ فِرَاقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ (وَنِيَّةُ الْمُطَلَّقِ وَنِيَّتُهَا لَغْوٌ) رَوَى أَشْهَبُ عَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 مَالِكٍ: لَا تَضُرُّ نِيَّةُ الْمَرْأَةِ ذَلِكَ. زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ: وَلَا نِيَّةُ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ ذَلِكَ (وَقُبِلَ دَعْوَى طَارِئَةٍ التَّزْوِيجَ كَحَاضِرَةٍ أُمِنَتْ إنْ بَعُدَ وَفِي غَيْرِهَا قَوْلَانِ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ التَّزْوِيجَ إلَّا مِنْ قِبَلِ الْمُطَلَّقَةِ فَإِنْ كَانَا طَارِئَيْنِ قُبِلَ قَوْلُهَا إنْ لَمْ يَكُونَا طَارِئَيْنِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا فِي الْأَمَد الْقَرِيبِ وَيُقْبَلُ فِي الْبَعِيدِ إذَا كَانَتْ مَأْمُونَةً. وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يُقْبَلُ قَوْلُهَا إذَا طَالَ الْأَمْرُ وَأَمْكَنَ مَوْتُ الشُّهُودِ وَتَصِيرُ كَالطَّارِئَةِ، وَإِنْ عَلِمَ النِّكَاحَ وَلَمْ يَعْلَمْ الدُّخُولَ حَتَّى طَلَّقَ لَمْ يُصَدَّقْ أَنَّهُ بَنَى لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى، وَلَا يُصَدَّقُ الثَّانِي أَنَّهُ بَنَى بِهَا وَإِنْ عَلِمَتْ الْخَلْوَةَ ثُمَّ غَابَ الْمُحَلِّلُ أَوْ مَاتَ صُدِّقَتْ (وَمِلْكُهُ) . ابْنُ عَرَفَةَ: مِلْكُ الرَّجُلِ بَعْضَ الْمَرْأَةِ وَعَكْسُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 يُحَرِّمُ نِكَاحَهَا، وَحُدُوثُهُ وَلَوْ بِإِرْثٍ يُوجِبُ فَسْخَهُ وَلَا صَدَاقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ (أَوْ لِوَلَدِهِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: شُبْهَةُ الْمِلْكِ كَالْمِلْكِ. فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ زَوْجَةَ أَبِيهِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ إذْ لَا يَتَزَوَّجُ الْأَبُ أَمَةَ وَلَدِهِ (وَفُسِخَ وَإِنْ طَرَأَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ حُدُوثُ الْمِلْكِ وَلَوْ بِإِرْثٍ يُوجِبُ الْفَسْخَ (بِلَا طَلَاقٍ) فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ إذَا مَلَكَتْهُ امْرَأَتُهُ أَوْ الزَّوْجُ يَمْلِكُ امْرَأَتَهُ: إنْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ يَكُونُ فَسْخًا بِغَيْرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 طَلَاقٍ، فَإِنْ تَرَاجَعَا بَعْدَ ذَلِكَ بِنِكَاحٍ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا (كَمَرْأَةٍ فِي زَوْجِهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُوَطَّأِ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ وَعَكْسُهُ كَذَلِكَ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا اشْتَرَتْ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فَسَدَ النِّكَاحُ وَاتَّبَعَتْهُ بِمَهْرِهَا دَيْنًا إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ. (وَلَوْ بِدَفْعِ مَالٍ لِيَعْتِقَ عَنْهَا لَا إنْ رَدَّ سَيِّدٌ شِرَاءَ مَنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اشْتَرَتْ زَوْجَهَا وَهِيَ أَمَةٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهَا فَرَدَّهُ رَبُّهَا وَهِيَ عَلَى نِكَاحِهَا (أَوْ قَصَدَا بِالْبَيْعِ الْفَسْخَ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اشْتَرَتْ زَوْجَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فُسِخَ نِكَاحُهَا. قَالَ سَحْنُونَ: إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهَا وَسَيِّدُهُ اغْتَزَيَا فَسْخَ النِّكَاحِ فَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 يَجُوزُ ذَلِكَ وَبَقِيَتْ زَوْجَتَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ أَنَّ اغْتِزَاءَهُ وَحْدَهُ لَغْوٌ وَفِيهِ نَظَرٌ (كَهِبَتِهَا لِعَبْدِهِ لِيَنْتَزِعَهَا وَأُخِذَ مِنْهُ جَبْرُ الْعَبْدِ عَلَى الْهِبَةِ) الْمُدَوَّنَةُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ: مَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ ثُمَّ وَهَبَهَا لَهُ يَغْتَزِي فَسْخَ نِكَاحِهِمَا لَمْ يَجُزْ وَلَا تَحْرُمُ بِذَلِكَ عَلَى زَوْجِهَا. اللَّخْمِيِّ: ظَاهِرُهُ صِحَّةُ الْهِبَةِ إنْ لَمْ يَقْبَلْهَا الْعَبْدُ. ابْنُ مُحْرِزٍ: هَذَا يَدُلُّ مِنْ مَالِكٍ عَلَى إجْبَارِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ عَلَى قَبُولِ الْهِبَةِ إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِمَقْصِدِ السَّيِّدِ تَأْثِيرٌ لِأَنَّ لِلْعَبْدِ أَنْ لَا يَقْبَلَ (وَمَلَكَ أَبٌ جَارِيَةَ ابْنِهِ بِتَلَذُّذِهِ بِالْقِيمَةِ) فِيهَا: إنْ وَطِئَ أَمَةَ ابْنِهِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا لَمْ يُحَدَّ وَقُوِّمَتْ عَلَيْهِ يَوْمَ وَطِئَهَا، وَلَوْ لَمْ تَحْمِلْ وَكَانَ عَدِيمًا وَبِيعَتْ عَلَيْهِ لِعَدَمِهِ فِي الْقِيمَةِ إنْ لَمْ تَحْمِلْ، فَإِنْ حَمَلَتْ لَمْ تُبَعْ وَبَقِيَتْ لِلْأَبِ أُمَّ وَلَدٍ إلَّا إنْ كَانَ الِابْنُ قَدْ وَطِئَهَا فَإِنَّهَا تُعْتَقُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 عَلَى الْأَبِ لِحُرْمَةِ وَطْئِهِ إيَّاهَا (وَحَرُمَتْ عَلَيْهِمَا إنْ وَطِئَاهَا وَعَتَقَتْ عَلَى مُولِدِهَا) تَقَدَّمَ الْحُكْمُ إنْ حَمَلَتْ مِنْ الْأَبِ يَبْقَى إذَا كَانَتْ مِنْ الِابْنِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ وَطِئَ أُمَّ وَلَدِ ابْنِهِ غَرِمَ قِيمَتَهُمْ وَعَتَقَتْ عَلَيْهِ وَوَلَاؤُهَا لِابْنِهِ (وَلِعَبْدٍ تَزْوِيجُ ابْنَةِ سَيِّدِهِ بِثِقْلٍ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَةَ سَيِّدِهِ بِرِضَاهَا وَرِضَاهُ وَكَانَ مَالِكٌ يَسْتَثْقِلُهُ. ابْنُ يُونُسَ: خَوْفَ أَنْ تَمْلِكَهُ الْبِنْتُ عِنْدَ مَوْتِ أَبِيهَا، وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ جَائِزٌ فِي الْحَالِ وَمِنْ أَصْلِنَا لَا يَتْرُكُ جَائِزً لِأَمْرٍ قَدْ يَكُونُ أَوْ لَا يَكُونُ (وَمِلْكِ غَيْرِهِ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ الْإِمَاءِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْبَعِ إنْ خَشِيَ الْعَنَتَ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ إنْ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ (كَحُرٍّ لَا يُولَدُ لَهُ) . اللَّخْمِيِّ: يَجُوزُ لِلْحُرِّ نِكَاحُ الْأَمَةِ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يُخْشَى مِنْهُ حَمْلٌ كَالْحَصُورِ وَالْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي (وَكَأَمَةِ الْجَدِّ) اللَّخْمِيِّ: يَجُوزُ أَيْضًا لِلْحُرِّ نِكَاحُ كُلِّ أَمَةٍ يَكُونُ وَلَدُهَا مِنْهُ حُرًّا مِثْلَ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ جَدَّتِهِ، كَانُوا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ، وَيَجُوزُ أَيْضًا نِكَاحُ الْجَدِّ أَمَةَ ابْنِ الِابْنِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَكُلُّ هَذَا إذَا كَانَ الْمَالِكُ لَهَا حُرًّا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ (وَإِلَّا فَإِنْ خَافَ زِنًا) فِي الْمُوَطَّأِ: الْعَنَتُ الزِّنَى وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّهَا بِهَذَا (وَعَدَمُ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةً) اللَّخْمِيِّ: عَدَمُ الطَّوْلِ لِحُرَّةٍ مَرَّةً شَرَطَهُ مَالِكٌ وَمَرَّةً لَمْ يَشْتَرِطْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 وَأَكْثَرُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ، وَأَكْثَرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ (غَيْرَ مُغَالِيَةٍ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مُغَالِيَةً بِسَرَفٍ نَكَحَ الْأَمَةَ عَلَى الْأَصَحِّ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ مُقَابِلَهُ (وَلَوْ كِتَابِيَّةً) . عِيَاضٌ: اُخْتُلِفَ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ هَلْ هُوَ طَوْلٌ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ أَمْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِحَرَائِر الْمُسْلِمَاتِ؟ ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ وَالْأَقْوَالِ أَنَّ الْكِتَابِيَّةَ كَالْمُسْلِمَةِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إرْقَاقُ الْوَلَدِ (أَوْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ) اللَّخْمِيِّ: لَمْ يَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْحُرَّةَ تَكُونُ طَوْلًا. (وَلِعَبْدٍ مُكَاتَبٍ بِلَا شِرْكٍ وَمُكَاتَبٍ وَغْدَيْنِ نَظَرُ شَعْرِ السَّيِّدَةِ) فِيهَا لَا تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ مُكَاتَبَهَا لِأَنَّهُ عَبْدُهَا مَا دَامَ فِي حَالِ الْأَدَاءِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرَى شَعْرَهَا إنْ كَانَ وَغْدًا وَإِلَّا فَلَا. وَكَذَلِكَ عَبْدُهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا فِيهِ شِرْكٌ فَلَا يَرَى شَعْرَهَا وَغْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ (كَخَصِيٍّ وَغْدٍ لِزَوْجٍ وَرُوِيَ جَوَازُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا) قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْمَرْأَةِ خَصِيُّهَا وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَصِيُّ زَوْجِهَا خَفِيفًا وَكُرِهَ خُصْيَانُ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَيْضًا: لَا بَأْسَ بِالْخَصِيِّ وَالْعَبْدِ أَنْ يَدْخُلَا عَلَى النِّسَاءِ وَيَرَيَا شُعُورَهُنَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ مَنْظَرٌ. اُنْظُرْ ثَانِيَ عَشَرَ تَرْجَمَةً مِنْ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ اللَّخْمِيِّ. (وَخُيِّرَتْ الْحُرَّةُ مَعَ الْحُرِّ فِي نَفْسِهَا) اُنْظُرْ مَا نَقَصَ هُنَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لِلْحُرَّةِ الْخِيَارُ مَعَ الْحُرِّ إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَمَةٍ جَهِلَتْهَا، فَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 عَلِمَتْ بِهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَتَانِ عَلِمَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَلَهَا الْخِيَارُ أَيْضًا كَمَا لَوْ رَضِيَتْ أَمَةٌ تَزَوَّجَهَا لَهَا الْخِيَارُ وَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْرَى (بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قُلْت: أَتَخْتَارُ نَفْسَهَا بِالثَّلَاثِ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ وَلَا تَخْتَارُ إلَّا وَاحِدَةً تَمْلِكُ بِهَا نَفْسَهَا (كَتَزْوِيجِ أَمَةٍ عَلَيْهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْكِحُ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فَإِنْ فَعَلَ جَازَ وَلِلْحُرَّةِ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا (أَوْ ثَانِيَةٍ أَوْ أَعْلَمَهَا بِوَاحِدَةٍ فَأَلْغَتْ أَكْثَرَ) تَقَدَّمَ الْفَرْعَانِ مَعًا لِابْنِ الْقَاسِمِ قَبْلَ قَوْلِهِ: " بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ " (وَلَا تُبَوَّأُ أَمَةٌ بِلَا شَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: تَبَوَّأَ زَوْجُهَا الْحُرُّ مَعَهَا بَيْتًا. فِيهَا: إنْ طَلَبَهُ أَوْ طَلَبَ وَطْأَهَا فَقَالَ رَبُّهَا هِيَ الْآنَ فِي شُغْلٍ وَلَا أُبَوِّئُهَا مَعَك بَيْتًا قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ حَدًّا إلَّا قَوْلَهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُ زَوْجِهَا إصَابَتُهَا وَلَا لِزَوْجِهَا مَعَهَا تَبْيِيتُ إلَّا بِرِضَا رَبِّهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضُرَّ بِالزَّوْجِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ جِمَاعِهَا وَلَا لِلزَّوْجِ أَنْ يَضُرَّ بِهِ فِي خِدْمَتِهَا. ابْنُ حَارِثٍ: إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ مَعَهُ بَيْتًا فَلَيْسَ لَهُ اتِّفَاقًا. اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ اشْتَرَطَهُ فَهُوَ لَهُ. ابْنُ بَشِيرٍ: لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَتَشَاحَّا حُكِمَ بِالْعَادَةِ فِي ذَلِكَ (وَلِلسَّيِّدِ السَّفَرُ بِمَنْ لَمْ تُبَوَّأْ) اللَّخْمِيِّ: لِرَبِّهَا السَّفَرُ بِهَا وَبَيْعُهَا مِمَّنْ يُسَافِرُ بِهَا وَلَوْ شَرَطَ الزَّوْجُ أَنْ تَأْوِيَ إلَيْهِ بِاللَّيْلِ، وَأَمَّا لَوْ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ كَالْحُرَّةِ فَإِنَّ رَبَّهَا يُمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ بِهَا (وَأَنْ يَضَعَ مِنْ صَدَاقِهَا إنْ لَمْ يَمْنَعْهُ دَيْنُهَا إلَّا رُبْعَ دِينَارٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ مَعَهَا يَجُوزُ وَضْعُ رَبِّ الْأَمَةِ مَهْرَهَا دُونَ إذْنِهَا وَاضِحٌ، وَنَصُّهَا: لِلسَّيِّدِ أَخْذُ صَدَاقِهَا إلَّا قَدْرَ مَا يَسْتَحِلُّ بِهِ فَرْجَهَا، وَلَهُ أَنْ يَضَعَ مِنْ مَهْرِهَا لِزَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا (وَمَنْعُهَا حَتَّى تَقْبِضَهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 الْمَذْهَبُ لِرَبِّهَا مَنْعُ الزَّوْجِ مِنْهَا حَتَّى تَقْبِضَ مَهْرَهَا كَالْحُرَّةِ (وَأَخْذُهُ) ابْنُ يُونُسَ: دَلِيلُ الْمُدَوَّنَةِ فِي نِكَاحِهَا الثَّانِي أَنَّ لِلسَّيِّدِ حَبْسَ صَدَاقِ أَمَتِهِ وَيَتْرُكَهَا بِلَا جِهَازٍ خِلَافُ مَا فِي رُهُونِهَا انْتَهَى (وَإِنْ قَتَلَهَا أَوْ بَاعَهَا بِمَكَانٍ بَعِيدٍ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ قَتَلَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَهُ الصَّدَاقُ، وَعَلَى هَذَا قَالَ اللَّخْمِيِّ: فَيَكُونُ لِلْحُرَّةِ إذَا قَتَلَتْ نَفْسَهَا الصَّدَاقُ وَهَذَا كَقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا بَاعَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ بِمَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ الزَّوْجُ عَلَى جِمَاعِهَا فَلَهُ الصَّدَاقُ (لَا لِظَالِمٍ) عِيَاضٌ: مَعْنَى قَوْلِهَا إذَا بَاعَ السَّيِّدُ إلَى آخِرِهِ أَنَّ مُشْتَرِيَهَا سَافَرَ بِهَا حَيْثُ يَشُقُّ عَلَى الزَّوْجِ لِضَعْفِهِ وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْوُصُولِ إلَيْهَا لِظُلْمِ مُشْتَرِيهَا وَأَنَّهُ لَا يَنْتَصِفُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرٌ (وَفِيهَا يَلْزَمُهُ تَجْهِيزُهَا بِهِ وَهَلْ هُوَ خِلَافٌ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ الْأَوْلَى لَمْ تُبَوَّأْ أَوْ جَهَّزَهَا مِنْ عِنْدِهِ تَأْوِيلَاتٌ) ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَ مَهْرَ أَمَتِهِ وَيَدَعَهَا بِلَا جِهَازٍ وَلَكِنْ يُجَهِّزُهَا بِهِ. قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إنْ بَوَّأَهَا مَعَهُ بَيْتًا وَجَبَ عَلَيْهِ تَشْوِيرُهَا وَإِنْ لَمْ يُبَوِّئْهَا مَعَهُ بَيْتًا لَمْ يَجِبْ أَنْ يُشَوِّرَهَا بِهِ انْتَهَى. نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ فِي الرَّهْنِ وَكَذَا قَالَ عِيَاضٌ وَزَادَ وَقُبِلَ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مِنْ الْقَوْلِ (وَسَقَطَ بِبَيْعِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ مَنْعُ تَسْلِيمِهَا لِسُقُوطِ تَصَرُّفِ الْبَائِعِ وَلَا مَهْرَ لِلْمُشْتَرِي) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ بَاعَهَا سَقَطَ حَقُّ السَّيِّدِ مِنْ مَنْعِ تَسْلِيمِهَا لِسُقُوطِ تَصَرُّفِ الْبَائِعِ (وَالْوَفَاءُ بِالتَّزْوِيجِ إذَا أَعْتَقَ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يَنْكِحَهُ أَوْ فُلَانًا غَيْرَهُ فَامْتَنَعَتْ فَهِيَ حُرَّةٌ لَا يَلْزَمُهَا نِكَاحٌ إلَّا أَنْ تَشَاءَ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْطَى رَجُلًا رَجُلٌ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَمَتَهُ وَيُزَوِّجَهَا مِنْهُ فَأَعْتَقَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَلَهَا أَنْ لَا تَنْكِحَهُ وَالْأَلْفُ لَازِمَةٌ لِلرَّجُلِ (وَصَدَاقُهَا إنْ بِيعَتْ لِزَوْجٍ) اُنْظُرْ. نَقَصَ مِنْ هُنَا شَيْءٌ وَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ يَقُولَ وَسَقَطَ بِبَيْعِهَا مِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا مَنْعُ تَسْلِيمِهَا وَالْمَهْرُ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي مَالَهَا، وَإِنْ بَاعَهَا مِنْ زَوْجِهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فَالْمَهْرُ لَهُ أَعْنِي لِلسَّيِّدِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ سَقَطَ الْمَهْرُ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا فَمَهْرُهَا لِرَبِّهَا وَلَوْ قَبْلَ الْبِنَاءِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ، وَلَوْ بَاعَهَا مِنْ زَوْجِهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فَمَهْرُهَا لِرَبِّهَا وَقَبْلَهُ سَاقِطٌ إنْ قَبَضَهُ رَدَّهُ لِأَنَّ الْفَسْخَ مِنْ قَبْلِهِ (وَهَلْ وَلَوْ بِبَيْعِ سُلْطَانٍ لِفَلْسٍ أَوْ لَا وَلَكِنْ لَا يَرْجِعُ بِهِ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 الثَّمَنِ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ يُونُسَ: قَدْ خَرَجَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى أَنَّ بَيْعَ السَّيِّدِ وَالسُّلْطَانِ سَوَاءٌ لَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ مِنْ الصَّدَاقِ. وَسَمِعَ أَبُو زَيْدٍ: مَنْ قَبَضَ مَهْرَ أَمَتِهِ فَبَاعَهَا السُّلْطَانُ فِي فَلْسِهِ مِنْ زَوْجِهَا قَبْلَ بِنَائِهِ بِهَا لَا يَرْجِعُ زَوْجُهَا بِمَهْرِهَا عَلَى رَبِّهَا، لِأَنَّ السُّلْطَانَ هُوَ الَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ. ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَاهُ لَا يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الْمَهْرِ بَلْ بِنِصْفِهِ فَقَطْ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا عَالِمًا فَكَأَنَّهُ طَلَّقَهَا، وَلَوْ جَهِلَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ لَرَجَعَ بِكُلِّ الْمَهْرِ عَلَى رَبِّهَا. الْبَاجِيُّ: تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةَ أَبِي زَيْدٍ لَا يَرْجِعُ زَوْجُهَا بِمَهْرِهَا أَيْ فِي ثَمَنِ الْأَمَةِ بَلْ يُحَاضُّ بِهِ غُرَمَاءُ رَبِّهَا، لِأَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ دَيْنٌ طَرَأَ (وَبَعْدَهُ كَمَالِهَا) أَمَّا إنْ بَاعَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ مِنْ زَوْجِهَا فَمَهْرُهَا لِرَبِّهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا إذَا بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ بَيْعِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ كِلَا الصُّورَتَيْنِ الْمَهْرُ لِرَبِّهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ (وَبَطَلَ فِي الْأَمَةِ إنْ جَمَعَهَا مَعَ حُرَّةٍ فَقَطْ) اُنْظُرْ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ، وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إذَا عَقَدَ عَلَى حُرَّةٍ وَأَمَةٍ مَعًا وَسُمِّيَ مَهْرُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ وَتُخَيَّرُ الْحُرَّةُ فِي نَفْسِهَا إنْ جَهِلَتْهَا لَا إنْ عَلِمَتْهَا. قَالَ فَضْلٌ: إنْ كَانَ وَاجِدًا لِلطَّوْلِ فَسَدَ فِيهِمَا (بِخِلَافِ الْخَمْسِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ تَزَوَّجَ خَمْسًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فُسِخَ وَلَوْ بَنَى وَلَا إرْثَ مُطْلَقًا وَلِلْمَبْنِيِّ بِهَا مَهْرُهَا وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ (وَالْمَرْأَةِ وَمَحْرَمِهَا) لِمَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا قَالَ: فَمَا جُمِعَ مِنْهُمَا فِي عَقْدٍ فُسِخَ فِيهِمَا وَلَا مَهْرَ إنْ لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 يَبْنِ وَلِمَنْ بَنَى بِهَا مَهْرُهَا (وَلِزَوْجِهَا الْعَزْلُ إنْ أَذِنَتْ وَسَيِّدُهَا كَالْحُرَّةِ إذَا أَذِنَتْ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَعْرُوفُ جَوَازُ الْعَزْلِ وَشَرْطُهُ عَنْ الْحُرَّةِ إذْنُهَا وَعَنْ الْأَمَةِ زَوْجَةً إذْنُ رَبِّهَا. الْبَاجِيُّ وَالْجَلَّابُ: وَإِذْنُهَا الْكَافِي: وَظَاهِرُ الْمُوَطَّأِ لَا يُشْتَرَطُ إذْنُهَا. الْمَشَاوِرُ: لِلْحُرَّةِ أَخْذُ عِوَضٍ عَنْهُ لِأَجَلٍ مُعَيَّنٍ وَلَهَا الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ بِرَدِّ مَا أَخَذَتْ قَالَ: وَيَقْضِي لَهُ عَلَى زَوْجَتِهِ بِأَرْبَعٍ فِي اللَّيْلَةِ وَأَرْبَعٍ فِي الْيَوْمِ (وَالْكَافِرَةُ) أَمَّا غَيْرُ الْكِتَابِيَّةِ فَلَا تُوطَأَ بِمِلْكٍ وَلَا بِنِكَاحٍ وَالْكِتَابِيَّةُ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً وُطِئَتْ بِالْمِلْكِ لَا بِنِكَاحِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا، سَوَاءٌ كَانَتْ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَلَا يُزَوِّجُهَا رَبُّهَا مِنْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَصْرَانِيٍّ لِأَنَّهَا مَالُهُ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: مَنْ نَكَحَ حَرْبِيَّةً ثُمَّ سَبَاهَا الْمُسْلِمُونَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُفَارِقَهَا؛ لِأَنَّهَا الْآنَ أَمَةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا ثَالِثُ الْأَقْوَالِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. (إلَّا الْحُرَّةَ الْكِتَابِيَّةَ بِكُرْهٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ كَرَاهَةُ نِكَاحِ الْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ. فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ لِمَا تَتَغَذَّى بِهِ مِنْ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَتَغَذَّى بِهِ وَلَدُهُ وَهُوَ يُقَبِّلُ وَيُضَاجِعُ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ وَلَا مِنْ الذَّهَابِ لِلْكَنِيسَةِ. قِيلَ: وَقَدْ تَمُوتُ حَامِلًا وَالْحُكْمُ أَنْ تُدْفَنَ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ حُفْرَةً مِنْ حُفَرِ النَّارِ، وَكَانَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ بِالْمَدَائِنِ فَتَزَوَّجَ بِهَا يَهُودِيَّةً فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 خَلِّ سَبِيلَهَا فَكَتَبَ إلَيْهِ حُذَيْفَةُ. أَحَرَامٌ هِيَ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: لَا وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تُوَاقِعُوا الْمُومِسَاتِ مِنْهُنَّ. وَنَكَحَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصْرَانِيَّةً وَلَبِثَتْ عِنْدَهُ مُدَّةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَحَسُنَ إسْلَامُهَا وَعَلِمَ مِنْهَا اسْتِجَابَةَ الدُّعَاءِ (وَتَأَكَّدَ بِدَارِ الْحَرْبِ) فِيهَا: كَرِهَ مَالِكٌ الْحَرْبِيَّةَ. عِيَاضٌ: هِيَ أَشَدُّ كَرَاهَةً مِنْ الذِّمِّيَّةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَشَدُّ مَا عَلَّلَ بِهِ فِيهَا سُكْنَاهُ مَعَهَا بِدَارِ الْحَرْبِ. اُنْظُرْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عَلَى هَذَا لَا يُكْرَهُ لِلْأَسِيرِ وَمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ (وَلَوْ يَهُودِيَّةً تَنَصَّرَتْ وَبِالْعَكْسِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ أَوْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَقَرَّهُ (وَأَمَتَهُمْ بِالْمِلْكِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ تُوطَأُ بِالْمِلْكِ لَا بِنِكَاحِ الْمُسْلِمِ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " أَمَتَهُمْ " الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 (وَقُرِّرَ عَلَيْهَا إنْ أَسْلَمَ) فِيهَا: إنْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ وَتَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ بَنَى بِهَا أَمْ لَا ثَبَتَ عَلَى نِكَاحِهِ، وَإِنْ أَسْلَمَ كِتَابِيٌّ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ بَعْدَ قُدُومِهِ إلَيْنَا لَمْ تَزُلْ عِصْمَتِهِ عَنْ نِسَائِهِ وَأَكْرَهُ لَهُ الْوَطْءَ بِدَارِ الْحَرْبِ. (وَأَنْكِحَتُهُمْ فَاسِدَةٌ) ابْنُ شَاسٍ: الْمَشْهُورُ فَسَادُ أَنْكِحَتِهِمْ. ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهَا طَلَاقُ الشِّرْكِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَعَلَيْهِ خِلَافُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا فِي شَهَادَةِ الْعُدُولِ لِلْيَهُودِ فِي أَنْكِحَتِهِمْ بِوَلِيٍّ وَمَهْرٍ شَرْعِيٍّ، وَالصَّوَابُ مَا رَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَنْعُ، وَيَأْتِي لِلشَّيْخِ مَا يُرَجِّحُ الْجَوَازَ انْتَهَى. اُنْظُرْ حُضُورَ وَلِيمَةِ الْيَهُودِيِّ. نَقَلَ فِي الطِّرَازِ الْجَوَازَ وَصَوَّبَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَنْعَ بِخِلَافِ حُضُورِ خِتَانِهِ. (وَعَلَى الْأَمَةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ إنْ عَتَقَتْ وَأَسْلَمَتْ وَلَمْ يَبْعُدْ كَالشَّهْرِ وَهَلْ إنْ غُفِلَ أَوْ مُطْلَقًا تَأْوِيلَانِ) لَوْ قَالَ: " وَلَوْ بَعُدَ " لَتَنَزَّلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ: فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى مَجُوسِيَّةٍ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ إنْ عُرِضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ فَأَبَتْ. ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَى إنْ طَالَ ذَلِكَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ وَالشَّهْرُ وَأَكْثَرُ مِنْهُ قَلِيلٌ. عِيَاضٌ: تَأْوِيلُ شُيُوخِ إفْرِيقِيَةَ عَلَى الْغَفْلَةِ حِينَ وَقْفِهَا لَا أَنَّهَا تُوقَفُ شَهْرًا. فَعَلَى هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ كَقَوْلِ مَالِكٍ إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 أَبَتْ الْإِسْلَامَ حِينَ وَقَفَهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا (وَلَا نَفَقَةَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ أَسْلَمَ هُوَ وَلَمْ تُسْلِمْ هِيَ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْهَا (أَوْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا) فِيهَا: إنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ لَمْ يُعْرَضْ عَلَيْهِ إسْلَامٌ إنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا فَهُوَ عَلَى عِصْمَتِهِ وَإِلَّا بَانَتْ مِنْهُ. (وَلَوْ طَلَّقَهَا) فِيهَا: إذَا أَسْلَمَتْ النَّصْرَانِيَّةُ وَزَوْجُهَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهَا لَمْ يُعَدَّ ذَلِكَ طَلَاقًا وَكَانَ عَلَى نِكَاحِهِ (وَلَا نَفَقَةَ عَلَى الْمُخْتَارِ وَالْأَحْسَنِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي النَّفَقَةِ إذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَلَمْ يُسْلِمْ هُوَ وَأَنْ لَا نَفَقَةَ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ يَقُولُ أَنَا عَلَى دِينٍ لَا أَنْتَقِلُ عَنْهُ وَهِيَ فَعَلَتْ مَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا (وَقَبْلَ الْبِنَاءِ بَانَتْ مَكَانَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ بَانَتْ وَلَا مَهْرَ لَهَا وَإِنْ قَبَضَتْهُ رَدَّتْهُ (أَوْ أَسْلَمَا إلَّا الْمَحْرَمَ) عَبْدُ الْحَقِّ: أَجْمَعُوا أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّ لَهُمَا الْبَقَاءَ عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ أَوْ رَضَاعٌ يُوجِبُ تَحْرِيمًا. اللَّخْمِيِّ: وَسَوَاءٌ كَانَا قَدْ دَخَلَا أَمْ لَا (وَقَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) سَمِعَ يَحْيَى بْنَ الْقَاسِمِ: إنْ أَسْلَمَا عَلَى نِكَاحٍ عَقَدَاهُ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا. ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ أَسْلَمَا بَعْدَهَا وَلَوْ وَطِئَ فِيهَا وَلَوْ أَسْلَمَا فِيهَا فُسِخَ إنْ عَقَدَاهُ قَبْلَ حَيْضَةٍ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ. (وَالْأَجَلِ) اللَّخْمِيِّ: إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ مَعًا ثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا. وَسَوَاءٌ كَانَ أَصْلُ نِكَاحِهِمَا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا، دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ نِكَاحَ مُتْعَةٍ ثُمَّ تَرَاضَيَا بَعْدَ الْأَجَلِ عَلَى الْبَقَاءِ أَوْ كَانَ زِنًا ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى الْبَقَاءِ عَلَى وَجْهِ الزَّوْجِيَّةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَبْقَيَا زَوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَا (وَتَمَادَيَا لَهُ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يُقَرَّانِ إذَا أَسْلَمَا عَلَى نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَفِي الْعِدَّةِ وَالنِّكَاحِ الْمُؤَجَّلِ إلَّا إذَا أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْعِدَّةِ وَالْأَجَلِ (وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَعَقَدَ إنْ أَبَانَهَا بِلَا مُحَلِّلٍ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا طَلَّقَ الْكَافِرُ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمَا فِي الْحَالِ قُرِّرَا، وَلَوْ أَبَانَهَا عَنْهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ مُدَّةً ثُمَّ أَسْلَمَا لَمْ يُقَرَّا لَكِنْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى مُحَلِّلٍ (وَفُسِخَ لِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا بِلَا طَلَاقٍ) فِيهَا: الْفُرْقَةُ بِإِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَسْخٌ بَعْدَ طَلَاقٍ (لَا رِدَّتِهِ فَبَائِنَةٌ) فِيهَا: رِدَّةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مُزِيلَةٌ لِلْعِصْمَةِ حِينَئِذٍ وَرِدَّةُ الزَّوْجِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا فَلَا رَجْعَةَ لَهُ. قَالَ فِي كِتَابِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 الْعِدَّةِ: وَكَذَلِكَ رِدَّةُ الْمَرْأَةِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ (وَلَوْ لِدَيْنِ زَوْجَتِهِ) فِيهَا: إنْ ارْتَدَّ وَتَحْتَهُ ذِمِّيَّةٌ أَوْ نَكَحَهَا فِي رِدَّتِهِ فُسِخَ النِّكَاحُ وَإِنْ ارْتَدَّ إلَى مِثْلِ دِينِهَا (وَفِي لُزُومِ الثَّلَاثِ لِذِمِّيٍّ طَلَّقَهَا وَتَرَافَعَا إلَيْنَا أَوْ إنْ كَانَ صَحِيحًا فِي الْإِسْلَامِ أَوْ بِالْفِرَاقِ مُجْمَلًا أَوْ لَا تَأْوِيلَاتٌ) فِيهَا: إنْ طَلَّقَ الذِّمِّيُّ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَلَمْ يُفَارِقْهَا فَرَفَعَتْهُ إلَيْنَا لَمْ نَحْكُمْ بَيْنَهُمْ إلَّا أَنْ يَرْضَيَا مَعًا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَالْحَاكِمُ مُخَيَّرٌ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيْنَا فَإِنْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَطَلَاقُ الشِّرْكِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ. ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُهَا عَدَمُ رِضَا أَسَاقِفَتِهِمْ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ الْحُكْمِ بِأَعْمَالِهِ طَلَاقًا ثَلَاثًا وَلَغْوُهُ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ عَقْدُهُمْ مُوَافِقًا لِشُرُوطِ الصِّحَّةِ، وَرَابِعُهَا يُحْكَمُ بِالطَّلَاقِ مُجْمَلًا دُونَ حُكْمٍ بِالثَّلَاثِ، الْأَوَّلُ لِابْنِ شَبْلُونَ: وَالثَّانِي لِابْنِ الْكَاتِبِ، وَالثَّالِثُ لِلشَّيْخِ. وَالرَّابِعُ لِلْقَابِسِيِّ (وَمَضَى صَدَاقُهُمْ الْفَاسِدُ أَوْ الْإِسْقَاطُ إنْ قَبَضَ وَدَخَلَ وَإِلَّا فَكَالتَّفْوِيضِ) فِيهَا: إنْ نَكَحَ نَصْرَانِيٌّ نَصْرَانِيَّةً بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ بِغَيْرِ مَهْرٍ أَوْ شَرَطَا ذَلِكَ وَهُمْ يَسْتَحِلُّونَهُ ثُمَّ أَسْلَمَا بَعْدَ الْبِنَاءِ ثَبَتَ النِّكَاحُ، فَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ مَا ذَكَرْنَا فَلَا شَيْءَ لَهَا غَيْرَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ وَقَدْ بَنَى بِهَا فَلَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْنِ حَتَّى أَسْلَمَا وَقَدْ قَبَضَتْ مَا ذَكَرْنَا أَوْ لَمْ تَقْبِضْ خُيِّرَ بَيْنَ إعْطَائِهَا صَدَاقَ الْمِثْلِ وَيَدْخُلَ أَوْ الْفِرَاقَ وَتَكُونُ طَلْقَةً وَيَصِيرُ كَمَنْ نَكَحَ عَلَى تَفْوِيضٍ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْإِسْقَاطُ مَعَ الدُّخُولِ كَقَبْضِ الْفَاسِدِ (وَهَلْ إنْ اسْتَحَلُّوهُ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: شَرَطَ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَوْنَهُمَا يَسْتَحِلَّانِ النِّكَاحَ بِذَلِكَ فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ مَقْصُودٌ وَإِنَّهُمْ لَوْ دَخَلُوا وَهُمْ لَا يَسْتَحِلُّونَهُ لَدَخَلُوا عَلَى الزِّنَا لَا النِّكَاحِ فَلَا يَثْبُتُ بِالْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا تَمَادَوْا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ. بَهْرَامَ: وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ لَمْ يَذْكُرْهُ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ (وَاخْتَارَ الْمُسْلِمُ أَرْبَعًا وَإِنْ أَوَاخِرَ وَإِحْدَى أُخْتَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ أَوْ ذِمِّيٌّ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ نَكَحَهُنَّ فِي عُقْدَةٍ أَوْ عُقْدَتَيْنِ فَلْيَخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا، كُنَّ أَوَّلَ مَنْ نَكَحَ أَوْ آخِرَهُنَّ، وَيُفَارِقُ بَاقِيَهُنَّ وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي الْأُخْتَيْنِ (مُطْلَقًا) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: كُنَّ أُوَلَ أَوْ أُخَرَ فِي عُقْدَةٍ أَوْ عُقْدَتَيْنِ (وَأُمًّا وَابْنَتَهَا لَمْ يَمَسَّهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَسْلَمَ عَلَى أُمٍّ وَابْنَتِهَا تَزَوَّجَهُمَا فِي عُقْدَةٍ أَوْ عُقْدَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَنَى بِهِمَا فَلَهُ اخْتِيَارُ إحْدَاهُمَا وَيُفَارِقُ الْأُخْرَى (وَإِنْ مَسَّهُمَا حَرُمَتَا وَإِحْدَاهُمَا تَعَيَّنَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 إنْ أَسْلَمَ عَلَى أُمٍّ وَابْنَتِهَا بَعْدَ أَنْ بَنَى بِهِمَا جَمِيعًا فَارَقَهُمَا وَلَا تَحِلَّانِ لَهُ أَبَدًا، وَإِنْ بَنَى بِوَاحِدَةٍ لَقَامَ عَلَيْهَا وَفَارَقَ الْأُخْرَى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الَّتِي لَمْ يَمَسَّ (وَلَا يَتَزَوَّجُ ابْنُهُ أَوْ أَبُوهُ مَنْ فَارَقَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَسْلَمَ عَلَى أُمٍّ وَابْنَتِهَا وَلَمْ يَكُنْ بَنَى بِهِمَا فَحَبَسَ الْأُمَّ فَأَرَادَ الِابْنُ نِكَاحَ الْبِنْتِ الَّتِي خَلَّاهَا لَمْ يُعْجِبْنِي ذَلِكَ. ابْنُ الْحَاجِبِ: فَلَا يَتَزَوَّجُ ابْنَتَهُ وَأَبُوهُ مَنْ فَارَقَهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ الْحُرْمَةُ وَلَا أَعْرِفُهُ إنَّمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ (وَاخْتَارَ بِطَلَاقٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ إيلَاءٍ أَوْ وَطْءٍ) ابْنُ شَاسٍ: الِاخْتِيَارُ بِصَرِيحِ اللَّفْظِ وَاضِحٌ وَمِثْلُهُ مَا يَسْتَلْزِمُهُ كَمَا لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً. قَالَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ. وَكَذَا لَوْ وَطِئَ أَوْ ظَاهَرَ أَوْ آلَى (وَالْغَيْرُ إنْ فَسَخَ نِكَاحَهَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ قَالَ فَسَخْت نِكَاحَهَا تَعَيَّنَ غَيْرُهَا (أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُنَّ أَخَوَاتٌ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْنَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ اخْتَارَ أَرْبَعًا فَإِذَا هُنَّ أَخَوَاتٌ فَلَهُ تَمَامُ الْأَرْبَعِ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْنَ. اُنْظُرْ الْخِلَافَ فِي هَذَا فِي اللَّخْمِيِّ (وَلَا شَيْءَ لِغَيْرِهِنَّ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِيمَنْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ. وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ لِمَنْ فَارَقَ مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مَغْلُوبٌ عَلَى الْفِرَاقِ، وَإِنْ مَاتَ عَنْهُنَّ كَانَ لَهُنَّ عَلَى هَذَا أَرْبَعُ صَدَقَاتٍ يَقْتَسِمْنَهَا أَعْشَارًا (كَاخْتِيَارِهِ وَاحِدَةً مِنْ أَرْبَعِ رَضِيعَاتٍ تَزَوَّجَهُنَّ وَأَرْضَعَتْهُنَّ امْرَأَةٌ) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ أَرْبَعَ مَرَاضِعَ فَتُرْضِعُهُنَّ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً وَيُفَارِقَ سَائِرَهُنَّ، قِيلَ: بِطَلَاقٍ. وَقِيلَ: بِغَيْرِ طَلَاقٍ. فَإِذَا قِيلَ: بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ مِنْ الصَّدَاقِ. وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمَجُوسِيِّ يُسْلِمُ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَيُسْلِمْنَ كُلُّهُنَّ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَيُفَارِقَ سَائِرَهُنَّ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا يَكُونُ لِمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا مِنْهُنَّ صَدَاقٌ (وَعَلَيْهِ أَرْبَعُ صَدَقَاتٍ إنْ مَاتَ وَلَمْ يَخْتَرْ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ مَاتَ وَلَمْ يَخْتَرْ كَانَ لَهُنَّ أَرْبَعُ صَدَقَاتٍ (وَلَا إرْثَ إنْ تَخَلَّفَ أَرْبَعُ كِتَابِيَّاتٍ عَنْ الْإِسْلَامِ أَوْ الْتَبَسَتْ الْمُطَلَّقَةُ مِنْ مُسْلِمَةٍ وَكِتَابِيَّةٍ) ابْنُ شَاسٍ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 لَوْ أَسْلَمَ عَلَى ثَمَانِي كِتَابِيَّاتٍ فَأَسْلَمَ أَرْبَعٌ وَمَاتَ قَبْلَ التَّعْيِينِ لَمْ يُوقَفْ شَيْءٌ مِنْ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَتْ الْمُفَارَقَاتُ الْمُسْلِمَاتُ فَلَا يَتَيَقَّنُ حَقُّ الزَّوْجِيَّةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ مُسْلِمَةٌ وَكِتَابِيَّةٌ فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَمَاتَ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يُوقَفْ لَهُمَا مِيرَاثٌ (لَا إنْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَجُهِلَتْ وَدَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا وَلَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ فَلِلْمَدْخُولِ بِهَا الصَّدَاقُ؛ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمِيرَاثِ وَلِغَيْرِهَا رُبْعُهُ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الصَّدَاقِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: بِخِلَافِ مَنْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ طَلْقَةً وَدَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وَجَهِلَتْ الْمُطَلَّقَةُ، فَلِلْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمِيرَاثِ وَكُلُّ الصَّدَاقِ، وَلِلْأُخْرَى رُبْعُ الْمِيرَاثِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الصَّدَاقِ انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهَا بَلَغَتْهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَوَجَّهَهَا ابْنُ يُونُسَ بِكَلَامٍ فِيهِ بَعْضُ الطُّولِ اُنْظُرْهُ فِي تَرْجَمَةِ فِيمَنْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ ثُمَّ مَاتَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ (وَهَلْ يَمْنَعُ مَرَضُ أَحَدِهِمَا الْمَخُوفُ وَإِنْ أَذِنَ الْوَارِثُ أَوْ إنْ لَمْ يَحْتَجْ خِلَافٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " إلَّا نِكَاحُ الْمَرِيضِ " وَحَصَّلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سِتَّةَ أَقْوَالٍ، وَاَلَّذِي لِلَّخْمِيِّ أَنَّ الْمَرَضَ أَرْبَعَةٌ غَيْرُ مَخُوفٍ فَيَجُوزُ النِّكَاحُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَخُوفًا مُتَطَاوِلًا كَالسُّلِّ وَالْجُذَامِ وَتَزَوَّجَ فِي أَوَّلِهِ وَمَخُوفٌ أَشْرَفَ صَاحِبُهُ عَلَى الْمَوْتِ فَلَا يَجُوزُ، وَمَخُوفٌ غَيْرُ مُتَطَاوِلٍ وَلَمْ يُشْرِفْ عَلَى الْمَوْتِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 فَثَالِثُ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ فَاسِدٌ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا فِيهِ غَيْرَ الْمَخُوفِ، وَأَوَّلُ طَوِيلِهِ كَسُلٍّ وَجُذَامٍ كَصِحَّةٍ لَا إنْ مَاتَ فِي أَوَّلِهِ فَإِنَّ الْمَوْتَ فِي أَوَّلِ الْمَرَضِ الطَّوِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ فِي آخِرِهِ، وَالْمَرَضُ الْمُخَوَّفُ الَّذِي أَشْرَفَ مَنْ بِهِ عَلَى الْمَوْتِ يَمْنَعُ نِكَاحَهُ، وَالْمَرَضُ الْمَخُوفُ الْغَيْرُ الْمُتَطَاوِلُ وَلَمْ يُشْرِفْ مَنْ هُوَ بِهِ عَلَى الْمَوْتِ، فَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ فَاسِدٌ وَلَا مِيرَاثَ فِيهِ يَعْنِي سَوَاءٌ مَاتَ الْمَرِيضُ أَوْ الصَّحِيحُ. الْمُتَيْطِيُّ: وَعَلَى هَذَا الْعَمَلِ وَبِهِ الْحُكْمُ، ثُمَّ حَكَى عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ قَالَ: مَا الَّذِي يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ إذَا مَاتَ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ بِصِحَّةِ الْمَرِيضِ. اللَّخْمِيِّ: وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَسَالِمٍ وَالْقَاسِمِ أَنَّهُ جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ لِلْإِصَابَةِ أَوْ لِلْقِيَامِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ كَانَ مُضَارًّا فِي الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ مُتَطَاوِلًا فَطَلَّقَ فِي آخِرِهِ أَوْ فِي أَوَّلِهِ أَوْ أَعْقَبَهُ الْمَوْتُ قَبْلَ الْمُتَطَاوِلَةِ وَرِثَتْهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: آخِرُ الْمُتَطَاوِلِ أَوْ أَوَّلُهُ إنْ أَعْقَبَهُ الْمَوْتُ مَخُوفٌ. (وَلِلْمَرِيضَةِ بِالدُّخُولِ الْمُسَمَّى) . اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ هِيَ الْمَرِيضَةَ وَدَخَلَ بِهَا كَانَ لَهَا الْمُسَمَّى مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، كَانَ ذَلِكَ الْمُسَمَّى أَكْثَرَ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ (وَعَلَى الْمَرِيضِ مِنْ ثُلُثِهِ الْأَقَلُّ مِنْهُ وَمِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ) رَابِعُ الْأَقْوَالِ لِلْمُتَيْطِيِّ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا كَانَ هُوَ الْمَرِيضَ فَإِنَّ صَدَاقَهَا فِي ثُلُثِهِ مُبَدَّأٌ عَلَى الْوَصَايَا وَالْعِتْقِ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: إذَا كَانَ مَا سَمَّى لَهَا أَكْثَرَ عَنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا كَانَ لَهَا صَدَاقُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 الْمِثْلِ فَتَأَوَّلَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ أَنَّ لَهَا الْأَقَلَّ (وَعَجَّلَ بِالْفَسْخِ إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ مِنْهُمَا) مُحَمَّدٌ: اتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى فَسْخِ نِكَاحِ الْمَرِيضِ أَوْ الْمَرِيضَةِ مَا لَمْ يَصِحَّ وَتَقَدَّمَ نَصُّهَا اُمْحُهُ. وَأَرَى إذَا صَحَّا أَنْ يَثْبُتَ النِّكَاحُ. الْمُتَيْطِيُّ: هَذِهِ إحْدَى الْمَمْحُوَّاتِ الْأَرْبَعِ، وَالْأُخْرَى فِي الضَّحَايَا، وَالْأُخْرَى فِي النُّذُورِ، وَالْأُخْرَى فِي السَّرِقَةِ. اللَّخْمِيِّ: وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا زَالَ السَّبَبُ الَّذِي يَفْسُدُ لِأَجْلِهِ هَلْ يَمْضِي انْتَهَى. اُنْظُرْ فِي الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَمْضِي، وَانْظُرْ أَيْضًا أَلْحَقُوا بِالْمَرِيضِ نِكَاحَ حَاضِرِ الزَّحْفِ وَالصَّفِّ وَالْمَحْبُوسِ لِلْقَوَدِ، وَفِي رَاكِبِ الْبَحْرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَأَلْحَقُوا بِذَلِكَ مَنْ قَرُبَ لِلْقَتْلِ أَوْ جَمَحَتْ بِهِ دَابَّتُهُ، وَانْظُرْ أَيْضًا الْمُطَلَّقَةَ طَلَاقَ الْخُلْعِ وَهِيَ حَامِلٌ قَدْ جَاوَزَتْ السِّتَّةَ أَشْهُرٍ لَا يُرَاجِعُهَا زَوْجُهَا. وَقَوْلُ السُّيُورِيِّ أَنَّ الْحَامِلَ الْمُقَرَّبَ كَالْمَرِيضَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ لِأَنَّ مُسْتَنَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْعَوَائِدُ وَالْهَالِكُ مِنْ الْحَمْلِ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ، وَأَنْتَ إذَا بَحَثْتَ عَنْ مَدِينَةٍ مِنْ الْمَدَائِنِ لَوَجَدْتَ أُمَّهَاتِ أَهْلِهَا أَحْيَاءً أَوْ مَوْتَى مِنْ غَيْرِ نِفَاسٍ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُنَّ مِنْ النِّفَاسِ فِي غَايَةٍ مِنْ النُّدُورِ انْتَهَى. (وَمُنِعَ نِكَاحُهُ النَّصْرَانِيَّةَ وَالْأَمَةَ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ) قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: نِكَاحُ الْمَرِيضِ النَّصْرَانِيَّةَ وَالْأَمَةَ جَائِزٌ لِأَنَّهُمَا لَا يَرِثَانِهِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَمَةَ قَدْ تُعْتَقُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ قَدْ تُسْلِمُ قَبْلَ الْمَوْتِ فَيَصِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ. قَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ: هَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ. وَقَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ قَوْلُ أَبِي مُصْعَبٍ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ النِّكَاحُ فِي حَالٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهِ عَلَى الْوَرَثَةِ ضَرَرٌ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ وَارِثَيْنِ، وَمَا يُتَوَقَّعُ مِنْ عِتْقٍ أَوْ إسْلَامٍ أَمْرٌ قَدْ يَكُونُ وَلَا يَكُونُ هَذَا أَصْلُهُمْ وَإِنَّمَا الْمَقَالُ مِنْ جِهَةِ الصَّدَاقِ فَإِذَا كَانَ رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ تَحَمَّلَ بِهِ غَيْرُ الزَّوْجِ صَحَّ. [فَصْلٌ الْقِسْمُ الرَّابِعُ فِي مُوجِبَاتِ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ وَأَسْبَابُهُ] [السَّبَب الْأَوَّل الْعَيْبُ فِي النِّكَاحِ] ابْنُ شَاسٍ: الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ الْكِتَابِ فِي مُوجِبَاتِ الْخِيَارِ. وَأَسْبَابُ الْخِيَارِ ثَلَاثَةٌ: الْعَيْبُ وَالْغُرُورُ وَالْعِتْقُ (الْخِيَارُ إنْ لَمْ يَسْبِقْ الْعِلْمُ أَوْ لَمْ يَرْضَ أَوْ لَمْ يَتَلَذَّذْ وَحَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ بِبَرَصٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: عَيْبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ جَاهِلًا بِهِ الْآخَرُ وَلَا رِضًا بِهِ يُوجِبُ خِيَارَهُ وَالتَّصْرِيحَ بِالرِّضَا وَدَلِيلُهُ مِثْلُهُ. أَبُو عُمَرَ: تَلَذُّذُهُ بِهَا عَالِمًا رِضًا. وَفِيهَا: إذَا وَطِئَهَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِعَيْبِهَا وَتَمْكِينِهَا إيَّاهَا عَالِمَةً بِعَيْبِهِ رِضًا. الْمُتَيْطِيُّ: وَإِنْ قَالَتْ عَلِمَ عَيْبِي حِينَ الْبِنَاءِ وَأَكْذَبَهَا وَذَلِكَ بَعْدَ الْبِنَاءِ بِشَهْرٍ وَنَحْوِهِ صُدِّقَتْ مَعَ يَمِينِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ خَفِيًّا فَيُصَدَّقُ مَعَ يَمِينِهِ. وَهَذَا مَا لَمْ يَخْلُ بِهَا بَعْدَ عِلْمِهِ عَيْبَهَا. فَإِنْ فَعَلَ سَقَطَ قِيَامُهُ، وَإِنْ نَكَلَ حَيْثُ يُصَدَّقُ حَلَفَتْ وَسَقَطَ خِيَارُهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تُرَدُّ الْمَرْأَةُ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَدَاءِ الْفَرْجِ. التَّلْقِينُ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 الْبَرَصُ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَنْ وُجِدَ بِهِ ذَلِكَ مِنْهُمَا فِي حَالِ الْعَقْدِ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْآخَرِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ قَبْلَ الْعَقْدِ. وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا أَحُدُّ فِي بَرَصِ الْمَرْأَةِ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي بَرَصِ الرَّجُلِ طُرُقٌ. اللَّخْمِيِّ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ يُرَدُّ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ يُرِيدُ وَلَوْ قَلَّ (وَعِذْيُوطَةٌ) الصِّحَاحُ: الْعَذْيَطَةُ الْمَصْدَرُ وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ عِذْيَوْطَةٌ. اُنْظُرْ هِيَ أَيْضًا مِنْ الْعُيُوبِ الْمُشْتَرَكَةِ، فَلَوْ قَالَ وَعَذْيَطَةٌ لَكَانَ أَبْيَنَ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: تُرَدُّ بِهَا الْمَرْأَةُ وَيُرَدُّ بِهَا أَيْضًا الرَّجُلُ وَنَزَلَتْ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ وَرَمَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِهِ صَاحِبَهُ فَقَالَ: يُطْعَمُ أَحَدُهُمَا تِينًا وَالْآخَرُ فَقُّوسًا (وَجُذَامٌ) التَّلْقِينُ: مِنْ الْعُيُوبِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْجُذَامُ يَعْنِي أَيْضًا حِينَ الْعَقْدِ. اللَّخْمِيِّ: تُرَدُّ الْمَرْأَةُ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لِأَنَّهُ يُخْشَى حُدُوثُهُ بِالْآخَرِ وَقَلَّ مَا سَلِمَ الْوَلَدُ، وَإِنْ سَلِمَ كَانَ فِي نَسْلِهِ، وَأَمَّا جُذَامُ الرَّجُلِ فَيُرَدُّ بِهِ إنْ كَانَ بَيِّنًا (لَا جُذَامُ الْأَبِ) اللَّخْمِيِّ: يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِمْ قَلَّ مَا سَلِمَ الْوَلَدُ أَنْ يَرُدَّ النِّكَاحَ بِكَوْنِ أَحَدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 الْأَبَوَيْنِ كَانَ كَذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا مَرْدُودٌ (وَبِخِصَائِهِ وَجَبِّهِ وَعُنَّتِهِ وَاعْتِرَاضِهِ) التَّلْقِينُ: الْعُيُوبُ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالزَّوْجِ أَرْبَعَةُ عُيُوبٍ: الْخِصَاءُ وَالْجَبُّ وَالْعُنَّةُ وَالِاعْتِرَاضُ. فَالْمَجْبُوبُ هُوَ الْمَقْطُوعُ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ. وَالْخَصِيُّ هُوَ الْمَقْطُوعُ أَحَدُهُمَا، وَالْعِنِّينُ هُوَ الَّذِي لَهُ ذَكَرٌ لَا يَتَأَتَّى الْجِمَاعُ بِمِثْلِهِ لِلَطَافَتِهِ وَامْتِنَاعِ تَأَتِّي إيلَاجِهِ، وَالْمُعْتَرِضُ هُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ لِعَارِضٍ وَهُوَ بِصِفَةِ مَنْ يُمْكِنُهُ، وَرُبَّمَا كَانَ بَعْدَ وَطْءٍ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ وَرُبَّمَا كَانَ عَنْ امْرَأَةٍ دُونَ أُخْرَى. انْتَهَى مِنْ التَّلْقِينِ وَهُوَ أَكْمَلُ مِنْ نَقْلِ التَّنْبِيهَاتِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَدْ سُمِّيَ الْمُعْتَرِضُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْجَلَّابِ عِنِّينًا، فَإِذَا كَانَ بِالرَّجُلِ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ حِينَ الْعَقْدِ وَلَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ فَلَهَا أَنْ تُقِيمَ أَوْ تُفَارِقَ بِوَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ لَا بِأَكْثَرَ مِنْهَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ: وَيَتَوَارَثَانِ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ فِرَاقَهُ، فَإِنْ فَارَقَتْهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بِهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ إنْ كَانَ يَطَؤُهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَطَؤُهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. قِيلَ: فَإِنْ كَانَ مَجْبُوبُ الذَّكَرِ قَائِمَ الْخُصْيَةِ قَالَ: إنْ كَانَ يُولَدُ لِمِثْلِهِ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَيُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ يُحْمَلُ لِمِثْلِهِ لَزِمَهُ الْوَلَدُ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ. وَإِنْ عَلِمَتْ فِي حِينِ تَزْوِيجِهِ أَنَّهُ مَجْبُوبٌ أَوْ خَصِيٌّ أَوْ عِنِّينٌ لَا يَأْتِي النِّسَاءَ رَأْسًا أَوْ أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ فَلَا كَلَامَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ عَلِمَتْ فَتَرَكَتْهُ أَوْ أَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَلَا كَلَامَ لِامْرَأَةِ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ، وَأَمَّا الْعِنِّينُ فَلَهَا أَنْ تُرَافِعَهُ وَتُؤَجِّلَ سَنَةً لِأَنَّهَا تَقُولُ تَرَكْتُهُ لِرَجَاءِ عِلَاجٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ تَتَزَوَّجَهُ وَهِيَ تَعْلَمُ بِهِ كَمَا وَصَفْنَا فَلَا كَلَامَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعِنِّينِ: " لَهَا أَنْ تُرَافِعَهُ ". قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ قَدْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 يُطْلَقُ الْعِنِّينُ عَلَى الْمُعْتَرِضِ (وَبِقَرَنِهَا وَرَتَقِهَا وَبَخَرِهَا وَعَفَلِهَا وَإِفْضَائِهَا) . التَّلْقِينُ: وَأَمَّا الْعُيُوبُ الْمُخْتَصَّةُ بِالْمَرْأَةِ فَهِيَ: دَاءُ الْفَرْجِ الْمَانِعُ مِنْ وَطْئِهَا يُوجِبُ لِلزَّوْجِ الْخِيَارَ، إنْ شَاءَ أَقَامَ وَاسْتَمْتَعَ بِمُمْكِنِهِ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعُدَّ مِنْ ذَلِكَ الرَّتَقُ وَالْقَرَنُ. الْجَلَّابُ: وَالْبَخَرُ وَالْإِفْضَاءُ اتِّحَادُ الْمَسْلَكَيْنِ. اللَّخْمِيِّ: وَكَذَلِكَ النَّتِنُ وَالِاسْتِحَاضَةُ وَحَرْقُ النَّارِ وَالْعَفَلُ. ابْنُ عَرَفَةَ: رَوَى مُحَمَّدٌ مَا هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ دَاءِ الْفَرْجِ رُدَّتْ بِهِ وَإِنْ جَامَعَ مَعَهُ فَقَدْ تُجَامَعُ الْمَجْذُومَةُ وَهِيَ تُرَدُّ بِهِ. عِيَاضٌ: الْقَرَنُ يَكُونُ خِلْقَةً لَحْمًا وَقَدْ يَكُونُ عَظْمًا، وَالرَّتَقُ الْتِصَاقُ مَحَلِّ الْوَطْءِ وَالْتِحَامُهُ، وَالْعَفَلُ أَنْ يَبْدُوَ لَحْمٌ مِنْ الْفَرْجِ (قَبْلَ الْعَقْدِ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْعُيُوبَ الْمُتَقَدِّمَةَ كُلَّهَا الْمُخْتَصَّةَ بِالرَّجُلِ أَوْ الْمُخْتَصَّةَ بِالْمَرْأَةِ أَوْ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرَّدَّ بِهَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً حِينَ الْعَقْدِ. هَذِهِ عِبَارَةُ التَّلْقِينِ وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ قَبْلَ الْعَقْدِ (وَلَهَا فَقَطْ الرَّدُّ بِالْجُذَامِ الْبَيِّنِ وَالْبَرَصِ الْمُضِرِّ الْحَادِثَيْنِ بَعْدَهُ) . ابْنُ عَرَفَةَ: مَا حَدَثَ بِالْمَرْأَةِ مِنْ عَيْبٍ بَعْدَ الْعَقْدِ لَغْوٌ هُوَ نَازِلَةٌ بِالزَّوْجِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَمَا حَدَثَ بِالرَّجُلِ بَعْدَ الْعَقْدِ مِنْ جُذَامٍ ثَالِثُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهَا الْخِيَارُ إنْ كَانَ بَيِّنًا إلَّا إنْ رُجِيَ بُرْؤُهُ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بَعْدَ أَجَلِهِ سَنَةً لِعِلَاجِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْبَرَصُ إذَا حَدَثَ بِالرَّجُلِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَسِيرُهُ لَغْوٌ اتِّفَاقًا وَشَدِيدُهُ أَوْ كَثِيرُهُ سُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَرُدُّ بِهِ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: حُدُوثُ جُنُونِ الرَّجُلِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ كَوُجُودِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ قَالَ: وَكَذَا الْجُذَامُ بِخِلَافِهِمَا إذَا حَدَثَا بَعْدَ الدُّخُولِ رَاجِعْهُ (لَا بِكَاعْتِرَاضٍ) بَهْرَامَ: مِثْلُ الِاعْتِرَاضِ الْجَبُّ وَالْخِصَاءُ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا فَوَطِئَهَا مَرَّةً ثُمَّ حَدَثَ لَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا مَنَعَهُ مِنْ الْوَطْءِ وَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ ذَلِكَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا أَبَدًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 أَبُو عُمَرَ: وَكَذَلِكَ إذَا كَبِرَ الرَّجُلُ وَضَعُفَ عَنْ الْوَطْءِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. (وَبِجُنُونِهِمَا وَإِنْ مَرَّةً فِي الشَّهْرِ) عُدَّ فِي التَّلْقِينِ أَنَّ الْجُنُونَ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُشْتَرَكَةِ مِثْلُ الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ، وَقَدْ أَتَى خَلِيلٌ بِالْعُيُوبِ عَلَى مَسَاقِ التَّلْقِينِ فَكَانَ اللَّائِقُ أَنْ يَقُولَ: " وَبِجُنُونِهِمَا " قَبْلَ قَوْلِهِ: " قَبْلَ الْعَقْدِ " إلَّا أَنَّهُ أَخَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْفُرُوعَ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَالْجُنُونُ وَالصَّرْعُ أَوْ الْوَسْوَاسُ الْمُذْهِبُ لِلْعَقْلِ. اللَّخْمِيِّ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْجُنُونِ وَكَثِيرِهِ كَانَ مُطْبِقًا أَوْ رَأْسًا كَلَا هِلَالٍ وَيَسْلَمُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ (قَبْلَ الدُّخُولِ) لَوْ قَالَ: " قَبْلَ الْعَقْدِ " لَوَافَقَ مَا تَقَدَّمَ (وَبَعْدَهُ أُجِّلَا فِيهِ وَفِي بَرَصٍ وَجُذَامٍ رُجِيَ بُرْؤُهُمَا سَنَةً) اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " أُجِّلَا " أَمَّا إنْ حَدَثَ بِالْمَرْأَةِ جُنُونٌ بَعْدَ الْعَقْدِ فَقَالَ ابْنُ عَاتٍ: إنَّ الْجُنُونَ إذَا حَدَثَ بِالْمَرْأَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا رَدَّ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عُمُومُ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ: مَا حَدَثَ بِالْمَرْأَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ نَازِلَةٌ بِالزَّوْجِ وَمِنْ بَابِ أَوْلَى بَعْدَ الدُّخُولِ وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْبَرَصُ وَالْجُذَامُ. وَأَمَّا إنْ حَدَثَ الْجُنُونُ بِالرَّجُلِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُؤَجَّلُ فِيهِ سَنَةً، وَسَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ. قَالَهُ فِي سَمَاعِ يَحْيَى وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلْمُدَوِّنَةِ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: يُتَلَوَّمُ لِلْمَجْنُونِ سَنَةً يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يُفِقْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا إنْ حَدَثَ بِالرَّجُلِ بَرَصٌ أَوْ جُذَامٌ بَعْدَ الْعَقْدِ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: مَا حَدَثَ لِلرَّجُلِ مِنْ جُذَامٍ بَعْدَ الْعَقْدِ إنْ رُجِيَ بُرْؤُهُ أُجِّلَ سَنَةً لِعِلَاجِهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَاتٍ فِي الْبَرَصِ أَيْضًا. قَالَ: وَيُخْتَلَفُ فِي الْعَبْدِ هَلْ يُؤَجَّلُ سَنَةً أَمْ لَا (وَبِغَيْرِهَا إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 شَرَطَ السَّلَامَةَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ وَجَدَهَا سَوْدَاءَ أَوْ عَوْرَاءَ أَوْ عَمْيَاءَ لَمْ تُرَدَّ وَلَا يُرَدُّ بِغَيْرِ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ السَّلَامَةَ مِنْهُ. قُلْت: فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَإِذَا هِيَ عَمْيَاءُ أَوْ شَلَّاءُ أَوْ مُقْعَدَةٌ أَيَرُدُّهَا بِذَلِكَ قَالَ: نَعَمْ إذَا اشْتَرَطَهُ عَلَى مَنْ أَنْكَحَهُ إيَّاهُ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَإِذَا هِيَ لَغِيَّةٌ: إنْ زَوَّجُوهُ عَلَى نَسَبٍ فَلَهُ رَدُّهَا وَإِلَّا فَلَا. عِيَاضٌ: قَوْلُهُ: " لَغِيَّةٌ " أَيْ لِغَيْرِ نِكَاحٍ كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ " لِزِنْيَةٍ " عَكْسُ هَذِهِ الرِّشْدَةُ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ فَتْحُ الرَّاءِ هُنَا (وَلَوْ بِوَصْفِ الْوَلِيِّ عِنْدَ الْخُطْبَةِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَجَابَ الْوَلِيُّ الْخَاطِبَ عِنْدَ قَوْلِهِ قِيلَ لِي وَلِيَّتُك سَوْدَاءُ أَوْ عَوْرَاءُ بِقَوْلِهِ كَذِبَ مَنْ قَالَهُ هِيَ الْبَيْضَاءُ أَلِكَذَا فَلَا خِلَافَ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ يُوجِبُ رَدَّهَا إنْ وَجَدَ بِهَا بَعْضَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إنْ وَصَفَهَا الْوَلِيُّ عِنْدَ الْخُطْبَةِ بِالْبَيَاضِ وَصِحَّةِ الْعَيْنَيْنِ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ سَبَبٍ وَهِيَ سَوْدَاءُ أَوْ عَوْرَاءُ فَفِي لَغْوِهِ وَكَوْنِهِ كَشَرْطٍ قَوْلَانِ، الْقَوْلُ بِلَغْوِهِ مُحَمَّدٌ مَعَ أَصْبَغَ وَابْنِ الْقَاسِمِ (فِي الرَّدِّ إنْ شَرَطَ الصِّحَّةَ تَرَدُّدٌ) الْمُتَيْطِيُّ: قَوْلُنَا صَحِيحَةٌ فِي جِسْمِهَا قِيلَ: هُوَ كَشَرْطِ السَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ وَغَيْرُهُ عَنْ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ لَهُ ذَلِكَ. قِيلَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 لِأَنَّ هَذِهِ عَادَةٌ جَارِيَةٌ تَلْفِيفُ الْمُوَثَّقِينَ. وَقَدْ رَوَى الدِّمْيَاطِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا رَدَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعُيُوبِ كُلِّهَا إلَّا الْعُيُوبَ الْأَرْبَعَةَ وَلَوْ اُشْتُرِطَتْ السَّلَامَةُ (لَا بِخُلْفِ الظَّنِّ كَالْقَرَعِ) الْبَاجِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تُرَدُّ بِفَاحِشِ الْقَرَعِ كَالْجَرَبِ خِلَافًا لِابْنِ يُونُسَ (وَالسَّوَادِ مِنْ بِيضٍ) ابْنُ رُشْدٍ: ابْنُ حَبِيبٍ يَرَى رَدَّ الْقَرْعَاءِ وَالسَّوْدَاءِ. ابْنُ عَرَفَةَ: نَقَلَهُ عِنْدَ الشَّيْخِ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مِنْ بِيضٍ (وَنَتِنِ الْفَمِ) اللَّخْمِيِّ: يُخْتَلَفُ فِي أَرْبَعٍ: السَّوَادُ وَالْقَرَعُ وَالْبَخَرُ وَالْخَشَمُ وَهُوَ نَتْنُ الْأَنْفِ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تُرَدُّ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا. وَفِي الْجَلَّابِ: تُرَدُّ مِنْ نَتَنِ الْفَرْجِ. فَعَلَى هَذَا تُرَدُّ بِالْبَخَرِ وَالْخَشَمِ لِأَنَّ نَتَنَ الْأَعْلَى أَوْلَى بِالرَّدِّ (وَالثُّيُوبَةُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا خِيَارَ بِغَيْرِ هَذِهِ إلَّا بِشَرْطٍ وَإِنْ كَانَتْ لَغِيَّةً أَوْ مُفْتَضَّةً مِنْ زِنًا (إلَّا أَنْ يَقُولَ عَذْرَاءُ وَفِي بِكْرٍ تَرَدُّدٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا عَذْرَاءُ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا فَلَهُ رَدُّهَا اتِّفَاقًا. وَفِي كَوْنِ شَرْطِ أَنَّهَا بِكْرٌ كَذَلِكَ وَلَغْوُهُ قَوْلَانِ، وَاَلَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ ابْنُ فَتْحُونَ وَصَوَّبَهُ وَأَخَذَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ أَشْهَبُ أَنْ لَا رَدَّ لَهُ بِذَلِكَ (وَإِلَّا تَزَوَّجَ الْحُرُّ الْأَمَةَ) . [السَّبَبُ الثَّانِي مِنْ أَسْبَابِ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ الْغُرُورُ] ابْنُ شَاسٍ: السَّبَبُ الثَّانِي مِنْ أَسْبَابِ الْخِيَارِ الْغُرُورُ فَإِذَا قَالَ الْعَاقِدُ زَوَّجْتُك هَذِهِ الْحُرَّةَ فَإِذَا هِيَ أَمَةٌ انْعَقَدَ النِّكَاحُ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلزَّوْجِ، وَكَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَ الْحُرُّ امْرَأَةً وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْحُرِّيَّةَ فِيهَا فَلَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهَا أَمَةٌ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَكَحَ امْرَأَةً أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَإِذَا هِيَ أَمَةٌ أَذِنَ لَهَا رَبُّهَا أَنْ تَسْتَخْلِفَ رَجُلًا عَلَى عَقْدِ نِكَاحِهَا فَلَهُ فِرَاقُهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ، غُرْمُ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا أَخَذَ مِنْهَا الْمَهْرَ الَّذِي قَبَضَتْهُ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَإِنْ شَاءَ ثَبَتَ عَلَى نِكَاحِهَا بِالْمُسَمَّى (وَالْحُرَّةُ الْعَبْدَ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 تَزْوِيجُ الْحُرِّ أَمَةً وَالْحُرَّةُ الْعَبْدَ دُونَ بَيَانٍ غُرُورٌ وَاضِحٌ (بِخِلَافِ الْعَبْدِ مَعَ الْأَمَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْعَبْدِ الْأَمَةَ وَاضِحٌ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ نَكَحَ عَبْدٌ حُرَّةً عَلَى أَمَةٍ أَوْ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فَلَا خِيَارَ لِلْحُرَّةِ لِأَنَّ الْأَمَةَ مِنْ نِسَائِهِ اهـ. وَقَالَ قَبْلَ هَذَا: لَوْ كَانَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَيْبٌ كَعَيْبِ صَاحِبِهِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَقَالًا كَمُبْتَاعِي عَرْضَيْنِ بَانَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَيْبٌ (وَالْمُسْلِمِ مَعَ النَّصْرَانِيَّةِ) فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: فِي مُسْلِمٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا نَصْرَانِيَّةٌ لَا قِيَامَ لِلزَّوْجِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ. وَلَا قِيَامَ لَهَا أَيْضًا إنْ لَمْ تَعْلَمْ وَقَالَتْ ظَنَنْت أَنَّهُ نَصْرَانِيٌّ (إلَّا أَنْ يَغُرَّا) أَمَّا إنْ غَرَّهَا فَقَالَ لَهَا أَنَا عَلَى دِينِك فَتَزَوَّجَتْهُ ثُمَّ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَقَالَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: لَهَا الْخِيَارُ لِأَنَّهُ غَرَّهَا وَمُنِعَ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ دِينِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ، لَا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ عَيْبٌ بَلْ لِأَنَّ لَهَا فِي شَرْطِهَا غَرَضًا كَمُشْتَرِي أَمَةٍ عَلَى أَنَّهَا نَصْرَانِيَّةٌ لِيُزَوِّجَهَا، الْعَبْدُ لَهُ نَصْرَانِيٌّ أَوْ لِحَلِفِهِ أَنْ لَا يَتَمَلَّكَ مُسْلِمَةً فَأَلْفَاهَا غَيْرَ نَصْرَانِيَّةٍ لَهُ رَدُّهَا، وَأَمَّا إنْ غَرَّتْهُ هِيَ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: مَنْ تَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً وَلَمْ يَعْلَمْ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَشْتَرِطَ أَنَّهَا مُسْلِمَةٌ أَوْ يَظْهَرَ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا مُسْلِمَةٌ لِمَا كَانَ يَسْمَعُ مِنْهَا فَيَكُونُ مِنْهَا الْكِتْمَانُ وَإِظْهَارُ الْإِسْلَامِ، فَهَذَا كَالشَّرْطِ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ ". (وَأُجِّلَ الْمُعْتَرِضُ سَنَةً) ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ ثَبَتَ اعْتِرَاضُهُ وَلَمْ يَكُنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَلَوْ مَرَّةً قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 وَغَيْرِهَا: يُؤَجَّلُ سَنَةٌ لِعِلَاجِهِ (بَعْدَ الصِّحَّةِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ رَفَعَتْهُ مَرِيضًا لَمْ يُؤَجَّلْ حَتَّى يَصِحَّ (مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ) الرِّوَايَةُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ ابْتِدَاءُ السَّنَةِ مِنْ يَوْمِ تَرْفَعُهُ. الْبَاجِيُّ: تَحْقِيقُهُ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ إذْ قَدْ يَطُولُ زَمَنُ إثْبَاتِهِ (وَإِنْ مَرِضَ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ رَفَعَتْهُ صَحِيحًا فَلَمَّا أَجَّلَهُ مَرِضَ لَمْ يَزِدْ فِي أَجَلِهِ لِمَرَضِهِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ قَدْ مَضَى (وَالْعَبْدُ نِصْفُهَا) الْمُتَيْطِيُّ: الَّذِي بِهِ الْحُكْمُ أَنَّ أَجَلَ ذِي رِقٍّ نِصْفُ سَنَةٍ (وَالظَّاهِرُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِيهَا) ابْنُ رُشْدٍ: الظَّاهِرُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي السَّنَةِ إذَا ضُرِبَتْ لَهَا مِنْ أَجْلِ جُنُونِ زَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لِأَنَّهَا مَنَعَتْهُ نَفْسَهَا بِسَبَبٍ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى رَفْعِهِ فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَعْذُورًا بِخِلَافِ الَّذِي مَنَعَتْهُ نَفْسَهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَيْهَا صَدَاقَهَا إذْ لَعَلَّهُ أَخْفَى مَالًا (وَصَدَاقٌ إنْ ادَّعَى فِيهَا الْوَطْءَ بِيَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَإِلَّا بَقِيَتْ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ ادَّعَى وَطْأَهُ فِيهَا وَصَدَّقَتْهُ بَقِيَتْ زَوْجَتَهُ وَإِنْ أَكْذَبَتْهُ صُدِّقَ بِيَمِينٍ. اللَّخْمِيِّ: قَوْلًا وَاحِدًا. الْبَاجِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ. قَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ نَكَلَتْ بَقِيَتْ زَوْجَةً (وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ طَلَّقَهَا وَإِلَّا فَهَلْ يُطَلِّقُ الْحَاكِمُ أَوْ يَأْمُرُهُ ثُمَّ يَحْكُمُ بِهِ قَوْلَانِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 ابْنُ عَرَفَةَ: إذَا ثَبَتَ عَدَمُ إصَابَتِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ وَطَلَبَتْ فِرَاقَهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُفَارِقَ وَلَكِنْ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: حُكْمُ الطَّلَاقِ أَنْ يَأْمُرَ الزَّوْجَ بِهِ فَيُوقِعَ مِنْهُ مَا شَاءَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ اهـ. وَمِنْ الْمُتَيْطِيِّ: الطَّلَاقُ بِالْعَيْبِ لِلْإِمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَطَلَاقُ الْعَيْبِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الْبِنَاءِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 (وَلَهَا فِرَاقُهُ بَعْدَ الرِّضَا بِلَا أَجَلٍ) رَوَى مَنْ اعْتَرَضَ فَأَجَلُ سَنَةٍ فَلَمَّا تَمَّتْ قَالَتْ لَا تُطَلِّقُونِي أَنَا أَتْرُكُهُ لِأَجَلٍ آخَرَ، فَلَهَا ذَلِكَ ثُمَّ تَطْلُقُ مَتَى شَاءَتْ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ (وَالصَّدَاقُ بَعْدَهَا) فِيهَا: إنْ لَمْ يُصِبْهَا فِي الْأَجَلِ فَأَمَّا رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِتَطْلِيقَةٍ وَاعْتَدَّتْ وَلَا رَجْعَةَ لَهَا وَلَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ لِطُولِ الْمُدَّةِ (كَدُخُولِ الْعِنِّينِ وَالْمَجْبُوبِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لِزَوْجَةِ الْمُعْتَرِضِ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ وَطْءٌ الصَّدَاقُ بَعْدَ الْأَجَلِ كَامِلًا كَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ وَالْخَصِيِّ يُدْخِلُونَ لِأَنَّهُ قُدْرَتُهُمْ مِنْ الْمَسِيسِ وَرُوِيَ نِصْفُهُ. وَعِبَارَةُ الْكَافِي: تَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِيهِ أَنَّهُ إنْ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ لِلْعُنَّةِ بِحِدْثَانِ نِكَاحِهِ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: لَهَا الْمَهْرُ فِي الْمَجْنُونِ وَالْأَبْرَصِ وَالْخَصِيِّ الْقَائِمِ الذَّكَرِ أَوْ بَعْضُهُ فِي الْمَجْبُوبِ الْمَمْسُوحِ، وَالْحَصُورُ كَالذَّرِّ اسْتَظْهَرَ عَلَى هَذَا كُلَّهُ. سَحْنُونَ: إنَّمَا يُؤَجَّلُ الْمُعْتَرِضُ وَأَمَّا الْعِنِّينُ فَلَا يُؤَجَّلُ بَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي الْحَالِ (وَفِي تَعْجِيلِ الطَّلَاقِ إنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ فِيهَا قَوْلَانِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ قُطِعَ ذَكَرُهُ فِي الْأَجَلِ عَجَّلَ طَلَاقَهُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَجَلِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَأَصْبَغُ: لَا قَوْلَ لَهَا. وَمَا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ إلَّا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ خَاصَّةً. (وَأُجِّلَتْ الرَّتْقَاءُ لِلدَّوَاءِ بِالِاجْتِهَادِ) الْبَاجِيُّ: تُؤَجَّلُ الْمَرْأَةُ لِعِلَاجِ نَفْسِهَا مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَدَاءِ الْفَرْجِ وَأَجَلُهَا فِي الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ سَنَةٌ، وَأَمَّا الرَّتَقُ فَبِالِاجْتِهَادِ (وَلَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ خِلْقَةً) ابْنُ يُونُسَ: إنْ كَانَ الرَّتَقُ مِنْ قِبَلِ الْخِتَانِ فَتُجْبَرُ وَإِنْ كَانَ خِلْقَةً فَإِنْ رَضِيَتْ بِالْبَطِّ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ أَبَتْ فَالْخِيَارُ لَهُ. (وَجُسَّ عَلَى ثَوْبِ مُنْكِرِ الْجَبِّ وَنَحْوِهِ) ابْنُ حَبِيبٍ: فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 الْحَصُورِ وَالْمَقْطُوعِ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا إنْ أَنْكَرَ أَنَّهُ كَذَلِكَ جُسَّ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ. الْبَاجِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّهُ إذَا جَوَّزْنَا نَظَرَ النِّسَاءِ لِلْفَرْجِ جَازَ أَنْ يَنْظُرَهُ الشُّهُودُ وَهُوَ أَبْيَنُ وَأَبْعَدُ مِمَّا يُكْرَهُ مِنْ اللَّمْسِ وَيُحْظَرُ مِنْهُ (وَصُدِّقَ فِي الِاعْتِرَاضِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الِاعْتِرَاضُ إنْ أَقَرَّ بِهِ فَوَاضِحٌ وَإِنْ أَنْكَرَتْ دَعْوَاهُ زَوْجَتُهُ صُدِّقَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِيَمِينٍ (كَالْمَرْأَةِ فِي دَائِهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ أَنْكَرَتْ دَعْوَاهُ عَيْبَهَا فَمَا كَانَ ظَاهِرًا كَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ يَدَّعِيهِ بِوَجْهِهَا أَوْ كَفَّيْهَا أُثْبِتَ بِالرِّجَالِ، وَمَا بِسَائِرِ بَدَنِهَا غَيْرِ الْفَرْجِ أُثْبِتَ بِالنِّسَاءِ. وَمَا بِالْفَرْجِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّهَا مُصَدَّقَةٌ فِي ذَلِكَ وَلَا يَنْظُرُ النِّسَاءُ إلَيْهَا. قَالَ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ: وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا. وَقَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إبْرَاهِيمَ وَلَهَا رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الزَّوْجِ. اهـ. مِنْ الْمُتَيْطِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ (أَوْ وُجُودِهِ حَالَ الْعَقْدِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ قَالَ الْأَبُ تَجَذَّمَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَالَ الزَّوْجُ بَلْ قَبْلَهُ فَالْأَبُ مُصَدَّقٌ وَعَلَى الزَّوْجِ الْبَيِّنَةُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إنْ تَدَاعَيَا بَعْدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 الْبِنَاءِ، وَأَمَّا إنْ تَدَاعَيَا قَبْلَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْأَبِ الْبَيِّنَةُ (أَوْ بَكَارَتِهَا وَحَلَفَتْ هِيَ أَوْ أَبُوهَا إنْ كَانَتْ سَفِيهَةً وَلَا يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ) ابْنُ عَرَفَةَ: عَلَى رَدِّهَا الثُّيُوبَةُ إنْ أَكَذَبَتْهُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ وَجَدَهَا ثَيِّبًا فَلَهُ عَلَيْهَا الْيَمِينُ إنْ كَانَتْ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا أَوْ عَلَى أَبِيهَا إنْ كَانَتْ ذَاتَ أَبٍ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا يَتَظَاهَرُ النِّسَاءُ وَلَا تَكْشِفُ الْحُرَّةُ فِي مِثْلِ هَذَا. اُنْظُرْ إذَا قَالَ وَجَدْتهَا مُفْتَضَّةً فَإِنَّهُ يَجِبُ حَدُّهُ وَإِنْ ثَبَتَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَمْ أَجِدْهَا بِكْرًا، لِأَنَّ الْعُذْرَةَ تَذْهَبُ بِغَيْرِ جِمَاعٍ. وَانْظُرْ نَوَازِلَ ابْنِ الْحَاجِّ وَنَصُّهَا: إنْ قَالَ وَجَدْتهَا مُفْتَضَّةً جُلِدَ الْحَدَّ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَجِدْهَا بِكْرًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْعُذْرَةَ تَسْقُطُ مِنْ الْوَثْبَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَيَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ كُلُّهُ وَلَا كَلَامَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهَا النِّسَاءُ انْتَهَى نَصُّهُ. وَبِهَذَا أَفْتَى شَيْخُ الشُّيُوخِ ابْنُ لُبٍّ فَقَالَ مَا نَصُّهُ: لَا يُعْتَبَرُ نَظَرُ الْقَوَابِلِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ إلَّا إذَا نَظَرْنَ عَنْ قُرْبٍ، وَالصَّحِيحُ مَعَ ذَلِكَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى الْبِنْتِ فِي دَعْوَى الزَّوْجِ الثُّيُوبَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ الصُّعُوبَةِ مِنْ حُصُولِ الْكَشْفِ الَّذِي أَصْلُهُ الْحَظْرُ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي قَلَّتْ فِيهَا أَمَانَةُ الْقَوَابِلِ، يَلْزَمُ الزَّوْجَ جَمِيعُ الصَّدَاقِ أَوَّلًا لِاعْتِرَافِهِ بِمُوجِبِهِ وَهُوَ الْوَطْءُ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى الشُّيُوخُ فِي النَّوَازِلِ كَنَوَازِل ابْنِ الْحَاجِّ وَغَيْرِهَا، انْتَهَى نَصُّهُ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " كَنَوَازِل ابْنِ الْحَاجِّ وَغَيْرِهَا ". أَمَّا نَوَازِلُ ابْنِ الْحَاجِّ فَنَصُّهَا: إنْ قَالَ إنِّي وَجَدْتهَا مُفْتَضَّةً جُلِدَ الْحَدَّ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَجِدْهَا بِكْرًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْعُذْرَةَ قَدْ تَسْقُطُ مِنْ الْوَثْبَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَيَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ كُلُّهُ وَلَا كَلَامَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهَا النِّسَاءُ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ الْحَاجِّ. فَعَلَى مَا ذُكِرَ عَوَّلَ شَيْخُ الشُّيُوخِ ابْنُ لُبٍّ قَالَ: وَلَا يَنْظُرُهَا الْقَوَابِلُ وَشَدَّدَ فِي ذَلِكَ. وَمِنْ نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ سُئِلَ الْقَابِسِيُّ عَمَّنْ شَرَطَ عَذْرَاءَ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا قَالَ: هَذَا شَيْءٌ لَا يَمْنَعُ الزَّوْجَ الْوَطْءَ وَشَيْءٌ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهِيَ لَا تَشْعُرُ، إمَّا فِي الصِّغَرِ مِنْ قَفْزَةٍ وَلَعِبٍ، وَإِمَّا فِي الْكِبَرِ مِنْ تَكَرُّرِ الْحَيْضِ فَتَأْكُلُهُ الْحَيْضَةُ وَيَزُولُ الْحِجَابُ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: إنْ شَرَطَ أَنَّهَا بِكْرٌ فَأَلْفَاهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا رَدَّ لَهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: لِأَنَّ الْعُذْرَةَ قَدْ تَذْهَبُ مِنْ الْقَفْزَةِ وَالْحَيْضَةِ كَمَا قَالَ أَشْهَبُ، وَقَدْ تَكُونُ الْعُذْرَةُ ذَهَبَتْ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ شَيْءٌ. وَسُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ تَزَوَّجَ بِكْرًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 فَزَنَتْ قَالَ: هَذِهِ نَازِلَةٌ نَزَلَتْ بِالزَّوْجِ وَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الصَّدَاقِ إنْ دَخَلَ، وَنِصْفُهُ إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمَرْأَةِ يَظْهَرُ بِهَا حَمْلٌ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَعْنَى زَوْجَتِهِ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَتُحَدُّ هِيَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ زَنَتْ زَوْجَتُهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُضَيِّقَ عَلَيْهَا لِتَفْتَدِي لَهُ. الْمُتَيْطِيُّ: يَنْبَغِي لِأَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ تَذْهَبُ عُذْرَتُهَا بِغَيْرِ جِمَاعٍ أَنْ يُشِيعُوا ذَلِكَ وَيَشْهَدُوا بِهِ لِيَرْتَفِعَ عَنْهَا الْعَارُ عِنْدَ نِكَاحِهَا ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي لِلْوَلِيِّ أَنْ يُعْلِمَ الزَّوْجَ عِنْدَ إنْكَاحِهَا بِمَا جَرَى عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ فَقَالَ أَشْهَبُ: لَا مَقَالَ لِلزَّوْجِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: لِلزَّوْجِ الرَّدُّ وَالرُّجُوعُ عَلَى الْأَبِ. قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي (وَإِنْ أَتَى بِامْرَأَتَيْنِ تَشْهَدَانِ لَهُ قُبِلَتَا) ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ أَتَى الزَّوْجُ بِامْرَأَتَيْنِ تَشْهَدَانِ بِرُؤْيَةِ دَاءِ الْفَرْجِ وَلَمْ يَكُنْ عَنْ إذْنِ الْقَاضِي قَضَى بِشَهَادَتِهِمَا بِخِلَافِ إذَا شَهِدَتَا بِأَنَّهَا عَذْرَاءُ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْفِرَاقِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ يَعْنِي إذَا بَنَى بِهَا وَادَّعَى الْمَسِيسَ مِنْ ابْنِ يُونُسَ (وَإِنْ عَلِمَ الْأَبُ بِثُيُوبَتِهَا بِلَا وَطْءٍ وَكَتَمَ فَلِلزَّوْجِ الرَّدُّ عَلَى الْأَصَحِّ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْعَطَّارِ: " وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي ". (وَمَعَ الرَّدِّ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا صَدَاقَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: عَيْبُ الْمَرْأَةِ إذَا رَدَّهَا بِهِ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَا صَدَاقَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الْمَهْرِ فِي طَلَاقِ الْعَيْبِ طُرُقٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ طَلَّقَ الْعَيْبَ لِاطِّلَاعِهَا عَلَيْهِ قَبْلَ بِنَائِهِ فَلَا مَهْرَ لَهَا فِي خَصِيٍّ وَلَا مَجْبُوبٍ وَلَا عِنِّينٍ وَلَا حَصُورٍ إذْ لَا أَجَلَ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ بَعْدَ السَّنَةِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: إنْ فَارَقَتْهُ قَبْلَ بِنَائِهِ لِعَيْبِهِ فَلَا شَيْءَ لَهَا إلَّا فِي الْعِنِّينِ فَقَطْ لِأَنَّهُ غَرَّهَا. ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ فُرِّقَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ لِتَخْدُمَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ مَهْرِهَا بِخِلَافِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُ الْبِنَاءُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَنَصْرَانِيَّةٍ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَى الْفِرَاقِ. وَابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا كَذَا مَنْ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ لِعُسْرِهِ بِالنَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ تُتْبِعُهُ بِنِصْفِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِتُهْمَتِهِ عَلَى خَفَاءِ مَالِهِ (كَغُرُورٍ بِحُرِّيَّةٍ) أَمَّا إنْ غَرَّتْهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أَخْبَرَتْهُ إنَّهَا حُرَّةٌ ثُمَّ عَلِمَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَنَّهَا أَمَةٌ أَذِنَ لَهَا سَيِّدُهَا أَنْ تَسْتَخْلِفَ رَجُلًا عَلَى نِكَاحِهَا فَلِلزَّوْجِ الْفِرَاقُ وَلَا صَدَاقَ لَهَا (وَبَعْدَهُ فَمَعَ عَيْبِهِ الْمُسَمَّى) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَدُخُولِ الْعِنِّينِ " (وَمَعَهَا رَجَعَ بِجَمِيعِهِ) فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مَنْ نَكَحَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَمَسَّهَا فَلَهَا مَهْرُهَا وَرَجَعَ بِهِ عَلَى وَلِيِّهَا (لَا قِيمَةِ الْوَلَدِ) هَذَا الْفَرْعُ مُدْخَلٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ سَيَأْتِي فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْغَارِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعَلَى غَارٍّ " (عَلَى وَلِيٍّ لَمْ يَغِبْ كَابْنٍ وَأَخٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى وَلِيِّهَا إنْ كَانَ أَبَاهَا أَوْ أَخَاهَا وَمَنْ يُرَى أَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ ابْنَ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى أَوْ السُّلْطَانُ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَتَرُدُّ الْمَرْأَةُ مَا أَخَذَتْ إلَّا مَا تُسْتَحَلُّ بِهِ. انْتَهَى نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ غَابَ يَعْنِي الْأَبَ أَوْ الْأَخَ وَنَحْوَهُمَا بِحَيْثُ عَلِمَ أَنَّهُ يَخْفَى عَنْهُ خَبَرُهَا فَقَوْلَانِ ابْنُ عَرَفَةَ: أَخَذَ الْقَوْلَيْنِ لِأَشْهَبَ وَالْآخَرَ لِابْنِ حَبِيبٍ. (وَعَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا إنْ زَوَّجَهَا بِحُضُورِهَا كَاتِمَيْنِ ثُمَّ الْوَلِيُّ عَلَيْهَا إنْ أَخَذَهُ مِنْهُ لَا الْعَكْسُ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ زَوَّجَ الثَّيِّبَ وَلِيُّهَا بِحَضْرَتِهَا وَكَتَمَا مَعًا كَانَا غَارَّيْنِ يَتْبَعُ الزَّوْجُ أَيَّهُمَا شَاءَ، إنْ غَرِمَ الْوَلِيُّ رَجَعَ الْوَلِيُّ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَغْرَمَهَا لَمْ تَرْجِعْ هِيَ عَلَى الْوَلِيِّ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ قَدْ وَكَّلَتْ وَلِيَّهَا عَلَى إنْكَاحِهَا فَذَلِكَ تَوْكِيلٌ عَلَى إخْبَارِهِ بِمَا عَلِمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 مِنْ عَيْبِهَا، فَإِذَا كَتَمَ فَهُوَ الْغَارُّ، فَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ مُوسِرَةً، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ الْوَلِيِّ مُعْدَمَةً فَيَرْجِعُ عَلَى أَوَّلِهِمَا يُسْرًا ثُمَّ لَا رُجُوعَ لِمَنْ غَرِمَ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ (وَعَلَيْهَا فِي كَابْنِ الْعَمِّ إلَّا رُبْعَ دِينَارٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ ابْنَ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَتَرُدُّ الْمَرْأَةُ مَا أَخَذَتْ إلَّا مَا تَسْتَحِلُّ بِهِ. اُنْظُرْ مَنْ غَرَّ مِنْ وَلِيَّتِهِ فَزَوَّجَهَا فِي عِدَّةٍ وَدَخَلَتْ، النِّكَاحُ مَفْسُوخٌ قَالَ مَالِكٌ: وَيَضْمَنُ الْوَلِيُّ الصَّدَاقَ كُلَّهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْغَارَّةُ تَرَكَ لَهَا رُبْعَ دِينَارٍ (فَإِنْ عَلِمَ فَكَالْقَرِيبِ وَحَلَّفَهُ إنْ ادَّعَى عِلْمَهُ كَاتِّهَامِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ إنَّهُ غَرَّهُ وَرَجَعَ عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَلَ رَجَعَ عَلَى الزَّوْجَةِ عَلَى الْمُخْتَارِ) ابْنُ عَرَفَةَ: سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ لَا غُرْمَ عَلَيْهِمْ وَمَحْمَلُهُمْ الْجَهْلُ بِهِ حَتَّى يَثْبُتَ عِلْمُهُمْ وَمَنْ اُتُّهِمَ مِنْهُمْ بِعِلْمٍ أُحْلِفَ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يَمِينَ عَلَيْهِ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ مَا نَصُّهُ: إنْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ الْوَلِيَّ عَلِمَ وَغَرَّهُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْلِفُ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الزَّوْجُ أَنَّهُ عَلِمَ وَغَرَّهُ، فَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْوَلِيِّ لَا عَلَى الزَّوْجَةِ وَقَدْ سَقَطَتْ تَبَاعَتُهُ عَنْ الْمَرْأَةِ بِدَعْوَاهُ عَلَى الْوَلِيِّ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ حَلَفَ الْوَلِيُّ رَجَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهُوَ أَصْوَبُ فِي السُّؤَالَيْنِ جَمِيعًا. انْتَهَى نَصُّ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ (وَعَلَى غَارٍّ غَيْرِ وَلِيٍّ تَوَلَّى الْعَقْدَ) هُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَا قِيمَةَ الْوَلَدِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ أَخْبَرَ رَجُلٌ رَجُلًا عَنْ أَمَةٍ أَنَّهَا حُرَّةٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَوَلِيَ الْمُخْبِرُ الْعَقْدَ فَهَاهُنَا يَكُونُ غَارًّا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ وَلَا يَتْرُكُ لَهُ مِنْهُ رُبْعَ دِينَارٍ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يَغْرَمُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ إذْ لَمْ يَغُرَّهُ مِنْ وَلَدِهِ (إلَّا أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 يُخْبِرَ أَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ لَا إنْ لَمْ يَتَوَلَّهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ أَخْبَرَ رَجُلٌ رَجُلًا عَنْ أَمَةٍ أَنَّهَا حُرَّةٌ وَزَوَّجَهَا مِنْهُ غَيْرُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُخْبِرِ، وَلَوْ زَوَّجَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ أَيْضًا (وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ الْحُرِّ فَقَطْ حُرٌّ) ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَدُ الْحُرِّ الْمَغْرُورِ بِحُرِّيَّةِ زَوْجَتِهِ مِنْهَا حُرٌّ. ابْنُ رُشْدٍ: وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ رِقٌّ لِمَالِكِ أُمِّهِ لِإِجْمَاعِهِمْ أَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا مِلْكٌ لَهُ وَتُرِكَ هَذَا الْقِيَاسُ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى حُرِّيَّتِهِ وَفِي كَوْنِ وَلَدِ الْعَبْدِ كَذَلِكَ طَرِيقَانِ الْأَكْثَرُ وَلَدُهُ رَقِيقٌ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذْ لَا بُدَّ مِنْ رِقِّهِ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ (وَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَصَدَاقِ الْمِثْلِ) سَادِسُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا حُرَّةٌ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ أَنْ بَنَى أَنَّهَا أَمَةٌ أَذِنَ لَهَا السَّيِّدُ أَنْ تَسْتَحْلِفَ رَجُلًا عَلَى إنْكَاحِهَا فَلَهَا الْمُسَمَّى إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى صَدَاقِ الْمِثْلِ فَلْتَرُدَّ مَا زَادَ. ابْنُ يُونُسَ: بَيَانُهُ أَنَّ لَهَا الْأَقَلَّ مِنْ الْمِثْلِ وَصَدَاقَ مِثْلِهَا وَلَهُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 نِكَاحِهِ، وَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا صَدَاقَ لَهَا. اُنْظُرْ تَرْجَمَةً فِي الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ (وَقِيمَةُ الْوَلَدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لِلسَّيِّدِ عَلَى الْأَبِ قِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْحُكْمِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَمَنْ قُتِلَ مِنْ وَلَدِهَا فَأَخَذَ الْأَبُ فِيهِ دِيَةً فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَتْلِ عَمْدًا أَوْ مَا أَخَذَ مِنْ دِيَتِهِ (دُونَ مَالِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي تَقْوِيمِ الْوَلَدِ بِمَالِهِ قَوْلَانِ، الْقَوْلُ الثَّانِي قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 (يَوْمَ الْحُكْمِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا (إلَّا لِكَجَدِّهِ وَلَا وَلَاءَ لَهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ لِجَدِّهِ مَثَلًا فَلَا قِيمَةَ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ عَتَقَ وَلَا وَلَاءَ لِأَنَّهُ حُرٌّ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيَكُونُ وَلَاءُ الْوَلَدِ لِأَبِيهِ. اُنْظُرْ التَّرْجَمَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ ابْنِ يُونُسَ (وَعَلَى الْغَرَرِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَقُومُ وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ عَلَى غَرَرِهِ لِعِتْقِهِ بِمَوْتِ سَيِّدِ أُمِّهِ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ كَانَتْ الْغَارَّةُ أُمَّ وَلَدٍ فَلِمُسْتَحِقِّهَا قِيمَةُ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِمْ عَلَى رَجَاءِ الْعِتْقِ لَهُمْ بِمَوْتِ سَيِّدِهِمْ وَخَوْفَ أَنْ يَمُوتُوا فِي الرِّقِّ قَبْلَهُ، وَلَيْسَ قِيمَتُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ عَبِيدٌ لِأَنَّهُمْ يُعْتِقُونَ إلَى مَوْتِ سَيِّدِ أُمِّهِمْ. وَلَوْ مَاتَ سَيِّدُ أُمِّهِمْ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِقِيمَتِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ بِمَوْتِ السَّيِّدِ عَتَقُوا، وَإِنْ أَلْفَاهُمْ السَّيِّدُ قَدْ قُتِلُوا فَلِلْأَبِ دِيَةُ أَحْرَارٍ وَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِمَّا أَخَذُوا مِنْ قِيمَتِهِمْ يَوْمَ قُتِلُوا (وَالْمُدَبَّرَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ غَرَّتْ مُدَبَّرَةٌ فَفِي وَلَدِهَا الْقِيمَةُ عَلَى الرَّجَاءِ أَنْ يُعْتَقُوا وَيَرِقُّوا بِخِلَافِ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ (وَسَقَطَتْ بِمَوْتِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الضَّمَانِ فِي مَوْتِ الْوَلَدِ اضْطِرَابٌ. ابْنُ مُحْرِزٍ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 إنْ مَاتَ الْوَلَدُ سَقَطَتْ قِيمَتُهُ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقِيمَةُ الْوَلَدِ " (وَالْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ دِيَتِهِ إنْ قُتِلَ) الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: لَوْ قُتِلَ الْوَلَدُ خَطَأً اخْتَصَّ الْوَلَدُ عَنْ سَائِرِ وَرَثَتِهِ مِنْ أَوَّلِ النُّجُومِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ وَوَرِثَ مَعَ سَائِرِ وَرَثَتِهِ مَا بَقِيَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ قُتِلَ الْوَلَدُ عَمْدًا فَعَلَى أَبِيهِ الْأَقَلُّ مِمَّا أَخَذَ مِنْ قَاتِلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ (أَوْ مَنْ غَرَّتْهُ أَوْ مَا نَقَصَهَا إنْ أَلْقَتْهُ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " أَوْ مَا نَقَصَهَا " قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ يَوْمَ اسْتَحَقَّهَا السَّيِّدُ فَعَلَى الْأَبِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْوَضْعِ وَهُوَ حُرٌّ، وَلَوْ ضَرَبَهَا رَجُلٌ قَبْلَ قِيَامِ السَّيِّدِ أَوْ بَعْدَهُ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَلِلْأَبِ عَلَى الضَّارِبِ غُرَّةٌ لِأَنَّهُ حُرٌّ. ثُمَّ غَرِمَ الْأَبُ الْأَقَلَّ مِنْ الْغُرَّةِ أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 عُشْرَ قِيمَةِ أُمِّهِ يَوْمَ ضُرِبَتْ (كَجُرْحِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا حَقَّ النَّسَب، لَهُ حُكْمُ الْحُرِّ فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحِ وَفِي الْغُرَّةِ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ وَبَعْدَهُ (وَلِعَدَمِهِ تُؤْخَذُ مِنْ الِابْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ الْأَبُ يَوْمَ الْحُكْمِ بِالْقِيمَةِ عَدِيمًا وَالْوَلَدُ مَلِيءٌ غَرِمَ قِيمَةَ نَفْسِهِ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ أَنَّ الْقِيمَةَ تُؤَدَّى مِنْ أَوَّلِ نَجْمٍ مِنْ الدِّيَةِ فَذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 فَرْعُ تَقْدِيمِ مَالِ الِابْنِ (وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَلَدٍ مِنْ الْأَوْلَادِ إلَّا قِسْطُهُ وَوُقِفَتْ قِيمَةُ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ فَإِنْ أَدَّتْ رَجَعَتْ إلَى الْأَبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَتْ الْغَارَّةُ مُكَاتَبَةً فَقِيمَةُ الْوَلَدِ مَوْقُوفَةٌ، فَإِنْ عَجَزَتْ أَخَذَهَا السَّيِّدُ، إنْ أَدَّتْ رَجَعَتْ الْقِيمَةُ إلَى الْأَبِ (وَقُبِلَ قَوْلُ الزَّوْجِ أَنَّهُ غُرَّ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا قَالَ الزَّوْجُ ظَنَنْتهَا حُرَّةً فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ. قَالَ أَصْبَغُ: وَالسَّيِّدُ مُدَّعٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَلَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ نَكَحَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ. (وَلَوْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى مُوجِبِ خِيَارٍ فَكَالْعَدِمِ) رَوَى مُحَمَّدٌ: مَنْ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ بِامْرَأَتِهِ يُوجِبُ رَدَّهَا بَعْدَ طَلَاقِهَا لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْ مَهْرِهَا وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَغْرَمُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَهُ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْفِرَاقِ وَعَلِمَ الْعَيْبَ تَوَارَثَا وَثَبَتَ الْمَهْرُ كَالْعَبْدِ الْمَعِيبِ يَبِيعُهُ مُشْتَرِيهِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ. (وَلِلْوَلِيِّ كَتْمُ الْعَمَى وَنَحْوِهِ وَعَلَيْهِ كَتْمُ الْخَنَا) قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُخْبِرَ بِعَيْبِ وَلِيَّتِهِ وَلَا بِفَاحِشَتِهَا إلَّا الْعُيُوبَ الْأَرْبَعَةَ أَوْ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ عِدَّةٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ عَلِمَ لِوَلِيَّتِهِ فَاحِشَةً أَنْ يُخْبِرَ بِهَا إذَا خُطِبَتْ. ابْنُ رُشْدٍ: إذْ لَا يَرُدُّهَا بِذَلِكَ إذَا عَلِمَ. وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَ مَنْ خَطَبَ وَلِيَّتَهُ أَنَّهَا أَحْدَثَتْ فَضَرَبَهُ عُمَرُ وَكَانَ يَضْرِبُهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 (وَالْأَصَحُّ مَنْعُ الْأَجْذَمِ مِنْ وَطْءِ إمَائِهِ) . ابْنُ رُشْدٍ: الْأَظْهَرُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ يُمْنَعُ شَدِيدُ الْجُذَامِ وَطْءَ إمَائِهِ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ بِهِنَّ. قَالَ عُمَرُ لِمَجْذُومَةٍ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ: يَا أَمَةَ اللَّهِ لَا تُؤْذِي النَّاسَ لَوْ جَلَسْت فِي بَيْتِك (وَلِلْعَرَبِيَّةِ رَدُّ الْمَوْلَى الْمُنْتَسِبِ لَا الْعَرَبِيِّ إلَّا الْقُرَشِيَّةُ تَتَزَوَّجُهُ عَلَى أَنَّهُ قُرَشِيٌّ) سَمِعَ أَبُو زَيْدٍ ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ تَزَوَّجَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ فَخِذٍ مِنْ الْعَرَبِ فَوُجِدَ مِنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ مَوْلًى فَلَهَا فِرَاقُهُ إنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً، وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا مِنْ غَيْرِ الْقَبِيلِ الَّذِي سَمَّى فَلَا خِيَارَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ قُرَشِيَّةً تَتَزَوَّجُهُ عَلَى أَنَّهُ قُرَشِيٌّ فَإِذَا هُوَ عَرَبِيٌّ فَلَهَا الْخِيَارُ. [فَصْلٌ السَّبَبُ الثَّالِثُ لِلْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ الْعِتْقُ] ابْنُ شَاسٍ: السَّبَبُ الثَّالِثُ لِلْخِيَارِ الْعِتْقُ (وَلِمَنْ كَمُلَ عِتْقُهَا فِرَاقُ الْعَبْدِ فَقَطْ) . ابْنُ عَرَفَةَ: عِتْقُ الْأَمَةِ تَحْتَ عَبْدٍ يُوجِبُ تَخْيِيرَهَا فِي فِرَاقِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عَتَقَتْ تَحْتَهُ حِيلَ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَخْتَارَ. وَرَوَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 الْقَعْنَبِيُّ: عِتْقُ التَّدْبِيرِ وَالْإِيلَاءِ وَالْكِتَابَةِ كَعِتْقِ الْبَتْلِ لِأَنَّ حُكْمَهُنَّ كَأَمَةٍ مَا بَقِيَ فِيهِنَّ شُعْبَةُ رِقٍّ، وَإِذَا عَتَقَتْ وَزَوْجُهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: عِتْقُ بَعْضِهَا لَغْوٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَأَحْرَى التَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ (بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ) فِيهَا: طَلْقَةُ الْأَمَةِ لِخِيَارِهَا بَائِنَةٌ. قِيلَ: لِمَ جَعَلَهَا مَالِكٌ بَائِنَةً وَهُوَ لَا يَعْرِفُ طَلْقَةً بَائِنَةً؟ قِيلَ: لِأَنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ مِنْ السُّلْطَانِ بَائِنَةٌ (أَوْ ثِنْتَيْنِ) . اللَّخْمِيِّ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ إنْ قَضَتْ بِاثْنَتَيْنِ فِي سُقُوطِ الثَّانِيَةِ، وَسُقُوطُهَا أَصْوَبُ لِزَوَالِ ضَرَرِهَا بِوَاحِدَةٍ (وَسَقَطَ صَدَاقُهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اخْتَارَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَإِنْ قَبَضَهُ سَيِّدُهَا رَدَّهُ لِأَنَّ الْفَسْخَ مِنْ قِبَلِهِ (وَالْفِرَاقُ إنْ قَبَضَهُ السَّيِّدُ وَكَانَ عَدِيمًا) . ابْنُ شَاسٍ: إنْ اخْتَارَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَقَدْ قَبَضَ السَّيِّدُ الْمَهْرَ، فَهَلْ يَسْقُطُ خِيَارُهَا لِأَنَّ ثُبُوتَهُ يُؤَدِّي إلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 إسْقَاطِهِ وَإِبْطَالِ سَبَبِهِ؟ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ اُنْظُرْهُ وَابْنُ عَرَفَةَ (وَبَعْدَهُ لَهَا كَمَا لَوْ رَضِيَتْ وَهِيَ مُفَوَّضَةٌ بِمَا فَرَضَهُ بَعْدَ عِتْقِهَا لَهَا إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ السَّيِّدُ أَوْ يَشْتَرِطَهُ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اخْتَارَتْ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَمَهْرُهَا لَهَا كَمَا لِهَا إلَّا إنْ اشْتَرَطَهُ السَّيِّدُ أَوْ أَخَذَهُ وَلَوْ كَانَ نِكَاحُهَا تَفْوِيضًا وَفَرَضَ لَهَا زَوْجُهَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَرَضِيَتْ فَهُوَ لَهَا وَلَا سَبِيلَ لِسَيِّدِهَا عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا فَيَشْتَرِطُهُ، وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوْ طَلَّقَ قَبْلَ الْفَرْضِ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ. ابْنُ مُحْرِزٍ: قِيلَ: إنَّ هَذَا هُوَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَعَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ أَنَّهَا سَاقِطَةٌ، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ بِلُزُومِ الْمِائَةِ فَلِلسَّيِّدِ مَا اشْتَرَطَهُ مِنْ مَهْرِهَا قَبْلَ فَرْضِهِ. ابْنُ مُحْرِزٍ: وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَا أَلْزَمهُ السَّيِّدُ ذِمَّةَ عَبْدِهِ، وَأَمَّا اسْتِثْنَاؤُهُ الْمَهْرَ قَبْلَ فَرْضِهِ فَلَيْسَ إلْزَامًا لِذِمَّتِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: قَدْ يُرَدُّ هَذَا انْتَهَى. فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ السَّيِّدُ أَوْ يَشْتَرِطَهُ رَاجِعٌ إلَى غَيْرِ الْمُفَوَّضَةِ (وَصُدِّقَتْ إنْ لَمْ تُمَكِّنْهُ أَنَّهَا مَا رَضِيَتْ وَإِنْ بَعْدَ سَنَةٍ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: لَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ حَتَّى تَخْتَارَ أَوْ تَسْتَشِيرَ فَلَوْ وَقَفَتْ سَنَةً تَمْنَعُهُ نَفْسَهَا وَقَالَتْ لَمْ أَسْكُتْ رِضًا بِالْمُقَامِ وَصُدِّقَتْ دُونَ يَمِينٍ كَالتَّمْلِيكِ، وَصَوَّبَ هَذَا اللَّخْمِيِّ لِأَنَّ لَهَا دَلِيلًا عَلَى صِدْقِهَا وَهُوَ مَنْعُهَا نَفْسَهَا طُولَ الْمُدَّةِ (إلَّا أَنْ تُسْقِطَهُ أَوْ تُمَكِّنَهُ وَلَوْ جَهِلَتْ الْحُكْمَ لَا الْعِتْقَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَسْقُطُ بِقَوْلِهَا وَبِتَمْكِينِهَا إنْ كَانَتْ عَالِمَةً بِالْحُكْمِ وَالْعِتْقِ، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ جَاهِلَةً بِالْعِتْقِ فَتُخَيَّرُ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ جَاهِلَةً بِالْحُكْمِ فَالْمَشْهُورُ سُقُوطُ خِيَارِهَا. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ قَالَ ابْنُ عَاتٍ قَالَ شَيْخُنَا الْقَاضِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ: كَانَ أَبُو عُمَرَ الْإِشْبِيلِيُّ يَقُولُ لَنَا: سَبْعَةُ أَشْيَاءَ لَا يُعْذَرُ فِيهَا بِالْجَهَالَةِ. مُدَّعِيهَا قَالَ: وَكَانَ لَا يَذْكُرُهَا لَنَا وَإِذَا سَأَلْنَاهُ عَنْهَا لَمْ يَشْرَحْهَا لَنَا. قَالَ ابْنُ عَاتٍ: فَتَتَبَّعْت ذَلِكَ فَوَجَدْت مِنْهَا مَسَائِلَ كَثِيرَةً. اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 ذَكَر أَنَّهَا عِشْرُونَ مَسْأَلَةً لَا يُعْذَرُ فَاعِلُهَا بِالْجَهْلِ مِنْهَا: إذَا عَتَقَتْ وَمَكَّنَتْ نَفْسَهَا جَاهِلَةً بِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا. وَانْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ فَإِنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ مَأْخَذًا آخَرَ. (وَلَهَا أَكْثَرُ الْمُسَمَّى وَصَدَاقُ الْمِثْلِ) اُنْظُرْ مَا نَقَصَ هُنَا وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: إذَا عَتَقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَمْ تَعْلَمْ حَتَّى بَنَى بِهَا فَلَهَا الْأَكْثَرُ. مِنْ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرِ مِثْلِهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ. اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا حُرَّةً اتِّفَاقًا (أَوْ يُبِينُهَا لَا بِرَجْعِيٍّ) نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ: أَنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ اخْتِيَارِهَا طَلَاقًا بَائِنًا سَقَطَ خِيَارُهَا، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا فَلَهَا الْخِيَارُ (أَوْ عَتَقَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عَتَقَ مَعَهَا أَوْ قَبْلَ اخْتِيَارِهَا سَقَطَ خِيَارُهَا (إلَّا لِتَأْخِيرٍ لِحَيْضٍ) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ تَخْتَرْ لَمَنَعَهَا الْحَيْضُ حَتَّى عَتَقَ فَلَهَا الْخِيَارُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهَا إنَّمَا مَنَعَهَا حَيْضُهَا. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهَا لَمْ تُفَرِّطْ وَيَأْتِي مِنْ هَذَا اُنْظُرْهُ فِيهِ وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ (وَإِنْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ عِلْمِهَا وَدُخُولِهَا لَهَا فَاتَتْ بِدُخُولِ الثَّانِي) ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا عَتَقَتْ وَاخْتَارَتْ وَتَزَوَّجَتْ وَقَدِمَ وَثَبَتَ أَنَّهُ عَتَقَ قَبْلَ اخْتِيَارِهَا فَكَزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ أَصْبَغُ: إنْ عَتَقَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ وَثَبَتَ عِتْقُ زَوْجِهَا قَبْلَهَا وَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 حَاضِرٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ دَخَلَتْ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ بِهَا إلَّا أَنْ يُدْرِكَهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَظْهَرُ الْعَكْسُ (وَلَهَا إنْ وَقَفَهَا تَأْخِيرٌ تَنْظُرُ فِيهِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: لَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ حَتَّى يَسْتَشِيرَ. اللَّخْمِيِّ: اسْتَحْسَنَ تَأْخِيرَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. [كِتَابِ الصَّدَاقِ] [الْبَابُ الْأَوَّلِ فِي حُكْمِ الصَّدَاقِ] ابْنُ شَاسٍ: فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ: فِي حُكْمِهِ وَفِي الصَّدَاقِ الْفَاسِدِ وَفِي التَّفْوِيضِ وَفِي التَّشْطِيرِ وَفِي التَّنَازُعِ (الصَّدَاقُ كَالثَّمَنِ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: الصَّدَاقُ رُكْنٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُرَدُّ بِعَدَمِهِ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ إذَا وَقَعَ فِي الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَشَرْطُهُ كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ لِلزَّوْجَةِ مُتَمَوَّلًا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرَضٍ مَوْصُوفٍ وَلَيْسَ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُ أَجَلًا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ، وَهَذَا لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 يُحْمَلُ هَاهُنَا مَحْمَلَ الْبُيُوعِ. وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَعَتْ لَهُ عَلَى عَبْدٍ وَلَمْ تُسَمِّهِ وَلَا وَصَفَتْهُ وَعَلَيْهَا عَبْدٌ وَسَطٌ (كَعَبْدٍ تَخْتَارُهُ هِيَ لَا هُوَ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى أَحَدِ عَبْدَيْهِ أَيَّهمَا شَاءَتْ الْمَرْأَةُ جَازَ وَعَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ لَمْ يَجُزْ كَالْمَبِيعِ. (وَضَمَانُهُ وَتَلَفُهُ وَاسْتِحْقَاقُهُ وَتَعَيُّبُهُ أَوْ بَعْضِهِ كَالْمَبِيعِ) أَمَّا ضَمَانُهُ فَسَيَأْتِي فِي الْبُيُوعِ أَنَّ بِالْعَقْدِ يَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا. وَبِالْقَبْضِ إنْ كَانَ فَاسِدًا. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ: لَوْ أَصْدَقَهَا حَيَوَانًا بِعَيْنِهِ فَقَبَضَتْهُ وَوَهَبَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ وَهَبَتْهُ لَا يَوْمَ قَبَضَتْهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَضْمَنْهُ بِالْقَبْضِ فَلَيْسَ كَالْغَصْبِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ أَحْدَثَتْ فِيهِ مَا أَحْدَثَتْ، وَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ غَنَمًا فَزَكَّتْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا رَجَعَ بِنِصْفِهَا نَاقِصَةً، وَلَوْ كَانَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ زَكَّتْهَا رَجَعَ بِمِائَةٍ كَامِلَةٍ لِأَنَّهَا فِي الْعَيْنِ ضَامِنَةٌ وَالنَّمَاءُ فِيهَا لَهَا، وَمَا ادَّعَتْ أَنَّهُ تَلِفَ مِمَّا قَبَضَتْ صُدِّقَتْ فِيمَا يُصَدَّقُ فِيهِ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُرْتَهِنُ مَعَ يَمِينِهَا، وَمَا يُغَابُ عَلَيْهِ عَنْ عَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ فَلَا تَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. قَالَ أَصْبَغُ: وَأَرَى فِي الْعَيْنِ خَاصَّةً أَنَّهَا تَضْمَنُهُ وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِهَلَاكِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يُعْجِبُنِي قَوْلُ أَصْبَغَ وَلَا تَضْمَنُ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِهَلَاكِهِ إلَّا أَنْ تُحَرِّكَهُ لِغَيْرِ جِهَازِهَا وَهُوَ كَالْوَدِيعَةِ. وَأَمَّا تَلَفُهُ فَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: لَوْ أَصْدَقَهَا عَرَضًا بِعَيْنِهِ أَوْ ثَوْبًا بِعَيْنِهِ فَضَاعَ بِيَدِ الزَّوْجِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَضَمِنَهُ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ الزَّوْجَةِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا لَمْ يُعْلَمْ هَلَاكُ الْعَرَضِ إلَّا بِقَوْلِهِ انْفَسَخَ السَّلَمُ وَالْكِرَاءُ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: وَلَمْ يُعْطِنَا جَوَابًا بَيِّنًا فِي النِّكَاحِ هَلْ يُفْسَخُ أَوْ لَا، وَأَرَى إنْ نَزَلَ مِثْلُ هَذَا فِي أَنْ يَمْضِيَ النِّكَاحُ وَيَغْرَمَ الزَّوْجُ قِيمَةَ الْعَرَضِ. وَأَمَّا اسْتِحْقَاقُهُ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: اسْتِحْقَاقُ الْمَهْرِ إنْ عَلِمَ الزَّوْجَانِ مُوجِبَهُ حِينَ الْعَقْدِ كَكَوْنِهِ مَغْصُوبًا أَوْ حُرًّا فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَمَضَى بَعْدَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَإِلَّا فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. الْمُتَيْطِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُصْدِقَهَا مَمْلُوكَةً مُعَيَّنَةً، فَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهَا إنْ اُسْتُحِقَّتْ بِمِلْكٍ أَنَّهَا تَرْجِعُ بِقِيمَتِهَا، وَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ بِحُرِّيَّةٍ فَقَالَ أَشْهَبُ: تَرْجِعُ بِقِيمَتِهَا. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: تَرْجِعُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عُرُوضٍ أَوْ رَقِيقٍ لَهَا عَدَدٌ فَاسْتُحِقَّ، مِنْهَا شَيْءٌ فَمَحْمَلُهُ مِنْ مَحْمَلِ الْبُيُوعِ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْبُيُوعِ النِّكَاحُ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا إذَا اُسْتُحِقَّ مِنْ ذَلِكَ جُزْءٌ شَائِعٌ وَإِلَّا فَفَرْقٌ بَيْنَ الْبُيُوعِ وَالنِّكَاحِ. قَالَ خَلِيلٌ: فِي الِاسْتِحْقَاقِ يَرْجِعُ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ إلَّا نِكَاحًا. وَأَمَّا تَعْيِيبُهُ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: إذَا تَزَوَّجَهَا عَبْدٌ بِعَيْنِهِ فَقَبَضَتْهُ ثُمَّ وَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا فَلَهَا رَدُّهُ وَتَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ عَقْدِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ انْتَهَى نَصُّهُ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، وَأَمَّا تَعْيِيبُ بَعْضِهِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِيهِ أَقْوَالُ الْمُسْتَحَقِّ بَعْضُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. (وَإِنْ وَقَعَ بِقُلَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 خَلٍّ فَإِذَا هِيَ خَمْرٌ فَمِثْلُهُ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَزَوَّجَ عَلَى قِلَالِ خَلٍّ بِأَعْيَانِهَا فَوَجَدَتْهَا خَمْرًا فَهِيَ كَمَنْ نَكَحَتْ عَلَى مَهْرٍ فَأَصَابَتْ بِهِ عَيْبًا فَلَهَا رَدُّهُ وَتَرْجِعُ بِهِ إنْ كَانَ يُوجَدُ مِثْلُهُ، أَوْ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ. عَبْدُ الْحَقِّ: إنَّمَا لَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِثُبُوتِ أَثَرِ الْعَقْدِ بِحُرْمَةِ الصِّهْرِ. وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: الصَّوَابُ أَنْ تَرْجِعَ فِي الْقِلَالِ بِمِثْلِهَا. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ أَنَّهَا تُغْسَلُ جِدًّا وَتُمْلَأُ بِالْمَاءِ ثُمَّ يُكَالُ ذَلِكَ الْمَاءُ فَتُعْطَى مِثْلَ كَيْلِهِ خَلًّا ثُمَّ تُكْسَرُ الْقِلَالُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لِمُسْلِمٍ (وَجَازَ بشورة) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَادِمٍ أَوْ بَيْتٍ جَازَ وَلَهَا خُلْعُ خَادِمٍ وَسَطٍ قُلْت: فَعَلَى شَوَارِ بَيْتٍ؟ قَالَ: نَعَمْ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا عَنْهُ أَهْلُ الْبَلَدِ وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ لِذَلِكَ أَجَلًا (وَعَدَدٍ مِنْ كَإِبِلٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ صَدَاقِ مِثْلٍ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يَجُوزُ بِغَرَرٍ إلَّا أَنْ يَخِفَّ مِثْلَ شُورَةِ الْبَيْتِ أَوْ عَدَدٍ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فِي الذِّمَّةِ أَوْ صَدَاقِ مِثْلِهَا فَيَكُونُ الْوَسَطُ مِنْ شُورَةِ مِثْلِهَا (وَلَهَا الْوَسَطُ حَالًّا) ابْنُ يُونُسَ: إنْ نَكَحَهَا عَلَى مِائَةِ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ وَلَمْ يَصِفْ ذَلِكَ جَازَ النِّكَاحُ وَعَلَيْهِ وَسَطٌ مِنْ الْأَسْنَانِ، وَكَذَلِكَ عَلَى عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَمْ يُؤَجِّلْهُ وَهُوَ جَائِزٌ وَلَهَا عَبْدٌ وَسَطٌ حَالٌّ (وَفِي شَرْطِ ذِكْرِ جِنْسِ الرَّقِيقِ قَوْلَانِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ نَكَحَ بِرَقِيقٍ ذَكَرَ الْعَدَدَ وَلَمْ يَذْكُرْ حُمْرَانًا وَلَا سُودَانًا فَلَهَا الْوَسَطُ. ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ اسْتَوَيَا أُعْطِيت مِنْ كُلِّ جِنْسٍ نِصْفَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: وَتُعْطَى الْإِنَاثُ دُونَ الذُّكُورِ وَكَذَلِكَ شَأْنُ النَّاسِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: إنْ لَمْ يُذْكَرْ الْجِنْسُ لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ وَفُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَثَبَتَ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ (وَالْإِنَاثُ مِنْهُ إنْ أَطْلَقَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: وَتُعْطَى الْإِنَاثُ وَذَلِكَ شَأْنُ النَّاسِ (وَلَا عُهْدَةَ) الْمُتَيْطِيُّ: أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ الَّذِي بِهِ الْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنَّ الْمَمْلُوكَ وَالْمَمْلُوكَةَ الَّتِي يُنْكَحُ بِهَا لَا عُهْدَةَ فِيهِمَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ مِنْ إحْدَى وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً الَّتِي لَا عُهْدَةَ فِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَإِلَى الدُّخُولِ إنْ عَلِمَ) ابْنُ رُشْدٍ: جَعَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ حَدَّ الِابْتِنَاءِ مَعْرُوفًا بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، فَأَجَازَ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ أَجَلِ الْكَالِئِ مِنْهُ وَأَنْ يَكُون مُؤَخَّرًا إلَيْهِ عَلَى مَا حَكَى عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى (وَالْمَيْسَرَةُ إنْ كَانَ مَلِيًّا) ابْنُ عَرَفَةَ: مَا إلَى مَيْسَرَةِ الزَّوْجِ وَهُوَ مُعْسِرٌ كَمَجْهُولٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى، وَإِنْ كَانَ مَلِيًّا فَهُوَ كَمَعْلُومٍ قَالَهُ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَيَتَأَخَّرُ قَدْرَ مَا تَيَسَّرَ فِيهِ كَمَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا حَالًّا لَا بُدَّ مِنْ التَّأْخِيرِ قَدْرَ مَا يُقْصَدُ بِالْعَادَةِ (وَعَلَى هِبَةِ الْعَبْدِ لِفُلَانٍ) ابْنُ زَرْقُونٍ: لَوْ قَالَتْ أَتَزَوَّجُك عَلَى أَنْ تَهَبَ عَبْدَك لِفُلَانٍ لَا مَهْرَ لِي غَيْرَهُ جَازَ كَالْبَيْعِ. نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ (أَوْ يَعْتِقَ أَبَاهَا عَنْهَا أَوْ عَنْ نَفْسِهَا) قَالَ مَالِكٌ: إنْ قَالَتْ أَتَزَوَّجُك عَلَى أَنْ تُعْتِقَ أَبِي فَاشْتَرَاهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 وَأَعْتَقَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ غَرِمَتْ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَجَارٍ عِتْقُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: النِّكَاحُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلزَّوْجِ. ابْنُ رُشْدٍ: فَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُعْتِقَ عَنْهَا أَبَاهَا وَيَكُونَ لَهَا وَلَاؤُهُ جَازَ وَمَنَعَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. (وَوَجَبَ تَسْلِيمُهُ إنْ تَعَيَّنَ) ابْنُ عَرَفَةَ: تَسْلِيمُ حَالِّ الْمَهْرِ يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ بِإِطَاقَتِهَا الْوَطْءَ وَبُلُوغِ زَوْجِهَا. اللَّخْمِيِّ: وَيَجِبُ تَسْلِيمُ الْمُعَيَّنِ كَثَوْبٍ بِالْعَقْدِ وَلَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ (وَإِلَّا فَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا وَإِنْ مَعِيبَةً مِنْ الدُّخُولِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لِلْمَرْأَةِ مَنْعُ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ صَدَاقَهَا وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا. قُلْت: إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 مَرِضَتْ مَرَضًا لَا يَقْدِرُ الزَّوْجُ فِيهِ عَلَى جِمَاعِهَا قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ لَهَا دُعَاؤُهُ لِلْبِنَاءِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي السِّيَاقِ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَذَاتُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ الْمَانِعِ جِمَاعَهَا كَصَحِيحَةٍ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: هَذَا فِي الْجُذَامِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ رَضِيَ زَوْجُهَا بِعَيْبِهَا الْقَدِيمِ فَهِيَ كَصَحِيحَةٍ (وَالْوَطْءِ بَعْدَهُ) الَّذِي لِابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ بَنَى بِهَا قَبْلَ دَفْعِهِ شَيْئًا مِنْ مَهْرِهَا بِإِذْنِهَا فَلْيَتَمَادَ مَعَهَا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا كَأَوَّلِ بِنَائِهِ (وَالسَّفَرِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لِلْمَرْأَةِ مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْ الدُّخُولِ وَالْوَطْءِ بَعْدَهُ وَمِنْ السَّفَرِ مَعَهُ حَتَّى تَقْبِضَ مَا وَجَبَ مِنْ صَدَاقِهَا اهـ. فَانْظُرْ هَذَا مَا مَعْنَاهُ. (إلَى تَسَلُّمِ مَا حَلَّ) رَوَى اللَّخْمِيِّ: مُؤَجَّلُ مَا حَلَّ قَبْلَ الْبِنَاءِ كَحَالٍّ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 (لَا بَعْدَ الْوَطْءِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْقَاسِمِ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَالْوَطْءُ بَعْدَهُ " وَهُنَا كَانَ يَنْبَغِي ذَلِكَ النَّقْلُ وَيُنْقَلُ هُنَاكَ نَصُّ الْعُتْبِيَّةِ لَكِنْ لَمْ أَكُنْ اطَّلَعْت عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ فَقِيلَ لَهُ: إنَّ زَوْجَتِي أَذِنَتْ لِي بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا فَأَنَا أَضْطَجِعُ مَعَهَا إلَى جَنْبِهَا فِي اللِّحَافِ وَتَمْنَعُنِي نَفْسَهَا حَتَّى أُعْطِيَهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ مَالِكٌ: لَهَا ذَلِكَ عَلَيْك قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنْ كَانَ الزَّوْجُ لِمَا يَتَقَدَّمُ لَهُ فِيهَا وَطْءٌ وَإِنَّمَا أَرْخَى السِّتْرَ عَلَيْهَا وَنَالَ مِنْهَا مَا دُونَ الْجِمَاعِ فَهِيَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي هِيَ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا ثُمَّ مَنَعَتْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مَهْرَهَا فَهِيَ مَسْأَلَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَوَّازِ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلِلْمَرْأَةِ مَنْعُ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ صَدَاقَهَا فَإِنْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ تَلَوَّمَ لَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَجْرَى النَّفَقَةَ، وَلَوْ أَعْسَرَ بِهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا إذَا أَجْرَى النَّفَقَةَ وَاتَّبَعَتْهُ دَيْنًا (إلَّا أَنْ يَسْتَحِقَّ وَلَوْ لَمْ يَغُرَّهَا عَلَى الْأَظْهَرِ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: مَنْ اسْتَحَقَّ مَهْرَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ مَنَعَ مِنْهَا زَوْجَهَا حَتَّى تَقْبِضَ مَهْرَهَا. ابْنُ رُشْدٍ: يُحْتَمَلُ مَنْعُهُ لِحَقِّ اللَّهِ وَلِحَقِّهَا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فِي اللَّفْظِ، وَالثَّانِي أَصَحُّ فِي الْمَعْنَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُمْنَعُ بِحَالٍ وَتُتْبِعُهُ بِمَهْرِهَا وَالْخِلَافُ إنْ لَمْ يَغُرَّهَا، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمَهْرَ مَسْرُوقٌ فَغَرَّهَا كَانَ مِنْ حَقِّهَا مَنْعُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 (وَمَنْ بَادَرَ أُجْبِرَ لَهُ الْآخَرُ إنْ بَلَغَ الزَّوْجُ وَأَمْكَنَ وَطْؤُهَا وَتُمْهَلُ سَنَةً إنْ اشْتَرَطَتْ لِتَغْرِبَةٍ أَوْ صِغَرٍ وَإِلَّا بَطَلَ لَا أَكْثَرَ وَلِلْمَرَضِ وَالصِّغَرِ الْمَانِعَيْنِ لِلْجِمَاعِ وَقَدْرَ مَا يُهَيِّئُ مِثْلُهَا أَمْرَهَا) قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ لَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 دُعَاؤُهُ إلَى الْبِنَاءِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي السِّيَاقِ. وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ: مَنْ طَلَبَ حِينَ دَفَعَ نَقْدَ امْرَأَتِهِ بِنَاءَهُ بِهَا وَقَالَ أَهْلُهَا حَتَّى نُسَمِّنَهَا لَيْسَ لَهُ إدْخَالُهَا عَلَيْهِ السَّاعَةَ وَلَا لَهُمْ تَأْخِيرُهَا وَلَكِنْ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ جِهَازِهَا وَتَهْيِئَتِهَا. وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ: مَنْ تَزَوَّجَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَدْخُلَ خَمْسَ سِنِينَ، الشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلَهُ الْبِنَاءُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَمَالِكٌ يَقُولُ: إنْ كَانَ لِصِغَرٍ أَوْ ظُعُونٍ فَلَهُمْ شَرْطُهُمْ. ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَاهُ فِي السَّنَةِ وَنَحْوِهَا كَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، يُرِيدُ بِالصِّغَرِ الَّذِي يُمْكِنُ مَعَهُ الْوَطْءُ، وَلَوْ كَانَتْ فِي سِنِّ مَنْ لَا يُوطَأُ كَانَ مِنْ حَقِّ أَهْلِهَا مَنْعُهُ الْبِنَاءَ حَتَّى تُطِيقَ الْوَطْءَ. قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ بَهْرَامَ: وَقَوْلُهُ: " مَنْ بَادَرَ " هُوَ إذَا قَالَ الزَّوْجُ مَكِّنِّي وَأَعْطِنِي الصَّدَاقَ وَتَقُولُ الزَّوْجَةُ الْعَكْسَ فَقِيلَ: يُوقَفُ الصَّدَاقُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَيْلَةً ثُمَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 يَدْخُلُ. (إلَّا أَنْ يَحْلِفَ لَيَدْخُلَنَّ اللَّيْلَةَ) الْمُشَاوِرُ: إنْ مَطَلَ الْأَبُ الزَّوْجَ بِالْبِنَاءِ فَحَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ لَيَبْنِيَنَّ اللَّيْلَةَ قَضَى لَهُ (لَا لِحَيْضٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا تُمْهَلُ لِحَيْضٍ (وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أُجِّلَ لِإِثْبَاتِ عُسْرَتِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 ثَلَاثَةَ أَسَابِيعَ ثُمَّ تُلُوِّمَ بِالنَّظَرِ وَعُمِلَ بِسَنَةٍ وَشَهْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لِلْمَرْأَةِ مَنْعُ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ صَدَاقَهَا فَإِنْ أَعْسَرَ بِهِ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبِنَاءِ تَلَوَّمَ لَهُ الْإِمَامُ وَضَرَبَ لَهُ الْأَجَلَ، وَيَخْتَلِفُ التَّلَوُّمُ فِيمَنْ يُرْجَى لَهُ وَمَنْ لَا يُرْجَى. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَجْرَى النَّفَقَةَ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُرِيدُ الْمَهْرَ غَيْرَ الْمُؤَجَّلِ. الْمُتَيْطِيُّ: فَإِذَا ادَّعَى الْعَدَمَ فَيُؤَجَّلُ لِإِثْبَاتِ عَدَمِهِ أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، فَإِذَا ثَبَتَ عَدَمُهُ حُكِمَ بِتَأْجِيلِهِ يُؤَجَّلُ أَوَّلًا سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ شَهْرَيْنِ ثُمَّ يَتَلَوَّمُ لَهُ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِنْ أَتَى بِشَيْءٍ وَإِلَّا عَجَزَهُ (وَفِي التَّلَوُّمِ لِمَنْ لَا يُرْجَى وَصُحِّحَ وَعَدَمِهِ تَأْوِيلَانِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: وَيَخْتَلِفُ التَّلَوُّمُ فِيمَنْ لَا يُرْجَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ التَّلَوُّمِ لِمَنْ لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 يُرْجَى لَهُ كَمَنْ يُرْجَى لَهُ وَتَعْجِيلُ طَلَاقِهِ دُونَ تَأْجِيلِ خَمْسَةِ أَقْوَالٍ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِعِيَاضٍ عَنْ تَفْسِيرِ بَعْضِهِمْ الْمُدَوَّنَةَ. (ثُمَّ طَلَّقَ عَلَيْهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ التَّطْلِيقِ لِعَجْزِهِ بِإِيقَاعِهِ الزَّوْجَ أَوْ الزَّوْجَةَ ثَالِثُهَا الزَّوْجُ، فَإِنْ أَبَى فَالْحَاكِمُ لِابْنِ سِرَاجٍ وَابْنِ عَاتٍ وَابْنِ فَتْحُونَ (وَوَجَبَ نِصْفُهُ) ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ: يَلْزَمُ الزَّوْجَ بِهَذَا الطَّلَاقِ نِصْفُ الْمَهْرِ (لَا فِي عَيْبٍ) قَدْ تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمُنِعَ الرَّدُّ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا صَدَاقَ " (وَتَقَرَّرَ بِوَطْءٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَجِبُ كُلُّ الْمَهْرِ بِالْتِقَاءِ خِتَانَيْ الزَّوْجَيْنِ وَالزَّوْجُ بَالِغٌ أَوْ مَوْتُ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا. الْمُتَيْطِيُّ: مَغِيبُ الْحَشَفَةِ يُوجِبُ نَيِّفًا عَلَى مِائَتَيْ حُكْمٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَطْؤُهَا فِي دُبُرِهَا جِمَاعٌ لَا شَكَّ فِيهِ (وَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 حَرُمَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَتَقَرَّرُ بِالْوَطْءِ وَلَوْ كَانَتْ مُحْرِمَةً أَوْ حَائِضًا أَوْ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ. (وَمَوْتِ وَاحِدٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا (وَإِقَامَةِ سَنَةٍ) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ اتَّفَقَا بَعْدَ الْبِنَاءِ بِعَامٍ وَنَحْوِهِ وَمَا يَقْرُبُ مِنْهُ عَلَى عَدَمِ الْمَسِيسِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَهَا كُلُّ الْمَهْرِ لِطُولِ تَلَذُّذِهِ بِهَا وَأَخْلَاقُهُ لِشُورَتِهَا (وَصُدِّقَتْ فِي خَلْوَةِ الِاهْتِدَاءِ وَإِنْ بِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ) نَحْوَ هَذَا هِيَ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُدَوَّنَةِ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ. الْجَوْهَرِيُّ: هُدِيَتْ الْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا هِدَاءً وَهِيَ مُهْدِيَةٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تَصَدَّقَ بِالْخَلْوَةِ وَلَوْ كَانَتْ مُحْرِمَةً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 أَوْ حَائِضًا أَوْ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ إذَا كَانَتْ خَلْوَةَ بِنَاءٍ (وَفِي نَفْيِهِ وَإِنْ سَفِيهَةً وَأَمَةً) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ وَافَقَتْهُ بَعْدَ الْخَلْوَةِ عَلَى عَدَمِ مَسِيسِهِ فَفِيهَا لِمَالِكٍ إنَّمَا عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ. الْمُتَيْطِيُّ: وَتَصْدُقُ وَلَوْ كَانَتْ سَفِيهَةً قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا تَصْدُقُ السَّفِيهَةُ وَلَا الْأَمَةُ (وَالزَّائِدُ مِنْهُمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: رَابِعُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ مَالِكٍ: إنْ كَانَ دُخُولُهُ عَلَيْهَا وَخُلُوُّهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ صَدَقَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِهَا صَدَقَ عَلَيْهَا وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ (وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ فَقَطْ أُخِذَ إنْ كَانَتْ سَفِيهَةً) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ ادَّعَى الزَّوْجُ الْوَطْءَ وَكَانَتْ الزَّوْجَةُ سَفِيهَةً فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَصْبَغُ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَا شَيْءَ لَهَا. وَقَالَ مُطَرِّفٌ: لَا قَوْلَ لَهَا وَلِوَلِيِّهَا قَبْضُ ذَلِكَ. انْتَهَى نَقْلُهُ. (وَهَلْ إنْ دَامَ الْإِقْرَارُ الرَّشِيدَةُ كَذَلِكَ أَوْ إنْ كَذَّبَتْ نَفْسَهَا تَأْوِيلَانِ) الْمُتَيْطِيُّ: وَإِنْ كَانَتْ رَشِيدَةً فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَهَا أَخْذُ جَمِيعِ الصَّدَاقِ وَإِنْ شَاءَتْ أَوْ تَأْخُذُ نِصْفَهُ. قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: مِنْ حَقِّهِ أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 لَا تَأْخُذَهُ جَمِيعَهُ إلَّا أَنْ تَرْجِعَ إلَى تَصْدِيقِهِ. قَالَ سَحْنُونَ: لَا تَأْخُذُ جَمِيعَهُ إلَّا أَنْ تَصْدُقَ. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: قَوْلُ سَحْنُونٍ تَفْسِيرٌ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي الصَّدَاق الْفَاسِد] (وَفَسَدَ إنْ نَقَصَ عَنْ رُبْعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ خَالِصَةٍ أَوْ مُقَوَّمٍ بِهِمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ أَنَّ أَقَلَّ الْمَهْرِ رُبْعُ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ مَا هُوَ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا، وَأَمَّا أَكْثَرُهُ فَلَا حَدَّ لَهُ. الْجَلَّابُ: لَا أُحِبُّ الْإِغْرَاقَ فِي كَثْرَتِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لِحَدِيثِ: «مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ قِلَّةُ صَدَاقِهَا» قَالَتْ عَائِشَةُ: وَأَنَا أَقُولُ: مِنْ شُؤْمِ الْمَرْأَةِ كَثْرَةُ صَدَاقِهَا (وَأَتَمَّهُ إنْ دَخَلَ وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يُتِمَّهُ فُسِخَ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ نَكَحَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 بِأَقَلَّ مِنْ أَقَلِّهِ أَتَمَّ وَإِلَّا فَسَخَ إنْ لَمْ يَبْنِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِنْ دَخَلَ أَتَمَّهُ جَبْرًا (أَوْ بِمَا لَا يَمْلِكُ كَخَمْرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُمْنَعُ بِمَا لَا يَمْلِكُ أَوْ بِذِي غَرَرٍ كَالْخَمْرِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ (وَحُرٍّ) . ابْنُ عَرَفَةَ: اسْتِحْقَاقُ الْمَهْرِ إنْ عَلِمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 الزَّوْجَانِ مُوجِبَهُ حِينَ الْعَقْدِ كَكَوْنِهِ حُرًّا فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَثَبَتَ بَعْدَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ. (أَوْ بِإِسْقَاطِهِ) قَيْلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ قَالُوا أَنْكَحْنَاك فُلَانَةَ بِلَا مَهْرٍ قَالَ: إنْ دَخَلَ بِهَا ثَبَتَ النِّكَاحُ وَكَانَ لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا الَّذِي أَسْتَحْسِنُ. وَقَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ (أَوْ كَقِصَاصٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ تَزَوَّجَ بِقِصَاصٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَسْخٌ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَثَبَتَ بَعْدَهُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: وَكَذَلِكَ مَنْ نَكَحَ بِقُرْآنٍ أَبُو عُمَرَ: وَنَحْوُ هَذَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ (أَوْ آبِقٍ وَدَارِ فُلَانٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يَجُوزُ بِخَمْرٍ وَلَا بِغَرَرٍ كَآبِقٍ وَدَارِ فُلَانٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَارِ فُلَانٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَهَا لَهَا فَسَخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَثَبَتَ بَعْدَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ (أَوْ سَمْسَرَتِهَا) هَذَا مَعْنَى قَوْلِهَا أَوْ يَشْتَرِيهَا لَهَا (أَوْ بَعْضَهُ لِأَجَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ لَمْ يُقَيِّدْ الْأَجَلَ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَا لِأَجَلٍ مَجْهُولٍ يُفْسَخُ قَبْلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 الْبِنَاءِ فَإِنْ بَنَى جَازَ النِّكَاحُ، وَمَا بِمِائَةٍ نَقْدًا وَمِائَةٍ لِمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ الْمَشْهُورُ كَذَلِكَ، الْمُتَيْطِيُّ: وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ لَمْ يُؤَرِّخْ أَجَلُ الْكَالِئِ، اُنْظُرْ مَسْأَلَةً نَزَلَتْ بِهَذَا الْعَهْدِ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَكَانَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَجَلَ الْكَالِئِ أَفْتَيْت فِيهَا بِالْإِرْثِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ اللَّيْثِ وَابْنِ وَهْبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَانْظُرْ إنْ لَمْ يُؤَرِّخْ أَجَلُ الْكَالِئِ هَلْ مَعْنَاهُ بِقَصْدٍ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ لِغَفْلَةٍ أَوْ ذُهُولٍ؟ وَمُقْتَضَى مَا لِابْنِ الْحَاجِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النِّكَاحَ أَخَفُّ مِنْ الْبُيُوعِ فَيَكُونُ حُكْمُ الْأَجَلِ الْمَغْفُولِ عِنْدَ حُكْمِ بَيْعِ الْخِيَارِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بَالَهُ أَجَلًا فَيُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ مِثْلِهِ (أَوْ زَادَ عَلَى خَمْسِينَ سَنَةً) ابْنُ عَرَفَةَ: يَطْلُبُ كَوْنَ الْمَهْرِ نَقْدًا لَا مُؤَجَّلَ فِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ: عَقَدَهُ بِبَعِيدٍ الْأَجَلِ يَفْسَخُ اتِّفَاقًا وَفِي حَدِّهِ رَابِعُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَفْسَخُ فِي الْأَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ رَجَعَ إلَى خَمْسِينَ (أَرْبَعِينَ بَعِيدٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى غَائِبٍ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ غَنَمٍ جَازَ إنْ وَصَفَ وَإِلَّا فَسَخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَمَضَى بَعْدَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. ابْنُ رُشْدٍ: زَادَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ: وَلَهُ الْبِنَاءُ إنْ قَرُبَ وَإِلَّا فَلَا كَالشِّرَاءِ فِيهِمَا. رَاجِعْ الْمُطَوَّلَاتِ (كَخُرَاسَانَ) هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ (وَجَازَ كَمِصْرِ مِنْ الْمَدِينَةِ) حَكَى ابْنُ مُزَيْنٍ: إنَّمَا يَجُوزُ بِالْمَدِينَةِ فِيمَا بِمِصْرَ وَبِمِصْرِ فِيمَا بِإِفْرِيقِيَةَ (لَا بِشَرْطِ الدُّخُولِ قَبْلَهُ إلَّا الْقَرِيبَ جِدًّا) ابْنُ حَبِيبٍ: لَيْسَ لَهُ الْبِنَاءُ فِي بَعِيدِ الْغَيْبَةِ وَيُسْتَحَبُّ رُبْعُ دِينَارٍ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا شَيْءَ فِي بَعِيدِ الْغَيْبَةِ لِأَنَّ النَّقْدَ فِي الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ. عَبْدُ الْحَقِّ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ شَرْطُ النَّقْدِ لَا الطَّوْعِ بِهِ فَكَذَا الْبِنَاءُ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فَهِمَ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَنْعِ الْبِنَاءِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُشْتَرَطٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ الْبِنَاءِ إنْ كَانَ بِشَرْطٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ أَنَّ الْقَرِيبَ كَالْبَيْعِ (وَضَمِنَته بَعْدَ الْقَبْضِ إنْ فَاتَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 إذَا عَقَدَ بِخَمْرٍ وَشِبْهِهِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَتَرُدُّ مَا قَبَضَتْهُ مِنْ مُتَمَوِّلٍ وَتَضْمَنُهُ بَعْدَ قَبْضِهِ لَا قَبْلَهُ كَالسِّلْعَةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَلِذَلِكَ لَوْ حَالَتْ فِي بَدَنٍ أَوْ سُوقٍ وَنَحْوِهِ كَانَ لَهَا وَتَغْرَمُ الْقِيمَةَ (أَوْ بِمَغْضُوبٍ عَلِمَاهُ لَا أَحَدُهُمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: اسْتِحْقَاقُ الْمَهْرِ إنْ عَلِمَ الزَّوْجَانِ مُوجِبَهُ حِينَ الْعَقْدِ كَكَوْنِهِ مَغْصُوبًا فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَمَضَى بَعْدَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَإِلَّا فَرَابِعُ الْأَقْوَالِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ نَكَحَ بِمَالٍ سَرَقَهُ أَوْ قُورِضَ بِهِ لَمْ يَفْسَخْ نِكَاحَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ اكْتَسَبَ مَالًا حَرَامًا فَتَزَوَّجَ بِهِ أَخَافُ وَاَللَّهِ إنَّهُ مُضَارِعٌ لِلزِّنَا وَلَا أَقُولُهُ (أَوْ بِاجْتِمَاعِهِ مَعَ بَيْعٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: رَابِعُ الْأَقْوَالِ مَنْعُ اجْتِمَاعِ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَهَلْ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لِخُلُوِّ الْبُضْعِ عَنْ الْمَهْرِ أَوْ لِلتَّنَافِي؟ قَوْلَانِ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ نِكَاحٌ وَبَيْعٌ فِي صَفْقَةٍ مِثْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِعَبْدٍ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ دَارًا أَوْ مَالًا، أَوْ بِمَالٍ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ عَبْدًا بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَيَفْسَخُ ذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَلَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يَجُوزُ نِكَاحٌ وَبَيْعٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَوَجْهُهُ أَنْ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ الْجَهَالَةِ بِمِقْدَارِ الْمَهْرِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَلِأَنَّ لِلرَّجُلِ بَيْعَ سِلْعَتِهِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَلَا يَضُرُّهُ جَهْلُ مَا يَخُصُّ كُلَّ سِلْعَةٍ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِذَا جَازَ هَذَا فِي الْبَيْعِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي النِّكَاحِ أَجْوَزَ، فَقَوْلُ أَشْهَبَ هُوَ الْقِيَاسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ (كَدَارٍ دَفَعَهَا هُوَ أَوْ أَبُوهَا وَجَازَ فِي التَّفْوِيضِ) سَمِعَ سَحْنُونَ ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ أَنْكَحَ ابْنَتَهُ مِنْ رَجُلٍ عَلَى إنْ أَعْطَاهُ دَارًا أَجَازَ نِكَاحَهُ، وَلَوْ قَالَ تَزَوَّجْ ابْنَتِي بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَأُعْطِيك هَذِهِ الدَّارَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ وَجْهِ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ. ابْنُ رُشْدٍ: يُقَوَّمُ مِنْهُ خَفِيَ وَهُوَ جَوَازُ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ مَعَ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ بِخِلَافِ نِكَاحِ التَّسْمِيَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِيهِ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالتَّنَافِي نَظَرٌ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَلَّكَهُ الدَّارَ قَبْلَ النِّكَاحِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ انْعَقَدَا مَعًا وَالْقِيَاسُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ إذَا تَقَدَّمَتْ لِيَتَزَوَّجَ فَلَمْ يَتَزَوَّجْ رُدَّتْ فَصَارَا كَعَقْدٍ وَاحِدٍ. (وَجَمْعُ امْرَأَتَيْنِ سُمِّيَ لَهُمَا أَوْ لِإِحْدَاهُمَا) فِيهَا: أَيَتَزَوَّجُ حُرَّتَيْنِ فِي عَقْدٍ؟ قَالَ: لَا أَحْفَظُهُ وَلَا يُعْجِبُنِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 إلَّا إنْ سَمَّى مَهْرَ كُلٍّ مِنْهُمَا. ابْنُ يُونُسَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِصَدَاقٍ مُسَمًّى وَالْأُخْرَى عَلَى تَفْوِيضٍ وَذَلِكَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُمَا صَدَاقَانِ يَجُوزَانِ فِي الِاجْتِمَاعِ (وَهَلْ وَإِنْ شَرَطَ تَزَوُّجَ الْأُخْرَى أَوْ إنْ سَمَّى صَدَاقَ الْمِثْلِ قَوْلَانِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقَهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا فِي نِكَاحِ الْأُخْرَى جَازَ وَإِلَّا، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِثْلَ مَا سُمِّيَ لَهَا جَازَ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا وَشَرَطَ أَنَّهُ مَتَى طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا نِصْفُ التَّسْمِيَةِ كَانَ فَاسِدًا (وَلَا يُعْجِبُ جَمْعُهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَجْمَلَهُمَا فِي صَدَاقٍ وَاحِدٍ لَمْ يُعْجِبْنِي ذَلِكَ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا يَكْرَهُهُ (وَالْأَكْثَرُ عَلَى التَّأْوِيلِ بِالْمَنْعِ وَالْفَسْخِ قَبْلَهُ وَصَدَاقِ الْمِثْلِ بَعْدَهُ لَا الْكَرَاهَةِ) قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا أَجْمَلَهُمَا فِي صَدَاقٍ وَاحِدٍ لَا شَيْءَ لَهُمَا قَبْلَ الْبِنَاءِ. ابْنُ يُونُسَ: الْأَصْوَبُ قَوْلُ ابْنِ دِينَارٍ أَنْ يَقْسِمَ لَهُمَا الْمُسَمَّى قَدْرَ صَدَاقِ مِثْلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا إذَا دَخَلَ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقُ مِثْلِهَا وَثَبَتَ النِّكَاحُ، وَالْخِلَافُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 الَّذِي فِي جَمْعِ الرَّجُلَيْنِ سَعْلَتَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ يَجْرِي هَاهُنَا (أَوْ تَضَمَّنَ إثْبَاتُهُ رَفْعَهُ كَدَفْعِ الْعَبْدِ فِي صَدَاقِهِ وَبَعْدَ الْبِنَاءِ تَمْلِكُهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْعَقْدُ الْمَلْزُومُ لِلتَّنَافِي فَاسِدٌ مُطْلَقًا لِعَدَمِ قَبُولِهِ التَّصْحِيحَ كَنَقْلِ ابْنِ شَاسٍ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ بِجَعْلِهِ مَهْرَهُ فَاسِدًا لِأَدَاءِ ثُبُوتِهِ نَفْيَهُ، وَلِمُنَافَاةِ الْمِلْكِ النِّكَاحَ لَوْ ثَبَتَ وَمِنْ النِّكَاحِ الثَّانِي مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَمَنْ ضَمِنَ صَدَاقَ عَبْدِهِ ثُمَّ دَفَعَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ إلَى الزَّوْجَةِ فِي صَدَاقِهَا فَرَضِيَتْ فَسَدَ النِّكَاحُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَنَى بِهَا رَجَعَ الْعَبْدُ إلَى السَّيِّدِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنْ كَانَ قَدْ بَنَى انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَمَلَكَتْهُ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ (أَوْ بِدَارٍ مَضْمُونَةٍ) أَبُو عِمْرَانَ: يَجُوزُ عَلَى بَيْتٍ يَبْنِيهِ لَهَا إنْ كَانَ بِبُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي مِلْكِهِ وَوَصَفَ بِنَاءَهُ. وَقَدَّرَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ وَلَا يَجُوزُ عَلَى بَيْتٍ مَضْمُونٍ إذْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَوْضِعِهِ فَيَصِيرُ الْمَضْمُونُ مُعَيَّنًا (أَوْ بِأَلْفٍ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ فَأَلْفَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ نَكَحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فَمَهْرُهَا أَلْفَانِ لَمْ يَجُزْ كَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ (بِخِلَافِ أَلْفٍ وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ بَلَدِهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَأَلْفَانِ وَلَا يَلْزَمُ الشَّرْطُ وَكُرِهَ) لِمَا ذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ أَنَّ مِنْ الشُّرُوطِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَلَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا قَالَ: وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الشُّرُوطِ مَكْرُوهٌ لَكِنَّهُ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ وَلَا يَلْزَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَمْلِيكٌ أَوْ يَمِينٌ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ شَرَطَ شَيْئًا مِنْ هَذَا النَّوْعِ ثُمَّ خَالَفَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 عَلَّقَهُ بِيَمِينٍ وَلَا وَضَعَتْ لِأَجْلِهِ شَيْئًا مِنْ صَدَاقِهَا فَلَهُ مُخَالَفَةُ الشَّرْطِ بِفِعْلِ مَا شَرَطَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَتَرَكَ مَا شَرَطَتْ فِعْلَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَّقَ الشَّرْطَ بِيَمِينٍ لَزِمَهُ. وَإِنْ كَانَتْ وَضَعَتْ لَهُ شَيْئًا مِنْ صَدَاقِهَا لِأَجْلِهِ، فَإِنْ كَانَتْ عَيَّنَتْ مَهْرًا ثُمَّ أَسْقَطَتْ بَعْضَهُ لِلشَّرْطِ رَجَعَتْ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ إنَّمَا خَفَّفَتْ فِي الْمَهْرِ لِأَجْلِ الشَّرْطِ قَبْلَ التَّعْيِينِ فَقَالَ فِي الْكِتَابِ: لَا تَرْجِعُ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ نَكَحَهَا بِأَلْفَيْنِ فَوَضَعَتْ عَنْهُ فِي هَذَا الْعَقْدِ أَلْفًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ بَلَدِهَا، أَوْ نَكَحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَهَا مِنْ بَلَدِهَا فَمَهْرُهَا أَلْفَانِ، فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا وَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْأَلْفُ وَهُوَ كَالْقَائِلِ لِزَوْجَتِهِ إنْ أَخْرَجْتُك مِنْ الدَّارِ فَلَكَ أَلْفٌ، فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ. وَلَوْ انْعَقَدَ النِّكَاحُ ثُمَّ حَطَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ نِصْفَهَا عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ بِهَا أَوْ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ وَنَحْوَهُ فَقَبِلَ ذَلِكَ فَلَهَا الرُّجُوعُ بِمَالِهِ إنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ (وَلَا الْأَلْفُ الثَّانِيَةُ إنْ خَالَفَ كَإِنْ أَخْرَجْتُك فَلَكَ أَلْفٌ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: لَيْسَ لَهَا إلَّا الْأَلْفُ وَهُوَ كَالْقَائِلِ إنْ أَخْرَجْتُك فَلَكَ أَلْفٌ (أَوْ أَسْقَطَ أَلْفًا قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ تُسْقِطَ مَا تَقَرَّرَ بَعْدَ الْعَقْدِ) اللَّخْمِيِّ: ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَنْ تَقُولَ أَتَزَوَّجُك بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَأَسْقَطَ الْخَمْسِينَ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ عَلَيَّ وَلَا تُخْرِجَنِي؛ فَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ابْنُ شَاسٍ مَذْهَبُ الْكِتَابِ لَا تَرْجِعُ. اللَّخْمِيِّ: الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَحُطَّ الْخَمْسِينَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَهُنَا لَهَا أَنْ تَرْجِعَ إنْ فَعَلَ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ تَقُولَ أَتَزَوَّجُك بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ عَلَيَّ وَلَا تُخْرِجَنِي فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ أَخْرَجَهَا فَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ (بِلَا يَمِينٍ مِنْهُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ: وَلَا يَلْزَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَمْلِيكٌ أَوْ يَمِينٌ. وَنَحْوُهُ لَفْظُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ (أَوْ كَزَوِّجْنِي أُخْتَك بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك أُخْتِي بِمِائَةٍ وَهُوَ وَجْهُ الشِّغَارِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فَصَرِيحُهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: نِكَاحُ الشِّغَارِ مُحَرَّمٌ. فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَوْلُهُ زَوِّجْنِي مَوْلَاتَك وَأُزَوِّجُك مَوْلَاتِي لَا مَهْرَ بَيْنَنَا شِغَارٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُفْسَخُ أَبَدًا وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ وَلَوْ عَقَدَاهُ كَذَلِكَ بِمَهْرٍ سَمَّيَاهُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ فَفِيهَا هَذَا وَجْهُ الشِّغَارِ لَا صَرِيحَةُ يَمْضِي بِالْبِنَاءِ (وَفُسِخَ فِيهِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا أَنَّ صَرِيحَ الشِّغَارِ يَفْسَخُ أَبَدًا (وَإِنْ فِي وَاحِدَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ سَمَّى لِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَدَخَلَا مَضَى نِكَاحُ الْمُسَمَّى لَهَا وَفُسِخَ نِكَاحُ الْأُخْرَى وَلَوْ دَخَلَتْ (وَعَلَى حُرِّيَّةِ وَلَدِ الْأَمَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّ مَا وَلَدَتْ حُرٌّ لَا يُقَرُّ نِكَاحُهُ بِحَالٍ وَلَوْ دَخَلَ وَلَهَا الْمُسَمَّى إنْ دَخَلَ (أَبَدًا) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا فِي النِّكَاحِ الشِّغَارِ وَعَلَى حُرِّيَّةِ الْوَلَدِ (وَلَهَا فِي الْوَجْهِ وَمِائَةٍ وَخَمْرٍ وَمِائَةٍ نَقْدًا وَمِائَةٍ لِمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمُسَمَّى وَصَدَاقِ الْمِثْلِ) أَمَّا وَجْهُ الشِّغَارَةِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: يَفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَإِنْ دَخَلَا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا الْمُسَمَّى. سَحْنُونَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى أَكْثَرَ. عِيَاضٌ: حَمَلَ الشُّيُوخُ قَوْلَ سَحْنُونٍ عَلَى التَّفْسِيرِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ نَكَحَ بِمِائَةٍ وَخَمْرٍ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ تَزَوَّجَهَا بِفَاسِدٍ مَعَ صَحِيحٍ كَخَمْرٍ وَآبِقٍ وَرُبْعِ دِينَارٍ فَفِي فَسْخِهِ خِلَافٌ. الْمُتَيْطِيُّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ يَقْتَضِي الْفَسْخَ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ نَكَحَ بِمِائَةٍ وَمِائَةٍ لِمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ فَثَالِثُ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ يَفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ مُطْلَقًا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، فَإِنْ بَنَى فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُعَجَّلِ وَالْمُؤَجَّلِ (وَلَوْ زَادَ عَلَى الْجَمِيعِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ إنْ زَادَ عَلَى الْمُعَجَّلِ وَالْمُؤَجَّلِ (وَقُدِّرَ بِالتَّأْجِيلِ الْمَعْلُومِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ) . ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ تَزَوَّجَهَا بِمِائَةٍ نَقْدًا وَمِائَةٍ لِسَنَةٍ وَمِائَةٍ لِمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ وَبَنَى فَلَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْنِ فَلَهَا مِائَتَانِ، مِائَةٌ مِنْهَا إلَى أَجَلِهَا وَإِنْ كَانَ أَزْيَدَ فَالزَّائِدُ عَلَى الْمِائَتَيْنِ حَالٌّ مَعَ الْمِائَةِ الْحَالَّةِ وَمِائَةٌ إلَى أَجَلِهَا (وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا فِيمَا إذَا سَمَّى لِإِحْدَاهُمَا وَدَخَلَ بِالْمُسَمَّى لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا سَمَّى لِإِحْدَاهُمَا وَدَخَلَ بِالْمُسَمَّى لَهَا دُونَ الْأُخْرَى وَدَخَلَ مَضَى نِكَاحُ الْمُسَمَّى لَهَا وَفُسِخَ نِكَاحُ الْأُخْرَى. وَلَوْ دَخَلَتْ فَاخْتَصَرَهَا الشَّيْخُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَهْرُ الْمِثْلِ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ. وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ: فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَثَبَتَ بَعْدَهُ نِكَاحُ الْمُسَمَّى لَهَا وَتَأْخُذُ الْأَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى أَوْ صَدَاقَ الْمِثْلِ (وَفِي مَنْعِهِ بِمَنَافِعَ أَوْ تَعْلِيمِهَا قُرْآنًا أَوْ إحْجَاجِهَا وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ عَمَلِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 لِلْفَسْخِ وَكَرَاهَتِهِ كَالْمُغَالَاةِ فِيهِ وَالْأَجَلِ: قَوْلَانِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِي النِّكَاحِ بِالْإِجَارَةِ كَنِكَاحِهِ عَلَى أَنْ يُحْجِجَهَا أَوْ يَعْمَلَ لَهَا عَمَلًا فِي كَرَاهِيَةٍ فَيَمْضِي بِالْعَقْدِ بِمَنْعِهِ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَمْضِي بَعْدَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ كَقِصَاصٍ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " وَفَسَدَ إنْ نَقَصَ عَنْ رُبْعِ دِينَارٍ ". الْمُتَيْطِيُّ: النِّكَاحُ عَلَى الْخِدْمَةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ، دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، كَانَ مَعَهُ مَهْرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. (وَإِنْ أَمَرَهُ بِأَلْفٍ عَيَّنَهَا أَوَّلًا فَزَوَّجَهُ بِأَلْفَيْنِ فَإِنْ دَخَلَ فَعَلَى الزَّوْجِ أَلْفٌ وَغَرِمَ الْوَكِيلُ أَلْفًا إنْ تَعَدَّى بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ زَوِّجْنِي بِأَلْفٍ أَوْ قَالَ لَهُ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ بِأَلْفٍ فَزَوَّجَهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَمْ يَعْلَمَا بِذَلِكَ حَتَّى دَخَلَا، لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ غَيْرُ الْأَلْفِ وَلَا يَلْزَمُ الْمَأْمُورَ شَيْءٌ لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ وَالزَّوْجُ يَجْحَدُهَا الْأَلْفَ الزَّائِدَةَ وَالنِّكَاحُ بَيْنَهُمَا ثَابِتٌ يُرِيدُ وَعَلَى عَقْدِ هَذَا النِّكَاحِ بِالْأَلْفَيْنِ بَيِّنَةٌ وَلَيْسَ عَلَى رِضَا الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ بِالتَّسْمِيَةِ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ أَقَرَّ الْمَأْمُورَ بَعْدَ الْبِنَاءِ بِالتَّعَدِّي غَرِمَ الْأَلْفَ الثَّانِيَةَ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ (فَتَحْلِفُ هِيَ إنْ حَلَفَ الزَّوْجُ) اُنْظُرْ هَذَا فَإِنَّهُ جَوَابُ مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَقَوْلُ حَلَفَ صَوَابُهُ نَكَلَ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ بَنَى وَأَنْكَرَ الْوَكِيلُ الْعَدَاءَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: يَحْلِفُ الزَّوْجُ مَا أَمَرَهُ إلَّا بِالْأَلْفِ وَمَا عَلِمَ بِمَا زَادَهُ الْوَكِيلُ إلَّا بَعْدَ الْبِنَاءِ، فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَغْرَمْ حَتَّى تَحْلِفَ الْمَرْأَةُ. أَنَّ عَقْدَهَا بِأَلْفَيْنِ لَا عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ أَمَرَهُ بِأَلْفَيْنِ (وَفِي تَحْلِيفِ الزَّوْجِ إنْ نَكَلَ وَغَرِمَ الْأَلْفَ الثَّانِيَةَ قَوْلَانِ) لَوْ قَالَ: " وَفِي تَحْلِيفِ الزَّوْجِ لِلْوَكِيلِ " لِتَنْزِلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ أَصْبَغُ: لَوْ نَكَلَ الزَّوْجُ فَغَرِمَ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ الرَّسُولُ فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: هَذَا غَلَطٌ لَا يَمِينَ عَلَى الرَّسُولِ إذْ لَوْ أَقَرَّ بِالتَّعَدِّي لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ يَمِينِ الزَّوْجِ، فَلَمَّا تَرَكَ الْيَمِينَ فَقَدْ أَلْزَم ذَلِكَ نَفْسَهُ (وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَرَضِيَ أَحَدُهُمَا لَزِمَ الْآخَرَ إلَّا إنْ الْتَزَمَ الْوَكِيلُ الْأَلْفَ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ قِيلَ لِلزَّوْجِ إنْ رَضِيت بِأَلْفَيْنِ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَكُمَا بِطَلْقَةٍ إلَّا أَنْ تَرْضَى الْمَرْأَةُ بِالْأَلْفِ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ، وَإِنْ قَالَ الرَّسُولُ أَنَا أَغْرَمُ الْأَلْفَ الَّتِي زِدْت وَأَبَى الزَّوْجُ لَمْ يَلْزَمْهُ النِّكَاحُ بِذَلِكَ (وَلِكُلٍّ تَحْلِيفُ الْآخَرِ فِيمَا يُفِيدُ إقْرَارَهُ إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَلَا تُرَدُّ إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 اتَّهَمَهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ قَالَ: وَلِكُلٍّ تَحْلِيفُ الْآخَرِ فِيمَا يُفِيدُ إقْرَارَهُ إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، فَإِنْ نَكَلَ أُلْزِمَ وَلَا تَرُدُّ لِأَنَّهَا يَمِينُ تُهْمَةٍ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ تَحْقِيقًا فَتُرَدُّ (وَرُجِّحَ بِدَايَةَ حَلِفِ الزَّوْجِ مَا أَمَرَ إلَّا بِالْأَلْفِ ثُمَّ لِلْمَرْأَةِ الْفَسْخُ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى التَّزْوِيجِ بِأَلْفَيْنِ وَإِلَّا فَكَالِاخْتِلَافِ فِي الصَّدَاقِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عَلِمَ بِالتَّعَدِّي قَبْلَ الدُّخُولِ قِيلَ لِلزَّوْجِ إنْ رَضِيت بِأَلْفَيْنِ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَكُمَا إلَّا أَنْ تَرْضَى الْمَرْأَةُ بِأَلْفٍ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إنَّمَا هَذَا بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الزَّوْجُ إنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ الرَّسُولَ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِأَلْفٍ، فَإِذَا حَلَفَ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ إنْ رَضِيت بِأَلْفٍ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَكُمَا. وَهَذَا إنْ كَانَ عَلَى عَقْدِ الرَّسُولِ بِأَلْفَيْنِ بَيِّنَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَقْدِهِ بِأَلْفَيْنِ بَيِّنَةٌ إلَّا قَوْلَ الرَّسُولِ فَهَاهُنَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ كَاخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي الصَّدَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ، تَحْلِفُ الزَّوْجَةُ أَنَّ الْعَقْدَ كَانَ بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ يُقَالُ لِلزَّوْجِ تَرْضَى بِذَلِكَ أَوْ فَاحْلِفْ أَنَّك مَا أَمَرْته بِأَلْفَيْنِ وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ إلَّا أَنْ تَرْضَى الزَّوْجَةُ بِأَلْفٍ (وَإِنْ عَلِمَتْ بِالتَّعَدِّي فَأَلْفٌ وَبِالْعَكْسِ فَأَلْفَانِ) . ابْنُ شَاسٍ: إنْ وُجِدَ الْعِلْمُ فَلَهُ ثَلَاثُ حَالَاتٍ. الْأُولَى: أَنْ تَعْلَمَ الْمَرْأَةُ بِالتَّعَدِّي وَلَا يَعْلَمَ الزَّوْجُ فَلَا يَكُونُ لَهَا الْأَلْفُ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: عَكْسُ هَذَا أَنْ يَعْلَمَ الزَّوْجُ بِالتَّعَدِّي وَلَا تَعْلَمُ الْمَرْأَةُ بِهِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ أَلْفَانِ (وَإِنْ عَلِمَ كُلٌّ وَعَلِمَ بِعِلْمِ الْآخَرِ أَوْ يَعْلَمُ فَأَلْفَانِ) . ابْنُ شَاسٍ. الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَعْلَمَا جَمِيعًا وَفِيهَا صُوَرٌ: الصُّورَةُ الْأُولَى أَنْ يَعْلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَعْلَمُ الْآخَرُ، فَإِذَا عَلِمَا وَعَلِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعِلْمِ الْآخَرِ فَعَلَى الزَّوْجِ الْأَلْفَانِ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَعْلَمَا وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مِنْهُمَا بِعِلْمِ الْآخَرِ فَالرِّوَايَةُ لَهَا الْأَلْفَانِ وَفِيهِ نَظَرٌ. اُنْظُرْهُ فِيهِ (وَإِنْ عَلِمَ بِعِلْمِهَا فَقَطْ فَأَلْفٌ) . ابْنُ شَاسٍ: الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَعْلَمَا جَمِيعًا وَيَعْلَمَ الزَّوْجُ بِعِلْمِ الْمَرْأَةِ وَلَمْ تَعْلَمْ هِيَ بِعِلْمِهِ فَيَكُونُ لَهَا هَاهُنَا أَلْفٌ لِأَنَّهَا عَلَى ذَلِكَ دَخَلَتْ وَعَلَيْهِ دَخَلَ الزَّوْجُ أَيْضًا (وَبِالْعَكْسِ فَأَلْفَانِ) . ابْنُ شَاسٍ: الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ أَنْ يَعْلَمَا جَمِيعًا وَتَعْلَمَ الزَّوْجَةُ بِعِلْمِ الزَّوْجِ وَلَمْ يَعْلَمْ هُوَ بِعِلْمِهَا فَيَكُونُ عَلَيْهِ هَاهُنَا أَلْفَانِ لِأَنَّهُمَا عَلَى ذَلِكَ دَخَلَا (وَلَمْ يَلْزَمْ تَزْوِيجُ آذِنَةٍ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ بِدُونِ صَدَاقِ الْمِثْلِ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: مَنْ فَوَّضَتْ لَهُ وَلِيَّتُهُ فِي إنْكَاحِهَا كُفُؤًا فَزَوَّجَهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا مَا هُوَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَلْزَمُهَا اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ تَرْضَى. ابْنُ شَاسٍ: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا لَهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُهُ فِي الِابْنِ هُوَ خِلَافُ نَقْلِ الْمُتَيْطِيِّ، وَقَوْلُهُ فِي الْبِنْتِ تَلَقَّاهُ الشَّيْخُ بِالْقَبُولِ (وَعَمِلَ بِصَدَاقِ السِّرِّ إذَا أَعْلَنَا غَيْرَهُ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ أَسَرَّا مَهْرًا وَأَعْلَنَا غَيْرَهُ أَخَذَا بِالسِّرِّ إنْ أَشْهَدُوا عَلَيْهِ عُدُولًا. أَبُو حَفْصٍ: هَذَا إذَا أَعْلَمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمَا يُعْلِنَانِ أَكْثَرَ (وَحَلَّفَتْهُ إنْ ادَّعَتْ الرُّجُوعَ عَنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّ الْمُعْلَنَ لَا أَصْلَ لَهُ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا تَوَاطَأَ أَوْلِيَاءُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى ذِكْرِ أَلْفَيْنِ فِي الْعَقْدِ ظَاهِرًا وَعَلَى الِاكْتِفَاءِ بِأَلْفٍ بَاطِنًا فَالْوَاجِبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 مَهْرُ السِّرِّ وَيَكُونُ النِّكَاحُ بِهِ، فَإِنْ ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ الرُّجُوعَ عَنْهُ إلَى الْعَلَانِيَةِ، فَإِنْ كَانَ فِي السِّرِّ بَيَانُ أَنَّ الْعَلَانِيَةَ لَا أَصْلَ لَهَا وَلَكِنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَى مَا أَسَرَّ فَلَا يَمِينَ عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَلَانِيَةِ ذَلِكَ ثَبَتَ الْيَمِينُ (وَإِنْ تَزَوَّجَ بِثَلَاثِينَ عَشْرَةٍ نَقْدًا وَعَشْرَةٍ إلَى أَجَلٍ وَسَكَنَا عَنْ عَشْرَةٍ سَقَطَتْ) هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ هَذَا الْفَرْعَ بِنَصِّهِ، فَالرِّوَايَةُ أَنَّ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الْمَسْكُوتَ عَنْهَا تَسْقُطُ قَالَ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ لَكَانَتْ الْعَشَرَةُ الْمَسْكُوتُ عَنْهَا حَالَّةً (وَنَقْدُهَا كَذَا مُقْتَضٍ لِقَبْضِهِ) . الْمُتَيْطِيُّ: اُخْتُلِفَ إذَا قَالَ نَقَدَهَا كَذَا فَقَالَ سَحْنُونَ: فِيهِ بَرَاءَةٌ لِلزَّوْجِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ عَجَّلَ لَهَا وَالتَّعْجِيلُ هُوَ الدَّفْعُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ ابْنُ شَاسٍ [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي التَّفْوِيضِ فِي النِّكَاحِ] الْبَابُ الثَّالِثُ فِي التَّفْوِيضِ التَّفْوِيضُ وَيَعْنِي بِهِ إخْلَاءَ النِّكَاحِ مِنْ مَهْرٍ مُسَمًّى أَوْ التَّصْرِيحِ بِالتَّفْوِيضِ (وَجَازَ نِكَاحُ التَّفْوِيضِ) . الْبَاجِيُّ: نِكَاحُ التَّفْوِيضِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا، وَصِفَتُهُ أَنْ يُصَرِّحَ بِالتَّفْوِيضِ أَوْ يَسْكُتَ عَنْ الْمَهْرِ (وَالتَّحْكِيمِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: نِكَاحُ التَّحْكِيمِ قَالُوا: مَا عُقِدَ عَلَى صَدَاقِ قَدْرِ مَهْرِهِ لِحُكْمِ حَاكِمٍ وَلَوْ كَانَ الْمُحَكِّمُ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً وَفِي جَوَازِهِ وَفَسْخِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. اللَّخْمِيِّ: نِكَاحُ التَّفْوِيضِ الْجَائِزُ مَا كَانَ التَّفْوِيضُ فِيهِ إلَى الزَّوْجِ أَوْ عَقَدَ وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّدَاقَ وَلَا أُسْقِطُهُ، فَإِنْ كَانَ التَّفْوِيضُ إلَى الزَّوْجَةِ أَوْ إلَى وَلِيِّهَا أَوْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ يَقُولُ أَتَزَوَّجُك عَلَى حُكْمِي أَوْ حُكْمِك أَوْ حُكْمِ وَلِيِّك أَوْ حُكْمِ فُلَانٍ فَهَذَا يُمْنَعُ ابْتِدَاءً فَإِنْ نَزَلَ، مَضَى عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ (عَقْدٌ بِلَا ذِكْرِ مَهْرٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْبَاجِيِّ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 زَوَّجَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّدَاقَ وَلَا شَرَطَ إسْقَاطَهُ فَهَذَا التَّفْوِيضُ. (بِلَا هِبَةٍ وَفَسْخٍ إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا قَبْلَهُ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ الْمَوْهُوبَةُ إذَا لَمْ يُسَمُّوا مَعَهَا صَدَاقًا كَالتَّفْوِيضِ وَكَأَنَّهُ قَالَ فِي الْهِبَةِ قَدْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 زَوَّجْتُكهَا بِلَا صَدَاقٍ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَلَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ (وَصُحِّحَ أَنَّهُ زِنًا) هَكَذَا قَالَ الْبَاجِيُّ قَالَ: هُوَ سِفَاحٌ يُحَدُّ لَا يُلْحَقُ بِهِ نَسَبٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا بَعِيدٌ عَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ. (وَاسْتَحَقَّهُ بِالْوَطْءِ لَا بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَكَحَ وَلَمْ يَفْرِضْ صَدَاقًا جَازَ وَفُرِضَ صَدَاقُ الْمِثْلِ إنْ بَنَى، وَلَا يَجِبُ صَدَاقُ الْمِثْلِ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ إلَّا بِالْبِنَاءِ إذْ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَالتَّسْمِيَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا صَدَاقٌ وَلَا مُتْعَةٌ وَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَلَوْ طَلَّقَ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ غَيْرُ الْمُتْعَةِ فَقَطْ. (إلَّا أَنْ يُفَوِّضَ وَتَرْضَى) فِيهَا: إنْ فَرَضَ الزَّوْجُ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ وَقَبْلَ الْمَسِيسِ مَا رَضِيَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ وَهِيَ مِمَّنْ يَجُوزُ أَمْرُهَا أَوْ رَضِيَ الْوَلِيُّ وَهِيَ بِكْرٌ وَالْوَلِيُّ مِمَّنْ يَجُوزُ أَمْرُهُ عَلَيْهَا وَهُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ وَيَكُونُ صَدَاقُهَا هَذَا الَّذِي تَرَاضَيَا عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ صَدَاقَ مِثْلِهَا (وَلَا تُصَدَّقُ فِيهِ بَعْدَهُمَا) مُحَمَّدٌ: إنْ دَفَعَ الزَّوْجُ شَيْئًا ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَدَاقَ مِثْلِهَا أَوْ تَرَاضَوْا عَلَيْهِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ إلَّا نِصْفَهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَلَمْ يَتَرَاضَوْا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجَةِ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَنَّهُمْ كَانُوا رَضُوا بِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُمْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ. انْتَهَى مِنْ اللَّخْمِيِّ (وَلَهَا طَلَبُ التَّقْدِيرِ) فِيهَا: قُلْت: إنْ أَرَادَتْ أَنْ يُفْرَضَ لَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَأَبَى إلَّا بَعْدَهُ قَالَ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ حَتَّى يَفْرِضَ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا عَلَى مَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ، فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ (وَلَزِمَهَا فِيهِ وَفِي تَحْكِيمِ الرَّجُلِ إنْ فُرِضَ الْمِثْلُ) ابْنُ عَرَفَةَ: فَرْضُ الزَّوْجِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَاجِبٌ قَبُولُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ نِكَاحِ التَّحْكِيمِ إنْ كَانَ الْمُحَكِّمُ الزَّوْجَ فَحُكْمُ فَرْضِهِ كَالتَّفْوِيضِ (وَلَا يَلْزَمُهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ بَذَلَ صَدَاقَ مِثْلِهَا لَزِمَهَا وَلَا يَلْزَمُهُ كَوَاهِبٍ سِلْعَةً لِلثَّوَابِ يَلْزَمُهُ أَحَدُ الْقِيمَةِ وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ بِالْقِيمَةِ (وَهَلْ تَحْكِيمُهَا أَوْ تَحْكِيمُ الْغَيْرِ كَذَلِكَ أَوْ إنْ فُرِضَ الْمِثْلُ لَزِمَهَا وَأَقَلُّ لَزِمَهُ فَقَطْ وَأَكْثَرُ فَالْعَكْسُ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا الزَّوْجِ وَالْمُحَكَّمِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ تَأْوِيلَاتٌ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ هِيَ الْمُحَكَّمَةُ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ سِوَاهَا أَوْ الزَّوْجُ مَعَ غَيْرِهِ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: يَأْتِي عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ نِكَاحُ التَّفْوِيضِ إنْ فَرَضَ الزَّوْجُ صَدَاقَ الْمِثْلِ لَزِمَ النِّكَاحُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُحَكَّمِ مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ، وَإِنْ رَضِيَ الْمُحَكَّمُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَأَقَلَّ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ الزَّوْجَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ. الْقَوْلُ الثَّانِي: تَأْوِيلُ الْقَابِسِيِّ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي التَّحْكِيمِ عَكْسُ الْحُكْمِ فِي التَّفْوِيضِ يَنْزِلُ الْمُحَكَّمُ فِي التَّحْكِيمِ مَنْزِلَةَ الزَّوْجِ فِي التَّفْوِيضِ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْآتِي عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِتَرَاضِي الزَّوْجِ وَالْمُحَكَّمِ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ غَيْرُهَا عَلَى الْفَرِيضَةِ، وَتَأْوِيلُ الْقَابِسِيِّ بَعِيدٌ وَإِنَّمَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ مَا ذَكَرْته الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 (وَالرِّضَا بِدُونِهِ لِلْمُرْشِدَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فَرْضُ الزَّوْجِ أَقَلُّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْمُجْبَرَةِ بِقَوْلِهِ لِمُجْبَرِهَا دُونَهَا وَالْعَكْسُ فِي الثَّيِّبِ الرَّشِيدَةِ (وَلِلْأَبِ) فِيهَا: إذَا زَوَّجَ الْبِكْرَ أَبُوهَا بِتَفْوِيضٍ ثُمَّ فَرَضَ لَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا فَرَضِيَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الْأَبِ (وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ لَمْ تَكُنْ مُرَاضَاةً حَتَّى دَخَلَ وَفَرَضَ أَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ فَفِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَضَعَ مِنْ صَدَاقِ بِنْتِهِ الْبِكْرِ إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا الزَّوْجُ، وَكَذَلِكَ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ إذْ بِالدُّخُولِ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ صَدَاقَ الْمِثْلِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِهِ لِلْأَبِ أَنْ يَحُطَّ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْضَى بِأَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ. وَقَالَ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي: يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْأَبِ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ إذَا سَأَلَ الزَّوْجَ التَّخْفِيفُ وَخَافَ الْوَصِيُّ الْفِرَاقَ وَرَأَى أَنَّ مِثْلَهُ رَغْبَةٌ لَهَا. وَقَالَ أَيْضًا: يَجُوزُ أَنْ يَرْضَى الْوَلِيُّ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَبَعْدَهُ بِأَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَهُوَ أَحْسَنُ (وَلِلْوَصِيِّ قَبْلَهُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَحُطَّ بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ (لَا الْمُهْمَلَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ زَوَّجَ الْبِكْرَ غَيْرُ أَبِيهَا بِتَفْوِيضٍ ثُمَّ فَرَضَ الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا فَرَضِيَتْ بِذَلِكَ وَأَبَاهُ الْوَلِيُّ لَمْ يَجُزْ رِضَاهَا وَلَوْ رَضِيَهُ الْوَلِيُّ مَا جَازَ أَيْضًا (وَإِنْ فَرَضَ فِي مَرَضِهِ فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا فَرَضَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ سَاقِطٌ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ فَيَجِبُ لَهَا الْأَقَلُّ مِمَّا فَرَضَ أَوْ مَهْرُ مِثْلِهَا (وَفِي الذِّمِّيَّةِ وَالْأَمَةِ قَوْلَانِ) مُحَمَّدٌ: لَوْ سَمَّى لَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ وَهِيَ ذِمِّيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ وَلَمْ يَبْنِ بِهَا حَتَّى مَاتَ أُعْطِيت ذَلِكَ الْمُسَمَّى، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَتُحَاصُّ بِهِ أَهْلَ الْوَصَايَا فِي الثُّلُثِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَا شَيْءَ لِمَا إنْ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى مَاتَ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ إلَّا عَلَى الْمُصَابِ وَهُوَ حَسَنٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْوَصِيَّةَ وَإِنَّمَا قَصَدَ الصَّدَاقَ اهـ. اُنْظُرْ نَحْوَ هَذَا فِي الْبَيْعِ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَوْلِيجٌ وَالْبَائِعُ حَيٌّ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى التَّحْوِيزِ أَوْ يُقَالُ إنَّمَا كَانَ هِبَةً عَلَى شَرْطِ تَرْكِ التَّحْوِيزِ فَتَكُونُ بَاطِلَةً فِي هَذَا أَيْضًا قَوْلَانِ (وَرَدَّتْ زَائِدَ الْمِثْلِ إنْ وَطِئَ) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: إنْ فَرَضَ فِي مَرَضِهِ وَمَا بَعْدَ بِنَائِهِ بِهَا وَجَبَ لَهَا الْأَقَلُّ مِمَّا فَرَضَ أَوْ مَهْرَ مِثْلِهَا، وَتَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَفِي الذِّمِّيَّةِ " (وَلَزِمَ إنْ صَحَّ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ فَرَضَ فِي مَرَضِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَصَحَّ مِنْ مَرَضِهِ فَلَهَا جَمِيعُ مَا فَرَضَ (إلَّا إنْ أَبْرَأَتْ قَبْلَ الْفَرْضِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 أَوْ أَسْقَطَتْ شَرْطًا قَبْلَ وُجُوبِهِ) مُتَيَقَّنٌ أَنَّ هَذَا خَلَلٌ مِنْ النَّاسِخِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ أَبْرَأَتْ قَبْلَ الْفَرْضِ تَخْرُجُ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِمَّا لَمْ يَجِبْ وَجَرَى سَبَبُ وُجُوبِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي ثَانِي وَصَايَاهَا إنْ أَجَازَ وَارِثٌ فِي مَرَضِ مَوْرُوثِهِ وَصِيَّةً بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ لَزِمَهُ إنْ كَانَ بَائِنًا عَنْهُ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ وَفِي حَمَالَتِهَا إنْ أَخَّرَ الطَّالِبُ الْحَمِيلَ يُعَدُّ مَحَلَّ الْحَقِّ فَهُوَ تَأْخِيرٌ لِلْغَرِيمِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَهَذَا إسْقَاطٌ لِلْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ بَعْدَ سَبَبِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. اُنْظُرْ الْفَرْقَ الثَّالِثَ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ شِهَابِ الدِّينِ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا كَانَ لَهُ سَبَبٌ وَشَرْطٌ فَتَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يُعْتَبَرْ إجْمَاعًا، وَإِنْ تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا فَقَوْلَانِ، ثُمَّ ذَكَرَ ثَمَانِ مَسَائِلَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ إذَا تَوَسَّطَتْ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْحِنْثِ إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَقَبْلَ الْأَخْذِ الزَّكَاةُ بَعْدَ الْمِلْكِ، وَقَبْلَ الْحَوْلِ زَكَاةُ الْحَدَثِ قَبْلَ نُضُوجِ الْحَبِّ الْعَفْوُ بَعْدَ الْجُرْحِ، وَقَبْلَ زُهُوقِ الرُّوحِ إجَازَةُ الْوَارِثِ بَعْدَ الْمَرَضِ، وَقَبْلَ زُهُوقِ الرُّوحِ إسْقَاطُ الْمَرْأَةِ النَّفَقَةَ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ إسْقَاطُ حَقِّهَا كِلَا هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَهَا الرُّجُوعُ وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا بَعْدَ السَّبَبِ لُطْفًا بِالنِّسَاءِ، وَيُشْكِلُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ إذَا تَزَوَّجَتْ فَقِيرًا أَوْ غَنِيًّا (وَمَهْرُ الْمِثْلِ مَا يَرْغَبُ بِهِ مِثْلُهُ فِيهَا بِاعْتِبَارِ دِينٍ وَجَمَالٍ وَحَسَبٍ وَمَالٍ وَبَلَدٍ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ أَوْ لِأَبٍ لَا الْأُمِّ وَالْعَمَّةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَهْرُ الْمِثْلِ فِيهَا لِمَالِكٍ لَا يَنْظُرُ فِيهِ لِنِسَاءٍ قَوْمِهَا إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهِ لِشَبَابِهَا وَمَوْضِعِهَا وَغِنَاهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْأُخْتَانِ تَفْتَرِقَانِ فِيهِ قَدْ يَكُونُ لَأَحَدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى الْمَالُ وَالْجَمَالُ. ابْنُ رُشْدٍ: الْمُعْتَبَرُ مِنْ نِسَاءِ قَوْمِهَا أَخَوَاتِهَا الشَّقَائِقِ وَلِلْأَبِ لَا أُمَّهَا وَأَخَوَاتُهَا لِأُمٍّ. الْبَاجِيُّ: يُعْتَبَرُ الدِّينُ وَالزَّمَنُ وَالْبَلَدُ (وَفِي الْفَاسِدِ يَوْمَ الْوَطْءِ) اُنْظُرْ مَا نَقَصَ هُنَا وَاَلَّذِي لِابْنِ عَرَفَةَ قَالَ عِيَاضٌ: اضْطَرَبَ الشُّيُوخُ فِي وَقْتِ فَرْضِ الْمَهْرِ، أَيَوْمَ الْعَقْدِ إذْ مِنْهُ يَجِبُ الْمِيرَاثُ أَمْ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ إنْ كَانَ النَّظَرُ قَبْلَ الْبِنَاءِ إذْ لَوْ شَكَّ طَلَّقَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَأَمَّا بَعْدَ الْبِنَاءِ فَيَوْمُ الدُّخُولِ، وَأَمَّا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْفَاسِدِ فَيَفْرِضُ يَوْمَ الْوَطْءِ اتِّفَاقًا اهـ. (وَاتَّحَدَ الْمَهْرُ إنْ اتَّحَدَتْ الشُّبْهَةُ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ اتَّحَدَتْ الشُّبْهَةُ اتَّحَدَ الْمَهْرُ وَلَوْ وَطِئَ مِرَارًا وَإِلَّا وَاجِبٌ لِكُلِّ وَطْئَةٍ مَهْرٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 كَوَطَآتِ الزَّانِي مَنْ أَكْرَهَهَا (كَالْغَالِطِ بِغَيْرِ عَالِمَةٍ) أَشْهَبُ: مَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا فَطَلُقَتْ بِيَمِينِهِ فَعَلَيْهِ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِتَسْمِيَةِ مَهْرٍ فَهِيَ مُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الْبِنَاءِ، فَلَوْ بَنَى بِهَا فَقَالَ مَالِكٌ لَهَا مَهْرٌ كَامِلٌ. وَقِيلَ: مَهْرٌ وَنِصْفٌ. وَعَلَى هَذَا يَأْتِي مَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي مِنْ الْأَخَوَيْنِ يَغْلَطُ بِإِدْخَالِ زَوْجَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْمَغْلُوطِ بِهَا إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ وَلَوْ تَعَدَّدَتْ وَطَآتُهُ إيَّاهَا. هَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا: إنْ تَزَوَّجَ أَخَوَانِ أُخْتَيْنِ فَأُدْخِلَتْ زَوْجَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَ مَالِكٌ: تَرُدُّ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِزَوْجِهَا وَلَا يَطَؤُهَا إلَّا بَعْدَ ثَلَاثِ حِيَضٍ اسْتِبْرَاءً لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقُهَا عَلَى مَنْ وَطِئَهَا إنْ ظَنَّتْهُ زَوْجَهَا، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ غَيْرُهُ حَدَثَ وَلَا صَدَاقَ لَهَا وَرَجَعَ الْوَاطِئُ بِالصَّدَاقِ عَلَى مَنْ أَدْخَلَهَا عَلَيْهِ إنْ غَرَّهُ مِنْهَا. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَا مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَدْخَلَتْ عَلَيْهِ غَيْرَهَا. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنْ لَمْ يَغُرَّهُ أَحَدٌ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى أَحَدٍ اهـ. اُنْظُرْ عَلَى مَنْ تَكُونُ نَفَقَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُدَّةَ اسْتِبْرَائِهَا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا (وَإِلَّا تَعَدَّدَ كَالزِّنَا بِهَا أَوْ الْمُكْرَهَةِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِلَّا تَعَدَّدَ كَالزِّنَا بِغَيْرِ الْعَالِمَةِ أَوْ الْمُكْرَهَةِ. ابْنُ شَاسٍ: لِفَسَادِ الصَّدَاقِ. وَمَدَارِكُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 الْمَدْرَكُ الثَّالِثُ الشُّرُوطُ مِنْهَا مَا يَقْتَضِيهِ عَقْدُ النِّكَاحِ مِنْهَا وَمَا لَا يَقْتَضِيهِ وَلَا يَنْفِيهِ (وَجَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَضُرَّ بِهَا فِي عِشْرَةٍ وَكِسْوَةٍ وَنَحْوِهِمَا) عَبَّرَ ابْنُ شَاسٍ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ: لَا يُكْرَهُ شَرْطٌ مِثْلَ هَذَا وَيَحْكُمُ بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 إنْ تَرَكَ أَوْ ذَكَرَ. (وَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَطَأَ أُمَّ وَلَدٍ وَسُرِّيَّةٍ لَزِمَ فِي السَّابِقَةِ مِنْهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ لَا فِي أُمِّ وَلَدٍ سَابِقَةٍ فِي لَا أَتَسَرَّى) اُنْظُرْ مَا نَقَصَ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ ابْنُ شَاسٍ وَغَيْرُهُ: إنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا وَلَا يَتَزَوَّجَ وَلَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا فَهَذَا النَّوْعُ مَكْرُوهٌ وَلَهُ مُخَالَفَةُ الشَّرْطِ بِفِعْلِ مَا شَرَطَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَتَرْكِ مَا شَرَطَ فِعْلَهُ إلَّا إنْ عَلَّقَهُ بِيَمِينٍ، وَاَلَّذِي لِلْمُتَيْطِيِّ عِنْدَ ذِكْرِ الشُّرُوطِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى يَمِينٍ مَا مَعْنَاهُ بِاخْتِصَارٍ: قَوْلُنَا لَا يَتَسَرَّى مَأْخُوذٌ مِنْ السِّرِّ الَّذِي هُوَ النِّكَاحُ، أَصْلُهُ يَتَسَرَّرُ فَأُبْدِلَ مِنْ أَحَدِ الرَّاءَيْنِ يَاءً وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: (دَسَّاهَا) وَ (يَتَمَطَّى) أَصْلُهُمَا بِسِينَيْنِ وَطَاءَيْنِ. فَإِنْ كَانَتْ لَهُ سُرِّيَّةٌ قَبْلَ النِّكَاحِ فَقِيلَ لَهُ وَطْؤُهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ أَنْ لَا يَتَّخِذَ سُرِّيَّةً فِيمَا يُسْتَقْبَلُ. وَقِيلَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَمَسَّ سُرَرَهُ سُرَرَ أَمَةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، فَهُوَ إنْ وَطِئَهَا بَعْدَ الشَّرْطِ فَقَدْ مَسَّ سُرَرُهُ سُرَرَهَا. وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: اشْتِقَاقُ السُّرِّيَّةِ مِنْ السُّرَرِ هُوَ مَا تَعَلَّقَ بِسُرَّةِ الصَّبِيِّ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ وَتَقَدَّمَ اتِّخَاذُهُ إيَّاهَا قَبْلَ نِكَاحِهِ فَوَطِئَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَلْزَمُهُ الشَّرْطُ لِأَنَّ التَّسَرُّرَ هُوَ الْوَطْءُ، وَلِأَنَّ الَّتِي اشْتَرَطَتْ أَنْ لَا يَتَسَرَّى مَعَهَا إنَّمَا أَرَادَتْ أَنْ لَا يَمَسَّ مَعَهَا غَيْرَهَا. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ. قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ: قَوْلُ سَحْنُونٍ جَيِّدٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصَحُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ زَرْبٍ. قَالَ فَضْلٌ: وَهَذَا بِخِلَافِ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَتَّخِذَ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنَّ أُمَّ الْوَلَدِ الْقَدِيمَةَ فِي هَذَا كَالزَّوْجَةِ الْقَدِيمَةِ لَا قِيَامَ لِلزَّوْجَةِ عَلَيْهَا بِوَطْئِهَا إنَّمَا ذَلِكَ لَهَا فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بَعْدَ عَقْدِ نِكَاحِهَا، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ الشَّرْطُ. رَاجِعْ الْمُتَيْطِيَّ فَفِيهِ طُولٌ (وَلَهَا الْخِيَارُ بِبَعْضِ شُرُوطٍ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ إنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا) الْمُتَيْطِيُّ: قَوْلُنَا فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ لِقَوْلِ ابْنِ الْعَطَّارِ وَغَيْرِهِ إنَّ الْعَاقِدَ إنْ قَالَ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ لَهَا الْأَخْذُ بِشَرْطِهَا حَتَّى يَفْعَلَ جَمِيعَ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ، وَانْتَقَدَ عَلَيْهِ ابْنُ الْفَخَّارِ وَغَيْرُهُ وَقَالُوا: الْحُكْمُ سَوَاءٌ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْخُذَ بِشَرْطِهَا إذَا فَعَلَ فِعْلًا وَاحِدًا مِنْ الْجُمْلَةِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّ الْحِنْثَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 فِي الْأَيْمَانِ يَقَعُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ (وَهَلْ تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ النِّصْفَ فَزِيَادَتُهُ كَنَتَاجٍ وَغَلَّةُ نُقْصَانِهِ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا أَوْ لَا خِلَافَ) ابْنُ يُونُسَ: الْمَرْأَةُ تَمْلِكُ الصَّدَاقَ بِالْعَقْدِ وَالتَّسْمِيَةِ مِلْكًا غَيْرَ مُسْتَقَرٍّ وَإِنَّمَا يَسْتَقِرُّ بِالْمَوْتِ أَوْ بِالدُّخُولِ إذْ لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَعَتَقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَّتْ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ لَمْ تَمْلِكْ مِنْهُ إلَّا نِصْفَهُ. فَلَوْ أَنْكَحَهَا بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَقَبَضَهَا إيَّاهُ وَعَدَمُ قَبْضِهَا سَوَاءٌ إنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَقَدْ مَاتَ الْعَبْدُ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِهَا لَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ انْتَهَى. اُنْظُرْ وَكَذَا أَيْضًا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ دَخَلَتْ أَوْ ارْتَدَّتْ. اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي غَلَّةِ الْمَهْرِ إذَا كَانَ حَيَوَانًا أَوْ شَجَرًا فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: الْغَلَّاتُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْهُمَا. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: الْغَلَّةُ لِلزَّوْجَةِ وَهُوَ أَحْسَنُ لِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لِجَمِيعِهِ حَقِيقَةً. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: كُلُّ مَا أَصْدَقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ بِعَيْنِهِ فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ فَحَالَ سُوقُهُ أَوْ نَقَصَ فِي بَدَنِهِ أَوْ نَمَا أَوْ الْوَالِدُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلِلزَّوْجِ نِصْفُ مَا أَدْرَكَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَوْمَ طَلَّقَ عَلَى مَا هُوَ بِهِ مِنْ نَقْصٍ أَوْ نَمَاءٍ. (وَعَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْمَوْهُوبِ وَالْمُعْتَقِ يَوْمَهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ وَهَبَتْ مَهْرَهَا أَجْنَبِيًّا ثُمَّ طَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلِابْنٍ رَشَدَ فِي فَوْتِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: قُلْت: إنْ وَهَبَتْ مَهْرَهَا لِأَجْنَبِيٍّ فَدَفَعَهُ الزَّوْجُ إلَيْهِ وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ تَجُوزُ هِبَتُهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 وَثُلُثُهَا يَحْمِلُ ذَلِكَ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَيَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي رَأْيِي بِشَيْءٍ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ دَفَعَ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ، وَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً يَوْمَ الْهِبَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى الزَّوْجِ وَلَوْ كُرِهَ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً فَقَدْ أَنْفُذهُ الزَّوْجُ حِينَ دَفَعَهُ إلَيْهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: يَجُوزُ لِلزَّوْجَةِ صَنِيعُهَا فِي مَالِهَا إنْ حَمَلَهُ ثُلُثُهَا وَهِيَ مِمَّنْ يَجُوزُ أَمْرُهَا، وَمَا وَهَبَتْ مِنْ مَهْرِهَا أَوْ أَعْتَقَتْ أَوْ تَصَدَّقَتْ فَعَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ فَعَلَتْهُ لِلزَّوْجِ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ بِنَائِهَا. وَقَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: يَوْمَ قَبَضَتْهُ. ابْنُ شَاسٍ: وَالتَّدْبِيرُ كَالْعِتْقِ (وَنِصْفُ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: مَنْ بَاعَتْ عَبْدَهَا الْمَهْرَ ثُمَّ طَلَّقَتْ فَعَلَيْهَا نِصْفُ ثَمَنِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَعَلَى قَوْلِ الْغَيْرِ عَلَيْهَا الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ (وَلَا يُرَدُّ الْعِتْقُ إلَّا أَنْ يَرُدَّهُ الزَّوْجُ لِعُسْرِهَا يَوْمَ الْعِتْقِ ثُمَّ إنْ طَلَّقَهَا عَتَقَ النِّصْفُ بِلَا قَضَاءٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ صَدَاقُهَا عَبْدًا فَأَعْتَقَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا غَرِمَتْ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعِتْقِ وَلَا يُرَدُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 الْعِتْقُ، مُوسِرَةً كَانَتْ أَوْ مُعْسِرَةً، لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً يَوْمَ الْعِتْقِ وَقَدْ عَلِمَ الزَّوْجُ فَتَرْكُهُ ذَلِكَ رِضًا، وَلَوْ قَامَ حِينَئِذٍ رَدَّهُ إنْ شَاءَ إنْ زَادَ عَلَى ثُلُثِهَا وَلَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَهُ نِصْفُهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَيُعْتَقُ عَلَيْهَا نِصْفُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَتْ عَبْدَهَا وَلَا مَالَ لَهَا غَيْرَهُ فَرَدَّ الزَّوْجُ عِتْقَهَا ثُمَّ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ عَلَيْهَا جَمِيعُهُ، وَكَذَلِكَ مَا رُدَّ مِنْ عِتْقِ مُفْلِسٍ ثُمَّ أَيْسَرَ وَهُوَ بِيَدِهِ قَالَ مَالِكٌ: يُعْتَقُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الزَّوْجَةِ يُعْتَقُ عَلَيْهَا: فَلَا أَدْرِي هَلْ رَأَى أَنْ يُقْضَى عَلَيْهَا أَمْ لَا. وَاَلَّذِي أَرَى أَنْ لَا يُقْضَى عَلَيْهَا وَلَا يَنْبَغِي لَهَا مِلْكُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: فِي سُقُوطِ عِتْقِهَا إيَّاهُ وَالْقَضَاءِ بِهِ عَلَيْهَا ثَالِثُهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ تُؤْمَرُ بِهِ وَلَا تُجْبَرُ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي التَّشْطِيرِ وَاخْتِيَارِ الزَّوْجِ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ] ِ (وَتُشْطَرُ وَمَزِيدٌ بَعْدَ الْعَقْدِ وَهَدِيَّةٌ اُشْتُرِطَتْ لَهَا أَوْ لِوَلِيِّهَا قَبْلَهُ وَلَهَا أَخْذُهُ مِنْهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ) ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الرَّابِعُ فِي التَّشْطِيرِ وَاخْتِيَارِ الزَّوْجِ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ يُوجِبُ تَشْطِيرَ الصَّدَاقِ الثَّابِتِ بِتَسْمِيَةٍ مَقْرُونَةٍ بِالْعَقْدِ أَوْ بِفَرْضٍ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ. ثُمَّ فِي مَعْنَى التَّشْطِيرِ كُلُّ مَا نَحَلَهُ الزَّوْجُ لِلْمَرْأَةِ أَوْ لِأَبِيهَا أَوْ لِوَصِيِّهَا فِي الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ لِأَجْلِهِ إذْ هُوَ لِلزَّوْجَةِ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ مِمَّنْ جَعَلَ لَهُ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَزَوَّجَ بِمَهْرٍ مُسَمًّى ثُمَّ زَادَهَا فِيهِ طَوْعًا فَلَمْ تَقْبِضْ حَتَّى مَاتَ أَوْ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَزِمَهُ نِصْفُ مَا زَادَ فِي الطَّلَاقِ وَسَقَطَ كُلُّهُ بِالْمَوْتِ (وَضَمَانُهُ إنْ هَلَكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ نَكَحَهَا بِعَرَضٍ بِعَيْنِهِ فَضَاعَ بِيَدِهِ ضَمِنَهُ إلَّا إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ فَيَكُونُ مِنْهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَاللَّخْمِيُّ ضَمَانُهُ مِنْهَا، وَلَوْ كَانَ هَلَكَ يَدُ الزَّوْجِ قَبْلَ قَبْضِهَا إيَّاهَا فَلَهُ الْبِنَاءُ بِهَا وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " الصَّدَاقُ كَالثَّمَنِ وَضَمَانُهُ " (وَتَعَيَّنَ مَا اشْتَرَتْهُ مِنْ الزَّوْجِ وَهَلْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ إنْ قَصَدَتْ التَّخْفِيفَ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا اشْتَرَتْهُ مِنْ زَوْجِهَا بِمَهْرِهَا كَمَهْرِهَا وَلَوْ لَمْ يَصْلُحْ لَجَازَهَا. قَالَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: هَذَا إنْ كَانَ شِرَاؤُهَا ذَلِكَ مِنْ الزَّوْجِ عَلَى قَصْدِ التَّخْفِيفِ. وَأَمَّا إنْ تَبَيَّنَ أَنَّ قَصْدَهَا الشِّرَاءُ مِنْهُ كَغَيْرِهِ لِلرَّغْبَةِ فِي الْمُشْتَرِي فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ (وَمَا اشْتَرَتْهُ مِنْ جِهَازِهَا وَإِنْ مِنْ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَتْ مِنْهُ بِهَا دَارِهِ أَوْ عَبْدَهُ أَوْ مَا لَا يَصْلُحُ لِجِهَازِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَإِنَّمَا لَهُ نِصْفُ ذَلِكَ نَمَا أَوْ نَقَصَ. وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا أَصْدَقَهَا إيَّاهَا وَلَوْ اشْتَرَتْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهَا إذَا طَلَّقَهَا بِنِصْفِ الْأَلْفِ دِرْهَمٍ وَكَانَ ضَمَانُ ذَلِكَ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا اشْتَرَتْ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ مِمَّا يُصْلِحُهَا فِي جِهَازِهَا مِثْلَ خَادِمٍ وَعِطْرٍ وَفُرُشٍ وَأَسِرَّةٍ وَسَانِدٍ وَكِسْوَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ إذَا طَلَّقَ إلَّا نِصْفُ ذَلِكَ (وَسَقَطَ الْمَزِيدُ بِالْمَوْتِ فَقَطْ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا وَسَقَطَ كُلُّهُ فِي الْمَوْتِ. (وَفِي تَشْطِيرِ هَدِيَّةٍ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَفُتْ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَيَأْخُذَ الْقَائِمَ مِنْهَا لَا إنْ فَسَخَ بَعْدَهُ رِوَايَتَانِ) سَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ أَهْدَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 لِمَنْ أَمْلَكَ بِهَا هَدِيَّةً ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ طَلُقَتْ عَلَيْهِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ قَبْلَ بِنَائِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهَا وَإِنْ أَدْرَكَهَا بِعَيْنِهَا إلَّا أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَهُ لِفَسَادِهِ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا إنْ لَمْ تَفِ أَوْ بِمَا وَجَدَ مِنْهَا. أَصْبَغُ: فَإِنْ بَنَى فِي النِّكَاحِ الْمَفْسُوخِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَوْ أَدْرَكَهَا قَائِمَةً لِأَنَّ النِّكَاحَ الَّذِي أَعْطَى عَلَيْهِ تَمَّ لَهُ بِبِنَائِهِ. ابْنُ سَلْمُونَ: مَا أَرْسَلَهُ الزَّوْجُ إلَى زَوْجِهِ مِنْ حُلِيٍّ وَثِيَابٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَهُ مَا أَدْرَكَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرْسَلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ. وَيُسَمَّى ذَلِكَ عَارِيَّةٌ. فَهِيَ عَلَى مَا سَمَّى. وَأَمَّا إنْ سَكَتَ حِينَ أَرْسَلَهَا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا عَارِيَّةٌ، فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَشْهَدَ بِهَا سِرًّا حِينَ أَرْسَلَهَا فَهُوَ عَلَى مَا أَشْهَدَ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهَا. رَاجِعْهُ فِيهِ وَانْظُرْ هُنَاكَ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَهْدَى لِيُثَابَ (وَفِي الْقَضَاءِ بِمَا يُهْدَى عُرْفًا قَوْلَانِ) اُنْظُرْ لَوْ قَالَ هُنَا رِوَايَتَانِ وَفِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ قَوْلَانِ لَكَانَ أَبْيَنَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَا جَرَى الْعُرْفُ بِهِ فِي الْهَدَايَا الَّتِي يَتَهَادَاهَا الْأَزْوَاجُ عِنْدَ الْأَعْرَاسِ، فَمَرَّةً رَأَى الْقَضَاءَ بِهَا لِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ إلَّا أَنَّهُ أَبْطَلَهَا فِي الْمَوْتِ، وَمَرَّةً لَمْ يَرَ الْقَضَاءَ بِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ أَحَبُّ قَوْلَيْهِ إلَى ابْنِ رُشْدٍ. قِيلَ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْهَدِيَّةِ الْوَلِيمَةُ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَنَّ الْوَلِيمَةَ مَنْدُوبَةٌ. وَقَدْ قَالَ فِي هَدِيَّةِ الْعُرْسِ: إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ فِيهَا السُّلْطَانُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ السُّلْطَانُ فِي الْوَلِيمَةِ فَيُنْهَى عَنْهَا. اُنْظُرْ فِي ابْنِ سَلْمُونَ حُكْمَ هَدِيَّةِ الْأَمْلَاكِ (وَصَحَّحَ الْقَضَاءَ بِالْوَلِيمَةِ) ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الْوَلِيمَةَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا لَا وَاجِبَةٌ وَلَا يُقْضَى بِهَا. ابْنُ سَهْلٍ: الصَّوَابُ الْقَضَاءُ بِهَا. قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يُولِمَ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مَالِكٍ ذَلِكَ لِمَنْ فَاتَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِأَنَّ الْوَلِيمَةَ لِإِشْهَارِ النِّكَاحِ وَإِشْهَارُهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَفْضَلُ (دُونَ أُجْرَةِ الْمَاشِطَةِ) ابْنُ سَهْلٍ: وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ الْمَاشِطَةِ عَلَى الْجِلْوَةِ وَلَا بِأُجْرَةِ ضَارِبَةِ دُفٍّ وَلَا كَبَرٍ انْتَهَى. اُنْظُرْ ثَمَنَ الرِّقِّ وَأُجْرَةَ الْكَاتِبِ. قَالَ ابْنُ سَلْمُونَ: ذَلِكَ عَلَى الَّذِي يَتَوَثَّقُ لِنَفْسِهِ (وَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ نَفَقَةِ الثَّمَرَةِ وَالْعَبْدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ نَكَحَهَا عَلَى حَائِطٍ بِعَيْنِهِ أَوْ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ كَانَ مَا اغْتَلَّتْ الثَّمَرَةُ أَوْ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا كَانَ بِيَدِهَا أَوْ بِيَدِ الزَّوْجِ وَلِلَّذِي فِي يَدَيْهِ الْحَائِطُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 قَدْرَ سَقْيِهِ وَعِلَاجِهِ فِي حِصَّةِ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ تَلِدُ عِنْدَ الزَّوْجِ أَوْ عِنْدَهَا أَوْ كَسَبَتْ مَالًا أَوْ اغْتَلَّتْ غَلَّةً أَوْ وُهِبَ لَهَا أَوْ لِلْعَبْدِ مَالٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ إنْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ مَا اغْتَلَّ أَوْ تَنَاسَلَ مِنْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ أَثْمَرَ مِنْ شَجَرٍ أَوْ نَخْلٍ أَوْ كَرْمٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ بَيْنَهُمَا. وَمَنْ اسْتَهْلَكَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ضَمِنَ حِصَّةَ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُقْضَى لِمَنْ أَنْفَقَ مِنْهُمَا بِنَفَقَتِهِ الَّتِي أَنْفَقَ فِيهِ فَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ مَا أَنْفَقَ (وَفِي أُجْرَةِ تَعْلِيمِ صَنْعَةٍ قَوْلَانِ) اللَّخْمِيِّ: يَخْتَلِفُ إنْ أَنْفَقَتْ عَلَى صَغِيرٍ لَا غَلَّةَ لَهُ أَوْ دَابَّةٍ لَا تُرْكَبُ أَوْ شَجَرٍ لَا يُطْعَمُ وَانْتَقَلَ كُلُّ ذَلِكَ بِنَفَقَتِهَا وَلَمْ تَأْخُذْ غَلَّةً، هَلْ لِلزَّوْجِ نِصْفُهُ وَيَدْفَعُ النَّفَقَةَ أَوْ يَكُونُ فَوْتًا؟ وَلَوْ أَنْفَقَتْ عَلَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فِي صَنْعَةٍ تَعَلَّمَاهَا فَفِي رُجُوعِهَا عَلَى الزَّوْجِ بِنِصْفِ النَّفَقَةِ وَسُقُوطِهَا رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ. (وَعَلَى الْوَلِيِّ أَوْ الرَّشِيدَةِ مُؤْنَةُ الْحَمْلِ لِبَلَدِ الْبِنَاءِ الْمُشْتَرَطِ وَلَزِمَهَا التَّجْهِيزُ عَلَى الْعَادَةِ بِمَا قَبَضَتْهُ إنْ سَبَقَ الْبِنَاءُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ وُجُوبُ تَجْهِيزِ الْحُرَّةِ بِنَقْدِهَا الْعَيْنَ. الْمُتَيْطِيُّ: وَيَشْتَرِي مِنْهُ الْآكَدُ فَالْآكَدُ عُرْفًا مِنْ فُرُشٍ وَوَسَائِدَ وَثِيَابٍ وَطِيبٍ وَخَادِمٍ إنْ اتَّسَعَ لَهَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَمَا أَجَّلَهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَلَا حَقَّ لِلزَّوْجِ فِي التَّجْهِيزِ بِهِ، وَإِنْ حَلَّ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلِغُرَمَائِهَا أَخْذُهُ فِي دُيُونِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ بَاعُوهُ، وَأَمَّا مَا أَجَّلَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَكَالنَّقْدِ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ (وَقُضِيَ لَهُ إنْ دَعَاهَا لِقَبْضِ مَا حَلَّ) قَدْ تَقَدَّمَ مُؤَجَّلُ مَا حَلَّ قَبْلَ الْبِنَاءِ حَالٌّ. الْمُتَيْطِيُّ: لَا يَلْزَمُهَا التَّجْهِيزُ بِالْكَالِئِ إنْ قَبَضَتْهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَإِنْ تَأَخَّرَ الْبِنَاءُ عَنْ حُلُولِهِ وَقَبَضَتْهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا التَّجْهِيزُ بِهِ، فَإِنْ أَبَتْ قَبْضَهُ حِينَ حَلَّ خَوْفُ التَّجْهِيزِ بِهِ فَلِلزَّوْجِ جَبْرُهَا عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ شَيْئًا فَيَلْزَمُ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونَ: إنْ اشْتَرَطَ الزَّوْجُ لِنَفْسِهِ كِسْوَةً تُخْرِجُهَا لَهُ الزَّوْجَةُ فِي الشُّوَارِ لِلِبَاسِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّدَاقِ زِيَادَةٌ عَلَى قِيمَةِ مِقْدَارِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 أَقَلَّ الصَّدَاقِ فَأَكْثَرَ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْكِسْوَةُ عَطِيَّةً لِلزَّوْجِ تَثْبُتُ لَهُ بِثُبُوتِ الصَّدَاقِ عَلَيْهِ وَتَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ الْتِزَامُ ذَلِكَ وَأَخْرَجَتْ لَهُ ذَلِكَ فِي شُوَارِهَا كَالْغِفَارَةِ وَالْقَمِيصِ وَغَيْرِهَا وَادَّعَتْ أَنَّهَا جَعَلَتْ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّزْيِينِ لَا عَلَى الْعَطِيَّةِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ عُرْفٌ عَمِلَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ أَوْ وَلِيُّهَا فِيمَا يَدَّعِيَانِهِ مِنْ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ (وَلَا تُنْفِقُ مِنْهُ وَتَقْضِي دِينًا إلَّا الْمُحْتَاجَةَ وَكَالدِّينَارِ) . سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِلْمَرْأَةِ الْمُحْتَاجَةِ الْأَكْلُ مِنْ صَدَاقِهَا بِالْمَعْرُوفِ. ابْنُ رُشْدٍ: أَبَاحَهُ لَهَا مَعَ أَنَّ مَذْهَبَهُ وُجُوبُ تَجْهِيزِهَا بِهِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَقْضِيَ فِي دَيْنٍ عَلَيْهَا مِنْ نَقْدِهَا إلَّا التَّافِهَ الْيَسِيرَ. وَقَالَ مَالِكٌ: كَالدِّينَارِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَرَوَى مُحَمَّدٌ كَالثَّلَاثَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا عَلَى قِلَّةِ الْمَهْرِ وَكَثْرَتِهِ وَلَيْسَ بِخِلَافٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا حَلَّ قَبْلَ الْبِنَاءِ كَحَالٍّ لِلْغُرَمَاءِ أَخْذُهُ (وَلَوْ طُولِبَ بِصَدَاقِهَا لِمَوْتِهَا فَطَالَبَهُمْ بِإِبْرَازِ جِهَازِهَا لَمْ يَلْزَمْهُمْ) . ابْنُ رُشْدٍ: إنْ تُوُفِّيَتْ الزَّوْجَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَأَبَى الْأَبُ أَنْ يَبْرُزَ لَهَا مِنْ مَالِهِ مَا يَكُونُ مِيرَاثًا عَنْهَا عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا إلَى مِثْلِهِ فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ إلَّا صَدَاقُ مِثْلِهَا عَلَى أَنْ؛ لَا يَكُونَ جِهَازُهَا إلَّا نَقْدَهَا (عَلَى الْمَقُولِ وَلِأَبِيهَا بَيْعُ رَقِيقٍ سَاقَهُ الزَّوْجُ لَهَا لِلتَّجْهِيزِ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ كَانَ النَّقْدُ حَيَوَانًا أَوْ عَرَضًا أَوْ كَتَّانًا فَنَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِلتَّجْهِيزِ بِهِ وَاخْتَارَ هُوَ. أَعْنِي الْمُتَيْطِيَّ. خِلَافَ هَذَا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلِأَبِي بَكْرٍ التَّصَرُّفُ فِي نَقْدِهَا كَتَصَرُّفِ مَالِكَةِ أَمْرِهَا (وَفِي بَيْعِهِ الْأَصْلَ قَوْلَانِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ سَاقَ الزَّوْجُ أُصُولًا فَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ بَيْعُهَا عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ. وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ وَاللَّخْمِيُّ: إنْ أَصْدَقهَا عَقَارًا لَمْ يَلْزَمْهَا التَّجْهِيزُ بِهِ (وَقُبِلَ دَعْوَى الْأَبِ فَقَطْ فِي إعَارَتِهِ لَهَا فِي السَّنَةِ بِيَمِينٍ وَإِنْ خَالَفَتْهُ الِابْنَةُ لَا إنْ بَعُدَ) . الْمُتَيْطِيُّ: إنْ شَوَّرَهَا بِالثِّيَابِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِبَةٍ وَلَا عَارِيَّةٍ ثُمَّ قَامَ الْأَبُ يُرِيدُ اسْتِرْجَاعَهَا مِنْ يَدِهَا وَقَبْضَهَا لِنَفْسِهِ مِنْهَا وَادَّعَى أَنَّهَا عَارِيَّةٌ مِنْهُ لَهَا، فَإِنْ كَانَ قِيَامُهُ عَلَى قُرْبٍ مِنْ تَارِيخِ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَانَ مَا ادَّعَاهُ مَعْرُوفًا لِلْأَبِ أَوْ غَيْرَ مَعْرُوفٍ، لَهُ، أَقَرَّتْ لَهُ بِذَلِكَ الِابْنَةُ أَوْ لَمْ تُقِرَّ، مَا لَمْ يَطُلْ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: وَلَيْسَ الْعَامُ بِطُولٍ وَقَالَهُ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ قَالَ: وَيَكُونُ لَهُ أَخْذُ مَا وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ عَلَى الِابْنَةِ فِي تَفْوِيتِ مَا فَوَّتَتْهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ امْتَهَنَهُ الزَّوْجُ مَعَهَا ضَمَانٌ لِتَمْلِيكِ الْأَبِ ذَلِكَ لَهَا. قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: إنْ قَامَ بَعْدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 الْعَامِ لَمْ يُلْتَفَتْ لِقَوْلِهِ، وَإِنْ قَامَ قَبْلَ الْعَامِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ دُونَ يَمِينٍ. وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ: الْأَبُ مُصَدَّقٌ وَلَفْظُ التَّصْدِيقِ عِنْدَ الشُّيُوخِ إذَا وَقَعَ مُبْهَمًا يَقْتَضِي نَفْيَ الْيَمِينِ انْتَهَى. وَاَلَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْقَوْلَ إذَا كَانَ قَوْلَ الْأَبِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ مَعَ يَمِينِهِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ الْمُتَيْطِيُّ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إبْرَاهِيمَ: ادِّعَاءُ الْأَبِ لِمَا فِي يَدِ ابْنَتِهِ مِنْ الْأُمُورِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي إنَّمَا فِيهَا الِاتِّبَاعُ لِسَلَفِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ لَا يُخْرِجَ عَنْهَا مَا بِيَدِهَا إلَّا بِمَا تُوجِبُهُ السُّنَّةُ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ لَا سِيَّمَا إخْرَاجُ مَا فِي يَدِ الْبِكْرِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ عَسِيرٌ لَا يُخْرِجُهُ غَيْرُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَاطِعَةٍ. اُنْظُرْ نَوَازِلَ الْبُرْزُلِيِّ (وَلَمْ يُشْهِدْ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْأَبَ مُصَدَّقٌ إذَا أَشْهَدَ عَلَى الْعَارِيَّةِ وَإِنْ طَالَ الْأَمْرُ إذَا كَانَ فِيمَا بَقِيَ وَفَاءٌ بِالْمَهْرِ. الْمُتَيْطِيُّ: فَإِنْ أَتْلَفَتْهُ ابْنَتُهُ وَقَدْ أَشْهَدَ بِالْعَارِيَّةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْإِتْلَافُ فِي حَالِ سَفَهِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَتْلَفَتْهُ بَعْدَ رُشْدِهَا ضَمِنَتْهُ (فَإِنْ صَدَّقَتْهُ فَفِي ثُلُثِهَا) . الْمُتَيْطِيُّ: فَإِنْ كَانَ قِيَامُ الْأَبِ عَلَى بُعْدٍ كَانَ لِلزَّوْجِ فِي ذَلِكَ مَقَالٌ وَلَا يَنْفَعُ الْأَبَ إقْرَارُ الِابْنَةِ لَهُ بِذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ الزَّوْجُ لِطُولِ حِيَازَتِهَا لَهُ. قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ خَرَجَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهَا فَيَلْزَمُهَا الْإِقْرَارُ فِي قَدْرِ ثُلُثِ مَالِهَا وَلِلزَّوْجِ مَقَالٌ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ (وَاخْتَصَّتْ بِهِ إنْ أَوْرَدَهُ بَيْتَهَا أَوْ أَشْهَدَ لَهَا) . الْمُتَيْطِيُّ: مَا زَادَهُ الْأَبُ مِنْ شُورَةٍ عَلَى حَقِّهَا إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ نِحْلَةٌ لَهَا صَحَّ لَهَا إنْ كَانَ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا، وَإِنْ بَيَّنَ كَوْنَهُ هِبَةً لَهَا تَمَّ حَوْزُهَا بِالْإِيرَادِ الْمَوْصُوفِ (أَوْ اشْتَرَاهُ الْأَبُ لَهَا وَوَضَعَهُ عِنْدَ كَأُمِّهَا) فِي أَجْوِبَةِ ابْنِ رُشْدٍ: مَنْ أَشْهَدَ بِهِبَةِ مَا فِي تَابُوتِ بَيْتِهِ مُغْلَقًا لِابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ؛ وَوُجِدَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ حُلِيٌّ وَثِيَابٌ هِبَتُهُ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ مِفْتَاحَهُ لِلْبِنْتِ وَتُعَايِنُهُ مَقْفُولًا، وَسُئِلَ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ الْجَارِيَةِ الْبِكْرِ تَتَّخِذُ الشُّورَةَ فِي بَيْتِ أَبِيهَا بِصَنْعَةِ يَدِهَا أَوْ يَدِ أُمِّهَا أَوْ يَشْتَرِي لَهَا ذَلِكَ أَبُوهَا ثُمَّ يَمُوتُ الْأَبُ فَيُرِيدُ وَرَثَتُهُ الدُّخُولَ مَعَ الِابْنَةِ فِيهَا فَقَالَ: أَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ قَدْ سَمَّاهُ الْأَبُ لَهَا وَأَشْهَدَ أَنَّهُ شُورَةٌ لِابْنَتِهِ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْوَرَثَةَ يُقِرُّونَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِابْنَتِهِ مُسَمًّى وَمَنْسُوبًا إلَيْهَا أَنَّهُ شُورَةٌ لَهَا فَلَا دُخُولَ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ، وَجَوَّزَ مِثْلَ هَذَا أَنْ يَكُونَ بِيَدِ الِابْنَةِ أَوْ الْأُمِّ لَا يُسْتَطَاعُ حَوْزُهُ إلَّا بِهَذَا، لِأَنَّهَا لَوْ ذَهَبَتْ كُلُّ مَا عَمِلَتْ شَيْئًا أَوْ اتَّخَذَتْهُ أَوْ عَمِلَتْهُ لَهَا أُمُّهَا أَوْ كَسَبَهُ لَهَا أَبُوهَا كُلِّفَ أَبُوهَا أَنْ يُبْرِزَ ذَلِكَ وَيَشْهَدَ لَهَا بِهِ لَمْ يَسْتَطِعْ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِمَّا يُسْتَفَادُ الشَّيْءُ بَعْدَ الشَّيْءِ عَلَى أَنْوَاعٍ شَتَّى. وَانْظُرْ مَنْ كَسَا أُمَّ وَلَدِهِ وَحَلَّاهَا أَوْ وَهَبَهَا وَكَذَلِكَ زَوْجَتُهُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَقَبْلَ بَابِ اللِّعَانِ مِنْ ابْنِ عَاتٍ. (وَإِنْ وَهَبَتْ لَهُ الصَّدَاقَ أَوْ مَا يُصْدِقُهَا بِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ جُبِرَ عَلَى دَفْعِ أَقَلِّهِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ أَوْ بَعْضَهُ فَالْمَوْهُوبُ كَالْعَدَمِ) سَيَأْتِي أَنَّ هَذَا يُشْرَطُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الزَّوْجِ بِالْقَبُولِ. اللَّخْمِيِّ: هِبَةُ الْمَرْأَةِ مَهْرُهَا لِزَوْجِهَا وَلَوْ قَبْلَ الْبِنَاءِ جَائِزَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ} [النساء: 4] الْآيَةُ. وَيُؤْمَرُ الزَّوْجُ إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 وَهَبَتْهُ إيَّاهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَنْ لَا يَبْنِيَ حَتَّى يُقَدِّمَ رُبْعَ دِينَارٍ لِئَلَّا يَتَدَرَّعَ لِلنِّكَاحِ عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ رُبْعِ دِينَارٍ. الْمُتَيْطِيُّ: وَيَذْكُرُ فِي عَقْدِ الْهِبَةِ قَبُولَ الزَّوْجِ ذَلِكَ وَهُوَ مَعْنَى الْحِيَازَةِ فِيهِ إنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ، وَلَوْ سَقَطَ ذِكْرُ قَبُولِهِ وَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يُشْهِدَ الزَّوْجَ بِالْقَبُولِ بَطَلَتْ الْهِبَةُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِهِ الْعَمَلُ. (إلَّا أَنْ تَهَبَهُ عَلَى دَوَامِ الْعِشْرَةِ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ وَهَبَتْ جَائِزَةُ الْأَمْرِ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، وَلَوْ وَهَبَتْهُ نِصْفَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا إنْ قَبَضَتْهُ أَوْ لَهَا عَلَيْهِ إنْ لَمْ تَقْبِضْهُ. عَبْدُ الْحَمِيدِ: هَذَا إنْ كَانَتْ الْهِبَةُ لَيْسَتْ لِأَجْلِ الزَّوْجِيَّةِ وَإِرَادَةِ بَقَائِهَا فَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي طَلَاقِهَا بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ لِإِرَادَةِ الْبَقَاءِ لِلزَّوْجِيَّةِ فَسَارَعَ فَطَلَّقَهَا فَلَهَا الرُّجُوعُ. الْمُتَيْطِيُّ: إنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ أَوْ لَا يَتَسَرَّى أَوْ لَا يُخْرِجَهَا تَمَّتْ لَهُ مَا أَقَامَ عَلَى شَرْطِهِ وَلَهُ مُخَالَفَةُ شَرْطِهِ فَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا وَضَعَتْهُ (كَعَطِيَّتِهِ لِذَلِكَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ أَعْطَتْهُ مَالًا عَلَى إمْسَاكِهَا فَفَارَقَهَا بِالْقُرْبِ فَلَهَا الرُّجُوعُ فِي عَطِيَّتِهَا، وَإِنْ فَارَقَهَا بَعْدَ طُولٍ يَرَى أَنَّهُ غَرَضُهَا فَلَا رُجُوعَ لَهَا وَإِلَّا فَلَهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ فِيمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 يَرَى. اُنْظُرْ ثَالِثَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا فَرْقَ فِي وَضْعِ الْمَرْأَةِ صَدَاقَهَا عَنْ زَوْجِهَا أَنْ تَضَعَهُ عَنْهُ وَتَسْكُتَ أَوْ تَقُولَ لَهُ عَلَى أَنْ لَا تُطَلِّقَنِي أَبَدًا، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ مَتَى مَا طَلَّقَهَا، كَانَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ أَوْ بَعْدَ طُولٍ مِنْ الزَّمَانِ. وَمِنْ نَوَازِلِ ابْنِ سَحْنُونٍ: أَسْلَفَتْ زَوْجَهَا وَأَنْظَرَتْهُ إلَى أَجَلٍ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْأَجَلِ الْقَوْلُ قَوْلُهَا أَنَّهَا أَخَّرَتْهُ لِلزَّوْجِيَّةِ وَاسْتِدَامَةُ الْعِصْمَةِ وَتَأْخُذُ سَلَفَهَا حَالًّا (فَيَفْسَخُ وَإِنْ أَعْطَتْهُ سَفِيهَةٌ مَا يُنْكِحُهَا بِهِ ثَبَتَ النِّكَاحُ وَيُعْطِيهَا مِنْ مَالِهِ مِثْلَهُ) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: إنْ أَعْطَتْهُ بِكْرٌ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فُسِخَ نِكَاحُهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى ثُبُوتِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَعَلَيْهِ مَا أَصْدَقَهَا مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ ثَيِّبٌ ذَلِكَ فَإِنْ زَادَهَا عَلَيْهِ رُبْعَ دِينَارٍ فَلَا بَأْسَ (وَإِنْ وَهَبَتْهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَقَبَضَهُ ثُمَّ طَلَّقَ اتَّبَعَهَا وَلَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: خَامِسُ الْأَقْوَالِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ وَهَبَتْ مَهْرَهَا لِأَجْنَبِيٍّ وَقَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ جَمِيعَهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الزَّوْجُ بِشَيْءٍ وَكَانَتْ الزَّوْجَةُ يَوْمَ الْهِبَةِ مُوسِرَةً أَوْ مُعْسِرَةً أَوْ الْآنَ يَتْبَعُهَا الزَّوْجُ بِنِصْفِهِ (إلَّا أَنْ تُبَيِّنَ أَنَّ الْمَوْهُوبَ صَدَاقٌ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ أُجْبِرَتْ هِيَ وَالْمُطَلِّقُ إنْ أَيْسَرَتْ يَوْمَ الطَّلَاقِ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ وَهَبَتْ مَهْرَهَا لِأَجْنَبِيٍّ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَتَّى طَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً يَوْمَ طَلَّقَهَا فَلِلْمَوْهُوبِ أَخْذُ الزَّوْجِ بِهِ وَلِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ، وَإِنْ كَانَتْ يَوْمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 طَلَّقَهَا مُعْسِرَةً حَبَسَ الزَّوْجُ نِصْفَهُ وَدَفَعَ نِصْفَهُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ (وَإِنْ خَالَعَتْهُ عَلَى كَعَبْدٍ أَوْ عَشْرَةٍ وَلَمْ تَقُلْ مِنْ صَدَاقِي فَلَا نِصْفَ لَهَا وَلَوْ قَبَضَتْهُ رَدَّتْهُ لَا إنْ قَالَتْ طَلَّقَنِي عَلَى عَشْرَةٍ وَلَمْ تَقُلْ مِنْ الصَّدَاقِ فَنِصْفُ مَا بَقِيَ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَتْ لَهُ خَالِعْنِي يَعْنِي عَلَى عَشْرَةٍ وَلَمْ تَقُلْ مِنْ الصَّدَاقِ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الصَّدَاقِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ لَمْ تَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ رَدَّتْ جَمِيعَهُ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ بَارَأَتْهُ عَلَى الْمُتَارَكَةِ أَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى إنْ أَعْطَتْهُ عَبْدًا أَوْ مَالًا قَبْلَ الْبِنَاءِ لَمْ تُتْبِعْهُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ وَإِنْ قَبَضَتْهُ رَدَّتْهُ وَقُلْنَا ذَلِكَ فِي الْمُتَارَكَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ، فَإِذَا رَدَّتْ كَانَ أَبْعَدَ أَنْ تَرْجِعَ بِشَيْءٍ وَقَالَهُ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ. اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي عَلَى عَشْرَةٍ فَإِنَّ لَهُ الْعَشَرَةَ وَيَبْقَى الصَّدَاقُ ثَابِتًا بَيْنَهُمَا يَقْتَسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ. اللَّخْمِيِّ: وَأَمَّا إنْ قَالَتْ عَلَى عَشْرَةٍ مِنْ صَدَاقِي فَلَا فَرْقَ بَيْنَ طَلِّقْنِي وَخَالِعْنِي، وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعَشَرَةَ تَسْقُطُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَهْرِ وَيَبْقَى الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. اهـ. بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ لِأَجَلٍ مُسَايَرَةُ خَلِيلٍ إذْ لَا يَتَنَزَّلُ الْفِقْهُ مِنْ غَيْرِ اللَّخْمِيِّ عَلَى لَفْظِ خَلِيلٍ لِصُعُوبَةِ مَأْخَذِهِ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ. (وَتَقَرَّرَ بِالْوَطْءِ) لَا أَدْرِي مَا مَعْنَى هَذَا وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: " وَتَقَرَّرَ بِالْوَطْءِ فِي مَحَلِّهِ " (وَيَرْجِعُ إنْ أَصْدَقَهَا مَنْ تَعْلَمُ بِعِتْقِهِ عَلَيْهَا) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مَنْ تَعْلَمُ هِيَ وَهُوَ بِعِتْقِهِ عَلَيْهَا. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَبِيهَا أَوْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَتَقَ عَلَيْهَا سَاعَتَهُ وَلَهُ عَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ إنْ طَلَّقَهَا كَانَتْ مُوسِرَةً أَوْ مُعْسِرَةً وَلَا يُتْبَعُ الْعَبْدُ بِشَيْءٍ وَلَا يُرَدُّ عِتْقُهُ، لِأَنَّ الزَّوْجَ حِينَ أَصْدَقَهَا إيَّاهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ يُعْتِقُ عَلَيْهَا فَلِذَلِكَ لَمْ أَرُدَّهُ عَلَى الْعَبْدِ بِشَيْءٍ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنَّمَا عَتَقَ عَلَى الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا قَبِلَتْهُ وَهِيَ تَعْلَمُ أَنَّ عِتْقَهُ لَهَا لَازِمٌ (وَهَلْ إنْ رَشَدَتْ وَصَوَّبَ أَوْ مُطْلَقًا لَمْ يَعْلَمْ الْوَلِيُّ تَأْوِيلَانِ) الَّذِي لِابْنِ يُونُسَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ مَا فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَنَحْوُهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ، تَأَوَّلَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الثَّيِّبِ، وَأَمَّا الْبِكْرُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْوَلِيِّ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهَا فَذَلِكَ ضَرَرٌ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ لِمَنْ يَلِي عَلَيْهِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا خَيْرٌ مِنْ حِجَاجِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْبِكْرِ (وَإِنْ عَلِمَ دُونَهَا لَمْ يُعْتِقْ عَلَيْهَا وَفِي عِتْقِهِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ) ابْنُ يُونُسَ: وَلَوْ أَصْدَقَهَا إيَّاهُ عَالِمًا بِأَنَّهُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهَا وَهِيَ لَا تَعْلَمُ لَعَتَقَ عَلَيْهِ وَيَغْرَمُ لَهَا قِيمَتَهُ كَالْمُقَارِضِ يَشْتَرِي أَبَا رَبِّ الْمَالِ عَالِمًا: اهـ. نَقَلَ هَذَا عَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 نَفْسِهِ وَمَا نَقَلَ غَيْرَهُ. اُنْظُرْ بَقِيَ مِنْ الْفُرُوعِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ أَنَّهُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهَا إلَّا عِنْدَ الطَّلَاقِ قَالَ مَالِكٌ: لَهُ أَخْذُ نِصْفِهِ وَيَمْضِي عِتْقُ نِصْفِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَيَمْضِيَ لَهَا عِتْقُهُ فَذَلِكَ لَهُ (وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ فِي يَدِهِ فَلَا كَلَامَ لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ جَنَى الْعَبْدُ وَهُوَ بِيَدِ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ دَفْعُهُ إنَّمَا ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهُ وَهُوَ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَهَا كَانَ بِمَنْزِلَتِهَا فِي نِصْفِهِ (وَإِنْ أَسْلَمَتْهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ تُحَابِيَ فَلَهُ دَفْعُ نِصْفِ الْأَرْشِ وَالشَّرِكَةِ فِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ جَنَى الْعَبْدُ وَهُوَ بِيَدِ الْمَرْأَةِ فَدَفَعَتْهُ بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ فِي الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الْمَرْأَةِ إلَّا أَنْ تُحَابِيَ فِي الدَّفْعِ فَلَا تَجُوزُ مُحَابَاتُهَا عَلَى الزَّوْجِ فِي نِصْفِهِ إلَّا بِرِضَاهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا دَفَعَتْهُ عَلَى النَّظَرِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِذَا حَابَتْ فَإِنْ شَاءَ الزَّوْجُ أَجَازَ مُحَابَاتَهَا وَإِنْ شَاءَ غَرِمَ نِصْفَ الْجِنَايَةِ وَكَانَ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ (وَإِنْ فَدَتْهُ بِأَرْشِهَا فَأَقَلَّ لَمْ تَأْخُذْهُ إلَّا بِذَلِكَ وَإِنْ زَادَ عَلَى نِصْفِ قِيمَتِهِ وَأَكْثَرَ فَكَالْمُحَابَاةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَدْ فَدَتْهُ يُرِيدُ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَأْخُذْ الزَّوْجُ مِنْهَا نِصْفَهُ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا نِصْفَ مَا فَدَتْهُ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ حَابَتْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا أَنْ تُعْطِيَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ أَنَّهَا إذَا فَادَتْهُ بِالْأَرْشِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ حُجَّةٌ لِأَنَّهَا لَوْ أَسْلَمَتْهُ فِي الْأَرْشِ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ إلَّا بِدَفْعِ نِصْفِ الْأَرْشِ، وَذَلِكَ لَهُ عَلَيْهَا إذَا فَادَتْهُ بِهِ فَهِيَ لَمْ تُدْخِلْ عَلَيْهِ ضَرَرًا. وَأَمَّا إنْ بَاعَتْهُ وَحَابَتْ فِي بَيْعِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمُحَابَاةِ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْبَيْعِ لَا يَسْتَطِيعُ الرُّجُوعَ فِي نِصْفِهِ لِأَنَّهَا بَاعَتْهُ فِي وَقْتٍ كَانَ لَهَا الْبَيْعُ جَائِزًا وَقَدْ أَتْلَفَتْ عَلَيْهِ بَعْضَ ثَمَنِ نِصْفِهِ فَوَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ، وَفِي الْجِنَايَةِ لَمْ تُتْلِفْ عَلَيْهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ عَلَى خِيَارِهِ فِي نِصْفِهِ رَاجِعْهُ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي (وَرَجَعَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْفَسْخِ قَبْلَهُ بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَى عَبْدٍ أَوْ ثَمَرَةٍ) هَذَا تَكْرَارٌ لِقَوْلِهِ وَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ. (وَجَازَ عَفْوٌ فِي الْبِكْرِ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الطَّلَاقِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ عَفْوُ الْأَبِ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ فِي طَلَاقِ الْبِكْرِ قَبْلَ الْبِنَاءِ. الْمُتَيْطِيُّ: وَلِلْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ مَالِكَةَ أَمْرَ نَفْسِهَا إسْقَاطٌ لِنِصْفِ الْوَاجِبِ لَهَا مِنْ حَقِّهَا عِنْدَ طَلَاقِهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَكُونُ لِمَنْ يَمْلِكُ الْإِجْبَارَ فِي النِّكَاحِ كَالْأَبِ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ أَوْ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ أَوْ السَّيِّدِ فِي أَمَتِهِ وَهُوَ نَصُّ قَوْله تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] يُرِيدُ الزَّوْجَاتِ الْمَالِكَاتِ لِأُمُورِهِنَّ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 يُرِيد الْأَبَ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدَ فِي أَمَتِهِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ لِوَصِيٍّ لِأَبٍ وَلَا لِلسُّلْطَانِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ إجَازَةَ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إلَى ذَلِكَ رَجَعَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَإِيَّاهُ اسْتَحَبَّ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ يَتِيمَةً وَلَا وَصِيَّ لَهَا فَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لَهَا أَنْ تُبَارِئَ زَوْجَهَا وَتُعْطِيَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِثْلَ صُلْحِ مِثْلِهَا وَبِهِ قَالَ سَحْنُونَ. قَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَ الشُّيُوخِ اهـ. وَقَدْ تَضَمَّنَ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْمَحْجُورَةَ مِثْلُ الْمَالِكَةِ أَمْرَ نَفْسِهَا كَالْوَصِيِّ وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ إذْ عَفْوُ الْأَبِ لِأَجْلِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الزَّوْجَ حَلَفَ بِاللَّازِمَةِ فَحَنِثَ فَلِلْأَبِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَلْيَرْغَبْ الْأَزْوَاجُ فِيهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَبِلَهُ لِمَصْلَحَةٍ وَهَلْ هُوَ وِفَاقٌ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ عَفْوُ الْأَبِ قَبْلَ الطَّلَاقِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا لِوَجْهِ نَظَرٍ مِنْ عُسْرِ الزَّوْجِ فَيُخَفَّفُ عَنْهُ وَيُنْظِرُهُ فَيَجُوزُ ذَلِكَ إذَا رَضِيَتْ، عِيَاضٌ: فِي كَوْنِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ قَوْلَانِ لِأَشْيَاخِنَا. ابْنُ بَشِيرٍ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ مُجِيزِهِ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَعْفُوَ عَنْ جُمْلَتِهِ فَيَعْرَى النِّكَاحُ عَنْ الْمَهْرِ. الْمُتَيْطِيُّ: زِيَادَتُهُ فِي رِوَايَةٍ إذَا رَضِيَتْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمَحْجُورَةَ إذَا أَرَأَدَتْ سُكْنَى زَوْجِهَا مَعَهَا فِي دَارِهَا وَإِنْفَاقِهَا عَلَى نَفْسِهَا مِنْ مَالِهَا رَغْبَةً فِي الزَّوْجِ أَنَّ ذَلِكَ لَهَا إذَا طَالَبَتْهُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَتَّابٍ. (وَقَبَضَهُ مُجْبِرٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَبْضُ مَهْرِ الْمُجْبَرَةِ لِوَلِيِّهَا (أَوْ وَصِيٌّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَبْضُ مَهْرِ الْيَتِيمَةِ لِوَصِيِّهَا (وَصُدِّقَا وَلَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ) ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ أَشْهَبَ لَا يَبْرَأُ الزَّوْجُ مِنْ الْمَهْرِ بِإِقْرَارِ الْأَبِ بِقَبْضِهِ إنْ ادَّعَى تَلَفَهُ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَظَاهِرُهُ قَوْلُ مَالِكٍ يَبْرَأُ الْغَرِيمُ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ بِالْقَبْضِ مَعَ ادِّعَاءِ التَّلَفِ، وَلَا خِلَافَ فِي بَرَاءَةِ الزَّوْجِ مِنْهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ بِإِقْرَارِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ بِقَبْضِهِ وَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهُ (وَحَلَفَا) الْمُتَيْطِيُّ: وَعَلَى تَصْدِيقِ الْأَبِ فِي تَلَفِهِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ حَلِفُهُ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ وَغَيْرُهُ: يَجِبُ وَلَوْ كَانَ مَشْهُورُ الصَّلَاحِ لِحَقِّ الزَّوْجِ فِي التَّجْهِيزِ بِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ أَنَّ فِي هَذَا خِلَافًا وَمَا ذُكِرَ قَوْلًا آخَرَ (وَرَجَعَ إنْ طَلَّقَهَا فِي مَالِهَا إنْ أَيْسَرَتْ يَوْمَ الدَّفْعِ) نَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ ابْنِ عَبْدُوسٍ: فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا كَانَ نِصْفُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْجَارِيَةِ إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ يَوْمَ دَفَعَ الزَّوْجُ ذَلِكَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ وَحَدَثَ لَهَا مَالٌ فَمُصِيبَتُهُ مِنْ الزَّوْجِ (وَإِنَّمَا يُبْرِئُهُ شِرَاءُ جِهَازٍ تَشْهَدُ بَيِّنَةٌ بِدَفْعِهِ لَهَا أَوْ إحْضَارِهِ بَيْتَ الْبِنَاءِ أَوْ تَوْجِيهِهِ إلَيْهِ) ابْنُ عَاتٍ: إذَا ابْتَاعَ الْوَلِيُّ الْقَابِضُ لِلنَّقْدِ أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ جِهَازًا وَأَحَبَّ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ فَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الزَّوْجَةِ وَيُعَايِنُ الشُّهُودُ قَبْضَهَا لِذَلِكَ فِي بَيْتِ الْبِنَاءِ، أَوْ يُوقَفَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ ذَلِكَ لَهَا. وَإِمَّا أَنْ يُوَجِّهَ ذَلِكَ إلَى بَيْتِ الْبِنَاءِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ بَعْدَ أَنْ يُقَوِّمُوهُ وَيُعَايِنُوهُ وَلَا يُفَارِقُوهُ حَتَّى يَتَوَجَّهَ بِهِ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهُ الشُّهُودُ إلَى الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: إذَا جَهَّزَ الْوَصِيُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 الْيَتِيمَةَ مِنْ مَالِهَا وَأَوْرَدَهُ بِبَيْتِ بِنَائِهَا بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ وَحَصَلَتْ الْيَتِيمَةُ قَابِضَةً لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ مِنْهَا الْقَبْضُ إذْ ذَاكَ أَكْثَرُ الْمَقْدُورِ (وَإِلَّا فَالْمَرْأَةُ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَبَضَ مَهْرُ الْيَتِيمَةِ غَيْرَ مُوَلًّى عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ فَتْحُونَ: إنْ لَمْ تُعَنِّسْ لَمْ يَبَرَّ الزَّوْجُ بِدَفْعِهِ لَهَا إنْ كَانَتْ عَيْنًا. الْمُتَيْطِيُّ: وَإِنْ كَانَ عَرَضًا وَضَعُفَ وَسَمَّى وَكَسَبَتْ الْمَعْرِفَةُ لَهَا بَرِئَ الزَّوْجُ بِقَبْضِهَا إيَّاهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ بَرَاءَتِهِ. ابْنُ فَتْحُونَ: وَإِنْ كَانَتْ مُعَنَّسَةً كَانَتْ كَالثَّيِّبِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا عَلَى رُشْدِهَا وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ. اُنْظُرْ هَذَا كُلَّهُ مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ (وَإِنْ قَبَضَهُ اتَّبَعَتْهُ أَوْ الزَّوْجَ) لَوْ قَالَ وَإِنْ قَبَضَ اتَّبَعَتْ الزَّوْجَ لِتَنْزِلَ عَلَى مَا نَصَّهُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إنْ قَبَضَهُ الْأَبُ لِابْنَتِهِ الثَّيِّبِ بِغَيْرِ إذْنِهَا ثُمَّ ادَّعَى تَلَفَهُ ضَمِنَهُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي قَبْضِ الْمَهْرِ إذَا لَمْ تُوَكِّلْهُ عَلَى قَبْضِهِ كَقَبْضِهِ دَيْنًا لَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا لَا يُبَرِّئُ الْغَرِيمُ وَالْأَبُ ضَامِنٌ وَتُتْبِعُ الزَّوْجَ اهـ. (وَلَوْ قَالَ الْأَبُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ بِالْقَبْضِ لَمْ أَقْبِضْهُ حَلَفَ الزَّوْجُ فِي كَالْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ) الْمُتَيْطِيُّ: وَلَوْ أَشْهَدَ الْأَبُ بِقَبْضِ الْمَهْرِ دُونَ مُعَايَنَةٍ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَقْبِضْهُ وَأَشْهَدَتْ وَتَفَرَّقَا بِدَيْنِ الزَّوْجِ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ إنْ ادَّعَاهُ الْأَبُ قُرْبَ الْعَقْدِ كَعَشْرَةِ أَيَّامِ وَنَحْوِهَا أُحْلِفَ الزَّوْجُ وَإِلَّا فَلَا. [الْبَابُ الْخَامِسُ فِي التَّنَازُعِ فِي النِّكَاحِ] ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الْخَامِسُ فِي التَّنَازُعِ (إذَا تَنَازَعَا فِي الزَّوْجِيَّةِ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ سُقُوطُ دَعْوَى النِّكَاحِ عَلَى مُنْكِرِهِ دُونَ شَاهِدٍ. سَحْنُونَ: إلَّا إنْ كَانَا طَارِئَيْنِ فَتَجِبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 الْأَيْمَانُ بَيْنَهُمَا (وَلَوْ بِالسَّمَاعِ بِالدُّفِّ وَالدُّخَانِ) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ أَتَى الْمُدَّعِي بِبَيِّنَةِ سَمَاعٍ فَاشٍ مِنْ أَهْلِ الْعُدُولِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى نِكَاحِهِ وَشُهْرَتُهُ بِالدُّفِّ وَالدُّخَانِ ثَبَتَ بَيْنَهُمَا. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ. وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا اتَّفَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ أَنْكَرَ الْآخَرُ فَلَا (وَإِلَّا فَلَا يَمِينَ وَلَوْ أَقَامَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 الْمُدَّعِي شَاهِدًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ فَأَنْكَرَتْهُ فَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهَا وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَلَا يَثْبُتُ نِكَاحٌ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ. (وَحَلَفَتْ مَعَهُ وَوَرِثَتْ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ ادَّعَتْ نِكَاحَ مَيِّتٍ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ ثَبَتَ إرْثُهَا بِهِ مَعَ يَمِينِهَا (وَأُمِرَ الزَّوْجُ بِاعْتِزَالِهَا لِشَاهِدٍ ثَانٍ زَعَمَ قُرْبَهُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَا يَمِينَ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 الزَّوْجَيْنِ) سَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ تَحْتَ زَوْجٍ وَأَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ عَزَلَ عَنْهَا زَوْجَهَا إنْ كَانَ مَا يَدَّعِي قَرِيبًا لَا شَهَادَةً بَعِيدَةً. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ (وَأُمِرَتْ بِانْتِظَارِهِ لِبَيِّنَةٍ قَرِيبَةٍ ثُمَّ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ إنْ عَجَّزَهُ قَاضٍ مُدَّعِي حُجَّةً وَظَاهِرُهَا الْقَبُولُ إنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ) سَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ فَأَنْكَرَتْهُ وَادَّعَى بَيِّنَةً بَعِيدَةً لَا تَنْتَظِرُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ بَيِّنَةً قَرِيبَةً لَا تَضُرُّ بِالْمَرْأَةِ وَيَرَى الْإِمَامُ لِمَا ادَّعَاهُ وَجْهًا، فَإِنْ عَجَّزَهُ ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ وَقَدْ نَكَحَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا فَقَدْ مَضَى الْحُكْمُ. ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُ هَذَا وَهُوَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ مِنْهُ مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ تَعْجِيزِهِ كَانَ طَالِبًا أَوْ مَطْلُوبًا، وَهَذَا الْخِلَافُ إنْ عَجَّزَهُ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ، وَأَمَّا إنْ عَجَّزَهُ الْقَاضِي بَعْدَ التَّلَوُّمِ وَالْأَعْذَارِ وَهُوَ يَدَّعِي حُجَّةً لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ حُجَّةٍ (وَلَيْسَ لِذِي ثَلَاثٍ تَزْوِيجُ خَامِسَةٍ إلَّا بَعْدَ طَلَاقِهَا) قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: مَنْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ نِكَاحِ خَامِسَةٍ بِهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِأَنَّهُ يَقُولُ إنَّهَا فِي عِصْمَتِي وَقَدْ ظَلَمَتْنِي فِي إنْكَارِهَا النِّكَاحَ (وَلَيْسَ إنْكَارُ الزَّوْجِ طَلَاقًا) الْمُتَيْطِيُّ: لَمْ يَجْعَلْ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَلَا ابْنُ الْعَطَّارِ وَلَا غَيْرُهُمَا إنْكَارَ الزَّوْجِ النِّكَاحَ طَلَاقًا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ (وَإِنْ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ فَأَنْكَرَتْهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا وَأَقَامَ كُلٌّ الْبَيِّنَةَ فُسِخَا كَالْوَلِيَّيْنِ) الْمُتَيْطِيُّ: لَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا وَالْمَرْأَةُ مُنْكِرَةٌ لَهُمَا، فَإِنْ تَكَافَآ فِي الْعَدَالَةِ فُسِخَ نِكَاحُهُمَا عِنْدَ مَالِكٍ وَكَانَتْ طَلْقَةً وَنَكَحَتْ مَنْ أَحَبَّتْ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا. وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَعْدِلَ مِنْ الْأُخْرَى فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُفْسَخُ النِّكَاحَانِ جَمِيعًا كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَإِنْ أَقَرَّتْ الزَّوْجَةُ بِأَحَدِهِمَا وَأَنْكَرَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 الْآخَرَ فَكَالْأُولَى وَهِيَ بِمَنْزِلَتِهَا إذَا أَنْكَرَتْهُمَا. اُنْظُرْ تَرْجَمَةً فِي الدَّعْوَى فِي النِّكَاحِ الثَّانِي مِنْ ابْنِ يُونُسَ (وَفِي التَّوْرِيثِ بِإِقْرَارِ الزَّوْجَيْنِ غَيْرِ الطَّارِئَيْنِ وَالْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ وَلَيْسَ ثَمَّ وَارِثٌ ثَابِتٌ خِلَافٌ بِخِلَافِ الطَّارِئَيْنِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ فِي صِحَّتِهِ بِزَوْجَةٍ ثُمَّ مَاتَ وَرِثَتْهُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ إنْ كَانَ طَارِئًا، وَفِي إرْثِهِمَا لَهُ بِذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ طَارِئًا خِلَافٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا وَلَدٌ أَقَرَّ أَنَّهُ وَلَدُهُ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ وَتَرِثُهُ هِيَ حِينَئِذٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِوَارِثٍ غَيْرِ الزَّوْجَةِ يَجْرِي الْخِلَافُ فِيهِ. وَسَبَبُهُ فِيهِمَا هَلْ الْإِقْرَارُ بِهِمَا كَالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ أَمْ لَا اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا فِي الِاسْتِلْحَاقِ (وَإِقْرَارِ أَبَوَيْ غَيْرِ الْبَالِغَيْنِ) ابْنُ شَاسٍ: إقْرَارُ أَبِي الصَّبِيِّ وَأَبِي الصَّبِيَّةِ بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا مَقْبُولٌ عَلَيْهِمَا مُلْزِمٌ لَهُمَا الْعَقْدُ كَإِقْرَارِهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا (وَقَوْلِهِ تَزَوَّجْتُك فَقَالَتْ بَلَى) ابْنُ عَرَفَةَ: أَوْ قَالَ أَلَمْ أَتَزَوَّجْك أَمْسِ أَوْ مَا تَزَوَّجْتُك فَقَالَتْ بَلَى ثُمَّ جَحَدَ فَهُوَ إقْرَارٌ (أَوْ قَالَتْ طَلَّقَنِي أَوْ خَالَعَنِي) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ قَالَتْ طَلَّقَنِي أَوْ خَالَعَنِي فَإِقْرَارٌ (أَوْ قَالَ اخْتَلَعَتْ مِنِّي وَأَنَا مِنْك مُظَاهِرٌ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ قَالَ اخْتَلَعَتْ مِنِّي وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا مِنْك مُظَاهِرٌ فَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 إقْرَارٌ بِخِلَافِ: " أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي " (أَوْ حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ فِي جَوَابِ طَلِّقْنِي لَا إنْ لَمْ يُجَبْ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ قَالَ: " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ بَائِنَةٌ أَوْ بَتَّةٌ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ إلَّا جَوَابَ أَطْلِقْنِي " (أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ (أَوْ أَقَرَّ فَأَنْكَرَتْ ثُمَّ قَالَتْ نَعَمْ فَأَنْكَرَ) مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ: إنْ قَالَ قَدْ تَزَوَّجْتُك أَمْسِ فَأَنْكَرَتْ ثُمَّ قَالَتْ بَلَى قَدْ تَزَوَّجْتنِي فَقَالَ مَا تَزَوَّجْتُك لَمْ يَلْزَمْهُ. [مِقْدَارُ الْمَهْرِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ جِنْسِهِ] (وَفِي قَدْرِ الْمَهْرِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ جِنْسِهِ حَلَفَا وَفُسِخَ) أَمَّا اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ وَلَا مَوْتَ وَلَا طَلَاقَ وَذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ فِي تَمَامِ مَا ادَّعَتْهُ وَإِلَّا تَحَالَفَا وَفُسِخَ النِّكَاحُ وَلَا شَيْءَ لَهَا. وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي صِفَةِ الْمَهْرِ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: إنْ تَنَازَعَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ وَصِفَتِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا. وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي جِنْسِ الْمَهْرِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الْمَهْرِ فَقَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الثَّوْبِ وَقَالَتْ هِيَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْ ذَلِكَ الْعَبْدَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا أَنَّهَا لَمْ تَتَزَوَّجْ عَلَى ذَلِكَ الثَّوْبِ فَيَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَثْبُتُ النِّكَاحُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَلَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ مَا لَمْ يَكُنْ قَدْرُ ذَلِكَ فَوْقَ مَا ادَّعَتْهُ أَوْ دُونَ مَا ادَّعَى. وَانْظُرْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الصَّدَاقِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ بِغَرَرٍ وَقَامَ لَهُ بِذَلِكَ شَاهِدٌ، فَأَمَّا بَعْدَ الْبِنَاءِ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي مَعَ شَاهِدِهِ وَيَجِبُ صَدَاقُ الْمِثْلِ، وَأَمَّا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَبَيْنَ الزَّوْجَةِ يَحْلِفُ الزَّوْجُ مَعَ شَاهِدِهِ وَلَا تَحْلِفُ الزَّوْجَةُ مَعَ شَاهِدِهَا (وَالرُّجُوعُ لِلْأَشْبَهِ وَانْفِسَاخُ النِّكَاحِ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ وَغَيْرُهُ كَالْبَيْعِ) أَمَّا كَوْنُ الرُّجُوعِ لِلْأَشْبَهِ كَالْبَيْعِ فَقَدْ قَالَ فِي الْبَيْعِ: وَصَدَقَ مَنْ ادَّعَى الْأَشْبَهَ. وَعِبَارَةُ اللَّخْمِيِّ فِي النِّكَاحِ لِمَا ذَكَرَ الْحُكْمَ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ قَالَ: وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا: إذَا أَتَى أَحَدُهُمَا بِمَا يُشْبِهُ وَالْآخَرُ بِمَا لَا يُشْبِهُ وَلَمْ يَكُنْ بَنَى بِهَا فَقَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 مَالِكٌ مَرَّةً: يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ. وَقَالَ مَرَّةً: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَتَى بِمَا يُشْبِهُ دُونَ الْآخَرِ، وَهُوَ أَصْوَبُ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ لَهُ كَالشَّاهِدِ يَحْلِفُ مَعَهُ مَنْ قَامَ لَهُ دَلِيلٌ. وَإِنْ كَانَ قَدْ بَنَى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ. وَأَمَّا كَوْنُ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ كَالْبَيْعِ فَنَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ: إذَا اُخْتُلِفَ فِي الصَّدَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَتَحَالَفَا فَبَعْدَ الْمُتَحَالِفِ وَقَبْلَ فَسْخِ النِّكَاحِ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَالَ الْآخَرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِمَنْ أَرَادَهُ. وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَ الْبُيُوعِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ لَهُ كَاللِّعَانِ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ يَنْفَسِخُ كَمَا قَالَ سَحْنُونَ. وَعِبَارَةُ اللَّخْمِيِّ: مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ تَحَالُفُهُمَا فَسْخٌ كَاللِّعَانِ أَوْ حَتَّى يَتَفَاسَخَا فَقَالَ سَحْنُونَ: هُوَ فَسْخٌ كَاللِّعَانِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الزَّوْجُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَقَدَّمَ عَلَى مَا حَلَفَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَهَذَا أَحْسَنُ. اُنْظُرْهُ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي. وَأَمَّا قَوْلُ خَلِيلٍ وَغَيْرِهِ فَانْظُرْهُ إنْ كَانَ عَنَى بِهِ الْمَوْضِعَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ الَّتِي قَالَ اللَّخْمِيِّ إنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهَا أَحَدُ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ مَنْ الْمُبْدَأُ بِالْيَمِينِ قَالَ اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ: تَبْدَأُ الزَّوْجَةُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ الزَّوْجُ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ الثَّانِي هَلْ نُكُولُهُمَا كَأَيْمَانِهِمَا. قَالَ اللَّخْمِيِّ: أَمَّا إنْ نَكَلَا فَقِيلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَتِهِمَا لَوْ حَلَفَا وَهُوَ أَحْسَنُ وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ السَّلَمِ (إلَّا بَعْدَ بِنَاءٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ مَوْتِهِمَا فَقَوْلُهُ بِيَمِينٍ وَلَوْ ادَّعَى تَفْوِيضًا عِنْدَ مُعْتَادٍ بِهِ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ) أَمَّا إنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْبِنَاءِ أَوْ الطَّلَاقِ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ فَقَالَتْ مِائَةٌ وَمَالُ الزَّوْجِ خَمْسُونَ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَارِمٌ وَقَدْ فَاتَ الْمَبِيعُ بِالدُّخُولِ، وَكَذَلِكَ إذَا طَلَّقَ وَقَدْ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَقَدْ فَاتَ مَوْضِعُ الْفَسْخِ بِالطَّلَاقِ. وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ: الْمَوْتُ كَالطَّلَاقِ، وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فِي صِفَةِ الْمَهْرِ فَقَدْ نَصَّ ابْنُ شَاسٍ أَنَّ الْحُكْمَ فِي التَّنَازُعِ فِي صِفَةِ الْمَهْرِ كَالْحُكْمِ فِي قَدْرِهِ، وَأَمَّا إنْ ادَّعَى تَفْوِيضًا عِنْدَ مُعْتَادِيهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَهَلَكَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَطُولِبَ بِالصَّدَاقِ فَقَالَ تَزَوَّجْت عَلَى تَفْوِيضٍ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَهُ الْمِيرَاثُ وَلَا صَدَاقَ عَلَيْهِ، وَعَلَى قَوْلِهِ إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ حَلَفَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ وَادَّعَتْ الزَّوْجَةُ تَسْمِيَةَ الصَّدَاقِ وَقَالَ وَرِثْته كَانَ عَلَى تَفْوِيضٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ وَلَهَا الْمِيرَاثُ دُونَ الصَّدَاقِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 (وَرَدَّ الْمِثْلَ فِي جِنْسِهِ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَوْقَ قِيمَةِ مَا ادَّعَتْهُ أَوْ دُونَ دَعْوَاهُ وَثَبَتَ النِّكَاحُ) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فِي نَوْعِهِ مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِدَارِهِ الْفُلَانِيَّةِ وَتَدَّعِيَ هِيَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِمَمْلُوكِهِ فُلَانٍ، فَإِنَّهُمَا يُحَالَفَانِ كَانَ مِمَّا يُصَدِّقْنَهُ النِّسَاءُ أَوْ مِمَّا لَا يُصَدِّقْنَهُ، وَتُرَدُّ الْمَرْأَةُ إلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا مَا لَمْ تَكُنْ قِيمَةُ ذَلِكَ فَوْقَ مَا ادَّعَتْ أَوْ دُونَ مَا ادَّعَى الزَّوْجُ. وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ أَنْ يُعْطِيَهَا مَا ادَّعَتْ مِنْ ذَلِكَ. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ. وَيَثْبُتُ النِّكَاحُ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ (وَلَا كَلَامَ لِسَفِيهَةٍ) الْمُتَيْطِيُّ: مَنْ إلَيْهِ الرِّضَا بِالْمَهْرِ هُوَ الَّذِي يَحْلِفُ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْوَلِيِّ، وَإِنَّمَا وَجَبَ أَنْ يَحْلِفَ الْوَلِيُّ دُونَ الزَّوْجَةِ الَّتِي إلَى نَظَرِهِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، لِأَنَّهُ فِيهِمَا وَلِيٌّ مِنْ أَمْرِهَا مُضَيِّعٌ بِتَرْكِهِ الْإِشْهَادَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذَا رِوَايَاتٌ مُجْمَلَةٌ دُونَ تَفْصِيلٍ (وَلَوْ أَقَامَتْ بَيِّنَتَيْنِ عَلَى صَدَاقَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ لَزِمَا وَقُدِّرَ طَلَاقٌ بَيْنَهُمَا وَكُلِّفَتْ بَيَانَ أَنَّهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ ادَّعَتْ أَلْفَيْنِ بِعَقْدَيْنِ فِي يَوْمَيْنِ بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِمَا لَزِمَا وَقُدِّرَ تَحَلَّلَ طَلَاقٌ وَفِي تَقْدِيرِهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَعَلَى الزَّوْجِ إثْبَاتُهُ قَبْلَهُ لِيَسْقُطَ عَنْهُ نِصْفُ الْمَهْرِ، أَوْ قَبْلَهُ فَعَلَى الْمَرْأَةِ إثْبَاتُهُ بَعْدَهُ لِيَثْبُت لَهَا كُلُّهُ خِلَافٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ قَبْلَهُ (وَإِنْ قَالَ أَصَدَقْتُك أَبَاك فَقَالَتْ أُمِّي حَلَفَا وَعَتَقَ الْأَبُ وَإِنْ حَلَفَتْ دُونَهُ عَتَقَا وَوَلَاؤُهُمَا لَهَا) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فِي عَيْنِ نَوْعِهِ فَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَمْلُوكَتِهِ أُمِّهَا فُلَانَةَ وَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَمْلُوكِهِ أَبِيهَا فُلَانٍ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَيَدْفَعُ إلَى الْمَرْأَةِ أَبُوهَا الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ صَدَّقَهَا إيَّاهَا فَيُعْتِقُ عَلَيْهَا، فَإِنْ نَكَلَ الزَّوْجُ عَنْ الْيَمِينِ دَفَعَ إلَى الْمَرْأَةِ أُمَّهَا بِنُكُولِهِ. وَقَدْ قِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهَا وَحِينَئِذٍ تَدْفَعُ إلَيْهَا وَتُعْتِقُ عَلَيْهَا بِقَبْضِهَا وَيُعْتِقُ الْأَبُ عَلَى الزَّوْجِ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ أَصْدَقَهَا إيَّاهُ، وَيَكُونُ وَلَاءُ الْأَبِ وَالْأُمِّ جَمِيعًا لِلْمَرْأَةِ دُونَ زَوْجِهَا وَيَثْبُتُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ عَنْ مَالٍ أَخَذَ الزَّوْجُ مِنْهُ قِيمَةَ الْأَبِ وَكَانَ مَا بَقِيَ لِابْنَتِهِ وَهِيَ الزَّوْجَةُ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا تَحَالَفَا وَفُسِخَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَتَبْدَأُ الْمَرْأَةُ بِالْيَمِينِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهَا بَائِعَةٌ بُضْعَهَا وَيُعْتَقُ الْأَبُ عَلَى الزَّوْجِ بِإِقْرَارِهِ لِلْمَرْأَةِ بِمِلْكِ أَبِيهَا وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ انْتَهَى نَصُّهُ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ الْوَثِيقَةَ فِي ذَلِكَ بِمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَامَتْ عِنْدَ الْقَاضِي فُلَانَةُ وَأَقَرَّتْ أَنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَمْلُوكَتِهِ أُمِّهَا وَأَنَّهُ بَنَى بِهَا وَأَنْكَرَهَا صَدَاقَهَا فَنَظَرَ الْقَاضِي فِيمَا سَأَلَتْهُ نَظَرًا أَوْجَبَ بِهِ إحْضَارَ فُلَانٍ، فَأَحْضَرَهُ فَاعْتَرَفَ بِالنِّكَاحِ وَالْبِنَاءِ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 أَصْدَقَهَا أُمَّهَا وَقَالَ إنَّهُ إنَّمَا أَصْدَقَهَا مَمْلُوكُهُ أَبَاهَا، فَاقْتَضَى نَظَرُ مَنْ شَاوَرَهُمْ الْقَاضِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَيَدْفَعُ إلَى الْمَرْأَةِ أَبَاهَا، فَإِنْ نَكَلَ الزَّوْجُ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى دَعْوَاهَا وَدَفَعَ إلَيْهَا أُمَّهَا فَتُعْتِقُ عَلَيْهَا بِقَبْضِهَا وَيُعْتِقُ الْأَبُ عَلَى الزَّوْجِ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ أَصْدَقَهَا أَبَاهَا وَيَثْبُتُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا. فَأَخَذَ الْقَاضِي بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَأَمَرَ الزَّوْجُ أَنْ يَحْلِفَ فَنَكَلَ فَصَرَفَ الْيَمِينَ عَلَى الزَّوْجَةِ فَحَلَفَتْ أَنَّهُ مَا تَزَوَّجَنِي إلَّا عَلَى أُمِّي، فَحَكَمَ بِدَفْعِ أُمِّهَا إلَيْهَا وَقَضَى بِحُرِّيَّتِهَا عَلَيْهَا لِمِلْكِهَا إيَّاهَا، وَحَكَمَ عَلَى الزَّوْجِ بِحُرِّيَّةِ أَبِيهَا بِإِقْرَارِهِ بِمِلْكِهَا لَهُ وَأَلْحَقَهُمَا بِأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إلَيْهِمَا غَيْرِ سَبِيلِ الْوَلَاءِ لِابْنَتِهِمَا حَسْبَمَا اقْتَضَاهُ الشَّرْعُ اهـ. فَانْظُرْ هَذَا مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ لَفْظِ خَلِيلٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ. (وَفِي قَبْضِ مَا حَلَّ فَقَبْلَ الْبِنَاءِ قَوْلُهَا) . الْمُتَيْطِيُّ: إنْ اخْتَلَفَا فِي دَفْعِ الْمُعَجَّلِ قَبْلَ الْبِنَاءِ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ إنْ كَانَتْ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا وَادَّعَى دَفْعَ ذَلِكَ إلَيْهَا، أَوْ حَلَفَ مَنْ زَوَّجَهَا مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ إنْ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَادَّعَى دَفْعَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ، فَإِنْ حَلَفَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَلِفُ مِنْهُمْ دَفَعَ الزَّوْجُ الْمُعَجَّلَ ثَانِيَةً وَدَخَلَ بِأَهْلِهِ (وَبَعْدَهُ قَوْلُهُ) . ابْنُ شَاسٍ: إذَا اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ مُعَجَّلِ الصَّدَاقِ، فَإِنْ اسْتَقَرَّتْ عَادَةٌ صُيِّرَ إلَيْهَا وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مَدْخُولًا بِهَا فَالنَّصُّ أَنَّهُ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ إلَّا فِيمَا لَمْ يَحِلَّ مِنْهُ، لَكِنْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي تَنْزِيلِهِ فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: إنَّمَا ذَلِكَ فِي بَلَدٍ عُرْفُهُ تَعْجِيلُ النَّقْدِ عِنْدَ الْبِنَاءِ، فَأَمَّا بَلَدٌ لَا عُرْفَ فِيهِ بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنَّمَا ذَلِكَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ فِي صَدَاقٍ وَلَا كِتَابٍ. وَقَالَ إسْمَاعِيلُ: إنَّمَا ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَادَةِ (بِيَمِينٍ فِيهِمَا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُتَيْطِيِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ (عَبْدُ الْوَهَّابِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِكِتَابٍ وَإِسْمَاعِيلُ بِأَنْ لَا يَتَأَخَّرَ عَنْ الْبِنَاءِ عُرْفًا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَلِلْمَرْأَةِ الْمُعْتَادُ لِلنِّسَاءِ فَقَطْ بِيَمِينٍ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَلَوْ بَعْدَ الْفِرَاقِ قَضَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 بِمَا يُعْرَفُ لِلنِّسَاءِ لِلْمَرْأَةِ وَبِغَيْرِهِ لِلرَّجُلِ. الْمُتَيْطِيُّ: وَهَلْ عَلَى أَحَدِهِمَا يَمِينٌ إذَا قَضَى لَهُ بِهِ فِي ذَلِكَ؟ قَوْلَانِ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ أَوْ يَمِينِهَا. (وَلَهَا الْغَزْلُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ الْكَتَّانَ لَهُ فَشَرِيكَانِ) سَمِعَ أَصْبَغُ: إنْ تَدَاعَيَا فِي غَزْلٍ فَهُوَ لَهَا بَعْدَ حَلِفِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ كَانَ الزَّوْجُ مِنْ الْحَاكَّةِ وَأَشْبَهَ غَزْلَهُ وَغَزْلَهَا فَمُشْتَرَكٌ وَإِلَّا فَهُوَ لِمَنْ أَشْبَهَ غَزْلَهُ مِنْهُمَا. الْمُتَيْطِيُّ: إنْ عَرَفَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْكَتَّانَ لِلرَّجُلِ أَوْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الْغَزْلِ، وَالرَّجُلُ بِقِيمَةِ كَتَّانِهِ وَالْمَرْأَةُ بِقِيمَةِ عَمَلِهَا. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: إنْ وَجَدَتْ ذَهَبَ نَاضَّةٍ فِي تَرِكَةِ الزَّوْجِ فَادَّعَتْهَا الْمَرْأَةُ، فَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ قَرِيبَةَ عَهْدٍ بِبَيْعِ أَصْلٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا. قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَرَثَةُ إلَّا أَوْلَادَهَا إذْ لَيْسَ هَذَا مِنْ دَعْوَى الْوَلَدِ إنَّمَا هِيَ الْمُدَّعِيَةُ فَحَكَمَتْ السُّنَّةُ بِأَنْ تَحْلِفَ. وَانْظُرْ إذَا اخْتَلَفَا فِي الدَّجَاجِ قِيلَ: إنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ (وَإِنْ نَسَجَتْ كُلِّفَتْ بَيَانَ الْغَزْلِ لَهَا) . قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا الْقَوْلُ مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَالنَّقْلِ، وَاَلَّذِي لِسَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا أَوْلَى بِمَا فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 يَدِهَا مَعَ يَمِينِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلزَّوْجِ بَيِّنَةٌ أَوْ تُقِرَّ أَنَّ الْكَتَّانَ لَهُ فَيَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ. وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ النَّسْجِ تَنْسِجُهُ الْمَرْأَةُ فَيَدَّعِي زَوْجُهَا أَنَّ الشُّقَّةَ لَهُ قَالَ: عَلَى الْمَرْأَةِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْكَتَّانَ وَالْغَزْلَ كَانَا لَهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: النَّسْجُ لِلْمَرْأَةِ وَعَلَى الزَّوْجِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْكَتَّانَ وَالْغَزْلَ كَانَا لَهُ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ كَانَتْ شَرِيكَتَهُ فِيهَا بِقَدْرِ قِيمَةِ نَسْجِهَا وَهُوَ بِقِيمَةِ كَتَّانِهِ وَغَزْلِهِ (وَإِنْ أَقَامَ الرَّجُلُ بَيِّنَةً عَلَى شِرَاءِ مَا لَهَا حَلَفَ وَقُضِيَ لَهُ بِهِ) . الْمُتَيْطِيُّ: مَا وَلِيَ الرَّجُلُ شِرَاءَهُ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً أَخَذَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ مَا اشْتَرَاهُ إلَّا لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا أَوْ لِوَرَثَتِهَا بَيِّنَةٌ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لَهَا (كَالْعَكْسِ وَفِي حَلِفِهَا تَأْوِيلَانِ) . الْمُتَيْطِيُّ: وَمَا كَانَ فِي الْبَيْتِ مِنْ مَتَاعِ الرَّجُلِ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِ بَيِّنَةً أَنَّهَا اشْتَرَتْهُ فَهُوَ لَهَا وَوَرَثَتُهَا فِي الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ بِمَنْزِلَتِهَا. قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: وَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهَا فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ سَوَاءٌ. قَالُوا: وَإِنَّمَا سَكَتَ فِي الْكِتَابِ عَنْ يَمِينِهَا لِأَنَّهُ اُجْتُزِئَ بِمَا ذُكِرَ مِنْ يَمِينِ الرَّجُلِ. اُنْظُرْ الْخِلَافَ فِي هَذَا فِي الْمُطَوَّلَاتِ، وَانْظُرْ أَيْضًا اخْتِلَافَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْمَتَاعِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ عَارِيَّةٌ وَادَّعَتْ هِيَ خِلَافَ ذَلِكَ. اُنْظُرْ قَبْلُ تَرْجَمَةً قَبْلَ اللِّعَانِ مِنْ طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ، وَانْظُرْ أَيْضًا اخْتِلَافَهُمَا فِي الضَّرَرِ فِي النِّكَاحِ قَبْلَ النِّكَاحِ مِنْ ابْنِ عَاتٍ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا شَهَادَةُ السَّمَاعِ، فَإِنْ مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَهِيَ إحْدَى الْإِحْدَى وَالْعِشْرِينَ مَسْأَلَةً الَّتِي لَا يُعْذَرُ فِيهَا الْجَاهِلُ بِجَهْلِهِ. ابْنُ الْهِنْدِيِّ: إنْ كَسَا الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ كِسْوَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا فَأَرَادَ أَخْذَ كِسْوَتِهِ، فَإِنْ مَضَى لَهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ لِلْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَهِيَ لِلرَّجُلِ. وَقَعَ هَذَا فِي الْقَذْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لَكِنْ قَالَ شُهُورٌ فَحُمِلَ عَلَى ثَلَاثَةٍ اهـ. وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي ثِيَابِ غَيْرِ الْمِهْنَةِ إذْ لَمْ يَشْهَدْ أَنَّهَا زِينَةٌ. اُنْظُرْ قَبْلَ تَرْجَمَةِ بَابِ اللِّعَانِ مِنْ طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ. وَقَالَ ابْنُ الْفَخَّارِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ أَنَّ الثِّيَابَ الَّتِي لَا تُشَاكِلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ بِذْلَتِهَا لِارْتِفَاعِهَا وَمِثْلُهَا لَا يَفْرِضُهَا عَلَيْهِ الْقَاضِي أَنَّهَا عَارِيَّةٌ. وَقَالَ: إنَّ هَذَا هُوَ مُقْتَضَى مَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 [بَابُ الْوَلِيمَةِ وَالنُّثُرِ] ابْنُ شَاسٍ: بَابُ الْوَلِيمَةِ وَالنُّثُرِ. قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: الْوَلِيمَةُ طَعَامُ النِّكَاحِ (الْوَلِيمَةُ مَنْدُوبَةٌ بَعْدَ الْبِنَاءِ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَصُحِّحَ الْقَضَاءُ بِالْوَلِيمَةِ أَنَّ النَّدْبَ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَالنَّصُّ لِمَالِكٍ إنَّهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ (يَوْمًا) . الْبَاجِيُّ: الْمُخْتَارُ مِنْهَا يَوْمًا وَاحِدًا (وَتَجِبُ إجَابَةُ مَنْ عُيِّنَ) ابْنُ عَرَفَةَ فِي إجَابَةِ دَعْوَى: مَنْ دُعِيَ لَهَا مُعَيَّنًا وَلَا مُنْكَرَ طُرُقٌ. ابْنُ رُشْدٍ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ إتْيَانِ الْوَلِيمَةِ قَالَ: أَرَى أَنْ يَأْتِيَهَا يُرِيدُ لَا سَعَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 لَهُ فِي التَّخَلُّفِ. عِيَاضٌ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ إجَابَتِهَا (وَإِنْ صَائِمًا) رَوَى مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ أَوْ كَانَ صَائِمًا (إنْ لَمْ يَحْضُرْ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ وَمُنْكَرٌ كَفَرْشِ حَرِيرٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَهُ فِي التَّخَلُّفِ لِلزِّحَامِ سَعَةٌ. ابْنُ شَاسٍ: إنَّمَا يُؤْمَرُ بِالدَّعْوَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُنْكَرٌ وَلَا فُرُشُ حَرِيرٍ وَلَا فِي الْجَمْعِ مَنْ يَتَأَذَّى بِمُجَالَسَتِهِ وَحُضُورِهِ مِنْ السَّفَلَةِ وَالْأَرْذَالِ وَلَا زِحَامَ وَلَا غَلْقَ بَابِ دُونَهُ (وَصُوَرٍ عَلَى كَجِدَارٍ) . ابْنُ شَاسٍ: بِصُوَرِ الْأَشْجَارِ، وَأَمَّا الصُّوَرُ عَلَى جِدَارِ الدَّارِ فَلَهُ التَّخَلُّفُ مِنْ أَجْلِهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ أَرَادَ الصُّوَرَ الْمُجَسَّدَةَ فَصَوَابٌ وَإِلَّا فَلَا أَعْرِفُهُ عَنْ الْمَذْهَبِ (لَا مَعَ لَعِبٍ مُبَاحٍ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: أَيَدْخُلُ الرَّجُلُ يُدْعَى لِصَنِيعٍ فَيَجِدُ فِيهِ اللَّعِبَ؟ قَالَ: إنْ خَفَّ كَالدُّفِّ وَالْكَبَرِ. أَصْبَغُ: لَا يَكُونُ الْغِنَاءُ إلَّا لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً بِالْكَبَرِ وَالدُّفِّ هَمَلًا أَوْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَوْ تَسْبِيحًا أَوْ تَحْمِيدًا عَلَى مَا هَدَى أَوْ بِرَجَزٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 خَفِيفٍ لَا بِمُنْكَرٍ وَلَا بِطَوِيلٍ، وَلَا يُعْجِبُنِي مَعَهُ الصَّفْقُ بِالْأَيْدِي وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. عِيَاضٌ: اللَّهْوُ وَضَرْبُ الدِّفَافِ جَائِزٌ فِي الْأَعْرَاسِ وَهُوَ أَحَدُ أَفْرَاحِ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْيَادِهِمْ مِنْ ذَلِكَ. وَمِنْ قَوَاعِدِ عِزِّ الدِّينِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ إصْلَاحَ الْقُلُوبِ بِالْأَحْوَالِ الْمَحْمُودَةِ مَطْلُوبٌ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا تَكُونُ لَهُ هَذِهِ الْأَحْوَالُ إلَّا بِالِاجْتِلَابِ وَبِسَبَبٍ خَارِجٍ مِنْهُمْ مَنْ تَحْضُرُهُ هَذِهِ الْأَحْوَالُ الْمَحْمُودَةُ بِسَمَاعِ الْقُرْآنِ وَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ أَهْلِ السَّمَاعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَحْضُرُهُ عِنْدَ الْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ مِنْهُمْ مَنْ تَحْضُرُهُ عِنْدَ الْحِدَاءِ وَالنَّشِيدِ وَفِي هَذَا نَقْصٌ مِنْ جِهَةِ مَا فِيهِ مِنْ حَظِّ النَّفْسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَحْضُرُهُ هَذِهِ الْمَعَارِفُ وَالْأَحْوَالُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَيْهَا عِنْدَ سَمَاعِ الْمُطْرِبَاتِ الْمُخْتَلِفِ فِي تَحْلِيلِهَا كَالشَّبَّابَاتِ. هَذَا إنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَ ذَلِكَ فَهُوَ مُسِيءٌ بِسَمَاعِهِ مُحْسِنٌ حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ، وَإِنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهَا تَقْلِيدًا لِمَنْ قَالَ بِهَا مِنْ الْعُلَمَاءِ فَهُوَ تَارِكُهُ لِلْوَرَعِ بِاسْتِمَاعِهَا مُحْسِنٌ بِمَا حَضَرَهُ مِنْ الْمَعَارِفِ وَأَحْوَالِهَا النَّاشِئَةِ عَنْهَا (وَلَوْ فِي ذِي هَيْئَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ) . ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَيْسَ الْغِنَاءُ بِحَرَامٍ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَضَرَ ضَرْبَ الدُّفِّ» وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ذُو هَيْئَةٍ أَعْظَمَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَكَثْرَةُ زِحَامٍ وَإِغْلَاقُ بَابٍ دُونَهُ) تَقَدَّمَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ وَصُوَرٍ (وَفِي وُجُوبِ أَكْلِ الْمُفْطِرِ تَرَدُّدٌ) الْبَاجِيُّ: لَا نَصَّ فِي وُجُوبِ أَكْلِ الْمُجِيبِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 وَفِي الرِّسَالَةِ: وَأَنْتَ فِي الْأَكْلِ بِالْخِيَارِ (وَلَا يَدْخُلُ غَيْرُ مَدْعُوٍّ إلَّا بِإِذْنٍ) رَوَى مُحَمَّدٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ اُدْعُ لِي مَنْ لَقِيت وَلَا بَأْسَ عَلَى الْمَدْعُوِّ كَذَا أَنْ لَا يُجِيبَ. اللَّخْمِيِّ: لِأَنَّ تَخَلُّفَ مَنْ لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 يَعْرِفُ لَا يَقَع بِهِ شَنَآنٌ. (وَكُرِهَ نَثْرُ اللَّوْزِ وَالسُّكَّرِ) . أَبُو عُمَرَ: اُخْتُلِفَ فِي نُهْبَةِ اللَّوْزِ وَالسُّكْرِ وَسَائِرِ مَا يُنْثَرُ فِي الْأَعْرَاسِ وَالْخِتَانِ وَأَضْرَاسِ الصِّبْيَانِ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ أَذِنَ أَهْلُهُ فِيهِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: بِالْجَوَازِ أَقُولُ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَحَرَ الْبُدْنَ قَالَ: مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ» . وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَنَّ سُنَّةَ هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا عَطِبَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ فَيَأْخُذَ مِنْهُ كُلُّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا مَيْلٌ مِنْ أَبِي عُمَرَ لِإِجَازَةِ النُّهْبَةِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَمْ أَنْهَكُمْ عَنْ نُهْبَةِ الْوَلَائِمِ» . وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَا يُنْثَرُ عَلَى الصِّبْيَانِ فِي الْحُذَّاقِ وَشِبْهِهِ لِيَنْتَهِبُوهُ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَبَاحَهُ غَيْرُهُ، وَالْمُبَاحُ وَالْمَكْرُوهُ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَا حَرَجَ وَلَا إثْمَ فِي فِعْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِي التَّرْكِ فَرَأَى مَالِكٌ تَرْكَ ذَلِكَ أَفْضَلُ (لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 الْغِرْبَالُ وَلَوْ لِرَجُلٍ) ابْنُ يُونُسَ: الْغِرْبَالُ الدُّفُّ الْمُدَوَّرُ الْمَغْشِيُّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إجَازَةِ الدُّفِّ وَهُوَ الْغِرْبَالُ فِي الْعُرْسِ (وَفِي الْكَبَرِ وَالْمِزْهَرِ ثَالِثُهَا يَجُوزُ فِي الْكَبَرِ) عِيَاضٌ: الْمِزْهَرُ الْمُرَبَّعُ الَّذِي بِوَجْهَيْنِ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ الْمُحْكَمُ الْكَبَرُ طَبْلٌ لَهُ وَجْهٌ وَاحِدٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الْكَبَرِ وَالْمِزْهَرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَالْمَنْعُ قَالَهُ أَصْبَغُ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ بِيعَ الْكَبَرُ فُسِخَ بَيْعُهُ وَالْمِزْهَرُ أَحْرَى بِهَذَا، وَجَوَازُ الْكَبَرِ دُونَ الْمِزْهَرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ قَالَ: يُقْطَعُ السَّارِقُ فِي قِيمَةِ الْكَبَرِ صَحِيحًا. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالدُّفِّ وَالْكَبَرِ. ابْنُ حَبِيبٍ: أُرَخِّصُ فِيهِمَا وَفِي الْمِزْهَرِ فِي الْعُرْسِ. الْمَازِرِيُّ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: الَّذِي يَضِيقُ فِي وَسَطِهِ وَيَتَّسِعُ فِي طَرَفَيْهِ وَيُضْرَبُ مِنْ النَّاحِيَتَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ لِأَنَّهُ شِعَارُ الْمُخَنَّثِينَ (ابْنُ كِنَانَةَ وَيَجُوزُ الزَّمَّارَة وَالْبُوقُ) فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 الْمُدَوَّنَةِ: وَيَجُوزُ الْبُوقُ فِي الْعُرْسِ. قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: فَقِيلَ مَعْنَاهُ فِي الْبُوقَاتِ وَالزَّمَّارَاتِ الَّتِي لَا تُلْهِي كُلَّ اللَّهْوِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 [كِتَابُ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ] ابْنُ شَاسٍ: كِتَابُ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ (إنَّمَا يَجِبُ الْقَسْمُ لِلزَّوْجَاتِ فِي الْبَيْتِ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَسْمُ الزَّوْجِ بَيْنَ زَوْجَتَيْهِ فَصَاعِدًا وَاجِبٌ إجْمَاعًا. ابْنُ شَاسٍ: مَنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَجِبُ مَبِيتُهُ مَعَهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ أَوْ تَبْيِيتُهُ مَعَهَا امْرَأَةً تَرْضَى لِأَنَّ تَرْكَهَا وَحْدَهَا ضَرَرٌ، وَرُبَّمَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ زَمَنُ خَوْفِ الْمُحَارِبِ وَالسَّارِقِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِرَاشٌ لِرَجُلٍ وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ وَفِرَاشٌ لِلضَّيْفِ وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ» وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: قَدْ يُسْتَدَلُّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَنَامَ مَعَ امْرَأَتِهِ فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ إنَّمَا حَقُّهَا عَلَيْهِ فِي الْوَطْءِ خَاصَّةً، وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَثَرُ أَنَّ نَوْمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مَعَ أَهْلِهِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ (وَإِنْ امْتَنَعَ الْوَطْءُ شَرْعًا أَوْ طَبْعًا كَمُحْرِمَةٍ وَمُظَاهِرٍ مِنْهَا وَرَتْقَاءَ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْقَسْمُ لِصَغِيرَةٍ جُومِعَتْ وَمَجْنُونَةٍ وَرَتْقَاءَ وَمَرِيضَةٍ لَا تُجَامَعُ وَحَائِضٍ وَكِتَابِيَّةٍ وَأَمَةٍ كَكَبِيرَةٍ صَحِيحَةٍ. ابْنُ شَاسٍ: وَكَذَا النُّفَسَاءُ وَالْمُحْرِمَةُ وَاَلَّتِي آلَى عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا وَكُلُّ مَنْ لَهَا عُذْرٌ شَرْعِيٌّ أَوْ طَبْعِيٌّ فَلَهَا مِنْ الْقَسْمِ مَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأُنْسُ وَالسَّكَنُ. وَأَمَّا الْمُبَاشَرَةُ فَلَا يَسْتَحِقُّ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْشَطَ لِلْجِمَاعِ فِي يَوْمِ وَاحِدَةً دُونَ أُخْرَى إلَّا أَنْ يَفْعَلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 لِلضَّرَرِ مِثْلَ أَنْ يَكُفَّ عَنْ هَذِهِ لِوُجُودِ لَذَّتِهِ فِي الْأُخْرَى فَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ (لَا فِي الْوَطْءِ إلَّا لِضَرَرٍ كَكَفِّهِ لِتَتَوَفَّرَ لَذَّتُهُ لِأُخْرَى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ عَلَيْهِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْوَطْءِ وَلَا بِالْقَلْبِ، وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْشَطَ لِلْجِمَاعِ فِي يَوْمِ هَذِهِ دُونَ يَوْمِ الْأُخْرَى إلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ضَرَرًا أَوْ يَكُفَّ عَنْ هَذِهِ لِلَذَّتِهِ فِي الْأُخْرَى فَلَا يَحِلُّ لَهُ (وَعَلَى وَلِيِّ الْمَجْنُونِ إطَاقَتُهُ) ابْنُ شَاسٍ: يَجِبُ الْقَسْمُ عَلَى كُلِّ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ وَعَلَى وَلِيِّ الْمَجْنُونِ أَنْ يَطُوفَ بِهِ عَلَى نِسَائِهِ (وَعَلَى الْمَرِيضِ إلَّا أَنْ لَا يَسْتَطِيعَ فَعِنْدَ مَنْ شَاءَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَقْسِمُ الْمَرِيضُ بَيْنَ نِسَائِهِ بِالْعَدْلِ إنْ قَدَرَ أَنْ يَدُورَ عَلَيْهِنَّ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَقَامَ عِنْدَ أَيَّتِهِنَّ شَاءَ لِإِفَاقَتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ حَيْفًا فَإِذَا صَحَّ ابْتَدَأَ الْقَسْمَ (وَفَاتَ إنْ ظَلَمَ فِيهِ كَخِدْمَةِ مُعْتَقٍ بَعْضُهُ فَأَبَقَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ تَعَمَّدَ الْمُقَامَ عِنْدَ الْوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ شَهْرًا حَيْفًا لَمْ يُحَاسَبْ بِهِ وَزُجِرَ عَنْ ذَلِكَ وَابْتَدَأَ الْقَسْمَ، فَإِنْ عَادَ نَكَلَ كَالْمُعْتَقِ نِصْفُهُ يَأْبَقُ لَا يُحَاسَبُ بِخِدْمَةِ مَا أَبَقَ فِيهِ (وَنُدِبَ الِابْتِدَاءُ بِاللَّيْلِ) رَوَى مُحَمَّدٌ أَنْ يَبْدَأَ بِاللَّيْلِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَعَكْسُهُ. الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنْ يَبْدَأَ بِاللَّيْلِ وَيُكْمِلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً. اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ رَضِيَ الزَّوْجُ وَالنِّسْوَةُ كَوْنَ يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةٍ جَازَ (وَالْمَبِيتُ عِنْدَ الْوَاحِدَةِ) ابْنُ شَاسٍ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا (وَالْأَمَةُ كَالْحُرَّةِ) ابْنُ شَاسٍ: الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا فَكُلُّ الْمَذْهَبِ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ (وَقُضِيَ لِلْبِكْرِ بِسَبْعٍ وَلِلثَّيِّبِ بِثَلَاثٍ وَلَا قَضَاءَ) ابْنُ عَرَفَةَ. لِذِي زَوْجَةٍ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ مَنْ تَزَوَّجَهَا بِكْرًا سَبْعًا وَثَيِّبًا ثَلَاثًا. الْمُتَيْطِيُّ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا أَكْمَلَ إقَامَةَ الْمُدَّةِ ابْتَدَأَ بِالْجَدِيدَةِ إنْ أَحَبَّ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ اهـ. اُنْظُرْ الْعَزَبَ إذَا تَزَوَّجَ هَلْ تَلْزَمُهُ هَذِهِ الْإِقَامَةُ؟ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: الْمَشْهُورُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ قَائِلًا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَلَا تُجَابُ لِسَبْعٍ. الْمُتَيْطِيُّ: اُخْتُلِفَ إذَا أَقَامَ عِنْدَ الثَّيِّبِ ثَلَاثًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّهَا سِتًّا وَيُسَبِّعَ عِنْدَ نِسَائِهِ عَلَى حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَبَاهُ مَالِكٌ. اُنْظُرْ إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ النِّسْوَةُ وَانْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَالْمَبِيتُ ". (وَلَا يَدْخُلُ عَلَى ضَرَّتِهَا فِي يَوْمِهَا إلَّا لِحَاجَةٍ) اللَّخْمِيِّ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ فِي يَوْمِ الْأُخْرَى، وَاخْتُلِفَ فِي دُخُولِهِ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ؛ فَرَوَى مُحَمَّدٌ: لَهُ أَنْ يَأْتِيَ عَائِدًا أَوْ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ وَلِوَضْعِ ثِيَابِهِ عِنْدَهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 (وَجَازَ الْأَثَرَةُ عَلَيْهَا بِرِضَاهَا بِشَيْءٍ أَوْ لَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ رَضِيَتْ بِتَرْكِ أَيَّامِهَا وَبِالْأَثَرَةِ عَلَيْهَا عَلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا جَازَ، وَلَهَا الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ فَإِمَّا عَدَلَ أَوْ طَلَّقَ وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهَا عَلَى أَنْ تُقِيمَ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 الْأَثَرَةِ عَلَيْهَا فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ (كَإِعْطَائِهَا عَلَى إمْسَاكِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا عَلَى إمْسَاكِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " كَعَطِيَّتِهِ لِذَلِكَ " (وَشِرَاءِ يَوْمِهَا مِنْهَا) مَالِكٌ: فِيمَنْ يُعْطِي امْرَأَتَهُ شَيْئًا فِي يَوْمِهَا لِيَكُونَ فِيهِ عِنْدَ الْأُخْرَى قَالَ: النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَلَا يُعْجِبُنِي شِرَاءُ الْمَرْأَةِ مِنْ صَاحِبَتِهَا يَوْمَهَا مِنْ زَوْجِهَا وَأَكْرَهُهُ وَأَرْجُو خِفَّةَ شِرَاءِ لَيْلَةٍ لَا أَكْثَرَ. ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُهُ أَنَّ شِرَاءَ الْمَرْأَةِ أَشَدُّ كَرَاهَةً مِنْ شِرَاءِ الرَّجُلِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَدْرِي مَا تَحْصُلُ لَهَا بِمَا أَعْطَتْ فَقَدْ لَا يُصِيبُهَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 وَالرَّجُلُ يَدْرِي مَا يَحْصُلُ لَهُ. (وَوَطْءُ ضَرَّتِهَا بِإِذْنِهَا) اللَّخْمِيِّ وَالْمُتَيْطِيِّ: إذَا أَذِنَتْ لَهُ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى فِي نَوْبَتِهَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ وَطْءِ الْأُخْرَى وَبَعْدَهُ (وَالسَّلَامُ بِالْبَابِ) ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقِفَ بِبَابِ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى دُونَ دُخُولٍ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ: لَهُ الدُّخُولُ دُونَ إقَامَةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ (وَالْبَيَاتُ عِنْدَ ضَرَّتِهَا إنْ أَغْلَقَتْ بَابَهَا دُونَهُ وَلَمْ يَقْدِرْ يَبِيتُ بِحُجْرَتِهَا) رَوَى مُحَمَّدٌ: إنْ أَغْلَقَتْ إحْدَاهُمَا دُونَهُ فَإِنْ قَدَرَ يَبِيتُ فِي حُجْرَتِهَا وَإِلَّا ذَهَبَ لِلْأُخْرَى. ابْنُ الْقَاسِمِ: يُؤَدِّبُهَا وَلَا يَذْهَبُ لِلْأُخْرَى وَلَوْ كَانَتْ ظَالِمَةً (وَبِرِضَاهُنَّ جَمْعُهُنَّ بِمَنْزِلَيْنِ مِنْ دَارٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 وَاسْتِدْعَاؤُهُنَّ لِمَحَلِّهِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ الزَّوْجَتَانِ بِبَلَدَيْنِ جَازَ قَسْمُهُ جُمُعَةً وَشَهْرًا وَشَهْرَيْنِ وَلَا يُقِيمُ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ إلَّا لِتَجْرٍ أَوْ نَظَرِ ضَيْعَةٍ. الْمُتَيْطِيُّ: وَلَا يَجْمَعُ فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ إلَّا بِرِضَاهُنَّ. ابْنُ رُشْدٍ: وَيُقْضَى عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَ كُلَّ وَاحِدَةٍ بَيْتًا وَيُقْضَى عَلَيْهِ أَنْ يَدُورَ عَلَيْهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَأْتِينَهُ إلَّا أَنْ يَرْضَيْنَ (وَالزِّيَادَةُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا إنْ لَمْ يَرْضَيَا) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ بِهَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ " وَالْمَبِيتُ " (وَدُخُولُ حَمَّامٍ بِهِمَا) لَوْ قَالَ كَدُخُولٍ كَانَ أَبْيَنَ. وَمَنَعَ سَحْنُونَ دُخُولَهُ الْحَمَّامَ بِزَوْجَتَيْهِ مَعًا وَأَجَازَهُ بِإِحْدَاهُمَا. ابْنُ مُحْرِزٍ: لِحُرْمَةِ الْكَشْفِ بَيْنَهُنَّ (وَجَمْعُهُنَّ فِي فِرَاشٍ وَلَوْ بِلَا وَطْءٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي مَنْعِ جَمْعِ الْحُرَّتَيْنِ فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ دُونَ وَطْءٍ وَكَرَاهَتُهُ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ (وَفِي مَنْعِ الْأَمَتَيْنِ وَكَرَاهَتِهِ قَوْلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي مَنْعِ جَمْعِ الْإِمَاءِ فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ دُونَ وَطْءٍ وَكَرَاهَتِهِ ثَالِثُهَا الْجَوَازُ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ (وَإِنْ وَهَبَتْ نَوْبَتَهَا مِنْ ضَرَّتِهَا فَلَهُ الْمَنْعُ لَا لَهَا) اللَّخْمِيِّ: إنْ أَسْقَطَتْ الْحُرَّةُ يَوْمَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 أَوْ وَهَبَتْهُ لِضَرَّتِهَا فَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا لِحَقِّهِ فِي الْمُتْعَةِ بِهَا (وَلَا يَخُصُّ بِخِلَافٍ مِنْهُ وَلَهَا الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ) اللَّخْمِيِّ: فَإِنْ وَافَقَهَا فَالْمُسْقِطَةُ كَالْعَدَمِ وَاخْتَصَّ الْقَسْمُ بِمِنْ سِوَاهَا وَلَيْسَ لِلْمَوْهُوبَةِ إلَّا يَوْمُهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنْ وَهَبَتْهُ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَخُصَّ بِهِ وَاحِدَةً أَوْ يَخُصَّ الْقَسْمَ بِمِنْ سِوَاهَا وَلَهَا الرُّجُوعُ فِي حَقِّهَا مَتَى شَاءَتْ، كَانَتْ الْهِبَةُ مُقَيَّدَةً أَوْ لِلْأَبَدِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَتْ لَا تُفَارِقْنِي وَاجْعَلْ أَيَّامِي لِصَاحِبَتِي فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَا يَقْسِمُ لَهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ رَجَعَتْ عَنْ هَذَا وَطَلَبَتْ الْقَسْمَ فَذَلِكَ لَهَا مَتَى شَاءَتْ وَتَقَدَّمَ نَصُّهَا أَيْضًا لَهَا الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ إنْ رَضِيَتْ بِتَرْكِ أَيَّامِهَا أَوْ الْأَثَرَةِ عَلَيْهَا (وَإِنْ سَافَرَ اخْتَارَ إلَّا فِي الْغَزْوِ وَالْحَجِّ فَيُقْرِعُ وَتَأَوَّلَتْ بِالِاخْتِيَارِ مُطْلَقًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ سَافَرَ لِحَاجَتِهِ أَوْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ سَافَرَ بِأَيَّتِهِنَّ شَاءَ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الْقُرْعَةُ فَفِي الْغَزْوِ. الْمُتَيْطِيُّ: إنْ تَسَاوَيْنَ أَوْ تَقَارَبْنَ وَلَيْسَ فِيهِنَّ مَنْ هِيَ أَرْفَقُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ سَفَرَ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ، فَإِذَا رَجَعَ ابْتَدَأَ الْقَسْمَ وَلَا يَقْضِي لِمَنْ لَمْ يَخْرُجْ بِهَا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 وَإِنْ كَانَ سَفَرَ تَجْرٍ فَاَلَّذِي أَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِأَيَّتِهِنَّ شَاءَ وَفِي هَذَا رِوَايَتَانِ. (وَوَعَظَ مَنْ نَشَزَتْ ثُمَّ هَجَرَهَا ثُمَّ ضَرَبَهَا إنْ ظَنَّ إفَادَتَهُ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ نَشَزَتْ وَعَظَهَا فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ هَجَرَهَا فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ ضَرَبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مَخُوفٍ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا لَا تَتْرُكُ النُّشُوزَ إلَّا بِضَرْبٍ مَخُوفٍ لَمْ يَجُزْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 (وَبِتَعَدِّيهِ زَجَرَهُ الْحَاكِمُ) ابْنُ عَرَفَةَ: شِقَاقُ الزَّوْجَيْنِ إنْ ثَبَتَ فِيهِ ظُلْمُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ حَكَمَ الْقَاضِي بِدَرْءِ ظُلْمِ الظَّالِمِ مِنْهُمَا (وَسَكَّنَهُمَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ) الْمُتَيْطِيُّ: إذَا اشْتَكَتْ الْمَرْأَةُ إضْرَارَ زَوْجِهَا بِهَا وَرَفَعَتْ إلَى الْحَاكِمِ أَمْرَهَا وَتَكَرَّرَتْ بِالشَّكْوَى وَعَجَزَتْ عَنْ إثْبَاتِ الدَّعْوَى، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَأْمُرُ زَوْجَهَا بِإِسْكَانِهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ وَيُكَلِّفُهُمْ تَفَقُّدَ خَبَرِهِمَا وَاسْتِعْلَامَ ضَرَرِهِمَا، فَإِنْ كَانَتْ سَاكِنَةً مَعَهُ فِي مِثْلِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْلُهَا إلَى غَيْرِهِمْ اهـ. وَلَا أَذْكُرُ مَنْ قَالَ إنَّهَا تُسْجَنُ وَقَدْ قَالُوا فِي الزَّوْجِ إنَّهُ يُسْجَنُ (وَإِنْ أَشْكَلَ بَعَثَ حَكَمَيْنِ) الْمُتَيْطِيُّ: إذَا عَمِيَ عَلَى الْإِمَامِ خَبَرُهُمَا وَطَالَ عَلَيْهِ تَكَرُّرُهُمَا وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ مَنْ الظَّالِمُ مِنْهُمَا لَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ لَمْ يَصِلْ لِمَعْرِفَةِ الضَّارِّ مِنْهُمَا أَرْسَلَ الْحَكَمَيْنِ. اُنْظُرْ نَوَازِلَ ابْنِ سَهْلٍ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ بِمُجَرَّدِ تَشَاجُرِ الزَّوْجَيْنِ وَشَكْوَى أَحَدِهِمَا الْآخَرَ وَلَا بَيِّنَةَ إنْ تَكَرَّرَتْ شَكَوَاهُمَا بَعَثَهُمَا لَهُمَا، ثُمَّ عَزَا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِابْنِ سَهْلٍ عَنْ فَتْوَى ابْنِ لُبَابَةَ وَابْنِ الْوَلِيدِ. وَعِبَارَةُ اللَّخْمِيِّ: إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ وَخَرَجَا إلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 مَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْمُشَاتَمَةِ وَالْوُثُوبِ كَانَ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمَيْنِ يَنْظُرَانِ فِي أَمْرِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعَا وَيَطْلُبَا ذَلِكَ مِنْهُ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَتْرُكَهُمَا عَلَى مَا هُمَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَآثِمِ وَفَسَادِ الدِّينِ. وَنَصُّ الْوَثِيقَةِ عِنْدَ الْمُتَيْطِيِّ: وَسَأَلَهُمَا إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا زَعَمَاهُ مِنْ الْإِضْرَارِ فَذَكَرَ أَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا وَأَشْكَلَ عَلَيْهِ مَنْ الْمُضِرُّ بِصَاحِبِهِ مِنْهُمَا فَدَعَاهُمَا الصُّلْحَ فَأَبَيَاهُ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَوَجُّهِ الْحَكَمَيْنِ فَوَجَّهَ لِذَلِكَ فُلَانًا وَفُلَانًا فَظَهَرَ لَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسِيءٌ إلَى صَاحِبِهِ فَأَسْقَطَ عَنْ فُلَانٍ نِصْفَ الْكَالِئِ أَوْ ظَهَرَ لَهُمَا أَنَّ فُلَانَةَ هِيَ الْمُتَعَدِّيَةُ بِالْإِضْرَارِ دُونَهُ فَحَكَمَا بِأَنْ أَسْقَطَا عَنْهُ جَمِيعَ كَالِئِهَا أَوْ ظَهَرَ لَهُمَا الْإِضْرَارُ مِنْ قِبَلِهِ فَفَرَّقَا بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ. (وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا مِثْلُهَا فِي بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ (مِنْ أَهْلِهِمَا إنْ أَمْكَنَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَبْعَثُ حَكَمَيْنِ مِنْ أَهْلِهِمَا عَدْلَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِي الْأَهْلَيْنِ أَوْ لَا أَهْلَ لَهُمَا فَمِنْ الْمُسْلِمِينَ (وَنُدِبَ كَوْنُهُمَا جَارَيْنِ) اللَّخْمِيِّ: يَبْعَثُ حَكَمَيْنِ مِنْ أَهْلِهِمَا فَقِيهَيْنِ بِمَا يُرَادُ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي يَنْظُرَانِ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِهِمَا ذَلِكَ فَمِنْ جِيرَانِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِنْ غَيْرِهِمَا فَإِنْ وُجِدَ الصَّالِحُ فِي إحْدَى الْجِهَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى انْتَقَلَ فِيهَا لِلْجَارِ ثُمَّ الْأَجْنَبِيِّ (وَبَطَلَ حُكْمُ غَيْرِ الْعَدْلِ وَسَفِيهٍ وَامْرَأَةٍ) الْبَاجِيُّ: شَرْطُ صِحَّةِ كَوْنِهِمَا حَكَمَيْنِ الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالْعَدَالَةُ (وَغَيْرِ فَقِيهٍ بِذَلِكَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ فَقِيهَيْنِ بِمَا يُرَادُ مِنْ الْأَمْرِ (وَنَفَذَ طَلَاقُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجَانِ وَالْحَاكِمُ وَلَوْ كَانَا مِنْ جِهَتِهِمَا) اُنْظُرْ قَوْلَهُ وَلَوْ مِنْ جِهَتِهِمَا هُوَ فَرْعٌ هَلْ هُمَا وَكِيلَانِ أَوْ حَكَمَانِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهُمَا حَكَمَانِ وَلَوْ كَانَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَيْنِ لَا وَكِيلَانِ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 الْأَصَحِّ فَيَنْفُذُ طَلَاقُهُمَا مِنْ غَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ (لَا أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ أَوْقَعَا) الْمُتَيْطِيُّ: وَيَكُونُ تَفْرِيقُهُمَا بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوقِعَا أَكْثَرَ مِنْهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ حَكَمَا بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ سَقَطَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مَعْنَى الْإِصْلَاحِ (وَتَلْزَمُ إنْ اخْتَلَفَا فِي الْعَدَدِ) ابْنُ بَشِيرٍ: اخْتَلَفَ إنْ حَكَمَ أَحَدُهُمَا بِوَاحِدَةٍ وَالْآخَرُ بِثَلَاثٍ أَوْ أَلْبَتَّةَ؛ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةٌ. الْمُتَيْطِيُّ: وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ (وَلَهَا التَّطْلِيقُ بِالضَّرَرِ وَلَوْ لَمْ تَشْهَدْ الْبَيِّنَةُ بِتَكَرُّرِهِ) ابْنُ سَلْمُونَ: إذَا ثَبَتَ لِلْمَرْأَةِ أَنَّ زَوْجَهَا يَضْرِبُهَا وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ فَقِيلَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا كَمَا تَفْعَلُ إذَا كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا حَتَّى يَشْهَدَ بِتَكَرُّرِ الضَّرَرِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا قَوْلَ مَالِكٍ مَنْ بَاعَ زَوْجَتَهُ طَلُقَتْ عَلَيْهِ، وَانْظُرْ إذَا كَانَ لَهَا شَرْطٌ فِي الضَّرَرِ. قَالَ فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ: إذَا قَطَعَ الرَّجُلُ كَلَامَهُ عَنْ زَوْجَتِهِ أَوْ حَوَّلَ وَجْهَهُ عَنْهَا فِي فِرَاشِهَا فَذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ بِهَا وَلَهَا الْأَخْذُ بِشَرْطِهَا. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَضُرُّ بِزَوْجِهِ وَلَيْسَ لَهَا شَرْطٌ فَقِيلَ إنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ الْبَيِّنَةُ بِتَكْرَارِ الضَّرَرِ. قَالَ: وَيَسْتَوِي عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَنْ شَرَطَ الضَّرَرَ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ. قَالَ مَالِكٌ: مَنْ يُرِيدُ الْعِبَادَةَ أَوْ تَرَكَ الْجِمَاعَ لِغَيْرِ ضَرَرٍ وَلَا عِلَّةٍ قَالَ لَهُ إمَّا وَطِئْت أَوْ طَلَّقْت. (وَعَلَيْهِمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 الْإِصْلَاحُ وَإِنْ تَعَذَّرَ فَإِنْ أَسَاءَ الزَّوْجُ طَلَّقَا بِلَا خُلْعٍ وَبِالْعَكْسِ ائْتَمَنَاهُ عَلَيْهَا أَوْ خَالَعَا لَهُ بِنَظَرِهِمَا) ابْنُ شَاسٍ: الَّذِي عَلَى الْحَكَمَيْنِ أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ قَدَرَا عَلَى الْإِصْلَاحِ أَصْلَحَا وَإِنْ لَمْ يَقْدِرَا نَظَرَا فَإِنْ رَأَيَا الْإِسَاءَةَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَرَّقَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ ائْتَمَنَاهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ رَأَيَا صَلَاحًا أَنْ يَأْخُذَا لَهُ مِنْهَا شَيْئًا وَيُطَلِّقَاهَا عَلَيْهِ فَعَلَا (وَإِنْ أَسَاءَا فَهَلْ يَتَعَيَّنُ الطَّلَاقُ بِلَا خُلْعٍ أَوْ لَهُمَا أَنْ يُخَالِعَا بِالنَّظَرِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ رَبِيعَةُ: يَجُوزُ بِغُرْمٍ عَلَى الْمَرْأَةِ إنْ كَانَ الظُّلْمُ مِنْهَا. أَبُو عِمْرَانَ: هَذَا وِفَاقٌ وَيَكُونُ مَعْنَى إضْرَارِهِ بِهَا أَيْ بِدَعْوَاهَا. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: لَا يُعْطِي شَيْئًا إنْ كَانَ الضَّرَرُ مِنْ قِبَلِهِمَا مَعًا (وَأَتَيَا الْحَاكِمَ فَأَخْبَرَاهُ) الْمُتَيْطِيُّ: إذَا أَكْمَلَ الْحَكَمَانِ حُكْمَهُمَا أَتَيَا إلَى السُّلْطَانِ فَأَخْبَرَاهُ بِمَحْضَرِ شَهِيدَيْ عَدْلٍ مَا اطَّلَعَا عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِهِمَا وَمَا أَنْفَذَاهُ مِنْ حُكْمِهِمَا (وَنَفَذَ حُكْمُهُمَا) الْبَاجِيُّ: حُكْمُهُمَا عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ لَا الْوَكَالَةِ فَيَنْفُذُ وَإِنْ خَالَفَ مَذْهَبَ مَنْ بَعَثَهُمَا (وَلِلزَّوْجَيْنِ إقَامَةُ وَاحِدٍ عَلَى الصِّفَةِ وَفِي الْوَلِيَّيْنِ وَالْحَاكِمِ تَرَدُّدٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إنْ اجْتَمَعَ الزَّوْجَانِ عَلَى بَعْثِ رَجُلٍ وَاحِدٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 أَيَكُونُ كَالْحَكَمَيْنِ قَالَ نَعَمْ إنْ صَلُحَ لِذَلِكَ لَيْسَ بِنَصْرَانِيٍّ وَلَا عَبْدٍ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا سَفِيهٍ ابْنُ فَتْحُونَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يُحَكِّمُ وَاحِدًا اللَّخْمِيِّ وَإِنْ حَكَّمَ الْإِمَامُ وَاحِدًا مَضَى حُكْمُهُ الْبَاجِيُّ لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْيَتِيمَيْنِ أَنْ يُحَكِّمَ وَاحِدًا بَيْنَهُمَا (وَلَهُمَا إنْ أَقَامَهُمَا الْإِقْلَاعُ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبَا الْكَشْفَ وَيَعْزِمَا عَلَى الْحُكْمِ) ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ نَزَعَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الْحُكْمِ فَذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ السُّلْطَانُ هُوَ الَّذِي بَعَثَ الْحَكَمَيْنِ أَوْ يَكُونَ النُّزُوعُ بَعْدَ إنْ اسْتَوْعَبَا الْكَشْفَ وَعَزَمَا عَلَى الْحُكْمِ. ابْنُ يُونُسَ أَمَّا إذَا نَزَعَا جَمِيعًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا اهـ اُنْظُرْ هَذَا مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ (وَإِنْ طَلَّقَا وَاخْتَلَفَا فِي الْمَالِ فَإِنْ لَمْ تَلْتَزِمْهُ فَلَا طَلَاقَ) ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ وَاخْتَلَفَا فِي الْخُلْعِ فَلِلْغَارِمِ الْمَنْعُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 [كِتَابُ الْخُلْعِ] [بَابٌ فِي حَقِيقَةِ الْخُلْعِ] فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: كِتَابُ الْخُلْعِ وَفِيهِ أَبْوَابٌ: الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَتِهِ. الثَّانِي فِي أَرْكَانِهِ. الثَّالِثُ فِي مُوجَبِ الْأَلْفَاظِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْإِعْطَاءِ. الرَّابِعُ فِي سُؤَالِ الطَّلَاقِ. الْخَامِسُ فِي النِّزَاعِ. (جَازَ الْخُلْعُ وَهُوَ الطَّلَاقُ بِعِوَضٍ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا الْخُلْعُ وَمَا الْمُبَارَأَةُ وَمَا الْفِدْيَةُ؟ قَالَ قَالَ مَالِكٌ: الْمُبَارِئَةُ الَّتِي تُبَارِي زَوْجَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ تَقُولُ خُذْ الَّذِي لَك وَتَارِكْنِي. وَالْمُخْتَلِعَةُ الَّتِي تَخْتَلِعُ مِنْ كُلِّ الَّذِي لَهَا. وَالْمُفْدِيَةُ الَّتِي تُعْطِيهِ بَعْضَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 الَّذِي لَهَا، وَكُلُّهُ سَوَاءٌ. (وَبِلَا حُكْمٍ) اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَطَلَاقٌ حُكِمَ بِهِ " (وَبِعِوَضٍ مِنْ غَيْرِهَا) . ابْنُ عَرَفَةَ: الطَّلَاقُ نَوْعَانِ: الْأَوَّلُ بِعِوَضٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، سَمَّاهُ كَثِيرٌ خُلْعًا (إنْ تَأَهَّلَ) . ابْنُ عَرَفَةَ: بَاذِلُ الْخُلْعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 مَنْ صَحَّ مَعْرُوفُهُ لِأَنَّ عِوَضَهُ غَيْرُ مَالِيٍّ. (لَا مِنْ صَغِيرَةٍ وَسَفِيهَةٍ وَذِي رِقٍّ، وَرَدَّ الْمَالَ وَبَانَتْ) . مِنْ رَسْمِ الصُّبْرَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ: سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الصَّبِيَّةِ الَّتِي يُوطَأُ مِثْلُهَا يَبْنِي بِهَا زَوْجُهَا فَتُصَالِحُهُ عَلَى مَالٍ تَدْفَعُهُ إلَيْهِ وَلَمْ تَبْلُغْ الْمَحِيضَ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ أَرَاهُ جَائِزًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 تَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ وَيَكُونُ لِلزَّوْجِ مَا أَعْطَتْهُ إذَا كَانَ مَا أَعْطَتْهُ يُصَالِحُ بِهِ مِثْلُهَا. ابْنُ رُشْدٍ: مِثْلُ هَذَا لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَعَلَى هَذَا مَا فَعَلَهُ الصَّبِيُّ مِنْ بَيْعٍ أَوْ ابْتِيَاعٍ مِمَّا فِيهِ سَدَادٌ وَنَظَرٌ مِنْ فِعْلِهِ يَوْمَ فِعْلِهِ فَلَا يَنْظُرُ فِيهِ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ حَتَّى يَكُونَ غَيْرَ سَدَادٍ بِنَمَاءٍ أَوْ حَوَالَةِ سُوقٍ بِزِيَادَةٍ فِيمَا بَاعَهُ أَوْ حَوَالَةِ سُوقٍ بِنَقْصٍ فِيمَا ابْتَاعَهُ. فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا وَقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ فِي فِعْلِهِ يَوْمَ وَقَعَ. وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ فِي فِعْلِهِ يَوْمَ يَنْظُرُ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا يَأْتِي قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْخُلْعَ مَاضٍ وَالْمَالَ مَرْدُودٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَالْآتِي عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَنَّ مَا اشْتَرَاهُ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ يُعَادُ فِي السُّوقِ فَقَالَ: إنَّهُ يُعَادُ فِي السُّوقِ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ يَوْمَ ابْتَاعَهُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ النَّظَرِ فِيهِ أَكْثَرَ، وَإِذَا قَالَهُ فِيمَا اشْتَرَى الْوَصِيُّ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ فَأَحْرَى أَنْ يَقُولَهُ فِيمَا بَاعَهُ الْيَتِيمُ. وَقَيَّدَ ابْنُ يُونُسَ الْمُدَوَّنَةَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُعَادُ إلَى السُّوقِ وَإِنْ لَمْ يَحُلْ سُوقُهُ مِنْ يَوْمِ اشْتَرَاهُ، فَإِنْ حَالَ سُوقُهُ نُظِرَ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الشِّرَاءِ مَضَى، وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ غَرِمَ الزَّائِدَ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُفِيتُهُ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ مِثْلَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الشِّرَاءِ إلَّا أَنَّهُ الْيَوْمَ زَادَ سُوقُهُ فَالْأَشْبَهُ أَنْ يُمْضِيَ ذَلِكَ وَلَا يَرُدَّ إلَى السُّوقِ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ بِالْوَصِيِّ وَهُوَ لَمْ يَضُرَّ بِالْيَتِيمِ وَلَا خَانَهُ. وَفِي نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ: الْمُسْتَحْسَنُ فِي فِعْلِ الْوَصِيِّ قَوْلُ سَحْنُونٍ أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ يَوْمَ الْبَيْعِ لَا قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 أَنَّهُ يُعَادُ إلَى السُّوقِ يَوْمَ الْعُثُورِ عَلَيْهِ. وَعَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي بِكْرٍ بَاعَتْ حِصَّةً مِنْ أَرْضٍ مَعَ أَخَوَاتِهَا إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْبَيْعَ سَدَادٌ وَلِحَاجَةٍ فَهُوَ تَامٌّ. وَرَشَّحَ الْبُرْزُلِيُّ أَنَّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا لَوْ كَانَ رَفَعَ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَفْعَلْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَأَنَّ الْقَاضِيَ فَعَلَهُ. ابْنُ عَاتٍ: مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ بَارَأَتْ زَوْجَهَا مَنْ لَا أَب لَهَا وَلَا وَصِيَّ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ إذَا كَانَ مَا صَالَحَتْ بِهِ صُلْحَ مِثْلِهَا. وَقَالَهُ سَحْنُونَ وَبِهِ الْقَضَاءُ. وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيِّ الْإِمْضَاءَ إنْ كَانَ وَالْفِرَاقُ أَحْسَنُ. وَأَمَّا السَّفِيهَةُ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: يُخْتَلَفُ فِي خُلْعِ السَّفِيهَةِ الثِّيبَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي وِلَايَةٍ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا، وَأَرَى أَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنْ كَانَ بَقَاءُ الزَّوْجَةِ أَحْسَنَ لَهَا رَدَّ الْمَالَ وَمَضَى الطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَ الْفِرَاقُ أَحْسَنَ أَمْضَيَا، وَأَمَّا ذَوُو الرِّقِّ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا تَخْتَلِعُ أَمَةٌ وَلَا أُمُّ وَلَدٍ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ، فَإِنْ فَعَلَا دُونَهُ فَلَهُ رَدُّهُ وَلَا تَتْبَعُ بِهِ الْأَمَةُ إنْ عَتَقَتْ وَلَزِمَ الزَّوْجَ الْخُلْعُ. اللَّخْمِيِّ: وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 بِإِذْنِ السَّيِّدِ. اللَّخْمِيِّ: فَإِنْ وَقَعَ دُونَ إذْنِهِ وُقِفَ الْمَالُ إنْ أَدَّتْ نَفَذَ لِلزَّوْجِ. (وَجَازَ مِنْ الْأَبِ عَنْ الْمُجْبَرَةِ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لِلْأَبِ أَنْ يُخَالِعَ عَنْ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ بِإِسْقَاطِ كُلِّ الْمَهْرِ، وَإِنْ خَالَعَ بِهِ عَنْهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ قَبْلَ بُلُوغِهَا جَازَ عَلَيْهَا، وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا قَبْلَ بُلُوغِهَا كَالْبِكْرِ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَتَأَيَّمَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ ثُمَّ بَلَغَتْ فَقِيلَ يُجْبِرُهَا عَلَى النِّكَاحِ فَعَلَيْهِ لَهُ أَنْ يُخَالِعَ عَنْهَا. وَقِيلَ: لَا يُجْبِرُهَا وَلَا يُخَالِعُ عَنْهَا (بِخِلَافِ الْوَصِيِّ) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِي خُلْعِ الْوَصِيِّ عَنْ يَتِيمَتِهِ دُونَ إذْنِهَا ثَالِثُهَا إنْ لَمْ تَبْلُغْ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ خُلْعُ الْوَصِيِّ عَنْ الْبِكْرِ بِرِضَاهَا. الْمُتَيْطِيُّ: إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِأَبٍ أَوْ وَصِيٍّ مَاتَ الْتَزَمَتْ لَهُ بِإِذْنِ أَبِيهَا أَوْ وَصِيِّهَا إذْ هِيَ فِي حِجْرِهِ لِقُرْبِ بِنَاءِ زَوْجِهَا بِهَا وَكَانَ إذْنُ فُلَانٍ الْمَذْكُورِ لِمَا رَآهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْغِبْطَةِ وَالْحَيْطَةِ عَلَيْهَا (وَفِي خُلْعِ الْأَبِ عَنْ السَّفِيهَةِ خِلَافٌ) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِي خُلْعِ الْأَبِ عَنْ ابْنَتِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 الثَّيِّبِ فِي حِجْرِهِ كَالْبِكْرِ وَوَقَفَهُ عَلَى إذْنِهَا ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ. وَاَلَّذِي لِابْنِ سَلْمُونَ: لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُمْضِيَ الْخُلْعَ عَلَى ابْنَتِهِ الثَّيِّبِ وَإِنْ كَانَتْ فِي وِلَايَتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَذَلِكَ لَهُ. (وَبِالْغَرَرِ كَجَنِينٍ) . الْمُتَيْطِيُّ: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخُلْعِ عَلَى الْبَعِيرِ الشَّارِدِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا عَلَى التَّبْقِيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ فَهُوَ جَائِزٌ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَهُ مُطَالَبَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى غَرَرِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَلَى هَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْجَنِينِ: يُجْبَرَانِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 عَلَى جَمْعِهِ مَعَ أُمِّهِ (وَغَيْرِ مَوْصُوفٍ وَلَهُ الْوَسَطُ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ خَالَعَهَا عَلَى ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ وَلَمْ تَصِفْهُ جَازَ وَلَهُ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ (وَبِنَفَقَةِ حَمْلٍ إنْ كَانَ) . الْمُتَيْطِيُّ: إنْ الْتَزَمَتْ لَهُ مُؤْنَةُ حَمْلٍ إنْ ظَهَرَ بِهَا أَوْ مُؤْنَةُ الْحَمْلِ الظَّاهِرِ بِهَا إلَى أَنْ تَضَعَهُ جَازَ ذَلِكَ. (وَبِإِسْقَاطِ حَضَانَتِهَا) . الْمُتَيْطِيُّ: إنْ أَسْلَمَتْ الزَّوْجَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 بِنْتَهَا إلَى الزَّوْجِ وَأَسْقَطَتْ حَضَانَتَهَا، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ قَدْ عَلِقَ بِأُمِّهِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ فَلَا يَجُوزُ. وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ هَلْ يَنْفُذُ ذَلِكَ أَمْ لَا؛ فَقَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ: ذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّ حَضَانَتَهَا ابْنَهَا مِنْ حُقُوقِهَا اهـ. وَانْظُرْ لَوْ قَامَتْ الْجَدَّةُ فَقَالَتْ لَا أُسَلِّمُ ابْنَةَ ابْنَتِي قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا فَلَيْسَ لِلْجَدَّةِ أَنْ تَأْخُذَهَا إلَّا أَنْ تَلْتَزِمَ إرْضَاعَهَا، وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا لَكَانَ لِلْجَدَّةِ أَنْ تَأْخُذَهَا وَتَكُونَ عَلَى الْأَبِ أُجْرَةُ رَضَاعِهَا عَلَى مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ. مِنْ ابْنِ رُشْدٍ. وَانْظُرْ إنْ أَسْقَطَتْ الْجَدَّةُ حَقَّهَا فِي عَقْدِ الْخُلْعِ، هَلْ ذَلِكَ كَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ وُجُوبِ الْبَيْعِ؟ وَمِثْلُهُ إجَازَةُ الْوَارِثِ الْوَصِيَّةَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَإِذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ وَلَمْ يُحَمِّلْهُ ثُلُثَهُ وَأَجَازَهُ الْوَارِثُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ أَوْ جَعَلَتْ يَوْمَهَا لِضَرَّتِهَا ثُمَّ بَدَا لَهَا. رَاجِعْ الْمُتَيْطِيَّ. (وَمَعَ الْبَيْعِ وَرَدَّتْ كَإِبَاقِ الْعَبْدِ مَعَهُ نِصْفُهُ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ وَيَزِيدُهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ جَازَ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، فَإِنْ كَانَ آبِقًا رَدَّتْ الزِّيَادَةَ وَكَانَ لَهُ نِصْفُهُ. وَفِي النُّكَتِ: إنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ وَزَادَهَا مِنْ عِنْدِهِ عَشْرَةً فَيَكُونُ نِصْفُ الْآبِقِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِلْعَشْرَةِ، وَنِصْفُهُ لِلْبُضْعِ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الْآبِقِ وَتَرُدُّ لَهُ الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَيَكُونُ لَهَا نِصْفُ الْآبِقِ وَنِصْفُهُ لِلزَّوْجِ بِحَقِّ الْخُلْعِ. اُنْظُرْ تَمَامَ الْمَسْأَلَةِ فِي النُّكَتِ وَفِي ابْنِ شَاسٍ (وَعُجِّلَ الْمُؤَجَّلُ بِمَجْهُولٍ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ خَالَعَهَا مِنْ مَالٍ لِأَجَلٍ مَجْهُولٍ كَانَ حَالًّا لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيمَنْ بَاعَ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ إنَّ الْقِيمَةَ فِيهِ حَالَّةٌ فِي فَوْتِ السِّلْعَةِ اهـ نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: لَا وَجْهَ لِتَعْجِيلِهِ وَهُوَ ظُلْمٌ (وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِقِيمَتِهِ وُرِّدَتْ دَرَاهِمُ رَدِيئَةٌ إلَّا لِشَرْطٍ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ خَالَعَهَا عَلَى دَرَاهِمَ أَرَتْهُ إيَّاهَا فَوَجَدَهَا زُيُوفًا فَلَهُ الْبَدَلُ كَالْبَيْعِ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُرِيدُ لَا تَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا كَمَا لَا تَتَعَيَّنُ بِهَا فِي الْبَيْعِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: بِخِلَافِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ يُسْتَحَقُّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ كَالنِّكَاحِ. الْجَلَّابُ: وَكَذَا لَوْ اسْتَحَقَّ بِحُرِّيَّةٍ (إلَّا لِشَرْطٍ) أَبُو عِمْرَانَ: إنْ اشْتَرَطَتْ أَنَّهَا لَا تَعْرِفُ الدَّرَاهِمَ فَإِنْ كَانَتْ زُيُوفًا فَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 بَدَلَ لَهَا فَلَهَا شَرْطُهَا وَهُوَ كَالْخُلْعِ بِغَرَرٍ. (وَقِيمَةُ كَعَبْدٍ اُسْتُحِقَّ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَلَّابِ قَبْلَ قَوْلِهِ إلَّا لِشَرْطٍ فَانْظُرْهُ مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ (وَالْحَرَامُ كَخَمْرٍ وَمَغْصُوبٍ وَإِنْ بَعْضًا وَلَا شَيْءَ لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ خَالَعَهَا عَلَى خَمْرٍ تَمَّ الْخُلْعُ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ قَبَضَهَا أُهْرِيقَتْ عَلَيْهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَكَذَا الْخِنْزِيرُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُسَرِّحُ. وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يُقْتَلُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ خَالَعَهَا عَلَى حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ جَازَ الْخُلْعُ وَبَطَلَ الْحَرَامُ اهـ. فَانْظُرْ هَذَا مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ (كَتَأْخِيرِهَا دَيْنًا عَلَيْهِ) . ابْنُ يُونُسَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً» . قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَخَالَعَهَا عَلَى تَعْجِيلِهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ جَازَ الْخُلْعُ وَرُدَّ الدَّيْنُ إلَى أَجَلِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ صَالَحَهَا عَلَى أَنْ أَخَّرَتْهُ بِدَيْنٍ لَهَا عَلَيْهِ إلَى أَجَلٍ فَالْخُلْعُ جَائِزٌ وَلَهَا أَخْذُ الْمَالِ حَالًّا (وَخُرُوجِهَا مِنْ مَسْكَنِهَا) . الْمُتَيْطِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دَارِهِ وَتَعْتَدَّ فِي سِوَاهُ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ نَفَذَ الْخُلْعُ وَصَرَفَهَا الْإِمَامُ إلَى دَارِهِ وَاعْتَدَّتْ فِيهَا دُونَ شَيْءٍ (وَتَعْجِيلُهُ لَهَا مَا لَا يَجِبُ قَبُولُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَخَالَعَهَا عَلَى تَعْجِيلِهِ جَازَ الْخُلْعُ وَرُدَّ الدَّيْنُ إلَى أَجَلِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ غَيْرُهُ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ وَهُوَ عَيْنٌ لَهُ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَرَضًا أَوْ طَعَامًا مِنْ بَيْعٍ مِمَّا لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ تَعْجِيلُهُ إلَّا بِرِضَا الْمَرْأَةِ وَلَا تَسْتَطِيعُ الْمَرْأَةُ قَبْضَهُ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجِ فَهَذَا يَكُونُ تَعْجِيلُهُ خُلْعًا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ وَيَرُدُّ الدَّيْنَ إلَى أَجَلِهِ لِأَنَّهُ طَلَّقَ عَلَى أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ الضَّمَانَ (وَهَلْ كَذَلِكَ إنْ وَجَبَ أَوْ لَا تَأْوِيلَانِ) وَسَيَأْتِي لِابْنِ رُشْدٍ إنْ اتَّفَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى الطَّلَاقِ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا (وَبَانَتْ وَلَوْ بِلَا عِوَضٍ نَصَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الرَّجْعَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ أُخَالِعُكِ عَلَى أَنْ أُعْطِيَك مِائَةَ دِينَارٍ فَقَبِلَتْهَا هِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُعْطِهَا. ابْنُ يُونُسَ: كَمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى خَمْرٍ فَالْخُلْعُ صَحِيحٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ اُنْظُرْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِزَمَانِنَا قَدْ تَقَعُ الْمُشَاوَرَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَيَقَعُ بَيْنَهُمَا الطَّلَاقُ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا فَبَيَّنَ أَنَّهَا طَلْقَةٌ خُلْعِيَّةٌ فَيَبْقَى النَّظَرُ إذَا أَوْقَعَ عَلَيْهَا طَلْقَةً عَنْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ. قَالَ ابْنُ سَلْمُونَ فِي قَوْلِهِمْ طَلَّقَ فُلَانٌ زَوْجَهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ طَلْقَةً وَاحِدَةً مَلَّكَهَا أَمْرَ نَفْسِهَا دُونَهُ أَنَّهُ طَلَاقٌ بِخِلَافِ السُّنَّةِ: ثَالِثُ الْأَقْوَالِ فِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَبِهِ الْقَضَاءُ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَلْزَمُ الثَّلَاثُ فِي بَتَّةٍ أَوْ وَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ (أَوْ عَلَى الرَّجْعَةِ) ابْنُ حَارِثٍ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إنْ خَالَعَهَا أَوْ صَالَحَهَا أَنَّهُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَلَوْ شَرَطَتْ أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ فَرِوَايَةُ الْأَكْثَرِ أَنَّهَا بَائِنَةٌ. ابْنُ سَلْمُونَ: وَكَذَا إنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيَّةً عَلَى إنْ أَسْقَطَتْ عَنْهُ نَفَقَتَهَا طُولَ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا تَنْفُذُ وَتَكُونُ بَائِنَةً عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ (كَإِعْطَاءِ مَالٍ فِي الْعِدَّةِ عَلَى نَفْيِهَا) هَذَا قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَخْذُهُ مَالًا مِنْهَا فِي الْعِدَّةِ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ فِي كَوْنِهِ خُلْعًا بِالْأُولَى أَوْ بِأُخْرَى ثَالِثُهَا إنْ ارْتَجَعَ رَدَّ الْمَالَ الْأَوَّلَ لِابْنِ وَهْبٍ، وَالثَّانِي لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ، وَالثَّالِثُ لِأَشْهَبَ (كَبَيْعِهَا) ابْنُ رُشْدٍ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ بَيْعَ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ (أَوْ تَزْوِيجِهَا) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ زَوْجَتَهُ لِمَسْغَبَةٍ وَأَقَرَّتْ لَهُ بِذَلِكَ عُذْرًا وَلَمْ تُحِدَّ وَتَكُونُ طَلْقَةً بَائِنَةً وَقَالَهُ مَالِكٌ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ مُشْتَرِيهَا بِالثَّمَنِ. اللَّخْمِيِّ: يَخْتَلِفُ إذَا زَوَّجَهَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ. الْمُتَيْطِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ امْرَأَتَهُ أَوْ زَوَّجَهَا هَازِلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَحْلِفُ فِي التَّزْوِيجِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ طَلَاقًا وَإِنْ كَانَ جَادًّا فِي الْوَجْهَيْنِ فَهُوَ الْبَتَاتُ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْبَيْعِ: إنَّهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا بَاعَهَا نُكِّلَ نَكَالًا شَدِيدًا وَطَلُقَتْ بِهِ بِوَاحِدَةٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا وَلَا يَتَزَوَّجَهَا وَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 غَيْرَهَا حَتَّى تُعْرَفَ مِنْهُ التَّوْبَةُ. وَانْظُرْ الْمُتَيْطِيَّ فَفِيهِ طُولٌ وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَى هَذَا فَقَالَ فِيمَنْ بَاعَ امْرَأَتَهُ (وَالْمُخْتَارُ نَفْيُ اللُّزُومِ فِيهِمَا) الْمُتَيْطِيُّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَقَوْلُ مَالِكٍ أَنْ لَا يَكُونَ الْبَيْعُ طَلَاقًا أَحْسَنُ. قَالَ: وَيَخْتَلِفُ أَيْضًا إذَا زَوَّجَهَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ (وَطَلَاقٌ حُكِمَ بِهِ إلَّا لِإِيلَاءٍ أَوْ عُسْرٍ بِنَفَقَةٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: كُلُّ طَلَاقٍ يُطَلِّقُهُ السُّلْطَانُ فَهُوَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ كَالْمُطَلَّقِ عَلَيْهِ بِالضَّرَرِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ إلَّا مَنْ طُلِّقَ عَلَيْهِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ أَوْ بِالْإِيلَاءِ فَهُمَا رَجْعِيَّتَانِ (لَا إنْ شَرَطَ نَفْيَ الرَّجْعَةِ بِلَا عِوَضٍ) اللَّخْمِيِّ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً يَنْوِي لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فِيهَا وَلَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ كَانَتْ وَاحِدَةً وَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَنِيَّتُهُ وَقَوْلُهُ لَا رَجْعَةَ لِي بَاطِلٌ، يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ قَوْلًا أَوْ نَوَاهُ (أَوْ طَلَّقَ أَوْ صَالَحَ وَأَعْطَى وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الْخُلْعَ تَأْوِيلَانِ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 ابْنُ عَرَفَةَ: فِيهَا لِمَالِكٍ: مَنْ قَالَ أُخَالِعُكِ عَلَى أَنْ أُعْطِيَك مِائَةَ دِينَارٍ فَقَبِلَتْهَا هِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَكَذَا لَوْ لَمْ يُعْطِهَا. ابْنُ يُونُسَ: أَكْثَرُ الرُّوَاةِ يَعْنِي إذَا خَالَعَ وَأَعْطَى أَنَّهُ غَيْرُ بَائِنٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْتَلِعُ بِمَا يَأْخُذُ مِنْهَا فَتَلْزَمُهُ بِذَلِكَ سُنَّةُ الْخُلْعِ، وَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا فَلَيْسَ بِخُلْعٍ وَهُوَ رَجُلٌ طَلَّقَ وَأَعْطَى. ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ جَرَى ذَلِكَ بَيْنَهُمَا بِمَعْنَى الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ وَإِنْ لَمْ يَقُولَاهُ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. ابْنُ يُونُسَ: كَمَنْ خَالَعَ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَأَمَّا إنْ لَمْ يَجْرِ عَلَى ذَلِكَ فَلَهُ الرَّجْعَةُ. ابْنُ يُونُسَ: كَمَنْ طَلَّقَ بِغَيْرِ عِوَضٍ. عِيَاضٌ: رِوَايَةُ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ طَلَّقَ وَأَعْطَى غَيْرُ مُخَالِفَةٍ لِلْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ صَالَحَ وَأَعْطَى أَوْ خَالَعَ أَنَّهَا بَائِنٌ. ابْنُ رُشْدٍ: مُبَارَأَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا لِأَنَّهَا مُفَارَقَةٌ اتَّفَقَا عَلَيْهَا. اُنْظُرْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ. [بَابٌ فِي أَرْكَانِ الْخَلْعِ] (وَمُوجِبُهُ زَوْجٌ مُكَلَّفٌ) ابْنُ شَاسٍ: أَرْكَانُ الْخُلْعِ أَرْبَعَةٌ: الْعَاقِدَانِ وَالْعِوَضَانِ الْأَوَّلُ الْمُوجِبُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا مُكَلَّفًا. ابْنُ فُتُوحٍ: وَيَجُوزُ لِلْأَبِ وَوَصِيِّهِ وَالسُّلْطَانِ وَخَلِيفَتِهِ الْمُبَارَأَةُ عَنْ الصَّغِيرِ بِشَيْءٍ يُسْقِطُ عَنْهُ أَوْ يُؤْخَذُ لَهُ لَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ فِي عَبْدِهِ الصَّغِيرِ (وَلَوْ سَفِيهًا) ابْنُ سَلْمُونَ: إنْ كَانَ الزَّوْجُ فِي وِلَايَةٍ وَهُوَ بَالِغٌ فَخُلْعُهُ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ وَصِيِّهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ وَيَلْزَمُهُ إذَا أَوْقَعَهُ، وَلَا يَجُوزُ خُلْعُ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي خُلْعِ الْوَصِيِّ عَنْ سَفِيهِهِ الْبَالِغِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَدَلِيلُ نِكَاحِهَا، وَالثَّانِي قَوْلُهُ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ. وَجَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْأَوَّلَ الْمَشْهُورَ وَعَكَسَهُ ابْنُ فَتْحُونَ وَبِأَمْرِهِ جَائِزٌ مَاضٍ، وَقَوْلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 ابْنِ شَاسٍ اخْتَلَفَ فِي صِحَّةِ خُلْعِ السَّفِيهِ لَا أَعْرِفُهُ، قَالَ: وَعَلَى صِحَّتِهِ لَا يَبْرَأُ الْمُخْتَلِعُ بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ بَلْ إلَى الْوَلِيِّ (وَوَلِيُّ صَغِيرٍ أَبًا أَوْ سَيِّدًا أَوْ غَيْرَهُمَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ فَتْحُونَ: لِلْأَبِ وَوَصِيِّهِ وَالسُّلْطَانِ وَخَلِيفَتِهِ الْمُبَارَأَةُ عَنْ الصَّغِيرِ وَكَذَا السَّيِّدُ فِي عَبْدِهِ الصَّغِيرِ (لَا أَبَ سَفِيهٍ وَسَيِّدُ بَالِغٍ) ابْنُ يُونُسَ: إذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 زَوَّجَ الْوَصِيُّ يَتِيمَهُ وَهُوَ بَالِغٌ سَفِيهٌ بِأَمْرِهِ أَوْ زَوَّجَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْبَالِغَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهِ أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ أَوْ يَتِيمَهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ ثُمَّ بَلَغَ سَفِيهًا لَمْ تَجُزْ الْمُبَارَأَةُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا يُكْرَهُونَ عَلَى الطَّلَاقِ (وَنَفَذَ خُلْعُ الْمَرِيضِ وَوَرِثَتْهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: خُلْعُ الْمَرِيضِ تَامٌّ وَوَرَثَتُهُ إنْ مَاتَ. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 وَتَرِثُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَعْطَتْهُ (دُونَهَا) قَالَ مَالِكٌ: مَنْ مَلَكَ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِهِ بَائِنًا أَوْ خَالَعَهَا أَوْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي مَرَضِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهَا إنْ مَاتَتْ وَهِيَ تَرِثُهُ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ رَجُلٍ يُطَلِّقُ مَتَى شَاءَ فَلَمْ يُطَلِّقْ حَتَّى مَرِضَ الزَّوْجُ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ فِي مَرَضِ الزَّوْجِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَتَرِثُهُ كَمَا تَرِثُهُ الْمُفْتَدِيَةُ فِي مَرَضِهِ. (كَمُخَيَّرَةٍ وَمُمَلَّكَةٍ فِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إنْ مَلَكَهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا فِي مَرَضِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهَا إنْ مَاتَتْ وَتَرِثُهُ هِيَ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ (وَمُوَلًّى مِنْهَا) جَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْإِيلَاءَ وَاللِّعَانَ مِثْلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 الْمُخَيَّرَةِ قَالَ بِخِلَافِ الرِّدَّةِ (وَمُلَاعَنَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لِعَانُهُ إيَّاهَا فِي مَرَضِهِ كَطَلَاقِهِ (أَوْ أَحْنَثَتْهُ فِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ فِي صِحَّتِهِ إنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ فَدَخَلَتْهَا وَهُوَ مَرِيضٌ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَجَعَلَ ابْنُ شَاسٍ الْمَلَاعِنَ فِي الْمَرَضِ مِنْ هَذَا بَعِيدٌ (أَوْ أَسْلَمَتْ أَوْ عَتَقَتْ) مُحَمَّدٌ: لَوْ طَلَّقَ الْمَرِيضُ أَمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً فَعَتَقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَرِثَتْهُ. الْبَاجِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ (أَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ وَوَرِثَتْ أَزْوَاجًا وَإِنْ فِي عِصْمَةٍ وَإِنَّمَا يَنْقَطِعُ بِصِحَّةِ بَيِّنَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِمُطَلَّقَةٍ فِي الْمَرَضِ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ أَزْوَاجًا لِأَنَّهَا تَرِثُهُ وَلَا يَرْفَعُ إرْثَهَا إيَّاهُ نِكَاحُهَا غَيْرَهُ وَلَوْ تَعَدَّدَ، وَلَوْ طَلَّقَهَا كُلٌّ مِنْهُمْ فِي مَرَضِهِ وَرِثَتْ الْجَمِيعَ وَلَوْ كَانَتْ زَوْجًا لِغَيْرِهِمْ، وَصِحَّتُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 بَعْدَهُ تُصَيِّرُهُ كَطَلَاقٍ صَحِيحٍ (وَلَوْ صَحَّ ثُمَّ مَرِضَ فَطَلَّقَهَا لَمْ تَرِثْ إلَّا فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ طَلَّقَ فِي مَرَضِهِ وَاحِدَةً يَمْلِكُ فِيهَا الرَّجْعَةَ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَرِضَ فَأَرْدَفَهَا طَلْقَةً أَوْ أَبَتَّهَا لَمْ تَرِثْهُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ فِي الطَّلَاقِ الثَّانِي لَيْسَ بِفَارٍّ إلَّا أَنْ يَرْتَجِعَهَا مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا فِي مَرَضِهِ الثَّانِي فَتَرِثُهُ إنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِأَنَّهُ بِارْتِجَاعِهَا صَارَتْ كَسَائِرِ أَزْوَاجِهِ وَصَارَ بِالطَّلَاقِ الثَّانِي فَارًّا مِنْ الْمِيرَاثِ (وَالْإِقْرَارُ بِهِ فِيهِ كَإِنْشَائِهِ وَالْعِدَّةُ مِنْ الْإِقْرَارِ) ابْنُ شَاسٍ: الْإِقْرَارُ بِالطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ كَالْإِنْشَاءِ إلَّا أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ يَوْمِ الْإِقْرَارِ. اُنْظُرْ ثَانِيَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ (وَلَوْ شَهِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِطَلَاقِهِ فَكَالطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ) الْبَاجِيُّ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ مَاتَ فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فِي صِحَّتِهِ وَرِثَتْهُ كَمَا لَوْ طَلَّقَ فِي مَرَضِهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ يَوْمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 الْحُكْمِ (وَإِنْ أَشْهَدَ بِهِ فِي سَفَرٍ ثُمَّ قَدِمَ وَوَطِئَ وَأَنْكَرَ الشَّهَادَةَ فُرِّقَ وَلَا حَدَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ طَلَّقَ فِي سَفَرِهِ ثَلَاثًا بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ قَدِمَ قَبْلَ الْبَيِّنَةِ فَوَطِئَهَا ثُمَّ أَتَتْ الْبَيِّنَةُ فَشَهِدَتْ بِذَلِكَ وَهُوَ يُنْكِرُ طَلَاقَهَا وَيُقِرُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 بِالْوَطْءِ فَلْيُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ مُحْرِزٍ: ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَعْتَدُّ مِنْ الْيَوْمِ (وَلَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ صِحَّتِهِ فَكَالْمُتَزَوِّجِ فِي الْمَرَضِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ طَلَّقَ فِي مَرَضِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ صِحَّتِهِ فَلَا نِكَاحَ لَهَا إلَّا أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَيَكُونَ كَمَنْ نَكَحَ فِي الْمَرَضِ وَبَنَى فِيهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: يُفْسَخُ وَلَوْ بَنَى قَبْلَ. وَإِنَّمَا فُسِخَ وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لَهَا ثَابِتًا بِطَلَاقِهَا فِي الْمَرَضِ لِلْغَرَرِ فِي الْمَهْرِ بِحَيْثُ لَوْ تَحَمَّلَ بِالْمَهْرِ أَجْنَبِيٌّ لَمْ يُفْسَخْ لِثُبُوتِ الْمَهْرِ فِي مَالِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْإِرْثُ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَلَمْ يَجُزْ خُلْعُ الْمَرِيضَةِ) ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ الْمَوَّازِيَّةِ مَعَ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ جَوَازِ خُلْعِ الْمَرِيضَةِ (وَهَلْ يُرَدُّ أَوْ الْمُجَاوِزُ لِإِرْثِهِ يَوْمَ مَوْتِهَا وَوُقِفَ إلَيْهِ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فِي مَرَضِهَا وَهُوَ صَحِيحٌ بِجَمِيعِ مَالِهَا لَمْ يَجُزْ وَلَا يَرِثُهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى لَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ، وَأَمَّا عَلَى مِثْلِ مِيرَاثِهِ مِنْهَا فَأَقَلَّ فَجَائِزٌ وَلَا يَتَوَارَثَانِ. عِيَاضٌ: فِي كَوْنِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ تَفْسِيرًا أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 خِلَافًا قَوْلَا الْأَكْثَرِ وَالْأَقَلِّ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَيُوقَفُ الْمَالُ حَتَّى تَصِحَّ أَوْ تَمُوتَ. (وَإِنْ نَقَصَ وَكِيلُهُ عَنْ مُسَمَّاهُ لَمْ يَلْزَمْ) ابْنُ عَرَفَةَ: التَّوْكِيلُ عَلَى الْخُلْعِ جَائِزٌ كَالْبَيْعِ لَا كَالنِّكَاحِ فَيَجُوزُ تَوْكِيلُ الزَّوْجَةِ امْرَأَةً. ابْنُ شَاسٍ: وَلَوْ قَالَ خَالِعْهَا بِمِائَةٍ فَنَقَصَ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ وَلَوْ قَالَتْهُ فَزَادَ وَقَعَ وَغَرِمَ الزِّيَادَةَ (أَوْ أَطْلَقَ لَهُ أَوْ لَهَا حَلَفَ أَنَّهُ أَرَادَ خُلْعَ الْمِثْلِ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا وَكِيلُ الزَّوْجِ فَإِنْ قَالَ لَهُ خَالِعْهَا بِمِائَةٍ فَنَقَصَ بَطَلَ الْخُلْعُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 وَلَمْ يَقَعُ طَلَاقٌ، وَلَوْ قَالَ مُطْلَقًا فَخَالَعَهَا فَنَقَصَ عَنْ خُلْعِ الْمِثْلِ وَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ أَرَادَ خُلْعَ الْمِثْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. ابْنُ الْحَاجِبِ: بِيَمِينِهِ أَوْ لَهَا. (وَإِنْ زَادَ وَكِيلُهَا فَعَلَيْهِ الزِّيَادَةُ) ابْنُ شَاسٍ: وَأَمَّا وَكِيلُهَا بِالِاخْتِلَاعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 بِمِائَةٍ فَإِنْ زَادَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَتْ الْمِائَةُ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْوَكِيلِ. (وَرُدَّ الْمَالُ بِشَهَادَةِ سَمَاعٍ عَلَى الضَّرَرِ) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: إنْ أَقَامَتْ مَنْ صَالَحَتْ زَوْجَهَا عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهَا وَإِعْطَاءِ مَالِ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ صَالَحَتْ عَنْ ضَرُورَةِ حَلَفَتْ وَأَخَذَتْ مَا أَعْطَتْ وَرَضَاعَ وَلَدِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: جَازَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ النِّسَاءُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 لِأَنَّهُ قَالَ: وَالطَّلَاقُ قَدْ وَقَعَ بِغَيْرِ شَهَادَتِهِنَّ وَإِنْ شَهِدَ بِالضَّرَرِ شَاهِدَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ رَدَّ لَهَا مَالَهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ وَيَجُوزُ فِيهِ شَاهِدَانِ عَلَى السَّمَاعِ دُونَ يَمِينٍ. (أَوْ بِيَمِينِهَا مَعَ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ) ابْنُ سَلْمُونَ: وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِالشَّاهِدِ الْعَدْلِ وَالْيَمِينِ فَتَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهَا وَيَصْرِفُ عَنْهَا مَا أَسْقَطَتْهُ لِأَنَّهُ حُكْمٌ فِي مَالٍ، وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى الْقَطْعِ وَشَهِدَ آخَرُ مَعَهُ عَلَى السَّمَاعِ نَفَذَ ذَلِكَ أَيْضًا اهـ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا تَحْلِفُ مَعَ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ (وَلَا يَضُرُّهَا إسْقَاطُ الْبَيِّنَةِ الْمُسْتَدْعَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ) ابْنُ سَلْمُونَ: إنْ ادَّعَتْ أَنَّ الْخُلْعَ وَقَعَ عَنْ إضْرَارٍ بِهَا فَلَهَا الرُّجُوعُ فِيمَا اخْتَلَعَتْ بِهِ وَأَسْقَطَتْهُ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، وَإِنْ وَقَعَ فِي عَقْدِ الْخُلْعِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ دُونَ إكْرَاهٍ وَلَا ضَرَرٍ وَإِنَّهَا أَسْقَطَتْ الْبَيِّنَةَ الْمُسْتَرْعَاةَ وَغَيْرَهَا فَلَا يَضُرُّهَا ذَلِكَ إذَا ثَبَتَ الضَّرَرُ (وَبِكَوْنِهَا بَائِنًا لَا رَجْعِيَّةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ أَبَتَّهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ يَنْكَشِفَ أَنَّ بِالزَّوْجِ جُنُونًا أَوْ جُذَامًا فَالْخُلْعُ مَاضٍ وَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَ مِنْهَا، وَانْظُرْ مِمَّا يُرَدُّ بِهِ الْمَالُ وَيَنْفُذُ الطَّلَاقُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 إنْ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ. قَالَ ابْنُ سَلْمُونَ: الْخُلْعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ أَوْقَعَ ثَلَاثًا عَلَى الْخُلْعِ نَفَذَ الطَّلَاقُ وَسَقَطَ الْخُلْعُ، وَلَمْ يَعْزُ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا لِأَحَدٍ قَبْلَهُ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَبِالْعَكْسِ " (أَوْ بِكَوْنِهِ يُفْسَخُ بِلَا طَلَاقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ خَالَعَهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ أَمْرٍ لَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ نَفَذَ الْخُلْعُ وَرَجَعَتْ بِمَا أَخَذَ مِنْهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: إنْ بَانَ كَوْنُ نِكَاحِ مَنْ اخْتَلَعَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ أَوْ بِغَرَرٍ تَمَّ لِلزَّوْجِ مَا أَخَذَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِهِ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ تَابِعًا لِلُّزُومِ الطَّلَاقِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ (أَوْ لِعَيْبٍ خِيَارٌ بِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَبِكَوْنِهَا بَائِنًا " (أَوْ قَالَ إنْ خَالَعْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا أَلْبَتَّةَ أَنْ لَا يُخَالِعَهَا فَخَالَعَهَا فَالْخُلْعُ مَاضٍ وَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَ مِنْهَا (لَا إنْ لَمْ يَقُلْ ثَلَاثًا وَلَزِمَتْهُ طَلْقَتَانِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ صَالَحْتُك فَصَالَحَهَا حَنِثَ بِطَلْقَةِ الْيَمِينِ ثُمَّ وَقَعَتْ عَلَيْهِ طَلْقَةُ الصُّلْحِ وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ بِمِلْكِ الرَّجْعَةِ فَلَا يَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهَا. وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَاحِدَةً لَا صَالَحَهَا لَا يَرُدُّ عَلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا وَلَوْ كَانَ حَلَفَ بِالْبَتَّةِ رَدَّ لَهَا ذَلِكَ (وَجَازَ شَرْطُ نَفَقَةِ وَلَدِهَا مُدَّةَ رَضَاعِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ خَالَعَهَا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا نَفَقَةَ الْوَلَدِ وَرَضَاعَهُ مَا دَامَ فِي الْحَوْلَيْنِ جَازَ ذَلِكَ، فَإِنْ مَاتَتْ كَانَ الرَّضَاعُ وَالنَّفَقَةُ فِي مَالِهَا، وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا طَلَبَ ذَلِكَ اهـ. اُنْظُرْ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ إنْ مَاتَتْ كَانَتْ النَّفَقَةُ فِي مَالِهَا. (فَلَا نَفَقَةَ لِلْحَمْلِ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ خَالَعَهَا ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَلَهَا نَفَقَتُهَا مُدَّةَ حَمْلِهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ حِينَ الْخُلْعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ إسْقَاطَهَا. وَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا نَفَقَةَ لِلْوَلَدِ إذَا وَلَدَتْ فَرَوَى مُحَمَّدٌ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا مُدَّةَ حَمْلِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَهَا نَفَقَةُ الْحَمْلِ لِأَنَّهَا لَمْ تَذْكُرْهُ. اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا أَحْسَنُ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقَّانِ خَالَعَتْ عَلَى أَنْ أَسْقَطَتْ أَحَدَهُمَا وَلَمْ تُسْقِطْ الْآخَرَ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إذَا بَارَأَهَا عَلَى أَنْ لَا تَطْلُبَهُ بِشَيْءٍ فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا طَائِعًا أَوْ كَارِهًا. ابْنُ رُشْدٍ: رَأَى فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّ نَفَقَةَ الْحَمْلِ تَسْقُطُ تَبَعًا لِمَا الْتَزَمَتْهُ مِنْ رَضَاعِهِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ فِيمَنْ أَكْرَى دَارًا مُشَاهَرَةً فَدَفَعَ كِرَاءَ شَهْرٍ فَذَلِكَ بَرَاءَةٌ لِلدَّافِعِ مِمَّا قَبْلَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَلَمْ يُخَالِعْهَا فَدَفَعَ إلَيْهَا نَفَقَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 الرَّضَاعِ لَكَانَ ذَلِكَ بَرَاءَةً لَهُ مِنْ نَفَقَةِ الْحَمْلِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَسَقَطَتْ نَفَقَةُ الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كَانَ مَالِكٌ لَا يُجْبَرُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهَا النَّفَقَةَ عَلَى فَطِيمٍ وَلَا رَضِيعٍ بَعْدَ الْفِطَامِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ. هَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَرَطَ عَلَيْهَا نَفَقَةَ الْوَلَدِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ أَمَدًا سَمَّيَاهُ أَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ نَفَقَةَ نَفْسِهِ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ الْخُلْعَ وَلَزِمَهَا نَفَقَةُ الْوَلَدِ فِي الْحَوْلَيْنِ فَقَطْ، وَلَا يَلْزَمُهَا مَا أَنَافَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَلَا مَا اشْتَرَطَهُ الزَّوْجُ مِنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ. وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ: يَلْزَمُهَا نَفَقَةُ الزَّوْجِ وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ كَالْخُلْعِ بِالْغَرَرِ وَقَالَهُ سَحْنُونَ: ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ أَصْوَبُ. ابْنُ سَلْمُونَ: وَبِهَذَا جَرَى الْعَمَلُ وَالْقَضَاءُ ابْنُ الْعَطَّارِ: وَبِقَوْلِ الْمُغِيرَةِ الْقَضَاءُ عِنْدَنَا، وَكَذَلِكَ كَانَ ابْنُ لُبَابَةَ لَا يَرَى كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا رِوَايَتَهُ. اُنْظُرْ عَلَى هَذَا الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَالْقَضَاءُ إذَا مَاتَتْ هَلْ تَكُونُ النَّفَقَةُ فِي مَالِهَا، وَانْظُرْ أَيْضًا إنْ مَاتَ الْأَبُ مَلِيًّا أَوْ حَدَثَ لِلْوَلَدِ مَالٌ، وَانْظُرْ إنْ كَانَ فِي الْوَثِيقَةِ إلَى أَنْ تُنْكَحَ الْأُنْثَى وَيَبْلُغَ الذَّكَرُ. وَمُقْتَضَى مَا لِلْمُتَيْطِيِّ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ، هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ إلَى أَنْ تَسْقُطَ النَّفَقَةُ عَنْ الْأَبِ شَرْعًا. وَانْظُرْ أَيْضًا عَلَى هَذَا إذَا مَاتَ الْأَبُ مُعْدِمًا صَعُبَ تَحَمُّلُ عَهْدِ هَذَا مَعَ مُعَارَضَةِ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَاَلَّذِي اخْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ. وَانْظُرْ إذَا رَاجَعَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ هَذِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَسْقُطُ عَنْهَا مَا تَحَمَّلَتْ مِنْ النَّفَقَةِ وَلَا تَعُودُ عَلَيْهَا إنْ طَلَّقَهَا إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ لَهُ التَّحَمُّلَ. وَانْظُرْ إذَا تَزَوَّجَتْ وَجَعَلَ لَهَا هَذَا الزَّوْجُ الْوَلَدَ فِي الْمَهْرِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: إنْ كَانَ ذَلِكَ لِلْوَلَدِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْأَبِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ فَلَهَا الرُّجُوعُ بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ (وَزَائِدٌ شُرِطَ) قَالَ مَالِكٌ: إنْ خَالَعَتْهُ عَلَى شَرْطٍ أَنْ لَا يَنْكِحَ غَيْرَهَا، فَإِنْ فَعَلَ رَدَّ عَلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا فَلَا يَلْزَمُهُ الشَّرْطُ وَالْخُلْعُ لَازِمٌ وَلَا يَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهَا إنْ نَكَحَ غَيْرَهَا (كَمَوْتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا (وَإِنْ مَاتَتْ أَوْ انْقَطَعَ لَبَنُهَا أَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَعَلَيْهَا) أَمَّا إنْ مَاتَتْ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الرَّضَاعَ وَالنَّفَقَةَ فِي مَالِهَا، وَأَمَّا إنْ انْقَطَعَ لَبَنُهَا فَقَالَ: الْمُتَيْطِيُّ: إنْ انْقَطَعَ لَبَنُهَا دُونَ السَّنَتَيْنِ اسْتَرْضَعَتْهُ مِنْ مَالِهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَدِيمَةً اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهَا وَتَبِعَهَا. وَصَوَّبَ اللَّخْمِيِّ عَدَمَ اتِّبَاعِهِ. وَأَمَّا إنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: يَلْزَمُهَا رَضَاعُهُمَا وَلَا تُعْذَرُ إنْ قَالَتْ لَا طَاقَةَ لِي بِهِمَا. ابْنُ سَلْمُونَ: إنْ مَاتَ الْمَوْلُودُ فَلَا شَيْءَ لِلْأَبِ عَلَى الزَّوْجَةِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْتِزَامِهَا إبْرَاءُ الْأَبِ مِنْ مُؤْنَتِهِ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ الْقَضَاءُ وَكَذَلِكَ إنْ ارْتَجَعَهَا فَإِنَّهَا يَسْقُطُ عَنْهَا مَا تَحَمَّلَتْهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَتَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ وَلَا تَعُودُ عَلَيْهَا إنْ طَلَّقَهَا ثَانِيَةً إلَّا أَنْ تَتَحَمَّلَهَا وَإِنْ عَدِمَتْ الْأُمُّ فِي خِلَالِ الْمُدَّةِ عَادَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ فَإِذَا أَيْسَرَتْ اتَّبَعَهَا بِمَا أَنْفَقَ عَلَى ابْنِهِ مُدَّةَ عَدَمِهَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ الَّذِي جَرَى بِهِ الْقَضَاءُ. وَدَلِيلُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا تُمْنَعُ مِنْ التَّزْوِيجِ حَتَّى تَتِمَّ مُدَّةُ الرَّضَاعِ. وَانْظُرْ إذَا أَشْهَدَتْ فِي عَقْدِ الْخُلْعِ أَنَّهَا مَوْفُورَةُ الْحَالِ وَأَنَّهَا مَتَى أَثْبَتَتْ أَنَّهَا عَدِيمَةٌ فَذَلِكَ بَاطِلٌ ثُمَّ أَثْبَتَتْ الْعَدَمَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا تَنْتَفِعُ بِمَا شَهِدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 لَهَا مِنْ الْعَدَمِ حَتَّى يَشْهَدُوا بِمَعْرِفَةِ ذَهَابِ مَالِهَا. (وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْآبِقِ وَالشَّارِدِ) . الْمُتَيْطِيُّ: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخُلْعِ عَلَى الْبَعِيرِ الشَّارِدِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا عَلَى التَّبْقِيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ فَهُوَ جَائِزٌ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى غَرَرٍ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ فَلَا تَبَعَةَ لَهُ قِبَلَهَا وَاخْتَلَفُوا عَلَى مَنْ يَكُونُ سَقْيُ الثَّمَرَةِ (إلَّا لِشَرْطٍ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: نَفَقَةُ الْآبِقِ وَالشَّارِدِ عَلَى الزَّوْجِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ (لَا نَفَقَةَ جَنِينٍ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ) . ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ: عَلَيْهَا رِعَايَةُ الْغَنَمِ قَبْلَ وِلَادَتِهَا وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا إلَى خُرُوجِ الْجَنِينِ (وَأُجْبِرَ عَلَى جَمْعِهِ مَعَ أُمِّهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ يُجْبَرَانِ عَلَى جَمْعِهِ مَعَ أُمِّهِ (وَفِي نَفَقَةِ ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا قَوْلَانِ) . الْمُتَيْطِيُّ: اخْتَلَفُوا عَلَى مَنْ يَكُونُ سَقْيُ الثَّمَرَةِ. [بَاب مُوجِب الْأَلْفَاظ الْمُعَلَّقَة بِالْإِعْطَاءِ فِي الخلع] (وَكَفَتْ الْمُعَاطَاةُ) . ابْنُ عَرَفَةَ: صِيغَةُ الْخُلْعِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَلَوْ إشَارَةً فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا وَانْقَلَبَتْ وَقَالَ ذَاكَ بِذَاكَ وَلَمْ يُسَمِّيَا طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقُ الْخُلْعِ، وَإِنْ سَمَّيَا طَلَاقًا لَزِمَ مَا سَمَّيَا (وَإِنْ عُلِّقَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 بِالْإِقْبَاضِ أَوْ الْأَدَاءِ لَمْ يَخْتَصَّ بِالْمَجْلِسِ إلَّا لِقَرِينَةٍ) هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الصِّيغَةُ كَالْبَيْعِ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إلَّا أَنْ يَقَعَ مُعَلَّقًا مُبْهَمًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ نَاجِزًا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى عَبْدِك هَذَا فَإِنْ قَبِلَتْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَإِلَّا فَلَا قَبُولَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ. قِيلَ: فَإِنْ قَالَ لَهَا إذَا أَعْطَيْتنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ هَلْ ذَلِكَ لَهَا مَتَى أَعْطَتْهُ قَالَ قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك مَتَى شِئْت أَوْ إلَى أَجَلٍ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ إلَّا أَنْ تُوقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ فَتَقْضِيَ أَوْ تَرُدَّ أَوْ تُوطَأَ طَوْعًا فَيَبْطُلُ مَا بِيَدِهَا وَلَا يَكُونُ لَهَا أَنْ تَقْضِيَ بَعْدَ ذَلِكَ (وَلَزِمَ فِي أَلْفٍ الْغَالِبُ) . ابْنُ شَاسٍ: إنْ خَالَعَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ فَأَتَتْ بِغَيْرِ الْغَالِبِ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ بَلْ يَخْتَصُّ وُقُوعُهُ بِالْغَالِبِ (وَالْبَيْنُونَةُ إنْ قَالَ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَارَقْتُك أَوْ أُفَارِقُك إنْ فُهِمَ الِالْتِزَامُ أَوْ الْوَعْدُ إنْ وَطِئَهَا) . ابْنُ شَاسٍ: إنْ قَالَ لَهَا مَتَى جِئْت بِكَذَا فَارَقْتُكِ أَوْ أُفَارِقُكِ فَأَصْلُ هَذَا أَنْ تُنْظَرَ، فَإِنْ فُهِمَ عَنْهُ الِالْتِزَامُ لَزِمَ، وَإِنْ فُهِمَ عَنْهُ الْوَعْدُ فَقَوْلَانِ فِي وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: أَمَّا لَوْ أَدْخَلَهَا فِي شَيْءٍ بِذَلِكَ الْوَعْدِ فَالْمَذْهَبُ اللُّزُومُ. اُنْظُرْ ثَانِيَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ، وَانْظُرْ فِيهِ أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ فِي رَسْمِ الْعَرِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ ادْفَعِي إلَيَّ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ وَأُطَلِّقُك، أَوْ لِغُلَامِهِ ادْفَعْ إلَيَّ خَمْسِينَ دِينَارًا وَأُعْتِقُك، فَلَمَّا دَفَعَ لَهُ ذَلِكَ أَبَى مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ. وَانْظُرْ أَوَّلَ تَرْجَمَةٍ مِنْ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ، وَانْظُرْ أَيْضًا فِيمَنْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ بَعْدَ الشِّرَاءِ مِنْ اللَّخْمِيِّ (أَوْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً) . ابْنُ شَاسٍ: إذَا قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ عَلَى الْمَنْصُوصِ (وَبِالْعَكْسِ) . ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ وَلَا كَلَامَ لَهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ. ابْنُ عَرَفَةَ رَوَاهُ اللَّخْمِيِّ اهـ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا قَرَّرَهُ ابْنُ سَلْمُونَ قَبْلَ قَوْلِهِ أَوْ بِكَوْنِهِ يُفْسَخُ بِلَا طَلَاقٍ (أَوْ أَبِنِّي بِأَلْفٍ) . ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَتْ أَبِنِّي بِأَلْفٍ فَقَالَ أَبَنْتُك نَفَذَ الْخُلْعُ وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ (أَوْ طَلِّقْنِي نِصْفَ طَلْقَةٍ) . ابْنُ شَاسٍ: إنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي نِصْفَ طَلْقَةٍ بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ بَانَتْ وَعَلَيْهَا أَلْفُ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْ نِصْفِي بِأَلْفٍ (أَوْ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ) . ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَتْ لَهُ لَك أَلْفٌ إنْ طَلَّقْتنِي فِي جَمِيعِ هَذَا الشَّهْرِ وَلَمْ تُؤَخِّرْ اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ إنْ وَافَقَ (فَيَفْعَلُ) هَذَا رَاجِعٌ إلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ قَبْلُ (أَوْ قَالَتْ بِأَلْفٍ غَدًا فَقَبِلَتْ فِي الْحَالِ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ فَقَبِلَتْ. ابْنُ شَاسٍ: إذَا قَالَتْ طَلِّقْنِي غَدًا وَلَك أَلْفٌ اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ مَهْمَا طَلَّقَ، إمَّا فِي الْغَدِ وَإِمَّا قَبْلَهُ إذَا فَهِمَ مِنْ مَقْصُودِهَا تَعْجِيلَ الطَّلَاقِ، وَإِنْ فَهِمَ مِنْهُ تَخْصِيصَ الْيَوْمِ لَمْ يَسْتَحِقَّ، وَلَوْ طَلَّقَ بَعْدَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ أَنَا طَالِقٌ السَّاعَةَ، أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ إنْ شِئْت فَقَالَتْ أَنَا طَالِقٌ غَدًا، وَقَعَ الطَّلَاقُ فِيهِمَا جَمِيعًا السَّاعَةَ (أَوْ بِهَذَا الْهَرَوِيِّ فَإِذَا هُوَ مَرْوِيٌّ) . ابْنُ شَاسٍ: إنْ قَالَ إنْ أَعْطَيْتنِي هَذَا الثَّوْبَ الْمَرْوِيَّ فَأَنْتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 طَالِقٌ فَإِذَا هُوَ هَرَوِيٌّ طَلُقَتْ إنْ أَعْطَتْهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَظْهَرُ عَدَمُ اللُّزُومِ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَفْضَلَ وَغَرَّتْهُ (أَوْ بِمَا فِي يَدِهَا وَفِيهِ مُتَمَوَّلٌ) اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَتْ أُخَالِعُكِ عَلَى مَا فِي يَدِي فَفَتَحَتْ يَدَهَا عَنْ دِينَارٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْخُلْعُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا قَدْرَ لَهُ كَالدِّرْهَمِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا خُلْعَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَحْسَنُ (أَوْ لَا عَلَى الْأَحْسَنِ) عَكْسُ هَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ اللَّخْمِيِّ إنَّهُ الْأَحْسَنُ (لَا إنْ خَالَعَتْهُ بِمَا لَا شُبْهَةَ لَهَا فِيهِ) عَبْدُ الْمَلِكِ: إنْ قَالَتْ أُخَالِعُكِ عَلَى دَارِي هَذِهِ أَوْ عَبْدِي هَذَا فَإِذَا هُمَا لَيْسَا لَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ وَلَوْ كَانَ لَهَا شُبْهَةُ مِلْكٍ لَزِمَهُ (أَوْ بِتَافِهٍ فِي إنْ أَعْطَيْتنِي مَا أُخَالِعُكِ بِهِ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ قَالَ إنْ أَعْطَيْتنِي مَا أُخَالِعُكِ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِالتَّافِهِ وَيَلْزَمُ بِالْمِثْلِ عَلَى الْأَصَحِّ (أَوْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِالثُّلُثِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ أَنَّ الْتِزَامَ مُعَاوَضَةِ كُلٍّ بِكُلٍّ لَا تُوجِبُهُ بِجُزْءٍ مِنْهُ بِمِثْلِهِ مِنْ الْآخَرِ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ لِلْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ اعْتِبَارًا وَقَصْدًا. فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَوْ قَالَ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَقَالَتْ قَبِلْتُ وَاحِدَةً عَلَى ثُلُثِهَا لَمْ تَقَعْ وَلَوْ قَبِلَتْ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ وَقَعَتْ صَوَابٌ. [بَاب سُؤَال الطَّلَاق والنزاع فِي الخلع] (وَإِنْ ادَّعَى الْخُلْعَ أَوْ قَدْرًا أَوْ جِنْسًا حَلَفَتْ وَبَانَتْ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِيهَا مَعَ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ أَقَرَّ بِخُلْعٍ عَلَى شَيْءٍ فَأَنْكَرَتْهُ امْرَأَتُهُ وَلَا بَيِّنَةَ وَقَعَ الْفِرَاقُ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَحَلَفَتْ مَا خَالَعَتْهُ. ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ وَاخْتَلَفَا فِيمَا وَقَعَ بِهِ الْخُلْعُ أَوْ فِي وُقُوعِهِ مَجَّانًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا، وَإِذَا تَنَازَعَا فِي أَصْلِ الْعِوَضِ حَلَفَتْ وَبَانَتْ خِلَافًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ وَفِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ حَلَفَتْ وَبَانَتْ (وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنْ اخْتَلَفَا فِي الْعَدَدِ) . ابْنُ شَاسٍ: إنْ قَالَتْ سَأَلْتُكَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ بِأَلْفٍ فَأَجَبْتَنِي فَقَالَ بَلْ سَأَلَتْ وَاحِدَةً فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الْأَلْفِ وَوُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ بِهَا وَتَنَازَعَا فِي الْعَدَدِ الْوَاقِعِ مِنْ الطَّلَاقِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهُ (كَدَعْوَاهُ مَوْتَ عَبْدٍ أَوْ عَبِيدٍ قَبْلَهُ وَإِنْ ثَبَتَ مَوْتُهُ بَعْدَهُ فَلَا عُهْدَةَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ صَالَحَتْهُ عَلَى عَبْدٍ غَائِبٍ فَمَاتَ أَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَقَالَتْ كَانَ ذَلِكَ بِهِ بَعْدَ الصُّلْحِ وَقَالَ هُوَ قَبْلَهُ فَهِيَ مُدَّعِيَةٌ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةَ، وَإِنْ ثَبَتَ مَوْتُهُ بَعْدَ الصُّلْحِ فَلَا عُهْدَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، ابْنُ رُشْدٍ: اعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ. ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 [كِتَابُ الطَّلَاقِ] [بَابٌ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ] ابْنُ شَاسٍ كِتَابُ الطَّلَاقِ وَالنَّظَرُ فِي شَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ فِي عُمُومِ أَحْكَامِهِ وَفِيهِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ (طَلَاقُ السُّنَّةِ وَاحِدَةٌ بِطُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ بِلَا عِدَّةٍ وَإِلَّا فَبِدْعِيٌّ) ابْنُ الْحَاجِبِ: طَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ: وَهِيَ مُعْتَدَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَالْبِدْعِيُّ خِلَافُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: طَلَاقُ السُّنَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 مَا كَانَ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ بَعْدَ غُسْلِهَا أَوْ تَيَمُّمِهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً فَقَطْ وَغَيْرُ هَذَا بِدْعِيٌّ. (وَكُرِهَ فِي غَيْرِ الْحَيْضِ وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الرَّجْعَةِ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ قَالَ اللَّخْمِيِّ: يُكْرَهُ الطَّلَاقُ فِي طُهْرٍ جَامَعَ فِيهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ (كَقَبْلِ الْغُسْل مِنْهُ أَوْ التَّيَمُّمِ الْجَائِزِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ طَلَاقَ السُّنَّةِ هُوَ مَا كَانَ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ بَعْدَ غُسْلِهَا أَوْ تَيَمُّمِهَا وَإِلَّا فَهُوَ بِدْعِيٌّ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ (وَمُنِعَ فِيهِ وَوَقَعَ وَأُجْبِرَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ الْحَائِضُ مَدْخُولًا بِهَا كَانَ الطَّلَاقُ مَمْنُوعًا. ابْنُ شَاسٍ: فَإِنْ أَوْقَعَهُ فَفِي سِيَاقِ كَلَامِ أَشْهَبَ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ سَوَاءٌ ابْتَدَأَهُ أَوْ حَنِثَ فِيهِ، فَإِنْ أَبَى هُدِّدَ بِالسِّجْنِ، فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ حُبِسَ، فَإِنْ أَبَى ضُرِبَ بِالسَّوْطِ وَيَكُونُ ذَلِكَ كُلُّهُ قَرِيبًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ لَمْ يُطِعْ ارْتَجَعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ (وَلَوْ لِمُعَاوَدَةِ الدَّمِ لِمَا يُضَافُ فِيهِ الْأَوَّلُ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ طَلَّقَ لِارْتِفَاعِ الْحَيْضِ فَعَادَ قَبْلَ تَمَامِ طُهْرٍ فِي كَوْنِهِ كَالْحَيْضِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالثَّانِي لِبَعْضِ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ (عَلَى الْأَرْجَحِ) ابْنُ يُونُسَ: وَلِابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي عِمْرَانَ أَصْوَبُ لِأَنَّهَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ (وَالْأَحْسَنُ عَدَمُهُ) الْبَاجِيُّ: الْأَحْسَنُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي وَقْتٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 يَجُوزُ لَهُ إيقَاعُهُ وَيَصِحُّ صَوْمُهُ وَوَطْءُ الزَّوْجِ فِيهِ (لِآخِرِ الْعِدَّةِ) ابْنُ شَاسٍ: الْإِجْبَارُ عَلَيْهِ مُسْتَمِرٌّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ شَيْءٌ (وَإِنْ أَبَى هُدِّدَ ثُمَّ سُجِنَ ثُمَّ ضُرِبَ بِمَجْلِسٍ وَإِلَّا ارْتَجَعَ الْحَاكِمُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ بِهَذَا. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ (وَجَازَ الْوَطْءُ بِهِ) قَالَ أَبُو عِمْرَانَ فِي الَّذِي يَمْتَنِعُ مِنْ الرَّجْعَةِ فَيُجْبَرُ عَلَيْهَا لَهُ الْوَطْءُ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْمُتَزَوِّجِ عَلَى طَرِيقِ الْهَزْلِ أَنَّ النِّكَاحَ يَلْزَمُهُ وَلَهُ الْوَطْءُ وَيَكُونُ نِكَاحًا صَحِيحًا وَرَجْعَةً - صَحِيحَةً. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ خِلَافُ قَوْلِ أَبِي عِمْرَانَ لَا يَسْتَمْتِعُ حَتَّى يَنْوِيَ الِارْتِجَاعَ. ابْنُ رُشْدٍ: الْأَظْهَرُ جَوَازُ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا بِرَجْعَةِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ كَارِهًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ كَالسَّيِّدِ يُجْبِرُ عَبْدَهُ عَلَى النِّكَاحِ (وَالتَّوَارُثُ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا قَضَى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ بِالرَّجْعَةِ أَشْهَدَ عَلَى الْقَضِيَّةِ وَتَكُونُ رَجْعَةً - تَكُونُ بِهَا امْرَأَتَهُ أَبَدًا حَتَّى إنْ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ وَمَاتَا تَوَارَثَا (وَالْأَحَبُّ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ) . ابْنُ شَاسٍ: ثُمَّ الْمُسْتَحَبُّ بَعْدَ الِارْتِجَاعِ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ بَعْدَ ذَلِكَ لِئَلَّا تَكُونَ الرَّجْعَةُ لِلطَّلَاقِ، فَإِنْ طَلَّقَ فِي الطُّهْرِ التَّالِي لِلْحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَ فِيهَا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الرَّجْعَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ ارْتَجَعَهَا كَذَلِكَ وَلَمْ يُصِبْهَا كَانَ مُضِرًّا آثِمًا (وَفِي مَنْعِهِ فِي الْحَيْضِ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ فِيهَا جَوَازَ تَطْلِيقِ الْحَامِلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَوْ كَوْنِهِ تَعَبُّدًا لِمَنْعِ الْخُلْعِ وَعَدَمِ الْجَوَازِ وَإِنْ رَضِيَتْ وَجَبْرِهِ عَلَى الرَّجْعَةِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ خِلَافٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ الْحَامِلَ وَغَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا مَتَى شَاءَ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ إذْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. ابْنُ شَاسٍ: الْخُلْعُ فِي الْحَيْضِ لَا يَجُوزُ وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يَجُوزُ بِرِضَاهَا وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بِرِضَاهَا دُونَ خُلْعٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ مَنْ نَقَلَ الْجَوَازَ (وَصُدِّقَتْ أَنَّهَا حَائِضٌ وَرُجِّحَ إدْخَالُ خِرْقَةٍ وَيَنْظُرُهَا النِّسَاءُ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ ادَّعَتْ طَلَاقَهُ، إيَّاهَا وَهِيَ حَائِضٌ وَقَالَ بَلْ وَهِيَ طَاهِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا: الْقَوْلُ قَوْلُهَا وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ وَقَالَهُ سَحْنُونَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ كَانَتْ حِينَ تَدَاعَيَا حَائِضًا قُبِلَ قَوْلُهَا وَإِنْ كَانَتْ حِينَئِذٍ طَاهِرًا قُبِلَ قَوْلُهُ لَا قَوْلُهَا. ابْنُ يُونُسَ: لَوْ قَالَ قَائِلٌ يَنْظُرُ إلَيْهَا النِّسَاءُ بِإِدْخَالِ خِرْقَةٍ وَلَا كَشْفَةٍ فِي ذَلِكَ لَرَأَيْته صَوَابًا (إلَّا أَنْ يَتَرَافَعَا طَاهِرًا فَقَوْلُهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ (وَعَجَّلَ فَسْخَ الْفَاسِدِ فِي الْحَيْضِ) مِنْ النَّوَادِرِ: كُلُّ نِكَاحٍ يُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ لِحَرَامِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ فِي الْحَيْضِ وَتَأْخِيرُهُ أَعْظَمُ. وَأَمَّا مَا لِلْوَلِيِّ إجَازَتُهُ أَوْ فَسْخُهُ فَإِنْ بَنَى فَلَا يُفَرَّقُ فِيهِ إلَّا فِي الطُّهْرِ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ وَيُؤَخِّرُ ذَلِكَ سَيِّدُ الْعَبْدِ وَوَلِيُّ السَّفِيهِ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا عَلَيْهِ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ، وَلَوْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ وَرَشَدَ السَّفِيهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يُطَلِّقْ عَلَيْهِ (وَالطَّلَاقَ عَنْ الْمُولِي وَأُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ لَا لِعَيْبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ أَوْ انْتَفَى مِنْ حَمْلِهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ فَلَا يَتَلَاعَنَا حَتَّى تَطْهُرَ، وَكَذَلِكَ إنْ حَلَّ أَجَلُ التَّلَوُّمِ مِنْ الْمُعْسِرِ بِالنَّفَقَةِ أَوْ الْعِنِّينِ أَوْ غَيْرِهِ وَالْمَرْأَةُ حَائِضٌ فَلَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ حَتَّى تَطْهُرَ إلَّا الْمُولِي فَإِنَّهُ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَجَلِ إنْ قَالَ لَا أَفِيءُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ غَيْرَنَا يَقُولُ بِمُضِيِّ الْأَجَلِ تَبِينُ مِنْهُ. اللَّخْمِيِّ: إنْ أَخْطَأَ الْحَاكِمُ فَطَلَّقَ لِإِعْسَارٍ وَنَحْوِهِ فِي الْحَيْضِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِخِلَافِ طَلَاقِ الزَّوْجِ بِنَفْسِهِ لَمْ يَرِثَا مِنْ الْخُلْعِ فِي الْحَيْضِ كَالطَّلَاقِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ نَقْلَ جَوَازِهِ. لِغَيْرِ ابْنِ شَاسٍ (وَمَا لِلْوَلِيِّ فَسْخُهُ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَالطَّلَاقُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 عَلَى الْمُولِي " (أَوْ لِعُسْرِهِ بِالنَّفَقَةِ كَاللِّعَانِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَالطَّلَاقُ عَلَى الْمُولِي " (وَنُجِّزَتْ الثَّلَاثُ فِي شَرِّ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ) سَحْنُونَ: إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ شَرَّ الطَّلَاقِ أَوْ أَقْبَحَهُ أَوْ أَقْذَرَهُ أَوْ أَنْتَنَهُ أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 أَبْغَضَهُ أَوْ أَكْمَلَهُ فَهُوَ ثَلَاثٌ (وَفِي طَالِقٍ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ إنْ دَخَلَ بِهَا وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعْنَ سَاعَتَئِذٍ كَانَتْ طَاهِرًا أَوْ حَائِضًا وَبَانَتْ مِنْهُ. سَحْنُونَ: وَإِنْ قَالَ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا طَلْقَةٌ إذْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فَوَقَعَتْ الطَّلْقَتَانِ وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ وَلَيْسَ كَمَنْ نَسَقَ بِالطَّلَاقِ فِي مُقَامٍ وَاحِدٍ (كَخَيْرِهِ) سَحْنُونَ: إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ خَيْرَ الطَّلَاقِ أَوْ أَحْسَنَهُ أَوْ أَجْمَلَهُ أَوْ أَفْضَلَهُ فَهِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ (أَوْ وَاحِدَةٌ عَظِيمَةٌ أَوْ كَبِيرَةٌ أَوْ قَبِيحَةٌ أَوْ كَالْقَصْرِ) سَحْنُونَ: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً عَظِيمَةً أَوْ كَبِيرَةً أَوْ خَبِيثَةً أَوْ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ شَدِيدَةً أَوْ طَوِيلَةً أَوْ مُنْكَرَةً أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى الصِّينِ أَوْ إلَى الْبَصْرَةِ كُلُّهُ سَوَاءٌ فِيهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ حَتَّى يَنْوِيَ أَكْثَرَ (وَثَلَاثٌ لِلْبِدْعَةِ أَوْ بَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ فَثَلَاثٌ فِيهِمَا) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثٌ لِلسُّنَّةِ يُفَرَّقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا، لِأَنَّ مَعْنَى السُّنَّةِ فِي كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ، وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا تَبِينُ بِالْأُولَى بِخِلَافِ ثَلَاثٍ لِلْبِدْعَةِ فَهِيَ ثَلَاثٌ فِيهِمَا أَيْ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا، وَعِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ: إذَا قَالَ لِلطَّاهِرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 الْمَدْخُولِ بِهَا وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ لَزِمَهُ ثَلَاثٌ مَكَانَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا لَطَلُقَتْ مَكَانَهَا ثَلَاثًا أَيْضًا لِأَنَّ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ فِيهَا يَكُونُ ثَلَاثًا بِخِلَافِ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي أَرْكَانِ الطَّلَاقِ] ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي أَرْكَانِهِ. وَلَا بُدَّ لِنُفُوذِ الطَّلَاقِ مِنْ أَهْلٍ وَمَحَلٍّ وَلَفْظٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ (وَرُكْنُهُ أَهْلٌ وَقَصْدٌ وَمَحَلٌّ وَلَفْظٌ) هَذَا نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَيْسَتْ هَذِهِ بِأَرْكَانٍ وَإِنَّمَا هِيَ شُرُوطٌ (وَإِنَّمَا يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ وَلَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 سَكِرَ حَرَامًا وَهَلْ إلَّا أَنْ لَا يُمَيِّزَ أَوْ مُطْلَقًا تَرَدُّدٌ) ابْنُ شَاسٍ: شَرْطُ الْمُطَلِّقِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا فَلَا يَنْعَقِدُ طَلَاقُ الْكَافِرِ وَلَا الصَّبِيِّ وَلَا مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ نَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُذْهِبُ الِاسْتِشْعَارَ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: طَلَاقُ الْمُبَرْسَمِ فِي هَذَيَانِهِ لَا يَلْزَمُهُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَا إنْ سُقِيَ السَّكْرَانُ وَلَمْ يَعْلَمْ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ " وَلَمْ يَعْلَمْ " فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ شَرِبَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُفْقِدُ عَقْلَهُ لَزِمَهُ مَا أَعْتَقَ أَوْ طَلَّقَ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ وَإِنَّمَا أَلْزَمَ مَنْ أَلْزَمَ السَّكْرَانَ طَلَاقَهُ وَعِتْقَهُ لِأَنَّ مَعَهُ بَقِيَّةً مِنْ عَقْلِهِ لَا لِأَنَّهُ أَدْخَلَ السُّكْرَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَدْخَلَ السُّكْرَ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 نَفْسِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: طَلَاقُ السَّكْرَانِ أَطْلَقَ الصَّقَلِّيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ الرِّوَايَاتِ بِلُزُومِهِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: السَّكْرَانُ الْمُخْتَلِطُ طَلَاقُهُ لَازِمٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَلْزَمُهُ وَذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ رِوَايَةً (وَطَلَاقُ الْفُضُولِيِّ كَبَيْعِهِ وَلَزِمَ وَلَوْ هَزَلَ) ابْنُ عَرَفَةَ: هَزْلُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ لَازِمٌ اتِّفَاقًا وَهَزْلُ إطْلَاقِ لَفْظِهِ عَلَيْهِ الْمَعْرُوفُ لُزُومُهُ. اللَّخْمِيِّ: أَرَى إنْ قَامَ دَلِيلُ الْهَزْلِ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَدْ وَلَّيْتُكِ أَمْرَكِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالَتْ فَارَقْتُكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَهُمَا لَاعِبَانِ لَا يُرِيدَانِ طَلَاقًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَطَلَّقْتَ امْرَأَتَك قَالَ نَعَمْ كَمَا طَلَّقْتَ أَنْتَ امْرَأَتَكَ فَإِذَا بِالْآخَرِ قَدْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَالْآخَرُ لَمْ يَعْلَمْ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يُرِدْ طَلَاقًا وَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِطَلَاقِ الْآخَرِ وَلَا يَحْلِفُ أَنَّهُ كَانَ لَاعِبًا لِأَنَّ اللَّاعِبَ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ (لَا إنْ سَبَقَ لِسَانُهُ فِي الْفَتْوَى) . ابْنُ عَرَفَةَ: الرُّكْنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 الثَّالِثُ الْقَصْدُ وَشَرْطُهُ تَعَلُّقُهُ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ مَعَهُ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَرَادَ أَنْ يَلْفِظَ بِأَحْرُفِ الطَّلَاقِ فَلَفَظَ بِغَيْرِهَا غَلَطًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ كُلِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهَا بِمَا يَلْفِظُ طَالِقٌ فَيَلْزَمُهُ، فَسَبْقُ اللِّسَانِ لَغْوٌ إنْ ثَبَتَ وَإِلَّا فَفِي الْفُتْيَا فَقَطْ (أَوْ لُقِّنَ بِلَا فَهْمٍ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ لُقِّنَ الْأَعْجَمِيُّ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَهُوَ لَا يَفْهَمُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ (أَوْ هَذَى لِمَرَضٍ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا طَلَاقُ الْمُبَرْسَمِ فِي مَرَضِهِ لَا يَلْزَمُهُ (أَوْ قَالَ لِمَنْ اسْمُهَا طَالِقٌ يَا طَالِقُ وَقُبِلَ مِنْهُ فِي طَارِقٍ الْتِفَافُ لِسَانِهِ) ابْنُ شَاسٍ: قَوْلُهُ لِزَوْجَتِهِ الَّتِي اسْمُهَا طَالِقٌ يَا طَالِقُ لَغْوٌ وَلَوْ كَانَ اسْمُهَا طَارِقًا فَقَالَ زَلَّ لِسَانِي فَكَذَلِكَ، ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا مُطَلَّقَةُ وَلَمْ يُرِدْ طَلَاقًا إنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا فِي كَثْرَةِ الْكَلَامِ كَالْمُطَلَّقَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا لَوْ قَالَ أَرَدْت الْكَذِبَ لَا الطَّلَاقَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ (أَوْ قَالَ يَا حَفْصَةُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ فَطَلَّقَهَا فَالْمَدْعُوَّةُ وَطَلُقَتَا مَعَ الْبَيِّنَةِ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّالِثُ لِلطَّلَاقِ الْقَصْدُ وَيُتَوَهَّمُ اخْتِلَالُهُ بِسَبْقِ اللِّسَانِ وَبِالْهَزْلِ وَبِالْإِكْرَاهِ وَبِزَوَالِ الْعَقْلِ وَبِالْجَهْلِ كَمَا إذَا قَالَ يَا عَمْرَةُ فَأَجَابَتْهُ حَفْصَةُ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ حَسِبْتُهَا عَمْرَةُ طَلُقَتْ عَمْرَةُ وَفِي طَلَاقِ حَفْصَةَ خِلَافُ ابْنِ عَرَفَةَ: حَاصِلُهُ لُزُومُ طَلَاقِ الْمَنْوِيَّةِ وَفِي طَلَاقِ الْمُخَاطَبَةِ خِلَافٌ وَهَذَا خَامِسُ الْأَقْوَالِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْخِلَافُ فِي هَذَا قَائِمٌ مِنْ مَسْأَلَةِ نَاصِحٍ وَمَرْزُوقٍ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ رَاجِعْ الْمُطَوَّلَاتِ (أَوْ أُكْرِهَ) ابْنُ عَرَفَةَ: طَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَسَائِرُ فِعْلِهِ فِي نَفْسِهِ لَغْوٌ مِنْ ابْنِ بَطَّالٍ: «وَرُجُوعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَعًا فَقَالَ زَمِّلُونِي وَلَمْ يُخْبِرْ بِشَيْءٍ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يُسْأَلَ الْفَازِعُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ مَا دَامَ فِي حَالِ فَزَعِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ إنَّ الْمَذْعُورَ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعٌ وَلَا إقْرَارٌ فِي حَالِ فَزَعِهِ. وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ " قَوْلُ مَالِكٍ الْمُكْرَهُ عَلَى الْيَمِينِ لَيْسَ يَمِينُهُ بِشَيْءٍ وَإِنَّهُ إنْ أُكْرِهَ عَلَى الْيَمِينِ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَا الرَّغِيفَ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ فَإِنَّهُ إنْ أَكَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ حِنْثٌ. اللَّخْمِيِّ: مَنْ وَقَعَ مِنْهُ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ فِي الْمُكْرَهِ أَبْيَنُ، فَإِنْ نَوَى الْمُكْرَهُ الطَّلَاقَ، فَإِنْ كَانَ يَجْهَلُ إخْرَاجَ النِّيَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا فِي الْعِتْقِ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ حَلَفَ أَوْ دَفْعُ مُكْسٍ " وَالْإِكْرَاهُ عَلَى وُجُوهٍ مِنْهَا: أَنْ يُكْرَهَ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ، وَمِنْهَا أَنْ يُكْرَهَ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ وَأَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا ثُمَّ يَفْعَلُهُ طَوْعًا، وَمِنْهَا أَنْ يُكْرَهَ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ لَيَفْعَلَنَّ فَلَا يَفْعَلُ، وَمِنْهَا أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا فَأُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ، وَيَخْتَلِفُ إذَا حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ. وَانْظُرْ إذَا بَدَرَ بِالْيَمِينِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا لِيَذُبَّ عَلَى مَا خَافَ عَلَيْهِ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَلَّفَ وَكَانَتْ يَمِينُهُ خَوْفًا مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 قَتْلِهِ أَوْ ضَرْبِهِ أَوْ أَخْذِ مَالِهِ فَأَسْرَعَ بِالْيَمِينِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يُحَلَّفْ رَجَاءَ النَّجَاةِ لَزِمَتْهُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي لُصُوصٍ اسْتَحْلَفُوا رَجُلًا بِالْحُرِّيَّةِ وَالطَّلَاقِ أَنْ لَا يُخْبِرَ بِهِمْ ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُمْ قَالَ مَالِكٌ: لَا حِنْثَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَاهُ إذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُمْ مَكْرُوهًا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَخْشَ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَلْزَمُهُ إنْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ عَنْهُمْ وَيَحْنَثَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: طَلَاقُ الْمُكْرَهِ يَلْزَمُ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْدَمْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ الرِّضَا وَلَيْسَ وُجُودُهُ بِشَرْطٍ فِي الطَّلَاقِ كَالْهَازِلِ وَهَذَا قِيَاسٌ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ إلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ وَرَاضٍ بِهِ وَالْمُكْرَهُ غَيْرُ رَاضٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فِي الطَّلَاقِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. وَمِنْ غَرِيبِ الْأَمْرِ أَنَّ عُلَمَاءَنَا اخْتَلَفُوا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ عِرَاقِيَّةٌ سَدَلَتْ بِنَا مِنْهُمْ لَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَلَا كَانُوا هُمْ، وَأَيُّ فَرْقٍ يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِنَا بَيْنَ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْيَمِينِ فِي أَنَّهَا تَلْزَمُ وَبَيْنَ الْحِنْثِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَرَاجِعُوا بَصَائِرَكُمْ وَلَا تَغْتَرُّوا بِذِكْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهَا وَصْمَةٌ فِي الدِّرَايَةِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا فِي الْجِهَادِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَفِي الْخَيْلِ وَآلَةِ الْحَرْبِ قَوْلَانِ ". وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ لُبٍّ فِي بَيِّنَةِ الْإِكْرَاهِ أَنَّهُ سَلَّمَ فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ، فَإِنْ وَقَعَ التَّسْلِيمُ فِي وَقْتٍ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا تَنْفَعُهُ الْبَيِّنَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ. وَنَوَازِلُ الشَّعْبِيِّ: إذَا حَلَّفَ صَاحِبُ الْمَغَارِمِ صَاحِبَ حِمْلٍ عَلَى أَنَّهُ كَذَا وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ كَمَسْأَلَةِ الْعَاشِرِ (وَلَوْ بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ حَلَفَ فِي نِصْفِ عَبْدِ لَا بَاعَهُ فَأَعْتَقَ شَرِيكُهُ نِصْفَهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إلَّا أَنْ يُغْلَبَ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: لَا حِنْثَ عَلَيْهِ. الْمُتَيْطِيُّ: مِنْ أَصْلِ قَوْلِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا فَأُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَقَالَ أَيْضًا: إنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يُدْخِلَ رَبَائِبَهُ عَلَى أُمِّهِمْ وَلَا هِيَ عَلَيْهِمْ أُجْبِرَ عَلَى دُخُولِهِمْ إلَيْهَا وَلَا يَحْنَثُ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِكْرَاهُ غَيْرُ الشَّرْعِيِّ مُعْتَبَرٌ فِي دَرْءِ الْحِنْثِ بِهِ اتِّفَاقًا، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْإِكْرَاهِ الشَّرْعِيِّ. اُنْظُرْهُ فِي فَصْلِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ. وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ قُلْت: أَرَأَيْت إنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى أَمْرٍ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ فَقَضَى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ، أَتَرَى أَنْ يَلْزَمَهُ الْحِنْثُ؟ قَالَ: إي وَاَللَّهِ أَرَى عَلَيْهِ الْحِنْثَ. ابْنُ رُشْدٍ: مِثْلُ هَذَا فِي التَّخْيِيرِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَرَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَانْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ لُزُومَ شِقْصِ الشَّرِيكِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ قِيمَةِ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ فِي الِاسْتِهْلَاكِ وَقِيمَةِ كَلْبِ الصَّيْدِ إذَا اُسْتُهْلِكَ (أَوْ فِي فِعْلٍ) أَبُو عُمَرَ: مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا ثُمَّ فَعَلَهُ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا حَنِثَ، وَإِنْ أُكْرِهَ أَوْ غُلِبَ أَوْ فَاتَهُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ يَحْنَثْ (إلَّا أَنْ يَتْرُكَ التَّوْرِيَةَ مَعَ مَعْرِفَتِهَا) ابْنُ شَاسٍ: لَا يَقَعُ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 شَيْءٌ هَذَا مُطْلَقُ الرِّوَايَاتِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْحُكْمُ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتْرُكَ التَّوْرِيَةَ مَعَ الْعِلْمِ بِهَا وَالِاعْتِرَافِ بِأَنَّهُ لَمْ يُدْهَشْ بِالْإِكْرَاهِ عَنْهَا (لِخَوْفٍ مُؤْلِمٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ) ابْنُ شَاسٍ: حَدُّ الْإِكْرَاهِ مَا فُعِلَ بِالْإِنْسَانِ مِمَّا يَضُرُّهُ أَوْ يُؤْلِمُهُ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ إذَا كَانَ إكْرَاهُهُ بِشَيْءٍ يَلْحَقُهُ فِي بَدَنِهِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ تَعْذِيبٍ، وَسَوَاءٌ هُدِّدَ فَقِيلَ لَهُ إنْ لَمْ تَحْلِفْ فُعِلَ بِك كَذَا وَكَذَا أَوْ اُسْتُحْلِفَ وَلَمْ يُهَدَّدْ فَحَلَفَ فَرْقًا مِنْ ذَلِكَ (أَوْ سِجْنٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: إطْلَاقُ الرِّوَايَاتِ السِّجْنَ إكْرَاهٌ وَقَيَّدَهُ اللَّخْمِيِّ اُنْظُرْهُ فِيهِ (أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: الصَّفْعُ لِذِي الْقَدْرِ إكْرَاهٌ (بِمَلَأٍ) هَذَا نَصُّ ابْنِ شَاسٍ (أَوْ قَتْلِ وَلَدِهِ) ابْنُ شَاسٍ: التَّخْوِيفُ بِقَتْلِ الْوَلَدِ إكْرَاهٌ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هَذَا خِلَافُ الْمَنْقُولِ ابْنُ عَرَفَةَ: لَيْسَ بِخِلَافٍ (أَوْ لِمَالِهِ وَهَلْ إنْ كَثُرَ تَرَدُّدٌ) ابْنُ شَاسٍ: التَّخْوِيفُ بِإِتْلَافِ الْمَالِ يُعَدُّ إكْرَاهًا فِي الطَّلَاقِ. ابْنُ عَرَفَةَ: عَزَاهُ ابْنُ مُحْرِزٍ لِمَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ خِلَافًا لِأَصْبَغَ، وَقَصَرَ اللَّخْمِيِّ الْخِلَافَ عَلَى غَيْرِ الْقَلِيلِ. ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ قَلَّ الْمَالُ بِالنِّسْبَةِ إلَى رَبِّهِ فَلَا إكْرَاهَ (لَا أَجْنَبِيٍّ وَأُمِرَ بِالْحَلِفِ لِيُسَلِّمَ) ابْنُ شَاسٍ: اُخْتُلِفَ فِي التَّخْوِيفِ بِقَتْلِ أَجْنَبِيٍّ هَلْ يُعَدُّ إكْرَاهًا. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الصَّحِيحُ أَنَّ خَوْفَهُ عَلَى غَيْرِهِ كَنَفْسِهِ. اللَّخْمِيِّ: إنْ اسْتَخْفَى عِنْدَهُ مَنْ طُلِبَ قَتْلُهُ ظُلْمًا فَأُحْلِفَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَبَى قُتِلَ الْمَطْلُوبُ دُونَ ضَرَرِ الْحَالِفِ فَقَالَ مَالِكٌ: حَانِثٌ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا نَصَّ. وَحَاصِلُ الْمَذْهَبِ حَانِثٌ وَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَهُوَ مَأْجُورٌ فِي الدَّرَاءَةِ عَنْ الرَّجُلِ أَوْ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَرَجٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ وَلَا كَانَ مُسْتَخْفِيًا فِي دَارِهِ إلَّا أَنَّهُ يَعْلَمُ مَكَانَهُ أَوْ مَكَانَ مَالِهِ فَقِيلَ لَهُ إنْ لَمْ تَحْلِفْ أَنَّك مَا تَعْلَمُ مَكَانَهُ وَلَا مَكَانَ مَالِهِ فَعَلْنَا بِك كَذَا كَذَا مِنْ ضَرْبٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ خَشِيَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ إنْ لَمْ يَحْلِفْ، جَازَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ إنْ أَرَادُوا قَتْلَهُ وَلَمْ تَلْزَمْهُ الْيَمِينُ بِاتِّفَاقٍ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهَا إذْ لَا خُرُوجَ لَهُ عَنْهَا إلَّا بِإِبَاحَةِ حُرْمَةِ نَفْسِهِ أَوْ بِإِبَاحَةِ دَمِ غَيْرِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَأَمَّا إنْ أَرَادُوا أَخْذَ مَالِهِ وَلَمْ يُرِيدُوا قَتْلَهُ فَيَجْرِي الْأَمْرُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْأَمْوَالِ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِمَالِ الرَّجُلِ إنْ أَعْلَمَهُمْ بِمَوْضِعِهِ (وَكَذَا الْعِتْقُ) فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ مَرَّ عَلَى عَاشِرٍ فَقَالَ هُوَ حُرٌّ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْحُرِّيَّةَ فَلَا عِتْقَ لَهُ. اللَّخْمِيِّ: إنْ أَبَى أَنْ يَتْرُكَهُ حَتَّى يَقُولَ إنْ كَانَ عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ فِي اللُّصُوصِ يَحْلِفُونَ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَلَوْ بِكَتَقْوِيمٍ " (وَالنِّكَاحُ وَالْإِقْرَارُ وَالْيَمِينُ وَنَحْوُهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا أَثَرَ لِطَلَاقِ الْإِكْرَاهِ كَنِكَاحِهِ وَعِتْقِهِ وَغَيْرِهِ أَوْ الْإِقْرَارِ بِهِ وَالْيَمِينِ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ. ابْنُ عَرَفَةَ: طَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَسَائِرُ فِعْلِهِ فِي نَفْسِهِ لَغْوٌ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: ثُمَّ إذَا أُكْرِهَ فَسَوَاءٌ أُكْرِهَ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ أَوْ الْيَمِينِ بِهِ أَوْ الْحِنْثِ فِي يَمِينٍ لَزِمَتْ بِهِ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ. وَانْظُرْ جَامِعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 الطَّلَاقِ مِنْ الْمُنْتَقَى. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَلْزَمُ الْمُكْرَهُ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا مِنْ كَلَامٍ يَدْرَأُ عَنِّي سَوْطَيْنِ إلَّا كُنْت مُتَكَلِّمًا بِهِ (وَأَمَّا الْكُفْرُ وَسَبُّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَذْفُ الْمُسْلِمِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْقَتْلِ) سَحْنُونَ وَغَيْرُهُ: إنْ أُكْرِهَ عَلَى كُفْرٍ أَوْ شَتْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ قَذْفِ مُسْلِمٍ بِقَطْعِ عُضْوٍ أَوْ ضَرْبٍ يَخَافُ مِنْهُ تَلَفُ بَعْضِ أَعْضَائِهِ لَا تَلَفُ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ إنَّمَا يَسَعُهُ ذَلِكَ لِخَوْفِ الْقَتْلِ لَا لِغَيْرِهِ وَلَهُ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يُقْتَلَ وَهُوَ أَفْضَلُ (كَالْمَرْأَةِ لَا تَجِدُ مَنْ يَسُدُّ رَمَقَهَا إلَّا لِمَنْ يَزْنِي بِهَا) سَحْنُونَ: وَأَمَّا الْمَرْأَةُ تَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا الْهَلَاكَ مِنْ الْجُوعِ وَلَا تَجِدُ مَنْ يَسُدُّ رَمَقَهَا إلَّا لِمَنْ يَطْلُبُ مِنْهَا الزِّنَا فَإِنَّهُ يُسَوَّغُ لَهَا ذَلِكَ لِلْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهَا وَيَصِيرُ حَالُهَا حَالَ الْمُكْرَهِ بِتَخْوِيفِ الْقَتْلِ (وَصَبْرُهُ أَجْمَلُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ سَحْنُونٍ: وَلَهُ أَنْ يَصْبِرَ (لَا قَتْلُ الْمُسْلِمِ وَقَطْعُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: الْإِكْرَاهُ عَلَى الْأَفْعَالِ إنْ كَانَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ كَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْإِكْرَاهَ غَيْرُ نَافِعٍ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا فِي مِثْلِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَالسُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَالزِّنَا بِالْمَرْأَةِ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا وَمَا أَشْبَهَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 ذَلِكَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ فَقَالَ سَحْنُونَ: إنَّ الْإِكْرَاهَ فِي ذَلِكَ إكْرَاهٌ وَهُوَ دَلِيلُ مَا فِي النِّكَاحِ الثَّالِثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّ الْإِكْرَاهَ فِي ذَلِكَ لَا يَكُونُ إكْرَاهًا يَنْتَفِعُ الْمُكْرَهُ بِهِ (وَإِنْ بِزِنًا) اُنْظُرْ لَوْ قَالَ بِمُتَزَوِّجَةٍ لَكَانَ مُقْتَضَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَوْ يَكُونُ بَنَى عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فَانْظُرْهُ (وَفِي لُزُومِ طَاعَةٍ أُكْرِهَ عَلَيْهَا قَوْلَانِ) ابْنُ رُشْدٍ: اتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْيَمِينِ لَا تَلْزَمُهُ إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ فِيمَا لِلَّهِ فِيهِ مَعْصِيَةٌ أَوْ فِيمَا لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ طَاعَةٌ وَلَا مَعْصِيَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ فِيمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 فِيهِ طَاعَةٌ مِثْلَ أَنْ يُكْرِهَ الْوَالِدُ أَوْ الْوَلِيُّ الِابْنَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ فَقَالَ أَصْبَغُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ حَبِيبٍ: تَلْزَمُهُ. (كَإِجَازَتِهِ كَالطَّلَاقِ طَائِعًا وَالْأَحْسَنُ الْمُضِيُّ) أَمَّا إجَازَةُ النِّكَاحِ فَلِابْنِ سَحْنُونٍ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا بِإِبْطَالِ نِكَاحِ الْمُكْرَهَةِ وَالْمُكْرَهِ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ لِلْمُكْرَهِ وَلَا لِلْمُكْرَهَةِ إجَازَةُ ذَلِكَ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَقْدًا وَلَوْ كَانَ عَقْدًا لِبَطَلِ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ عَلَى خِيَارٍ. وَقِيلَ: يَجُوزُ إمْضَاؤُهُ إنْ قَرُبَ. وَمِنْ الْمُعِينِ مَا نَصُّهُ: مَنْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَةٍ أَوْ عِتْقِ عَبْدِهِ ثُمَّ أَجَازَ ذَلِكَ آمِنًا لَزِمَهُ. قِيلَ لِسَحْنُونٍ: وَلِمَ أَلْزَمْته ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ انْعَقَدَ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَلَا عِتْقٌ وَإِنَّمَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ مَا لَمْ يَلْزَمْهُ؟ قَالَ: إنَّمَا أَلْزَمْته ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ، لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُلْزِمُ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَعِتْقَهُ بِالْإِكْرَاهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْعِدَّةَ وَأَحْكَامَ الْحُرِّيَّةِ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِالْإِكْرَاهِ (وَمَحَلُّهُ مَا مَلَكَهُ قَبْلَهُ وَإِنْ تَعْلِيقًا) ابْنُ الْحَاجِبِ: مِنْ أَرْكَانِ الطَّلَاقِ الْمَحَلُّ وَشَرْطُهُ مِلْكِيَّةُ الزَّوْجِ قَبْلَهُ تَحْقِيقًا أَوْ تَعْلِيقًا. ابْنُ شَاسٍ: فَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ نَفَذَ الطَّلَاقُ لِتَحَقُّقِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا. فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَنَكَحَهَا ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ إذْ لَا وِلَايَةَ عَلَى الْمَحَلِّ تَحْقِيقًا وَلَا تَعْلِيقًا. أَمَّا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى وُجُودِ تَحَقُّقِ الْوِلَايَةِ كَقَوْلِهِ إنْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ تَرَتُّبِهِ عَلَيْهَا تَحْقِيقًا وَتَعْلِيقًا، فَإِذَا نَكَحَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ لِأَنَّ تَحْقِيقَ الْوِلَايَةِ إنَّمَا يَقِفُ عَلَيْهِ نُفُوذُ الطَّلَاقِ وَوُقُوعُهُ. فَأَمَّا التَّعْلِيقُ فَهُوَ يَمِينٌ بِالطَّلَاقِ لَا نُفُوذَ فِيهِ وَلَا وُقُوعَ إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِهِ وَصَارَ كَالصَّدَقَةِ بِمَا يَمْلِكُ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَالْعِتْقِ لِمَا فِي الْبَطْنِ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَالْمَخْزُومِيُّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبَ الشُّرْطَةِ وَكَانَ أَبُو الْمَخْزُومِيِّ حَلَفَ بِهِ عَلَى أُمِّهِ. وَانْظُرْ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجْت أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَطَأُ حَرَامًا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً كَانَ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا إنْ تَزَوَّجَهَا أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَذَلِكَ صَحِيحٌ عَلَى أُصُولِهِمْ فِي مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ قَوِيٌّ مَشْهُورٌ. وَمِنْ تَرَاجِمِ الْمُوَطَّأِ يَمِينُ الرَّجُلِ بِطَلَاقٍ مَا لَمْ يَنْكِحْ (كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ هِيَ طَالِقٌ عِنْدَ خِطْبَتِهَا أَوْ إنْ دَخَلَتْ وَنَوَى بَعْدَ نِكَاحِهَا) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ غَدًا فَتَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إنْ تَزَوَّجْتُكِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَا خِلَافَ فِيمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إلَّا أَنْ يُرِيدَ إلَّا إنْ تَزَوَّجْتُك (وَتَطْلُقُ عَقِيبَهُ وَعَلَيْهِ النِّصْفُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ إنْ نَكَحْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَزِمَهُ طَلَاقُهَا وَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى، فَإِنْ بَنَى وَلَمْ يَعْلَمْ فَعَلَيْهِ صَدَاقٌ وَاحِدٌ لَا صَدَاقٌ وَنِصْفٌ كَمَنْ وَطِئَ بَعْدَ حِنْثِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ (إلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ عَلَى الْأَصْوَبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلُّ مَنْ أَتَزَوَّجُ عَلَيْك طَالِقٌ فَإِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ بَقِيَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرَاجَعَهَا بَعْدَ زَوْجٍ وَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: رَأَى أَنَّهُ لَمَّا أَبَتَّهَا وَرَاجَعَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَكَأَنَّهَا امْرَأَةٌ أُخْرَى لِزَوَالِ الْعِصْمَةِ الَّتِي حَلَفَ لَهَا فِيهَا اهـ. اُنْظُرْ تَسْلِيمَ ابْنِ يُونُسَ هَذَا وَتَسْلِيمَهُ مَا فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْعِصْمَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهَا لَا فِي غَيْرِهَا، وَسَيَأْتِي لِعِيَاضٍ أَنَّ هَذَا مُعْتَرَضٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ يَمِينَهُ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ اهـ. فَانْظُرْ إنْ كَانَ خَلِيلٌ أَشَارَ إلَى هَذَا الْفَرْعِ أَوْ تَكُونُ إشَارَتُهُ إلَى مَا حَكَاهُ بَهْرَامَ أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ إذَا أَبَتَّهَا بِالثَّلَاثِ ثُمَّ رَاجَعَهَا فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ عَلَى مَا صَوَّبَهُ التُّونِسِيُّ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ فَانْظُرْهُ أَنْتَ وَهَذَا أَيْضًا مُشْكِلٌ (وَلَوْ دَخَلَ بِالْمُسَمَّى فَقَطْ كَوَاطِئٍ بَعْدَ حِنْثِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ) تَقَدَّمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 هَذَا النَّصُّ قَبْلَ قَوْلِهِ " إلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ " (كَأَنْ أَبْقَى كَثِيرًا) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْحَرَجِ، فَلَوْ أَبْقَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا كَثِيرًا لَزِمَهُ (بِذِكْرِ جِنْسٍ أَوْ بَلَدٍ) هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: إنْ عَيَّنَ صِفَةً أَوْ عَيَّنَ مَكَانًا بِعَيْنِهِ كَتَعْيِينِهِ الْفُسْطَاطَ أَوْ إفْرِيقِيَةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ فِيمَنْ يَتَزَوَّجُ مِمَّنْ ذُكِرَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُهُ فِيمَنْ تَحْتَهُ مِنْهُنَّ إلَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا (أَوْ زَمَانٍ يَبْلُغُهُ عُمْرُهُ ظَاهِرًا) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةٍ أَوْ أَرْبَعِينَ فَهِيَ طَالِقٌ لَزِمَهُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يَحْيَا لِمَا ذُكِرَ، فَإِنْ خَشِيَ الْعَنَتَ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَتَسَرَّى بِهِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ ضَرَبَ أَجَلًا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ. ابْنُ الْمَاجِشُونِ: التَّعْمِيرُ فِي ذَلِكَ تِسْعُونَ عَامًا (لَا فِيمَنْ تَحْتَهُ إلَّا إذَا تَزَوَّجَهَا) اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ " أَوْ زَمَانٍ ". وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ لَوْ عَلَّقَ التَّحْرِيمَ بِمَا يَبْقَى كَثِيرًا لَزِمَ وَلَا تَدْخُلُ الزَّوْجَةُ إلَّا إنْ بَانَتْ وَشَمِلَهَا لَفْظُهُ (وَلَهُ نِكَاحُهَا وَنِكَاحُ الْإِمَاءِ فِي كُلِّ حُرَّةٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لُزُومُ الطَّلَاقِ لِحُرٍّ إذَا قَالَ كُلُّ حُرَّةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ لِأَنَّهُ أَبْقَى الْإِمَاءَ. اُنْظُرْ الْخِلَافَ فِي هَذَا (وَلَزِمَ فِي الْمِصْرِيَّةِ فِيمَنْ أَبُوهَا كَذَلِكَ) الْبَاجِيُّ: مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً أَبُوهَا مِصْرِيٌّ وَأُمُّهَا شَامِيَّةٌ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ: يَحْنَثُ وَالْوَلَدُ تَابِعٌ لِلْأَبِ دُونَ الْأُمِّ (وَالطَّارِئَةِ إنْ تَخَلَّقَتْ بِخُلُقِهِنَّ) مُحَمَّدٌ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مِصْرِيَّةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمِصْرَ غَيْرَ مِصْرِيَّةٍ. اللَّخْمِيِّ: يُرِيدُ مَا لَمْ يَطُلْ مُقَامُهَا وَتَسِيرُ عَلَى طِبَاعِهِمْ وَسِيرَتِهِمْ (وَفِي مِصْرَ يَلْزَمُ فِي عَمَلِهَا إنْ نَوَى وَإِلَّا فَلِمَحَلِّ لُزُومِ الْجُمُعَةِ) الْبَاجِيُّ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَنَوَاهَا خَاصَّة فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ فِيمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ إنْ نَوَى الْحَاضِرَةَ لَزِمَهُ فِيمَنْ عَلَى مَسَافَةِ الْجُمُعَةِ. قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَابْنُ عَرَفَةَ. لَوْ قَالَ كُلُّ مَنْ أَتَزَوَّجُ مِنْ قُرْطُبَةَ أَوْ الْقَيْرَوَانَ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ فَفِي قَصْرِهِ عَلَى مَسَافَةِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ، الْأَوَّلُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَلَهُ الْمُوَاعَدَةُ بِهَا) . ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِالْمَدِينَةِ طَالِقٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُوَاعِدَهَا بِالْمَدِينَةِ إذَا عَقَدَ نِكَاحَهَا بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الْمُوَاعَدَةَ لَيْسَتْ بِعَقْدٍ (لَا إنْ عَمَّ النِّسَاءَ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ عَمَّ النِّسَاءَ دُونَ قَيْدٍ لَمْ يَلْزَمْهُ لِلْحَرَجِ (أَوْ أَبْقَى قَلِيلًا) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَبْقَى قَلِيلًا فَقَوْلَانِ. وَعَنْ الْبَاجِيِّ رِوَايَةُ الْمِصْرِيِّينَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (كَكُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إلَّا تَفْوِيضًا أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ) . اللَّخْمِيِّ: لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 إلَّا مِنْ مَدِينَةِ كَذَا إنْ كَانَ فِيهَا النَّفَرُ الْيَسِيرُ لَمْ يَلْزَمْهُ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ (أَوْ حَتَّى أَنْظُرَهَا فَعَمِيَ) قَالَ مَالِكٌ: لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا لَا أَنْظُرُ إلَيْهَا طَالِقٌ فَعَمِيَ رَجَوْتُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ حَتَّى يَنْظُرَ إلَيْهَا فُلَانٌ فَمَاتَ فُلَانٌ (أَوْ الْأَبْكَارَ بَعْدَ كُلِّ ثَيِّبٍ أَوْ بِالْعَكْسِ) . ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ كُلُّ بِكْرٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ كُلُّ ثَيِّبٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي الْأَبْكَارِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِي الثَّيِّبِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِي النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا. وَقِيلَ: بِنَفْيِ اللُّزُومِ فِيهِمَا جَمِيعًا. اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا قَالَ كُلُّ بِكْرٍ ثُمَّ قَالَ كُلُّ ثَيِّبٍ أَوْ قَالَ كُلُّ ثَيِّبٍ ثُمَّ قَالَ كُلُّ بِكْرٍ، هَلْ تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ وَأَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ قَدْ عَمَّ جَمِيعَ النِّسَاءِ وَلَمْ يَبْقَ مَنْ يَتَزَوَّجُ اهـ. نَقَلَ اللَّخْمِيِّ وَأَحَدُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَزَاهُ غَيْرُ اللَّخْمِيِّ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لِأَكْثَرِ الرِّوَايَةِ وَابْنِ الْقَاسِمِ فَاسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ (أَوْ خَشِيَ فِي الْمُؤَجَّلِ الْعَنَتَ وَتَعَذَّرَ التَّسَرِّي) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: إنْ خَشِيَ الْعَنَتَ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَتَسَرَّى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (أَوْ آخِرَ امْرَأَةٍ وَصُوِّبَ وُقُوفُهُ عَلَى الْأُولَى حَتَّى يَنْكِحَ ثَانِيَةً ثُمَّ كَذَلِكَ وَهُوَ فِي الْمَوْقُوفَةِ كَالْمُولِي) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَنَحْنُ نَرَى أَنْ يَقِفَ عَنْ وَطْءِ الْأُولَى حَتَّى يَنْكِحَ ثَانِيَةً فَتَحِلَّ لَهُ الْأُولَى، وَيَقِفَ عَنْ الثَّانِيَةِ حَتَّى يَنْكِحَ ثَالِثَةً، وَهُوَ فِي الَّتِي يَقِفُ عَلَيْهَا كَالْمُولِي، فَإِنْ رَفَعَتْهُ فَالْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ تَرْفَعُهُ إذْ هُوَ بِالْحُكْمِ (وَاخْتَارَهُ إلَّا الْأُولَى) اللَّخْمِيِّ: الصَّوَابُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ فِيهَا يَمِينًا. وَإِذَا قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ عَلِمْنَا أَنَّهُ حَصَلَ لِنِكَاحِهِ أَوَّلًا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ وَآخِرًا عَلَّقَ بِهِ الْيَمِينَ (وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ مِنْ الْمَدِينَةِ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا نُجِّزَ طَلَاقُهَا وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إذَا تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا قَبْلَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ مِنْ الْفُسْطَاطِ فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ فِيمَنْ يَتَزَوَّجُ مِنْ غَيْرِهَا. وَقَالَ سَحْنُونَ: إنْ تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا وَقَفَ وَدَخَلَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ اهـ. نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 اُنْظُرْ ثَانِيَ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ بَاعَ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ مِنْ الْفُسْطَاطِ فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ قَالَ: أَرَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ إلَّا مِنْ الْفُسْطَاطِ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْحِنْثُ. ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِيمَا يَتَزَوَّجُ مِنْ الْفُسْطَاطِ وَيُوقَفُ عَنْهَا وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ مِنْ الْفُسْطَاطِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ. وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَشْبَهُ لِأَنَّ قَصْدَ الْحَالِفِ فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ الْفُسْطَاطِ طَالِقٌ (وَاعْتُبِرَ فِي وِلَايَتِهِ عَلَيْهَا حَالَ النُّفُوذِ فَلَوْ فَعَلَتْ الْمَحْلُوفَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 عَلَيْهِ حَالَ بَيْنُونَتِهَا لَمْ يَلْزَمْ وَلَوْ نَكَحَهَا فَفَعَلَتْهُ حَنِثَ إنْ بَقِيَ مِنْ الْعِصْمَةِ الْمُعَلَّقِ فِيهَا شَيْءٌ كَالظِّهَارِ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمُعْتَبَرُ فِي الْوِلَايَةِ حَالَ النُّفُوذِ؛ فَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ أَبَانَهَا فَدَخَلَتْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، فَلَوْ نَكَحَهَا فَدَخَلَتْ أَوْ أَكَلَتْ بَقِيَّةَ الرَّغِيفِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَقَدْ بَقِيَ شَيْءٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 وَقَعَ تَزَوَّجَتْ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْمَلِكَ الَّذِي طَلَّقَ فِيهِ قَدْ ذَهَبَ وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ شَرْطُ اعْتِبَارِ الْمَحَلِّ مُقَارَنَتُهُ سَبَبَ الطَّلَاقِ، فَلَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا لَا أَكَلَتْ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَتْهُ أَوْ بَعْضَهُ بَعْدَ أَنْ أَبَانَهَا بِدُونِ الثَّلَاثِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَكَلَتْ بَقِيَّتَهُ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ حَنِثَ مَا لَمْ يَكُنْ أَبَتَّهَا بِالثَّلَاثِ وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ. ابْنُ شَاسٍ: يُلْتَحَقُ بِالْكَلَامِ عَلَى هَذَا الرُّكْنِ فِي اعْتِبَارِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْمَحَلِّ حَالَةَ النُّفُوذِ قَوْلُ الْعَبْدِ لِزَوْجَتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ يَعْتِقُ فَتَدْخُلُ الدَّارَ فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ إنْ لَمْ يَمْلِكْ الثَّالِثَةَ عِنْدَ التَّعْلِيقِ إذْ الْمُرَاعَى يَوْمَ الْحِنْثِ. وَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ أَبَانَهَا فَدَخَلَتْ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً فِي حَالِ الدُّخُولِ فَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَدَخَلَتْ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ طَلُقَتْ، وَلَوْ اسْتَوْفَى الثَّلَاثَ بِالتَّنْجِيزِ لَمْ يَعُدْ الْحِنْثُ فِي نِكَاحٍ بَعْدَهُ لِذَهَابِ الْعِصْمَةِ الْمَحْلُوفِ فِيهَا. الْمُتَيْطِيُّ: مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ عَلَى أَمْرٍ يَفْعَلُهُ إلَى وَقْتٍ مَحْدُودٍ فَإِنَّهُ إنْ صَالَحَ امْرَأَتَهُ قَبْلُ لِأَجَلٍ ثُمَّ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَهِيَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَيَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ، وَإِنْ كَانَ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا فَصَالَحَهَا ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّ الْيَمِينَ تَعُودُ عَلَيْهِ إنْ عَادَ إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ بَعْدَ تَزْوِيجِهَا مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِ ذَلِكَ الْمِلْكِ شَيْءٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ فَدَخَلَتْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ إلَّا فِيمَا يَمْلِكُ يَوْمَ حَلَفَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ لَهُ مَمْلُوكٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا يَمْلِكُ قَبْلَ الْحِنْثِ أَوْ بَعْدَهُ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ: إنْ قَالَ يَوْمَ أَفْعَلُ كَذَا فَنِسَائِي طَوَالِقُ ثُمَّ مَاتَ نِسَاؤُهُ وَتَزَوَّجَ غَيْرَهُنَّ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ الشَّيْءَ لَمْ تَلْزَمْهُ يَمِينٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ يَوْمَ حَلَفَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا أَفَادَ، وَالْعِتْقُ وَالصَّدَقَةُ مِثْلُهُ اهـ. وَانْظُرْ مَنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: الْأَيْمَانُ تَلْزَمُهُ مَا يَرُدُّهَا. أَفْتَى ابْنُ دَحُونَ بِرَدِّهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ لُبٍّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ ثُمَّ دَخَلَتْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ إنَّمَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ لَحَنِثَ بِدُخُولِهَا وَلِأَنَّ الْبَاقِيَ طَلَاقُ ذَلِكَ الْمِلْكِ (لَا مَحْلُوفٌ لَهَا فَفِيهَا وَغَيْرِهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ قَوْلِ إيلَائِهَا أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْعِصْمَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهَا لَا فِي غَيْرِهَا اهـ. وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ إحْدَاهُمَا زَيْنَبُ وَالْأُخْرَى عَزَّةُ فَقَالَ لِعَزَّةِ إنْ وَطِئْتُكِ فَزَيْنَبُ طَالِقٌ فَعَزَّةُ مَحْلُوفٌ لَهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ وَزَيْنَبُ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ إنْ وَطِئَ عَزَّةَ طَلُقَتْ عَلَيْهِ زَيْنَبُ بِخِلَافِ إذَا طَلَّقَ الْمَحْلُوفَ بِهَا ثَلَاثًا وَهِيَ زَيْنَبُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ وَعَزَّةُ عِنْدَهُ فَلَا تَعُودُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَلَهُ أَنْ يَطَأَ عَزَّةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا إنْ وَطِئْتُ عَزَّةَ فَطَلَّقَ زَيْنَبَ وَاحِدَةً، فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَهُ وَطْءُ عَزَّةَ. ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَ زَيْنَبَ بَعْدَ زَوْجٍ أَوْ قَبْلَ زَوْجٍ عَادَ مُولِيًا فِي عَزَّةَ، فَإِنْ وَطِئَ عَزَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ فِي عِدَّةِ زَيْنَبَ مِنْ طَلَاقٍ وَاحِدٍ حَنِثَ وَوَقَعَ عَلَى زَيْنَبَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الطَّلَاقِ. وَلَوْ طَلَّقَ زَيْنَبَ ثَلَاثًا ثُمَّ نَكَحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ لَمْ يَعُدْ عَلَيْهِ فِي عَزَّةَ إيلَاءٌ لِزَوَالِ طَلَاقِ ذَلِكَ الْمِلْكِ كَمَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدٍ لَهُ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَ الْعَبْدُ فَقَدْ سَقَطَ الْيَمِينُ، وَلَوْ طَلَّقَ عَزَّةَ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ وَزَيْنَبُ عِنْدَهُ عَادَ مُولِيًا مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِ زَيْنَبَ شَيْءٌ كَمَنْ آلَى أَوْ ظَاهَرَ ثُمَّ طَلَّقَ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَذَلِكَ يَعُودُ عَلَيْهِ أَبَدًا حَتَّى يُكَفِّرَ أَوْ يَفِيءَ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ عَلَى الْأَصْوَبِ تَوْجِيهُهُ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلُّ مَنْ أَتَزَوَّجُ عَلَيْكِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرَاجَعَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَقَدْ زَالَتْ يَمِينُهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ يُونُسَ سَلَّمَهُ. وَقَالَ عِيَاضٌ: اعْتَرَضَ هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالُوا يَمِينُهُ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ زَوَالُ الْعِصْمَةِ مَا كَانَ فِي الْمُطَلَّقَةِ نَفْسِهَا مِنْ الْأَيْمَانِ. وَأَمَّا مَا حَلَفَ عَلَيْهَا فِيهِ بِسِوَاهَا فَبِخِلَافِ ذَلِكَ وَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ زَيْنَبَ وَعَزَّةَ. قَالَ: فَفَرَّقَ بَيْنَ بَتَاتِ الْمَحْلُوفِ بِهَا وَالْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا وَهُوَ الْأَصْلُ اهـ. مِنْ عِيَاضٍ. (وَلَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ وَلَا حُجَّةَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا وَإِنْ ادَّعَى نِيَّةً لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُ عَلَيْكِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَ الْمَحْلُوفَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 لَهَا وَاحِدَةً فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَجْنَبِيَّةً أَوْ تَزَوَّجَ الْأَجْنَبِيَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا هِيَ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ تَطْلُقُ فِي الْوَجْهَيْنِ مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ إنْ قَالَ إنَّمَا تَزَوَّجْتهَا عَلَى غَيْرِهَا وَلَمْ أَنْكِحْ غَيْرَهَا عَلَيْهَا وَلَا أَنْوِيهِ، وَإِنْ ادَّعَى نِيَّةً لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا (وَهَلْ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهَا أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ تَأْوِيلَانِ) قِيلَ: مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ وَلَوْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا لَصُدِّقَ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: وَقِيلَ إنَّمَا لَمْ يَنْوِهِ لِأَنَّهُ حَالِفٌ لِلزَّوْجَةِ وَالْحَلِفُ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ (وَفِي مَا عَاشَتْ مُدَّةَ حَيَاتِهَا إلَّا بِنِيَّةِ كَوْنِهَا تَحْتَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مَا عَاشَتْ فُلَانَةُ طَالِقٌ لَزِمَهُ كَانَتْ فُلَانَةُ تَحْتَهُ أَمْ لَا. فَإِنْ كَانَتْ تَحْتَهُ فَطَلَّقَهَا، فَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ مَا عَاشَتْ مَا دَامَتْ تَحْتِي فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ يَتَزَوَّجْ مَا بَقِيَتْ إلَّا أَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ (وَلَوْ عَلَّقَ عَبْدٌ الثَّلَاثَ عَلَى الدُّخُولِ فَعَتَقَ وَدَخَلَتْ لَزِمَتْ وَاثْنَتَيْنِ بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً ثُمَّ عَتَقَ) تَقَدَّمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 نَصُّ ابْنِ شَاسٍ: وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ قَالَ الْعَبْدُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثُمَّ عَتَقَ فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ اثْنَتَيْنِ بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ وَلَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً ثُمَّ عَتَقَ بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ طَلَّقَ النِّصْفَ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: كَحُرٍّ طَلَّقَ طَلْقَةً وَنِصْفَ طَلْقَةٍ. (وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَبِيهِ عَلَى مَوْتِ أَبِيهِ لَمْ يَنْفُذْ) هَكَذَا هِيَ أَيْضًا عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَبِيهِ عَلَى مَوْتِ أَبِيهِ لَمْ يَنْفُذْ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ وَلِشَرْطِ الْمَحَلِّ حِينَ النُّفُوذِ كَانَ قَوْلُ الْعَبْدِ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ لِأَبِيهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ مَوْتِ أَبِي لَغْوًا. ابْنُ عَرَفَةَ: مَا لَمْ يَمُتْ مُرْتَدًّا. وَانْظُرْ إنْ مَاتَ مُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةِ وَبِيعَتْ فِي الدَّيْنِ وَالْمَنْصُوصُ فِيمَنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مَوْتِ إنْسَانٍ فَيَقُولُ امْرَأَتِي طَالِقٌ إذَا مَاتَ فُلَانٌ أَوْ بِمَوْتِ فُلَانٍ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُعَجَّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ، بِخِلَافِ إذَا قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ يَوْمَ مَجِيءِ أَبِي لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَبْقَى مَعَ زَوْجَتِهِ وَإِنْ جَاءَ أَبُوهُ طَلُقَتْ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى شَيْءٍ الْأَغْلَبُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ كَأَنْ يَقُولَ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ حَاضَتْ فُلَانَةُ وَهِيَ فِي سِنِّ مَنْ تَحِيضُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّهُ يُعَجَّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ اهـ. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ الْعَبْدُ (وَلَفْظُهُ طُلِّقْتِ وَأَنَا طَالِقٌ وَأَنْتِ مُطَلَّقَةٌ أَوْ الطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ) . ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّانِي اللَّفْظُ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَاللَّفْظُ يَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ وَغَيْرِهِ. أَمَّا الصَّرِيحُ فَمَا تَضَمَّنَ لَفْظَ الطَّلَاقِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ كَطَلَّقْتُكِ أَوْ أَنَا طَالِقٌ مِنْك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ مُطَلَّقَةٌ أَوْ الطَّلَاقُ لَهُ لَازِمٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُنْطَقُ بِهِ بِالطَّلَاقِ، فَيَلْزَمُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الطَّلَاقُ وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى نِيَّةٍ. الْمُتَيْطِيُّ: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ يُحْكَمُ فِيهَا بِوَاحِدَةٍ، نَوَاهَا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا. وَأَمَّا إنْ نَوَى الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا فَهُوَ مَا نَوَاهُ وَيَحْلِفُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ الطَّلَاقُ (لَا مُنْطَلِقَةٌ) الْقَرَافِيُّ: فَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الِاشْتِهَارُ الْعُرْفِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الِانْطِلَاقُ صَرِيحًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ، وَكَذَلِكَ أَطْلَقْتُكِ وَانْطَلَقْتُ مِنْكِ وَانْطَلِقِي عَنِّي وَأَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ (وَتَلْزَمُ وَاحِدَةٌ إلَّا لِنِيَّةٍ أَكْثَرَ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ " لَا مُنْطَلِقَةٌ " (كَاعْتَدِّي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 وَصُدِّقَ فِي نَفْيِهِ إنْ دَلَّ بِسَاطٌ عَلَى الْعَدِّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: اعْتَدِّي طَلَاقٌ بِقَدْرِ مَا نَوَى وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوَابًا بِالْعِدَّةِ دَرَاهِمَ وَنَحْوَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (أَوْ كَانَتْ مُوَثَّقَةً وَقَالَتْ أَطْلِقْنِي وَإِنْ لَمْ تَسْأَلْهُ فَتَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُؤْخَذُ النَّاسُ فِي الطَّلَاقِ بِأَلْفَاظِهِمْ وَلَا تَنْفَعُهُمْ نِيَّاتُهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِكَلَامٍ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ مُطَرِّفٌ: إذَا كَانَ فِي وَثَاقٍ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَعْنِي مِنْ الْوَثَاقِ دَيَّنْته وَنَوَّيْته. ابْنُ يُونُسَ: وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ إذَا سُئِلَ فِي تَرْكِهَا فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَرَدْت مِنْ الْوَثَاقِ، وَلِأَنَّهُ بِسَاطُ جَوَابِهِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي وَثَاقٍ فَقَالَ لَهَا كَلَامًا مُبْتَدَأً أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ نَوَيْت مِنْ الْوَثَاقِ فَهَذِهِ تُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْوِيَهُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُخَالِفُ مُطَرِّفًا فِي ذَلِكَ (وَالثَّلَاثُ فِي بَتَّةٍ) . الْمُتَيْطِيُّ: أَمَّا كِنَايَاتُ الطَّلَاقِ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِيهِ فَنَحْوَ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَبَائِنٌ وَبَرِيَّةٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ اعْتَدِّي أَوْ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ قَدْ فَارَقْتُك أَوْ سَرَّحْتُك أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَك أَوْ اذْهَبِي حَيْثُ شِئْت أَوْ اُنْظُرِي لِنَفْسِك أَوْ اعْتَزِلِي أَوْ اُخْرُجِي أَوْ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك أَوْ لَا عِصْمَةَ لِي عَلَيْك أَوْ لَا حَاجَةَ لِي بِك أَوْ قَدْ وَهَبْتُك لِنَفْسِك أَوْ لِأَهْلِك أَوْ قَالَ لَهُمْ شَأْنُكُمْ بِهَا، فَهَذِهِ الْكِنَايَاتُ كُلُّهَا يَسْتَعْمِلُهَا الْمُطَلِّقُ فَبِأَيِّهَا نَطَقَ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَأَرَادَ بِهِ الْبَتَاتَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَإِنْ نَوَى مِنْ الطَّلَاقِ وَاحِدَةً، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَهُوَ مَا نَوَى إلَّا أَلْبَتَّةَ اهـ. اُنْظُرْ الْفَرْقَ الْوَاحِدَ وَالسِّتِّينَ وَالْمِائَةَ مِنْ شِهَابِ الدِّينِ أَنَّ لَفْظَ الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَالْحَرَامِ إنَّمَا لَزِمَ بِهِ الثَّلَاثُ بِسَبَبِ الْعَادَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ الْيَوْمَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِالثَّلَاثِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنَوَّعْ فَإِنَّ الْفُتْيَا بِالْحُكْمِ الْمَبْنِيِّ عَلَى مُدْرَكِهِ بَعْدَ زَوَالِ مُدْرَكِهِ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. (وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك) اُنْظُرْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 هَذَا فَقَدْ تَقَدَّمَ لِلْمُتَيْطِيِّ أَنَّ لَهُ نِيَّتَهُ فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِخِلَافِ الْبَتَّةِ، وَعَزَاهُ ابْنُ يُونُسَ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُدَوَّنَةِ (أَوْ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) اللَّخْمِيِّ: الْمَشْهُورُ فِي " أَنْتِ بَائِنَةٌ " أَنَّهُ ثَلَاثٌ وَيَنْوِي قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا بَعْدَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ اهـ. اُنْظُرْ هَذَا أَيْضًا فَهُوَ بِخِلَافِ الْبَتَّةِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ إنْ قَالَ لَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنَةً فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا اُدْخُلِي يُرِيدُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ وَاحِدَةً بَائِنَةً فَهِيَ ثَلَاثٌ. وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ نَازَعَتْهُ زَوْجَتُهُ فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فَعُوتِبَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ يُرِيدُ مُرَاجَعَتَهَا زَاعِمًا أَنَّ طَلَاقَهُ الْأَوَّلَ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمُبَارَأَةَ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُصَدَّقُ إنْ أَتَى مُسْتَفْتِيًا. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: يُكْرَهُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةَ مُبَارَأَةٍ أَوْ خُلْعٍ دُونَ أَخْذٍ أَوْ إسْقَاطٍ، فَإِنْ وَقَعَ فَثَالِثُ الْأَقْوَالِ أَنَّهَا طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ الْقَضَاءُ، وَتُعْقَدُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ طَلَاقُ فُلَانٍ بَعْدَ قَوْلِهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى سُنَّةِ الْمُبَارَأَةِ ثُمَّ قَالَ: وَثَالِثُ الْأَقْوَالِ أَنَّ لِهَذِهِ الْمُطَلَّقَةِ السُّكْنَى وَلَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ (أَوْ نَوَاهَا بِخَلَّيْتُ سَبِيلَك) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ قَدْ خَلَّيْت سَبِيلَك وَقَدْ بَنَى أَوْ لَمْ يَبْنِ فَلَهُ نِيَّتُهُ فِي وَاحِدَةٍ فَأَكْثَرَ مِنْهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ ثَلَاثٌ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: وَقَدْ فَارَقْتُك مِثْلُ خَلَّيْت سَبِيلَك. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي " خَلَّيْت سَبِيلَك " وَفِي " قَدْ فَارَقْتُك " أَنَّهَا وَاحِدَةٌ حَتَّى يَنْوِيَ أَكْثَرَ، بَنَى أَوْ لَمْ يَبْنِ وَهُوَ أَصَحُّ. اهـ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (أَوْ اُدْخُلِي) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ قَبْلَ قَوْلِهِ " أَوْ نَوَاهَا " (وَالثَّلَاثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَوَهَبْتُك وَرَدَدْتُك لِأَهْلِك) تَقَدَّمَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 هَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا وَمَا هُوَ مِثْلُهَا لِلْمُتَيْطِيِّ وَأَنَّهُ إنْ نَوَى بِهَا وَاحِدَةً قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهُ مَا نَوَى، وَسَيَأْتِي لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ كَذَلِكَ بَعْدَ الْبِنَاءِ (وَأَنْتِ أَوْ مَا أَنْقَلِبُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلٍ حَرَامٌ) تَقَدَّمَ أَيْضًا لِلْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُ إنْ نَوَى قَبْلَ الْبِنَاءِ بَانَتْ حَرَامٌ وَاحِدَةٌ فَلَهُ مَا نَوَى. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهِيَ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَهُ نِيَّتُهُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي وَاحِدَةٍ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهَا تَبِينُ مِنْهُ وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْوَاحِدَةِ، وَأَمَّا الْمَدْخُولُ بِهَا فَلَا تَبِينُ إلَّا بِالثَّلَاثِ إلَّا فِي طَلْقَةٍ يَكُونُ مَعَهَا فِدَاءٌ فَذَلِكَ فَرْقٌ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا اهـ. وَانْظُرْ قَدْ نَصُّوا أَنَّ مَنْ طَلَّقَ طَلَاقَ الْخُلْعِ فَهُوَ بَائِنٌ وَهُوَ طَلَاقُ زَمَانِنَا فَعَلَيْهِ صَارَ حُكْمُ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا سَوَاءً، وَبِهَذَا كَانَ أَشْيَاخُنَا وَأَشْيَاخُهُمْ يُفْتُونَ، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ بَشِيرٍ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَانْظُرْهُ. وَمِنْ التَّلْقِينِ فِي بَائِنٍ وَحَرَامٍ هُمَا ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْخُلْعِ. أَبُو عُمَرَ: لِلْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ، وَحَكَى ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ: إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَنَحْوُ هَذَا هُوَ لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَهِيَ يَمِينٌ. وَقَالَ مَسْرُوقٌ وَأَبُو سَلَمَةَ وَالشَّعْبِيُّ: تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ كَتَحْرِيمِ الْمَاءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَانْظُرْ أَيْضًا قَوْلَ ابْنِ يُونُسَ فِي التَّخْيِيرِ أَنَّهُ ثَلَاثٌ وَلَا مُنَاكَرَةَ لَهُ إلَّا إنْ أَعْطَتْهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُخَيِّرَهَا فَلَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا لِأَنَّهَا تَبِينُ مِنْهُ بِالْوَاحِدَةِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ حَلَفَ بِالْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ وَهُوَ يَجْهَلُ أَنَّ الطَّلَاقَ يَدْخُلُهُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ إنْ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ الْبَيِّنَةُ. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: مَا عَدَا لَفْظَ الطَّلَاقِ كُلُّهُ كِنَايَةٌ. اُنْظُرْهُ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ. ابْنُ يُونُسَ: وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْحَلَالِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَنَّ الزَّوْجَةَ دَاخِلَةٌ حَتَّى يُخْرِجَهَا بِقَلْبِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ. وَمَذْهَبُ رَبِيعَةَ وَابْنِ شِهَابٍ أَنَّهَا خَارِجَةٌ حَتَّى يُدْخِلَهَا بِنِيَّتِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُهُ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، سَابِعُ الْأَقْوَالِ أَنَّ ذَلِكَ لَغْوٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا ثَلَاثٌ وَلَهُ نِيَّتُهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ مَالِي عَلَيْكَ حَرَامٌ فَقَالَ وَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، إنْ أَرَادَ أَنِّي أُؤْذِيكِ وَأَسْتَحِلُّ مِنْكِ مَا لَا يَنْبَغِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا بَانَتْ مِنْهُ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا يَنْوِي إنْ أَتَى مُسْتَفْتِيًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَجْهِي مِنْ وَجْهِك حَرَامٌ لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ هِيَ بَعْدَ الْبِنَاءِ ثَلَاثٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مُسْتَفْتِيًا. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا نَصٌّ أَنَّهُ يَنْوِي بَعْدَ الْبِنَاءِ إنْ كَانَ مُسْتَفْتِيًا. وَانْظُرْ فِي الْفَرْقِ الْحَادِي وَالسِّتِّينَ وَالْمِائَةِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ فِي الطَّلَاقِ بِالْحَرَامِ بِمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي الْكُتُبِ عَنْ مَالِكٍ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ ذَلِكَ الْعُرْفِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْفُتْيَا، فَإِنْ كَانَ بَلَدًا آخَرَ أَفْتَاهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 بِاعْتِبَارِ حَالِ بَلَدِهِ، وَقَدْ غَفَلَ عَنْ هَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَأَفْتَوْا بِمَا لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَقَدْ زَالَتْ تِلْكَ الْعَوَائِدُ فَكَانُوا مُخْطِئِينَ خَارِقِينَ الْإِجْمَاعَ، فَإِنَّ الْمُفْتِيَ بِالْحُكْمِ الْمَبْنِيِّ عَلَى مُدْرِكٍ بَعْدَ زَوَالِ مُدْرِكِهِ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. وَسُئِلَ اللَّخْمِيِّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَأَجَابَ: الْمَشْهُورُ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ ثَلَاثٌ، فَإِنْ كَانَ هَذَا سَمِعَ أَنَّ الْحَلَالَ حَرَامٌ ثَلَاثٌ حُمِلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ وَأَخَذَ بِقَوْلِ إنَّهَا وَاحِدَةٌ لَمْ أَتَعَرَّضْ لَهُ لِأَنَّ لِذَلِكَ وَجْهًا وَلِأَنَّهَا حَرَامٌ بِالطَّلَاقِ حَتَّى يُحْدِثَ رَجْعَةً. ابْنُ يُونُسَ: وَأَمَّا الْقَائِلُ مَا أَعِيشُ فِيهِ حَرَامٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إنَّ زَوْجَتَهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَأَظُنُّهُ فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ حَرَامٌ " عَلَى حُكْمِ مَا أَنْقَلِبُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ حَرَامٍ " أَوْ خَلِيَّةٌ " تَقَدَّمَ لِلْمُتَيْطِيِّ أَنَّ الْحُكْمَ فِي خَلِيَّةٍ كَالْحُكْمِ فِي أَنْتِ حَرَامٌ (أَوْ بَائِنَةٌ أَوْ أَنَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنَةٌ قَالَ مِنِّي أَوْ أَنَا مِنْك أَوْ وَهَبْتُك أَوْ رَدَدْتُك إلَى أَهْلِك، فَذَلِكَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ وَلَا يَنْوِي فِي دُونِهَا قَبْلَ الْمَوْهُوبَةِ أَهْلَهَا أَوْ رُدُّوهَا وَلَهُ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي وَاحِدَةٍ فَأَكْثَرَ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَذَلِكَ ثَلَاثٌ فِيهِنَّ (وَحَلَفَ عِنْدَ إرَادَةِ النِّكَاحِ) اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " إنْ دَخَلَ وَإِلَّا فَعِنْدَ الِارْتِجَاعِ ". (وَدِينَ فِي نَفْيِهِ إنْ دَلَّ بِسَاطٌ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ أَنْتِ بَرِيَّةٌ أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَتَّةٌ قَالَ مِنِّي أَوْ لَمْ يَقُلْ مِنِّي وَقَالَ لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا، فَإِنْ تَقَدَّمَ كَلَامٌ مِنْ غَيْرِ الطَّلَاقِ يَكُونُ هَذَا جَوَابَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَدِينُ وَإِلَّا لَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَا تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ (وَثَلَاثٌ فِي لَا عِصْمَةَ لِي عَلَيْكِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ لَا عِصْمَةَ لِي عَلَيْك حُكْمُهَا حُكْمُ أَنْتِ حَرَامٌ (أَوْ اشْتَرَتْهَا مِنْهُ) سَحْنُونَ: مَنْ اشْتَرَتْ عِصْمَتَهَا مِنْ زَوْجِهَا فَهِيَ ثَلَاثٌ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ جَمِيعَ مَا كَانَ يَمْلِكُ مِنْ عِصْمَتِهَا (إلَّا لِفِدَاءٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: عَنْ الشَّيْخِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي لَا عِصْمَةَ لِي عَلَيْك ثَلَاثٌ إلَّا مَعَ الْفِدَاءِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ حَتَّى يُرِيدَ ثَلَاثًا. الشَّيْخُ: وَذَلِكَ صَوَابٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُ هَذَا لِابْنِ يُونُسَ وَنَصُّهُ: إنْ أَعْطَتْهُ عَلَى أَنْ يُخَيِّرَهَا فَفَعَلَ فَقَضَتْ بِالثَّلَاثِ فَلَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تُبِينُهَا لِأَنَّهُ كَالْفِدَاءِ فَهِيَ كَاَلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ يُونُسَ: الْإِعْطَاءُ كَالْفِدَاءِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الشِّرَاءِ وَالْإِعْطَاءِ؟ رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ وَابْنَ أَبِي زَيْدٍ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مُعَارِضٌ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ (وَثَلَاثٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ مُطْلَقًا فِي خَلَّيْت سَبِيلَكِ وَوَاحِدَةً فِي فَارَقْتُك) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ قَدْ خَلَّيْت سَبِيلَك وَقَدْ بَنَى أَوْ لَمْ يَبْنِ فَلَهُ نِيَّتُهُ فِي وَاحِدَةٍ فَأَكْثَرَ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ ثَلَاثٌ اهـ. وَحُكْمُ خَلَّيْتُك وَسَرَّحْتُك وَفَارَقْتُك كَحُكْمِ خَلَّيْت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 سَبِيلَك. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ، وَانْظُرْ فِعْلَ قَوْلِهِ أَوْ اُدْخُلِي. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: أَمَّا فَارَقْتُك وَخَلَّيْت سَبِيلَك فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ، نَوَاهَا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، وَأَمَّا الْمَدْخُولُ بِهَا فَهِيَ ثَلَاثٌ. (وَنَوَى فِيهِ وَفِي عَدَدِهِ فِي اذْهَبِي وَانْصَرِفِي) . ابْنُ شَاسٍ: مِنْ الْكِنَايَاتِ الْمُحْتَمَلَةِ اذْهَبِي وَانْطَلِقِي وَانْصَرِفِي وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَيُقْبَلُ مِنْهُ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ إرَادَةِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ وَالثَّلَاثُ فَدُونَهَا، وَيُلْحَقُ بِالْكِنَايَاتِ الْمُحْتَمَلَةِ قَوْلُهُ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ مُعْتَقَةٌ (أَوْ لَمْ أَتَزَوَّجْك أَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَلَكَ امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهَا لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ لَمْ أَتَزَوَّجْك أَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَلَكَ امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الطَّلَاقَ. مُحَمَّدٌ: وَمِثْلُ لَمْ أَتَزَوَّجْك لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك أَوْ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ أَوْ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ (أَوْ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ مُعْتَقَةٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ أَنَّ هَذَا مُلْحَقٌ بِالْكِنَايَاتِ الْمُحْتَمَلَةِ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ الْحَقِي بِأَهْلِك لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ طَلَاقَهَا فَهُوَ مَا نَوَى وَلَوْ وَاحِدَةً (أَوْ الْحَقِي بِأَهْلِك) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ (أَوْ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ لَمْ أَتَزَوَّجْك " (إلَّا أَنْ يُعَلِّقَ فِي الْأَخِيرِ) سُئِلَ النِّعَالِيُّ مِنْ بُرْقَةَ عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَفْعَلِي كَذَا فَلَسْت لِي بِامْرَأَةٍ وَحَنِثَ فَوَقَفَ سَنَةً يَتَأَمَّلُهَا وَصَدَرَ الْجَوَابُ بِالطَّلَاقِ. ابْنُ مُحْرِزٍ: وَهَذَا صَحِيحٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ نَقْلِهِمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ مَنْصُوصَةٍ وَهِيَ فِي النَّوَادِرِ. (وَإِنْ قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك أَوْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك أَوْ لَا سَبِيلَ لِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 عَلَيْك فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عِتَابًا وَإِلَّا فَبَتَاتٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهَا لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك أَوْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك أَوْ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْكَلَامُ عِتَابًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ هَذَا الطَّلَاقَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ يَدُلُّ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَمْ يَكُنْ الْكَلَامُ عِتَابًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الطَّلَاقَ يُرِيدُ وَإِنْ كَانَ عِتَابًا وَنَوَى بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ. قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ: وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك أَوْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك، فَإِنْ تَقَدَّمَهُ كَلَامٌ يَدُلُّ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْحُرِّيَّةَ صُدِّقَ السَّيِّدُ، وَإِنْ كَانَ كَلَامًا مُبْتَدَأً عَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ. (وَهَلْ تَحْرُمُ فِي وَجْهِي مِنْ وَجْهِك حَرَامٌ أَوْ عَلَى وَجْهِك، أَوْ مَا أَعِيشُ فِيهِ، حَرَامٌ أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ لَهَا يَا حَرَامُ أَوْ الْحَلَالُ حَرَامٌ أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ حَرَامٌ وَلَمْ يُرِدْ إدْخَالَهَا قَوْلَانِ) أَمَّا وَجْهِي مِنْ وَجْهِك حَرَامٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ أَوْ خَلِيَّةٌ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَرَفَةَ وَأَنَّهُ ثَلَاثٌ بَعْدَ الْبِنَاءِ إلَّا إنْ أَتَى مُسْتَفْتِيًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْبُغْضَ وَالْمُبَاعَدَةَ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ " عَلَى وَجْهِك " وَمَسْأَلَةُ " مَا أَعِيشُ فِيهِ حَرَامٌ " فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ " أَوْ خَلِيَّةٌ ". وَنَقَلَ اللَّخْمِيِّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ لَا شَيْءَ فِي قَوْلِهِ مَا أَعِيشُ فِيهِ حَرَامٌ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعَيْشِ فَلَمْ تَدْخُلْ فِي لَفْظِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا. اللَّخْمِيِّ: وَقِيلَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَدْخَلَهَا فِي يَمِينِهِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ " يَا حَرَامُ " فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: وَهَذَا فِي بَلَدٍ لَا يُرِيدُونَ بِهِ طَلَاقًا كَقَوْلِهِ إنَّك سُحْتٌ وَحَرَامٌ كَقَوْلِهِ ذَلِكَ لِمَالِهِ. وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ قَالَ لِمَنْ اسْمُهَا طَالِقٌ "، وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا إذَا قَالَ لَهَا يَا مُطَلَّقَةُ أَنَّهُ مِثْلُ أَنْتِ سَائِبَةٌ مِنِّي أَنَّهُ يَنْوِي. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَلَالِ حَرَامٌ أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ فَقَالَ أَصْبَغُ: إذَا قَالَ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَامٌ مَا أُحِلَّ لِي أَوْ مَا أَنْقَلِبُ إلَيْهِ حَرَامٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ تَحْرِيمٌ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَ امْرَأَتَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ زَوْجَتَهُ. وَعِبَارَةُ اللَّخْمِيِّ مَنْ قَالَ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ أَنْتِ، أَوْ قَالَ الْحَلَالُ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ. اُنْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي يَمِينِهِ الْأَيْمَانُ كُلُّهَا لَيَفْعَلَنَّ وَحَنِثَ فَكَانَ ابْنُ لُبٍّ وَمَنْ بَعْدَهُ يُفْتُونَ بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ اللُّزُومَ أَوْ تَرَكَهُ فِرَارًا مِنْ الْحَلِفِ بِاللَّازِمَةِ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا كَانُوا يُفْتُونَ فِي الْحَالِفَةِ بِصِيَامِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ تَقُلْ يَلْزَمُنِي أَنَّهَا لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ، أَصْلُهُ قَوْلُ سَحْنُونٍ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّ الْحَالِفَ بِقُرْبَةٍ مِنْ صِيَامٍ أَوْ عِتْقٍ وَغَيْرِهِمَا إنْ لَمْ يَنْوِ اللُّزُومَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ مَحْمَلُ الْيَمِينِ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ لِلْأَشْيَاءِ الْمُعَظَّمَةِ شَرْعًا، وَإِنْ لَزِمَتْهُ أَوْ نَوَى اللُّزُومَ فَصَوْمُ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ جَمِيعِ مَا أَمْلِكُ حَرَامٌ فَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: كَتَبَ مِنْ إشْبِيلِيَّةَ إلَى الْقَيْرَوَانِ فِي رَجُلٍ قَالَ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَهَلْ يَكُونُ كَقَوْلِهِ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَتَدْخُلُ الزَّوْجَةُ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَا تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الزَّوْجَةُ، إلَّا أَنْ يُدْخِلَهَا بِنِيَّةٍ أَوْ قَوْلٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي " الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ " أَنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ نَوَى عُمُومَ الْأَشْيَاءِ دَخَلَتْ الزَّوْجَةُ. (وَإِنْ قَالَ سَائِبَةٌ مِنِّي أَوْ عَتِيقَةٌ أَوْ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ حَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ فَإِنْ نَكَلَ نَوَى فِيهِ فِي عَدَدِهِ وَعُوقِبَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ سَائِبَةٌ مِنِّي أَوْ عَتِيقَةٌ أَوْ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ أَوْ اجْمَعِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 عَلَيْك ثِيَابَك أَوْ لَا حَاجَةَ لِي بِك أَوْ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك أَوْ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك أَوْ اذْهَبِي لِأَهْلِك أَوْ لَا تَحِلِّينَ لِي أَوْ احْتَالِي لِنَفْسِك أَوْ يَا مُطَلَّقَةُ أَوْ اعْتَزِلِي أَوْ تَأَخَّرِي عَنِّي أَوْ انْتَقِلِي عَنِّي، فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ بَنَى أَوْ لَمْ يَبْنِ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ طَلَاقًا فَيَكُونَ مَا نَوَى. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ سَائِبَةٌ أَوْ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ فَيَحْلِفُ مَا أَرَادَ بِذَلِكَ طَلَاقًا وَيُدَيَّنُ، وَإِنْ نَكَلَ وَزَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ طَلَاقًا كَانَ مَا أَرَادَ مِنْ الطَّلَاقِ وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ، وَيُنَكَّلُ مَنْ قَالَ مِثْلَ هَذَا بِعُقُوبَةٍ مُوجِعَةٍ لِأَنَّهُ لَبَّسَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَرَادَ سَفَرًا فَطَلَبَ الْبِنَاءَ بِزَوْجَتِهِ اللَّيْلَةَ فَأَبَوْا فَقَالَ لَهُمْ اُتْرُكُونِي لَيْسَ لِي بِهَا حَاجَةٌ وَانْصَرَفَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُرِدْ طَلَاقًا (وَلَا يَنْوِي فِي الْعَدَدِ إنْ أَنْكَرَ قَصْدَ الطَّلَاقِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَتَّةٌ جَوَابًا لِقَوْلِهَا أَوَدُّ لَوْ فَرَّجَ اللَّهُ لِي مِنْ صُحْبَتِك) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ أَوَدُّ لَوْ فَرَّجَ اللَّهُ لِي مِنْ صُحْبَتِك فَقَالَ لَهَا أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَبَائِنَةٌ أَوْ قَالَ لَهَا أَنَا مِنْك خَالٍ أَوْ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ وَأَرَدْت بِالْبَائِنِ فُرْجَةً بَيْنَنَا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَلَا يَنْوِي. ابْنُ يُونُسَ: إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَقَالَتْ قَدْ طَلَّقْتُ نَفْسِي وَلَا نِيَّةَ لَهَا فَقَدْ طَلُقَتْ كَالزَّوْجِ إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَنَّهَا طَالِقٌ وَاحِدَةً. (وَإِنْ قَصَدَهُ بِاسْقِنِي الْمَاءَ أَوْ بِكُلِّ كَلَامٍ لَزِمَ لَا إنْ قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِالطَّلَاقِ فَلَفَظَ بِهَذَا غَلَطًا) ابْنُ شَاسٍ: مَا عَدَا الصَّرِيحَ وَالْكِنَايَةَ فَهُوَ مَا لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَلَا مُحْتَمَلَاتِهِ كَقَوْلِهِ: اسْقِنِي مَاءً وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا وَقِيلَ: لَا يَكُونُ طَلَاقًا. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قُلْت اُدْخُلِي الدَّارَ يُرِيدُ أَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ عِنْدَمَا أَقُولُ لَا بِنَفْسِ اللَّفْظِ. الْبَاجِيُّ: قِيلَ فِي الطَّلَاقِ بِاسْقِنِي الْمَاءَ أَنَّهُ مِنْ الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَ كُلِي وَاشْرَبِي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ وُجِدَتْ مِنْهُ النِّيَّةُ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي هَذَا نَظَرٌ رَاجِعْ الْمُطَوَّلَاتِ (أَوْ أَرَادَ أَنْ يُنَجِّزَ الثَّلَاثَ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ نَوَى بِأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةَ الثَّلَاثِ لَزِمَتْ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ ثَلَاثًا أَوْ يَحْلِفَ بِهَا فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الثَّلَاثِ وَتَمَادَى فِي يَمِينِهِ إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 كَانَ حَالِفًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِلَفْظِهِ بِطَالِقٍ الثَّلَاثَ فَتَكُونُ الثَّلَاثَ. ابْنُ حَارِثٍ: إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يَقُولَ أَلْبَتَّةَ فَقِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ فَسَكَتَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةٌ. الْمُتَيْطِيُّ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثَلَاثًا أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَسَكَتَ عَنْ الْيَمِينِ وَلَمْ يُكْمِلْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ كَانَ قَدْ اعْتَقَدَ الطَّلَاقَ وَالْحُرِّيَّةَ، وَلَوْ نَوَى بِالْحُرِّيَّةِ فِي الزَّوْجَةِ الطَّلَاقَ وَبِالطَّلَاقِ فِي الْأَمَةِ الْعِتْقَ لَنَفَذَ عَلَيْهِ ذَلِكَ (وَسُفِّهَ قَائِلٌ يَا أُمِّي وَيَا أُخْتِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ يَا أُمَّهْ أَوْ يَا أُخْتَهُ أَوْ يَا عَمَّهْ أَوْ يَا خَالَهْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ السَّفَهِ. (وَلَزِمَ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا عُلِمَ مِنْ الْأَخْرَسِ بِإِشَارَةٍ أَوْ بِكِتَابٍ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءِ أَوْ قَذْفٍ لَزِمَهُ حُكْمُ الْمُتَكَلِّمِ. وَرَوَى الْبَاجِيُّ: إشَارَةُ السَّلِيمِ بِالطَّلَاقِ بِرَأْسِهِ أَوْ بِيَدِهِ كَلَفْظِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] (وَبِمُجَرَّدِ إرْسَالِهِ بِهِ مَعَ رَسُولٍ وَبِالْكِتَابَةِ عَازِمًا أَوْ لَا إنْ وَصَلَ لَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَخْبِرْ زَوْجَتِي بِطَلَاقِهَا أَوْ أَرْسِلْ إلَيْهَا بِذَلِكَ رَسُولًا وَقَعَ الطَّلَاقُ حِينَ قَوْلِهِ لِلرَّسُولِ، بَلَّغَهَا الرَّسُولُ أَوْ لَمْ يُبَلِّغْهَا ذَلِكَ وَكَتَمَهَا. وَإِنْ كَتَبَ إلَيْهَا بِالطَّلَاقِ ثُمَّ حَبَسَ كِتَابَهُ فَإِنْ كَتَبَهُ مُجْمِعًا عَلَى الطَّلَاقِ لَزِمَهُ حِينَ كَتَبَهُ، وَإِنْ كَانَ لِيُشَاوِرَ نَفْسَهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَذَلِكَ لَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ أَخْرَجَ الْكِتَابَ مِنْ يَدِهِ عَازِمًا وَقَدْ كَتَبَهُ غَيْرَ عَازِمٍ لَزِمَهُ حِينَ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَهُ غَيْرَ عَازِمٍ فَلَهُ رَدُّهُ مَا لَمْ يَبْلُغْهَا فَإِنْ بَلَغَهَا لَزِمَهُ (وَفِي لُزُومِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ خِلَافٌ) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ اعْتَقَدَ الطَّلَاقَ وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ. قَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَلَهُ أَيْضًا إذَا انْفَرَدَ اللَّفْظُ دُونَ النِّيَّةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ إلَّا فِي الْحُكْمِ الظَّاهِرِ وَإِذَا انْفَرَدَتْ النِّيَّةُ دُونَ اللَّفْظِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُ بِذَلِكَ، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِالنِّيَّةِ حَتَّى يَلْفِظَ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ لَيْسَ يُطَلِّقُ الرَّجُلُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَنْكِحُ بِقَوْلِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ لَغْوُ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ الْجَازِمَةِ. ابْنُ الْقَصَّارِ: هُوَ قَوْلُ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ. أَبُو عُمَرَ: مَنْ اعْتَقَدَ بِقَلْبِهِ الطَّلَاقَ وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ لِسَانُهُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ عَنْ مَالِكٍ وَالْأَصَحُّ فِي النَّظَرِ وَطَرِيقُ الْأَثَرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ نَفْسَهَا» الْحَدِيثُ. (وَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 كَرَّرَ الطَّلَاقَ بِعِطْفٍ بِوَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ فَثَلَاثٌ إنْ دَخَلَ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ " إنْ دَخَلَ كَذَا ". قَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَفِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ، سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. اُنْظُرْ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَفِي تَرْجَمَةِ بَابٍ آخَرَ مِنْ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ. مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ أَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ فِي لُزُومِ الثَّلَاثِ فِي " ثُمَّ " وَالْوَاوِ وَ " أَوْ " ظَاهِرٌ، وَنَصَّ فِيمَنْ بَنَى أَوْ لَمْ يَبْنِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ أَتْبَعَ طَلْقَةَ الْخُلْعِ طَلَاقًا (كَمَعَ طَلْقَتَيْنِ مُطْلَقًا) ابْنُ شَاسٍ: إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَ طَلْقَةٍ أَوْ مَعَهَا طَلْقَةٌ أَوْ تَحْتَ طَلْقَةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 أَوْ فَوْقَ طَلْقَةٍ فَذَلِكَ طَلْقَتَانِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: أَمَّا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ طَلْقَتَيْنِ وَشِبْهِهِ وَقَعَتْ الثَّلَاثُ فِيهِمَا (وَبِلَا عَطْفٍ: ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَغَيْرِهَا إنْ نَسَّقَهُ إلَّا لِنِيَّةِ تَأْكِيدٍ فِيهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: تَكْرِيرُ اللَّفْظِ الدَّالِ عَلَى الطَّلَاقِ دُونَ تَعْلِيقٍ وَعِطْفٍ يُعَدِّدُهُ إنْ لَمْ يَنْوِ وَحْدَتَهُ فِيهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وَاحِدَةً بَنَى أَوْ لَمْ يَبْنِ، وَمِثْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ. وَعِبَارَةُ الْمُتَيْطِيِّ: مَنْ كَرَّرَ الطَّلَاقَ وَأَتَى بِهِ نَسَقًا دُونَ عَطْفٍ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْأُولَى وَاحِدَةً وَبِالْبَاقِيَتَيْنِ الْإِسْمَاعَ وَالتَّأْكِيدَ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْمُوَالَاةُ بِالطَّلَاقِ فَإِنْ كَانَ أَتَى بِهِ نَسَقًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، مَدْخُولًا بِهَا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، كَمَا لَوْ جَمَعَ الثَّلَاثَ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ. وَإِنْ تَبَاعَدَ مَا بَيْنَ الطَّلْقَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى رَجْعِيَّةً فَإِنَّ الثَّانِيَةَ تَلْزَمُهُ إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ لَمْ تَنْقَضِ، وَأَمَّا إنْ انْقَضَتْ أَوْ كَانَتْ مِمَّنْ تَمْلِكُ بِالطَّلْقَةِ الْأُولَى نَفْسَهَا كَالْمُخْتَلِعَةِ وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنَّ الْمُوَالَاةَ بِالطَّلَاقِ لَا تَلْحَقُهَا كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَتْبَعَ الْخُلْعَ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 صُمَاتٍ نَسَقًا لَزِمَ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ صُمَاتٌ أَوْ كَلَامٌ يَكُونُ قَطْعًا لِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ الثَّانِي (فِي غَيْرِ مُعَلَّقٍ بِمُتَعَدِّدٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَثَلَاثٌ وَيَنْوِي فِي التَّأْكِيدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَرَّرَ مُعَلَّقًا عَلَى مُتَّحِدٍ. أَمَّا لَوْ كَرَّرَ مُعَلَّقًا عَلَى مُخْتَلِفٍ تَعَدَّدَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهَا إنْ كَلَّمْتِ فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا ذَلِكَ ثَانِيَةً فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ فَهِيَ إنْ حَنِثَ طَلْقَتَانِ حَتَّى يُرِيدَ وَاحِدَةً وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي يَمِينٍ بِاَللَّهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَلَّمَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَكَلَّمَتْهُ طَلُقَتْ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وَاحِدَةً وَيُرِيدَ بِالْبَقِيَّةِ إسْمَاعًا. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ قَالَ لَهَا إنْ كَلَّمْت إنْسَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فِي رَجُلٍ آخَرَ كَلَّمَتْهُ كَانَتْ طَلْقَتَيْنِ وَلَا يَنْوِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ رَجُلًا فَيَنْوِي كَمَا وَصَفْنَا قِيلَ، لِأَنَّ الشَّيْءَ مَعَ غَيْرِهِ غَيْرُهُ مَعَ غَيْرِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 مِنْ بَلَدِ كَذَا لِبَلَدِهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَإِنْ نَكَحَهَا لَزِمَتْهُ طَلْقَتَانِ وَلَا يَنْوِي. (وَلَوْ طَلَّقَ فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلْتَ فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ إخْبَارَهُ فَفِي لُزُومِ طَلْقَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ قَوْلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَقِيلَ لَهُ مَا صَنَعْت فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ وَقَالَ إنَّمَا أَرَدْت إخْبَارَهُ بِالتَّطْلِيقَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا قُبِلَ قَوْلُهُ. ابْنُ يُونُسَ وَيَحْلِفُ. ابْنُ شَاسٍ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ فَهَلْ تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ أَوْ طَلْقَتَانِ؟ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ: إنْ قَالَ قَدْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 حَلَفْت بِالطَّلَاقِ حَتَّى إنَّ امْرَأَتِي مَعِي حَرَامٌ قَالَ مَالِكٌ: يَحْلِفُ مَا أَرَادَ الطَّلَاقَ وَيُخَلَّى مَعَ امْرَأَتِهِ. (وَنِصْفِ طَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفِ وَثُلُثِ طَلْقَةٍ أَوْ وَاحِدَةٍ فِي وَاحِدَةٍ أَوْ مَتَى فَعَلْت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 وَكَرَّرَ أَوْ طَالِقٌ أَبَدًا طَلْقَةٌ) أَمَّا نِصْفُ طَلْقَةٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ طَلَّقَ بَعْضَ طَلْقَةٍ لَزِمَتْهُ طَلْقَةٌ. ابْنُ شِهَابٍ: وَيُوجَعُ ضَرْبًا. وَأَمَّا نِصْفُ طَلْقَتَيْنِ أَوْ نِصْفَا طَلْقَةٍ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ. وَأَمَّا نِصْفُ وَثُلُثُ طَلْقَةٍ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالُوا فِي نِصْفِ وَرُبْعِ طَلْقَةٍ طَلْقَةٌ وَفِي نِصْفِ طَلْقَةٍ وَرُبْعِ طَلْقَةٍ طَلْقَتَانِ اسْتِشْكَالٌ مِنْهُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْإِشْكَالَ هُوَ فِي الْأُولَى لِأَنَّ نِصْفَ مُضَافٌ قَطْعًا فِي النِّيَّةِ فَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ مِثْلَ الثَّانِيَةِ، وَجَوَابُهُ عَلَى أَصْلَيْنِ فِي الْفِقْهِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَاضِحٌ، اُنْظُرْهُ فِيهِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ وَاحِدَةٍ فِي وَاحِدَةٍ فَقَالَ سَحْنُونَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي وَاحِدَةٍ وَاحِدَةٌ وَاثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ أَرْبَعَةٌ تَبِينُ مِنْهَا بِثَلَاثٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحِسَابِ وَإِلَّا فَهُوَ مَا نَوَى إنْ أَتَى مُسْتَفْتِيًا اُنْظُرْهُ فِيهِ. وَأَمَّا مَتَى مَا فَعَلْت وَكَرَّرَ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيَةً وَ " مَتَى " وَ " مَتَى مَا " عِنْدَ مَالِكٍ مِثْلُ " إنْ " إلَّا إنْ أُرِيدُ بِهِمَا مَعْنَى " كُلَّمَا "، وَأَمَامَهُمَا فَتَقْتَضِي التَّكْرَارَ بِمَنْزِلَةِ " كُلَّمَا ". وَأَمَّا طَالِقٌ أَبَدًا فَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا، ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا ثَلَاثٌ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ مِنْهَا أَنَّهَا وَاحِدَةٌ. وَاَلَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ: إنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك أَبَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا وَحَنِثَ فِيهَا لَا تَعُودُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ. وَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا فَهِيَ ثَلَاثٌ. فَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا فَهَلْ يَرْجِعُ التَّأْبِيدُ إلَى التَّزْوِيجِ فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَهُوَ دَلِيلُ الْمُدَوَّنَةِ، أَوْ إلَى التَّطْلِيقِ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى؟ انْتَهَى فَانْظُرْ هَذَا مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ (وَثِنْتَانِ فِي رُبْعِ طَلْقَةٍ وَنِصْفِ طَلْقَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي نِصْفِ طَلْقَةٍ وَرُبْعِ طَلْقَةٍ طَلْقَتَانِ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 لَا إشْكَالَ فِيهِ (وَوَاحِدَةٌ فِي اثْنَتَيْنِ) ابْنُ شَاسٍ: الطَّلَاقُ بِحِسَابِ الضَّرْبِ. قَالَ سَحْنُونَ: إنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْحِسَابِ، فَمَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي وَاحِدَةٍ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ، وَإِنْ قَالَ اثْنَتَانِ فِي اثْنَتَيْنِ لَزِمَهُ أَرْبَعٌ تَبِينُ بِثَلَاثٍ. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً فِي وَاحِدَةٍ (وَالطَّلَاقَ كُلَّهُ إلَّا نِصْفَهُ) سَحْنُونَ: فِي أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ كُلَّهُ إلَّا نِصْفَهُ طَلْقَتَانِ وَكَذَا ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَهَا (وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك ثُمَّ قَالَ كُلُّ مَنْ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَهِيَ طَالِقٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ. إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ بَلَدِ كَذَا لِبَلَدِهَا فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلِنِسَاءٍ مَعَهَا إنْ تَزَوَّجْتُكُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ، فَإِنْ نَكَحَهَا لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ وَلَا يَنْوِي (وَثَلَاثٌ فِي: إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ) سَحْنُونَ: فِي أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ كُلَّهُ إلَّا نِصْفَ الطَّلَاقِ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ (أَوْ اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ) تَقَدَّمَ نَصُّ سَحْنُونٍ بِهَذَا وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ هَذَا إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحِسَابِ وَإِلَّا فَهُوَ مَا نَوَى (أَوْ كُلَّمَا حِضْت) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا حِضْت أَوْ كُلَّمَا جَاءَ شَهْرٌ أَوْ سَنَةٌ طَلُقَتْ عَلَيْهِ الْآنَ ثَلَاثًا وَلَمْ تَعُدْ يَمِينُهُ إنْ نَكَحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ لِذَهَابِ الْمِلْكِ الَّذِي يُطَلَّقُ فِيهِ. قَالَ سَحْنُونَ: بَعْضُ هَذَا صَوَابٌ وَبَعْضُهُ خَطَأٌ. أَبُو عِمْرَانَ: الصَّوَابُ كُلَّمَا جَاءَ يَوْمٌ أَوْ شَهْرٌ أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 حِضْتِ، وَأَمَّا فِي السَّنَةِ فَيُنْظَرُ إنْ ذَهَبَتْ عِدَّتُهَا فِي السَّنَة لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقٌ (أَوْ كُلَّمَا أَوْ مَتَى مَا أَوْ إذَا مَا طَلَّقْتُكِ أَوْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً) الشَّيْخُ: لَوْ قَالَ كُلَّمَا أَوْ مَتَى أَوْ إذَا مَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ بِطَلَاقِهَا وَحْدَةً ثَلَاثٌ، وَلَوْ قَالَ طَلَّقْتُك بَدَلَ قَوْلِهِ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَفِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ وَلُزُومِ ثِنْتَيْنِ قَوْلَانِ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ سَحْنُونَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إنَّ مَتَى مَا عِنْدَ مَالِكٍ مِثْلُ " إنْ "، وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْأَيْمَانِ بِ " كُلَّمَا " أَوْ " مَهْمَا " لَا " مَتَى مَا " أَوْ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا. ابْنُ شَاسٍ: مَنْ قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا أَلْغَى لَفْظَ قَبْلِهِ فَإِنْ طَلَّقَهَا لَزِمَهُ تَمَامُ الثَّلَاثِ انْتَهَى. قِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى الشُّرَيْحِيَّةُ. قَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ أَبَدًا. وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ: يَقَعُ الْمُنَجَّزُ دُونَ الْمُعَلَّقِ. وَقَالَ أَيْضًا بَعْضُهُمْ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَقَعُ مَعَ الْمُنَجَّزِ تَمَامُ الثَّلَاثِ. قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ: وَلَيْسَ لِأَصْحَابِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ (وَطَلْقَةٌ فِي أَرْبَعٍ قَالَ لَهُنَّ بَيْنَكُنَّ مَا لَمْ يَزِدْ الْعَدَدُ عَلَى الرَّابِعَةِ سَحْنُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 وَإِنْ شَرَّكَ طَلُقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) سَحْنُونَ: لَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةٌ أَوْ قَالَ طَلْقَتَانِ أَوْ قَالَ ثَلَاثٌ أَوْ قَالَ أَرْبَعٌ لَزِمَتْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ خَمْسٌ إلَى ثَمَانٍ طُلِّقْنَ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ تِسْعٌ إلَى مَا فَوْقَ ذَلِكَ طُلِّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا. قَالَ سَحْنُونَ: فَلَوْ قَالَ شَرَّكْتُ بَيْنَكُنَّ فِي ثَلَاثٍ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ وَفِي طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَانِ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مُسَمًّى شَرَّكَ وَبَيْنَ مُسَمًّى بَيْنَ، وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُمْ فِيمَنْ قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ مَنْ وَضَعْت مِنْكُنَّ ذَكَرًا فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ فَأَصْبَحْنَ وَقَدْ وَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ذَكَرًا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ الثَّانِيَةَ تَطْلُقُ وَاحِدَةً وَالثَّالِثَةَ ثِنْتَيْنِ وَالطَّرَفَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا (وَإِنْ قَالَ أَنْتِ شَرِيكَةُ مُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا وَالثَّالِثَةُ شَرِيكَتُهُمَا طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ وَالطَّرَفَيْنِ ثَلَاثًا) فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ: مَنْ قَالَ لِإِحْدَى نِسَائِهِ الثَّلَاثِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَالِثًا ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى أَنْتِ شَرِيكَتُهَا ثُمَّ قَالَ لِلثَّالِثَةِ أَنْتِ شَرِيكَتُهُمَا، وَقَعَ عَلَى الْأُولَى الثَّلَاثُ وَعَلَى الثَّانِيَةِ طَلْقَتَانِ وَعَلَى الثَّالِثَةِ ثَلَاثٌ مِنْ شَرِكَةِ الْأُولَى طَلْقَتَانِ وَمِنْ الثَّانِيَةِ طَلْقَةٌ (وَأُدِّبَ الْمُجَزِّئُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ طَلَّقَ بَعْضَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 طَلْقَةٍ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَيُوجَعُ ضَرْبًا. (كَمُطَلِّقِ جُزْءٍ وَإِنْ كَيَدٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: طَلَاقُ جُزْءِ الْمَرْأَةِ كَكُلِّهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ فُوك أَوْ رِجْلُك أَوْ أُصْبُعُك طَالِقٌ طَلُقَتْ كُلُّهَا وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ فِي شَخْصٍ غَلَبَ حُكْمُ الْحَظْرِ كَالْأَمَةِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، وَالْمُعْتَقِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، وَالشَّاةِ يَذْبَحُهَا الْمَجُوسِيُّ وَالْمُسْلِمُ (وَلَزِمَ بِشِعْرِكِ طَالِقٌ أَوْ كَلَامِكِ عَلَى الْأَحْسَنِ) . سَحْنُونَ: وَلَوْ قَالَ شَعْرُكِ طَالِقٌ أَوْ حَرَامٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. لَوْ قَالَ لِعَبْدٍ شَعْرُكَ حَرَامٌ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ وَلَيْسَ الشَّعْرُ بِشَيْءٍ. قُلْت: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تَحْرُمُ إذَا حَرُمَ شَعْرُهَا لِأَنَّهُ مِنْ مَحَاسِنِهَا وَمِنْ خَلْقِهَا حَتَّى يُزَايِلَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ كَلَامُكِ عَلَيَّ حَرَامٌ لَحَرُمَتْ لِأَنَّهُ مِنْ مَحَاسِنِهَا. سَحْنُونَ: لَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا فِي الْكَلَامِ وَالشَّعْرِ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: قَالَ إذَا طَلَّقَ كَلَامَ امْرَأَتِهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ مِنْ كَلَامِ الْمَرْأَةِ مَا لَا يَحِلُّ أَنْ يَسْمَعَهُ إلَّا الزَّوْجُ فَقَدْ حَرُمَ ذَلِكَ النَّوْعُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِهَذَا. اهـ نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ (لَا بِسُعَالٍ وَبُصَاقٍ وَدَمْعٍ) . ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَمْ أَقِفْ فِي السُّعَالِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ إلَّا عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَغْوُ السُّعَالِ وَالْبُصَاقِ. ابْنُ الْقَصَّارِ: وَلَا أَعْرِفُ نَصًّا فِي الدَّمْعِ وَالرِّيقِ وَالدَّمِ. (وَصَحَّ اسْتِثْنَاءٌ بِإِلَّا إنْ اتَّصَلَ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ) . ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ الِاسْتِثْنَاءِ الِاتِّصَالُ كَمَا مَرَّ فِي الْأَيْمَانِ وَمِنْ شَرْطِهِ أَيْضًا عَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ. فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا ثَلَاثٌ وَمَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ (فَفِي ثَلَاثٍ إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً اثْنَتَانِ) أَمَّا مَسْأَلَةُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً قَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ الْأَوْلَى وَاحِدَةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ. فَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَتْ ثِنْتَانِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ الِاسْتِغْرَاقِ بِقَوْلِهِ " إلَّا وَاحِدَةً " بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ اسْتِثْنَاءِ الْأَقَلِّ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ بِهِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ قَوْلَهُ " إلَّا ثَلَاثًا " سَاقِطٌ لِاسْتِغْرَاقِهِ وَقَوْلُهُ " إلَّا وَاحِدَةً " كَذَلِكَ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالسَّاقِطِ سَاقِطٌ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً فَفِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ مَا نَصُّهُ: الصَّحِيحُ قَوْلُ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ أَنَّ أَلْبَتَّةَ تَتَبَعَّضُ ثُمَّ قَالَ: لَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 فِي التَّلْفِيقِ فِي الشَّهَادَةِ وَالتَّبْعِيضِ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَوَاحِدَةٌ وَاثْنَتَانِ إلَّا اثْنَتَيْنِ إنْ كَانَ مِنْ الْجَمِيعِ فَوَاحِدَةٌ وَإِلَّا فَثَلَاثٌ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُشْتَرَطُ الْأَقَلُّ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَلِذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ إلَّا اثْنَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْجَمِيعِ فَطَلْقَةٌ وَإِلَّا فَثَلَاثٌ (وَفِي إلْغَاءِ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ وَاعْتِبَارِهِ قَوْلَانِ) . ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسًا إلَّا ثَلَاثًا فَقِيلَ: تَقَعُ ثِنْتَانِ، وَقِيلَ: الزِّيَادَةُ تُلْغَى فَيَبْقَى الِاسْتِثْنَاءُ مُطْلَقًا. وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا إلَّا اثْنَتَيْنِ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ تَقَعُ ثِنْتَانِ. (وَنُجِّزَ إنْ عُلِّقَ بِمَاضٍ مُمْتَنِعٍ عَقْلًا أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا أَوْ جَائِزٍ كَلَوْ جِئْت قَضَيْتُك) أَمَّا الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمَاضِي الْمُمْتَنِعِ عَقْلًا فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مُقَدَّرٍ فِي الْمَاضِي فَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا عَقْلًا حَنِثَ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى صِفَةٍ مَاضِيَةٍ مُمْتَنِعَةٍ عَادَةً كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ جِئْت أَمْسِ لَأَدْخُلَنَّ بِزَيْدٍ فِي الْأَرْضِ، فَإِنْ أَرَادَ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ حَنِثَ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ لَمْ يَحْنَثْ. وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمَاضِي الْمُمْتَنِعِ عَادَةً أَوْ شَرْعًا وَالْمُعَلَّقُ عَلَى جَائِزٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ لَوْ كُنْت حَاضِرَ الشِّرْكِ مَعَ أَخِي لَفَقَأْت عَيْنَك فَإِنَّهُ حَانِثٌ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ لَا يَبَرُّ فِيهِ وَلَا فِي مِثْلِهِ. قَالَ أَصْبَغُ: مَنْ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ قَدْ سَلَفَ أَنْ لَوْ أَدْرَكَهُ لَفَعَلَ كَذَا فَهُوَ حَانِثٌ، كَانَ مِمَّا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ أَوْ لَا يُمْكِنُهُ، مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ لِغَرِيمِهِ لَوْ جِئْتنِي أَمْسِ لَقَضَيْتُك حَقَّك فَإِنَّهُ حَانِثٌ لِأَنَّهُ غَيْبٌ لَا يَدْرِي أَكَانَ فَاعِلًا أَمْ لَا. وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ مَا يُمْكِنُ وَمَا لَا يُمْكِنُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَمَا كَانَ يُمْكِنُ فِعْلُهُ مِنْ قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ عَطِيَّةِ مَالٍ أَوْ شَقِّ ثَوْبٍ أَوْ ضَرْبٍ وَشِبْهِهِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ حَتَّى يَفْعَلَ أَوْ لَا يَفْعَلَ، وَمَا كَانَ لَا يُمْكِنُ مِنْ شَقِّ جَوْفٍ أَوْ فَقْءِ عَيْنٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ وَشِبْهِهِ فَهُوَ حَانِثٌ مَكَانَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 سَوَاءٌ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ سَلَفَ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ. فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ فِعْلُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمْكِنٍ فَهُوَ حَانِثٌ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فِي فِعْلٍ غَيْرِ مُسَمًّى. وَقَالَهُ مَالِكٌ فِيهِمَا. أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الَّذِي حَلَفَ بِالطَّلَاقِ فِي شَيْءٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ لَوْ أَدْرَكَهُ الْبَارِحَةَ لَفَلَقَ كَذَا مِنْ أُمِّهِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ وَقَالَ: إنَّمَا نَوَيْت أَنْ أَشُجَّهُ لَوْ أَدْرَكْته أَوْ أَصْنَعَ بِهِ شَيْئًا وَقَدْ عَلِمْتَ وَفَاةَ أُمِّهِ فَدَيَّنَهُ مَالِكٌ وَلَمْ يُحَنِّثْهُ. قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: فَهَذَا فِيمَا سَلَفَ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِيمَا قَدْ لَفَظَ بِهِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ لَحَنَّثَهُ مَالِكٌ كَمَا حَنَّثَ الْقَائِلَ لَوْ كُنْت حَاضِرًا لِشَرَكٍ مَعَ أَخِي لَفَقَأْت عَيْنَك. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ أَلَا تَرَى قَوْلَ مَالِكٍ وَعِلَّتَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ لَا يَبَرُّ فِيهِ وَلَا فِي مِثْلِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ فِيمَنْ حَلَفَ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَفَعَلَ كَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. فَدَلِيلُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ نَصُّ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِيمَا لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ نَحْوَ لَوْ كُنْت حَاضِرَ الشَّرَكِ مَعَ أَخِي لَفَقَأْت عَيْنَك وَلَا يَحْنَثُ فِيمَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا حِنْثَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ عَزَاهُ لِأَصْبَغَ. (أَوْ مُسْتَقْبَلٍ مُحَقَّقٍ وَيُشْبِهُ بُلُوغُهُمَا عَادَةً كَبَعْدِ سَنَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ إنْ شَرَطَهُ بِصِفَةٍ يُعْلَمُ وُجُودُهَا بِلَا بُدَّ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ سَنَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَتَنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مِمَّا يُشْبِهُ أَنْ يَبْلُغَهُ عُمْرُهُ فِي الْعَادَةِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَبْلُغُهُ عُمْرُهُ عَادَةً لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَجِيءُ أَبِي فَإِنَّهُ يَمَسُّ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَجِيءَ أَبُوهُ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ فِي هَذِهِ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ لِأَجَلٍ قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ بِخِلَافِ إذَا حِضْت (أَوْ يَوْمَ مَوْتِي) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ مَوْتِك لَا شَيْءَ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ يَوْمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 أَمُوتُ أَوْ يَوْمَ تَمُوتِينَ فَهِيَ طَالِقٌ السَّاعَةَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا مِتُّ أَنَا أَوْ أَنْتِ لَغْوٌ. وَانْظُرْ فِي سَمَاعِ عِيسَى: إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَمُوتُ أَخِي. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ إذَا مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ مَكَانَهُ. وَفِي الْوَاضِحَةِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إذَا خُسِفَتْ الشَّمْسُ أَوْ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ مَكَانَهُ. وَفِي الْوَاضِحَةِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إذَا خُسِفَتْ الشَّمْسُ أَوْ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَمَكَانَهُ لِأَنَّهُ أَجَلٌ آتٍ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِذَا قَالَ إذَا مَاتَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ مَاتَ مَكَانَهُ عِنْدَ تَمَامِ كَلَامِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ لَمْ يَتَوَارَثَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ كَلَامِهِ (أَوْ إنْ لَمْ أَمَسَّ السَّمَاءَ) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا إذَا كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ عَلَى حَالٍ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَمَسَّ السَّمَاءَ أَوْ إنْ لَمْ أَلِجْ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ أَوْ لِمَنْعِ الشَّرْعِ مِنْهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا أَوْ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْخَمْرَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُعَجَّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ يَجْتَرِئَ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي مَنَعَهُ الشَّرْعُ فَيَفْعَلَهُ قَبْلَ أَنْ يُعَجِّلَ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ وَيَأْثَمُ فِي فِعْلِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا الْوَجْهِ (أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا أَوْ لِهَزْلِهِ كَانَتْ طَالِقَةً أَمْسِ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ " أَوْ لِهَزْلِهِ " لَا شَكَّ أَنَّ " أَوْ " أَقْحَمَهَا الْمُخْرِجُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ عَلَّقَهُ عَلَى حَالٍ وَاضِحَةٍ يُعَدُّ الْمُعَلَّقُ فِيهَا هَازِلًا كَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 حَجَرًا حَنِثَ لِهَزْلِهِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ. وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ (أَوْ بِمَا لَا صَبْرَ عَنْهُ كَإِنْ قُمْت) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت أَوْ رَكِبْت أَوْ قُمْت أَوْ قَعَدْت أَوْ نَحْوَ هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهَذَا كُلُّهُ أَيْمَانٌ. ابْنُ يُونُسَ: يَعْنِي إنْ أَكَلْتَ أَوْ شَرِبْتَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ أَوْ قُمْتَ أَوْ قَعَدْتَ إلَى وَقْتِ كَذَا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا فَلْيُعَجِّلْ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ الْآنَ إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَا لَا صَبْرَ عَلَيْهِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ أَوْ قِيَامٍ فَفِي وُقُوعِهِ كَمُحَقَّقٍ قَوْلَانِ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِلَّخْمِيِّ وَابْنِ يُونُسَ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِابْنِ مُحْرِزٍ (أَوْ غَالِبٍ كَإِنْ حِضْت) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُعَلَّقُ عَلَى غَالِبِ الْوُجُودِ كَالْحَيْضِ الْمَشْهُورُ تَعْجِيلُ الطَّلَاقِ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ كَانَتْ قَدْ قَعَدَتْ عَنْ الْمَحِيضِ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا أَنْ تَحِيضَ (أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 مُحْتَمَلٍ وَاجِبٍ كَإِنْ صَلَّيْتَ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ كَانَ مُحْتَمَلًا غَيْرَ غَالِبٍ يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ مُثْبِتًا انْتَظَرَ وَلَمْ يَتَنَجَّزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا مِثْلَ إنْ صَلَّيْتِ فَيَتَنَجَّزُ. ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ سَحْنُونَ: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا صَلَّيْتِ أَنْتِ أَوْ إذَا صَلَّيْتُ أَنَا فَهُوَ سَوَاءٌ. وَتَطْلُقُ السَّاعَةُ لِأَنَّهُ أَجَلٌ آتٍ وَلَا بُدَّ مِنْ الصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنَّمَا عَجَّلَهُ بِمَجْمُوعِ كَوْنِهِ آجِلًا وَكَوْنُ الْفِعْلِ غَالِبًا وَهَذَا الْمَجْمُوعُ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ الْحَاجِبِ (أَوْ بِمَا لَا يَعْلَمُ حَالًا كَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ) . ابْنُ عَرَفَةَ: تَعْلِيقُهُ عَلَى الْجَزْمِ بِمَغِيبٍ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا لَا يُعْلَمُ حِينَ الْجَزْمِ، عَادَةً يُوجِبُ الْحُكْمَ بِتَنْجِيزِهِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ حَامِلًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَطْنِك غُلَامٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ غَيْبٌ، وَإِنْ أَتَتْ بِغُلَامٍ لَمْ تَرُدَّ إلَيْهِ. وَكَذَا إنْ لَمْ تُمْطِرْ السَّمَاءُ وَقْتَ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَا يُؤَخَّرُ لِظُهُورِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ إنْ لَمْ يَقْدُمْ إلَى وَقْتِ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْتِ غُلَامًا فَلَكِ مِائَةُ دِينَارٍ، وَإِنْ وَلَدْتِ جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ: أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ. وَأَمَّا الْمِائَةُ فَلَا يَقْضِي بِهَا لِأَنَّهَا هُنَا لَيْسَتْ بِهِبَةٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَا عَلَى وَجْهِ ذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُ أَنْ يُعَجِّلَ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ لَا أَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ عَلَيْهِ بِنَفْسِ اللَّفْظِ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَتَوَارَثَا. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْمِائَةِ فَإِنَّهُ حَمَلَهَا مَحْمَلَ الْعِدَّةِ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِهَا مَا لَمْ يَمُتْ أَوْ يُفْلِسْ. وَأَمَّا الْعِدَّةُ فَهِيَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ أَنَا أَفْعَلُ وَأَمَّا إذَا قَالَ قَدْ فَعَلْت فَهِيَ عَطِيَّةٌ فَقَوْلُهُ فَلَكَ مِائَةٌ أَشْبَهَ بِقَدْ فَعَلْت مِنْهُ بِأَنَا أَفْعَلُ (أَوْ فِي هَذِهِ اللَّوْزَةِ قَلْبَانِ) الْكَافِي: إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ اللَّوْزَةِ حَبَّتَانِ طَلُقَتْ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْحَالِ. وَسَوَاءٌ وُجِدَ فِي اللَّوْزَةِ حَبَّتَانِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ اهـ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ " وَهَلْ يُنْتَظَرُ فِي الْبِرِّ " (أَوْ فُلَانٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) . ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلَا ارْتِيَابَ فِي أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْعَشَرَةِ أَصْحَابِ حِرَاءٍ الَّذِينَ شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَنَّةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ جَاءَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ. وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَتَوَقَّفَ مَالِكٌ فِي تَخْفِيفِ مَنْ حَلَفَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَقَالَ: هُوَ إمَامُ هُدًى وَقَالَ: هُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ إذْ لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ يَقْطَع الْعُذْرَ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهَا طَالِقٌ سَاعَتَئِذٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ أَدْخُلْ الْجَنَّةَ عِنْدِي مِثْلُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا إنْ أَرَادَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ فَتَعْجِيلُ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ بَيِّنٌ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَسْلَمُ مِنْ مُوَاقَعَةِ الذُّنُوبِ إذْ لَا يُعْصَمُ مِنْهَا إلَّا الْأَنْبِيَاءُ، فَالْحَالِفُ عَلَى هَذَا حَالِفٌ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي هَلْ يُغْفَرُ لَهُ فَهُوَ حَالِفٌ عَلَى غَيْبٍ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّذِينَ لَا يَخْلُدُونَ فِي النَّارِ فَبَيِّنٌ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حَالِفٌ عَلَى أَنْ يَثْبُتَ عَلَى السَّلَامَةِ فَهُوَ كَمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يُقِيمَ بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ حَتَّى يَمُوتَ. وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 قَالَ لِرَجُلٍ: أَنَا وَاَللَّهِ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْك وَأَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَإِلَّا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ. قَالَ: أَرَاهُ حَانِثًا. الْبُرْزُلِيُّ: سُئِلَ شَيْخُنَا الْغُبْرِينِيُّ عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَمُوتُ إلَّا عَلَى الْإِسْلَامِ إدْلَالًا عَلَى كَرَمِ اللَّهِ فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَحَلَفَ بَعْضُ أُمَرَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَأَفْتَوْهُ بِالْحِنْثِ إلَّا وَاحِدٌ قَالَ لَهُ: تَرَكْتَ قَطُّ مَعْصِيَةً لِوَجْهِ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَا حِنْثَ عَلَيْك قَالَ سُبْحَانُهُ {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} [النازعات: 40] . (أَوْ إنْ كُنْتِ حَامِلًا أَوْ إنْ لَمْ تَكُونِي) . ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ عَلَّقَ عَلَى مَغِيبٍ حَالًا يَعْلَمُ مَا لَا كَانَ كُنْتِ حَامِلًا أَوْ إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ هِيَ طَالِقٌ مَكَانَهَا وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إذَا حَمَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ وَطْئِهَا، فَإِذَا وَطِئَهَا مَرَّةً طَلُقَتْ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَلَوْ كَانَ وَطِئَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ قَبْلَ مَقَالَتِهِ طَلُقَتْ عَلَيْهِ مَكَانَهَا وَتَصِيرُ بَعْدَ وَطْئِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ كَاَلَّتِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 قَالَ لَهَا زَوْجُهَا إنْ كُنْتِ حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي مِثْلِ هَذَا هِيَ طَالِقٌ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَهِيَ حَامِلٌ أَمْ لَا. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا صَارَ مِنْ حَمْلِهَا فِي حَالِ الشَّكِّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْغَيْرِ أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُ إلَّا عَلَى مَنْ طَلَّقَ إلَى أَجَلٍ آتٍ لَا بُدَّ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَوْ لَا يَكُونَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ لَا تَطْلُقُ مِنْهُ إجْمَاعًا (وَحُمِلَتْ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ وَاخْتَارَ مَعَ الْعَزْلِ) تَقَدَّمَ مَا لِابْنِ يُونُسَ. وَاَلَّذِي لِلَّخْمِيِّ إنْ قَالَ إنْ كُنْتِ حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ أَوْ مَسَّ وَلَمْ يَنْزِلْ كَانَ مَحْمَلُهَا عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَمْلِ. فَإِنْ قَالَ: إنْ كُنْت حَامِلًا لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا طَلُقَتْ. وَكَذَلِكَ أَرَى فِي الَّذِي يَعْزِلُ لِأَنَّ الْحَمْلَ عَنْ ذَلِكَ نَادِرٌ، وَاخْتُلِفَ إذَا أَنْزَلَ وَلَمْ يَعْزِلْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ؛ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: هِيَ طَالِقٌ مَكَانَهَا لِأَنَّهُ فِي شَكٍّ مِنْ حَمْلِهَا، وَسَوَاءٌ قَالَ: إنْ كُنْت حَامِلًا أَوْ إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ (أَوْ لَمْ يُمْكِنْ إطْلَاعُنَا عَلَيْهِ كَإِنْ شَاءَ اللَّهُ) . ابْنُ عَرَفَةَ: تَعْلِيقُهُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ كَإِطْلَاقِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا. وَنَصُّ الرِّوَايَةِ: مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هِيَ طَالِقٌ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ فِي هَذَا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فِي الطَّلَاقِ الْمُجَرَّدِ وَالْعِتْقِ الْمُجَرَّدِ غَيْرُ عَامِلٍ وَلَا نَافِعٍ ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّمَا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ مَجْهُولَةٌ لَنَا لَا يُمْكِنُنَا عِلْمُهَا مَرْغُوبٌ عَنْهُ يُضَاهِي قَوْلَ الْقَدَرِيَّةِ. ابْنُ يُونُسَ: لَزِمَهُ الطَّلَاقُ لِأَنَّا لَمَّا لَمْ نَعْلَمْ مَشِيئَةَ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا طَرِيقٌ إلَى عِلْمِهَا غَلَّبْنَا التَّحْرِيمَ كَمَا إذَا اجْتَمَعَ فِي شَخْصٍ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ غَلَّبْنَا الْحَظْرَ (أَوْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ الْجِنُّ) . ابْنُ عَرَفَةَ: تَعْلِيقُهُ عَلَى مَشِيئَةِ مَلَكٍ أَوْ جِنٍّ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: كَإِنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ. وَنَصُّ ابْنِ شَاسٍ: إنْ صَرَفَ الْحَالِفُ الْمَشِيئَةَ إلَى مَا لَا تُعْرَفُ مَشِيئَةٌ مِنْ الْخَلْقِ كَالْجَمَادِ أَوْ إلَى الْمَلَائِكَةِ أَوْ الْجِنِّ فَفِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ خِلَافٌ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ أَوْ الْحَائِطُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَ لَهَا مَشِيئَةٌ فَيُطَلِّقُهَا بِهَا. وَقَالَ سَحْنُونَ: يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَذَلِكَ نَدَمٌ مِنْهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ: هُمَا رِوَايَتَانِ وَهَذِهِ الثَّانِيَةُ أَصَحُّ (أَوْ صَرَفَ الْمَشِيئَةَ إلَى مُعَلَّقٍ عَلَيْهِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ عَلَّقَ مُعَلَّقًا عَلَى أَمْرٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ الْمَشْهُورُ لَغْوُ اسْتِثْنَائِهِ مُطْلَقًا. ابْنُ رُشْدٍ: يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ مَخْلُوقٍ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَفِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَفِي الطَّلَاقِ الْمُجَرَّدِ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ عَلَى صِفَةٍ، وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَلَا يَصِحُّ فِي الطَّلَاقِ الْمُجَرَّدِ. وَاخْتُلِفَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 هَلْ يَصِحُّ فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ كَانَ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي يَمِينٍ بِطَلَاقٍ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ بَعْدَ ذِكْرِ الْفِعْلِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا ثَنِيَّا لَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَرَى أَنَّ لَهُ ثَنِيَّاهُ إذَا أَرَادَ الثَّنِيَّا فِي الْفِعْلِ دُونَ الطَّلَاقِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي النَّظَرِ لِأَنَّهُ إذَا صَرَفَ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى الْفِعْلِ فَقَدْ بَرَّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ لَا يَصِحُّ وُجُودُهَا وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ الْفِعْلَ وَاَللَّهُ لَا يَشَاءُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ مَجُوسِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَنْفَعُهُ وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى الْفِعْلِ دَرْكٌ عَظِيمٌ. اُنْظُرْ آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ نُذُورِ الْمُقَدِّمَاتِ، وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " كَالِاسْتِثْنَاءِ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ " (بِخِلَافِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَقَطْ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ صَرَفَ الْمَشِيئَةَ إلَى مُعَلَّقٍ عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يُفِدْ عَلَى الْأَصَحِّ، أَمَّا لَوْ قَالَ فِي مُعَلَّقٍ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَذَلِكَ لَهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ، فَإِنْ ضَمِنَهُ بِيَمِينٍ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ فَعَلْتِ كَذَا إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَذَلِكَ لَهُ، وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي يُرِيدُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ خَاصَّةً، وَأَمَّا إنْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَنْفَعْهُ. وَعِبَارَةُ الْكَافِي. فَذَلِكَ لَهُ إذَا أَرَادَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْ يُبَدِّلَ اللَّهُ لِي مَا فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ. (أَوْ كَإِنْ لَمْ تُمْطِرْ السَّمَاءُ غَدًا) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " كَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ " (إلَّا أَنْ يَعُمَّ الزَّمَانَ) اللَّخْمِيِّ: مَنْ قَالَ إنْ لَمْ تُمْطِرْ السَّمَاءُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَمَّ أَوْ خَصَّ بَلَدًا إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ زَمَنًا مَا، وَكَذَا إنْ ضَرَبَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 أَجَلًا خَمْسَ سِنِينَ وَلَوْ عَيَّنَ شَهْرًا فَعَلَى مَا مَرَّ مِنْ الْخِلَافِ (أَوْ يَحْلِفَ لِعَادَةٍ فَيُنْتَظَرُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ: إنْ لَمْ تُمْطِرْ السَّمَاءُ فِي وَقْتِ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ قَالَ مَالِكٌ: تَطْلُقُ عَلَيْهِ السَّاعَةَ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْغَيْبِ وَلَا يَنْتَظِرُهُ بِهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لِيَنْظُرَ أَيَكُونُ الْمَطَرُ أَمْ لَا، وَلَوْ مَطَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ تُرَدَّ إلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا إنْ قَالَ إنْ لَمْ يَقْدُمْ أَبِي مِنْ وَقْتِ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبِخِلَافِ ذَلِكَ إذْ قَدْ يَدَّعِي عِلْمَ قُدُومِهِ بِالْخَبَرِ يَأْتِيهِ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْبٍ. اهـ. مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ حَلِفُهُ لِغَلَبَةِ ظَنِّهِ لِتَجْرِبَةٍ عَجَّلَ طَلَاقَهُ كَمَا يُعَجِّلُ طَلَاقَهُ إنْ كَانَ حَلِفُهُ لِكِهَانَةٍ أَوْ تَنْجِيمٍ أَوْ تَقَحُّمًا عَلَى الشَّكِّ، فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى جَاءَ الْأَمْرُ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ (وَهَلْ يُنْتَظَرُ فِي الْبِرِّ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ يُنَجَّزُ كَالْحِنْثِ تَأْوِيلَانِ) لِمَا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ قَالَ إذَا أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ غَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ لِحَامِلٍ إذَا وَضَعْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: إنْ لَمْ تُمْطِرْ السَّمَاءُ غَدًا وَإِنْ لَمْ تَلِدِي جَارِيَةً فَهَذَا يُعَجَّلُ حِنْثُهُ، فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ حَتَّى كَانَ الْمَطَرُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ. نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ عَلَى مَسَاقِهِ. (أَوْ بِمُحَرَّمٍ كَإِنْ لَمْ أَزْنِ) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ إنْ لَمْ أَمَسَّ السَّمَاءَ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ فِي النُّذُورِ وَفِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ (إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ قَبْلَ التَّنْجِيزِ) هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ " إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى جَاءَ الْأَمْرُ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ ". وَقَوْلُ ابْنِ يُونُسَ " حَتَّى كَانَ الْمَطَرُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ "، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: " إلَّا أَنْ يَجْتَرِئَ عَلَى الْفِعْلِ فَيَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَيَأْثَمَ فِي فِعْلِهِ ". (أَوْ بِمَا لَا يُعْلَمُ حَالًا وَمَآلًا) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ عَلَّقَهُ عَلَى مَا لَا يُعْلَمُ حَالًا وَمَآلًا طَلُقَتْ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا كَقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ مِنْهُ مَا يَتَّفِقُ عَلَى جَبْرِهِ عَلَى الطَّلَاقِ كَقَوْلِهِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ أَمْسِ كَذَا وَكَذَا الشَّيْءُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَلَا طَرِيقَ لِاسْتِعْمَالِهِ. (وَدُيِّنَ إنْ أَمْكَنَ حَالًا وَادَّعَاهُ) سَمِعَ يَحْيَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ يَعْرِفُ هَذَا الْحَقَّ لِحَقٍّ يَدَّعِيهِ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ يَعْرِفُ لَهُ فِيهِ حَقًّا دُيِّنَا جَمِيعًا وَلَا حِنْثَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. ابْنُ رُشْدٍ: مِثْلُهُ فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعِتْقِ الْأَوَّلِ مِنْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ يَمِينًا. وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْلِفَانِ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَتَيَا مُسْتَفْتِيَيْنِ فَلَا وَجْهَ لِلْيَمِينِ (فَلَوْ حَلَفَ اثْنَانِ عَلَى النَّقِيضِ كَإِنْ كَانَ هَذَا غُرَابًا أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ يَقِينًا طَلُقَتْ) هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ لَقَدْ قُلْت لِي كَذَا وَكَذَا فَقَالَ الْآخَرُ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كُنْت قُلْته فَلْيُدَيَّنَا وَيَتْرُكَا إنْ ادَّعَيَا يَقِينًا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: إنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا إنْ كَانَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَمْسِ فَهُوَ حُرٌّ وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَمْسِ فَهُوَ حُرٌّ إنْ ادَّعَيَا عِلْمَ مَا حَلَفَا عَلَيْهِ دِينَارٌ، وَإِنْ قَالَا مَا تُوقِنُ أَدَخَلَ أَمْ لَا فَلْيُعْتِقَاهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ. (وَلَا يَحْنَثُ إنْ عَلَّقَهُ بِمُسْتَقْبَلٍ مُمْتَنِعٍ كَإِنْ لَمَسْت السَّمَاءَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا عَلَّقَهُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ فَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا مِثْلَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمَسْت السَّمَاءَ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ (أَوْ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى مُحَالٍ كَإِنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ أَوْ الْحَائِطُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ (وَلَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَةُ الْمُعَلَّقِ بِمَشِيئَتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَذَلِكَ لَهُ لِأَنَّهُ مِمَّنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 يُوصَلُ إلَى عِلْمِ مَشِيئَتِهِ وَيَنْظُرُ مَا يَشَاءُ فُلَانٌ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَشَاءَ وَقَدْ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ كَانَ مَيِّتًا فَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ لَمَّا يَشَأْ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَشَاءَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ أَوْ الْحَائِطُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَ لَهَا مَشِيئَةٌ فَيُطَلِّقُهَا بِهَا. (أَوْ لَا يُشْبِهُ الْبُلُوغَ إلَيْهِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ طَلَّقَ إلَى أَجَلٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُهُ عُمْرُ أَحَدٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا طَلَاقَ. ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا وَالْحَدُّ فِيهِ بُلُوغُ أَجَلِ التَّعْمِيرِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهِ مِنْ السَّبْعِينَ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ (كَطَلَّقْتُكِ وَأَنَا صَبِيٌّ) ابْنُ عَرَفَةَ: تَقْيِيدُ إقْرَارِهِ نَسَقًا بِمَا يُلْغِيهِ فِي قَبُولِهِ خِلَافٌ، فَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا. وَفِي " طَلَّقْتُك فِي مَنَامِي أَوْ قَبْلَ أَنْ أُولَدَ " (أَوْ إذَا مِتُّ) فِي الْمُدَوَّنَةِ لَغْوٌ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا مِتُّ أَنَا أَوْ أَنْتِ، وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيِّ فِي " إنْ " ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا " إذَا " أَوْ " مَتَى " (أَوْ إنْ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ أَنَّ " إذَا " " إنْ " حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ نَفْيَهُ) اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ مِتُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ نَفْيَ الْمَوْتِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِسَاطٌ يُعْرَفُ أَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَمُوتَ عِنَادًا أَوْ مِنْ مَرَضٍ خَاصٍّ فَيُعَجَّلُ طَلَاقُهُ مَكَانَهُ (أَوْ إنْ وَلَدْتِ جَارِيَةً) اُنْظُرْ عَلَى مَا هُوَ هَذَا مَعْطُوفٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ " أَوْ فِي هَذِهِ اللَّوْزَةِ " قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: " إنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ إنْ قَالَ إنْ وَلَدْت جَارِيَةً ". وَلِابْنِ عَرَفَةَ هُنَا بَحْثٌ فَانْظُرْهُ وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَبِمُحَرَّمٍ كَإِنْ لَمْ أَزْنِ " (أَوْ إذَا حَمَلْت إلَّا أَنْ يَطَأَهَا مَرَّةً وَإِنْ قَبْلَ يَمِينِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يَحْنَثُ فِي مِثْلِ إذَا حَمَلْت إلَّا إذَا وَطِئَهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ كَانَ وَطِئَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ قَبْلَ مَقَالَتِهِ طَلُقَتْ عَلَيْهِ. اُنْظُرْهُ قَبْلَ هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ إنْ كُنْت حَامِلًا وَأَنَّهَا تَطْلُقُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ يَمِينِهِ ". وَعِبَارَةُ اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ إذَا حَمَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا عِبْرَةَ بِوَطْئِهِ قَبْلَ يَمِينِهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ يُطَلِّقُ حِينَئِذٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إنَّ هَذَا هُوَ رَابِعُ الْأَقْوَالِ (كَإِنْ حَمَلْتِ وَوَضَعْتِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهَا وَهِيَ غَيْرُ حَامِلٍ إذَا حَمَلْت وَوَضَعْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ طَلُقَتْ عَلَيْهِ مَكَانَهَا وَلَا يَنْتَظِرُ بِهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا وَلَا أَنْ تَحْمِلَ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا تُحْبَسُ أَلْفَ امْرَأَةٍ لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ يَكُونُ أَمْرُهَا فِي الْحَمْلِ غَيْرَ أَمْرِهِنَّ. ابْنُ الْحَاجِبِ: قِيلَ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ إنْ كَانَ وَطْؤُهَا بَعْدَ الْيَمِينِ وَقِيلَ الْقَصْدُ هُنَا الْوَضْعُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: إنْ قَالَ لِحَامِلٍ إذَا حَمَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يُطَلَّقُ بِهَذَا الْحَمْلِ إلَّا بِحَمْلٍ مُؤْتَنَفٍ (أَوْ بِمُحْتَمَلٍ غَيْرِ غَالِبٍ وَانْتَظَرَ إنْ أَثْبَتَ) تَقَدَّمَ الْمُحْتَمَلُ الْغَالِبُ كَإِنْ حِضْتِ وَالْوَاجِبُ كَإِنْ صَلَّيْتِ وَاَلَّذِي لَا صَبْرَ عَنْهُ كَإِنْ قُمْتِ فَيَبْقَى مِثْلُ إذَا قَدِمَ أَوْ إنْ لَمْ يَقْدُمْ فَأَمَّا مِثْلُ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُعَلَّقُ عَلَى نَفْسِ فِعْلٍ غَيْرِ غَالِبٍ وُجُودُهُ يُمْكِنُ عِلْمُهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ إنْ قَالَ: إنْ لَمْ تُمْطِرْ السَّمَاءُ غَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ السَّاعَةَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَقْدُمْ أَبِي. اُنْظُرْهُ عِنْدَهُ قَوْلُهُ " أَوْ يَحْلِفَ لِعَادَةٍ ". وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ كَانَ مُحْتَمَلًا غَيْرَ غَالِبٍ يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مُثْبِتًا انْتَظَرَ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: كُلُّ مَنْ طَلَّقَ إلَى أَجَلٍ آتٍ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ مَكَانَهُ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى يَقْدُمَ، وَلَهُ وَطْؤُهَا إذْ لَيْسَ أَجَلًا آتِيًا عَلَى كُلِّ حَالٍ. اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَحُمِلَتْ عَلَى الْبِرِّ ". وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْحَالِفُ عَلَى نَفْسِهِ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ ضَرَبْت عَبْدِي كَالْحَالِفِ عَلَى غَيْرِهِ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا سَوَاءٌ وَهُوَ عَلَى بِرٍّ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لَا يُمْنَعُ مَنْ وَطْءِ امْرَأَتِهِ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْفِعْلِ، وَلَهُ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى ذَلِكَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ إنْ شَاءَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا الْوَجْهِ (كَيَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ وَتَبَيَّنَ الْوُقُوعُ أَوَّلَهُ إنْ قَدِمَ فِي نِصْفِهِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدُمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ نِصْفَ النَّهَارِ طَلُقَتْ وَلَوْ قَدِمَ لَيْلًا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالْقُدُومِ. (وَإِلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ مِثْلُ إنْ شَاءَ، بِخِلَافِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي كَالنَّذْرِ وَالْعِتْقِ) اُنْظُرْ إقْحَامَ هَذَا الْفَرْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ " وَانْتَظَرَ إنْ أَثْبَتَ " وَبَيْنَ قَوْلِهِ " وَإِنْ نَفَى وَلَمْ يُؤَجَّلْ "، فَلَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ مَخْرَجِهِ مِنْ الْمُبَعَّضَةِ وَهَذَا الْفَرْعُ هُوَ مِنْ فُرُوعِ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ تَنْفَعْهُ الْمَشِيئَةُ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ إنْ شَاءَ زَيْدٌ، فَإِنْ قَالَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ فَمِثْلُ إنْ شَاءَ عَلَى الْأَشْهَرِ بِخِلَافِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي عَلَى الْأَشْهَرِ كَالنَّذْرِ وَالْعِتْقِ فِيهِمَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ الْمَشْيُ عَلَيَّ إلَى مَكَّةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي وَأَرَى خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْمَشْيُ وَلَا يَنْفَعُهُ اسْتِثْنَاؤُهُ وَلَا اسْتِثْنَاءَ فِي طَلَاقٍ وَلَا عِتْقٍ وَلَا مَشْيٍ وَلَا صَدَقَةٍ، وَلَوْ قَالَ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ فُلَانٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ شَاءَ حَتَّى فُلَانٌ. (وَإِنْ نَفَى وَلَمْ يُؤَجِّلْ كَإِنْ لَمْ يَقْدُمْ مُنِعَ مِنْهَا) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِاخْتِصَارٍ: إنْ كَانَ مُحْتَمَلًا غَيْرَ غَالِبٍ مُثْبِتًا انْتَظَرَ، وَإِنْ كَانَ نَفْيًا لِفِعْلٍ لَهُ غَيْرِ مُحَرَّمٍ أَوْ لِغَيْرِهِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُؤَجَّلٍ مُنِعَ مِنْهَا حَتَّى يَقَعَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ. وَصَوَّرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سِتَّ صُوَرٍ، وَتَقَدَّمَتْ صُورَتَانِ قَبْلَ قَوْلِهِ: " كَيَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ " صُورَةٌ ثَالِثَةٌ قَالَ فِيهَا: أَعْنِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ يَفْعَلُ فِعْلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضْرِبَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 فِي ذَلِكَ أَجَلًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَضْرِبْ عَبْدِي، فَإِذَا حَلَفَ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ عَلَى حِنْثٍ وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. وَأَمَّا إذَا حَلَفَ بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ فَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ كَالْحَالِفِ عَلَى نَفْسِهِ سَوَاءٌ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي رَسْمِ حَلَفَ أَنَّ مَنْ قَالَ إنْ لَمْ يَحُجَّ فُلَانٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إنْ لَمْ أَحُجَّ. وَقَالَ أَيْضًا: إنَّهُ يُتَلَوَّمُ لَهُ وَيَخْتَلِفُ هَلْ يَطَأُ فِي التَّلَوُّمِ. وَقَالَ أَيْضًا: إنْ حَلَفَ عَلَى غَائِبٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَقْدُمْ فُلَانٌ أَوْ إنْ لَمْ يَحُجَّ كَانَ كَالْحَالِفِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، فَهَلْ يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ؟ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى حَاضِرٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَهَبْ لِي دِينَارًا أَوْ إنْ لَمْ تَقْضِ حَقِّي فَيَتَلَوَّمُ لَهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى اهـ. اُنْظُرْ لَوْ قَالَ خَلِيلٌ كَأَنْ لَمْ يَقْدُمْ لَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ خَلِيلٌ بَنَى عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنَبِّهَ عَلَيْهِ فَانْظُرْهُ (لَا إنْ لَمْ أُحْبِلْهَا أَوْ إنْ لَمْ أَطَأْهَا) ابْنُ رُشْدٍ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُحَبِّلْك فَإِنَّهُ يَطَأُ أَبَدًا حَتَّى يُحَبِّلَهَا لِأَنَّ بِرَّهُ فِي إحْبَالِهَا. وَكَذَا إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَطَأْك لَهُ أَنْ يَطَأَهَا لِأَنَّ بِرَّهُ فِي وَطْئِهِ، فَإِنْ وَقَفَ عَنْ وَطْئِهَا كَانَ مُولِيًا عِنْدَ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا إيلَاءَ عَلَيْهِ وَهُوَ الصَّوَابُ (وَهَلْ يُمْنَعُ مُطْلَقًا أَوْ إلَّا فِي كَإِنْ لَمْ أَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ وَلَيْسَ فِي وَقْتِ سَفَرٍ تَأْوِيلَانِ) اُنْظُرْ هَذَا فَرْعٌ إنْ نَفَى وَلَمْ يُؤَجِّلْ وَكَانَ حَلِفُهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَوْ كَانَ خَلِيلٌ قَالَ " كَأَنْ لَمْ أَحُجَّ " عِوَضَ قَوْلِهِ " كَإِنْ لَمْ يَقْدُمْ " لَكَانَ صَحِيحًا فِي مَوْضِعِهِ وَيَتَبَزَّلُ عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَامُ. وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى الْمُحْتَمَلِ غَيْرِ الْغَالِبِ إنْ كَانَ نَفْيًا مُنِعَ مِنْهَا حَتَّى يَقَعَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَقِيلَ إلَّا فِي مِثْلِ " إنْ لَمْ أَحُجَّ " وَلَيْسَ فِي وَقْتِ سَفَرٍ وَلَأَخْرُجَنَّ إلَى بَلَدِ كَذَا فَكَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا فَيَتْرُكُ إلَّا أَنْ يُمْكِنَهُ. وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَحُجَّ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَمْ يُسَمِّ عَامَ حَجِّهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَحُجَّ. ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُهُ كَظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ يُمْنَعُ الْوَطْءَ مِنْ يَوْمِ حَلِفِهِ وَإِنْ لَمْ " يَأْتِ إبَّانَ خُرُوجِ الْحَاجِّ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سِتَّ صُوَرٍ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الصُّورَتَيْنِ قَبْلَ قَوْلِهِ " كَيَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ " وَهُمَا الْحَالِفُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا حُكْمُ صُورَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ نَفَى وَلَمْ يُؤَجِّلْ " وَهُمَا الْحَالِفُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤَجِّلَ يَبْقَى صُورَتَانِ وَهُمَا أَنْ يَحْلِفَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا لِأَجَلٍ. فَمَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَلَمْ يُؤَجِّلْ " أَنَّهُ يَنْتَظِرُ كَمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 إنْ أَثْبَتَ. وَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ الْحَالِفُ بِالطَّلَاقِ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا إلَى أَجَلٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ لَمْ أَضْرِبْ عَبْدِي إلَى شَهْرٍ هُوَ كَالْحَالِفِ عَلَى غَيْرِهِ بِالطَّلَاقِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا إلَى أَجَلٍ سَوَاءٍ مِثْلَ قَوْلِهِ: إنْ لَمْ يَقْدُمْ أَبِي إلَى رَأْسِ الْهِلَالِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَفِيهِمَا جَمِيعًا لِابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهَذَا أَصَحُّ عَلَى مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ مَالِكٍ إذَا لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُمَا فِي أَنَّهُ فِيهِمَا عَلَى بِرٍّ اهـ. (إلَّا إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ مُطْلَقًا أَوْ إلَى أَجَلٍ وَإِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ أَوْ الْآنَ فَيُنَجَّزُ) أَمَّا تَنْجِيزُ الطَّلَاقِ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك مُطْلَقًا أَوْ إلَى أَجَلٍ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَتْهُ مَكَانَهُ طَلْقَةٌ إذْ لَا بُدَّ مِنْهَا بَرَّ أَوْ حَنِثَ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك مُطْلَقًا أَوْ إلَى أَجَلٍ مَذْهَبُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ سَاعَتَئِذٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى التَّعْجِيلِ وَالْفَوْرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ السَّاعَةَ. اُنْظُرْ أَوَّلَ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْ اللَّخْمِيِّ قَالَ: أَرَى إنْ قُلْتُ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ رَأْسَ الْهِلَالِ ثَلَاثًا، فَإِنْ هُوَ أَرَادَ الْبِرَّ طَلَّقَ ثَلَاثًا وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ كَانَ حَانِثًا بِوَاحِدَةٍ وَقَدْ عَجَّلْت، فَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ الْحِنْثِ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ. رَاجِعْ الْكِتَابَ الْمَذْكُورَ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ. ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّمَا يُنَجِّزَ فِي مِثْلِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك إذْ لَا بَرَاءَةَ إلَّا بِالطَّلَاقِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ ثَمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ أَنْ يُصَالِحَهَا قَبْلَ الشَّهْرِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا طَلْقَةً. اُنْظُرْ أَوَّلَ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْ اللَّخْمِيِّ. (وَيَقَعُ وَلَوْ مَضَى زَمَنُهُ كَطَالِقٍ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا غَدًا) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا غَدًا فَكَلَّمَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. الشَّيْخُ: هَذَا خِلَافُ أَصْلِ مَالِكٍ بَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ. ابْنُ عَرَفَةَ: طَرِيقَةُ ابْنِ مُحْرِزٍ كَقَوْلِ الشَّيْخِ وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ كَقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ (وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ وَاحِدَةً بَعْدَ شَهْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ أَلْبَتَّةَ فَإِنْ عَجَّلَهَا أَجْزَأَتْ وَإِلَّا قِيلَ لَهُ مَا عَجَّلْتهَا وَإِلَّا بَانَتْ مِنْك) عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك وَاحِدَةً بَعْدَ شَهْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ أَرَادَ تَعْجِيلَ الْوَاحِدَةِ قَبْلَ الْأَجَلِ فَتَوَقَّفَ فِيهَا مَالِكٌ. وَعِبَارَةُ اللَّخْمِيِّ: لَمْ يُجِبْ فِيهَا. ابْنُ الْقَاسِمِ: بِشَيْءٍ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: تَوَقَّفَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 فِيهَا مَالِكٌ. وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يُجْزِئُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ قَصْدُهُ غَمَّهَا بِهِ أَجْزَأَهُ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ فَفِي الْبِرِّ كَنَفْسِهِ وَهَلْ كَذَلِكَ فِي الْحِنْثِ أَوْ لَا يَضْرِبُ لَهُ أَجَلَ الْإِيلَاءِ وَيَتَلَوَّمُ لَهُ قَوْلَانِ) لَمْ أَلْتَفِتْ لِهَذَا عِنْدَ نَظَرِي فِي قَوْلِهِ وَأَنْتَظِرُ أَنْ أُثْبِتَ وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ كَإِنْ لَمْ يَقْدُمْ تَصْحِيفٌ مِنْ النَّاقِلِ، وَإِنَّمَا صَوَابُهُ إلَّا كَإِنْ لَمْ أَقْدُمْ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: وَأَنْتَظِرُ أَنْ أُثْبِتَ كَإِنْ حَجَجْت أَوْ ضَرَبْت عَبْدِي وَإِنْ نَفَى لَمْ يُؤَجَّلْ كَإِنْ لَمْ أَحُجَّ أَوْ أَضْرِبْ عَبْدِي مُنِعَ مِنْهَا، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ فَفِي الْبِرِّ كَنَفْسِهِ كَإِنْ حَجَّ فُلَانٌ أَوْ ضَرَبَ عَبْدَهُ. وَهَلْ كَذَلِكَ فِي الْحِنْثِ كَإِنْ لَمْ يَحُجَّ فُلَانٌ أَوْ إنْ لَمْ يَقْدُمْ وَبِهَذَا تَدْخُلُ لَهُ السِّتُّ الصُّوَرُ الَّتِي ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْهَا قَوْلًا مَشْهُورًا إلَّا فِي نَحْوِ إنْ لَمْ يَقْدُمْ فُلَانٌ فَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِفِعْلٍ ثُمَّ حَلَفَ مَا فَعَلْتُ صُدِّقَ بِيَمِينٍ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 فَيُنَجَّزُ وَلَا تُمَكِّنُهُ زَوْجَتُهُ إنْ سَمِعَتْ إقْرَارَهُ وَبَانَتْ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ " وَبَانَتْ " وَلَوْ قَالَ إنْ سَمِعَتْ إقْرَارَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لِتَنْزِلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ يَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ مَا فَعَلَهُ وَقَالَ: كُنْت كَاذِبًا فِي إقْرَارِي صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَحْنَثُ، وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: كُنْت كَاذِبًا لَمْ يَنْفَعْهُ وَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ بِالْقَضَاءِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ كَذَبَ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ كَذَبَ، وَالثَّانِي أَقَرَّ أَنَّهُ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ بِالطَّلَاقِ فَوَجَبَ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ وَعَلِمَ هُوَ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ عِنْدَهُمْ بَعْدَ يَمِينِهِ حَلَّ لَهُ الْمُقَامُ عَلَيْهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَمْ يَسَعْ امْرَأَتُهُ إنْ سَمِعَتْ إقْرَارَهُ هَذَا الْمُقَامَ مَعَهُ إلَّا أَنْ لَا تَحُدَّ بَيِّنَةً وَلَا سُلْطَانًا فَهِيَ كَمَنْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا فَلَا تَتَزَيَّنُ لَهُ وَلَا يَرَى لَهَا شَعْرًا وَلَا وَجْهًا إنْ قَدَرَتْ وَلَا يَأْتِيهَا إلَّا وَهِيَ كَارِهَةٌ وَلَا تَنْفَعُهَا مُدَافَعَتُهُ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا بِشَاهِدِهِ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ مُحْرِزٍ إنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ رُؤْيَةِ وَجْهِهَا لِقَصْدِ اللَّذَّةِ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا لِغَيْرِ اللَّذَّةِ إذْ وَجْهُ الْمَرْأَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَقَدْ يُرَى غَيْرَ وَجْهِهَا. وَعِبَارَةُ اللَّخْمِيِّ: مَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ فَعَلَ شَيْئًا ثُمَّ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ وَقَالَ: كُنْت كَاذِبًا صَدَقَ وَأُحْلِفَ، وَإِذَا شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مَا فَعَلَهُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ يَمِينِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ يَمِينِهِ حَنِثَ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ وُجِدَ بِهِ رِيحُ خَمْرٍ فَشَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهُ رِيحُ خَمْرٍ فَحَلَفَ هُوَ بِالطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ شَرِبَ خَمْرًا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَدُيِّنَ فِي يَمِينِهِ وَلَا يُطَلَّقُ عَلَيْهِ. وَمِنْ فُرُوقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَأَفْعَل فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ فَعَلَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ، وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ حَلَفَ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ مَا فَعَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ، وَفِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ قَدْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى فِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ (وَلَا تَتَزَيَّنُ لَهُ إلَّا كُرْهًا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا (وَلِتَفْتَدِ مِنْهُ وَفِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 جَوَازِ قَتْلِهَا لَهُ عِنْدَ مُحَاوَرَتِهَا قَوْلَانِ) مُحَمَّدٌ: وَلِتَفْتَدِ مِنْهُ بِمَا قَدَرَتْ وَلَوْ بِشَعْرِ رَأْسِهَا وَتَقْتُلْهُ إنْ خَفِيَ لَهَا كَغَاصِبِ الْمَالِ يُرِيدُ مِثْلَ الْعَادِي وَالْمُحَارِبِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يَحِلُّ لَهَا قَتْلُهُ وَلَا قَتْلُ نَفْسِهَا وَأَكْثَرُ مَا عَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ وَأَنْ لَا يَأْتِيَهَا إلَّا مُكْرَهَةً. ابْنُ مُحْرِزٍ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَلَا سَبِيلَ لَهَا إلَى الْقَتْلِ لِأَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 قَبْلَ الْوَطْءِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْقَتْلَ بِوَجْهٍ وَبَعْدَهُ صَارَ حَدًّا وَالْحَدُّ لَيْسَ لَهَا إقَامَتُهُ. (وَأُمِرَ بِالْفِرَاقِ فِي إنْ كُنْت تُحِبِّينِي أَوْ تُبْغِضِينِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهَا: إنْ كُنْت تُحِبِّينَ فِرَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ إنِّي أُحِبُّهُ ثُمَّ قَالَتْ: كُنْت كَاذِبَةً أَوْ لَاعِبَةً فَلْيُفَارِقْهَا وَلَا يُقِيمُ عَلَيْهَا. وَإِنْ قَالَ: إنْ كُنْتِ تُبْغِضِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ لَا أُبْغِضُكَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى فِرَاقِهَا وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ (وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إلَّا أَنْ تَجِبَ بِمَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ فَيُجْبَرُ تَأْوِيلَانِ وَفِيهَا مَا يَدُلُّ لَهُمَا) عِيَاضٌ: إنْ أَجَابَتْهُ بِمَا يُطَابِقُ يَمِينَهُ بِأَنَّهَا تُبْغِضُهُ فَظَاهِرُ الْكِتَابِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ إجْبَارُهُ لِقَوْلِهِ فَلْيُفَارِقْهَا. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إنْ قَالَتْ لَا أَبْغَضُك أُمِرَ وَلَا يُجْبَرُ وَقَدْ قَالَ فِي الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَقَالَتْ قَدْ دَخَلْتُ لَا يُؤْمَرُ وَلَا يُجْبَرُ. (وَبِالْأَيْمَانِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا) مِنْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ لَمْ يَدْرِ بِمَا حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مَشْيٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَلْيُطَلِّقْ نِسَاءَهُ وَيُعْتِقْ رَقِيقَهُ وَيَتَصَدَّقْ بِثُلُثِ مَالِهِ وَيَمْشِ إلَى مَكَّةَ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ (وَلَا يُؤْمَرُ إنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا) ابْنُ شَاسٍ: هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا وَلَمْ يَسْتَنِدْ شَكُّهُ إلَى أَصْلٍ فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَلَا يُؤْمَرُ بِهِ. وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ شَكَّ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَيُقْضَى عَلَيْهَا بِطَلَاقِهَا أَمْ ذَلِكَ إلَيْهِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِطَلَاقِهَا؟ قَالَ: ذَلِكَ إلَيْهِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِطَلَاقِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: الشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ مِنْهُ يُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ. وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فِعْلًا ثُمَّ يَقُولُ لَعَلَّهُ قَدْ فَعَلَ أَوْ يَشُكَّ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ عَلَيْهِ الشَّكَّ فِي ذَلِكَ. وَسَمِعَ عِيسَى أَيْضًا فِي رَجُلٍ تُوَسْوِسُهُ نَفْسُهُ فَيَقُولُ قَدْ طَلَّقْت امْرَأَتِي أَوْ يَتَكَلَّمُ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ لَا يُرِيدُهُ أَوْ يُشَكِّكُهُ فَقَالَ: يَضْرِبُ عَنْ ذَلِكَ وَيَقُولُ لِلْخَبِيثِ صَدَقْت وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمُوَسْوِسَ لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَهُوَ مِمَّا لَا طَلَاقَ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُلْهَى عَنْهُ وَلَا يُلْتَفَتَ إلَيْهِ كَالْمُسْتَنْكِحِ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَيِسَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِانْقِطَاعِهِ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَعِبَارَةُ التَّهْذِيبِ: مَنْ لَمْ يَدْرِ أَحَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ أُمِرَ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ ثُمَّ لَمْ يَدْرِ أَحَنِثَ أَمْ لَا، أُمِرَ بِالْفِرَاقِ وَإِنْ كَانَ ذَا وَسْوَسَةٍ فِي هَذَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ عِزُّ الدِّينِ: الْوَسْوَسَةُ لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِ الْإِنْسَانِ وَإِنَّمَا هِيَ صَادِرَةٌ مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ وَلَا إثْمَ عَلَى الْإِنْسَانِ فِيهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ وَصُنْعِهِ وَيَتَوَهَّمُ الْإِنْسَان أَنَّهَا مِنْ نَفْسِهِ لِمَا كَانَ الشَّيْطَانُ يُحَدِّثُ بِهَا الْقَلْبَ وَلَا يُلْقِيهَا إلَى السَّمْعِ فَيُوهَمُ الْإِنْسَانُ أَنَّهَا صَادِرَةٌ مِنْهُ فَيَتَخَرَّجُ لِذَلِكَ وَيَكْرَهُهُ. وَفِي لَطَائِفِ الْمِنَنِ: كَانَ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ يُلَقِّنُ مَنْ بِهِ وَسْوَاسٌ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْخَلَّاقِ {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} [إبراهيم: 19] {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم: 20] (إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ وَهُوَ سَالِمُ الْخَاطِرِ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ اسْتَنَدَ شَكُّهُ إلَى أَصْلٍ كَمَنْ حَلَفَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ حَنِثَ أَمْ لَا وَكَانَ سَالِمَ الْخَاطِرِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْفِرَاقِ، وَفِي كَوْنِهِ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ قَوْلَانِ (كَرُؤْيَةِ شَخْصٍ دَاخِلًا شَكَّ فِي كَوْنِهِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَهَلْ يُجْبَرُ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ فَلَمْ يَدْرِ أَحَنَثَ أَمْ لَا أُمِرَ بِالْفِرَاقِ. وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي حَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ إنْ كَلَّمَ فُلَانًا ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَدْرَأْ كَلَّمَهُ أَمْ لَا، أَنَّ زَوْجَتَهُ تَطْلُقُ عَلَيْهِ، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ عَلَى الْجَبْرِ. وَذَكَرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ وَلَا يُجْبَرُ. اهـ. مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَا تَخْرُجُ ثُمَّ شَكَّ هَلْ خَرَجَتْ أَمْ لَا؟ أَوْ لَا كَلَّمَ فُلَانًا ثُمَّ يَشُكُّ هَلْ كَلَّمَهُ، هَذَا لَا يُؤْمَرُ بِالْفِرَاقِ بِقَضَاءٍ وَلَا فُتْيَا. ابْنُ عَرَفَةَ: نَقْلُ اللَّخْمِيِّ هَذَا مُخَالِفٌ لِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ. قَالَ: مَنْ شَكَّ هَلْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ بِالطَّلَاقِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُؤْمَرُ وَلَا يُجْبَرُ. وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يُؤْمَرُ وَلَا يُجْبَرُ (وَإِنْ شَكَّ أَهِنْدٌ هِيَ أَمْ غَيْرُهَا أَوْ قَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بَلْ أَنْتِ طَلُقَتَا) أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ ثُمَّ نَسِيَهَا طُلِّقْنَ كُلُّهُنَّ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ " إحْدَاكُمَا طَالِقٌ " فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ إحْدَى نِسَائِي طَالِقٌ أَوْ حَنِثَ بِذَلِكَ فِي يَمِينٍ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً طَلُقَتْ فَقَطْ وَصَدَقَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا طُلِّقْنَ كُلُّهُنَّ بِغَيْرِ ائْتِنَافِ طَلَاقٍ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ أَنْتِ طَالِقٌ بَلْ أَنْتِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ أَنْتِ ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى بَلْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتَا جَمِيعًا. لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الطَّلَاقَ فِي الثَّانِيَةِ وَإِضْرَابُهُ عَنْ الْأُولَى لَا يَدْفَعُ عَنْهُ طَلَاقًا (وَإِنْ قَالَ أَوْ أَنْتِ خُيِّرَ) اللَّخْمِيِّ إنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَ أَيَّهمَا أَحَبَّ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ (وَلَا أَنْتِ طَلُقَتْ الْأُولَى إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِضْرَابَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا أَنْتِ طَلُقَتْ الْأُولَى خَاصَّةً لِأَنَّهُ نَفَى الطَّلَاقَ عَنْ الثَّانِيَةِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِ " لَا " النَّفْيَ عَنْ الْأُولَى ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى الثَّانِيَةِ فَقَالَ: أَنْتِ أَيْ أَنْتِ الَّتِي تَكُونِي طَالِقًا فَلْتَطْلُقَانِ جَمِيعًا (وَإِنْ شَكَّ أَطَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ تَحِلَّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَصُدِّقَ إنْ ذَكَرَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا فَكَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَبُتَّ) الْمُتَيْطِيُّ: سَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الدُّولَابِيَّةَ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ لَمْ يَدْرِ طَلَّقَ أَوَاحِدَةً أَمْ اثْنَتَيْنِ أَمْ ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ، فَإِنْ ذَكَرَ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهَا أَقَلُّ فَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدُ كَانَ خَاطِبًا مِنْ الْخُطَّابِ وَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ بَقِيَ عَلَى شَكِّهِ حَتَّى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ ثَانٍ وَثَالِثٍ وَمِائَةٍ زُوِّجَ إلَّا أَنْ يَبُتَّ طَلَاقَهَا وَهِيَ تَحْتَهُ فِي أَيِّ نِكَاحٍ كَانَ فَتَكُونُ إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ عَلَى مِلْكٍ مُبْتَدَإٍ. (وَإِنْ حَلَفَ صَانِعُ طَعَامٍ عَلَى غَيْرِهِ لَا بُدَّ أَنْ تَدْخُلَ فَحَلَفَ الْآخَرُ لَا دَخَلْتُ حَنِثَ الْأَوَّلُ وَإِنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ إنْ دَخَلْتُ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِهِمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: تَعْلِيقُ التَّعْلِيقِ تَعْلِيقٌ عَلَى جَمِيعِ الْأَمْرَيْنِ كَإِنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَتْ لِزَيْدٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِدُخُولِهَا مَعَ كَوْنِهَا لِزَيْدٍ. وَانْظُرْ هُنَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ الْحَالِفُ عَلَى التَّعْلِيقِ هَلْ هُوَ حَالِفٌ عَلَيْهِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ حِنْثِ الْيَمِينِ وَحِنْثِ التَّعْلِيقِ نَحْوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 وَاَللَّهِ إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ مَا تَكُونُ لِي بِزَوْجَةٍ فَدَخَلَتْهَا ". (وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِحَرَامٍ وَآخَرُ بِبَتَّةٍ أَوْ بِتَعْلِيقِهِ عَلَى دُخُولِ دَارٍ فِي رَمَضَانَ وَذِي الْحِجَّةِ أَوْ بِدُخُولِهَا فِيهِمَا أَوْ بِكَلَامِهِ فِي السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ أَوْ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمًا بِمِصْرَ وَيَوْمًا بِمَكَّةَ لُفِّقَتْ) أَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ بِحَرَامٍ وَآخَرُ بِبَتَّةٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْبَتَّةِ وَالْآخَرُ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ بِالثَّلَاثِ لَزِمَتْهُ ثَلَاثٌ. قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 مَالِكٌ: إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَلْفَاظُ فِي الشَّهَادَةِ وَكَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا كَانَتْ شَهَادَةً وَاحِدَةً. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ بِتَعْلِيقِهِ عَلَى دُخُولِ دَارٍ فِي رَمَضَانَ وَآخَرَ فِي ذِي الْحِجَّةِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي رَمَضَانَ إنْ دَخَلْت دَارَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَشَهِدَا هُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا أَنَّهُ دَخَلَهُ بَعْدَ ذِي الْحِجَّةِ طَلُقَتْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ بِأَنَّهُ دَخَلَ فِي رَمَضَانَ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ دَخَلَهَا فِي ذِي الْحِجَّةِ أَوْ بِكَلَامِهِ فِي السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَهِدَا عَلَيْهِ جَمِيعًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ قَالَ: إنْ دَخَلْتَ دَارَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دَخَلَهَا فِي رَمَضَانَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ دَخَلَهَا فِي ذِي الْحِجَّةِ طَلُقَتْ عَلَيْهِ، كَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ أَنَّهُ كَلَّمَهُ فِي السُّوقِ وَآخَرُ أَنَّهُ كَلَّمَهُ فِي الْمَسْجِدِ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ يَمِينُهُ بِالْعِتْقِ وَإِنَّمَا الطَّلَاقُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ وَلَيْسَ هُوَ حَدًّا مِنْ الْحُدُودِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ بِالْحَدِّ الشَّهَادَةَ عَلَى الزِّنَا أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا بِفِعْلٍ وَاحِدٍ وَوَقْتٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمًا بِمِصْرَ وَيَوْمًا بِمَكَّةَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ بِمِصْرَ فِي رَمَضَانَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِمَكَّةَ فِي ذِي الْحَجَّةِ طَلُقَتْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْحُرِّيَّةُ يُرِيدُ لِأَنَّهُ مِنْ وَجْهِ الْإِقْرَارِ بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ (كَشَاهِدٍ بِوَاحِدَةٍ وَآخَرَ بِأَزْيَدَ وَحَلَفَ عَلَى الزَّائِدِ وَإِلَّا سُجِنَ حَتَّى يَحْلِفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِتَطْلِيقَةٍ وَالْآخَرُ بِثَلَاثٍ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ وَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ، فَإِنْ نَكَلَ طَلُقَتْ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ. قَالَهُ مَالِكٌ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يُسْجَنُ حَتَّى يَحْلِفَ (لَا بِفِعْلَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ وَأَنَّهُ دَخَلَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِهِمَا. وَعِبَارَةُ الْكَافِي: إنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِفِعْلٍ وَأَنَّهُ فَعَلَهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِفِعْلٍ آخَرَ وَفَعَلَهُ لَمْ تُضَمَّ شَهَادَتُهُمَا وَلَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الْأَفْعَالِ غَيْرُ مَضْمُومَةٍ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ شَاهِدَانِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَقْوَالِ فَإِنَّهَا تُضَمُّ (أَوْ بِفِعْلٍ وَقَوْلٍ كَوَاحِدٍ بِتَعْلِيقِهِ بِالدُّخُولِ وَآخَرَ بِالدُّخُولِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ طَلَّقَ أَلْبَتَّةَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَشَهِدَ هُوَ أَوْ آخَرُ أَنَّهُ دَخَلَهَا لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ، لِأَنَّ هَذَا شَهِدَ عَلَى فِعْلٍ وَهَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 عَلَى إقْرَارٍ. (وَإِنْ شَهِدَا بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ وَنَسِيَاهَا لَمْ تُقْبَلْ وَحَلَفَ مَا طَلَّقَ وَاحِدَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ مُعَيَّنَةً وَقَالَا أَنْسَيْنَاهَا لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ إنْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يَمِينَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ طَلَاقُ جَمِيعِهِنَّ (وَإِنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِيَمِينٍ وَنَكَلَ فَالثَّلَاثُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ رَبِيعَةُ: مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ كُلُّ وَاحِدٍ بِطَلْقَةٍ لَيْسَ مَعَهُ صَاحِبُهُ فَأُمِرَ أَنْ يَحْلِفَ فَأَبَى فَلْيُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَتَعْتَدَّ مِنْ يَوْمِ نَكَلَ وَقَضَى عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَرَاهُ يُرِيدُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالنُّكُولِ الثَّلَاثَ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ رَبِيعَةَ هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ مَالِكًا لَا يُحَلِّفُهُ وَيُلَفَّقُ عَلَيْهِ الشَّهَادَاتِ فَيَلْزَمُهُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ مِنْ وَجْهِ الْإِقْرَارِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 [فَصْلٌ فِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ] ابْنُ شَاسٍ: الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّوْجَةِ. وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَجْعَلَ إلَى الْمَرْأَةِ طَلَاقَهَا وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: تَوْكِيلٍ وَتَمْلِيكٍ. فَفِي التَّوْكِيلِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ تُطَلِّقْ نَفْسَهَا، وَفِي التَّمْلِيكِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (إنْ فَوَّضَهُ لَهَا تَوْكِيلًا فَلَهُ الْعَزْلُ) ابْنُ عَرَفَةَ: النِّيَابَةُ فِي الطَّلَاقِ تَوْكِيلٌ وَرِسَالَةٌ وَتَمْلِيكٌ وَتَخْيِيرٌ. فَالتَّوْكِيلُ جَعْلُ إنْشَائِهِ بِيَدِ الْغَيْرِ لَهُ الْعَزْلُ قَبْلَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ اتِّفَاقًا. وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ فِي التَّوْكِيلِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ تُطَلِّقْ نَفْسَهَا وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي التَّمْلِيكِ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ لَهُ عَزْلُهُ فِي التَّوْكِيلِ دُونَ التَّمْلِيكِ (إلَّا لِتَعْلِيقِ حَقٍّ) ابْنُ بَشِيرٍ: وَأَمَّا التَّوْكِيلُ فَلَهُ أَنْ يَعْزِلَهَا عَنْهُ إذَا لَمْ يَجْعَلْ لَهَا فِي ذَلِكَ حَقًّا مَا لَمْ تُطَلِّقْ نَفْسَهَا (لَا تَخْيِيرًا أَوْ تَمْلِيكًا) ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا مَلَّكَ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا أَوْ خَيَّرَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ (وَحِيلَ بَيْنَهُمَا حَتَّى تُجِيبَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: التَّمْلِيكُ مِثْلُ مَلَّكْتُك أَمْرَك وَأَمْرُك بِيَدِك وَطَلِّقِي نَفْسَك وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ كُلَّمَا شِئْت فَتَمْنَعُ نَفْسَهَا وَلَا تُتْرَكُ تَحْتَهُ حَتَّى تُجِيبَ. ثُمَّ قَالَ: وَالتَّخْيِيرُ مِثْلُ اخْتَارِينِي أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك وَهُوَ كَالتَّمْلِيكِ إلَّا أَنَّهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا (وَوُقِفَتْ وَإِنْ قَالَ إلَى سَنَةٍ مَتَى عَلِمَ فَتَقْضِي وَإِلَّا أَسْقَطَهُ الْحَاكِمُ) ابْنُ يُونُسَ: إنْ مَلَّكَهَا إلَى أَجَلٍ فَلَهَا أَنْ تَقْضِيَ مَكَانَهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك إلَى سَنَةٍ فَإِنَّهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 تُوقَفُ مَتَى عَلِمَ بِذَلِكَ وَلَا تُتْرَكُ تَحْتَهُ وَأَمْرُهَا بِيَدِهَا حَتَّى تُوقَفَ فَتَقْضِيَ أَوْ تَرُدَّ. ابْنُ الْحَاجِبِ: أَوْ يُسْقِطَهُ الْحَاكِمُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا، وَإِنْ قَالَ لَهَا إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ خَيَّرْتُك وُقِفَتْ الْآنَ فَتَقْضِي أَوْ تَرُدُّ وَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ غَدٍ فَلَا شَيْءَ بِيَدِهَا (وَعُمِلَ بِجَوَابِهَا الصَّرِيحِ فِي الطَّلَاقِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: جَوَابُهَا قَوْلٌ صَرِيحٌ وَمُحْتَمَلٌ، فَالصَّرِيحُ يُعْمَلُ بِهِ فِي رَدِّ التَّمْلِيكِ وَالطَّلَاقِ (كَطَلَاقِهِ وَرَدِّهِ كَتَمْكِينِهَا طَائِعَةً) تَقَدَّمَ قَوْلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 ابْنِ الْحَاجِبِ الصَّرِيحُ يُعْمَلُ بِهِ فِي رَدِّ التَّمْلِيكِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَطْؤُهُ إيَّاهَا طَوْعًا يُزِيلُ مَا بِيَدِهَا، وَإِنْ مَلَكَ أَمْرَهَا أَجْنَبِيًّا فَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَمْكَنَهُ مِنْهَا زَالَ مَا بِيَدِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَمُجَرَّدُ التَّمْكِينِ دُونَ وَطْءٍ كَالْوَطْءِ (وَمُضِيِّ يَوْمِ تَخْيِيرِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ اخْتَارِي الْيَوْمَ كُلَّهُ فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ تَخْتَرْ فَلَا خِيَارَ لَهَا لِقَوْلِ مَالِكٍ إنْ خَيَّرَهَا فَلَمْ تَخْتَرْ حَتَّى افْتَرَقَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا فَلَا خِيَارَ لَهَا، فَكَذَا إنْ مَضَى الْوَقْتُ الَّذِي جَعَلَ الْخِيَارَ إلَيْهِ (وَرَدِّهَا بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا) أَبُو عِمْرَانَ: لَوْ طَلَّقَ الْمُمَلَّكَةَ قَبْلَ قَضَائِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ عِدَّتِهَا أَوْ خَالَعَهَا قَبْلَ قَضَائِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ سَقَطَ مَا بِيَدِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: لِدَلَالَةِ رِضَاهَا بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا ثَانِيًا عَلَى تَرْكِهِ كَتَمْكِينِهَا لَهُ نَفْسَهَا. الْبُرْزُلِيُّ: وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ فُتْيَا ابْنِ رُشْدٍ فِيمَنْ خَالَعَتْ زَوْجَهَا عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ ثُمَّ رَاجَعَهَا قَالَ: لَا تَعُودُ عَلَيْهَا النَّفَقَةُ أَبَدًا، وَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثَةً قَالَ: وَوَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ امْرَأَةٌ لَهَا وَلَدٌ مِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا تَأْخُذُ فَرْضَهُ فَجَعَلَهُ لَهَا هَذَا الزَّوْجُ فِي الْمَهْرِ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِلْوَلَدِ سَقَطَ الْفَرْضُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا مِنْ حُقُوقِهَا فَإِنَّهَا تَطْلُبُ مَا فُرِضَ لَهَا، وَلَهَا أَيْضًا أَنْ تُسْقِطَ ذَلِكَ عَنْ الزَّوْجِ بِخِلَافِ إذَا كَانَ ذَلِكَ لِلْوَلَدِ (وَهَلْ نَقْلُ قُمَاشِهَا وَنَحْوِهِ طَلَاقٌ أَوْ لَا تَرَدُّدٌ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ صَدَرَ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ سُلْطَانِهِ عَنْهَا مِثْلَ أَنْ تَنْقُلَ قُمَاشَهَا فَذَلِكَ طَلَاقٌ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا لَمْ أَرُدَّهُ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ لَمْ تُجِبْ الْمُمَلَّكَةُ بِشَيْءٍ وَفَعَلَتْ مَا يُشْبِهُ الْجَوَابَ مِثْلَ أَنْ تَنْتَقِلَ أَوْ تَنْقُلَ مَتَاعَهَا سُئِلَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 إنْ قَالَتْ لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا صَدَقَتْ اُنْظُرْهُ فِي رَسْمِ كَتَبَ (وَقُبِلَ تَفْسِيرُ قَبِلْت أَوْ قَبِلْت أَمْرِي أَوْ مَا مَلَّكْتنِي بِرَدٍّ أَوْ طَلَاقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَتْ قَدْ قَبِلْت أَوْ قَبِلْت أَمْرِي أَوْ اخْتَرْت أَوْ اخْتَرْت أَمْرِي سُئِلَتْ مَا أَرَادَتْ بِذَلِكَ؛ فَإِنْ قَالَتْ أَرَدْت بِهِ الطَّلَاقَ صَدَقَتْ، وَإِنْ قَالَتْ أَرَدْت بِهِ طَلَاقًا دُونَ الْبَتَاتِ لَمْ يَلْزَمْ، وَإِنْ أَرَدْت الْبَتَاتَ لَزِمَ وَلَا مُنَاكَرَةَ لَهُ. وَتُسْأَلُ الْمَرْأَةُ فِي جَوَابِهَا وُجُوهٌ تَتَصَرَّفُ فِيمَا أَرَادَتْ بِهِ فِي خِيَارٍ أَوْ تَمْلِيكٍ إلَّا أَنَّهُ يُنَاكِرُهَا فِي التَّمْلِيكِ خَاصَّةً إنْ ادَّعَى نِيَّةً وَيَحْلِفُ عَلَى مَا نَوَى، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حِينَ مَلَّكَهَا فَقَضَتْ بِالثَّلَاثِ لَزِمَهُ وَلَا مُنَاكَرَةَ لَهُ (وَنَاكِرَ مُخَيَّرَةً لَمْ تَدْخُلْ وَمُمَلَّكَةٍ مُطْلَقًا إنْ زَادَتْ عَلَى طَلْقَةٍ إنْ نَوَاهَا) ابْنُ رُشْدٍ: ذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ التَّمْلِيكَ يَفْتَرِقُ مِنْ التَّخْيِيرِ فَأَخَذَ فِي التَّمْلِيكِ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَالْقَضَاءُ مَا قَضَتْ إلَّا أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهَا فَيَقُولَ لَمْ أُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ أَمْلَكَ بِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَإِذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك فَقَدْ جَعَلَ بِيَدِهَا مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ طَلَاقِهَا. هَذَا ظَاهِرُ اللَّفْظِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي ذَلِكَ قُبِلَتْ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَالْقَضَاءُ مَا قَضَتْ بِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ. وَذَهَبَ فِي التَّخْيِيرِ إلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا ثَلَاثًا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنْ اخْتَارَتْ ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ اخْتَارَتْ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْمُمَلَّكَةِ فِي الْمُنَاكَرَةِ (وَبَادَرَ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ مَلَّكَ امْرَأَتَهُ فَقَضَتْ بِالْبَتَّةِ فَلَمْ يُنَاكِرْهُ وَادَّعَى الْجَهْلَ وَأَرَادَ مُنَاكَرَتَهَا حِينَ عَلِمَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (وَحَلَفَ، إنْ دَخَلَ وَإِلَّا فَعِنْدَ الِارْتِجَاعِ) قَالَ مَالِكٌ: مَنْ مَلَّكَ زَوْجَتَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَالْقَضَاءُ مَا قَضَتْ وَإِلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ حِينَ مَلَّكَهَا فِي كَلَامِهِ الَّذِي مَلَّكَهَا فِيهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَيَحْلِفُ عَلَى مَا نَوَى. قَالَ أَصْبَغُ: وَالنِّيَّةُ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا فِي هَذَا مَا نَوَاهُ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ، وَأَمَّا مَا جُرِّدَ مِنْ النِّيَّةِ حِينَ سَمِعَهَا أَوْ بَعْدَ أَنْ مَلَّكَهَا فَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيَحْلِفُ مَكَانَهُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ مَكَانَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَنَى فَلَا تَلْزَمُهُ الْآنَ يَمِينٌ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ، فَإِذَا أَرَادَ نِكَاحَهَا حَلَفَ عَلَى مَا نَوَى وَلَا يَحْلِفُ قَبْلَ ذَلِكَ إذْ لَعَلَّهُ لَا يَتَزَوَّجُهَا (وَلَمْ يُكَرِّرْ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّأْكِيدَ) نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك أَمْرُك بِيَدِك أَمْرُك بِيَدِك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا سُئِلَ الزَّوْجُ عَمَّا أَرَادَ، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً حَلَفَ وَكَانَتْ وَاحِدَةً، وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَهِيَ الثَّلَاثُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَالْقَضَاءُ مَا قَضَتْ مِنْ وَاحِدَةٍ فَأَكْثَرَ وَلَا مُنَاكَرَةَ لَهُ. مُحَمَّدٌ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا مَلَّكَهَا فَقَالَتْ لَهُ كَمْ مَلَّكْتنِي فَقَالَ مَرَّةً وَمَرَّةً وَمَرَّةً، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت وَاحِدَةً حَلَفَ وَصُدِّقَ (كَنَسَقِهَا هِيَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ مَلَّكَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً فَإِنْ نَسَّقَتْهُنَّ لَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ إلَّا أَنْ تَنْوِيَ هِيَ وَاحِدَةً كَطَلَاقِهِ إيَّاهَا إذَا كَانَ نَسَقًا قَبْلَ الْبِنَاءِ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ كَرَّرَ الطَّلَاقَ " (وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْعَقْدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَرَطَ لَهَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فَتَزَوَّجَ فَقَضَتْ بِالثَّلَاثِ فَلَا مُنَاكَرَةَ لَهُ بَنَى بِهَا أَوْ لَمْ يَبْنِ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَوْ قَالَتْ اشْهَدُوا مَتَى فَعَلَ ذَلِكَ زَوْجِي فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ قَالَهُ مَالِكٌ: وَهُوَ أَصْوَبُ (وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الشَّرْطِ إنْ أَطْلَقَ قَوْلَانِ) ابْنُ سَلْمُونَ: الشُّرُوطُ مَحْمُولَةٌ أَبَدًا فِي النِّكَاحِ عَلَى الطَّوْعِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ. قَالَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ. وَقِيلَ: هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الشَّرْطِ. حَكَاهُ ابْنُ فَتْحُونَ قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ (وَقُبِلَ إرَادَةُ وَاحِدَةٍ بَعْدَ قَوْلِهِ لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ مَلَّكَ امْرَأَتَهُ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا ثُمَّ يَقُولُ إنَّمَا أَرَدْت وَاحِدَةً حَلَفَ وَلَزِمَتْهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ. أَصْبَغُ: هَذَا وَهْمٌ لَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَمْ أُرِدْ شَيْئًا وَالْقَضَاءُ مَا قَضَتْ مِنْ الْبَتَاتِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ أَصْبَغَ وَهْمٌ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الرِّوَايَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 بِذَلِكَ ثَابِتَةٌ وَالْقَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ (وَلَا نُكْرَةَ لَهُ إنْ دَخَلَ فِي تَخْيِيرٍ مُطْلَقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَلَا مُنَاكَرَةَ لِلزَّوْجِ. وَإِنْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي فِي وَاحِدَةٍ فَقَالَتْ قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وَتَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ وَلَهُ الرَّجْعَةُ (وَإِنْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي سُئِلَتْ بِالْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ فَإِنْ أَرَادَتْ الثَّلَاثَ لَزِمَتْ فِي التَّخْيِيرِ وَنَاكَرَ فِي التَّمْلِيكِ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا تَخْلُو إجَابَتُهَا مِنْ عَشْرَةِ أَوْجُهٍ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا إذَا قَالَتْ قَدْ طَلَّقْت نَفْسِي فَفِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا أَنَّهَا تَسْأَلُ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ كَمْ أَرَادَتْ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا نِيَّةٌ فَهِيَ ثَلَاثٌ إلَّا أَنْ يُنَاكِرَهَا فِي التَّمْلِيكِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصِّهَا: إنْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي لَزِمَ مَا نَوَتْ إلَّا أَنْ يُنَاكِرَهَا الزَّوْجُ فِيمَا زَادَتْ عَلَى الْوَاحِدَةِ، فَإِنْ جَهِلُوا سُؤَالَهَا فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى مَضَى شَهْرَانِ فَسَأَلُوهَا فَقَالَتْ أَرَدْت ثَلَاثًا فَلِلزَّوْجِ مُنَاكَرَتُهَا فِيمَا زَادَتْ عَلَى الْوَاحِدَةِ (وَإِنْ قَالَتْ وَاحِدَةً بَطَلَتْ بِالتَّخْيِيرِ) الْمُتَيْطِيُّ: التَّخْيِيرُ مَعْنَاهُ أَنْ يُخَيِّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ أَوْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا وَلَا يَكُونُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا بِالْبَتَاتِ. فَإِذَا قَالَ لَهَا خَيَّرْتُك أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك فَإِنْ صَرَّحَتْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا أَوْ فَسَّرَتْ لَفْظَةً مُشْكَلَةٌ بِهَا فَلَا يَكُونُ شَيْئًا وَلَا تَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ. هَذَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا عَبْدَ الْمَلِكِ (وَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّتِي تَقُولُ قَدْ طَلَّقْت نَفْسِي وَلَا نِيَّةَ لَهَا أَنَّهَا ثَلَاثٌ وَوَاحِدَةٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ (وَالظَّاهِرُ سُؤَالُهَا إنْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي أَيْضًا) . اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا وَاَلَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ إنْ قَالَتْ قَدْ اخْتَرْت الطَّلَاقَ فَاَلَّذِي أَرَى عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ تَسْأَلَ فِي التَّمْلِيكِ وَالتَّخْيِيرِ. رَاجِعْ الْمُقَدِّمَات (وَفِي جَوَازِ التَّخْيِيرِ قَوْلَانِ) قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: لَا يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُخَيِّرَ زَوْجَتَهُ كَمَا يُكْرَهُ التَّطْلِيقُ ثَلَاثًا وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا. فَقِيلَ لَهُ: إنَّمَا صَارَ ذَلِكَ إلَيْهَا بِسَبَبِهِ فَقَالَ: لَيْسَ مَنْ يَقْصِدُ إلَى الْبِدْعَةِ كَاَلَّذِي لَا يَقْصِدُ إلَيْهَا فَقِيلَ لَهُ مَا ذَكَرَهُ. أَبُو مُحَمَّدٍ: عَنْ بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّخْيِيرُ كَمَا يُكْرَهُ التَّطْلِيقُ ثَلَاثًا فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ ذَكَرَهُ بَكْرٌ الْقَاضِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 وَمَا فِي الْحَدِيثِ يَرُدُّهُ (وَحَلَفَ فِي اخْتَارِي وَاحِدَةً أَوْ فِي أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَك طَلْقَةً وَاحِدَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قُلْت: فَإِنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فِي أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً أَوْ فِي أَنْ تُقِيمِي فَقَالَتْ: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي. فَقَالَ: سَأَلَ مَالِكٌ عَنْهَا فَقِيلَ لِزَوْجِهَا احْلِفْ بِاَللَّهِ مَا أَرَدْت بِقَوْلِك اخْتَارِي إلَّا وَاحِدَةً وَيَكُونُ أَمْلَكَ بِهَا. قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَكَيْفَ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي سَأَلُوا مَالِكًا عَنْهَا؟ قَالَ: سَأَلُوا مَالِكًا عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي وَاحِدَةً فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا أَخْبَرْتُك. ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّمَا اسْتَحْلَفَهُ مَالِكٌ فِيمَا نَوَى خَوْفًا أَنْ يَقُولَ إنَّمَا قَالَ لَهَا اخْتَارِي مَرَّةً وَاحِدَةً فَتَكُونُ الْبَتَّةُ، فَأَمَّا أَنْ يُبَيِّنَ لَهَا فَقَالَ: اخْتَارِي فِي أَنْ تُطَلِّقِي مِنْ الطَّلَاقِ وَاحِدَةً فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. اهـ. نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ. وَقَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَسْأَلَتَهُ وَالْمَسْأَلَةَ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا مَالِكٌ سَوَاءٌ وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَهَا الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ (لَا اخْتَارِي طَلْقَةً) الْكَافِي وَابْنُ شَاسٍ: إنْ قَالَ اخْتَارِي طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ زِيَادَةً عَلَى مَا جَعَلَ لَهَا (وَبَطَلَ إنْ قَضَتْ بِوَاحِدَةٍ فِي اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ أَوْ فِي تَطْلِيقَتَيْنِ) قَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ إنَّمَا لَهَا الْقَضَاءُ بِهِمَا، فَإِنْ قَضَتْ بِوَاحِدَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ فِي تَطْلِيقَتَيْنِ إنَّمَا لَهَا الْقَضَاءُ بِهِمَا وَإِنْ قَضَتْ بِوَاحِدَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ (وَمِنْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَلَا تَقْضِي إلَّا بِوَاحِدَةٍ) اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ اخْتَارِي فِي تَطْلِيقَتَيْنِ لَهَا الْقَضَاءُ بِوَاحِدَةٍ فَقَطْ (وَبَطَلَ فِي الْمُطْلَقِ إنْ قَضَتْ بِدُونِ الثَّلَاثِ) اُنْظُرْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَنَاكَرَ مُخَيَّرَةً " وَأَنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ شَيْئًا إلَّا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 بِهَا (كَطَلِّقْنِي ثَلَاثًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَقَالَتْ قَدْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 عَلَيْهَا شَيْءٌ (وَوُقِفَتْ إنْ اخْتَارَتْ بِدُخُولِهِ عَلَى ضَرَّتِهَا) ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَقَاءُ أَمْرِهَا تَقْضِي أَوْ تَرُدُّ إنْ قَيَّدَتْ قَضَاءَهَا بِمُحْتَمَلٍ غَيْرِ غَالِبٍ كَاخْتَرْتُ نَفْسِي إنْ دَخَلْت عَلَى ضَرَّتِي. وَقَالَ سَحْنُونَ: يَسْقُطُ (وَرَجَعَ مَالِكٌ إلَى بَقَائِهِمَا فِي يَدِهَا فِي الْمُطْلَقِ مَا لَمْ تُوقَفْ أَوْ تُوطَأْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ خَيَّرَهَا أَوْ مَلَّكَهَا فَذَلِكَ لَهَا مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا، وَإِنْ تَفَرَّقَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَهَا. وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كَمَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تَقْضِيَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَلَا يَزُولُ مَا بِيَدِهَا إلَّا أَنْ تَرُدَّ ذَلِكَ أَوْ تُوطَأَ طَوْعًا أَوْ تُوقَفَ. الْمُتَيْطِيُّ: إنَّمَا يَقْطَعُ ذَلِكَ طُولُ الْمَجْلِسِ وَالِافْتِرَاقُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى الَّتِي بِهَا الْقَضَاءُ وَعَلَيْهَا الْجُمْهُورُ، وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ الَّتِي رَجَعَ إلَيْهَا فَإِنَّ لَهَا الْقَضَاءَ مَا لَمْ تُوقَفْ أَوْ تُوطَأْ وَبِهَا أَخَذَ سَحْنُونَ وَغَيْرُهُ (كَمَتَى شِئْت) ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 نَفْسَهَا مَتَى شَاءَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ (وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالسُّقُوطِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ أَعْجَبُ إلَيَّ وَبِهِ آخُذُ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ (وَفِي جَعْلِ إنْ شِئْت أَوْ إذَا كَمَتَى أَوْ كَالْمُطْلَقِ تَرَدُّدٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: عَلَى الْقَوْلِ بِانْقِضَائِهِ بِالْمَجْلِسِ لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك إنْ شِئْت أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت فِي كَوْنِهِ يَفُوتُ بِانْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ وَكَوْنِهِ تَفْوِيضًا لَا يَنْقَطِعُ بِهِ ثَالِثُهَا فِي: أَمْرُك بِيَدِك، وَرَابِعُهَا عَكْسُهُ لِقَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَفِي كَوْنِ إذَا كَانَ وَاخْتِصَاصُهَا بِالتَّفْوِيضِ قَوْلَانِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت وَإِذَا شِئْت فَذَلِكَ لَهَا وَإِنْ افْتَرَقَا حَتَّى يُوقَفَ أَوْ يَتَلَذَّذَ مِنْهَا طَائِعَةً وَكَانَتْ " إذَا " عِنْدَ مَالِكٍ أَشَدَّ مِنْ " إنْ " ثُمَّ سَوَّى بَيْنَهُمَا (كَمَا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً وَبَلَغَهَا) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا خَيَّرَهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فَقِيلَ لَهَا ذَلِكَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ وَهُوَ أَحْسَنُ إذْ لَيْسَ ثَمَّ مَنْ يُجَاوِبُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَوْلَ الْآخَرَ وَهُوَ مَنْصُوصٌ (وَإِنْ عَيَّنَ أَمَدًا تَعَيَّنَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْأَكْثَرُ يَسْقُطُ إنْ تَفَرَّقَا أَوْ طَالَ، أَمَّا لَوْ قَيَّدَ الْجَمِيعَ بِوَقْتِ تَقَيَّدَ بِهِ إلَّا أَنْ تَرُدَّ. وَانْظُرْ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ " وَعَمِلَ بِجَوَابِهَا " أَنَّهُ إذَا قَالَ إلَى سَنَةٍ فَإِنَّهَا تُوقَفُ مَتَى عَلِمَ. وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: إنْ مَلَّكَهَا بِشَرْطٍ فَوَجَدَ الشَّرْطَ مَلَكَتْ أَمْرَهَا وَإِلَّا لَمْ تَمْلِكْهُ، وَإِنْ مَلَّكَهَا بِصِفَةٍ قَدْ تُوجَدُ وَقَدْ تُفْقَدُ لَمْ تَمْلِكْ نَفْسَهَا فِي الْحَالِ حَتَّى تُوجَدَ الصِّفَةُ. وَانْظُرْ إذَا قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أَقْدُمْ مِنْ سَفَرِي يَوْمَ كَذَا فَأَمْرُك بِيَدِك، فَتَأَخَّرَتْ بَعْدَ الْأَمَدِ شَهْرَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ لَهَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: رَأَى مَالِكٌ ذَلِكَ لَهَا بَعْدَ شَهْرَيْنِ بِخِلَافِ الْمُوَاجَهَةِ. اُنْظُرْ رَسْمَ حَلَفَ (وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي وَزَوْجِي أَوْ بِالْعَكْسِ فَالْحُكْمُ لِلْمُتَقَدِّمِ وَهُمَا فِي التَّخْيِيرِ لِتَعْلِيقِهِمَا بِمُنَجَّزٍ وَغَيْرِهِ كَالطَّلَاقِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَحُكْمُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ فِي التَّعْلِيقِ كَالطَّلَاقِ فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّأْخِيرِ مِثْلُ إنْ مَضَتْ سَنَةٌ فَيَتَنَجَّزُ وَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَيَتَأَخَّرُ. ابْنُ عَرَفَةَ: حُكْمُ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ مُعَلَّقَيْنِ فِي التَّنْجِيزِ كَالطَّلَاقِ. فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهَا إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ خَيَّرْتُك وُقِفَتْ إلَى أَنْ تَقْضِيَ أَوْ تَرُدَّ، وَإِنْ مَلَّكَهَا إلَى أَجَلٍ فَلَهَا أَنْ تَقْضِيَ مَكَانَهَا. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ مَلَّكَهَا إلَى سَنَةٍ ثُمَّ وَطِئَهَا وَجَهِلَا زَالَ مَا بِيَدِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ قَيَّدَتْ قَضَاءَهَا بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَاهَا كَاخْتَرْتُ نَفْسِي إذَا جَاءَ الْعِيدُ فَإِنَّهَا تَكُونُ طَالِقًا مَكَانَهَا، وَإِنْ قَيَّدَتْهُ بِمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَاخْتَرْتُ نَفْسِي إنْ مَسِسْت السَّمَاءَ فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ لِمَا بِيَدِهَا. اُنْظُرْ الْمُقَدَّمَاتِ فَإِنَّهُ جَعَلَ تَقْيِيدَهَا بِشَرْطِ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ وَهِيَ كُلُّهَا كَالطَّلَاقِ اهـ. وَانْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةً مِنْ هَذَا الْبَابِ وَهِيَ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ إذَا مَلَّكَهَا فَقَالَتْ: أُشْهِدُكُمْ إنْ تَزَوَّجَ عَلَيَّ فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ بِخِلَافِ قَوْلِ الْأَمَةِ إنْ عَتَقْت وَأَنَا تَحْتَ هَذَا الْعَبْدِ فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي. سَأَلَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: أَتَعْرِفُ دَارَ قُدَامَةَ (وَلَوْ عَلَّقَهُمَا بِمَغِيبِهِ شَهْرًا فَقَدِمَ وَلَمْ تَعْلَمْ وَتَزَوَّجَتْ فَكَالْوَلِيَّيْنِ) أَمَّا إنْ عَلِمَتْ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا طَلَّقَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فِي مَغِيبِ زَوْجِهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ لَهَا وَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ قَدِمَ زَوْجُهَا فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ قَدِمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي، وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَبْعَثْ بِالنَّفَقَةِ إلَى وَقْتِ كَذَا فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فَرَفَعَتْ إلَى الْحَاكِمِ أَمْرَهَا وَزَعَمَتْ أَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْ لَهَا شَيْئًا وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ قَدِمَ الزَّوْجُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ بِالنَّفَقَةِ سَقَطَ التَّمْلِيكُ وَنُزِعَتْ مِنْ الْآخَرِ وَإِنْ دَخَلَ وَرُدَّتْ إلَى الْأَوَّلِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: يُرِيدُ أَنَّ هَذَا تَعَدٍّ مِنْ الْمَرْأَةِ الَّتِي ارْتَجَعَهَا وَعَلِمَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ، وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً ثُمَّ تَعَدَّى وَبَاعَهَا مِنْ آخَرَ اهـ. وَأَمَّا إنْ لَمْ تَعْلَمْ بِقُدُومِهِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَجْرِي ذَلِكَ إلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ طَلَّقَ ثُمَّ ارْتَجَعَ فَلَمْ تَعْلَمْ الزَّوْجَةُ بِارْتِجَاعِهِ حَتَّى تَزَوَّجَتْ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَكَالْوَلِيَّيْنِ " (وَبِحُضُورِهِ وَلَمْ تَعْلَمْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا، وَاَلَّذِي قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: لَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَقَدِمَ وَلَمْ تَعْلَمْ ثُمَّ وَطِئَهَا فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا قَالَ لَهَا إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَاخْتَارِي فَذَلِكَ لَهَا إذَا قَدِمَ وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَطْئِهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا بَعْدَ قُدُومِ فُلَانٍ وَلَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ بِقُدُومِهِ فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ حِينَ تَعْلَمُ، (وَاعْتُبِرَ التَّخْيِيرُ قَبْلَ بُلُوغِهَا) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً عَلَى إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتْ عَقَلَتْ وَعَرَفَتْ الطَّلَاقَ وَالْخِيَارَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 فَالْخِيَارُ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْرِفُ اُسْتُؤْنِيَ بِهَا حَتَّى تَعْرِفَ ثُمَّ تَخْتَارَ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تَعْقِلُ وَجَعَلَ أَمْرَ الَّتِي يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا بِيَدِهَا فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فُسِخَ النِّكَاحُ. اللَّخْمِيِّ: لِأَنَّهُ نِكَاحٌ مَوْقُوفٌ (وَهَلْ إنْ مَيَّزَتْ أَوْ حَتَّى تُوطَأَ قَوْلَانِ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فِيمَنْ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا: إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَمْ تَعْقِلْ مَعْنَى الْخِيَارِ وَالطَّلَاقِ اُسْتُؤْنِيَ بِهَا حَتَّى تَعْقِلَ ثُمَّ تَخْتَارَ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ. وَأَمَّا قَوْلُ سَحْنُونٍ " لَهَا الْخِيَارُ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ " يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الْمَحِيضَ وَأَنْ يُرِيدَ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ مَبْلَغًا يُوطَأُ مِثْلُهَا إذَا كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ مَبْلَغًا تَعْقِلُ فِيهِ وَتَعْرِفُ مَعْنَى الطَّلَاقِ وَالْخِيَارِ، فَلَيْسَ قَوْلُ سَحْنُونٍ بِخِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ (وَلَهُ التَّفْوِيضُ لِغَيْرِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا مَلَّكَهَا أَمْرَهَا أَوْ مَلَّكَ أَمْرَهَا أَجْنَبِيًّا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالْأَمْرُ إلَيْهِمَا (وَهَلْ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ قَوْلَانِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ التَّوْكِيلُ بِجَعْلِ إنْشَائِهِ بِيَدِ الْغَيْرِ لَهُ الْعَزْلُ قَبْلَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ اتِّفَاقًا. اللَّخْمِيِّ: الزَّوْجُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: تَمْلِيكٌ وَوَكَالَةٌ وَرِسَالَةٌ. فَإِنْ وَكَّلَهُ كَانَ لَهُ عَزْلُهُ مَا لَمْ يَقْضِ بِالطَّلَاقِ، وَاخْتُلِفَ إذَا قَالَ طَلِّقْ امْرَأَتِي هَلْ هُوَ تَمْلِيكٌ أَوْ وَكَالَةٌ، وَكَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ: هُوَ عَلَى الرِّسَالَةِ وَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ يُطَلِّقَ يُرِيدُ بِالرِّسَالَةِ هُنَا الْوَكَالَةَ وَهَذَا أَحْسَنُ. (وَلَهُ النَّظَرُ وَصَارَ كَهِيَ إنْ حَضَرَ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا وَالْأَمْرُ إلَيْهِمَا ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ قَامَا مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَ الْمَرْأَةُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلِ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ (أَوْ كَانَ غَائِبًا قَرِيبَةً) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ جَعَلَ ذَلِكَ بِيَدِ أَجْنَبِيٍّ فَغَابَ الْأَجْنَبِيُّ، فَإِنْ فَهِمَ عَنْهُ إسْقَاطَ مَا جَعَلَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ سَقَطَ، وَكَذَلِكَ لَوْ غَابَ وَلَمْ يَشْهَدْ أَنَّهُ بَاقِي عَلَى حَقِّهِ فَإِنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ بَاقٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 عَلَى حَقِّهِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْفَعَ إلَى السُّلْطَان، فَإِنْ كَانَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ كَتَبَ إلَيْهِ بِإِسْقَاطِ مَا بِيَدِهِ وَإِمْضَاءِ مَا جُعِلَ إلَيْهِ إنْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ فَقِيلَ: يَسْقُطُ مَا بِيَدِهِ وَيَنْتَقِلُ إلَى الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْمُمَلَّكَ كَالنَّائِبِ عَنْهَا وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ جُعِلَ الْأَمْرُ إلَيْهَا. وَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: ذَلِكَ بِيَدِهَا وَلَا يُقِرُّ بِهَا الزَّوْجُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ فِي طَلَاقِهَا إلَى غَيْرِهِ فَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَ، فَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى هَذَا ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْمَوْلَى. (كَالْيَوْمَيْنِ لَا أَكْثَرَ إلَّا أَنْ تُمَكِّنَ مِنْ نَفْسِهَا) هَذَا تَكْرَارٌ لِقَوْلِهِ: " كَتَمْكِينِهَا طَائِعَةً " وَلَوْ قَالَ " إلَّا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْهَا " لَكَانَ مُنَاسِبًا وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَمْكَنَهُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْهَا زَالَ مَا بِيَدِهِ مِنْ أَمْرِهَا. اُنْظُرْ لَوْ أَرَادَ هَذَا الْأَجْنَبِيُّ أَنْ يُطَلِّقَ فَلَا مَنْعَ لَهَا إلَّا إنْ مَلَّكَهُ الزَّوْجُ لِرَغْبَتِهَا لِذَلِكَ (أَوْ يَغِيبَ حَاضِرٌ وَلَمْ يُشْهِدْ بِبَقَائِهِ وَإِنْ أَشْهَدَ فَفِي بَقَائِهِ بِيَدِهِ أَوْ يَنْتَقِلَ لِلزَّوْجَةِ قَوْلَانِ) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ كَانَ غَائِبًا " (وَإِنْ مَلَّكَ رَجُلَيْنِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْقَضَاءُ إلَّا أَنْ يَكُونَا رَسُولَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ مَلَّكَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ رَجُلَيْنِ لَمْ يَجُزْ طَلَاقُ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَا رَسُولَيْنِ كَالْوَكِيلَيْنِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 [كِتَابُ الرَّجْعَةِ وَفِيهِ فَصْلَانِ] [الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِ الرَّجْعَةِ] ِ: الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهَا وَهِيَ الْمُرْتَجِعُ وَسَبَبُ الرَّجْعَةِ وَمَحَلُّهَا، الرُّكْنُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْمُرْتَجِعَةِ (يَرْتَجِعُ مَنْ يَنْكِحُ وَإِنْ بِكَإِحْرَامٍ وَعَدَمِ إذْنِ سَيِّدٍ) ابْنُ شَاسٍ: كُلُّ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 النِّكَاحِ فَلَهُ الرَّجْعَةُ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهَا الْمَرَضُ وَالْإِحْرَامُ وَإِنْ مَنَعَا مِنْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَلَا يَقِفُ عَلَى إذْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 السَّيِّدِ فِي الْعَبْدِ وَلَا فِي الْأَمَةِ (طَالِقًا غَيْرَ بَائِنٍ فِي عِدَّةِ صَحِيحٍ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمَحَلُّ وَهُوَ الْمُعْتَدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِوَطْءٍ جَائِزٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ نَاقِصٍ عَنْ نِهَايَةِ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ الزَّوْجُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 ابْتِدَاءَ إيقَاعِهِ مُجَرَّدًا عَنْ الْعِوَضِ وَعَنْ قَصْدِ الْبَيْنُونَةِ وَلَفْظٍ يَقْتَضِيهَا عَلَى خِلَافٍ فِيهِمَا. (حَلَّ وَطْؤُهُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ بِوَطْءٍ جَائِزٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إذَا كَانَ الْوَطْءُ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ لِفَسَادِهِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ فَالتَّمَادِي جَائِزٌ (بِقَوْلٍ مَعَ نِيَّةٍ كَرَجَعْتُ وَأَمْسَكْتهَا) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّالِثُ السَّبَبُ وَهُوَ الصِّيغَةُ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا. فَالصِّيغَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 كَقَوْلِهِ رَجَعْت وَرَاجَعْت وَارْتَجَعْت وَرَدَدْتهَا إلَى النِّكَاحِ وَكُلُّ لَفْظٍ يَحْتَمِلُ الِارْتِجَاعَ إذَا نَوَاهُ بِهِ أَفَادَهُ كَقَوْلِهِ أَعَدْت الْحِلَّ وَرَفَعْت التَّحْرِيمَ وَشِبْهَهُ. وَيَجْرِي مَجْرَى الصِّيغَةِ الْفِعْلُ الْمُقْتَرِنُ بِالنِّيَّةِ كَالْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ وَشِبْهِهِ، فَإِنْ عَرِيَ عَنْ النِّيَّةِ فَلَا تَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ وَقِيلَ تَحْصُلُ (أَوْ نِيَّةٍ عَلَى الْأَظْهَرِ) ابْنُ رُشْدٍ: الصَّحِيحُ أَنَّ الرَّجْعَةَ تَصِحُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا فِي النَّفْسِ، فَإِذَا نَوَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ رَاجَعَهَا وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ فِي ضَمِيرِهِ فَقَدْ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَلَوْ انْفَرَدَ الْعَدْلُ دُونَ نِيَّةٍ لَمَا صَحَّتْ لَهُ بِذَلِكَ رَجْعَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ إلَّا عَلَى مَنْ رَأَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ دُونَ نِيَّةٍ وَهُوَ قَائِمٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنَّهُ بَعِيدٌ فِي الْمَعْنَى (وَصُحِّحَ خِلَافُهُ أَوْ يَقُولُ وَلَوْ هَزْلًا فِي الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ) ابْنُ شَاسٍ: فِي صِحَّتِهَا بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى صِحَّةِ نِكَاحِ الْهَزْلِ، وَهَذَا أَوْلَى بِالصِّحَّةِ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لَوْ انْفَرَدَ الْقَوْلُ دُونَ نِيَّةٍ لَمَا صَحَّتْ لَهُ بِذَلِكَ رَجْعَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَإِنْ حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِهَا لِظَاهِرِ لَفْظِهِ (لَا بِقَوْلٍ مُحْتَمَلٍ بِلَا نِيَّةٍ كَأَعَدْتُ الْحِلَّ أَوْ رَفَعْت التَّحْرِيمَ) ابْنُ شَاسٍ: كُلُّ قَوْلٍ يَحْتَمِلُ الِارْتِجَاعَ إذَا نَوَاهُ بِهِ أَفَادَهُ كَأَعَدْتُ الْحِلَّ أَوْ رَفَعْت التَّحْرِيمَ (وَلَا بِفِعْلٍ دُونَهَا كَوَطْءٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قُلْت: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً يَمْلِكُ بِهَا الرَّجْعَةَ ثُمَّ قَبَّلَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَامَسَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ جَامَعَ فِي الْفَرْجِ أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَوْ جَرَّدَهَا أَوْ نَظَرَ إلَيْهَا أَوْ إلَى فَرْجِهَا، أَيَكُونُ ذَلِكَ رَجْعَةً؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ يَنْوِي بِذَلِكَ الرَّجْعَةَ وَجَهِلَ أَنْ يُشْهِدَ فَذَلِكَ رَجْعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِرَجْعَةٍ. ابْنُ يُونُسَ: بِخِلَافِ وَطْءِ مُبْتَاعِ الْأَمَةِ بِخِيَارٍ فَإِنَّهُ اخْتِيَارٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ (وَلَا صَدَاقَ) بَهْرَامَ: عَنَى بِهَذَا أَنَّهُ إنْ وَطِئَ وَلَمْ يَنْوِ بِذَلِكَ الرَّجْعَةَ فَلَا صَدَاقَ عَلَيْهِ فِي وَطْئِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 الْمُتَيْطِيُّ: لَا تَحْتَاجُ الرَّجْعَةُ فِي الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ إلَى وَلِيٍّ وَلَا صَدَاقٍ وَلَا رِضَا الْمُرْتَجِعَةِ مَا دَامَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً (وَإِنْ اسْتَمَرَّ وَانْقَضَتْ لَحِقَهَا طَلَاقُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَشْهَبُ: وَطْؤُهُ رَجْعَةٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الرَّجْعَةَ. وَأَجَابَ أَبُو عِمْرَانَ فِيمَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً وَتَمَادَى عَلَى وَطْئِهَا غَيْرِ مُرِيدِ الرَّجْعَةِ حَتَّى مَضَتْ ثَلَاثُ حِيَضٍ ثُمَّ حَنِثَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ إنْ تَمَادَى عَلَى وَطْئِهَا يُرَاجِعُهَا بِالْقَوْلِ وَالْإِشْهَادِ، ثُمَّ لَا يَطَأُ إلَّا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا (وَلَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ دُخُولٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ لَهُ بِهَا خَلْوَةٌ ثُمَّ أَرَادَ ارْتِجَاعَهَا وَادَّعَى الْوَطْءَ وَأَكْذَبَتْهُ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ. اللَّخْمِيِّ: تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ بِالْخَلْوَةِ وَتَصَادُقِهِمَا عَلَى الْإِصَابَةِ وَلَوْ كَانَتْ خَلْوَةَ زِيَارَةٍ (وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى الْوَطْءِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَأَخَذَا بِإِقْرَارِهِمَا) أَشْهَبُ: إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِهِ قَبْلَ الْفِرَاقِ بِوَطْئِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ بِهَا خَلْوَةً لَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ إذْ لَيْسَ بِبِنَاءٍ مَعْلُومٍ وَلْتَعْتَدَّ إنْ صَدَّقَتْهُ وَلَهَا عَلَيْهِ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ فَلَا شَيْءَ مِنْ الثَّلَاثَةِ (كَدَعْوَاهُ لَهَا بَعْدَهَا) اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ كُنْت رَاجَعْتُك أَمْسِ صُدِّقَ إنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ لَمْ يُصَدَّقْ. (إنْ تَمَادَيَا عَلَى التَّصْدِيقِ عَلَى الْأَصْوَبِ وَلِلْمُصَدَّقَةِ النَّفَقَةُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ أَشْهَبَ إنْ صَدَّقَتْهُ فَلَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ (وَلَا تَطْلُقُ لِحَقِّهَا فِي الْوَطْءِ وَلَهُ جَبْرُهَا عَلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ بِرُبْعِ دِينَارٍ) اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ الزَّوْجُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كُنْت رَاجَعْتُك فِي الْعِدَّةِ لَمْ يُصَدَّقْ، وَسَوَاءٌ صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ أَوْ كَذَبَتْهُ إلَّا أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 406 يَكُونَ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ مِثْلَ أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْعِدَّةِ أَصَبْتهَا أَوْ قَبَّلْتهَا، وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَانَ يَبِيتُ مَعَهَا فِي بَيْتِهِ. عَبْدُ الْوَهَّابِ: لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عِنْدَنَا مُسْتَحَبٌّ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسَوَاءٌ مَسَّ أَوْ لَمْ يَمَسَّ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ أَنَّهُ كَانَ نَوَى الرَّجْعَةَ، وَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ وَلَا شُبْهَةٍ وَاعْتَرَفَتْ هِيَ لَمْ تَحِلَّ لِغَيْرِهِ لِاعْتِرَافِهَا أَنَّ عِصْمَةَ الْأَوَّلِ بَاقِيَةٌ عَلَيْهَا وَيُجْبَرُ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهَا، وَيَخْتَلِفُ إذَا قَامَتْ بِالطَّلَاقِ لِعَدَمِ الْوَطْءِ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا مَقَالَ لَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ضَرَرًا وَالْأَحْكَامُ مَنَعَتْهُ. وَإِنْ أَحَبَّ الزَّوْجُ أَنْ يُعْطِيَهَا رُبْعَ دِينَارٍ وَيُحْضِرَ الْوَلِيَّ جَازَ وَلَهُ جَبْرُهَا عَلَى ذَلِكَ (وَلَا إنْ أَقَرَّ بِهِ فَقَطْ فِي زِيَارَةٍ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ خَلَا بِهَا وَأُمْكِنَ مِنْهَا فِي بَيْتِ أَهْلِهَا غَيْرَ دُخُولِ الْبِنَاءِ وَادَّعَى الْوَطْءَ وَأَكْذَبَتْهُ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ (وَفِي إبْطَالِهَا إنْ لَمْ تُنَجَّزْ كَغَدٍ أَوْ الْآنَ فَقَطْ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ: إنْ قَالَ لَهَا إذَا كَانَ غَدٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك لَمْ تَكُنْ هَذِهِ رَجْعَةً اهـ. وَلَمْ يُقَيِّدْهُ ابْنُ يُونُسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: قَوْلُهُ فِي هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يَرَى الرَّجْعَةَ إلَى أَجَلٍ كَالنِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ وَأَنَّ الرَّجْعَةَ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلْفِعْلِ، وَقَدْ قَدَّمَ هَذَا النِّيَّةَ الْيَوْمَ لِمَا يَنْعَقِدُ غَدًا. وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ غَدٌ رَاجَعْتُك لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 تَكُونُ رَجْعَةً. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَكُونُ رَجْعَةً الْآنَ بَلْ فِي غَدٍ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَهُ تَنْجِيزُهُ وَتَعْلِيقُهُ (وَلَا إنْ قَالَ مَنْ يَغِيبُ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَقَدْ ارْتَجَعْتهَا) سَحْنُونَ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَرَادَ سَفَرًا فَخَافَ أَنْ تُحَنِّثَهُ فِي غَيْبَتِهِ فَأَشْهَدَ إنْ دَخَلَتْ فَقَدْ ارْتَجَعْتهَا فَلَيْسَ بِمُرْتَجِعٍ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِنِيَّةٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ (كَاخْتِيَارِ الْأَمَةِ نَفْسَهَا أَوْ زَوْجَهَا بِتَقْرِيرِ عِتْقِهَا بِخِلَافِ ذَاتِ الشَّرْطِ تَقُولُ إنْ فَعَلَهُ زَوْجِي فَقَدْ فَارَقْته) فِي سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ قَالَ أَشْهَبُ: كُتِبَ لِابْنِ فَرُّوخَ بِلَغْوِ قَوْلِ الْأَمَةِ تَحْتَ عَبْدٍ إنْ عَتَقَتْ تَحْتَهُ فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ قَالَتْ اخْتَرْته، لِأَنَّهُ طَلَاقٌ لِأَجَلٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَخِلَافُ عَمَلِ الْمَاضِينَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ شَرَطَ لَهَا زَوْجُهَا إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فَقَالَتْ إنْ تَزَوَّجَ عَلَيَّ فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت زَوْجِي لَزِمَ قَوْلُهَا، فَفَرْقٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَقَدْ سَأَلَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مَالِكًا عَنْ الْفَرْقِ فَقَالَ: أَتَعْرِفُ دَارَ قُدَامَةَ دَارًا يَلْعَبُ فِيهَا بِالْحَمَامِ مُعْرِضًا بِقِلَّةِ تَحْصِيلِهِ، فَهَجَرَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَامًا كَامِلًا. ابْنُ رُشْدٍ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَالِكًا مَا فَرَّقَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ خِيَارٍ وَجَبَ بِالشَّرْعِ بِشَرْطٍ وَخِيَارٍ جَعَلَهُ الزَّوْجُ بِاخْتِيَارِهِ بِشَرْطٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي هَذَا التَّفْرِيقِ نَظَرٌ، وَمَنْ أَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ سُؤَالَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ عَلَى أَمْرٍ جَلِيٍّ وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ ثَالِثُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ (وَصَحَّتْ رَجْعَتُهُ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ أَوْ تَصَرُّفِهِ وَمَبِيتِهِ فِيهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: لَمْ يُصَدَّقْ وَسَوَاءٌ صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ أَوْ كَذَّبَتْهُ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ مِثْلَ أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَالَ أَصَبْتهَا أَوْ بَاتَ مَعَهَا فِي بَيْتِهَا (أَوْ قَالَتْ حِضْت ثَالِثَةً فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَوْلِهَا قَبْلَهُ بِمَا يُكَذِّبُهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ أَشْهَبُ: إنْ قَالَتْ حِضْت ثَلَاثَ حِيَضٍ فِي شَهْرَيْنِ فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ قَدْ قُلْت بِالْأَمْسِ أَوْ قَبْلَهُ إنَّك لَمْ تَحِيضِي شَيْئًا فَصَدَّقَتْهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا الثَّانِي إلَّا أَنْ يُقِيمَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ فَيَكُونُ لَهُ الرَّجْعَةُ إنْ لَمْ يَمْضِ مِنْ يَوْمِ الْقَوْلِ مَا تَحِيضُ فِيهِ ثَلَاثَ حِيَضٍ (أَوْ أَشْهَدَ بِرَجْعَتِهَا فَصَمَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ كَانَتْ انْقَضَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا فَصَمَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ أَقَلَّ انْقَضَتْ عِدَّتِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 قَبْلَ رَجْعَتِهِ لَمْ تُصَدَّقْ وَثَبَتَتْ رَجْعَتُهُ (أَوْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةٍ رُدَّتْ بِرَجْعَتِهِ وَلَمْ تَحْرُمْ عَلَى الثَّانِي) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ صَدَّقْنَاهَا فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَعْدَ دَعْوَاهُ الرَّجْعَةَ فَتَزَوَّجَتْ فَاسْتَمَرَّتْ حَامِلًا أَوْ وَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلْتَرُدَّ إلَى الْأَوَّلِ وَتَكُونُ رَجْعَةً وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ وَقَدْ تَبَيَّنَ كَذِبُهَا، أَوْ أَنَّهَا حَاضَتْ مَعَ الْحَمْلِ وَلَا تَحْرُمُ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ إنَّمَا وَطِئَ ذَاتَ زَوْجٍ (وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهَا حَتَّى انْقَضَتْ وَتَزَوَّجَتْ أَوْ وَطِئَ الْأَمَةَ سَيِّدُهَا فَكَالْوَلِيَّيْنِ) لَمَّا ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ حُكْمَ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ تَتَزَوَّجُ ثُمَّ يَقْدُمُ قَالَ: فَاسْلُكْ بِاَلَّتِي تَعْلَمُ بِالطَّلَاقِ وَلَا تَعْلَمُ بِالرَّجْعَةِ حَتَّى تَعْتَدَّ وَتَنْكِحَ هَذَا الْمَسْلَكَ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ وَجَمِيعِ أَحْكَامِهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا فِي سَفَرِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ فَوَطِئَهَا سَيِّدُهَا بَعْدَ عِدَّتِهَا قَبْلَ عِلْمِهِ بِرَجْعَتِهَا ثُمَّ قَدِمَ الزَّوْجُ فَلَا رَجْعَةَ إذَا وَطِئَ السَّيِّدُ لَهَا بِالْمِلْكِ كَوَطْئِهَا بِالنِّكَاحِ (وَالرَّجْعِيَّةُ كَالزَّوْجَةِ إلَّا فِي تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهَا وَالْأَكْلِ مَعَهَا) . [الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْمُرْتَجِعَةِ] ابْنُ شَاسٍ: الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْمُرْتَجِعَةِ وَهِيَ مُحَرَّمَةُ الْوَطْءِ لَكِنْ لَا حَدَّ فِي وَطْئِهَا أَوْ تَصِحُّ مُخَالَطَتُهَا، وَيَصِحُّ الْإِيلَاءُ مِنْهَا وَالظِّهَارُ وَاللِّعَانُ وَالطَّلَاقُ، وَلَا خَفَاءَ بِجَرَيَانِ التَّوَارُثِ وَلُزُومِ النَّفَقَةِ. وَلَوْ قَالَ زَوْجَاتِي طَوَالِقُ انْدَرَجَتْ تَحْتَهُ وَفِي عِدَّتِهَا. قَالَ مَالِكٌ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ لَا يَعْتَدُّ مِنْهَا بِنَظْرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَا يَأْكُلُ مَعَهَا وَلَا يَرَى شَعْرَهَا وَلَا يَخْلُو مَعَهَا. وَكَانَ يَقُولُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا وَيَأْكُلَ مَعَهَا إذَا كَانَ مَعَهَا مَنْ يَتَحَفَّظُ بِهَا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا يَفْعَلُ. عِيَاضٌ: ظَاهِرُهُ مَنْعُ التَّلَذُّذِ بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ (وَصُدِّقَتْ فِي انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْأَقْرَاءِ وَالْوَضْعِ بِلَا يَمِينٍ مَا أَمْكَنَ وَسُئِلَ النِّسَاءُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُعْتَدَّةُ إنْ ادَّعَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِوَضْعٍ أَوْ سِقْطٍ صُدِّقَتْ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَتْ أَسْقَطْت فَذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَى جِيرَانِهَا وَالشَّأْنُ تَصْدِيقُهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ وَإِنْ بَعُدَ يَوْمٌ مِنْ طَلَاقِهَا أَوْ أَقَلَّ، وَلَا أَنْظُرُ إلَى الْجِيرَانِ لِأَنَّهُنَّ مَأْمُونَاتٌ عَلَى فُرُوجِهِنَّ. وَإِنْ أَلْقَتْ دَمًا أَوْ مُضْغَةً أَوْ شَيْئًا يَسْتَيْقِنُ النِّسَاءُ أَنَّهُ وَلَدٌ فَاسْتِبْرَاؤُهَا يَنْقَضِي كَمَا تَنْقَضِي بِذَلِكَ عِدَّةُ الْحُرَّةِ وَتَكُونُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ، وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الدَّمِ الْمُجْتَمِعِ مَا لَا يَتَفَرَّقُ بِجَعْلِهِ فِي مَاءٍ سُخْنٍ. قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ حَسَنٌ. اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فِي مُدَّةٍ تَنْقَضِي فِيهَا الْأَقْرَاءُ الثَّلَاثَةُ فِي غَالِبِ النِّسَاءِ صُدِّقَتْ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ: لَا تُصَدَّقُ فِي شَهْرٍ وَنِصْفٍ. سَحْنُونَ: وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى أَنْ تَحْلِفَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: 220] أَيْ فِي الدِّينِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَبَاحَ اللَّهُ الْمُخَالَطَةَ إذَا قَصَدَ الْإِصْلَاحَ وَالرِّفْقَ بِالْيَتِيمِ فَرَفْعُ الْمَشَقَّةِ فِي تَجَنُّبِ الْيَتِيمِ فِي مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ. وَلَمَّا تَكَلَّمَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 409 عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ تَرَكَ مَالِكٌ أَصْلَهُ فِي التُّهْمَةِ وَالذَّرَائِعِ وَجُوِّزَ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ الشِّرَاءُ؟ قُلْنَا: هَاهُنَا أَذِنَ اللَّهُ فِي صُورَةِ الْمُخَالَطَةِ وَوَكَلَ الْحَاضِنِينَ إلَى أَمَانَاتِهِمْ بِقَوْلِهِ {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] وَكُلُّ أَمْرٍ مَخُوفٍ وَكَلَ اللَّهُ فِيهِ الْمُكَلَّفَ إلَى أَمَانَتِهِ لَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ يَتَذَرَّعُ إلَى أَمْرٍ مَحْظُورٍ بِهِ فَيُمْنَعُ بِهِ كَمَا جَعَلَ اللَّهُ النِّسَاءَ مُؤْتَمَنَاتٍ عَلَى فُرُوجِهِنَّ مَعَ عَظِيمِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى قَوْلِهِنَّ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَيَرْتَبِطُ بِهِ مِنْ الْحِلِّ وَالْأَنْسَابِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكْذِبْنَ، وَهَذَا فَنٌّ بَدِيعٌ فَتَأَمَّلُوهُ وَاِتَّخِذُوهُ سُتُورًا فِي الْأَحْكَامِ وَأَمِّرُوهُ. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى فُتْيَا ابْنِ لُبٍّ فِي مُتَّهِمَةٍ زَوْجَهَا فَقِيهَ الْقَرْيَةِ قَالَ: النِّكَاحُ صَحِيحٌ وَالتُّهْمَةُ دَنِيَّةٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَقِفَ لَهَا غَيْرُ الْقَاضِي، وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا حُرَّةٌ وَتُصَدَّقُ. وَإِنَّمَا الَّتِي لَا تُصَدَّقُ وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِبْرَائِهَا لِلتُّهْمَةِ الْأَمَةُ. نَقَلْته بِالْمَعْنَى. الْبُرْزُلِيُّ: وَلِابْنِ عَاتٍ مُؤَلِّفُ الْغُرَرِ وَهُوَ ابْنُ صَاحِبِ الطِّرَازِ: إذَا مَشَتْ الْمَرْأَةُ فِي الشُّعَرَاءِ مَعَ أَهْلِ الْفَسَادِ ثُمَّ تُسَاقُ لَمْ يَسَعْ الْإِمَامَ أَنْ يَكْشِفَهَا عَمَّا كَانَتْ فِيهِ هَلْ زَنَتْ أَوْ خَرَجَتْ مِنْ طَوْعٍ مِنْهَا أَوْ كُرْهٍ وَيُؤَدِّبُهَا الْإِمَامُ وَلَا يَكْشِفُهَا عَنْ شَيْءٍ. الْبُرْزُلِيُّ قُلْت: لِأَنَّ قَصْدَ الشَّرِيعَةِ السِّتْرُ فِي هَذَا كَقَوْلِهِ «هَلَّا سَتَرْته بِرِدَائِك» وَكَقَوْلِهِ «لَعَلَّك قَبَّلْت لَعَلَّك لَمَسْت» (وَلَا يُفِيدُهَا تَكْذِيبُهَا نَفْسَهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَتْ حِضْت ثَلَاثَ حِيَضٍ فَقَالَ لَهَا: قَدْ قُلْت بِالْأَمْسِ إنَّك لَمْ تَحِيضِي فَصَدَّقَتْهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا الثَّانِي (وَلَا أَنَّهَا رَأَتْ أَوَّلَ الدَّمِ وَانْقَطَعَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يُفِيدُ تَكْذِيبُهَا نَفْسَهَا وَلَا أَنَّهَا رَأَتْ أَوَّلَ الدَّمِ وَانْقَطَعَ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ قَبِلَ نَقْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهَا إذَا قَالَتْ رَأَيْت أَوَّلَ الدَّمِ وَانْقَطَعَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَلَيْسَ الْمَذْهَبُ كَذَلِكَ، بَلْ الْمَذْهَبُ كُلُّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى قَبُولِ قَوْلِهَا أَنَّهُ لَمْ يَتَمَادَ، وَإِنَّمَا يُلْغَى قَوْلُهَا إذَا قَالَتْ دَخَلْت فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ قَالَتْ كُنْت كَاذِبَةً. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَرَجَعَ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ " (وَلَا رُؤْيَةُ النِّسَاءِ لَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَتْ دَخَلْت فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ قَالَتْ مَكَانَهَا إنَّهَا كَاذِبَةٌ وَنَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَوَجَدْتهَا غَيْرَ حَائِضٍ، لَمْ يُنْظَرْ إلَى نَظَرِ النِّسَاءِ وَبَانَتْ حِينَ قَالَتْ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي مِقْدَارِ مَا تَحِيضُ لَهُ النِّسَاءُ (وَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا بَعْدَ كَسَنَةٍ فَقَالَتْ لَمْ أَحِضْ إلَّا وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُرْضِعٍ وَمَرِيضَةٍ لَمْ تُصَدَّقْ إلَّا إنْ كَانَتْ تُظْهِرُهُ) سَمِعَ عِيسَى جَوَابَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُطَلَّقَةِ يَمُوتُ زَوْجُهَا فَتَدَّعِي أَنَّهَا لَمْ تَحِضْ وَتَطْلُبُ إرْثَهَا إنْ كَانَتْ لَا تُرْضِعُ، فَهِيَ مُصَدَّقَةٌ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا سَنَةٌ وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْهُ، وَعَلَيْهَا الْيَمِينُ إلَّا إنْ كَانَتْ قَالَتْ حِضْت ثَلَاثَ حِيَضٍ، وَاَلَّتِي تُرْضِعُ مُصَدِّقَةٌ حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا وَبَعْدَ فِطَامِهِ سَنَةً. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ فِي الَّتِي لَا تُرْضِعُ: إنَّهَا مُصَدَّقَةٌ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا سَنَةٌ، مَعْنَاهُ أَنَّهَا مُصَدَّقَةٌ إنْ لَمْ تَحِضْ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَةٍ مَعَ يَمِينِهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَلَا تُصَدَّقُ إنْ نَقَضَتْ السُّنَّةَ فَطَلَبَتْ الْمِيرَاثَ وَزَعَمَتْ أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَنْقَضِ لِأَنَّ بِهَا حِسًّا تَجِدُهُ فِي بَطْنِهَا حَتَّى يَرَاهَا النِّسَاءُ وَيُصَدِّقْنَهَا فِيمَا ادَّعَتْ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: ذَكَرَتْ ارْتِفَاعَ حَيْضِهَا فِي حَيَاةِ زَوْجِهَا أَوْ لَمْ تَذْكُرْهُ خِلَافُ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا إرْثَ لَهَا وَلَا تُصَدَّقُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 إلَّا أَنْ تَذْكُرَ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَحُكْمُ الْمُرْضِعِ مِنْ بَعْدِ الْفِطَامِ كَاَلَّتِي لَا تُرْضِعُ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ إذْ ارْتِفَاعُ الْحَيْضِ مَعَ الرَّضَاعِ لَيْسَ بِرِيبَةٍ اتِّفَاقًا. ثُمَّ قَالَ: فَحَصَلَ أَنَّهُ مَوْضِعٌ يُقْبَلُ قَوْلُهَا دُونَ يَمِينٍ وَمَوْضِعٌ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ الْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْهُ. اُنْظُرْهُ فَفِيهِ طُولٌ (وَحَلَفَتْ فِي كَالسِّتَّةِ لَا كَالْأَرْبَعَةِ) ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ ادَّعَتْ ذَلِكَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَنَحْوِهَا لَا يَنْبَغِي أَنْ تُصَدَّقَ مَعَ يَمِينِهَا وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْ ذَلِكَ، وَلَوْ ادَّعَتْ أَبْعَدَ بِأَكْثَرَ مِنْ عَامٍ أَنَّهَا لَمْ تَسْتَكْمِلْ الْحَيْضَ لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تُصَدَّقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ (وَعَشْرٍ) لَا مَعْنَى لِهَذَا (وَنُدِبَ الْإِشْهَادُ وَأَصَابَتْ مَنْ مَنَعَتْ لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَلْيُشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهِ وَعَلَى رَجْعَتِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا وَقَدْ ارْتَجَعَ حَتَّى يَشْهَدَ قَدْ أَصَابَتْ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْإِشْهَادِ (وَشَهَادَةُ السَّيِّدِ كَالْعَدَمِ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَهَادَةُ السَّيِّدِ بِرَجْعَةِ أَمَتِهِ لَغْوٌ وَهُوَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ. [فَصْلٌ تَشْطِيرِ الْمَهْرِ فِي الْمُتْعَةِ] ابْنُ شَاسٍ الْفَصْلُ الْخَامِسُ مِنْ فُصُولِ تَشْطِيرِ الْمَهْرِ فِي الْمُتْعَةِ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَمَشْرُوعِيَّتُهَا لِجَبْرِ قَلْبِ الْمَرْأَةِ مِنْ فَجِيعَةِ الطَّلَاقِ (وَالْمُتْعَةُ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُتْعَةُ مَا يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِإِعْطَائِهِ الزَّوْجَةَ لِطَلَاقِهِ إيَّاهَا. الْمَعْرُوفُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ يُؤْمَرُ بِهَا وَلَا يُقْضَى بِهَا. ابْنُ شَاسٍ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ مِنْ عُسْرِهِ وَيُسْرِهِ (بَعْدَ الْعِدَّةِ لِلرَّجْعِيَّةِ) ابْنُ مُحْرِزٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ: إنْ لَمْ يُمَتِّعْهَا حَتَّى ارْتَجَعَهَا سَقَطَتْ قَالَ: فَضْلٌ وَعَلَى هَذَا لَا تَجِبُ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ إلَّا بَعْدَ الْعِدَّةِ (أَوْ وَرَثَتَهَا) ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: تَجِبُ لِوَرَثَتِهَا إنْ مَاتَتْ. ابْنُ رُشْدٍ: وَتَبْطُلُ بِمَوْتِهِ (لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ فِي نِكَاحٍ لَازِمٍ) هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 411 وَعِبَارَةِ ابْنِ عَرَفَةَ هِيَ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ فِي عِصْمَةٍ لِأَيَّامٍ فِيهَا وَلَا خِيَارَ عَلَى الزَّوْجِ (لَا فَسْخَ كَلِعَانٍ وَمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِأَمْرٍ اخْتَلَعَتْ أَوْ فُرِضَ لَهَا وَطَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَمُخْتَارَةً لِعِتْقِهَا أَوْ لِعَيْبِهِ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ " لَا مَنْ اخْتَلَعَتْ ". وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا مُتْعَةَ لِمُخْتَلِعَةٍ وَلَا مُصَالَحَةَ وَلَا مُلَاعَنَةَ وَلَا مُطَلَّقَةَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَقَدْ سُمِّيَ لَهَا وَلَا مَنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا لِعِتْقِهَا. اللَّخْمِيِّ: وَلَا مَنْ قَامَتْ لِعَيْبٍ وَلَا مِنْ فُسِخَ نِكَاحُهَا وَلَوْ لِعَارِضٍ حَدَثَ. اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَمْ يُمَتِّعْهَا لِبَقَائِهَا مَعَهُ وَلَوْ اشْتَرَى بَعْضَهَا مَتَّعَهَا (أَوْ مُخَيَّرَةً أَوْ مُمَلَّكَةً) رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: لِلْمُخَيَّرَةِ وَالْمُمَلَّكَةِ الْمُتْعَةُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ فِيهِمَا إنَّمَا هُوَ مِنْ الزَّوْجِ الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ إلَيْهَا وَلَعَلَّهَا تَحْتَشِمُ مِنْ اخْتِيَارِهِ وَهُوَ قَدْ عَرَّضَهَا لِلْفِرَاقِ فَتَخْتَارُ نَفْسَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ لِذَلِكَ مُرِيدَةٌ لِلْبَقَاءِ مَعَ زَوْجِهَا. ابْنُ شَاسٍ. [كِتَابُ الْإِيلَاءِ] [بَابٌ فِي أَرْكَانِ الْإِيلَاءِ وَأَحْكَامِهِ] كِتَابُ الْإِيلَاءِ الْإِيلَاءُ وَهُوَ الْحَلِفُ يَلْزَمُ بِالْحِنْثِ فِيهَا حُكْمٌ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ أَوْ مَا يَتَضَمَّنُ تَرْكَ الْوَطْءِ زِيَادَةً عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِمُدَّةٍ مُؤَثِّرَةٍ وَفِيهِ بَابَانِ: الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ وَهِيَ الْمُولِي وَالْمَحْلُوفُ بِهِ وَالْمُدَّةُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِهِ (الْإِيلَاءُ يَمِينُ زَوْجٍ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ يُتَصَوَّرُ وِقَاعُهُ وَإِنْ مَرِيضًا بِمَنْعِ وَطْءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 412 زَوْجَتِهِ) ابْنُ شَاسٍ: الْمُولِي كُلُّ زَوْجٍ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِقَاعُ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا، كَانَتْ رَجْعِيَّةً أَوْ فِي طَلَبِ النِّكَاحِ، كَانَ الزَّوْجُ مَرِيضًا أَوْ صَحِيحًا، وَلَا يَصِحُّ إيلَاءُ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ، وَلَوْ آلَى ثُمَّ جُبَّ انْقَطَعَ الْإِيلَاءُ، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك سَنَةً ثُمَّ نَكَحَهَا قَبْلَ مُضِيِّ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ صَارَ مُولِيًا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِيلَاءُ حَلِفُ زَوْجٍ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَةِ يُوجِبُ خِيَارَهَا فِي طَلَاقِهِ، وَشَرْطُ الْمُولِي كَوْنُهُ زَوْجًا مُسْلِمًا مُكَلَّفًا مُمْكِنًا وَطْؤُهُ. فَلَوْ حَلَفَ بِهِ فِي أَجْنَبِيَّةٍ فَعَادَتْ زَوْجَةً فَفِي الْمُدَوَّنَةِ هُوَ مُولٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا. وَلَوْ حَلَفَ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَغْوٌ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: إيلَاءُ مَنْ لَا وَطِئَ لَهُ كَالْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ وَالْمَجْبُوبِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ لَغْوٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ نَكَحَ امْرَأَةً ثُمَّ أَصَابَهُ بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا مُدَّةَ مَا مَنَعَهُ الْوَطْءُ فَإِنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا أَبَدًا (وَإِنْ تَعْلِيقًا) ابْنُ شَاسٍ: مَنْ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 مُمْكِنٍ لَيَفْعَلَنَّهُ كَقَوْلِهِ لَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا كَالْحَالِفِ عَلَى الْوَطْءِ، وَيَفْتَرِقَانِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ فِي حَقِّ هَذَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ، وَفِي حَقِّ الْأَوَّلِ مِنْ حِينِ الْحَلِفِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ (غَيْرِ الْمُرْضِعِ) فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُوَطَّأِ: كَوْنُ التَّرْكِ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ كَوْنِهِ لِمَصْلَحَةٍ فَمَنْ حَلَفَ لَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا غَيْرُ مُولٍ (وَإِنْ رَجْعِيَّةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ آلَى مِنْ مُطَلَّقَةٍ رَجْعِيَّةٍ وَقَفَ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ قَبْلَ مُضِيِّ عِدَّتِهَا (أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: رَابِعُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ كَوْنُ التَّرْكِ مَشْرُوطًا بِأَنَّ مُدَّتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَوْ بِيَوْمٍ (أَوْ شَهْرَيْنِ لِلْعَبْدِ) ابْنُ عَرَفَةَ: نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ كَوْنُ أَمَدِهِ لِلْعَبْدِ أَزْيَدَ مِنْ شَهْرَيْنِ (وَلَا يَنْتَقِلُ بِعِتْقِهِ بَعْدَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عَتَقَ فِي أَجَلِهِ لَمْ يَنْتَقِلْ (كَوَاللَّهِ لَا رَاجَعْتُك) قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا رَاجَعْتُك مُولٍ (أَوْ لَا أَطَؤُك حَتَّى تَسْأَلِينِي أَوْ تَأْتِينِي) سَحْنُونَ: مَنْ حَلَفَ لَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ حَتَّى تَطْلُبَ ذَلِكَ مِنْهُ فَتَأْبَى طَلَبَهُ لَيْسَ مُولِيًا، إنْ أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ مُولٍ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنْ وَطِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ تَأْتِيَنِي فَهُوَ مُولٍ إذْ لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَأْتِيَهُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْتِي أَزْوَاجَهُ فِي بُيُوتِهِنَّ» (أَوْ لَا أَلْتَقِي مَعَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْتَقِيَ مَعَهَا سَنَةً قَالَ: كُلُّ يَمِينٍ يُمْتَنَعُ الْجِمَاعُ بِهَا فَهُوَ مُولٍ (أَوْ لَا أَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَغْتَسِلَ مِنْ امْرَأَتِهِ مِنْ جَنَابَةٍ مُولٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ إلَّا بِكَفَّارَةٍ (أَوْ لَا أَطَؤُك حَتَّى أَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ إذَا تَكَلَّفَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك فِي هَذَا الْمِصْرِ أَوْ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَهُوَ مُولٍ قَالَ غَيْرُهُ: وَكَأَنَّهُ قَالَ لَا أَطَؤُك حَتَّى أَخْرُجَ مِنْهَا، فَإِذَا كَانَ خُرُوجُهُ يَتَكَلَّفُ فِيهِ الْمُؤْنَةَ وَالْكُلْفَةَ فَهُوَ مُولٍ (أَوْ فِي هَذِهِ الدَّارِ إنْ لَمْ يَحْسُنْ خُرُوجُهَا أَوْ إنْ لَمْ أَطَأْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ) قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ: مَنْ قَالَ إنْ لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 أَطَأْك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ مُولٍ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ (وَإِنْ وَطِئْتُك وَنَوَى بِبَقِيَّةِ وَطْئِهِ الرَّجْعَةَ) مُحَمَّدٌ: مَنْ قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ مُولٍ. ابْنُ الْمَاجِشُونِ: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَطَأَ عَلَى أَنْ يَنْوِيَ بِمَا زَادَ عَلَى الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ الرَّجْعَةَ مُكِّنَ مِنْهُ وَإِلَّا مُنِعَ (وَإِنْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا) ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَلَهُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَطْؤُهَا لِأَنَّ مَا يَقَعُ بِهِ حِنْثُهُ يَكْمُلُ دُخُولُهُ (وَفِي تَعْجِيلِ الطَّلَاقِ وَإِنْ حَلَفَ بِالثَّلَاثِ وَهُوَ الْأَحْسَنُ أَوْ ضَرَبَ الْأَجَلَ قَوْلَانِ وَفِيهَا وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَهُوَ مُولٍ إذْ لَهَا أَنْ تُقِيمَ بِلَا وَطْءٍ. ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَلْبَتَّةَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ فَتَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُولٍ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمُولٍ وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ مُولٍ فَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ حَتَّى يَحِلَّ أَجَلُ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ حَلَفَ، وَاخْتُلِفَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي حُكْمِهِ إذَا حَلَّ أَجَلُ الْإِيلَاءِ فَقِيلَ: إنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْفَيْءِ وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقِيلَ: إنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ لَا أَكْثَرَ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَيَكُونُ النَّزْعُ عَلَى هَذَا وَاجِبًا. وَقِيلَ: إنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ جَمِيعِ لَذَّتِهِ حَتَّى يَفْتُرَ أَوْ يُنْزِلَ وَلَا يُنْزِلُ فِيهَا، قَالَهُ أَصْبَغُ. وَقِيلَ: إنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ الْفَيْءِ بِوَطْءٍ كَامِلٍ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْحِنْثُ إلَّا بِتَمَامِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْأَسَدِيَّةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَمَا يُوجَدُ لَهُ فِيهَا مِنْ خِلَافٍ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ إصْلَاحُ سَحْنُونٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ أَيْضًا فِي هَذَا السَّمَاعِ. وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ بِمُولٍ فَقِيلَ: إنَّهُ يُعَجِّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ. قَالَهُ مُطَرِّفٌ. وَأَقَامَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَيِّنٍ. وَقِيلَ: لَا يُعَجِّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ حَتَّى تَرْفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ وَهَذَا الْقَوْلُ قَائِمٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ (كَالظِّهَارِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَهُوَ مُولٍ حِينَ تَكَلَّمَ بِذَلِكَ، وَإِنْ وَطِئَ سَقَطَ إيلَاؤُهُ وَلَزِمَهُ الظِّهَارُ بِالْوَطْءِ، وَلَا يَقْرَبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ. ابْنُ مُحْرِزٍ: لَيْسَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَمْكِينِهِ مِنْ الْوَطْءِ إنَّمَا قَالَ: إنْ وَطِئَهَا وَلَمْ يُبِحْ لَهُ ذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ " وَيُمَكَّنُ فِي الظِّهَارِ اتِّفَاقًا " وَهْمٌ. وَانْظُرْ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَعَلَيَّ الْمَشْيُ أَوْ فَغُلَامِي حُرٌّ أَوْ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَالَ أَشْهَبُ: يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي الظِّهَارِ وَضَرَبَ لَهُ أَجَلَ الْإِيلَاءِ، فَإِنْ طَلَّقَ وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ بِالْإِيلَاءِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ إلَّا إنْ قَالَ: أَنَا أَلْتَزِمُ الظِّهَارَ وَلَا تُطَلِّقُوا عَلَيَّ بِالْإِيلَاءِ فَذَلِكَ لَهُ، وَأَمَّا فِي الْعِتْقِ وَالْمَشْيِ فَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَطْءِ وَهِيَ امْرَأَتُهُ، إنَّمَا يَحْنَثُ فِي عِتْقٍ أَوْ مَشْيٍ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَيْسَ فِي هَذَا إيلَاءٌ وَلَا إشْكَالَ فِي هَذَا (لَا كَافِرٌ وَإِنْ أَسْلَمَ إلَّا أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلَيْنَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا حَلَفَ الذِّمِّيُّ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ بِاَللَّهِ أَوْ بِصَدَقَةِ مَا يَمْلِكُ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَيْمَانِ لَا يَقْرَبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 امْرَأَتَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَسَقَطَ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِ هَذَا كُلُّهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ طَلَاقَهُ لَا يَلْزَمُهُ فَكَذَلِكَ إيلَاؤُهُ، لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَجْرِي إلَى الطَّلَاقِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِذَا رَضِيَ الذِّمِّيُّ بِحُكْمِنَا حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِهِ (وَلَا لَأَهْجُرَنَّهَا أَوْ لَا كَلَّمْتهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْتَقِيَ مَعَهَا سَنَةً قَالَ: كُلُّ يَمِينٍ يُمْتَنَعُ الْجِمَاعُ بِهَا فَهُوَ مُولٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ بِالْهِجْرَانِ إيلَاءٌ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهَا وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَمَسُّهَا فَلَيْسَ بِمُولٍ (أَوْ لَا وَطِئْتهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوْ اجْتَهَدَ وَطَلَّقَ فِي لَأَعْزِلَنَّ) ابْنُ يُونُسَ: حُكِيَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا إذَا حَلَفَ لَيَعْزِلَنَّ عَنْ زَوْجَتِهِ فَلَيْسَ بِمُولٍ لِأَنَّ الْوَطْءَ مَوْجُودٌ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ يَعْزِلُ. وَعَابَ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ: لِأَنَّ الْإِنْزَالَ مِنْ حَقِّ الزَّوْجَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْزِلَ عَنْهَا إلَّا بِإِذْنِهَا. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيتَ مَعَ امْرَأَتِهِ هَلْ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ أَمْ لَا، لِأَنَّهُ يَأْتِيهَا نَهَارًا. قَالَ: فَإِذَا كَانَ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا فَفِي الْعَزْلِ أَوْلَى أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا يُطَلَّقُ عَلَى هَذَا وَعَلَى الَّذِي حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيتَ مَعَ زَوْجَتِهِ لِأَجْلِ الضَّرَرِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ، وَلَيْسَ هُوَ بِمُولٍ وَلَا يَضْرِبُ لَهُ أَجَلَ الْإِيلَاءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، فَبَانَ أَنَّ قَوْلَ الْفَقِيهِ صَوَابٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى نَصُّهُ. (أَوْ لَا أَبِيتَنَّ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَا أَتَاهَا نَهَارًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا بَاتَ عِنْدَهَا أَبَدًا لَمْ أُبَلِّغْ أَنْ أَطُلِّقَ عَلَيْهِ وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ يَتَلَوَّمُ لَهُ إنْ أَبَى طَلَّقَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: الْأَظْهَرُ التَّطْلِيقُ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ بَيِّنٌ، وَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ بِحَالٍ إذْ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ (أَوْ تَرَكَ الْوَطْءَ ضَرَرًا وَإِنْ غَائِبًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَرَكَ وَطْءَ زَوْجَتِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَا إيلَاءٍ لَمْ يَتْرُكْ إمَّا وَطِئَ أَوْ طَلَّقَ، يُرِيدُ وَيَتَلَوَّمُ لَهُ بِمِقْدَارِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ وَأَكْثَرَ. قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى قَوْمٍ غَابُوا بِخُرَاسَانَ وَخَلَّفُوا أَهْلَيْهِمْ فَكَتَبَ إلَى أُمَرَائِهِمْ: إمَّا أَنْ يَقْدُمُوا أَوْ يُرَحِّلُوا نِسَاءَهُمْ أَوْ يُطَلِّقُوا. قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ رَأْيٌ وَأَرَى أَنْ يُقْضَى بِذَلِكَ (أَوْ سَرْمَدَ الْعِبَادَةَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مِنْ سَرْمَدَ الْعِبَادَةَ وَتَرَكَ الْوَطْءَ لَمْ يُنْهَ عَنْ تَبَتُّلِهِ وَقِيلَ لَهُ: إمَّا وَطِئْتَ أَوْ فَارَقْتَ إنْ خَاصَمْته، وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ الْجِمَاعَ لِغَيْرِ ضَرَرٍ وَلَا عِلَّةٍ إلَّا أَنْ تَرْضَى الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ كَانَ زَاهِدًا قَامَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ لَمْ يُحَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادَتِهِ وَقِيلَ لَهُ: تَخْلُو مَعَهَا فِي كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ لَيْلَةً وَهُوَ قَسْمُ الْمَرْأَةِ مَعَ ضَرَائِرِهَا (بِلَا أَجَلٍ عَلَى الْأَصَحِّ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ مَنْ تَرَكَ الْوَطْءَ مُضَارًّا أَجَلُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 416 مِنْ حِينِ الْحُكْمِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَشْهُورَ الْأَجَلُ وَهُوَ خِلَافُ الْجَلَّابِ وَظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَوْلُهُ " وَقِيلَ لَا يُفَرَّقُ بِهِ بِحَالٍ " لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَتْرُكُ الْوَطْءَ " (وَلَا إنْ لَمْ يَلْزَمْهُ بِيَمِينِهِ حُكْمٌ كَكُلِّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ أَوْ وَخَصَّ بَلَدًا قَبْلَ مِلْكِهِ مِنْهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ إنْ وَطِئْتهَا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ حُرٌّ غَيْرُ مُولٍ، فَإِنْ خَصَّ بَلَدًا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا حَتَّى يَمْلِكَ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ عَبْدًا فَيَكُونَ حِينَئِذٍ مُولِيًا لِحِنْثِهِ بِالْوَطْءِ (أَوْ لَا وَطِئْتُك فِي هَذِهِ السَّنَةِ إلَّا مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّةً حَتَّى يَطَأَ وَتَبْقَى الْمُدَّةُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك فِي هَذِهِ السَّنَةِ إلَّا يَوْمًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِيلَاءُ إلَّا أَنْ يَطَأَ وَقَدْ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا: إنْ مَضَى مِنْ السَّنَةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَطَأْ وُقِفَ، فَإِمَّا فَاءَ وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَحَبُّ إلَى ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَإِلَيْنَا، فَإِنْ فَاءَ فَهُوَ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مُولِيًا لَا شَكَّ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ قَالَ إلَّا مَرَّتَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا إلَّا أَنَّهُ إنْ شَاءَ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ وَطِئَهَا ثُمَّ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ وَطِئَهَا فَلَا يَبْقَى مِنْ السَّنَةِ إلَّا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ (وَلَا إنْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا حَلَفَ حُرٌّ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ الْعَبْدُ شَهْرَيْنِ فَلَيْسَا بِمُولِيَيْنِ حَتَّى يَزِيدَا عَلَى ذَلِكَ (أَوْ إنْ وَطِئْتُك فَعَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ نَعَمْ إنْ وَطِئَ صَامَ بَقِيَّتَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهَا إنْ جَامَعْتُك فَعَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ فَلَيْسَ بِمُولٍ إلَّا أَنَّهُ إنْ جَامَعَهَا فِيهِ صَامَ بَقِيَّتَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ حَتَّى انْسَلَخَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ: وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ جَامَعْتُهَا فِي هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْأَرْبَعَةِ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ. [أَقْسَامُ الْإِيلَاءِ] (وَالْأَجَلُ مِنْ الْيَمِينِ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ صَرِيحَةً فِي تَرْكِ الْوَطْءِ) ابْنُ رُشْدٍ: الْإِيلَاءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَكُونُ فِيهِ مُولِيًا مِنْ يَوْمِ حَلَفَ وَذَلِكَ الْحَالِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ بِأَيِّ يَمِينٍ كَانَتْ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا مِنْ يَوْمِ حَلَفَ. وَقِسْمٌ لَا يَكُونُ فِيهِ مُولِيًا إلَّا مِنْ يَوْمِ رَفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ وَتَوَقَّفَهُ وَذَلِكَ الَّذِي يَحْلِفُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا فَلَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى يَضْرِبَ لَهُ الْأَجَلَ مِنْ يَوْمِ تَرْفَعُهُ امْرَأَتُهُ. وَقِسْمٌ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَهُوَ الْإِيلَاءُ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَى الظِّهَارِ. اُنْظُرْهُ بَعْدَ هَذَا (لَا إنْ احْتَمَلَتْ مُدَّةُ يَمِينِهِ أَقَلَّ أَوْ حَلَفَ عَلَى حِنْثٍ فَمِنْ الرَّفْعِ وَالْحُكْمِ) أَمَّا مَسْأَلَةُ أَنْ تَحْتَمِلَ مُدَّةُ يَمِينِهِ أَقَلَّ مِنْ أَجَلِ الْإِيلَاءِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ وَحَتَّى يَمُوتَ عَمْرٌو فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يُلْحَقُ بِالْمُولِي مَنْ احْتَمَلَتْ مُدَّةُ يَمِينِهِ أَقَلَّ إلَّا أَنَّ أَجَلَ هَذَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ. انْتَهَى بِالْمَعْنَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: بَنَى ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي قَوْلِهِ " وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك حَتَّى يَمُوتَ زَيْدٌ " مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ وَهُوَ غَلَطٌ، بَلْ هُوَ مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ. كَذَا هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ حَلَفَ عَلَى حِنْثٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ لِضَرَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَحْلِفْ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ أَفْعَلْ أَوْ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهُوَ عَلَى حِنْثٍ وَلَا يَطَأُ، فَإِنْ رَفَعَتْهُ امْرَأَتُهُ ضَرَبَ لَهُ الْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ تَرْفَعُهُ. قَالَ غَيْرُهُ: وَهَذَا إذَا تَبَيَّنَ لِلسُّلْطَانِ ضَرَرُهُ بِهَا، فَأَمَّا إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 لَمْ يُمْكِنْهُ فِعْلُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا وَلَا يَضْرِبُ لَهُ أَجَلٌ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ فِعْلُ ذَلِكَ حِيلَ بَيْنَهُمَا وَضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْمُولِي إنْ رَفَعَتْهُ كَالْحَالِفِ بِالطَّلَاقِ لَيَحُجَّنَّ وَلَمْ يُوَقِّتْ سَنَةً بِعَيْنِهَا وَهُوَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ فَهَذَا لَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ خُرُوجٌ مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ. وَالْقَائِلُ إنْ لَمْ يَحُجَّ فُلَانٌ كَالْقَائِلِ إنْ لَمْ أَحُجَّ أَنَا وَيَضْرِبُ لَهُ أَجَلَ الْإِيلَاءِ، وَأَمَّا إنْ قَالَ إنْ حَجَّ فُلَانٌ أَوْ فَعَلَ كَذَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اُنْظُرْ قَبْلَ تَرْجَمَةٍ فِيمَنْ آلَى مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ. (وَهَلْ الْمُظَاهِرُ إنْ قَدَرَ عَلَى التَّكْفِيرِ فَامْتَنَعَ كَالْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ اُخْتُصِرَتْ أَوْ كَالثَّانِي وَهُوَ الْأَرْجَحُ أَوْ مِنْ تَبَيُّنِ الضَّرَرِ وَعَلَيْهِ تُؤُوِّلَتْ أَقْوَالٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ امْتَنَعَ الْمُظَاهِرُ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ لِأَنَّهُ مُضَارٌّ وَوُقِفَ لِتَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ التَّظَاهُرِ، فَإِمَّا كَفَّرَ أَوْ طَلُقَتْ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ كَفَّرَ زَالَ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَطَأْ. ابْنُ يُونُسَ: نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُخْتَصِرِينَ أَنَّ الْأَجَلَ يُضْرَبُ لَهُ مِنْ يَوْمِ ظَاهَرَ. اللَّخْمِيِّ: وَهُوَ أَحْسَنُ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ تَرْفَعُهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا فِي الْمُظَاهِرِ الْمُضَارِّ إذَا ضُرِبَ لَهُ الْأَجَلُ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا إنَّمَا يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ مِنْ وَقْتِ يَتَبَيَّنُ ضَرَرُهُ، وَرَأَى أَنَّ هَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ الْكِتَابِ. انْتَهَى وَلَمْ أَجِدْ لِابْنِ يُونُسَ تَرْجِيحًا (كَالْعَبْدِ لَا يُرِيدُ الْفَيْئَةَ أَوْ يَمْنَعُ الصَّوْمَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ حَارِثٍ فِي الْعَبْدِ الْمُظَاهِرِ: إنْ تَبَيَّنَ ضَرَرُهُ أَوْ مَنَعَهُ السَّيِّدُ الصَّوْمَ ثَالِثُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ مَالِكٍ فِي مُوَطَّئِهِ لَغْوُ دُخُولِ الْإِيلَاءِ عَلَيْهِ. وَنَصُّ الْمُوَطَّأِ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ إيلَاءٌ لِأَنَّهُ لَوْ صَامَ لِظِهَارِهِ دَخَلَ عَلَيْهِ طَلَاقُ الْإِيلَاءِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ. الْبَاجِيُّ: لِأَنَّ صَوْمَهُ شَهْرَانِ وَأَجَلُ إيلَائِهِ شَهْرَانِ، فَلَوْ أَفْطَرَ سَاهِيًا أَوْ لِمَرَضٍ انْقَضَى أَجَلُ إيلَائِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْكَفَّارَةِ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: لَا يَدْخُلُ عَلَى الْعَبْدِ إيلَاءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضَارًّا أَوْ يَمْنَعَهُ سَيِّدُهُ الصِّيَامَ (وَانْحَلَّ الْإِيلَاءُ بِزَوَالِ مِلْكِ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إلَّا أَنْ يَعُودَ بِغَيْرِ إرْثٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: لِكَوْنِ الْعِتْقِ بِالْحِنْثِ كَإِنْشَائِهِ فِي شَرْطِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 بِوُجُودِ مُتَعَلِّقِهِ بِأَنَّ قَوْلَهَا إنْ قَالَ لَهَا إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي مَيْمُونٌ حُرٌّ فَبَاعَهُ فَلَهُ وَطْؤُهَا، فَإِنْ اشْتَرَاهُ عَادَ مُولِيًا وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْوَطْءِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ عَادَ بِإِرْثٍ لَمْ تَعُدْ يَمِينُهُ (كَالطَّلَاقِ الْقَاصِرِ عَنْ الْغَايَةِ فِي الْمَحْلُوفِ بِهَا لَا لَهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ قَوْلِ إيلَاءِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْعِصْمَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهَا لَا فِي غَيْرِهَا. رَاجِعْ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " لَا مَحْلُوفَ لَهَا ". (وَبِتَعْجِيلِ الْحِنْثِ وَبِتَكْفِيرِ مَا يُكَفَّرُ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ: وَإِذَا وَقَفَ الْمُولِي فَعَجَّلَ حِنْثَهُ زَالَ إيلَاؤُهُ مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَطَأَ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى. مُحَمَّدٌ: ثَلَاثًا أَوْ بَقِيَّةَ الثَّلَاثِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَوْ يُعْتِقُ عَبْدًا لَهُ بِعَيْنِهِ فَإِنْ طَلَّقَ الْمَحْلُوفَ بِهَا ثَلَاثًا أَوْ بَقِيَّةَ الثَّلَاثِ أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ أَوْ حَنِثَ فِيهِمَا زَالَ الْإِيلَاءُ عَنْهُ. قَالَ سَحْنُونَ: وَالتَّكْفِيرُ وَتَعْجِيلُ الْحِنْثِ فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَهُ يَنْحَلُّ بِهِ الْإِيلَاءُ. قَالَ مَالِكٌ: وَأَحْسَنُ لِلْمُولِي أَنْ يُكَفِّرَ لِلْيَمِينِ بِاَللَّهِ بَعْدَ الْحِنْثِ، فَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ أَجْزَأَهُ وَزَالَ إيلَاؤُهُ (وَإِلَّا فَلَهَا وَلِسَيِّدِهَا إنْ لَمْ يَمْتَنِعْ وَطْؤُهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ الْأَجَلِ بِالْفَيْئَةِ) ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] أَيْ رَاجَعُوا. هَلْ الْمُرَادُ بِذَلِكَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ أَيْ بَعْدَهَا؟ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَإِنْ مَرَّتْ بِهِ سَنَةٌ حَتَّى يُوقَفَ فَإِمَّا فَاءَ وَإِمَّا طَلَّقَ، فَإِنْ لَمْ يَفِئْ وَلَمْ يُطَلِّقْ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ طَلْقَةً يَمْلِكُ فِيهَا الرَّجْعَةَ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ تَرَكَتْ الْأَمَةُ وَقْفَ زَوْجِهَا الْمُولِي فَلِسَيِّدِهَا وَقْفُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ يَقُولُ أَنَا أَنْكَحْتُهَا لِرَغْبَتِي فِي الْوَلَدِ وَلِذَا قَالَ مَالِكٌ: لَا يَعْزِلُ عَنْهَا إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ فِي سِنِّ مَنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهَا حُجَّةٌ. أَصْبَغُ: وَلَوْ تَرَكَ السَّيِّدُ وَقْفَهُ فَلَهَا وَقْفُهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ آلَى مِنْ صَغِيرَةٍ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا لَمْ يُؤَجَّلْ حَتَّى يُمْكِنَ وَطْؤُهَا. اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ حَلَّ أَجَلُهُ وَهِيَ حَائِضٌ وَقَفَ. فَإِنْ قَالَ أَفِيءُ أُمْهِلَ وَإِنْ أَبَى عَجَّلَ طَلَاقَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَيُجْبَرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 419 عَلَى الرَّجْعَةِ. قَالَ ابْنُ الْكَاتِبِ: مَا أَرَى هَذَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا جَبَرَهُ مُحَمَّدٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ بِسَبَبِهِ إذَا قَالَ لَا أَفِيءُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُخَالِفَ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ كَمَا لَوْ جَعَلَ طَلَاقَهَا بِيَدِ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ (وَهِيَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْقُبُلِ أَوْ افْتِضَاضُ الْبِكْرِ) ابْنُ شَاسٍ: الْفَيْئَةُ بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ فِي الْقُبُلِ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَالِافْتِضَاضُ إنْ كَانَتْ بِكْرًا. ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَوَّلُ كَافٍ لِاسْتِلْزَامِهِ الثَّانِيَ، وَعِبَارَةُ ابْنِ عَاتٍ كَعِبَارَةِ ابْنِ شَاسٍ (إنْ حَلَّ) اللَّخْمِيِّ: يَخْتَلِفُ إنْ وَطِئَهَا حَائِضًا أَوْ صَائِمَةً فِي سُقُوطِ إيلَائِهِ قِيَاسًا عَلَى الْإِحْلَالِ بِهِ وَالْإِحْصَانِ وَالْقِيَاسُ سُقُوطُهُ وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ عَاتٍ إلَّا أَنَّ الْإِيتَاءَ يَبْطُلُ وَيَكُونُ غَاصِبًا يَفْعَلُهُ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْوَطْءَ بِالدُّبُرِ حَلَالٌ يَجْرِي سُقُوطُ الْإِيلَاءِ بِهِ، وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي هَذَا الْفَرْعِ قَوْلَيْنِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُهُمَا مَنْصُوصَيْنِ (وَلَوْ مَعَ جُنُونٍ) اللَّخْمِيِّ: وَطْءُ الْمَجْنُونِ لَا يُوجِبُ حِنْثَهُ وَلَكِنَّهُ يُسْقِطُ حَقَّهَا فِي الْوَقْفِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ لَا وَقْفَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا خِلَافُ مَا لِابْنِ رُشْدٍ (لَا بِوَطْءٍ بَيْنَ فَخِذَيْنِ وَحَنِثَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَطْؤُهُ دُونَ الْفَرْجِ لَا يُسْقِطُ إيلَاءَهُ وَيُوجِبُ حِنْثَهُ، فَإِنْ كَفَّرَ سَقَطَ بِمُجَرَّدِ تَكْفِيرِهِ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْفَرْجَ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْوَطْءِ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الْفَرْجَ فَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ جَامَعَ الْمُولِي امْرَأَتَهُ فِي الدُّبُرِ حَنِثَ وَسَقَطَ إيلَاؤُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْفَرْجَ بِعَيْنِهِ فَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ فِي الدُّبُرِ وَهُوَ مُولٍ (وَطَلَّقَ إنْ قَالَ لَا أَطَأُ بِلَا تَلَوُّمٍ وَإِلَّا اُخْتُبِرَ مَرَّةً مَرَّةً) ابْنُ الْحَاجِبِ: لِلزَّوْجَةِ الْمُطَالَبَةُ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِالْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَإِنْ أَبَى طَلَّقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَجَابَ اُخْتُبِرَ مَرَّةً وَثَانِيَةً، فَإِنْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ طَلَّقَ عَلَيْهِ (وَصَدَقَ إنْ ادَّعَاهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ وَطِئْتهَا وَأَنْكَرَتْ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ. اللَّخْمِيِّ: فَإِنْ نَكَلَ حُلِّفَتْ وَطَلُقَتْ عَلَيْهِ (وَإِلَّا أُمِرَ بِالطَّلَاقِ وَإِلَّا طُلِّقَ عَلَيْهِ) تَقَدَّمَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ " وَصُدِّقَ " (وَفَيْئَةُ الْمَرِيضِ وَالْمَحْبُوسِ بِمَا يَنْحَلُّ بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ مَسْجُونٌ وَكَانَتْ يَمِينُهُ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى أَوْ بِعِتْقِ عَبْدٍ لَهُ بِعَيْنِهِ أَوْ بِصِدْقِهِ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ أَوْ بِاَللَّهِ لَمْ يُطَلَّقْ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُوقَفُ الْمَرِيضُ أَوْ الْمَسْجُونُ فِي مَوْضِعِهِ وَيُكْتَبُ إلَى الْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ بَلَدُهُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ فَيُوقَفُ أَيْضًا فِي مَوْضِعِهِ، فَإِمَّا عَجَّلُوا الْكَفَّارَةَ أَوْ إيقَاعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُعَيَّنَاتِ مِنْ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالصَّدَقَةِ وَإِلَّا طَلَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ الَّتِي آلَى مِنْهَا. فَإِنْ قَالُوا نَحْنُ نَفْعَلُ اُخْتُبِرُوا مَرَّةً وَثَانِيَةً فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا طَلَّقَ عَلَيْهِمْ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ يَمِينُهُ مِمَّا تُكَفَّرُ قَبْلَهُ كَطَلَاقٍ فِيهِ رَجْعَةٌ فِيهَا أَوْ غَيْرِهَا وَصَوْمٍ لَمْ يَأْتِ وَعِتْقٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ بِالْوَعْدِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ مِمَّا لَا تُكَفَّرُ قَبْلَهُ كَصَوْمٍ لَمْ يَأْتِ أَوْ بِمَا لَا يَنْفَعُ تَعْجِيلُ الْحِنْثِ كَالطَّلَاقِ فِيهِ رَجْعَةٌ فِيهَا أَوْ فِي غَيْرِهَا فَالْفَيْئَةُ بِالْوَعْدِ. اُنْظُرْ تَرْجَمَةَ بَابٍ فِي إيقَافِ الْمُولِي مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَعِبَارَتُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الظِّهَارِ. وَقَدْ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ بَعْدَ الْحِنْثِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 420 قَالَ: وَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ رَجَوْت أَنْ يُجْزِئَ عَنْهُ. وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ حَلَفَ بِعِتْقٍ وَعِبَارَةُ الْأُمِّ قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ فَكَانَ فِي ذَلِكَ مُولِيًا، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْإِيلَاءَ عَلَيْهِ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً فِي ذَلِكَ إرَادَةَ إسْقَاطِ الْإِيلَاءِ عَنْهُ، أَتَرَى أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ وَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَهَذَا يُبَيِّنُ لَك مَا كَانَ قَبْلَهُ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: قَدْ قَالَ هَذَا وَقَالَ أَيْضًا: لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ إلَّا فِي رَقَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْأَحْكَامِ وَزَوَالِ الْإِيلَاءِ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَيُجْزِئُهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِهِ عَنْهُ قَبْلَ الْحِنْثِ. اُنْظُرْ آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الظِّهَارِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَوْلَ مَالِكٍ: مَنْ قَالَ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ إنْ وَطِئْتُك فَاشْتَرَى رَقَبَةً فَأَعْتَقَهَا إرَادَةَ إسْقَاطِ الْإِيلَاءِ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ. وَقَالَ أَيْضًا: لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ إلَّا فِي رَقَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ. ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَيُجْزِئُهُ فِي الرَّقَبَةِ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ. وَانْظُرْ فِي الْأَيْمَانِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَأَجْزَأَتْ قَبْلَهُ ". وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: إنْ آلَوْا بِمَا لَا يُكَفِّرُ بَعْدَ الْحِنْثِ أَوْ عَلَى مَا يَنْفَعُهُمْ تَعْجِيلُ الْحِنْثِ فِيهِ قَبْلَ الْوَطْءِ كَالْيَمِينِ إنْ وَطِئَ بِعِتْقِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِطَلَاقٍ وَفِيهِ رَجْعَةٌ فِيهَا أَوْ فِي غَيْرِهَا فَالْفَيْئَةُ بِالْقَوْلِ. رَاجِعْ ابْنَ يُونُسَ (وَبُعِثَ لِلْغَائِبِ وَإِنْ بِشَهْرَيْنِ) اُنْظُرْ الْفَرْعَ قَبْلَ هَذَا (وَلَهَا الْعَوْدُ إنْ رَضِيَتْ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ لَمْ يَطَأْ وَرَضِيَتْ كَانَ لَهَا الْعَوْدُ كَالِاعْتِرَاضِ وَالْإِعْسَارِ بِخِلَافِ الْعُنَّةِ وَسَمِعَ أَبُو زَيْدٍ ابْنَ الْقَاسِمِ: إنْ قَالَتْ امْرَأَةُ الْمُعْتَرِضِ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ لَا تُطَلِّقُونِي أَتْرُكُهُ لِأَجَلٍ آخَرَ ذَلِكَ لَهَا ثُمَّ تَطْلُقُ مَتَى شَاءَتْ دُونَ السُّلْطَانِ، وَكَذَا امْرَأَةُ الْمُولِي تَقُولُ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ لَا تُطَلِّقُونِي أَتْرُكُهُ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ لَعَلَّهُ يَبْرَأُ. ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَى تَطْلُقُ مَتَى شَاءَتْ أَيْ بَعْدَ الْأَجَلِ الَّذِي أَنْظَرَتْهُ إلَيْهِ (وَتَتِمُّ رَجْعَتُهُ إنْ انْحَلَّ وَإِلَّا أُلْغِيَتْ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَتَتِمُّ رَجْعَتُهُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إنْ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي الْعِدَّةِ بِوَطْءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ انْقِضَاءٍ أَوْ تَعْجِيلِ حِنْثٍ كَعِتْقٍ مُعَيَّنٍ وَطَلَاقٍ بَائِنٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْحَلَّ فِيهَا أُلْغِيَتْ رَجْعَتُهُ وَبَانَتْ وَحَلَّتْ مَا لَمْ يَكُنْ خَلَا بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ بَعْدَ رَجْعَةٍ فَتَأْتَنِفُ الْعِدَّةَ ثُمَّ لَا رَجْعَةَ لَهُ فِيهَا. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ طَلَّقَ عَلَيْهِ وَقَدْ بَنَى فَلَهُ الرَّجْعَةُ فِي الْعِدَّةِ بِالْقَوْلِ، فَإِنْ ارْتَجَعَهَا بِالْقَوْلِ فَوَاسِعٌ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَطَأْ حَتَّى دَخَلَتْ فِي أَوَّلِ دَمِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ حَلَّتْ وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ رَجْعَةً إلَّا لِذِي عُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ سَفَرٍ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْوَطْءُ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَلَمْ يَطَأْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَأَجْزَأَتْهُمَا الْعِدَّةُ الْأُولَى إلَّا أَنْ يَكُونَ خَلَا بِهَا وَأَقَرَّ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ فَلْيَأْتَنِفْ عِدَّةً وَلَا رَجْعَةَ لَهُ فِيهَا. ابْنُ رُشْدٍ: الْعِدَّةُ عَلَيْهَا لِلْأَزْوَاجِ فِي الْحُكْمِ الظَّاهِرِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يُتَّهَمَانِ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. (وَإِنْ أَبَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 الْفَيْئَةَ فِي إنْ وَطِئْتُ إحْدَاكُمَا فَالْأُخْرَى طَالِقٌ طَلَّقَ الْحَاكِمُ إحْدَاهُمَا) ابْنُ شَاسٍ: مَنْ قَالَ إنْ وَطِئْت إحْدَاكُمَا فَالْأُخْرَى طَالِقٌ وَأَبَى الْفَيْئَةَ يُطَلِّقُ الْقَاضِي عَلَيْهِ إحْدَاهُمَا. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا مُشْكِلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ رَاجِعْهُ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مُولٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يُمْتَنَعُ مِنْ وَطْءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِسَبَبِ يَمِينِ طَلَاقٍ (وَفِيهِمَا فِيمَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنْ لَا يَطَأَ وَاسْتَثْنَى أَنَّهُ مُولٍ) عِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا يَطَأُ وَاسْتَثْنَى فَقَالَ مَالِكٌ: مُولٍ وَلَهُ الْوَطْءُ بِلَا كَفَّارَةٍ. وَقَالَ غَيْرُ مَالِكٍ: لَا يَكُونُ مُولِيًا. الْقَرَافِيُّ: مَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ الِاسْتِثْنَاءُ بَدَلُ الْكَفَّارَةِ فَتَكُونُ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً، أَوْ تَحِلُّ الْيَمِينُ مِنْ أَصْلِهَا، أَوْ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ دَائِرٌ بَيْنَ حِلِّ الْيَمِينِ أَوْ التَّرْكِ وَالْأَصْلُ ثُبُوتُ حَقِّ الْمَرْأَةِ؟ (وَحُمِلَتْ عَلَى مَا إذَا رُوفِعَ وَلَمْ تُصَدِّقْهُ وَأُورِدَ لَوْ كَفَّرَ عَنْهَا وَلَمْ تُصَدِّقْهُ وَفُرِّقَ بِشِدَّةِ الْمَالِ وَبِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْحِلِّ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي اسْتَثْنَى أَنَّهُ مُولٍ إذَا رُوفِعَ وَلَمْ تُصَدِّقْهُ فِي قَصْدِ الِاسْتِثْنَاءِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ لَوْ كَفَّرَ وَقَالَ عَنْ يَمِينِي وَلَمْ تُصَدِّقْهُ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا جَعَلَهُ مَالِكٌ مُولِيًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ حِلَّ الْيَمِينِ أَوْ يُرِيدَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ} [الكهف: 23] الْآيَةُ. فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ حَقُّ الْمَرْأَةِ وَيَزُولَ حَقُّ الْإِيلَاءِ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ، فَإِنْ قَالَ فَهُوَ يَقُولُ إذَا كَفَّرَ الْمُولِي قَبْلَ الْحِنْثِ سَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَفَّرَ عَنْ يَمِينٍ سَلَفَتْ فَمَا الْفَرْقُ؟ قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تُسْقِطُ الْيَمِينَ حَقِيقَةً فَقَوِيَ عِنْدَهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَحِلُّ الْيَمِينَ حَقِيقَةً لِلِاحْتِمَالِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ. [بَابُ الظِّهَارِ] [بَابٌ فِي أَرْكَانُ الظِّهَارِ وَحُكْمُهُ] ابْنُ شَاسٍ بَابُ الظِّهَارِ وَفِيهِ بَابَانِ: الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ وَهِيَ الْمُظَاهِرُ وَالْمُظَاهَرُ مِنْهَا وَاللَّفْظُ وَالْمُشَبَّهُ بِهِ. الثَّانِي فِي حُكْمِ الظِّهَارِ وَهُوَ تَحْرِيمُ الِاسْتِمْتَاعِ وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ. الرُّكْنُ الْأَوَّلُ الْمُظَاهِرُ وَهُوَ كُلُّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ، فَلَا يَصِحُّ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ وَيَصِحُّ ظِهَارُ السَّيِّدِ عَنْ الْأَمَةِ الَّتِي يُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهَا (تَشْبِيهُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ مَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 422 تَحِلُّ لَهُ أَوْ جُزْأَهَا بِظَهْرِ مَحْرَمٍ أَوْ جُزْئِهِ ظِهَارٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: الظِّهَارُ تَشْبِيهُ زَوْجٍ زَوْجَةً أَوْ ذِي أَمَةٍ حَلَّ وَطْؤُهُ إيَّاهَا بِمَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ بِظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ فِي تَمَتُّعِهِ بِهِمَا وَالْجُزْءُ كَالْكُلِّ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَرَأْسِ أُمِّي أَوْ كَقَدَمِهَا أَوْ فَخِذِهَا أَوْ نَحْوِهِ فَهُوَ مُظَاهِرٌ. وَقَالَ بَعْضُ كِبَارِ أَصْحَابِ مَالِكٍ: مَنْ قَالَ رَأْسُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ يَدُك أَوْ أُصْبُعُك مُظَاهِرٌ (وَتَوَقَّفَ إنْ عَلَّقَ بِكَمَشِيئَتِهَا وَهُوَ بِيَدِهَا مَا لَمْ تُوقَفْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ شِئْت الظِّهَارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَهُوَ مُظَاهِرٌ إنْ شَاءَتْ الظِّهَارَ. قُلْت: أَذَلِكَ لَهَا مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ حَتَّى تُوقَفَ؟ قَالَ: بَلْ حَتَّى تُوقَفَ قَالَ: بَلَى. ابْنُ يُونُسَ: مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كُلِّ مَا كَانَ تَفْوِيضًا إلَيْهَا مِنْ تَمْلِيكٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ عِتْقٍ إنَّ ذَلِكَ بِيَدِهَا، وَإِنْ قَامَا مِنْ الْمَجْلِسِ مَا لَمْ تُوقَفْ. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت وَأَمْرُك بِيَدِك إنْ شِئْت وَهَذَا قَوْلٌ لَهُ وَجْهٌ وَلَكِنْ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا قَدَّمْنَا (وَلِمُحَقَّقٍ تَنَجَّزَ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 423 ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي بَعْدَ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ لَنَجَّزَ عَلَيْهَا الظِّهَارَ كَالطَّلَاقِ، وَقِيلَ يَتَأَجَّلُ. (وَبِوَقْتٍ تَأَبَّدَ) قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ أَوْ هَذِهِ السَّاعَةَ فَهُوَ مُظَاهِرٌ مِنْهَا وَإِنْ مَضَى ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَلَا يَطَأُ حَتَّى يُكَفِّرَ لِأَنَّ الظِّهَارَ قَدْ لَزِمَهُ بِاللَّفْظَةِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ أَوْ هَذِهِ السَّاعَةَ كَانَتْ طَالِقًا أَبَدًا (أَوْ بِعَدَمِ زَوَاجٍ فَعِنْدَ الْيَأْسِ أَوْ الْعَزِيمَةِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ الْيَأْسِ أَوْ الْعَزِيمَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَبِلَ هَذَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا أَعْرِفُهُ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا، حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ وَإِلَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: مَنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي الْيَوْمَ مُظَاهِرٌ كَمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ فَحَمْلُ الظِّهَارِ كَالطَّلَاقِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 426 قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك، إنْ أَرَادَ أَنْ يُكَفِّرَ لِيَنْحَلَّ عَنْ نَفْسِهِ الظِّهَارُ فَيَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ فَلَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَطَلَبَتْهُ امْرَأَتُهُ بِالْوَطْءِ وَرَفَعَتْهُ لِلسُّلْطَانِ ضَرَبَ لَهُ أَجَلَ الْإِيلَاءِ. (وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْمُعَلَّقِ تَقْدِيمُ كَفَّارَتِهِ قَبْلَ لُزُومِهِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ امْرَأَتِي عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ فَعَلْت كَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 427 لَا تُجْزِئُهُ كَفَّارَتُهُ قَبْلَ حِنْثِهِ كَحَلِفِهِ بِالطَّلَاقِ لَوْ فَعَلَ كَذَا لَا يُجْزِئُهُ تَقْدِيمُ طَلَاقِهِ عَلَى حِنْثِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ فِي الظِّهَارِ أَوْضَحُ لِأَنَّ طَلَاقَهُ يَجِبُ بِحِنْثِهِ وَالْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ بِحِنْثِهِ فِي الظِّهَارِ. (وَصَحَّ مِنْ رَجْعِيَّةٍ وَمُدَبَّرَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَصِحُّ ظِهَارُ الرَّجْعِيَّةِ وَالْمُدَبَّرَةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ أَوْ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ أَوْ مِنْ مُدَبَّرَتِهِ فَهُوَ مُظَاهِرٌ. وَفِيهَا أَيْضًا: مَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ صَغِيرَةٌ أَوْ مُحْرِمَةٌ أَوْ حَائِضٌ أَوْ رَتْقَاءُ أَوْ كِتَابِيَّةٌ لَزِمَهُ وَكَفَّارَتُهُ مِنْهُنَّ سَوَاءٌ (وَمَجُوسِيٍّ أَسْلَمَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَالْمَجُوسِيَّانِ إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ ثُمَّ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ طَلَّقَ مَكَانَهُ ثُمَّ أَسْلَمَتْ بِقُرْبِ إسْلَامِهِ فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ الَّذِي ظَاهَرَ فِيهِ أَوْ طَلَّقَ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ لَوْ لَمْ يُطَلِّقْ عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَلَا تَجْدِيدَ نِكَاحٍ مِنْ ذِي قَبْلُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ لِأَنَّهَا قَبْلَ إسْلَامِهَا غَيْرُ زَوْجَةٍ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْلَى لِأَنَّ إسْلَامَهَا بِالْقُرْبِ يُقِرُّ نِكَاحَهَا الْأَوَّلَ بِغَيْرِ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ فَكَأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَقَعْ (وَرَتْقَاءَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يَصِحُّ ظِهَارُ الْعَاجِزِ عَنْ الْوَطْءِ لِمَانِعٍ فِيهَا أَوْ فِيهِ كَالرَّتْقَاءِ وَالْمَجْبُوبِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يَصِحُّ (لَا مُكَاتَبَةٍ وَلَوْ عَجَزَتْ عَلَى الْأَصَحِّ) الْجَلَّابُ: لَا يَلْزَمُ الظِّهَارُ فِي الْمُكَاتَبَةِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ تَظَاهَرَ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ لَزِمَهُ، وَكَذَا إنْ عَجَزَتْ. وَهَذَا عِنْدِي غَلَطٌ وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْمَجُوسِيَّةَ تُسْلِمُ وَالْمُكَاتَبَةُ تَعْجِزُ. اُنْظُرْهُ فِيهِ (وَفِي صِحَّتِهِ مِنْ كَمَجْبُوبٍ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: انْعِقَادُهُ مِنْ مُتَعَذِّرِ الْوَطْءِ كَالْمَجْبُوبِ وَالْمُعْتَرِضِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي قَوْلَانِ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِسَحْنُونٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ تَخْرِيجُ اللَّخْمِيِّ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (وَصَرِيحُهُ بِظَهْرٍ مُؤَبَّدٍ تَحْرِيمُهَا) ابْنُ شَاسٍ: الصِّيغَةُ مَا فِيهِ ظَهْرٌ مُؤَبَّدَةُ التَّحْرِيمِ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ عَمَّتِي. وَكِنَايَةُ الظَّاهِرَةِ مَا سَقَطَ فِيهِ إحْدَاهُمَا كَأُمِّي أَوْ كَظَهْرِ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ. وَالْخَفِيَّةُ كَاسْقِنِي الْمَاءَ مُرَادًا بِهِ الظِّهَارَ (أَوْ عُضْوِهَا) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: إنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَرَأْسِ أُمِّي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 428 أَوْ كَقَدَمِهَا فَهُوَ مُظَاهِرٌ أَوْ ظَهْرِ ذَكَرٍ. ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَغُلَامِي فَهُوَ مُظَاهِرٌ (وَلَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ) . ابْنُ شَاسٍ: الصَّرِيحُ إنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ الْخِلَافَ اُنْظُرْهُ فِيهِ (وَهِيَ يُؤْخَذُ بِالطَّلَاقِ مَعَهُ إذَا نَوَاهُ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ كَأَنْتِ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي تَأْوِيلَانِ) . ابْنُ رُشْدٍ: الْفَرْقُ بَيْنَ صَرِيحِهِ وَكِنَايَتِهِ يَصْدُقُ إذَا أَرَادَ بِمَا هُوَ كِنَايَةُ الطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا بِالْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ صَرِيحِهِ لَا يَصْدُقُ فِي إرَادَتِهِ الطَّلَاقَ بِهِ إنْ حَضَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ، فَيُؤْخَذُ بِالطَّلَاقِ لِإِقْرَارِهِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ. ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلًا آخَرَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَكُونُ ظِهَارًا لَا طَلَاقًا وَإِنْ نَوَاهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ: وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِثْلُ أُمِّي مُظَاهِرٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِلْحَرَامِ مَخْرَجًا حِينَ قَالَ مِثْلُ أُمِّي وَلَا تَحْرُمُ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَأَرَادَ مُجَرَّدَ الطَّلَاقِ أَوْ مُجَرَّدَ الظِّهَارِ كَانَ مَا نَوَى (وَكِنَايَتُهُ كَأُمِّي) تَقَدَّمَ أَنَّ مَا سَقَطَ فِيهِ ظَهْرٌ فَهُوَ كِنَايَةٌ كَأُمِّي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 (أَوْ أَنْتِ أُمِّي) سَمِعَ عِيسَى: مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ أُمِّي فَهُوَ مُظَاهِرٌ (إلَّا لِقَصْدِ الْكَرَامَةِ) . ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا إنْ قَالَ كَعَيْنِ أُمِّي أَوْ وَجْهِهَا أَوْ كَأُمِّي وَأَرَادَ الْكَرَامَةَ فَلَيْسَ بِظِهَارٍ وَإِنْ قَصَدَ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ (أَوْ كَظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مِنْ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ التَّشْبِيهَ بِظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ (وَنَوَى فِيهِ فِي الطَّلَاقِ بِالْبَتَاتِ) ابْنُ شَاسٍ: الْكِنَايَةُ الظَّاهِرَةُ ظِهَارٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّحْرِيمَ فَتَكُونُ عَلَيْهِ حَرَامًا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ شَيْئًا لَا طَلَاقًا وَلَا ظِهَارًا (كَانَتْ كَفُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَفُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الظَّهْرَ فَهِيَ الْبَتَاتُ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ مُسْتَفْتِيًا) . ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا وَقَالَ أَرَدْت بِهِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ الظِّهَارَ صُدِّقَ (أَوْ كَأَبِي أَوْ غُلَامِي) . ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَأَبِي أَوْ غُلَامِي ظِهَارٌ (أَوْ كَكُلِّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ الْكِتَابُ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ رَبِيعَةُ: مَنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ كُلِّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ الْكِتَابُ مُظَاهِرٌ (وَلَزِمَ بِكُلِّ كَلَامٍ نَوَاهُ بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كُلُّ كَلَامٍ نَوَى بِهِ الظِّهَارَ ظِهَارٌ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ " أَوْ عُضْوِهَا " (لَا بِإِنْ وَطِئْتُك وَطِئْتُ أُمِّي وَلَا أَعُودُ لِمَسِّك حَتَّى أَمَسَّ أُمِّي أَوْ لَا أُرَاجِعُك حَتَّى أُرَاجِعَ أُمِّي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) سَمِعَ يَحْيَى بْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ لَا أَعُودُ لِمَسِّك حَتَّى أَمَسَّ أُمِّي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ كَمَنْ قَالَ لَا أَمَسُّ امْرَأَتِي أَبَدًا. ابْنُ عَرَفَةَ: اُنْظُرْ هَلْ هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ إنْ وَطِئْتُك فَقَدْ وَطِئْتُ أُمِّي. نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ. قَالَ مَالِكٌ فِي امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَاَللَّهِ لَا أُرَاجِعُهَا حَتَّى أُرَاجِعَ أُمِّي، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ فَعَلَ إلَّا كَفَّارَةَ الْيَمِينِ. (وَتَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ إنْ عَادَ ثُمَّ ظَاهَرَ) . ابْنُ شَاسٍ: لَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الظِّهَارِ عَلَى وَاحِدَةٍ مُتَوَالِيًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ نَوَى تَكْرَارَ الظِّهَارِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. الْبَاجِيُّ: وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ الْأُولَى بِالْوَطْءِ، فَلَوْ وَطِئَ ثُمَّ ظَاهَرَ مِنْهَا مَرَّةً أُخْرَى فَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ (أَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ مَنْ دَخَلَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ مَنْ دَخَلَتْ مِنْكُنَّ هَذِهِ الدَّارَ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَدَخَلْنَهَا كُلُّهُنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ أَمْ أَرْبَعٌ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةً بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ أَيَّتُكُنَّ كَلَّمْتُهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 فَهِيَ عَلَى كَظَهْرِ أُمِّي، عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ بِانْفِرَادِهَا ظِهَارٌ وَكَذَا مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْكُنَّ. ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا (أَوْ كُلُّ مَنْ دَخَلَتْ) . الْبَاجِيُّ: مَنْ قَالَ إنْ دَخَلْتُنَّ الدَّارَ فَأَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَلَا يَلْزَمُهُ فِي جَمِيعِهِنَّ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ دَخَلَتْهَا إحْدَاهُنَّ ثَبَتَ حُكْمُ ظِهَارِهِ فِي جَمِيعِهِنَّ. وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَنْ دَخَلَتْ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ كَقَوْلِهِ مَنْ دَخَلَتْ مِنْكُنَّ (أَوْ أَيَّتُكُنَّ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا بِهَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 قَبْلَ قَوْلِهِ: " أَوْ كُلُّ مَنْ دَخَلَتْ ". (إلَّا إنْ تَزَوَّجْتُكُنَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ إنْ تَزَوَّجْتُكُنَّ فَأَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً لَزِمَهُ الظِّهَارُ وَلَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَإِنْ كَفَّرَ فَتَزَوَّجَ الْبَوَاقِيَ فَلَا ظِهَارَ عَلَيْهِ فِيهِنَّ (أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي قَالَ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُهُ. فَقِيلَ لَهُ: أَفَرَأَيْت إنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْك فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَالَ؛ تُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ عَلَيْكِ أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَيْكِ. ابْنُ رُشْدٍ: مِثْلُ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَجْهُهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا هِيَ لِمَا لَفَظَ بِهِ مِنْ الْقَوْلِ الْمُنْكَرِ فَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: لَيْسَ هَذَا بِوَجْهٍ بَيِّنٍ وَإِنَّمَا الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ إنَّمَا قَصَدَ إلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ التَّزْوِيجِ أَبَدًا أَوْ مِنْ التَّزْوِيجِ عَلَى امْرَأَتِهِ بِالظِّهَارِ وَالظِّهَارُ يَمِينٌ يُكَفَّرُ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا أَوْ لَا أَتَزَوَّجُ عَلَى امْرَأَتِي أَبَدًا (أَوْ ظَاهَرَ مِنْ نِسَائِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ظَاهَرَ مِنْ نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُهُ. زَادَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: فَإِنْ جَهِلَ وَظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةً فَصَامَ عَنْ إحْدَاهُنَّ أَجْزَأَهُ عَنْ جَمِيعِهِنَّ. ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا (أَوْ كَرَّرَهُ وَعَلَّقَهُ بِمُتَّحِدٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كَفَّارَاتٍ فَتَلْزَمُهُ وَلَهُ الْمَسُّ بَعْدَ وَاحِدَةٍ عَلَى الْأَرْجَحِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي قَالَ ذَلِكَ لَهَا مِرَارًا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي غَيْرِ شَيْءٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فِي أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ بِالظِّهَارِ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ ثُمَّ يَحْلِفُ بِهِ إنْ لَبِسَ هَذَا الثَّوْبَ ثُمَّ يَحْلِفُ بِهِ إنْ أَكَلَ هَذَا الطَّعَامَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ لِأَنَّ هَذِهِ أَشْيَاءُ مُخْتَلِفَةٌ فَصَارَتْ أَيْمَانًا بِالظِّهَارِ مُخْتَلِفَةً. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَنْوِي بِقَوْلِهِ الظِّهَارَ ثَلَاثًا، فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ فَتَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ مِثْلَ مَا لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَنْوِي بِذَلِكَ ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إنْ حَنِثَ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَلَا يَطَأُ حَتَّى يُؤَدِّيَ ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَفَّرَ كَفَّارَةً وَاحِدَةً حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ وَالْبَاقِي إنَّمَا هُوَ كَطَعَامٍ نَذَرَهُ. وَلَوْ وَطِئَ ثُمَّ مَاتَ وَأَوْصَى بِهَذِهِ الْكَفَّارَةِ وَضَاقَ الثُّلُثُ فَإِنَّ وَاحِدَةً تَبْدَأُ كَفَّارَةُ عَلَيْهَا الظِّهَارِ وَالِاثْنَتَانِ تَبْدَأُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا نُذُورٌ. وَنَحْوُ هَذَا عَنْ أَبِي عِمْرَانَ وَابْنُ يُونُسَ وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (وَحَرُمَ قَبْلَهَا الِاسْتِمْتَاعُ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَمْنَعُ الظِّهَارُ وَطْءَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا اتِّفَاقًا، وَفِي وُجُوبِ تَرْكِ الِاسْتِمْتَاعِ بِغَيْرِ الْوَطْءِ وَاسْتِحْبَابِهِ قَوْلَانِ. ابْنُ رُشْدٍ: أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُظَاهِرَ لَا يُقَبِّلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 وَلَا يُبَاشِرُ وَلَا يَحْبِسُ حَتَّى يُكَفِّرَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ (وَعَلَيْهَا مَنْعُهُ وَوَجَبَ إنْ خَافَتْهُ رَفْعُهَا لِلْحَاكِمِ وَجَازَ كَوْنُهُ مَعَهَا إنْ أُمِنَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ فَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَيَجِبَ عَلَيْهَا أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَإِنْ خَشِيَتْ مِنْهُ رَفَعَتْهُ إلَى الْإِمَامِ وَيُؤَدِّبُهُ وَلَا يُقَبِّلُ وَلَا يُبَاشِرُ وَلَا يَلْمِسُ، وَجَازَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِهَا وَقَدْ يَنْظُرُ غَيْرَهُ إلَيْهِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا فِي بَيْتٍ وَيَدْخُلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنٍ إذَا كَانَ يُؤْمَنُ مِنْ نَاحِيَتِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْكَفَّارَةِ دَخَلَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ (وَسَقَطَ إنْ تَعَلَّقَ وَلَمْ يَتَنَجَّزْ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَبَانَتْ مِنْهُ وَدَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهَا وَهِيَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ تَحْتَهُ عَادَ عَلَيْهِ الظِّهَارُ إلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا أَوَّلًا أَلْبَتَّةَ فَإِنَّ الظِّهَارَ يَسْقُطُ عَنْهُ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ وَلَوْ كَانَ إنَّمَا ظَاهَرَ مِنْهَا عَلَى غَيْرِ يَمِينٍ ثُمَّ أَبَتَّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، فَهَذَا إنْ نَكَحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ عَادَ إلَيْهِ الظِّهَارُ وَلَمْ يَطَأْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ (أَوْ تَأَخَّرَ كَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 440 مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ تَحْتَهُ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي طَلُقَتْ أَلْبَتَّةَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ ظِهَارٌ إنْ تَزَوَّجَهَا، لِأَنَّ الظِّهَارَ وَقَعَ وَهِيَ لَيْسَتْ لَهُ بِامْرَأَةٍ كَقَوْلِهِ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. اللَّخْمِيِّ: لَوْ جَمَعَ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَقَدَّمَ الطَّلَاقَ لَمْ يَلْزَمْهُ الظِّهَارُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: بِخِلَافِ نَسَقِ طَلَاقٍ عَلَى طَلَاقٍ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّانِيَ مِثْلُ الْأَوَّلِ وَالظِّهَارُ مَعْنًى آخَرُ. (لَا إنْ تَقَدَّمَ أَوْ صَاحَبَ كَإِنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُسْقِطُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ الظِّهَارَ تَقَدَّمَهُ أَوْ صَاحَبَهُ مِثْلَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. مِنْ ابْنِ يُونُسَ قُلْت فِيمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ. ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ وَقَعَا بِالْعَقْدِ مَعًا فَلَزِمَاهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَاَلَّذِي قَدَّمَ الظِّهَارَ فِي لَفْظِهِ أَبْيَنُ عِنْدِي. قَالَ غَيْرُهُ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَبِدُخُولِ الدَّارِ وَقَعَ الْحِنْثُ فِي الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ مَعًا فَلَزِمَاهُ. (وَإِنْ عُرِضَ عَلَيْهِ نِكَاحُ امْرَأَةٍ فَقَالَ هِيَ أُمِّي فَظِهَارٌ) الْبَاجِيُّ: مَنْ ذُكِرَ لَهُ نِكَاحُ امْرَأَةٍ فَقَالَ هِيَ أُمِّي مُظَاهِرٌ إنْ تَزَوَّجَهَا لِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى مَا عُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ زَوَاجِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ فَعَلْتُ فَهِيَ أُمِّي، وَلَوْ أَرَادَ وَصْفَهَا بِالْكِبَرِ لَمْ يَلْزَمْهُ ظِهَارٌ (وَتَجِبُ بِالْعَوْدِ وَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 442 تُجْزِئُ قَبْلَهُ وَتَتَحَتَّمُ بِالْوَطْءِ وَهَلْ هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ مَعَ الْإِمْسَاكِ تَأْوِيلَانِ وَخِلَافٌ) ابْنُ عَرَفَةَ إنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْعَوْدِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ السِّتَّةِ وَأَجْرَاهَا عَلَى الْقِيَاسِ وَأَتْبَعُهَا لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْعَوْدَةَ هِيَ إرَادَةُ الْوَطْءِ مَعَ اسْتِدَامَةِ الْعِصْمَةِ، فَمَتَى انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَأَمَّا لَوْ وَطِئَ وَلَوْ نَاسِيًا فَلَا تَسْقُطُ. اُنْظُرْ الْخِلَافَ فِي التَّنْبِيهَاتِ. (وَسَقَطَتْ إنْ لَمْ يَطَأْ بِطَلَاقِهَا وَمَوْتِهَا) ابْنُ زَرْقُونٍ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ: إذَا أَجْمَعَ عَلَى الْوَطْءِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ مَاتَتْ أَوْ طَلَّقَهَا. وَعَلَى قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ إذَا أَجْمَعَ عَلَى الْوَطْءِ مَعَ اسْتِدَامَةِ الْعِصْمَةِ إنْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بِطَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ عَمِلَ بَعْضُهَا سَقَطَ سَائِرُهَا (وَهَلْ تُجْزِئُ إنْ أَتَمَّهَا تَأْوِيلَانِ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا وَقَدْ عَمِلَ فِي الْكَفَّارَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ تَمَامُهَا وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا. ابْنُ نَافِعٍ: وَإِنْ أَتَمَّهَا أَجْزَأَهُ إذَا أَرَادَ الْعَوْدَةَ قَبْلَ الطَّلَاقِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا. اُنْظُرْ قَبْلَ تَرْجَمَةِ الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. (وَهِيَ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَعْرُوفُ انْحِصَارُ الْكَفَّارَةِ فِي الْعِتْقِ ثُمَّ الصَّوْمِ إنْ تَعَذَّرَ الْعِتْقُ ثُمَّ الْإِطْعَامُ إنْ تَعَذَّرَ الصَّوْمُ (لَا جَنِينٍ وَعَتَقَ بَعْدَ وَضْعِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ عَنْ ظِهَارِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَيُعْتَقُ إذَا وَضَعَتْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 (وَمُنْقَطِعٍ خَبَرُهُ) ابْنُ شَاسٍ: الْعَبْدُ الْغَائِبُ الْمُنْقَطِعُ الْخَبَرِ لَا يُجْزِئُ (مُؤْمِنَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُجْزِئُ فِي الظِّهَارِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ سَلِيمَةٌ، وَلَا يُجْزِئُ أَقْطَعُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الْأُصْبُعَيْنِ أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 الْأُصْبُعِ أَوْ الْإِبْهَامِ أَوْ الْأُذُنَيْنِ أَوْ أَشَلَّ أَوْ أَجْذَمَ أَوْ أَبْرَصَ أَوْ أَصَمَّ أَوْ مَجْنُونٍ وَإِنْ أَفَاقَ أَحْيَانَا وَلَا أَخْرَسَ وَلَا أَعْمَى وَلَا مَفْلُوجَ وَلَا يَابِسَ الشِّقِّ (وَفِي الْأَعْجَمِيِّ تَأْوِيلَانِ وَفِي الْوَقْفِ، حَتَّى يُسْلِمَ قَوْلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى أَعْجَمِيًّا فَأَعْتَقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ ضَيْفِ النَّفَقَةِ فَأَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ، وَمَنْ صَلَّى وَصَامَ أَحَبُّ إلَيَّ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يُجْزِئُ الْأَعْجَمِيُّ الَّذِي يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَلَا يَطَأُ هَذَا الَّذِي أَعْتَقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ حَتَّى يُسْلِمَ. وَقُلْت أَنَا: بَلْ لَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ حِينَ أَعْتَقَهُ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ لَأَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ عَلَى دِينِ مَنْ اشْتَرَاهُ. اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ (سَلِيمَةٍ مِنْ قَطْعِ أُصْبُعٍ وَعَمًى وَبَكَمٍ وَجُنُونٍ وَإِنْ قَلَّ) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " مُؤْمِنَةٍ " (وَمَرَضٍ يُشْرِفُ) عَدَّ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا تُجْزِئُ: الْهَرَمَ الْعَاجِزَ وَالْمَرَضَ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ (وَقَطْعِ أُذُنَيْنِ وَصَمَمٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " مُؤْمِنَةٍ " (وَهَرَمٍ وَعَرَجٍ شَدِيدَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُجْزِئُ عِتْقُ الْأَعْرَجِ فِي الْكَفَّارَاتِ إذَا كَانَ عَرَجًا خَفِيفًا. وَتَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا يُجْزِئُ الْهَرَمُ الْعَاجِزُ (وَجُذَامٍ وَبَرَصٍ وَفَلَجٍ) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " مُؤْمِنَةٍ " (بِلَا شَوْبِ عِوَضٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: هِيَ رَقَبَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ شَوَائِبِ الْعِتْقِ وَالْعِوَضِ (لَا مُشْتَرًى لِلْعِتْقِ مُحَرَّرَةٍ لَا مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 يُجْزِئُهُ أَنْ يَعْتِقَ عَنْ ظِهَارٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ رَقَبَةً يَشْتَرِيهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرَقَبَةٍ عَامَّةٍ لِمَا وُضِعَ لَهُ مِنْ ثَمَنِهَا لِشَرْطِ الْعِتْقِ فِيهَا وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُعْتِقَ مُدَبَّرًا وَلَا مُكَاتَبًا وَلَا عَبْدًا قَالَ: إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ فَلَا يُجْزِئُهُ عِتْقُهُ عَنْ ظِهَارِهِ صَارَ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ أَوْ بِهِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا رَقَبَةٌ يَمْلِكُهَا مِنْ قَبْل أَنْ تُعْتَقَ عَلَيْهِ (وَفِي إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي تَأْوِيلَانِ) ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي فَاشْتَرَاهُ فَهُوَ يُجْزِئُهُ عَنْ ظِهَارِهِ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ عِتْقٌ إلَّا لِلظِّهَارِ. الْبَاجِيُّ: بِخِلَافِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي " إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ " فَاشْتَرَاهُ عَنْ ظِهَارِهِ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ لَهُ فِيهِ عِتْقٌ لَازِمٌ لِغَيْرِ الظِّهَارِ. ابْنُ يُونُسَ: الْمَسْأَلَتَانِ سَوَاءٌ. اُنْظُرْهُ فِي تَرْجَمَةٍ فِي الْعِتْقِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ (وَالْعِتْقِ لَا مُدَبَّرٍ وَمُكَاتَبٍ وَنَحْوِهِمَا) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ " أَوْ عِتْقٍ " وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ هِيَ رَقَبَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ شَوَائِبِ الْعِتْقِ وَالْعِوَضِ. الْمُدَوَّنَةُ: فَلَا يُعْتِقُ عَنْ ظِهَارِهِ مُدَبَّرًا وَلَا مُكَاتَبًا (أَوْ أَعْتَقَ نِصْفًا فَكَمَّلَ عَلَيْهِ وَأَعْتَقَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَعْتَقَ عَنْ ظِهَارِهِ نِصْفَ عَبْدٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ثُمَّ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَابْتَاعَ بَاقِيهِ فَأَعْتَقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ لَمْ يُجْزِهِ لِتَبْعِيضِ الْعِتْقِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ظِهَارٌ كَانَ لَهُ مِلْكُ بَاقِيهِ. وَلَوْ أَعْتَقَ نِصْفَهُ عَنْ ظِهَارِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَقَوَّمَ عَلَيْهِ بَقِيَّتَهُ وَنَوَى بِهِ الظِّهَارَ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُ عَلَيْهِ عِتْقَ بَقِيَّتِهِ (أَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثًا عَنْ أَرْبَعٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثًا عَنْ أَرْبَعٍ لَمْ يُجْزِهِ مِنْهُنَّ شَيْءٌ (وَيُجْزِئُ أَعْوَرُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَجَازَ مَالِكٌ عِتْقَ الْأَعْوَرِ (وَمَغْصُوبٌ) ابْنُ شَاسٍ: عِتْقُ الْمَغْصُوبِ يُجْزِئُ اُنْظُرْ فِي الضَّحَايَا قَبْلَ قَوْلِهِ " وَمُنِعَ الْبَيْعُ " (وَمَرْهُونٌ وَجَانٍ إنْ افْتَدَيَا) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا عِتْقُ الْمَرْهُونِ وَالْجَانِي إنْ جَوَّزْنَاهُ فَيُجْزِئُ (أَوْ مَرَضٍ وَعَرَجٍ خَفِيفَيْنِ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَمَرَضٍ يُشْرِفُ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ " وَعَرَجٍ شَدِيدٍ " (وَأُنْمُلَةٍ وَجَدْعٍ فِي أُذُنٍ) مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 446 الْمُدَوَّنَةِ: يُجْزِئُ الْعَيْبُ الْخَفِيفُ كَجَدْعٍ فِي أُذُنٍ وَقَطْعٍ فِي أُنْمُلَةٍ (وَعِتْقُ الْغَيْرِ عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ إنْ عَادَ وَرَضِيَهُ) سُئِلَ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ الرَّجُلِ يُعْتِقُ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ظِهَارٍ لَزِمَهُ قَالَ: تُجْزِئُهُ. قِيلَ لَهُ: لِمَ أَجْزَأَتْهُ وَهُوَ لَمْ يُرِدْ الْعَوْدَةَ؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُرَاعِي نِيَّةَ الْعَوْدَةِ. قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت لَوْ لَمْ يَرْضَ بِالْعِتْقِ؟ قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الظِّهَارِ. اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ وَانْظُرْ فِيهِ أَيْضًا هَلْ ذَلِكَ مِثْلُ مَنْ أَدَّى عَنْ رَجُلٍ زَكَاةً لَزِمَتْهُ (وَكُرِهَ الْخَصِيُّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُعْجِبُنِي الْخَصِيُّ فِي الْكَفَّارَاتِ. (وَنُدِبَ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَصُومَ) . الرِّسَالَةُ: مَنْ صَلَّى وَصَامَ أَحَبُّ إلَيْنَا (ثُمَّ لِمُعْسِرٍ عَنْهُ وَقْتَ الْأَدَاءِ لَا قَادِرٍ وَإِنْ بِمِلْكٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِكَمَرَضٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ بِمِلْكِ رَقَبَةٍ فَقَطْ ظَاهَرَ مِنْهَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ) . ابْنُ شَاسٍ: لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى الصِّيَامِ إلَّا لِمَنْ عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ظَاهَرَ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا خَادِمَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ دَارٌ لَا فَضْلَ فِيهَا أَوْ عَرَضُ ثَمَنِ رَقَبَةٍ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْعِتْقِ. وَمَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ اعْتِبَارُ عَجْزِهِ وَقْتَ الْأَدَاءِ مُطْلَقًا لَا وَقْتَ الْوُجُوبِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: شَرْطُ الصَّوْمِ الْعَجْزُ عَنْ الْعِتْقِ وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى مَا بِيَدِهِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لِمَنْصِبِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَلَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَةٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا أَجْزَأَتْهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الصَّوْمِ اتِّفَاقًا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. قِيلَ لِأَبِي عِمْرَانَ: كَيْفَ أَجْزَأَهُ عِتْقُهَا وَهُوَ يُحَرِّمُ وَطْأَهَا؟ قَالَ: نِيَّةُ عَوْدَتِهِ الْوَطْءَ تُوجِبُ كَفَّارَتَهُ وَإِنَّمَا يُضَعِّفُ هَذَا مَنْ لَا يَعْلَمُ مَا لِلسَّلَفِ (بِالْهِلَالِ مَنْوِيِّ التَّتَابُعِ وَالْكَفَّارَةِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الصِّيَامُ شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ إنْ بَدَأَهُمَا بِالْأَهِلَّةِ أَجْزَأَ وَلَوْ قَصْرًا عَنْ سِتِّينَ يَوْمًا وَشَرْطُ مَا بِهِ الْكَفَّارَةُ نِيَّةٌ كَقَوْلِهِ وَفِي الصَّوْمِ نِيَّةُ تَتَابُعِهِ أَوَّلَهُ (وَتُمِّمَ الْأَوَّلُ إنْ انْكَسَرَ مِنْ الثَّالِثِ) الشَّيْخُ عَنْ الْمَذْهَبِ: لَوْ ابْتَدَأَ بِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ أَكْمَلَ الْمُبْتَدَأَ ثَلَاثِينَ لَا بِقَدْرِ مَا فَاتَ مِنْهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ (وَلِلسَّيِّدِ الْمَنْعُ إنْ أَضَرَّ بِخِدْمَتِهِ وَلَمْ يُؤَدِّ خَرَاجَهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ عِتْقٌ وَلَا إطْعَامٌ وَهُوَ فِي الصَّوْمِ كَالْحُرِّ إنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَلَا يَمْنَعُهُ سَيِّدُهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ وَلَا مَنَعَهُ خَرَاجَهُ وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَالْعَبْدُ إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ، فَإِنْ مَنَعَهُ السَّيِّدَ وَكَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِهِ بَقِيَ عَلَى ظِهَارِهِ حَتَّى يَجِدَ سَبِيلًا إلَى الصِّيَامِ. قَالَ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ: لَا يَدْخُلُ عَلَى الْعَبْدِ إيلَاءٌ فِي ظِهَارِهِ (وَتَعَيَّنَ لِذِي الرِّقِّ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: الْعَبْدُ فِي الصَّوْمِ كَالْحُرِّ إنْ قَوِيَ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُجْزِئُهُ الْعِتْقُ وَإِنْ أَذِنَ سَيِّدُهُ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَكُونُ لَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَطْعَمَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ سَيِّدَهُ لَوْ كَفَّرَ عَنْهُ بِالطَّعَامِ أَوْ رَجُلٌ كَفَّرَ عَنْ صَاحِبٍ لَهُ بِالطَّعَامِ بِإِذْنِهِ أَجْزَأَهُ وَلَكِنْ لَا يُطْعِمُ مَنْ قَدَرَ أَنْ يَصُومَ (وَلِمَنْ طُولِبَ بِالْفَيْئَةِ وَقَدْ الْتَزَمَ عِتْقَ مَنْ يَمْلِكُهُ لِعَشْرِ سِنِينَ) . ابْنُ شَاسٍ: مَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إلَى عَشَرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 447 سِنِينَ حُرٌّ ثُمَّ لَزِمَهُ ظِهَارٌ وَهُوَ مُوسِرٌ فَطَالَبَتْهُ امْرَأَتُهُ فَفَرْضُهُ الصَّوْمُ، وَلَوْ لَمْ تُطَالِبْهُ لَمَا أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ وَصَبَرَ لِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ فَأَعْتَقَ (وَإِنْ أَيْسَرَ فِيهِ تَمَادَى إلَّا أَنْ يُفْسِدَهُ وَنُدِبَ الْعِتْقُ فِي كَالْيَوْمَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ أَنْ أَخَذَ فِي الصَّوْمِ أَوْ الْإِطْعَامِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ صَامَ الْيَوْمَيْنِ وَنَحْوَهُمَا أَحْبَبْتُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْعِتْقِ وَلَا أُوجِبُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَامَ أَيَّامًا فَمَا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلْيَمْضِ عَلَى صَوْمِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلِابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ صَامَ لِظِهَارِهِ لِعَدَمٍ فَأَفْسَدَهُ بِوَطْءِ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَلَمْ يُجْزِهِ صَوْمٌ (وَلَوْ تَكَلَّفَهُ الْمُعْسِرُ جَازَ) . ابْنُ شَاسٍ: لَوْ تَكَلَّفَ الْمُعْسِرُ الْإِعْتَاقَ لَأَجْزَأَ عَنْهُ (وَانْقَطَعَ تَتَابُعُهُ بِوَطْءِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: وَطْءُ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَلَوْ لَيْلًا عَمْدًا أَثْنَاءَ صَوْمِهِ يُبْطِلُهُ. اللَّخْمِيِّ: وَيَخْتَلِفُ فِيهِ إنْ كَانَ نَاسِيًا كَأَكْلِهِ نَاسِيًا. وَعَنْ أَشْهَبَ: يَتَمَادَى وَيَصِلُ قَضَاءَهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَلِكَ الْإِطْعَامُ. (أَوْ وَاحِدَةٍ مِمَّنْ فِيهِنَّ كَفَّارَةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعٍ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ وَطِئَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ صَامَ شَهْرَيْنِ وَنَوَى بِصَوْمِهِ الَّتِي وَطِئَ وَأَدْخَلَ الْبَاقِيَاتِ فِي نِيَّتِهِ أَوْ نَسِيَهُنَّ فَذَلِكَ يُجْزِئُهُ عَنْهُنَّ، وَلَوْ جَامَعَ لَيْلًا فِي صَوْمِهِ غَيْرَ الَّتِي نَوَى الصَّوْمَ عَنْهَا ابْتَدَأَ لِأَنَّ صَوْمَهُ كَانَ يُجْزِئُ عَنْ جَمِيعِهِنَّ كَالْحَالِفِ بِاَللَّهِ فِي أَشْيَاءَ فَفَعَلَ أَحَدَهَا فَكَفَّارَتُهُ تُجْزِئُ عَنْ جَمِيعِهَا وَإِنْ نَوَى بِالْكَفَّارَةِ الشَّيْءَ الَّذِي حَنِثَ بِهِ نَاسِيًا لِبَاقِيهَا أَوْ ذَاكِرًا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَفَّرَ قَبْلَ حِنْثِهِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَبَعْدَ الْحِنْثِ أَحَبُّ إلَيْنَا، وَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَ حِنْثِهِ أَجْزَأَهُ كَمَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ0 فَأُخْبِرَ أَنَّ الْإِيلَاءَ عَلَيْهِ فَأَعْتَقَ إرَادَةَ إسْقَاطِ الْإِيلَاءِ فَقَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعْتِقَ بَعْدَ الْحِنْثِ وَلَوْ أَعْتَقَ قَبْلَهُ أَجْزَأَهُ وَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ (وَلَوْ لَيْلًا نَاسِيًا كَبُطْلَانِ الْإِطْعَامِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ وَطِئَ نَهَارًا غَيْرَ الَّتِي تَظَاهَرَ مِنْهَا نَاسِيًا فَلْيَقْضِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَوْمًا وَيَصِلْهُ بِصَوْمِهِ، وَإِنْ وَطِئَ الَّتِي تَظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوَّلَ الصَّوْمِ أَوْ آخِرَهُ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا ابْتَدَأَ شَهْرَيْنِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْإِطْعَامِ إذَا أَطْعَمَ لِبَعْضِ الْمَسَاكِينِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا مِسْكِينٌ ثُمَّ جَامَعَ اسْتَأْنَفَ الْإِطْعَامَ. (وَبِفِطْرِ السَّفَرِ أَوْ بِمَرَضٍ لَا إنْ لَمْ يُهِجْهُ كَحَيْضٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ سَافَرَ فِي شَهْرَيْ ظِهَارِهِ فَأَفْطَرَ فِيهَا فَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ هَيَّجَ عَلَيْهِ مَرَضَهُ وَلَوْ أَيْقَنَ أَنَّ ذَلِكَ لِغَيْرِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَهَاجَهُ السَّفَرُ لَأَجْزَأَهُ الْبِنَاءُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: فِطْرُ الْمَرَضِ وَالْحَيْضِ لَا يَقْطَعُ تَتَابُعًا وَيُوجِبُ اتِّصَالَ قَضَائِهِ تَتَابُعًا بِخِلَافِ فِطْرِ السَّفَرِ وَمَرَضِهِ لِأَنِّي أَخَافُ أَنَّهُ بِهِ (وَإِكْرَاهٍ وَظَنِّ غُرُوبٍ وَفِيهَا وَنِسْيَانٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا فِي صَوْمِ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ أَوْ نَذْرٍ مُتَتَابِعٍ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْفِطْرِ أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 448 تَقَيَّأَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ فَأَكَلَ أَوْ أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَوْ وَطِئَ نَهَارًا غَيْرَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا نَاسِيًا فَلْيَقْضِ فِي ذَلِكَ يَوْمًا وَيَصِلْهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ابْتَدَأَ الصَّوْمَ مِنْ أَوَّلِهِ. (وَبِالْعِيدِ إنْ تَعَمَّدَهُ لَا جَهِلَهُ وَهَلْ إنْ صَامَ الْعِيدَ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَإِلَّا اسْتَأْنَفَ أَوْ يُفْطِرُهُنَّ وَيَبْنِي - تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ صَامَ ذَا الْقَعْدَةِ وَذَا الْحِجَّةِ لِظِهَارٍ عَلَيْهِ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ خَطَأً لَمْ يُجْزِهِ. قَالَ مَالِكٌ: إلَّا مَنْ فَعَلَهُ بِجَهَالَةٍ وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ فَعَسَى أَنْ يُجْزِئَهُ، يُرِيدُ وَيَقْضِي أَيَّامَ النَّحْرِ الَّتِي أَفْطَرَ فِيهَا وَيَصِلُهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْتَدِئَ. وَنَقَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ أَفْطَرَ يَوْمَ النَّحْرِ وَصَامَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ رَجَوْت أَنْ يُجْزِئَهُ. وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ قَوْلِهِ " وَأَفْطَرَ أَيَّامَ النَّحْرِ ". قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: لِأَنَّ صَوْمَ هَذِهِ الْأَيَّامِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْكَاتِبِ: مَعْنَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ صَامَ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَيَقْضِيهَا وَيَبْنِي، وَأَمَّا لَوْ أَفْطَرَهَا لَمْ يُجْزِهِ الْبِنَاءُ لِأَنَّهُ صَوْمٌ غَيْرُ مُتَوَالٍ. ابْنُ يُونُسَ: فَصَارَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ يُجْزِيهِ الْبِنَاءُ وَأَنْ يُفْطِرَ أَيَّامَ النَّحْرِ كُلَّهَا، وَقَوْلٌ لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَصُومَهَا كُلَّهَا وَيَقْضِيَهَا وَيَبْنِي وَهَذَا أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي حَمْلِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَفْطَرَ أَيَّامَ النَّحْرِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ أَفْطَرَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَطْ. ثَالِثُهَا عَلَى أَنَّهُ صَامَ أَيَّامَ النَّحْرِ كُلَّهَا لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَابْنِ الْقَصَّارِ وَابْنِ الْكَاتِبِ (وَجَهْلُ رَمَضَانَ كَالْعِيدِ عَلَى الْأَرْجَحِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ صَامَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ يَنْوِي بِهِمَا الظِّهَارَ وَيُرِيدُ أَنْ يَقْضِيَ رَمَضَانَ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ لَمْ يُجْزِهِ رَمَضَانُ لِفَرْضِهِ وَلَا لِظِهَارِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا صَامَ شَعْبَانَ عَنْ ظِهَارِهِ وَرَمَضَانَ لِفَرْضِهِ وَأَكْمَلَ ظِهَارَهُ بِصَوْمِ شَوَّالٍ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ. فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ صَامَ ذَا الْقَعْدَةِ وَذَا الْحِجَّةِ لِظِهَارٍ عَلَيْهِ جَاهِلًا فَعَسَى أَنْ يُجْزِيَهُ. وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: إنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ كَثِيرٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْجَهَالَةَ عُذْرٌ كَالْمَرَضِ فِي غَيْرِ وَجْهٍ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ (وَبِفَصْلِ الْقَضَاءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ صَامَ لِظِهَارِهِ ثُمَّ مَرِضَ فَأَفْطَرَ فَلْيَبْنِ إذَا صَحَّ، فَإِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مُتَعَمِّدًا بَعْدَ قُوَّتِهِ عَلَى الصَّوْمِ ابْتَدَأَ (وَشُهِرَ أَيْضًا الْقَطْعُ بِالنِّسْيَانِ) . ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ لَا عُذْرَ بِتَفْرِقَةِ النِّسْيَانِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمَشْهُورُ لَا يَنْقَطِعُ بِالْخَطَأِ وَالسَّهْوِ. (فَإِنْ لَمْ يَدْرِ بَعْدَ صَوْمِ أَرْبَعَةٍ عَنْ ظِهَارَيْنِ فِي مَوْضِعِ يَوْمَيْنِ صَامَهُمَا وَقَضَى شَهْرَيْنِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ صَامَ عَنْ ظِهَارَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَذَكَرَ قَبْلَ فَرَاغِهِ يَوْمَيْنِ لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هُمَا يَصُومُ يَوْمَيْنِ وَيَأْتِي بِشَهْرَيْنِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا قَادِرٌ عَلَى إصْلَاحِهَا بِإِتْيَانِ مَا شَكَّ فِيهِ مِنْهُمَا عَلَى أَصْلِهِ فِيمَنْ ذَكَرَ سَجْدَةً آخِرِ صَلَاتِهِ لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ رَكْعَةٍ هِيَ فَيَأْتِي بِسَجْدَةٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا مِنْ الْأَخِيرَةِ وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ (وَإِنْ لَمْ يَدْرِ اجْتِمَاعَهُمَا صَامَهُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 وَالْأَرْبَعَةَ) . ابْنُ رُشْدٍ: التَّتَابُعُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَرْضٌ فَلَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي تَفْرِقَتِهَا بِالنِّسْيَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ، فَإِنْ صَامَ عَنْ ظِهَارَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَذَكَرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ يَوْمَيْنِ وَشَكَّ هَلْ أَحَدُ الْيَوْمَيْنِ مِنْ الْأُولَى وَالثَّانِي مِنْ الثَّانِيَةِ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ: يَصُومُ يَوْمًا وَاحِدًا يَصِلُهُ بِصَوْمِهِ وَيَأْتِي بِشَهْرَيْنِ. (ثُمَّ تَمْلِيكُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ الْإِطْعَامِ الْعَجْزُ عَنْ الصِّيَامِ. الْجَلَّابُ: كَالْكِبَرِ. اللَّخْمِيِّ: وَضَعْفِ الْبِنْيَةِ وَالتَّعَطُّشِ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ مَعَهُ الصَّوْمُ مُعْتَبَرٌ وَمَصْرِفُهُ سِتُّونَ مِسْكِينًا كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ (أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ) قَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُ أَنْ يُطْعِمَ فِي الْكَفَّارَاتِ كُلِّهَا إلَّا حُرًّا مُسْلِمًا مِسْكِينًا. قَالَ: وَلَا يُطْعِمُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكَفَّارَاتِ أَحَدًا مِنْ قَرَابَتِهِ وَإِنْ كَانَ نَفَقَتُهُمْ لَا تَلْزَمُهُ، فَإِنْ أَطْعَمَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ أَجْزَأَهُ إنْ كَانُوا مَحَاوِيجَ. قَالَ: وَيُطْعِمُ الرَّضِيعَ مِنْ الْكَفَّارَاتِ إذَا كَانَ قَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُعْطِي مَا يُعْطِي الْكَبِيرُ، فَإِنْ كَانَ فِي يَمِينٍ بِاَللَّهِ أَعْطَى مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لِكُلٍّ مُدٌّ وَثُلُثَانِ بُرًّا وَإِنْ اقْتَاتُوا تَمْرًا أَوْ مُخْرَجًا فِي الْفِطْرِ فَعَدْلُهُ) . ابْنُ يُونُسَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الشِّبَعُ مُدَّيْنِ إلَّا ثُلُثًا بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ عِيَارٌ بِمُدِّ هِشَامٍ، فَمَنْ أَخْرَجَ بِهِ أَجْزَأَهُ. وَقَالَهُ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ كَانَ عَيْشُ بَلَدِهِمْ تَمْرًا أَوْ شَعِيرًا أَطْعَمَ مِنْهُ الظِّهَارَ عِدْلَ مُدِّ هِشَامٍ مِنْ الْبُرِّ. ابْنُ الْحَاجِبِ: الْجِنْسُ كَزَكَاةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 450 الْفِطْرِ وَإِنْ أَطْعَمَ عَنْ ظِهَارِهِ شَعِيرًا وَهُوَ يَأْكُلُ شَعِيرًا أَوْ ذُرَةً أَوْ قَمْحًا لَمْ يُجْزِهِ (وَلَا أُحِبُّ الْغَدَاءَ وَالْعَشَاءَ كَفِدْيَةِ الْأَذَى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا أُحِبُّ أَنْ يُغَدِّيَ وَيُعَشِّيَ فِي الظِّهَارِ لِأَنَّ الْغَدَاءَ وَالْعَشَاءَ لَا أَظُنُّهُ يَبْلُغُ مُدًّا بِالْهَاشِمِيِّ، وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى أَيْضًا، وَيُجْزِئُ ذَلِكَ فِيمَا سِوَاهُمَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ وَيَكُونُ مَعَ الْخُبْزِ إدَامٌ، وَإِنْ كَانَ الْخُبْزُ وَحْدَهُ وَفِيهِ عِدْلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَبِّ أَجْزَأَهُ. اهـ. نَصُّ ابْنِ يُونُسَ (وَهَلْ لَا يَنْتَقِلُ إلَّا إنْ أَيِسَ مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَى الصِّيَامِ أَوْ إنْ شَكَّ قَوْلَانِ فِيهَا وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ دَخَلَ فِي الْكَفَّارَةِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَذْكُرْ الْبَاجِيُّ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا، نَصَّهَا: مَنْ طَالَ مَرَضُهُ وَاحْتَاجَ إلَى أَهْلِهِ جَازَ لَهُ الْإِطْعَامُ وَإِنْ رَجَا الْبُرْءَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: مَنْ صَامَ عَنْ ظِهَارِهِ شَهْرًا ثُمَّ مَرِضَ وَهُوَ لَا يَجِدُ رَقَبَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ، وَإِنْ تَمَادَى بِهِ الْمَرَضُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَارٍّ وَتُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ، فَإِذَا صَحَّ صَامَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ؛ الْمَرَضَ لَا يَقْوَى صَاحِبُهُ عَلَى الصَّوْمِ بَعْدَهُ فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ. قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ: الْمَسْأَلَتَانِ سَوَاءٌ. وَفَرَّقَ ابْنُ شَبْلُونَ بَيْنَهُمَا (وَإِنْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَكَالْيَمِينِ) اُنْظُرْ فِي الْأَيْمَانِ عِنْدَ قَوْلِهِ " كَعِشْرِينَ لِكُلٍّ نِصْفٌ إلَّا أَنْ يُكْمِلَ " وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَعْطَى سِتِّينَ مُدًّا هَاشِمِيًّا لِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا لِكُلٍّ نِصْفُ مُدٍّ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ سِتِّينَ مِنْهُمْ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ نِصْفُ مُدٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ فَيُجْزِئُهُ. عِيَاضٌ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ فَاتَ مَا بِأَيْدِيهِمْ خِلَافُ مَا تَأَوَّلَهُ ابْنُ خَالِدٍ أَنَّ ظَاهِرَهَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْمُدَّيْنِ كَانَ مَا بِيَدِ كُلِّ مِسْكِينٍ قَائِمًا. اللَّخْمِيِّ: إنْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا نِصْفَ مُدٍّ نِصْفَ مُدٍّ، يُنْظَرُ هَلْ ذَلِكَ قَائِمٌ بِأَيْدِيهِمْ أَوْ أَفَاتُوهُ أَوْ غَابَ بَعْضُهُمْ، فَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِأَيْدِيهِمْ وَعَلِمَ أَنَّهَا كَفَّارَةٌ عَنْ ظِهَارٍ انْتَزَعَ مِنْ سِتِّينَ مِنْهُمْ وَأُكْمِلَتْ السِّتِّينَ. وَالِانْتِزَاعُ بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمْ أَحَقَّ بِالِانْتِزَاعِ مِنْ الْآخَرِ، فَإِنْ أَفَاتُوهُ أَكْمَلَ السِّتِّينَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَغْرَمْ مَنْ أَفَاتَ شَيْئًا. اُنْظُرْ فُرُوعًا مِنْ هَذَا فِي اللَّخْمِيِّ. وَلِابْنِ عَرَفَةَ: الْأَظْهَرُ إنْ عَلِمَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 الْآخِذُ بَعْدَ السِّتِّينَ تَعَيَّنَ رَدُّ مَا بِيَدِهِ (وَلِلْعَبْدِ إخْرَاجُهُ إنْ أَذِنَ سَيِّدُهُ) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَتَعَيَّنَ لِذِي الرِّقِّ " (وَفِيهَا أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَصُومَ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِطْعَامِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُطْعِمُ الْعَبْدُ وَالصَّوْمُ أَحَبُّ إلَيَّ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بَلْ الصَّوْمُ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَلَا يُطْعِمُ مَنْ قَدَرَ أَنْ يَصُومَ (وَهَلْ هُوَ وَهْمٌ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ أَوْ أَحَبُّ لِلْوُجُوبِ أَوْ أَحَبُّ لِلسَّيِّدِ عَدَمُ الْمَنْعِ أَوْ لِمَنْعِ السَّيِّدِ لَهُ الصَّوْمَ أَوْ عَلَى الْعَاجِزِ حِينَئِذٍ فَقَطْ تَأْوِيلَاتٌ) الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: قَوْلُ مَالِكٍ وَهْمٌ. وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ وَغَيْرُهُ: إنَّ أَحَبَّ لِلْوُجُوبِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: يَرْجِعُ أَحَبَّ إلَى السَّيِّدِ أَيْ إذْنُ السَّيِّدِ لَهُ فِي الصَّوْمِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ إذْنِهِ فِي الْإِطْعَامِ. وَحَمَلَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ عَلَى مَنْعِهِ سَيِّدَهُ الصَّوْمَ. وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: إنَّمَا قَالَ الصَّوْمُ أَحَبُّ إلَيَّ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ، فَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ يُؤَخِّرَ حَتَّى يَقْوَى عَلَيْهِ، وَعُورِضَ هَذَا بِأَنَّ مَنْ هَذَا سَبِيلُهُ فَفَرْضُهُ التَّأْخِيرُ. اُنْظُرْ التَّنْبِيهَاتِ (وَفِيهَا إنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ فِي الْيَمِينِ أَجْزَأَهُ وَفِي قَلْبِي مِنْهُ شَيْءٌ) عِبَارَةُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَمَّا إنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَجْزَأَهُ وَفِي قَلْبِي مِنْهُ شَيْءٌ وَالصِّيَامُ أَبْيَنُ عِنْدِي. (وَلَا يُجْزِئُ تَشْرِيكُ كَفَّارَتَيْنِ فِي مِسْكِينٍ) اللَّخْمِيِّ: إنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَعْبُدٍ عَنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ كَانَ الْجَوَابُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، فَإِنْ أَعْتَقَ كُلَّ رَقَبَةٍ عَنْ كُلِّ امْرَأَةٍ أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ وَنَوَى وَاحِدَةً عَنْ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ أَشْرَكَ فِي كُلِّ رَقَبَةٍ لَمْ يُجْزِهِ، وَاخْتُلِفَ إذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَلَا شَرَّكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُجْزِئُهُ وَإِنْ صَامَ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَعَيَّنَ عَنْ كُلِّ امْرَأَةٍ شَهْرَيْنِ أَوْ نَوَى بِكُلِّ شَهْرَيْنِ امْرَأَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يُعَيِّنْهَا أَجْزَأَهُ، وَإِنْ شَرَّكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ كَانَ عَلَى الِاخْتِلَافِ. وَكَذَلِكَ الْإِطْعَامُ يُجْزِئُهُ إذَا عَيَّنَ أَوْ نَوَى رَفْعَ الْإِشْرَاكِ وَلَمْ يُعَيِّنْ، وَلَا يُجْزِئُ إذَا أَشْرَكَ فِي كُلِّ مِسْكِينٍ (وَلَا تَرْكِيبُ صِنْفَيْنِ) قَالَ اللَّخْمِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: قَالَ أَشْهَبُ: إنْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةً وَأَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا فِي مَجْلِسٍ لَمْ يُجْزِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 وَانْظُرْ فِي الْأَيْمَانِ وَلَا تُجْزِئُ مُلَفَّقَةٌ (وَلَوْ نَوَى لِكُلٍّ عَدَدًا أَوْ الْجَمِيعَ كَمَّلَ وَسَقَطَ حَظُّهُ مَنْ مَاتَ وَلَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثًا عَنْ ثَلَاثٍ مِنْ أَرْبَعٍ لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً حَتَّى يُخْرِجَ الرَّابِعَةَ وَإِنْ مَاتَتْ وَاحِدَةً أَوْ طَلُقَتْ) اللَّخْمِيِّ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ عَنْ ثَلَاثٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ تَحِلَّ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى يُعْتِقَ الرَّقَبَةَ الرَّابِعَةَ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ أَوْ طَلَّقَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْ الْبَاقِيَاتِ حَتَّى يُعْتِقَ رَقَبَةً، وَلَوْ صَامَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ عَنْ ثَلَاثٍ ثُمَّ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ أَوْ طَلَّقَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى يَصُومَ شَهْرَيْنِ، وَإِنْ أَشْرَكَ فِي كُلِّ شَهْرَيْنِ وَلَيْسَ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَجْزَأَهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَسَقَطَ حَظُّ الْمَيِّتَةِ وَصَامَ شَهْرًا وَنِصْفًا. [كِتَابُ اللِّعَانِ] [بَابٌ فِي أَرْكَانِ اللِّعَانِ] ابْنُ شَاسٍ كِتَابُ اللِّعَانِ وَفِيهِ مُقَدِّمَةٌ وَثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ وَهِيَ الْقَذْفُ وَالْأَهْلُ وَاللَّفْظُ وَالثَّمَرَةُ (إنَّمَا يُلَاعِنُ زَوْجٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: اللِّعَانُ حَلِفُ زَوْجٍ عَلَى زِنَا زَوْجَتِهِ أَوْ نَفْيِ حَمْلِهَا اللَّازِمِ لَهُ وَحَلِفُهَا عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 455 تَكْذِيبِهِ إنْ أَوْجَبَ نُكُولُهَا حَدَّهَا بِحُكْمِ قَاضٍ (وَإِنْ فَسَدَ نِكَاحُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَذَفَهَا فِي النِّكَاحِ الَّذِي لَا يُقَرُّ عَلَى حَالٍ لَاعَنَ لِثُبُوتِ النَّسَبِ فِيهِ (أَوْ فَسَقَا أَوْ رُقَّا) عِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ شَرْطُ الْمُلَاعَنِ أَهْلِيَّةُ الْيَمِينِ فَيَصِحُّ اللِّعَانُ مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ مُكَلَّفَيْنِ وَإِنْ كَانَا مَمْلُوكَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا (لَا كَفَرَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: اللِّعَانُ بَيْنَ كُلِّ زَوْجَيْنِ وَلَوْ كَانَا مَمْلُوكَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ كِتَابِيَّةٌ تَحْتَ مُسْلِمٍ إلَّا الْكَافِرَيْنِ فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: لَيْسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرَةِ أَوْ الْأَمَةِ لِعَانٌ إذَا قَذَفَهَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ رُؤْيَةً فَيُلَاعِنَ، ظَهَرَ حَمْلٌ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ، لِأَنَّهُ يَقُولُ أَخَافُ أَنْ أَمُوتَ فَيَلْحَقُ بِي نَسَبُ وَلَدِهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 456 اُنْظُرْ الْبَابَ الثَّانِيَ مِنْ كِتَابِ اللِّعَانِ مِنْ اللَّخْمِيِّ (إنْ قَذَفَهَا بِزِنًا) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الْأَوَّلُ الْقَذْفُ وَهُوَ نِسْبَتُهَا إلَى وَطْءٍ حَرَامٍ فِي الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجِبُ اللِّعَانُ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ مُجْمَعٍ عَلَيْهِمَا أَنْ يَدَّعِيَ رُؤْيَةَ زِنَاهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ ثُمَّ لَمْ يَطَأْ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ يَنْفِي حَمْلًا قَبْلَهُ اسْتِبْرَاءً فِي نِكَاحِهِ (وَإِلَّا حُدَّ) الْبَاجِيُّ: لَوْ قَالَ لَهَا رَأَيْتُكِ تَزْنِي قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك حُدَّ اتِّفَاقًا (تَيَقَّنَهُ أَعْمَى) قَالَ مَالِكٌ: يُلَاعَنُ الْأَعْمَى يَقُول سَمِعْت الْحِسَّ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَقَوْلِهَا لِأَنَّ الْعِلْمَ يَقَعُ لَهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ (وَرَآهُ غَيْرُهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ (وَانْتَفَى بِهِ مَا وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِلَّا لَحِقَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ رَأَيْت امْرَأَتِي تَزْنِي وَلَمْ أُجَامِعْهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنِّي كُنْت وَطِئْتهَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فِي الْيَوْمِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ أَسْتَبْرِئْ فَإِنَّهُ يُلَاعِنُ. مَالِكٌ: وَلَا يَلْزَمُهُ مَا أَتَتْ بِهِ مِنْ وَلَدٍ. ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الرُّؤْيَةِ فَيَلْزَمُهُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فَمَرَّةً أَلْزَمَهُ وَمَرَّةً لَمْ يُلْزِمْهُ الْوَلَدَ وَمَرَّةً قَالَ يَنْفِيهِ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَحَبُّ مَا فِيهِ إلَيَّ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَوْمَ الرُّؤْيَةِ حَمْلٌ طَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ فَإِنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 457 الْوَلَدَ يُلْحَقُ بِهِ إذَا الْتَعَنَ عَلَى الرُّؤْيَةِ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَنْتَفِي مَا وَلَدَتْهُ لِلِعَانِ الرُّؤْيَةِ مَعَ الِاسْتِبْرَاءِ. ابْنُ رُشْدٍ: إجْمَاعًا (وَبِنَفْيِ حَمْلٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ يَجِبُ بِهِمَا اللِّعَانُ نَفْيُ حَمْلٍ قَبْلَهُ اسْتِبْرَاءٌ (وَإِنْ مَاتَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ وَلَدَا وَلَدًا مَيِّتًا أَوْ مَاتَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الزَّوْجُ لِغَيْبَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا فَنَفَاهُ حِينَ عَلِمَهُ لَاعَنَ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ (أَوْ تَعَدَّدَ الْوَضْعُ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَدِمَ مِنْ غَيْبَتِهِ سِنِينَ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ0 وَلَدَتْ أَوْلَادًا وَأَنْكَرَهُمْ وَقَالَتْ هُمْ مِنْكَ كُنْتَ تَأْتِينِي سِرًّا لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ الْحَدِّ إلَّا بِلِعَانٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ يَكْفِي فِي أَوْلَادٍ لِعَانٌ وَاحِدٌ وَكَذَا فِي الزِّنَا وَالْوَلَدِ (أَوْ التَّوْأَمُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ أَوْ وَضَعَتْ وَلَدًا ثُمَّ وَضَعَتْ آخَرَ بَعْدَهُ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ حَمْلٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِأَحَدِهِمَا حُدَّ وَلَحِقَا بِهِ جَمِيعًا (بِلِعَانٍ مُعَجَّلٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ يَلْتَعِنُ لِنَفْيِ حَمْلٍ ظَاهِرٍ وَلَا يَتَأَخَّرُ لِوَضْعِهِ (كَالزِّنَا وَالْوَلَدِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِلِعَانِ وَاحِدٍ فِي الزِّنَا وَالْوَلَدِ (إنْ لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ وَضْعٍ أَوْ لِمُدَّةٍ لَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ لِقِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةٍ) ابْنُ شَاسٍ: نَفْيُ الْوَلَدِ بِلِعَانٍ يَصِحُّ إذَا قَالَ لَمْ أُصِبْهَا بَعْدَمَا وَضَعَتْ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: يَعْتَمِدُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهَا بَعْدَ وَضْعٍ أَوْ فِي مُدَّةٍ لَا يُلْحَقُ فِيهَا الْوَلَدُ لِكَثْرَةٍ أَوْ قِلَّةٍ (أَوْ اسْتِبْرَاءٍ بِحَيْضَةٍ) أَبُو عُمَرَ: أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَجِبُ اللِّعَانُ بِهِمَا اسْتِبْرَاءُ رَحِمٍ لَا وَطْءَ بَعْدَهُ حَتَّى يَظْهَرَ حَمْلٌ يُنْكِرُهُ، وَأَقَلُّ الِاسْتِبْرَاءِ فِي ذَلِكَ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ (وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى نَفْيِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا تَصَادَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى نَفْيِ الْحَمْلِ نُفِيَ بِغَيْرِ لِعَانِهِ وَحُدَّتْ الزَّوْجَةُ وَقَالَهُ مَالِكٌ. وَقَالَ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ: لَا يُنْفَى إلَّا بِلِعَانٍ وَقَالَهُ مَالِكٌ أَيْضًا (إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ هُوَ صَبِيٌّ حِينَ الْحَمْلِ أَوْ مَجْبُوبٌ أَوْ ادَّعَتْهُ مَغْرِبِيَّةٌ عَلَى مَشْرِقِيٍّ) ابْنُ الْحَاجِبِ: أَمَّا إذَا تَبَيَّنَ انْتِفَاؤُهُ عَنْهُ بِأَنْ نَكَحَ مَشْرِقِيٌّ مَغْرِبِيَّةً فَأَتَتْ بِوَلَدٍ مِنْ غَيْرِ إمْكَانِ وَطْءٍ أَوْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعَقْدِ أَوْ هُوَ صَبِيٌّ صَغِيرٌ حِينَ الْحِلِّ أَوْ مَجْبُوبٌ فَلَا لِعَانَ (وَفِي حَدِّهِ بِمُجَرَّدِ الْقَذْفِ أَوْ لِعَانِهِ خِلَافٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يَقْذِفَهَا بِالزِّنَا وَلَا يَدَّعِي رُؤْيَةً وَلَا نَفْيَ حَمْلٍ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ: إنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يُلَاعَنُ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً. وَقَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 458 ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً أُخْرَى: إنَّهُ إنْ قَذَفَ لَاعَنَ. (وَإِنْ لَاعَنَ لِرُؤْيَةٍ وَادَّعَى الْوَطْءَ قَبْلَهَا وَعَدَمَ الِاسْتِبْرَاءِ فَلِمَالِكٍ فِي إلْزَامِهِ وَعَدَمِهِ وَنَفْيِهِ أَقْوَالٌ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُلْحَقُ إنْ ظَهَرَ يَوْمًا) . تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَانْتَفَى بِهِ مَا وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ " وَإِنَّ مَالِكًا أَلْزَمَهُ مَرَّةً الْوَلَدَ وَمَرَّةً لَمْ يُلْزِمْهُ الْوَلَدَ وَمَرَّةً قَالَ يَنْفِيهِ بِلِعَانٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ يَوْمَ الرُّؤْيَةِ حَمْلٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْوَلَدَ يُلْحَقُ بِهِ (وَلَا يُعْتَمَدُ فِيهِ عَلَى عَزْلٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: نَفْيُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 459 الْحَمْلِ بِالْعَزْلِ لَغْوٌ (وَلَا مُشَابَهَةٍ لِغَيْرِهِ وَإِنْ بِسَوَادٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَنْكَرَ لَوْنَ وَلَدِهِ لَزِمَهُ وَلَمْ يُلَاعِنْ. ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ مَدْلُولُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَلَّهُ عِرْقٌ نَزَعَ» . (وَلَا وَطْءَ بَيْنَ فَخِذَيْنِ إنْ أَنْزَلَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ مَا أَصَبْتهَا مُنْذُ سَنَةٍ وَلَيْسَ الْوَلَدُ مِنِّي فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ وَلَا يُحَدُّ، لِأَنَّ لُحُوقَ الْوَلَدِ لِأَرْبَعِ سِنِينَ لَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ. وَكَذَلِكَ إنْ أَنْكَرَ الْوَلَدَ وَقَالَ كُنْت أَعْزِلُ أَوْ أُصِيبُ فِي الدُّبُرِ قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَوْضِعٍ لَوْ زَالَ شَيْءٌ لَوَصَلَ إلَى الْفَرْجِ فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ إذَا أَصَابَ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْوَلَدَ يُلْحَقُ بِهِ وَلَا لِعَانَ عَلَيْهِ وَلَا حَدَّ لِأَنَّ النَّفْيَ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَا يَكُونَ عَنْ وَطْئِهِ حَمْلٌ. وَكَذَلِكَ إذَا وَطِئَ جَارِيَتَهُ فَأَنْزَلَ ثُمَّ أَصَابَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُنْزِلْ فَحَمَلَتْ فَإِنَّ الْوَلَدَ يُلْحَقُ بِهِ وَلَا لِعَانَ لَهُ فَقَدْ يَكُونُ لِفَضْلِ مَا فِي إحْلِيلِهِ مِنْ الْمَاءِ الْوَلَدُ. اُنْظُرْ آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ (وَلَا وَطْءَ بِغَيْرِ إنْزَالٍ إنْ أَنْزَلَ قَبْلَهُ وَلَمْ يَبُلَّ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى عَزْلٍ وَلَا مُشَابَهَةٍ لِغَيْرِهِ وَلَوْ بِالسَّوَادِ وَلَا عَلَى وَطْءٍ بِغَيْرِ إنْزَالٍ إنْ كَانَ أَنْزَلَ قَبْلَهُ وَلَمْ يَبُلَّ. (وَلَاعَنَ فِي الْحَمْلِ مُطْلَقًا وَفِي الرُّؤْيَةِ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ مِنْ بَائِنٍ وَحُدَّ بَعْدَهَا) . الْمُدَوَّنَةُ: الْمُعْتَدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فِي اللِّعَانِ كَغَيْرِ مُطَلَّقَةٍ وَمِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ إنْ قَالَ فِي عِدَّتِهَا مُطَلِّقُهَا رَأَيْتهَا فِيهَا تَزْنِي فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُلَاعِنُ بِمَا ادَّعَى مِنْ الرُّؤْيَةِ وَلَا يُحَدُّ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ لَمَّا كَانَتْ مِنْ تَوَابِعِ الْعِصْمَةِ وَكَانَتْ حَقًّا لِلزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ حِفْظًا لِنَسَبِهِ كَانَ لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 461 أَنْ يُرَاعِيَ أَمْرَهَا فِيهَا، وَعُذِرَ فِي الْإِخْبَارِ بِمَا رَأَى مِنْ زِنَاهَا مَخَافَةَ أَنْ يَمُوتَ فَتَأْتِيَ بِوَلَدٍ فَيُلْحَقُ بِهِ، وَأَمَّا إنْ ادَّعَى أَنَّهُ رَآهَا تَزْنِي بَعْدَ أَنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَإِنَّهُ قَاذِفٌ وَيُحَدُّ، وَكَذَا أَيْضًا إذَا قَالَ رَأَيْتهَا تَزْنِي قَبْلَ أَنْ أُطَلِّقَهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِأَقْصَى مَا تَلِدُ لَهُ النِّسَاءُ لَزِمَ الزَّوْجَ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ. وَانْظُرْ إذَا وَقَعَ اللِّعَانُ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَ أَنْ بَانَتْ مِنْهُ بِسَبَبِ نَفْيِ الْحَمْلِ هَلْ يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا أَوْ لَا لِأَنَّهَا وَقْتَ اللِّعَانِ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ. ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ (كَاسْتِلْحَاقِ الْوَلَدِ) الْجَلَّابُ: إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ ثُمَّ أَكْذَبَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَحُدَّ (إلَّا أَنْ تَزْنِيَ بَعْدَ اللِّعَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ نَفَى وَلَدًا بِلِعَانٍ ثُمَّ زَنَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ اُسْتُلْحِقَ الْوَلَدُ لَحِقَ بِهِ وَلَمْ يُحَدَّ إذَا صَارَتْ زَانِيَةً (وَتَسْمِيَةِ الزَّانِي بِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ رَأَيْت فُلَانًا يَزْنِي بِامْرَأَتِي لَاعَنَ وَحُدَّ لِفُلَانٍ. انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ (وَأُعْلِمَ بِحَدِّهِ) ابْنُ شَاسٍ: لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعْلِمَهُ وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَقُومُ بِالْقَذْفِ إلَّا الْمَقْذُوفُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: وَلَوْ سَمِعَ الْإِمَامُ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا وَمَعَهُ مَنْ تَثْبُتُ عَلَيْهِ أَقَامَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الْحَدَّ (لَا إنْ كَرَّرَ قَذْفَهَا بِهِ) الشَّيْخُ: مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ بَعْدَ أَنْ لَاعَنَهَا مَا كَذَبْت عَلَيْهَا أَوْ قَذَفَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَاعَنَ لَقَذَفَهُ إيَّاهَا، وَمَا سَمِعْت فِيهَا مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ شَيْئًا. فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ رَبِيعَةُ: يُحَدُّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَذَفَهَا بِمَا لَاعَنَهَا بِهِ. (وَوَرِثَ الْمُسْتَلْحَقُ الْمَيِّتَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَلَّ الْمَالُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ نَفَى وَلَدًا بِلِعَانٍ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ مَوْتِهِ عَنْ مَالٍ، فَإِنْ كَانَ لِوَلَدِهِ وَلَدٌ حُدَّ وَلَحِقَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا وَلَمْ يَرِثْهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ بِنْتًا. وَعَنْ فَضْلٍ: إنْ كَانَ الْمَالُ يَسِيرًا قُبِلَ قَوْلُهُ مُطْلَقًا. (وَإِنْ وَطِئَ أَوْ أَخَّرَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِوَضْعِ حَمْلٍ بِلَا عُذْرٍ امْتَنَعَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: شَرْطُ اللِّعَانِ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 462 الْوَلَدِ أَنْ لَا يَطَأَهَا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ أَوْ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ أَوْ الْحَمْلِ وَأَنْ لَا يُؤَخِّرَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ أَوْ الْحَمْلِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا ظَهَرَ الْحَمْلُ وَعَلِمَ بِهِ وَلَمْ يَدَعْهُ وَلَا انْتَفَى مِنْهَا شَهْرًا ثُمَّ انْتَفَى مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَضُرِبَ الْحَدَّ إنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ حُرَّةً مُسْلِمَةً لِأَنَّهُ صَارَ قَاذِفًا، وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً أَوْ أَمَةً لَمْ يُحَدَّ إذْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا وَيُجْعَلُ سُكُوتُهُ هَاهُنَا إقْرَارًا مِنْهُ بِالْحَمْلِ. قُلْت: فَلَوْ رَآهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَسَكَتَ ثُمَّ انْتَفَى مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: إذَا أَثْبَتَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَدْ رَآهُ فَلَمْ يُنْكِر أَوْ أَقَرَّ بِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. الْبَاجِيُّ: قِيَامُهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِيَوْمٍ لَغْوٌ. الْقَاضِي: إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ. (وَشَهِدَ بِاَللَّهِ أَرْبَعًا لَرَأَيْتُهَا تَزْنِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَبْدَأُ الزَّوْجُ فِي اللِّعَانِ فَيَشْهَدُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ يَقُولُ فِي الرُّؤْيَةِ لَرَأَيْتهَا تَزْنِي، وَفِي نَفْيِ الْحَمْلِ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَزَنَتْ، وَفِي الْخَامِسَةِ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ. وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ فِي الرُّؤْيَةِ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ مَا رَآنِي أَزْنِي، وَفِي الْحَمْلِ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ مَا زَنَيْت، وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ (أَوْ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي) الْمُتَيْطِيُّ: وَحَلَفَ بِمَحْضَرِ الزَّوْجِ فُلَانَةُ عِنْدَهُ مَقْطَعُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 463 الْحُقُوقِ فِي الْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي وَإِنِّي لِمَنْ الصَّادِقِينَ وَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ وَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ. وَقَالَ أَصْبَغُ: إنْ جَعَلَ مَكَانَ " إنْ كُنْتُ مِنْ الْكَاذِبِينَ " " إنْ كُنْت كَذَّبْتُهَا " أَجْزَأَهُ وَأَحَبُّ إلَيْنَا لَفْظُ الْقُرْآنِ (وَوَصَلَ خَامِسَةً بِلَعْنَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ أَوْ إنْ كُنْت كَذَبْتُهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُتَيْطِيِّ بِهَذَا وَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَقُولُ إنَّ لَعْنَةَ (وَأَشَارَ الْأَخْرَسُ أَوْ كَتَبَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُلَاعِنُ عَنْ الْأَخْرَسِ بِمَا يُفْهِمُ عَنْهُ مِنْ إشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ وَكَذَلِكَ يُعْلَمُ قَذْفُهُ (وَشَهِدَتْ بِاَللَّهِ مَا رَآنِي أَزْنِي أَوْ مَا زَنَيْت) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: تَقُولُ الْمَرْأَةُ فِي الرُّؤْيَةِ مَا رَآنِي أَزْنِي وَفِي الْحَمْلِ مَا زَنَيْت (أَوْ لَقَدْ كَذَبَ فِيهِمَا) الْجَلَّابُ: إنْ قَالَتْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَذَبَ عَلَيَّ فِيمَا رَمَانِي بِهِ أَجْزَأَهَا تَكَرُّرُ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ (وَفِي الْخَامِسَةِ غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا (وَوَجَبَ أَشْهَدُ وَاللَّعْنُ وَالْغَضَبُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَتَعَيَّنَ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَاللَّعْنِ وَالْغَضَبِ بَعْدَهَا (وَبِأَشْرَفِ الْبَلَدِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَجِبُ فِي أَشْرَفِ أَمْكِنَةِ الْبَلَدِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: يَلْتَعِنُ الْمُسْلِمُ فِي الْمَسْجِدِ (وَبِحُضُورِ جَمَاعَةٍ أَقَلُّهَا أَرْبَعَةٌ) هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِهَذَا اللَّفْظِ (وَنُدِبَ إثْرَ صَلَاةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي وَقْتِهِ عِبَارَاتٌ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي دُبُرِ الصَّلَوَاتِ بِمَحْضَرِ النَّاسِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ الْإِمَامُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 464 أَحَبُّ إلَيَّ (وَتَخْوِيفُهُمَا) ابْنُ شَعْبَانَ: يُخَوَّفَانِ قَبْلَ اللِّعَانِ (وَخُصُوصًا عِنْدَ الْخَامِسَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَخُصُوصًا عِنْدَ الْخَامِسَةِ لَا أَعْرِفُهُ وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِلشَّافِعِيِّ (وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا مُوجِبَةُ الْعَذَابِ) أَبُو دَاوُد: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا حِينَ أَمَرَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يَتَلَاعَنَا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ عِنْدَ الْخَامِسَةِ يَقُولُ إنَّهَا مُوجِبَةُ الْعَذَابِ» (وَفِي إعَادَتِهَا إنْ بَدَأَتْ خِلَافٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ بَدَأَتْ الْمَرْأَةُ فَفِي لُزُومِ إعَادَتِهَا قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِنَقْلِ عِيَاضٍ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَالثَّانِي لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةُ (وَلَاعَنَتْ الذِّمِّيَّةُ بِكَنِيسَتِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُلَاعِنُ النَّصْرَانِيَّةَ فِي الْكَنِيسَةِ حَيْثُ تُعَظِّمُ وَتَحْلِفُ بِاَللَّهِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهَا أَوْ يَدَعَ وَلَا تَدْخُلُ هِيَ مَعَهُ الْمَسْجِدَ (وَلَمْ تُجْبَرْ) الْمُتَيْطِيُّ: لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرَةِ إذَا لَمْ تَلْتَعِنْ وَلَا تُجْبَرُ عَلَى الِالْتِعَانِ إنْ أَبَتْهُ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهَا فِي إقْرَارِهَا بِالزِّنَى (وَإِنْ أَبَتْ أُدِّبَتْ وَرُدَّتْ لِمِلَّتِهَا) اللَّخْمِيِّ: إنْ نَكَلَتْ عُوقِبَتْ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنْ قَالَ رَأَيْتهَا تَزْنِي فَشَاءَ اللِّعَانِ خَوْفًا مِنْ وَلَدٍ فَيَلْتَعِنُ وَتُرَدُّ هِيَ فِي النُّكُولِ فِي هَذَا إلَى أَهْلِ دِينِهَا. قَالَ ابْنُ الْكَاتِبِ: إنَّمَا جُعِلَ لَهَا أَنْ تَلْتَعِنَ إنْ شَاءَتْ لِأَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِرَفْعِ عِصْمَتِهِ عَنْهَا وَتَبْقَى الْعِدَّةُ الَّتِي لَزِمَتْهَا بِالْتِعَانِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْتِعَانُهُ يُوجِبُ عَلَيْهَا فِي دِينِهَا حُكْمًا فَكَانَ لَهَا أَنْ تَلْتَعِنَ لِدَفْعِهِ. ابْنُ شَاسٍ: إنْ الْتَعَنَ وَأَبَتْ هِيَ مِنْ اللِّعَانِ فَهُمَا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ (كَقَوْلِهِ وَجَدْتُهَا مَعَ رَجُلٍ فِي لِحَافٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ فِي زَوْجَتِهِ وَجَدْتهَا مَعَ رَجُلٍ فِي لِحَافٍ وَتَجَرَّدَتْ لَهُ وَضَاجَعَتْهُ لَمْ يَلْتَعِنْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ رُؤْيَةَ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَ فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ وَلَا يُحَدُّ (وَتَلَاعَنَا إنْ رَمَاهَا بِغَضَبٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ وَأَنْكَرَتْهُ أَوْ صَدَّقَتْهُ وَلَمْ يَثْبُتْ وَلَمْ يَظْهَرْ وَتَقُولُ مَا زَنَيْت وَلَقَدْ غُلِبْتُ وَإِلَّا الْتَعَنَ فَقَطْ) أَمَّا مَسْأَلَةٌ إذَا رَمَاهَا بِغَضَبٍ وَأَكْذَبَتْهُ وَقَالَتْ هُوَ مِنْهُ أَوْ قَالَتْ لَمْ يُصِبْنِي فَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: الصَّوَابُ أَنْ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ إذَا رَمَاهَا بِغَضَبٍ وَصَدَّقَتْهُ وَحَمَلَتْ وَنُفِيَ الْوَلَدُ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَا يَنْتَفِي الْوَلَدُ إلَّا بِلِعَانٍ وَلَا تَلْتَعِنُ هِيَ إذْ تَقُولُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْك فَهُوَ مِنْ الْغَاصِبِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَهَذَا إنْ عُرِفَ الْغَصْبُ بِأَنْ تُرَى مُتَعَلِّقَةً تُدْمِي أَوْ غَابَ عَلَيْهَا، فَأَمَّا إنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إلَّا بِدَعْوَاهَا فَلَا بُدَّ مِنْ اللِّعَانِ وَإِلَّا رُجِمَتْ. قَالَ مَالِكٌ: وَتَقُولُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ مَا زَنَيْت وَلَقَدْ غَلَبْت عَلَى نَفْسِي. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ إنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ مِنْ الْكَاذِبِينَ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ إنْ رَمَاهَا بِوَطْءِ شُبْهَةٍ فَقَدْ نَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ حُكْمَ نِسْبَتِهَا إلَى وَطْءِ الشُّبْهَةِ كَحُكْمِ نِسْبَتِهَا إلَى الِاسْتِكْرَاهِ (كَصَغِيرَةٍ تُوطَأُ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 465 ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً يُوطَأُ مِثْلُهَا لَاعَنَ هُوَ دُونَهَا. (وَإِنْ شَهِدَ مَعَ ثَلَاثَةٍ الْتَعَنَ ثُمَّ الْتَعَنَتْ وَحُدَّ الثَّلَاثَةُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ شَهِدَ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالزِّنَا مَعَ ثَلَاثَةٍ لَاعَنَ وَحُدَّ الثَّلَاثَةُ (لَا إنْ نَكَلَتْ) ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: يَبْدَأُ الزَّوْجُ بِاللِّعَانِ فَإِنَّ الْتَعَنَتْ حُدَّ الثَّلَاثَةِ وَإِلَّا حُدَّتْ دُونَهُمْ (أَوْ لَمْ يُعْلَمْ بِزَوْجِيَّتِهِ حَتَّى رُجِمَتْ) رَوَى مُحَمَّدٌ: لَوْ رُجِمَتْ ثُمَّ عُلِمَ بِذَلِكَ لَمْ يُحَدَّ الثَّلَاثَةُ وَلَاعَنَ الزَّوْجُ وَإِنْ نَكَلَ حُدَّ (وَإِنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةٍ فَكَالْأَمَةِ وَلِأَقَلَّ فَكَالزَّوْجَةِ) ابْنُ شَاسٍ: لَا يَنْتَفِي نَسَبُ مَالِكِ الْيَمِينَ بِاللِّعَانِ، فَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ يَوْمَ الشِّرَاءِ حَامِلًا لَمْ يَنْفِهِ إلَّا بِلِعَانٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَطِئَهَا بَعْدَ رُؤْيَةِ الْحَمْلِ فَلَا يَنْفِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَكَانَتْ حَامِلًا يَوْمَ الشِّرَاءِ أَمْ لَا حَتَّى ظَهَرَ الْحَمْلُ وَأَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْوَلَدُ لِلنِّكَاحِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةٍ فَأَكْثَرَ فَحُكْمُهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 466 حُكْمُ الْأَمَةِ. (وَحُكْمُهُ رَفْعُ الْحَدِّ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الرَّابِعُ الثَّمَرَةُ وَهِيَ رَفْعُ الْعُقُوبَةِ وَدَفْعُ عَارِ الْكَذِبِ وَنَفْيُ النَّسَبِ وَقَطْعُ النِّكَاحِ ثُمَّ قَالَ: وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ: سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ وَانْتِفَاءُ النَّسَبِ وَوُجُوبُ حَدِّ الزِّنَا عَلَيْهَا. وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهَا هِيَ أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ: سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهَا وَالْفِرَاقُ وَتَأَبُّدُ الْحُرْمَةِ (وَالْأَدَبُ فِي الْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ) قَالَ ابْنُ شَاسٍ: إنْ أَبَتْ مِنْ الِالْتِعَانِ رُدَّتْ إلَى أَهْلِ دِينِهَا بَعْدَ الْعُقُوبَةِ لِأَجْلِ خِيَانَةِ زَوْجِهَا فِي فِرَاشِهِ. وَنَصَّ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْأَمَةَ لَا تُؤَدَّبُ. وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: لَا لِعَانَ إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ عَلَى الْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ تَعْزِيرَهُ إذَا قَذَفَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا (وَإِيجَابُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ إنْ لَمْ تُلَاعِنْ وَقَطْعُ نَسَبِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ فِي لِعَانِ الزَّوْجِ بِسُقُوطِ الْحَدِّ وَانْتِفَاءِ النَّسَبِ وَوُجُوبِ حَدِّ الزِّنَا عَلَيْهَا (وَبِالْتِعَانِهَا تَأْبِيدُ حُرْمَتِهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ بِهَذَا (وَإِنْ مُلِكَتْ) قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ لَاعَنَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا قَالَ: لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا (أَوْ انْفَشَّ حَمْلُهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ وَلَوْ انْفَشَّ بَعْدَ لِعَانِهِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا إذْ لَعَلَّهَا أَسْقَطَتْهُ وَكَتَمَتْهُ. اُنْظُرْ بَحْثَ ابْنِ عَرَفَةَ هُنَا (وَلَوْ عَادَ إلَيْهِ قُبِلَ كَالْمَرْأَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ) لَوْ قَالَ لَوْ عَادَ إلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ لِتَنْزِلَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إنْ نَكَلَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ اللِّعَانِ حُدَّتْ حَدَّ الزِّنَا، وَإِنْ نَكَلَ الزَّوْجُ حُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ، فَإِنْ نَكَلَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ اللِّعَانِ بَعْدَ لِعَانِ الزَّوْجِ ثُمَّ أَرَادَتْ أَنْ تَرْجِعَ إلَى اللِّعَانِ فَالْأَظْهَرُ مِنْ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَنَّ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ وَتَلْتَعِنَ. وَهَلْ يَدْخُلُ هَذَا الْخِلَافُ فِي الزَّوْجِ إذَا نَكَلَ عَنْ اللِّعَانِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ لِأَنَّ نُكُولَ الْمَرْأَةِ كَالْإِقْرَارِ بِالزِّنَا، وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ، وَنُكُولُ الزَّوْجِ كَالْإِقْرَارِ بِالْقَذْفِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ. (وَإِنْ اسْتَلْحَقَ أَحَدَ تَوْأَمَيْنِ لَحِقَا وَإِنْ كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 467 بَيْنَهُمَا سِتَّةٌ فَبَطْنَانِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ إنْ أَقَرَّ بِالثَّانِي وَقَالَ لَمْ أَطَأْهَا بَعْدَ الْأَوَّلِ سُئِلَ النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهُ قَدْ يَتَأَخَّرُ هَكَذَا لَمْ يُحَدَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ أَوْ وَضَعَتْ وَلَدًا ثُمَّ وَضَعَتْ آخَرَ بَعْدَهُ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ حَمْلٌ وَاحِدٌ. فَإِنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِأَحَدِهِمَا وَنَفَى الْآخَرَ حُدَّ وَلَحِقَا بِهِ جَمِيعًا، وَإِنْ وَضَعَتْ الثَّانِيَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَهُمَا بَطْنَانِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَنَفَى الثَّانِيَ وَقَالَ لَمْ أَطَأْهَا بَعْدَ وِلَادَةِ الْأَوَّلِ لَاعَنَ وَنَفَى الثَّانِيَ إذْ هُمَا بَطْنَانِ. وَإِنْ قَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا مِنْ بَعْدَمَا وَلَدَتْ الْأَوَّلَ وَهَذَا الثَّانِي وَلَدِي فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَيُسْأَلُ النِّسَاءُ، فَإِنْ قُلْنَ الْحَمْلُ يَتَأَخَّرُ هَكَذَا لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 468 يُحَدَّ وَكَانَ بَطْنًا وَاحِدًا، وَإِنْ قُلْنَ لَا يَتَأَخَّرُ حُدَّ وَلَحِقَ بِهِ بِخِلَافِ الَّذِي يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً فَلَمْ يَبْنِ بِهَا حَتَّى أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَتْ فَأَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ وَقَالَ لَمْ أَطَأْهَا مُنْذُ تَزَوَّجْتهَا فَهَذَا يُحَدُّ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ. ابْنُ عَرَفَةَ: آلَ أَمْرُهُ إذَا قَالَ الثَّانِي وَلَدِي وَلَمْ أَطَأْهَا بَعْدَ وَضْعِ الْأَوَّلِ وَقَالَ النِّسَاءُ لَا يَتَأَخَّرُ أَنَّهُ نَفَاهُ وَأَقَرَّ بِهِ فَوَجَبَ لُحُوقُهُ بِهِ وَحْدَهُ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. [بَابٌ الْعِدَّة] [عِدَّةُ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَأَصْنَافِ الْمُعْتَدَّاتِ] [أَنْوَاع الْعَدَد] بَابٌ الْعِدَّة ابْنُ عَرَفَةَ: دَلِيلُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ عِدَّةٌ وَاسْتِبْرَاءٌ. وَالْعِدَّةُ مُدَّةُ مَنْعِ النِّكَاحِ لِفَسْخِهِ أَوْ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ، فَتَدْخُلُ مُدَّةُ مَنْعِ مَنْ طَلَّقَ رَابِعَةً نِكَاحَ غَيْرِهَا إنْ قِيلَ هُوَ لَهُ عِدَّةٌ، وَإِنْ أُرِيدَ إخْرَاجُهُ قِيلَ: مُدَّةُ مَنْعِ الْمَرْأَةِ إلَى آخِرِهِ. وَقَدْ يُطْلِقُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَفْظَ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْعِدَّةِ مَجَازًا. ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا عِدَّةُ الطَّلَاقِ فَفِيهَا بَابَانِ: الْأَوَّلُ فِي عِدَّةِ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَأَصْنَافِ الْمُعْتَدَّاتِ وَأَنْوَاعِ عِدَدِهِنَّ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: الْقُرْءُ وَالْأَشْهُرُ وَالْحَمْلُ (تُعْتَقُ حُرَّةٌ وَإِنْ كِتَابِيَّةً أَطَاقَتْ الْوَطْءَ بِخَلْوَةِ بَالِغٍ) اللَّخْمِيِّ: الْمُعْتَدَّاتُ خَمْسَ عَشْرَةَ. ابْنُ شَاسٍ: الْحُرَّةُ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ إذَا طَلُقَتْ بَعْدَ الْمَسِيسِ وَهَذِهِ الْمُعْتَدَّةُ إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْهَا بَرَاءَةَ الرَّحِمِ لِأَنَّهُ يُكْتَفَى فِيهَا بِسَبَبِ الشُّغْلِ مَعَ إمْكَانِهِ عَادَةً وَلَا يُشْتَرَطُ عَيْنُهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا تَصَادَقَ الزَّوْجَانِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَوْ الصَّحِيحِ عَلَى نَفْيِ الْمَسِيسِ لَمْ تَسْقُطْ الْعِدَّةُ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 470 لَوْ كَانَ وَلَدٌ لَثَبَتَ نَسَبُهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ فَلَا يَكُونُ لَهَا صَدَاقٌ وَلَا نِصْفُهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَطْلُبْهُ وَتُعَاضُ مِنْ تَلَذُّذِهِ بِهَا إنْ كَانَ تَلَذَّذَ مِنْهَا بِشَيْءٍ. وَقِيلَ: لَا تُعَاضُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: طَلَاقُ الْمُسْلِمِ لِزَوْجَتِهِ الْكِتَابِيَّةِ كَطَلَاقِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ وَتُجْبَرُ عَلَى الْعِدَّةِ مِنْهُ إذَا بَنَى بِهَا، طَلَّقَ أَوْ مَاتَ. وَإِنْ مَاتَ عَنْهَا ذِمِّيٌّ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَلَا يَنْكِحُهَا مُسْلِمٌ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثِ حِيَضٍ اسْتِبْرَاءً، وَإِنْ مَاتَ عَنْهَا، الذِّمِّيُّ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَيَنْكِحُهَا الْمُسْلِمُ إنْ أَحَبَّ مَكَانَهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: لَيْسَ عَلَى مَنْ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا لِصِغَرِهَا عِدَّةٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 471 وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: عِدَّةُ مَنْ فِيهَا بَقِيَّةُ رِقٍّ فِي الطَّلَاقِ وَهِيَ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ وَمِثْلُهَا يُوطَأُ وَبَنَى بِهَا زَوْجُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ وَهُوَ يَقْوَى عَلَى الْجِمَاعِ فَظَهَرَ بِامْرَأَتِهِ حَمْلٌ لَمْ يُلْحَقْ بِهِ وَتُحَدُّ الْمَرْأَةُ (غَيْرِ مَجْبُوبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَعْتَدُّ امْرَأَةُ الْخَصِيِّ فِي الطَّلَاقِ قَالَ أَشْهَبُ: لِأَنَّهُ يُصِيبُ بِبَقِيَّةِ ذَكَرِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا الْمَجْبُوبُ فَإِنْ كَانَ لَا يَمَسُّ امْرَأَتَهُ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ طَلَاقِهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: إذَا كَانَ مَمْسُوحَ الْقَضِيبِ وُالْخُصْيَتَيْنِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ طَلَاقِهِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَمْ يُلْحَقْ بِهِ وَحُدَّتْ، وَإِذَا بَقِيَ مَعَهُ أُنْثَيَاهُ أَوْ الْيُسْرَى أَوْ بَقِيَ مَعَهُ مِنْ عَسِيبِهِ بَعْضُهُ فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ لِعَانٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ كَذَلِكَ فَسَّرَهُ مَالِكٌ (أَمْكَنَ شَغْلُهَا مِنْهُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ بِسَبَبِ الشَّغْلِ مَعَ إمْكَانِهِ. (وَإِنْ نَفَيَاهُ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا إذَا تَصَادَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى نَفْيِ الْمَسِيسِ لَمْ تَسْقُطْ الْعِدَّةُ (وَأُخِذَا بِإِقْرَارِهِمَا لَا بِغَيْرِهِمَا إلَّا أَنْ تُقِرَّ بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ خَلَا بِهَا فِي بَيْتِ أَهْلِهَا فَطَلَّقَهَا ثُمَّ قَالَ لَمْ أُطَلِّقْ فَصَدَّقَتْهُ أَوْ كَذَّبَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي طَرْحِ السُّكْنَى كَمَا أَقْبَلُهُ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِهَذِهِ الْخَلْوَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ بِهَا خَلْوَةٌ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي طَلَاقٍ وَإِنْ ادَّعَى الْمَسِيسَ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا عِدَّةَ عَلَى مُطَلَّقَةٍ قَبْلَ الْبِنَاءِ، فَإِنْ ادَّعَتْ الْمَسِيسَ لَزِمَتْهَا وَلَا رَجْعَةَ (أَوْ يَظْهَرُ حَمْلٌ وَلَمْ يَنْفِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ ظَهَرَ حَمْلٌ وَلَمْ يَنْفِهِ كَانَ كَالدُّخُولِ فِي الْعِدَّةِ وَالرَّجْعَةِ (بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ تَعْتَدُّ الْحُرَّةُ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ (أَطْهَارٍ) أَبُو عُمَرَ: الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ وَالْقُرْءُ مَا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ مِنْ الطُّهْرِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: طَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْهُ وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: طُهْرُ الطَّلَاقِ قُرْءٌ وَلَوْ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْهُ. (وَذَاتِ رِقٍّ قُرْءَانِ) أَبُو عُمَرَ: أَمَّا الزَّوْجَةُ الْأَمَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَمَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 472 فِيهَا شُعْبَةٌ مِنْ الرِّقِّ فَكُلُّ هَؤُلَاءِ عِدَّتُهُنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ قُرْءَانِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي آخِرِ الْقُرْءِ احْتَسَبَتْ بِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْقُرْءِ الْخُرُوجُ مِنْ الطُّهْرِ إلَى الدَّمِ، فَإِذَا طَعَنَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ حُرَّةٌ بَانَتْ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَإِذَا طَعَنَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ بَانَتْ، وَلَوْ طَلُقَتْ الْحُرَّةُ حَائِضًا لَمْ تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ مِنْ عِدَّتِهَا (وَالْجَمِيعُ لِلِاسْتِبْرَاءِ لَا الْأَوَّلُ فَقَطْ عَلَى الْأَرْجَحِ) الْأَبْهَرِيُّ: الْعِدَّةُ فِي طَلَاقِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِلِاسْتِبْرَاءِ لَا لِلتَّعَبُّدِ بِدَلِيلِ سُقُوطِهَا عَنْ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَجُعِلَ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى حَسَبِ حُرْمَةِ الْمُسْتَبْرَأَةِ. فَاسْتِبْرَاءُ الْحُرَّةِ الزَّوْجَةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَالْأَمَةِ الزَّوْجَةِ حَيْضَتَانِ، وَالْأَمَةِ غَيْرِ زَوْجَةٍ حَيْضَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: الْقُرْءُ الْأَوَّلُ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ وَالْقُرْءَانِ الْآخَرَانِ عِبَادَةٌ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ أَبْيَنُ (وَلَوْ اعْتَادَتْهُ فِي كَالسَّنَةِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ مِنْ سَنَةٍ إلَى مِثْلِهَا أَوْ إلَى أَكْثَرَ أَوْ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى مِثْلِهَا لَكَانَتْ عِدَّتُهَا الْأَقْرَاءُ. اُنْظُرْ تَرْجَمَةَ بَابٍ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 473 طَلَاقِ الْحُرِّ مِنْ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (أَوْ أَرْضَعَتْ) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: الَّتِي تَطْلُقُ وَهِيَ تُرْضِعُ وَلَا تَحِيضُ عِدَّتُهَا سَنَةٌ مِنْ يَوْمِ تَفْطِمُ إلَّا أَنْ تَحِيضَ قَبْلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ حِيَضٍ. ابْنُ رُشْدٍ: ارْتِفَاعُ الْحَيْضِ مَعَ الرَّضَاعِ لَيْسَ رِيبَةً اتِّفَاقًا فَتَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ أَوْ سَنَةٍ بَيْضَاءَ لَا دَمَ فِيهَا بَعْدَ الرَّضَاعِ. (أَوْ اُسْتُحِيضَتْ وَمَيَّزَتْ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ عِدَّةَ الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُمَيِّزَةِ فِي الطَّلَاقِ بِالْأَقْرَاءِ (وَلِلزَّوْجِ انْتِزَاعُ وَلَدِ الْمُرْضِعِ فِرَارًا مِنْ أَنْ تَرِثَهُ أَوْ لِيَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ رَابِعَةً إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْوَلَدِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِمُطَلَّقِ الْمُرْضِعِ طَلَاقَ رَجْعَةٍ نَزْعَ وَلَدِهِ مِنْهَا خَوْفَ أَنْ تَرِثَهُ إنْ تَبَيَّنَ صِدْقُهُ وَعَدَمُ ضَرَرِهِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْوَلَدِ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ: وَكَذَا لِإِرَادَتِهِ نِكَاحَ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ فِي عِدَّتِهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 474 وَتَعَقَّبَ هَذَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ. (وَإِنْ لَمْ يُمَيِّزْ أَوْ تَأَخَّرَ بِلَا سَبَبٍ أَوْ مَرِضَتْ تَرَبَّصَتْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةٍ) اللَّخْمِيِّ: عِدَّةُ الْحُرَّةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَالْمُرْتَابَةِ سَنَةٌ وَكَذَلِكَ الْمَرِيضَةُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَعِدَّةُ الْمُرْضِعِ مُرْتَقَبَةٌ لِبُعْدِ الْفِطَامِ، فَإِمَّا حَيْضٌ وَإِمَّا سَنَةٌ بَعْدَ الْفِطَامِ. وَالْمُرْتَابَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: بِتَأَخُّرِ حَيْضٍ فَعِدَّتُهَا مِنْ الطَّلَاقِ سَنَةٌ وَمِنْ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، أَوْ بِحِسِّ بَطْنٍ لَمْ تَحِلَّ بِالسَّنَةِ بَلْ بِأَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُطَلِّقُ الْمُسْتَحَاضَةَ مَتَى شَاءَ وَعِدَّتُهَا سَنَةٌ، وَلَهُ رَجْعَتُهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ السَّنَةُ، فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ إلَّا أَنْ تَرْتَابَ فَتَبْقَى إلَى زَوَالِ الرِّيبَةِ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: الْمُرْتَابَةُ بِتَأَخُّرِ الْحَيْضِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ إنْ ارْتَفَعَ لِغَيْرِ عَارِضٍ مَعْلُومٍ وَلَا سَبَبٍ مُعْتَادٍ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي رَفْعِ الْحَيْضِ، فَهَذِهِ تَتَرَبَّصُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ غَالِبَ مُدَّةِ الْحَمْلِ اسْتِبْرَاءً، فَإِنْ حَاضَتْ فِي خِلَالِهَا حَسِبَتْ مَا مَضَى قُرْءًا، ثُمَّ تَنْتَظِرُ الْقُرْءَ الثَّانِيَ إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ أَيْضًا. فَإِنْ حَاضَتْ أَحْتَسَبَتْ بِهِ قُرْءًا آخَرَ، وَكَذَلِكَ فِي الثَّالِثِ، فَإِنْ مَضَتْ لَهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ تَحِضْ اسْتَأْنَفَتْ الِاعْتِدَادَ بِثَلَاثَةِ. أَشْهُرٍ وَيَكُونُ الْكُلُّ سَنَةً، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 475 فَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ وَلَوْ بِسَاعَةٍ اسْتَقْبَلَتْ الْحَيْضَ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: لَوْ رَأَتْ فِي السَّنَةِ حَيْضًا وَلَوْ فِي آخِرِهَا انْتَظَرَتْ سَنَةً كَذَلِكَ حَتَّى تُتِمَّ سَنَةً بَيْضَاءَ أَوْ ثَلَاثَ حِيَضٍ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَرْتَفِعَ الْحَيْضُ لِعَارِضٍ مَعْلُومٍ وَسَبَبٍ مُعْتَادٍ تَأْثِيرُهُ فِي رَفْعِ الْحَيْضِ. وَالْأَسْبَابُ الْمُؤَثِّرَةُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا الْمَرَضُ فَإِذَا تَأَخَّرَ حَيْضُهَا مِنْ أَجْلِ الْمَرَضِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ بِتِسْعَةٍ، وَبِهِ يَأْخُذُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ. الْبَاجِيُّ: وَقَالَ أَشْهَبُ: عِدَّتُهَا الْأَقْرَاءُ وَإِنْ تَبَاعَدَتْ كَالْمُرْضِعِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا. (كَعِدَّةِ مَنْ لَمْ تَرَ الْحَيْضَ وَالْآيِسَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ الْمَحِيضَ وَالْيَائِسَةَ يُطَلَّقْنَ وَاحِدَةً مَتَى شَاءَ وَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: الصَّغِيرَةُ الَّتِي تُطِيقُ الْوَطْءَ غَيْرَ بَالِغٍ عِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بِالْأَهِلَّةِ إنْ وَافَقَتْ طَلَاقَهَا وَإِلَّا فَفِي اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ بِتَكَمُّلِهِ مِنْ الرَّابِعِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَالْبَاقِيَانِ بِالْأَهِلَّةِ أَوْ بِالثَّلَاثِينَ رِوَايَتَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: يَسْتَقْبِلُ بِطَلَاقِهَا الْأَهِلَّةَ فَهُوَ أَشَدُّ. ابْنُ يُونُسَ: إذْ قَدْ يَكُونُ الشَّهْرُ تِسْعَهُ وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَتَعْتَدَّ بِهِ وَإِذَا طَلَّقَهَا بِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ كَانَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 476 عِدَّتُهَا تِسْعِينَ يَوْمًا فَالطَّلَاقُ لِلْأَهِلَّةِ أَخَفُّ عَلَيْهَا. مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ أَوَّلَ تَرْجَمَةٍ مِنْ طَلَاقِ السَّنَةِ إلَّا هَذَا خَاصَّةً وَسَيَأْتِي نَصُّهُ بَعْدَ هَذَا أَنَّ بَاقِيَ الشُّهُورِ بِالْأَهِلَّةِ. (وَلَوْ بِرِقٍّ) قَالَ اللَّخْمِيِّ: عِدَّةُ الْأَمَةِ فِي الطَّلَاقِ إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ حَيْضَتَانِ وَلَا تُفَارِقُ الْحُرَّةَ إلَّا فِي هَذَا الْوَجْهِ وَهُمَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ الْمُطَلَّقَةِ إنْ لَمْ تَكُنْ تَحِيضُ وَمَنْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ لَا يَبْرَأُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَعَ الْحَيْضِ (وَتُمِّمَ مِنْ الرَّابِعِ فِي الْكَسْرِ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: وَلَوْ بِرِقٍّ وَإِنَّ هَذَا هُوَ أَحَدُ رِوَايَتَيْ الْمُدَوَّنَةِ (وَأُلْغِيَ يَوْمُ الطَّلَاقِ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: إنْ طَلُقَتْ الَّتِي عِدَّتُهَا بِالشُّهُورِ أَوْ مَاتَ عَنْ امْرَأَةٍ زَوْجُهَا بَعْضَ الشَّهْرِ اعْتَدَّتْ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ بِالثَّلَاثِينَ وَبَاقِي الشُّهُورِ بِالْأَهِلَّةِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ فَقَالَ: تَحْسِبُ إلَى مِثْلِهِ تِلْكَ السَّاعَةَ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: تُلْغِيهِ. فَوَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] وَوَجْهٌ أَنَّهَا تُلْغِي ذَلِكَ الْيَوْمَ احْتِيَاطًا لِصُعُوبَةِ ضَبْطِ الْوَقْتِ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ. قَالَهُ بَعْضُ فُقَهَائِنَا. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْقِيَاسُ إذَا وَجَبَ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا حِدَادُ سَاعَةٍ يَمُوتُ الزَّوْجُ فَيَجِبُ أَنْ تَحِلَّ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ (وَإِنْ حَاضَتْ فِي السَّنَةِ انْتَظَرَتْ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ لَمْ تُمَيِّزْ " (ثُمَّ إنْ احْتَاجَتْ لِعِدَّةٍ فَالثَّلَاثَةُ) رَوَى مُحَمَّدٌ: إنْ حَلَّتْ الْمُرْتَابَةُ بِالسَّنَةِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ ثُمَّ طَلُقَتْ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فِي الطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً لِأَنَّهَا اعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ فَصَارَتْ كَيَائِسَةٍ إلَّا أَنْ يُعَاوِدَهَا الْحَيْضُ مَرَّةً فَتَرْجِعَ لِحُكْمِهِ (وَوَجَبَ إنْ وُطِئَتْ بِزِنًا أَوْ شُبْهَةٍ وَلَا يَطَأُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 477 الزَّوْجُ وَلَا يَعْقِدُ أَوْ غَابَ غَاصِبٌ أَوْ سَابٍ أَوْ مُشْتَرٍ وَلَا يَرْجِعُ لَهَا قَدْرَهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: بَرَاءَةُ الْحُرَّةِ مِنْ وَطْءِ زِنًا أَوْ غَلَطٍ أَوْ غَيْبَةٍ؛ غَصْبٍ أَوْ سَبْيٍ أَوْ مَالِكٍ ارْتَفَعَ بِاسْتِحْقَاقِ ثَلَاثِ حِيَضٍ اسْتِبْرَاءً لَا عِدَّةً. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تُصَدَّقُ الْمَسْبِيَّةُ فِي عَدَمِ وَطْئِهَا لِأَنَّهَا حِيزَتْ بِمَعْنَى الْمِلْكِ وَفِيهَا لُزُومُ ذَاتِ الرِّقِّ الْعِدَّةَ كَالْحُرَّةِ وَاسْتِبْرَاؤُهَا فِي الزِّنَا وَالِاشْتِبَاهِ حَيْضَةٌ. فَإِنْ رُفِعَتْ حَيْضَتُهَا لَمْ يَطَأْهَا الْمُبْتَاعُ حَتَّى يَمْضِيَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ تَرْتَابَ فَيَرْفَعَ بِهَا إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَحْرُمُ مُدَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ مُطْلَقُ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا. أَصْبَغُ: مَنْ زَنَتْ زَوْجَتُهُ لَمْ يَطَأْهَا إلَّا بَعْدَ ثَلَاثِ حِيَضٍ. مُحَمَّدٌ: فَإِنْ وَطِئَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةَ الْحَمْلِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: جَوَازُ وَطْئِهَا وَكَرَاهَتُهُ وَاسْتِحْبَابُ تَرْكِهِ، وَعَلَى مَنْعِ الْوَطْءِ فِي جَوَازِ تَلَذُّذِهِ بِمُقَدِّمَاتِهِ قَوْلَانِ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. وَلِابْنِ عَاتٍ مُؤَلِّفِ الْغُرُرِ ابْنِ صَاحِبِ الطِّرَازِ: إذَا مَشَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ أَهْلِ الْفَسَادِ ثُمَّ تَأْتِي أَوْ تُسَاقُ لَمْ يَسَعْ الْإِمَامُ أَنْ يَكْشِفَهَا هَلْ زَنَتْ وَيُؤَدِّبُهَا وَلَا يَكْشِفُهَا عَنْ شَيْءٍ. الْبُرْزُلِيُّ: لِأَنَّ قَصْدَ الشَّرِيعَةِ السِّتْرُ فِي هَذَا كَقَوْلِهِ «هَلَّا سَتَرْته بِرِدَائِك» وَكَقَوْلِهِ «لَعَلَّك قَبَّلْت لَعَلَّك لَمَسْت» وَكَقَوْلِهِ «إنْ زَنَيْت قُلْ لَا» وَنَحْوُ ذَلِكَ. اُنْظُرْ تَرْجَمَةَ جَامِعِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَمَنْ زَنَتْ امْرَأَتُهُ فَوَطِئَهَا زَوْجُهَا فِي ذَلِكَ الْمَاءِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَطَأَهَا فِي ذَلِكَ الْمَاءِ. قَالَ أَشْهَبُ: وَالْحَامِلُ مِنْ زَوْجِهَا حَمْلًا بَيِّنًا إذَا وُطِئَتْ غَصْبًا لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يَطَأَهَا زَوْجُهَا فِيهِ. أَصْبَغُ: كَرِهَهُ مَالِكٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَقَلَ عِيَاضٌ جَوَازَ وَطْئِهَا إنْ بَانَ حَمْلُهَا مِنْ زِنًا لَا أَعْرِفُهُ (وَفِي إمْضَاءِ الْوَلِيِّ أَوْ فَسْخِهِ تَرَدُّدٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ أَنَّ امْرَأَةً اسْتَخْلَفَتْ رَجُلًا فَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ فَفَسَخَهُ الْإِمَامُ فَلْيَفْسَخْهُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ، سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. ثُمَّ إنْ أَرَادَتْهُ زَوَّجَهَا إيَّاهُ الْإِمَامُ مَكَانَهَا وَإِنْ كَرِهَ الْوَلِيُّ إذْ ادَّعَتْ إلَى سَدَادٍ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ جِنْسَهَا وَلَا غِنَاهَا وَكَانَ مَرْضِيًّا فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَلَوْ كَانَ دَخَلَ لَمْ يَنْكِحْهَا حَتَّى تَسْتَبْرِئَ بِثَلَاثِ حِيَضٍ. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: قَوْلُهُ " إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا " إنْ كَانَ هَذَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ نِكَاحًا لَيْسَ لِأَحَدٍ إجَازَتُهُ فَلَا يَتَزَوَّجُهَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 478 لِلْوَلِيِّ أَوْ السُّلْطَانِ إجَازَتُهُ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ قَبْلَ تَمَامِهَا. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ " إنْ دَخَلَ بِهَا " مِنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ فَقَدْ مَرَّ عَلَى مَذْهَبِهِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. فَيُجِيزُ السَّيِّدُ نِكَاحَهُ: أَنَّهُ يُسْتَبْرَأُ بَعْدَ إجَازَةِ الْعَبْدِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ عَقْدٍ كَانَ فَاسِدًا ثُمَّ أُجِيزَ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ بِخِلَافِ مَنْ تَزَوَّجَ بِصَدَاقٍ فَاسِدٍ ثُمَّ أُجِيزَ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ بِخِلَافِ مَنْ تَزَوَّجَ بِصَدَاقٍ فَاسِدٍ. هَذَا إذَا ثَبَتَ بِالدُّخُولِ لَا اسْتِبْرَاءَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَكُونُ عَقْدُهُ صَحِيحًا ثُمَّ يَطَؤُهَا وَطْئًا فَاسِدًا مِثْلَ وَطْءِ الْحَائِضِ وَالصَّائِمَةِ فِي رَمَضَانَ لَا اسْتِبْرَاءَ فِي هَذَا الْوَطْءِ، لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ فِي هَذَا إنَّمَا يَقَعُ فِي ابْتِدَاءِ نِكَاحٍ أَوْ مَا ضَارَعَهُ مِمَّا لِلْوَلِيِّ فَسْخُهُ وَإِجَازَتُهُ كَابْتِدَاءِ نِكَاحٍ، وَأَمَّا نِكَاحٌ لَا تَعَقُّبَ لِأَحَدٍ فِي فَسْخِهِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ فِي وَطْئِهِ. وَفِي أَوَّلِ تَرْجَمَةٍ مِنْ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مَا لِلْوَلِيِّ فَسْخُهُ إجَازَتُهُ أَوْ فَسْخُهُ لَا يُفْسَخُ فِي الْحَيْضِ حَتَّى تَطْهُرَ (وَاعْتَدَّتْ بِطُهْرِ الطَّلَاقِ وَإِنْ لَحْظَةً فَتَحِلُّ بِأَوَّلِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: طُهْرُ الطَّلَاقِ قُرْءٌ وَلَوْ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْهُ. وَتَقَدَّمَ النَّصُّ إذَا طَعَنَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ بَانَتْ. اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَالْجَمِيعُ لِلِاسْتِبْرَاءِ ". (أَوْ الرَّابِعَةُ إنْ طَلُقَتْ بِكَحَيْضٍ) أَبُو عُمَرَ: إنْ طَلُقَتْ الْحُرَّةُ حَائِضًا لَمْ تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ. ابْنُ شَاسٍ: فَلَا تَحِلُّ حَتَّى تَدْخُلَ فِي دَمِ الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ الْحَيْضَةِ الَّتِي طَلُقَتْ فِيهَا (وَهَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُعَجِّلَ بِرُؤْيَتِهِ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِأَوَّلِ آخِرِ دَمِهَا اضْطِرَابٌ سَمِعَ الْقَرِينَانِ لِلْمُعْتَدَّةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ إذَا حَاضَتْ الْحَيْضَةَ الثَّالِثَةَ قَبْلَ طُهْرِهَا وَلَكِنْ لَا تُعَجِّلُ حَتَّى تُقِيمَ أَيَّامًا فَتَعْلَمَ أَنَّهَا حَيْضَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَا تُعَجِّلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ انْتَهَى مَا لَهُ هُنَا وَسَيَأْتِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 479 لَهُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِهَذَا. (وَرَجَعَ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ هُنَا هَلْ هُوَ يَوْمٌ أَوْ بَعْضُهُ وَفِي أَنَّ الْمَقْطُوعَ ذَكَرُهُ أَوْ أُنْثَيَاهُ يُولَدُ لَهُ فَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ أَوْ لَا وَمَا تَرَاهُ الْيَائِسَةُ هَلْ هُوَ حَيْضٌ لِلنِّسَاءِ) أَمَّا الرُّجُوعُ لِلنِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَدْرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 480 الْحَيْضِ فَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ قَالَ: يُسْأَلُ عَنْهُ النِّسَاءُ؛ فَإِنْ قُلْنَ يَقَعُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ اسْتَبْرَأَتْ بِهِ الْأَمَةُ لَكِنْ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا حَدَّ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ وَالدَّمُ وَإِنْ كَانَ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَكُونُ حَيْضَةً تَعْتَدُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ فِي الطَّلَاقِ وَيَكُونُ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ مُنْفَصِلًا مِمَّا قَبْلَهُ وَمِمَّا بَعْدَهُ. هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا: إنَّ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ إذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ أَوَّلِ مَا تَدْخُلُ فَمُصِيبَتُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَقَدْ حَلَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُقَبِّلَ وَأَنْ يُبَاشِرَ، وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِأَوَّلِ مَا تَرَاهُ مِنْ الدَّمِ. وَلَا مَعْنَى لِاسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الدَّمَ إذَا انْقَطَعَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَعُودَ عَنْ قُرْبٍ أَوْ عَنْ بُعْدٍ؛ فَإِنْ عَادَ عَنْ بُعْدٍ انْكَشَفَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْحَيْضَةُ الثَّالِثَةُ وَإِنَّ هَذَا الدَّمَ حَيْضَةٌ رَابِعَةٌ، وَإِنْ عَادَ عَنْ قُرْبٍ كَانَ مُضَافًا إلَى الدَّمِ الْأَوَّلِ، وَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ ابْتِدَاءَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الطُّهْرِ مُلْغًى لَا حُكْمَ لَهُ. وَأَمَّا الرُّجُوعُ إلَى النِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنَّ الْمَقْطُوعَ يُولَدُ لَهُ فَانْظُرْ نَصَّهَا عِنْدَ قَوْلِهِ " غَيْرُ مَجْبُوبٍ ". وَقَالَ عِيَاضٌ: الْخَصِيُّ إنْ كَانَ قَائِمَ الذَّكَرِ أَوْ بَعْضَهُ وَهُوَ مَقْطُوعُ الْأُنْثَيَيْنِ أَوْ بَاقِيهِمَا أَوْ إحْدَاهُمَا فَهُوَ الَّذِي قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُسْأَلُ فِيهِ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ لِأَنَّهُ يُشْكِلُ إذَا قُطِعَ بَعْضُ ذَكَرِهِ دُونَ أُنْثَيَيْهِ أَوْ أُنْثَيَاهُ أَوْ إحْدَاهُمَا دُونَ الذَّكَرِ هَلْ يَنْسَلُّ وَيَنْزِلُ أَمْ لَا. وَأَمَّا الرُّجُوعُ إلَى النِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَرَاهُ الْآيِسَةُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ لَمْ تَحِضْ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ الْيَائِسَةُ تَرَى إحْدَاهُمَا الدَّمَ بَعْدَمَا أَخَذَتْ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ تَرْجِعُ لِعِدَّةِ الْحَيْضِ وَتُلْغِي الشُّهُورَ وَتَصْنَعُ كَمَا وَصَفْنَا إنْ قَالَ النِّسَاءُ فِيمَا رَأَتْهُ الْيَائِسَةُ إنَّهُ حَيْضٌ، وَإِنْ قُلْنَ لَيْسَ بِحَيْضٍ أَوْ كَانَتْ فِي سِنِّ مَنْ لَا تَحِيضُ مِنْ بَنَاتِ السَّبْعِينَ تَمَادَتْ بِالْأَشْهُرِ (بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ إنْ أَمْكَنَ حَيْضُهَا وَانْتَقَلَتْ لِلْأَقْرَاءِ) فِي الْمُدَوَّنَةِ: الصَّغِيرَةُ تَرَى الدَّمَ بَعْدَمَا أَخَذَتْ فِي عِدَّةِ الْأَشْهُرِ تَرْجِعُ لِعِدَّةِ الْحَيْضِ وَتَلْغِي الشُّهُورُ (وَالطُّهْرُ كَالْعِبَادَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ أَقَلِّ حَيْضِ الْعِدَّةِ كَالطَّهَارَةِ. خَامِسُهَا يُسْأَلُ النِّسَاءُ. وَفِي الرِّسَالَةِ: ثُمَّ إنْ عَاوَدَهَا دَمٌ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ ثُمَّ إذَا انْقَطَعَ عَنْهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ وَلَكِنَّ ذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 481 كُلَّهُ كَدَمٍ وَاحِدٍ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ حَتَّى يَبْعُدَ مَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ مِثْلَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ أَوْ عَشْرَةٍ فَتَكُونُ حَيْضًا مُؤْتَنَفًا. (وَإِنْ أَتَتْ بَعْدَهَا بِوَلَدٍ لِدُونِ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ لَحِقَ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كُلُّ مُعْتَدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ تَأْتِي بِوَلَدٍ وَقَدْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِالزَّوْجِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَمْسٍ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ الْحَيُّ بِلِعَانٍ وَيَدَّعِيَ اسْتِبْرَاءَهَا قَبْلَ طَلَاقِهِ (وَتَرَبَّصَتْ إنْ ارْتَابَتْ بِهِ وَهَلْ خَمْسًا أَوْ أَرْبَعًا خِلَافٌ) الْكَافِي: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُرْتَابَةِ: التِّسْعَةُ الْأَشْهُرُ بَرَاءَةٌ لِلْأَرْحَامِ إلَّا أَنْ تَسْتَرِيبَ نَفْسَهَا فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 484 حَمْلٍ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَلَسَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَمْسِ سِنِينَ وَهَذَا أَكْثَرُ الْحَمْلِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَرْبَعٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَجَعَلَ الْقَاضِي هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ (وَفِيهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ الْخَمْسِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَوَلَدَتْ لِخَمْسَةٍ لَمْ يُلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحُدَّتْ وَاسْتُشْكِلَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ نَكَحَتْ قَبْلَ خَمْسِ سِنِينَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ نَكَحَتْ لَمْ يُلْحَقْ بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَحُدَّتْ وَفُسِخَ نِكَاحُ الثَّانِي لِأَنَّهُ نَكَحَ حَامِلًا. عَبْدُ الْحَقِّ: اسْتَعْظَمَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنْ يُنْفَى الْوَلَدُ مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ، وَتُحَدُّ الْمَرْأَةُ بِزِيَادَتِهَا عَلَى الْخَمْسِ سِنِينَ شَهْرًا كَأَنَّ الْخَمْسَ سِنِينَ فَرْضٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ اهـ. وَانْظُرْ ابْنَ يُونُسَ عَزَا هَذَا الِاسْتِعْظَامَ لِابْنِ الْقَاسِمِ. (وَعِدَّةُ الْحَامِلِ فِي وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ وَضْعُ حَمْلِهَا كُلِّهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: عِدَّةُ الْحَامِلِ وَضْعُ كُلِّ حَمْلِهَا لَا بِأَوَّلِ تَوْأَمٍ. وَانْظُرْ إذَا مَاتَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا. اُنْظُرْ أَوَّلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 485 النَّفَقَاتِ مِنْ ابْنِ سَلْمُونَ (وَإِنْ دَمًا اجْتَمَعَ) أَبُو عُمَرَ: عِدَّةُ الْحَامِلِ مُطَلَّقَةً كَانَتْ أَوْ مَبْتُوتَةً أَوْ مُتَوَفًّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا، أَمَةً كَانَتْ أَوْ حُرَّةً مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً، لَا عِدَّةَ لِكُلِّ حَامِلٍ غَيْرُ الْوَضْعِ وَالسَّقْطُ التَّامُّ وَالْمُضْغَةُ مِنْ الْوَلَدِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ اسْتِبْرَائِهَا إنَّ الدَّمَ الْمُجْتَمِعَ كَالْكَامِلِ (وَإِلَّا فَكَالْمُطَلَّقَةِ إنْ فَسَدَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا فُسِخَ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ أَوْ الْمَنْعِيِّ لَهَا تُنْكَحُ أَوْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ، فَالْعِدَّةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَعِدَّةِ الصَّحِيحِ وَيَعْتَدِدْنَ فِي بُيُوتِهِنَّ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: إذَا عَلِمَ بَعْدَ وَفَاةِ الزَّوْجِ بِفَسَادِ نِكَاحِهَا وَأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يُقِرَّانِ عَلَيْهِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَلَا إحْدَادَ، وَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ اسْتِبْرَاءً إنْ كَانَ قَدْ بَنَى بِهَا وَيَلْحَقُهُ وَلَدُهَا وَلَا تَرِثُهُ وَلَهَا الصَّدَاقُ الْمُسَمَّى كُلُّهُ. مُقَدَّمُهُ وَمُؤَخَّرُهُ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ إنْ مَاتَ قَبْلَ فَسْخِهِ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ (كَالذِّمِّيَّةِ تَحْتَ ذِمِّيٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: طَلَاقُ الْمُسْلِمِ لِزَوْجَتِهِ الْكِتَابِيَّةِ كَطَلَاقِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ وَتُجْبَرُ عَلَى الْعِدَّةِ مِنْهُ إذَا بَنَى بِهَا، طَلَّقَ أَوْ مَاتَ. وَإِنْ مَاتَ عَنْهَا ذِمِّيٌّ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَلَا يَنْكِحُهَا مُسْلِمٌ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثِ حِيَضٍ اسْتِبْرَاءً، وَإِنْ مَاتَ عَنْهَا الذِّمِّيُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 486 أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَيَنْكِحُهَا الْمُسْلِمُ إنْ أَحَبَّ مَكَانَهُ. (وَإِلَّا فَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: عِدَّةُ الْوَفَاةِ نِكَاحٌ صَحِيحٌ لِلْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ. الْكَافِي: وَالْكِتَابِيَّةُ وَلَوْ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ الصَّغِيرَةُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ (وَإِنْ رَجْعِيَّةً) أَبُو عُمَرَ: إذَا مَاتَ زَوْجُ الْمُعْتَدَّةِ الَّتِي يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا اسْتَقْبَلَتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةَ أَيَّامٍ وَرِثَتْهُ إنْ كَانَا حُرَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً اعْتَدَّتْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ وَلَمْ تَرِثْهُ (إنْ تَمَّتْ قَبْلَ زَمَنِ حَيْضَتِهَا وَقَالَ النِّسَاءُ لَا رِيبَةَ بِهَا وَإِلَّا انْتَظَرَتْهَا إنْ دَخَلَ بِهَا) ابْنُ شَاسٍ: لَا خَفَاءَ بِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 487 الْوَفَاةِ تَحِلُّ بِمُضِيِّ الشُّهُورِ إذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا، وَاخْتُلِفَ إذَا لَمْ تَحِضْ. فَأَمَّا الْحُرَّةُ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ دَخَلَ بِهَا تَحِلُّ بِتَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَإِنْ لَمْ تَحِضْ فِيهَا إذَا لَمْ يَمُرَّ بِهَا وَقْتُ حَيْضَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ بِهَا رِيبَةٌ مِنْ حَمْلٍ ثُمَّ رَشَّحَ هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ: لِأَنَّهَا قَدْ أَكْمَلَتْ الْعِدَّةَ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَيْهَا وَلَا رِيبَةَ فِيهَا فَوَجَبَ أَنْ تَحِلَّ. وَكَذَا إذَا مَرَّ بِهَا فِيهَا وَقْتُ حَيْضَتِهَا فَلَمْ تَحِضْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا تُرْضِعُ، وَأَمَّا إنْ مَرَّ بِهَا وَقْتُ حَيْضَتِهَا فَلَمْ تَحِضْ وَلَيْسَ بِهَا عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ الْحَيْضِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ رَضَاعٍ فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يَمُرَّ بِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِهِ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْحَيْضِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ رِيبَةٍ. وَاخْتُلِفَ إذَا ارْتَفَعَ حَيْضُهَا بِمَرَضٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ: إنَّهُ رِيبَةٌ كَالصَّحِيحَةِ فَتَتَرَبَّصُ فِي الْوَفَاةِ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ، وَفِي الطَّلَاقِ سَنَةً بِخِلَافِ الرَّضَاعِ (وَتَنَصَّفَتْ بِالرِّقِّ وَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ تَرْتَابَ فَتِسْعَةٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: عِدَّةُ الْوَفَاةِ لِذَاتِ الرِّقِّ وَلَوْ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَصَغِيرَةٌ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ. وَعَلَيْهِ إنْ صَغُرَتْ عَنْ سِنِّ الْحَيْضِ حَلَّتْ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ، وَإِنْ بَلَغَتْ وَلَمْ تَحِضْ أَوْ كَانَتْ يَائِسَةً وَلَمْ يُؤْمَنْ حَمْلُهَا فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَإِنْ أُمِنَ حَمْلُهَا فَكَذَلِكَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، وَإِنْ اسْتُرِيبَتْ بِحِسِّ بَطْنٍ فَبِزَوَالِهَا، وَإِنْ لَمْ يَحِضْ فِيهَا مَنْ عَادَتُهَا فَالْمَشْهُورُ تَدْفَعُ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ (وَلِمَنْ وَضَعَتْ غُسْلُ زَوْجِهَا وَلَوْ تَزَوَّجَتْ) تَقَدَّمَ حُكْمُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ " وَالْأَحَبُّ نَفْيُهُ " (وَلَا يَنْقُلُ الْعِتْقُ لِعِدَّةِ الْحُرَّةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا مَاتَ عَنْ الْأَمَةِ زَوْجُهَا فَلَمَّا اعْتَدَّتْ شَهْرًا عَتَقَتْ فَإِنَّهَا تَبْنِي عَلَى عِدَّةِ الْأَمَةِ وَلَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ. وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا فِي عِدَّتِهَا تَرْجِعُ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ " تَرْجِعُ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ " خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهَا لَا تَرْجِعُ إلَّا فِي الرَّجْعِيِّ وَطَلْقَةُ الْمُخَيَّرَةِ لِلْعِتْقِ بَائِنَةٌ (وَلَا مَوْتُ زَوْجِ ذِمِّيَّةٍ أَسْلَمَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَسْلَمَتْ ذِمِّيَّةٌ تَحْتَ ذِمِّيٍّ ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَنْتَقِلْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 490 لِعِدَّةِ وَفَاةٍ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِطَلَاقٍ مُتَقَدِّمٍ اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ مِنْ إقْرَارِهِ وَلَمْ يَرِثْهَا إنْ انْقَضَتْ عَلَى دَعْوَاهُ وَوَرِثَتْهُ فِيهَا إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ بِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَتْ الْمُطَلَّقَةُ وَيَغْرَمُ مَا تَسَلَّفَتْ بِخِلَافِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ طَلَّقَهَا وَهُوَ غَائِبٌ فَعِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ طَلَّقَ إذَا قَامَتْ عَلَى الطَّلَاقِ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ إلَّا أَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا قَدِمَ قَالَ كُنْت طَلَّقْتهَا فَالْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ إقْرَارِهِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي إسْقَاطِهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا رَجْعَةَ لَهُ إذَا تَمَّتْ الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ دَعْوَاهُ وَلَا يَرِثُهَا لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَتَرِثُهُ هِيَ فِي الْعِدَّةِ الْمُؤْتَنَفَةِ لِأَنَّهَا فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ مُعْتَدَّةٌ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ طَلَاقِهَا قَبْلَ عِلْمِهَا لِأَنَّهُ فَرَّطَ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَتَرْجِعُ بِمَا تَسَلَّفَتْ عَلَيْهِ وَرَوَاهُ أَشْهَبُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَإِنَّهَا تَرُدُّ مَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِأَنَّ مَالَهُ صَارَ لِسَائِرِ وَرَثَتِهِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَصَّ بِشَيْءٍ مِنْهُ دُونَهُمْ (وَالْوَارِثِ) قَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ مِثْلُ الزَّوْجَةِ يَرُدُّونَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ وَفَاتَهُ أَيْضًا. (وَإِنْ اُشْتُرِيَتْ مُعْتَدَّةُ طَلَاقٍ فَارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا خَلَتْ إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 491 مَضَتْ سَنَةٌ لِلطَّلَاقِ وَثَلَاثَةٌ لِلشِّرَاءِ) اللَّخْمِيِّ: الْأَمَةُ الْمُسْتَبْرَأَةُ عَلَى عَشْرَةِ أَوْجُهٍ: ذَاتُ حَيْضٍ، وَذَاتُ حَمْلٍ، وَمَنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ، وَمُرْتَابَةٍ، وَمُسْتَحَاضَةٍ، وَمَرِيضَةٍ، وَمُرْضِعٍ، وَمُعْتَدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ. وَهَلْ تُسْتَبْرَأُ الْمُسْتَحَاضَةُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ بِتِسْعَةٍ؟ الْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ. وَأَمَّا الْمُرْتَابَةُ فَإِنْ كَانَتْ الرِّيبَةُ بِتَأَخُّرِ الْحَيْضِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَإِنْ كَانَتْ الرِّيبَةُ بِحِسِّ بَطْنٍ فَكَذَلِكَ إلَّا أَنْ تَذْهَبَ الرِّيبَةُ قَبْلَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَتَحِلُّ، وَالْمَرِيضَةُ وَالْمُرْضِعَةُ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ وَهِيَ مُرْتَابَةٌ فَسَنَةٌ يَنْتَقِدُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ وَفَاةٍ فَسَيَأْتِي. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ مِمَّنْ تَحِيضُ فَرَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا حَلَّتْ بِسَنَةٍ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ. الْقَابِسِيُّ: يُرِيدُ وَلَوْ مَسَّهَا الْقَوَابِلُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ قَبْلَ السَّنَةِ وَقُلْنَ لَا حَمْلَ بِهَا لَمْ تَحِلَّ إلَّا بِانْقِضَائِهَا أَوْ بِحَيْضَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ، وَلَيْسَتْ كَالْأَمَةِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَفَاةٍ تَقُولُ الْقَوَابِلُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَقَبْلَ تَمَامِ التِّسْعَةِ لَا حَمْلَ بِهَا هَذِهِ تَحِلُّ بِذَلِكَ لِانْقِضَاءِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ، فَالتَّرَبُّصُ لِزَوَالِ الرِّيبَةِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَفِي الْمُطَلَّقَةِ إنَّمَا عِدَّتُهَا الثَّلَاثَةُ الْأَشْهُرُ الَّتِي بَعْدَ التِّسْعَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 492 ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا أَحَدُ فَوَائِدِ قَوْلِ مَالِكٍ " الْعِدَّةُ فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ الرِّيبَةِ وَفِي الْوَفَاةِ قَبْلَ الرِّيبَةِ " اُنْظُرْ تَرْجَمَةً فِي طَلَاقِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ (أَوْ مُعْتَدَّةٌ مِنْ وَفَاةٍ فَأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مِنْ اشْتَرَى مُعْتَدَّةً مِنْ وَفَاةِ زَوْجٍ فَحَاضَتْ قَبْلَ تَمَامِ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى تُتِمَّ عِدَّتَهَا، فَإِنَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَجْزَأَتْهَا مِنْ الْعَدِّ وَالِاسْتِبْرَاءِ، وَإِنْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا وَلَمْ تَحِضْ بَعْدَ الْبَيْعِ انْتَظَرَتْ الْحَيْضَةَ، فَإِنْ رَفَعَتْهَا حَتَّى مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَحَسَّتْ مِنْ نَفْسِهَا انْتَظَرَتْ تَمَامَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ، فَإِنْ زَالَتْ الرِّيبَةُ قَبْلَهَا حَلَّتْ، وَإِنْ ارْتَابَتْ بَعْدَهَا بِحِسِّ الْبَطْنِ لَمْ تُوطَأْ حَتَّى تَذْهَبَ الرِّيبَةُ. (وَتَرَكَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَقَطْ وَإِنْ صَغُرَتْ وَلَوْ كِتَابِيَّةً مَفْقُودًا زَوْجُهَا التَّزَيُّنَ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِحْدَادُ تَرْكُ مَا هُوَ زِينَةٌ فَيَدْخُلُ تَرْكُ الْخَاتَمِ لِلْمُبْتَذَلَةِ. أَبُو عُمَرَ: الْإِحْدَادُ تَرْكُ الزِّينَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى الْأَزْوَاجِ وَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَقْضِيَ عِدَّتُهَا بِشُهُورِهَا أَوْ بِوَضْعِ حَمْلِهَا، حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً، مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّةً، صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً. هَذَا هُوَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَا إحْدَادَ عَلَى مُطَلَّقَةٍ رَجْعِيَّةَ كَانَتْ مَبْتُوتَةً أَوْ بَائِنًا. وَالْإِحْدَادُ هُوَ جَمِيعُ مَا تَتَزَيَّنُ بِهِ النِّسَاءُ مِنْ حُلِيٍّ وَصَبْغٍ وَكُحْلٍ وَخِضَابٍ وَطِيبٍ وَثِيَابٍ مَصْبُوغَةٍ مُلَوَّنَةٍ أَوْ بِيضٍ يُلْبَسُ مِثْلُهَا لِلزِّينَةِ، فَلَا يَجُوزُ لَهَا لِبَاسُ شَيْءٍ تَتَزَيَّنُ بِهِ بَيَاضًا وَلَا غَيْرَهُ. وَأَمَّا الْحُلِيُّ وَالْخَاتَمُ وَمَا فَوْقَهُ فَلَا يَجُوزُ لِلْحَادِّ لُبْسُهُ، وَكَذَلِكَ الطِّيبُ كُلُّهُ مُذَكَّرُهُ وَمُؤَنَّثُهُ. وَإِنْ اُضْطُرَّتْ إلَى الْكُحْلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 493 اكْتَحَلَتْ لَيْلًا وَمَسَحَتْهُ نَهَارًا. وَلَا تَقْرَبُ شَيْئًا مِنْ الْأَدْهَانِ الْمُطَيَّبَةِ كَدُهْنِ الْبَانِ وَالْوِرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْخَيْرِيِّ، وَلَا بِالزَّيْتِ وَالشَّحْمِ، وَكُلُّ مَا لَا زِينَةَ فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِلْحَادِّ مِنْ النِّسَاءِ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ فِي عِدَّةِ وَفَاتِهِ (بِالْمَصْبُوغِ) تَقَدَّمَ نَقْلُ أَبِي عُمَرَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَصْبُوغِ وَالْأَبْيَضِ إذَا كَانَ كِلَاهُمَا يُتَزَيَّنُ بِهِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: أَرَى أَنْ تُمْنَعَ الثِّيَابَ الْحَسَنَةَ وَإِنْ كَانَتْ بَيْضَاءَ وَكَذَا رَفِيعُ السَّوَادِ (وَلَوْ أَدْكَنَ إنْ وُجِدَ غَيْرُهُ إلَّا الْأَسْوَدَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قِيلَ لِمَالِكٍ: أَتَلْبَسُ الْمُصَبَّغَةَ مِنْ هَذِهِ الدُّكْنِ وَالصُّفْرِ؟ قَالَ: لَا، وَلَا صُوفًا وَلَا قُطْنًا وَلَا كَتَّانًا صُبِغَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ إلَّا أَنْ تَضْطَرَّ لِذَلِكَ لِبَرْدٍ وَلَا تَجِدُ غَيْرَهُ إلَّا أَنْ تَصْبُغَهُ بِسَوَادٍ (وَالتَّحَلِّيَ وَالتَّطَيُّبَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تَلْبَسُ مِنْ الْحُلِيِّ شَيْئًا وَلَا تَمَسُّ طِيبًا (وَعَمَلُهُ وَالتَّجْرُ فِيهِ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَلَا تَحْضُرُ حَادٌّ عَمَلَ طِيبٍ وَلَا تَتْجُرُ فِيهِ وَلَوْ كَانَ كَسْبَهَا (وَالدُّهْنُ فَلَا تَمْتَشِطُ بِحِنَّاءٍ وَلَا كَتَمٍ بِخِلَافِ نَحْوِ الزَّيْتِ وَالسِّدْرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تَدْهُنُ بِزِيبَقٍ أَوْ خَيْرِيٍّ أَوْ بَنَفْسَجٍ وَلَا تَمْتَشِطُ بِحِنَّاءٍ وَلَا كَتَمٍ وَتَدْهُنُ بِزَيْتٍ وَتَمْتَشِطُ بِالسِّدْرِ وَشِبْهِهِ مِمَّا لَا يَخْتَمِرُ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 494 رَأْسِهَا. وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ: إنْ مَاتَ زَوْجُهَا أَتَنْقُضُ مُشْطَهَا؟ قَالَ: لَا أَرَأَيْت إنْ كَانَتْ مُخْتَضِبَةً كَيْفَ تَصْنَعُ؟ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَتْ امْتَشَطَتْ بِطِيبٍ وَجَبَ عَلَيْهَا غُسْلُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا خِلَافُ نَقْلِ عَبْدِ الْحَقِّ إذَا لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ وَعَلَيْهَا طِيبٌ فَلَيْسَ عَلَيْهَا غُسْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ طِيبٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ غُسْلُهُ (وَاسْتِحْدَادُهَا وَلَا تَدْخُلُ الْحَمَّامَ وَلَا تَطْلِي جَسَدَهَا) أَشْهَبُ: لَا بَأْسَ أَنْ تَسْتَحِدَّ وَلَا تَدْخُلَ الْحَمَّامَ وَلَا تَطْلِي بِالنُّورَةِ (وَلَا تَكْتَحِلُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَإِنْ بِطِيبٍ وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا) الْمُتَيْطِيُّ: لَا تَكْتَحِلُ الْحَادُّ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ فَتَكْتَحِلُ بِاللَّيْلِ وَتَمْسَحُهُ بِالنَّهَارِ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ لَا تَكْتَحِلُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ. وَانْظُرْ هَلْ لَهَا أَنْ تَحْضُرَ الْعُرْسَ. اُنْظُرْهُ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَالْخُرُوجُ فِي حَوَائِجِهَا [فَصْلٌ فِي زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ] (وَلِزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي وَالْوَالِي وَوَالِي الْمَاءِ وَإِلَّا فَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَتُؤَجَّلُ أَرْبَعَ سِنِينَ إنْ دَامَتْ نَفَقَتُهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَفْقُودُ مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ غَيْرَ مُمْكِنِ الْكَشْفِ عَنْهُ فَيَخْرُجُ الْأَسِيرُ. ابْنُ عَاتٍ: وَالْمَحْبُوسُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْكَشْفَ عَنْهُ. اللَّخْمِيِّ: مَنْ فُقِدَ بِبَلَدِهِ كَغَيْرِهِ. الْمُتَيْطِيُّ: الْغَائِبُونَ عَنْ أَزْوَاجِهِمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 495 خَمْسَةٌ: الْخَامِسُ غَائِبٌ خَلَّفَ نَفَقَةً وَلَمْ يَشْتَرِطْ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومِ الْمَكَانِ فَهَذَا هُوَ الْمَفْقُودُ وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَغِيبُ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَيَنْقَطِعُ أَثَرُهُ وَلَا يُعْلَمُ خَبَرُهُ فَيُضْرَبُ لِامْرَأَتِهِ أَجَلُ أَرْبَعِ سِنِينَ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْكَشْفَ عَنْ خَبَرِهِ إنَّمَا هُوَ لِسُلْطَانِ بَلَدِهِ، وَإِنْ تَوَلَّى ذَلِكَ وُلَاةُ الْمِيَاهِ أَجْزَأَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ ضَرْبُ وُلَاةِ الْمِيَاهِ وَصَاحِبِ الشُّرْطَةِ الْأَجَلَ لِلْمَفْقُودِ وَالْعِنِّينِ. وَقَالَ الْقَابِسِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ: لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي مَوْضِعٍ لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 496 سُلْطَانَ فِيهِ لَرَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى صَالِحِي جِيرَانِهَا يَكْشِفُوا عَنْ خَبَرِ زَوْجِهَا، ثُمَّ ضَرَبُوا لَهُ الْأَجَلَ أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ ثُمَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ لِأَنَّ فِعْلَ الْجَمَاعَةِ فِي عَدَمِ الْإِمَامِ كَحُكْمِ الْإِمَامِ. (وَالْعَبْدُ نِصْفَهَا) الْمُتَيْطِيُّ: وَإِنْ كَانَ الْمَفْقُودُ عَبْدًا أُجِّلَ سَنَتَيْنِ سَوَاءً كَانَ مَغِيبُهُ بِإِبَاقٍ أَوْ بَيْعٍ فَغَابَ بِهِ مُشْتَرِيهِ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ (مِنْ الْعَجْزِ عَنْ خَبَرِهِ) الْمُتَيْطِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي مُبْتَدَأِ الْأَرْبَعِ سِنِينَ هَلْ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ أَوْ مِنْ يَوْمِ الْيَأْسِ فَقَالَ مَالِكٌ: يُضْرَبُ الْأَجَلُ مِنْ يَوْمِ الْإِيَاسِ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ (ثُمَّ اعْتَدَّتْ كَالْوَفَاةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تَعْتَدُّ بَعْدَ الْأَرْبَعِ دُونَ أَمْرِ الْإِمَامِ كَعِدَّةِ الْوَفَاةِ وَلَوْ لَمْ يَبْنِ بِهَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَوْ أَرَادَتْ بَعْدَ تَمَامِ عِدَّتِهَا الْبَقَاءَ عَلَى عِصْمَةِ الْمَفْقُودِ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّهَا أُبِيحَتْ لِغَيْرِهِ وَلَا حُجَّةَ فِي كَوْنِهَا إنْ قَدِمَ أَحَقَّ بِهَا لِأَنَّهَا عَلَى حُكْمِ الْفِرَاقِ حَتَّى تَظْهَرَ حَيَاتُهُ إذْ لَوْ مَاتَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ لَمْ يُوقَفْ لَهُ مِنْهَا إرْثٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ مَاتَ بِالتَّعْمِيرِ بَعْدَ عِدَّتِهَا لَمْ تَرِثْ مِنْهُ شَيْئًا (وَسَقَطَتْ بِهَا النَّفَقَةُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ مِنْ مَالِهِ فِي التَّأْجِيلِ لَا فِي الْعِدَّةِ. الْبَاجِيُّ: بِخِلَافِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 498 الْعِدَّةِ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَأُمُّ وَلَدِهِ " (وَلَا تَحْتَاجُ فِيهَا لِإِذْنٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ تَعْتَدُّ دُونَ إذْنِ الْإِمَامِ (وَلَيْسَ لَهَا الْبَقَاءُ بَعْدَهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهَذَا (وَقُدِّرَ طَلَاقٌ يَتَحَقَّقُ بِدُخُولِ الثَّانِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا رَجَعَتْ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ بِنَاءِ الثَّانِي كَانَتْ عِنْدَهُ عَلَى الطَّلَاقِ كُلِّهِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ بِدُخُولِ الثَّانِي لَا قَبْلَ ذَلِكَ (فَتَحِلُّ لِلْأَوَّلِ إنْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ) ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ كَانَ الزَّوْجُ الْمَفْقُودُ قَدْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ لِفَقْدِهِ ثُمَّ قَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي؛ فَمَنْ قَالَ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ وَقَعَتْ عَلَيْهَا بِدُخُولِ الثَّانِي لَمْ يُحِلَّهَا لِلْأَوَّلِ إلَّا زَوْجٌ ثَانٍ. وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَمَنْ قَالَ وَقَعَتْ يَوْمَ الْبَحْثِ وَكَشَفَ ذَلِكَ دُخُولُ الثَّانِي بِهَا أَحَلَّهَا وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ وَهُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ لَوْ وَقَعَتْ عَلَيْهَا بِدُخُولِ الثَّانِي أَوْ عَقَدَهُ لَوَجَبَ أَنْ تَعْتَدَّ مِنْ حِينَئِذٍ (فَإِنْ جَاءَ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيٌّ أَوْ مَاتَ فَكَالْوَلِيَّيْنِ وَوَرِثَ الْأَوَّلُ إنْ قُضِيَ لَهُ بِهَا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا الثَّانِي فِي عِدَّةٍ فَكَغَيْرِهِ) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ قَدِمَ الْمَفْقُودُ أَوْ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ نِكَاحِهَا فَهِيَ زَوْجَةٌ، وَمَا تَقَدَّمَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 499 هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ لِلْمَفْقُودِ خَبَرٌ إلَّا بَعْدَ نِكَاحِهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ دُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا وَهِيَ الَّتِي أَخَذَ بِهَا ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يَدْخُلْ الثَّانِي. وَإِنَّمَا رَجَعَ مَالِكٌ إلَى هَذَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ، فَإِنْ دَخَلَ الثَّانِي فَقَدْ بَانَتْ مِنْ الْأَوَّلِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا. وَأَمَّا الصَّدَاقُ، فَإِنْ كَانَ الْمَفْقُودُ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا أَخْذُ مَا بَقِيَ لَهَا مِنْهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَحُلُولِ أَجَلِهِ وَبَعْدَ يَمِينِهَا فِي مَقْطَعِ الْحَقِّ إنْ كَانَتْ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا. وَكَذَلِكَ أَيْضًا تَحْلِفُ إنْ كَانَتْ فِي وِلَايَةِ أَبِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْقَوْلِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ وَابْنُ عَتَّابٍ. وَإِنْ كَانَ الْمَفْقُودُ لَمْ يَدْخُلْ، فَهَلْ تَأْخُذُ النِّصْفَ أَوْ الْجَمِيعَ بَعْدَ الْيَمِينِ؟ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ وَالْقَضَاءُ أَنَّ لَهَا جَمِيعَ الْمَهْرِ. فَإِنْ قَدِمَ، فَهَلْ تَرُدُّ النِّصْفَ؟ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا رِوَايَتَانِ وَالْقَضَاءُ أَنَّهَا لَا تَرُدُّ شَيْئًا كَالْمَيِّتِ وَالْمُعْتَرِضِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ قَدْ وَقَعَ وَمَضَى. وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَفْقُودَ مَاتَ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ فِي خِلَالِهِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ نِكَاحِ الثَّانِي لِوَرَثَتِهِ وَوَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ بَعْدَ نِكَاحِ الثَّانِي وَقَبْلَ دُخُولِهِ لَوَرِثَتْ الْمَفْقُودَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الْوَاحِدِ وَوَجَبَ لَهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ وَفُسِخَ نِكَاحُهَا مَعَ الثَّانِي وَكَانَ خَاطِبًا. وَأَمَّا لَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 500 ثَبَتَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ بَعْدَ دُخُولِ الْآخِرِ بِهَا لَثَبَتَ نِكَاحُهُ مَعَهَا وَكَانَ لَهَا مِنْ الْمَفْقُودِ نِصْفُ الْمَهْرِ إلَّا إنْ كَانَ قَدْ حَكَمَ لَهَا بِالْجَمِيعِ فَيَنْفُذُ. وَإِنْ كَانَ نِكَاحُهَا الثَّانِي قَبْلَ مَوْتِ الْمَفْقُودِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتَمَامُ عِدَّتِهَا مِنْهُ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ ثَابِتٌ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ نِكَاحَ الثَّانِي كَانَ فِي عِدَّةِ الْمَفْقُودِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فُسِخَ نِكَاحُهُ مَعَهَا وَكَانَ خَاطِبًا، وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِهَا لَحَرُمَتْ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: اُنْظُرْ لَمْ يَمْنَعْهُ نِكَاحُهَا كَالنَّاكِحِ فِي الْعِدَّةِ يَدْخُلُ بَعْدَهَا. عَبْدُ الْحَمِيدِ. يُرِيدُ ابْنَ أَبِي زَيْدٍ إذَا مَرَّ بِهَا زَمَنَ الْعِدَّةِ وَهُوَ مَفْقُودٌ عَلَيْهَا فَكَانَ ذَلِكَ كَالْعَقْدِ فِيهَا كَالرَّامِي مِنْ الْحِلِّ يَخْرِقُ الْحَرَمَ فَيُصِيبُ الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ إنَّهُ كَالرَّامِي مِنْ الْحَرَمِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ مِنْ اعْتِرَاضِهِ بَيِّنٌ. اُنْظُرْ تَرْجَمَةً فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ وَالْأَسِيرِ مِنْ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (وَأَمَّا إنْ نُعِيَ لَهَا أَوْ قَالَ عَمْرَةُ طَالِقٌ مُدَّعِيًا غَائِبَةً فَطُلِّقَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَثْبَتَهُ وَذُو ثَلَاثٍ وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ وَالْمُطَلَّقَةُ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ ثُمَّ ظَهَرَ إسْقَاطُهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 501 وَذَاتُ الْمَفْقُودِ تَتَزَوَّجُ فِي عِدَّتِهَا فَيُفْسَخُ أَوْ تَزَوَّجَتْ بِدَعْوَاهَا الْمَوْتَ أَوْ بِشَهَادَةِ غَيْرِ عَدْلَيْنِ فَيُفْسَخُ ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى الصِّحَّةِ فَلَا تَفُوتُ بِدُخُولٍ) أَمَّا مَسْأَلَةُ إنْ نُعِيَ لَهَا فَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: أَمَّا الْمَنْعِيُّ لَهَا زَوْجُهَا تَتَزَوَّجُ ثُمَّ يَقْدُمُ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي اسْتَبْرَأَتْ مِنْهُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ أَوْ وَضْعِ حَمْلٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ يَائِسَةً ثُمَّ تُرَدُّ لِلْأَوَّلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ بِخِلَافِ الْمَفْقُودِ، لِأَنَّ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِحُكْمٍ ظَاهِرٍ وَهَذِهِ لَمْ يَرْجِعْ أَمْرُهَا لِلْإِمَامِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ مَاتَ زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ اعْتَدَّتْ لِوَفَاتِهِ وَلَا تَحِلُّ بِالْوَضْعِ قَبْلَ تَمَامِهَا وَلَا بِتَمَامِهَا دُونَهُ. زَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَدِمَ زَوْجُهَا بَعْدَ مَوْتِهَا تَحْتَ الثَّانِي فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَإِرْثُهَا لِلْأَوَّلِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ قَالَ عَمْرَةُ طَالِقٌ فَعَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَوْ ثَبَتَ بَعْدَ قُدُومِهِ تَرَكَهُ لَهَا نَفَقَتَهَا رُدَّتْ لَهُ، وَلَوْ بَنَى بِهَا مُتَزَوِّجُهَا كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ مَنْ قَالَ عَائِشَةُ طَالِقٌ وَقَالَ أَرَدْت زَوْجَةً لِي اسْمُهَا عَائِشَةُ وَلَمْ يَصْدُقْ وَطَلُقَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ لَهُ زَوْجَةً أُخْرَى اسْمُهَا عَائِشَةُ رُدَّتْ إلَيْهِ وَلَوْ بَنَى بِهَا مَنْ تَزَوَّجَهَا. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ ذِي ثَلَاثٍ وَكَّلَ وَكَيْلَيْنِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُطَلَّقَةِ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إنْ ثَبَتَ بَعْدَ قُدُومِهِ تَرْكُهُ لَهَا نَفَقَتَهَا رُدَّتْ لَهُ، وَلَوْ بَنَى بِهَا مُتَزَوِّجُهَا. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ ذَاتِ الْمَفْقُودِ تَتَزَوَّجُ فِي عِدَّتِهَا فَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ فِي زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعُ سِنِينَ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ بَعْدَ الْأَرْبَعِ سِنِينَ: فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَفْسَخُ نِكَاحَهَا لِأَنَّهُ نِكَاحٌ فِي عِدَّةٍ، فَإِنْ ثَبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَفْقُودَ قَدْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَنَّ نِكَاحَهَا إنَّمَا كَانَ بَعْدَ عِدَّةِ وَفَاتِهِ فَإِنَّ الْفَسْخَ بِرَدٍّ وَتَرْجِعُ لِمَنْ تَزَوَّجَتْهُ وَهُوَ مِثْلُ الْمَنْعِيِّ لَهَا زَوْجُهَا. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ تَزَوَّجَتْ بِدَعْوَاهَا الْمَوْتَ فَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: إنْ غَابَ رَجُلٌ فَتَزَوَّجَتْ امْرَأَتُهُ فَفَسَخَ الْحَاكِمُ نِكَاحَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْغَائِبَ كَانَ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ عَقْدِ نِكَاحِ هَذَا الزَّوْجِ نُقِضَ الْفَسْخُ وَهِيَ كَالْمَنْعِيِّ لَهَا زَوْجُهَا. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ تَزَوَّجَتْ بِشَهَادَةِ غَيْرِ عَدْلَيْنِ فَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ لِمَنْ أَخْبَرَهَا عَدْلَانِ بِمَوْتِ زَوْجِهَا أَنْ تَعْتَدَّ ثُمَّ تَتَزَوَّجَ دُونَ الرَّفْعِ لِلْإِمَامِ: وَهُوَ عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهَا، فَإِنْ كَانَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ وَلَمْ يُعْلَمْ إلَّا بِقَوْلِهَا فُسِخَ نِكَاحُهَا انْتَهَى. وَلِأَبِي عِمْرَانَ أَيْضًا أَرْبَعٌ لَا يُفِيتُهُنَّ الدُّخُولُ مَنْ نُعِيَ لَهَا. وَمَسْأَلَةُ مَنْ قَالَ عَمْرَةُ طَالِقٌ وَالْمُطَلَّقَةُ لِلنَّفَقَةِ وَالْأَمَةُ تَخْتَارُ نَفْسَهَا فَتَبَيَّنَ عِتْقُ زَوْجِهَا قَبْلَهَا قَالَ: وَسِتٌّ يُفِيتُهُنَّ الدُّخُولُ: مَسْأَلَةُ الْوَلِيَّيْنِ، وَامْرَأَةُ الْمَفْقُودِ، وَالْعَالِمَةُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الرَّجْعَةِ، وَامْرَأَةُ الْمُرْتَدِّ يَتَبَيَّنُ إكْرَاهُهُ، وَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 502 عَشْرٍ فَاخْتَارَ أَرْبَعًا فَإِذَا هُنَّ ذَوَاتُ مَحَارِمَ، وَالْمُطَلَّقَةُ لِلْغَيْبَةِ ثُمَّ يَقْدُمُ بِحُجَّةٍ. زَادَ ابْنُ زَرْقُونٍ: زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ تُسْلِمُ وَزَوْجُهَا غَائِبٌ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا. وَمِنْ نَوَازِلِ السَّيِّدِ مُفْتِي؛ تُونِسَ الْبُرْزُلِيِّ أَتَى بِنَظَائِرَ قَالَ: يُقَالُ فِيهَا مِنْهَا مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا زَوْجٌ غَائِبٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ. وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. وَانْظُرْ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَنْ رُئِيَ فِي الْمُعَسْكَرِ فِي وَقِيعَةٍ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: مَنْ فُقِدَ بِبَلَدٍ تَوَجَّهَ إلَيْهِ زَمَنُ الطَّاعُونِ حُكِمَ بِمَوْتِهِ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي نَاسٍ أَصَابَهُمْ بِطَرِيقِ جَهْمٍ سُعَالٌ. وَانْظُرْ مَنْ صَلَّى قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى فِي الْوَقْتِ لِهَذَا نَظَائِرُ وَلِلْوَجْهِ الْآخَرِ نَظَائِرُ، مِنْ ذَلِكَ الْحَالِفُ مُتَعَمِّدٌ لِلْكَذِبِ فَصَادَفَ أَنَّهُ صَادِقٌ، وَتَعَمَّدَ الْأَكْلَ يَوْمَ ثَلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَجَاءَ الثَّبْتُ أَنَّهُ الْعِيدُ، وَمَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ احْتِيَاطًا فَجَاءَ الثَّبْتُ أَنَّهُ رَمَضَانُ، وَمَنْ قَالَتْ غَدًا يَوْمُ حَيْضَتِي فَأَصْبَحَتْ تُفْطِرُ فَصَادَفَ حَيْضَتَهَا كَمَنْ سَلَّمَ عَلَى شَكٍّ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكْمَلَ وَمَنْ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى لَهَا. (وَالضَّرْبُ لِوَاحِدَةٍ ضَرْبٌ لِبَقِيَّتِهِنَّ وَإِنْ أَبَيْنَ) الْبَاجِيُّ: لَوْ كَانَ لَهُ نِسَاءٌ رَفَعَتْ إحْدَاهُنَّ أَمْرَهَا فَقَطْ فَضَرَبَ لَهَا الْأَجَلَ بَعْدَ الْبَحْثِ قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 503 ابْنُ الْقَاسِمِ بَعْدَ تَفَكُّرٍ: أَرَى ضَرْبَهُ لِلْوَاحِدَةِ ضَرْبًا لِجَمِيعِهِنَّ إنْ تَمَّ الْأَجَلُ تَزَوَّجْنَ إنْ أَحْبَبْنَ. (وَبَقِيَتْ أُمُّ وَلَدِهِ وَمَالُهُ وَزَوْجَةُ الْأَسِيرِ وَمَفْقُودُ أَرْضِ الشِّرْكِ لِلتَّعْمِيرِ) أَمَّا أُمُّ وَلَدِهِ فَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: يُنْفِقُ عَلَى فُقَرَاءِ صِغَارِ بَنِي الْمَفْقُودِ وَعَلَى أُمِّ وَلَدِهِ إلَى انْقِضَاءِ تَعْمِيرِهِ. وَأَمَّا مَالُهُ فَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: أَمَّا مَالُ الْمَفْقُودِ فَيُثَقِّفُهُ الْإِمَامُ فِي يَدِ مَنْ يَرْتَضِيهِ وَيُقَدِّمُهُ لِلنَّظَرِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ. قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْسَمُ مَالُهُ إلَّا بِالتَّعْمِيرِ. وَأَمَّا زَوْجَةُ الْأَسِيرِ فَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: إنْ خَلَّفَ لَهَا نَفَقَةً وَلَمْ يَكُنْ لَهَا شَرْطٌ فَلَا تَتَزَوَّجُ أَبَدًا وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ حَتَّى يَثْبُتَ مَوْتُهُ أَوْ تَنَصُّرُهُ طَائِعًا، أَوْ يَقْضِيَ تَعْمِيرُهُ إنْ جَهِلَ مَكَانَهُ وَتَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ وَتَتَزَوَّجُ وَيُقْسَمُ مَالُهُ فِي انْقِضَاءِ التَّعْمِيرِ وَيُوقَفُ فِي التَّنَصُّرِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى ارْتِدَادِهِ، وَإِنْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَالِهِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَفْقُودِ أَرْضِ الشِّرْكِ فَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: الْمَفْقُودُ أَرْبَعَةٌ: مَفْقُودٌ بِبَلَدِ الْحَرْبِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَسِيرِ لَا تَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ وَلَا يُقْسَمُ مَالُهُ إلَّا بِمَوْتِهِ تَحْقِيقًا أَوْ تَعْمِيرًا فِي قَوْلِ كُلِّ أَصْحَابِنَا حَاشَا أَشْهَبَ (وَهُوَ سَبْعُونَ) ابْنُ عَاتٍ: اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ التَّعْمِيرِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَمَالِكٌ مَرَّةً سَبْعُونَ سَنَةً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 504 وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: حَكَمَ قَاضِي تُونِسَ بِتَمْوِيتِ إنْسَانٍ بِخَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً وَأَشْهَدَ الْقَاضِي عَلَى حُكْمِهِ شَاهِدَيْنِ وَرَفَعَ الرَّسْمَ إلَى السُّلْطَانِ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا الْقَاضِي وَالشَّاهِدَانِ كُلٌّ مِنْهُمْ جَازَ هَذَا السِّنَّ فَأَلْغَى الْإِعْمَالَ بِهِ بَعْدَ ضَحِكِ أَهْلِ مَجْلِسِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَذَا لَا يَلْزَمُ وَهَذِهِ شُبْهَةٌ نَشَأَتْ عَنْ خَطَابَةٍ عَامِّيَّةٍ (وَاخْتَارَ الشَّيْخَانِ ثَمَانِينَ) ابْنُ عَاتٍ: وَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً ثَمَانُونَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَالْقَابِسِيُّ وَابْنُ مُحْرِزٍ (وَحَكَمَ بِخَمْسٍ وَسَبْعِينَ) قَالَ الْبَاجِيُّ فِي سِجِلَّاتِهِ الَّذِي قَضَى بِهِ ابْنُ زَرْبٍ: وَبِهِ الْقَضَاءُ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ انْتَهَى. اُنْظُرْ إذَا غَابَ وَهُوَ مِنْ ثَمَانِينَ سَنَةً فَعَنْ مَالِكٍ يَعْمُرُ تِسْعِينَ (فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الشُّهُودُ فِي سَنَةٍ فَالْأَقَلُّ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى التَّقْدِيرِ) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ لَمْ يَعْرِفْ الشُّهُودُ تَارِيخَ الْوِلَادَةِ وَشَهِدُوا عَلَى التَّقْدِيرِ نَفَذَ ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ بِالْأَقَلِّ مِمَّا يَشْهَدُ بِهِ شَاهِدَانِ إنْ اخْتَلَفُوا فِي الشَّهَادَةِ (وَحَلَفَ الْوَارِثُ حِينَئِذٍ) ابْنُ الْهِنْدِيِّ: إنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِتَارِيخِ الْوِلَادَةِ فَلَا يَمِينَ، وَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِالتَّقْدِيرِ وَالْحَزْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَيْمَانِ الْوَرَثَةِ عَلَى مَبْلَغِ سِنِّهِ (وَإِنْ تَنَصَّرَ أَسِيرٌ فَعَلَى الطَّوْعِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تُنْكَحُ امْرَأَةُ الْأَسِيرِ إلَّا أَنْ يَصِحَّ مَوْتُهُ أَوْ تَنَصُّرُهُ طَائِعًا أَوْ لَا يُعْلَمُ طَائِعًا أَمْ مُكْرَهًا فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيُوقَفُ مَالُهُ إنْ أَسْلَمَ رَجَعَ إلَيْهِ. (وَاعْتَدَّتْ فِي مَفْقُودِ الْمُعْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ انْفِصَالِ الصَّفَّيْنِ وَهَلْ يَتَلَوَّمُ أَوْ يَجْتَهِدُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 505 تَفْسِيرَانِ وَوُرِثَ مَالُهُ حِينَئِذٍ) الْمُتَيْطِيُّ: مَنْ فُقِدَ فِي فِتَنِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَجَلٌ وَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ مِنْ يَوْمِ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَيْضًا: تَتَرَبَّصُ زَوْجَتُهُ سَنَةً ثُمَّ تَعْتَدُّ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ وَإِنَّمَا يَتَلَوَّمُ الْإِمَامُ لِزَوْجَتِهِ بِاجْتِهَادِهِ يُقَدِّرُ انْصِرَافَ مَنْ انْصَرَفَ وَانْهِزَامَ مَنْ انْهَزَمَ. اُنْظُرْ آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ تَرْجَمَةِ الْمَفْقُودِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ (كَالْمُنْتَجِعِ لِبَلَدِ الطَّاعُونِ أَوْ فِي زَمَنِهِ) اللَّخْمِيِّ: مَنْ فُقِدَ بِبَلَدِهِ زَمَنَ الطَّاعُونِ أَوْ بِبَلَدٍ تَوَجَّهَ إلَيْهِ زَمَنَهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَوْتِ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي نَاسٍ أَصَابَهُمْ بِطَرِيقِ حَجِّهِمْ سُعَالٌ يَمُوتُ الرَّجُلُ فِي سَفَرِهِ وَلَمْ يَأْتِ لَهُمْ خَبَرُ مَوْتٍ وَلَا حَيَاةٍ تَتَزَوَّجُ نِسَاؤُهُمْ وَيُقْسَمُ مَالُهُمْ. وَكَذَا شَأْنُ الْبَوَادِي يَنْتَجِعُونَ فِي الشَّدَائِدِ مِنْ دِيَارِهِمْ إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْبَوَادِي ثُمَّ يُفْقَدُونَ إنَّهُمْ عَلَى الْمَوْتِ (وَفِي الْفَقْدِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ تَعْتَدُّ بِسَنَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ) الْمُتَيْطِيُّ: مَنْ فُقِدَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فِي حَرْبِ الْعَدُوِّ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَسِيرِ. وَرَوَى أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُضْرَبُ لِامْرَأَتِهِ أَجَلُ سَنَةٍ مِنْ وَقْتِ النَّظَرِ لَهَا ثُمَّ يُورَثُ عِنْدَ انْقِضَائِهَا وَتُنْكَحُ زَوْجَتُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ. وَقَضَى بِهَذَا فِيمَنْ فُقِدَ فِي غُزَاةِ الْخَنْدَقِ بِالْأَنْدَلُسِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَعْرَكَةُ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ أَوْ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ " بَعْدَ الْعِدَّةِ " وَنَحْوُهُ فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ قَالَ: تَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ بَعْدَ عَامٍ. وَلِابْنِ يُونُسَ اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، هَلْ الْعِدَّةُ دَاخِلَةٌ فِي السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا فِي الَّتِي يُضْرَبُ لَهَا السَّنَةُ؟ وَانْظُرْ هَلْ هَذَا بِنَاءٌ عَلَى تَمْوِينِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ أَوْ يَوْمَ الْكَائِنَةِ؟ فَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: حَمَلَهُ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَلَى أَنَّهُ قَتْلٌ، وَحَمَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُ أَسْرٌ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي إرْثُ مَنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ وَبَعْدَ الْكَائِنَةِ. وَلِابْنِ رُشْدٍ: إنْ مَاتَ الْمَفْقُودُ فِي الْمُعْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ مَوْرُوثٌ وَقَفَ حَظُّ الْمَفْقُودِ سَنَةً كَامِلَةً يُبْحَثُ فِيهَا عَنْ أَمْرِهِ وَيُفْحَصُ عَنْ خَبَرِهِ. فَإِنْ انْقَضَى الْعَامُ وَلَمْ تُعْلَمْ لَهُ حَيَاةٌ وَلَا مَوْتٌ رَدَّ مَا وُقِفَ عَلَى وَارِثِ الْمَيِّتِ الْمَذْكُورِ. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي أَقُولُ بِهِ وَأَتَقَلَّدهُ انْتَهَى. وَهَذَا فَرْعُ تَمْوِيتِهِ فَيُورَثُ حِينَئِذٍ مَالُ الْمَفْقُودِ كَمَا وُرِثَ حَظُّهُ مِنْ إرْثِهِ وَبِالْوَجْهِ الَّذِي رَفَعَ أَمْرَهُ مِنْ أَجْلِ حَظِّهِ فِي الْإِرْثِ يُرْفَعُ أَمْرُهُ عَنْ أَصْلِ مَالِهِ. اُنْظُرْ هَلْ يَرِثُ هَذَا الْمَيِّتُ الْمَذْكُورُ الْمَفْقُودَ الْمَذْكُورَ. اُنْظُرْ فَصْلَ الْمَفْقُودِ مِنْ ابْنِ سَلْمُونَ فَقَدْ بَسَطَ الْمَسْأَلَةَ، وَانْظُرْ أَيْضًا هَذَا الْإِرْثَ هَلْ يَكُونُ كَإِرْثِ الَّذِي مُوِّتَ بِالتَّعْمِيرِ؟ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْسِمُ وَرَثَةُ الْمَفْقُودِ مَالَهُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ مَا لَا يَحْيَا إلَى مِثْلِهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ حِينَئِذٍ لَا يَوْمَ فَقْدِهِ، أَوْ يَصِحَّ وَقْتُ مَوْتِهِ فَيَرِثُهُ وَرَثَتُهُ يَوْمَ صِحَّةِ مَوْتِهِ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَتَرِثُهُ حِينَئِذٍ زَوْجَتُهُ هَذِهِ الَّتِي ضُرِبَ لَهَا الْأَجَلُ وَاعْتَدَّتْ وَلَمْ تَتَزَوَّجْ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ لَوْ أَتَى لَكَانَتْ عَلَى زَوْجِيَّتِهَا مَعَهُ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ مَاتَ لِلْمَفْقُودِ وَلَدٌ وَقَفَ مِيرَاثُهُ مِنْهُ فَإِنْ أَتَى أَخَذَهُ، وَإِنْ مُوِّتَ بِالتَّعْمِيرِ رُدَّ ذَلِكَ إلَى وَرَثَةِ الِابْنِ يَوْمَ مَاتَ الِابْنُ وَوَرِثَ هَذَا الْمَفْقُودُ وَرَثَتَهُ يَوْمَ جَعَلْته مَيِّتًا، وَلَا يَرِثُهُ وَلَدُهُ الَّذِي مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَرِثُ أَحَدٌ أَحَدًا بِالشَّكِّ. (وَلِلْمُعْتَدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 506 وَالْمَحْبُوسَةِ بِسَبَبِهِ فِي حَيَاتِهِ السُّكْنَى) ابْنُ عَرَفَةَ: يَلْزَمُ الْمُعْتَدَّةَ مُقَامُهَا فِي مَسْكَنِهَا حِينَ وُقُوعِ سَبَبِ عِدَّتِهَا طَلَاقٌ أَوْ وَفَاةٌ، وَالتُّهْمَةُ عَلَى نَقْلِهَا مِنْهُ لِطَلَاقِهَا بِغَيْرِهِ يُوجِبُ رَدَّهَا إلَيْهِ. وَمَنْ اكْتَرَى مَنْزِلًا نَقَلَ إلَيْهِ زَوْجَتَهُ فَلَمَّا سَكَنَهُ طَلَّقَهَا لَزِمَهُ رَدُّهَا لِمَسْكَنِهَا الْأَوَّلِ. الْمُتَيْطِيُّ: كُلُّ مُعْتَدَّةٍ أَوْ مُسْتَبْرَأَةٍ مِنْ فَسْخٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ طَلَاقٍ أَيَّ نَوْعٍ كَانَ يَجِبُ لَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ فَإِنَّ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ السُّكْنَى إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً، حُرَّةً أَوْ أَمَةً إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ تَبِيتُ عِنْدَ الزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَتْ تَبِيتُ عِنْدَ أَهْلِهَا فَتَعْتَدُّ عِنْدَهُمْ وَلَا سُكْنَى لَهَا عَلَى الزَّوْجِ، فَإِنْ ارْتَابَتْ الْمُعْتَدَّةُ انْتَظَرَتْ سِتَّةً، فَإِنْ زَعَمَتْ أَنَّ الرِّيبَةَ مُتَمَادِيَةٌ بِهَا نَظَرَ النِّسَاءُ إلَيْهَا (وَلِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا إنْ دَخَلَ بِهَا) الْمُتَيْطِيُّ: كُلُّ مُعْتَدَّةٍ مِنْ وَفَاةِ مَدْخُولٍ بِهَا فَلَهَا السُّكْنَى فِي دَارِ الزَّوْجِ وَهِيَ أَحَقُّ بِسُكْنَاهَا مِنْ وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ، فَإِنْ بِيعَتْ اسْتَثْنَى سُكْنَاهَا إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، فَإِنْ ارْتَابَتْ لَزِمَ السُّكْنَى إلَى تَمَامِ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ مِنْ يَوْمِ وَفَاةِ الْمَيِّتِ، وَلَا حُجَّةَ لِلْمُبْتَاعِ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ. قَالَ مَالِكٌ: وَهِيَ أَحَقُّ بِالْمُقَامِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الرِّيبَةُ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يَكُونَ لِلْمُبْتَاعِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ إمْضَائِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْعِدَّةِ الْمُعْتَادَةِ (وَالْمَسْكَنُ لَهُ أَوْ نَقَدَ كِرَاءَهُ لَا بِلَا نَقْدٍ وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إلَّا الْوَجِيبَةَ تَأْوِيلَانِ) أَبُو عِمْرَانَ: إنْ كَانَ الْمَسْكَنُ لِزَوْجِهَا لَمْ يَجُزْ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُخْرِجُوهَا مِنْهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مُسْتَأْجَرًا وَكَانَ زَوْجُهَا قَدْ أَدَّى أُجْرَتَهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَانَتْ أَحَقَّ بِسُكْنَاهُ مِنْ سَائِرِ وَرَثَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْكَنُ لَهُ وَلَمْ يُؤَدِّ أُجْرَتَهُ كَانَ لِأَرْبَابِهِ إخْرَاجُهَا مِنْهُ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ لَا يَفْعَلُوا ذَلِكَ. فَإِنْ أَخْرَجُوهَا جَازَ لَهَا أَنْ تَسْكُنَ غَيْرَهُ حَتَّى تُتِمَّ عِدَّتَهَا فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْوَرَثَةِ اسْتِئْجَارُ مَسْكَنٍ غَيْرِهِ لَهَا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 507 وَسَوَاءٌ كَانَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْجِرَ لِنَفْسِهَا مِنْ مَالِهَا. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ " إنْ كَانَ نَقَدَ الْكِرَاءَ فَهِيَ أَحَقُّ بِالْمَسْكَنِ وَإِلَّا فَلَا سُكْنَى لَهَا " مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَكْرَى كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ أَكْرَاهَا سَنَةً مُعَيَّنَةً فَهِيَ أَحَقُّ بِالسُّكْنَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقَدَ (وَلَا إنْ لَمْ يَدْخُلْ إلَّا أَنْ يَسْكُنَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا سُكْنَى لِمُعْتَدَّةٍ غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْكَنَهَا مَسْكَنًا لَهُ وَلَوْ بِكِرَاءِ نَقْدٍ عَوَّضَهُ. وَمَنْ دَخَلَ بِصَغِيرَةٍ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَلَا سُكْنَى لَهَا فِي طَلَاقٍ وَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، وَلَهَا السُّكْنَى إنْ كَانَ ضَمَّهَا إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقَلَهَا اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أَرَادَ أَبُوهَا الْحَجَّ أَوْ السَّفَرَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا (لَا لِيَكْفُلَهَا) ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إنْ أَخَذَ الزَّوْجُ الصَّغِيرَةَ لِيَكْفُلَهَا فَقَطْ فَلَا سُكْنَى لَهَا (وَسَكَنَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْكُنُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تَبِيتُ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ دَارِهَا حَيْثُ كَانَتْ تَبِيتُ. أَبُو عِمْرَانَ: كُلُّ مَا تُقْطَعُ فِيهِ إنْ سَرَقَتْ مِنْهُ مِمَّا هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهَا لَا تَبِيتُ فِيهِ وَمَا لَا تُقْطَعُ فِيهِ تَبِيتُ فِيهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا تَعْرِيفٌ بِمُسَاوٍ أَوْ أَخْفَى مِنْهُ. وَقَالَ إسْمَاعِيلُ: تَبِيتُ فِي جَمِيعِ مَا كَانَتْ تَسْكُنُهُ فِي حَيَاةِ زَوْجِهَا (وَرَجَعَتْ لَهُ إنْ نَقَلَهَا وَاتُّهِمَ أَوْ كَانَتْ بِغَيْرِهِ) تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ عَرَفَةَ التُّهْمَةَ عَلَى نَقْلِهَا تُوجِبُ رَدَّهَا وَإِنْ نَقَلَهَا لِمَنْزِلٍ اكْتَرَاهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَزِمَهُ رَدُّهَا (وَإِنْ لِشَرْطٍ فِي إجَارَةِ رَضَاعٍ وَانْفَسَخَتْ) قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: اُنْظُرْ لَوْ كَانَ مُقَامُهَا فِيهِ حَقُّ آدَمِيٍّ كَظِئْرٍ اُسْتُؤْجِرَتْ بِشَرْطِ مُكْثِهَا بِدَارِ أَبَوَيْ الصَّبِيِّ فَمَاتَ زَوْجُهَا أَعْرِفُ فِي هَذَا فَسْخَ إجَارَتِهَا وَتَرْجِعُ إلَى بَيْتِهَا بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ فِي الْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كُلُّ مَنْ أُمِرَتْ بِالرُّجُوعِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَصِلُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لَمْ تَرْجِعْ. (وَمَعَ ثِقَةٍ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْعِدَّةِ إنْ خَرَجَتْ ضَرُورَةً فَمَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا فِي كَالثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ فِي سَيْرِهِمَا إلَى الْحَجِّ رَجَعَتْ فِيمَا قَرُبَ كَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا إنْ أَحْرَمَتْ أَوْ بَعُدَتْ كَالْمَدِينَةِ مِنْ مِصْرَ. ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَهَذَا فِي حَجِّ الْفَرْضِ وَتَرْجِعُ فِي التَّطَوُّعِ وَالرِّبَاطِ وَلَوْ بَعُدَتْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 508 اللَّخْمِيِّ: وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ أَنْ تَرْجِعَ لَمْ تَرْجِعْ إلَّا مَعَ وَلِيٍّ أَوْ جَمَاعَةِ نَاسٍ لَا بَأْسَ بِحَالِهِمْ وَإِلَّا أَقَامَتْ فِي مَوْضِعِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مَوْضِعٍ مُسْتَعْتَبٍ تَمَادَتْ مَعَ الرُّفْقَةِ (وَفِي التَّطَوُّعِ أَوْ غَيْرِهِ إنْ خَرَجَ لِكَرِبَاطٍ لَا لِمُقَامٍ وَإِنْ وَصَلَتْ وَالْأَحْسَنُ وَلَوْ لِإِقَامَةِ نَحْوِ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ مَاتَ فِي خُرُوجِهِ بِهَا لِغَزْوٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ إلَى الْجِهَادِ أَوْ إلَى الرِّبَاطِ لِإِقَامَةِ الْأَشْهُرِ لَا لِلِانْتِقَالِ رَجَعَتْ وَلَوْ وَصَلَا لِتَمَامِ عِدَّتِهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ. قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ مَنْ خَرَجَ إلَى الْمُصِيصَةِ بِعِيَالِهِ لِيُقِيمَ بِهَا الْأَشْهُرَ أَوْ السَّنَةَ اعْتَدَّتْ امْرَأَتُهُ بِهَا. اللَّخْمِيِّ: رَأَى مَالِكٌ مَرَّةً أَنَّ لِطُولِ الْإِقَامَةِ تَأْثِيرًا وَهُوَ أَحْسَنُ (وَفِي الِانْتِقَالِ تَعْتَدُّ بِأَقْرَبِهِمَا أَوْ أَبْعَدِهِمَا أَوْ بِمَكَانِهَا وَإِنْ طَلَّقَ فَرَجَعَتْ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ رُجُوعِهَا لِتَنْزِلَ عَلَى مَا أَذْكُرُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ نَقْلَهَا عَلَى رَفْضِ سُكْنَى مَوْضِعِهِ فَمَاتَ فِي مَسِيرِهِمَا وَهِيَ أَقْرَبُ إلَى الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي فَلَهَا الْمَشْيُ إلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَتْ أَوْ الْمُقَامَ بِمَوْضِعِ مَوْتِهِ أَوْ تَعْدِلُ إلَى حَيْثُ شَاءَتْ فَتُتِمُّ هُنَالِكَ عِدَّتَهَا لِأَنَّهُ مَاتَ، وَلَا قَرَارَ لَهَا وَهِيَ كَمُعْتَدَّةٍ أَخْرَجَهَا أَهْلُ الدَّارِ. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: وَأَمَّا إنْ طَلَّقَهَا فِي سَفَرِهِ فَلَزِمَهَا الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهَا فَعَلَيْهِ كِرَاءُ رُجُوعِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا رَجَعَتْ مِنْ أَجْلِهِ وَحُبِسَتْ لَهُ، فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا يَجِبُ لَهَا مِنْ الْمَسْكَنِ عَلَيْهِ اهـ. اُنْظُرْ إذَا طَلَّقَهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ بِهَا. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُرَحِّلَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا فَأَذِنَتْ لَهُ فَرَحَّلَهَا ثُمَّ ابْتَدَأَ طَلَاقَهَا أَوْ طَلَّقَتْ هِيَ نَفْسَهَا بِشَرْطِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ مُؤْنَةُ رَدِّهَا إلَّا إنْ كَانَ شَرَطَ ذَلِكَ. قَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ إنَّ عَلَيْهِ مُؤْنَةَ ارْتِجَاعِهَا إلَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْعَطَّارِ اهـ. اُنْظُرْ هَذَا كُلُّهُ مَعَ نَقْلِ ابْنِ سَلْمُونَ (وَمَضَتْ الْمُحْرِمَةُ أَوْ الْمُعْتَكِفَةُ أَوْ أَحْرَمَتْ وَعَصَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا طَلُقَتْ الْمُعْتَكِفَةُ أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا فَلْتَمْضِ عَلَى اعْتِكَافِهَا، فَإِذَا تَمَّتْ رَجَعَتْ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا فَتُتِمُّ فِيهِ بَاقِيَ الْعِدَّةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ فِي سَيْرِهِمَا إلَى الْحَجِّ رَجَعَتْ إلَّا إنْ أَحْرَمَتْ. وَفِي الْمُوَطَّأِ: كَانَ عُمَرُ يَرُدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ الْبَيْدَاءِ يَمْنَعُهُنَّ الْحَجَّ. الْبَاجِيُّ: قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ أَحْرَمْنَ نَفَذْنَ وَبِئْسَ مَا صَنَعْنَ. (وَلَا سُكْنَى لِأَمَةٍ لَمْ تُبَوَّأْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: تَعْتَدُّ الْأَمَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا حَيْثُ كَانَتْ تَبِيتُ وَلِأَهْلِهَا نَقْلُهَا مَعَهُمْ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ بُوِّئَتْ مَعَ زَوْجِهَا بَيْتًا لَمْ يَجُزْ لِأَهْلِهَا نَقْلُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: هَذَا مَعْنَى الْمُدَوَّنَةِ وَقَبْلَهُ ابْنُ عَاتٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهَا إنْ انْتَجَعَ سَيِّدُهَا لِبَلَدٍ آخَرَ فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مَعَهُ (وَلَهَا حِينَئِذٍ الِانْتِقَالُ مَعَ سَادَتِهَا كَبَدْوِيَّةٍ ارْتَحَلَ أَهْلُهَا فَقَطْ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ الْأَمَةُ غَيْرَ مُبَوَّأَةٍ انْتَقَلَتْ مَعَ سَيِّدِهَا حَيْثُ انْتَقَلَ وَحُكْمُهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ كَمَا كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 509 قَبْلَهَا وَكَانَ الْحُكْمُ قَبْلَ الْعِدَّةِ أَنْ يَتْبَعَهَا زَوْجُهَا. قَالَ: وَعِدَّةُ الْبَدْوِيَّاتِ أَهْلُ الْعَمُودِ وَالْخُصُوصِ وَالشَّعْرِ فِي الْبُيُوتِ اللَّائِي يَكُنَّ فِيهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ، فَإِنْ انْثَوَى أَهْلُهَا انْثَوَتْ مَعَهُمْ لِأَنَّهَا لَوْ كُلِّفَتْ أَنْ تَبْقَى فِي بَيْتِهَا وَتَنْثَوِي مَعَ أَهْلِ زَوْجِهَا كَانَ عَلَيْهَا مَشَقَّةٌ وَضَرُورَةٌ بِاللَّحَاقِ بِأَهْلِهَا عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ انْثَوَى أَهْلُ زَوْجِهَا خَاصَّةً لَمْ تَنْثَوِ مَعَهُمْ (أَوْ لِعُذْرٍ لَا يُمْكِنُ الْمُقَامُ مَعَهُ بِمَسْكَنِهَا) أَبُو عُمَرَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَغْرُبَ لَهَا الشَّمْسُ إلَّا فِي بَيْتِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَبِيتَ إلَّا فِي مَنْزِلِهَا، فَإِنْ خَرَجَتْ فِي لَيْلَةٍ مِنْ عِدَّتِهَا فَبَاتَتْ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا أَثِمَتْ فِي فِعْلِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ فِي بَاقِي عِدَّتِهَا، وَلَهَا أَنْ تَبْنِيَ عَلَى مَا مَضَى مِنْهَا وَلَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ، وَلَا يَحِلُّ لَهَا الِانْتِقَالُ مِنْ دَارِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا إلَّا أَنْ تَخَافَ عَوْرَةَ مَنْزِلِهَا أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُهَا الْمُقَامُ مَعَهُ فَتَنْتَفِلَ حِينَئِذٍ ثُمَّ تُقِيمَ حَيْثُ انْتَقَلَتْ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا (كَسُقُوطٍ وَخَوْفِ جَارِ سُوءٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تَنْتَقِلُ إلَّا لِضَرَرٍ لَا قَرَارَ مَعَهُ كَخَوْفِ سُقُوطِ الْمَسْكَنِ أَوْ لُصُوصٍ بَقَرِيَّةٍ لَا مُسْلِمِينَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِمَدِينَةٍ لَمْ تَنْتَقِلْ لِضَرَرِ جِوَارٍ وَلْتَرْفَعْ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ (وَلَزِمَتْ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: حُكْمُهَا فِيمَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ كَمَا انْتَقَلَتْ عَنْهُ وَإِنْ انْتَقَلَتْ لِغَيْرِ عُذْرٍ رَدَّهَا الْإِمَامُ (وَالْخُرُوجُ فِي حَوَائِجِهَا طَرَفَيْ النَّهَارِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَهَا التَّصَرُّفُ نَهَارًا وَالْخُرُوجُ سَحَرًا قُرْبَ الْفَجْرِ وَتَرْجِعُ مَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ. اللَّخْمِيِّ: قَوْلُ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِخُرُوجِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: تَخْرُجُ إلَى الْمَسْجِدِ. «وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُعْتَدَّاتِ الْمُتَجَاوِرَاتِ: تَحَدَّثْنَ عِنْدَ إحْدَاكُنَّ مَا بَدَا لَكُنَّ فَإِنْ أَرَدْتُنَّ النَّوْمَ فَلْتَؤُبْ كُلُّ امْرَأَةٍ إلَى بَيْتِهَا» . ابْنُ الْمَوَّازِ: يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَقُمْنَ إلَى وَقْتِ نِيَامِ النَّاسِ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أُحِبُّ كَوْنَهَا عِنْدَ أُمِّهَا النَّهَارَ كُلَّهُ. وَقَالَ مَالِكٌ أَيْضًا: لَهَا أَنْ تَحْضُرَ الْعُرْسَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 510 وَلَكِنْ لَا تَتَهَيَّأُ فِيهِ بِمَا لَا تَلْبَسُهُ الْحَادُّ (لَا لِضَرَرِ جِوَارٍ بِحَاضِرَةٍ وَرَفَعَتْ لِلْحَاكِمِ) تَقَدَّمَ هَذَا النَّصُّ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَلَزِمَتْ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ " (وَأَقْرَعَ لِمَنْ يَخْرُجُ إنْ أَشْكَلَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ وَقَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ يُسَاكِنُهَا شَرٌّ؛ فَإِنْ كَانَ مِنْهَا أَخْرَجَتْ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا أَخْرَجَ عَنْهَا، فَإِنْ أَشْكَلَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَبْلَ هَذَا ابْنُ عَاتٍ وَالصَّوَابُ إخْرَاجُ غَيْرِ الْمُعْتَدَّةِ لِأَنَّ إقَامَتَهَا حَقٌّ لِلَّهِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ (وَهَلْ لَا سُكْنَى لِمَنْ سَكَنَتْ زَوْجَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَوْلَانِ) اللَّخْمِيِّ: إذَا كَانَ سُكْنَى الزَّوْجِ فِي مَسْكَنِ الزَّوْجَةِ بِمِلْكٍ أَوْ كِرَاءٍ وَلَمْ تَكُنْ طَلَبَتْهُ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ بِكِرَائِهِ مُكَارَمَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَلَهَا أَنْ تَطْلُبَهُ بِالْكِرَاءِ لِلْعِدَّةِ لِأَنَّهُمَا بِالطَّلَاقِ خَرَجَا عَنْ الْمُكَارَمَةِ فَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تُكَارِمَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا شَيْءَ لَهَا إنْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ. اهـ. مِنْ اللَّخْمِيِّ. وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ هَذَا الْقَوْلِ وَبِذَلِكَ أَيْضًا قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ زَرْبٍ. قَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: وَهُوَ أَقْيَسُ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَذَكَرَ ابْنُ سَلْمُونَ الْقَوْلَيْنِ قَالَ: وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْكِرَاءِ عَلَيْهِ. (وَسَقَطَتْ إنْ أَقَامَتْ بِغَيْرِهِ كَنَفَقَةِ وَلَدٍ هَرَبَتْ بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ انْتَقَلَتْ لِغَيْرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 511 عُذْرٍ رَدَّهَا الْإِمَامُ بِالْقَضَاءِ إلَى بَيْتِهَا وَلَا كِرَاءَ لَهَا فِيمَا أَقَامَتْ فِي غَيْرِهِ. ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ إذَا هَرَبَتْ مِنْ زَوْجِهَا أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ لِأَنَّ السُّكْنَى حَقٌّ لَهَا تَرَكَتْهُ وَالْهَارِبَةُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا إلَى حَاكِمٍ يَرُدُّهَا إلَى بَيْتِهِ، فَحُكْمُ النَّفَقَةِ قَائِمٌ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَيْنَ هَرَبَتْ، وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَفَعَهَا، وَنَحْوُ هَذَا مِنْ الْأَعْذَارِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ. ابْنُ يُونُسَ: قَدْ تَقَدَّمَ الِاخْتِلَافُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى النَّاشِزِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَسَقَطَتْ إنْ أَكَلَتْ مَعَهُ " (وَلِلْغُرَمَاءِ بَيْعُ الدَّارِ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: هِيَ أَحَقُّ مِنْ الْغُرَمَاءِ بِمَا نَقَدَ كِرَاءَهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُعْتَدَّةُ أَحَقُّ بِسُكْنَى دَارِ الْمَيِّتِ مِنْ غُرَمَائِهِ وَتُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ وَيُشْتَرَطُ إسْكَانُهَا عَلَى الْمُشْتَرِي (فَإِنْ ارْتَابَتْ فَهِيَ أَحَقُّ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ) ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ ارْتَابَتْ فَهِيَ أَحَقُّ بِالْمُقَامِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الرِّيبَةُ وَتَحِلَّ، وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ شَاءَ فَسَخَ بَيْعَهُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ، وَإِنْ شَاءَ تَمَاسَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ يَرْجِعُ بِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْعِدَّةِ الْمَعْرُوفَةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَلَوْ وَقَعَ بِشَرْطِ زَوَالِ الرِّيبَةِ كَانَ فَاسِدًا. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا حُجَّةَ لِلْمُبْتَاعِ. قَالَ سَحْنُونَ: وَإِنْ تَمَادَتْ الرِّيبَةُ إلَى خَمْسِ سِنِينَ فَلَا حُجَّةَ لِلْمُبْتَاعِ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَقْصَى الْعِدَّةِ خَمْسُ سِنِينَ فَكَأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عِلْمٍ (وَلِلزَّوْجِ فِي الْأَشْهَرِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ بَيْعُ الدَّارِ إلَّا فِي ذَاتِ الْأَشْهُرِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَفَرَضَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَيْعِ الْغُرَمَاءِ دَارَ الْمَيِّتِ. اُنْظُرْهُ فِي غُرُورِهَا وَعِدَّتِهَا (وَمَعَ تَوَقُّعِ الْحَيْضِ قَوْلَانِ) نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ (وَلَوْ بَاعَ إنْ زَالَتْ الرِّيبَةُ فَسَدَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ: لَوْ وَقَعَ بِشَرْطِ زَوَالِ الرِّيبَةِ كَانَ فَاسِدًا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَعَقَّبَ هَذَا التُّونِسِيُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 512 (وَأُبْدِلَتْ فِي الْمُتَهَدِّمِ وَالْمُعَارِ وَالْمُسْتَأْجَرِ الْمُنْقَضِي الْمُدَّةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: عَلَى الزَّوْجِ إنْ تَعَذَّرَ مَسْكَنُهَا بِهَدْمٍ أَوْ انْتِهَاءِ مُدَّةِ مُعَارٍ أَوْ مُكْرًى بَدَلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانَيْنِ أُجِيبَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ انْهَدَمَ فَدَعَتْ لِمَسْكَنٍ غَيْرِ مَا دَعَا إلَيْهِ فَذَلِكَ لَهَا فِيمَا لَا يَضُرُّ بِهِ لِكَثْرَةِ كِرَاءٍ، وَلَوْ أَسْقَطَتْ الْكِرَاءَ سَكَنَتْ حَيْثُ شَاءَتْ (وَامْرَأَةُ الْأَمِيرِ وَنَحْوِهِ لَا يُخْرِجُهَا الْقَادِمُ إنْ ارْتَابَتْ كَالْحَبْسِ حَيَاتَهُ بِخِلَافِ حَبْسِ مَسْجِدٍ بِيَدِهِ) اللَّخْمِيِّ: لَا يَخْلُو الْمَسْكَنُ الَّتِي تَعْتَدُّ فِيهِ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ. مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ أَمِيرًا أَوْ قَاضِيًا يَسْكُنُ لِأَجَلٍ مَا كَانَ يَقُومُ بِهِ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ عُزِلَ أَوْ مَاتَ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَأَمَّا دَارُ الْإِمَارَةِ فَالْأَمْرُ فِيهَا أَوْسَعُ مِنْ الْحَبْسِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا تَخْرُجُ مُعْتَدَّةُ أَمِيرٍ لِوَالٍ بَدَلَهُ قَبْلَ تَمَامِهَا كَذِي الْحَبْسِ حَيَاتَهُ. الْمُتَيْطِيُّ: وَلَا يَكُونُ لِمَنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ الدَّارُ إخْرَاجُهَا إلَّا بَعْدَ الْعِدَّةِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ تَأَخَّرَتْ حَتَّى تَنْقَضِيَ الرِّيبَةُ وَلَوْ إلَى خَمْسِ سِنِينَ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ أَسْبَابِ أَمْرِ الْمَيِّتِ، وَكَذَلِكَ زَوْجَةُ إمَامِ الْمَسْجِدِ السَّاكِنِ فِي دَارِهِ تَعْتَدُّ فِيهَا إلَّا أَنْ يَرَى جِيرَانُ الْمَسْجِدِ إخْرَاجَهَا مِنْ النَّظَرِ لَهُمْ فَذَلِكَ لَهُمْ. قَالَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ هَذَا بِجَيِّدٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمِيرِ وَالْإِمَامِ. ابْنُ زَرْقُونٍ: قَوْلُ ابْنِ الْعَطَّارِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ الدَّارُ حَبْسًا عَلَى الْمَسْجِدِ حَبْسًا مُطْلَقًا، وَأَمَّا إنْ حُبِسَتْ عَلَى أَئِمَّةِ الْمَسْجِدِ فَهِيَ كَدَارِ الْإِمَارَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ. (وَلِأُمِّ وَلَدٍ يَمُوتُ عَنْهَا السُّكْنَى) ابْنُ عَرَفَةَ: لُزُومُ سُكْنَى أُمِّ الْوَلَدِ مُدَّةَ حَيْضَتِهَا لِمَوْتِ سَيِّدِهَا عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 513 لَا إحْدَادَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ، وَلَا أُحِبُّ لَهَا الْمُوَاعَدَةَ فِيهَا وَلَا تَبِيتُ إلَّا فِي بَيْتِهَا (وَزِيدَ مَعَ الْعِتْقِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ) ابْنُ عَرَفَةَ فِي التَّهْذِيبِ: لِأُمِّ الْوَلَدِ سُكْنَى حَيْضَتَهَا إنْ مَاتَ سَيِّدُهَا أَوْ أُعْتِقَتْ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا حِينَ أَعْتَقَهَا فَلَهَا نَفَقَتُهَا أَمَامَ الْمَوْتِ. وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ مَاتَ عَنْ أَمَةٍ حَامِلٍ مِنْهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا (كَالْمُرْتَدَّةِ وَالْمُشْتَبِهَةِ إنْ حَمَلَتَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَيَكُونُ لِلْمُرْتَدَّةِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى إنْ كَانَتْ حَامِلًا؟ قَالَ: نَعَمْ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُهُ. اللَّخْمِيِّ: إنْ ارْتَدَّتْ زَوْجَةٌ حَامِلًا أُخِّرَتْ وَتَكُونُ نَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا. وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ حَامِلٍ وَقَالَ الزَّوْجُ لَمْ تَحِضْ بَعْدَ أَنْ أَصَبْتهَا وَأُشْكِلَ هَلْ هِيَ حَامِلٌ أَمْ لَا، فَمِنْ حَقِّ الزَّوْجِ تَأْخِيرُهَا حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يَمُرَّ لَهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أَصَابَهَا، فَإِنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَلَمْ تَمْضِ لِإِصَابَتِهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا لَمْ تُؤَخِّرْ، لِأَنَّ الْمَاءَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْهُ وَلَدٌ، وَإِنْ مَضَى لَهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا أُخِّرَتْ، وَإِذَا أُخِّرَتْ فَلَا نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، لِأَنَّ رِدَّتَهَا طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا فُرِّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا وَقَدْ بَنَى بِهَا فَرَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا فَلَهَا السُّكْنَى لِأَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا يَتْبَعُهُ، وَكَذَا مَنْ نَكَحَ ذَاتَ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَلَمْ يَعْلَمْ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَلَهَا السُّكْنَى. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا هُنَا ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ كَمَنْ نَكَحَ مَحْرَمًا فَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ (وَهَلْ نَفَقَةُ ذَاتِ الزَّوْجِ إنْ لَمْ تَحْمِلْ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الْوَاطِئِ قَوْلَانِ) هَذِهِ هِيَ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ كَلَامٌ مُجْمَلٌ وَاَلَّذِي لِأَبِي عِمْرَانَ أَنَّ نَفَقَةَ الْمُسْتَبْرَأَةِ لِوَطْئِهَا غَيْرَ زَوْجِهَا قَبْلَ بِنَائِهِ عَلَيْهَا. وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ. وَإِذَا قُلْنَا إنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: تَرْجِعُ عَلَى وَاطِئِهَا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَأَمَّا مَنْ وَطِئَ زَوْجَةَ غَيْرِهِ لَيْلًا يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ وَلَمْ تَحْمِلْ فَنَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا كَمَا لَوْ مَرِضَتْ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَسُكْنَى الْمَغْلُوطِ بِهَا قَبْلَ بِنَاءِ زَوْجِهَا عَلَى الْغَالِطِ لِقَوْلِهَا كُلُّ مَنْ تُحْبَسُ لَهُ فَعَلَيْهِ سُكْنَاهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 514 [فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ] [قَدْرُ الِاسْتِبْرَاءِ وَأَسْبَابِهِ] ابْنُ شَاسٍ: الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَفِيهِ فَصْلَانِ: الْأَوَّلُ فِي قَدْرِهِ، وَالثَّانِي فِي أَسْبَابِهِ (يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِحُصُولِ الْمِلْكِ) ابْنُ شَاسٍ: سَبَبُ الِاسْتِبْرَاءِ حُصُولُ الْمِلْكِ أَوْ زَوَالُهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» قَالَ ابْنُ يُونُسَ: فَوَجَبَ أَنَّ كُلَّ مَنْ انْتَقَلَ إلَى مِلْكِهِ مِلْكُ أَمَةٍ كَانَتْ فِي حَوْزِ غَيْرِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَهَا أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ مَلَكَهَا بِبَيْعٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ مِنْ مَغْنَمٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: حَيْضَتُهَا بَعْدَ الْبَيْعِ بِيَدِ الْبَائِعِ لَغْوٌ (إنْ لَمْ تُوقِنْ الْبَرَاءَةَ وَلَمْ يَكُنْ وَطْؤُهَا مُبَاحًا وَلَمْ تَحْرُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ) . الْأَبْهَرِيُّ: يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِأَرْبَعَةِ أَوْصَافٍ أَنْ لَا يَعْلَمَ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ مُودَعَةً عِنْدَهُ لَا تَخْرُجُ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الْفَرْجُ مُبَاحًا قَبْلَ الْمِلْكِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ زَوْجَتَهُ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ الْوَطْءُ مُبَاحًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ ذَاتَ زَوْجٍ. وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: مَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاءٌ، فَإِنْ بَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا لَمْ تُوطَأْ إلَّا بَعْدَ حَيْضَتَيْنِ، وَلَوْ وَطِئَهَا ثُمَّ بَاعَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مُشْتَرِيهَا إلَّا اسْتِبْرَاؤُهَا بِحَيْضَةٍ. اُنْظُرْ مَنْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ أَمَتُهُ فَاشْتَرَاهَا مِنْ مُسْتَحِقِّهَا هَلْ يَبْقَى يَطَؤُهَا كَمَا كَانَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِبْرَائِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا (وَإِنْ صَغِيرَةً أَطَاقَتْ الْوَطْءَ أَوْ كَبِيرَةً لَا تَحْمِلَانِ عَادَةً) ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَطَأُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَمَةُ رَفِيعَةً أَوْ رَضِيعَةً، كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً إذَا كَانَتْ مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ إيجَابُ الِاسْتِبْرَاءِ فِيهَا (أَوْ وَخْشًا أَوْ بِكْرًا) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ الْوَخْشُ كَالْعَلِيِّ وَالْبِكْرُ كَالثَّيِّبِ (أَوْ رَجَعَتْ مِنْ غَصْبٍ) أَبُو عُمَرَ: وَلَوْ كَانَتْ الزَّانِيَةُ أَوْ الْمُغْتَصَبَةُ أَمَةً أَجْزَأَهَا فِي اسْتِبْرَائِهَا حَيْضَةٌ، ذَاتَ زَوْجٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ ذَاتِ زَوْجٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 515 تَنْكِحَ وَلَا لِزَوْجِهَا إنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَكَذَلِكَ مُشْتَرِيهَا لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَحِيضَ أَوْ تَضَعَ حَمْلَهَا. وَأَمَّا الْحُرَّةُ الزَّانِيَةُ أَوْ الْمُغْتَصَبَةُ فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَلَا لِزَوْجِهَا أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ اسْتِبْرَاؤُهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَانْظُرْ هَلْ لَهُ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِظَاهِرِهَا؟ قَالَ الْمَازِرِيُّ: أَعْرِفُ قَوْلًا إذَا زَنَتْ الْحَامِلُ أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَتَمَتَّعَ بِظَاهِرِهَا كَقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْأَمَةِ إذَا اشْتَرَاهَا حَامِلًا. اُنْظُرْ نَوَازِلَ ابْنِ الْحَاجِّ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَوَجَبَ إنْ وُطِئَتْ بِزِنًا " (أَوْ سَبْيٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: جَوَّزَ السَّبْيَ كَالْمِلْكِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا سَبَى الْعَدُوُّ أَمَةً أَوْ حُرَّةً لَمْ تُوطَأْ الْحُرَّةُ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثِ حِيَضٍ وَلَا الْأَمَةُ إلَّا بَعْدَ حَيْضَةٍ وَلَا يُصَدَّقْنَ فِي نَفْيِ الْوَطْءِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَامِلَ إذَا زَنَتْ لَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَضَعَ (أَوْ غُنِمَتْ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ: سَوَاءٌ مَلَكَهَا بِبَيْعٍ أَوْ مِنْ مَغْنَمٍ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَسَوَاءٌ سُبِيَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ زَوْجِهَا (أَوْ اُشْتُرِيَتْ وَلَوْ مُتَزَوِّجَةً وَطَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ بِيعَتْ مُتَزَوِّجَةً فَطَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ نَقْلِ الْمِلْكِ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ " إنْ لَمْ تُوقِنْ الْبَرَاءَةَ " (كَالْمَوْطُوءَةِ إنْ بِيعَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ فَلَا يَبِيعُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، ثُمَّ لَا بُدَّ لَهُ إنْ بَاعَ الرَّائِعَةَ مِنْ الْمُوَاضَعَةِ كَانَ قَدْ اسْتَبْرَأَهَا أَمْ لَا. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: مَنْ اشْتَرَى مِنْ عَبْدِهِ جَارِيَةً أَوْ انْتَزَعَهَا مِنْهُ فَلِيَسْتَبْرِئهَا، وَمَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَسْتَبْرِئْ، وَإِنْ ابْتَاعَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 516 يَطَأَهَا أَوْ بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا فَلْيَسْتَبْرِئْ الْمُبْتَاعُ بِحَيْضَةٍ، وَكَذَلِكَ إنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ ثُمَّ بَاعَهَا بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا لِأَنَّ وَطْأَهُ فَسْخٌ لِعِدَّتِهَا مِنْهُ، وَلَوْ بَاعَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ هَاهُنَا لَمْ تَحِلَّ إلَّا بِحَيْضَتَيْنِ عِدَّةَ فَسْخِ النِّكَاحَ، وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ وَاحِدَةً ثُمَّ ابْتَاعَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ بَاعَهَا وَلَمْ يَطَأْهَا فَحَيْضَتَانِ مِنْ يَوْمِ طَلَاقِهَا تُحِلُّهَا، وَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَ حَيْضَةٍ لَمْ تَحِلَّ إلَّا بِحَيْضَةٍ ثَانِيَةٍ، وَلَوْ بَاعَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَاسْتِبْرَاؤُهَا حَيْضَةٌ كَانَ الطَّلَاقُ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا (أَوْ زُوِّجَتْ) ابْنُ شَاسٍ: السَّبَبُ الثَّانِي زَوَالُ الْمِلْكِ. وَالْأَمَةُ الْمَوْطُوءَةُ إذَا عَتَقَتْ إمَّا بِالْعِتْقِ وَإِمَّا بِمَوْتِ السَّيِّدِ فَعَلَيْهَا التَّرَبُّصُ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَنْ أَرَادَ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ قَبْلَ التَّزْوِيجِ، وَلَوْ اسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا حَلَّتْ مَكَانَهَا لِلزَّوْجِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ الِاسْتِبْرَاءِ مَنْ تَصِيرُ إلَيْهِ وَلَا بُدَّ مِنْ حَيْضَةٍ (وَقُبِلَ قَوْلُ سَيِّدِهَا) ابْنُ شَاسٍ: وَإِذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي بَرَاءَةِ رَحِمِهَا وَجَازَ لِلزَّوْجِ الْإِقْدَامُ عَلَى وَطْئِهَا وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا كَمَا تُؤَمَّنُ الْحُرَّةُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تُصَدَّقُ أَمَةٌ فِي اسْتِبْرَائِهَا أَنَّهَا حَاضَتْ أَوْ أَسْقَطَتْ حَتَّى يَنْظُرَهَا النِّسَاءُ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ (وَجَازَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ مُدَّعِيهِ تَزْوِيجُهَا قَبْلَهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ مُدَّعِي اسْتِبْرَاءٍ وَلَمْ يَطَأْهَا جَازَ لَهُ تَزْوِيجُهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَاعَ أَمَةً مِنْ وَخْشِ الرَّقِيقِ وَلَمْ يَطَأْهَا فَلَا يَطَؤُهَا الْمُبْتَاعُ حَتَّى تَحِيضَ، وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا حَمْلٌ كَمَا كَانَ لِبَائِعِهَا. وَأَصْلُ هَذَا أَنْ تَنْظُرَ إلَى كُلِّ جَارِيَةٍ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُزَوِّجَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا فَذَلِكَ أَيْضًا جَائِزٌ لِلْمُبْتَاعِ إذَا قَبِلَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ كَانَ لِلْمُبْتَاعِ مِثْلُهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ: لِلرَّجُلِ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ الَّتِي لَا يَطَؤُهَا بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ. ابْنُ شَاسٍ: وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا كَمَا تُؤْمَنُ الْحُرَّةُ (وَاتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى وَاحِدٍ) التَّلْقِينُ: وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ وَطِئَ أَمَةً أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى اسْتِبْرَاءٍ وَاحِدٍ جَازَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فَرْقٌ بَيْنَ الرَّائِعَةِ وَغَيْرِهَا. اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " كَالْمَوْطُوءَةِ إنْ بِيعَتْ " (كَالْمَوْطُوءَةِ بِاشْتِبَاهٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَنْ الْوَطْءِ الْفَاسِدِ كَمَنْ وُطِئَتْ بِاشْتِبَاهٍ. وَكَمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ وَطِئَ أُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَوَقَفَ لِيَخْتَارَ فَاخْتَارَ الثَّانِيَةَ وَحَرُمَ فَرْجُ الْأُولَى فَإِنَّهُ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَ لِفَسَادِ وَطْئِهِ (أَوْ سَاءَ الظَّنُّ كَمَنْ عِنْدَهُ تَخْرُجُ أَوْ لِغَائِبٍ أَوْ مَجْبُوبٍ أَوْ مُكَاتَبَةٍ عَجَزَتْ) الْمَازِرِيُّ: الْقَوْلُ الْجَامِعُ أَنَّ كُلَّ أَمَةٍ أُمِنَ عَلَيْهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ فِيهَا، وَكُلُّ مَنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ حَمْلُهَا أَوْ شَكَّ فَالِاسْتِبْرَاءُ لَازِمٌ، وَكُلُّ مَنْ جَوَّزَ حُصُولَهُ فَالْمَذْهَبُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَالصَّغِيرَةِ الْمُطِيقَةِ لِلْوَطْءِ وَالْيَائِسَةِ، وَكَاسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ خَوْفَ أَنْ تَكُونَ زَنَتْ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لِسُوءِ الظَّنِّ، وَكَاسْتِبْرَاءِ الْوَخْشِ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ وَطْءِ السَّادَاتِ لَهُنَّ، وَكَاسْتِبْرَاءِ مَنْ بَاعَهَا مَجْبُوبٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ ذُو مَحْرَمٍ، وَالْمَشْهُورُ فِي هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ الِاسْتِبْرَاءُ. وَكَاسْتِبْرَاءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 517 الْمُكَاتَبَةِ أَثْبَتَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا الِاسْتِبْرَاءَ إذَا عَجَزَتْ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَجِبُ اسْتِبْرَاءُ مَنْ تَحْتَ يَدِهِ إذَا كَانَتْ تَخْرُجُ أَوْ مَنْ كَانَتْ لِغَائِبٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ رَهَنَ جَارِيَةً أَوْ أَوْدَعَهَا فَلَا يَسْتَبْرِئُ إذَا ارْتَجَعَهَا، وَلَوْ ابْتَاعَهَا مِنْهُ الْمُودِعُ بَعْدَ أَنْ حَاضَتْ عِنْدَهُ أَجْزَأَهُ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ إنْ كَانَتْ فِي بَيْتِهِ لَا تَخْرُجُ، وَلَوْ كَانَتْ تَخْرُجُ إلَى السُّوقِ وَلَمْ يُجْزِهِ (أَوْ أَبْضَعَ فِيهَا وَأَرْسَلَهَا مَعَ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً مِثْلُهَا يُوطَأُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْهَا أَوْ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُوَاضَعَتِهَا لِلِاسْتِبْرَاءِ، وَمَنْ أَبْضَعَ مَعَ رَجُلٍ فِي شِرَاءِ جَارِيَةٍ فَبَعَثَ بِهَا إلَيْهِ فَحَاضَتْ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا لِنَفْسِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: بَلْ يُجْزِئُهُ حَيْضَتُهَا فِي الطَّرِيقِ أَوْ عِنْدَ الْوَكِيلِ وَلَا يُسْتَبْرَأُ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ. ابْنُ يُونُسَ: قِيلَ: مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ الْوَكِيلَ تَعَدَّى فِي بَعْثِهِ إيَّاهَا مَعَ غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ الْأَمِينُ. اُنْظُرْ الِاضْطِرَابَ إذَا كَانَ مُشْتَرِيهَا هُوَ الَّذِي أَتَى بِهَا بَيْنَ التُّونِسِيِّ وَابْنِ مُحْرِزٍ (وَبِمَوْتِ سَيِّدٍ وَإِنْ اُسْتُبْرِئَتْ) اُنْظُرْ قَبْلُ قَوْلَهُ " وَقُبِلَ قَوْلُ سَيِّدِهَا " (أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا) سَيَأْتِي أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا اعْتَدَّتْ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا وَحَلَّتْ فَلَمْ يَطَأْهَا سَيِّدُهَا حَتَّى مَاتَ أَنَّ عَلَيْهَا حَيْضَةً. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى مُعْتَدَّةً مِنْ وَفَاةِ زَوْجٍ فَحَاضَتْ قَبْلَ تَمَامِ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى تُتِمَّ عِدَّتَهَا، فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَجْزَأَتْهَا مِنْ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ، وَإِنْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا وَلَمْ تَحِضْ بَعْدَ الْبَيْعِ انْتَظَرَتْ الْحَيْضَةَ. (وَبِالْعِتْقِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِعِتْقِ الْأَمَةِ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا مِنْ وَطْءِ سَيِّدِهَا، فَأُمًّا إنْ اسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَإِنَّهَا تَحِلُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 518 مَكَانَهَا. وَرَوَى مُحَمَّدٌ: لَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ عِدَّتِهَا مِنْ غَيْرِهِ حَلَّتْ مَكَانَهَا (وَاسْتَأْنَفَتْ إنْ اُسْتُبْرِئَتْ أَوْ غَابَ غَيْبَةً عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْدَمْ أُمُّ الْوَلَدِ فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ مَاتَ عَنْهَا لَمْ يُجْزِهَا حَتَّى تَأْتَنِفَ حَيْضَةً بَعْدَ عِتْقِهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ مِنْ آخِرِ تَرْجَمَةٍ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ اعْتَدَّتْ أُمُّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا فَلَمْ يَطَأْهَا سَيِّدُهَا حَتَّى مَاتَ أَوْ كَانَ غَائِبًا بِبَلَدٍ فَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْدُمْ مِنْهُ بَعْدَ وَفَاةِ الزَّوْجِ فَعَلَيْهَا حَيْضَةٌ. أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا مِنْ الزَّوْجِ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ سَيِّدِهَا فَزَعَمَتْ أَنَّهُ مِنْ السَّيِّدِ لَلَحِقَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ أَمَسَّهَا بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا فَلَا يُلْحَقْ بِهِ، وَكُلُّ وَلَدٍ جَاءَتْ بِهِ أُمُّ وَلَدٍ لِرَجُلٍ أَوْ أَمَةٍ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا لِمِثْلِ مَا يَلِدُ لَهُ النِّسَاءُ وَهُوَ خَمْسُ سِنِينَ فَأَدْنَى فَهُوَ بِالسَّيِّدِ لَاحِقٌ، وَتَكُونُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ أَتَتْ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَوْ بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ السَّيِّدُ فِي حَيَاتِهِ الِاسْتِبْرَاءَ فَيَنْتَفِي مِنْهُ بِلَا لِعَانٍ، لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ لَا لِعَانَ فِيهِ. (بِحَيْضَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ بِهِ مِنْ الْحَمْلِ وَذَلِكَ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ فِي ذَاتِ الْحَيْضِ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَعْنَى تَعَبُّدٍ وَلَا حُرْمَةَ الْحُرِّيَّةِ. وَفِي الرِّسَالَةِ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا حَيْضَةٌ (وَإِنْ تَأَخَّرَتْ أَوْ أَرْضَعَتْ أَوْ مَرِضَتْ أَوْ اُسْتُحِيضَتْ وَلَمْ تُمَيِّزْ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ لَا تَأْتِيهَا حَيْضَتُهَا إلَّا مِنْ فَوْقِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ تُبْرِئُهَا مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا كَانَتْ تَحِيضُ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 519 فَوْقِ الثَّلَاثَةِ أَشْهُرٍ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مِمَّنْ تَحِيضُ فَاسْتُحِيضَتْ أَوْ ارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ غَانِمٍ أَنَّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ تُجْزِئُ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَلَمْ يَجِدْنَ بِهَا حَمْلًا (كَالصَّغِيرَةِ وَالْيَائِسَةِ) أَبُو عُمَرَ: إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَاسْتِبْرَاؤُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً لَا يَحْمِلُ مِثْلُهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ فِيهَا. (وَنَظَرَ النِّسَاءُ فَإِنْ ارْتَبْنَ فَتِسْعَةٌ) اُنْظُرْ قَبْلُ قَوْلَهُ " كَالصَّغِيرَةِ ". وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى أَمَةً مُسْتَحَاضَةً فَعَلِمَ بِذَلِكَ اسْتَبْرَأَهَا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ لَا يُبْرِئَهَا ذَلِكَ وَتَشُكُّ فَيَرْفَعَ بِهَا إلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 520 تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَاَلَّتِي رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا بِمَنْزِلَتِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ تَرَى الْمُسْتَحَاضَةُ مَا تُوقِنُ هِيَ وَالنِّسَاءُ أَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ فَتَحِلُّ مَتَى تَرَاهُ (وَبِالْوَضْعِ كَالْعِدَّةِ) أَبُو عُمَرَ: إنْ كَانَتْ الْأَمَةُ حَامِلًا فَاسْتِبْرَاؤُهَا وَضْعُ مَا فِي بَطْنِهَا أَوْ إسْقَاطُهُ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا أَوْ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً (وَحَرُمَ فِي زَمَنِهِ الِاسْتِمْتَاعُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَنْبَغِي لِلْمُبْتَاعِ مُدَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ وَطْءٌ وَلَا تَلَذُّذٌ وَلَا نَظَرُ لَذَّةٍ وَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ لِغَيْرِ لَذَّةٍ (وَلَا اسْتِبْرَاءَ إنْ لَمْ تُطِقْ الْوَطْءَ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَصَغِيرَةٌ أَطَاقَتْ الْوَطْءَ ". وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي تُطِيقُ الْوَطْءَ وَإِنْ أُمِنَ مِنْهَا الْحَمْلُ تُسْتَبْرَأُ وَهَذَا شَدِيدٌ (أَوْ حَاضَتْ تَحْتَ يَدِهِ كَمُودَعَةٍ وَمَبِيعَةٍ بِالْخِيَارِ وَلَمْ تَخْرُجْ وَلَمْ يَلِجْ عَلَيْهَا سَيِّدُهَا) ابْنُ شَاسٍ: لَا يُجْزِئُ الِاسْتِبْرَاءُ قَبْلَ الْبَيْعِ إلَّا فِي حَالَاتٍ مِنْهَا: أَنْ تَكُونَ تَحْتَ يَدِهِ لِلِاسْتِبْرَاءِ أَوْ الْوَدِيعَةِ فَتَحِيضَ عِنْدَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا حِينَئِذٍ أَوْ بَعْدَ أَيَّامٍ وَهِيَ لَا تَخْرُجُ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا سَيِّدُهَا. وَمِنْهَا أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِمَّنْ هُوَ سَاكِنٌ مَعَهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ وَلَدٍ لَهُ صَغِيرٍ فِي عِيَالِهِ وَقَدْ حَاضَتْ فَابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ: إنْ كَانَتْ لَا تَخْرُجُ أَجْزَأَ ذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَمِثْلُ الْمُودَعَةِ الْمَرْهُونَةُ وَالْمَبِيعَةُ بِالْخِيَارِ تَحِيضَانِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُبْتَاعِ. اُنْظُرْ قَبْلُ قَوْلَهُ " أَوْ أَبْضَعَ " (أَوْ أَعْتَقَ وَتَزَوَّجَ) اُنْظُرْ قَبْلُ قَوْلَهُ " وَاسْتَأْنَفَتْ ". وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمَنْ أَعْتَقَ لَمْ يَسْتَبْرِئْ لِنِكَاحِهِ عَنْ وَطْئِهِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَمَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 521 أَعْتَقَ أَمَتَهُ بَعْدَ وَطْئِهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا جَازَ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا (أَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ وَإِنْ بَعْدَ الْبِنَاءِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَسْتَبْرِئْ (فَإِنْ بَاعَ الْمُشْتَرَاةَ وَقَدْ دَخَلَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ مَاتَ أَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ وَطْءِ الْمِلْكِ لَمْ تَحِلَّ لِسَيِّدٍ وَلَا زَوْجٍ إلَّا بِقُرْأَيْنِ عِدَّةِ فَسْخِ النِّكَاحِ) أَمَّا إنْ بَاعَ الْمُشْتَرَاةَ قَبْلَ وَطْءِ الْمِلْكِ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: إنْ ابْتَاعَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ ثُمَّ بَاعَهَا بَعْدَ أَنْ وَطِئَ فَلْيَسْتَبْرِئْ الْمُبْتَاعُ بِحَيْضَةٍ لِأَنَّ وَطْأَهُ فَسْخٌ لِعِدَّتِهَا مِنْهُ، وَلَوْ بَاعَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ هَاهُنَا لَمْ تَحِلَّ إلَّا بِحَيْضَتَيْنِ لِأَنَّهَا عِدَّةُ فَسْخِ النِّكَاحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " كَالْمَوْطُوءَةِ إنْ بِيعَتْ ". وَأَمَّا إنْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرَاةَ قَبْلَ وَطْءِ الْمِلْكِ فَقَدْ رَجَعَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ عَلَيْهَا حَيْضَتَيْنِ، وَأَمَّا إنْ مَاتَ عَنْ الْمُشْتَرَاةِ قَبْلَ وَطْءِ الْمِلْكِ فَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ اشْتَرَى مُكَاتَبٌ زَوْجَتَهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَلَمْ يَطَأْهَا حَتَّى مَاتَ أَوْ عَجَزَ فَعَلَى السَّيِّدِ فِيهَا حَيْضَتَانِ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ، وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: حَيْضَةٌ ثُمَّ رَجَعَ إلَى هَذَا، وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ طَلَاقٍ. يُرِيدُ أَنَّهَا قَوْلَةٌ لِمَالِكٍ فِي كُلِّ مَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ثُمَّ بَاعَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَإِنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى حَيْضَتَيْنِ. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ وَكِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الِاخْتِلَافُ جَارٍ فِي كُلِّ فَسْخٍ وَإِنْ كَانَ نِكَاحَ فَسْخٍ يَخْتَلِفُ فِي قَدْرٍ اسْتَبْرَأَتْهُ كَاخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ وَهَذَا غَلَطٌ، إنَّمَا يَذْهَبُ إلَى هَذَا مَنْ لَمْ يُبَلِّغْهُ فِكْرُهُ إلَى مَعْرِفَةِ مَعْنَاهُ. فَيَفْزَعُ إلَى الِاسْتِرَاحَةِ مِنْ إتْعَابِ فِكْرِهِ إلَى التَّعَلُّقِ بِظَاهِرِ الِاخْتِلَافِ (وَبَعْدَهُ بِحَيْضَةٍ كَحُصُولِهِ بَعْدَ حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَاحِدَةً ثُمَّ ابْتَاعَهَا فِي الْعِدَّةِ؛ فَإِنْ كَانَ قَدْ وَطِئَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ اسْتَبْرَأَهَا مُشْتَرِيهَا مِنْهُ بِحَيْضَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَطَأْهَا وَحَاضَتْ عِنْدَهُ وَاحِدَةً ثُمَّ بَاعَهَا لَمْ تَحِلَّ إلَّا بِحَيْضَةٍ ثَانِيَةٍ، وَلَوْ بَاعَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِبْرَائِهَا بِحَيْضَةٍ (أَوْ حَصَلَ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ أَمَةً فِي أَوَّلِ الدَّمِ أَجْزَأَهُ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ، وَأَمَّا فِي آخِرِهِ فَلَا. وَانْظُرْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ: وَتَسْقُطُ الْمُوَاضَعَةُ فِي الْمُشْتَرَاةِ أَوَّلَ دَمِهَا عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ. وَانْظُرْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَرَجَعَ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ أَنَّ الدَّمَ وَإِنْ كَانَ دَفْعَةً فَإِنَّهُ حَيْضَةٌ " (وَهَلْ إلَّا أَنْ تَمْضِيَ حَيْضَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 522 اسْتِبْرَاءٍ أَوْ أَكْثَرُهَا تَأْوِيلَانِ) رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. وَقَالَ: إنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ الْمَوَّازِيَّةِ (وَاسْتَبْرَأَ أَبٌ جَارِيَةَ ابْنِهِ ثُمَّ وَطِئَهَا وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى وُجُوبِهِ وَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَقُوِّمَتْ عَلَيْهِ اسْتَبْرَأَهَا لِفَسَادِ وَطْئِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآنَ اسْتَبْرَأَهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَسْتَبْرِئُهَا لِفَسَادِ مَائِهِ الَّذِي أَوْجَبَ قِيمَتَهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 523 ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَكْثَرُ قَوْلُ الْغَيْرِ خِلَافٌ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وِفَاقٌ. (وَيُسْتَحْسَنُ إذَا غَابَ عَلَيْهَا مُشْتَرٍ بِخِيَارٍ لَهُ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى الْوُجُوبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ جَارِيَةً بِخِيَارٍ وَاخْتَارَ الرَّدَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْبَائِعِ، لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ فِيهَا، وَإِنْ أَحَبَّ الْبَائِعُ أَنْ يَسْتَبْرِئَ الَّتِي غَابَ عَلَيْهَا الْمُشْتَرِي وَكَانَ الْخِيَارُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 525 لَهُ خَاصَّةً فَذَلِكَ حَسَنٌ إذْ لَوْ وَطِئَهَا الْمُبْتَاعُ كَانَ بِذَلِكَ مُخْتَارًا وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ. (وَتَتَوَاضَعُ الْعَلِيَّةُ أَوْ وَخْشٌ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِوَطْئِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: الِاسْتِبْرَاءُ وَاجِبٌ لِحِفْظِ النَّسَبِ كَوُجُوبِ الْعِدَّةِ، وَأَمَّا الْمُوَاضَعَةُ فَهِيَ أَيْضًا وَاجِبَةٌ لِدَفْعِ الْغَرَرِ وَالْخَطَرِ وَذَلِكَ فِي الْأَمَةِ الَّتِي يُنْقِصُ الْحَمْلُ مِنْ ثَمَنِهَا كَثِيرًا أَوْ الَّتِي وَطِئَهَا الْبَائِعُ (عِنْدَ مَنْ يُؤْمَنُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُوَاضَعَةُ جَعْلُ الْأَمَةِ مُدَّةَ اسْتِبْرَائِهَا فِي حَوْزٍ مَقْبُولٍ خَبَرُهُ عَنْ حَيْضَتِهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 526 (وَالشَّأْنُ النِّسَاءُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الشَّأْنُ كَوْنُهَا عَلَى يَدَيْ امْرَأَةٍ، فَإِنْ وُضِعَتْ بِيَدِ رَجُلٍ لَهُ أَهْلٌ يَنْظُرُونَهَا أَجْزَأَ (وَإِذَا رَضِيَا بِغَيْرِهِمَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْتِقَالُ) ابْنُ الْقَاسِمِ: وَضْعُهَا عِنْدَ غَيْرِ مُبْتَاعِهَا أَحْسَنُ، فَإِنْ وُضِعَتْ عِنْدَهُ جَازَ وَلِبَائِعِهَا نَزْعُهَا لِعَدْلِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا نَقْلُهَا مِنْ عَدْلٍ إلَّا لِوَجْهٍ (وَنُهِيَا عَنْ أَحَدِهِمَا) اللَّخْمِيِّ: اخْتَلَفَ هَلْ تُوضَعُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مَأْمُونٍ لَا أَهْلَ لَهُ؟ فَأَجَازَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَلَى كَرَاهَةٍ فِيهِ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ دَعَا إلَى نَزْعِهَا مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ لَمْ يَصِحَّ إذَا تَرَاضَيَا أَنْ تُنْزَعَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَجْرِي الْجَوَابُ إذَا وَضَعَهَا عَلَى يَدِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي. فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُكْرَهُ أَنْ تُوضَعَ عَلَى يَدِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ فَعَلَا أَجْزَأَهُمَا، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْبَائِعِ (وَهَلْ يَكْتَفِي بِوَاحِدَةٍ قَالَ يَخْرُجُ عَلَى التُّرْجُمَانِ) اللَّخْمِيِّ: يُخْتَلَفُ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّهَا حَاضَتْ؟ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ قَوْلَهَا فِي ذَلِكَ يُجْزِئُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَأَجْرَاهُ التُّونِسِيُّ وَابْنُ مُحْرِزٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي النَّائِبِ الْوَاحِدِ وَالتُّرْجُمَانِ. (وَلَا مُوَاضَعَةَ فِي مُتَزَوِّجَةٍ وَحَامِلٍ وَمُعْتَدَّةٍ وَزَانِيَةٍ) اللَّخْمِيِّ: لَا مُوَاضَعَةَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ فِي سِتٍّ: ذَاتِ الزَّوْجِ وَالْحَامِلِ وَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ وَالْمُسْتَبْرَأَةِ مِنْ غَصْبٍ أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 527 زِنًا (كَالْمَرْدُودَةِ بِعَيْبٍ أَوْ فَسَادٍ أَوْ إقَالَةٍ إنْ لَمْ يَغِبْ الْمُشْتَرِي) أَمَّا الْمَرْدُودَةُ بِالْعَيْبِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ بَعْدَ حَيْضَتِهَا لَزِمَتْ مُوَاضَعَتُهَا وَنَفَقَتُهَا فِيهَا عَلَى الْمُبْتَاعِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقِيلَ: لَا مُوَاضَعَةَ فِي الْمَرْدُودَةِ بِعَيْبٍ. وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ هَلْ هُوَ نَقْضُ بَيْعٍ أَوْ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ؟ وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إذَا رُدَّتْ الْأَمَةُ بِعَيْبٍ بَعْدَ أَنْ انْتَقَلَ الظِّهَارُ وَغَابَ عَلَيْهَا الْمُشْتَرِي لَمْ تَحِلَّ لِلْبَائِعِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَأَمَّا الْمَرْدُودَةُ بِفَسَادِ بَيْعِهَا فَقَدْ بَوَّبَ اللَّخْمِيِّ بَابًا إذَا نُقِضَ الْبَيْعُ بَعْدَ أَنْ غَابَ عَلَيْهَا الْمُشْتَرِي وَقَالَ: مَنْ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ نُقِضَ الْبَيْعُ فَلَمْ يَعْتَرِفْ الْمُشْتَرِي بِالْإِصَابَةِ وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ دُونَ الْمُوَاضَعَةِ وَإِلَّا فَفِيهَا الْمُوَاضَعَةُ. وَأَمَّا الْمَرْدُودَةُ بِإِقَالَةٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ أَنْ تَقْبَلَ مِنْ أَمَةٍ بِعْتهَا وَهِيَ فِي الْمُوَاضَعَةِ لَمْ تَحِضْ بَعْدُ وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْك فِيهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا غَابَ عَلَيْهَا الْمُبْتَاعُ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِبْرَائِهَا. اُنْظُرْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ تَرْجَمَةٍ فِي اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ تُبَاعُ مِنْ ابْنِ يُونُسَ (وَفَسَدَ إنْ نُقِدَ بِشَرْطٍ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِي الْمُوَاضَعَةِ بِشَرْطٍ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْبُيُوعِ أَنَّهُ يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَظَاهِرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 528 الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا فِي الِاسْتِبْرَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي إخْرَاجُ الثَّمَنِ حَتَّى تَجِبُ لَهُ الْأَمَةُ بِخُرُوجِهَا مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ (إلَّا تَطَوُّعًا) ابْنُ عَرَفَةَ: طَوْعُهُ بِالنَّقْدِ بَعْدَ الْعَقْدِ جَائِزٌ فِي بَيْعِهَا بَتًّا لَا يَخْتَارُ. اُنْظُرْ فِي الْبُيُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَفَسَدَ إنْ نَقَدَ وَإِنْ بِلَا شَرْطٍ " (وَمُصِيبَتُهُ مِمَّنْ قُضِيَ لَهُ بِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الثَّمَنَ إذَا وُضِعَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَتَلِفَ قَبْلَ خُرُوجِهَا مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ كَانَتْ مُصِيبَتُهُ مِمَّنْ كَانَ يَصِيرُ إلَيْهِ (وَفِي الْجَبْرِ عَلَى إيقَافِ الثَّمَنِ قَوْلَانِ،) تَقَدَّمَ قَبْلُ قَوْلُهُ " لَا تَطَوُّعًا ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 530 [بَابٌ فِي تَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ] ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ فِي تَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ (إنْ طَرَأَ مُوجِبٌ قَبْلَ تَمَامِ عِدَّةٍ وَاسْتِبْرَاءٍ انْهَدَمَ الْأَوَّلُ وَائْتَنَفَتْ كَمُتَزَوِّجِ بَائِنَةٍ ثُمَّ يُطَلِّقُ بَعْدَ الْبِنَاءِ أَوْ يَمُوتُ مُطْلَقًا) ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا طَرَأَ مُوجِبٌ قَبْلَ تَمَامِ عِدَّةٍ أَوْ اسْتِبْرَاءٍ؛ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مُتَّحِدًا بِفِعْلٍ سَائِغٍ انْهَدَمَتْ الْأُولَى وَائْتَنَفَتْ مَا هِيَ مِنْ أَهْلِهِ مِنْ أَقْرَاءٍ أَوْ شُهُورٍ أَوْ حَمْلٍ كَالْمُرْتَجِعِ ثُمَّ يُطَلِّقُ أَوْ يَمُوتُ، مَسَّ أَوْ لَمْ يَمَسَّ، وَكَالْمُتَزَوِّجِ زَوْجَتَهُ الْبَائِنَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ أَوْ يَمُوتُ عَنْهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ. وَضَعُفَتْ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ: يَلْزَمُ الْحَامِلَ أَقْصَى الْعِدَّتَيْنِ، أَمَّا لَوْ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَمْ يَنْهَدِمْ مَا سِوَاهُ فَأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ كَالْمُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ يَطَؤُهَا الْمُطَلِّقُ أَوْ غَيْرُهُ فَاسِدًا بِزِنًا وَاشْتِبَاهٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَكَالْمُعْتَدَّةِ فِي طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ تَتَزَوَّجُ وَتَدْخُلُ (وَكَمُسْتَبْرَأَةٍ مِنْ فَاسِدٍ ثُمَّ يُطَلِّقُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمُسْتَبْرَأَةُ مِنْ وَطْءٍ فَاسِدٍ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ أَوْ يَمُوتُ عَلَيْهَا أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ عَرَضَ لِمُعْتَدَّةٍ مُوجِبُ اسْتِبْرَاءٍ أَوْ الْعَكْسُ حَلَّتْ بِأَقْصَاهُمَا. سَمِعَ أَبُو زَيْدٍ: مَنْ غُصِبَتْ امْرَأَتُهُ فَأَبَتَّهَا بَعْدَ حَمْلِهَا مِنْ الْغَاصِبِ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ ثَلَاثِ حِيَضٍ بَعْدَ الْوَضْعِ، وَلَوْ لَمْ تَحْمِلْ مِنْ الْغَاصِبِ كَفَتْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ لِلطَّلَاقِ وَالْمَاءِ الْفَاسِدِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ دَمَ نِفَاسِهَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ حَيْضَةً خِلَافُ مَا لِابْنِ مُحْرِزٍ مِنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَحْسِبُ دَمَ نِفَاسِهَا قُرْءًا، وَجَعَلَهُ عِيَاضٌ مَحَلَّ نَظَرٍ (وَكَمُرْتَجِعٍ وَإِنْ لَمْ يَمَسَّ طَلَّقَ أَوْ مَاتَ إلَّا أَنْ يُفْهِمَ ضَرَرٌ بِالتَّطْوِيلِ فَتَبْنِي الْمُطَلَّقَةُ إنْ لَمْ تُمَسَّ) ابْنُ عَرَفَةَ: الرَّجْعَةُ تَهْدِمُ عِدَّةَ الرَّجْعَةِ كَمَوْتِ الزَّوْجِ فِيهَا مُطْلَقًا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا أَعْرِفُ نَقْلَ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِرَجْعَتِهِ تَطْوِيلَ عِدَّتِهَا فَتَبْنِي إنْ لَمْ يَكُنْ مَسَّهَا (وَكَمُعْتَدَّةٍ وَطِئَهَا الْمُطَلِّقُ أَوْ غَيْرُهُ فَاسِدًا بِكَاشْتِبَاهٍ) أَمَّا إنْ وَطِئَهَا الْمُطَلِّقُ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلُ قَوْلُهُ " وَكَمُسْتَبْرَأَةٍ مِنْ فَاسِدٍ ". وَأَمَّا غَيْرُهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ طَلُقَتْ بِخُلْعٍ وَتَزَوَّجَتْ فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي قَالَ مَالِكٌ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَتَأْتَنِفُ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ يَوْمِ فُسِخَ نِكَاحُ الثَّانِي فَيُجْزِئُهَا عَنْ الزَّوْجَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالشُّهُورِ أَجْزَأَهَا مِنْهُمَا جَمِيعًا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مُسْتَقْبَلَةٍ (إلَّا مِنْ وَفَاةٍ فَأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ) مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 531 الْمُدَوَّنَةِ: إنْ نَكَحَهَا فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ وَدَخَلَ بِهَا فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَلْتَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا مِنْ يَوْمِ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا مَعَ ثَلَاثِ حَيْضٍ تَطْلُبُ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ (كَمُسْتَبْرَأَةٍ مِنْ وَطْءٍ فَاسِدٍ مَاتَ زَوْجُهَا) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: إنْ عَرَضَ لِمُعْتَدَّةٍ مُوجِبُ اسْتِبْرَاءٍ أَوْ الْعَكْسُ حَلَّتْ بِأَقْصَاهُمَا (وَكَمُشْتَرَاةٍ مُعْتَدَّةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى مُعْتَدَّةً مِنْ وَفَاةِ زَوْجٍ فَحَاضَتْ قَبْلَ تَمَامِ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى تُتِمَّ عِدَّتَهَا، وَإِنْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا وَلَمْ تَحِضْ بَعْدَ الْبَيْعِ انْتَظَرَتْ الْحَيْضَةَ. اُنْظُرْ تَرْجَمَةً فِي اسْتِبْرَاءِ ذَاتِ الزَّوْجِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ (وَهَدَمَ وَضْعُ حَمْلٍ أُلْحِقَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ غَيْرَهُ وَبِفَاسِدٍ أَثَرَهُ وَأَثَرَ الطَّلَاقِ لَا الْوَفَاةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ طَلُقَتْ بِخُلْعٍ فَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَلْيُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَتَأْتَنِفُ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ يَوْمِ فُسِخَ نِكَاحُ الثَّانِي. قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا الْحَمْلُ فَالْوَضْعُ يُبْرِئُهَا مِنْ الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْآخَرِ ابْنُ يُونُسَ: لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ مَا يَبْرَأُ بِهِ الرَّحِمُ فَوَجَبَ أَنْ يُبْرِئَهَا مِنْ الزَّوْجَيْنِ. اُنْظُرْ تَرْجَمَةَ جَامِعِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَضْعُ الْحَمْلِ اللَّاحِقِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ يَهْدِمُ غَيْرَهُ وَوَضْعُهُ مِنْ الْفَاسِدِ يَهْدِمُ أَثَرَ الْفَاسِدِ وَلَا يَهْدِمُ فِي الْعِدَّةِ لِلْوَفَاةِ اتِّفَاقًا فَعَلَيْهَا أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ، وَفِي الْمُعْتَدَّةِ لِلطَّلَاقِ قَوْلَانِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمَنْعِيِّ لَهَا زَوْجُهَا تَتَزَوَّجُ ثُمَّ يَقْدُمُ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ فَتُرَدُّ إلَيْهِ: وَإِنْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ مِنْ الثَّانِي وَلَا يَقْرَبُهَا الْقَادِمُ إلَّا بَعْدَ الْعِدَّةِ مِنْ ذَلِكَ إمَّا بِثَلَاثِ حِيَضٍ أَوْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ وَضْعِ حَمْلٍ إنْ كَانَتْ حَامِلًا، فَإِنْ مَاتَ الْقَادِمُ قَبْلَ وَضْعِهَا اعْتَدَّتْ مِنْهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَلَا تَحِلُّ بِالْوَضْعِ قَبْلَ تَمَامِهَا وَلَا بِتَمَامِهَا قَبْلَ الْوَضْعِ (وَعَلَى كُلٍّ الْأَقْصَى مَعَ الِالْتِبَاسِ كَمَرْأَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ إحْدَاهُمَا مُطَلَّقَةٌ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمَتَى الْتَبَسَ الْأَمْرُ فَالْأَحْوَطُ كَالْمَرْأَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 532 إحْدَاهُمَا مُطَلَّقَةٌ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهِمَا فَعِدَّتُهُمَا أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: النُّصُوصُ وَاضِحَةٌ بِتَغْلِيبِ حُكْمِ اسْتِصْحَابِ مَا ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ عَلَى حِلِّيَّتِهِ وَلَغْوُ احْتِمَالِ رَفْعِ حُرْمَتِهِ، فَفِي عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِالِاحْتِيَاطِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ إنَّمَا هُوَ فِي احْتِمَالِ الْحُرْمَةِ وَالْإِبَاحَةِ دُونَ تَقَرُّرِ سَبْقِ الْحُرْمَةِ. فَإِمْسَاكُ مَنْ شَكَّ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْسَ احْتِيَاطًا، وَالْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِ يَوْمِ الشَّكِّ احْتِيَاطٌ. وَمِنْ هَذَا نَقْلُ اللَّخْمِيِّ: مَنْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ اللَّتَيْنِ بَنَى بِإِحْدَاهُمَا وَمَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَجُهِلَتْ الْمُطَلَّقَةُ مِنْهُمَا. وَعَلَيْهِ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: مَنْ مَاتَ عَنْ نِسْوَةٍ مِنْهُنَّ مَنْ نِكَاحُهَا فَاسِدٌ فَحُكْمُ مَنْ عَلِمَ بِصِحَّةِ نِكَاحِهَا أَوْ فَسَادِهِ وَاضِحٌ، وَمَنْ أَشْكَلَ أَمْرُهَا فَعَلَيْهَا أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ. وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ أُمِّ الْوَلَدِ يَمُوتُ عَنْهَا زَوْجُهَا وَسَيِّدُهَا، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَعَبَّرَ عَنْهَا ابْنُ الْحَاجِبِ بِلَفْظِ: وَكَالْمُسْتَوْلَدِ ة الْمُتَزَوِّجَةِ يَمُوتُ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ وَلَا يُعْلَمُ السَّابِقُ مِنْهُمَا، فَإِنْ احْتَمَلَ مَا بَيْنَهُمَا عِدَّةُ الْأَمَةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ مِنْ مَوْتِ الثَّانِي وَحَيْضَةٌ فِيهَا أَوْ إلَى تَمَامِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ. وَهَذَا عَلَى أَنَّ اسْتِبْرَاءَ الْمُسْتَوْلَدَةِ بِذَلِكَ لَا عَلَى أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ أَوْ سِتَّةٌ، فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ مِنْ مَوْتِ الثَّانِي (وَكَمُسْتَوْلَدَةٍ مُتَزَوِّجَةٍ مَاتَ السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ وَلَمْ يُعْلَمَ السَّابِقُ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَكْثَرُ مِنْ عِدَّةِ الْأَمَةِ أَوْ جُهِلَ فَعِدَّةُ حُرَّةٍ وَمَا تُسْتَبْرَأُ بِهِ الْأَمَةُ وَفِي الْأَقَلِّ عِدَّةُ حُرَّةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: الْمُسْتَوْلَدَةُ إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا وَزَوْجُهَا جَمِيعًا فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ أَوَّلًا فَعَلَيْهَا لِوَفَاةِ الزَّوْجِ عِدَّةُ الْحَرَائِرِ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْإِمَاءِ وَبَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهَا التَّرَبُّصُ لِلسَّيِّدِ بِحَيْضَةٍ، فَإِنْ مَاتَا وَجُهِلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَعَلَيْهَا أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَلَا حَيْضَةَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ مَوْتِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ وَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَحَيْضَةٌ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: تُعِدْ مِنْ آخِرِ الْمَوْتَيْنِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا مَعَ حَيْضَةٍ. قَالَ سَحْنُونَ: وَهَذَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَوْتَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ كَمْ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ يُرِيدُ أَوْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ سَوَاءٌ فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فَقَطْ. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَاتَ أَوَّلًا فَيَجِبُ عَلَيْهَا لِوَفَاتِهِ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ بَيْنَ الْمَوْتَيْنِ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا لِمَوْتِ السَّيِّدِ حَيْضَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ بَعْدُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْمَوْتَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ حَلَّتْ لِلسَّيِّدِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا لِمَوْتِهِ حَيْضَةٌ، وَوَجَبَ عَلَيْهَا فِي هَذَا الْوَجْهِ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ مَعَ الْحَيْضَةِ. وَإِنْ كَانَ مَوْتُ السَّيِّدِ أَوْلَى فَقَدْ صَارَتْ حُرَّةً ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا فَعِدَّتُهَا مِنْهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، فَلَمَّا أَشْكَلَ ذَلِكَ اُحْتِيطَ لَهَا فَجُعِلَ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ مَعَ حَيْضَةٍ إذْ الشُّهُورُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَأَغْنَى الْأَكْثَرُ عَنْ الْأَقَلِّ، وَالْحَيْضَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الشُّهُورِ فَلَا بُدَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 533 مِنْهَا، فَإِنْ حَاضَّتهَا فِي الشُّهُورِ أَجْزَأَتْهَا وَإِلَّا طَلَبَتْهَا بَعْدَ الشُّهُورِ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا حَيْضَةٌ إذْ بَيْنَ الْمَوْتَيْنِ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ فَأَدْنَى فَالْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ يُجْزِئُ عَنْ الشَّهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ. ابْنُ يُونُسَ: قِيلَ: عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ يُبْرِئُهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَلَا حَيْضَةَ عَلَيْهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا أَوْ عِتْقِهِ إيَّاهَا عِدَّةٌ فَهِيَ بِخِلَافِ الْأَمَةِ. اُنْظُرْ تَرْجَمَةً فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ (وَهَلْ قَدْرُهَا كَأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ قَوْلَانِ) تَقَدَّمَتْ عِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ إنَّ أَقَلَّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ مِثْلُ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ سَوَاءٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 534 [كِتَابُ الرَّضَاعِ] [بَاب فِي أَرْكَان الرَّضَاع وَمنْ يحرم بِهِ وَالرَّضَاع الْقَاطِع لِلنِّكَاحِ] ابْنُ شَاسٍ: كِتَابُ الرَّضَاعِ فِي الرَّضَاعِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ وَهِيَ الْمُرْضِعَةُ وَاللَّبَنُ وَالْمَحَلُّ. الثَّانِي فِيمَنْ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ. الثَّالِثُ فِي الرَّضَاعِ الْقَاطِعِ لِلنِّكَاحِ. الرَّابِعُ فِي النِّزَاعِ وَالدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ (حُصُولُ لَبَنِ امْرَأَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ لَغْوُ لَبَنِ الرَّجُلِ (وَإِنْ مَيْتَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ رَضَعَ صَبِيٌّ مَيْتَةً عُلِمَ بِثَدْيِهَا لَبَنٌ حَرُمَ. أَبُو عُمَرَ: الْمَصَّةُ الْوَاحِدَةُ إذَا وَصَلَتْ إلَى الْجَوْفِ تُحَرِّمُ. قَالَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ (وَصَغِيرَةً) اللَّخْمِيِّ: الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الصَّبِيَّةَ الصَّغِيرَةَ إذَا أَرْضَعَتْ صَبِيًّا أَنَّهَا أُمٌّ، وَلَا يُرَاعَى مِنْ الْمُرْضِعَةِ صَبِيَّةً كَانَتْ أَوْ يَائِسَةً. وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً مِثْلُهَا لَا يُوطَأُ لَا تَقَعُ بِهِ حُرْمَةٌ (بِوَجُورٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْوَجُورُ كَالرَّضَاعِ. الْمُتَيْطِيُّ: هُوَ تَحْتَ اللِّسَانِ وَاللَّدُودِ مَا صُبَّ مِنْ جَالِبِ الشِّقِّ وَلَدِيدِ الْوَادِي جَانِبَاهُ (أَوْ سَعُوطٍ) السَّعُوطُ الدَّوَاءُ يُصَبُّ فِي الْأَنْفِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَحْرُمُ بِالسَّعُوطِ إنْ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ (أَوْ حُقْنَةٍ يَكُونُ غِذَاءً) رَابِعُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا حُقِنَ بِلَبَنٍ فَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ غِذَاءٌ فَإِنَّهَا تُحَرِّمُ وَإِلَّا فَلَا تُحَرِّمُ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 535 الصَّائِمِ يَحْتَقِنُ: إنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ إذَا وَصَلَ ذَلِكَ إلَى جَوْفِهِ (أَوْ خُلِطَ الْأَغْلَبُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَخْلُوطُ بِطَعَامٍ أَوْ بِدَوَاءٍ وَاللَّبَنُ غَالِبٌ مُحَرِّمٌ وَعَكْسُهُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لَغْوٌ (وَلَا كَمَاءٍ أَصْفَرَ) ابْنُ رُشْدٍ: تَقَعُ الْحُرْمَةُ بِلَبَنِ الْبِكْرِ وَالْعَجُوزِ الَّتِي لَا تَلِدُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ إنْ كَانَ لَبَنًا أَوْ مَاءً أَصْفَرَ (وَبَهِيمَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قُلْت: فَلَوْ أَنَّ صَبِيَّتَيْنِ غُذِّيَتَا بِلَبَنِ بَهِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَتَكُونَانِ أُخْتَيْنِ؟ قَالَ: لَا تَكُونُ الْحُرْمَةُ فِي الرَّضَاعَةِ إلَّا فِي لَبَنِ بَنَاتِ آدَمَ (وَاكْتِحَالٍ بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ عَطَاءٌ: الْكُحْلُ بِاللَّبَنِ لَا يُحَرِّمُ. وَعَزَاهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 536 ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ يُونُسَ لِابْنِ الْقَاسِمِ قَائِلًا: وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَنْفُذُ أَوْ يُرَدُّ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ (مُحَرِّمٌ) هَذَا خَبَرُ حُصُولٍ (إنْ حَصَلَ فِي الْحَوْلَيْنِ أَوْ بِزِيَادَةِ الشَّهْرَيْنِ إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ وَلَوْ فِيهِمَا) الْمُتَيْطِيُّ: الرَّضَاعُ الَّذِي يُحَرِّمُ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْحَوْلَيْنِ فَقَطْ، وَرَابِعُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ تَدْخُلُ فِي حُكْمِ الْحَوْلَيْنِ إنْ لَمْ يَقَعْ الْفِطَامُ، فَإِنْ وَقَعَ الْفِطَامُ وَلَوْ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ ثُمَّ وَقَعَ الرَّضَاعُ فِيهِمَا بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ وَانْتِقَالِ عَيْشِهِ إلَى الطَّعَامِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُحَرِّمُ (مَا حَرَّمَهُ النَّسَبُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: «يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ» فَيُقَدَّرُ الطِّفْلُ خَاصَّةً وَلَدًا لِصَاحِبَةِ اللَّبَنِ وَصَاحِبِهِ إنْ كَانَ فَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَخُوهُ نَسَبًا أُخْتَهُ وَأُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعِ ابْنُ الْعَطَّارِ: تَفْسِيرُ مَا يُحَرِّمُ وَيَحِلُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَنْظُرَ، فَإِنْ كَانَ الْخَاطِبُ لَمْ يَرْضِعْ أُمَّ الْمَخْطُوبَةِ وَلَا رَضَعَتْ الْمَخْطُوبَةُ أُمَّهُ وَلَا أَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُمًّا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا أُرْضِعَا بِلَبَنِ فَحْلٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَرَاضِعُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ امْرَأَتَانِ فَتُرْضِعُ وَاحِدَةٌ صَبِيًّا وَالْأُخْرَى صَبِيَّةً فَلَا يَتَنَاكَحَانِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ (إلَّا أُمَّ أَخِيك أَوْ أُخْتِك وَأُمَّ وَلَدِ وَلَدِك وَجَدَّةَ وَلَدِك وَأُخْتَ وَلَدِك وَأُمَّ عَمِّك وَعَمَّتِك وَأُمَّ خَالِك وَخَالَتِك فَقَدْ لَا يَحْرُمْنَ مِنْ الرَّضَاعِ) ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ تَقِيُّ الدِّينِ: يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» جُمْلَةُ نِسْوَةٍ يَحْرُمْنَ مِنْ النَّسَبِ وَقَدْ لَا يَحْرُمْنَ مِنْ الرَّضَاعِ: الْأُولَى أُمُّ أَخِيك أَوْ أُخْتِك مِنْ النَّسَبِ هِيَ أُمُّك أَوْ زَوْجَةُ أَبِيك كِلْتَاهُمَا حَرَامٌ عَلَيْك بِخِلَافِ مُرْضِعَةِ أَخِيك أَوْ أُخْتِك. الثَّانِيَةُ. أُمُّ وَلَدِ وَلَدِك هِيَ مِنْ النَّسَبِ أُمُّك أَوْ أُمُّ زَوْجِك كِلْتَاهُمَا حَرَامٌ عَلَيْك بِخِلَافِ أُمِّ مُرْضِعَةِ وَلَدِك، وَكَذَلِكَ أُخْتُ وَلَدِك هِيَ مِنْ النَّسَبِ بِنْتُك أَوْ رَبِيبَتُك كِلْتَاهُمَا حَرَامٌ عَلَيْك بِخِلَافِ أُخْتِ وَلَدِك مِنْ الرَّضَاعِ، وَكَذَلِكَ أُمُّ عَمِّك وَعَمَّتِك هِيَ مِنْ النَّسَبِ جَدَّتُك أَوْ حَلِيلَةُ جَدِّك كِلْتَاهُمَا حَرَامٌ عَلَيْك بِخِلَافِهِمَا مِنْ الرَّضَاعِ، وَكَذَلِكَ أُمُّ خَالِك وَخَالَتِك هِيَ مِنْ النَّسَبِ جَدَّتُك أَوْ حَلِيلَةُ وَالِدِ أُمِّك كِلْتَاهُمَا حَرَامٌ عَلَيْك بِخِلَافِهِمَا مِنْ الرَّضَاعِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا مِنْ تَقِيِّ الدِّينِ مَعَ جَلَالَةِ قَدْرِهِ وَحُلُولِهِ بِالْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ غَلَطٌ وَاضِحٌ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْعَامِ بِغَيْرِ أَدَاتِهِ وَهُوَ التَّخْصِيصُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا انْدَرَجَ تَحْتَ الْعَامِ لَا فِيمَا لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 537 يَنْدَرِجْ تَحْتَهُ، وَالْعَامُّ فِي مَسْأَلَتِنَا هُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَالنِّسْوَةُ الْمَذْكُورَاتُ الْمُدَّعَى تَخْصِيصُ الْعَامِّ الْمَذْكُورِ لَهُنَّ لَا شَيْءَ مِنْهَا بِمُنْدَرِجٍ تَحْتَ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ بِحَالٍ، وَلَا أَعْلَمُ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى أَنَّهَا مُخَصِّصَةٌ لِلْحَدِيثِ كَمَا زَعَمَهُ، إنَّمَا أَشَارَ ابْنُ رُشْدٍ بِهَا إلَى بَيَانِ اخْتِلَافِ حُكْمِ مُسَمًّى اللَّفْظِ الْإِضَافِيِّ. اُنْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ (وَقُدِّرَ الطِّفْلُ خَاصَّةً وَلَدًا لِصَاحِبَةِ اللَّبَنِ وَلِصَاحِبِهِ مِنْ وَطْئِهِ لِانْقِطَاعِهِ وَإِنْ بَعْدَ سِنِينَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يُقَدَّرُ الطِّفْلُ خَاصَّةً وَلَدًا لِصَاحِبَةِ اللَّبَنِ وَصَاحِبِهِ إنْ كَانَ فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَخُوهُ نَسَبًا أُخْتَهُ وَأُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَيُعْتَبَرُ صَاحِبُهُ مِنْ حِينِ الْوَطْءِ. بَهْرَامَ: وَمَا حَصَلَ قَبْلَ الْوَطْءِ لَا عِبْرَةَ بِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ لَمْ تَلِدْ قَطُّ وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ فَدَرَّتْ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا قَبْلَ أَنْ تَحْمِلَ كَانَ اللَّبَنُ لِلْفَحْلِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ تُرْضِعُ وَلَدَهَا مِنْهُ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ ثُمَّ حَمَلَتْ مِنْ الثَّانِي فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا فَإِنَّهُ ابْنُ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَاللَّبَنُ لَهُمَا جَمِيعًا إنْ كَانَ اللَّبَنُ الْأَوَّلُ لَمْ يَنْقَطِعْ. وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَبَنُ الدَّارَّةِ لِصَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يَنْقَطِعَ وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ (وَاشْتَرَكَ مَعَ الْقَدِيمِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: لَوْ وَطِئَ ذَاتَ لَبَنٍ زَوْجٌ ثَانٍ فَالْمَشْهُورُ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةُ ابْنِ نَافِعٍ وَقَالَهُ مُحَمَّدٌ - أَنَّ اللَّبَنَ لَهُمَا وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْ الثَّانِي (وَلَوْ بِحَرَامٍ إلَّا أَنْ لَا يَلْحَقَ بِهِ الْوَلَدُ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَبَنُ وَطْءِ الْحَرَامِ لِلْمُرْضِعَةِ مُحَرِّمٌ اتِّفَاقًا. وَفِي الرَّجُلِ قَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ حَرُمَ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِذَا أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ الزِّنَا فَهُوَ ابْنٌ لَهَا وَلَا يَكُونُ ابْنًا لِلَّذِي زَنَى بِهَا لِأَنَّهُ يُحَدُّ، وَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ فَيَبْقَى النَّظَرُ إذَا دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ هَلْ يُنْشَرُ الْحُرْمَةُ؟ وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ: أَمَّا لَبَنُ الزِّنَا فَلَا يُحَرِّمُ مِنْ قِبَلِ الْفَحْلِ، وَأَمَّا كُلُّ لَبَنٍ مِنْ وَطْءٍ بِفَسَادِ نِكَاحٍ مِمَّا لَا حَدَّ فِيهِ أَوْ وَطْءٍ يَجُوزُ بِالْمِلْكِ فَالْحُرْمَةُ تَقَعُ بِهِ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ فِي الْمُلَاعَنَةِ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ إنْ أَرْضَعَتْ مَنْ كَانَ زَوْجًا لَهَا لِأَنَّهَا زَوْجَةُ ابْنِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مَنْ أَرْضَعَتْ طِفْلًا كَانَ زَوْجًا لَهَا حَرُمَتْ عَلَى صَاحِبِ اللَّبَنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 538 لِأَنَّهَا زَوْجَةُ ابْنِهِ (كَمُرْضِعَةٍ مُبَايِنَةٍ أَوْ مُرْتَضِعٍ مِنْهُمَا) ابْنُ شَاسٍ: مَنْ نَكَحَ رَضِيعَةً حَرُمَتْ عَلَيْهِ مُرْضِعَتُهَا لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَبَانَ صَغِيرَةً حَرُمَ عَلَيْهِ مَنْ أَرْضَعَتْ بَعْدَ طَلَاقِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى التَّارِيخِ فِي ذَلِكَ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: مَنْ أَبَانَ صَغِيرَةً حَرُمَ عَلَيْهِ مَنْ تُرْضِعُهَا لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى التَّارِيخِ فِي مِثْلِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَزَوَّجَ صَبِيَّةً فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ أَوْ أُخْتُهُ أَوْ جَدَّتُهُ أَوْ ابْنَتُهُ أَوْ ابْنَةُ ابْنِهِ أَوْ امْرَأَةُ ابْنِهِ أَوْ امْرَأَةُ أَخِيهِ أَوْ أُخْتُهُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ. وَسَمِعَ أَصْبَغُ: مَنْ وَطِئَ مُرْضِعَةَ صَبِيَّةٍ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ حَرُمَتْ عَلَى بَنِيهِ. أَصْبَغُ: مَنْ أَرْضَعَتْهُ جَارِيَةُ جَدِّهِ بِلَبَنٍ مِنْ وَطْئِهِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بَنَاتُ عَمِّهِ (وَإِنْ أَرْضَعَتْ زَوْجَتَيْهِ اخْتَارَ وَإِنْ الْأَخِيرَةُ وَإِنْ كَانَ قَدْ بَنَى بِهَا حَرُمَ الْجَمِيعُ وَأُدِّبَتْ الْمُتَعَمِّدَةُ لِلْإِفْسَادِ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: مَنْ تَزَوَّجَ صَغِيرَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَأَرْضَعَتْهُنَّ امْرَأَةٌ اخْتَارَ وَاحِدَةً وَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْأَخِيرَةَ، فَإِنْ كَانَتْ الْمُرْضِعُ زَوْجَتَهُ وَلَمْ يَبْنِ بِهَا حَرُمَتْ مَعَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بَنَى حَرُمَ الْجَمِيعُ وَتُؤَدَّبُ الْمُتَعَمِّدَةُ لِلْإِفْسَادِ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُرَى لِمَنْ فَارَقَ صَدَاقًا. ابْنُ يُونُسَ: وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُرْضِعَةِ لَهُنَّ مِنْ الصَّدَاقِ وَإِنْ تَعَدَّتْ عَلَى ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ صَدَاقٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا ثَالِثُ الْأَقْوَالِ (وَفُسِخَ نِكَاحُ الْمُتَصَادِقَيْنِ عَلَيْهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِذَا اتَّفَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى الرَّضَاعِ فُسِخَ وَلَا صَدَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَهَا الْمُسَمَّى بَعْدَهُ وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ (كَقِيَامِ بَيِّنَةٍ عَلَى إقْرَارِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَهَا الْمُسَمَّى بِالدُّخُولِ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ فَقَطْ فَكَالْكَفَّارَةِ) فِيهَا: إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِإِخْوَتِهِمَا بِرَضَاعٍ قَبْلَ نِكَاحِهِمَا فُسِخَ. اللَّخْمِيِّ: اعْتِرَافُ الزَّوْجِ بِالرَّضَاعِ يُوجِبُ الْفِرَاقَ، وَسَوَاءٌ كَانَ اعْتِرَافُهُ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ. فَإِنْ كَانَ دَخَلَ فَالْمُسَمَّى، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ، فَإِنْ كَانَ اعْتِرَافُهُ قَبْلَ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ صَدَاقٌ، وَإِنْ كَانَ اعْتِرَافُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ إلَّا أَنْ تُصَدِّقَهُ الزَّوْجَةُ فَلَا يَكُونُ لَهَا شَيْءٌ. وَأَمَّا اعْتِرَافُ الزَّوْجَةِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَإِنْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَذَّبَهَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَحَيْثُ كَانَتْ الْفُرْقَةُ لِاعْتِرَافِ الزَّوْجَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا صَدَاقٌ، وَسَوَاءٌ اعْتَرَفَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ، لِأَنَّهَا غَرَّتْ الزَّوْجَ وَأَتْلَفَتْ عَلَى نَفْسِهَا. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: ابْنُ الْكَاتِبِ: إذَا قَالَتْ الْمَدْخُولُ بِهَا لِزَوْجِهَا إنَّك أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ وَصَدَّقَهَا يَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ إلَّا رُبْعَ دِينَارٍ كَاَلَّتِي غَرَّتْ مِنْ نَفْسِهَا وَتَزَوَّجَتْهُ فِي الْعِدَّةِ، وَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهَا لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهَا لِأَنَّهَا تُتَّهَمُ عَلَى فِرَاقِهِ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَصَدَّقَهَا لَمْ يَتْرُكْ لَهَا شَيْئًا مِنْ الصَّدَاقِ (وَإِنْ ادَّعَاهُ وَأَنْكَرَتْ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ وَلَهَا النِّصْفُ) هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَتَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ اعْتِرَافُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 539 كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ إلَّا أَنْ تُصَدِّقَهُ فَلَا شَيْءَ (وَإِنْ ادَّعَتْهُ وَأَنْكَرَ لَمْ يَنْدَفِعْ) قَالَ ابْنُ شَاسٍ: إنْ ادَّعَتْ هِيَ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ لَمْ يَنْدَفِعْ النِّكَاحُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِسَمَاعِ ذَلِكَ مِنْهَا قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ صَدَّقَهَا (وَلَا يُقَرَّرُ عَلَى طَلَبِ الْمَهْرِ قَبْلَهُ) ابْنُ شَاسٍ: وَلَا تُقَرَّرُ عَلَى طَلَبِ الْمَهْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَخَلَ بِهَا (وَإِقْرَارُ الْأَبَوَيْنِ مَقْبُولٌ قَبْلَ النِّكَاحِ لَا بَعْدَهُ) ابْنُ شَاسٍ: إقْرَارُ أَبَوَيْ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ النِّكَاحِ كَإِقْرَارِ الزَّوْجَيْنِ يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، فَإِمَّا بَعْدَ النِّكَاحِ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْهَا (كَقَوْلِ أَبِي أَحَدِهِمَا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَعْذَارَ) فِيهَا: لَوْ قَالَ الْأَبُ رَضَعَ فُلَانٌ أَوْ فُلَانَةُ مَعَ ابْنِي الصَّغِيرِ أَوْ مَعَ ابْنَتِي وَقَالَ أَرَدْت الِاعْتِذَارَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، فَإِنْ تَنَاكَحَا فَرَّقَ السُّلْطَانُ بَيْنَهُمَا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ كَالْمُقِرِّ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ بِخِلَافِ إذَا أَرَادَ الِابْنُ نِكَاحَ امْرَأَةٍ أَوْ شِرَاءَ جَارِيَةٍ فَقَالَ الْأَبُ قَدْ كُنْت نَكَحْتهَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْعَاقِدُ اهـ. اُنْظُرْ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ " مَعَ أَبِي الصَّغِيرِ " لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ خَلِيلٌ وَلَا ابْنُ شَاسٍ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ (بِخِلَافِ أُمِّ أَحَدِهِمَا فَالتَّنَزُّهُ) فِيهَا: إنْ قَالَتْ الْأُمُّ لِرَجُلٍ أَرْضَعْتُك مَعَ ابْنَتِي ثُمَّ قَالَتْ كُنْت كَاذِبَةً أَوْ مُعْتَذِرَةً لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا الثَّانِي وَلَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ: يُؤْمَرُ بِالتَّنَزُّهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ بِخِلَافِ قَوْلِ الْأَبِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَنَّ الْأَبَ هُوَ الْعَاقِدُ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَعَلَى ابْنَتِهِ فَصَارَ ذَلِكَ كَإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَقْبَلَ مِنْ ابْنِهِ الْكَبِيرِ لِأَنَّهُ يَعْقِدُ عَلَى نَفْسِهِ. يُقَالُ: قَدْ مَرَّ بِهِ حَالٌ لَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ إلَّا الْأَبُ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ. بَهْرَامَ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأُمُّ وَصِيَّةً. [مَا يَثْبُت بِهِ الرَّضَاع] (وَيَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَامْرَأَتَيْنِ إنْ فَشَا قَبْلَ الْعَقْدِ) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ شَهِدَ بِالرَّضَاعِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ وَفَشَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَوْلِهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّهُ يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا وَتُعْقَدُ فِي ذَلِكَ حَضَرَ عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ مَضَى فِي الْوَثِيقَةِ إلَى أَنْ قَالَ فَأَتَى بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ فَشَهِدُوا بِأَنَّهُمْ سَمِعُوا إسْمَاعًا فَاشِيًا أَنَّ فُلَانَةَ أَرْضَعَتْهُمَا وَأَتَى بِفُلَانَةَ فَشَهِدَتْ بِأَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا فَقِيلَ الْقَاضِي شَهَادَتُهُمَا لِرِضَاهُ بِهَا أَوْ بِتَعْدِيلٍ مَنْ عَدَّلَهَا عِنْدَهُ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَأَعْذَرَ إلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَدْفَعٌ فَفُسِخَ نِكَاحُهُمَا. اهـ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ شَهِدَ بِالرَّضَاعِ امْرَأَتَانِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَاشِيًا مِنْ قَوْلِهِمَا قَبْلَ النِّكَاحِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمَا فَفِيهَا رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يَقْضِي بَيْنَهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا إلَّا أَنْ يَفْشُوَ ذَلِكَ فِي الْأَهْلِينَ وَالْمَعَارِفِ مِنْ قَوْلِهِمَا فَيَقْضِي بِهِ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِمَا. الْمُتَيْطِيُّ: وَتُعْقَدُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ الْمَعْمُولُ بِهِ فَأَتَى الْقَائِمُ بِفُلَانَةَ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ فَشَهِدُوا عِنْدَهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَ الْمَرْأَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ قَبْلَ النِّكَاحِ الْمَذْكُورِ يَقُولَانِ ذَلِكَ اهـ. اُنْظُرْ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: إنْ حَيْثُ يَكْفِي شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ نَحْوَ الِاسْتِهْلَالِ لَا يَكْفِي عَدْلٌ وَامْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ وَانْظُرْهُ مَعَ هَذَا (وَهَلْ تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ مَعَ الْفَشْوِ تَرَدُّدٌ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا يُشْتَرَطُ مَعَ الْفَشْوِ عَدَالَةُ الْمَرْأَتَيْنِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 540 اللَّخْمِيِّ: يَثْبُتْ الرَّضَاعُ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ عَدْلَتَيْنِ إذَا كَانَ ذَلِكَ قَدْ فَشَا مِنْ قَوْلِهِمَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ فِي الِاسْتِهْلَالِ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ عَدْلَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَتَجُوزُ فِي الرَّضَاعِ وَمَعْرِفَةِ حَيْضٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ. اهـ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ. وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ فَشْوٍ وَمَوْضُوعُ شَهَادَتِهِمَا. عِنْدَ الْمُتَيْطِيِّ: إذَا شَهِدَتَا بِأَنَّ غَيْرَهَا أَرْضَعَتْ أَوْ شَهِدَتَا بِسَمَاعٍ وَشَهَادَةُ السَّمَاعِ مَقْبُولَةٌ فِي الرَّضَاعِ وَيَكْفِي فِيهَا اثْنَانِ (وَبِرَجُلَيْنِ) كَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ (لَا بِامْرَأَةٍ وَلَوْ فَشَا) قَدْ تَقَدَّمَتْ وَثِيقَةُ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّ الْبَيِّنَةَ شَهِدَتْ بِأَنَّهَا سَمِعَتْ سَمَاعًا فَاشِيًا أَنَّ فُلَانَةَ أَرْضَعَتْهَا فَقَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمَا لِتَعْدِيلِ مَنْ عَدَّلَهُمَا عِنْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ مَعَ الْفَشْوِ قَوْلَانِ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي ثَانِي نِكَاحِهَا، وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ فِي رَضَاعِهَا (وَنُدِبَ التَّنَزُّهُ مُطْلَقًا) ابْنُ بَشِيرٍ: يُؤْمَرُ بِالتَّنَزُّهِ فِي الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ دُونَ الْفَشْوِ (وَرَضَاعُ الْكُفْرِ مُعْتَبَرٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: رَضَاعُ الشِّرْكِ وَالرِّقِّ كَمُقَابِلَيْهِمَا (وَالْغِيلَةُ وَطْءُ الْمُرْضِعِ وَتَجُوزُ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ الْغِيلَةَ وَطْءُ الْمُرْضِعِ لَا إرْضَاعُ الْحَامِلِ وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ. [كِتَابُ النَّفَقَاتِ] [مِنْ أَسْبَاب النَّفَقَة النِّكَاح] كِتَابُ النَّفَقَاتِ ابْنُ شَاسٍ: أَسْبَابُهَا ثَلَاثَةٌ: النِّكَاحُ وَالْقَرَابَةُ وَالْمِلْكُ وَالسَّبَبُ الْأَوَّلُ: النِّكَاحُ (يَجِبُ لِمُمَكِّنَةٍ مُطِيقَةٍ الْوَطْءَ عَلَى الْبَالِغِ) ابْنُ شَاسٍ: النِّكَاحُ يُوجِبُ النَّفَقَةَ بِشُرُوطِ التَّمْكِينِ وَبُلُوغِ الزَّوْجِ وَإِطَاقَةِ الزَّوْجَةِ الْوَطْءَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجَةِ الْبُلُوغُ (وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مُشْرِفًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: النَّفَقَةُ تَجِبُ بِدُعَاءِ الزَّوْجِ الْبَالِغِ لِبِنَائِهِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا فِي مَرَضِ السِّيَاقِ. اللَّخْمِيِّ: يُرِيدُ بَعْدَ قَدْرِ التَّرَبُّصِ لِلْبِنَاءِ وَالشُّورَةِ عَادَةً. عِيَاضٌ: ظَاهِرُ مَسَائِلِهَا يَدُلُّ أَنَّ لِأَبِ الْبِكْرِ دُعَاءَ الزَّوْجِ لِلْبِنَاءِ الْمُوجِبِ لِلنَّفَقَةِ وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ ابْنَتُهُ (قُوتٌ وَإِدَامٌ وَكِسْوَةٌ وَمَسْكَنٌ بِالْعَادَةِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ) ابْنُ شَاسٍ: وَاجِبَاتُ النَّفَقَةِ سِتَّةٌ: الطَّعَامُ وَالْإِدَامُ وَالْخَادِمُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 541 وَالْكِسْوَةُ وَآلَةُ التَّنْظِيفِ وَالسُّكْنَى. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا حَدَّ لِنَفَقَتِهَا هِيَ عَلَى قَدْرِ عُسْرِهِ وَيُسْرِهِ. وَفِيهَا أَيْضًا: وُجُوبُ الْإِسْكَانِ كَالنَّفَقَةِ وَحَالُ السُّكْنَى قَدْرًا وَصِفَةً وَمَكَانًا بِاعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجَيْنِ. (وَحَالِهِمَا وَالْبَلَدِ وَالسِّعْرِ) اللَّخْمِيِّ: الْمُعْتَبَرُ فِي النَّفَقَةِ حَالُ الزَّوْجَيْنِ وَحَالُ بَلَدِهِمَا وَزَمَنِهَا وَسِعْرِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اعْتِبَارَ حَالِ الزَّوْجِ فَقَطْ لَا أَعْرِفُهُ (وَإِنْ أَكُولَةً) ابْنُ يُونُسَ: إنْ وَجَدَ الْمَرْأَةَ أَكُولَةً فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُ نِكَاحِهَا إمَّا أَشْبَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا (وَتُزَادُ الْمُرْضِعُ مَا تَقْوَى بِهِ) قَالَ مَالِكٌ: يُفْرَضُ لِلْمُرْضِعِ مَا يَقُومُ بِهَا فِي رَضَاعِهَا وَلَيْسَتْ كَغَيْرِهَا (إلَّا الْمَرِيضَةَ وَقَلِيلَةَ الْأَكْلِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا مَا تَأْكُلُ عَلَى الْأَصْوَبِ) ابْنُ سَهْلٍ: اُنْظُرْ إنْ كَانَ قَلَّ أَكْلُهَا لِمَرَضٍ وَطَلَبَتْ فَرْضًا كَامِلًا هَلْ يُقْضَى لَهَا بِذَلِكَ أَمْ بِقَدْرِ حَاجَتِهَا وَكِفَايَتِهَا؟ وَانْظُرْ فِي كِتَابِ الْوَقَارِ إنْ مَرِضَتْ لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا لَا أَزْيَدَ مِمَّا يَلْزَمُهُ فِي صِحَّتِهَا. الْمُتَيْطِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّ لَيْسَ لَهَا إلَّا مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَكْلِ وَذَلِكَ أَحَقُّ فِي الْمَرِيضَةِ إذْ النَّفَقَةُ عِوَضُ الْمُتْعَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْقَوْلُ الْأَكْثَرُ يُشْبِعُهَا أَوْ يُطَلِّقُهَا. أَبُو عِمْرَانَ: لَا يَلْزَمُ لَهَا إلَّا الْمُعْتَادُ وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةَ الْأَكْلِ فَلَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 543 الْمُعْتَادُ تَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَتْ (وَلَا يَلْزَمُ الْحَرِيرُ وَحُمِلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَعَلَى الْمَدَنِيَّةِ لِقِنَاعِهَا) اللَّخْمِيِّ: اللِّبَاسُ قَمِيصٌ وَوِقَايَةٌ وَقِنَاعٌ هُنَّ فِي الْجَوْدَةِ وَالدَّنَاءَةِ عَلَى قَدْرِهِمَا وَيُسْرِ الزَّوْجِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُزَدْنَ لِلشِّتَاءِ فَرْوًا مِنْ خَزَفَانَ أَوْ قلنيات تَحْتَهُ قَمِيصٌ وَفَوْقَهُ آخَرُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُفْرَضُ خَزٌّ وَلَا وَشْيٌ وَلَا حَرِيرٌ وَإِنْ كَانَ مُتَّسَعًا. ابْنُ الْقَصَّارِ: إنَّمَا قَالَ مَالِكٌ لَا يُفْرَضُ الْخَزُّ وَالْوَشْيُ وَالْعَسَلُ لِقَنَاعَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَأَمَّا سَائِرُ الْأَمْصَارِ فَعَلَى حَسَبِ أَحْوَالِهِمْ كَالنَّفَقَةِ (فَيُفْرَضُ الْمَاءُ وَالزَّيْتُ وَالْحَطَبُ وَالْمِلْحُ وَاللَّحْمُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ اللَّحْمُ كُلَّ لَيْلَةٍ لَكِنْ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَسَابِعُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: يُفْرَضُ بِبَلَدِنَا فِي الْيَوْمِ مُدٌّ بِمُدِّ هِشَامٍ وَهُوَ مُدٌّ وَثُلُثٌ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اللَّخْمِيِّ: الْمُعْتَبَرُ الصِّنْفُ الَّذِي يَجْرِي بَيْنَهُمَا بِبَلَدِهِمَا قَمْحًا أَوْ شَعِيرًا أَوْ ذُرَةً أَوْ تَمْرًا. ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُضَافُ لِلطَّعَامِ فِي الشَّهْرِ رُبْعُ خَلٍّ وَنِصْفُ رُبْعٍ مِنْ زَيْتٍ، وَمِنْ الْحَطَبِ حِمْلَانِ، وَمِنْ اللَّحْمِ بِدِرْهَمٍ فِي الْجُمُعَةِ وَثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فِي الشَّهْرِ لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ خَبْزٍ وَطَحْنٍ وَدُهْنٍ وَغَسْلِ ثَوْبٍ وَمَاءٍ، وَلَا يُفْرَضُ لَهَا فَاكِهَةٌ وَلَا جُبْنٌ وَلَا زَيْتُونٌ وَلَا عَسَلٌ وَلَا سَمْنٌ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَعَلَيْهِ حِنَّاءُ رَأْسِهَا (وَحَصِيرٌ وَسَرِيرٌ اُحْتِيجَ لَهُ) ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ كَانَتْ حَدِيثَةَ الْبِنَاءِ وَشَوْرَتُهَا مِنْ صَدَاقِهَا فَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهَا لَا فِي مَلْبَسٍ وَلَا فِي مِفْرَشٍ وَمِلْحَفٍ بَلْ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا مَعَهَا، بِذَلِكَ مَضَتْ السُّنَّةُ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَقِلَّ صَدَاقُهَا عَنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 544 عَهْدُ الْبِنَاءِ قَدْ طَالَ فَعَلَيْهِ مَا لَا غِنًى عَنْهُ بِهَا وَذَلِكَ فِي الْوَسَطِ فِرَاشٌ وَمِرْفَقَةٌ وَإِزَارٌ وَلِحَافٌ وَلِبَدٌ تَفْتَرِشُهُ عَلَى فِرَاشِهَا فِي الشِّتَاءِ وَسَرِيرٌ لِخَوْفِ عَقَارِبَ أَوْ حَيَّاتٍ أَوْ فَأْرٍ أَوْ بَرَاغِيثَ وَإِلَّا فَلَا سَرِيرَ عَلَيْهِ. وَحَصِيرُ حُلَفَاءَ يَكُونُ عَلَيْهِ الْفِرَاشُ وَحَصِيرَتَانِ (وَأُجْرَةُ قَابِلَةٍ) قِيلَ: أُجْرَةُ الْقَابِلَةِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ عَلَيْهَا، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِلْوَلَدِ فَهِيَ عَلَى الزَّوْجِ، وَلَمْ يَعْزُ الْمُتَيْطِيُّ مِنْهَا قَوْلًا وَلَا شَهَرَهُ. وَأَمَّا أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَالْحِجَامَةِ وَمَا تَتَطَيَّبُ بِهِ مِنْ شَرَابٍ وَغَيْرِهِ فَعَلَيْهَا (وَزِينَةٌ تَسْتَضِرُّ بِتَرْكِهَا) مُحَمَّدٌ: أَمَّا الزِّينَةُ فَيُفْرَضُ لَهَا مِنْهَا مَا يُزِيلُ الشُّعْثَ كَالْمُشْطِ وَالْمُكْحُلَةِ وَالنُّضُوحِ وَدُهْنِهَا وَحِنَّاءِ رَأْسِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ صَبْغٌ. ابْنُ وَهْبٍ: وَلَا طِيبَ وَلَا زَعْفَرَانَ وَلَا خِضَابَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا. وَلِمَالِكٍ: يُفْرَضُ عَلَى الَّتِي طِيبُهَا لَا الصِّبَاغُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّرَفِ وَالسَّعَةِ وَامْرَأَتُهُ كَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُرَادُ بِالصَّبْغِ صَبْغُ ثِيَابِهَا. ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ عَلَيْهِ نُضُوحٌ وَلَا صِبَاغٌ وَلَا الْمُشْطُ وَلَا الْمُكْحُلَةُ. الْبَاجِيُّ: مَعْنَى هَذَا عِنْدِي أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ زِينَتِهَا إلَّا مَا تَسْتَضِرُّ بِتَرْكِهَا كَالْكُحْلِ وَالْمُشْطِ بِالْحِنَّاءِ وَالدُّهْنِ لِمَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ. وَاَلَّذِي نَفَى ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا هُوَ الْمُكْحُلَةُ لَا الْكُحْلُ نَفْسُهُ فَتَضَمَّنَ الْقَوْلَانِ أَنَّ الْكُحْلَ يَلْزَمُهُ لَا الْمُكْحُلَةُ، وَعَلَيْهِ يَلْزَمُهُ مَا تَمْتَشِطُ بِهِ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 545 الدُّهْنِ وَالْحِنَّاءِ لَا آلَةِ الْمَشْطِ (كَكُحْلٍ وَدُهْنٍ مُعْتَادَيْنِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْبَاجِيِّ: عَلَيْهِ كَالْكُحْلِ وَالدُّهْنِ لِمَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ (وَحِنَّاءٍ وَمُشْطٍ) لَعَلَّهُ لَا مُشْطَ فَإِنَّ الْبَاجِيَّ قَالَ: عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الزَّوْجِ مَا تَمْتَشِطُ بِهِ مِنْ الدُّهْنِ وَالْحِنَّاءِ لَا آلَةُ الْمَشْطِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ: عَلَيْهِ الْمُكْحُلَةُ وَالْمُشْطُ (وَإِخْدَامُ أَهْلِهِ) الْمُتَيْطِيُّ: يُكَلَّفُ إخْدَامُهَا إنْ اتَّسَعَتْ حَالُهُ لِذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ الْمُعْسِرَ الْإِخْدَامُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ عَلَيْهِ خَادِمٌ إلَّا فِي يُسْرِهِ وَلِيَتَعَاوَنَا فِي الْخِدْمَةِ (وَإِنْ بِكِرَاءٍ) ابْنُ شَاسٍ: حَيْثُ أَوْجَبْنَا الْخِدْمَةَ عَلَى الزَّوْجِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شِرَاءُ خَادِمٍ وَتَمَلُّكُهَا وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِخَادِمٍ يَخْدُمُهَا، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهَا مَنْ يَخْدُمُهَا مِنْ الْحَرَائِرِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ (وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: ذُو السَّعَةِ فِي قَصْرِ وُجُوبِ نَفَقَتِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 546 عَلَى خَادِمٍ وَلُزُومِ ثَانِيَةٍ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُصْلِحُهَا الْوَاحِدَةُ ثَالِثُهَا إنْ ارْتَفَعَ قَدْرُهَا جِدًّا (وَقُضِيَ لَهَا بِخَادِمِهَا إنْ أَحَبَّتْ) ابْنُ عَرَفَةَ: رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفَتْوَى ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوْ طَلَبَتْ نَفَقَةَ خَادِمِهَا فَقَالَ أَخْدُمُهَا بِخَادِمِي أَوْ أَكْرِي مَنْ يَخْدُمُهَا بِقَدْرِ نَفَقَةِ خَادِمِهَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا (إلَّا لِرِيبَةٍ) الْمَشَاوِرُ: إنْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ خَادِمَ زَوْجَتِهِ تُفْسِدُهَا عَلَيْهِ وَتَسْرِقُ مَالَهُ فَأَرَادَ إخْرَاجَهَا لِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ يَعْرِفُ ذَلِكَ جِيرَانُهُ (وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ مِنْ عَجْنٍ وَكَنْسٍ وَفَرْشٍ) الَّذِي نَقَلَ الْبَاجِيُّ وَاللَّخْمِيُّ: عَلَيْهِ إخْدَامُهَا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تُخْدَمُ لِحَالِهَا وَغِنَى زَوْجِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ شَرَفٍ وَلَا فِي صَدَاقِهَا ثَمَنُ خَادِمٍ فَعَلَيْهَا الْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ: الْعَجْنُ وَالْكَنْسُ وَالطَّبْخُ وَالْفَرْشُ وَاسْتِسْقَاءُ الْمَاءِ. وَكَذَا إنْ كَانَ مَلِيًّا إلَّا أَنَّهُ مِثْلُهَا فِي الْحَالِ أَوْ أَشْبَهُ وَلَيْسَ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ الَّذِينَ لَا يَمْتَهِنُونَ نِسَاءَهُمْ بِخِدْمَةٍ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا خِدْمَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ شَرَفٍ وَعَلَيْهَا الْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ كَالدَّنِيَّةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: خِدْمَةُ ذَاتِ الْقَدْرِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فِي مَصَالِحِ الْمَنْزِلِ، وَإِنْ كَانَتْ دَنِيَّةً فَعَلَيْهَا الْكَنْسُ وَالْفَرْشُ وَطَبْخُ الْقِدْرِ وَاسْتِقَاءِ الْمَاءِ إنْ كَانَ عَادَةَ الْبَلَدِ، لَعَلَّهُ يُرِيدُ مِنْ بِئْرِ دَارِهَا أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهَا (بِخِلَافِ الْغَزْلِ وَالنَّسْجِ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا الْغَزْلُ وَالنَّسْجُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَيْهَا بِحَالٍ إلَّا أَنْ تَتَطَوَّعَ (لَا مُكْحُلَةٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْبَاجِيِّ أَنَّ الْمُشْطَ مِثْلُ الْمُكْحُلَةِ (وَدَوَاءٌ وَحِجَامَةٌ) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَأُجْرَةُ قَابِلَةٍ " (وَثِيَابُ الْمَخْرَجِ) اللَّخْمِيِّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ ثِيَابَ خُرُوجِهَا عَادَةً وَالْمِلْحَفَةُ لَا تَلْزَمُهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ يُفْرَضُ لَهَا عَلَى الْغَنِيِّ ثِيَابُ مَخْرَجِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً: لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ إلَّا مِنْ سَقَمٍ أَوْ نِفَاسٍ. ابْنُ شَعْبَانَ: يُرِيدُ الْخُرُوجَ إلَيْهِ لَا أُجْرَةَ الْحَمَّامِ (وَلَهُ التَّمَتُّعُ بِشَوْرَتِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَحَصِيرٌ " وَأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الشَّوْرَةُ مِنْ صَدَاقِهَا، اُنْظُرْ آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ تَرْجَمَةِ إيرَادِ الْأَبِ مِنْ وَثَائِقِ ابْنِ سَلْمُونَ أَنَّ كِسْوَةَ الِابْتِذَالِ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا تَكُونُ مِنْ الشَّوَارِ. (وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 547 أَكْلٍ كَثُومٍ لَا أَبَوَيْهَا وَوَلَدُهَا مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَدْخُلُوا لَهَا) أَمَّا الْأَبَوَانِ فَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَتَّهِمُ خَتَنَتَهُ بِإِفْسَادِ أَهْلِهِ فَيُرِيدُ أَنْ يَمْنَعَهَا عَنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فَقَالَ: يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَّهَمَةً مُنِعَتْ بَعْضَ الْمَنْعِ لَا كُلَّ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَّهَمَةٍ لَمْ تُمْنَعْ الدُّخُولَ عَلَى ابْنَتِهَا. وَأَمَّا وَلَدُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: أَمَّا الْبَنُونَ الصِّغَارُ الَّذِينَ لَيْسُوا مَعَ أُمِّهِمْ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُمْ بِالدُّخُولِ عَلَى أُمِّهِمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ. وَإِنْ كَانُوا كِبَارًا فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ (وَحَنِثَ إنْ حَلَفَ) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يُدْخِلَ أَوْلَادَهَا عَلَيْهَا أُمِرَ الزَّوْجُ بِإِخْرَاجِ أُمِّهِمْ إلَيْهِمْ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ عَلَى دُخُولِهِمْ إلَيْهَا أَوْ خُرُوجِهَا إلَيْهِمْ، وَلَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِيَمِينِهِ وَلَا بِالسُّلْطَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ: مِثْلُ هَذَا نَقْلُ الصَّقَلِّيِّ وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي إكْرَاهِ السُّلْطَانِ حَسْبَمَا مَرَّ فِي الْأَيْمَانِ (كَحَلِفِهِ أَنْ لَا تَزُورَ وَالِدَيْهَا إنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً وَلَوْ شَابَّةً) ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا تَخْرُجَ امْرَأَتُهُ إلَى أَبَوَيْهَا وَلَا يَدْخُلَا عَلَيْهَا حَنَّثَهُ الْإِمَامُ فِي دُخُولِهِمَا عَلَيْهَا وَلَمْ يُحَنِّثْهُ فِي خُرُوجِهَا. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ إكْرَاهٌ وَلَوْ بِكَتَقْدِيمِ " ابْنُ سَلْمُونَ: وَإِنْ اشْتَكَى ضَرَرَ أَبَوَيْهَا فَإِنْ كَانَا صَالِحَيْنِ لَمْ يُمْنَعَا مِنْ زِيَارَتِهَا وَالدُّخُولِ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَا مُسِيئَيْنِ وَاتَّهَمَهُمَا بِإِفْسَادِهَا زَارَاهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً بِأَمِينَةٍ تَحْضُرُ مَعَهُمْ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ: لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَهُ مِنْ الْخُرُوجِ لِدَارِ أَبِيهَا وَأَخِيهَا وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ لِلشَّابَّةِ الْمَأْمُونَةِ، وَأَمَّا الْمُتَجَالَّةُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُقْضَى لَهَا بِزِيَارَةِ أَبِيهَا وَأَخِيهَا، وَأَمَّا الشَّابَّةُ غَيْرُ الْمَأْمُونَةِ فَلَا يُقْضَى لَهَا بِالْخُرُوجِ (لَا إنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: إنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ بِعِتْقٍ أَنْ لَا يَدَعَهَا تَخْرُجُ أَبَدًا أَيُقْضَى عَلَيْهِ فِي أَبِيهَا وَأُمِّهَا وَيَحْنَثُ؟ قَالَ: لَا، اُنْظُرْ إذَا مَنَعَ أَخَاهَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 548 مَالِكٌ فَقَالَ: مَا أَرَى أَنْ يُمْنَعَ. وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ الْمَرْأَةِ يَغِيبُ عَنْهَا زَوْجُهَا فَيَمْرَضُ أَخُوهَا أَوْ أُمُّهَا أَوْ أُخْتُهَا فَتُرِيدُ أَنْ تَأْتِيَهُمْ تَعُودُهُمْ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهَا زَوْجُهَا حِينَ خَرَجَ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا زَوْجُهَا حِينَ خَرَجَ (وَقُضِيَ لِلصِّغَارِ كُلَّ يَوْمٍ وَلِلْكِبَارِ فِي الْجُمُعَةِ) تَقَدَّمَ هَذَا النَّصُّ عِنْدَ قَوْلِهِ " لَا أَبَوَيْهَا " (كَالْوَالِدَيْنِ وَمَعَ أَمِينَةٍ إنْ اتَّهَمَهُمَا) لَعَلَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ " وَمَعَ " أَقْحَمَهَا النَّاسِخُ إذْ تَقَدَّمَ النَّصُّ أَنَّ الْأَبَوَيْنِ لَا يَمْنَعَانِ إلَّا أَنْ يَتَّهِمهُمَا فَيَزُورَانِ مَرَّةً فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَعَ أَمِينَةٍ (وَلَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ أَنْ تَسْكُنَ مَعَ أَقَارِبِهِ إلَّا الْوَضِيعَةَ) ابْنُ سَلْمُونَ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَأَسْكَنَهَا مَعَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَأَهْلِهِ فَشَكَتْ الضَّرَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا مَعَهُمْ، وَإِنْ احْتَجَّ بِأَنَّ أَبَاهُ أَعْمَى نُظِرَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ رَأَى ضَرَرًا مَنَعَ. قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: أَرَبُ امْرَأَةِ لَا يَكُونُ لَهَا ذَلِكَ تَكُونُ وَضَيْعَةَ الْقَدْرِ وَذَاتَ صَدَاقٍ يَسِيرٍ وَفِي الْمَنْزِلِ سَعَةٌ، فَأَمَّا ذَاتُ الْقَدْرِ وَالْيَسَارِ فَلَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهَا إنْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ حَنِثَ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَ أَوْلَادَهُ مِنْ امْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى مَعَ زَوْجَتِهِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ يَجْمَعُهُمْ إلَّا أَنْ تَرْضَى بِذَلِكَ. سَمِعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ (كَوَلَدٍ صَغِيرٍ لِأَحَدِهِمَا إنْ كَانَ لَهُ حَاضِنٌ إلَّا أَنْ يَبْنِيَ وَهُوَ مَعَهُ) ابْنُ زَرْبٍ: إذَا كَانَ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ ابْنٌ صَغِيرٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاضِنٌ أُجْبِرَ مَنْ أَبَى مِنْهُمَا عَلَى الْبَقَاءِ مَعَهُ، فَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِدُخُولِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ اشْتَرَطَتْ حَضَانَتَهُ فِي الصَّدَاقِ قُلْت وَطَاعَ الزَّوْجُ بِحَضَانَةِ ابْنِ الزَّوْجَةِ أَوْ تَطَوَّعَتْ الزَّوْجَةُ بِحَضَانَةِ ابْنِ الزَّوْجِ، فَإِنْ الْتَزَمَ الزَّوْجُ مَعَ ذَلِكَ إجْرَاءُ النَّفَقَةِ قُلْت وَبِإِجْرَاءِ النَّفَقَةِ بِطُولِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 549 الزَّوْجِيَّةِ إلَى سُقُوطِ ذَلِكَ شَرْعًا وَذَلِكَ لَازِمٌ لِلزَّوْجِ، وَإِنْ مَاتَ الِابْنُ سَقَطَ الطَّوْعُ وَإِنْ كَانَ لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَبَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ، وَإِنْ كَانَ الطَّوْعُ لِمُدَّةِ الزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ الْإِنْفَاقُ عَلَى الرَّبِيبِ مَا دَامَ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ انْتَهَى. مِنْ ابْنِ سَلْمُونَ وَاخْتَصَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِمَا نَصَّهُ ابْنُ زَرْبٍ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ مِنْ غَيْرِهَا فَأَرَادَ إمْسَاكَهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَأَبَتْ ذَلِكَ، إنْ كَانَ لَهُ مَنْ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ لِيَحْضُنَهُ لَهُ وَيَكْفُلَهُ أُجْبِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ وَإِلَّا أُجْبِرَتْ عَلَى بَقَائِهِ. وَلَوْ بَنَى بِهَا وَالصَّبِيُّ مَعَهَا ثُمَّ أَرَادَتْ إخْرَاجَهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ إنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ مَعَ الزَّوْجِ حَرْفٍ بِحَرْفٍ. (وَقُدِّرَتْ بِحَالِهِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ) سَأَلَ ابْنَ حَبِيبٍ سَحْنُونَ عَمَّنْ لَا يَجِدُ مَا يُجْرِي عَلَى امْرَأَتِهِ رِزْقَ شَهْرٍ، هَلْ يُجْرِي عَلَيْهَا رِزْقَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ مِنْ خُبْزِ السُّوقِ؟ قَالَ: نَعَمْ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَقَعْ لَفْظُ الْخُبْزِ إلَّا فِي لَفْظِ السَّائِلِ وَمُقْتَضَى أَقْوَالِهِمْ عَدَمُ فَرْضِ الْخُبْزِ. فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ " بِخُبْزِ السُّوقِ " فِيهِ نَظَرٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قُلْت: إنْ خَاصَمَتْ زَوْجَهَا بِالنَّفَقَةِ كَمْ يُفْرَضُ لَهَا؟ أَنَفَقَةُ سَنَةٍ أَمْ نَفَقَةُ شَهْرٍ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ مِنْ مَالِكٍ شَيْئًا، وَأَرَى ذَلِكَ عَلَى اجْتِهَادِ الْوَالِي فِي عُسْرِ الزَّوْجِ وَيُسْرِهِ لَيْسَ النَّاسُ سَوَاءً. اللَّخْمِيِّ: أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُفْرَضَ سَنَةً وَأَرَى أَنْ يُوَسِّعَ فِي الْمُدَّةِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا وَلَمْ يُؤَدِّ إلَى ضَرَرِهِ لِأَنَّ الشَّأْنَ الْفَرْضُ عِنْدَ مُقَابَحَةِ الزَّوْجَيْنِ وَقِلَّةِ الْإِنْصَافِ وَلَدُهُ الزَّوْجُ وَفِي قِصَرِ الْمُدَّةِ ضَرَرٌ فِي تَكْرِيرِ الطَّلَبِ (وَالْكِسْوَةُ بِالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) ابْنُ عَرَفَةَ: تُفْرَضُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ. (وَضَمِنَتْ بِالْقَبْضِ مُطْلَقًا) . ابْنُ عَرَفَةَ: ضَيَاعُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَكِسْوَتِهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ مِنْهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ (كَنَفَقَةِ الْوَلَدِ إلَّا لِبَيِّنَةٍ عَلَى الضَّيَاعِ) مُحَمَّدٌ: إنْ ادَّعَتْ تَلَفَ نَفَقَةِ وَلَدِهَا لَمْ تُصَدَّقْ وَإِنْ كَانَ لَهَا بَيِّنَةٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا إلَّا فِي أَجْرِ الرَّضَاعِ فَقَطْ. ابْنُ مُحْرِزٍ: لِأَنَّهُ شَيْءٌ أَخَذَتْهُ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ بِخِلَافِ وَلَدِهَا إنَّمَا قَبَضَتْهَا لِلْوَلَدِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَحْضَ أَمَانَةٍ لَهَا مِنْ الزَّوْجِ فَتُصَدَّقُ فِي عَدَمِ الْبَيِّنَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا لَحَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ فَضَارَعَ ذَلِكَ حُكْمُ الْعَوَارِيّ وَالرِّهَانِ. وَابْنُ عَرَفَةَ: فِي هَذَا نَظَرٌ. (وَيَجُوزُ إعْطَاءُ الثَّمَنِ عَمَّا لَزِمَهُ وَالْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِهِ إلَّا لِضَرَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ لَهُ عَلَى امْرَأَتِهِ دَيْنٌ وَهِيَ مُعْسِرَةٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَلَا يُقَاصُّهَا بِمَا تَرَتَّبَ لَهَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ نَفَقَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مَلِيئَةً فَلَهُ مُقَاصَّتُهَا بِدَيْنِهِ فِي نَفَقَتِهَا. عِيَاضٌ: قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ دَيْنَهُ مِنْ نَوْعِ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ. وَانْظُرْ آخَرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا رَجَعَ بِالثَّمَنِ مَتَى يُحْكَمُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَوْنِ الْوَاجِبِ فِي فَرْضِ النَّفَقَةِ ثَمَنَ مَا فُرِضَ أَوْ نَفْسُهُ: ثَالِثُهَا الْخِيَارُ فِيهِمَا لِلزَّوْجِ، وَرَابِعُهَا بَلْ لِلْحَاكِمِ وَلَا يَجُوزُ فِي الطَّعَامِ ثَمَنُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. قَالَ عِيَاضٌ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَخَذَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ مِنْ قَوْلِهَا: مَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ مُعْسِرَةٌ فَلَا يُقَاصُّهَا فِي نَفَقَتِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَلِيَّةً فَلَهُ مُقَاصَّتُهَا بِدَيْنِهِ فِي نَفَقَتِهِ. وَاَلَّذِي لِلْمُتَيْطِيِّ: الْحَاكِمُ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهِ بِالْمَفْرُوضِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَلْبُوسِ أَوْ بِأَثْمَانِهِ ثُمَّ يَدْفَعُ ذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 550 إلَيْهَا شَهْرًا بِشَهْرٍ وَيَضُمُّ إلَى نَفَقَتِهَا نَفَقَةَ بَنِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُقِلًّا فَلَا يَضُمُّ مَعَهَا وَهُمْ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " إنْ أَخَذَ بِكَيْلٍ " (وَسَقَطَتْ إنْ أَكَلَتْ مَعَهُ وَلَهَا الِامْتِنَاعُ) . ابْنُ شَاسٍ: إنْ أَكَلَتْ مَعَهُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهَا الْأَكْلَ مَعَهُ. (أَوْ مَنَعَتْ الْوَطْءَ أَوْ الِاسْتِمْتَاعَ أَوْ خَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ) . ابْنُ شَاسٍ: مِنْ مَوَانِعِ النَّفَقَةِ: النُّشُوزُ وَمَنْعُ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعُ نُشُوزٌ، وَالْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنِهِ نُشُوزٌ، وَبِإِذْنِهِ لَيْسَ بِنُشُوزٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا بِنُشُوزِهَا سِتَّةُ أَقْوَالٍ. الْمُتَيْطِيُّ: إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ الْأَشْهَرُ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ لِأَنَّ الزَّوْجَ ضَيَّعَ فِي طَلَبِهَا، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَهِيَ الْأَظْهَرُ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا. وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ النَّاشِزَ لَا نَفَقَةَ لَهَا. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ خَرَجَتْ امْرَأَتُهُ تَزُورُ بَعْضَ أَهْلِهَا فَحَلَفَ زَوْجُهَا بِالْبَتَّةِ أَنْ لَا يُرْسِلَ إلَيْهَا نَفَقَةً حَتَّى تَكُونَ هِيَ الَّتِي تُرْسِلُ لَهَا النَّفَقَةَ لِكُلِّ مَا غَابَتْ إذْ لَوْ شَاءَ أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى نَفْسِهِ نَقَلَهَا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا يَدُلُّ أَنْ لَوْ أَرْسَلَ إلَيْهَا يَنْقُلُهَا فَأَبَتْ وَغَلَبَتْهُ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَالْمَعْنَى فِي هَذَا عِنْدِي. إنَّمَا هُوَ أَنَّ النَّفَقَةَ لَمَّا كَانَتْ مَرَّةً يُعْتَبَرُ فِيهَا الِاسْتِمْتَاعُ دُونَ الْعَقْدِ، وَمَرَّةً يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَقْدُ دُونَ الِاسْتِمْتَاعِ، اُخْتُلِفَ أَيُّهُمَا يَغْلِبُ فِي النَّاشِزِ، وَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي الْكَبِيرِ يَتَزَوَّجُ الَّتِي يُوطَأُ مِثْلُهَا؛ فَمَنْ غَلَبَ فِي النَّفَقَةِ حَقُّ الِاسْتِمْتَاعِ لَمْ يُوجِبْ لَهَا نَفَقَةً عَلَيْهِ حَتَّى يَدْعُوَ إلَى الدُّخُولِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَنْ غَلَبَ حَقُّ الْعَقْدِ رَأَى لَهَا النَّفَقَةَ حَتَّى يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ وَهُوَ دَلِيلُ مَا فِي الزَّكَاةِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ (وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا) لِمَا ذَكَر اللَّخْمِيِّ الرِّوَايَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ وَقَالَ إحْدَاهُمَا هِيَ الْأَشْهَرُ وَالْأُخْرَى هِيَ الْأَظْهَرُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: إنْ أَمْكَنَهُ صَرْفُهَا فَلَمْ يَفْعَلْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 551 يُنْفِقْ عَلَيْهَا انْتَهَى. اُنْظُرْ مُقْتَضَاهُ إنَّهُ قَوْلٌ آخَرُ (وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ) تَقَدَّمَ حِكَايَةُ الْمُتَيْطِيِّ قَوْلَ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 552 فِي آخِرِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (أَوْ بَانَتْ وَلَهَا نَفَقَةُ الْحَمْلِ) . ابْنُ شَاسٍ: مِنْ مَوَانِعِ النَّفَقَةِ: الْعِدَّةُ فَالْمُعْتَدَّةُ الْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيَّةً لَهَا النَّفَقَةُ، وَأَمَّا الْبَائِنُ فَلَهَا السُّكْنَى وَلَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا نَفَقَةَ لِحَامِلٍ فِي وَفَاةٍ وَسُكْنَى الْبَائِنِ فِي عِدَّتِهَا وَنَفَقَةُ حَمْلِهَا كَالرَّجْعِيَّةِ (وَالْكِسْوَةُ فِي أَوَّلِهِ وَفِي الْأَشْهَرِ قِيمَةُ مَنَابِهَا) . ابْنُ رُشْدٍ: إنْ طَلُقَتْ أَوَّلَ الْحَمْلِ فَلَهَا الْكِسْوَةُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَجَلِ الْحَمْلِ إلَّا الشَّهْرَانِ وَالثَّلَاثُ وَنَحْوُهَا قُوِّمَ مَا يَصِيرُ لَهَا لِتِلْكَ الْمُدَّةِ الْأَشْهَرُ مِنْ الْكِسْوَةِ أَنْ لَوْ كُسِيَتْ أَوَّلَ الْحَمْلِ وَتُعْطَاهُ دَرَاهِمُ. وَهَذَا فِي الْكِسْوَةِ الَّتِي تَبْلَى فِي أَوَّلِ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَبْلَى فِي مُدَّتِهِ مِثْلَ الْفَرْوِ وَشِبْهِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 553 فَالْوَجْهُ أَنْ يَنْظُرَ لَمَّا يُنْقِصُهُ اللِّبَاسُ مُدَّةَ الْحَمْلِ فَيَعْرِفَ مَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ لِلْأَشْهُرِ الْبَاقِيَةِ. (وَاسْتَمَرَّ إنْ مَاتَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْبَائِنُ فِي السُّكْنَى وَنَفَقَةِ الْحَمْلِ كَالرَّجْعِيَّةِ، فَلَوْ مَاتَ فَالْمَشْهُورُ وُجُوبُهُمَا فِي مَالِهِ انْتَهَى. اُنْظُرْ الضَّمِيرَ فِي " اسْتَمَرَّ " هَلْ هُوَ عَائِدٌ عَلَى مَا يَعُودُ إلَيْهِ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي وُجُوبِهِمَا فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ. وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ: كُلُّ حَامِلٍ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا وَلَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْ نَفَقَةِ حَمْلِهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ فِي الْحَمْلِ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا انْقَطَعَتْ نَفَقَتُهَا. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنَّهُ يَلْزَمُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَقُولَ فِي السُّكْنَى إنَّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ابْنَ الْقَاسِمِ هَذَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا سَقَطَتْ بِمَوْتِهِ لِأَنَّهَا بِسَبَبِ الْحَمْلِ وَقَدْ صَارَ الْحَمْلُ الْآنَ وَارِثًا فَوَجَبَ لِذَلِكَ سُقُوطُ النَّفَقَةِ، وَأَمَّا السُّكْنَى فَهِيَ لِلْمَرْأَةِ وَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي صِحَّتِهِ فَلَزِمَهُ كَدَيْنٍ لَهَا فَلَا يُسْقِطُ ذَلِكَ مَوْتُهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ السُّكْنَى لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَلَا بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَتَسْقُطُ فِي ذَلِكَ النَّفَقَةُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ السُّكْنَى أَقْوَى. (لَا إنْ مَاتَتْ وَرَدَّتْ النَّفَقَةَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ دَفَعَ إلَى امْرَأَتِهِ نَفَقَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 554 سَنَةٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ فَلْيَرُدَّ بَقِيَّةَ النَّفَقَةِ، وَاسْتَحْسَنَ فِي الْكِسْوَةِ وَلَا تُرَدُّ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ أَشْهُرٍ (كَانْفِشَاشِ الْحَمْلِ) . ابْنُ عَرَفَةَ فِيمَنْ انْفَشَّ حَمْلُهَا بَعْدَ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ طُرُقٌ. ابْنُ سَلْمُونَ: إذَا انْفَشَّ الْحَمْلُ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْهُ. ابْنُ يُونُسَ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْتُوتَةِ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ قَضِيَّةٍ وَقَدْ ادَّعَتْ الْحَمْلَ ثُمَّ بَطَلَ الْحَمْلُ: لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا إذَا أَنْفَقَ بِدَعْوَاهَا أَوْ بِقَوْلِ الْقَائِلِ، وَإِنْ أَنْفَقَ بِقَضِيَّةٍ رَجَعَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ انْكَشَفَ أَنَّ مَا قَضَى بِهِ غَيْرُ حَقٍّ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا فِي الْوَجْهَيْنِ إذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ بِإِقْرَارٍ مِنْهُمَا أَوْ بِغَيْرِ إقْرَارٍ لَا الْكِسْوَةُ بَعْدَ أَشْهُرٍ. ابْنُ سَلْمُونَ: إنْ كَانَتْ عَلَيْهَا كِسْوَةٌ حِينَ طَلَّقَهَا فَأَرَادَ أَخْذَهَا وَلَمْ يَكُنْ بِهَا حَمْلٌ، فَإِنْ كَانَ مَضَى لِابْتِيَاعِهِ لَهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَمَا فَوْقَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَهِيَ لِلرَّجُلِ (بِخِلَافِ مَوْتِ الْوَلَدِ فَيَرْجِعُ بِكِسْوَتِهِ وَإِنْ خَلِقَةً) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا فِي الْهِبَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ مَا كَسَا ابْنَهُ مِنْ ثَوْبٍ فَهُوَ لِلِابْنِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ الْأَبُ أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْإِمْتَاعِ. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونَ: إنْ كَانَتْ قَبَضَتْ نَفَقَةَ أَوْلَادِهَا لِمُدَّةٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فَإِنَّمَا تَرُدُّ مَا يَخُصُّهُ لِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ، وَكَذَلِكَ تَرُدُّ مَا بَقِيَ مِنْ الْكِسْوَةِ وَوَرِثَتْ (وَإِنْ كَانَتْ مُرْضِعَةً فَلَهَا نَفَقَةُ الرَّضَاعِ أَيْضًا) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَامِلًا تُرْضِعُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ حَمْلِهَا وَرَضَاعِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَيْسَ هَذَا بِخِلَافٍ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ رَضَاعُ وَلَدِهَا بَعْدَ طَلَاقِهَا فِي عِدَّتِهَا مَا دَامَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ فِي الرَّجْعِيَّةِ لِأَنَّهَا فِي عِصْمَتِهِ. اُنْظُرْ إذَا خَالَعَهَا عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَى وَلَدٍ إنْ كَانَ فَصَادَفَ أَنْ كَانَتْ حَامِلًا فَطَلَبَتْ نَفَقَةَ الْحَمْلِ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ: الْعُرْفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهَا الرَّضَاعَ أَوْ أُجْرَتَهُ وَيُعْطِيهَا أَنَّ نَفَقَةَ الْحَمْلِ هَذَا. ابْنُ رُشْدٍ: جَعَلَ نَفَقَةَ الْحَمْلِ تَبَعًا لِمَا الْتَزَمَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 555 لَهُ مِنْ الرَّضَاعِ بِمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْعُرْفِ وَالْقَصْدِ، فَإِنْ وَقَعَ الْأَمْرُ مَسْكُوتًا عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ. وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ فِيمَنْ أَكْرَى دَارًا مُشَاهَرَةً فَدَفَعَ كِرَاءَ شَهْرٍ فَهُوَ بَرَاءَةٌ لِلدَّافِعِ مِمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَلَمْ يُخَالِعْهَا فَدَفَعَ إلَيْهَا نَفَقَةَ الرَّضَاعِ لَكَانَ ذَلِكَ بَرَاءَةً لَهُ مِنْ نَفَقَةِ الْحَمْلِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَانْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةً تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى فِي النَّاحِلِ بَعْدَ بُرُوزِ النِّحْلَةِ يَقُومُ يَطْلُبُ النَّفَقَةَ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي وَصِيٍّ أَشْهَدَ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّ لِمَحْجُورَتِهِ عَلَيْهِ عِشْرِينَ مِثْقَالًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا شَيْئًا ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِهِ أَثْبَتَ الْوَرَثَةُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي حَضَانَتِهِ وَأَرَادُوا مُحَاسَبَتَهَا فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إشْهَادُهُ بِالْعِشْرِينِ مِثْقَالًا يُوجِبُهَا لَهَا وَيُبْطِلُ دَعْوَى الْوَرَثَةِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا أَثْبَتُوهُ (وَلَا نَفَقَةَ بِدَعْوَاهَا بَلْ بِظُهُورِ الْحَمْلِ وَحَرَكَتِهِ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: تَجِبُ النَّفَقَةُ بِثُبُوتِ الْحَمْلِ بِالنِّسَاءِ. ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنْ يَحْكُمَ لِلْحَمْلِ بِحَرَكَتِهِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهُ وَاللِّعَانِ عَلَيْهِ، وَكَوْنِ الْأَمَةِ حُرَّةً بِهِ إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا وَبِهَا حَمْلٌ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ (فَتَجِبُ مِنْ أَوَّلِهِ) . ابْنُ سَلْمُونَ: إذَا تَبَيَّنَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 556 الْحَمْلُ أَدَّى نَفَقَةَ مَا مَضَى وَمَا يَأْتِي. (وَلَا نَفَقَةَ لِحَمْلِ مُلَاعَنَةٍ وَأَمَةٍ وَلَا عَلَى عَبْدٍ إلَّا الرَّجْعِيَّةَ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 557 ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلِلْمُلَاعِنَةِ السُّكْنَى لَا نَفَقَةُ الْحَمْلِ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَلَا نَفَقَةَ لِحَمْلِ أَمَةٍ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا، وَلَا عَلَى عَبْدٍ لِحَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً إلَّا أَنْ تَكُونَ رَجْعِيَّةً فِيهِمَا. اُنْظُرْ نَفَقَةَ حَمْلِ أُمِّ الْوَلَدِ وَسُكْنَاهَا فِيهَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لِأُمِّ الْوَلَدِ سُكْنَى حَيْضَتِهَا إنْ مَاتَ سَيِّدُهَا أَوْ أَعْتَقَهَا وَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا حِينَ أَعْتَقَهَا فَلَهَا مَعَ السُّكْنَى نَفَقَتُهَا (وَسَقَطَتْ بِعُسْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا سُكْنَى عَلَى مُعْدِمٍ فِي عِدَّةٍ وَلَا نَفَقَةً فِي حَمْلٍ إلَّا أَنْ يَيْسَرَ فِي حَمْلِهَا فَتَأْخُذَهُ بِنَفَقَتِهِ مَا بَقِيَ، وَكَذَلِكَ السُّكْنَى، وَإِنْ وَضَعَتْ قَبْلَ يُسْرِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ حَمْلِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: إذَا أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ وَقَدْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَلَمْ تَطْلُبْهُ بِنَفَقَتِهِ حَتَّى وَضَعَتْ حَمْلَهَا كَانَ لَهَا أَنْ تُتْبِعَهُ بِمَا أَنْفَقَتْ فِي الْحَمْلِ، وَأَمَّا مَا أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا فِي غَيْبَتِهِ أَوْ حَضْرَتِهِ وَهُوَ مُعْدِمٌ فَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لَهَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ الزَّوْجُ عَلَى النَّفَقَةِ أَنْ تَرْضَى بِالْمُقَامِ مَعَهُ أَوْ يُفَارِقَهَا. وَإِذَا أَنْفَقَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى صِغَارِ وَلَدِهَا وَأَبْكَارِ بَنَاتِهَا مِنْ مَالِهَا وَالزَّوْجُ غَائِبٌ فَلَهَا اتِّبَاعُهُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ فِي وَقْتِ نَفَقَتِهَا مُوسِرًا، وَتَضْرِبُ بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا مَعَ الْغُرَمَاءِ وَلَا تَضْرِبُ مَعَهُمْ بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَى الْوَلَدِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا تَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ مِنْ يَوْمِ رَفَعَتْ أَمْرَهَا. اُنْظُرْهُ مَعَ آخِرِ النِّكَاحِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ مَا أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَبَيْنَ مَا أَنْفَقَتْ عَلَى وَلَدِهَا، لِأَنَّ نَفَقَتَهَا أَوْجَبُ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ، نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ تُسْقِطُ الزَّكَاةَ بِقَضِيَّةٍ وَبِغَيْرِ قَضِيَّةٍ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ. (لَا إنْ حَبَسَتْ أَوْ حَبَسَتْهُ أَوْ حَجَّتْ الْفَرْضَ وَلَهَا نَفَقَةُ حَضَرٍ) ابْنُ عَاتٍ: نَفَقَةُ الْمَحْبُوسَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَكَذَا إنْ حُبِسَ فِي حَقِّهَا أَوْ حَقِّ غَيْرِهَا. وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَجُّ خَرَجَتْ لَهُ، وَإِنْ كَرِهَ إنْ وَجَدَ ذَاتَ مَحْرَمٍ أَوْ رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ وَنَفَقَتُهَا الْمُعْتَادَةُ عَلَى زَوْجِهَا، وَكَذَلِكَ زَائِرَةُ أَهْلِهَا لِشَرْطِهَا وَنَفَقَةُ سَفَرِهَا عَلَيْهَا (وَإِنْ رَتْقَاءَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا دَعَا الزَّوْجُ إلَى الْبِنَاءِ وَزَوْجَتُهُ رَتْقَاءُ لَا يَقْدِرُ عَلَى جِمَاعِهَا، فَإِنْ فَارَقَ فَلَا صَدَاقَ لَهَا إلَّا أَنْ تُعَالِجَ نَفْسَهَا بِأَمْرٍ يَصِلُ بِهِ إلَى جِمَاعِهَا ثُمَّ تَدْعُوهُ إلَى الْبِنَاءِ فَلَهَا الصَّدَاقُ وَالنَّفَقَةُ وَلَا يَجْبُرُهَا عَلَى الْعِلَاجِ. اهـ. نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ تَجَذَّمَتْ الزَّوْجَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَدَعَتْهُ إلَى الْبِنَاءِ قِيلَ لَهُ: ادْفَعْ الصَّدَاقَ وَأَنْفِقْ أَوْ طَلِّقْ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْمَنْعَ لَمْ يَكُنْ مِنْ قِبَلِهَا فَلَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ عَنْهُ مَا حَدَثَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ (وَإِنْ أَعْسَرَ بَعْدَ يُسْرٍ فَالْمَاضِي فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَفْرِضْهُ حَاكِمٌ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا لَهَا اتِّبَاعُهُ إنْ كَانَ وَقْتَ نَفَقَتِهَا مُوسِرًا وَتَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا لَا بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَى الْوَلَدِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 559 نَفَقَتَهَا تُسْقِطُ الزَّكَاةَ بِقَضِيَّةٍ وَبِغَيْرِ قَضِيَّةٍ. اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ " لَا إنْ حَبَسَتْ " (وَرَجَعَتْ بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ غَيْرَ سَرَفٍ وَإِنْ مُعْسِرًا كَمُنْفِقٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ لَا لِصِلَةٍ) الْمُتَيْطِيُّ: لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ الرَّجُلَ إذَا أَكَلَ مَالَ زَوْجَتِهِ وَهِيَ تَنْظُرُ وَلَا تُغَيِّرُ أَوْ أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طَلَبَتْهُ بِذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَهَا وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا فِي حَالِ الْإِنْفَاقِ، وَيُقْضَى لَهَا عَلَيْهِ بَعْدَ يَمِينِهَا أَنَّهَا لَمْ تُنْفِقْ وَلَا تَتْرُكُهُ يَأْكُلُ إلَّا لِتَرْجِعَ عَلَيْهِ بِحَقِّهَا، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ فِي ذَاتِهِ وَهُوَ حَاضِرٌ مَلِيءٌ أَوْ مُعْدِمٌ فَلَهَا اتِّبَاعُهُ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى الصِّلَةِ. وَكَذَلِكَ مَنْ أَنْفَقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ مُدَّةً فَلَهُ اتِّبَاعُهُ بِمَا أَنْفَقَ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ وَجْهَ الصِّلَةِ وَالضِّيَافَةِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَمَنْ قَضَى لَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَأْخُذْ مَا أَنْفَقَ مِنْ السَّرَفِ كَالدَّجَاجِ وَالْخِرَافِ وَنَحْوِهِ وَلَكِنْ بِنَفَقَةٍ لَيْسَتْ بِسَرَفٍ. وَفِي رَسْمِ جَاعَ مِنْ الْجُعْلِ وَفِي رَجُلٍ انْقَطَعَ إلَى رَجُلٍ فَأَقَامَ مَعَهُ أَشْهُرًا يَقُومُ فِي حَوَائِجِهِ، ثُمَّ مَاتَ الْمُنْقَطَعُ إلَيْهِ وَقَامَ الْمُنْقَطِعُ يَطْلُبُ أَجْرَ مَا أَقَامَ مَعَهُ فَقَالَ: إنْ كَانَ يَرَى أَنَّ مِثْلَهُ إنَّمَا يَنْقَطِعُ إلَيْهِ رَجَاءَ أَنْ يُثِيبَهُ فِي قِيَامِهِ وَنَظَرِهِ أُحْلِفَ مَا أُثِيبَ بِشَيْءٍ ثُمَّ أُعْطِيَ أَجْرَ مِثْلِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَيَزِيدُ فِي يَمِينِهِ مَا كَانَ قِيَامُهُ مَعَهُ وَتَصَرُّفُهُ احْتِسَابًا إلَّا لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِحَقِّهِ يُبَيِّنُ. هَذَا مَا فِي سَمَاعِ يَحْيَى فِي أَمَةٍ تَرَكَهَا سَيِّدُهَا عِنْدَ وَالِدِهَا الْحُرِّ فَقَامَ الْأَبُ عَلَى السَّيِّدِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَقَامَ السَّيِّدُ عَلَى الْأَبِ بِمَا اسْتَخْدَمَهَا، فَإِنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ بَعْدَ يَمِينِ الْأَبِ أَنَّهُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا احْتِسَابًا. وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ: إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَعْمَلُ بِأَجْرٍ فَأَرَى لَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ مِثْلُهُ يُعَيَّنُ فَلَا أَرَى لَهُ ذَلِكَ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ فِي شَرِيكَيْنِ قَبَضَ أَحَدُهُمَا دَيْنًا كَانَ بَيْنَهُمَا فَطَلَبَ مِنْ شَرِيكِهِ إجَارَةً عَلَى قَبْضِهِ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ وَمَا خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ لِاقْتِضَاءِ ذَلِكَ الدَّيْنِ مُتَطَوِّعًا، وَسَوَاءٌ خَرَجَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ. اُنْظُرْ فِي الرَّهْنِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ أَنْفَقَ مُرْتَهِنٌ ". وَانْظُرْ أَوَّلَ صَفْحَةٍ مِنْ الْحَمَالَةِ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ. (وَعَلَى الصَّغِيرِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلِمَهُ الْمُنْفِقُ وَحَلَفَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ) ابْنُ رُشْدٍ: الْوَلَدُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِأَبِيهِ مَالٌ فَهُوَ كَالْيَتِيمِ، النَّفَقَةُ عَلَيْهِ احْتِسَابًا. وَإِنْ كَانَ لِلْيَتِيمِ أَوْ لَهُ مَالٌ فَلِلْمُنْفِقِ عَلَيْهِمَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِمَا فِي أَمْوَالِهِمَا بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا لِيَرْجِعَ فِي أَمْوَالِهِمَا لَا عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ، وَهَذَا إذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 560 أَنْفَقَ وَهُوَ يَعْلَمُ مَالَ الْيَتِيمِ أَوْ يُسْرَ الْأَبِ. ابْنُ يُونُسَ: فَيَرْجِعُ فِي مَالِهِ ذَلِكَ، فَإِنْ تَلِفَ ذَلِكَ الْمَالُ وَكَبِرَ الصَّبِيُّ وَأَفَادَ مَالًا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. (وَلَهَا الْفَسْخُ إنْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَةٍ حَاضِرَةٍ لَا مَاضِيَةٍ وَإِنْ عَبْدَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 561 لَا إنْ عَلِمَتْ فَقْرَهُ أَوْ أَنَّهُ مِنْ السُّؤَالِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الْفَسْخِ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ الْحَاضِرَةِ لَا الْمَاضِيَةِ حُرَّيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ مَا لَمْ تَكُنْ عَرَفَتْ فَقْرَهُ وَرَضِيَتْ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ عَرَفَتْ أَنَّهُ مِنْ السُّؤَالِ فَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِالْإِنْفَاقِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَإِنْ أَبَى طَلَّقَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ، وَرُوِيَ شَهْرٌ، وَرُوِيَ ثَلَاثَةٌ وَالصَّحِيحُ يَخْتَلِفُ بِالرَّجَاءِ (إلَّا أَنْ يَتْرُكَهُ) الْقَابِسِيُّ: إنْ تَرَكَ السَّائِلُ التَّطْوَافَ كَانَ لَهَا حُجَّةٌ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا (أَوْ يَشْتَهِرَ بِالْعَطَاءِ وَانْقَطَعَ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ اللَّخْمِيِّ كَالْقَابِسِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا لَا يَسْأَلُ وَهُوَ مَقْصُودٌ مَشْهُورٌ بِالْعَطَاءِ ثُمَّ تَعَذَّرَ فَلَهَا أَنْ تَقُومَ بِالطَّلَاقِ (وَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ عُسْرُهُ بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ أَوْ الطَّلَاقِ وَإِلَّا تَلَوَّمَ بِالِاجْتِهَادِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ بِهَذَا إلَّا أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ لَمْ يَذْكُرْ إنْ لَمْ يَثْبُتْ عُسْرَهُ. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونَ: إنْ ادَّعَى أَنَّهُ مُعْسِرٌ فَلَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ فَرْضُ الْمُعْسِرِ حَتَّى يَثْبُتَ عَقْدٌ بِأَنَّهُ ضَعِيفُ الْحَالِ بَادِي الْإِقْلَالِ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَانَ عَلَيْهِ الْخُبْزُ إنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الدَّقِيقَ وَالْغَلِيظَ مِنْ الثِّيَابِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْإِخْدَامُ. فَإِنْ ادَّعَى الْعَدَمَ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُ ذَلِكَ إنْ نَاكَرَتْهُ زَوْجَتُهُ، فَإِذَا ثَبَتَ الْعَقْدُ بِهَذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، وَيُؤَجَّلُ فِي الْكِسْوَةِ إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 564 قَدَرَ عَلَى النَّفَقَةِ دُونَ الْكِسْوَةِ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُؤَجَّلُ، إلَّا دُونَ ذَلِكَ وَيَكُونُ ذَلِكَ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ (وَزِيدَ إنْ مَرِضَ أَوْ سُجِنَ ثُمَّ طَلَّقَ وَإِنْ غَائِبًا) ابْنُ سَلْمُونَ: إنْ كَانَ غَائِبًا مَعْلُومَ الْمَكَانِ أَوْ أَسِيرًا أَوْ فَقَيْدًا فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا ثَبَتَ عَدَمُهُ. قِيلَ: أَوْ جَهِلَتْ. وَذَكَرَ ابْنُ فَتْحُونَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ أَوْ كَانَ لَهُ وَفَنِيَ بِالْإِنْفَاقِ وَثَبَتَ ذَلِكَ، أَنَّ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَلَمْ يُعْتَبَرْ حَالُ الزَّوْجِ فِي مِلْئِهِ أَوْ عَدَمِهِ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ وَثِيقَةً أَنَّهُ تَرَكَهَا بِلَا نَفَقَةٍ وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَعَثَ لَهَا بِشَيْءٍ فَوَصَلَهَا وَلَا قَامَ أَحَدٌ عَنْهُ بِشَيْءٍ (أَوْ وَجَدَ مَا يُمْسِكُ الْحَيَاةَ لَا إنْ قَدَرَ عَلَى الْقُوتِ وَمَا يُوَارِي الْعَوْرَةَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُتَيْطِيِّ: يَسْقُطُ عَنْهُ الْإِخْدَامُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْخَبْزُ. وَاَلَّذِي شَهَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَمَّا سِوَى مَا يُقِيمُ رَمَقَهَا. قِيلَ: لِأَنَّهَا فِيمَا لَا تَعِيشُ إلَّا بِهِ يَلْحَقُهَا الْحَرَجُ خِلَافًا لِابْنِ الْمَوَّازِ (وَإِنْ غَنِيَّةً) الْبَاجِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَتْ ذَاتَ شَرَفٍ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا قُوتَهَا لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُوَارِيهَا إلَّا ثَوْبًا مِنْ غَلِيظِ الْكَتَّانِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 565 وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً (وَلَهُ الرَّجْعَةُ إنْ وَجَدَ فِي الْعِدَّةِ يَسَارًا يَقُومُ بِوَاجِبِ مِثْلِهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: طَلْقَةُ الْمُعْسِرِ بِالنَّفَقَةِ رَجْعِيَّةٌ اتِّفَاقًا شَرْطُ رَجْعَةٍ يُسْرُهُ وَفِي حَدِّهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. ابْنُ الْحَاجِبِ: هُوَ أَنْ يَجِدَ فِي الْعِدَّةِ يَسَارًا يَقُومُ بِوَاجِبِ مِثْلِهَا (وَلَهَا النَّفَقَةُ وَفِيهَا وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ إنَّمَا هَذَا إنْ أَيْسَرَ فِي الْعِدَّةِ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَإِنْ لَمْ يَرْتَجِعْ. قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَسَقَطَتْ بِعُسْرٍ ". (وَطَلَبُهُ عِنْدَ سَفَرِهِ بِنَفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلِ لِيَدْفَعَهَا لَهَا أَوْ يُقِيمَ لَهَا كَفِيلًا) فِيهَا: إنْ أَرَادَ الزَّوْجُ سَفَرًا فَطَلَبَتْهُ بِالنَّفَقَةِ فَرَضَ لَهَا بِقَدْرِ مَا يَرَى مِنْ إبْعَادِهِ أَوْ يُقِيمُ لَهَا بِهِ كَفِيلًا يُجْرِيهِ لَهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 571 (وَفُرِضَ فِي مَالِ الْغَائِبِ) فِيهَا: لَا يُفْرَضُ عَلَى الْغَائِبِ النَّفَقَةُ لِزَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ يُعْدَى فِيهِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا بِمَا تَأْخُذُ كَفِيلًا وَالزَّوْجُ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قَدِمَ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لَمْ يُفْرَضْ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَلِيءٌ فِي غَيْبَتِهِ فَالْمَشْهُورُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يُفْرَضُ لَهَا. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ كَانَ غَائِبًا " (وَوَدِيعَتِهِ وَدَيْنِهِ) الْمُتَيْطِيُّ: مَنْ غَابَ عَنْ زَوْجِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي نَفَقَتَهَا فِيهِ بَعْدَ يَمِينِهَا أَنَّهُ مَا تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً وَلَا أَرْسَلَ بِهَا إلَيْهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 572 وَلَا أَسْقَطَتْهَا عَنْهُ، وَتُبَاعُ فِي ذَلِكَ عُرُوضُهُ وَأَمْلَاكُهُ بَعْدَ تَأْجِيلِهِ فِي الْأَمْلَاكِ كَمَا لَوْ قَيِّمٌ عَلَيْهِ بِحَقٍّ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ لِلزَّوْجِ وَدَائِعُ وَدُيُونٌ فُرِضَ لَهَا فِي ذَلِكَ. (وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُنْكِرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَهَا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ جَحَدَ مِنْ غُرَمَائِهِ أَنَّ عَلَيْهِمْ دَيْنًا لِلزَّوْجِ وَكَذَا لِمَنْ قَامَ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ. عِيَاضٌ: قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ لَهَا أَنْ تُقِيمَ الْبَيِّنَةَ دَلِيلٌ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ لَا تُقِيمُ بَيِّنَةً وَيُحْكَمُ عَلَى الْغَائِبِ فِيمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ وَيُفْرَضُ لَهَا فِيهِ، وَهَذَا أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَيْ فِيمَنْ أَقَرَّ بِوَدِيعَةٍ لِغَائِبٍ. الْمُتَيْطِيُّ: قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ (بَعْدَ حَلِفِهَا بِاسْتِحْقَاقِهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُتَيْطِيِّ بَعْدَ يَمِينِهَا مَا تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً وَلَا أَسْقَطَتْهَا (وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 576 كَفِيلٌ وَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قَدِمَ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَفُرِضَ فِي مَالِ الْغَائِبِ ". وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إذَا طَلَّقَ عَلَى الْغَائِبِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ ثُمَّ قَدِمَ فَأَثْبَتَ أَنَّهُ تَرَكَ نَفَقَةً رُدَّتْ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: تُرَدُّ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ لَهُ حُجَّةٌ إذَا تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا إلَّا أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ شَيْءٌ مَتَى تَزَوَّجَهَا، وَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا بِيعَتْ دَارُ الْغَائِبِ فِي دَيْنِهِ ثُمَّ قَدِمَ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ، فَإِنْ أَتَى بِحُجَّةٍ سَقَطَ الدَّيْنُ وَرَجَعَ بِالدَّيْنِ عَلَى أَخْذِهِ وَلَا يُنْقَضُ بَيْعُ الدَّارِ كَمَنْ شَبِهَ عَلَى الشُّهُودِ أَنَّهُ مَاتَ فَبِيعَ مَالُهُ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ إنْ كَانَ قَائِمًا بِالثَّمَنِ وَمَا فَاتَ بِكَعِتْقٍ مَضَى (وَبِيعَتْ دَارُهُ بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِهِ وَإِنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْهُ فِي عِلْمِهِمْ ثُمَّ بَيِّنَةٌ بِالْحِيَازَةِ قَائِلَةٌ هَذَا الَّذِي حُزْنَاهُ هِيَ الَّتِي شَهِدْنَا بِمِلْكِهَا لِلْغَائِبِ) الَّذِي لِلْمُتَيْطِيِّ يُعْرَفُ شُهُودُهُ فُلَانًا الْغَائِبَ وَيَعْلَمُونَ لَهُ مَالًا مِنْ مَالِهِ وَمِلْكًا مِنْ أَمْلَاكِهِ جَمِيعَ الدَّارِ بِكَذَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ يَدِهِ فِي عِلْمِهَا فَكَلَّفَهَا الْقَاضِي حِيَازَةَ الدَّارِ الْمَحْدُودَةِ وَوَجَّهَ لِحُضُورِ ذَلِكَ مَعَهَا فُلَانًا وَفُلَانًا فَأَتَيَا وَشَهِدَ عِنْدَهُ أَنَّ الشُّهُودَ بِالْمِلْكِ حَازُوهَا عَلَيْهِمَا وَتَطَوَّفُوا مِنْ دَاخِلِهَا وَخَارِجِهَا مَعَهُمَا وَقَالُوا لَهُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 577 هَذِهِ الدَّارُ الَّتِي شَهِدْنَا بِمِلْكِهَا لِلْغَائِبِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تُسْقِطَ الْحِيَازَةَ قُلْت: وَاسْتَغْنَى عَنْ حِيَازَتِهَا لِمَعْرِفَةِ الشُّهُودِ بِهَا وَإِذْ مِنْ مَذْهَبِهِ إسْقَاطُ الْحِيَازَةِ آخِذًا بِذَلِكَ يَقُولُ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ (وَإِنْ تَنَازَعَا فِي عُسْرِهِ فِي غَيْبَةٍ اُعْتُبِرَ حَالُ قُدُومِهِ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: ثَالِثُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ تَنَازَعَا فِي الْإِعْسَارِ فِي الْغَيْبَةِ فَإِنْ قَدِمَ مُعْسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِلَّا فَقَوْلُهَا. وَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ: مَنْ قَدِمَ فَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُعْسِرًا مُدَّةَ غَيْبَتِهِ مَجْهُولًا حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدِي إنْ قَدِمَ مُوسِرًا حُمِلَ عَلَى الْغَنِيِّ وَإِلَّا فَلَا، وَمَنْ عَلِمَ يُسْرَهُ أَوْ عُسْرَهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ حُمِلَ عَلَى مَا عُلِمَ مِنْهُ وَلَوْ قَدِمَ عَلَى خِلَافِهِ. قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَقِيلَ: إنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ صَحِيحٌ إذْ لَا يَسْقُطُ حُكْمُ مَا خَرَجَ عَلَيْهِ إلَّا بِيَقِينٍ (وَفِي إرْسَالِهَا الْقَوْلُ قَوْلُهَا إنْ رَفَعَتْ مِنْ يَوْمِئِذٍ لِحَاكِمٍ لِعُدُولٍ وَجِيرَانٍ وَإِلَّا فَقَوْلُهُ) الْمُتَيْطِيُّ: إذَا لَمْ يُوجَدْ لِلْغَائِبِ مَالٌ وَلَا شَيْءٌ وَسَأَلَتْهُ الْمَرْأَةُ فَرْضَ نَفَقَتِهَا عَلَيْهَا لِتَأْخُذَهُ بِهَا إذَا رَجَعَ مِنْ مَغِيبِهِ، فَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ مَلِيءٌ فِي غَيْبَتِهِ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي نَفَقَةَ مِثْلِهَا وَكَانَ دَيْنًا لَهَا عَلَيْهِ تُتْبِعُهُ بِهِ وَتُحَاصُّ غُرَمَاءَهُ، فَإِذَا قَدِمَ أَخَذَتْهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ خَلَّفَ لَهَا نَفَقَةً فَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْقَوْلُ قَوْلُهَا مِنْ يَوْمِ تَرْفَعُ أَمْرَهَا مَعَ يَمِينِهَا. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْهَرُ وَبِهَا الْقَضَاءُ لِأَنَّ قِيَامَهَا عِنْدَ السُّلْطَانِ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ يَشْهَدُ لَهَا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُدَّةِ قَبْلَ قِيَامِهَا عِنْدَ السُّلْطَانِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 578 فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ بِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا إنْ رَفَعَتْ إلَى عُدُولِ بَلَدِهَا وَالثِّقَاتِ مِنْ جِيرَانِهَا وَلَمْ تَرْفَعْ أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ فَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْعَمَلُ وَبِهَا الْفُتْيَا. وَصَوَّبَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى وَأَنَّ رَفْعَهَا إلَى الْجِيرَانِ كَرَفْعِهَا إلَى السُّلْطَانِ، وَكَثِيرٌ مِنْ النِّسَاءِ لَا تَرْضَى الرَّفْعَ لِلسُّلْطَانِ وَتَرَاهُ مَعْسَرَةً وَفَسَادًا مَعَ زَوْجِهَا إنْ قَدِمَ. ابْنُ عَرَفَةَ: الَّذِي اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ قُضَاةِ بَلَدِنَا أَنَّ الرَّفْعَ إلَى الْعُدُولِ كَالرَّفْعِ إلَى السُّلْطَانِ، وَالرَّفْعَ لِلْجِيرَانِ لَغْوٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَتُحَاصُّ الْمَرْأَةُ الْغُرَمَاءَ بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ حِينِ قِيَامِهَا عِنْدَهُ. قَالَ سَحْنُونَ: وَذَلِكَ فِي الدَّيْنِ الْمُسْتَحْدَثِ، وَأَمَّا الدَّيْنُ الْقَدِيمُ فَلَا. وَأَمَّا مَا أَنْفَقَتْ عَلَى وَلَدِهَا فَإِنَّهَا تَطْلُبُهُ بِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَلَا تُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ بِخِلَافِ مَا أَنْفَقَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْغَائِبُ مُعْدِمًا فِي غَيْبَتِهِ فَلَا يَفْرِضُ الْقَاضِي لِزَوْجِهِ شَيْئًا عَلَى الْمَشْهُورِ. قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: تَتَدَايَنُ عَلَيْهِ وَيَدْفَعُ لَهَا فَإِذَا قَدِمَ الزَّوْجُ مِنْ مَغِيبِهِ مُوسِرًا وَأَقَرَّ بِقَطْعِ نَفَقَتِهِ عَنْهَا وَأَنَّ كَانَتْ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْيَسَارِ أَعْطَاهَا مَا أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا، وَإِنْ قَدِمَ مُوسِرًا وَادَّعَى الْعُسْرَةَ فِي مَغِيبِهِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ قَدِمَ مُعْسِرًا وَادَّعَتْ غِنَاهُ فِي حَالِ مَغِيبِهِ وَأَكْذَبَهَا صَدَقَ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى غِنَاهُ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَبِهِ الْقَضَاءُ (كَالْحَاضِرِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِلْعُرْفِ (وَحَلَفَ لَقَدْ قَبَضْتُهَا لَا بَعَثْتُهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: " يَحْلِفُ فِي دَعْوَاهُ بَعْثَ النَّفَقَةِ لَقَدْ بَعَثْت بِهَا إلَيْهَا خِلَافَ نَقْلِ الصَّقَلِّيِّ. رَوَى مُحَمَّدٌ: إنَّمَا يَحْلِفُ أَنَّهُ بَعَثَ ذَلِكَ وَقَبَضَتْهُ وَوَصَلَ إلَيْهَا قِيلَ: كَيْفَ يَعْلَمُ وَهُوَ غَائِبٌ؟ قَالَ: يَجِيئُهُ بِذَلِكَ كِتَابُهَا أَوْ قَدِمَ مِنْ عِنْدَمَا مَنْ أَخْبَرَهُ (وَفِيمَا فَرَضَهُ فَقَوْلُهُ إنْ أَشْبَهَ وَإِلَّا فَقَوْلُهَا إنْ أَشْبَهَ وَإِلَّا ابْتَدَأَ الْفَرْضَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا فَرَضَ الْقَاضِي لِلزَّوْجَةِ ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ فَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ قَدْرًا وَادَّعَى الزَّوْجُ دُونَهُ فَالْقَوْلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 579 قَوْلُهُ إذَا أَشْبَهَ نَفَقَةَ مِثْلِهَا وَإِلَّا فَقَوْلُهَا فِيمَا يُشْبِهُ وَإِلَّا اُبْتُدِئَ لَهَا الْفَرْضُ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. عِيَاضٌ: رِوَايَتُنَا إنْ لَمْ يُشْبِهْ مَا قَالَاهُ أُعْطِيت نَفَقَةَ مِثْلِهَا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ يَفْرِضُ لَهَا الْقَاضِي نَفَقَةَ مِثْلِهَا، وَعَلَى هَذَا اخْتَصَرَ الْمُخْتَصِرُونَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِيمَا يُسْتَقْبَلُ بِزِيَادَةِ وَاوٍ وَهَذَا أَصَحُّ. قَالَ سَحْنُونَ: الْمَسْأَلَةُ هِيَ فِيمَا مَضَى مِنْ الْفَرْضِ، أَمَّا الْمُسْتَقْبَلُ فَيَسْتَأْنِفُ الْحَاكِمُ النَّظَرَ فِيهِ (وَفِي حَلِفِ مُدَّعِي الْأَشْبَهِ تَأْوِيلَانِ) . [فَصْلٌ مِنْ أَسْبَابِ النَّفَقَةِ مِلْكُ الْيَمِينِ] ابْنُ شَاسٍ: السَّبَبُ الثَّالِثُ لِلنَّفَقَةِ مِلْكُ الْيَمِينِ وَيَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَلَا يَتَعَيَّنُ مَا يُضْرَبُ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ خَرَاجٍ بَلْ عَلَيْهِ بَذْلُ الْمَجْهُودِ (إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ» الجزء: 5 ¦ الصفحة: 580 قَالَ مَالِكٌ: عَلَى سَيِّدِهِ أَنْ لَا يُكَلِّفَهُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ يُقْضَى بِذَلِكَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: يَعْنِي بِالْمَعْرُوفِ أَيْ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ وَلَا إقْتَارٍ بِقَدْرِ سَعَةِ السَّيِّدِ وَحَالِ الْعَبْدِ لَيْسَ الْوَغْدُ الْأَسْوَدُ الَّذِي لِلْخِدْمَةِ وَالْحَرْثِ كَالنَّبِيلِ الْفَارِهِ فِيمَا يَجِبُ لَهُمَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ مُسَاوَاةِ الْعَبْدِ سَيِّدَهُ فِي ذَلِكَ، وَفِعْلُ أَبِي الْيُسْرِ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي ذَرٍّ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّغْبَةِ فِي الْخَيْرِ لَا عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا (وَدَابَّتِهِ) ابْنُ رُشْدٍ يَقْضِي لِلْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ إنْ قَصَّرَ عَمَّا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ فِي مَطْعَمِهِ وَمَلْبَسِهِ بِخِلَافِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ الْبَهَائِمِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي تَرْكِ إجَاعَتِهَا وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِعَلَفِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: يُجْبَرُ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَعْلِفَ دَابَّتَهُ أَوْ يَبِيعَهَا أَوْ يَذْبَحَهَا إنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ وَلَا يُتْرَكُ يُعَذِّبُهَا بِالْجُوعِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَازِمُ هَذَا الْقَضَاءِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ وَتَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ وَاجِبُ الْقَضَاءِ بِهِ وَهَذَا أَصْوَبُ مِنْ نَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ (إنْ لَمْ يَكُنْ مُدَّعٍ وَإِلَّا بِيعَ) ابْنُ شَاسٍ: يَجِبُ عَلَى رَبِّ الدَّوَابِّ عَلَفُهَا أَوْ رَعْيُهَا إنْ كَانَ فِي رَعْيِهَا مَا يَقُومُ بِهَا، فَإِنْ أَجْدَبَتْ الْأَرْضُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ عَلْفُهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْلِفْ أَخَذَ بِأَنْ يَبِيعَهَا وَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 581 يَجُوزُ أَنْ يَشْرَبَ لَبَنَهَا بِحَيْثُ يَضُرُّ بِنِتَاجِهَا (كَتَكْلِيفِهِ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطَاقُ) تَقَدَّمَ نَصُّ مَالِكٍ بِهَذَا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُبَاعُ الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ إذَا تَبَيَّنَ ضَرَرُهُ بِهِ كَضَرْبِهِ فِي غَيْرِ حَقٍّ (وَيَجُوزُ مِنْ لَبَنِهَا مَا لَا يَضُرُّ بِنِتَاجِهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ بِهَذَا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ لَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ مِنْهَا بَعْدَ رِيِّ فَصِيلِهَا. اُنْظُرْ نَفَقَةَ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا فَوَلَدَتْ مِنْ الزَّوْجِ فَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى السَّيِّدِ. اُنْظُرْ ابْنَ عَاتٍ وَانْظُرْ أُمَّ الْوَلَدِ يَغِيبُ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَيَتْرُكُهَا دُونَ نَفَقَةٍ هَلْ تُعْتَقُ عَلَيْهِ؟ اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيَّ. الْبَاجِيُّ: وَمَنْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ أُمِّ وَلَدِهِ فَقِيلَ تُعْتَقُ، وَقِيلَ تُزَوَّجُ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةِ آخِرَ مَسْأَلَةٍ قَبْل َ كِتَابِ الْبُيُوعِ. [مِنْ أَسِبَابِ النَّفَقَةِ الْقَرَابَةُ] ابْنُ شَاسٍ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 583 السَّبَبُ الثَّانِي لِلنَّفَقَةِ الْقَرَابَةُ، وَالْمُسْتَحَقُّونَ مِنْهُمْ لِلنَّفَقَةِ صِنْفَانِ: أَوْلَادُ الصُّلْبِ وَالْأَبَوَانِ. وَلَا يَتَعَدَّى الِاسْتِحْقَاقُ إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَلَا إلَى الْجَدِّ وَالْجَدَّاتِ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى أَوَّلِ طَبَقَةٍ مِنْ الْفُصُولِ وَالْأُصُولِ (وَبِالْقَرَابَةِ عَلَى الْمُوسِرِ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ الْمُعْسِرَيْنِ) الْمُتَيْطِيُّ: أَمَّا الْأَبَوَانِ الْمُعْسِرَانِ فَلَهُمَا النَّفَقَةُ عَلَى أَغْنِيَاءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 584 بَنِيهِمَا الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ صِغَارًا كُنَّ أَوْ كِبَارًا عَلَى السَّوَاءِ، وَيُنْفِقُ الْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَالْمُسْلِمُ عَلَى الْكَافِرِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ فَيَحْكُمُ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ. هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: تَجِبُ نَفَقَةُ الْوَالِدِ لِفَقْرِهِ عَلَى وَلَدِهِ لِيُسْرِهِ وَالْكُفْرُ وَالصِّحَّةُ وَالصِّغَرُ وَزَوْجُ الْبِنْتِ وَزَوْجُ الْأُمِّ الْفَقِيرُ لَغْوٌ (وَأَثْبَتَا الْعَدَمَ لَا بِيَمِينٍ) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ أَنْكَرَ الِابْنُ عَدَمَ الْأَبِ وَجَبَ عَلَى الْأَبِ إثْبَاتُ عَدَمِهِ، فَإِذَا ثَبَتَ وَجَبَتْ لَهُ النَّفَقَةُ عَلَى الِابْنِ. وَهَلْ يَحْلِفُ لِلِابْنِ؟ قَوْلَانِ. الْقَوْلُ الَّذِي بِهِ الْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنَّهُ لَا يُحَلِّفُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُوقِ وَالْأُمُّ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الْأَبِ سَوَاءٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 585 (وَهَلْ الِابْنُ إذَا طُولِبَ بِالنَّفَقَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَلَاءِ أَوْ الْعَدَمِ قَوْلَانِ) حَكَى ابْنُ الْفَخَّارِ أَنَّ الِابْنَ إذَا ادَّعَى الْعَدَمَ وَجَبَ عَلَى الْأَبِ إثْبَاتُ يَسَارِ الِابْنِ، لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَبِ إنَّمَا تَجِبُ فِي مَالِ الِابْنِ لَا فِي ذِمَّتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الدُّيُونِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى الْغَرِيمِ فِيهَا إثْبَاتُ عَدَمِهِ. الْمُتَيْطِيُّ: وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الْإِثْبَاتُ عَلَى الِابْنِ أَنَّهُ عَدِيمٌ (وَخَادِمِهَا وَخَادِمِ زَوْجَةِ الْأَبِ) الْمُتَيْطِيُّ: يُنْفِقُ عَلَى مَنْ لَهُ خَادِمٌ مِنْ الْأَبَوَيْنِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمَا، وَكَذَلِكَ يُنْفِقُ عَلَى خَادِمِ زَوْجَةِ أَبِيهِ لِأَنَّهَا تَخْدُمُ أَبَاهُ لِأَنَّ عَلَى الِابْنِ إخْدَامَ أَبِيهِ إذَا قَدَرَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ اُنْظُرْ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُنْفِقُ عَلَى الْخَادِمِ، وَقَدْ قَالَ فِي بِكْرٍ وَرِثَتْ عَنْ أُمِّهَا خَادِمًا: لَا يَلْزَمَ الْأَبُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْخَادِمِ. وَقَالَ أَيْضًا فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ لَهُ عَبْدٌ فَهُوَ مَالٌ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ عَنْ أَبِيهِ بِذَلِكَ فَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ. (وَإِعْفَافُهُ بِزَوْجَةٍ وَاحِدَةٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى إحْجَاجِ أَبِيهِ وَلَا إنْكَاحِهِ ابْنُ رُشْدٌ: هَذَا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي. وَرَوَى أَشْهَبُ جَبْرَهُ عَلَى إنْكَاحِهِ ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ تَحَقَّقَتْ حَاجَتُهُ لِلنِّكَاحِ لَا نُبْغَى أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 586 فِي إيجَابِهِ (وَلَا تَتَعَدَّدُ إنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أُمَّهُ عَلَى ظَاهِرِهَا لَا زَوْجَ أُمِّهِ وَجَدٍّ وَوَلَدِ ابْنٍ وَلَا يُسْقِطُهَا تَزْوِيجُهَا الْفَقِيرَ وَوَزَّعَتْ عَلَى الْأَوْلَادِ) فِيهَا: يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَبِيهِ لَا أَكْثَرَ ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ وَالْأَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ قَوْلُ بَعْضِ شُيُوخِ الْقَرَوِيِّينَ: إنَّ مَنْ لِأَبِيهِ الْفَقِيرِ زَوْجَتَانِ إحْدَاهُمَا أَمَةٌ فَقِيرَةٌ أَنَّ عَلَيْهِ نَفَقَةَ أَمَةٍ فَقَطْ الْكَافِي: تَلْزَمُ الْأَبْنَاءَ النَّفَقَةُ عَلَى أُمِّهِمْ وَعَلَى زَوْجِهَا إنْ كَانَ عَدِيمًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ، وَهَذَا إنْ كَانَ عَدَمُهُ قَدْ لَحِقَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَمْ يَعْتَرِضْهُ وَلَمْ يَزَلْ الشُّيُوخُ يَعْتَرِضُونَهُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجِ أُمِّهِ (وَهَلْ عَلَى الْإِرْثِ أَوْ الرُّءُوسِ أَوْ الْيَسَارِ أَقْوَالٌ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: تَلْزَمُ الْوَلَدَ الْمَلِيءَ نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ وَلَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ وَالْوَلَدُ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ، ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، كَانَتْ الْبِنْتُ مُتَزَوِّجَةً أَمْ لَا، وَإِنْ كَرِهَ زَوْجُ الِابْنَةِ. وَكَذَلِكَ مِنْ مَالٍ يُوهَبُ لِلْوَلَدِ أَوْ يُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِ. قَالَ مُطَرِّفٌ: وَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ صِغَارًا يَتَامَى فَالنَّفَقَةُ فِي أَمْوَالِهِمْ عَلَى قَدْرِ الْمَوَارِيثِ عَلَى الذَّكَرِ مِثْلَا مَا عَلَى الْأُنْثَى. وَقَالَ أَصْبَغُ: بَلْ هِيَ بِالسَّوَاءِ فِي صِغَارِهِمْ وَكِبَارِهِمْ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 587 هَذَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَوْ انْفَرَدَ لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ كَامِلَةً، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، فَإِذَا اجْتَمَعُوا وُزِّعَتْ عَلَيْهِمْ بِالسَّوَاءِ وَلَهُ وَجْهٌ فِي الْقِيَاسِ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَانَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَشَارَ إلَى أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ يَسَارِهِ وَجِدَتِهِ. اُنْظُرْ فِي آخِرِ كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ. (وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ الذَّكَرِ حَتَّى يَبْلُغَ عَاقِلًا قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ وَالْأُنْثَى حَتَّى يَدْخُلَ زَوْجُهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَلْزَمُ الْأَبَ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الذُّكُورِ حَتَّى يَحْتَلِمُوا وَالْإِنَاثِ حَتَّى يَدْخُلَ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلصَّبِيِّ كَسْبٌ يُسْتَغْنَى بِهِ أَوْ مَالٌ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ. الْمُتَيْطِيُّ: وَمَنْ احْتَلَمَ مِنْ ذُكُورِ وَلَدِهِ وَلَمْ تَكُنْ بِهِ زَمَانَةٌ وَلَا عَمَى وَلَا أَمْرَ يَمْنَعُهُ مِنْ الْكَسْبِ لِنَفْسِهِ فَقَدْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ عَنْ أَبِيهِ، وَإِنْ حَدَثَ بِهِ ذَلِكَ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ فَلَا تَعُودُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ. هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَبِهِ الْحُكْمُ. وَمَنْ احْتَلَمَ مِنْ ذُكُورِ بَنِيهِ وَهُوَ عَلَى الْحَالِ الَّتِي قَدَّمْنَا مِنْ الزَّمَانَةِ وَغَيْرِهَا فَنَفَقَتُهُ بَاقِيَةٌ عَلَى الْأَبِ إلَى ذَهَابِهَا مِنْهُ وَقُدْرَتُهُ عَلَى التَّصَدُّقِ فِي مَعَاشِهِ، وَأَمَّا أَبْكَارُ بَنَاتِهِ اللَّوَاتِي لَا مَالَ لَهُنَّ فَيَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُنَّ إلَى دُخُولِ أَزْوَاجِهِنَّ بِهِنَّ، وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهُ تَرْشِيدُهُ لَهُنَّ. وَمَنْ طَلُقَتْ مِنْهُنَّ بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ الْبُلُوغِ فَنَفَقَتُهَا وَاجِبَةٌ عَلَى أَبِيهَا إلَى بُلُوغِهَا إلَى الْمَحِيضِ، فَإِذَا بَلَغَتْ فَقَدْ لَحِقَتْ بِالثَّيِّبَاتِ اللَّوَاتِي لَا نَفَقَةَ لَهُنَّ. وَقَالَ سَحْنُونَ: إنَّ النَّفَقَةَ لَهَا إلَى دُخُولِ زَوْجٍ آخَرَ بِهَا. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 588 وَإِذَا دَخَلَ بِالصَّبِيَّةِ زَوْجُهَا وَهِيَ زَمِنَةٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا عَادَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى الْأَبِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ طَلُقَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ الْبِنَاءِ أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا فَلَا نَفَقَةَ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِاسْتِصْحَابِ الْوُجُوبِ فَإِذَا سَقَطَتْ مَرَّةً فَلَا تَعُودُ (وَتَسْقُطُ عَنْ الْمُوسِرِ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ إلَّا لِقَضِيَّةٍ أَوْ يُنْفِقُ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: شَرْطُ نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ وَالْوَلَدِ الْيَسَارُ وَتَسْقُطُ عَنْ الْمُوسِرِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ إلَّا أَنْ يَفْرِضَهَا الْحَاكِمُ أَوْ يُنْفِقَ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَفْرِضَهَا الْحَاكِمُ فَيَقْضِيَ بِهَا لَهُمَا أَوْ لِمَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ لَكَانَ أَصْوَبَ. فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إذَا رَفَعَ الْأَبَوَانِ إلَى السُّلْطَانِ فِي مَغِيبِ الِابْنِ وَلَا مَالَ لَهُ حَاضِرٌ لَمْ يَأْمُرْهُمَا أَنْ يَتَسَلَّفَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ إذْ لَا تَلْزَمُ نَفَقَتُهُمَا إلَّا بِالْحُكْمِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ أَنْفَقَ عَلَى ابْنِهِ الْمُعْدِمِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى إخْوَتِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، لَيْسَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ مِنْهُ عَلَى الطَّوْعِ بَلْ لَوْ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى إخْوَتِهِ بِمَا يَنُوبُهُمْ مِنْ ذَلِكَ لَمَا وَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ نَفَقَتَهُ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ حَتَّى يُطْلَبُوا بِهَا بِخِلَافِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 589 نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ. وَكَذَا قَالَ فِي نَوَازِلِهِ: إنَّ نَفَقَةَ الْأَبَوَيْنِ سَاقِطَةٌ حَتَّى يَعْلَمَ وُجُوبَهَا وَنَفَقَةَ الزَّوْجَةِ وَاجِبَةٌ حَتَّى يَعْلَمَ سُقُوطَهَا فَلَا تُبَاعُ دَارُهُ فِي غَيْبَتِهِ لِنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ. (وَاسْتَمَرَّتْ إنْ دَخَلَ زَمِنَةً ثُمَّ طَلَّقَ) اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَتَسْقُطُ عَنْ الْمُوسِرِ " (لَا إنْ عَادَتْ بَالِغَةً) . ابْنُ الْحَاجِبِ: فَلَوْ عَادَتْ بَالِغَةً لَمْ تَعُدْ (أَوْ عَادَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 591 الزَّمَانَةُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُتَيْطِيِّ بِهَذَا فِي الذُّكُورِ أَنَّهُ إنْ عَادَتْ الزَّمَانَةُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا تَعُودُ النَّفَقَةُ قَالَ: وَبِهِ الْحُكْمُ (وَعَلَى الْمُكَاتَبَةِ نَفَقَةُ وَلَدِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ فِي الْكِتَابَةِ وَلَيْسَ عَجْزُهُ عَنْهَا عَجْزًا عَنْ الْكِتَابَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: نَفَقَةُ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ عَلَيْهَا كَاتَبَتْ عَلَيْهِمْ أَوْ حَدَثُوا فِي كِتَابَتِهَا، كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا أَوْ فِي كِتَابَةٍ أُخْرَى وَنَفَقَتُهَا هِيَ عَلَى زَوْجِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْأَبِ فِي كِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ فَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأَبِ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ أَوْ حَدَثُوا، وَلَيْسَ عَجْزُهُ عَنْ نَفَقَةِ وَلَدِهِ الصِّغَارِ كَعَجْزِهِ عَنْ الْكِتَابَةِ. (وَعَلَى الْأُمِّ الْمُتَزَوِّجَةِ وَالرَّجْعِيَّةِ رَضَاعُ وَلَدِهَا بِلَا أَجْرٍ إلَّا لِعُلُوِّ قَدْرٍ كَالْبَائِنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: تُجْبَرُ ذَاتُ الزَّوْجِ عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهَا بِلَا أَجْرٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَا تُرْضِعُ لِشَرَفِهَا فَذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ. قَالَ: وَالرَّضَاعُ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ طَلُقَتْ فِيهِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ يُرْضِعُ مِثْلُهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ فَإِذَا انْقَضَتْ أَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ فَعَلَى الْأَبِ أَجْرُ الرَّضَاعِ. اللَّخْمِيِّ: لِذَاتِ الشَّرَفِ رَضَاعُ وَلَدِهَا بِأَجْرٍ (إلَّا أَنْ لَا يَقْبَلَ غَيْرَهَا) قَالَ مَالِكٌ: إنْ مَاتَ الْأَبُ وَلِلصَّبِيِّ مَالٌ فَلِلْأُمِّ أَنْ لَا تُرْضِعَهُ وَيُسْتَأْجَرَ لَهُ مَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 592 يُرْضِعُهُ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنْ لَا يَقْبَلَ غَيْرَهَا فَتُجْبَرَ أَنْ تُرْضِعَهُ بِأَجْرٍ مِنْ مَالِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ مَالٌ لَزِمَهَا رَضَاعُهُ يُرِيدُ وَإِنْ كَانَ يَقْبَلُ غَيْرُهَا بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى بِهَا عَلَيْهَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْيَتِيمِ مَالٌ وَلَا لِأُمِّهِ فَإِنَّ عَلَيْهَا إرْضَاعَهُ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ ابْنُ عَرَفَةَ: فِيهَا عَلَيْهَا رَضَاعُ وَلَدِهَا مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ مِثْلُهَا لَا يُرْضِعُ لِشَرَفِهَا أَوْ مَرَضِهَا أَوْ قَطْعِ لَبَنِهَا (أَوْ يُعْدِمَ الْأَبُ أَوْ يَمُوتَ وَلَا مَالَ لِلصَّبِيِّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ مَاتَ الْأَبُ وَلِلصَّبِيِّ مَالٌ فَلَهَا أَنْ لَا تُرْضِعَهُ وَيَسْتَأْجِرُ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ مِنْ مَالِهِ وَالْأُمُّ أَحَقُّ بِهِ إلَّا أَنْ لَا يَقْبَلَ غَيْرَهَا فَتُجْبَرُ عَلَى أَنْ تُرْضِعَهُ بِأَجْرِهَا مِنْ مَالِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ مَالٌ لَزِمَهَا رَضَاعُهُ يُرِيدُ وَإِنْ كَانَ يَقْبَلُ غَيْرَهَا بِخِلَافِ النَّفَقَةِ الَّتِي لَا يُقْضَى بِهَا عَلَيْهَا، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ (وَاسْتَأْجَرَتْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ) قَالَ مَالِكٌ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْيَتِيمِ مَالٌ وَلَيْسَ لِلْأُمِّ لَبَنٌ أَوْ لَهَا لَبَنٌ لَا يَكْفِيهِ فَعَلَيْهَا رَضَاعُهُ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ (وَلَهَا إنْ قَبِلَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يَرْضِعُهُ عِنْدَهُ مَجَّانًا عَلَى الْأَرْجَحِ فِي التَّأْوِيلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَتْ بَعْدَمَا طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ لَا أُرْضِعُهُ إلَّا بِمِائَةٍ وَوَجَدَ الزَّوْجُ مَنْ يُرْضِعُهُ بِخَمْسِينَ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْأُمُّ أَحَقُّ بِهِ بِمَا يُرْضِعُ بِهِ غَيْرُهَا يُرِيدُ بِأَجْرِ مِثْلِهَا لَا بِخَمْسِينَ. قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ. ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ الصَّوَابُ. اُنْظُرْ آخِرَ تَرْجَمَةٍ مِنْ الرَّضَاعِ. (وَحَضَانَةُ الذَّكَرِ لِلْبُلُوغِ وَالْأُنْثَى كَالنَّفَقَةِ لِلْأُمِّ) تَقَدَّمَ قَوْلُهُ أَنَّ نَفَقَةَ الذَّكَرِ حَتَّى يَبْلُغَ وَالْأُنْثَى حَتَّى يَدْخُلَ زَوْجُهَا، وَكَذَا الْحَضَانَةُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا مَاتَ الْأَبُ أَوْ طَلَّقَ يُتْرَكُ الْوَلَدُ فِي حَضَانَةِ الْأُمِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ثُمَّ يُذْهَبُ بِهِ حَيْثُ شَاءَ وَالْجَارِيَةُ حَتَّى تَبْلُغَ النِّكَاحَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 593 الْبَاجِيُّ: الْحَضَانَةُ حِفْظُ الْوَلَدِ فِي مَبِيتِهِ وَمُؤْنَةِ طَعَامِهِ وَلِبَاسِهِ وَمَضْجَعِهِ وَتَنْظِيفِ جَسَدِهِ. وَنَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ كَفَالَةِ الْأَطْفَالِ الصِّغَارِ لِأَنَّهُمْ خَلْقٌ ضَعِيفٌ يَفْتَقِرُ لِكَافِلٍ يُرَبِّيهِ حَتَّى يَقُومَ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إنْ قَامَ بِهِ قَائِمٌ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِي لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا عَلَى الْأَبِ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْأُمِّ فِي حَوْلَيْ رَضَاعِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَا مَالٌ أَوْ كَانَ لَا يَقْبَلُ ثَدْيَ سِوَاهَا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَتْ الْأُمُّ فِي حَوْزٍ وَتَحْصِينٍ فَهِيَ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ حَتَّى تَنْكِحَ (وَلَوْ أَمَةً عَتَقَ وَلَدُهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا عَتَقَ وَلَدُ الْأَمَةِ وَزَوْجُهَا حُرٌّ فَطَلَّقَهَا فَهِيَ أَحَقُّ بِحَضَانَتِهِ إلَّا أَنْ تُبَاعَ فَيَظْعَنَ بِهَا إلَى غَيْرِ بَلَدِ الْأَبِ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهِ (أَوْ أُمَّ وَلَدٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تُعْتَقُ لَهَا الْحَضَانَةُ كَالْحُرَّةِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ أَعْتَقَهَا عَلَى تَرْكِ حَضَانَتِهَا (وَلِلْأَبِ تَعَاهُدُهُ وَأَدَبُهُ وَبَعْثُهُ لِلْمَكْتَبِ) . الْبَاجِيُّ: إذَا كَانَ الِابْنُ فِي حَضَانَةِ أُمِّهِ لَمْ يُمْنَعْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 594 مِنْ الِاخْتِلَافِ لِأَبِيهِ يُعَلِّمُهُ وَيَأْوِي لِأُمِّهِ لِأَنَّ لِلْأَبِ تَعْلِيمَهُ وَتَأْدِيبَهُ وَإِسْلَامَهُ فِي الْمَكْتَبِ وَالصَّنَائِعِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ لِلْأَبِ تَعَاهُدُ وَلَدِهِ عِنْدَ أُمِّهِ وَأَدَبُهُ وَبَعْثُهُ لِلْمَكْتَبِ وَلَا يَبِيتُ إلَّا مَعَ أُمِّهِ (ثُمَّ أُمِّهَا ثُمَّ جَدَّةِ الْأُمِّ إنْ انْفَرَدَتْ بِالسُّكْنَى عَنْ أُمٍّ سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا ثُمَّ الْخَالَةِ ثُمَّ خَالَتِهَا ثُمَّ جَدَّةِ الْأَبِ ثُمَّ الْأَبِ ثُمَّ الْأُخْتِ ثُمَّ الْعَمَّةِ) مُقْتَضَى مَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ أَحَقَّ النَّاسِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 595 بِالْحَضَانَةِ بَعْدَ الْأُمِّ: الْجَدَّةُ لِلْأُمِّ ثُمَّ أُمُّ الْجَدَّةِ ثُمَّ أُمُّ أَبِيهَا ثُمَّ أُمُّ أُمُّ أُمِّهَا ثُمَّ أُمُّ أُمِّ أَبِيهَا ثُمَّ أُخْتُ الْأُمِّ وَهِيَ الْخَالَةُ وَالشَّقِيقَةُ أَوْلَى ثُمَّ الَّتِي لِلْأُمِّ ثُمَّ الَّتِي لِلْأَبِ لِأَنَّ الْأُمَّ أَمَسُّ رَحِمًا، ثُمَّ أُخْتُ الْجَدَّةِ وَهِيَ خَالَةُ الْأُمِّ وَخَالَةُ الْخَالَةِ وَالشَّقِيقَةُ أَوْلَى، ثُمَّ الَّتِي لِلْأُمِّ ثُمَّ الَّتِي لِلْأَبِ ثُمَّ أُخْتُ الْجَدِّ لِلْأُمِّ وَهِيَ عَمَّةُ الْأُمِّ وَعَمَّةُ الْخَالَةِ وَالشَّقِيقَةُ أَوْلَى، ثُمَّ الَّتِي لِلْأُمِّ ثُمَّ الَّتِي لِلْأَبِ، فَإِنْ انْقَطَعَ قَرَابَاتُ الْأُمِّ فَالْجَدَّةُ لِلْأَبِ ثُمَّ أُمُّ جَدَّةِ الْأَبِ ثُمَّ أُمُّ أَبُ الْأَبِ ثُمَّ أُمُّ أُمِّ أُمِّهِ ثُمَّ أُمُّ أُمِّ أَبِيهِ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ أُخْتُ الْمَحْضُونِ الشَّقِيقَةُ ثُمَّ الَّتِي لِلْأُمِّ ثُمَّ الَّتِي لِلْأَبِ ثُمَّ أُخْتُ الْأَبِ وَهِيَ الْعَمَّةُ وَالشَّقِيقَةُ أَوْلَى كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ أُخْتُ الْجَدِّ وَهِيَ عَمَّةُ الْأَبِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ بَنَاتُ الْإِخْوَةِ ثُمَّ بَنَاتُ الْأَخَوَاتِ. رَاجِعْ الْمُقَدِّمَاتِ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: إنْ كَانَتْ الْجَدَّةُ لِلْأُمِّ سَاكِنَةً مَعَ ابْنَتِهَا فِي دَارِ زَوْجِهَا الثَّانِي لَمْ يَلْزَمْهَا الْخُرُوجُ مِنْ الدَّارِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ حُجَّةٌ فِي بَقَاءِ الْوَلَدِ مَعَ الْأُمِّ وَالزَّوْجِ الثَّانِي فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي نَوَازِلِهِ: وَبِهَذَا أَفْتَيْتُ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَمَا نَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ خِلَافَهُ. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونَ: الْمَشْهُورُ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ خِلَافُ هَذَا (ثُمَّ هَلْ بِنْتُ الْأَخِ أَوْ الْأُخْتِ أَوْ الْأَكْفَاءُ مِنْهُنَّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَقْوَالٌ) لَمَّا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ ثُمَّ بَنَاتُ الْإِخْوَةِ ثُمَّ بَنَاتُ الْأَخَوَاتِ قَالَ: وَقِيلَ: لَا حَضَانَةَ لِبَنَاتِ الْأَخَوَاتِ، وَقِيلَ إنَّهُنَّ أَحَقُّ مِنْ بَنَاتِ الْإِخْوَةِ، وَقِيلَ إنَّهُنَّ بِمَنْزِلَتِهِنَّ سَوَاءٌ، يَنْظُرُ الْإِمَامُ فِي أَحْرَزِهِنَّ وَأَكْفَئِهِنَّ. وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: هُمَا فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ فِي الْمَنْزِلَةِ يَنْظُرُ الْإِمَامُ فَيَقْضِي بِهِ لِأَحْرَزِهِمَا وَأَكْفَئِهِمَا (ثُمَّ الْوَصِيِّ) . اللَّخْمِيِّ: الْوَصِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى سَائِرِ الْعَصَبَةِ وَالْمَوَالِي. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: الْوَصِيُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ إذَا نَكَحَتْ الْأُمُّ وَلَيْسَ لَهُ جَدَّةٌ وَلَا خَالَةٌ. قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: أَرَاهُ يُرِيدُ الْوَلَدَ الذَّكَرَ. قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لَا يَأْخُذُ الْوَصِيُّ الْأُنْثَى إذْ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَحْرَمٌ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: كَوْنُهَا مَعَ زَوْجِ أُمِّهَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ تُجْعَلَ عِنْدَ وَصِيِّهَا لِأَنَّ زَوْجَ أُمِّهَا مَحْرَمٌ لَهَا بِخِلَافِ الْوَصِيِّ (ثُمَّ أَخٍ ثُمَّ ابْنِهِ ثُمَّ الْعَمِّ ثُمَّ ابْنِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: مُسْتَحَقُّ الْحَضَانَةِ أَصْنَافٌ: الْأَوَّلُ الْأُمُّ وَنِسَاؤُهَا. الثَّانِي نِسَاءُ الْأَبِ. الثَّالِثُ الْوَصِيُّ الرَّابِعُ الْعَصَبَةُ. رَوَى مُحَمَّدٌ الْأَخُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ الْعَمُّ وَهُوَ نَقْلُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا أَحَقَّ مِنْ ابْنِ الْأَخِ وَمِنْ ابْنِ الْعَمِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَحَقُّ مِنْ الْعَصَبَةِ الْأَخَ ثُمَّ الْجَدَّ الْأَدْنَى ثُمَّ ابْنَ الْأَخِ ثُمَّ الْعَمَّ ثُمَّ ابْنَ الْعَمِّ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ أَبُو الْجَدّ. رَاجِعْهُ فِيهِ (لَا جَدَّ لِأُمٍّ وَاخْتَارَ خِلَافَهُ) اللَّخْمِيِّ: لَا نَصَّ فِي الْجَدِّ لِلْأُمِّ وَالْأَظْهَرُ حَضَانَتُهُ لِأَنَّهُ أَبٌ ذُو حَنَانٍ كَتَغْلِيظِ الدِّيَةِ عَلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْهِنْدِيِّ الْجَدُّ لِلْأَبِ أَوْلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 596 مِنْ الْجَدِّ لِلْأُمِّ بِدَلِيلِ حَضَانَتِهِ (ثُمَّ الْمَوْلَى الْأَعْلَى ثُمَّ الْأَسْفَلِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ ثُبُوتُ الْحَضَانَةِ لِلْمَوْلَى. ابْنُ بَشِيرٍ: وَالْأَعْلَى أَحَقُّ مِنْ الْأَسْفَلِ (وَقُدِّمَ الشَّقِيقُ ثُمَّ لِلْأُمِّ ثُمَّ لِلْأَبِ فِي الْجَمِيعِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ بِهَذَا وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ يَرْجِعُ عِنْدَ اتِّحَادِ الدَّرَجَةِ بِالْمُشَارَكَةِ فِي الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْأُمِّ (وَفِي الْمُتَسَاوِيَيْنِ بِالصِّيَانَةِ وَالشَّفَقَةِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ اجْتَمَعَ الْمُتَسَاوُونَ رُجِّحَ بِالصِّيَانَةِ وَالرِّفْقِ. اللَّخْمِيِّ: إنْ تَسَاوَتْ مَنْزِلَتُهُمْ فَأَوْلَاهُمْ أَقُومُهُمْ فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَسَنُّهُمْ. ابْنُ عَرَفَةَ: التَّرْجِيحُ بِالصَّلَاحِ مُقَدَّمٌ عَلَى السِّنِّ. اللَّخْمِيِّ: إنْ عَلِمَ جَفَاءَ الْأَحَقِّ لِقَسْوَتِهِ وَرَأْفَةِ الْأَبْعَدِ قُدِّمَ الْأَبْعَدُ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ كَانَتْ قَسْوَةٌ يَنْشَأُ عَنْهَا إضْرَارُ الْوَلَدِ قُدِّمَ الْأَجْنَبِيُّ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَظِنَّةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِ الْحِكْمَةِ. وَعَنْ بَعْضِ الْمُفْتِيَيْنِ: لَوْ قَالَتْ جَدَّتُهُ لِأَبِيهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا دَارٌ قِيمَتُهَا عِشْرُونَ دِينَارًا أَحْضُنُهُ وَأُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِي وَأَبَتْ جَدَّتُهُ لِأُمِّهِ وَأَرَادَتْ بَيْعَهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَدَّةِ لِلْأُمِّ. وَقَالَ الْمُشَاوِرُ: وَيَنْظُرُ إلَى الْأَرْفَقِ بِالصَّبِيِّ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ الْحَضَانَةِ حَقًّا لِلْحَاضِنِ أَوْ الْمَحْضُونَ أَوْ لَهُمَا ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلَانِ رِوَايَتَانِ، وَالثَّالِثُ اخْتِيَارُ الْبَاجِيِّ وَابْنِ مُحْرِزٍ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ تُقَدَّمُ الْجَدَّةُ لِلْأَبِ (وَشَرْطُ الْحَاضِنِ الْعَقْلُ وَالْكَفَاءَةُ لَا كَمُسِنَّةٍ وَحِرْزُ الْمَكَانِ فِي الْبِنْتِ يَخَافُ عَلَيْهَا وَالْأَمَانَةُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: شَرْطُ الْحَضَانَةِ الْعَقْلُ وَالْكَفَاءَةُ وَالْأَمَانَةُ وَحِرْزُ الْمَكَانِ فِي الْبِنْتِ يَخَافُ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَ أَبًا وَأُمًّا وَيَأْخُذُهُ مِنْهُمْ الْأَبْعَدُ، وَمِنْ ابْنِ عَرَفَةَ: وَمَنْ بَلَغَ بِهَا ضَعْفُهَا أَنْ لَا تَنْصَرِفَ إلَّا بِمَشَقَّةٍ فَلَا حَضَانَةَ لَهَا (وَأَثْبَتَهَا) لَمْ أَجِدْ هَذَا فِي الْحَاضِنَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَلِيِّ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ بِالْمَحْجُورِ حَتَّى يَثْبُتَ الِاسْتِيطَانُ وَأَنَّهُ مَأْمُونٌ عَلَى حَضَانَةِ بَنِيهِ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: مَعَ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ رَاجِعْ الْمُتَيْطِيَّ (وَعَدَمٌ كَجُذَامٍ مُضِرٍّ) اللَّخْمِيِّ: خَفِيفُ جُذَامِ الْحَاضِنِ وَبَرَصِهِ مُغْتَفَرٌ وَفَاحِشُهُمَا مَانِعٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 597 وَجُنُونُهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بِحَيْثُ يَخَافُ رُعْبَ الْوَلَدِ حِينَ نُزُولِهِ وَضَيْعَتُهُ مَانِعٌ (وَرُشْدٌ) الْمُتَيْطِيُّ: قِيلَ: لِلسَّفِيهِ الْحَضَانَةُ، وَقِيلَ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: السَّفِيهَةُ الْمُوَلَّى عَلَيْهَا ذَاتُ صِدْقٍ وَقِيَامٌ غَيْرُ مُلْتَفَتٍ لِمَا تَقْضِيهِ حَضَانَتُهَا ثَابِتَةٌ رَاجِعَةٌ فِي أَنَّ النَّازِلَةَ اخْتَلَفَ فِيهَا ابْنُ هَارُونَ قَاضِي الْجَمَاعَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ بِقَوْلِ ابْنِ هَارُونَ (لَا إسْلَامٌ وَضُمَّتْ إنْ خِيفَ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنْ مَجُوسِيَّةً أَسْلَمَ زَوْجُهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الذِّمِّيَّةُ إذَا طَلُقَتْ وَالْمَجُوسِيَّةُ يُسْلِمُ زَوْجُهَا وَتَأْبَى هِيَ الْإِسْلَامَ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، لَهُمَا مِنْ الْحَضَانَةِ لِلْمُسْلِمَةِ إنْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي حِرْزٍ وَتُمْنَعُ أَنْ تُغَذِّيَهُمْ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، فَإِنْ خِيفَ أَنْ تَفْعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ ضُمَّتْ إلَى نَاسٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُنْزَعُ مِنْهَا (وَلِلذَّكَرِ مَنْ يَحْضُنُ) اللَّخْمِيِّ: شَرْطُ حَضَانَةِ الرَّجُلِ وُجُودُ أَهْلِ زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ فِي الذُّكُورِ وَيُطْلَبُ فِي الْوَلِيِّ لِلْإِنَاثِ كَوْنُهُ ذَا مَحْرَمٍ (وَلِلْأُنْثَى الْخُلُوُّ عَنْ زَوْجٍ دَخَلَ بِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تَزْوِيجُ الْحَاضِنَةِ أَجْنَبِيًّا مِنْ الْمَحْضُونَ يُسْقِطُ حَضَانَتَهَا بِدُخُولِهَا لَا قَبْلَ الدُّخُولِ (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ وَيَسْكُتَ الْعَامَ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ عَلِمَ الْوَالِدُ بِتَزْوِيجِهَا وَلَمْ يَقُمْ بِأَخْذِ الْوَلَدِ حَتَّى طَالَتْ الْمُدَّةُ ثُمَّ خَلَتْ مِنْ الزَّوْجِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ مِنْهَا لِأَنَّهُ يُعَدُّ بِذَلِكَ تَارِكًا لِحَقِّهِ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ رَدَّتْ مُطَلَّقَةٌ وَلَدَهَا لِزَوْجِهَا اسْتِثْقَالًا ثُمَّ طَلَبَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ رَدَّتْهُ لِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ عَدَمِ لَبَنٍ كَانَ لَهَا أَخْذُهُ إنْ صَحَّتْ أَوْ عَادَ اللَّبَنُ، وَلَوْ تَرَكَتْهُ بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهَا السَّنَةَ وَشِبْهَهَا فَلَا أَخْذَ لَهَا. وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ تَزَوَّجَتْ وَبَقِيَتْ بِنْتُهَا مَعَهَا ثَلَاثَةَ أَعْوَامٍ ثُمَّ أَرَادَ الْأَبُ أَخْذَهَا قَالَ: لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ. قَالَ: وَقَدْ وُجِدَتْ الرِّوَايَةُ بِهَذَا فِي كِتَابِ التُّونِسِيِّ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ تَرَكَ مَحْجُورَتَهُ مَعَ عَمَّتِهَا حَتَّى بَلَغَتْ أَوْ كَادَتْ تَبْلُغُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ الْعَمَّةُ فَطَلَبَتْهَا الْجَدَّةُ أَوْ أُمُّهَا وَأَرَادَتْ الْجَارِيَةُ أَنْ تَبْقَى مَعَ عَمَّتِهَا وَرَضِيَ بِذَلِكَ الْوَلِيُّ قَالَ: أَرَى أَنْ تُتْرَكَ مَعَ عَمَّتِهَا (أَوْ يَكُونُ مَحْرَمًا وَأَنْ لَا حَضَانَةَ لَهُ كَالْخَالِ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ كَانَ زَوْجُ الْحَاضِنَةِ ذَا مَحْرَمٍ مِنْ الْمَحْضُونِ لَمْ يُمْنَعْ وَإِنْ كَانَ لَا حَضَانَةَ لَهُ كَالْخَالِ وَالْجَدِّ لِلْأُمِّ (أَوْ وَلِيًّا كَابْنِ الْعَمِّ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ. اللَّخْمِيِّ: إنْ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ ابْنَ عَمِّ الصَّبِيِّ لَمْ يُنْزَعْ مِنْهَا لِأَنَّ دُخُولَهُ بِهَا يُصَيِّرُهُ ذَا مَحْرَمٍ مِنْهَا بِخِلَافِ الْخَالَةِ تَتَزَوَّجُهُ فَإِنَّهُ يُنْزَعُ. (أَوْ لَا يَقْبَلُ الْوَلَدُ غَيْرَ أُمِّهِ أَوْ لَمْ تُرْضِعْهُ الْمُرْضِعَةُ عِنْدَ أُمِّهِ أَوْ لَا يَكُونُ لِلْوَلَدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 598 حَاضِنٌ أَوْ غَيْرُ مَأْمُونٍ أَوْ عَاجِزٌ) اللَّخْمِيِّ: يَصِحُّ بَقَاءُ حَقِّ الْمَرْأَةِ فِي الْحَضَانَةِ وَإِنْ كَانَ لِزَوْجٍ أَجْنَبِيًّا فِي سِتِّ مَسَائِلَ: أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً عَلَى اخْتِلَافٍ فِي هَذَا الْوَجْهِ، أَوْ يَكُونَ الْوَلَدُ رَضِيعًا لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا أَوْ يَقْبَلُ غَيْرَهَا وَقَالَتْ الظِّئْرُ لَا أُرْضِعُهُ إلَّا عِنْدِي فَلَا يُنْزَعُ عَنْ أُمِّهِ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِي رَضَاعِ أُمِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَرْفَقُ بِهِ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ يُسَلَّمُ إلَيْهَا لَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ، أَوْ كَانَ مَنْ إلَيْهِ الْحَضَانَةُ بَعْدَهَا غَيْرَ مَأْمُونٍ أَوْ عَاجِزًا عَنْ الْحَضَانَةِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ، أَوْ يَكُونُ الْوَلَدُ لَا قَرَابَةَ لَهُ مِنْ الرِّجَالِ وَلَا مِنْ النِّسَاءِ (أَوْ كَانَ الْأَبُ عَبْدًا وَهِيَ حُرَّةٌ) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا وَالزَّوْجَةُ حُرَّةً فَلَا يَكُونُ لِلْأَبِ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْعَبْدِ الْمُقِيمِ بِأُمُورِ سَيِّدِهِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الَّذِي يُخَارِجُ فِي الْأَسْوَاقِ فَلَا (وَفِي الْوَصِيَّةِ رِوَايَتَانِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ الْأُمُّ وَصِيَّةً فَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً: إنْ جَعَلَتْ لَهُمْ بَيْتًا يَسْكُنُونَ فِيهِ وَمَا يُصْلِحُهُمْ لَمْ يُنْزَعُوا مِنْهَا لِأَنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ غَلَبَ زَوْجُهَا عَلَى جُلِّ أَمْرِهَا حَتَّى تَفْعَلَ غَيْرَ الصَّوَابِ (وَأَنْ لَا يُسَافِرَ وَلِيُّ حُرٍّ عَنْ وَلَدٍ حُرٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ خَرَجَ وَلِيُّ الْمَحْضُونَ وَصِيًّا أَوْ غَيْرَهُ لِسُكْنَى غَيْرِ بَلَدِ حَاضِنَتِهِ فَلَهُ أَخْذُ الْوَلَدِ إنْ كَانَ مَعَهُ فِي كِفَايَةٍ وَيُقَالُ لَهَا اتَّبِعِي وَلَدَك إنْ شِئْت وَلَا يَأْخُذُهُ إنْ سَافَرَ لِغَيْرِ سُكْنَى. قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ الْعَبْدُ فِي انْتِقَالِهِ بِوَلَدِهِ كَالْحُرِّ وَالْأُمُّ أَحَقُّ بِهِمْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ حُرَّةً، لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا قَرَارَ لَهُ وَلَا مَسْكَنَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى إنْ كَانَ الْعَبْدُ التَّاجِرُ لَهُ الْكِفَايَةُ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِوَلَدِهِ إذَا تَزَوَّجَتْ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُخَارِجُ فَلَا (وَإِنْ رَضِيعًا) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا انْتَقَلَ لَا يَأْخُذُ وَلَدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَطِيمًا. وَقَالَ أَيْضًا: يَأْخُذُهُ وَإِنْ كَانَ رَضِيعًا إذَا كَانَ يَقْبَلُ غَيْرَ أُمِّهِ (أَوْ تُسَافِرَ هِيَ) الْمُتَيْطِيُّ: مِمَّا يُسْقِطُ الْحَضَانَةَ انْتِقَالُ الْحَاضِنَةِ إلَى بَلَدٍ يَبْعُدُ عَنْ الْأَبِ وَالْأَوْلِيَاءِ، أَوْ انْتِقَالُ الْأَبِ وَالْأَوْلِيَاءِ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ فِي ذَلِكَ (سَفَرَ نُقْلَةٍ لَا تِجَارَةٍ وَحَلَفَ) الْمُتَيْطِيُّ: وَهَذَا إذَا كَانَ انْتِقَالُهُ انْتِقَالَ اسْتِيطَانٍ لَا لِتِجَارَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا، وَيَجِبُ عَلَى النَّظَرِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ أَرَادَ اسْتِيطَانَ ذَلِكَ الْبَلَدِ. قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: هَذَا حَسَنٌ فِي الْمُتَّهَمِ وَأَمَّا الْمَأْمُونُ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ اهـ. وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقَرِّرُ لَنَا أَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ صِدْقُهُ مِنْ قَرَائِنِ الْحَالِ كَالْقُضَاةِ وَالْقُوَّادِ بِالْبُلْدَانِ وَالثُّغُورِ كَتَبَ السُّلْطَانُ بِالْوِلَايَةِ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ (سِتَّةَ بُرُدٍ وَظَاهِرُهَا بَرِيدَيْنِ) قَدْ تَقَدَّمَ لِلْمُتَيْطِيِّ أَنَّ انْتِقَالَ الْحَاضِنِ مِثْلُ انْتِقَالِ الْوَلِيِّ، وَاَلَّذِي لِابْنِ سَلْمُونَ لَا تَنْقُلُ الْحَاضِنَةُ مَحْضُونَهَا عَنْ مَوْضِعِ سُكْنَى الْأَبِ إلَّا فِيمَا يَقْرُبُ نَحْوَ الْمَسَافَةِ الَّتِي تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ. قَالَ: وَإِذَا انْتَقَلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 599 الْأَبُ عَنْ سُكْنَى بَلَدِ الْحَاضِنَةِ وَأَبَتْ السَّفَرَ مَعَهُ سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مِقْدَارُ سِتَّةِ بُرُدٍ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَلْزَمْ الْحَاضِنَةَ السَّفَرُ وَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا. قَالَ: وَبِذَلِكَ مَضَتْ الْفُتْيَا عِنْدَ الشُّيُوخِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: حَدُّ الْبُعْدِ فِي سَفَرِ الْوَلِيِّ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ. وَفِيهَا: لَيْسَ لِلْأُمِّ نَقْلُ الْوَلَدِ إلَّا بِمَا قَرُبَ كَالْبَرِيدِ وَنَحْوِهِ وَحَيْثُ يَبْلُغُ الْأَبُ وَالْأَوْلِيَاءُ خَبَرَهُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إنَّمَا هُوَ الِاجْتِهَادُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اجْتَمَعَ ضَرَرَانِ نُفِيَ الْأَصْغَرُ لِلْأَكْبَرِ» (إنْ سَافَرَ لِأَمْنٍ) اللَّخْمِيِّ: يُمْنَعُ مِنْ الِانْتِجَاعِ بِالْوَلَدِ إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِ مَأْمُونٍ (وَأَمِنَ فِي الطَّرِيقِ) مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ إنْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ خَوْفٌ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ (وَلَوْ فِيهِ بَحْرٌ) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ كَانَ الْبَلَدُ الَّذِي يُسَافِرُ إلَيْهِ الْأَبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِ الْحَاضِنَةِ بَحْرٌ فَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: الْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] (إلَّا أَنْ تُسَافِرَ هِيَ مَعَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ يُقَالُ لَهَا اتَّبِعِي وَلَدَكِ إنْ شِئْتِ أَوْ دَعِيهِ (لَا أَقَلَّ) تَقَدَّمَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ " إنْ سَافَرَ " (وَلَا تَعُودُ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ فَسْخِ الْفَاسِدِ عَلَى الْأَرْجَحِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا دَخَلَ الزَّوْجُ بِهَا فَنُزِعَ الْوَلَدُ مِنْهَا لَا يُرَدُّ إلَيْهَا إنْ طَلُقَتْ أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا وَلَا حَقَّ لَهَا فِيهِ إذَا أَسْلَمَتْهُ مَرَّةً. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا أَصْوَبُ. وَعَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ تَأَيَّمَتْ وَتَرَكَتْ أَوْلَادَهَا أَشْهُرًا ثُمَّ قِيلَ لَهَا أَنْتِ أَحَقُّ بِهِمْ فَقَالَتْ مَا عَلِمْت قَالَ مَالِكٌ: الشَّأْنُ فِي هَذَا قَرِيبٌ وَقَدْ تُجْهَلُ السُّنَّةُ. وَاخْتُلِفَ إنْ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ تَزْوِيجًا فَاسِدًا ثُمَّ فُسِخَ نِكَاحُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَ نَزْعِ الْوَلَدِ مِنْهَا فَقِيلَ: يَرْجِعُ إلَيْهَا الْوَلَدُ، وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَصْوَبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 600 وَفُسِخَ نِكَاحُهَا مِثْلَ طَلَاقِ زَوْجِهَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ (أَوْ الْإِسْقَاطِ إلَّا لِكَمَرَضٍ) تَقَدَّمَ سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ رَدَّتْ مُطَلَّقَةٌ وَلَدَهَا اسْتِثْقَالًا ثُمَّ طَلَبَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ رَدَّتْهُ لِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ عَدَمِ لَبَنٍ فَلَهَا رَدُّهُ (أَوْ لِمَوْتِ الْجَدَّةِ وَالْأُمُّ خَالِيَةٌ) الْمُتَيْطِيُّ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْأُمَّ إذَا تَزَوَّجَتْ سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا جُمْلَةً، فَعَلَى هَذَا لَا تَعُودُ الْحَضَانَةُ إلَيْهَا أَبَدًا، وَإِنْ مَاتَ الْحَاضِنُ لِلْوَلَدِ وَهِيَ فَارِغَةٌ مِنْ الزَّوْجِ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ وَهَذَا ثَالِثُ الْأَقْوَالِ (أَوْ لِتَأَيُّمِهَا قَبْلَ عِلْمِهِ) لِمَا ذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ الْخِلَافَ فِي عَوْدِ الْحَضَانَةِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا لَا تَعُودُ قَالَ: وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يَأْتِي مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَتَزَوَّجَتْ وَلَمْ يَعْلَمْ بِتَزْوِيجِهَا حَتَّى طَلُقَتْ أَوْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ وَلَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: إذَا تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ فَأَخَذَتْهُمْ الْجَدَّةُ ثُمَّ فَارَقَ الْأُمَّ زَوْجُهَا فَلِلْجَدَّةِ أَنْ تَرُدَّهُمْ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ لِلْأَبِ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ. ابْنُ مُحْرِزٍ: اسْتَدَلَّ، بِهَذَا أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ الْحَضَانَةَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَهَا غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أَحَقُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ حَقَّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ لَمْ يَطُلْ رَأْسًا إلَّا فِي حَقِّ مَنْ حَضَنَ الْوَلَدَ عِنْدَ تَزْوِيجِهَا إذْ لَيْسَ لَهَا أَخْذُهُ مِنْهُ إذَا طَلُقَتْ، فَأَمَّا لَوْ مَاتَتْ الْجَدَّةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَوْ تَزَوَّجَتْ وَالْأُمُّ فَارِغَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا لَكَانَتْ أَحَقَّ بِالْوَلَدِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 602 مِنْ أَبِيهِمْ، وَلِذَلِكَ لَوْ أَرَادَتْ الْجَدَّةُ تَسْلِيمَهُمْ إلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ فِي ذَلِكَ مَقَالٌ (وَلِلْحَاضِنِ قَبْضُ نَفَقَتِهِ وَالسُّكْنَى بِالِاجْتِهَادِ) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ كَانَتْ الْحَضَانَةُ لِغَيْرِ الْأَبِ فَلِمَنْ الْوَلَدُ فِي حَضَانَتِهِ مِنْ أُمٍّ أَوْ غَيْرِهَا أَنْ تَأْخُذَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْوَلَدُ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَغِطَاءٍ وَوِطَاءٍ. فَإِنْ قَالَ الْأَبُ تَبْعَثِيهِ إلَى أَنْ يَأْكُلَ عِنْدِي ثُمَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 603 يَعُودُ إلَيْك لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الْوَلَدِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي حَضَانَتِهِ، لِأَنَّ الْأَطْفَالَ لَا يَنْحَصِرُ الْوَقْتُ الَّذِي يَأْكُلُونَ فِيهِ وَأَكْلُهُمْ مُتَفَرِّقٌ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْإِخْلَالِ بِصِيَانَتِهِمْ وَيَكْتُبُ فِي ذَلِكَ: دَفَعَ فُلَانٌ إلَى فُلَانَةَ كَذَا وَكَذَا عَنْ صَرْفِهِ وَخِدْمَتِهِ وَأُجْرَةِ مَسْكَنِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الْأَبَ يَلْزَمُهُ إخْدَامُ ابْنِهِ إذَا اتَّسَعَتْ حَالُهُ لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ عَلَى مَسْكَنِهِ. وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ الْمَذْكُورُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا. سَحْنُونَ: وَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ عَلَى قَدْرِ مَا يَجْتَهِدُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 604 وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: السُّكْنَى عَلَى قَدْرِ الْجَمَاجِمِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي سُكْنَى الْوَلَدِ رَابِعُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْأَبِ السُّكْنَى (وَلَا شَيْءَ لِحَاضِنٍ لِأَجْلِهَا) اللَّخْمِيِّ: إذَا كَانَ الْوَلَدُ يَتَامَى كَانَ لِلْأُمِّ أَجْرُ الْحَضَانَةِ إنْ كَانَتْ فَقِيرَةً وَالْوَلَدُ مَيَاسِيرُ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَلَوْ لَمْ تَحْضُنْهُمْ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ مُوسِرَةً فَقَالَ مَالِكٌ: لَا نَفَقَةَ لَهَا. وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ قَالَ أَشْهَبُ: لَا يُكَلَّفُ الْأَبُ مَعَ النَّفَقَةِ عَلَى الْوَلَدِ النَّفَقَةُ عَلَى الْجَدَّةِ وَالْأُمِّ وَلَا أَجْرَ حَضَانَتِهَا وَإِنَّمَا عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْوَلَدِ خَاصَّةً. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلِأُمِّ الْوَلَدِ تُعْتَقُ مَا لِلْحُرَّةِ مِنْ الْحَضَانَةِ. (تَمَّ الْجُزْءُ الْخَامِسُ وَيَلِيهِ الْجُزْءُ السَّادِسُ، وَأَوَّلُهُ: كِتَابُ الْبُيُوعِ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 605 [كِتَابُ الْبُيُوعِ] [الْقَسْم الْأَوَّل فِي صِحَّة الْبَيْع وَفَسَاده] [بَاب فِي أَرْكَان الْبَيْع] ِ ابْنُ شَاسٍ: النَّظَرُ فِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ يَتَعَلَّقُ بِخَمْسَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ فِي صِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ. الثَّانِي فِي لُزُومِهِ وَجَوَازِهِ. الثَّالِثُ فِي حُكْمِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ. الرَّابِعُ فِيمَا يَقْتَضِيه مُطْلَقُ أَلْفَاظِهِ فِي الثِّمَارِ وَالْأَشْجَارِ وَاسْتِتْبَاعِ الْأُصُولِ لِلْفُرُوعِ. الْخَامِسُ فِي مُدَايَنَةِ الْعَبِيدِ وَالتَّحَالُفِ. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي صِحَّتِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 3 وَفَسَادِهِ وَفِيهِ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ: الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ وَالْعَاقِدُ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ (يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَإِنْ بِمُعَاطَاةٍ) . الْبَاجِيُّ: الْبَيْعُ مَعْرُوفٌ وَيَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 وَقَبُولٍ، وَكُلُّ لَفْظٍ وَإِشَارَةٍ فُهِمَ مِنْهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَ بِهِ الْبَيْعُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ. ابْنُ شَاسٍ: وَتَكْفِي الْمُعَاطَاةُ (وَبِبِعْنِي فَيَقُولُ بِعْتُك وَبِابْتَعْتُ أَوْ بِعْتُك وَيَرْضَى الْآخَرُ فِيهِمَا وَحَلَفَ وَإِلَّا لَزِمَ إنْ قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 أَبِيعُكهَا بِكَذَا وَأَنَا أَشْتَرِيهَا بِهِ) لَوْ قَالَ وَبِابْتَعْتُ أَوْ بِعْتُك وَيَرْضَى الْآخَرُ فِيهِمَا. وَحَلَفَ وَإِلَّا لَزِمَ إنْ قَالَ بِعْنِي فَيَقُولُ بِعْتُك أَوْ أَبِيعُكهَا بِكَذَا وَأَنَا أَشْتَرِيهَا بِهِ لِتَنْزِلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: إذَا قَالَ بَائِعُ السِّلْعَةِ بِعْتُكهَا بِكَذَا أَوْ قَدْ أَعْطَيْتُكهَا بِكَذَا فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَبَى الْبَائِعُ وَقَالَ لَمْ أُرِدْ الْبَيْعَ، لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي قَدْ ابْتَعْت مِنْك سِلْعَتَك بِكَذَا أَوْ قَدْ أَخَذْتهَا مِنْك بِكَذَا وَرَضِيَ الْبَائِعُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قُلْت لِرَجُلٍ بِعْنِي سِلْعَتَك هَذِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 بِعَشْرَةٍ فَقَالَ قَدْ فَعَلْت فَقُلْت لَا أَرْضَى فَلْتَحْلِفْ أَنَّك مَا سَاوَمْته عَلَى إيجَابِ الْبَيْعِ وَلَكِنْ لَمَّا تَذَكَّرَهُ وَتَبَرُّ وَتَبْرَأُ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَزِمَك الْبَيْعُ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ أَنَا أَبِيعُكهَا بِكَذَا فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي وَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ أُرِدْ الْبَيْعَ فَذَلِكَ لَهُ وَيَحْلِفُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي أَنَا أَشْتَرِيهَا مِنْك بِكَذَا فَرَضِيَ الْبَائِعُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُشْتَرِي كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَيَحْلِفُ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَطَرِيقَةُ فُتْيَاهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا أَفْعَلُ عِدَّةٌ وَعَدَهُ إيَّاهَا فِي الْمُسْتَقْبِلِ، وَقَوْلُهُ قَدْ فَعَلْته إيجَابٌ أَوْجَبَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 عَلَى نَفْسِهِ فَافْتَرَقَا (أَوْ تَسَوَّقَ بِهَا فَقَالَ: بِكَمْ؟ فَقَالَ: بِمِائَةٍ فَقَالَ: أَخَذْتهَا) وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْقَفَ سِلْعَةً فِي السُّوقِ فَقُلْت بِكَمْ؟ فَقَالَ: بِمِائَةٍ فَقُلْت: قَدْ رَضِيت. فَقَالَ: لَا يَرْضَى، أَنَّهُ يَحْلِفُ مَا سَاوَمَك عَلَى إيجَابِ الْبَيْعِ وَلَكِنْ لَمَّا يَذْكُرُ وَيَبْرَأُ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَهَذَا هُوَ رَابِعُ الْأَقْوَالِ أَعْنِي الْفَرْقَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 بَيْنَ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ وَقَفَهَا صَاحِبُهَا لِلْبَيْعِ أَوْ لَا. (وَشَرْطُ عَاقِدِهِ تَمْيِيزٌ إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 وَلُزُومُهُ تَكْلِيفٌ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي الْعَارِضَةِ وَفِي ابْنِ شَاسٍ مَا هُوَ مِنْ مَعْنَاهَا فَانْظُرْهُ. وَمُقْتَضَى مَا يَتَقَرَّرُ أَنَّ الْمُكَلَّفَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بَيْعُهُ مَوْقُوفٌ، وَكَذَا بَيْعُ الْمَجْنُونِ وَبَيْعُ مَنْ لَيْسَ فِي عَقْلِهِ، وَكَذَا بَيْعُ السَّكْرَانِ إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ بَيْعُهُ مَوْقُوفٌ حَسْبَمَا يَتَقَرَّرُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْعَاقِدُ الْجَائِزُ الْأَمْرِ الطَّائِعُ لَازِمٌ عَقْدُهُ، وَعَقْدُ الْمَجْنُونِ حِينَ جُنُونِهِ يَنْظُرُ لَهُ السُّلْطَانُ فِي الْأَصْلَحِ فِي إتْمَامِهِ أَوْ فَسْخِهِ إنْ كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 مَعَ مَنْ يَلْزَمُهُ عَقْدُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ بَاعَ مَرِيضٌ لَيْسَ فِي عَقْلِهِ فَلَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ إلْزَامُهُ الْمُبْتَاعَ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا فَاسِدًا، وَكَذَا السَّكْرَانُ بِغَيْرِ خَمْرٍ بَيْعُهُ أَيْضًا مَوْقُوفٌ، فَإِنْ سَكِرَ حَرَامًا فَرَوَى سَحْنُونَ أَنَّهُ كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ بَيْعُهُ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الرُّوَاةِ وَلَمْ يَحْكِ أَبُو عُمَرَ غَيْرَهُ، وَزَادَ: وَيَحْلِفُ مَا كَانَ فِي بَيْعِهِ عَاقِلًا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ بَاعَ الْأَمَةَ رَجُلٌ أَوْ بَاعَتْ هِيَ نَفْسَهَا فَأَجَازَ ذَلِكَ السَّيِّدُ جَازَ وَلَا كَلَامَ لِلْمُبْتَاعِ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: فَرْقٌ بَيْن مَسْأَلَتَيْنِ قَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ بَيْعُ مِلْكِ الْغَيْرِ وَيُوقَفُ عَلَى إجَازَةِ رَبِّهِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ وَفِي كَلَامِ الْمَوْضِعَيْنِ غَرَرٌ، ثُمَّ وَجَّهَ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي رَسْمِ الْمُكَاتَبِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى: مَنْ قَالَ اشْتَرِ مِنِّي عَبْدَ فُلَانٍ بِسِتِّينَ دِينَارًا فَإِنِّي أَعْطَيْته فِيهِ عَطَاءً أَرْجُو أَنْ يُمْضِيَهُ لِي فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قَدْ اشْتَرَيْته مِنْك بِالسِّتِّينَ ثُمَّ رَجَعَ الْبَائِعُ إلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بِخَمْسِينَ فَقَالَ: أَكْرَهُ هَذَا وَإِنْ وَقَعَ أَمْضَيْته ابْنُ رُشْدٍ: أَجَازَ هَذَا إذَا وَقَعَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَخَذْته مِنْك بِسِتِّينَ إنْ أَمْضَاهُ لَك صَاحِبُهُ وَلَوْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ نَاجِزًا عَلَى أَنْ يَتَحَصَّلَهُ مِنْ بَائِعِهِ بِمَا قَدَّرَ لَكَانَ بَيْعًا فَاسِدًا. اُنْظُرْ تَمَامَ الْكَلَامِ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ. الْبَاجِيُّ: الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ. وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرِضًا لِذَلِكَ، فَإِنْ عَقَلَ وَكَانَ مَعْرِضًا لِذَلِكَ جَازَ، وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ وَتُدْفَعُ لَهُمَا إجَارَتُهُمَا وَيَبْرَأُ بِذَلِكَ الدَّافِعُ مَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ لَهُ بَالٌ وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَمَرَ الْوَلِيُّ لِلصَّبِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ جَازَ. وَمِنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ يَبِيعُ لِلصِّبْيَانِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ أَوْلِيَاؤُهُمْ أَمْ لَا، فَيُكْرَهُ ذَلِكَ تَنْزِيهًا اهـ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ بَيْعٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا صَدَقَةٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْآنَ، وَاسْتُحِبَّ لَهُ إمْضَاؤُهُ وَمَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ إلَّا الْمُتْعَةُ فَفِعْلُهُ فِيهِ جَائِزٌ، فَيَجُوزُ طَلَاقُهُ زَوْجَتَهُ وَعِتْقُهُ أُمَّ وَلَدِهِ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الْمَحْجُورِ طَرِيقَانِ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: مَا بَاعَهُ مِنْ عَقَارِهِ دُونَ إذْنِ وَصِيِّهِ تَعَقَّبَهُ إنْ رَآهُ سَدَادًا وَالثَّمَنُ بَاقٍ أَوْ بَعْضُهُ وَبَاقِيه أَنْفَقَهُ فِي مَصَالِحِهِ أَمْضَاهُ وَإِلَّا فَسَخَهُ. قَالَ ابْنُ سَلْمُونَ: فَإِنْ كَانَ الْمَحْجُورُ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ فَإِنْ وَجَدَهُ الْمُبْتَاعُ بِحَالِهِ وَعَرَفَهُ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا لَمْ تُفَارِقْهُ مِنْ حِينِ قَبْضِهِ وَأَنَّ الَّذِي وُجِدَ بِيَدِهِ هُوَ مَا قَبَضَهُ وَإِلَّا فَلَا. فَإِنْ كَانَ قَدْ أَنْفَقَهُ فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ الَّتِي لَا غِنَى لَهُ عَنْهَا أَخَذَ مِنْ مَالِهِ وَإِلَّا خَسِرَهُ الْمُبْتَاعُ، وَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ فِي مَالِهِ، وَأَلَّا يَلْتَفِتَ إلَّا إقْرَارِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي كَوْنِ النَّظَرِ فِي حَالِ بَيْعِهِ يَوْمَ عَقْدِهِ أَوْ يَوْمَ النَّظَرِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ " لَا مِنْ صَغِيرَةٍ وَسَفِيهَةٍ ". (لَا إنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ جَبْرًا حَرَامًا) ابْنُ عَرَفَةَ: بَيْعُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ ظُلْمًا لَا يَلْزَمُهُ. ابْنُ سَحْنُونٍ: إجْمَاعًا (وَرُدَّ عَلَيْهِ بِلَا ثَمَنٍ) . سَحْنُونَ: مَنْ أُكْرِهَ عَلَى إعْطَاءِ مَالٍ ظُلْمًا فَبَيْعُهُ لِذَلِكَ بَيْعُ مُكْرَهٍ وَلِرَبِّ الْمَبِيعِ أَخْذُهُ بِلَا ثَمَنٍ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِضَغْطِهِ وَإِلَّا فَبِالثَّمَنِ. وَرَوَى مُطَرِّفٌ: يَتْبَعُ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ الظَّالِمَ دَفَعَهُ هُوَ لَهُ أَوْ الْبَائِعُ، وَلَوْ قَبَضَهُ وَكِيلُ الظَّالِمِ تَبِعَ أَيَّهُمَا شَاءَ. قَالَ مُطَرِّفٌ: فَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ مَا فَعَلْته إلَّا خَوْفًا مِنْ الظَّالِمِ لَمْ يُعْذَرْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» وَكَذَا كُلُّ مَا أَقَرَّ بِفِعْلِهِ ظُلْمًا مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ جَلْدٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ وَهُوَ يَخَافُ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ نَزَلَ بِهِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَهُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَالْغُرْمُ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا وَنَحْوُهُ مِنْ نُصُوصِ الْمَذْهَبِ مِمَّا يُبَيِّنُ لَك حَالَ بَعْضِ الْقُضَاةِ فِي تَقْوِيمِهِمْ مَنْ يَعْرِفُونَ جُرْحَتَهُ شَرْعًا لِلشَّهَادَةِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ يَعْتَذِرُونَ بِالْخَوْفِ مِنْ مُوَلِّيهِمْ الْقَضَاءَ مَعَ أَنَّهُمْ فِيمَا رَأَيْت لَا يَخَافُونَ مِنْهُ إلَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 عُزْلَتَهُ عَنْ الْقَضَاءِ ابْنُ عَرَفَةَ: وَبَيْعُ قَرِيبِ الْمَضْغُوطِ لِفِكَاكِهِ مِنْ عَذَابٍ كَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَقَرِيبِهِ لَازِمٌ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: إذَا وَقَعَ مُغْرِمٌ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ وَأَسْلَمَ لَهُمْ الدَّرَاهِمَ عَلَى الزَّيْتُونِ وَغَيْرِهِ. وَثَبَتَ أَنَّ أَهْلَ الْقَرْيَةِ مَضْغُوطُونَ، فَمَنْ سَلَّمَ إلَيْهِمْ فَلَا دَرَاهِمَ لَهُ وَلَا زَيْتُونَ وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ أَخَذَهَا السُّلْطَانُ بِأَعْيَانِهَا اهـ. اُنْظُرْ ظَاهِرَهُ وَلَوْ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ أَرْبَابُ الزَّيْتُونِ خِلَافُ مَا لِسَحْنُونٍ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ، وَاَلَّذِي صَدَرَ بِهِ الْحُكْمُ فِي زَمَانِنَا أَنَّ الْمَضْغُوطَ إذَا تَوَلَّى قَبْضَ الثَّمَنِ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا حَتَّى يَرُدَّ الثَّمَنَ، وَهَذَا هُوَ الْبَيِّنُ. اُنْظُرْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ. وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: مَنْ أَضْغَطَ فِي مَالٍ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ. وَنَحْوُهُ لِابْنِ كِنَانَةَ، وَمَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا الْإِمَامُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَسُئِلَ اللَّخْمِيِّ عَنْ يَتِيمٍ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ وَاضْطَرَّهُ لِبَيْعِ رُبُعِهِ فَتَوَقَّفَ وَلِيُّهُ فَأَجَابَ اللَّخْمِيِّ: الْبَيْعُ نَافِذٌ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: بَيْعُهُ لَازِمٌ لِأَنَّهُ أَنْقَذَهُ مِنْ الْعَذَابِ. وَهَذَا أَيْضًا مَذْهَبُ السُّيُورِيِّ. وَانْظُرْ إذَا أُسِرَ الْمَحْجُورُ وَفِي النَّوَادِرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ الْمَضْغُوطَ يَلْزَمُهُ رَدُّ السَّلَفِ الَّذِي يُسْلِفُهُ فِي حَالِ ضَغْطِهِ. وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَكَذَا الْكَفَالَةُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَمِنْ بَابِ أَوْلَى عَلَى قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ. (وَمَضَى فِي جَبْرِ عَامِلٍ) مُطَرِّفٌ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ: الْعَامِلُ يَعْزِلُهُ الْوَالِي عَلَى سَخْطَةٍ أَوْ يَتَقَبَّلُ الْكُورَةَ بِمَالٍ يَلْتَزِمُهُ وَيَأْخُذُ أَهْلَهَا بِمَا شَاءَ مِنْ الظُّلْمِ فَيَعْجَزُ عَمَّا عَلَيْهِ فَيُغَرِّمُهُ الْوَالِي مَالًا بِعَذَابٍ حَتَّى يُلْجِئَهُ لِبَيْعِ مَالِهِ فَبَيْعُهُ مَاضٍ عَلَيْهِ كَمَضْغُوطٍ فِي حَقٍّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَخَذَ الْوَالِي مَالَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ رَدَّهُ عَلَى أَرْبَابِهِ. وَكَذَلِكَ الْمُكْرَهُ وَالْمَضْغُوطُ فِي الْبَيْعِ لِحَقٍّ عَلَيْهِ أَوْ دَيْنٍ لَازِمٍ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْعَنْوَةِ فِيمَا عَلَيْهِمْ مِنْ جِزْيَةٍ اهـ. اُنْظُرْ أَيْضًا قَدْ نَصُّوا أَنَّهُ كَمَا يُجْبَرُ الْإِنْسَانُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ لِحَقٍّ عَلَيْهِ، كَذَلِكَ يُجْبَرُ ذُو رَبْعٍ عَلَى بَيْعِهِ لِتَوْسِيعِ مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ. أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ سَحْنُونَ: يُجْبَرُ ذُو أَرْضٍ تُلَاصِقُ طَرِيقًا هَدَّهَا نَهْرٌ لَا مَمَرَّ لِلنَّاسِ إلَّا فِيهَا عَلَى بَيْعِ طَرِيقٍ مِنْهَا لَهُمْ بِثَمَنٍ يَدْفَعُهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَا فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْحَاجِّ أَنَّ رَبَّ الْعَلْجِ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ لِفِدَاءِ مُسْلِمٍ. قَالَ: مَنْ هُوَ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 يَدِهِ لَا أَفْدِيهِ إلَّا بِهِ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا الْمَاءُ لِمَنْ بِهِ عَطَشٌ وَمَنْ انْهَارَتْ بِئْرُهُ وَالْمُحْتَكَرُ وَسَاقِيَةُ الْبَلَدِ وَالْفَدَّانُ فِي قَرْنِ الْجَبَلِ لِتَخَلُّصِ النَّاسِ مِنْ أَجْلِ وَعْرِهِ، وَالْفَرَسُ يَطْلُبُهُ السُّلْطَانُ إنْ لَمْ يُدْفَعْ لَهُ جَبَرَ النَّاسَ. (وَمُنِعَ بَيْعُ مُسْلِمٍ وَمُصْحَفٍ وَصَغِيرٍ لِكَافِرٍ وَأُجْبِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً أَوْ اشْتَرَى مُصْحَفًا، جُبِرَ عَلَى بَيْعِ ذَلِكَ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 مُسْلِمٍ وَلَمْ يُنْقَضْ شِرَاؤُهُ. وَإِذَا قَدِمَ الْحَرْبِيُّ بِأَمَانٍ فِي شِرَاءِ مَنْ سُبِيَ مِنْهُمْ فَلَا يُمَكَّنُوا مِنْ شِرَاءِ الذُّكُورِ بِثَمَنٍ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا وَلَهُمْ شِرَاءُ النِّسَاءِ مَا لَمْ تَكُنْ صَغِيرَةً، وَيَشْتَرِي الزُّمَنَاءَ وَأَهْلَ الْبَلَاءِ إلَّا مَنْ يَخَافُ كَيْدَهُ وَشِدَّةَ رَأْيِهِ فَلَا يُفْدَى إلَّا بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ اهـ. وَانْظُرْ قَوْلَهُ " وَصَغِيرٍ " إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ مِمَّنْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَيُبَاعُ عَلَى مُشْتَرِيه النَّصْرَانِيِّ، وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَهَلْ مُنِعَ الصَّغِيرُ " وَانْظُرْ مُبَايَعَةَ الْكَافِرِ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَفِيهِ اسْمُ اللَّهِ أَعْظَمَ مَالِكٌ ذَلِكَ وَكَرِهَهُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إجَازَتُهُ، وَقَدْ كَتَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَيْصَرَ بِالْبَسْمَلَةِ الْمَازِرِيُّ: رَأَى بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنْ لَا يَكْتُبَ الْبَسْمَلَةَ فِي عُقُودِ الْيَهُودِ. وَانْظُرْ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُبَاعُ مِنْ الْحَرْبِيِّ سِلَاحٌ وَلَا سُرُوجٌ وَلَا نُحَاسٌ. قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ. وَمَنْ بَاعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِيعَ عَلَى مَنْ اشْتَرَاهُ عَلَى قِيَاسِ النَّصْرَانِيِّ يَشْتَرِي الْمُسْلِمَ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَسَوَاءٌ كَانُوا فِي هُدْنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَأَمَّا الطَّعَامُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ فِي الْهُدْنَةِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْهُدْنَةِ فَلَا. قَالَ الْحَسَنُ: وَمَنْ حَمَلَ إلَيْهِمْ الطَّعَامَ فَهُوَ فَاسِقٌ، وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ السِّلَاحَ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُكْرَهُ بَيْعُ الْكَرْمِ بِجُدْرَتِهِ مِنْ الْيَهُودِ وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ بِالْمَنْعِ لِمَنْعِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يُعْطُوا الْكَرْمَ مُسَاقَاةً، وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَسْتَخِفُّ بَيْعَ الْعِنَبِ مِنْهُمْ بِالدِّرْهَمِ وَالْقِيرَاطِ إذْ الْعَادَةُ أَنَّ ذَلِكَ لِلْأَكْلِ وَكَذَا بَيْعُ الزَّبِيبِ (وَإِنْ بِعِتْقٍ) ابْنُ شَاسٍ: لِلْكَافِرِ يَشْتَرِي الْمُسْلِمَ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ مِنْ مُسْلِمٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَبِلُوا هَذَا وَلَا أَعْرِفُهُ قَطُّ وَفِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَسْخِ نَظَرٌ (أَوْ هِبَةٍ) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 50 (وَلِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ عَلَى الْأَرْجَحِ) ابْنُ يُونُسَ: إذَا أَسْلَمَ عَبِيدُ زَوْجَةِ الْمُسْلِمِ النَّصْرَانِيَّةِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُنْقَلَ مِلْكُهَا عَنْهُمْ بِبَيْعِهِمْ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ بِصَدَقَتِهِمْ عَلَى وَلَدِهَا الصِّغَارِ مِنْهُ، وَاخْتَلَفَ شُيُوخُ إفْرِيقِيَّةَ إذَا وَهَبَتْهُمْ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ؛ فَقِيلَ لَيْسَ ذَلِكَ بِخُرُوجٍ مِنْ مِلْكِهَا إذْ لَهَا الِاعْتِصَارُ، وَقِيلَ إنَّ الِاعْتِصَارَ حَادِثٌ وَمِلْكُهَا الْآنَ قَدْ انْتَقَلَ حَقِيقَةً. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَجْوَدُ (لَا بِكِتَابَةٍ) الْفِقْهُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 عَلَيْهِمْ دِرْهَمٌ. (وَرَهْنٍ وَأَتَى بِرَهْنِ ثِقَةٍ إنْ عَلِمَ مُرْتَهِنُهُ بِإِسْلَامِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَإِلَّا عُجِّلَ) اُنْظُرْ هَلْ يَتَنَزَّلُ هَذَا عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ؟ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَسْلَمَ عَبْدُ النَّصْرَانِيِّ فَرَهَنَهُ بِعْته وَعَجَّلْت الْحَقَّ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ النَّصْرَانِيُّ بِرَهْنِ ثِقَةٍ مَكَانَ الْعَبْدِ فَيَأْخُذَ الثَّمَنَ. قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: إنَّمَا هَذَا إذَا لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الرَّهْنِ بِعَيْنِهِ، وَأَمَّا لَوْ رَهَنَهُ هَذَا الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ لِبَيْعٍ عَلَيْهِ وَعَجَّلَ الْحَقَّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَهْنٍ آخَرَ مَكَانَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا انْعَقَدَ بَيْعُهُ عَلَى هَذَا الرَّهْنِ بِعَيْنِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ هَذَا أَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ عَمَدَ فَرَهَنَهُ لِيَسْتَدِيمَ مِلْكُهُ فَمَنَعْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ وَبِعْنَاهُ عَلَيْهِ وَعَجَّلْنَا لِلْمُرْتَهِنِ حَقَّهُ إذَا شُرِطَ لَهُ تَعْيِينُ هَذَا الرَّهْنِ وَهُوَ مِمَّا يُبَاعُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ (كَعِتْقِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ بَيْعُ عَبْدِ الْكَافِرِ يُسْلِمُ عَلَيْهِ قَالُوا: وَلَهُ الْعِتْقُ وَهُوَ وَاضِحٌ دَلِيلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الْفَرْعُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَمَّا عِتْقُ الرَّهْنِ فَلَيْسَ هَاهُنَا مَوْضِعُ ذِكْرِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ هُوَ بِقَوْلِهِ " وَمَضَى عِتْقُ الْمُوسِرِ وَعَجَّلَ ". وَكَمَا نَصُّوا عَلَى جَبْرِهِ عَلَى بَيْعِهِ مُسْلِمًا اشْتَرَاهُ كَذَلِكَ نَصُّوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53 عَلَى بَيْعِ مَنْ أَسْلَمَ تَحْتَ يَدِهِ فَلَعَلَّهُ نَقَصَ هَاهُنَا شَيْءٌ. (وَجَازَ رَدُّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: الْمُسْلِمُ يَشْتَرِي عَبْدًا مَجُوسِيًّا مِنْ ذِمِّيٍّ فَيُسْلِمُ فِي يَدِهِ ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَرُدُّهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ. (وَفِي خِيَارِ مُشْتَرٍ مُسْلِمٍ يُمْهَلُ لِانْقِضَائِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ بَاعَ نَصْرَانِيٌّ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا مِنْ مُسْلِمٍ بِخِيَارٍ لِلْمُشْتَرِي الْمُسْلِمِ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى إسْلَامَهُ فَوْتًا، وَلِلْمُسْلِمِ الْخِيَارُ إنْ رَدَّهُ بِيعَ عَلَى بَائِعِهِ. الْمَازِرِيُّ: وَاللَّخْمِيُّ: ظَاهِرُهُ لَا يُعَجَّلُ خِيَارُهُ عَلَى مُدَّتِهِ. (وَيُسْتَعْجَلُ الْكَافِرُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ بَاعَ نَصْرَانِيٌّ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا مِنْ نَصْرَانِيٍّ بِخِيَارٍ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ لَمْ يُفْسَخْ الْبَيْعُ وَقِيلَ: لِمَالِكِ الْخِيَارِ اخْتَرْ أَوْ رُدَّ ثُمَّ بِيعَ عَلَى مَنْ صَارَ إلَيْهِ. (كَبَيْعِهِ إنْ أَسْلَمَ وَبَعُدَتْ غَيْبَةُ سَيِّدِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا أَسْلَمَ عَبْدُ النَّصْرَانِيِّ وَسَيِّدُهُ غَائِبٌ فَإِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ بِيعَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْتَظَرْ، وَإِنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ نَظَرَ فِي ذَلِكَ السُّلْطَانُ وَكَتَبَ فِيهِ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ أَوْ يُسْلِمُ الْآنَ، وَكَذَلِكَ النَّصْرَانِيُّ الْغَائِبُ تُسْلِمُ زَوْجَتُهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 وَانْظُرْ فَرْقُ مَا بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ تُسْلِمُ أَمَتُهُ يُمَكَّنُ الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ وَطْئِهَا وَرَدِّهَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ. قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ. اُنْظُرْ فِي الْجِهَادِ عِنْدَ قَوْلِهِ " إلَّا أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ قَدِمُوا بِهِ ". (وَفِي الْبَائِعِ يُمْنَعُ مِنْ الْإِمْضَاءِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا لِابْنِ مُحْرِزٍ قَالَ: لَوْ بَاعَ مُسْلِمٌ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا مِنْ نَصْرَانِيٍّ وَالْخِيَارُ لَهُ أَعْنِي لِلْبَائِعِ الْمُسْلِمِ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ، فَوَاضِحٌ كَوْنُ الْمُسْلِمِ عَلَى خِيَارِهِ. وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي اُحْتُمِلَ إبْقَاءُ الْخِيَارِ لِمُدَّتِهِ إذْ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَتَعْجِيلُهُ إذْ لَا حُرْمَةَ لِعَقْدِ الْكَافِرِ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إذَا كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ كَافِرَيْنِ يُعَجَّلُ الْخِيَارُ إذْ قَدْ يَصِيرُ لِلْمُسْلِمِ مِنْهُمَا اهـ. كَذَا يَنْبَغِي اهـ لَفْظُ ابْنِ يُونُسَ (وَفِي جَوَازِ بَيْعِ مَنْ أَسْلَمَ بِخِيَارٍ تَرَدُّدٌ) ابْنُ شَاسٍ: ثُمَّ حَيْثُ أَمَرْنَاهُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ يَبْقَى النَّظَرُ، هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لَهُ أَيَّامًا أَمْ لَا؟ قَالَ الْمَازِرِيُّ: هَذَا مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ. (وَهَلْ مَنْعُ الصَّغِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِ مُشْتَرِيه أَوْ مُطْلَقًا أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُمْنَعُ النَّصْرَانِيُّ مِنْ شِرَاءِ صِغَارِ الْكِتَابِيِّينَ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ كِبَارِ الْكِتَابِيِّينَ. عِيَاضٌ: مَعْنَاهُ الصِّغَارُ الَّذِينَ لَا آبَاءَ مَعَهُمْ فَإِذَا اشْتَرَاهُمْ مُسْلِمٌ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ مِنْ كَافِرٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ. عَلَى هَذَا تَأَوَّلَ الْمَسْأَلَةَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وَتَأَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَيْعِ الْيَهُودِ مِنْ النَّصَارَى وَهَذَا بَعِيدٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 مِنْ مَذْهَبِ الْكِتَابِ لِتَفْرِيقِهِ بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ (وَجَبْرُهُ تَهْدِيدٌ وَضَرْبٌ) نَقَصَ هُنَا شَيْءٌ وَعِبَارَةُ الْمَازِرِيِّ: بَيْعُ صِغَارِ النَّصَارَى مِنْ النَّصَارَى مَبْنِيٌّ عَلَى جَبْرِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ. فَإِذَا قِيلَ بِهَذَا فَهَذَا الْجَبْرُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّهْدِيدِ وَالضَّرْبِ لَا بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ ثُمَّ ارْتَدَّ. اللَّخْمِيِّ: وَلَوْ كَانَ جَبْرُهُ بِالْقَتْلِ مَا جَازَ بَيْعُهُ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي قَدْ دَخَلَ عَلَى مَا لَا يَدْرِي هَلْ يَحْيَا أَوْ يُقْتَلُ. (وَلَهُ شِرَاءُ بَالِغٍ عَلَى دِينِهِ إنْ أَقَامَ بِهِ) اللَّخْمِيِّ: لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ إذَا كَانَ بَالِغًا مِنْ نَصْرَانِيٍّ. ابْنُ شَاسٍ: بِشَرْطِ أَنْ يَسْكُنَ بِهِ بَلَدَ الْمُسْلِمِينَ لَا يُبَاعُ مِمَّنْ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا يُخْشَى مِنْ اطِّلَاعِهِ أَهْلَ الْحَرْبِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ شَاسٍ هَذَا هُوَ نَصُّ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَبِي الْفَرَجِ، وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فِي الْجِهَادِ " كَالنَّظَرِ فِي الْأَسْرَى بِمَنٍّ أَوْ فِدَاءٍ " فَقَدْ نَصَّ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْأَسِيرِ الْفِدَاءَ يَبْقَى النَّظَرُ فِي غَيْرِ الْإِمَامِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا قَدِمَ النَّصْرَانِيُّ بِأَمَانٍ فِي شِرَاءِ مَنْ سُبِيَ مِنْهُمْ فَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ شِرَاءِ الذُّكُورِ بِثَمَنٍ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا، وَلَهُمْ شِرَاءُ النِّسَاءِ مَا لَمْ تَكُنْ صَغِيرَةً، وَيَشْتَرُوا الزُّمَنَاءَ وَأَهْلَ الْبَلَاءِ إلَّا مَنْ يُخَافُ كَيْدُهُ وَشِدَّةُ رَأْيِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفْدَى إلَّا بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ (لَا غَيْرِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ) اللَّخْمِيِّ: اخْتَلَفَ فِي بَيْعِ النَّصْرَانِيِّ الْبَالِغِ مِنْ الْيَهُودِ فَأَجَازَهُ مُحَمَّدٌ، وَمَنَعَهُ ابْنُ وَهْبٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 وَسَحْنُونٌ لِلْعَدَاوَةِ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَهُوَ أَحْسَنُ (وَالصَّغِيرِ عَلَى الْأَرْجَحِ وَشُرِطَ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ طَهَارَةٌ) ابْنُ شَاسٍ. : الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ كَوْنُهُ طَاهِرًا. ابْنُ عَرَفَةَ: فَيَحْرُمُ بَيْعُ النَّجِسِ غَيْرَ مُضْطَرٍّ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ (لَا كَزِبْلٍ) ابْنُ يُونُسَ: كَرِهَ مَالِكٌ بَيْعَ الْعَذِرَةِ وَهِيَ رَجِيعُ النَّاسِ لِيُزَبَّلَ بِهَا الزَّرْعُ أَوْ غَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا زُبِّلَ بِهَا. قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي زِبْلِ الدَّوَابِّ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ عِنْدَهُ نَجِسٌ فَكَذَلِكَ الزِّبْلُ عِنْدَهُ، وَلَا أَرَى أَنَا بِبَيْعِهِ بَأْسًا. اللَّخْمِيِّ: فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَذِرَةِ. ابْنُ بَشِيرٍ: هَذَا اسْتِقْرَاءٌ ضَعِيفٌ. وَرَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ جَوَازَ بَيْعِ الْعَذِرَةِ. أَشْهَبُ: وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ خَثَاءِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ مَنْعُ بَيْعِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَأَجَازَ بَيْعَهُ وَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57 قَبْلَ دَبْغِهِ ابْنُ وَهْبٍ: ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ بَاعَ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ غَنَمًا فَنَمَتْ ثُمَّ تَابَ تَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ لَا بِالْغَنَمِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ صَدَقَتُهُ بِفَضْلِ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا (وَزَيْتٍ تَنَجَّسَ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يَطْهُرُ زَيْتٌ خُولِطَ " قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَابْنِ وَهْبٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 (وَانْتِفَاعٌ) ابْنُ شَاسٍ: يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي صُوَرٍ عَلَى قَدْرِ الشِّبْرِ يُجْعَلُ لَهَا وُجُوهٌ لَا خَيْرَ فِيهَا وَلَيْسَ التَّجْرُ فِيهَا مِنْ تَجْرِ النَّاسِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ " لَا خَيْرَ فِيهَا " يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ دُونَ التَّحْرِيمِ وَلِذَلِكَ أَجَازَهَا أَصْبَغُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُصَوَّرَةً بِصُورَةِ الْإِنْسَانِ إنَّمَا فِيهَا شَبَهُ الْوُجُوهِ بِالتَّزْوِيقِ فَصَارَتْ كَالرَّقْمِ وَلِذَلِكَ أَجَازَهَا أَصْبَغُ، وَكُلَّمَا قَلَّ الشَّبَهُ قَوِيَ الْجَوَازُ، وَكُلَّمَا جَازَ اللَّعِبُ بِهِ جَازَ بَيْعُهُ. الْبُرْزُلِيِّ: وَعَلَى هَذَا الْآلَاتُ الَّتِي يَلْعَبُ بِهَا الصِّبْيَانُ. قَالَ شَيْخُنَا الْغُبْرِينِيُّ: يَشْتَرِي لِلْأَيْتَامِ الدوليات والزرابط وَنَحْوُهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِلْوَصِيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ لِمَحْجُورِهِ. بَعْضَ مَا يَلْهُو بِهِ. ابْنُ كِنَانَةَ: وَيُنْفِقُ فِي عُرْسِهِ بِقَدْرِ حَالِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُفْسَخُ بَيْعُ الْبُوقِ وَالْعُودِ وَالْكَبَرِ وَيُؤَدَّبُ أَهْلُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: يُفْسَخُ فِي الْأَوَّلَيْنِ اتِّفَاقًا. وَقَوْلُهُ فِي الْكَبَرِ خِلَافُ قَوْلِهِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ وَقَطْعُ سَارِقِهِ فِي قِيمَتِهِ قَائِمًا (لَا كَمُحَرَّمٍ أَشْرَفَ) ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ وَنَصُّ ابْنِ مُحْرِزٍ مَنْعُ بَيْعِ مَنْ فِي السِّيَاقِ وَلَوْ كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 مَأْكُولَ اللَّحْمِ لِلْغَرَرِ فِي حُصُولِ الْغَرَضِ مِنْ حَيَاتِهِ أَوْ صَيْرُورَتِهِ لَحْمًا وَفِي حُصُولِ ذَكَاتِهِ لِاحْتِمَالِ حَرَكَتِهِ بَعْدَ ذَبْحِهِ، وَهُوَ يَرُدُّ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَأْكُولِ اللَّحْمِ الْبَاجِيُّ: قَدْ يَكُونُ الْغَرَرُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ حَالِهِ كَالْعَبْدِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ يَمْرَضُ مَرَضًا يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ. ابْنُ زَرْقُونٍ: اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ هَذَا الْمَرَضِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إذَا بَلَغَ مَبْلَغًا لَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ إلَّا فِي ثُلُثِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ الْحَامِلُ لَا تُبَاعُ. إذَا جَاوَزَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَوَلَدُهَا مَعَهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 68 فِي الْبَيْعِ وَرَدَّهُ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى شِرَاءِ الْمَرِيضَةِ الْمَرَضَ الْمَخُوفَ لَمْ يَجُزْ. اُنْظُرْ ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ حَلَفَ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ. (وَعَدَمُ نَهْيٍ) ابْنُ شَاسٍ: فِي مَعْنَى مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مَا كَانَتْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ إلَّا أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ بِالشَّرْعِ إذْ الْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا انْتَهَى. اُنْظُرْ بَيْعَ الطِّفْلِ مِمَّنْ يَأْكُلُهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِمَّنْ يَأْكُلُهُ. قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَأَكْلُهُ حَرَامٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَكْلُهُ مَكْرُوهٌ. وَسَمِعَ ابْنِ الْقَاسِمِ: تَرْكُ التَّجْرِ فِي الْخُصْيَانِ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ ابْنُ رُشْدٍ: كَانَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ خَصِيٌّ وَكَذَا لِمَالِكٍ، وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ نَحْوَ هَذَا فِي الشِّرَاءِ مِنْ الْعِبَارَةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ إذْ الْمَبِيعُ لَيْسَ بِمَغْصُوبٍ، وَإِنَّمَا تَرْكُ الشِّرَاءِ مِنْ أَجْلِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ فَيَكُونُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْخُصْيَانِ، وَكَمَا نَصَّ الْمَازِرِيُّ إذَا فَرَّ النَّاسُ مِنْ الزَّحْفِ لَا يَلْزَمُ الْمَرْءَ وَحْدَهُ أَنْ يَقِفَ (لَا كَكَلْبِ صَيْدٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْكَلْبُ الْمَنْهِيُّ عَنْ اتِّخَاذِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ اتِّفَاقًا، وَفِي غَيْرِهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ مَنْعُ بَيْعِهِ وَأَجَازَ بَيْعَهُ سَحْنُونَ قَالَ: نَعَمْ وَأَحُجُّ بِثَمَنِهِ. ابْنُ رُشْدٍ مِثْلَ قَوْلِ سَحْنُونَ. قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ كِنَانَةَ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ، لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ. وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ كَالْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ قَتَلَ كَلْبًا مِنْ كِلَابِ الدُّورِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكِلَابِ لِلزَّرْعِ وَالْأَجِنَّةِ لِأَنَّهَا مِنْ الزَّرْعِ. أَبُو عُمَرَ فِي تَمْهِيدِهِ: وَكَذَا عِنْدِي يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهَا لِلْمَنَافِعِ كُلِّهَا وَدَفْعِ الْمَضَارِّ فِي غَيْرِ الْبَادِيَةِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمَخُوفِ فِيهَا السَّرِقَةُ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: يُقْتَلُ مِنْ الْكِلَابِ الْمُؤْذِي مِنْهَا وَمَا يَكُونُ بِمَوْضِعٍ لَا يَنْبَغِي. وَقَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 ابْنُ لُبَابَةَ: إنْ كَانَ الْكَلْبُ مُتَّخَذًا بِمَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ بِهِ فَصَاحِبُهُ ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَ الرِّدَاء يُقَوَّمُ صَحِيحًا وَيُقَوَّمُ بِاَلَّذِي أَصَابَهُ، فَمَا كَانَ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ ضَمِنَهُ وَيُوفِيهِ صَاحِبُ الْكَلْبِ. قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: لَمْ يُوجِبْ ابْنُ الْقَاسِمِ ضَمَانَ مَا أَصَابَ الْعَقُورَ إلَّا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ وَالْآخَرُ اتِّخَاذُهُ بِمَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذُهُ فِيهِ. اُنْظُرْ آخِرَ نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ. (وَجَازَ هِرٌّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ بَيْعُ الْهِرِّ (وَسَبُعٌ لِلْجِلْدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَمَّا بَيْعُ السِّبَاعِ أَحْيَاءً وَالْفُهُودِ وَالنُّمُورِ وَالذِّئَابِ وَشَبَهِهَا فَإِنْ كَانَتْ إنَّمَا تُشْتَرَى وَتُذَكَّى لِجِلْدِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا ذُكِّيَتْ السِّبَاعُ جَازَ لِبَاسُ جُلُودِهَا وَالصَّلَاةُ عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَجَازَ بَيْعُهَا (وَحَامِلٌ مُقْرِبٌ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَامِلَ إذَا تَجَاوَزَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَرِيضِ الْمَخُوفِ لَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ وَلَا أَنْ تَبِيعَ، وَهَذَا الْفَرْعُ مُقْحَمٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، فَلَوْ قَالَ " لَا كَمُحَرَّمٍ أَشْرَفَ وَحَامِلٍ مُقْرِبٍ " لَتَنَزَّلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ هُنَاكَ. وَإِنْ عَنَى بِالْحَامِلِ الْمُقْرِبِ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْعَاقِدَةُ فَكَانَ مَوْضِعُ ذِكْرِهِ الرُّكْنَ الْأَوَّلَ. وَعِبَارَةُ الْمُتَيْطِيِّ: بَيْعُ الْمَرِيضِ كَالصَّحِيحِ سَوَاءً إلَّا أَنْ تَكُونَ فِيهِ مُحَابَاةٌ فَتِلْكَ الْمُحَابَاةُ فِي ثُلُثِهِ. (وَقُدْرَةٌ عَلَيْهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُطْلَبُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَمْلُوكًا لِبَائِعِهِ أَوْ لِمَنْ نَابَ عَنْهُ وَلَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ وَلَا غَرَرَ (لَا كَآبِقٍ) فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا: بَيْعُ الْآبِقِ وَلَوْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ مَمْنُوعٌ، وَكَذَا الشَّارِدُ وَمَا نَدَّ وَضَلَّ (وَإِبِلٍ أُهْمِلَتْ) سَمْعُ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا أُحِبُّ شِرَاءَ الرَّجُلِ بَعِيرًا رَآهُ مُهْمَلًا فِي الرَّعْيِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى يُوجَدُ كَإِبِلِ الْأَعْرَابِ الْمُهْمَلَةِ فِي الْمَهَامِهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَا الْمَهَارَةُ وَالْفِلَاءُ بِالْبَرَارِيِ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا إلَّا بِعَيْبٍ يَدْخُلُهَا (وَمَغْصُوبٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: بَيْعُ الْمَغْصُوبِ رَبَّهُ وَهُوَ بِيَدِ الْغَاصِبِ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ وَالْغَاصِبُ لَا يَأْخُذُهُ حُكْمٌ فَاسِدٌ إجْمَاعًا، وَكَذَا إنْ كَانَ يَأْخُذُهُ الْحُكْمُ وَكَانَ حَاضِرًا مُنْكِرًا لِلْغَصْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا فِيهِ حَظْوَةٌ، فَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْغَصْبِ حَاضِرًا يَأْخُذُهُ الْحُكْمُ جَازَ الْبَيْعُ (إلَّا مِنْ غَاصِبِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ غَصَبَك دَنَانِيرَ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَصْرِفَهَا مِنْهُ بِدَرَاهِمَ وَتَقْبِضَهَا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 ذَكَرَ أَنَّ الدَّنَانِيرَ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا لِأَنَّهَا فِي ذِمَّتِهِ. وَانْظُرْ فَرْقَ بَيْنَ الدَّنَانِيرِ فِي هَذَا بَيْن الْحُلِيِّ. وَلَوْ غَصَبَك جَارِيَةً جَازَ أَنْ تَبِيعَهَا مِنْهُ وَهِيَ بِبَلَدٍ آخَرَ غَائِبَةٌ، وَيَنْقُدُك الثَّمَنَ إذَا وَصَفَهَا لِأَنَّهَا فِي ضَمَانِهِ وَالدَّنَانِيرُ فِي ذَلِكَ أَبْيَنُ ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْجَارِيَةِ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ إنْ مُلِكَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ جَازَ النَّقْدُ فِيهَا إذْ لَا يَبْقَى فِيهَا رَدُّ الثَّمَنِ لَهَا كُلِّهَا قَبْلَ الْعَقْدِ كَمَا اتَّقَى فِي النَّقْدِ فِي الْحَيَوَانِ الْغَائِبِ، لِأَنَّ ذَلِكَ إنْ هَلَكَ قَبْلَ الْبَيْعِ وَجَبَ رَدُّ الثَّمَنِ فَيَكُونُ النَّقْدُ حِينَئِذٍ تَارَةً ثَمَنًا وَتَارَةً سَلَفًا وَهَذَا لَا يُخْشَى رَدُّهُ لِأَنَّ هَلَاكَهُ مِنْهُ (وَهَلْ إنْ رُدَّ لِرَبِّهِ مُدَّةٌ؟ تَرَدُّدٌ) ابْنُ رُشْدٍ: تَحْصِيلُ شِرَاءِ الْغَاصِبِ مَا غَصَبَهُ وَهُوَ بِيَدِهِ. إنْ عُلِمَ مَنْعُهُ رَبَّهُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَبِعْهُ فَسَدَ، وَإِنْ عُلِمَ رَدُّهُ لَهُ جَازَ اتِّفَاقًا فِيهَا وَإِلَّا فَظَاهِرُ صَرْفِهَا وَغَصْبِهَا الْجَوَازُ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ. وَنَقَلَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ عَدَمَ الْجَوَازِ وَبِهِ حَكَمَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي رَحَى الْمَدْبَحِ لِلسُّلْطَانِ شِرَاؤُهَا حَتَّى صَحَّتْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 لِصَاحِبِهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ (وَلِلْغَاصِبِ نَقْضُ مَا بَاعَهُ إنْ وَرِثَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَعَدَّى عَلَى مَتَاعٍ عِنْدَهُ وَدِيعَةٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ مَاتَ رَبُّهُ فَكَانَ الْمُتَعَدِّي نَقَضَ الْبَيْعَ إذَا ثَبَتَ التَّعَدِّي. ابْنُ يُونُسَ: وَقَدْ حَلَّ هَذَا مَحَلَّ رَبِّهِ فِي إجَازَةِ الْبَيْعِ أَوْ نَقْضِهِ. وَسَمِعَ سَحْنُونَ ابْنَ الْقَاسِمِ: وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ ثُمَّ وَرِثَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الْعَبْدِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ يُوجِبُ لَهُ بِالْإِرْثِ مَا كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ (لَا اشْتَرَاهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ بَاعَ مَا غَصَبَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ رَبِّهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَحَلَّلَ صَنِيعُهُ وَكَأَنَّ الْقِيمَةَ لَزِمَتْهُ فَغَرِمَهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَا الْوَدِيعَةُ الَّتِي بَاعَهَا لَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ رَبِّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ بِخِلَافِ أَنْ لَوْ وَرِثَهَا لِأَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 الْمِيرَاثَ لَمْ يَجُرَّهُ إلَى نَفْسِهِ، وَأَمَّا الشِّرَاءُ فَهُوَ مِنْ سَبَبِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا يَتَسَبَّبُ بِهِ إلَى نَقْضِ عَقْدِهِ، وَنَظِيرُ هَذَا رُجُوعُ الْهِبَةِ وَمَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ وَتَكْمِيلِ الْعِتْقِ أَيْ وَالشُّفْعَةِ فِيمَا بَاعَ (وَوُقِفَ مَرْهُونٌ عَلَى رِضَا مُرْتَهِنِهِ) سَيَأْتِي فِي الرَّهْنِ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ فِي بَيْعٍ وَسَلَمٍ ". (وَمِلْكُ غَيْرِهِ عَلَى رِضَاهُ) الْمُتَيْطِيُّ: الْبَائِعُ عَلَى غَيْرِهِ ثَمَانِيَةُ أَوْجُهٍ: سِمْسَارٌ وَقَاضٍ وَوَصِيٌّ وَوَكِيلٌ عَلَى مُعَيَّنٍ وَوَكِيلٌ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ وَشَرِيكٌ فِي مُعَيَّنٍ وَشَرِيكٌ مُفَاوِضٌ وَمُبْضِعٌ مَعَهُ وَمُفْتَاتٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ بَاعَ رَجُلٌ أَمَةَ آخَرَ جَازَ إنْ أَجَازَ ذَلِكَ السَّيِّدُ انْتَهَى. لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ إذَا أَجَازَ الْمُفْتَاتُ عَلَيْهِ الْبَيْعَ فَأَبَى الْمُشْتَرِي وَيُحْتَجُّ بِانْتِقَالِ الْعُهْدَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ يَبِيعُ بِاسْمِ نَفْسِهِ. اُنْظُرْ رَسْمَ بَاعَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ، وَرَسْمَ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَانْظُرْ إنْ سَكَتَ هَذَا الَّذِي أُفْتِيت عَلَيْهِ وَبِيعَ مَالُهُ وَهُوَ حَاضِرٌ فَلَمْ يَقُمْ حَتَّى بِيعَ ذَلِكَ الْمَالُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ ثُمَّ أَرَادَ الدَّعْوَى فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرٌ وَخَدِيعَةٌ إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ غَيْرِ مَقْهُورٍ بِالطَّاقَةِ. قَالَ ابْنُ زَرْبٍ: وَإِنَّمَا يُقْضَى لَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي بِيعَ بِهِ خَاصَّةً. رَاجِعْ الْمُفِيدَ أَوْ ابْنَ سَلْمُونَ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ. (وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي) مِنْ الْمُفِيدِ: إنْ قَالَ أَبِيعُك دَارَ فُلَانٍ وَفُلَانٌ غَائِبٌ فَتَمَّ الْبَيْعُ فِيهَا ثُمَّ عَلِمَ الْغَائِبُ بِذَلِكَ فِي غَيْبَتِهِ أَوْ قَدِمَ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ مَالَهُ اهـ. وَانْظُرْ بَيْعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 الْمَغْصُوبِ وَالْمُشْتَرِي يَعْلَمُ غَصْبَهُ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: الْبَيْعُ فَاسِدٌ لِعِلْمِ الْعَاقِدَيْنِ فَسَادَهُ بِخِلَافِ عِلْمِ أَحَدِهِمَا. وَجَعَلَ ابْنُ يُونُسَ مِنْ هَذَا أَيْضًا سَلَفَ أَحَدِ الْمُصْطَرِفَيْنِ بَيْنَ عِلْمِهِمَا بِذَلِكَ وَلَا فَرْقَ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ قَالَ الْبَائِعُ أَنَا أَعْرِفُ كَيْلَ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ رَضِيت أَخْذَهَا جُزَافًا بِكَذَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لِأَنَّهُمَا قَصَدَا بِهَذَا الْعَقْدِ الْغَرَرَ وَالْخَطَرَ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ صَارَ لَهُ طَرِيقٌ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ، فَإِذَا رَضِيَ بِأَنْ لَا يَعْلَمَهُ فَكَأَنَّهُ رَضِيَ بِالتَّغْرِيرِ وَأَنْ يُعَاوِضَ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى عِلْمِهِ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ، يَشْهَدُ لِهَذَا مَا قَالَهُ سَحْنُونَ: وَلَوْ بَاعَ أَمَةً فَخَرَجَتْ مُغَنِّيَةً لَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَإِنْ شَرَطَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ سِلْعَةً لَا يَمْلِكُهَا تَعَدِّيًا وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ، وَلَوْ أَعْلَمَ أَنَّهُ غَاصِبٌ فَدَخَلَ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَصِحَّ الْعَقْدُ فِيهِ عَلَى صِفَةٍ لَوْ شَرَطَهَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَصِحَّ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ اهـ. اُنْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الْمَرْأَةُ تَهَبُ دَارَ سُكْنَاهَا لِزَوْجِهَا وَلَمْ تَحُزْهَا لَهُ حَتَّى مَاتَتْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ شَرَطَتْ هَذَا أَوْ لَا فَرْقٌ. اُنْظُرْ نَوَازِلَ أَصْبَغَ مِنْ الْهِبَاتِ بَاعَهُ سَاعَةً بِدِينَارٍ إلَّا ثُلُثًا فَجَاءَهُ الْمُشْتَرِي بِدِينَارٍ عِنْدَ الْأَجَلِ أَعْطَاهُ لَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْبَائِعُ بَقِيَّةَ صَرْفِهِ، بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هَذَا شُرِطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ لَا فَرْقَ وَمِنْ هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا خَيْرَ فِي بَيْعِ الرَّجُلِ الدَّابَّةَ بِشَرْطِ أَنَّهَا حَامِلٌ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ لَمْ يَجُزْ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ بِجَنِينِهَا ثَمَنًا. قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: إلَّا أَنْ يَقُولَ هِيَ حَامِلٌ وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ خِلَافًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ: فَإِنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ بِهَذَا الشَّرْطِ. اُنْظُرْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75 آخِرَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَاللَّخْمِيِّ: وَهَذَا أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ فَتْحُونَ إذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يَظْهَرْ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ اسْتِثْنَاءُ ذَلِكَ كَالْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَهُوَ لِلْمُشْتَرِي بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي اشْتِرَاطُهُ لِئَلَّا تَقَعَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ لَا يَثْبُتُ فَيَكُونُ مِنْ الْغَرَرِ. وَمِنْ هَذَا أَيْضًا مَا نَقَلَ ابْنُ عَاتٍ أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْغَزْلِ فِي النَّسْجِ عِنْدَ الْقَطْعِ إنْ كَانَ الْعُرْفُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِالْحَضْرَةِ وَأَنَّ الْحَائِكَ يَنْتَفِعُ بِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ لِلْحَائِكِ وَكَأَنَّهُ مِنْ الْأَجْرِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْحَائِكِ أَنْ يَشْتَرِطَهُ لِأَنَّهُ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ لَا يَقْبِضُهُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ نَسْجِ الثَّوْبِ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ " وَعَصَافِيرُ حَيَّةٌ بِقَفَصٍ ". وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَنْحَى شَرْطَ الْخُلْطَةِ فِي الْقِرَاضِ، وَمِنْهُ أَيْضًا مَنْ شَرَطَ فِي حَبْسِهِ عَلَى صِغَارِ بَنِيهِ أَنْ يَكُونَ الْحَائِزُ لَهُمْ نَهَى عَنْهُ مَالِكٌ وَإِنْ كَانَ هَذَا الشَّرْطُ هُوَ الَّذِي يُوجِبُ الْحُكْمَ. اُنْظُرْ آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْحَبْسِ، وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي رَسْمِ تَأَخَّرَ مِنْ الصَّرْفِ مَنْ اشْتَرَى بِنِصْفِ دِينَارٍ لِشَهْرٍ فَالْحُكْمُ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ بِصَرْفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ هَذَا فِي الْعَقْدِ إلَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 ابْنَ رُشْدٍ قَالَ: إنَّمَا هَذَا أَنَّهُ قَدْ يَحِلُّ الْأَجَلُ وَقَدْ يَكُونُ لِلْبَائِعِ قِبَلَ الْمُشْتَرِي نِصْفٌ آخَرُ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِدِينَارٍ فَيَكُونُ الشَّرْطُ عَلَى هَذَا مُخَالِفًا لِمَا يَقْتَضِيهِ الْحُكْمُ. (وَالْعَبْدُ الْجَانِي عَلَى رِضَا مُسْتَحِقِّهَا وَحُلِّفَ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الرِّضَا بِالْبَيْعِ ثُمَّ لِلْمُسْتَحِقِّ رَدُّهُ إنْ لَمْ يَدْفَعْ لَهُ السَّيِّدُ أَوْ الْمُبْتَاعُ الْأَرْشَ وَلَهُ أَخْذُ ثَمَنِهِ وَرَجَعَ الْمُبْتَاعُ بِهِ أَوْ بِثَمَنِهِ إنْ كَانَ أَقَلَّ وَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ إنْ تَعَمَّدَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ عَبْدَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَدْ جَنَى حَلَفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ حَمْلَ الْجِنَايَةِ، ثُمَّ إنْ دَفَعَ الْأَرْشَ لِأَهْلِ الْجِنَايَةِ وَإِلَّا كَانَ لَهُمْ إجَازَةُ الْبَيْعِ وَقَبْضُ الثَّمَنِ وَلَهُمْ فَسْخُهُ وَأَخْذُ الْبَيْعِ. قَالَ غَيْرُهُ: إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُبْتَاعُ دَفْعَ الْأَرْشِ إلَيْهِمْ فَذَلِكَ لَهُ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالْأَقَلِّ مِمَّا افْتَكَّهُ بِهِ أَوْ الثَّمَنِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ افْتَكَّهُ الْبَائِعُ فَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّهُ بِهَذَا الْعَيْبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ بَيَّنَهُ لَهُ فَيَلْزَمُهُ الْمَبِيعُ. قَالَ غَيْرُهُ: هَذَا فِي الْعَمْدِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 فَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَلَا وَهُوَ كَعَيْبٍ قَدْ ذَهَبَ. (وَرُدَّ الْبَيْعُ فِي لَأَضْرِبَنَّهُ مَا يَجُوزُ وَرُدَّ لِمِلْكِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَاعَ أَمَةً حَلَفَ بِحُرِّيَّتِهَا لَيَضْرِبَنَّهَا ضَرْبًا يَجُوزُ لَهُ نَقْضُ بَيْعِهِ. فَإِنْ لَمْ يَضْرِبْهَا حَتَّى مَاتَ عَتَقَتْ فِي ثُلُثِهِ. وَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: تَعْتِقُ حِينَ نُقِضَ بَيْعُهَا وَلَا تَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ إذْ لَا تُنْقَضُ صَفْقَةُ مُسْلِمٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 إلَّا لِعِتْقٍ نَاجِزٍ. (وَجَازَ بَيْعُ عَمُودٍ عَلَيْهِ بِنَاءٌ لِلْبَائِعِ إنْ انْتَفَتْ الْإِضَاعَةُ وَأُمِنَ كَسْرُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَيَجُوزُ أَنْ أَشْتَرِيَ عَمُودًا عَلَيْهِ بِنَاءٌ لِلْبَائِعِ وَأَنْقُضَ الْعَمُودَ إنْ أَحْبَبْت؟ قَالَ: نَعَمْ. اللَّخْمِيِّ: يُرِيدُ إنْ قَدَرَ عَلَى تَعْلِيقِ مَا عَلَيْهِ أَوْ كَانَ يَسِيرًا أَوْ أَضْعَفَ لَهُ فِي الثَّمَنِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ فَسَادٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَعَزْوُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 ابْنِ رُشْدٍ شَرْطَ كَوْنِ بَيْعِهِ لَيْسَ إضَاعَةَ مَالٍ، وَأَمْنُ قَلْعِهِ لِلْمَازِرِيِّ يُوهِمُ اخْتِصَاصَهُ بِهِ (وَنَقَضَهُ الْبَائِعُ) ابْنُ يُونُسَ قَالَ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ: وَقَلْعُ الْعَمُودِ عَلَى الْبَائِعِ قَالَ الْقَابِسِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُزِيلَ مَا عَلَى الْعَمُودِ لِيَصِلَ الْمُبْتَاعُ إلَى قَبْضِهِ، وَمَا أَصَابَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي زَوَالِهِ فِي كَسْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَمِنْ الْمُبْتَاعِ وَانْظُرْ إذَا اشْتَرَى صُوفًا عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ فَأُصِيبَ مِنْهَا كَبْشٌ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ: أَرَاهَا مِنْ الْبَائِعِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا خِلَافُ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الْجُذَاذَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَمَنْ اشْتَرَى زَيْتُونَةً عَلَى الْقَطْعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ. اُنْظُرْ رَسْمَ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَانْظُرْ رَسْمَ الثَّمَرَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى إنْ تَوَانَى فِي قَطْعِ الزَّيْتُونَةِ حَتَّى أَثْمَرَتْ فَإِنْ كَانَ عِنْدَ الشِّرَاءِ قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عِنْدَ الشِّرَاءِ الثَّمَرُ وَفِيهَا ثَمَرٌ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِبَارِ فَفِي هَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 السَّمَاعِ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ اشْتَرَطَ الْأَغْصَانَ، فَإِنْ اشْتَرَى عَمُودَ الزَّيْتُونَةِ رَجُلٌ وَاشْتَرَى الْأَغْصَانَ آخَرُ وَاسْتُؤْنِيَ بِقَطْعِهَا حَتَّى أَثْمَرَتْ، فَإِنَّ الثَّمَرَةَ لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْعَمُودِ وَعَلَى صَاحِبِ الْعَمُودِ كِرَاءُ الْأَرْضِ، وَهَذَا إذَا كَانَا غَائِبَيْنِ بِاتِّفَاقٍ أَوْ حَاضِرَيْنِ عَلَى اخْتِلَافٍ. (وَهَوَاءٍ فَوْقَ هَوَاءٍ إنْ وُصِفَ الْبِنَاءُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ بَيْعُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ فَصَاعِدًا مِنْ هَوَاءِ بَيْتٍ، إنْ وَصَفَا مَا يُبْنَى فَوْقَ جِدَارِهِ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ هَوَاءٍ فَوْقَ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ هَوَاءٍ إذَا شَرَطَا بِنَاءً يَبْنِيهِ وَيَصِفُهُ لِيَبْنِيَ الْمُبْتَاعُ فَوْقَهُ الْمُتَيْطِيُّ: وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ هَوَاؤُهُ لَا فَرْشَ عَلَيْهِ جَازَ شَرْطُهُ عَلَى بَائِعِهِ أَوْ مُبْتَاعِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِهَذَا الْمُبْتَاعِ بَيْعُ هَوَاءٍ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ الْبَائِعِ. (وَغَرْزُ جِذْعٍ فِي حَائِطٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ شِرَاءُ طَرِيقٍ فِي دَارِ رَجُلٍ وَمَوْضِعِ جُذُوعٍ مِنْ حَائِطٍ يَحْمِلُهَا عَلَيْهِ إذَا وَصَفَهَا. أَشْهَبُ: شَرْطُ بَيْعِ الطَّرِيقِ كَوْنُهُ يَصِلُ مِنْهُ لِمِلْكٍ. التُّونِسِيُّ: لِأَنَّهُ دُونَهُ بَيْعُ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ فَإِنْ اسْتَحَقَّ مِلْكَهُ انْفَسَخَ بَيْعُ الطَّرِيقِ (وَهُوَ مَضْمُونٌ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ الْمُدَّةَ فَإِجَارَةٌ تَنْفَسِخُ بِانْهِدَامِهِ) ابْنُ يُونُسَ: إنْ اشْتَرَى مَوْضِعَ الْجُذُوعِ شِرَاءً مُؤَبَّدًا فَانْهَدَمَ الْجِدَارُ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ فَعَلَى رَبِّهِ أَنْ يَبْنِيَهُ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ فَمَحَلُّ هَذَا عَلَيْهِ جُذُوعُهُ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا اشْتَرَى مِنْهُ حَمْلَ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَانْهَدَمَ الْجِدَارُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 لَا يَلْزَمُ رَبَّهُ بِنَاؤُهُ وَيَفْسَخُ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ وَيَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّ ذَلِكَ، لِأَنَّ ذَلِكَ كِرَاءٌ وَالْمُكْرِي لَا يَلْزَمُهُ إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ أَنْ يَبْنِيَهَا وَيَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ وَاَلَّذِي اشْتَرَى ذَلِكَ مُؤَبَّدًا قَدْ مَلَكَ مَوْضِعَ الْحَمْلِ، فَإِذَا انْهَدَمَ لَزِمَ رَبَّهُ بِنَاؤُهُ كَانْهِدَامِ السُّفْلِ أَنَّ عَلَى رَبِّهِ بِنَاءَهُ لِيَبْنِيَ صَاحِبُ الْعُلْوِ فَوْقَهُ. (وَعَدَمُ حُرْمَةٍ وَلَوْ لِبَعْضِهِ) الْبَاجِيُّ: مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا جَمَعَتْ حَلَالًا وَحَرَامًا بَطَلَ جَمِيعُهَا وَجُعِلَ مِنْ ذَلِكَ تَرْكُ التَّنَاجُزِ فِي بَعْضِ الصَّرْفِ قَالَ: لَمْ يَتَنَاجَزَا فِي الصَّرْفِ فَهُوَ مَفْسُوخٌ. قَالَ: وَتَأْخِيرُ الْيَسِيرِ كَتَأْخِيرِ جَمِيعِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَكْرَى أَرْضًا بِدَرَاهِمَ وَخَمْرٍ فَسَدَ جَمِيعُهَا وَلَمْ يَجُزْ حِصَّةُ الدَّرَاهِمِ وَإِنْ رَضِيَ الْمُكْتَرِي بِتَرْكِ الْخَمْرِ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ كَالْبَيْعِ وَالسَّلَفِ الَّذِي إنْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ السَّلَفِ جَازَ. (وَجَهْلٍ بِمَثْمُونٍ أَوْ ثَمَنٍ وَلَوْ تَفْصِيلًا كَعَبْدَيْ رَجُلَيْنِ بِكَذَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْجَهْلُ بِالْمَثْمُونِ مُبْطِلٌ كَزِنَةِ حَجَرٍ مَجْهُولٍ. وَفِي الْوَاضِحَةِ: مِنْ الْغَرَرِ بَيْعُ الْقَمْحِ بِالْعِنَبِ مُوَازَنَةً ابْنُ عَرَفَةَ: جَهْلُ أَحَدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 الْعِوَضَيْنِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا يُفْسِدُ بَيْعَهُ. فِيهَا مَنْعُ بَيْعِ تُرَابِ الصَّوَّاغِينَ. ثُمَّ ذَكَرَ بَيْعَ تُرَابِ الْمَعَادِنِ وَبَيْعَ الْحَبِّ فِي أَنْدَرِهِ وَزَيْتِ زَيْتُونٍ قَبْلَ عَصْرِهِ ثُمَّ قَالَ: وَجَهْلُ الثَّمَنِ مُطْلَقًا مَانِعٌ وَفِي جَهْلِهِ مِنْ وَجْهٍ خِلَافٌ، وَالرِّوَايَاتُ مَعَ الْمُدَوَّنَةِ مَنْعُ بَيْعِ سِلْعَةٍ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهَا مِنْ ثَمَنِهَا مِنْ غَيْرِهَا. ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ بِعْتُكهَا بِمَا شِئْت ثُمَّ سَخِطَ مَا أَعْطَاهُ إنْ أَعْطَاهُ الْقِيمَةَ لَزِمَهُ. الْبَاجِيُّ: حَمَلَهُ عَلَى الْمُكَارَمَةِ كَهِبَةِ الثَّوَابِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي جَمْعِ الرَّجُلَيْنِ سِلْعَتَهُمَا فِي الْبَيْعِ. رَابِعُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلَانِ سِلْعَتَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ فَيَبِيعَانِهَا بِثَمَنٍ يُسَمِّيَانِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَدْرِي بِمَا بَاعَ وَلَا بِمَا يُطَالِبُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ إلَّا بَعْدَ الْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَكْرَيَا هَذَا عَبْدَهُ وَهَذَا دَارِهِ صَفْقَةً هَكَذَا. وَيَنْبَغِي إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي وَظَنَّ أَنَّهُمَا شُرَكَاءُ فِي السِّلْعَتَيْنِ جَمِيعًا أَنْ لَا يُفْسَخَ الْبَيْعُ، لِأَنَّ الْفَسَادَ مِنْ جِهَةِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَا مِنْ جِهَتِهِمَا اهـ. اُنْظُرْ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ " لَا يَدْرِي بِمَا بَاعَ وَلَا بِمَا يُطَالِبُ إلَّا بَعْدَ الْقِيمَةِ فَمُقْتَضَاهُ إنْ قَوَّمَا قَبْلَ الْبَيْعِ جَازَ وَهُوَ رَابِعُ الْأَقْوَالِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ لَفْظُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 ابْنِ مُحْرِزٍ مَعَ ظَاهِرِ نَقْلِ اللَّخْمِيِّ رَاجِعْهُ فِيهِ. وَانْظُرْ جَمْعَ السِّلْعَتَيْنِ فِي الشِّرَاءِ كَرَجُلَيْنِ اشْتَرَيَا عَبْدًا وَثَوْبًا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الْعَبْدَ وَلِلْآخَرِ الثَّوْبَ كَمَا لَوْ ابْتَاعَا أَرْضًا بَيْنَ حَائِطَيْهِمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْقِسْمَةِ مَا يَلِيهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُسْتَوِيَةً جَازَ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ وَانْظُرْهُ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ سَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ كُلُّ رِطْلٍ بِكَذَا عَلَى أَنْ يُوزَنَ بِظُرُوفِهِ وَيُطْرَحَ وَزْنُهَا بَعْدَ تَفْرِيغِهَا انْتَهَى. وَانْظُرْ هَلْ يَتَحَرَّى وَزْنَ الظَّرْفِ؟ كَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْكِي عَنْ ابْنِ عَلَاقٍ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ إذْ اسْتِثْنَاءُ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ يُصَيِّرُ الْمَعْلُومَ مَجْهُولًا. وَكَانَ هُوَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ وَإِنَّهُ إذَا تَحَرَّى زِنَةَ الظَّرْفِ صَارَ مَا كَانَ فِيهِ مُتَحَرًّى وَبَيْعُهُ بِالتَّحَرِّي جَائِزٌ، وَهَذَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فِي مُشْتَرِي الْفَحْمِ بِسَوْقِهِ يَذْهَبُ بِالْحَمَّالِ مَعَهُ إلَى مَوْضِعٍ بَعِيدٍ يَصْعُبُ الرُّجُوعُ مِنْهُ لِزِنَةِ الْوِعَاءِ، ثُمَّ وَجَدْت الْمَسْأَلَةَ مَنْصُوصَةً لِعِزِّ الدِّينِ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَسَأَلْتُ عَنْهَا ابْنَ عَرَفَةَ وَانْظُرْ أَيْضًا هَلْ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَ الْبَائِعَ فِي الْقَدْرِ أَوْ زِنَةِ الظَّرْفِ؟ اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي " وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا أَخْرَجَ مِنْ طَعَامِهِ يَعْنِي الْمَكِيلَ إرْدَبًّا أَوْ إرْدَبَّيْنِ ثُمَّ نَسِيَ أَوْ أَخْرَجَ قَدْرَ ذَلِكَ جُزَافًا فَلَا أَرَى أَنْ يَبِيعَ مَا بَقِيَ جُزَافًا حَتَّى يُبَيِّنَ ذَلِكَ لِلْمُبْتَاعِ. ابْنُ رُشْدٍ: إذَا أَخْرَجَ صَاحِبُ الطَّعَامِ مِنْ طَعَامِهِ الَّذِي يَعْرِفُ كَيْلَهُ جُزَافًا يَسِيرًا أَوْ كَيْلًا يَسِيرًا أَوْ نَسِيَ حَقِيقَتَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْبَاقِيَ جُزَافًا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُشْتَرِي بِمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 عَلِمَ مِنْ كَيْلِهِ وَبِالْقَدْرِ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْهُ جُزَافًا أَوْ كَيْلًا حَتَّى يَسْتَوِيَا جَمِيعًا فِي الْمَعْرِفَةِ بِقَدْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ كَيْلِهِ فَهُوَ عَالِمٌ بِقَدْرِهِ. انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ حَتَّى يَسْتَوِيَا جَمِيعًا فِي الْمَعْرِفَةِ، وَهَذِهِ الْمَعْرِفَةُ إنَّمَا جَاءَتْ مِنْ خَبَرِهِ فَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْمَعْنَى يَسُوغُ فِي بَيْعِ الِاسْتِئْمَانِ كَمَا جَازَ أَنْ يُقَلِّدَهُ فِي قَدْرِ مَا أَخْرَجَ كَذَلِكَ يُقَلِّدُهُ فِي الثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ لَا سِيَّمَا الْعَقَاقِيرُ الْهِنْدِيَّةُ وَأَشْبَاهُهَا مِمَّا لَا يَعْرِفُ ثَمَنَهَا وَلَا عَيْنَهَا إلَّا أَرْبَابُهَا، وَسَأَزِيدُ هَذَا بَيَانًا فِي بَيْعِ الِاسْتِئْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَانْظُرْ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَسْأَلَةً تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، فَالْحُكْمُ فِيهَا أَنْ يَذْكُرَ مَا دَفَعَ وَأَيَّ وَقْتٍ اشْتَرَى وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ، فَرُبَّمَا يُقَيِّدُ التَّاجِرُ رَأْسَ الْمَالِ فِي الثَّوْبِ وَلَا يَسْتَحْضِرُ فِي ذِهْنِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ إلَّا مَا قَيَّدَ، فَهَلْ يَكُونُ مِثْلَ الطَّعَامِ إذَا نَسِيَ مَا أَخْرَجَ مِنْهُ فَيَقُولُ لِلْمُشْتَرِي هَذَا هُوَ الثَّمَنُ عَلَى الْجُمْلَةِ وَلَسْت بِذَاكِرٍ لِلتَّفْصِيلِ ثُمَّ يَطْلُبُ الرِّبْحَ عَلَى ذَلِكَ؟ وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ: لَا تَجُوزُ الْمُرَابَحَةُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يَسْتَوِيَ عِلْمُ الْمُشْتَرِي مَعَ عِلْمِ الْبَائِعِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا وَمَا جَرَى عِنْدَهُ مِنْ أَمْرِهَا. وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْفَصْلِ أَيْضًا مَا وَقَعَ لِمَالِكٍ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ السَّمْنِ فِي الزِّقَاقِ أَرْطَالًا مُسَمَّاةً كَذَا وَكَذَا رِطْلًا بِدِينَارٍ وَزِقَاقُهَا فِي الْوَزْنِ قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ. قَدْ يُرِيدُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَحْمِلَهَا إلَى بَلَدٍ فَيَشْتَرِيَهَا وَيَحْمِلَهَا كَمَا هِيَ قُلْت: فَالْقِلَالُ؟ قَالَ: لَوْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي التَّقَارُبِ مِثْلَ الزِّقَاقِ مَا رَأَيْت بِهَا بَأْسًا. وَقَالَ أَصْبَغُ: قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي قِلَالِ الْخَلِّ: أَيَجُوزُ شِرَاؤُهَا بِخَلِّهَا مُطَيَّنَةً وَلَا يُدْرَى مَا فِيهَا؟ فَقَالَ لِي: إنْ كَانَ قَدْ مَضَى عَمَلُ النَّاسِ أَفَأُحَرِّمُهُ كَأَنَّهُ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا. قَالَ أَصْبَغُ: لَا بَأْسَ بِهِ إنْ كَانَ قَدْ عَرَفَ حَزْرَهُ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ لَمْ يَزِنْهُ وَلَمْ يَعْرِفْ جَيِّدَهُ مِنْ رَدِيئِهِ، وَفَتْحُهُ كُلُّهُ لِلْبَيْعِ فَسَادٌ. ثُمَّ رَشَّحَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا قَالَ: كَمَا جَازَ شِرَاءُ الثَّوْبِ الرَّفِيعِ الَّذِي يُفْسِدُهُ الْفَتْحُ وَالنَّشْرُ عَلَى الصِّفَةِ دُونَ أَنْ يُفْتَحَ وَيَنْشُرَهُ وَيُقَلِّبَهُ كَمَا جَازَ بَيْعُ الْأَحْمَالِ عَلَى صِفَةِ الْبَرْنَامَجِ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ. وَقَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ: ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ اخْتَلَفَ فِي بَيْعِ السَّاجِ عَلَى الصِّفَةِ، فَمَنَعَهُ مَرَّةً وَأَجَازَهُ أُخْرَى. (وَرَطْلٍ مِنْ شَاةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ لَحْمِ شَاتِهِ الْحَيَّةِ رَطْلًا وَلَا رَطْلَيْنِ وَلَيْسَ كَاسْتِثْنَاءِ الْبَائِعِ ذَلِكَ مِنْهَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا شِرَاءُ ذَلِكَ مِنْ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ قَبْلَ سَلْخِهَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَحْمُ مَغِيبٍ. (وَتُرَابِ صَائِغٍ وَرَدَّهُ مُشْتَرِيه وَلَوْ خَلَّصَهُ وَلَهُ الْأَجْرُ) مُنِعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَيْعُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 تُرَابِ الصَّوَّاغِينَ. الْمَازِرِيُّ: هُوَ الشُّهْرَةُ إنْ كَانَ الْمُصَفَّى ذَهَبًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِضَّةً ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ عَامٌّ فِيهِمَا وَفِي تُرَابِ حَوَانِيتِهِمْ كَتُرَابِ حَوَانِيتِ الْعَطَّارِينَ. فَلَوْ قَالَ مُبْتَاعُهُ ضَاعَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ حَلَفَ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ، وَلَوْ فَاتَ بِتَخْلِيصِهِ فَرَابِعُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ الْمَازِرِيِّ: الْمَشْهُورُ لُزُومُ الْبَائِعِ أَخْذَ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَدَفْعَ مِثْلِ أَجْرِ خَلَاصِهِ لَا مَعْدِنِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ غيران الْمَعَادِنِ لِأَنَّ مَنْ أُقْطِعَتْ لَهُ إذَا مَاتَ أُقْطِعَتْ لِغَيْرِهِ وَلَمْ تُورَثْ، وَيَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَتُرَابِ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ الْمَعْدِنِ ضَرِيبَةُ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ خَطَرٌ. (وَشَاةٍ قَبْلَ سَلْخِهَا) ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ لَمْ تُسْلَخْ عَلَى حَالِهَا، وَلَوْ ابْتَاعَهَا ثُمَّ تُسْلَخُ وَتُوزَنُ لَمْ يَجُزْ ابْنُ رُشْدٍ: لَيْسَ بَيْعُهَا بَيْعَ لَحْمِ مَغِيبٍ كَمَا أَنَّ الْكَسِيرَ وَمَا لَا يُسْتَحْيَا لَيْسَ بِبَيْعِ لَحْمِ مَغِيبٍ، وَأَمَّا بَيْعُ أَرْطَالٍ مِنْهَا قَبْلَ السَّلَمِ فَإِنَّهُ بَيْعُ لَحْمِ مَغِيبٍ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ مَا يَضْمَنُهُ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ لَيْسَ بَيْعَ لَحْمِ مَغِيبٍ وَمَا لَا يَضْمَنُهُ حَتَّى يُوَفَّى فَهُوَ بَيْعُ لَحْمِ مَغِيبٍ. (وَحِنْطَةٍ فِي سُنْبُلٍ وَتِبْنٍ إنْ بِكَيْلٍ) مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ زَرْعٍ اسْتَحْصَدَ كُلُّ قَفِيزٍ بِكَذَا بِثَمَنٍ نَقْدٍ أَوْ مُؤَجَّلٍ وَلَوْ تَأَخَّرَ دَرْسُهُ لِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْكَيْلِ وَيَصِلُ لِمَعْرِفَةِ الْقَمْحِ بِفَرْكِ سُنْبُلِهِ. قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ بَيْعِ الْمُعَيَّنِ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلضَّرُورَةِ. وَانْظُرْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ وَفِي سُنْبُلِهِ أَوْ تِبْنِهِ فَرْقٌ. اُنْظُرْ رَسْمَ ص ل ى مِنْ السَّلَمِ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَاعَ دَابَّةً وَاسْتَثْنَى رُكُوبَهَا يَوْمَيْنِ أَوْ إلَى الْمَكَانِ الْقَرِيبِ جَازَ لَا فِيمَا بَعْدُ إذْ لَا يَدْرِي الْمُبْتَاعُ كَيْفَ تَرْجِعُ إلَيْهِ، وَضَمَانُهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ فِيمَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَمِنْ الْبَائِعِ فِيمَا لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا إلَى شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ جَازَ إنْ لَمْ يَنْقُدْ. اُنْظُرْ أَوَّلَ تَرْجَمَةٍ مِنْ كِتَابِ الرَّوَاحِلِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ، وَمِنْ رَسْمِ الْقِسْمَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى فِيمَنْ اشْتَرَى الْمَتَاعَ فِي الْمَرْكَبِ فَسَقَطَ مِنْ يَدِ النُّوتِيِّ فِي الْبَحْرِ ضَمَانُهُ مِنْ مُشْتَرِيه، فَإِنْ كَانَ شَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ إلَى الْبَرِّ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا لِأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ، وَعَلَى أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْ بَائِعِهِ فَصَارَ مُبْتَاعًا لِلضَّمَانِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِعَيْنِهِ وَصَارَ فِي ضَمَانِهِ إلَّا أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ حِمْلَانَهُ لَا بَأْسَ بِهَذَا. اُنْظُرْ الرَّسْمَ الْمَذْكُورَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ هَذَا الْفَصْلَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَبَعْدَهُ مَسَائِلُ اسْتِحْسَانٍ إنَّمَا فِيهَا التَّسْلِيمُ وَالِاتِّبَاعُ لِلْعُلَمَاءِ. وَقَدْ نَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْحِنْطَةِ عَلَى كَيْلٍ وَهِيَ فِي تِبْنِهَا (وَقَتٍّ جُزَافًا لَا مَنْفُوشًا) الْقَتُّ الْفَصْفَصَةُ. الْجَلَّابُ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الزَّرْعِ إذَا يَبِسَ وَاشْتَدَّ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ بَعْدَ جُذَاذِهِ إذَا كَانَ حُزَمًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا دُرِسَ وَاخْتَلَطَ بِتِبْنِهِ. وَقَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 عِيَاضٌ: الْحَبُّ إذَا اخْتَلَطَ فِي أَنْدَرِهِ وَكُرِّسَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. (وَزَيْتِ زَيْتُونٍ بِوَزْنٍ إنْ لَمْ يَخْتَلِف إلَّا أَنْ يُخَيَّرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ قُلْت لِرَجُلٍ اعْصِرْ زَيْتُونَك هَذَا فَقَدْ أَخَذْت مِنْك زِنَةَ كُلِّ رِطْلٍ بِكَذَا، فَإِنْ كَانَ خُرُوجُ الزَّيْتِ عِنْدَ النَّاسِ مَعْرُوفًا لَا يَخْتَلِطُ إذَا عُصِرَ وَكَانَ الْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبًا كَالزَّرْعِ جَازَ وَجَازَ النَّقْدُ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا فِيهِ وَلَا يَنْقُدُهُ وَيَكُونُ عَصْرُهُ قَرِيبًا إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ (وَدَقِيقِ حِنْطَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ شِرَاءُ زَيْتُونٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ عَصَرَهُ أَوْ زَرْعًا قَائِمًا عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ حَصَادَهُ وَدِرَاسَهُ وَكَأَنَّهُ ابْتَاعَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَأَمَّا قَمْحًا عَلَى أَنْ يَطْحَنَهُ فَاسْتَخَفَّهُ مَالِكٌ بَعْدَ أَنْ كَرِهَهُ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مَعْرُوفٌ، وَأَمَّا ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ لَك أَوْ نَعْلَيْنِ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهُمَا لَك فَلَا بَأْسَ بِهِ بِخِلَافِ الْغَزْلِ عَلَى أَنْ يَنْسِجَهُ لَك. (وَصَاعٍ أَوْ كُلِّ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَإِنْ جُهِلَتْ) ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّوَايَاتُ مَعَهَا جَوَازُ بَيْعِ عَدَدِ آصُعٍ أَوْ أَقْفِزَةٍ مِنْ صُبْرَةٍ أَوْ كُلِّهَا عَلَى الْكَيْلِ كُلُّ صَاعٍ أَوْ قَفِيزٍ بِكَذَا. ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْأَرْضِ عَلَى الصِّفَةِ كُلُّ ذِرَاعٍ بِكَذَا وَكَذَا دُونَ أَنْ يَرَاهَا، وَكَذَلِكَ الصُّبْرَةُ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا عَلَى الصِّفَةِ كُلُّ قَفِيزٍ بِكَذَا دُونَ أَنْ يَرَاهَا (لَا مِنْهَا وَأُزِيدَ الْبَعْضُ) لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ كِرَاءَ الدَّارِ سَنَةً عَلَى أَنَّ الْمُكْتَرِيَ مَتَى شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ خَرَجَ قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ بِإِجَازَةِ ذَلِكَ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ قَدْ بِعْتُك مِنْ صُبْرَتِي هَذِهِ مَا شِئْت كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ. الْقَبَّابُ: لَعَلَّ مَسْأَلَةَ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمَبِيعَ جَمِيعُ الصُّبْرَةِ عَلَى خِيَارِ الْمُشْتَرِي فِي الْبَعْضِ. وَاَلَّذِي مَنَعَ ابْنُ جَمَاعَةَ هِيَ أَنْ تَقُولَ بِعْ لِي مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِحِسَابِ قَفِيزٍ بِدِينَارٍ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُسَمِّيَ عَدَدَ مَا يَشْتَرِي. رَاجِعْهُ وَابْنَ عَرَفَةَ. (وَشَاةٍ وَاسْتِثْنَاءُ أَرْبَعَةِ أَرْطَالٍ) رَابِعُ الْأَقْوَالِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَاعَ شَاةً وَاسْتَثْنَى مِنْ لَحْمِهَا أَرْطَالًا يَسِيرَةً ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً جَازَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُجْبَرُ الْمُبْتَاعُ عَلَى الرِّبْحِ هَاهُنَا وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ مَالِكٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 الثُّلُثَ. ابْنُ عَلَاقٍ: وَالْمُرَادُ بِالرَّطْلِ هُنَا الرَّجُلُ الصَّغِيرُ الْفُلْفُلِيُّ. هَكَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ مُخْتَصَرِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ. وَانْظُرْ هَلْ حُكْمُ الْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ حُكْمُ الشَّاةِ لَا يُسْتَثْنَى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ إلَّا أَرْبَعَةُ أَرْطَالٍ فَقَطْ؟ هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: اسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْتِبَارَ صِغَرِ الْبَهِيمَةِ وَكِبَرِهَا (وَلَا يَأْخُذُ لَحْمَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 غَيْرِهَا) . أَشْهَبُ: لَيْسَ لِمُبْتَاعِهَا اسْتِحْيَاؤُهَا وَيُعْطَى الْبَائِعُ قَدْرَ لَحْمِهِ لِأَنَّهُ بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيٍّ (وَصُبْرَةٍ وَثَمَرَةٍ وَاسْتِثْنَاءُ قَدْرِ ثُلُثٍ) ابْنُ الْمَوَّازِ: اتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصُّبْرَةِ وَالثَّمَرَةِ كَيْلًا قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ، فَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ وَزْنًا مِنْ لَحْمِ شَاةٍ بَاعَهَا فَأَشْهَبُ يُجِيزُ قَدْرَ الثُّلُثِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمْ يَبْلُغْ بِهِ مَالِكٌ الثُّلُثَ. الْمَازِرِيُّ: لِأَنَّ لَحْمَ الشَّاةِ مَغِيبٌ وَطَعَامَ الصُّبْرَةِ مَرْئِيٌّ اهـ. اُنْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةً وَهِيَ قَدْ يَبِيعُ الْكَرْمَ مَثَلًا عَصِيرًا وَلَمْ يَسْتَثْنِ ثُمَّ تَذَكَّرَ وَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ وَزْنًا قَدْرَ مَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ ابْتِدَاءً وَيُقَاصِّهِ بِثَمَنِهِ، إنْ كَانَ لَمْ يَقْبِضْهُ فَهَذَا جَائِزٌ وَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ يَوْمَ الصَّفْقَةِ. اُنْظُرْ تَرْجَمَةَ مَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الثِّمَارِ مِنْ الْمُتَيْطِيِّ وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ زِيَادَةٌ فَانْظُرْهُ وَمِنْهُ إنْ لَمْ يَسْتَثْنِ بَائِعُ الثَّمَرَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95 شَيْئًا فَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَدْرَ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ وَيَكُونُ الثَّمَنُ مُقَاصَّةً، وَلَا يَشْتَرِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ بِنَقْدٍ إنْ كَانَ بَاعَ بِتَأْخِيرٍ وَلَا بِتَأْخِيرٍ إنْ كَانَ بَاعَ بِنَقْدٍ. وَانْظُرْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ. قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ مَنْ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ رُطَبًا بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ. إذَا صَارَ تَمْرًا بِبَعْضِ الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ كَمَا يَأْخُذُهُ كَذَلِكَ فِي التَّفْلِيسِ، لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ الثَّمَنَ مِنْ حِينِ الْمَبِيعِ فَلَيْسَ بِبَيْعِ طَعَامٍ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ. اُنْظُرْ الرَّسْمَ الْمَذْكُورَ، وَانْظُرْ سَمَاعَ أَصْبَغَ مِنْ السَّلَمِ أَيْضًا إذَا اشْتَرَى حَدِيدًا جُزَافًا ثُمَّ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ إلَّا الْقَدْرَ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُسْتَثْنَى وَيَكُونُ الثَّمَنُ مُقَاصَّةً. وَانْظُرْ إذَا بَاعَ الْكَرْمَ وَاسْتَثْنَى أَسْلَالًا أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَنَفَذَ عِنَبُ الْكَرْمِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْبَائِعُ سِلَلَهُ، هَلْ بَيْنَ أَنْ يَنْفُذَ بِبَيْعٍ أَوْ أَكْلٍ فَرْقٌ؟ اُنْظُرْ رَسْمَ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَانْظُرْ أَيْضًا رَسْمَ مَرِضَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ مَنَعَ مَالِكٌ بَيْعَ مُسْتَثْنَى كَيْلٍ مِنْ ثَمَرِ حَائِطِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِخِلَافِ رِوَايَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ أَظْهَرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُبْقِي عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ. (وَجِلْدٍ وَسَاقِطٍ بِسَفَرٍ فَقَطْ) سَادِسُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَاعَ شَاةً وَاسْتَثْنَى فَخْذَهَا أَوْ بَطْنَهَا أَوْ كَبِدَهَا لَمْ يَجُزْ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ الْمَغِيبِ قَالَ: وَأَمَّا إنْ اسْتَثْنَى الصُّوفَ وَالشَّعْرَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ جَائِزٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ اسْتَثْنَى الْجِلْدَ أَوْ الرَّأْسَ فَقَدْ أَجَازَهُ مَالِكٌ فِي السَّفَرِ إذْ لَا ثَمَنَ لَهُ هُنَاكَ، وَكَرِهَهُ لِلْحَاضِرِ إذْ كَأَنَّهُ ابْتَاعَ اللَّحْمَ. (وَجُزْءٍ مُطْلَقًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً وَاسْتَثْنَى جُزْءًا مِنْ ذَلِكَ رُبْعًا أَوْ نِصْفًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَكَأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ مَا لَمْ يَسْتَثْنِ. قَالَ عِيسَى: وَسَوَاءٌ اشْتَرَاهَا عَلَى الذَّبْحِ أَوْ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْمُبْتَاعِ بِقَدْرِ مَا اسْتَثْنَى بَعْضُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 الْقَرَوِيِّينَ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ آبِيهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ اشْتَرَاهُ عَلَى الذَّبْحِ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَفِي النَّوَادِرِ فِي ثَلَاثَةٍ اشْتَرَوْا شَاةً بَيْنَهُمْ إنْ كَانَتْ يَتَوَزَّعُونَ لَحْمَهَا جُبِرَ عَلَى الذَّبْحِ آبِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ بِيعَتْ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا بِالْمُقَاوَاةِ (وَتَوَلَّاهُ الْمُشْتَرِي) ابْنُ مُحْرِزٍ: الصَّوَابُ أَنْ تَكُونَ أُجْرَةُ الذَّبْحِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْبُورٍ عَلَى الذَّبْحِ إذْ لَوْ شَاءَ أَعْطَى جِلْدًا مِنْ عِنْدَهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَرْطَالِ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الذَّبْحِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ قِسْطٌ مِنْ أُجْرَةِ الذَّبْحِ وَالسَّلْخِ (وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الذَّبْحِ فِيهِمَا) أَمَّا مَسْأَلَةُ الْجَبْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ فِيهِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْجِلْدِ وَالسَّاقِطِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَبَى الْمُبْتَاعُ فِي السَّفَرِ ذَبْحَهَا وَالْبَائِعُ قَدْ اسْتَثْنَى رَأْسَهَا وَجِلْدَهَا. قَالَ: عَلَيْهِ شِرَاءُ ذَلِكَ أَوْ قِيمَتُهُ يَعْنِي بِشِرَاءِ مِثْلِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَكُونُ الْبَائِعُ شَرِيكًا بِالْجِلْدِ إذْ عَلَى الْمَوْتِ بَاعَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْقِيمَةُ أَعْدَلُ (بِخِلَافِ الْأَرْطَالِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اسْتَثْنَى أَرْطَالًا يَسِيرَةً جَازَ وَيُجْبِرُهُ الْمُبْتَاعُ عَلَى الذَّبْحِ هَاهُنَا (وَخُيِّرَ فِي دَفْعِ رَأْسٍ أَوْ قِيمَتِهَا وَهِيَ أَعْدَلُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ " بِخِلَافِ الْأَرْطَالِ " (وَهَلْ التَّخْيِيرُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي؟ قَوْلَانِ) ثَالِثُ الْأَقْوَالِ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ وَصَوَّبَهُ مُحَمَّدٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ يَعْزُ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ. (وَلَوْ مَاتَ مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ مُعَيَّنٌ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي جِلْدًا وَسَاقِطًا لَا لَحْمًا) رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ شَاةً وَاسْتَثْنَى جِلْدَهَا حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ فَتَمُوتُ قَبْلَ الذَّبْحِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَرَوَى عَنْهُ أَصْبَغُ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْجِلْدِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: لَوْ كَانَ إنَّمَا اسْتَثْنَى أَرْطَالًا يَسِيرَةً فَمَاتَتْ قَبْلَ الذَّبْحِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُبْتَاعِ شَيْءٌ مِمَّا اسْتَثْنَاهُ الْبَائِعُ مِنْ اللَّحْمِ. قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْجِلْدِ. اُنْظُرْ فِي ابْنِ عَرَفَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فُرُوعًا ذَكَرَهَا. مَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ لَحْمَ شَاةٍ وَلِآخَرَ جِلْدَهَا فَوَلَدَتْ، وَكَيْفَ لَوْ نَفَذَ الْكَرْمُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمُسْتَثْنَى وَاسْتِثْنَاءِ مُبْتَاعِ عَبْدٍ مَالَهُ أَوْ نِصْفَ مَالِهِ، وَكَيْفَ لَوْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ كَانَ فِيهِ بَعِيرٌ شَارِدٌ كَاسْتِثْنَائِهِ نِصْفَ حِلْيَةِ السَّيْفِ أَوْ نِصْفَ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ كَبَيْعِ أَرْضٍ ذَاتِ زَرْعٍ أَخْضَرَ لِبَائِعِهَا جُزْءٌ مِنْهُ مَعَ حِصَّةٍ مِنْهُ. (وَجُزَافٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: بَيْعُ الْجُزَافِ بَيْعُ مَا يُمْكِنُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 عِلْمُ قَدْرِهِ دُونَ أَنْ يُعْلَمَ وَالْأَصْلُ مَنْعُهُ وَخُفِّفَ فِيمَا شَقَّ عِلْمُهُ أَوْ قَلَّ جَهْلُهُ. ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُبَاعُ جُزَافًا إلَّا مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَقَدْ يَكُونُ شَيْءٌ مِمَّا يُبَاعُ عَدَدًا يُبَاعُ جُزَافًا كَالْجَوْزِ وَالتِّينِ وَالْبَيْضِ وَذَلِكَ فِيمَا كَثُرَ وَشَقَّ عَدَدُهُ (إنْ رُئِيَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مِنْ شَرْطِ بَيْعِ الْجُزَافِ وَإِنْ كَانَ عَلَى كَيْلٍ أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا. وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ مَالِكٍ: لَا تُبَاعُ الدَّارُ الْغَائِبَةُ عَلَى الصِّفَةِ إلَّا مُذَارَعَةً. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: حَوَائِطُ الشَّجَرِ الْغَائِبَةِ يُبَاعُ ثَمَرُهَا كَيْلًا أَوْ جُزَافًا وَهِيَ عَلَى مَسِيرَةِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا بِشَرْطٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَبُولُهُمْ هَذَا مَعَ اشْتِرَاطِهِمْ كَوْنَ الْجُزَافِ مَرْئِيًّا مُتَنَافٍ اهـ. وَانْظُرْ أَيْضًا شِرَاءَ الْأَبْزَارِ يَجْعَلُهُ الْعَطَّارُ فِي كَاغِدٍ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِهِ وَلَا وَزْنٍ. قَالَ الْقَبَّابُ: هَذَا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ يَجُوزُ وَعَلَيْهِ مَضَى الْأَشْيَاخُ، وَالْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فَسَادُهُ. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ إذَا سَمَّى الْمَبِيعَ بِغَيْرِ اسْمِهِ كَأَنْ يَقُولَ أَبِيعُك هَذِهِ الْيَاقُوتَةَ فَيَجِدُهَا الْمُشْتَرِي غَيْرَ يَاقُوتَةٍ، فَلَا خِلَافَ أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ غَيْرُ لَازِمٍ اهـ. فَانْظُرْ عَدَمَ لُزُومِ هَذَا الْبَيْعِ مَعَ كَوْنِ الْمُشْتَرِي قَدْ رَأَى الْمَثْمُونَ، وَانْظُرْ تَصْدِيقَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فِي بَيْعِ الِاسْتِئْمَانِ، وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَجَهِلَ بِمَثْمُونٍ تَصْدِيقَ الْبَائِعِ فِي الْحَزْرِ " كُلُّ ذَلِكَ فُرُوعُ جَوَازِ تَصْدِيقِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ وَالْقَدْرِ، وَهُوَ يُرَشِّحُ مَا قَالَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ، قَالَ الْقَبَّابُ: وَعَلَيْهِ مَضَى الْأَشْيَاخُ. وَإِنَّمَا انْبَسَطْت فِي هَذَا مِنْ أَجْلِ مَا نَجِدُ عَلَيْهِ بَعْضَ بَاعَةِ بَلَدِنَا مَا عِنْدَهُمْ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُنَا يَشْتَرِي مِنْهُ شَيْئًا لَا يَدْرِي أَرَدِيءٌ هُوَ أَمْ طَيِّبٌ، بَلْ بَعْضُ الْعَقَاقِيرِ وَالْأَشْرِبَةِ مَا يَكُونُ أَحَدُنَا رَآهَا فَضْلًا أَنْ يَكُونَ عَرَفَ قِيمَتَهَا وَيَظُنُّ هَذَا الْبَائِعُ أَنَّهُ بِالْإِرَاءَةِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مَعَ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ اُسْتُؤْمِنَ عَلَى الثَّمَنِ وَعَلَى الْمَثْمُونِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُرَاقِبَ اللَّهَ فِي ذَلِكَ وَيَبِيعَ بِمَا يُبَاعُ بِهِ ذَلِكَ وَيَدَعَ لَا يُرِيهِ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُعَرِّفُهُ بِشَيْءٍ فَدَفَعَ غَيْرُهُ فَأَخَذَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ إذْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ ثُمَّ تَفَطَّنَ الْبَائِعُ فَبَادَرَ فِي الْوَقْتِ وَاسْتَرَدَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ وَكَانَ ذَلِكَ الَّذِي اسْتَرَدَّ لَوْ اسْتَعْمَلَهُ الْمُشْتَرِي لَقَتَلَهُ. (وَلَمْ يَكْثُرْ جِدًّا وَجَهِلَاهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ شَرْطُ بَيْعِ الْجُزَافِ جَهْلُ الْعَاقِدَيْنِ قَدْرَ كُلِّ الْمَبِيعِ أَوْ وَزْنَهُ أَوْ عَدَدَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ مَتَى عَلِمَ أَحَدُهُمَا وَجَهِلَ الْآخَرُ كَانَ الَّذِي عَلِمَ قَدْ قَصَدَ إلَى خَدِيعَةِ الَّذِي جَهِلَ، وَكَذَلِكَ الْجُعْلُ عَلَى طَلَبِ الْآبِقِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ لَا يَجُوزُ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ خَبِرَ الْأَرْضَ أَوْ عَرَفَ مَوْضِعَ الْعَبْدِ، وَلِهَذَا أَيْضًا نَظَائِرُ أَعْنِي لَا يَجُوزُ إلَّا بِعِلْمِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ بِجَهْلِهِمَا، مِنْهَا مَسْأَلَةُ كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمُدَّعِي حَقًّا فِي دَارٍ فَيُصَالِحُ عَلَيْهِ وَلَا يُسَمِّيهِ (وَحَزَرَا) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102 اللَّخْمِيِّ: شَرْطُ بَيْعِ الْجُزَافِ كَوْنُهُ مِمَّنْ اعْتَادَ الْحَزْرَ لِأَنَّهُ لَا يُخْطِئُ إلَّا يَسِيرًا وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُعْتَادٍ لَهُ لَمْ يَجُزْ. (وَاسْتَوَتْ أَرْضُهُ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ اشْتَرَى صُبْرَةً تَحْتَهَا دَكَّةٌ تَمْنَعُ تَخْمِينَ الْقَدْرِ إنْ تَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِلْغَرَرِ، وَإِنْ اشْتَرَى فَظَهَرَتْ فَلَهُ الْخِيَارُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْحُفْرَةُ كَذَلِكَ وَالْخِيَارُ هُنَا لِلْبَائِعِ (وَلَمْ يُعَدَّ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَمْ تُقْصَدْ أَفْرَادُهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ وَذَلِكَ فِيمَا شَقَّ عَدَدُهُ وَلَمْ يُقْصَدْ أَفْرَادُهُ. الْبَاجِيُّ: مَا يُعَدُّ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ تَخْتَلِفُ صِفَاتُهُ كَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَالثِّيَابِ وَالْعُرُوضِ، فَهَذَا لَا تَكَادُ جُمْلَةٌ مِنْهَا تَتَّفِقُ آحَادُهَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا لِأَنَّ آحَادَهُ تَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَنْفَرِدَ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَالْمَعْرِفَةِ بِصِفَتِهَا وَقِيمَتِهَا. وَقِسْمٌ لَا تَخْتَلِفُ صِفَاتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَمَا إذَا وُجِدَتْ جُمْلَةٌ مِنْهَا فَأَكْثَرُهَا تَتَّفِقُ صِفَاتُ آحَادِهَا فِي الْمَقْصُودِ مِنْهُ، فَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ عَدَدًا مِنْ جُمْلَةِ الْبَيْضِ وَالْجَوْزِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ تَعْيِينُهَا دُونَ خِيَارٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَرْطٍ بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَالرَّقِيقِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا عَدَدًا مِنْ الْجُمْلَةِ إلَّا مُعَيَّنًا أَوْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَجُوزُ الْجُزَافُ فِي الْمَعْدُودِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ مِمَّا الْغَرَضُ مَبْلَغُهُ دُونَ أَعْيَانِهِ (إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُهُ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ قَلَّتْ أَثْمَانُ الْمَعْدُودَاتِ جَازَ بَيْعُهَا جُزَافًا وَإِنْ كَثُرَتْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 أَثْمَانُهَا وَاخْتَلَفَتْ آحَادُهَا اخْتِلَافًا بَيِّنًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا جُزَافًا لِأَنَّ الْغَرَرَ فِيهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: مَعْرِفَةُ الْآحَادِ، وَمَعْرِفَةُ الْمَبْلَغِ. وَإِذَا كَثُرَ الْغَرَرُ مُنِعَ الْبَيْعُ، وَإِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ الْجُمْلَةَ دُونَ الْآحَادِ فَالْغَرَرُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَإِذَا قَلَّ الْغَرَرُ لَمْ يَحْرُمْ الْبَيْعُ. الْقَبَّابُ: قَيَّدُوا الْجَوَازَ فِي الْمَعْدُودَاتِ بِمَا تَسَاوَتْ أَفْرَادُهُ أَوْ يَكُونُ الْمَقْصُودُ مَبْلَغَهُ لَا آحَادَهُ. كَالْبِطِّيخِ (لَا غَيْرِ مَرْئِيٍّ) تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي هَذَا. (وَإِنْ مِلْءَ ظَرْفٍ وَلَوْ ثَانِيًا بَعْدَ تَفْرِيغِهِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: بَيْعُ مِلْءِ غِرَارَةٍ قَبْلَ مَلْئِهَا لَا يَجُوزُ، وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ إنْ نَزَلَ مُحَمَّدٌ: وَشِرَاؤُهَا مَمْلُوءَةً جَائِزٌ فَلَوْ قَالَ فَرِّغْهَا وَامْلَأْهَا لَمْ يَجُزْ. وَانْظُرْ مَنْ أَتْلَفَ فِي الْغِرَارَةِ وَكَانَتْ مَمْلُوءَةً هَلْ يَغْرَمُ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا كَمَنْ نَكَحَ بِقِلَالِ خَلٍّ فَوُجِدَتْ خَمْرًا هَلْ يَغْرَمُ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا؟ اُنْظُرْ تَرْجَمَةً مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 النِّكَاحِ الثَّانِي (إلَّا فِي كَسَلَّةِ تِينٍ) سَمِعَ أَبُو زَيْدِ: لَوْ وَجَدَ عِنْدَهُ سَلَّةً مَمْلُوءَةً تِينًا فَقَالَ أَنَا آخُذُهَا مِنْك بِكَذَا وَأَمْلَؤُهَا ثَانِيَةً بِدِرْهَمٍ فَهُوَ خَفِيفٌ بِخِلَافِ غِرَارَةِ الْقَمْحِ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَا عِنْدِي هَذِهِ الْقَارُورَةُ الْمَمْلُوءَةُ بِدِرْهَمٍ وَيَمْلَؤُهَا لَهُ ثَانِيَةً بِدِرْهَمٍ فَهُوَ خَفِيفٌ لِأَنَّهُ كَالْمَرْئِيِّ الْمُقَدَّرِ، وَلَوْ قَالَهُ قَائِلٌ فِي الْغِرَارَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 مَا بَعُدَ وَلَكِنَّهُ فِي الْقَارُورَةِ أَبْيَنُ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ مِلْؤُهَا فَلَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ خَطَرٍ، وَالْغَرَرُ الْيَسِيرُ إذَا انْضَافَ إلَى أَصْلٍ جَائِزٍ جَازَ بِخِلَافِهِ إذَا انْفَرَدَ (وَعَصَافِيرَ حَيَّةٍ بِقَفَصٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: أَمَّا الطَّيْرُ حَيًّا فِي الْأَقْفَاصِ فَلَا يُبَاعُ جُزَافًا، قَلَّ أَوْ كَثُرَ حَتَّى يُعَدَّ. ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَمُوجُ وَيَلُوذُ وَيَدْخُلُ بَعْضُهُ تَحْتَ بَعْضٍ فَيَعْمَى أَمْرُهُ، وَأَمَّا الطَّيْرُ الْمَذْبُوحُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا فِيمَا كَثُرَ وَيَجُوزُ فِيمَا قَلَّ (وَحَمَامٍ بِبُرْجٍ) هَذَا الْفَرْعُ مُقْحَمٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ مَا فِي الْبُرْجِ مِنْ حَمَامٍ أَوْ بَيْعِهِ بِحَمَامِهِ جُزَافًا. وَسَمِعَهُ أَصْبَغُ وَقَالَ إذَا عَايَنَهُ وَأَحَاطَ بِهِ نَظَرًا أَوْ مَعْرِفَةً اهـ. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمَامِ جُزَافًا مَعَ الْبُرْجِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ مَعَ صُبْرَةِ قَمْحٍ جُزَافًا لَا عَلَى كَيْلٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 وَانْظُرْ رَبْطَهُ الْخُضْرَةَ، مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ الْجُزَافُ مَا أَمْكَنَ عِلْمُ وَزْنِهِ أَوْ عَدُّهُ أَوْ كَيْلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ كَالثَّوْبِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْقَتِّ جُزَافًا (وَثِيَابٍ) تَقَدَّمَ أَنَّ الثِّيَابَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا جُزَافًا. (وَنَقْدٍ إنْ سُكَّ وَالتَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ وَإِلَّا جَازَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: بَيْعُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ جُزَافًا قِمَارٌ وَمُخَاطَرَةٌ. الْأَبْهَرِيُّ: لِأَنَّ الْغَرَرَ يَدْخُلُهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: مِنْ جِهَةِ خِفَّةِ الدَّرَاهِمِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَبْلَغِ فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ: لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ حِينَئِذٍ آحَادُهُ وَمَبْلَغُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ كَانَ التَّعَامُلُ فِي الْمَسْكُوكِ بِالْوَزْنِ فَجُلُّ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ حِينَئِذٍ مَبْلَغُهُ لَا آحَادُهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْعَيْنِ مَكْسُورًا أَوْ مَصُوغًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ سِوَارٍ ذَهَبٍ لَا يُعْلَمُ وَزْنُهُ بِفِضَّةٍ لَا يُعْلَمُ وَزْنُهَا، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ جُزَافًا بِخِلَافِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. وَإِنْ أَسْلَمَ نُقَارَ فِضَّةٍ أَوْ تِبْرًا مَكْسُورًا جُزَافًا لَا يَعْلَمُ وَزْنَهُ فِي سِلْعَةٍ مَوْصُوفَةٍ إلَى أَجَلٍ جَازَ، لِأَنَّ التِّبْرَ هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ سِلْعَةٍ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحُلِيِّ الْمَحْشُوِّ جُزَافًا. الْأَبْهَرِيُّ: لِأَنَّ الْغَرَرَ يَدْخُلُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَبْلَغِ خَاصَّةً وَذَلِكَ يُدْرَكُ بِالْحَزْرِ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ. قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا أَخْرَجَ مَا فِي الْحُلِيِّ مِنْ رَمْلٍ وَوَزَنَ وَحَزَرَ مَا فِيهِ مِنْ زُجَاجٍ فَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِم فِي سِلْعَةٍ مَوْصُوفَةٍ إلَى أَجَلٍ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ جُزَافًا عَرَفَ عَدَدَهَا أَمْ لَا إذَا لَمْ يَعْرِفَا وَزْنَهَا وَذَلِكَ قِمَارٌ وَخَطَرٌ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إلَّا فِي بَلَدٍ تَجُوزُ فِيهِ عَدَدًا فَلَيْسَ فِي بَيْعِهَا مُخَاطَرَةٌ لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ عَرَفُوهُ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْمٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ دَوَابُّ فَبَاعُوهَا بِدَرَاهِمَ مُخَالِفَةٍ الْوَزْنَ مِنْهَا النَّاقِصُ وَالْوَازِنُ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهَا عَدَدًا بِغَيْرِ وَزْنٍ فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهَذَا بَأْسٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إذَا كَانَ النَّاقِصُ يَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنِ فَاقْتَسَمَا مَعًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ النَّاقِصُ مِنْهَا لَا يَجُوزُ بِجَوَازٍ دُونَ أَنْ يُعْرَفَ النَّاقِصُ مِنْهَا مِنْ الْوَازِنِ فَغَرَرٌ لَا يَجُوزُ. وَانْظُرْ فِي كِتَابِ السُّلْطَانِ إذَا كَانَ النَّاقِصُ يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ. نَهَى مَالِكٌ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِلسُّلْطَانِ فِي تَغْيِيرِهِ خَوْفَ أَنْ يَقَعَ كَسَادٌ لِأَنَّهُ قَالَ: وَتَأْتِي الْمَرْأَةُ بِغَزْلِهَا. وَفِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ أَتَبِيعُنِي ثَوْبَك بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَلَا تَزِنُهَا قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ: إلَّا إنْ كَانَتْ النَّاقِصَةُ تَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ (فَإِنْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا بِعِلْمِ الْآخَرِ بِقَدْرِهِ خُيِّرَ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ اطِّلَاعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 الْمُبْتَاعِ عَلَى عِلْمِ الْبَائِعِ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ يُوجِبُ خِيَارَهُ. (وَإِنْ أَعْلَمُهُ أَوَّلًا فَسَدَ كَالْمُغَنِّيَةِ) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي " وَانْظُرْ هَاهُنَا فُرُوعًا. قَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرِ عِنْدَنَا كَيْلًا وَإِنْ كَانَ مِعْيَارُهَا بِالشَّرْعِ الْكَيْلَ قَالَ: لِأَنَّ عُرْفَنَا فِيهِ الْوَزْنُ. وَكَذَا قَالَ اللَّخْمِيِّ فِيمَا الْعُرْفُ فِيهِ الْجُزَافُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَزْنًا كَالْحَطَبِ. وَكَذَا ذَكَرَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الدُّورِ قَالَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا عَلَى الْقَيْسِ. (وَجُزَافِ حَبٍّ مَعَ مَكِيلٍ مِنْهُ أَوْ أَرْضٍ) ابْنُ رُشْدٍ: حُكْمُ الْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ حُكْمُ الْمَكِيلِ. رَوَى أَصْبَغُ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُبَاعُ مَعَ الْجُزَافِ شَيْءٌ لَا كَيْلٌ وَلَا وَزْنٌ وَلَا عَرْضٌ وَلَا غَيْرُهُ، وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ. وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ كَانَ يُجِيزُهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ يُجِيزُونَ أَنْ يُضَافَ إلَى بَيْعِ الْجُزَافِ الْجَائِزِ كُلُّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْجُزَافُ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ كَيْلًا كَالْحُبُوبِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْمَكِيلِ مِنْهُ وَلَا مَعَ الْمَكِيلِ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا كَالْأَرَضِينَ وَالثِّيَابِ بِاتِّفَاقٍ اهـ. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ بِاتِّفَاقٍ وَمَعَ إطْلَاقِ أَبِي عُمَرَ الْخِلَافَ قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ الشُّيُوخِ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ وَلَمْ يُفَصِّلُوا تَفْصِيلَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْهُمْ عِيَاضٌ وَاللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ اهـ. اُنْظُرْ مَسْأَلَةً تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى وَهِيَ أَنَّ الْمَرْءَ يَشْتَرِي مِنْ الْعَطَّارِ وَزْنًا مَعْلُومًا مِنْ شَيْءٍ وَيَفْضُلُ لَهُ دِرْهَمٌ فَيَقُولُ لَهُ أَعْطِنِي بِهِ أَبْزَارًا وَالْأَبْزَارُ بِالدِّرْهَمِ يَكُونُ جُزَافًا. فَهَذَا جَائِزٌ إذَا لَمْ يَدْخُلَا عَلَى ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: لَا يَجُوزُ شِرَاءُ صُبْرَةٍ وَقَفِيزٍ مِنْ أُخْرَى بِدِرْهَمٍ. هَذَا إنْ اشْتَرَاهَا فَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ الْأُخْرَى، فَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَجَازَ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ إحْدَى الصُّبْرَتَيْنِ بِالْأُخْرَى فَيَكُونُ ابْتِيَاعُهُ إحْدَاهُمَا لِأَجْلِ أَنَّهُ يَبِيعُهُ مِنْ الْأُخْرَى. اهـ نَصُّهُ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ " فَشَرَطَ عَلَيْهِ " يَخْرُجُ مِنْ هَذَا بَيْعُ الِاسْتِئْمَانِ. اُنْظُرْ هَذَا فَإِنَّهُ يُضَاهِي نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ وَهِيَ إذَا دَفَعَ مُبْتَاعُ سِلْعَةٍ بِثُلُثَيْ دِينَارٍ لِبَائِعِهَا دِينَارًا وَقَالَ لَهُ اسْتَوْفِ مِنْهُ ثُلُثَيْك وَدَعْ ثُلُثَهُ عِنْدَك انْتَفِعْ بِهِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْدُ الْبَيْعِ إضْمَارًا وَلَا عَادَةً وَفِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 لَهُ أَنْ يَتْرُكَ بَقِيَّةَ الدِّينَارِ أَوْ الدِّرْهَمِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَدِيعَةً أَوْ شَرِكَةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ الْمُفَاصَلَةَ أَحْضَرَا الدِّينَارَ أَوْ الدِّرْهَمَ وَتَعَامَلَا فِيهِ بِمَا يَجُوزُ. وَهَلْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُرَاطِلَ صَاحِبَهُ فِي حَظِّهِ؟ قَالَ اللَّخْمِيِّ: لَوْ كَانَ رَجُلَانِ شَرِيكَيْنِ فِي حُلِيٍّ أَوْ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ نُقْرَةٍ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ شَرِيكِهِ بِمِثْلِ وَزْنِهِ جَازَ فِي الدَّنَانِيرِ وَالْحُلِيِّ وَهِيَ كَالْمُرَاطَلَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي النُّقْرَةِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الْجَوَازَ، وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ الْمَنْعَ (وَجُزَافِ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلِهَا) ابْنُ رُشْدٍ: الْجُزَافُ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا وَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَيْلًا كَالْأَرَضِينَ وَالثِّيَابِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْكَيْلِ مِنْهُ بِاتِّفَاقٍ اهـ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَهُ يَحْكِي فِيهِ الْخِلَافَ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَقُولُ: لَمْ يُرِدْ بِالْمَكِيلِ الْجُزَافِ الدُّورَ وَالْأَرَضِينَ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ. قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رَأَيْت فُتْيَا لِلْأَصِيلِيِّ اعْتَرَضَ فِيهَا عَلَى الْأَنْدَلُسِيِّينَ مَنْعَهُمْ بَيْعَ أَرْضٍ عَلَى التَّكْسِيرِ وَبِهَا زَرْعٌ أَوْ شَجَرٌ قَالَ: لِأَنَّ الْجُزَافَ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ. اُنْظُرْ ثَانِيَ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ الْقُطْعَانِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ السَّلَمِ. (لَا مَعَ حَبٍّ) ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا مَعَ الْكَيْلِ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ كَيْلًا، فَقِيلَ إنَّهُ جَائِزٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ زَرْبٍ وَأَقَامَهُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِهَا: يَجُوزُ السَّلَمُ فِي ثِيَابٍ وَطَعَامٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً. ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ الصَّحِيحُ: ابْنُ عَرَفَةَ: لِابْنِ مُحْرِزٍ مِثْلَ ابْنِ زَرْبٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 (وَيَجُوزُ جُزَافَانِ وَمَكِيلَانِ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمَكِيلَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْجُزَافَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْضًا عَلَى كُلِّ حَالٍ (وَجُزَافٌ مَعَ عَرْضٍ) الصِّحَاحُ: الْعَرْضُ، الْمَتَاعُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْعُرُوض الْأَمْتِعَةُ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا كَيْلٌ وَلَا وَزْنٌ وَلَا يَكُونُ حَيَوَانًا وَلَا عَقَارًا. ابْنُ رُشْدٍ: وَالْأَشْيَاءُ عُرُوضٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا كَيْلًا وَلَا وَزْنًا كَالْعَبِيدِ وَالْحَيَوَانِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْجُزَافِ مَعَ الْعُرُوضِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَوْلُهُ بَعِيدٌ. اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَحَمَامٍ بِبُرْجٍ ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 (وَجُزَافَانِ عَلَى كَيْلٍ إنْ اتَّحَدَ الْكَيْلُ وَالصِّفَةُ) ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا بَيْعُ الْجُزَافَيْنِ عَلَى الْكَيْلِ فَإِنْ كَانَا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِكَيْلٍ وَاحِدٍ جَازَ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْكَيْلُ وَالصِّفَةُ جَمِيعًا لَمْ يَجُزْ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ اتَّفَقَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَ الْآخَرُ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ صُبْرَتَيْنِ مِنْ قَمْحٍ صِفَةً وَاحِدَةً فَيَشْتَرِيَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً هَذِهِ الثَّلَاثَ الْأَرَادِبَ بِدِينَارٍ وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةَ بِدِينَارٍ، أَوْ صُبْرَةً مِنْ قَمْحٍ وَصُبْرَةً مِنْ شَعِيرٍ فَيَشْتَرِيَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً ثَلَاثَةَ أَرَادِبَ بِدِرْهَمٍ، جَازَ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. مَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَبِيعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 الرَّجُلُ قَرْيَتَهُ تَكْسِيرًا كُلُّ قَفِيزٍ بِكَذَا إلَّا أَنْ تَسْتَوِيَ أَرْضُهَا فِي الطَّيِّبِ وَالْكَرْمِ وَلَا يَكُونُ فِيهَا ثَمَرَةٌ. (وَلَا يُضَافُ لِجُزَافِ كُلِّ كَيْلٍ غَيْرُهُ مُطْلَقًا) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا بَيْعُ الْجُزَافِ عَلَى الْكَيْلِ فَلَا يَنْضَافُ إلَيْهِ فِي الْبَيْعِ شَيْءٌ بِحَالٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ (الْعَرْضُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا مَبْلَغُ كَيْلِهَا) . قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ مَا يَأْخُذُ مِنْ الْكَيْلِ وَلَا يَصِحُّ عَدَدٌ وَجُزَافٌ. قَالَ أَصْبَغُ: وَأَنَا أَقُولُهُ خَوْفَ الذَّرِيعَةِ لِلْمُزَابَنَةِ اسْتِحْسَانًا وَاتِّبَاعًا وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ، وَلَا أَعْلَمُ مَنْ قَالَهُ قَبْلَهُ وَقَدْ أَجَازَهُ أَشْهَبُ. اُنْظُرْ آخِرَ بَابٍ مِنْ السَّلَمِ وَلِابْنِ يُونُسَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْجُعْلِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ بَيْعٍ وَجُعْلٍ فِي عَقْدٍ لِأَنَّ الْجُعْلَ رُخْصَةٌ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ مَعَهُ شَيْءٌ. قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْقَرَوِيِّينَ: لَا يُجْمَعُ كَالنِّكَاحِ وَالصَّرْفِ وَالْمُسَاقَاةِ مَعَ الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ الْجُزَافُ مَعَ الْمَكِيلِ، وَسَحْنُونٌ فِي الْمُغَارَسَةِ أَنَّهُ أَجَازَ جَمْعَهَا مَعَ الْإِجَارَةِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا كَانَ الْجُعْلُ مُنْفَرِدًا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ يَجُوزُ فَمَا الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ إضَافَتِهِ مَعَ الْبَيْعِ الَّذِي لَا غَرَرَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ لِعِلَّةٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 أُخْرَى وَهِيَ الْأَطْمَاعُ فِي الْعَقْدِ، لِأَنَّ الْجُعْلَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ مَتَى شَاءَ وَالْجَاعِلُ بِالْخِيَارِ قَبْلَ الْعَمَلِ فَأَشْبَهَ أَنْ لَوْ عَقَدَ مَعَهُ الْكِرَاءَ إلَى مَكَّةَ بِعَشَرَةٍ وَشَرَطَ فِي رَجْعَتِهِ مِنْ مَكَّةَ أَنَّهُ إنْ شَاءَ أَكْرَى بِعَشَرَةٍ عَلَى مِثْلِ الْحُمُولَةِ الْأُولَى، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُكْرِ، فَهَذَا عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَطْمَعَهُ فِي الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ أَنْ يُكْرِيَ مِنْهُ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ لَهُ فِي الْأَوَّلِ لِأَمْرٍ يَكُونُ أَوْ لَا يَكُونُ وَابْنُ الْقَاسِمِ قَدْ أَجَازَ هَذَا، وَأَجَازَ شِرَاءَ سِلْعَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِالْإِيجَابِ وَأُخْرَى بِالْخِيَارِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ عِلَّةَ الْأَطْمَاعِ لِضَعْفِ ذَلِكَ عِنْدَهُ الْجُعْلُ وَالْبَيْعُ يَتَقَوَّى عَلَى قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ. (وَجَازَ بِرُؤْيَةِ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ) ابْنُ عَرَفَةَ: رُؤْيَةُ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ كَكُلِّهِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ فِيهَا بَيْعُ الْمِثْلِيِّ عَلَى الصِّفَةِ. وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ السَّلَمِ: إنْ اشْتَرَى طَعَامَ غَائِبٍ فَلَمْ يَشْتَرِ إلَّا وَوَكِيلُ الْبَائِعِ قَدْ قَدِمَ بِهِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ فِي قَبُولِهِ هُنَا أَوْ رَدِّهِ لِمَوْضِعِهِ أَوْ أَخَذَهُ هُنَاكَ. وَلِابْنِ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ طَعَامِ غَائِبٍ جُزَافًا إلَّا عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى الْكَيْلِ فَيَجُوزُ عَلَى الصِّفَةِ وَإِنْ لَمْ تَتَقَدَّمْ لِلْبَائِعِ فِيهِ رُؤْيَةٌ. اُنْظُرْ رَسْمَ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 114 الْبَضَائِعِ. (وَالصَّوَّانِ) ابْنُ رُشْدٍ: «أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْعَ الْحَبِّ فِي أَكْمَامِهِ حِينَ يَبْيَضُّ» وَهُوَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ عَلَى صِفَةِ مَا أُفْرِكَ مِنْهُ، فَفِيهِ حُجَّةٌ فِي بَيْعِ الْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَمَا أَشْبَهَهُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَغِيبٌ تَحْتَ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يَقْلَعُ مِنْهُ شَيْئًا فَيَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى بَقِيَّتِهِ، وَيَسْتَدِلُّ أَيْضًا عَلَيْهِ بِفُرُوعِهِ وَمِنْ هَذَا بَيْعُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَّا فِي قِشْرِهِ الْأَعْلَى فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ. (وَعَلَى الْبَرْنَامَجِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا زَالَ النَّاسُ يُجِيزُونَ بَيْعَ الْبَرْنَامَجِ. الْأَبْهَرِيُّ: مِمَّا يَلْحَقُ النَّاسَ مِنْ نَشْرِهِ وَطَيِّهِ وَإِذْ قَدْ يُرِيدُ الْمُبْتَاعُ الْإِضْرَارَ بِهَا فَيَأْمُرُهُ بِنَشْرِهَا ثُمَّ يَدَعُ الْبَيْعَ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ الْمَشَقَّةُ وَالْخُسْرَانُ، فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ جُوِّزَ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ، فَإِنْ وَافَقَتْ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ، وَإِنْ خَالَفَتْ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ إنْ شَاءَ ذَلِكَ الْمُبْتَاعُ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَهِيَ بَيْعُ الثَّوْبِ الْمَطْوِيِّ لَا يُنْشَرُ وَلَا يُعْلَمُ مَا فِيهِ؟ قِيلَ: الثَّوْبُ وَنَحْوُهُ لَا كُلْفَةَ فِيهِ وَلَا كَبِيرَ مَشَقَّةٍ فِي نَشْرِهِ كَمَا ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الْأَعْدَالِ، وَقَدْ يَجُوزُ الْغَرَرُ الْيَسِيرُ إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ اهـ وَخَرَّجَ اللَّخْمِيِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَوَازَ بَيْعِ السَّاجِ الْمُدْرَجِ فِي جِرَابِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَجَهِلَ بِمَثْمُونٍ جَوَازًا ". ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ. وَفِي الْمُوَطَّأِ: يَجُوزُ بَيْعُ الْبَرْنَامَجِ بِخِلَافِ السَّاجِ الْمُدْرَجِ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا عَمَلُ الْمَاضِينَ عِيَاضٌ: السَّاجُ الْمُدْرَجُ الطَّيْلَسَانُ الْمَطْوِيُّ وَالْجِرَابُ وِعَاءٌ مِنْ جِلْدٍ. (وَمِنْ الْأَعْمَى) ابْنُ عَرَفَةَ: أَجَازَ الْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ الْأَعْمَى وَأَنْ يَبْتَاعَ وَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ الْمَذْهَبَ. وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: يُمْنَعُ إنْ كَانَ خُلِقَ أَعْمَى. (وَبِرُؤْيَةِ مَا لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً غَائِبَةً عَلَى رُؤْيَةٍ تَقَدَّمَتْ مِنْهُ مُنْذُ وَقْتٍ لَا يَتَغَيَّرُ مِثْلُهَا فِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115 جَازَ الْبَيْعُ. (وَحَلَفَ مُدَّعٍ لِبَيْعِ بَرْنَامَجٍ أَنَّ مُوَافَقَتَهُ لِلْمَكْتُوبِ وَعَدَمَ دَفْعِ رَدِيءٍ أَوْ نَاقِصٍ) مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ عِدْلًا بِبَرْنَامَجِهِ جَازَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَيَغِيبَ عَلَيْهِ قَبْلَ فَتْحِهِ، فَإِنْ أَلْفَاهُ عَلَى الصِّفَةِ لَزِمَهُ، وَإِنْ قَالَ وَجَدْته بِخِلَافِ الصِّفَةِ فَإِنْ لَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ أَوْ غَابَ عَلَيْهِ مَعَ بَيِّنَةٍ لَمْ تُفَارِقْهُ أَوْ تَغَارَرَا بِذَلِكَ فَلَهُ الرِّضَا بِهِ أَوْ رَدُّهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْجِنْسِ الْمُشْتَرَطِ أَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ عَلَى الْبَرْنَامَجِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ يُرِيدُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ صَدَّقَهُ إذَا قَبَضَ عَلَى صِفَتِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ صَرَفَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ فَغَابَ عَلَيْهَا ثُمَّ رَدَّ مِنْهَا رَدِيئًا فَأَنْكَرَهُ الصَّرَّافُ فَمَا عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينُ أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهِ إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِهِ وَمَا يَعْلَمُهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَبَضَ طَعَامًا عَلَى تَصْدِيقِ الْكَيْلِ ثُمَّ ادَّعَى نَقْصًا أَوْ اقْتَضَى دَيْنًا فَأَخَذَ صُرَّةً صَدَّقَ الدَّافِعُ أَنَّ فِيهَا كَذَا ثُمَّ وَجَدَهَا تَنْقُصُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ اهـ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ إذَا رَدَّ رَدِيئًا مِنْ دَرَاهِمِ الصَّرْفِ بَعْدَ أَنْ غَابَ عَلَى الدَّرَاهِمِ أَنَّهُ يُحَلَّفُ الصَّرَّافُ مَعَ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ السَّلَمِ أَنَّ مَنْ تَسَلَّفَ دَرَاهِمَ مِنْ إنْسَانٍ وَخَلَطَهَا مَعَ دَرَاهِمَ غَيْرِهِ ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا زَائِفًا أَنَّهُ إنَّمَا يَخْلُفُهَا إنْ لَمْ يَغِبْ عَلَيْهَا، وَأَمَّا إنْ غَابَ عَلَيْهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِلُحُوقِ يَمِينِ التُّهْمَةِ. (وَبَقَاءِ الصِّفَةِ إنْ شَكَّ) اللَّخْمِيِّ: مَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً غَائِبَةً عَلَى رُؤْيَةٍ تَقَدَّمَتْ فَلَمَّا رَآهَا قَالَ تَغَيَّرَتْ، فَإِنْ قَرُبَ مَا بَيْنَ الرُّؤْيَتَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ بَعُدَ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى عَلَى حَالِهِ قُبِلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ اهـ. اُنْظُرْ هَلْ نَقَصَ مِنْ عِبَارَةِ خَلِيلٍ شَيْءٌ؟ . (وَغَائِبٍ وَلَوْ بِلَا وَصْفٍ عَلَى خِيَارِهِ بِالرُّؤْيَةِ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَا يَجُوزُ بَيْعٌ بِغَيْرِ صِفَةٍ وَلَا رُؤْيَةٍ وَلَا مَعَ شَرْطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ. وَأَجَازَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا اُشْتُرِطَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ. وَكَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ: إنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْأُصُولِ. ابْنُ يُونُسَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 لَا وَجْهَ لِمَنْعِهِمْ جَوَازَهُ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ (أَوْ عَلَى يَوْمٍ أَوْ وَصَفَهُ غَيْرُ بَائِعِهِ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ. وَفِي الرِّسَالَةِ: وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّيْءِ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ فِيمَا قَرُبَ مَكَانُهُ أَوْ يَكُونُ مِمَّنْ يُؤْمَنُ تَغَيُّرُهُ. مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ عَقَارٍ وَيَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: مُنِعَ بَيْعُ حَاضِرٍ عَلَى الصِّفَةِ حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَوْمٍ فَأَكْثَرَ وَلَيْسَ هَذَا بِمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ بَلْ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ جَوَازُ بَيْعِ حَاضِرِ الْبَلَدِ عَلَى الصِّفَةِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِي أَنْ يَبِيعَ دَابَّةً عِنْدَهُ فِي الدَّارِ حَاضِرَةً عَلَى الصِّفَةِ وَيَنْتَقِدَ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى نَظَرِهَا. ابْنُ يُونُسَ: إلَّا أَنْ يَزِيدَ صَوَابٌ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ قَدْ أَجَازَ فِيهَا أَنْ يُكْرِيَ دَارًا بِثَوْبٍ فِي بَيْتِهِ. وَوَصَفَهُ ابْنُ يُونُسَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ، وَلَا يَبْتَدِئُ هَذَا فِي السُّكْنَى حَتَّى يَنْظُرَ الثَّوْبَ فَيَتَّفِقَ الْقَوْلَانِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا كَانَ مِنْ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالْعَقَارِ الْغَائِبَةِ قَرِيبًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ بَعِيدًا فَجَائِزٌ شِرَاؤُهَا وَالنَّقْدُ فِيهَا لَا مِنْهَا، وَأَمَّا الرَّقِيقُ وَالْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ وَالطَّعَامُ فَإِنْ قَرُبَتْ غَيْبَةُ ذَلِكَ كَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ جَازَ شِرَاؤُهُ وَجَازَ النَّقْدُ فِيهِ، وَإِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ جَازَ شِرَاؤُهُ وَلَمْ يَجُزْ النَّقْدُ فِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْعَطَّارِ قِيلَ إنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ بِصِفَةِ الْبَائِعِ غَيْرُ صَحِيحٍ لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ بِصِفَةِ الْبَائِعِ رَبْعًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ فِي الرَّقِيقِ وَالْعُرُوضِ، وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا كَانَتْ عَلَى يَوْمَيْنِ. قَالَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 يُوَفَّاهَا هُنَا أَوْ بِمَوْضِعٍ آخَرَ (إنْ لَمْ يَبْعُدْ كَخُرَاسَانَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ) ابْنُ الْمَوَّازِ: قَدْ يَشْتَرِي بِالْمَدِينَةِ دُورًا بِالْعِرَاقِ وَتُنْقَدُ أَثْمَانُهَا وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَا يَنْقُدُهُ دُورًا أَوْ حَيَوَانًا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ مَا لَمْ تَتَفَاحَشْ غَيْبَتُهُ جِدًّا. ابْنُ عَرَفَةَ: نَقْلُ الْمَازِرِيِّ هَذَا كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَحُدَّهُ بِتَعْيِينٍ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: كَإِفْرِيقِيَّةَ مِنْ خُرَاسَانَ (وَلَمْ يُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 الْمَعْرُوفُ مَنْعُ بَيْعِ حَاضِرِ الْعَاقِدَيْنِ بِصِفَتِهِ وَدَلِيلُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ ابْتَاعَ ثِيَابًا مَطْوِيَّةً لَمْ يَنْشُرْهَا وَلَا وُصِفَتْ لَهُ لَمْ يَجُزْ جَوَازُهُ اهـ. وَانْظُرْ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ يُونُسَ لَا يَبْتَدِئُ فِي السُّكْنَى حَتَّى يَنْظُرَ الثَّوْبَ، فَمُقْتَضَاهُ جَوَازُ بَيْعِ الْحَاضِرِ بِصِفَةٍ لَكِنْ لَا يَنْقُدُ حَتَّى يَرَاهُ فَانْظُرْهُ (وَالنَّقْدُ فِيهِ وَمَعَ الشَّرْطِ فِي الْعَقَارِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 122 وَضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ بَعُدَتْ غَيْبَةُ الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ جَازَ شِرَاؤُهُ وَلَمْ يَجُزْ النَّقْدُ فِيهِ لِغَلَبَةِ الْغَرَرِ فِيهِ مِنْ تَغْيِيرٍ أَوْ هَلَاكٍ فَيَصِيرُ النَّقْدُ فِيهِ تَارَةً ثَمَنًا وَتَارَةً سَلَفًا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 123 وَكَذَلِكَ النَّقْدُ فِيهَا بَيْعٌ عَلَى خِيَارٍ أَوْ مُوَاضَعَةٍ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ فَالنَّقْدُ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَيَجُوزُ وَأَمَّا الدُّورُ وَالْأَرَضُونَ وَالْعَقَارُ الْغَائِبَةُ قَرِيبًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ بَعِيدًا فَجَائِزٌ شِرَاؤُهَا وَالنَّقْدُ فِيهَا لَا مِنْهَا، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّبْعِ وَالدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالْعَقَارِ أَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ وَإِنْ بَعُدَتْ. ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا بِيعَ الْحَائِطُ الْغَائِبُ وَفِيهِ الْحَيَوَانُ وَالْعَبِيدُ فَالنَّقْدُ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ وَالضَّمَانُ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَإِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ ذَلِكَ تَبَعٌ لِلْحَائِطِ كَمَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الشُّفْعَةُ إذَا بِيعَ مَعَ الْحَائِطِ (وَفِي غَيْرِهِ إنْ قَرُبَ كَالْيَوْمَيْنِ وَضَمِنَهُ بَائِعٌ إلَّا لِشَرْطٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الرَّقِيقُ وَالْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ وَالطَّعَامُ إنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ ذَلِكَ كَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ جَازَ شِرَاؤُهُ وَجَازَ النَّقْدُ فِيهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَإِذَا كَانَ لَا يَجُوزُ فِيهِ النَّقْدُ فَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِالْعَيْنِ، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ فَإِنْ وَضَعَهُ بِيَدِ أَمِينٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. اُنْظُرْ رَسْمَ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ وَالْآجَالِ. وَمِنْ رَسْمِ نَذَرَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ إذَا اشْتَرَى الْمَأْمُونُ الْغَائِبُ بِصِفَةِ بَائِعِهِ جَازَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَجُزْ النَّقْدُ بِشَرْطٍ، وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِصِفَةِ غَيْرِ بَائِعِهِ جَازَ الْبَيْعُ وَالنَّقْدُ بِشَرْطٍ، فَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ الْمُشْتَرِي غَيْرَ مَأْمُونٍ كَالْحَيَوَانِ وَشِبْهِهِ لَمْ يَجُزْ فِيهِ النَّقْدُ إذَا بَعُدَ بِشَرْطٍ، فَإِنْ قَرُبَ جَازَ فِيهِ النَّقْدُ بِشَرْطٍ إذَا وَصَفَهُ غَيْرُ صَاحِبِهِ، وَلَمْ يَجُزْ إذَا وَصَفَهُ صَاحِبُهُ. وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَبِهَذَا أَقُولُ وَالنَّقْصُ وَالنَّمَاءُ كَالْهَلَاكِ، وَهَذَا فِي كُلِّ سِلْعَةٍ غَائِبَةٍ بَعِيدَةِ الْغَيْبَةِ أَوْ قَرِيبَةٍ خَلَا الرِّبَاعِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ وَإِنْ بَعُدَتْ. (أَوْ مُنَازَعَةٍ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْبَائِعِ. وَهُنَا فَرْعَانِ: الْأَوَّلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 124 قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ضَمَانَ الْغَائِبِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَتَنَازَعَا فَقَوْلَانِ لِتَعَارُضِ أَصْلِ السَّلَامَةِ وَانْتِفَاءِ الضَّمَانِ اهـ الْفَرْعُ الثَّانِي قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ أَنَّهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ إنْ أَدْرَكَتْهَا الصَّفْقَةُ فَوَجَدَهَا الْمُشْتَرِي قَدْ مَاتَتْ فَقَالَ الْبَائِعُ مَاتَتْ بَعْدَ الصَّفْقَةِ وَقَالَ الْمُبْتَاعُ قَبْلَ الصَّفْقَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ اهـ (وَقَبْضُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي) . اللَّخْمِيِّ: الْإِتْيَانُ بِالْغَائِبِ عَلَى مُبْتَاعِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَضْرِبَ لِقَبْضِ السِّلْعَةِ الْغَائِبَةِ أَجَلًا قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا ذَلِكَ مِنْ وَجْهِ الضَّمَانِ لِسِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَتَوَجَّهَ فِي قَبْضِهَا، قَرُبَ ذَلِكَ أَوْ بَعُدَ، تَعَجَّلَ ذَلِكَ أَوْ تَأَخَّرَ، لَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ وَقْتٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً غَائِبَةً عَلَى أَنْ يُوَافِيَهُ بِهَا الْبَائِعُ بِمَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَهُوَ مِنْ وَجْهِ الضَّمَانِ لِسِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا: أَصْبَغُ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تُوَافِيَنِي بِهَا هَاهُنَا. ابْنُ الْمَوَّازِ: هَذَا إذَا كَانَ ضَمَانُ السِّلْعَةِ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضْمَنُ إلَّا حُمُولَتَهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. [بَابُ الرِّبَا] فَصْلٌ. ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الثَّانِي يَعْنِي مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِي الْفَسَادِ بِجِهَةِ الرِّبَا (وَحَرُمَ فِي نَقْدٍ وَطَعَامٍ رِبَا فَضْلٍ وَنَسْءٍ) اُنْظُرْ مَحْصُولَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يَحْرُمُ فَضْلُ الْقَدْرِ وَالنَّسَأِ بَيْنَ عَرْضَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 125 مُتَّحِدَيْ جِنْسِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ رِبَوِيِّ الطَّعَامِ (كَدِينَارٍ وَدِرْهَمٍ أَوْ غَيْرِهِ بِمِثْلِهِمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: تَحْقِيقُ الْمُسَاوَاةِ الْمُمْكِنُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِهَا شَرْطٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَعَلَيْهِ مَنَعَ مَالِكٌ فِي سَلَمِهَا مِائَةَ دِينَارٍ كَيْلًا بِمِثْلِهَا مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا مِائَةُ دِرْهَمٍ كَيْلًا وَيُنَاقَضُ بِمَا فِي الشَّرِكَةِ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ وَعِبَارَةَ الْبَاجِيِّ مَنَعَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بَيْعَ دِينَارٍ وَثَوْبٍ بِدِينَارَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ، لِأَنَّ السِّلْعَةَ تَتَقَسَّطُ مَعَ دِينَارِهَا عَلَى الدِّينَارِ فَيُصِيبُ كُلَّ دِينَارٍ نِصْفُ دِينَارٍ وَنِصْفُ السِّلْعَةِ، وَلِهَذَا مَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِالذَّرَائِعِ. اُنْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الْخِلَافَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا أَشْتَرِي أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ شِيَاهٍ فَاشْتَرَى مَعَ رَجُلَيْنِ ثَلَاثِينَ بِالسَّوِيَّةِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ صَارَ لَهُ فِي الْقَسْمِ خَمْسَةَ عَشَر لَا حِنْثَ عَلَيْهِ إذَا قُلْنَا إنَّ الْقَسْمَ هُنَا بَيْعٌ كَأَنَّهُ قَدَّرَ أَنَّ الثُّلُثَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ حَظُّهُ، وَثُلُثَاهَا وَهُوَ عَشْرَةٌ اشْتَرَاهَا مِنْ صَاحِبِهِ بِحَظِّهِ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الَّتِي بِيَدِ صَاحِبِهِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُعْرَفُ بِمُدِّ عَجْوَةٍ لِأَنَّهَا تُفْرَضُ فِيمَنْ بَاعَ مُدَّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ، وَجَوَّزَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ: مَنْ بَاعَ مِائَةَ دِينَارٍ فِي قِرْطَاسٍ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ أَنَّهُ جَائِزٌ وَيَحْتَسِبُ بِالْقِرْطَاسِ فِي مِائَةِ دِينَارٍ. وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ دِينَارًا وَدِرْهَمًا بِدِينَارٍ وَدِرْهَمٍ. أَبُو عُمَرَ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالنَّخَعِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَدِينَارًا بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَجَعَلُوا عَشْرَةً مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ بِإِزَاءِ الْعَشَرَةِ، وَالدِّرْهَمَيْنِ بِإِزَاءِ الدِّينَارِ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ بِقِيمَةِ مَا بِإِزَائِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ بَيْنَهُمَا فَضْلٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 126 قَالَ السَّيِّدُ: يَأْخُذُ بِفَضْلِهِ ذَهَبًا. وَقَالَ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: ذَلِكَ قَبِيحٌ وَذَرِيعَةٌ إلَى الرِّبَا اهـ. اُنْظُرْ الرَّدَّ عَلَى الدِّرْهَمِ هُوَ بِعَيْنِهِ مُدُّ عَجْوَةٍ فَقَالَ مَالِكٌ: كُنَّا نَمْنَعُهُ وَيُخَالِفُنَا أَهْلُ الْعِرَاقِ ثُمَّ أَجَزْنَاهُ لِضَرُورَةِ النَّاسِ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ بِهِ صَرْفًا، فَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: رَجَعَ مَالِكٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الدِّرْهَمِ لِقَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَجْلِ الضَّرُورَةِ، فَتِلْكَ الشُّرُوطُ الَّتِي شَرَطَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ شَرَطَهَا الْإِمَامُ وَلَا الْمُخَالِفُ قَدْ يَقَعُ فِي بَعْضِهَا نَظَرٌ، مِنْ ذَلِكَ: اتِّحَادُ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ. قَالَ أَوَّلُ مَنْ اشْتَرَطَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ، وَمِنْ ذَلِكَ شَرْطُ الْوَزْنِ إذَا كَانَ الْعُرْفُ شَرَطَهُ كَانَ يَحْكِي عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ الْجَوَازَ، وَمَنْ اشْتَرَطَ الْوَزْنَ لَزِمَهُ أَنْ يَمْنَعَ الرَّدَّ بالقرسطون لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِهِ لِمَعْرِفَةِ النَّقْصِ وَلَا يُتَوَصَّلُ بِهِ لِمَعْرِفَةِ الزِّيَادَةِ. وَانْظُرْ أَيْضًا جَوَازَ الرَّدِّ عَلَى الدِّرْهَمِ إنَّمَا هُوَ فَرْعُ جَوَازِ التَّقْسِيطِ وَالْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ مُضْطَرِبٌ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: يُمْنَعُ ثَوْبٌ بِثَوْبَيْنِ مُؤَجَّلَيْنِ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ قَالَ: وَقَدْ رَاعَى ابْنُ الْقَاسِمِ التَّقْسِيطَ فَأَجَازَ سَلَمَ فُسْطَاطَيْهِ فِي فُسْطَاطَيْنِ مِثْلِهِمَا، إحْدَاهُمَا مُعَجَّلَةٌ وَالْأُخْرَى مُؤَجَّلَةٌ، جَعَلَ الْمُعَجَّلَةَ فِي مُقَابَلَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 127 الْمُعَجَّلَةِ، وَالْمُؤَجَّلَةُ هِبَةٌ. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ: الْبُيُوعُ الْمَكْرُوهَةُ الَّتِي اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي إجَازَتِهَا إنْ فَاتَتْ لَمْ تُرَدَّ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ. وَاخْتَارَ اللَّخْمِيِّ أَنْ لَا تُرَدَّ مُطْلَقًا. (وَمُؤَخَّرٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ فِي الصَّرْفِ إلَّا الْمُنَاجَزَةُ لَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظْرَةٌ إلَّا يَدًا بِيَدٍ (وَلَوْ قَرِيبًا) عِيَاضٌ: اُخْتُلِفَ فِي يَسِيرِ التَّأْخِيرِ فِي الصَّرْفِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيهَا كَرِهَ مَالِكٌ لِلصَّيْرَفِيِّ أَنْ يُدْخِلَ الدِّينَارَ تَابُوتَه أَوْ يَخْلِطَهُ ثُمَّ يُخْرِجَ الدَّرَاهِمَ وَلَكِنْ يَدَعُهُ حَتَّى يَزِنَ الدَّرَاهِمَ فَيَأْخُذَ وَيُعْطِيَ، وَكَرِهَ أَنْ يُصَارِفَهُ فِي مَجْلِسٍ وَيُنَاقِدَهُ فِي آخَرَ وَيَجْلِسَا سَاعَةً ثُمَّ يَتَنَاقَدَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا، فَإِنْ طَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 128 الْمَجْلِسُ بَطَلَ الصَّرْفُ. (أَوْ غَلَبَةً) ابْنُ رُشْدٍ: إذَا انْعَقَدَ الصَّرْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُنَاجَزَةِ فَتَأَخَّرَ شَيْءٌ مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الصَّرْفُ غَلَبَةً بِنِسْيَانٍ أَوْ غَلَطٍ أَوْ سَرِقَةٍ مِنْ الصَّرَّافِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَغْلِبَانِ عَلَيْهِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَهَذَا يَمْضِي الصَّرْفُ فِيهَا، وَمُنِعَ فِيهِ التَّنَاجُزُ وَلَا يَنْتَقِضُ بِاتِّفَاقٍ. وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَا حَصَلَ فِيهِ التَّأْخِيرُ يَنْتَقِضُ، وَلَوْ قَالَ أَنَا أَتَجَاوَزُ النُّقْصَانَ لَا يَنْتَقِضُ شَيْءٌ مِنْ الصَّرْفِ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَعَدَمُ حُرْمَةٍ لِبَعْضِهِ " أَنَّ تَأْخِيرَ الْيَسِيرِ كَتَأْخِيرِ الْجَمِيعِ إذَا كَانَ اخْتِيَارًا فَفَرْقٌ بَيْنَ الْغَلَبَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 134 وَالِاخْتِيَارِ وَهُوَ فِي كَلَامِ خَلِيلٍ مُجْمَلٌ. (أَوْ عَقَدَ وَوَكَّلَ فِي الْقَبْضِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ وَكَّلْت رَجُلًا يَصْرِفُ لَك دِينَارًا فَلَمَّا صَرَفَهُ أَتَيْته قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ بِأَمْرِك بِالْقَبْضِ وَقَامَ يَذْهَبُ فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ: فَلَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَصْرِفَ ثُمَّ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبِضُ لَهُ وَلَكِنْ يُوَكِّلُ مَنْ يَصْرِفُ لَهُ وَيَقْبِضُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ اشْتَرَى سَيْفًا كَثِيرَ الْفِضَّةِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ قَبَضَهُ وَبَاعَهُ مَكَانَهُ ثُمَّ نَقَدَ الدَّنَانِيرَ فَبِئْسَ مَا فَعَلَ، وَلَا يَنْتَقِضُ الصَّرْفُ إلَّا إنْ انْصَرَفَ مُشْتَرِي السَّيْفِ قَبْلَ نَقْدِ بَائِعِهِ الْعَشَرَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 135 الدَّنَانِيرَ فَلَا يُعْطِيه الْعَشَرَةَ الدَّنَانِيرَ لِأَنَّ بَيْعَهُ فَاسِدٌ وَقَدْ فَاتَ بِالْبَيْعِ. اُنْظُرْ أَوَّلَ تَرْجَمَةٍ مِنْ الصَّرْفِ. (أَوْ غَابَ نَقْدُ أَحَدِهِمَا أَوْ طَالَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ اشْتَرَيْت مِنْ رَجُلٍ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ وَأَنْتُمَا فِي مَجْلِسٍ وَكَانَ الدَّرَاهِمُ مَعَهُ وَاسْتَقْرَضْت أَنْتَ الدِّينَارَ، فَإِنْ كَانَ أَمْرًا قَرِيبًا كَحَلِّ الصُّرَّةِ وَلَا يَقُومُ لِذَلِكَ وَلَا يَبْعَثُ وَرَاءَهُ جَازَ. قَالَ الْقَابِسِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عِنْدَ صَاحِبِ الدِّينَارِ، فَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا دِينَارَ عِنْدَهُ فَلَا يَجُوزُ عَقْدُ الصَّرْفِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. (أَوْ نَقْدَاهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ اسْتَقْرَضْت أَنْتَ دِينَارًا مِنْ رَجُلٍ إلَى جَانِبِك وَاسْتَقْرَضَ هُوَ الدَّرَاهِمَ مِنْ رَجُلٍ إلَى جَانِبِهِ فَدَفَعْت إلَيْهِ الدِّينَارَ وَقَبَضْت الدَّرَاهِمَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ. (أَوْ بِمُوَاعَدَةٍ) قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ فِي الصَّرْفِ مُوَاعَدَةٌ وَلَا كَفَالَةٌ وَلَا خِيَارٌ وَلَا حَوَالَةٌ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: أَمَّا الْخِيَارُ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصَّرْفَ بِهِ فَاسِدٌ لِعَدَمِ الْمُنَاجَزَةِ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا الْمُوَاعَدَةُ فَتُكْرَهُ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَتَمَّ الصَّرْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُوَاعَدَةِ لَمْ يُفْسَخْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: يُفْسَخُ. ابْنُ عَرَفَةَ: كَرِهَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ الْمُوَاعَدَةَ فِي الصَّرْفِ، وَمَنَعَهَا أَصْبَغُ، وَجَوَّزَهَا ابْنُ نَافِعٍ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَالْجَوَازُ أَحْسَنُ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ اشْتَرَى سِوَارَيْنِ ذَهَبًا بِدَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يُرِيَهُمَا لِأَهْلِهِ فَإِنْ أَعْجَبَاهُمْ رَجَعَ إلَيْهِ فَاسْتَوْجَبَهُمَا وَإِلَّا رَدَّهُمَا، فَقَدْ خَفَّفَهُ مَالِكٌ وَكَرِهَهُ أَيْضًا اهـ. اُنْظُرْ بَيْعَ الْحُلِيِّ مُزَايَدَةً مَنَعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ: عَلَى الْمَعْرُوفِ فِي الصَّرْفِ بِخِيَارٍ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ تَرْجَمَةِ الْمُنَاجَزَةِ فِي الصَّرْفِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ بَيْعَ الْحُلِيِّ مُزَايَدَةً جَائِزٌ رَاجِعْهُ فِيهِ. وَبِهَذَا كَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفْتِي وَهُوَ مُقْتَضَى مَا لِابْنِ جَمَاعَةَ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَصُوغًا فَمِنْ تَمَامِ الْبَيْعِ قَبْضُ الْبَائِعِ الدَّلَالَةَ وَالْفَائِدَةَ. الْقَبَّابُ: يَعْنِي وَكَانَ الْبَيْعُ بِنَقْدٍ بِحَيْثُ يَكُونُ صَرْفًا يَجِبُ فِيهِ الْمُنَاجَزَةُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ مِنْ دَلَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا هِيَ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ وَشُرِطَ قَبْضُ الْبَائِعِ لَهَا وَذَلِكَ مَقْصُودٌ وَهُوَ مِنْ الدَّقَائِقِ، لِأَنَّ ذَلِكَ إحَالَةٌ. رَاجِعْهُ أَنْتَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا الْحَوَالَةُ إذَا صَرَفَ وَأَحَالَ عَلَى الصَّرَّافِ مَنْ يَقْبِضُ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ. وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: مِنْ هَذَا مَا يَتَّفِقُ فِي الْأَسْوَاقِ يَشْتَرِي لَحْمًا بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ دِرْهَمًا كَبِيرًا وَيَقُولُ الْجَازِرُ لِلْخَضَّارِ قُبَالَتَهُ أَعْطِهِ خُضْرَةً بِقِيرَاطٍ حَتَّى أَتَحَاسَبَ مَعَك، فَهَذَا مِنْ الْحَوَالَةِ فِي الصَّرْفِ، لَكِنْ إنْ أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْخُضْرَةَ وَأَعْطَاهُمَا الدِّرْهَمَ الْكَبِيرَ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا جَازَ، وَيَكُونُ عِنْدَ مَنْ رَضِيَ مِنْهُمَا إمَّا عِنْدَ الْجَزَّارِ وَإِمَّا عِنْدَ الْخَضَّارِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَا خَيْرَ إنْ تَوَكَّلَ عَلَى الصَّرْفِ وَتَقْبِضُ أَنْتَ. لَكِنْ لَمَّا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ صَرَفَ وَأَحَالَ عَلَى الصَّرَّافِ قَالَ: فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُحَالُ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ إذَا صَرَفَ ثُمَّ وَكَّلَ عَلَى قَبْضِ الدَّرَاهِمِ فَقَبَضَهَا الْوَكِيلُ بِحَضْرَتِهِمَا قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ الَّذِي وَكَّلَهُ جَازَ. رَاجِعْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 الْمُقَدِّمَاتِ. (أَوْ بِدَيْنٍ إنْ تَأَجَّلَ) . ابْنُ بَشِيرٍ: غَلِطَ كَثِيرٌ فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْن صَرْفِ مَا فِي الذِّمَّةِ وَالصَّرْفِ عَلَى الذِّمَّةِ. وَحَقِيقَةُ الصَّرْفِ عَلَى الذِّمَّةِ هِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ يَعْنِي مَسْأَلَةَ اسْتِقْرَاضِ أَحَدِهِمَا أَوْ كِلَيْهِمَا مَا يُنْقَدُ قَالَ: وَأَمَّا صَرْفُ مَا فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَك فِي ذِمَّتِهِ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ فَتَصْرِفُهُ مِنْهُ بِعَيْنٍ نَاجِزٍ، فَإِنْ كَانَ مَا فِي الذِّمَّةِ حَالًّا فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ. وَوَجْهُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَحُلُولِ مَا فِيهَا وَكَأَنَّهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَاضِرٌ وَقَدْ حَصَلَ التَّنَاجُزُ صُورَةً وَمَعْنًى. فَإِنْ كَانَ مَا فِي الذِّمَّةِ غَيْرَ حَالٍّ فَالْمَشْهُورُ مَنْعُهُ لِأَنَّ الذِّمَّةَ عَامِرَةٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمُطَالِبُ هَاهُنَا كَالْمُسَلِّفِ عَلَى ذِمَّتِهِ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَبَضَ مَا أَسْلَفَهُ عَنْهَا أَوْ يُقَدَّرُ أَنَّهُ نَقَدَ هَاهُنَا لِيَأْخُذَ مِنْ ذِمَّتِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَيَصِيرُ صَرْفًا فِيهِ تَأْخِيرٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دِينَارَانِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ دِينَارًا وَصَرَفَ الدِّينَارَ الْآخَرَ دَرَاهِمَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دِينَارٌ وَاحِدٌ فَلَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ عَيْنًا وَنِصْفَهُ شَيْئًا آخَرَ. وَفِي الْكَافِي: إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دِينَارٌ سَلَفًا أَوْ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ ذَهَبًا وَنِصْفَهُ دَرَاهِمَ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ عِنْدَهُ ذَهَبٌ وَدَرَاهِمُ بِذَهَبٍ وَقَدْ أَجَازَهُ أَشْهَبُ (وَإِنْ مِنْ أَحَدِهِمَا) . الْبَاجِيُّ: لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَنَانِيرُ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ حَالَّةٌ جَازَ أَنْ يَتَطَارَحَاهَا صَرْفًا. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي جَوَازِ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَمَنْعَهُ. ثَالِثُهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ إنْ حَلَّا مَعًا وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّالِثُ هُوَ الْمَشْهُورُ. (أَوْ غَابَ رَهْنٌ أَوْ وَدِيعَةٌ وَلَوْ سُكَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ أَوْدَعْته دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ حُلِيًّا مَصُوغًا أَوْ رَهَنْته ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ لِأَنَّهُ ذَهَبٌ بِفِضَّةِ وَلَيْسَ يَدًا بِيَدٍ إلَّا أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 يَكُونُ ذَلِكَ كُلُّهُ حَاضِرًا وَتَقْبِضُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ: وَمَنْ أَوْدَعْته مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ثُمَّ لَقِيته وَالدَّرَاهِمُ فِي بَيْتِهِ فَهَضَمْت عَنْهُ مِائَةً عَلَى أَنْ أَعْطَاك مِائَةً مِنْ غَيْرِهَا لَمْ يَجُزْ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهَا بِعَيْنِهَا مِائَةً وَتَدَعَ لَهُ مِائَةً (كَمُسْتَأْجِرٍ) ابْنُ شَاسٍ: الْمُسْتَأْجِرُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَدِيعَةِ (وَعَارِيَّةٍ) ابْنُ شَاسٍ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 الْعَارِيَّةُ حُكْمُهَا حُكْمُ الرَّهْنِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَمَغْصُوبٍ إنْ صِيَغ) ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَغْصُوبُ إنْ كَانَ مَصُوغًا، فَإِنْ حَضَرَ وَقْتُ الصَّرْفِ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ صَرْفِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَإِنْ عُلِمَ بَقَاؤُهُ وَسَلَامَتُهُ مِنْ عَيْبٍ يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْقِيمَةِ بِذِمَّةِ الْغَاصِبِ فَيَجْرِي جَوَازُ صَرْفِهِ عَلَى صَرْفِ الْوَدِيعَةِ وَالرَّهْنِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ حِينَئِذٍ الْقِيمَةُ وَهِيَ مِنْ جِنْسِ مَا يُصَارِفُهُ بِهِ فَقَدْ يُؤْخَذُ عَنْهُ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ فَيُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ (إلَّا أَنْ يَذْهَبَ فَيَضْمَنَ قِيمَتَهُ فَكَالدَّيْنِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْغَائِبُ إنْ كَانَ مَصُوغًا فَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ، فَإِنْ ذَهَبَ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي صَرْفِ الدَّيْنِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ غَصَبَ لِرَجُلٍ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَاسْتَهْلَكَهُمَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا مَصُوغًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَسَرَ لِرَجُلٍ سِوَارَيْنِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَةُ الصِّيَاغَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَفْسَدَ لَهُ صُنْعَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّهُ إذَا كَسَرَهُمَا لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُمَا وَكَانَا لَهُ. اُنْظُرْ مَفْهُومَ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ " إنْ صِيَغ ". قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ غَصَبَك دَنَانِيرَ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَصْرِفَهَا مِنْهُ بِدَرَاهِمَ وَتَقْبِضَهَا، ذَكَرَ أَنَّ الدَّنَانِيرَ عِنْدَهُ حَاضِرَةٌ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا لِأَنَّهَا فِي ذِمَّتِهِ. ابْنُ بَشِيرٍ: فِي مَعْنَى الْمَسْكُوكِ كُلُّ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِنْ الْمَكْسُورِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 وَالتِّبْرِ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ. (وَبِتَصْدِيقٍ فِيهِ كَمُبَادَلَةِ رِبَوِيَّيْنِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي صِحَّةِ الصَّرْفِ عَلَى تَصْدِيقِ دَافِعِهِ تَعَدِّيًا فِي وَزْنِهِ أَوْ جَوْدَتِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. ابْنُ رُشْدٍ: رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ إجَازَةُ التَّصْدِيقِ فِي مُبَادَلَةِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ، فَإِنْ وَقَعَ لَمْ يُفْسَخْ لِلْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: إنْ قَالَ لَهُ الصَّرَّافُ فِي الدَّرَاهِمِ هِيَ جِيَادٌ فَأَخَذَهَا بِقَوْلِهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَجِيَادٌ هِيَ أَوْ لَا فَنَهَى عَنْهُ قِيلَ: فَأَنَا لَا أُبْصِرُهَا وَأَنْتَ تَكْرَهُ أَنْ أُفَارِقَهُ قَالَ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] وَلَا يَجُوزُ التَّصْدِيقُ فِي الصَّرْفِ وَلَا فِي تَبَادُلِ الطَّعَامَيْنِ. قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَارِفَهُ سِوَارَيْنِ عَلَى أَنْ يُصَدِّقَهُ فِي وَزْنِهِمَا، وَإِنْ افْتَرَقَا وَوَجَدَهُمَا كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ الصَّرْفِ، وَلَوْ وَزَنَهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَوَجَدَ بِهِمَا نَقْصًا فَرَضِيَهُ أَوْ زِيَادَةً فَتَرَكَهَا الْآخَرُ فَذَلِكَ جَائِزٌ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكَذَلِكَ إذَا افْتَرَقَا عَلَى الْفِرَاقِ لَا عَلَى أَنْ يَزِنَ وَلَا عَلَى أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْهُ فَلَمْ يَطْلُبْهُ بِبَدَلٍ وَلَا نُقْصَانٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَا لَوْ جَاءَ لِيُبَدِّلَ إلَيْهِ فَأَرْضَاهُ حَتَّى لَا يُبَدِّلَ لَجَازَ ذَلِكَ. وَمِنْ الْوَاضِحَةِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ طَعَامٍ كَيْلًا وَجُزَافًا بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ عَلَى التَّصْدِيقِ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ أَوْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ غَيْرِ نَاجِزٍ لِأَنَّهُ يُخْتَبَرُ بِكَيْلِهِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَسَحْنُونٌ: لَا يَجُوزُ التَّصْدِيقُ فِي تَبَادُلِ الطَّعَامَيْنِ وَالذَّهَبَيْنِ أَوْ الْفِضَّتَيْنِ وَلَا فِي الصَّرْفِ، وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحَةِ اهـ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (وَمُقْرَضٍ وَمَبِيعٍ لِأَجَلٍ وَرَأْسِ مَالٍ سَلَمٍ) قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْحَسَنِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُسْلِمَ دِينَارًا فِي طَعَامٍ أَوْ يُصَدِّقَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي وَزْنِهِ بِخِلَافِ التَّصْدِيقِ عَلَى الْوَزْنِ فِي الصَّرْفِ وَالتَّصْدِيقِ فِي كَيْلِ الطَّعَامِ إذَا بِيعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ كَانَ قَرْضًا. ابْنُ يُونُسَ: وَكَرِهَ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَمَنَعَ جَوَازَ التَّصْدِيقِ فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِدُ نَقْصًا فَيَغْتَفِرُهُ لِمَا يَرْجُو مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 التَّأْخِيرِ بِالسَّلَمِ (وَمُعَجَّلٍ قَبْلَ أَجَلِهِ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْكَاتِبِ فِي الَّذِي أَخَذَ مِنْ غَرِيمِهِ الطَّعَامَ عَلَى التَّصْدِيقِ: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ تَصْدِيقُهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لِمَا يَدْخُلُ ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا صَدَّقَهُ مِنْ أَجْلِ تَعْجِيلِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ فَيَدْخُلُهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً وَهُوَ مَعْنَى " ضَعْ وَتَعَجَّلْ ". (وَبَيْعٌ وَصَرْفٌ) قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ مَعَ الْبَيْعِ جُعْلٌ وَلَا صَرْفٌ أَوْ مُسَاقَاةٌ أَوْ شَرِكَةٌ أَوْ نِكَاحٌ أَوْ قِرَاضٌ. وَيُعَبِّرُ الشُّيُوخُ عَنْ هَذِهِ الْعُقُودِ بِلَفْظِ " جِصّ مُشْنِق ". ابْنُ عَرَفَةَ: ثَالِثُ الْأَقْوَالِ فِي الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ يَجُوزُ بِقَيْدِ التَّبَعِيَّةِ فِي الدِّينَارِ الْوَاحِدِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ دِينَارًا) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 فَمَذْهَبُ الْكِتَابِ أَنَّهُ جَائِزٌ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِنِصْفِ الدِّينَارِ. (وَالصَّرْفُ بِنِصْفِهِ أَوْ يَجْتَمِعَا فِيهِ) ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ ابْتَاعَ عَرْضًا وَدَرَاهِمَ بِدِينَارَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ أَقَلَّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ جَازَ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا مُوَافِقٌ لِلْمُدَوِّنَةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ تَبَعًا وَأَقَلَّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ. اللَّخْمِيِّ: وَأَجَازَ مَالِكٌ حِنْطَةً بِتَمْرٍ وَثَوْبٍ نَقْدًا وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ فِي بَيْعٍ وَصَرْفٍ لِأَنَّ حُكْمَ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ حُكْمُ الصَّرْفِ. وَقَوْلُ مَالِكٍ نَقْدًا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: الْقِيَاسُ إذَا تَنَاجَزَا فِي الطَّعَامَيْنِ أَنْ يَجُوزَ تَأَخُّرُ الثَّوْبِ. وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: قَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْبَيْعَ وَالصَّرْفَ جَائِزٌ اجْتِمَاعُهُمَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَمَا هُوَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ بِالْحَرَامِ أَبْيَنُ، وَقَدْ أَجَازَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 147 أَشْهَبُ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ كَرِهَهُ قَالَ: وَإِنَّمَا الَّذِي كُرِهَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مَعَهُمَا سِلْعَةً وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مَعَهُمَا سِلْعَةً. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَوْلُ أَشْهَبَ أَظْهَرُ. (وَسِلْعَةٌ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ إنْ تَأَجَّلَ الْجَمِيعُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِسِلْعَةٍ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا كُلُّ ذَلِكَ نَقْدًا. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَتَأْجِيلُ الْجَمِيعِ مُمْتَنِعٌ. ابْنُ شَاسٍ: لِأَنَّهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالدِّرْهَمَانِ فِي هَذَا كَالدِّرْهَمِ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ دَرَاهِمَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 148 (أَوْ السِّلْعَةُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ " قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ تَنَاقَدَا الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ وَتَأَخَّرَتْ السِّلْعَةُ لَمْ يَصْلُحْ عِنْدَ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إلَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ الثَّوْبُ لِمِثْلِ خِيَاطَةٍ أَوْ حَتَّى يَبْعَثَ فِي أَخْذِهِ وَهُوَ ثَوْبٌ بِعَيْنِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ (أَوْ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ) ابْنُ يُونُسَ: اخْتِصَارُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَ أَحَدُ الْعَيْنَيْنِ مُؤَجَّلًا لَمْ يَجُزْ بِإِجْمَاعٍ لِأَنَّهُ لِلذَّهَبِ بِالْوَرِقِ إلَى أَجَلٍ (بِخِلَافِ تَأْجِيلِهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ تَأَخَّرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 149 الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ إلَى أَجَلٍ وَعُجِّلَتْ السِّلْعَةُ فَجَائِزٌ. ابْنُ الْكَاتِبِ: فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ لَمْ يَجُزْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَدْفَعَ الدِّرْهَمَ وَيَأْخُذَ الدِّينَارَ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى صَرْفِ الدِّينَارِ دَرَاهِمَ فَيَحُطُّ مِنْهُ دِرْهَمًا ثُمَّ يَدْفَعُ إلَى الْبَائِعِ بَاقِيَهُ. ابْنُ يُونُسَ: ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ الدِّرْهَمَ وَيَأْخُذَ الدِّينَارَ (أَوْ تَعْجِيلِ الْجَمِيعِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا بِدِينَارٍ إلَّا ثَلَاثَةً أَوْ خَمْسَةً أَوْ أَكْثَرَ فَيَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ تَقَدَّمَ وَلَا يَنْبَغِي التَّأْخِيرُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. (كَدَرَاهِمَ مِنْ دَنَانِيرَ بِالْمُقَاصَّةِ وَلَمْ يَفْضُلْ) قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: مَنْ ابْتَاعَ خَمْسَةَ عَشَرَ جِلْدًا كُلُّ جِلْدٍ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمٍ لِأَجَلٍ لَا خَيْرَ فِيهِ إلَّا إنْ قَطَعُوا صَرْفَ الدَّرَاهِمِ قَبْلَ الْعَقْدِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 151 مُحَمَّدٌ: مِثْلَ أَنْ يَقُولُوا إنْ وَقَعَ بَيْنَنَا بَيْعٌ بِدَرَاهِمَ فَنَبِيعُهَا كَذَا وَكَذَا بِدِينَارٍ فَهَذَا الْجَائِزُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ نَقْدًا وَلَا لِأَجَلٍ لِأَنَّهُ صَرْفٌ وَبَيْعٌ، فَإِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَنْ يَتَقَاصَّا مِنْ الدَّنَانِيرِ فِيمَا اجْتَمَعَ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمُسْتَثْنَاةِ بِسَوْمٍ سَمَّيَاهُ فَاتَّفَقَا فِيمَا تَبَايَعَا بِهِ أَنْ يَفْضُلَ مِنْ الدَّرَاهِمِ شَيْءٌ بَعْدَ الْمُقَاصَّةِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ بَاعَ مِنْهُ سِتَّةَ عَشَرَ جِلْدًا كُلُّ جِلْدٍ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا عَلَى أَنْ يَحْسِبَ الدَّرَاهِمَ بَيْنَهُمَا سِتَّةَ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ جَازَ، كَانَ الْبَيْعُ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ، لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا (وَفِي الدِّرْهَمَيْنِ كَذَلِكَ) قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ فَضَلَ بَعْدَ الْمُقَاصَّةِ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ السِّلْعَةَ وَيَتَأَخَّرَ الدِّينَارُ، وَالدِّرْهَمُ أَوْ الدِّرْهَمَانِ إلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ (وَفِي أَكْثَرَ كَالْبَيْعِ وَالصَّرْفِ) قَالَ: وَأَمَّا إنْ فَضَلَ بَعْدَ الْمُحَاسَبَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الدَّرَاهِمُ الْكَثِيرَةُ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ إنْ كَانَ نَقْدًا، وَلَا يَجُوزُ إنْ كَانَ لِأَجَلٍ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِ الْمُحَاسَبَةِ فَيَجُوزُ إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُسْتَثْنَاةُ فِي الصَّفْقَةِ الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ، وَيَجُوزُ إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُسْتَثْنَاةُ كَثِيرَةً دُونَ صَرْفِ دِينَارٍ إنْ كَانَ الْبَيْعُ نَقْدًا، وَلَا يَجُوزُ إنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ. وَانْظُرْ إنْ وُجِدَ عَيْبٌ بَيْنَ أَنْ يَحُدَّهُ بِالدِّينَارِ أَوْ بِالدِّرْهَمَيْنِ فَرْقٌ. (وَصَائِغٌ يُعْطَى الزِّنَةَ وَالْأُجْرَةَ) ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَتَى إلَى صَائِغٍ بِوَرِقِهِ لِيَعْمَلَ لَهُ خَلْخَالًا فَوَجَدَ عِنْدَهُ خَلْخَالًا مَعَهُ فَرَاطَلَهُ فِيهِ بِوَرِقِهِ وَأَعْطَاهُ أُجْرَةَ عَمَلِ يَدِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ (كَزَيْتُونٍ وَأُجْرَتُهُ لِمُعْصِرِهِ) ابْنُ شَاسٍ: يَنْخَرِطُ فِي هَذَا السِّلْكِ مَسْأَلَةُ دَارٍ لَا الْإِشْقَالَةِ وَهِيَ الْمَعَاصِرُ يَأْتِيهَا مَنْ مَعَهُ زَيْتُونٌ فَيُقَدِّرُ قَدْرَ مَا يَخْرُجُ فَيَأْخُذُهُ زَيْتًا وَيُعْطِيهِمْ الْأُجْرَةَ، وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ سَبَبُهُمَا الْقِيَاسُ عَلَى الرُّخْصِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ ابْنِ بَشِيرٍ وَلَمْ أَرَهَا لِأَقْدَمَ مِنْهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّائِغِ (بِخِلَافِ تِبْرٍ يُعْطِيهِ الْمُسَافِرُ وَأُجْرَتَهُ دَارَ الضَّرْبِ لِيَأْخُذَ زِنَتَهُ) ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ يَأْتِي بِفِضَّةٍ إلَى أَهْلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 152 بَيْتِ الضَّرْبِ فَيُرَاطِلُهُمْ بِهَا دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةً وَيُعْطِيهِمْ أُجْرَتَهُمْ قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا وَقَدْ عُمِلَ بِهِ فِيمَا مَضَى بِدِمَشْقَ. ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَقَالَهُ مَنْ لَقِيتُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ سَكَّاكٌ أَوْ صَائِغٌ إلَّا فِضَّتَك وَذَهَبَك وَحْدَهُ، وَأَمَّا عَمَلُ أَهْلِ السِّكَّةِ فِي جَمْعِهِمْ ذُهُوبَ النَّاسِ فَإِذَا فَرَغَتْ أَعْطَوْا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ وَزْنِ ذَهَبِهِ وَقَدْ عَرَفُوا مَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ هَذَا أَيْضًا. قَالَهُ مَنْ لَقِيته مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ جَمْعُ الذُّهُوبِ لِأَهْلِ السِّكَّةِ لِأَجْلِ الرِّفْقِ بِالنَّاسِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ لِذَلِكَ كَمَا أَجَازَ مَالِكٌ أَنْ يُدْفَعَ إلَى السَّكَّاكِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ، وَيُعْطِيهِ السَّكَّاكُ دَنَانِيرَ مِثْلَ وَزْنِ ذَهَبِهِ لِضَرُورَةِ الصَّبْرِ، وَهَذَا أَشْنَعُ وَأَشَدُّ مِنْ جَمْعِ الذُّهُوبِ وَلَكِنْ أَجَازَهُ لِلضَّرُورَةِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الزَّيْتُونِ يَأْتِي هَذَا بِإِرْدَبٍّ وَهَذَا بِأَكْثَرَ حَتَّى تَمْتَلِئَ الْإِشْقَالَةُ فَيُعْصَرَ قَالَ: إنَّمَا يُكْرَهُ هَذَا لِأَنَّ بَعْضَهُ أَكْثَرُ خَرَاجًا مِنْ بَعْضٍ، فَأَمَّا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ مَصَالِحِهِمْ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَكَذَا فِي عَصْرِ الْجُلْجُلَانِ وَالْفُجْلِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا خَيْرَ فِيهِ. قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِهَذَا كَانَ الْخَطِيبُ الْحَفَّارُ يَمْنَعُ خَلَطَ اللَّبَنِ وَقِسْمَةَ جُبْنِهِ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ لُبٍّ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُهُ وَقَدْ كُنْت أَمْنَعُهُ قَالَ: ثُمَّ أَجَزْته بَعْدَ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ بِشَرْطِ أَنْ يُكَالَ كُلَّ يَوْمٍ، وَأَمَّا كَيْلُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ ثُمَّ يَسْتَمِرُّ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ (وَالْأَظْهَرُ خِلَافُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: ضَعَّفَهُ مَالِكٌ فِي دَارِ الضَّرْبِ لِمَا ذُكِرَ، وَالصَّوَابُ أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا مَعَ الْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ الْمُبِيحِ أَكْلَ الْمَيِّتَةِ (وَبِخِلَافِ دِرْهَمٍ بِنِصْفٍ وَفُلُوسٍ أَوْ غَيْرِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: أَمَّا دِرْهَمٌ بِنِصْفٍ فَمَا دُونَهُ وَفُلُوسٍ أَوْ طَعَامٍ فَجَائِزٌ لِلضَّرُورَةِ. الْقَبَّابُ: الْأَصْلُ فِي الرَّدِّ عَلَى الدِّرْهَمِ الْمَنْعُ لِكَوْنِهِ بَيْعَ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ مَعَ إحْدَاهُمَا سِلْعَةً، وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ بِكَرَاهَةِ الرَّدِّ عَلَى الدِّرْهَمِ عَلَى الْأَصْلِ ثُمَّ خَفَّفَهُ لِضَرُورَةِ النَّاسِ إلَيْهِ وَبِمَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ النِّصْفَ فَدُونَ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اشْتَرَيْتَ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ الْآخَرِ فِضَّةً أَوْ بِثُلُثَيْهِ طَعَامًا وَأَخَذْتَ بَاقِيَهُ فِضَّةً فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ أَخَذْت بِثُلُثِهِ طَعَامًا وَأَخَذْت بَاقِيَهُ فِضَّةً فَمَكْرُوهٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ أَكْثَرَ وَجَوَّزَهُ إذَا كَانَتْ أَقَلَّ، لِأَنَّ الطَّعَامَ إذَا كَانَ هُوَ الْأَكْثَرُ عُلِمَ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ فِي الشِّرَاءِ وَالْفِضَّةُ التَّبَعُ فَأَجَازَهُ لِلرِّفْقِ بِالنَّاسِ وَلِلضَّرُورَةِ الَّتِي تَلْحَقُهُمْ إذْ لَا يَجُوزُ كَسْرُ الدِّرْهَمِ (فِي بَيْعٍ) . الْقَبَّابُ: مِنْ شُرُوطِ الرَّدِّ أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ فِي بَيْعٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ إجَارَةٍ أَوْ كِرَاءٍ وَلَا يَجُوزُ فِي صَدَقَةٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا قَرْضٍ. وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُرَدَّ ثُلُثُ دِرْهَمٍ عَلَى مَنْ ابْتَاعَ بِثُلُثَيْ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَنْقُدْ، فَلَمَّا طُولِبَ بِالنَّقْدِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ أَعْطَاهُ دِرْهَمًا صَحِيحًا وَرَدَّ عَلَيْهِ الْبَائِعُ ثُلُثَ دِرْهَمٍ فِضَّةً كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي أَصْلِ الشِّرَاءِ وَمُنِعَ إذَا أَسْلَفَهُ ثُلُثَيْ دِرْهَمٍ أَنْ يَأْتِيَهُ بِدِرْهَمٍ صَحِيحٍ فَيُعْطِيَهُ فِيهِ فِضَّةً. وَمَا قُلْنَا مِنْ جَوَازِهِ فِي الْإِجَارَةِ وَالْكِرَاءِ مَعْنَاهُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الْمَنَافِعِ، فَإِذَا طَلَبَهُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ بِأُجْرَتِهِ يَدْفَعُ إلَيْهِ الصَّانِعُ صَغِيرًا أَوْ يَأْخُذُ مِنْهُ كَبِيرًا إذَا لَمْ يَكُونَا دَخَلَا عَلَى ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ (وَسُكَّا وَاتَّحَدَتْ) عِيَاضٌ: مِنْ شُرُوطِ الرَّدِّ أَنْ يَكُونَ الدِّرْهَمَانِ مَعًا مَسْكُوكَيْنِ وَأَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 153 يَكُونَ سَكْتُهُمَا وَاحِدَةً. الْقَبَّابُ: اُنْظُرْ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ مَعَ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ لَمَّا عَلَّلَ الْجَوَازَ بِالضَّرُورَةِ قَالَ: وَهَذَا فِي بَلَدٍ فِيهِ الدَّرَاهِمُ الْكِبَارُ خَاصَّةً أَوْ الدَّرَاهِمُ الْكِبَارُ وَالصِّغَارُ وَلَا يَكُونُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي إلَّا دِرْهَمٌ كَبِيرٌ وَفِي كَسْرِهِ ضَرَرٌ، فَأُبِيحَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِنِصْفِهِ طَعَامًا وَبِبَاقِيهِ فِضَّةً، أَوْ مِنْ هَذِهِ الْخَرَارِيبِ الصِّغَارِ لِلضَّرُورَةِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا فِي بَلَدٍ الْغَالِبُ فِيهِ الْخَرَارِيبُ الصِّغَارُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا كَبِيرًا وَيَأْخُذَ بِنِصْفِهِ طَعَامًا وَبَاقِيهِ مِنْ الْخَرَارِيبِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ السَّمَاعِ أَخْذُ ثُلُثِهِ فِضَّةً وَعُلِمَ تَقْيِيدُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: جَوَازُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ غَيْرَ مَسْكُوكٍ كَمَا تَقَدَّمَ لِابْنِ يُونُسَ اهـ. وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ يُونُسَ " أَمَّا فِي بَلَدٍ فِيهِ الْخَرَارِيبُ الصِّغَارُ "، وَقَوْلُهُ " وَلَا يَكُونُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي إلَّا دِرْهَمٌ كَبِيرَةٌ " ظَاهِرٌ إنْ كَانَ عِنْدَهُ دِرْهَمٌ صَغِيرٌ فَإِنَّ الرَّدَّ لَا يَجُوزُ. وَحَكَى لَنَا سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ ابْنَ عَلَاقٍ كَانَ يَقُولُ: لَا يُشْتَرَطُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي دِرْهَمٌ صَغِيرٌ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ ضُبِطَ بِالْمَظِنَّةِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى النَّادِرِ كَالْقَصْرِ فِي السَّفَرِ (وَعُرِفَ الْوَزْنُ) . الْقَبَّابُ: مِنْ شُرُوطِ الرَّدِّ أَنْ يَكُونَا مَعْرُوفَيْ الْوَزْنِ وَإِلَّا كَانَ بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ جُزَافًا وَلَا خَفَاءَ يَمْنَعُهُ اهـ. وَكَانَ الْأُسْتَاذُ الْمُدَوِّرُ يُصَرِّحُ بِمَنْعِ الرَّدِّ بالقرسطون (وَانْتُقِدَ الْجَمِيعُ كَدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ وَإِلَّا فَلَا) لَعَلَّهُ وَانْتُقِدَ الْجَمِيعُ وَإِلَّا فَلَا كَدِينَارٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ. الْقَبَّابُ: مِنْ شُرُوطِ الرَّدِّ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ نَقَدَ الدِّرْهَمَ الْكَبِيرَ وَعَوَّضَهُ بِخِلَافِ مَنْ اشْتَرَى بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ. ابْنُ جَمَاعَةَ: لَا يَجُوزُ رَدُّ الصَّرْفِ عَلَى دِرْهَمَيْنِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي دِرْهَمٍ وَاحِدٍ. الْقَبَّابُ: فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ كَبِيرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ وَيَسْتَرِدَّ فِيهِمَا دِرْهَمًا صَغِيرًا. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ وَلَفْظُهُ عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ اهـ. وَانْظُرْ الْمَرْدُودَ. وَأَجَازَ اللَّخْمِيِّ أَنْ يَدْفَعَ دِرْهَمًا وَيَأْخُذَ بِبَقِيَّتِهِ دَرَاهِمَ صِغَارًا قَالَ: إذَا كَانَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ النِّصْفُ. ابْنُ عَرَفَةَ: ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ عُدُولِ بَلَدِنَا الْمُدَرِّسِينَ فَتْوَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154 بِجَوَازِ الرَّدِّ فِي الدِّينَارِ فَبَعَثَ إلَيْهِ الْقَاضِي ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَمَّا نُقِلَ عَنْهُ لِيُؤَنِّبَهُ عَلَى ذَلِكَ فَأَنْكَرَ فَتْوَاهُ بِذَلِكَ. (وَرُدَّتْ زِيَادَةٌ بَعْدَهُ لِعَيْبِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ صَرَفْتَ مِنْ رَجُلٍ دِينَارًا ثُمَّ لَقِيته بَعْدَ أَيَّامٍ فَقُلْت لَهُ قَدْ اسْتَرْخَصْت الدِّينَارَ فَزِدْنِي فَزَادَك دِرْهَمًا نَقْدًا أَوْ لِأَجَلٍ فَجَائِزٌ وَلَا يَنْتَقِضُ الصَّرْفُ، فَإِنْ كَانَ الدِّينَارُ رَدِيئًا فَرَدَّهُ انْتَقَضَ الصَّرْفُ وَأَخَذَ مِنْك الَّذِي زَادَك مَعَ دَرَاهِمِهِ لِأَنَّهُ لِلصَّرْفِ فَيُرَدُّ بِرَدِّهِ، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْمَبِيعِ إنْ رَدَّ السِّلْعَةَ بِعَيْبٍ أَخَذَهَا (لَا لِعَيْبِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ. لَيْسَ لَك رَدُّ الزِّيَادَةِ بِعَيْبٍ تَجِدُهُ فِيهَا لِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الصَّرْفُ. ابْنُ يُونُسَ: إذْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 157 لَوْ شَاءَ لَمْ يَزِدْك وَهِيَ هِبَةٌ تَطَوَّعَ بِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُهَا. وَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ: إنْ زَادَهُ خَوْفَ نَقْضِ الصَّرْفِ بَطَلَ الصَّرْفُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَبِتَصْدِيقٍ فِيهِ " أَنَّهُ إذَا وُجِدَ مَعِيبٌ فِي الصَّرْفِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُرْضِيَهُ وَلَا يَفْسَخُ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ لَمْ يُرِدْ الْفَسْخَ وَصَالَحَ عَلَى الزَّائِدِ بِعَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ فَأَجَازَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ، وَمَنَعَهُ ابْنُ شَعْبَانَ قَالَ: إلَّا أَنْ يَتَفَاسَخَا ثُمَّ يَعْمَلَانِ عَلَى مَا يَجُوزُ، وَاسْتَشْهَدَ بِمَسْأَلَةِ كِتَابِ الصُّلْحِ فِي الطُّرُقِ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، فَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُرْضِيَهُ عَلَى شَيْءٍ وَيَدْفَعَهُ إلَيْهِ نَقْدًا وَلَا يَرُدَّهُ. اُنْظُرْ ثَانِيَ تَرْجَمَةٍ مِنْ الصَّرْفِ مِنْ اللَّخْمِيِّ (وَهَلْ مُطْلَقًا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ لَك رَدُّ الزِّيَادَةِ بِعَيْبٍ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إذْ لَوْ شَاءَ لَمْ يَزِدْك (أَوْ إلَّا أَنْ يُوجِبَهَا) اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ لَهُ اسْتَرْخَصْت فَزِدْنِي فَزَادَهُ دِرْهَمًا ثُمَّ وَجَدَهُ زَائِفًا، فَإِنْ كَانَ الْتَزَمَ ذَلِكَ وَلَمْ يَعِبْهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَدِّلَهُ (أَوْ إنْ عُيِّنَتْ تَأْوِيلَاتٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 158 وَإِنْ رَضِيَ بِالْحَضْرَةِ بِنَقْضِ وَزْنٍ أَوْ بِكَرَصَاصٍ بِالْحَضْرَةِ أَوْ رَضِيَ بِإِتْمَامِهِ أَوْ بِمَغْشُوشٍ مُطْلَقًا صَحَّ) ابْنُ عَرَفَةَ: نَقْصُ الْقَدْرِ يُعْلَمُ بِالْقُرْبِ إنْ رَضِيَ بِهِ أَوْ أَتَمَّ تَمَّ، فَإِنَّ تَفَرَّقَا قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ مَا نَقَصَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَنْتَقِضُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَمِيعَ يَنْتَقِضُ إلَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَلَبَةٍ أَوْ غَلَطٍ فَيَمْضِي مَا وَقَعَ فِيهِ التَّنَاجُزُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إنْ وَجَدَ نَقْصًا قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَلَهُ أَنْ يَرْضَى أَوْ يَأْخُذَ بِهِ مَا شَاءَ. رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ كَانَ كَرَصَاصٍ فَالْمِقْدَارُ اهـ. وَانْظُرْ إذَا كَانَ هَذَا كُلُّهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، فَأَمَّا النَّقْصُ فَإِنْ كَانَ فِي الْعَدَدِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: النَّقْصُ فِي الصَّرْفِ عَلَى وَجْهَيْنِ: فِي الْعَدَدِ وَفِي الْوَزْنِ، وَهُوَ فِي الْوَزْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَنْ تَكُونَ الدَّنَانِيرُ مَجْمُوعَةً، وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ عَدَدًا كَالْقَائِمَةِ وَالْفُرَادَى ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ انْعَقَدَ الصَّرْفُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ عَدَدًا. فَوَجَدَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَثَالِثُ الْأَقْوَالِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الصَّرْفَ يَنْتَقِضُ، قَامَ بِحَقِّهِ فِي ذَلِكَ النَّقْدِ أَوْ لَمْ يَقُمْ. ثُمَّ قَالَ وَإِنْ كَانَ الصَّرْفُ عَلَى قَائِمَةٍ أَوْ فُرَادَى أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا الصَّرْفُ فِيهِ عَلَى الْعَدَدِ فَوَجَدَ بَعْضَهَا نَقَصَ عَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 159 الْوَزْنِ الْمُعْتَادِ كَانَ كَالزَّائِفِ إنْ تَمَسَّكَ بِهِ وَلَمْ يَقُمْ صَحَّ الصَّرْفُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ صَرَفَ مِنْهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَوَجَدَ مِنْ الدَّرَاهِمِ دِرْهَمًا نَاقِصًا فَيَقُولُ أَنَا أَتَجَاوَزُ. فَلَا يَنْتَقِضُ مِنْ الصَّرْفِ شَيْءٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَيَنْتَقِضُ مِنْ الصَّرْفِ صَرْفُ دِينَارٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ تَجَاوَزَ النَّاقِصُ جَازَ كَالزَّائِفِ إذَا رَضِيَ بِهِ. وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: إذَا وَجَدَ الصَّرَّافَ قَدْ سَرَقَ مِنْ الْوَزْنِ أَوْ غَلِطَ فَيَرْجِعُ، قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّ مَا كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ تَخْتَلِفَ فِيهِ الْمَوَازِينُ فَجَائِزٌ أَنْ يَتَجَاوَزَهُ، وَلَا يَنْتَقِضُ الصَّرْفُ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ الصَّرْفِ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِالزَّائِفِ وَلَوْ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ فَإِنَّ الصَّرْفَ يَصِحُّ. وَتَعَقَّبَ هَذِهِ الْمَازِرِيُّ وَقَالَ: إنَّ الْعَقْدَ كَانَ عَلَى طَيِّبٍ فَالرِّضَا بِالزَّائِفِ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ تَأْخِيرٌ، ثُمَّ أَجَابَ عَنْ هَذَا اُنْظُرْهُ فِيهِ (وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُعَيَّنْ) ابْنُ الْحَاجِبِ نَقْصُ الْمِقْدَارِ يُعْلَمُ بِالْحَضْرَةِ إنْ رَضِيَ بِهِ أَوْ بِإِتْمَامِهِ نَاجِزًا صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ وَكَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ وَفِي الْمُعَيَّنِ قَوْلَانِ. ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 160 الصَّرْفِ إنْ عُيِّنَتْ تَعَيَّنَتْ، وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ فَهَلْ تُعَيَّنُ بِالْقَبْضِ أَوْ بِالْمُفَارَقَةِ؟ فَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ سَاعَةَ صَارَفَهُ فَمَنْ رَأَى أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُعْطِيَهُ بَقِيَّةَ صَرْفِهِ مِمَّا بَقِيَ فِي يَدِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فَيَكُونُ صَرْفًا مُسْتَقِلًّا اهـ. وَسَيَأْتِي أَنَّ هَذَا الثَّانِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَإِنْ طَالَ نُقِضَ إنْ قَامَ بِهِ) ابْنُ شَاسٍ: الْمَغْشُوشُ إنْ رَضِيَ وَاجِدُهُ بِهِ صَحَّ الصَّرْفُ وَإِنْ قَامَ بِهِ انْتَقَضَ الصَّرْفُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَإِذَا قُلْنَا بِالنَّقْضِ، فَهَلْ يَخْتَصُّ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ؟ وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَيَجُوزُ فِيهِ الْبَدَلُ بِلَا خِلَافٍ أَوْ يَجْرِي فِي الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ رَأْيُ اللَّخْمِيِّ وَأَصْلُهُ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالثَّانِي رَأْيُ جُلِّ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَصْلُهُ لِأَبِي الْقَاسِمِ وَابْنِ الْكَاتِبِ اهـ. وَرَشَّحَ اللَّخْمِيُّ مَا ذُكِرَ عَنْهُ بِمَا نَصُّهُ: لَمَّا كَانَ مُعَيَّنًا لَمْ يَلْزَمْ الْمَرْدُودَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِبَدَلِهِ فَانْتَقَضَ الصَّرْفُ، وَإِذَا انْتَقَضَ الصَّرْفُ كَانَ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ الْآنَ صَرْفًا مُبْتَدَأً. قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ بِالدَّرَاهِمِ وَكَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَجُزْ الْبَدَلُ عِنْدَ مَالِكٍ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَهَذَا أَقْيَسُ إذَا كَانَا قَدْ اخْتَبَرَا مَا تَصَارَفَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ قَدْ اخْتَبَرَا مَا تَصَارَفَا عَلَيْهِ وَقَلَبَاهُ، فَمَا وُجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْغَلَبَةِ فِي الصَّرْفِ. وَقَدْ أَجَازَ الْبَدَلَ فِي الصَّرْفِ ابْنُ شِهَابٍ وَاللَّيْثُ وَابْنُ عُمَرَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَرَبِيعَةُ وَابْنُ سِيرِينَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ قِيَاسًا عَلَى الْعَيْبِ يُوجَدُ فِي السَّلَمِ اهـ. وَانْظُرْ إذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ الْبَدَلُ فَأَرَادَ أَنْ يَبْقَيَا عَلَى صَرْفِهِمَا وَيُرَاضِيهِ صَاحِبُ الزَّائِفِ بِشَيْءٍ يُعْطِيهِ لَهُ وَيَسْتَغْنِيَانِ عَنْ الْبَدَلِ وَعَنْ الْفَسْخِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: ذَلِكَ جَائِزٌ كَمَسْأَلَةِ الطَّوْقِ الْوَاقِعَةِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَانْظُرْ أَيْضًا إذَا كَانَ الزَّائِفُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 161 مِمَّا يُشْكِلُ عِنْدَ بَعْضٍ وَيَجُوزُ عِنْدَ بَعْضٍ نَصَّ ابْنُ جَمَاعَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْبَدَلُ. اُنْظُرْ بُيُوعَ الْقَبَّابُ، وَانْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةً نَصَّ عَلَيْهَا اللَّخْمِيِّ وَهِيَ إذَا وَجَدَ دَرَاهِمَ الصَّرْفِ بِزِيَادَةٍ قَالَ: يَرُدُّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لِلصَّرَّافِ وَصَرْفُهُ صَحِيحٌ (كَنَقْصِ الْعَدَدِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ " بِنَقْصِ وَزْنٍ وَاسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ " فَهُوَ يَحْتَاجُ لِتَأَمُّلٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 162 وَاسْتِظْهَارٍ (وَهَلْ مُعَيَّنُ مَا غُشَّ كَذَلِكَ أَوْ يَجُوزُ فِيهِ الْبَدَلُ تَرَدُّدٌ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ: وَإِذَا قُلْنَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 163 بِالنَّقْصِ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِغَيْرِ الْعَيْنِ. (وَحَيْثُ نُقِضَ فَأَصْغَرُ دِينَارٍ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّاهُ فَأَكْبَرُ مِنْهُ لَا الْجَمِيعُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ صَرَفَ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ وَجَدْتُ فِيهَا دِرْهَمًا زَائِفًا انْتَقَضَ صَرْفُ دِينَارٍ، وَإِنْ وَجَدْت أَكْثَرَ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ وَإِنْ قَلَّ انْتَقَضَ صَرْفُ دِينَارَيْنِ، وَهَكَذَا عَلَى هَذَا الْحِسَابِ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ كَانَتْ الدَّنَانِيرُ سِكَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ تَنْقُصُ مَجْمُوعَةً فِي الْوَزْنِ فَإِنَّمَا يَنْتَقِضُ صَرْفُ أَنْقَصِ الدَّنَانِيرِ. التُّونِسِيُّ: مَهْمَا قَدَرْت عَلَى نَقْصِ قَلِيلٍ فَلَا تَنْقُصُ أَكْثَرَ مِنْهُ، ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا لَمْ يَنْتَقِضْ صَرْفُ الْجَمِيعِ لِأَنَّ كُلَّ دِينَارٍ كَأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِنَفْسِهِ إذْ لَا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ مِنْ قِيمَةِ صَاحِبِهِ (وَهَلْ وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ دِينَارٍ؟ تَرَدُّدٌ) الْجَلَّابُ: وَغَيْرُهُ هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ إذَا رَتَّبَا لِكُلِّ دِينَارٍ شَيْئًا مَعْلُومًا حِينَ الْعَقْدِ، وَأَمَّا إنْ صَارَفَا جُمْلَةَ دَنَانِيرَ بِجُمْلَةِ دَرَاهِمَ لَمْ يَنْتَقِضْ الصَّرْفُ كُلُّهُ. ابْنُ يُونُسَ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ لَا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهَا إذَا كَانَتْ سِكَّةً وَاحِدَةً وَإِنَّمَا يَقَعُ لِكُلِّ دِينَارٍ حِصَّتُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى الْعَدَدِ، إنْ كَانَتْ خَمْسَةً وَقَعَ لِكُلِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 164 دِينَارٍ خُمْسُ الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ كَانَتْ سِتَّةً فَسُدُسُ الدَّرَاهِمِ، فَالْحُكْمُ يُوجِبُ التَّرْتِيبَ وَإِنْ لَمْ يُرَتِّبَاهُ، وَلِأَنَّ التَّرْتِيبَ حُكْمٌ لَهُ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمْ فِي الْبُيُوعِ إذَا رَتَّبَ لِكُلِّ سِلْعَةٍ ثَمَنًا وَبِيعَتْ فِي صَفْقَةٍ أَنَّ ذَلِكَ التَّرْتِيبَ لَا حُكْمَ لَهُ فِي طَرَيَان الِاسْتِحْقَاقِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ (وَهَلْ يَنْفَسِخُ فِي السِّكَكِ أَعْلَاهَا أَوْ الْجَمِيعُ؟ قَوْلَانِ) ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ إنْ كَانَتْ سِكَّةُ الدَّنَانِيرِ كُلُّهَا وَاحِدَةً، فَإِنْ كَانَتْ السِّكَّةُ مُخْتَلِفَةً فَقَالَ أَصْبَغُ: يَنْتَقِضُ صَرْفُ أَجْوَدِ الدَّنَانِيرِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: يَنْتَقِضُ الصَّرْفُ كُلُّهُ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ كُلِّ دِينَارٍ ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ سَحْنُونٍ أَقْيَسُ. اُنْظُرْ سَمَاعَ أَبِي زَيْدٍ، حُكْمُ الْحُلِيِّ الْكَثِيرِ يُوجَدُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُ مِسْمَارُ نُحَاسٍ، فَإِنْ كَانَ كُلُّهُ مُسْتَوِيًا لَا تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ فِيهِ كَأَنْ يَكُونَ كُلُّهُ خَلَاخِلَ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ مِنْهُ خَلْخَالَانِ خَاصَّةً وَلَا يَنْتَقِضُ الْجَمِيعُ، وَكَذَلِكَ هُوَ الْحُكْمُ أَيْضًا إنْ وَجَدَ فِي الثَّمَنِ زَائِفًا. قَالَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ. (وَشُرِطَ لِلْبَدَلِ جِنْسِيَّةٌ وَتَعْجِيلٌ) اُنْظُرْ هَذَا فَهُوَ فَرْعُ جَوَازِ الْبَدَلِ فِي الصَّرْفِ وَقَدْ مَنَعَ هُوَ الْبَدَلَ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ فَيَبْقَى إذَا كَانَ هَذَا بِالْحَضْرَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْبَاجِيِّ: إنْ وَجَدَ نَقْصًا قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا شَاءَ. وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْخِلَافَ فِي الْبَدَلِ فَرَّعَ عَلَى الْجَوَازِ وَقَالَ: شَرْطُ الْبَدَلِ الْجِنْسِيَّةُ وَالتَّعْجِيلُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا يَقْتَضِي مَنْعَهُ بِعَرْضٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ شَرْطُ عَدَمِ يَسَارَةِ الْعَرْضِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ. (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ مُعَيَّنٌ سُكَّ بَعْدَ مُفَارَقَةٍ أَوْ طُولٍ، أَوْ مَصُوغٌ مُطْلَقًا نُقِضَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا صَرَفْتَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ وَقَبَضْتهَا فَاسْتُحِقَّتْ الدَّرَاهِمُ انْتَقَضَ الصَّرْفُ. ابْنُ يُونُسَ: حُجَّةُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمَّا قَبَضَهَا صَارَتْ كَالْمُعَيَّنَةِ، وَسَيَأْتِي لِابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا يَقْتَضِي لِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِالْحَضْرَةِ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَا يَنْتَقِضُ صَرْفُ مَسْكُوكٍ بِاسْتِحْقَاقِهِ حِينَ عَقْدِهِ إلَّا أَنْ يُعَيَّنَ فَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ. وَمِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 166 الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ شِقْصًا بِحِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا فَاسْتُحِقَّتْ الْحِنْطَةُ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ فُسِخَ الْبَيْعُ وَلَا شُفْعَةَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ ابْتَاعَ الْحِنْطَةَ بِثَمَنٍ فَاسْتُحِقَّتْ بَطَلَ الْبَيْعُ وَرَجَعَ بِالثَّمَنِ وَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ مَضَى ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيَرْجِعُ بَائِعُ الشِّقْصِ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِقِيمَةِ النَّقْصِ، وَقَالَهُ سَحْنُونَ. وَالْقَوْلُ إنَّهُ يَرْجِعُ بِثَمَنِ الْحِنْطَةِ غَلَطٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: لَوْ غَصَبَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَابْتَاعَ بِهَا شِقْصًا فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ مَكَانَهُ وَعَلَى الْغَاصِبِ مِثْلُهَا، وَإِنْ وَجَدَهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِعَيْنِهَا بِيَدِ الْبَائِعِ وَأَقَامَ عَلَيْهَا بَيِّنَةً أَخَذَهَا وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِمِثْلِهَا وَالْبَيْعُ تَامٌّ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَصُوغِ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ اُسْتُحِقَّ الْمَصُوغُ انْتَقَضَ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ اشْتَرَى خَلْخَالَيْنِ مِنْ رَجُلٍ بِدَنَانِيرَ فَنَقَدَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ قَبْلَ تَفَرُّقِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَاخْتَارَ أَخْذَ الثَّمَنِ فَلَا بَأْسَ إنْ حَضَرَ الْخَلْخَلَانِ وَأَخَذَ الثَّمَنَ مَكَانَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُبْتَاعُ قَدْ بَعَثَ بِهِمَا إلَى بَيْتِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا نَظَرَ إلَى افْتِرَاقِهِمَا، وَلَكِنْ إذَا حَضَرَ الْخَلْخَالَانِ وَأَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُبْتَاعِ مَكَانَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ غَابَ الْخَلْخَالَانِ لَمْ يَجُزْ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ لِأَنَّ رَبَّ الْخَلْخَالَيْنِ قَدْ مَلَكَ فَسْخَ الْبَيْعِ فَيَرْضَاهُ بِتَمَامِهِ بِبَيْعٍ مُبْتَدَأٍ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَحْضُرَ الْخَلْخَالَانِ (وَإِلَّا صَحَّ وَهَلْ إنْ تَرَاضَيَا؟ تَرَدُّدٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ أَنَّهُ سَاعَةَ اُسْتُحِقَّتْ الدَّرَاهِمُ بِالصَّرْفِ فِي الْحَضْرَةِ وَقَدْ قَبَضَهَا قَالَ لَهُ خُذْ مِثْلَهَا مَكَانَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ. ابْنُ يُونُسَ: إذَا تَرَاضَيَا. قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: فَإِنْ طَالَ أَوْ تَفَرَّقَا لَمْ يَجُزْ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَإِنْ تَرَاضَيَا إلَّا بَعْدَ فَسْخِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلَانِ صَرْفًا جَدِيدًا إنْ أَحَبَّا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَا مَعْنَى لِلتَّرَاضِي قَالَ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِالتَّرَاضِي لَجَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاعَةَ صَارَفَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 167 (وَلِلْمُسْتَحِقِّ إجَازَتُهُ إنْ لَمْ يُخْبَرْ الْمُصْطَرِفُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ اُسْتُحِقَّ الْمَصُوغُ انْتَقَضَ مُطْلَقًا، ثُمَّ إنْ كَانَ لَمْ يُخْبَرْ الْمُصْطَرِفُ فَلِلْمُسْتَحِقِّ إجَازَتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ الْحُكْمِيَّ لَيْسَ كَالشَّرْطِيِّ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ فَهُوَ كَشَرْطِ الْخِيَارِ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَجَازَ مُحَلًّى وَإِنْ ثَوْبًا يَخْرُجُ مِنْهُ عَيْنٌ إنْ سُكَّ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ إنْ أُبِيحَتْ وَسُمِّرَتْ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَوْ قَالَ " وَجَازَ مُحَلًّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ إنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 172 أُبِيحَتْ وَسُمِّرَتْ بِغَيْرِ صِنْفِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَبَعًا وَبِصِنْفِهِ إنْ كَانَ الثُّلُثُ " لِتَنْزِلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: الْمُحَلَّى الْمُبَاحُ الِاتِّخَاذِ إنْ بِيعَ بِجِنْسِ مَا هُوَ مُحَلًّى بِهِ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالرُّكْنِ الثَّانِي مِنْ الصَّرْفِ فِي تَحْصِيلِ الْمُمَاثَلَةِ وَمَا تَصِحُّ بِهِ، فَالْمُحَاذَرَةُ فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ. وَإِنْ بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِ مَا هُوَ مُحَلًّى بِهِ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْبَيْعِ وَالصَّرْفِ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: أَعْنِي فِي بَيْعِ الْمُحَلَّى بِغَيْرِ جِنْسِ مَا هُوَ مُحَلًّى بِهِ لِجَوَازِ اتِّخَاذِ الْمُحَلَّى وَامْتِزَاجِ الْعُرُوضِ بِهِ وَكَوْنِهِ لَا يُنْزَعُ إلَّا بِمَضَرَّةٍ إنْ لَمْ يُحَاذَرْ فِيهِ اجْتِمَاعُ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ. الْبَاجِيُّ: الْقَلَائِدُ الَّتِي لَا يَفْسُدُ غَيْرُ نَظْمِهَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الْإِبَاحَةِ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَيَلْحَقُ بِالْمُحَلَّى الثِّيَابُ الْمُعْلَمَةُ إذَا كَانَتْ أَعْلَامُهَا إذَا أُحْرِقَتْ خَرَجَ مِنْهَا ذَهَبٌ فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ السَّيْفِ الْمُحَلَّى، فَإِنْ كَانَ أَعْلَامُهَا لَوْ أُحْرِقَتْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا شَيْءٌ فَقَدْ تَرَدَّدَ اللَّخْمِيِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 173 هَلْ يُعْتَبَرُ مَا فِيهَا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ لَا يُعْتَبَرُ لِأَنَّهُ كَالْمُسْتَهْلَكِ (وَعُجِّلَ بِغَيْرِ صِنْفِهِ مُطْلَقًا) أَبُو عُمَرَ: إنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِجِنْسِهَا وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسِ مَا هُوَ مُحَلًّى بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ بَيْعَ السَّيْفِ الَّذِي فِضَّتُهُ تَبَعٌ بِفِضَّةٍ أَوْ بِذَهَبٍ إلَى أَجَلٍ فُسِخَ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ فَاتَ أَمْضَيْته لِأَنَّ رَبِيعَةَ كَانَ يُجِيزُ إذَا كَانَ مَا فِي السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ مِنْ الْفِضَّةِ تَبَعًا لَهُ أَنْ يُبَاعَ بِذَهَبٍ إلَى أَجَلٍ (وَبِصِنْفِهِ إنْ كَانَتْ الثُّلُثَ وَهَلْ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِالْوَزْنِ خِلَافٌ) الْبَاجِيُّ: مِنْ شُرُوطِ بَيْعِ الْمُحَلَّى بِجِنْسِ مَا هُوَ مُحَلًّى بِهِ أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ تَبَعًا لِقِيمَةِ الْحُلِيِّ. وَظَاهِرُ الْمُوَطَّأِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقِيمَةِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُلِيِّ وَلَعَلَّهُ تَجَوَّزَ فِي عِبَارَتِهِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِوَزْنِ الْحُلِيِّ لَا بِقِيمَتِهِ. ابْنُ يُونُسَ: كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَكَالزَّكَاةِ إنَّمَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْوَزْنُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 174 فَكَذَلِكَ هَذَا، فَإِذَا كَانَ وَزْنُ الْحُلِيِّ مِائَةً وَقِيمَةُ النَّصْلِ مِائَتَيْنِ فَهِيَ تَبَعٌ. وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَكِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ خِلَافُ هَذَا (وَإِنْ حُلِّيَ بِهِمَا لَمْ يَجُزْ بِأَحَدِهِمَا إلَّا إنْ تَبِعَا الْجَوْهَرَ) اللَّخْمِيِّ: لَمْ يُخْتَلَفْ فِي الْحُلِيِّ يَكُونُ فِيهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَلُؤْلُؤٌ وَجَوْهَرٌ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ الثُّلُثُ فَأَقَلُّ وَاللُّؤْلُؤُ وَالْجَوْهَرُ الثُّلُثَانِ فَأَكْثَرُ أَنَّهُ يُبَاعُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. ابْنُ بَشِيرٍ: هَلْ يُبَاعُ بِكُلِّ وَاحِدٍ كَائِنًا مَا كَانَ أَوْ يُعْتَبَرُ الْأَقَلُّ مِنْ الْعَيْنِ فَيُبَاعُ بِهِ؟ قَوْلَانِ. وَاَلَّذِي فِي الْكَافِي: إذَا اجْتَمَعَ فِي الْحُلِيِّ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْجَوْهَرُ وَكَانَ الَّذِي فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ الثُّلُثَ مِنْ جَمِيعِ قِيمَتِهِ فَأَدْنَى فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ بِالذَّهَبِ مُعَجَّلًا، وَإِذَا كَانَ الَّذِي فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ الثُّلُثَ فَأَدْنَى فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ اهـ. اُنْظُرْ هَذَا كُلَّهُ مَعَ خَلِيلٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ خَلِيلٌ حُكْمَ الْحُلِيِّ يَكُونُ ذَهَبًا وَفِضَّةً أَحَدُهُمَا الثُّلُثَانِ وَالْآخَرُ الثُّلُثُ هَلْ يُبَاعُ بِأَقَلَّ ذَلِكَ؟ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَالْجَوَازُ أَقْيَسُ وَقَالَهُ أَشْهَبُ إذْ لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْحُلِيِّ وَالسَّيْفِ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا فُعِلَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ، فَإِذَا رَأَى أَنَّ الْبَيْعَ مِنْ ذَلِكَ فِي السَّيْفِ كَاللَّغْوِ كَانَ فِي الْحُلِيِّ مِثْلُهُ. وَانْظُرْ قَبْلَ آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الصَّرْفِ اهـ. وَانْظُرْ سِكَّةَ التَّعَامُلِ حَكَى ابْنُ شَاسٍ أَنَّهَا بِخِلَافِ الْحُلِيِّ، لِأَنَّ الْحُلِيَّ يُقْصَدُ ذَهَبُهُ وَفِضَّتُهُ جَمِيعًا وَالْمَسْكُوكُ إنَّمَا يُقْصَدُ ذَهَبُهُ لَا غَيْرُ قَالَ: وَهَذِهِ مُشَاهَدَةٌ لِأَنَّ هُنَاكَ يُقْصَدُ ذَهَبُهُ وَفِضَّتُهُ. ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مَنْعُ الرِّبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا أَرَى لِمُسْلِمٍ بِبَلَدِ الْحَرْبِ أَنْ يَعْمَلَ بِالرِّبَا مَعَ حَرْبِيٍّ. (وَجَازَتْ مُبَادَلَةُ الْقَلِيلِ الْمَعْدُودِ دُونَ سَبْعَةٍ بِأَوْزُنَ مِنْهَا) ابْنُ رُشْدٍ: كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الْمِثْقَالَ وَيَأْخُذَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ قِيرَاطًا مَعْدُودَةً مُرَاطَلَةً، لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا وُزِنَ مُجْتَمِعًا ثُمَّ فُرِّقَ زَادَ أَوْ نَقَصَ. وَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ اسْتِحْسَانًا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فِي الدِّينَارِ الْوَاحِدِ كَمَا أَجَازُوا مُبَادَلَةَ الدِّينَارِ الْوَازِنِ بِالنَّاقِصِ عَلَى وَجْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 175 الْمَعْرُوفِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: أَمَّا بَدَلُ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ بِأَوْزُنَ مِنْهُ فَجَائِزٌ وَذَلِكَ فِيمَا قَلَّ بِخِلَافِ الْمُرَاطَلَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْمُرَاطَلَةِ تَتَكَايَسُ وَفِي الْمُبَادَلَةِ مَعْرُوفٌ. ابْنُ رُشْدٍ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِيمَا قَلَّ مِثْلَ الدِّينَارَيْنِ وَالثَّلَاثِ إلَى السِّتَّةِ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ كَانَ سَحْنُونَ قَدْ أَصْلَحَ السِّتَّةَ وَرَدَّهَا ثَلَاثَةً اهـ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَبْضَعَ مَعَهُ دِينَارٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُبَدِّلَهُ بِأَجْوَدَ مِنْهُ عَيْنًا وَوَزْنًا. قِيلَ: أَتَرَى أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَهُ إذَا أَبْدَلَهُ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: اسْتَخَفَّهُ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ أَنَّ صَاحِبَ الدِّينَارِ يَرْضَى بِذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ابْتِدَاءً إلَّا بِرِضَاهُ وَأَنْ يَكُونَ ضَامِنًا لَهُ إنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ إذْ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ مَعْرُوفِهِ، وَلَعَلَّهُ لَا يَرْضَاهُ فَيَدْخُلُهُ عَدَمُ الْمُنَاجَزَةِ لِلْخِيَارِ الْوَاجِبِ لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 176 وَتَخْفِيفُهُ جَارٍ عَلَى الْخِيَارِ الْحُكْمِيِّ اهـ. اُنْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا أَبْضَعَ الرَّجُلُ بِدَنَانِيرَ مَعَ رَجُلٍ وَأَبْضَعَ آخَرُ مَعَهُ بِدَرَاهِمَ يَشْتَرِي لَهُمَا حَاجَتَهُمَا، لَا بَأْسَ أَنْ يَصْرِفَ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ بِصَرْفِ النَّاسِ. وَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لِمَنْ وُكِّلَ عَلَى الصَّرْفِ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ نَفْسِهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ: وَلَا بَأْسَ بِهَذَا إذْ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ فَلَا تُشَدِّدُوا عَلَى النَّاسِ هَكَذَا جَرَى فَلَيْسَ كَمَا تُشَدِّدُونَ، وَالْخِلَافُ فِي هَذَا هُوَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ خِيَارٌ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَيْهِ الصَّرْفُ وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ الْحُكْمُ. اُنْظُرْ الْقَبَّابَ (بِسُدُسٍ سُدُسٍ) ابْنُ شَاسٍ: أَبْلَغُ مَا اُعْتُبِرَ مِنْ النَّقْصِ سُدُسُ دِينَارٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَزَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِلْمُدَوَّنَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ تَحْدِيدًا بَلْ فَرْضًا وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَبْدَلَ لَك ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ تَنْقُصُ سُدُسًا سُدُسًا بِوَازِنَةٍ عَلَى الْمَعْرُوفِ جَازَ. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ التَّحْدِيدَ بِالسُّدُسِ لِلَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ وَالصَّقَلِّيِّ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَدَلُ الطَّعَامِ الْمَعْفُونِ بِالصَّحِيحِ السَّالِمِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَمَنَعَ ذَلِكَ أَشْهَبُ كَالدَّنَانِيرِ إذَا نَقَصَتْ كَثِيرًا. ابْنُ عَرَفَةَ: فَظَاهِرُهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى مَنْعِهِ فِي الدَّنَانِيرِ الْكَثِيرَةِ النَّقْصِ وَلَمْ يَحُدَّ فِيهِ حَدًّا وَهُوَ اخْتِيَارُ مَنْ لَقِينَاهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 177 (وَالْأَجْوَدُ أَنْقَصُ أَوْ أَجْوَدُ سِكَّةً مُمْتَنِعٌ) أَمَّا إذَا كَانَ الْأَجْوَدُ أَنْقَصَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ النَّاقِصُ أَفْضَلَ فِي عَيْنِهِ مِنْ الْوَازِنِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ. اللَّخْمِيِّ: وَكَذَا إنْ كَانَتْ سِكَّتُهُ أَفْضَلَ مُنِعَ. فَلَوْ قَالَ وَالْأَنْقَصُ أَجْوَدُ أَوْ أَفْضَلُ سِكَّةً مُمْتَنِعٌ لِتَنْزِلَ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَاللَّخْمِيِّ (وَإِلَّا جَازَ) يَدْخُلُ بِهِ أَنَّ الْأَزْيَدَ إذَا كَانَ أَجْوَدَ سِكَّةً فَهُوَ جَائِزٌ وَهَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَمَنَعَهُ قَالُوا: لِأَنَّ اجْتِمَاعَ النَّقْصِ مَعَ الرَّدَاءَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا نَقَصَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ سُدُسِهِ. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ نَصِّ اللَّخْمِيِّ يَجُوزُ بَدَلُ دِينَارٍ طَيِّبٍ بِدَيْنِهِ مَغْشُوشٍ بِنُحَاسٍ أَوْ فِضَّةٍ إذَا كَانَتْ السِّكَّةُ وَاحِدَةً لِأَنَّ ذَلِكَ مُكَارَمَةٌ مِنْ صَاحِبِ الدِّينَارِ الطَّيِّبِ، وَكَذَلِكَ دِينَارٌ مِنْ هَذِهِ الدَّنَانِيرِ الطَّيِّبَةِ مِنْ هَذِهِ الرُّبَاعِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مَحْمُولَةً بِالْفِضَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُكَارَمَةٌ مِنْ صَاحِبِ الدِّينَارِ الطَّيِّبِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فِي بَيْعِ دِرْهَمٍ مَغْشُوشٍ بِدِرْهَمٍ طَيِّبٍ: لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنَّمَا يُشْبِهُ هَذَا الْبَدَلُ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: إنْ دَخَلَ أَحَدُ الدِّرْهَمَيْنِ بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ إلَّا أَنْ يُحِيطَ الْعِلْمُ أَنَّ الدَّاخِلَ فِيهِمَا سَوَاءٌ نَحْوَ السِّكَّةِ الْوَاحِدَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَمَنَعَ شَيْخُنَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 178 ابْنُ رِزْقٍ مُرَاطَلَةَ الذَّهَبِ الْعَبَّادِيَّةِ بِالذَّهَبِ الْعَبَّادِيَّةِ لِأَنَّهَا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبٌ وَنُحَاسٌ بِذَهَبٍ وَنُحَاسٍ، وَذَلِكَ إغْرَاقٌ وَلَا أَقُولُ بِهِ بَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْفِضَّةَ الَّتِي مَعَ هَذِهِ كَالْفِضَّةِ الَّتِي مَعَ هَذِهِ، وَالنُّحَاسَ الَّذِي مَعَ هَذِهِ كَالنُّحَاسِ الَّذِي مَعَ هَذِهِ، وَلَا يُتَّقَى فِي هَذَا مَا يُتَّقَى فِي ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مُنْفَصِلَيْنِ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مُنْفَصِلَيْنِ اهـ. اُنْظُرْ هَذَا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ فَرْعُ جَوَازِ التَّعَامُلِ بِالْمَغْشُوشِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّضَا بِالزَّائِفِ فَرْعُ جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بِهِ، وَسَيَأْتِي قَوْلُ الْبَاجِيِّ فِي الْقِرَاضِ أَنَّ الْقِرَاضَ بِهَذِهِ السِّكَكِ الْمَخْلُوطَةِ أَجْوَزُ مِنْهُ بِالْفُلُوسِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا مُرَاطَلَةُ الذَّهَبِ الْخَالِصَةِ بِالذَّهَبِ الَّتِي لَيْسَتْ بِخَالِصَةٍ كَالْمُرَاطَلَةِ بِالْعَبَّادِيَّةِ، فَمِنْ الشُّيُوخِ مَنْ أَجَازَهُ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِي إجَازَةِ مُبَادَلَةِ الدِّرْهَمِ السَّتُّوقِ بِالدِّرْهَمِ الْجِيَادِ وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ لَا يُجِيزُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ وَيَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِ أَشْهَبَ الْيَسِيرُ مِنْ الدَّرَاهِمِ قِيَاسًا عَلَى مَا أَجَازُوا مِنْ بَدَلِ النِّقَاصِ بِالْوَازِنِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْأَقْوَالِ. (وَمُرَاطَلَةُ عَيْنٍ بِمِثْلِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُرَاطَلَةُ بَيْعُ ذَهَبٍ بِهِ وَزْنًا أَوْ فِضَّةٍ كَذَلِكَ. فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ " بَيْعُ عَيْنٍ بِمِثْلِهِ وَزْنًا " يُرَدُّ بِقُصُورٍ عَلَى الْعَيْنِ دُونَ أَصْلِهَا (بِصَنْجَةٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَلَا بَأْسَ بِالْمُرَاطَلَةِ بِالصَّنْجَةِ فِي كِفَّةٍ وَاحِدَةٍ. ابْنُ رُشْدٍ هِيَ أَصَحُّ لِتَيَقُّنِ الْمُمَاثَلَةِ إذْ قَدْ يَكُونُ عَيْبٌ فِي الْمِيزَانِ. وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ: لَا بَأْسَ بِالْمُرَاطَلَةِ بِالشَّاهِينِ. ابْنُ عَرَفَةَ: أَظُنُّهُ القرسطون وَهُوَ لَا يَحْصُلُ تَحْقِيقًا لِأَنَّ الْوَازِنَيْنِ فِيهِ قَدْ يَخْتَلِفَانِ (أَوْ كِفَّتَيْنِ) فِيهِمَا: وَجْهُ الْمُرَاطَلَةِ اعْتِدَالُ الْكِفَّتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَجَاوَزَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ رُجْحَانَ شَيْءٍ. رَاطَلَ أَبُو بَكْرٍ أَبَا رَافِعٍ خَلْخَالَيْنِ بِدَرَاهِمَ فَرَجَحَتْ دَرَاهِمُ أَبِي رَافِعٍ فَقَالَ هُوَ لَك حَلَالٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إنْ أَحْلَلْته أَنْتَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِلُّهُ. (وَلَوْ لَمْ يُوزَنَا عَلَى الْأَرْجَحِ) مَنَعَ الْقَابِسِيُّ أَنْ يُرَاطِلَ سَكِّيًّا بِحُلِيٍّ قَبْلَ مَعْرِفَةِ وَزْنِ السِّكِّيِّ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّكِّيِّ جُزَافًا، وَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِأَنَّهُ مُتَّفِقُ الْوَزْنِ. وَقِيلَ عَنْ الْقَابِسِيِّ: إنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَتَرَاطَلَا دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَزْنَ دَرَاهِمِهِ أَوْ ذَهَبِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَالصَّوَابُ جَوَازُ ذَلِكَ إذْ لَا غَرَرَ فِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ مِثْلَ دَرَاهِمِهِ أَوْ مِثْلَ وَزْنِ ذَهَبِهِ. وَفِي الْمُوَطَّأِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ إذَا كَانَ وَزْنُ الذَّهَبَيْنِ سَوَاءً (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَوْ بَعْضُهُ أَجْوَدَ لَا أَدْنَى وَأَجْوَدُ) لَوْ قَالَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَعْضُهُ أَجْوَدَ وَبَعْضُهُ أَدْنَى امْتَنَعَ وَإِلَّا جَازَ لِتَنْزِلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ اسْتَوَى الذَّهَبَانِ فِي الْعَيْنِ فَلَا شَكَّ فِي الْجِوَارِ وَإِنْ اخْتَلَفَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 179 وَلَمْ يَخْتَلِطَا فَكَذَلِكَ. وَإِنْ اخْتَلَطَا حَتَّى كَانَ أَحَدُ الذَّهَبَيْنِ أَرْدَأَ وَمَعَهُ ذَهَبٌ أَجْوَدُ فَهَاهُنَا يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الْمُفْرَدُ أَرْدَأَ أَوْ أَجْوَدَ مِنْ جَمِيعِ الْمُخْتَلَطِ الَّذِي يُقَابِلُهُ فَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُنْفَرِدَةُ تُسَاوِي أَحَدَ الْمُخْتَلِطَيْنِ فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْفَضْلَ فِي أَحَدِ الْجِهَتَيْنِ ابْنُ يُونُسَ: تَحْصِيلُ ذَلِكَ أَنْ تُنْظَرَ، فَإِنْ كَانَتْ الْمُنْفَرِدَةُ مُتَوَسِّطَةً تَكُونُ أَجْوَدَ مِنْ إحْدَى الذَّهَبَيْنِ وَأَرْدَأَ مِنْ الْأُخْرَى لَمْ يَجُزْ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَجَائِزٌ. اُنْظُرْ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّعَامِ مَنَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُدَّ قَمْحٍ وَمُدَّ شَعِيرٍ بِمِثْلِهِمَا، وَكَذَلِكَ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ بِمُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ وَمُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ. (وَالْأَكْثَرُ عَلَى تَأْوِيلِ السِّكَّةِ وَالصِّيَاغَةِ كَالْجَوْدَةِ) اُنْظُرْ هَذَا فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ السِّكَّةَ وَالصِّيَاغَةَ وَالْعَدَدَ مُلْغَاةٌ فِي الْمُرَاطَلَةِ. ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَدُورُ فَضْلٌ بِسِكَّةٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ زَائِدَةٍ عَلَى الْعَيْنِ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَامَةٌ يُمَيَّزُ بِهَا. ابْنُ يُونُسَ: ظَاهِرُ النُّصُوصِ أَنْ لَا تُرَاعَى سِكَّةٌ وَلَا صِيَاغَةٌ اهـ. اُنْظُرْ مُرَاطَلَةَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ شَرِيكَهُ فِي حُلِيٍّ بَيْنَهُمَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُهَا. اللَّخْمِيِّ: وَالدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ مِثْلُ الْحُلِيِّ، وَأَمَّا النُّقْرَةُ فَأَجَازَهَا فِيهِمَا ابْنُ الْقَاسِمِ، وَمَنَعَهَا أَشْهَبُ بِخِلَافِ لَوْ بَاعَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ نَصِيبَهُ مِنْ الْحُلِيِّ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا بِوَزْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَلَا بِنَقْدِ غَيْرِ جِنْسِهِ. وَانْظُرْ رَسْمَ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الصَّرْفِ. (وَمَغْشُوشٌ بِمِثْلِهِ وَبِخَالِصٍ وَالْأَظْهَرُ خِلَافُهُ) تَقَدَّمَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ " وَمُرَاطَلَةُ " الجزء: 6 ¦ الصفحة: 180 (وَلِمَنْ يَكْسِرُهُ أَوْ لَا يَغُشُّ بِهِ وَكُرِهَ مِمَّنْ لَا يُؤْمَنُ) ابْنُ رُشْدٍ: يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ الْمَغْشُوشَةُ بِالنُّحَاسِ مِمَّنْ يَكْسِرُهَا أَوْ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغُشُّ بِهَا، وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِمَّنْ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَغِشَّ بِهَا مِثْلَ الصَّيَارِفَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَشْبَاهِهِمْ، وَيَخْتَلِفُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِمَّنْ لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ بِهَا؟ فَأَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ جَاءَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيُّمَا رَجُلٍ زَافَتْ عَلَيْهِ وَرِقُهُ فَلَا يَخْرُجُ يُحَالِفُ النَّاسَ عَلَى أَنَّهَا طُيُوبٌ وَلَكِنْ لِيَقُلْ مَنْ يَبِيعُنِي بِهَذِهِ الزُّيُوفِ؟ وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَالِكٌ (وَفُسِخَ مِمَّنْ يَغُشُّ إلَّا أَنْ يَفُوتَ فَهَلْ يَمْلِكُهُ أَوْ يَتَصَدَّقُ بِالْجَمِيعِ أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 181 بِالزَّائِدِ عَلَى مَنْ لَا يَغُشُّ؟ أَقْوَالٌ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ بَاعَهُ مِمَّنْ يَغُشُّ بِهِ وَجَبَ رَدُّهُ إنْ قَدَرَ، فَإِنْ عَجَزَ فَفِي وُجُوبِ الصَّدَقَةِ بِكُلِّ ثَمَنِهِ أَوْ بِالزَّائِدِ عَلَى قِيمَةِ بَيْعِهِ مِمَّنْ لَا يَغُشُّ، ثَالِثُهَا لَا يَجِبُ صَدَقَتُهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ إلَّا اسْتِحْبَابًا. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ الْعِنَبُ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا لَا مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا مِنْ يَهُودِيٍّ. ابْنُ رُشْدٍ: يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَا يُفْسَخُ إذْ لَيْسَ فِيهِ فَسَادٌ فِي ثَمَنٍ وَلَا مَثْمُونٍ وَتَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ لِأَنَّهُ أَعَانَ عَلَى إثْمٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا زَادَ فِي ثَمَنِهِ بِبَيْعِهِ لِلْخَمْرِ. وَهَذَا الْحُكْمُ أَيْضًا يَلْزَمُهُ بِعَيْنِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا فَاتَ فَإِنْ لَمْ يَفُتْ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ. وَحُكْمُ بَيْعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 182 السِّلَاحِ مِمَّنْ يُقَاتِلُ بِهِ الْمُسْلِمِينَ كَحُكْمِ بَيْعِ الْعِنَبِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا. (وَقَضَاءُ قَرْضٍ بِمُسَاوٍ وَأَفْضَلَ صِفَةً) . ابْنُ عَرَفَةَ: الِاقْتِضَاءُ عُرْفًا قَبْضُ مَا فِي ذِمَّةِ غَيْرِ الْقَابِضِ وَهُوَ فِي الْقَرْضِ بِالْمُمَاثِلِ وَالْأَجْوَدُ صِفَةً جَائِزٌ. الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ قَبْلَ الْأَجَلِ. (وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ بِأَقَلَّ صِفَةً وَقَدْرًا) ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِنْ قَضَى فِي الْقَرْضِ أَنْقَصَ جَازَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ النَّقْصُ فِي الْعَدَدِ أَوْ فِي الصِّفَةِ أَوْ فِيهِمَا. وَهَذَا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ " ضَعْ وَتَعَجَّلْ " (لَا أَزْيَدَ عَدَدًا) مِنْ رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ إذَا بَاعَ بِنِصْفِ دِينَارٍ مَنْ صَرَفَ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لَيْسَ لَهُ إلَّا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَإِنْ غَلَا الدِّينَارُ، وَإِذَا بَاعَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَنْ صَرَفَ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا نِصْفَ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا نِصْفَ دِينَارٍ وَإِنْ رَخُصَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ نَقْدًا مِنْ سَلَفٍ أَسْلَفَهُ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي السَّلَفِ دَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ، وَدَنَانِيرَ عَنْ دَرَاهِمَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ مِمَّنْ خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ دَنَانِيرُ عَلَى سَبِيلِ الْبَيْعِ أَنْ يَأْخُذَ بِهَا دَرَاهِمَ. وَانْظُرْ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى إذَا اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ فَدَفَعَ فِيهَا طَعَامًا أَوْ ذَهَبًا ثُمَّ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْوَجْهِ الْوَاحِدِ بِمَا دَفَعَ. وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ بِمَا عَقَدَا. اللَّخْمِيِّ: الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ جَوَازُ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي الْقَرْضِ أَكْثَرَ عَدَدًا. وَأَجَازَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ. وَفِي الرِّسَالَةِ: وَمَنْ رَدَّ فِي الْقَرْضِ أَكْثَرَ عَدَدًا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ وَلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 183 رَأْيٌ وَلَا عَادَةٌ، فَأَجَازَهُ أَشْهَبُ وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَمْ يُجِزْهُ. (أَوْ وَزْنًا إلَّا كَرُجْحَانِ مِيزَانٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ قَضَاهُ فِي الْقَرْضِ أَزْيَدَ فِي الْمِقْدَارِ وَكَانَ التَّعَامُلُ وَزْنًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا قَضَاهُ أَزْيَدَ عَدَدًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الرِّسَالَةِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ بِالْمِيزَانِ جَازَ الرُّجْحَانُ إذَا كَانَ يَسِيرًا وَيُكْرَهُ مَا كَثُرَ مِنْ ذَلِكَ. هَذَا قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ رَشَّحَ الْجَوَازَ. وَلَمْ يَذْكُرْ خَلِيلٌ حُكْمَ الزِّيَادَةِ فِي الْوَزْنِ إذَا كَانَ التَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَسْلَفْت رَجُلًا مِائَةَ دِرْهَمٍ عَدَدًا وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ نِصْفُ دِرْهَمٍ، فَقَضَاك مِائَةَ دِرْهَمٍ وَازِنَةً عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ جَازَ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا بِبَلَدٍ تَجُوزُ الدَّرَاهِمُ عَدَدًا، وَأَمَّا فِي بَلَدٍ لَا تَجُوزُ فِيهِ إلَّا وَزْنًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا قَرْضُهَا إلَّا وَزْنًا، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ يَقْضِيَكَ مِنْ مِائَةٍ أَنْصَافًا وَزْنُهَا خَمْسُونَ دِرْهَمًا عَدَدًا مِثْلَ وَزْنِهَا انْتَهَى. وَتَأَمَّلْ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ فَإِنَّهُ يُبَيِّنُ لَك أَنَّ مَنْ تَسَلَّفَ عَشَرَةَ قَرَارِيطَ فَرَدَّ فِيهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صِغَارًا وَتَسَلَّفَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صِغَارًا فَرَدَّ فِيهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كِبَارًا قَطُّ مَا هِيَ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا يَقُولُ بَعْضُهُمْ، لِأَنَّ قَطُّ مَا هُوَ الصَّغِيرُ يَجُوزُ بِجَوَازِ الْكَبِيرِ اُنْظُرْ تَسَلَّفَ الْجِيرَانُ الْخُبْزَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، كَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: قَدْ صَارَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْخَبْزَةِ كَالزِّيَادَةِ فِي الصِّفَةِ، فَقَدْ لَا يَجْمُلُ بَيْنَ الْجِيرَانِ أَنْ يَرُدَّ فِي خَبْزَةِ السَّلَفِ خَبْزَةً وَكِسْرَةً عَلَيْهَا أَوْ خَبْزَةً وَيَأْخُذَ مِنْهَا حَاشِيَةً مِنْ أَجْلِ التَّحَرِّي. وَإِذَا جَعَلْنَاهَا بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ سَهُلَ الْأَمْرُ لَا سِيَّمَا وَذَلِكَ أَيْضًا جَائِزٌ عَلَى مَا اخْتَارَ اللَّخْمِيِّ وَقَوْلِ أَشْهَبَ. (أَوْ دَارَ فَضْلٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) ابْنُ بَشِيرٍ: لَوْ قَضَى فِي الْقَرْضِ أَفْضَلَ فِي شَيْءٍ حَتَّى يَكُونَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 184 الْأَفْضَلُ دَائِرًا فِي الذِّمَّةِ وَفِي الْمُقْتَضَى فَلَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ وَسَيَأْتِي مَا الَّذِي يَدُورُ بِهِ الْفَضْلُ (وَثَمَنُ الْمَبِيعِ مِنْ الْعَيْنِ كَذَلِكَ وَجَازَ بِأَكْثَرَ) ابْنُ عَرَفَةَ: الِاقْتِضَاءُ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ كَالْقَرْضِ وَيَجُوزُ الْأَفْضَلُ مُطْلَقًا. قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: قَوْلُ مَالِكٍ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعْطِيَهُ فَضْلَ عَدَدٍ فِي عَيْنٍ وَلَا فِي طَعَامٍ، مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مَا عَلَيْهِ مِنْ قَرْضٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ بَيْعٍ فَيَجُوزُ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ سَلَّفَ إلَى رَجُلٍ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ شَكَا إلَيْهِ الْغَلَاءَ فَزَادَهُ مِائَةً أُخْرَى إلَى الْأَجَلِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ اتَّقَى فِي الْقَرْضِ أَنْ يَكُونَ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعُ. (وَدَارَ فَضْلٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِسِكَّةٍ وَصِيَاغَةٍ وَجَوْدَةٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: يَدُورُ الْفَضْلُ فِي الذِّمَّةِ وَفِي الْمُقْتَضَى بِالسِّكَّةِ وَالصِّيَاغَةِ وَالْجَوْدَةِ وَالْعَدَدِ وَكَثْرَةِ الْوَزْنِ انْتَهَى وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي مَسْكُوكًا عَنْ مَصُوغٍ وَلَا عَكْسَ. وَنَقَلَ ابْنُ مُحْرِزٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَكَحَ بِدَنَانِيرَ ثُمَّ أَعْطَى فِيهَا سَوَارِيَ ذَهَبٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَإِنْ أَعْطَاهَا فِي الدَّنَانِيرِ قِلَادَةً فِيهَا ذَهَبٌ يَسِيرٌ مِمَّا يُبَاعُ مِثْلُهَا بِذَهَبٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ: لَا تَقْتَضِي مِنْ دَنَانِيرَ تَجُوزُ عَدَدًا حُلِّيَ ذَهَبٍ بِوَزْنِ دَنَانِيرَ. قَالَ: وَيَجُوزُ اقْتِضَاءُ الذَّهَبِ الْمُرَابِطِيَّةِ مِنْ الْعَبَّادِيَّةِ لِأَنَّ الْعَبَّادِيَّةِ أَدْنَى فِي الْمِعْيَارِ وَأَقَلُّ فِي الْوَزْنِ فَصَارَ الْفَضْلُ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَوْ ثَبَتَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ ذَهَبٌ مَصُوغٌ أَوْ مَسْكُوكٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُتَّخَذَ تِبْرًا أَفْضَلُ لِأَنَّ الصِّيَاغَةَ ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ فَتَرَكَهَا عِوَضًا عَنْ جَوْدَةِ التِّبْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُرَاطَلَةُ، لِأَنَّ الصِّيَاغَةَ لَمْ تَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: صُوَرُ الِاقْتِضَاءِ فِي الدَّنَانِيرِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْقَائِمَةِ وَالْفُرَادَى سِتٌّ مَجْمُوعَةٌ مِنْهَا وَمُرَكَّبَةٌ مِنْهَا وَعَكْسُهُ وَإِحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى عَكْسُهُ بِالْمَجْمُوعَةِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: هِيَ الْمَقْطُوعَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 185 النَّاقِصَةُ تُجْمَعُ فِي الْكَيْلِ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُرِيدُ الْمُعْتَبَرَ وَزْنُهَا مِنْ حَيْثُ جَمْعُهَا لَا مِنْ حَيْثُ آحَادُهَا. وَالْقَائِمَةُ هِيَ الْمِائَةُ الْجِيَادُ إذَا جُمِعَتْ مِائَةً زَادَتْ فِي الْوَزْنِ مِثْلَ الدِّينَارِ. وَالْفُرَادَى إذَا جُمِعَتْ فِي الْوَزْنِ نَقَصَتْ فِي الْمِائَةِ مِثْلَ الدِّينَارِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: الْقَائِمُ يَزِيدُ حَبَّةً، وَالْمَجْمُوعُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَالْفُرَادَى وَالْقَائِمُ مَعْلُومَا الْوَزْنِ بِخِلَافِ الْمَجْمُوعِ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: لِلْقَائِمَةِ فَضْلُ الْوَزْنِ وَالْعَيْنِ، وَلِلْمَجْمُوعَةِ فَضْلُ الْعَدَدِ وَنَقْصُ الصِّفَةِ، وَلِلْفُرَادَى نَقْصُ الْوَزْنِ وَقَدْ تَكُونُ خَالِصَةً أَوْ دُونَ ذَلِكَ انْتَهَى. ابْنُ عَرَفَةَ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ مَنْعُ الْمَجْمُوعَةِ مِنْ الْقَائِمَةِ، وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: هَذَا الَّذِي يَتَرَتَّبُ لَهُ فِي ذِمَّةِ آخَرَ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ أُوقِيَّةً مِنْ دَرَاهِمَ وَيَقُولُ الثَّمَانُونَ دِرْهَمًا هِيَ أُوقِيَّةٌ قَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ اقْتِضَاءِ الْمَجْمُوعِ مِنْ الْقَائِمِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لِأَنَّهُ تَرْكُ فَضْلِ عَيْنٍ وَوَزْنٍ لِكَثْرَةِ عَدَدٍ. وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا جَوَازُ الْعَكْسِ فَلَهُ أَنْ يَقْتَضِيَ قَائِمَةً عَنْ مَجْمُوعَةٍ، وَتُعُقِّبَ هَذَا بِأَنَّ دَوَرَانَ الْفَضْلِ أَيْضًا بَاقٍ. اُنْظُرْ الْجَوَابَ فِي ابْنِ عَرَفَةَ، وَانْظُرْ قَوْلَ سَيِّدِي ابْنِ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ دَنَانِيرَ قَائِمَةٌ، وَأَمَّا الْفُرَادَى فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا أَنْ لَا تَقْتَضِيَ مِنْهُمَا الْمَجْمُوعَةُ وَلَا أَيْضًا يَجُوزُ أَنْ تَقْتَضِيَ هِيَ مِنْ الْمَجْمُوعَةِ لِدَوَرَانِ فَضْلِ عُيُونِ الْفُرَادَى وَفَضْلِ وَزْنِ الْمَجْمُوعَةِ، وَأَمَّا اقْتِضَاءُ الْفُرَادَى مِنْ الْقَائِمَةِ وَعَكْسُهُ فَجَائِزٌ انْتَهَى. وَانْظُرْ الْقَرَارِيطَ وَالْأَثْمَانَ هَلْ تَقْتَضِي مِنْ الْقَائِمَةِ وَالْفُرَادَى؟ وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ: مَا دُونَ الدِّينَارِ كَالْمَجْمُوعِ ثُمَّ قَالَ: فَمَنْ لَك عَلَيْهِ دِينَارٌ مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ فَلَا تَأْخُذْ بِهِ ثَلَاثَةَ أَثْلَاثٍ وَلَا نِصْفَيْنِ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَك عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَيَجُوزُ هَذَا فِي الْمُرَاطَلَةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَأْخُذُ عَنْ دِرْهَمَيْنِ فُرَادَى عَرَفَ وَزْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَمْ يُجْمَعَا فِي الْوَزْنِ وَزْنَهُمَا تِبْرَ فِضَّةٍ مِثْلَ جَوْدَتِهَا أَوْ أَقَلُّ، لِأَنَّ وَزْنَ الْفُرَادَى يَزِيدُ عَلَى الْمَجْمُوعَةِ الْحَبَّةَ أَوْ الْحَبَّتَيْنِ أَوْ يَنْقُصُ. قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: مَعْنَاهَا أَنَّهُ عَرَفَ وَزْنَهُمَا تَحَرِّيًا، وَلَوْ كَانَ تَحْقِيقًا لَجَازَ لِاتِّفَاقِ وَزْنِ الْمَجْمُوعِ وَالْفُرُوقِ. وَإِنَّمَا يُتَّقَى اخْتِلَافُهُمَا فِيمَا كَثُرَ وَنَحْوِهِ نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَشْهَبَ إنْ عَرَفَ وَزْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ جَازَ قَضَاؤُهُمَا تِبْرًا مُفْرَدَيْنِ وَمَجْمُوعَيْنِ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: يَجُوزُ قَضَاءُ وَزْنِ كُلِّ دِرْهَمٍ مُفْرَدًا فِضَّةً. وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ: لَا بَأْسَ عَلَى مَنْ ابْتَاعَ بِدَانِقٍ ثُمَّ بَدَا حَتَّى كَثُرَتْ أَنْ يَقْضِيَ عَنْهَا دَرَاهِمَ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ. ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا خَفَّفَهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِجَوَازٍ لِأَنَّ الدَّوَانِقَ لَوْ جُمِعَتْ بَعْدَ وَزْنِهَا فُرَادَى مَقْطُوعَةً لَمْ يَكُنْ بُدٌّ أَنْ تَنْقُصَ عَنْ وَزْنِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي قَضَاهُ أَوْ تَزِيدَ، وَقَدْ اتَّقَى هَذَا فِي مَسْأَلَةٍ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ اسْتَهْلَكَ لَك دِرْهَمَيْنِ فُرَادَى لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطِيَك وَزْنَ الدِّرْهَمَيْنِ فِضَّةً إلَّا أَنْ يُعْطِيَك مِنْ الْفِضَّةِ وَزْنَ كُلِّ دِرْهَمٍ عَلَى حِدَةٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَزِيدَ وَزْنُ الْمَجْمُوعَةِ عَلَى الْفُرَادَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 186 هَذَا النَّصُّ وَقَوْلُ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ فِيهِ. قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَظُنُّ هَذَا الْقَرَوِيَّ ابْنَ مُحْرِزٍ: وَفَسَّرَ ابْنُ رُشْدٍ سَمَاعَ أَبِي زَيْدٍ لَا خَيْرَ فِي قَضَاءِ نِصْفَيْنِ وَازِنَيْنِ عَنْ دِينَارٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدِّينَارُ عِنْدَهُ لَهُ وَزْنٌ مَعْلُومٌ، فَيَجُوزُ عَنْهُ نِصْفَانِ وَازِنَانِ كَوَزْنِهِ أَوْ أَفْضَلُ، لِأَنَّ الْفَضْلَ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ كَانَ الدِّينَارُ أَفْضَلَ لَمْ يَجُزْ. وَمِنْ النَّوَادِرِ: إنْ كَانَ الدِّينَارُ مَجْمُوعًا وَقَدْ حَلَّ فَاقْتَضَى نِصْفَهُ ذَهَبًا وَأَخَذَ نِصْفَهُ وَرِقًا أَوْ عَرْضًا فَذَلِكَ جَائِزٌ، لِأَنَّ الدِّينَارَ الْمَجْمُوعَ بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ لَهُ أَنْ يَقْتَضِيَ بَعْضَهَا وَيَأْخُذَ بَعْضَهَا دَرَاهِمَ أَوْ سِلْعَةً بِخِلَافِ الدِّينَارِ الْوَاحِدِ الْقَائِمِ فَلَا يَقْتَضِي بَعْضَهُ ذَهَبًا وَبَعْضَهُ عَرْضًا أَوْ وَرِقًا. وَعِبَارَةُ الْكَافِي: إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دِينَارٌ سَلَفًا أَوْ مِنْ ثَمَنِ بَيْعٍ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ ذَهَبًا وَنِصْفَهُ دَرَاهِمَ، لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ عِنْدَهُ ذَهَبٌ وَدَرَاهِمُ بِذَهَبٍ وَقَدْ أَجَازَهُ أَشْهَبُ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دِينَارٌ فَأَرَادَ أَنْ يُقَطِّعَهُ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ فَأَخَذَ مِنْهَا عِنْدَ كُلِّ نَجْمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ جُزْءًا مِنْ ذَلِكَ الدِّينَارِ عِنْدَ كُلِّ نَجْمٍ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا بِصَرْفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْبِضُهُ فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ " مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ مَنْعُ الْمَجْمُوعَةِ مِنْ الْقَائِمَةِ "، وَانْظُرْ ثَالِثَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِيمَنْ اشْتَرَى بِدِينَارٍ وَرُبْعٍ أَنَّهُ يُعْطِي فِي الرُّبْعِ دَرَاهِمَ أَوْ تِبْرًا ذَهَبًا مِثْلَ تِبْرِ الرُّبْعِ أَوْ أَدْنَى وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ عَرْضًا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْوَاجِبُ لَهُ بِالْحُكْمِ صَرْفُ الرُّبْعِ دَرَاهِمَ وَالثَّالِثُ فِي ذِمَّتِهِ ذَهَبٌ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَا يُعْطِي عَنْ الذَّهَبِ وَعَنْ الدَّرَاهِمِ نَقْدًا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَأْتِي إلَى السَّقَّاطِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ بِرُبْعِ دِينَارٍ زَبِيبًا وَبِرُبْعٍ تَمْرًا وَبِرُبْعٍ سَوِيقًا وَيَخْلُفُ عِنْدَهُ دِينَارًا يَكُونُ بِهِ شَرِيكًا مَعَهُ: إنَّ هَذَا جَائِزٌ هُوَ عَلَى مُرَاعَاةِ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى مُرَاعَاةِ مَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ أَيْضًا فِي الَّذِي عَلَيْهِ أَثْلَاثُ دِينَارٍ مُنَجَّمَةٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثُلُثُ دِينَارٍ: لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ قَبْلَ الْأَجَلِ دِينَارًا. هَذَا أَيْضًا عَلَى مُرَاعَاةِ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ. وَكَذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ بَعْدَ هَذَا فِي الَّذِي بَاعَ ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ وَقَالَ لَهُ مَا عِنْدِي إلَّا دِينَارٌ فَأَقَرَّهُ عِنْدَهُ سَلَفًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَاهُ قَضَاءً وَسَلَفًا إذَا لَمْ يَكُنْ شُرِطَ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ. وَكَرِهَ مَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ هَذَا، رَاعَى مَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ خِلَافَ قَوْلِهِ فِي إجَازَتِهِ تَعْجِيلَ دِينَارٍ وَعَلَى أَثْلَاثِ دِينَارٍ مُؤَجَّلَةٍ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا أَجَزْنَا لِمَنْ لَهُ دِينَارٌ أَنْ يَأْخُذَ بِبَعْضِهِ وَرِقًا، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي بَقِيَّتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ذَهَبًا؟ الْمَشْهُورُ مَنْعُهُ، وَنَقْدُ الْمُعَامَلَتَيْنِ كَالْوَاقِعَةِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ انْتَهَى. اُنْظُرْ رَسْمَ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَقَاضَى مِنْ الدِّينَارِ الْقِيرَاطَ وَالْقِيرَاطَيْنِ دَرَاهِمَ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينَارِ. ابْنُ رُشْدٍ: ثُمَّ لَا يَأْخُذُ فِي بَقِيَّةِ دِينَارِهِ إلَّا دَرَاهِمَ أَوْ عَرْضًا أَوْ طَعَامًا. وَهَذَا فِي الدِّينَارِ الْقَائِمِ، وَأَمَّا فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 187 الدِّينَارِ الْمَجْمُوعِ فَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ بِبَعْضِهِ ذَهَبًا وَبِبَقِيَّتِهِ وَرِقًا. اُنْظُرْ نِسْبَةَ أَبِي عُمَرَ لِأَشْهَبَ جَوَازَ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ دِينَارٍ قَائِمٍ فِي ذِمَّتِهِ نِصْفَهُ دَرَاهِمَ وَنِصْفَهُ ذَهَبًا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ دِينَارٍ أَقْرَضْتَهُ بِجُزْءٍ مِنْهُ وَرِقًا أَوْ عَرْضًا ثُمَّ لَا تَأْخُذُ فِي بَقِيَّتِهِ ذَهَبًا، وَإِنْ أَقْرَضْته دِينَارَيْنِ قَائِمَيْنِ فَلَكَ أَنْ تَأْخُذَ صَرْفَ أَحَدِهِمَا أَوْ عَرْضًا انْتَهَى. اُنْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةً إذَا تَسَلَّفَ ثَمَانِينَ دِرْهَمًا ثُمَّ عِنْدَ الِاقْتِضَاءِ دَفَعَ دِينَارًا وَرَدَّ عَلَيْهِ الْمُسَلِّفُ بَقِيَّةَ صَرْفِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ. اُنْظُرْ آخِرَ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ تَسَلَّفَ دِرْهَمًا صَغِيرًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَهُ دِرْهَمًا كَبِيرًا أَوْ يَرُدَّ عَلَيْهِ دِرْهَمًا صَغِيرًا. اُنْظُرْ رَسْمَ إنْ أَمْكَنْتنِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى. وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: مَنْ لَهُ قِبَلَ رَجُلٍ نِصْفُ دِينَارٍ فَأَتَاهُ بِدِينَارٍ فَقَضَاهُ نِصْفَهُ وَجَعَلَ نِصْفَهُ فِي سِلْعَةٍ إلَى أَجَلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ النِّصْفُ الْأَوَّلُ دَرَاهِمَ أَسْلَفَهُ إيَّاهَا وَلَا نِصْفُ دِينَارٍ مَضْرُوبٍ فَأَمَّا ثَمَنُ سِلْعَةٍ فَلَا بَأْسَ. وَقَالَ، ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ حَلَّ الْأَجَلُ، فَإِنْ لَمْ يَحِلَّ فَلَا خَيْرَ وَكَانَ سَلَفًا وَبَيْعًا " وَضَعْ وَتَعَجَّلْ ". اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ النِّصْفُ دَرَاهِمَ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ لِأَنَّ دَافِعَ الدِّينَارِ الْآنَ اشْتَرَى بِهِ الدَّرَاهِمَ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ وَسِلْعَةً مُؤَجَّلَةً بِدِينَارٍ. (وَإِنْ بَطَلَتْ فُلُوسٌ فَالْمِثْلُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ لَك عَلَيْهِ فُلُوسٌ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ فَأُسْقِطَتْ لَمْ تَتْبَعْهُ إلَّا بِهَا وَلَوْ كَانَتْ حِينَ الْعَقْدِ مِائَةً بِدِرْهَمٍ ثُمَّ صَارَتْ أَلْفًا بِهِ (وَإِنْ عُدِمَتْ فَالْقِيمَةُ وَقْتَ اجْتِمَاعِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْعَدَمِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ عُدِمَتْ فَالْقِيمَةُ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْعَدَمِ. اللَّخْمِيِّ: لَهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ انْقَطَعَتْ وَلَمْ تُؤَجَّلْ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ وَانْقَطَعَتْ قَبْلَ الْأَجَلِ كَانَ لَهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ يَحِلُّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ انْقَطَعَتْ لِأَنَّهُ لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 188 يَكُنْ تَوَجَّهَ لَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ طَلَبٌ، فَإِنْ أَخَّرَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ ثَانِيًا كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ حَلَّ الْأَجَلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ بِالْقِيمَةِ وَقَعَ التَّأْخِيرُ. (وَتُصُدِّقَ بِمَا غُشَّ وَلَوْ كَثُرَ) لَوْ قَالَ " لَا إنْ كَثُرَ " لَتَنَزَّلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُحْرَقُ الزَّعْفَرَانُ الْمَغْشُوشُ وَلَا يُرَاقُ اللَّبَنُ الْمَغْشُوشُ وَيُتَصَدَّقُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ غَشَّهُ وَكَذَلِكَ الْمِسْكُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِيمَا قَلَّ. قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُعَاقَبُ مَنْ غَشَّ بِسَجْنٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ إخْرَاجِهِ مِنْ السُّوقِ إنْ كَانَ مُعْتَادًا لِلْغِشِّ وَالْفُجُورِ، وَلَا يُرَاقُ عَلَيْهِ مَتَاعُهُ إلَّا مَا خَفَّ مِنْ اللَّبَنِ يَغُشُّهُ بِالْمَاءِ أَوْ يَسِيرِ الْخُبْزِ النَّاقِصِ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ أَدَبًا لَهُ مَعَ تَأْدِيبِهِ بِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الْكَثِيرُ مِنْ لَبَنٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 192 أَوْ خُبْزٍ فَلَا، وَلَا مَا غُشَّ مِنْ مِسْكٍ وَزَعْفَرَان. ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 194 مُحَمَّدٍ: وَأَرَى أَنْ يُخْرَجَ مِنْ السُّوقِ مَنْ فَجَرَ فِيهِ فَذَلِكَ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرْبِ. (إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى كَذَلِكَ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَغُشَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهُ كَذَلِكَ أَوْ وَرِثَهُ، وَالْوَاجِبُ أَنْ يُبَاعَ مِمَّنْ لَا يُدَلِّسُ بِهِ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ: يُعَاقَبُ مَنْ خَلَطَ طَعَامًا بِطَعَامٍ دُونَهُ أَوْ قَمْحًا بِشَعِيرٍ وَيُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ، وَإِنْ بَاعَ وَبَيَّنَ مَضَى وَلَا رَدَّ لِلْمُبْتَاعِ وَقَدْ أَسَاءَ (إلَّا الْعَالِمَ بِعَيْبِهِ كَبَلِّ الْخَمْرِ بِالنَّشَاءِ) نَقَصَ هُنَا شَيْءٌ وَلَعَلَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْغِشُّ التَّدْلِيسُ وَهُوَ إبْدَاءُ الْبَائِعِ مَا يُوهِمُ كَمَالًا فِي مَبِيعِهِ كَاذِبًا أَوْ كَتْمُ عَيْبٍ وَهُوَ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا كَبِيرَةٌ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ. قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . وَلَا يَجِبُ فَسْخُهُ فَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا خَيْرَ فِي خَمْرٍ تُعْمَلُ مِنْ الْغُزِّ وَتُرَشُّ بِخُبْزٍ مَبْلُولٍ لِتَشْتَدَّ وَتَصْفُقَ وَهُوَ غِشٌّ. ابْنُ رُشْدٍ: لِظَنِّ مُشْتَرِيهَا أَنَّ شِدَّتَهَا مِنْ صَفَاقَتِهَا، فَإِنْ كَانَ مُشْتَرِيهَا عَلِمَ أَنَّ شِدَّتَهَا مِنْ ذَلِكَ فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا فَلَهُ رَدُّهَا. (وَسَبْكِ ذَهَبٍ جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ) قَالَ مَالِكٌ: مِنْ الْغِشِّ أَنْ تَخْلِطَ الذَّهَبَ الْجَيِّدَةَ بِدُونِهَا فَتَسْبِكَهَا. وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّا يُصَاغُ مِنْ الْحُلِيِّ مِنْهُ ذَهَبٌ خَالِصٌ وَمِنْهُ غَيْرُ خَالِصٍ وَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الذَّهَبُ فِي عِيَارَاتِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ زَائِدُ الْيَسِيرِ وَلَا نُقْصَانُهُ، وَأَغْرَاضُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فِي اقْتِنَاءِ الْحُلِيِّ، مِنْهُمْ مَنْ يُرِيدُ الطَّيِّبَ ذَخِيرَةً لِزَمَانِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرِيدُ غَيْرَهُ عَلَى قَدْرِ يُسْرِ النَّاسِ وَعُسْرِهِمْ. فَأَجَابَ: صِيَاغَةُ الْحُلِيِّ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصَةِ وَغَيْرِ الْخَالِصَةِ الْمَشُوبَةِ بِالْفِضَّةِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ جَائِزٌ اسْتِعْمَالُهُ إذَا كَانَ يَمْتَازُ ذَلِكَ كَمَا وَصَفْتَ قَالَ سُبْحَانَهُ {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18] وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْعُرُوضِ وَبِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ مُرَاطَلَتُهُ إلَّا إنْ كَانَ خَالِصًا وَلَا يُمْنَعُ الْغَاشُّ مِنْهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْهُ مَغْشُوشًا أَعْلَاهُ ذَهَبٌ وَدَاخِلَهُ صُفْرٌ أَوْ نُحَاسٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُكْسَرَ وَيُمْنَعَ النَّاسُ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 195 عَمَلِهِ. (وَنَفْخِ اللَّحْمِ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: أَكْرَهُ نَفْخَ الْجَزَّارِينَ اللَّحْمَ. رَوَى أَشْهَبُ: وَيُؤَدَّبُونَ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ غِشٌّ. قَالَ فِي الرِّوَايَةِ: وَهُوَ يُغَيِّرُ طَعْمَ اللَّحْمِ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْجَزَّارِ يَخْلِطُ السَّمِينَ بِالْمَهْزُولِ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْأَرْطَالِ الْيَسِيرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ الْغِشِّ خَلْطُ الْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ. ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ يَسِيرًا جِدًّا تَبَعًا لِلْآخَرِ جَازَ بَيْعُهُ دُونَ بَيَانٍ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرَاهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَدُمَ وَاسْتَمَرَّ حَالُ بَائِعِي سِلَلِ التِّينِ وَحُمُولَاتِ الْعِنَبِ عَلَى جَعْلِ أَطْيَبِهَا أَعْلَاهَا ثُمَّ مَا يَلِيهِ أَدْنَى مِنْهُ وَأَطْيَبَ مِمَّا تَحْتَهُ وَعَلِمَ الْمُتَبَايِعُونَ ذَلِكَ وَهُوَ خَفِيفٌ، وَلَا مَقَالَ لِمُبْتَاعِهِ، إلَّا أَنْ يَكْثُرَ خِلَافُ الْأَسْفَلِ لِمَا فَوْقَهُ اهـ. اُنْظُرْ الَّذِي يَشْتَرِي الْأَعْدَالَ مِنْ الْبَزِّ أَوْ الْكَتَّانِ فَيَنْظُرُ إلَى ثَوْبَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ رِطْلٍ مِنْ الْكَتَّانِ أَوْ رِطْلَيْنِ ثُمَّ يُوجَدُ الَّذِي بَعْدَهُ لَا يُشْبِهُهُ فَقَالَ مَالِكٌ: الْأَعْدَالُ يَكُونُ أَوَّلُهَا أَفْضَلَ مِنْ آخِرِهَا فَإِذَا كَانَ صِنْفَهُ وَقَرِيبًا مِنْهُ جَائِزٌ. وَكَذَلِكَ الَّذِي يَشْتَرِي الْبَيْتَ فِيهِ تَمْرٌ أَوْ قَمْحٌ فَيَكُونُ أَوَّلُهُ خَيْرًا مِنْ دَاخِلِهِ، فَإِذَا جَاءَ فِي ذَلِكَ تَغَيُّرٌ قَرِيبٌ رَأَيْت ذَلِكَ جَائِزًا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ فَلَا قِيَامَ لِلْمُبْتَاعِ إلَّا فِيمَا خَرَجَ عَنْ الْعُرْفِ. اُنْظُرْ مَسْأَلَةَ الشَّمْعِ هَذَا شَأْنُهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ جَائِزًا. وَانْظُرْ أَيْضًا خَلْطَ السُّكَّرِ فَإِنَّهُ يَسْتَظْهِرُ فِي الْفَانِيدِ، فَهَلْ يُسَوَّغُ لِذَلِكَ أَوْ لَا؟ وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ الْغِشِّ خَلْطُ لَبَنِ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الْغَنَمِ لِإِخْرَاجِ زُبْدِهِمَا بِضَرْبِهِمَا مَعًا، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَبِعْ لَبَنَهُمَا وَلَا زُبْدَهُمَا إلَّا بِبَيَانٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يَحِلُّ خَلْطُ جَيِّدِ الزَّبِيبِ بِرَدِيئِهِ، وَكَذَلِكَ السَّمْنُ وَالْقَمْحُ وَلَوْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُبَيِّنَ إذَا بَاعَ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَمَا تَصْنَعُهُ حَاكَّةُ الدِّيبَاجِ مِنْ تَصْمِيغِهِ غِشٌّ لِأَنَّهُ وَإِنْ عَلِمَهُ الْمُشْتَرِي فَقَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ قَدْرُ مَا أَخَذَتْ فِيهِ مِنْ الشِّدَّةِ وَالتَّصْفِيقِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ يَشْتَرِي الْمَتَاعَ فِيهِ الْخَلَلُ فَيُكَمِّدُهُ حَتَّى يَصْفُقَ وَيَشْتَدَّ كُلُّ خَلَلِهِ لَا خَيْرَ فِي الْغِشِّ. ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ اشْتَرَى قَلَنْسُوَةً حَشْوُهَا قُطْنٌ فَإِنَّ لَهُ رَدَّهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ الَّتِي يَعْرِفُ أَنَّهَا لَا تُحْشَى إلَّا بِالْبَالِي كَسَمَاعِ أَشْهَبَ مَنْ اشْتَرَى قَلَنْسُوَةً سَوْدَاءَ فَوَجَدَهَا مِنْ ثَوْبٍ لَبِيسٍ لَا رَدَّ لَهُ، يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا صُنِعَتْ مِنْهُ مَنْهُوكًا جِدًّا أَوْ مَعْفُونًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 196 [حُكْمِ الرِّبَا فِي الْمَطْعُومَاتِ] فَصْلٌ. ابْنُ شَاسٍ: النَّوْعُ الثَّانِي فِي بَيَانِ حُكْمِ الرِّبَا فِي الْمَطْعُومَاتِ (عِلَّةُ طَعَامِ الرِّبَا اقْتِيَاتٌ وَادِّخَارٌ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يَحْرُمُ النَّسَأُ فِي بَيْعِ طَعَامٍ بِآخَرَ مُطْلَقًا، وَالطَّعَامُ مَا غَلَبَ اتِّخَاذُهُ لِأَكْلِ الْآدَمِيِّ أَوْ لِإِصْلَاحِهِ أَوْ لِشُرْبِهِ. فَيَدْخُلُ الْمِلْحُ وَالْفِلْفِلُ لَا الزَّعْفَرَانُ وَالْمَاءُ. ابْنُ أَبِي يَحْيَى: وَلَا مَاءُ الْوَرْدِ وَالْمَصْطَكَى. الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالصَّبْرُ. الرِّسَالَةُ: وَلَا الزَّرَارِيعُ الَّتِي لَا يُعْتَصَرُ مِنْهَا زَيْتٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا الْحُرْفُ وَهُوَ حَبُّ الرَّشَادِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا ذِكَارُ التِّينِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا النَّارِنْجُ بِخِلَافِ اللِّيمِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَحُكْمُ رِبَا الْفَضْلِ أَصْلٌ فِي الْأَرْبَعَةِ: الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ وَفِي عِلَّتِهِ اضْطِرَابٌ. ثُمَّ قَالَ: فَالْأَقْوَالُ فِي هَذَا تِسْعَةٌ. عَبْدُ الْوَهَّابِ: التَّحْرِيمُ عِنْدَنَا مُتَعَلِّقٌ بِمَعَانِي هَذِهِ الْمُسَمَّيَاتِ دُونَ أَعْيَانهَا، وَالْعِلَّةُ أَنَّهَا مَأْكُولَةٌ مُدَّخَرَةٌ لِلْعَيْشِ غَالِبًا. فَنَصَّ عَلَى الْبُرِّ لِيُفِيدَ كُلَّ مُقْتَاتٍ تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَتَقُومُ الْأَبْدَانُ بِهِ، وَنَصَّ عَلَى الشَّعِيرِ لِيُبَيِّنَ مُشَارَكَتَهُ لِلْبُرِّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ قُوتًا فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ فَنَبَّهَ بِهِ عَلَى الدُّخْنِ وَغَيْرِهَا، وَنَصَّ عَلَى التَّمْرِ لِيُنَبِّهَ بِهِ عَلَى كُلِّ حَلَاوَةٍ وَمُدَّخَرَةٍ غَالِبًا كَالسُّكَّرِ وَالْعَسَلِ وَالزَّبِيبِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَنَصَّ عَلَى الْمِلْحِ لِيُنَبِّهَ بِهِ عَلَى مَا أَصْلَحَ الْمُقْتَاتَ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ كَالْأَبَازِيرِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا (وَهَلْ لِغَلَبَةِ الْعَيْشِ؟ تَأْوِيلَانِ) تَقَدَّمَ نَصُّ عَبْدِ الْوَهَّابِ: الْعِلَّةُ أَنَّهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 197 مُدَّخَرَةٌ لِلْعَيْشِ غَالِبًا. ابْنُ رُشْدٍ: اقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ مُقْتَاتًا مُدَّخَرًا وَلَمْ يَزِدْ أَصْلًا لِلْمَعَاشِ غَالِبًا وَهُوَ نَصُّ الْمُوَطَّأِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدِي. وَقَالَ ابْنُ رِزْقٍ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِبَيِّنٍ. (كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَسُلْتٍ وَهِيَ جِنْسٌ؟) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ هِيَ نَوْعٌ وَاحِدٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: فَيَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِي بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فَلَا يَجُوزُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 199 فِيهَا جُزَافٌ بِجُزَافٍ وَلَا جُزَافٌ بِكَيْلٍ (وَعَلَسٍ وَذُرَةٍ وَدُخْنٍ وَأَرُزٍّ وَهِيَ أَجْنَاسٌ) هَكَذَا هِيَ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعَلَسَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْقَمْحِ. أَبُو عُمَرَ: اتَّفَقَ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ الدُّخْنَ وَالذُّرَةَ وَالْأَرُزَّ أَصْنَافٌ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهَا (وَقُطْنِيَّةٍ) مَثَّلَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِهَا أَيْضًا الرِّبَوِيَّ (وَمِنْهَا كِرْسِنَّةٌ) قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى: لَا زَكَاةَ فِي الْكِرْسِنَّةِ. ابْنُ رُشْدٍ: فَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهَا عَلَفٌ وَلَيْسَتْ بِطَعَامٍ، وَرَأَى اللَّخْمِيِّ الْكِرْسِنَّةَ مِنْ الْقَطَانِيّ (وَهِيَ أَجْنَاسٌ) ابْنُ رُشْدٍ: اخْتَلَفَ قَوْلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 200 مَالِكٍ فِي الْقَطَّانِيِّ فِي الْبَيْعِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْحَابِ مَالِكٍ كُلِّهِمْ أَنَّهَا أَصْنَافٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 201 مُخْتَلِفَةٌ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهَا. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ الْقَطَّانِيُّ وَأَنَّهَا الْفُولُ وَالْحِمَّصُ وَالْجُلْبَانُ وَاللُّوبْيَا وَالتُّرْمُسُ وَالْبَسِيلَةُ وَهِيَ الْبِرْسِيمُ وَالْعَدَسُ وَالْكِرْسِنَّةُ وَهِيَ الْجُلْبَانُ الصَّغِيرُ الْحَبِّ اهـ. (وَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ) مَثَّلَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا بِهِمَا الرِّبَوِيَّ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صِنْفٌ عَلَى حِدَتِهِ. (وَلَحْمِ طَيْرٍ وَهُوَ جِنْسٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الطَّيْرُ كُلُّهَا صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا وَحْشِيُّهَا وَإِنْسِيُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي لُحُومِهَا وَلَا حَيٍّ مِنْهَا بِمَذْبُوحٍ (وَلَوْ اخْتَلَفَتْ مَرَقَتُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْمَطْبُوخُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَةُ طَبْخِهِ كَقَلَيْتُهُ بِعَسَلٍ وَأُخْرَى بِلَبَنٍ أَوْ خَلٍّ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ. (كَدَوَابِّ الْمَاءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَحْمُ الْحُوتِ كُلُّهُ صَغِيرُهُ وَكَبِيرُهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ. (وَذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَإِنْ وَحْشِيًّا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: ذَوَاتُ الْأَرْبَعِ الْأَنْعَامُ وَالْوَحْشُ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي لُحُومِهَا وَشُحُومِهَا وَلَا يَجُوزُ حَيٌّ مِنْهَا بِمَذْبُوحٍ (وَالْجَرَادِ وَفِي رِبَوِيَّتِهِ خِلَافٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِالْجَرَادِ بِالطَّيْرِ وَلَيْسَ هُوَ لَحْمًا وَيَجُوزُ وَاحِدٌ مِنْ الْجَرَادِ بِاثْنَيْنِ مِنْ الْحُوتِ يَدًا بِيَدٍ، وَأَجَازَ أَشْهَبُ التَّفَاضُلَ فِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 202 وَجَعَلَهُ كَحُكْمِ الْخُضَرِ لَا كَحُكْمِ الْمُدَّخَرَاتِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ اهـ. مِنْ ابْنِ يُونُسَ: وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَرَادَ غَيْرُ رِبَوِيٍّ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَجَعَلَهُ الْجَلَّابُ الْمَذْهَبَ. (وَفِي جِنْسِيَّةِ الْمَطْبُوخِ مِنْ جِنْسَيْنِ قَوْلَانِ) إذَا طُبِخَ الْجِنْسَانِ مِنْ اللَّحْمِ هَلْ تُرَاعَى اللَّحْمَانِ؟ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا تُرَاعَى لِأَنَّهُ صَارَ مَطْبُوخًا كُلَّهُ لِتَقَارُبِ مَنْفَعَتِهِ فَهُوَ كَصِنْفٍ وَاحِدٍ. ابْنُ يُونُسَ: ظَاهِرُ أَقْوَالِهِمْ خِلَافُ هَذَا لَا سِيَّمَا فِي قَوْلِ مَنْ يَتَحَرَّى اللَّحْمَيْنِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَطْبُوخِ بِالْمَطْبُوخِ يَتَحَرَّى اللَّحْمَيْنِ وَمَا مَعَهُمَا مِنْ الْمَرَقِ لِأَنَّ الْمَرَقَ مِنْ اللَّحْمِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّمَا يَتَحَرَّى اللَّحْمَ خَاصَّةً حَيْثُ كَانَ نِيئًا وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا إلَى مَا مَعَهُ مِنْ الْمَرَقِ كَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 204 يَتَحَرَّى فِي الْخُبْزِ بِالْخُبْزِ. (وَالْمَرَقُ وَالْعَظْمُ وَالْجِلْدُ كَهُوَ) أَمَّا الْمَرَقُ فَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ مُعَارَضَتَهَا وَلَمْ يُشْهِرْ مِنْهَا قَوْلًا. وَأَمَّا الْعَظْمُ فَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْعَظْمُ مِنْ اللَّحْمِ وَكَذَا الْأَكَارِعُ وَغَيْرُهَا مَا لَمْ يَكُنْ الْعَظْمُ مُضَافًا إلَيْهِ كَنَوَى التَّمْرِ حُكْمُهُ حُكْمُ التَّمْرِ مَا لَمْ يَكُنْ مُضَافًا إلَيْهِ. وَأَمَّا الْجِلْدُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا خَيْرَ فِي شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ تَحَرِّيًا إنْ قَدَرَ عَلَى تَحَرِّيهِمَا فِي جُلُودِهِمَا قَبْلَ السَّلْخِ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: يَنْبَغِي عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ لَا يَجُوزَ حَتَّى يَسْتَثْنِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِلْدَ شَاتِه وَإِلَّا فَهُوَ لَحْمٌ وَسِلْعَةٌ بِلَحْمٍ وَسِلْعَةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ رِوَايَةُ يَحْيَى وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ الْجِلْدَ لَحْمٌ يُؤْكَلُ مَسْمُوطًا مُعْتَادًا. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الذَّبْحِ فِيهِمَا ". وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا أُضِيفَ إلَى اللَّحْمِ مِنْ شَحْمٍ وَكُرَاعٍ وَكَبِدٍ وَكَرِشٍ وَقَلْبٍ وَرِئَةٍ وَطِحَالٍ وَكُلًى وَحُلْقُومٍ وَخُصًى وَرَأْسٍ وَشِبْهِهِ، فَلَهُ حُكْمُ اللَّحْمِ فَلَا يَجُوز بِاللَّحْمِ وَلَا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا مِثْلً ابِمِثْلٍ، وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الطِّحَالِ، وَلَا يَجُوزُ رَأْسٌ بِرَأْسَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسٌ يُسَاوِيهِ فِي التَّحَرِّي وَالْوَزْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 205 صَغِيرًا فَيَجُوزُ. قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ مُوَازَنَةً وَإِنْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ رَأْسٌ بِرَأْسَيْنِ. وَبَعْضٌ مِنْ الْعَامَّةِ مَنْ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ رَأْسِ كَبْشٍ فَيُبَدِّلُهُ مِنْ غَيْرِ وَزْنٍ وَهَذَا رِبًا، وَإِنْ كَانَ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَهُوَ بَيْعٌ، وَسَيَأْتِي فِي الْقِسْمَةِ أَنَّ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَفْضُلَ أَصْحَابَهُ زِيَادَةً مَا لَمْ يَكُنْ اللَّحْمُ الَّذِي أَخَذَ شَرِيكُهُ أَحْسَنَ. (وَيُسْتَثْنَى قِشْرُ بَيْضِ النَّعَامِ) الْمَازِرِيُّ: إنَّمَا يَجُوزُ الْبَيْضُ بِالْبَيْضِ بِشَرْطِ تَحَرِّي الْمُسَاوَاةِ وَاتِّحَادِ قَدْرِهِ وَإِنْ اقْتَضَى التَّحَرِّي مُسَاوَاةَ بَيْضَةٍ لِبَيْضَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَجُوزُ بَيْضُ النَّعَامِ بِبَيْضِ الدَّجَاجِ تَحَرِّيًا بَعْدَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ صَاحِبُ بَيْضِ النَّعَامِ قِشْرَهُ، لِأَنَّ لَهُ قَدْرًا مِنْ الثَّمَنِ فَيَصِيرُ الْبَيْضُ بِالْبَيْضِ بَيْنَهُمَا فَضْلًا. الْمَازِرِيُّ: لَمْ يَشْتَرِطْ هَذَا غَيْرُهُ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ ثَمَنَهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ أَوْ لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ فَأَشْبَهَ النَّوَى فِي التَّمْرِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ ادِّخَارِهِ. (وَذِي زَيْتٍ كَفُجْلٍ) ابْنُ رُشْدٍ: مَا كَانَ مِنْ الزَّرَارِيعِ الَّتِي يُسْتَخْرَجُ مِنْهَا الزَّيْتُ كَزَرِيعَةِ الْفُجْلِ فَإِنَّهَا مِنْ الطَّعَامِ لَا تُبَاعُ حَتَّى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 206 تُسْتَوْفَى وَلَا يُبَاعُ مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ. كَذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي تُتَّخَذُ فِيهِ لِذَلِكَ اهـ. اُنْظُرْ زَرِيعَةَ الْكَتَّانِ. أَجَازَ اللَّخْمِيِّ التَّفَاضُلَ فِيهَا وَبَيْعَهَا بِزَيْتِ زَيْتُونٍ إلَى أَجَلٍ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا إذْ لَيْسَتْ بِعَيْشٍ. الْقَرَافِيُّ وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: زَرِيعَةُ الْكَتَّانِ طَعَامٌ وَقَالَ فِيهَا مِثْلَ مَا قَالَ فِي زَرِيعَةِ الْفُجْلِ. وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: فِي الْقُرْطُمِ: إنَّهُ رِبَوِيٌّ. ابْنُ رُشْدٍ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ فِي زَيْتِ اللَّوْزِ وَالْجَوْزِ: ظَاهِرُ النَّوَادِرِ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ. وَأَجَازَ اللَّخْمِيِّ التَّفَاضُلَ فِيهِ. قَالَ: وَكَذَا زَيْتُ الْخَيْرِيِّ. (وَالزُّيُوتُ أَصْنَافٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: زَيْتُ الزَّيْتُونِ وَزَيْتُ الْفُجْلِ وَزَيْتُ الْجُلْجُلَانِ أَجْنَاسٌ لِاخْتِلَافِ مَنَافِعِهَا (كَالْعُسُولِ) اللَّخْمِيِّ: عَسَلُ النَّحْلِ وَالْقَصَبُ وَالْعَصِيرُ أَصْنَافٌ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا. ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُبَاعُ الْقَصَبُ بِعَسَلِهِ وَلَا بِرُبِّهِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَهُ الْأَبْزَارُ. وَأَجَازَ فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ بَيْعَ قَصَبِ السُّكَّرِ بِالسُّكَّرِ لِأَنَّ ذَلِكَ صُنْعُهُ وَيَطُولُ أَمْرُهُ وَلَا يُبَاعُ عَسَلُ الْقَصَبِ بِرُبِّهِ وَهُوَ كَالطَّرِيِّ بِالْيَابِسِ، لِأَنَّ عَسَلَ الْقَصَبِ إذَا عُمِلَ رُبًّا نَقَصَ. قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَوْلُ الْقَرَافِيُّ " يَجُوزُ السُّكَّرُ بِالْفَانِيدِ " مُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَانِيدُ مَحْشُوًّا كَمَا أَجَازُوا الْخُبْزَ بِالْكَعْكِ الْمَحْشُوِّ. (لَا الْخُلُولِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْخُلُولُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ كَخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ. لِاتِّفَاقِ الْمَنَافِعِ، وَأَمَّا التَّمْرُ بِخَلِّهِ وَالْعِنَبُ بِخَلِّهِ فَجَائِزٌ لِطُولِ أَمْرِهِ. (وَالْأَنْبِذَةِ) قَالَ مَالِكٌ: لَا يَصْلُحُ نَبِيذُ تَمْرٍ بِنَبِيذِ زَبِيبٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا وَاحِدَةٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: الْأَشْرِبَةُ الْحَلَالُ مَا كَانَ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالتِّينِ صِنْفٌ. (وَالْأَخْبَازِ وَلَوْ بَعْضُهَا قُطْنِيَّةً) ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْأَخْبَازَ لَا تُرَاعَى أُصُولُهَا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهَا وَاحِدَةٌ، فَلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 207 يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْخُبْزِ وَإِنْ افْتَرَقَتْ أُصُولُهُ. (إلَّا الْكَعْكَ بِأَبْزَارٍ) اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ: لَا يَجُوزُ الْخُبْزُ بِالْكَعْكِ مُتَفَاضِلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْكَعْكِ أَبْزَارٌ، وَيَجُوزُ الْفَضْلُ بَيْنَ الْإِسْفَنْجِ وَالْخُبْزِ لِأَنَّ الزَّيْتَ يَنْقُلُ الطَّعَامَ كَمَا يَنْقُلُ الْأَبْزَارَ. (وَبَيْضٍ) قَوْلُهُ قَبْلَ هَذَا وَيُسْتَثْنَى قِشْرُ بَيْضِ النَّعَامِ فَرْعُ رِبَوِيَّةِ الْبَيْضِ فَهُنَاكَ كَانَ مَوْضِعُ النَّصِّ عَلَى أَنَّ الْبَيْضَ رِبَوِيٌّ، وَأَمَّا هُنَا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ هَلْ الْبَيْضُ كَالْأَبْزَارِ أَوْ لَا. وَقَدْ تَوَقَّفَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي عَسَلِ الْقَصَبِ إذَا ضُرِبَ بِالْبَيْضِ فَانْظُرْ أَنْتَ فِي هَذَا (وَسُكَّرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ سُكَّرٌ بِسُكَّرٍ مُتَفَاضِلًا (وَعَسَلٍ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْعُسُولَ صِنْفٌ وَذَلِكَ فَرْعُ رِبَوِيَّتِهَا، وَيَبْقَى النَّظَرُ هَلْ يُرِيدُ أَنَّ الْعَسَلَ وَالسُّكَّرَ جِنْسَانِ بِخِلَافِ عُسُولِهِمَا. (وَمُطْلَقِ لَبَنٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنَّ مُطْلَقَ اللَّبَنِ رِبَوِيٌّ، وَمِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 209 الْمُدَوَّنَةِ: لَبَنُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَيَجُوزُ لَبَنُ الْغَنَمِ الْحَلِيبُ وَفِيهِ زُبْدُهُ بِلَبَنٍ مَضْرُوبٍ قَدْ أُخْرِجَ زُبْدُهُ أَوْ بِلَبَنِ اللِّقَاحِ وَلَا زُبْدَ فِيهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَمَا جَازَ دَقِيقٌ بِقَمْحٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلِلْقَمْحِ رِيعٌ بَعْدَ طَحْنِهِ، وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. (وَحُلْبَةٍ وَهَلْ وَإِنْ اخْضَرَّتْ؟ تَرَدُّدٌ) ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْحُلْبَةِ: لَيْسَتْ بِطَعَامٍ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ، فَتُبَاعُ قَبْلَ أَنْ تُسْتَوْفَى، وَيُبَاعُ مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ، وَتُبَاعُ بِالْقَمْحِ إلَى أَجَلٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هِيَ طَعَامٌ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ هَلْ هِيَ رِبَوِيَّةٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا. وَقَالَ أَصْبَغُ: لِلْخَضْرَاءِ حُكْمُ الْأَطْعِمَةِ، وَلِلْيَابِسَةِ حُكْمُ الْأَدْوِيَةِ، وَمَا ذَكَرَ اللَّخْمِيِّ إلَّا قَوْلَ أَصْبَغَ خَاصَّةً غَيْرَ مُعْزٍ وَكَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ (وَمُصْلِحُهُ كَمِلْحٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَوَرَدَ النَّصُّ عَلَى الْمِلْحِ لِيُنَبِّهَ عَلَى مَا أَصْلَحَ الْمُقْتَاتَاتِ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ كَالْأَبَازِيرِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا. (وَبَصَلٍ وَثُومٍ) ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: الثُّومُ وَالْبَصَلُ بِخِلَافِ الْبُقُولِ وَالْغَالِبُ فِيهَا أَنَّ ذَلِكَ يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ فَلَا يَصْلُحُ التَّفَاضُلُ فِي رَطْبِهِ وَلَا يَابِسِهِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ (وَتَابِلٍ كَفُلْفُلٍ وَكُزْبَرَةٍ وَكَرَوْيَا) اللَّخْمِيِّ: رِوَايَةُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ التَّوَابِلَ طَعَامٌ وَهِيَ الْكُزْبَرَةُ وَالْقَرْنَبَا ذُو الْفِلْفِلِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 210 وَالزَّنْجَبِيلُ. عِيَاضٌ: الْكَرَوْيَا هِيَ الْقَرْنَبَاذُ (وَأَنِيسُونَ وَشَمَارٍ) الشَّمَارُ زَرِيعَةُ الْبِسْبَاسِ وَالْأَنِيسُونَ حَبَّةُ الْحَلْوَاءِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ (وَكَمُّونَيْنِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: الْكَمُّونَانِ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَحَدُهُمَا الْأَسْوَدُ وَهُوَ الشُّونِيزُ، وَالْآخَرُ الْمَعْرُوفُ (وَهِيَ أَجْنَاسٌ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ لِاخْتِلَافِ مَنَافِعِهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْقُرْطُمُ وَالْخَرْدَلُ وَالتَّابِلُ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ صِنْفٍ مِنْهُ بِصِنْفِهِ أَوْ بِخِلَافٍ إلَى أَجَلٍ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ يَدًا بِيَدٍ حَتَّى تَخْتَلِفَ الْأَصْنَافُ اهـ. اُنْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ الْقِرْفَةَ وَالسُّنْبُلَ. وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى مَالِكٍ الْفِلْفِلُ وَالْقِرْفَةُ وَالسُّنْبُلُ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ (لَا خَرْدَلٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 211 رِبَوِيٌّ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إنَّ حَبَّ الرَّشَادِ لَيْسَ بِطَعَامٍ (وَزَعْفَرَانٍ) ابْنُ يُونُسَ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّعْفَرَانَ لَيْسَ بِطَعَامٍ (وَخُضَرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَا لَيْسَ فِيهِ عِلَّةُ رِبًا غَيْرُ رِبَوِيٍّ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَالْخُضَرِ وَالْبُقُولِ. ابْنُ شَاسٍ: كَالْخَسِّ وَالْهُنْدُبَا وَالْقَضْبِ. (وَدَوَاءٍ) فِي الرِّسَالَةِ: وَمَا يَكُونُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالزَّرَارِيعِ الَّتِي لَا يُعْتَصَرُ مِنْهَا زَيْتٌ فَلَا يَدْخُلُ فِيمَا يَحْرُمُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ اهـ. وَعَنَى بِهَذَا الزَّرَارِيعِ زَرِيعَةَ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ وَالْبِطِّيخِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ إلَّا لِلتَّدَاوِي فَهِيَ كَالْحُرْفِ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَعُيُونُ الْبَقَرَةِ والزفيزف يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يُرَادَانِ بَعْدَ الْيُبْسِ لِلْعِلَاجِ (وَتِينٍ) أَمَّا زَكَاةُ التِّينِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَالِكًا تَرَجَّحَ قَوْلُهُ فِي زَكَاتِهَا، وَأَمَّا فِي هَذَا الْبَابِ فَالْمَنْصُوصُ لِمَالِكٍ أَنَّهَا رِبَوِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَيْبَسُ قَالَ: وَيُحْكَمُ فِيهِ بِالْأَغْلَبِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنَّ ظَاهِرَ اللَّخْمِيِّ وَالْقَاضِي الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْجَوْزَ وَاللَّوْزَ رِبَوِيَّانِ (وَمَوْزِ فَاكِهَةٍ وَلَوْ اُدُّخِرَتْ بِقُطْرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْفَوَاكِهُ الَّتِي لَا تُقْتَاتُ وَلَا تُدَّخَرُ غَيْرُ رِبَوِيَّةٍ اتِّفَاقًا. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ طَعَامٍ أَوْ إدَامٍ يُدَّخَرُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ بِصِنْفِهِ وَإِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ، وَأَمَّا مَا لَا يَدْخُلُ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ رَطْبِ الْفَوَاكِهِ كَالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْمَوْزِ وَالْخَوْخِ وَإِنْ اُدُّخِرَ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْخُضَرِ وَالْبُقُولِ فَلَا بَأْسَ بِصِنْفٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِصِنْفِهِ أَوْ بِخِلَافِهِ يَدًا بِيَدٍ مُتَفَاضِلًا. ابْنُ الْمَوَّازِ: الزفيزف وَعُيُونُ الْبَقَرِ وَالتُّفَّاحُ مِنْ رَطْبِ الْفَوَاكِهِ وَإِنْ يَبِسَ بَعْضُهُ فَلَيْسَ بِالْغَالِبِ وَلَا يَيْبَسُ لِأَصْلِ مَعَاشٍ بَلْ لِيُتَدَاوَى بِهِ، فَلَهُ حُكْمُ رَطْبِ الْفَوَاكِهِ، وَلَا بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ فِي رَطْبٍ بِرَطْبِهِ وَيَابِسٍ بِيَابِسِهِ وَكَذَلِكَ الْمَوْزُ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: أَجَازَ مَالِكٌ التَّفَاضُلَ فِي الرُّمَّانِ، وَأَرَى أَنْ لَا يَجُوزَ فِيهَا التَّفَاضُلُ لِأَنَّهَا تُدَّخَرُ الشُّهُورَ وَهِيَ مُتَفَكِّهَةٌ قَبْلَ الِادِّخَارِ وَبَعْدَهُ (كَبُنْدُقٍ) نَصَّ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ اللَّوْزَ وَالْجَوْزَ وَالصَّنَوْبَرَ كُلٌّ مِنْهَا صِنْفٌ عَلَى حِدَةٍ لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ جَازَ التَّفَاضُلُ فِيهِ فَقَوْلُ خَلِيلٍ مُشْكِلٌ. (وَبَلَحٍ إنْ صَغَرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي صَغِيرِ الْبَلَحِ بِكَبِيرِهِ أَوْ بِبُسْرٍ أَوْ بِرُطَبٍ أَوْ بِتَمْرٍ يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّ صَغِيرَ الْبَلَحِ عَلَفٌ لَا طَعَامٌ ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا اشْتَرَطَ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ إذَا كَانَ فِي شَجَرِهِ إذْ لَا يَجُوزُ بَقَاؤُهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ عَلَى الْجَدِّ وَلَوْ كَانَ مَجْدُودًا جَازَ أَنْ يُسْلِمَ فِي تَمْرٍ أَوْ رُطَبٍ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَيَجُوزُ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ يَجِدَّهُ مَكَانَهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: الْبَلَحُ الْكَبِيرُ رِبَوِيٌّ (وَمَاءٍ) وَيَجُوزُ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَعْرُوفُ أَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ طَعَامٍ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ بَيْعُ الْمَاءِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَمُتَفَاضِلًا وَبِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ. (وَالطَّحْنُ وَالْعَجْنُ وَالصَّلْقُ إلَّا التُّرْمُسَ وَالنَّبِيذَ لَا يُنْقَلُ) أَمَّا الدَّقِيقُ بِالْقَمْحِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ أَنَّ الطَّحْنَ وَالْعَجْنَ لَغْوٌ. وَانْظُرْ بِمَاذَا تَكُونُ الْمُمَاثَلَةُ؟ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي ذَلِكَ تَكُونُ بِالْكَيْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّهَا فِي اللَّبَنِ إذَا أَخْرَجَ زُبْدَهُ بِلَبَنٍ فِيهِ زُبْدٌ أَنَّهُ جَائِزٌ كَمَا جَازَ قَمْحٌ بِدَقِيقٍ وَإِنْ كَانَ لِلدَّقِيقِ رِيعٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا وُزِنَا جَمِيعًا. وَنَصَّ سَحْنُونَ عَلَى أَنَّ الْمِعْيَارَ الشَّرْعِيَّ فِي الدَّقِيقِ الْكَيْلُ، وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُرَشِّحُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 212 طَرِيقَةَ ابْنِ الْقَصَّارِ وَيَقُولُ: أَمَّا الْبَيْعُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالْوَزْنِ كَالتَّمْرِ. وَانْظُرْ فِي التَّمْهِيدِ فِي رَسْمِ حُمَيْدٍ لَوْ وُزِنَ الْمَكِيلُ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ مُمَاثِلًا إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَأَمَّا السَّلْقُ فَيُقَالُ سَلَقْت الْفُولَ إذَا أَغَلَيْته بِغَلْيَةٍ خَفِيفَةٍ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: لَا يَجُوزُ الْحِمَّصُ الْمَبْلُولُ بِالْيَابِسِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا يَطُولُ وَلَا يَتَكَلَّفُ فِيهِ كَبِيرَ مُؤْنَةٍ، وَلَا مُتَمَاثِلًا لِأَنَّهُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ، وَكَذَلِكَ يَابِسُ الْفُولِ بِمَصْلُوقِهِ، وَقَدْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي التُّرْمُسِ لِأَنَّهُ لَا يَطُولُ أَمْرُهُ وَيَتَكَلَّفُ فِيهِ مُؤْنَةً. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا خَيْرَ فِي بَيْضٍ مَسْلُوقٍ بِنِيءٍ مِنْهُ لَيْسَ الصَّلْقُ صَنْعَةً. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ طَبْخُ اللَّحْمِ بِغَيْرِ أَبْزَارٍ لَغْوٌ، وَأَمَّا الْعَجْنُ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْعَجْنُ لَيْسَ بِصَنْعَةٍ فَلَا يَجُوزُ بِالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا بِاتِّفَاقٍ، وَلَا تُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِ بِالْكَيْلِ وَلَا بِالْوَزْنِ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجُوزُ بِالتَّحَرِّي؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ مِثْلَ الْخَمِيرَةِ يَتَسَلَّفُهَا الْجِيرَانُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَيَرُدُّونَ فِيهَا دَقِيقًا أَوْ يَتَبَادَلُونَ فِيهَا الدَّقِيقَ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصِّ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَقَوْلِ أَشْهَبَ. وَأَمَّا النَّبِيذُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ نَبِيذُ التَّمْرِ وَنَبِيذُ الْعِنَبِ جِنْسٌ وَاحِدٌ. الْبَاجِيُّ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الِانْتِبَاذَ صَنْعَةٌ. ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ لَمْ يَطُلْ زَمَنُ الصَّنْعَةِ فَالْمَشْهُورُ لَا يُنْقَلُ كَالتَّمْرِ بِنَبِيذِهِ (بِخِلَافِ خَلِّهِ) الْبَاجِيُّ: نَصَّ مَالِكٌ عَلَى جَوَازِ التَّمْرِ بِخَلِّهِ، فَقَاسَ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ الْعِنَبَ بِخَلِّهِ فَجَوَّزَهُ اهـ. وَانْظُرْ النَّبِيذَ بِالْخَلِّ. ابْنُ رُشْدٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ النَّبِيذُ لَا يَصْلُحُ بِالتَّمْرِ لِقُرْبِ مَا بَيْنَهُمَا وَلَا بِالْخَلِّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، لِأَنَّ الْخَلَّ وَالتَّمْرَ طَرَفَانِ يَبْعُدُ مَا بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَالنَّبِيذُ وَاسِطَةٌ بَيْنَهُمَا يَقْرُبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَلَا يَجُوزُ بِالتَّمْرِ عَلَى حَالٍ وَلَا بِالْخَلِّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلِ وَهَذَا أَظْهَرُ. وَلَا يَكُونُ سَمَاعُ يَحْيَى مُخَالِفًا لِلْمُدَوِّنَةِ وَطَبْخِ لَحْمٍ بِأَبْزَارِ وَشَيِّهِ وَتَجْفِيفِهِ بِهَا. ابْنُ بَشِيرٍ: الصِّنَاعَةُ الْمُضَافَةُ إلَى الْمَصْنُوعِ إنْ كَانَتْ بِأَبْزَارٍ وَنَقَصَتْ وَلَا مُضَافَ لَهَا فَهَذِهِ لَيْسَتْ بِنَاقِلَةٍ إلَى جِنْسٍ آخَرَ، وَمِثَالُهُ شَيُّ اللَّحْمِ وَتَجْفِيفُهُ وَطَبْخُهُ مِنْ غَيْرِ إضَافَةِ مَرَقَةٍ إلَيْهِ، وَمِنْ هَذَا تَجْفِيفُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، فَإِنْ كَانَ بِإِضَافَةِ شَيْءٍ إلَيْهِ فَإِنَّهَا صَنْعَةٌ نَاقِلَةٌ وَهَذَا كَتَجْفِيفِ اللَّحْمِ بِالْأَبَازِيرِ وَالطَّبْخِ بِالْمَرَقَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَاجِيِّ وَاللَّخْمِيِّ أَنَّ طَبْخَ اللَّحْمِ بِالْمَاءِ وَالْمِلْحِ فَقَطْ لَغْوٌ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَقْلِيِّ مَعَ خَلٍّ وَزَيْتٍ وَتَابِلٍ وَرُبَّمَا كَانَتْ لَهُ مَرَقَةٌ فَلَهُ حُكْمُ الْمَطْبُوخِ فَلَا يُبَاعُ بِمَطْبُوخٍ. يُرِيدُ مُتَفَاضِلًا. وَلَا بَأْسَ بِهِ مُتَسَاوِيًا وَتَحَرِّيًا وَلَا بَأْسَ بِهِ بِالنِّيءِ (عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْخَبْزِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. لَا بَأْسَ بِالْخَبْزِ بِالْعَجِينِ أَوْ بِالدَّقِيقِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 213 أَوْ بِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّ الْخُبْزَ قَدْ غَيَّرَتْهُ الصَّنْعَةُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَجُوزُ النَّشَا بِالْخُبْزِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّ الصَّنْعَةَ أَخْرَجَتْهُ عَنْ مَنْفَعَةِ الْأَكْلِ إلَى غَيْرِهِ. التُّونِسِيُّ: لَا رِوَايَةَ فِي الْخَبْزِ بِالسَّوِيقِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ التَّفَاضُلُ فِيهِ لِاخْتِلَافِ مَنْفَعَتِهِ. (وَقَلْيِ قَمْحٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ مَقْلُوُّ الْحِنْطَةِ بِيَابِسِهَا وَمَبْلُولِهَا وَدَقِيقِهَا مُتَفَاضِلًا، وَقَدْ غَمَزَهُ مَالِكٌ حَتَّى يُطْحَنَ الْمَقْلُوُّ، وَيَجُوزُ مَقْلُوُّ الْأُرْزِ بِيَابِسِهِ وَمَبْلُولِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَمُتَفَاضِلًا (وَسَوِيقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِالسَّوِيقِ وَالدَّقِيقِ أَوْ بِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضِلًا لِصَنْعَةٍ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ سَوِيقُ السُّلْتِ وَالشَّعِيرِ لَا بَأْسَ بِهِ بِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضِلًا. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لَا تَصْلُحُ الْحَرِيرَةُ بِالسَّوِيقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ. الْأَبْهَرِيُّ: الْحَرِيرَةُ جَلِيلُ السَّوِيقِ. وَفِي اللُّغَةِ الْحَرِيرَةُ الدَّشِيشُ. اللَّخْمِيِّ: يَخْتَلِفُ فِي بَيْع الدَّقِيقِ بِالسَّعِيدِ فَمَنْ أَجَازَ الْقَمْحَ بِالدَّقِيقِ أَجَازَهُ. (وَسَمْنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِسَمْنٍ بِلَبَنٍ أُخْرِجَ زُبْدُهُ، وَأَمَّا بِلَبَنٍ فِيهِ زُبْدُهُ فَلَا يَجُوزُ إذْ لَا يَجُوزُ زُبْدٌ بِسَمْنٍ، لَا مُتَسَاوِيًا وَلَا مُتَفَاضِلًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُزَابَنَةِ وَهُوَ كَالرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، لِأَنَّ الزُّبْدَ يَنْقُصُ إذَا ذُوِّبَ كَمَا يَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ كَانَ كَالْقَمْحِ بِالدَّقِيقِ يَجُوزُ مِثْلًا بِمِثْلٍ؟ قِيلَ: لَيْسَ فِي الْقَمْحِ بِالدَّقِيقِ رُطَبٌ يَنْقُصُ إذَا يَبِسَ وَإِنَّمَا لِلْقَمْحِ رِيعٌ إذَا طُحِنَ كَمَا أَنَّ رِيعَهُ أَكْثَرُ مِنْ رِيعِ الشَّعِيرِ إذَا طُحِنَ، وَقَدْ أَجَازَ الصَّحَابَةُ الْقَمْحَ بِالشَّعِيرِ يَدًا بِيَدٍ كَيْلًا مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَالدَّقِيقُ بِالْقَمْحِ مِثْلُهُ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: فَأَمَّا الْجُبْنُ بِالْمَضْرُوبِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ. فَمَنْ أَجَازَهُ فَعِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَضْرُوبِ جُبْنٌ بِحَالٍ، وَمَنْ كَرِهَهُ أَمْكَنَ عِنْدَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ الْأَقِطُ وَالْجُبْنُ بِالْأَقِطِ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ انْتَهَى. وَقَدْ تَحَصَّلَ أَنَّ السَّمْنَ نَاقِلٌ بِنِسْبَةٍ فَانْظُرْهُ فِي لَفْظِ خَلِيلٍ. (وَجَازَ تَمْرٌ وَلَوْ قَدُمَ بِتَمْرٍ) ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الطَّعَامَ يَجُوزُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 214 مُبَادَلَةُ الْمَأْكُولِ وَالْمَعْفُونِ مِنْهُ بِالصَّحِيحِ السَّالِمِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَكَذَا فِي سَمَاعِ عِيسَى. وَمَنَعَ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ الطَّعَامُ الْمَعْفُونُ بِالطَّعَامِ الْمَعْفُونِ إلَّا أَنْ يُشْبِهَ بَعْضُهُ بَعْضًا وَلَا يَتَفَاوَتُ. وَأَجَازَهُ سَحْنُونَ قَالَ: وَلَوْ كُرِهَ الْمَعْفُونُ بِالصَّحِيحِ لَكُرِهَ الْقَمْحُ بِالشَّعِيرِ وَالْجَيِّدُ بِالرَّدِيءِ. (وَحَلِيبٌ وَرُطَبٌ وَمَشْوِيٌّ وَقَدِيدٌ وَعَفِنٌ وَزُبْدٌ وَسَمْنٌ وَجُبْنٌ وَأَقِطٌ بِمِثْلِهَا) أَمَّا الْحَلِيبُ بِمِثْلِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّهَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَمُطْلَقُ لَبَنٍ "، وَأَمَّا الرُّطَبُ بِمِثْلِهِ فَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: يَجُوزُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 215 الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا يَجُوزُ التَّمْرُ بِالرُّطَبِ. قَالَ الْقَبَّابُ: الرُّطَبُ التَّمْرُ الَّذِي دَخَلَهُ إنْضَاجٌ وَلَمْ يَيْبَسْ، وَاَلَّذِي قَالَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ لِأَنَّ رُطُوبَتَهُ جُزْءٌ مِنْهُ فَلَيْسَ كَالْمَبْلُولِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 216 وَفَرَّقَ اللَّخْمِيِّ بَيْنَ رُطَبِ نَوْعَيْنِ لِأَنَّهُمَا إذَا يَبِسَا اخْتَلَفَا. تَعَقَّبَهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّ النَّوْعَ الْوَاحِدَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ تَأْخُذُ مِنْ بَعْضِهِ أَكْثَرَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُضْبَطَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ أَوْ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ وَالْحُكْمُ سَوَاءٌ. وَأَمَّا الْمَشْوِيُّ بِالْمَشْوِيِّ وَالْقَدِيدُ بِالْقَدِيدِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا خَيْرَ فِي الْقَدِيدِ بِالْمَشْوِيِّ وَإِنْ بِتَحَرٍّ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا خَيْرَ فِي قَدِيدٍ بِقَدِيدٍ لِاخْتِلَافِ يُبْسِهِ، وَلَا فِي الشِّوَاءِ بِالشِّوَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَدِلُ. وَلِابْنِ رُشْدٍ مَا نَصُّهُ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ الْمَشْوِيُّ بِالْمَشْوِيِّ وَلَا الْقَدِيدُ بِالْقَدِيدِ مِنْ اللَّحْمِ إلَّا بِتَحَرِّي أُصُولِهِمَا لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَهُمَا فِي الرُّطُوبَةِ وَالْيُبْسِ؟ وَأَمَّا الْعَفِنُ بِالْعَفِنِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَتَمْرٌ وَلَوْ قَدُمَ ". وَأَمَّا السَّمْنُ وَالْجُبْنُ وَالْأَقِطُ كُلُّ وَاحِدٍ بِمِثْلِهِ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: السَّمْنُ بِالسَّمْنِ، وَالزُّبْدُ بِالزُّبْدِ، وَالْجُبْنُ بِالْجُبْنِ، وَمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ اللَّبَنِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصِنْفِهِ جَائِزٌ. وَأَمَّا الْجُبْنُ بِالْحَلِيبِ وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ وَاحِدٍ بِغَيْرِ صِنْفِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الرَّطْبِ بِالْيَابِسِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 218 وَالتَّمَاثُلُ عَلَى مُرَاعَاةِ الْمَآلِ مَعْدُومٌ. اللَّخْمِيِّ: الْأَقِطُ بِالْأَقِطِ مُتَفَاضِلًا مَمْنُوعٌ، وَيَجُوزُ الْجُبْنُ بِالْجُبْنِ مُتَمَاثِلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْيَابِسَ وَالطَّرِيَّ. قَالَ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَلِيبِ بِالزُّبْدِ وَلَا بِالسَّمْنِ وَلَا بِالْجُبْنِ وَلَا بِالْأَقِطِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ بِالْآخَرِ لِأَنَّ الِادِّخَارَ مَوْجُودٌ وَالتَّفَاضُلَ مَمْنُوعٌ وَالْمُمَاثَلَةَ مَعْدُومَةٌ. (كَزَيْتُونٍ) اللَّخْمِيِّ: يَجُوزُ الزَّيْتُونُ بِالزَّيْتُونِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَإِنْ كَانَ زَيْتُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ كَالْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ يَجُوزُ كَيْلًا وَإِنْ كَانَ الرِّيعُ مُخْتَلِفًا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ زَيْتُونٍ بِزَيْتٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ كَانَ هَذَا الزَّيْتُونُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ زَيْتٌ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: بَيْعُ الزَّيْتُونِ الْغَضِّ الطَّرِيِّ بِالزَّيْتُونِ الَّذِي قَدْ ذَبَلَ وَضَمُرَ وَيُعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ نَقَصَ كَيْلًا بِكَيْلٍ فَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ كَمَا لَا يَجُوزُ التَّمْرُ بِالرُّطَبِ. (وَلَحْمٍ) اللَّخْمِيِّ: شَرْطُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ كَوْنُ الذَّبْحِ فِيهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ مُتَقَارِبٍ وَإِنْ بَعُدَ وَجَفَّتْ الْأَوْلَى لَمْ يَجُزْ وَزْنًا وَاخْتُلِفَ فِيهِ بِالتَّحَرِّي. (لَا رَطْبِهَا بِيَابِسِهَا) ابْنُ بَشِيرٍ: نَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ التَّسَاوِيَ فِي الْمَآلِ يُعْتَبَرُ لِقَوْلِهِ «أَوْ يَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ» . ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الرَّطْبُ بِالْيَابِسِ مِنْ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَأَمَّا الرَّطْبُ بِالْيَابِسِ مِنْ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَالتُّفَّاحِ وَالْخَوْخِ وَعُيُونِ الْبَقَرِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. (وَمَبْلُولٍ بِمِثْلِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ الْحِنْطَةُ الْمَبْلُولَةُ بِالْحِنْطَةِ الْيَابِسَةِ أَوْ الْمَبْلُولَةِ وَلَا بِالشَّعِيرِ وَلَا بِالسَّلْتِ مُتَسَاوِيًا وَلَا مُتَفَاضِلًا (وَلَبَنٍ بِزُبْدٍ إلَّا أَنْ يُخْرَجَ زُبْدُهُ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا يَجُوزُ السَّمْنُ بِلَبَنٍ أُخْرِجَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 219 زُبْدُهُ. (وَاعْتُبِرَ الدَّقِيقُ فِي خُبْزٍ بِمِثْلِهِ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: كُلُّ خُبْزٍ أَصْلُهُ مُخْتَلِفٌ فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ التَّفَاضُلُ. فَانْظُرْ فَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَخُبْزِ قَمْحٍ وَخُبْزِ أُرْزٍ فَإِنَّمَا يُرَاعَى وَزْنُ الْخُبْزَيْنِ لَا تَمَاثُلُ الدَّقِيقَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَخُبْزِ قَمْحٍ وَخُبْزِ شَعِيرٍ فَإِنَّمَا يُرَاعَى تَمَاثُلُ الدَّقِيقَيْنِ. وَكَذَلِكَ خُبْزُ الْقُطْنِيَّةِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي جَعَلَهَا أَصْنَافًا يُرَاعَى تَمَاثُلُ الْخُبْزَيْنِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي جَعَلَهَا صِنْفًا يُرَاعَى تَمَاثُلُ الدَّقِيقَيْنِ قَالَهُ بَعْضُ فُقَهَائِنَا وَهُوَ حَسَنٌ. قَالَ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ خُبْزِ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ بِمِثْلِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَخَفَّفَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْبُيُوتِ يَسْتَقْرِضُونَ الْخُبْزَ بِالْوَزْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ بَابٌ مَعْرُوفٌ وَتَقَعُ فِيهِ الضَّرُورَةُ وَتَحَرِّي الدَّقِيقِ يَصْعُبُ. انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَتْ أُصُولُ الْأَخْبَازِ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ تُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَ أُصُولُ الْأَخْبَازِ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَأَخْبَازِ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسَّلْتِ فَإِنَّمَا تَكُونُ الْمُمَاثَلَةُ بِاعْتِبَارِ أُصُولِهَا. وَذَهَبَ ابْنُ دَحُونَ إلَى أَنَّ الْخُبْزَ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ وَزْنًا بِوَزْنٍ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ صِنْفًا عَلَى حِدَةٍ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تُرَاعَى أُصُولُهُ، وَلَعَمْرِي إنَّ لِقَوْلِهِ وَجْهًا وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَالْأَنْبِذَةُ إنَّمَا تَجُوزُ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا يُرَاعَى مَا دَخَلَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْ التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ أَوْ الْعِنَبِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: ظَاهِرُ الْمُوَطَّأِ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْخُبْزِ بِالْخُبْزِ تَحَرِّيًا أَنْ يَتَحَرَّى الْوَزْنَ لَا الدَّقِيقَ، وَلَوْ كَثُرَ الْقَوْلُ بِهَذَا فِي الْمَذْهَبِ عِنْدِي لَكَانَ أَصَحَّ (كَعَجِينٍ بِحِنْطَةٍ أَوْ دَقِيقٍ) قَالَ اللَّخْمِيِّ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 220 فِي جَوَازِ الْعَجِينِ بِالدَّقِيقِ رِوَايَتَانِ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَالْعَجْنُ " (وَجَازَ قَمْحٌ بِدَقِيقٍ وَهَلْ إنْ وُزِنَا؟ تَرَدُّدٌ) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَالطَّحْنُ ". (وَاعْتُبِرَتْ الْمُمَاثَلَةُ بِمِعْيَارِ الشَّرْعِ) الْبَاجِيُّ: بِمَاذَا يَكُونُ التَّمَاثُلُ؟ أَمَّا فِي الْحُبُوبِ فَبِالْكَيْلِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِعْيَارُهَا فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ الْأَوْسَاقَ فِي زَكَاةِ التَّمْرِ، وَحُكْمُ الْحُبُوبِ حُكْمُهَا فِي اعْتِبَارِ نَصْبِ الزَّكَاةِ وَفِي إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، فَلَا يَجُوزُ عَلَى هَذَا شَيْءٌ مِنْ الْحُبُوبِ بِجِنْسِهِ بِغَيْرِ الْكَيْلِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ فِي الزَّيْتُونِ أَنَّ مِعْيَارَهَا الْكَيْلُ. وَقَوْلُ سَحْنُونَ أَنَّ الدَّقِيقَ كَذَلِكَ. وَانْظُرْ الْمَذْهَبَ تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ تَقْدِيرُ النِّصَابِ مِنْهَا بِمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ بِالْوَزْنِ (وَإِلَّا فَبِالْعَادَةِ) الْبَاجِيُّ: أَمَّا مَا لَا مِقْدَارَ لَهُ فِي الشَّرْعِ فَإِنْ كَانَ لَهُ مِقْدَارٌ مُعْتَادٌ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ وَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ كَاللَّحْمِ وَالْجُبْنِ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلَدٍ فَلَا يَجُوزُ التَّسَاوِي فِيهِ بِمِقْدَارِ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ مَا يُعْتَبَرُ بِالْكَيْلِ فِي كُلِّ بَلَدٍ. وَانْظُرْ مَا يَخْتَلِفُ تَقْدِيرُهُ بِاخْتِلَافِ عَادَةِ الْبِلَادِ كَالسَّمْنِ وَاللَّبَنِ وَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ، عَادَةُ بَعْضِ الْبِلَادِ فِيهِ الْوَزْنُ وَبَعْضِهَا الْكَيْلُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْبِلَادُ قُدِّرَ بِعَادَةِ بَلَدِهِ وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ نِسْبَةُ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ مِنْ الْجَارِي فِي الْعَوَائِدِ، وَفِي الرُّجُوعِ إلَى التَّحَرِّي فِي الْبَيْضِ قَوْلَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي مُقَابَلَةِ التَّحَرِّي عِنْدَ وَزْنِهِ وَالْوَقْفِ الَّذِي تَقَدَّمَ لِلْبَاجِيِّ نَظَرٌ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْوَزْنُ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَلْ يَكُونُ عَلَى هَذَا قِشْرُ الْبَيْضِ وَقِشْرُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِمَنْزِلَةِ نَوَى التَّمْرِ؟ اُنْظُرْ قَبْلُ قَوْلَهُ " وَذُو زَيْتٍ ". (فَإِنْ عَسُرَ الْوَزْنُ جَازَ التَّحَرِّي لَا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَحَرِّيهِ لِكَثْرَتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ صُبْرَةُ قَمْحٍ بِصُبْرَةِ شَعِيرٍ إلَّا كَيْلًا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا يَجُوزُ تَحَرِّيًا، يُرِيدُ وَكَذَلِكَ مَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّحَرِّي إذْ لَا يُفْقَدُ الْكَيْلُ وَلَوْ بِالْحَفْنَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَأَمَّا مَا أَصْلُهُ الْوَزْنُ فَيَجُوزُ فِيهِ التَّحَرِّي مِثْلُ اللَّحْمِ وَالْخُبْزِ وَالْبَيْضِ يَجُوزُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ تَحَرِّيًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ إذَا بَلَغَهُ التَّحَرِّي وَلَمْ يَكْثُرْ حَتَّى لَا يُسْتَطَاعَ تَحَرِّيهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَذَلِكَ. إذَا لَمْ يَحْضُرْهُمَا مِيزَانٌ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيمَا يُكَالُ إذْ لَا يُفْقَدُ الْكَيْلُ وَلَوْ بِالْحَفْنَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُ التَّحَرِّي فِي الْمَوْزُونِ وَلَوْ لَمْ تَدْعُ لَهُ ضَرُورَةٌ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ بِصِنْفِهِ فَلَا بَأْسَ بِقِسْمَتِهِ عَلَى التَّحَرِّي كَانَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَمْ لَا. ابْنُ عَبْدُوسٍ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221 أَخْطَأَ مَنْ قَالَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ قَسْمُ الْبَقْلِ تَحَرِّيًا بَعْدَ الْحَزْرِ وَهُوَ يُجِيزُ التَّحَرِّيَ فِي الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ فَكَيْفَ بِمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ؟ اهـ. وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَعَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِلْمُدَوِّنَةِ وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَا يُكَالَ أَوْ يُعَدُّ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يُقْسَمُ تَحَرِّيًا بِخِلَافِ مَا يُوزَنُ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ وَيُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ بِالتَّحَرِّي اهـ. فَقَدْ تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي فِي الْمَكِيلِ وَالْمَعْدُودِ أَنْ تَقَعَ فِيهِ قِسْمَةٌ أَوْ مُبَادَلَةٌ بِتَحَرٍّ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْعَدِّ أَوْ الْكَيْلِ، وَسَوَاءٌ كَانَ رِبَوِيًّا أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا يُوزَنُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَسْمُهُ وَمُبَادَلَتُهُ بِالتَّحَرِّي وَلَوْ لَمْ يَكُنْ رِبَوِيًّا عَلَى مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي نَقْلِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَهُوَ أَيْضًا نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ عَنْهُ. وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مُقْتَضَى مَا لِابْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ التَّحَرِّيَ يَجُوزُ فِي الْمَكِيلِ إذَا كَانَ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي الْمُزَابَنَةِ مَا يُرَشِّحُ هَذَا اهـ. [بَاب فِي فَسَادِ الْعَقْدِ مِنْ جِهَةِ نَهْيِ الشَّارِعِ عَنْهُ] (وَفَسَدَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ) ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الثَّالِثُ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ مِنْ جِهَةِ نَهْيِ الشَّارِعِ عَنْهُ، وَعِنْدَنَا أَنَّ مُطْلَقَ النَّهْيِ عَنْ الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ. هَكَذَا حَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ الْمَذْهَبِ (كَحَيَوَانٍ بِلَحْمٍ مِنْ جِنْسِهِ) ابْنُ الْمُسَيِّبِ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ» . أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُهُ يَتَّصِلُ مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ وَأَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ مُرْسَلُ سَعِيدٍ هَذَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَحْمَلُ النَّهْيِ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ لِمَوْضِعِ التَّفَاضُلِ فِيهِ وَالْمُزَابَنَةِ (إنْ لَمْ يُطْبَخْ) كَرِهَ أَشْهَبُ الْكَبْشَ بِلَحْمٍ مَطْبُوخٍ لِأَجَلٍ، وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا. التُّونِسِيُّ: إنَّمَا أَرَادَ أَشْهَبُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُ فَكَرِهَهُ كَكَتَّانٍ فِي ثَوْبِ كَتَّانٍ وَإِلَّا فَهُمَا صِنْفَانِ لِأَنَّ الطَّبْخَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222 أَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ لَحْمًا بِحَيَوَانٍ فَيَجُوزُ نَقْدًا اتِّفَاقًا كَلَحْمٍ بِمَطْبُوخٍ نَقْدًا (أَوْ بِمَا لَا تَطُولُ حَيَاتُهُ) الْبَاجِيُّ: إذَا كَانَ الْحَيُّ لَا يُقْتَنَى فَحُكْمُهُ حُكْمُ اللَّحْمِ مِثْلَ طَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي لَا يُدْجَنُ وَلَا يُتَّخَذُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِدَجَاجٍ. هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ (أَوْ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا اللَّحْمَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَمَّا الْمَدْقُوقَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223 الْعُنُقِ أَوْ الصُّلْبِ أَوْ الشَّارِفِ وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا يَصِيرُ إلَى الذَّبْحِ وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا اللَّحْمَ فَلَا أُحِبُّ شَيْئًا مِنْهَا، وَإِنْ عَاشَ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ، وَلَا بِلَحْمٍ مِنْ صِنْفِهِ يَدًا بِيَدٍ. ابْنُ يُونُسَ: أَعْرِفُ أَنَّهُ جَعَلَهَا لَحْمًا مَعَ الطَّعَامِ وَحَيًّا مَعَ اللَّحْمِ احْتِيَاطًا (أَوْ قَلَّتْ) أَشْهَبُ: لَيْسَ الْكَبْشُ الْخَصِيُّ كَاللَّحْمِ. الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ لِأَنَّهُ يُتَّخَذُ لِلسِّمَنِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا خَيْرَ فِي طَعَامٍ بِشَاةِ لَحْمٍ لِأَجَلٍ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَنْفَعَةُ لَبَنٍ وَلَا صُوفٍ وَإِنْ اُسْتُحْيِيَتْ لِلسِّمَنِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الِاتِّخَاذَ لِتَزَيُّدِ اللَّحْمِ وَالسِّمَنِ مُعْتَبَرٌ خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَخُصْيَانُ الدَّجَاجِ الْمَعْلُوفَةِ كَطَيْرِ الْمَاءِ وَاَلَّتِي لَمْ تُعْلَفْ كَالْمُقْتَنَى لِتَزَيُّدِ لَحْمِهِ (فَلَا يَجُوزُ إنْ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ) أَمَّا مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا اللَّحْمَ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمَدْقُوقَةِ الْعُنُقِ: لَا أُحِبُّهَا بِطَعَامٍ لِأَجَلٍ، وَأَمَّا مَا لَا تَطُولُ حَيَاتُهُ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَا كَانَ مِنْ الطَّيْرِ وَالْأَنْعَامِ وَالْوَحْشِ لَا يَحْيَا وَشَأْنُهُ الذَّبْحُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ بِالْحُوتِ، وَلَا بِلَحْمٍ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ. وَلَا يَجُوزُ إلَى أَجَلٍ وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ اللَّحْمِ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَجَائِزٌ فِيهِ الْحَيُّ بِالْمَذْبُوحِ (كَخَصِيِّ ضَأْنٍ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَبْشِ الْخَصِيِّ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَبْشًا يُقْتَنَى لِصُوفِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا التَّيْسُ الْخَصِيُّ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ فَلَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَنَى لِصُوفِهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلذَّبْحِ اهـ. مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَكَذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ مَا اسْتَدْرَكَ عَلَى هَذَا شَيْئًا. اُنْظُرْ رَسْمَ حَبْل مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ السَّلَمِ فَانْظُرْ التَّيْسَ الْخَصِيَّ إذَا كَانَ يُتَّخَذُ لِلسِّمَنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَخُصْيَانِ الدَّجَاجِ غَيْرِ الْمَعْلُوفَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا كَمُقْتَنَى. فَانْظُرْ هَذَا كُلَّهُ بَعْضَهُ مَعَ بَعْضٍ وَمَعَ خَلِيلٍ. (وَكَبَيْعِ الْغَرَرِ) مُسْلِمٌ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» . الْمَازِرِيُّ: وَهُوَ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ السَّلَامَةِ وَالْعَطْبِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ مَا شَكَّ فِي حُصُولِ أَحَدِ عِوَضَيْهِ أَوْ مَقْصُودٌ مِنْهُ غَالِبًا فَيَدْخُلُ بَيْعُ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ (كَبَيْعِهَا بِقِيمَتِهَا أَوْ عَلَى حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِ غَيْرِهِ أَوْ رِضَاهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ شِرَاءُ سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا بِقِيمَتِهَا أَوْ عَلَى حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِ الْبَائِعِ أَوْ رِضَاهُ أَوْ رِضَا الْبَائِعِ أَوْ عَلَى حُكْمِ غَيْرِهِمَا أَوْ رِضَاهُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ (وَتَوْلِيَتِك سِلْعَةً لَمْ تَذْكُرْهَا أَوْ ثَمَنَهَا بِإِلْزَامٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224 إنْ اشْتَرَيْت سِلْعَةً ثُمَّ وَلَّيْتهَا الرَّجُلَ وَلَمْ تُسَمِّهَا لَهُ وَلَا ثَمَنَهَا أَوْ سَمَّيْت لَهُ أَحَدَهُمَا فَإِنْ كُنْت أَلْزَمْته إيَّاهَا إلْزَامًا لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ وَقِمَارٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْإِلْزَامِ جَازَ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهَا وَعَلِمَ الثَّمَنَ. وَهَذَا سَنٌّ نَاحِيَةَ الْمَعْرُوفِ يَلْزَمُ الْمُولِيَ وَلَا يَلْزَمُ الْمُولَى حَتَّى يَرْضَى بَعْدَ الرُّؤْيَةِ وَعِلْمِ الثَّمَنِ، كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا أَوْ طَعَامًا أَوْ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا، وَعَلَيْهِ مِثْلُ صِفَةِ الْعَرْضِ بِعَيْنِهِ أَوْ الْحَيَوَانِ وَنَحْوِهِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَالْمِثْلُ حَاضِرٌ عِنْدَهُ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَكَذَا إنْ بِعْته عَبْدًا فِي بَيْتِك لَمْ تَصِفْهُ وَلَا رَآهُ إنْ جَعَلْت لَهُ الْخِيَارَ إذَا نَظَرَهُ جَازَ (وَكَمُلَامَسَةِ الثَّوْبِ أَوْ مُنَابَذَتِهِ فَيَلْزَمُ) مُسْلِمٌ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعَتَيْنِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ» . قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى ثِيَابًا مَطْوِيَّةً لَمْ يَنْشُرْهَا وَلَا وُصِفَتْ لَهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ. وَالْمُلَامَسَةُ شِرَاؤُك الثَّوْبَ لَا تَنْشُرُهُ. وَلَا تَعْلَمُ مَا فِيهِ أَوْ تَبْتَاعُهُ لَيْلًا وَلَا تَتَأَمَّلُهُ. وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ تَبِيعَهُ ثَوْبَك وَتَنْبِذَهُ إلَيْهِ بِثَوْبِهِ وَيَنْبِذَهُ إلَيْك مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ مِنْكُمَا فَذَلِكَ غَرَرٌ. (وَكَبَيْعِ الْحَصَاةِ وَهَلْ هُوَ بَيْعُ مُنْتَهَاهَا أَوْ يَلْزَمُ بِوُقُوعِهَا أَوْ عَلَى مَا تَقَعُ عَلَيْهِ بِلَا قَصْدٍ أَوْ بِعَدَدِ مَا تَقَعُ تَفْسِيرَاتٌ) مُسْلِمٌ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ» . الْمَازِرِيُّ: قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ أَرْضِهِ قَدْرَ رَمْيِ الْحَصَاةِ وَلَا شَكَّ فِي جَهْلِهِ لِاخْتِلَافِ قُوَّةِ الرَّمْيِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَسُومُ الثَّوْبَ وَبِيَدِهِ حَصَاةٌ وَيَقُولُ إذَا سَقَطَتْ مِنْ يَدِي وَجَبَ الْبَيْعُ. وَهَذَا إنْ كَانَ مَعْنَاهُ إذَا سَقَطَتْ بِاخْتِيَارِهِ فَهُوَ بَيْعُ خِيَارٍ إذَا وَقَعَ مُؤَجَّلًا فَلَا يُمْنَعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ مَجْهُولًا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَيُّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ عَلَيْهِ حَصَاةٌ هُوَ الْمَبِيعُ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ ارْمِ بِالْحَصَاةِ فَمَا خَرَجَ كَانَ لِي بِعَدَدِهِ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ وَهَذَا مَجْهُولٌ. (وَكَبَيْعِ مَا فِي بُطُونِ الْإِبِلِ أَوْ ظَهْرِهَا أَوْ إلَى أَنْ يُنْتَجَ النِّتَاجُ وَهِيَ الْمَضَامِينُ وَالْمَلَاقِيحُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 225 وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ) فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: لَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحُ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ. فَالْمَضَامِينُ مَا فِي بُطُونِ إنَاثِ الْإِبِلِ، وَالْمَلَاقِيحِ مَا فِي ظُهُورِ الْجِمَالِ ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَقَلَهُ الصَّقَلِّيُّ عَنْ مَالِكٍ مُطْلَقًا لَا بِقَيْدِ كَوْنِهَا فِي الْإِبِلِ. ابْنُ يُونُسَ: وَبَيْعُ حَبَلِ الْحَبَلَةِ هُوَ الْبَيْعُ إلَى نِتَاجِ مَا تُنْتِجُ النَّاقَةُ كَالْأَجَلِ الْمَجْهُولِ. رُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ: هُوَ نِتَاجُ مَا تُنْتِجُ النَّاقَةُ. (وَكَبَيْعِهِ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْبَائِعِ حَيَاتَهُ لَمْ يَجُزْ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ أَجَلَ حَيَاتِهِ مَجْهُولٌ فَهُوَ غَرَرٌ. قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ نَزَلَ وَقَبَضَهَا الْمُبْتَاعُ وَاسْتَغَلَّهَا كَانَتْ الْغَلَّةُ لَهُ بِضَمَانِهِ وَتُرَدُّ الدَّارُ إلَى الْبَائِعِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ مَا أَنْفَقَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ تَفُوتَ الدَّارُ بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ فَيَغْرَمُ الْمُبْتَاعُ قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبْضِهَا. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُبْتَاعُ بِقِيمَةِ مَا أَنْفَقَ فَيَتَقَاصَّانِ، فَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ أَخَذَهُ، وَانْظُرْ لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ النَّفَقَةِ الَّتِي تُشْبِهُ مِثْلَ أَنْ يُسْرِفَ فِي النَّفَقَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ إلَّا بِالْقَدْرِ الَّذِي يَلْزَمُهُ فِي تَعَاقُدِهِمَا أَنْ يُنْفِقَهُ لِأَنَّ الزَّائِدَ مَعْرُوفٌ طَاعَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِمًا، وَلَوْ كَانَ إنَّمَا أَسْكَنَهُ إيَّاهَا عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ فَهُوَ كِرَاءٌ فَاسِدٌ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ مَا أَنْفَقَ وَعَلَيْهِ كِرَاءَ مَا سَكَنَ وَيَتَقَاصَّانِ ذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ مَا أَنْفَقَ إذَا كَانَ لَا يُحْصِي النَّفَقَةَ أَوْ كَانَ فِي جُمْلَةِ عِيَالِهِ، وَأَمَّا لَوْ دَفَعَ مَكِيلَةً إلَيْهِ مَعْلُومَةً مِنْ الطَّعَامِ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً لَرَجَعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَاخْتُلِفَ إنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ سَرَفًا هَلْ يَرْجِعُ بِالسَّرَفِ؟ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى النَّفَقَةِ الْوَسَطُ كَهِبَةِ الْبَيْعِ، فَإِذَا انْتَقَضَ الْأَجَلُ وَجَبَ الرُّجُوعُ بِهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَرْجِعُ إلَّا بِنَفَقَةٍ وَسَطٍ كَمَنْ أَنْفَقَ عَلَى يَتِيمٍ وَلَهُ مَالٌ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْوَسَطِ فَكَذَلِكَ هَذَا. ابْنُ يُونُسَ: وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ يُونُسَ فِي الرُّجُوعِ بِالسَّرَفِ أَنَّهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَاتَ أَوْ لَا فَرْقَ فَلِهَذَا نَظَائِرُ. تَسَلَّفَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ أَخْرَجَ عُشْرَ مَا سَقَاهُ بِالسَّانِيَةِ وَلَا يَحْسِبُهُ مِنْ عُشْرِ زَرْعٍ آخَرَ أَعْطَى زَكَاتَهُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا عِوَضًا مِنْ صَدَقَتِهِ. وَانْظُرْ مَنْ صَالَحَ مِنْ دَمِ خَطَأٍ، أَوْ مَنْ دَفَعَ مَالًا بِشَهَادَةِ أَبٍ لِابْنِهِ بِغَيْرِ حُكْمٍ ثُمَّ عَلِمَ قَالُوا: لَوْ شَاءَ أَثْبَتَ كَمَنْ أَنْفَقَ عَلَى مُطَلَّقَةٍ صَدَّقَهَا أَنَّهَا حَامِلٌ فَلَمْ تَكُنْ، أَوْ اكْتَرَى دَابَّةً الْعَدَدَ فَبَعْدَ وُصُولِهِ أَلْفَاهُ أَقَلَّ. (وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ مَا أَنْفَقَ) تَقَدَّمَ نَصُّ مَالِكٍ إنْ نَزَلَ رَجَعَ بِقِيمَةِ مَا أَنْفَقَ (أَوْ بِمِثْلِهِ إنْ عُلِمَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَكِيلَةً أَوْ دَرَاهِمَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 226 لَرَجَعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ (وَلَوْ سَرَفًا عَلَى الْأَرْجَحِ) اُنْظُرْ هَذَا فَإِنَّ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى إذَا بَاعَهُ دَارًا عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ. لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ يُونُسَ كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالسَّرَفِ إلَّا إنْ كَانَ قَائِمًا. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إذَا أَسْكَنَهُ إيَّاهَا عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: فَهَذَا كِرَاءٌ فَاسِدٌ. وَلَمْ يَذْكُرْ خَلِيلٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ الْخِلَافَ فِي الرُّجُوعِ بِالسَّرَفِ وَرَجَّحَ الرُّجُوعَ قَالَ: لِأَنَّهُ كَهِبَةٍ مِنْ أَجْلِ الْبَيْعِ، فَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ يُونُسَ مِنْ أَجْلِ الْبَيْعِ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ أَجْلِ الْكِرَاءِ. وَانْظُرْ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْبَيْعِ وَقَدْ نَقَلْت كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ بِنَصِّهِ فَانْظُرْهُ فِي نَفْسِهِ وَمَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ (وَرُدَّ إلَّا أَنْ يَفُوتَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ تَفُوتَ الدَّارُ بِهَدْمٍ فَيَغْرَمُ الْمُبْتَاعُ قِيمَتَهَا. (وَكَعَسِيبِ الْفَحْلِ يُسْتَأْجَرُ عَلَى عُقُوقِ الْأُنْثَى وَجَازَ زَمَانٌ أَوْ مَرَّاتٌ) أَعْقَتْ الْفَرَسُ أَيْ حَمَلَتْ فَهِيَ عَقُوقٌ وَلَا يُقَالُ مُعْقٍ الْبُخَارِيُّ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عَسِيبِ الْفَحْلِ» . الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ الْكِرَاءُ الَّذِي يُؤْخَذُ عَلَى ضِرَابِ الْفَحْلِ. يُقَالُ عَسَبَ فَحْلَهُ أَيْ أَكْرَاهُ، وَعَسِيبُ الْفَحْلِ أَيْضًا ضِرَابُهُ، وَيُقَالُ مَاؤُهُ الْمَازِرِيُّ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّمَا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِهِ وَأَمَّا إجَارَتُهُ فَتَجُوزُ كَمَا أُجِيزَ إجَارَةُ الظِّئْرِ لِلرَّضَاعِ وَمُنِعَ بَيْعُ لَبَنِهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا أَجَازَهُ مَالِكٌ مَعَ حَدِيثِ النَّهْيِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ الْعَمَلُ عِنْدَهُمْ فَيَجُوزُ عَلَى أَكْوَامٍ مَعْرُوفَةٍ وَأَشْهَرَ وَأَمَّا حَتَّى يَعُقَّ فَفَاسِدٌ (فَإِنْ أَعَقْت انْفَسَخَتْ) سَحْنُونَ: مَنْ اسْتَأْجَرَ نَزًّا وَفَحْلًا مَرَّتَيْنِ فَعَقَّتْ الدَّابَّةُ بِأَحَدِهِمَا رَجَعَ بِنِصْفِ الْأُجْرَةِ كَصَبِيٍّ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى رَضَاعِهِ مُدَّةً فَمَاتَ فِي نِصْفِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا مَوْتُ الصَّبِيِّ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى تَعْلِيمِهِ وَالدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى رِيَاضَتِهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 227 (وَكَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ يَبِيعُهَا بِالْإِلْزَامِ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ أَكْثَرَ لِأَجَلٍ أَوْ سِلْعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ) التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ بَيْعٌ لِأَحَدِ مَثْمُونَيْنِ يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ فِيهِمَا أَوْ بِأَحَدِ ثَمَنَيْنِ كَذَلِكَ لُزُومًا لِأَحَدِ عَاقِدَيْهِ فَإِنْ كَانَ دُونَ لُزُومٍ جَازَ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: هُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِدِينَارٍ أَوْ بِشَاةٍ أَوْ يَشْتَرِيَهَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ لِخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ قَدْ وَجَبَتْ لِلْمُشْتَرِي بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ إلْزَامًا. الْبَاجِيُّ: سَوَاءٌ كَانَ الْإِلْزَامُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ إلْزَامٍ جَازَ. (إلَّا لِجَوْدَةٍ وَرَدَاءَةٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهَا) فِيهَا لِمَالِكٍ: لَا بَأْسَ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ يَخْتَارُهُ بِثَمَنِ كَذَا أَوْ خَمْسِينَ مِنْ مِائَةِ ثَوْبٍ فِي عَدْلٍ يَخْتَارُهَا إنْ كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا وَوَصَفَ رِقَاعَهَا وَجِنْسَهَا وَطُولَهَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْقِيَمُ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا مَرَوِيَّةٌ أَوْ هَرَوِيَّةٌ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَجْنَاسُ لَمْ يَجُزْ، يُرِيدُ عَلَى الْإِلْزَامِ، وَلَوْ كَانَ كُلُّهُ عَلَى غَيْرِ الْإِلْزَامِ لَجَازَ. وَكَذَلِكَ إنْ اجْتَمَعَ حَرِيرٌ وَصُوفٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ لَمْ يَجُزْ إلَّا عَلَى مَا ذُكِرَ. وَمِنْ رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ عَشْرَ شِيَاهٍ يَخْتَارُهَا مِنْ غَنَمٍ، وَأَمَّا شِرَاءُ عَشَرَةٍ مِنْ شِرَارِهَا فَلَا. يَجُوزُ. فَإِنْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَبِيعَ عَشَرَةً أُخْرَى يَخْتَارُهَا قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الْعَشَرَةَ الْأُولَى فَبَيْنَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مِنْ هَذَا الْمُشْتَرِي فَرْقٌ. اُنْظُرْ رَسْمَ اسْتَأْذَنَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. (لَا طَعَامَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الطَّعَامُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ مِنْ صُبَرٍ صُبْرَةً أَوْ مِنْ نَخِيلٍ أَوْ مِنْ شَجَرٍ مُثْمِرَةٍ عَدَدًا يُسَمِّيهِ، اتَّفَقَ الْجِنْسُ أَوْ اخْتَلَفَ، أَوْ كَذَا وَكَذَا عِرْقًا مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ يَخْتَارُهُ وَيَدْخُلُهُ التَّفَاضُلُ فِي بَيْعِهِ الطَّعَامَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ إنْ كَانَ عَلَى الْكَيْلِ لِأَنَّهُ يَدَعُ هَذِهِ وَقَدْ مَلَكَ اخْتِيَارَهَا وَيَأْخُذُ هَذِهِ وَبَيْنَهُمَا فَضْلٌ فِي الْكَيْلِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ. وَكَذَا إنْ اشْتَرَى مِنْهُ عَشَرَةَ آصُعَ مَحْمُولَةٍ بِدِينَارٍ أَوْ تِسْعَةً سَمْرَاءَ عَلَى الْإِلْزَامِ لَمْ يَجُزْ، وَيَدْخُلهُمَا مَا ذَكَرْنَا وَبَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. التُّونِسِيُّ: أَمَّا إذَا بَاعَ مِنْهُ تَمْرَ أَرْبَعِ نَخَلَاتٍ يَخْتَارُهَا فَهَذَا بَيَّنَ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّفَاضُلُ بَيْنَ الطَّعَامَيْنِ يَأْخُذُ نَخْلَةً ثُمَّ يَنْتَقِلُ عَنْهَا إلَى ثَمَرِ غَيْرِهَا مِمَّا هُوَ أَقَلُّ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرُ، وَكَذَلِكَ صُبَرُ الطَّعَامِ لَا يَجُوزُ الْخِيَارُ فِيهَا. وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُدَّانِ مِنْ حِنْطَةٍ يَأْخُذُ أَحَدَهُمَا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَا فَضْلَ فِي صِفَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لَكَانَ هَذَا خَفِيفًا إذَا لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 228 يَتَرَاخَ فِيهِ. عِيَاضٌ: مُنِعَ هَذَا فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَبِي الْفَرَجِ وَضَعَّفُوا التَّعْلِيلَ بِبَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَالَ فَضْلٌ: إنَّمَا عِلَّتُهُ أَنَّهُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ غَيْرِ مُتَنَاجِزٍ إذْ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا ثُمَّ يَتْرُكُهُ وَيَأْخُذُ الْآخَرَ فَجَاءَ بَدَلُ الطَّعَامَيْنِ غَيْرَ نَاجِزٍ. (وَإِنْ مَعَ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ هَذِهِ الْغَنَمَ عَشَرَةً بِدِينَارٍ أَوْ هَذِهِ الثَّمَرَةَ عَشَرَةً إلْزَامًا وَيُدْخِلُهُ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ اهـ. اُنْظُرْ كَانَ خَلِيلٌ فِي غِنًى عَنْ الْإِتْيَانِ بِهَذَا لَكِنْ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ مَقَاصِدِهِ اسْتِيفَاءُ النُّصُوصِ (كَنَخْلَةٍ مُثْمِرَةٍ مِنْ نَخَلَاتٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ بَاعَ مِنْهُ ثَمَرَ أَرْبَعِ نَخَلَاتٍ مِنْ حَائِطٍ عَلَى أَنْ يَخْتَارَهَا الْمُبْتَاعُ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ ابْتَاعَهَا بِأُصُولِهَا بِغَيْرِ ثَمَرٍ جَازَ كَالْعُرُوضِ وَأَمَّا الثَّمَرَةُ فَلَا (إلَّا الْبَائِعَ يَسْتَثْنِي خَمْسًا مِنْ جِنَانِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ الْمُبْتَاعُ كَالْبَائِعِ يَسْتَثْنِي خِيَارَ أَرْبَعِ نَخَلَاتٍ أَوْ خَمْسٍ. هَذَا قَدْ أَجَازَهُ مَالِكٌ بَعْدَ أَنْ وَقَفَ فِيهِ قَدْرَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَجَعَلَهُ كَمَنْ بَاعَ غَنَمَهُ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ مِنْهَا الْبَائِعُ أَرْبَعَةَ كِبَاشٍ أَوْ خَمْسَةً. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ وَلَا رَأَيْت مَنْ أَعْجَبَهُ ذَلِكَ وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَإِنْ وَقَعَ أَجَزْته لِقَوْلِ مَالِكٍ فِيهِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْكِبَاشِ لِجَوَازِ التَّفَاضُلِ فِيهَا بِخِلَافِ الثَّمَرِ. (وَكَبَيْعِ حَامِلٍ بِشَرْطِ الْحَمْلِ) قَالَ أَشْهَبُ: مَنْ ابْتَاعَ بَقَرَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ جَارِيَةً يَزِيدُ فِيهَا الْحَمْلُ فَلَمْ يَجِدْ بِهَا حَمْلًا لَهُ رَدُّهَا. ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَرُوِيَ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ حَمْلُهَا ظَاهِرًا وَبَيْعُهُ مَفْسُوخٌ، وَأَجَازَهُ سَحْنُونَ إنْ كَانَ الْحَمْلُ ظَاهِرًا. ابْنُ رُشْدٍ: وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ سَحْنُونٍ. ابْنُ زَرْقُونٍ: إنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ رَفِيعَةً يُنْقِصُهَا الْحَمْلُ فَبَاعَهَا عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229 مَعْنَى التَّبَرِّي. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ قَالَ: الْبَيْعُ مَفْسُوخٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا كَانَتْ غَيْرَ رَائِعَةٍ. (وَاغْتُفِرَ غَرَرٌ يَسِيرٌ) الْبَاجِيُّ: يَسِيرُ الْغَرَرِ عَفْوٌ إذْ لَا يَكَادُ عَقْدٌ يَخْلُو مِنْهُ اُنْظُرْ رَسْمَ بَاعَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ قَوْل مَالِكٌ فِي بَائِعِ ثَمَرِ حَائِطِهِ يَشْتَرِطُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَرْبَعَةَ أَحْمِرَةٍ يُرْسِلُهَا لَهُ فِي الْحَائِطِ تَأْكُلُ مَا يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَرِ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ عَلَى الْمُشْتَرِي. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ شَيْءٌ مَعْرُوفٌ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَطَ عَلَفَهَا إلَى الْجُدَادِ (لِلْحَاجَةِ لَمْ يُقْصَدْ) ابْنُ عَرَفَةَ: زَادَ الْمَازِرِيُّ كَوْنَ مُتَعَلِّقِ الْيَسِيرِ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَضَرُورَةَ ارْتِكَابِهِ وَقَرَّرَهُ بِقَوْلِهِ: مُنِعَ بَيْعُ الْأَجِنَّةِ وَجَوَازُ بَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَجْهُولِ قَدْرُ حَشْوِهَا الْمَمْنُوعُ بَيْعُهُ وَحْدَهُ، وَجَوَازُ الْكِرَاءِ لِشَهْرٍ مَعَ احْتِمَالِ نَقْصِهِ وَتَمَامِهِ، وَجَوَازُ دُخُولِ الْحَمَّامِ مَعَ اخْتِلَافِ قَدْرِ مَاءِ النَّاسِ وَلُبْثِهِمْ فِيهِ وَالشُّرْبِ مِنْ السَّاقِي إجْمَاعًا فِي الْجَمِيعِ دَلِيلٌ عَلَى إلْغَاءِ مَا هُوَ يَسِيرٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ دَعَتْ الضَّرُورَةُ لِلَغْوِهِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فِي زِيَادَةِ الْمَازِرِيِّ إشْكَالٌ وَرَدَّ هَذَا ابْنُ عَرَفَةَ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " إلَّا فِي كَسَلَّةِ تِينٍ ". وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَاعَ أَمَةً وَلَهُ رَضِيعٌ حُرٌّ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ رَضَاعَهُ وَنَفَقَتَهُ سَنَةً فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ إنْ مَاتَ الصَّبِيُّ أَرْضَعُوا لَهُ الْآخَرَ. ابْنُ يُونُسَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الظِّئْرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ إنْ مَاتَ الطِّفْلُ أَنْ يُؤْتَى بِغَيْرِهِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْأَمَةِ الْغَرَرُ فِيهَا تَبَعٌ لِأَنَّهُ انْضَافَ إلَى أَصْلٍ جَائِزٍ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي بَيْعِ لَبَنِ شَاةٍ جُزَافًا شَهْرًا إنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَأَجَازَ كِرَاءَ نَاقَةٍ شَهْرًا وَاشْتَرَطَ حِلَابَهَا. أَصْلُهُ جَوَازُ اشْتِرَاطِ الْمُبْتَاعِ ثَمَرًا لَمْ يُؤَبَّرْ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَخِلْفَةُ الْقَصِيلِ ". وَقَالَ أَشْهَبُ: الْآتِي عَلَى قَوْلِهِ يُعْطِي الْمَوْجُودَ حُكْمَ الْمَعْدُومِ كَالْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فِي الْعُقُودِ وَإِذَا قَلَّ وَتَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُمَا نَحْوَ أَسَاسِ الدَّارِ وَقُطْنِ الْجُبَّةِ وَرَدَاءَةِ بَاطِنِ الْفَوَاكِهِ وَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَنَجَاسَةِ ثَوْبِ الْمُرْضِعِ اهـ. وَانْظُرْ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّبَا لَا يَجُوزُ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ لَا لِتَبَعِيَّةٍ وَلَا لِغَيْرِ تَبَعِيَّةٍ. اُنْظُرْ تَرْجَمَةً فِي بَيْعِ الْحُلِيِّ مِنْ ابْنِ يُونُسَ، وَانْظُرْ مِنْ مَعْنَى اشْتِرَاطِ رَضَاعِ الطِّفْلِ مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى الصَّغِيرُ مِنْ أَوْلَادِ الْبَهَائِمِ يَشْتَرِيه عَلَى أَنْ يَكُونَ رَضَاعُهُ عَلَى أُمِّهِ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ، فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ فَمَا نَابَ مِنْهُ مَا بَقِيَ لِأَحَدٍ فَكَأُمِّهِ. (وَكَمُزَابَنَةِ مَجْهُولٍ بِمَعْلُومٍ أَوْ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ) مُسْلِمٌ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ» وَهِيَ بَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا. الْمَازِرِيُّ: الْمُزَابَنَةُ عِنْدَنَا بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ. أَوْ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِيهِمَا. ابْنُ عَرَفَةَ: تَبْطُلُ. عَكْسُهُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ حَسْبَمَا يَأْتِي وَيَكُونُ فِي الرِّبَوِيِّ وَغَيْرِهِ. اُنْظُرْ سَمَاعَ عِيسَى مِنْ السَّلَمِ فِي عُيُونِ الْبَقَرِ وَالتُّفَّاحِ وَنَحْوِهَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ، أَخْضَرُ كُلُّهُ أَوْ يَابِسٌ كُلُّهُ، وَلَا خَيْرَ فِي رَطْبِهِ بِيَابِسِهِ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ ذَلِكَ مُخَاطَرَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا الْعُمُومُ لَفْظُ النَّهْيِ عَنْ الرَّطْبِ بِالْيَابِسِ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّ هَذَا جَائِزٌ مُطْلَقًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا: إنَّهُ جَائِزٌ إنْ تَبَيَّنَ الْفَضْلُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا قَدْ سَلِمَا مِنْ الْمُزَابَنَةِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْفَضْلُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كُلُّ شَيْءٍ يَجُوزُ وَاحِدٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230 بِاثْنَيْنِ مِنْ صِنْفِهِ إذَا كَايَلَهُ أَوْ رَاطَلَهُ أَوْ عَادَهُ فَلَا يَجُوزُ الْجُزَافُ فِيهِ بَيْنَهُمَا، لَا مِنْهُمَا وَلَا مِنْ أَحَدِهِمَا، وَلَا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا كَيْلًا وَلَا وَزْنًا وَلَا عَدَدًا وَلَا جُزَافًا لِأَنَّهُ مِنْ الْمُزَابَنَةِ لِأَنَّهُ يُعْطِي أَحَدَهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الَّذِي يَأْخُذُ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ تَقَارَبَ مَا بَيْنَهُمَا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ تُرَابًا لِأَنَّهُ مُزَابَنَةٌ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُهُ " لَا يَجُوزُ الْجُزَافُ مِنْهُمَا " يُرِيدُ إلَّا فِيمَا قَلَّ مِمَّا يُوزَنُ وَلَمْ يَحْضُرْهُمَا مِيزَانٌ فَيَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ تَحَرِّيًا لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ جُزَافًا فَلَا فَرْقَ اهـ. (وَجَازَ إنْ كَثُرَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْرِ رِبَوِيٍّ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا إلَّا أَنْ يُعْطِيَ أَحَدَهُمَا أَكْثَرَ وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: وَهَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ يَجُوزُ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ مِنْ صِنْفِهِ. (وَنُحَاسٌ بِتَوْرٍ لَا فُلُوسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا خَيْرَ فِي فُلُوسٍ مِنْ نُحَاسٍ بِنُحَاسٍ يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّهُ مُزَابَنَةٌ إلَّا أَنْ يَبْعُدَ مَا بَيْنَهُمَا وَتَكُونَ الْفُلُوسُ عَدَدًا، وَلَا بَأْسَ بِتَوْرِ نُحَاسٍ بِنُحَاسٍ نَقْدًا. ابْنُ بَشِيرٍ: قَالَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ: الْقِيَاسُ اعْتِبَارُ صَنْعَةِ الْفُلُوسِ كَالتَّوْرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِيَسَارَةِ صَنْعَةِ الْفُلُوسِ. ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لَا بَأْسَ بِنُحَاسٍ بِتَوْرِ نُحَاسٍ يَدًا بِيَدٍ. ابْنُ الْمَوَّازِ: عَلَى الْوَزْنِ وَإِنْ تَفَاضَلَ وَلَا يَصْلُحُ جُزَافًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْفَضْلُ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ اهـ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا تَدْخُلُ الْمُزَابَنَةُ فِي الصِّنْفَيْنِ إلَّا لِأَجَلٍ، فَإِنْ كَانَ الْمُعَجَّلُ أَصْلَ الْمُؤَخَّرِ كَصُوفٍ فِي ثَوْبِهِ لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا لِأَجَلٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا خَيْرَ فِي عُصْفُرٍ فِي ثَوْبٍ مُعَصْفَرٍ لِأَجَلٍ وَعَكْسُهُ جَائِزٌ. ابْنُ الْحَاجِّ: لَا يَجُوزُ سَلَمُ زَيْتٍ فِي صَابُونٍ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الزَّيْتِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا خَيْرَ فِي شَعِيرٍ نَقْدًا فِي قَصِيلٍ لِأَجَلٍ إلَّا لِأَجَلٍ لَا يَصِيرُ الشَّعِيرُ فِيهِ قَصِيلًا وَيَكُونُ مَضْمُونًا بِصِفَتِهِ. وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ السَّلَمِ الثَّالِثِ: يَجُوزُ بَيْعُ النَّخْلِ الَّذِي لَا ثَمَرَ فِيهَا بِالثَّمَرِ إلَى أَجَلٍ يَكُونُ النَّخْلُ تَمَرَ قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ الدَّجَاجَةُ غَيْرُ الْبَيَّاضَةِ بِبَيْضٍ إلَى أَجَلٍ يَكُونُ لِلدَّجَاجَةِ قَبْلَهُ بَيْضٌ، وَالشَّاةُ غَيْرُ اللَّبُونِ بِاللَّبَنِ إلَى أَجَلٍ يَكُونُ لِلشَّاةِ قَبْلَهُ لَبَنٌ لِأَنَّ هَذَا لَا يَقَعُ فِيهِ الْمُزَابَنَةُ فِي الْمَبِيعِ نَفْسِهِ كَمَا يَقَعُ فِي الْكَتَّانِ بِثَوْبِ كَتَّانِ إلَى أَجَلٍ يُعْمَلُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْكَتَّانِ ثَوْبٌ، وَفِي الشَّعِيرِ فِي الْقَصِيلِ إلَى أَجَلٍ مُمْكِنٍ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ قَصِيلٌ. ابْنُ يُونُسَ: كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ الْجِنَانَ الْمُعَجَّلَ وَالدَّجَاجَةَ وَالشَّاةَ لَيْسَ هِيَ نَفْسُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُهَا، وَالْكَتَّانُ وَالشَّعِيرُ هُوَ نَفْسُ مَا خَرَجَ مِنْهَا لِذَهَابِ عَيْنَيْهِمَا فِيهِمَا. أَلَا تَرَى لَوْ عَجَّلَ الثَّوْبَ لَجَازَ إذْ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ كَتَّانٌ وَلَيْسَ هُوَ بَعْضَ ذَلِكَ الثَّوْبِ، وَكَذَلِكَ الْقَصِيلُ الْمُعَجَّلُ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ الشَّعِيرِ الَّذِي يُعْطِيهِ اهـ. رَاجِعْ التَّرْجَمَةَ الْمَذْكُورَةَ وَتَرْجَمَةَ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَانْظُرْ بَيْعَ وَرَقِ التُّوتِ بِحَدِيدٍ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ، وَانْظُرْ بَيْعَ الْكَبْشِ لَا صُوفَ عَلَيْهِ بِصُوفٍ لِأَجَلٍ هَلْ يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231 الْمُدَوَّنَةِ؟ وَقَدْ سَاوَاهُ مَالِكٌ بِالنَّخْلِ يُثْمِرُ فِي الْمَنْعِ. اُنْظُرْ رَسْمَ نَقَدَهَا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ السَّلَمِ، وَانْظُرْ لِقَضَاءِ بَيْعِ الْأَرْضِ بِطَعَامٍ نَقْدًا وَإِلَى أَجَلٍ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ قَالَ: بِخِلَافِ الْكِرَاءِ. اُنْظُرْ رَسْمَ الْقُطْعَانِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ السَّلَمِ وَالْآجَالِ. (وَكَكَالِئٍ بِمِثْلِهِ) فِي الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» ابْنُ عَرَفَةَ: تَلَقِّي الْأَئِمَّةِ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْقَبُولِ يُغْنِي عَنْ طَلَبِ الْإِسْنَادِ فِيهِ كَمَا قَالُوا فِي " لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ " ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ وَحَقِيقَتُهُ بَيْعُ شَيْءٍ فِي ذِمَّةٍ بِشَيْءٍ فِي ذِمَّةٍ أُخْرَى غَيْرُ سَابِقٍ تَقَرُّرُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَمَا تَقَدَّمَ فِيهِ تَقَرُّرُ الدَّيْنِ يُسَمَّى فَسْخَ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ. (فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَقْرَضْته حِنْطَةً إلَى أَجَلٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ بِعْته تِلْكَ الْحِنْطَةَ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ. وَفِي الرِّسَالَةِ: فَلَا يَجُوزُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ أَنْ يَكُونَ لَك شَيْءٌ فِي ذِمَّتِهِ فَتَفْسَخُهُ فِي شَيْءٍ آخَرَ لَا تَتَعَجَّلُهُ (وَلَوْ مُعَيَّنًا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ كَغَائِبٍ أَوْ مُوَاضَعَةٍ أَوْ مَنَافِعِ عَيْنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَك عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ أَوْ إلَى أَجَلٍ فَلَا تَكْتَرِي مِنْهُ دَارِهِ سَنَّ أَوْ أَرْضَهُ الَّتِي رُوِيَتْ أَوْ عَبْدَهُ شَهْرًا أَوْ تَسْتَعْمِلْهُ هُوَ بِهِ عَمَلًا يَتَأَخَّرُ، وَلَا تَبْتَعْ بِهِ ثَمَرَةً حَاضِرَةً فِي رُءُوسِ النَّخْلِ قَدْ أَزْهَتْ أَوْ أَرْطَبَتْ أَوْ زَرْعًا قَدْ أُفْرِكَ لِاسْتِئْخَارِهِمَا، وَلَوْ اُسْتُجِدَّتْ الثَّمَرَةُ أَوْ اُسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ وَلَا تَأْخِيرَ لَهُمَا جَازَ، وَلَا تَبْتَعْ بِهِ مِنْهُ سِلْعَةً بِخِيَارٍ أَوْ أَمَةً تَتَوَاضَعُ أَوْ سِلْعَةً غَائِبَةً عَلَى صِفَةٍ أَوْ دَارًا غَائِبَةً عَلَى صِفَةٍ. ابْنُ يُونُسَ: وَسَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ عَلَى صِفَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَبْضِهَا حِينَئِذٍ لِغَيْبَتِهَا، وَأَجَازَ ذَلِكَ أَشْهَبُ لِأَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ اهـ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ شِرَاءُ ذَلِكَ بِدَيْنٍ بِاتِّفَاقٍ وَهُوَ أَقْيَسُ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ رَفَعْت دَيْنَك مِنْ غَيْرِ غَرِيمِك بِمَا ذَكَرْنَا جَازَ وَلَيْسَ كَغَرِيمِك. اُنْظُرْ تَرْجَمَةً فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْسَخَ مَا حَلَّ مِنْ دَيْنِهِ أَوْ لَمْ يَحِلَّ فِي مَنَافِعِ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ إذَا كَانَ ذَلِكَ مَضْمُونًا، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ الْعَبْدُ أَوْ الدَّابَّةُ أَوْ الدَّارُ مُعَيَّنًا، فَمَنَعَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ: لَا خَيْرَ فِي اسْتِعْمَالِ رَجُلٍ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ قَبْلَ حُلُولِهِ لِخَوْفِ مَرَضِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ فَيَتَأَخَّرُ لِأَجَلٍ آخَرَ فَيَصِيرُ دَيْنًا فِي دَيْنٍ. ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيِّ: أَمَّا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَالْمَنْعُ أَصْوَبُ لِأَنَّ مَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ يُؤْخَذُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ مَا يُقْبَضُ جَمِيعُهُ بِالْحَضْرَةِ فَيَدْخُلُهُ " تَقْضِي أَوْ تُرْبِي ". وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ وَكَانَ انْقِضَاءُ هَذِهِ الْمَنَافِعِ يَنْقَضِي عِنْدَ أَجَلِ الْأَوَّلِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا يَدْخُلُهُ دَيْنٌ فِي دَيْنٍ لِأَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ وَلَا تَقْضِي أَوْ تُرْبِي، لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَحَقَّ الْقَضَاءُ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَيَجُوزُ هَاهُنَا، وَإِنْ كَثُرَ الْأَجَلُ وَكَانَ لَا يُجَاوِزُ الْأَجَلَ الْأَوَّلَ وَلَا يَدْخُلُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 232 مَا كَرِهَ مَالِكٌ مِنْ مَرَضِ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ هَاهُنَا إذَا مَرِضَ انْفَسَخَ مِنْ الْإِجَارَةِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ الْأَمَدِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ أَنْ يُقَاطِعَهُ عَلَى خِيَاطَةِ الْأَثْوَابِ أَوْ مَا أَشْبَهَهَا فَلَا يَسْتَأْجِرُهُ فِي ذَلِكَ إلَّا فِيمَا قَلَّ، لِأَنَّ الْخِيَاطَةَ فِي الْمُقَاطَعَةِ لَا تَتَعَلَّقُ بِوَقْتٍ وَيَدْخُلُهُ مَا خَشِيَ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ إنْ مَرِضَ قَضَى فِي وَقْتٍ آخَرَ انْتَهَى. وَسَلَّمَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا كُلَّهُ وَلِابْنِ يُونُسَ. قِيلَ لِمَالِكٍ: فَإِذَا لَمْ يَجُزْ لِي أَنْ أُكْرِيَ مِنْهُ دَارِهِ بِدَيْنٍ لِي عَلَيْهِ أَوْ أُكْرِيَ مِنْهُ عَبْدَهُ، فَهَلْ أَسْتَعْمِلُهُ هُوَ بِهِ عَمَلًا؟ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الْعَمَلُ الْيَسِيرُ وَالدَّيْنُ لَمْ يَحِلَّ فَجَائِزٌ، وَإِنْ حَلَّ فَلَا يَجُوزُ فِي يَسِيرٍ وَلَا كَثِيرٍ. قَالَ: وَلَا تَبْتَعْ مِنْهُ بِدَيْنِك سِلْعَةً غَائِبَةً أَوْ سِلْعَةً بِخِيَارٍ. انْتَهَى مِنْ رَابِعِ تَرْجَمَةٍ مِنْ كِتَابِ الْآجَالِ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ آجَرَ نَفْسَهُ أَوْ عَبْدَهُ فِي الْخِيَاطَةِ شَهْرًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْسَخَ ذَلِكَ فِي قِصَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ يَوْمًا وَنَحْوَهُ. قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمْ يَجْعَلْ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ أَجَلًا. قَالَ: فَيَجُوزُ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي خِدْمَةِ مُعَيَّنٍ الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ، وَلَا إشْكَالَ فِي هَذَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ، وَقَدْ رَشَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ: فَإِذَا كَانَ لِإِنْسَانٍ قِبَلَ آخَرَ دَيْنٌ فَقَالَ لَهُ: اُحْرُثْ مَعِي غَدًا وَاقْتَطِعْ لَك مِنْ دَيْنِك أَوْ اخْدِمْ مَعِي غَدًا فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ. وَقَدْ رَشَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ. وَهُوَ أَيْضًا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَجَلٍ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ لَمْ يَحِلَّ فَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ اللَّخْمِيِّ وَسَلَّمَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. انْتَهَى مَأْخَذُ سَيِّدِي ابْنِ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَكَانَ أَيْضًا يَقُولُ: إذَا خَدَمَ مَعَك مَنْ لَك عَلَيْهِ دَيْنٌ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَك أَنْ تُقَاصَّهُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ. قَالَ: وَبِهَذَا أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ لِظُهُورِهِ عِنْدَهُ إذْ مَا كَانَ ابْنُ رُشْدٍ يَخْفَى عَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ أَجَازَ مَالِكٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233 فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ تَبِيعَ دَيْنَك مِنْ غَيْرِ غَرِيمِك بِمَنَافِعِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ بِمَا ذُكِرَ مَعَ ذَلِكَ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا فَمَاتَتْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَلَا أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ غَيْرَهَا لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِفَلَاةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ هَذَا إذَا كَانَ قَدْ نَقَدَ الْكِرَاءَ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً، وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا أَنَّ فِيهِ بَعْضَ السَّعَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: لَا يَجُوزُ أَنْ تَسْتَخْدِمَهُ بِدَيْنٍ لَك عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا كَالدِّرْهَمِ وَنَحْوِهِ، وَتَعَقَّبَ هَذَا الْقَبَّابُ إلَّا أَنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ قَدْ يُرَشِّحُهُ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: يَجُوزُ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ أَنْ تُعْطِيَ غَرِيمَك ثَوْبًا يَخِيطُهُ لَك مِنْ دَيْنِك عَلَيْهِ وَشِبْهَ ذَلِكَ فَإِنْ كَثُرَ الْعَمَلُ لَمْ يَجُزْ انْتَهَى نَصُّهُ. (وَبَيْعُهُ بِدَيْنٍ) اُنْظُرْ إنْ كَانَ عَنَى بِهَذَا بَيْعَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ الْغَرِيمِ. فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إذَا بِعْت الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَك أَنْ تُؤَخِّرَ بِالثَّمَنِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ فَقَطْ وَلَا تُؤَخِّرُ الْغَرِيمَ إذَا بِعْته مِنْهُ إلَّا مِثْلَ ذَهَابِهِ إلَى الْبَيْتِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلِيَوْمٍ آخَرَ لِيَأْتِيَ بِالدَّوَابِّ انْتَهَى. فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا أَنَّ فَسْخَ الدَّيْنِ أَضْيَقُ مِنْ بَيْعِهِ. (وَتَأْخِيرُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ) اُنْظُرْ إنْ كَانَ يَعْنِي بِهَذَا ابْتِدَاءَ الدَّيْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَيْضًا أَخَفُّ فَأَتَى بِالثَّلَاثَةِ عَلَى تَرْتِيبِهَا الَّذِي ذَكَرَهُ حَيْثُ قَالَ: وَالْأَضْيَقُ صَرْفُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَفَسْخُ الدَّيْنِ فِي دَيْنٍ ثُمَّ بِبَيْعِ الدَّيْنِ ثُمَّ ابْتِدَاؤُهُ، وَسَيَأْتِي فِي السَّلَمِ مَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَ لَهُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي طَعَامٍ وَنَقَدْته مِنْهَا خَمْسِينَ وَأُخْرَى بِخَمْسِينَ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ وَفُسِخَ الْبَيْعُ، لِأَنَّهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَلَا تَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ النَّقْدِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا بَطَلَ بَعْضُهَا بَطَلَ كُلُّهَا. (وَمُنِعَ بَيْعُ دَيْنِ مَيِّتٍ وَغَائِبٍ) قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَى دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ وَلَا حَاضِرٍ إلَّا بِإِقْرَارٍ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدِّينُ وَلَا عَلَى مَيِّتٍ وَإِنْ عُلِمَ الَّذِي تَرَكَ، وَذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاءَ ذَلِكَ غَرَرٌ لَا يَدْرِي أَيُتِمُّ أَمْ لَا يُتِمُّ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِعْنِي دَيْنَك الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ وَأَنَا أَعْلَمُ وُجُوبَهُ لَك عَلَيْهِ فَبَاعَهُ مَعَهُ لَجَازَ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ بَعْدُ كَانَتْ مُصِيبَةً دَخَلَتْ عَلَيْهِ (وَلَوْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ وَحَاضِرٍ إلَّا أَنْ يُقِرَّ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا جَوَازُ بَيْعِ الدِّينِ مِنْ غَيْرِ الْمِدْيَانِ إنْ كَانَ حَاضِرًا مُقِرًّا، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا قَرِيبَ الْغِيبَةِ بِحَيْثُ يُعْلَمُ مِلْؤُهُ مِنْ عَدَمِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. (وَكَبَيْعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 234 الْعُرْبَانِ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ إنْ كَرِهَ الْبَيْعَ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ) خَرَّجَ هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُد. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ مَا فِي إسْنَادِهِ مِنْ الْكَلَامِ هُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد مُنْقَطِعٌ وَفَسَّرَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ بِإِعْطَاءِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا عَلَى إنْ أَخَذَ الْمَبِيعَ فَهُوَ مِنْ الثَّمَنِ وَإِلَّا بَقِيَ لِلْبَائِعِ. أَبُو عُمَرَ: مَا فَسَّرَهُ بِهِ مَالِكٌ عَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَأَعْطَى عُرْبُونًا عَلَى أَنَّهُ إنْ رَضِيَهُ أَخَذَهُ وَإِنْ سَخِطَهُ رَدَّهُ وَأَخَذَ عُرْبُونَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَخْتِمُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ. (وَكَتَفْرِيقِ أُمٍّ فَقَطْ مِنْ وَلَدِهَا) التِّرْمِذِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 236 «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي الْأَشْرَافِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهَذَا الْخَبَرِ إذَا كَانَ الْوَلَدُ طِفْلًا لَمْ يَبْلُغْ سَبْعَ سِنِينَ. ابْنُ يُونُسَ: وَالْأَصْوَبُ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْوَلَدِ، فَلَوْ رَضِيَتْ الْأُمُّ بِالتَّفْرِقَةِ لَمْ يَجُزْ. وَقَالَ مَالِكٌ: وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأُمُّ مُسْلِمَةً أَمْ كَافِرَةً. قَالَ مَالِكٌ: وَحَدُّ ذَلِكَ الْإِثْغَارُ مَا لَمْ يُعَجَّلْ بِهِ جِوَارِي كُنَّ أَوْ غِلْمَانًا بِخِلَافِ حَضَانَةِ الْحُرَّةِ. قَالَ مَالِكٌ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَبَيْنَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ لِأُمِّهِ أَوْ أَبِيهِ فِي الْبَيْعِ مَتَى شَاءَ سَيِّدُهُ وَإِنَّمَا لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 237 الْأُمِّ خَاصَّةً. (وَإِنْ بِقِسْمَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ أَخَوَيْنِ وَرِثَا أَمَةً وَوَلَدُهَا صَغِيرٌ فَأَرَادَا أَنْ يَتَقَاوَمَا الْأُمَّ وَوَلَدَهَا، فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا الْأُمَّ وَالْآخَرُ الْوَلَدَ وَشَرَطَا أَنْ لَا يُفَرِّقَا بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا قَالَ: فَقَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَهُمَا وَإِنْ كَانَ الْأَخَوَانِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَتَقَاوَمَا الْأُمَّ وَالْوَلَدَ فَيَأْخُذَهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 238 أَحَدُهُمَا بِوَلَدِهَا أَوْ يَبِيعَاهُمَا جَمِيعًا. (أَوْ بِيعَ أَحَدُهُمَا لِعَبْدِ سَيِّدِ الْآخَرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَنْبَغِي بَيْعُ الْأُمِّ مِنْ رَجُلٍ وَالْوَلَدِ مِنْ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لِذَلِكَ الرَّجُلِ لِأَنَّ مَا بِيَدِ الْعَبْدِ مِلْكُهُ لَهُ حَتَّى يُنْتَزَعَ مِنْهُ (مَا لَمْ يُثْغِرْ مُعْتَادًا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا (وَصَدَقَتْ الْمَسْبِيَّةُ وَلَمْ تُورَثْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ هَذَا ابْنِي لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَلَا يَتَوَارَثَانِ بِذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ بِالشَّكِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 239 (مَا لَمْ تَرْضَ) اللَّخْمِيِّ: فِي جَوَازِ التَّفْرِقَةِ بِرِضَا الْأُمِّ رِوَايَتَانِ، وَتَقَدَّمَ تَصْوِيبُ ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْوَلَدِ (وَفُسِخَ مَا لَمْ يَجْمَعَاهُمَا فِي مِلْكٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ الْوَلَدُ لِرَجُلٍ وَالْأُمُّ لِآخَرَ جُبِرَا أَنْ يَجْمَعَاهُمَا فِي مِلْكٍ أَوْ يَبِيعَاهُمَا مَعًا، وَمَنْ بَاعَ وَلَدًا دُونَ أُمِّهِ فُسِخَ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَجْمَعَاهُمَا فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ (وَهَلْ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَذَلِكَ أَوْ يُكْتَفَى بِحَوْزٍ كَالْعِتْقِ؟ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: هِبَةُ الْوَلَدِ لِلثَّوَابِ كَبَيْعِهِ فِي التَّفْرِقَةِ، وَلَوْ وُهِبَ الْوَلَدُ وَهُوَ صَغِيرٌ يَعْنِي لِغَيْرِ الثَّوَابِ جَازَ ذَلِكَ وَيُتْرَكُ مَعَ أُمِّهِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَيُجْبَرُ الْوَاهِبُ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ أَيْ يَكُونُ الْوَلَدُ مَعَ أُمِّهِ إمَّا أَنْ يَرْضَى صَاحِبُ الْوَلَدِ أَنْ يَرُدَّ الْوَلَدَ إلَى الْأُمِّ أَوْ يَضُمَّ سَيِّدُ الْأَمَةِ الْأَمَةَ إلَى وَلَدِهَا وَإِلَّا فَلِيَبِيعَاهُمَا، رُوِيَ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ: ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمْعَ الْوَلَدِ مَعَ أُمِّهِ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَوْزِ أَحَدِهِمَا لَا فِي مِلْكِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقَالَ مَالِكٌ: هَذَا مَرَّةً. ابْنُ يُونُسَ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ بَابٌ مَعْرُوفٌ كَالْعِتْقِ فَاكْتَفَى بِجَمْعِهِمَا فِي حَوْزٍ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً: يَجْمَعَانِهِمَا فِي مِلْكِ أَحَدِهِمَا. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا وَإِلَى مَنْ لَقِيَنَا، وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ فِي الْوَارِثَيْنِ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُهُ أَنَّهُ نَقْلُ مِلْكٍ كَالْبَيْعِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَعْتَقَ ابْنَ أَمَتِهِ الصَّغِيرَ فَلَهُ بَيْعُ أَمَتِهِ وَيُشْتَرَطُ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ (وَجَازَ بَيْعُ نِصْفِهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: بَيْعُ نِصْفِهِمَا مَعًا غَيْرُ تَفْرِقَةٍ (وَبَيْعُ أَحَدِهِمَا لِلْعِتْقِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ أَحَدِهِمَا لِلْعِتْقِ وَلَيْسَ الْعِتْقُ بِتَفْرِقَةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: عَلَى لُزُومِ فَسْخِ بَيْعِ التَّفْرِقَةِ نَظَرٌ لِتَأَخُّرِ الْعِتْقِ عَنْهُ (وَالْوَلَدُ فِي كِتَابَةِ أُمِّهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: كِتَابَةُ أَحَدِهِمَا غَيْرُ تَفْرِقَةٍ وَكَذَا التَّدْبِيرُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَتْ الْأُمُّ لَمْ يَجُزْ لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 240 بَيْعُ وَلَدِهَا إذْ هِيَ فِي مِلْكِهِ بَعْدُ إلَّا أَنْ يَبِيعَ كِتَابَتَهَا مَعَ رَقَبَةِ الِابْنِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيَجُوزُ ذَلِكَ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا (وَلِمُعَاهَدٍ التَّفْرِقَةُ وَكُرِهَ الِاشْتِرَاءُ مِنْهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا نَزَلَ الرُّومُ بِبَلَدِنَا تُجَّارًا فَفَرَّقُوا بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا لَمْ أَمْنَعْهُمْ، وَكَرِهْت لِلْمُسْلِمِينَ شِرَاءَهُمْ مُتَفَرِّقِينَ. وَإِنْ ابْتَاعَ مُسْلِمٌ أُمًّا وَابْنَهَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا إنْ بَاعَ، وَكَذَلِكَ إنْ ابْتَاعَ أَمَةً قَدْ كَانَ وَلَدُهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ كَانَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ. (وَكَبَيْعٍ وَشَرْطٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ إلَّا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْحَقِّ. ابْنُ رُشْدٍ: رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الْوَارِثِ بْنَ سَعِيدٍ قَالَ: قَدِمْت مَكَّةَ فَوَجَدْت فِيهَا أَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى وَابْنَ شُبْرُمَةَ فَقُلْت لِأَبِي حَنِيفَةَ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ بَاعَ بَيْعًا وَاشْتَرَطَ شَيْئًا؟ فَقَالَ الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَسَأَلْته فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ شُبْرُمَةُ فَسَأَلْته فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ. فَقُلْت: سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ. فَأَتَيْت أَبَا حَنِيفَةَ فَأَخْبَرْته فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» . ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَأَخْبَرْته فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ وَأُعْتِقَهَا وَإِنْ اشْتَرَطَ أَهْلُهَا الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ شُبْرُمَةَ فَأَخْبَرْته فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا «قَالَ جَابِرٌ: بَعَثَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَةً فَشَرَطَ لِي حِلَابَهَا وَظَهْرَهَا إلَى الْمَدِينَةِ» الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ. فَعَرَفَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا فَاسْتَعْمَلَهَا فِي مَوَاضِعِهَا وَتَأَوَّلَهَا عَلَى وُجُوهِهَا وَلَمْ يُمْعِنْ غَيْرُهُ النَّظَرَ وَلَا أَحْسَنَ تَأْوِيلَ الْأَثَرِ (يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ كَأَنْ لَا يَبِيعَ) ابْنُ شَاسٍ: مَحْمَلُ النَّهْيِ عَلَى شَرْطٍ يُنَاقِضُ مَقْصُودَ الْعَقْدِ كَأَنْ لَا يَبِيعَ أَوْ يَعُودَ بِغَرَرٍ فِي الثَّمَنِ كَبَيْعٍ وَسَلَفٍ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: بُيُوعُ الشُّرُوعِ الَّتِي يُسَمِّيهَا أَهْلُ الْعُلُومِ بُيُوعَ الثُّنْيَا مِثْلَ أَنْ يَبِيعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 241 الرَّجُلُ السِّلْعَةَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ، أَوْ عَلَى أَنْ يَتَّخِذَهَا أُمَّ وَلَدٍ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ بِهَا مِنْ الْبَلَدِ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَعْزِلَ عَنْهَا، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُجِيزَهَا الْبَحْرَ، أَوْ عَلَى إنْ بَاعَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي يَبِيعُهَا بِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ فِيهَا بِالْخِيَارِ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ لَا يَجُوزُ إلَيْهِ الْخِيَارُ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّحْجِيرَ فِي السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَى بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبُيُوعِ، اُخْتُلِفَ فِيهِ إذَا وَقَعَ فَقِيلَ إنَّهُ يُفْسَخُ مَا دَامَ الْبَائِعُ مُتَمَسِّكًا بِشَرْطِهِ، فَإِنْ تَرَكَ الشَّرْطَ صَحَّ الْبَيْعُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ شِرَاءُ الرَّجُلِ السِّلْعَةَ عَلَى أَنَّهُ فِيهَا بِالْخِيَارِ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ فِيهَا الْبَيْعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا يَمْضِي إنْ رَضِيَ مُشْتَرِطُ الْخِيَارِ بِتَرْكِ الشَّرْطِ، لِأَنَّ رِضَاهُ بِذَلِكَ لَيْسَ بِتَرْكٍ مِنْهُ لِلشَّرْطِ وَإِنَّمَا هُوَ مُخْتَارٌ لِلْبَيْعِ عَلَى الْخِيَارِ الْفَاسِدِ الَّذِي اشْتَرَطَ. وَقَالَ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا لِلْبَائِعِ إمْضَاءُ الْبَيْعِ عَلَى تَرْكِ الشَّرْطِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِمَا حُكْمَ الْفَاسِدِ يُفْسَخُ فِي الْقِيَامِ وَتَكُونُ الْقِيمَةُ فِيهِ فِي الْفَوَاتِ مَا بَلَغَتْ. إحْدَاهُمَا أَنْ تَبِيعَهُ الْأَمَةُ عَلَى إنْ وَطِئَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَعَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا فَهَذَا يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. الثَّانِيَةُ: شِرَاءُ الرَّجُلِ السِّلْعَةَ عَلَى أَنَّهُ فِيهَا بِالْخِيَارِ لِأَجَلٍ بَعِيدٍ. اُنْظُرْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ إذَا بَاعَهُ أَوْ أَقَالَهُ عَلَى أَنَّهُ مَتَى بَاعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ إذَا وَهَبَهُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ. وَانْظُرْ أَيْضًا الْمَسْأَلَةَ بَعْدَهَا إذَا بَاعَ عَلَى شَرْطٍ مَتَى جَاءَ بِالثَّمَنِ أَخَذَ مَبِيعَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هِيَ مِنْ بُيُوعِ الثُّنْيَا انْتَهَى. وَانْظُرْ أَيْضًا إذَا بَاعَهُ مِنْ مَرِيضٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ بَيْنَ الْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ فَرْقٌ، فَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 242 لَمْ يَسَعْ الثُّلُثَ عَتَقَ مَا وَسِعَ وَرَقَّ بَاقِيهِ لِلْوَرَثَةِ وَغَرِمُوا قِيمَتَهُ، وَمِثْلُ هَذَا الْبَيْعُ عَلَى شَرْطِ التَّدْبِيرِ أَوْ الْكِتَابَةِ أَوْ الْعِتْقِ لِأَجَلٍ. اُنْظُرْ رَسْمَ الْمُكَاتَبِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَانْظُرْ أَيْضًا الْإِقَالَةَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ فَإِنْ أَقَالَهُ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ فَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَرْقٌ كَالزَّوْجَةِ تَضَعُ مَهْرَهَا عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا، فَإِنْ وَضَعَتْ مَهْرَهَا عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ أَوْ أَقَالَتْهُ كَذَلِكَ عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ فَطَلَّقَ وَبَاعَ بِالْفَوْرِ فَبَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ فَرْقٌ. اُنْظُرْ سَمَاعَ سَحْنُونٍ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. وَانْظُرْ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ تَقُولَ عَلَى أَنْ لَا تُطَلِّقَ أَبَدًا أَوْ لَا تَعْزِلَ أَبَدًا بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ فَرْقٌ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَضَعِي لِي صَدَاقِي فَوَضَعَتْهُ أَوْ قَالَتْ هِيَ لَهُ إنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ عَلَيَّ فَقَدْ وَضَعْت عَنْك صَدَاقِي. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هُنَا: قَدْ بَيَّنْت الْفَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ. وَانْظُرْ أَيْضًا إنْ أَتَى الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ لِيَسْتَقِيلَهُ فَيَقُولُ لَهُ إذَا جِئْتنِي بِالثَّمَنِ أَقَلْتُكَ، بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً أَوْ لَا فَرْقَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 243 وَبَيْنَ أَنْ يُفَوِّتَهُ الْمُشْتَرِي بِقُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ فَرْقٌ. اُنْظُرْ آخِرَ نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. (إلَّا بِتَنْجِيزِ الْعِتْقِ وَلَمْ يُجْبَرْ إنْ أَبْهَمَ كَالْمُخَيَّرِ بِخِلَافِ الِاشْتِرَاءِ عَلَى إيجَابِ الْعِتْقِ كَأَنَّهَا حُرَّةٌ بِالشِّرَاءِ) اللَّخْمِيِّ: شَرْطُ الْبَائِعِ الْعِتْقَ عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَإِنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ. وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْجَوَابُ فِي صِفَةِ وُقُوعِ الْعِتْقِ وَفِي شَرْطِ النَّقْدِ، فَأَمَّا إنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَأَبْهَمَ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِإِيجَابٍ وَلَا خِيَارٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَهُ أَنْ لَا يُعْتِقَ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ: يَلْزَمُ الْعِتْقُ. اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا أَحْسَنُ. وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي الْعِتْقِ وَفِي رَدِّهِ لِبَائِعِهِ فَهَذَا إنْ كَانَ بِغَيْرِ نَقْدٍ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِنْ اشْتَرَطَ النَّقْدَ لَمْ يَجُزْ لِلْغَرَرِ لِأَنَّهُ تَارَةً بَيْعٌ وَتَارَةً سَلَفٌ. وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ فَهَذَا يُجْبَرُ أَنْ يُعْتِقَهُ، فَإِنْ أَبَى أَعْتَقَهُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ فَهَذَا يَكُونُ حُرًّا بِنَفْسِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 245 الْعَقْدِ (أَوْ يُخِلُّ بِالثَّمَنِ كَبَيْعٍ وَسَلَفٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " يُنَاقِض الْمَقْصُود ". (وَصَحَّ إنْ حُذِفَ أَوْ حُذِفَ شَرْطُ التَّدْبِيرِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ إنْ تَرَكَ الشَّرْطَ صَحَّ الْبَيْعُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ ابْتَاعَهَا عَلَى أَنْ يُدَبِّرَهَا أَوْ يَتَّخِذَهَا أُمَّ وَلَدٍ أَوْ يُعْتِقَهَا إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ لِلْغَرَرِ بِمَوْتِ الْأَمَةِ أَوْ السَّيِّدِ قَبْلَ ذَلِكَ وَبِحُدُوثِ دَيْنٍ يَرُدُّ الْمُدَبَّرَ. الْمَازِرِيُّ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أَسْقَطَ الْبَائِعُ شَرْطَهُ مَضَى الْبَيْعُ. (كَشَرْطِ رَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ أَوْ أَجَلٍ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا شَرْطٌ لَا يُنَاقِضُ مَقْصُودَ الْعَقْدِ وَمُقْتَضَاهُ بَلْ هُوَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ كَشَرْطِ الرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ وَالْأَجَلِ الْمَعْلُومِ وَالْخِيَارِ الصَّحِيحِ فَكُلُّ ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ مَحْمَلِ النَّهْيِ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ مَعَ اشْتِرَاطِهِ (وَلَوْ غَابَ وَتُؤُوِّلَتْ بِخِلَافِهِ) الْفَرْعُ الَّذِي يَتْلُو هَذَا يَدُلُّ أَنَّهُ يُرِيدُ الْغَيْبَةَ عَلَى السَّلَفِ وَهُمْ قَدْ نَصُّوا هُنَا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْغَيْبَةَ فِي الرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ فَقَدْ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى شَرْطِ رَهْنٍ غَائِبٍ جَائِزٌ قَالَ: كَمَا لَوْ بِعْتهَا بِهِ وَتُوقَفُ السِّلْعَةُ الْحَاضِرَةُ حَتَّى يَقْبِضَ الرَّهْنَ الْغَائِبَ، وَأَمَّا الْبَيْعُ عَلَى شَرْطٍ وَحَمِيلٍ غَائِبٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 246 هُوَ أَيْضًا جَائِزٌ إنْ كَانَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ وَلَمْ يَنْتَقِدْ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ شَيْئًا. ابْنُ يُونُسَ: يُفَرَّقُ: بَيْنَ بُعْدِ غَيْبَةِ الرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ بِشَرْطِ السَّلَفِ إذَا قَبَضَهُ مُشْتَرِطُهُ وَغَابَ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَدْ تَمَّ الرِّبَا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً رُدَّتْ، وَإِنْ فَاتَتْ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَفِيهَا الْقِيمَةُ مَا بَلَغَتْ. وَقَالَ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ. . (وَفِيهِ إنْ فَاتَ أَكْثَرُ الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ إنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 247 أَسْلَفَ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَالْعَكْسُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِفَسَادِ الْبَيْعِ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ حَتَّى فَاتَتْ السِّلْعَةُ بِتَغَيُّرِ بَدَنٍ أَوْ سُوقٍ وَكَانَ السَّلَفُ مِنْ الْبَائِعِ، فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ مِنْ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَيُرَدُّ السَّلَفُ مِنْ الْمُبْتَاعِ فَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْهُمَا مَا بَلَغَ (وَكَالنَّجْشِ يَزِيدُ لِيَغُرَّ) فِي الْمُوَطَّأِ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّجْشِ» . قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ الرَّجُلُ فِي السِّلْعَةِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَغْتَرَّ بِهِ (وَإِنْ عَلِمَ فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ) ابْنُ حَبِيبٍ: فَإِنْ فَعَلَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُبْتَاعُ أَنْ يَتَمَاسَكَ بِهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ، فَإِنْ فَاتَتْ أَدَّى الْقِيمَةَ إنْ شَاءَ. وَهَذَا إذَا دَسَّهُ الْبَائِعُ فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ وَالْإِثْمُ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. (فَإِنْ فَاتَ فَالْقِيمَةُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ فَإِنْ فَاتَتْ أَدَّى الْقِيمَةَ إنْ شَاءَ فَانْظُرْ تَرْكَ خَلِيلٍ إنْ شَاءَ. (وَجَازَ سُؤَالُ الْبَعْضِ لِيَكُفَّ عَنْ الزِّيَادَةِ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ فِيمَنْ حَضَرَ جَارِيَةً بِالسُّوقِ وَيَقُولُ لِرَجُلٍ كُفَّ عَنِّي فِيهَا لِي بِهَا حَاجَةٌ وَلَا أُحِبُّ الْأَمْرَ الْعَامَّ، وَلَوْ تَوَاطَأَ النَّاسُ بِهَذَا فَسَدَتْ الْبُيُوعُ. ابْنُ رُشْدٍ: فَلَوْ قَالَ لِوَاحِدٍ: كُفَّ عَنِّي وَلَك دِينَارٌ جَازَ وَلَزِمَهُ الدِّينَارُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِ، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ: وَتَكُونُ شَرِيكِي فِيهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَلَك نِصْفُهَا لِأَنَّهُ أَعْطَى مَا لَا يَمْلِكُ. (لَا الْجَمِيعِ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: الْقَوْمُ يَجْتَمِعُونَ فِي الْبَيْعِ يَقُولُونَ لَا تَزِيدُوا عَلَى كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ مَا هَذَا بِحَسَنٍ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا لِأَنَّ تَوَاطُؤَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إفْسَادٌ عَلَى الْبَائِعِ وَإِضْرَارٌ بِهِ. (وَكَبَيْعِ حَاضِرٍ لِعَمُودِيٍّ) الْبُخَارِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» الْبَاجِيُّ الْبَوَادِي عَلَى قِسْمَيْنِ: أَهْلُ عَمُودٍ وَأَهْلُ مَنَازِلَ وَاسْتِيطَانٍ. فَلَا خِلَافَ أَنَّ أَهْلَ الْعَمُودِ مُرَادُونَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 250 بِالْحَدِيثِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُبَاعُ لَهُمْ وَلَا يُشَارُ عَلَيْهِمْ. ابْنُ رُشْدٍ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ إنَّمَا هُوَ لِإِرَادَةِ نَفْعِ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ لِيُصِيبُوا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يُرِدْ بِالنَّهْيِ أَهْلَ الْقُرَى الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الْأَثْمَانَ وَالْأَسْوَاقَ، وَلَا بَأْسَ بِهِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، وَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى الَّذِينَ يُشْبِهُونَ أَهْلَ الْبَادِيَةِ فَلَا يُبَاعُ لَهُمْ وَلَا يُشَارُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا أَيَّامَ الرَّبِيعِ فِي الْقُرَى وَمِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ عَلَى الْمِيلَيْنِ فِي الْقَرْيَةِ وَهُمْ عَالِمُونَ بِالسِّعْرِ، فَلَا يُبَاعُ لَهُمْ بِجَعْلِهِمْ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: الْبَدْوِيُّ لَا يُبَاعُ لَهُ عَرَفَ السِّعْرَ أَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ، وَالْقَرَوِيُّ إنْ عَرَفَ الْأَسْعَارَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا لَمْ يُبَعْ لَهُ (وَلَوْ بِإِرْسَالِهِ لَهُ) الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: لَا يَبْعَثُ الْبَدْوِيُّ إلَى الْحَضَرِيِّ بِمَتَاعٍ يَبِيعُهُ لَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ أَبُو عُمَرَ وَرَوَاهُ أَبُو قُرَّةَ (وَهَلْ لِقَرَوِيٍّ؟ قَوْلَانِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْبَاجِيِّ " الْقَرَوِيُّ إنْ عَرَفَ الْأَسْعَارَ بِيعَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا " وَقَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ: قَوْلُ مَالِكٍ الثَّانِي إنَّ الْحَدِيثَ يَتَنَاوَلُ الْقُرَى الصِّغَارَ دُونَ الْأَمْصَارِ. ابْنُ رُشْدٍ: قِيلَ لَا يَجُوزُ لِحَاضِرٍ أَنْ يَبِيعَ لِجَالِبٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمُدُنِ وَالْحَوَاضِرِ (وَفُسِخَ) الْبَاجِيُّ: رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ وَقَعَ بَيْعُ الْحَاضِرِ فُسِخَ. ابْنُ رُشْدٍ: اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَأُدِّبَ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي وُجُوبِ تَأْدِيبِ فَاعِلِهِ إنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ مُطْلَقًا وَإِنْ اعْتَادَهُ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالثَّانِي لِابْنِ وَهْبٍ قَائِلًا يُزْجَرُ. (وَجَازَ الشِّرَاءُ لَهُ) الْبَاجِيُّ: أَمَّا الشِّرَاءُ لِلْبَدْوِيِّ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُشْتَرَى لَهُ. وَرَوَاهُ أَبُو عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. (وَكَتَلَقِّي السِّلَعِ) الْبُخَارِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ» . وَفِي مُسْلِمٍ: «لَا تَلَقَّوْا الْجَلَبَ» أَبُو عُمَرَ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا رِفْقٌ بِأَهْلِ الْأَسْوَاقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 251 إنَّمَا هَذَا رِفْقٌ بِصَاحِبِ السِّلْعَةِ وَقَدْ وَرَدَ بِهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد، «نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ أَنَّ صَاحِبَ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ إذَا وَرَدَتْ السُّوقَ» (أَوْ صَاحِبِهَا) الْبَاجِيُّ: لَوْ وَصَلَتْ السِّلَعُ السُّوقَ وَلَمْ يَصِلْ بَائِعُهَا فَتَلَقَّاهُ رَجُلٌ وَاشْتَرَاهَا مِنْهُ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَهُوَ عِنْدِي مِنْ التَّلَقِّي الْمَمْنُوعِ (كَأَخْذِهَا فِي الْبَلَدِ بِصِفَةٍ) رَوَى مُحَمَّدٌ: مَا أَرْسَى بِالسَّاحِلِ مِنْ السُّفُنِ بِالتِّجَارَةِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُمْ الطَّعَامَ وَغَيْرَهُ فَيَبِيعُهُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الضَّرَرَ فَلَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاحْتِكَارِ. الْبَاجِيُّ: لِأَنَّهُ مُنْتَهَى سَفَرِ الْوَارِدِ، وَأَمَّا إنْ وَرَدَ خَبَرُهَا قَبْلَ أَنْ تَرِدَ فَيَشْتَرِيهَا رَجُلٌ عَلَى الصِّفَةِ قَبْلَ وُصُولِهَا فَقَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِيهِ وَهُوَ مِنْ التَّلَقِّي (وَلَا يُفْسَخُ) ابْنُ الْمَوَّازِ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي شِرَاءِ التَّلَقِّي فَقَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ يُنْهَى، فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ شَيْءٌ. الْمَازِرِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. الْبَاجِيُّ: وَاخْتَارَهُ أَشْهَبُ. عِيَاضٌ: الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَى أَهْلِ السُّوقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُوقٌ فَأَهْلِ الْمِصْرِ فَيَشْتَرِكُ فِيهَا مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا يَطِيبُ لَهُ رِبْحُ التَّلَقِّي. قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَيَتَصَدَّقُ بِهِ؟ قَالَ: لَوْ فَعَلَهُ احْتِيَاطًا فَلَا بَأْسَ بِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ ضَحَّى بِمَا اشْتَرَى وَفِي التَّلَقِّي فَرَوَى عِيسَى: عَلَيْهِ الْبَدَلُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَا يَبِيعُ لَحْمَ الْأُولَى. وَهَذَا عِنْدِي عَلَى الِاسْتِحْسَانِ لَيْسَ عَلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ إنَّمَا ضَحَّى بِمَا قَدْ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالِابْتِيَاعِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ بَيْعَ التَّلَقِّي لَا يُفْسَخُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُفْسَخُ لِأَنَّهُ بِالذَّبْحِ يَمْضِي بِالثَّمَنِ أَوْ تَلْزَمُهُ فِيهِ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَإِنَّمَا ضَحَّى بِمَا قَدْ مَلَكَهُ قَبْلَ الذَّبْحِ مِلْكًا صَحِيحًا أَوْ بِشُبْهَةٍ ارْتَفَعَتْ بِالذَّبْحِ (وَجَازَ لِمَنْ عَلَى كَسِتَّةِ أَمْيَالٍ أَخْذُ مُحْتَاجٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 252 إلَيْهِ) رُبَّمَا يُفْهَمُ هَذَا مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَالْبَاجِيِّ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفْتِي بِهِ وَيَعْزُوهُ لِلْمَازِرِيِّ وَغَيْرِهِ هُوَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَالَ: إنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَا نَقَلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ غَيْرُهُ وَنَصُّهُ: مَا كَانَ مِنْ سِلْعَةٍ لَهَا سُوقٌ فَلَا يَبْتَاعُهَا وَإِنْ مَرَّتْ عَلَى بَابِ دَارِهِ فِي الْحَضْرَةِ لِقُوتِهِ وَلَا لِتِجَارَتِهِ حَتَّى يَهْبِطَ بِهَا السُّوقَ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سُوقٌ فَلَهُ ذَلِكَ فِيهَا إذَا دَخَلَتْ بُيُوتَ الْحَاضِرَةِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الْأَسْوَاقَ وَمِنْ مَنْزِلِهِ خَارِجَ الْحَضْرَةِ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا فَلِيَشْتَرِ مِمَّا مَرَّ بِهِ لِقُوتِهِ وَلَا يَشْتَرِ لِلتِّجَارَةِ إلَّا فِي سُوقِ تِلْكَ السِّلْعَةِ. وَاذَا وَقَعَتْ السِّلْعَةُ مَوْقِعَهَا فِي السُّوقِ ثُمَّ رَدَّهَا صَاحِبُهَا خَرَجَتْ عَنْ التَّلَقِّي وَحَلَّ لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ شِرَاؤُهَا أَوْ مِنْ دَارِ الْبَائِعِ انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدٌ: إنْ خَرَجَ قَوْمٌ لِغَزْوٍ أَوْ تَجْرٍ فَلَقُوا سِلَعًا جَازَ شِرَاؤُهُمْ مِنْهَا لِأَكْلِهِمْ لَا لِتَجْرٍ، وَكَذَلِكَ الْقُرَى يَمُرُّونَ بِهِمْ. ابْنُ رُشْدٍ: وَإِذَا اخْتَزَنَ الطَّعَامَ فِي الطَّرِيقِ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ سُوقٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ فِيهِ جَازَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَفِي هَذَا تَفْصِيلٌ. أَمَّا إنْ بَاعَهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَأْكُلُوهُ أَوْ لِيَبِيعُوهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِاخْتِزَانِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَأَنَّهُ قَدْ أُصِيبَ فِيهِ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ مِمَّنْ خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ لِشِرَائِهِ فَيَجْرِي عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَهْلِ الْحَاضِرَةِ وَالتُّجَّارُ يَخْرُجُونَ إلَى الْأَجِنَّةِ يَشْتَرُونَ مِنْ ثِمَارِهَا، أَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفُتْيَا. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: جُمْلَةُ قَوْلِ مَالِكٍ إنْ كَانَ التَّلَقِّي عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَمْيَالٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي جَوَازِ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الْبُلْدَانِ فِي الْأَمْتِعَةِ وَالسِّلَعِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبُعْدِ وَالْقُرْبِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا التَّلَقِّي مَنْ خَرَجَ بِسِلْعَةٍ يُرِيدُ بِهَا السُّوقَ، فَأَمَّا مَنْ قَصَدْته فِي مَوْضِعِهِ فَلَمْ تُتَلَقَّ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ أَبِي عُمَرَ " فَأَمَّا مَنْ قَصَدْته " إلَخْ وَقَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ فِي الطَّعَامِ الْمُخْتَزَنِ كُلُّ ذَلِكَ يُرَشِّحُ جَوَازَ أَنْ يَذْهَبَ الْإِنْسَانُ إلَى دَارِ آخَرَ يَكْتَرِي مِنْهُ دَابَّتَهُ أَوْ يَكْتَرِيهِ يَخْدُمُ مَعَهُ، وَكُنْت لَمَّا وُلِّيتُ الْخَطَابَةَ بِالْبَيَازِينَ وَجَدْت مَنْ كَانَ قَبْلِي قَدْ مَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ لَهُمْ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْتَرِيَ دَابَّةً وَلَا خَدَّامًا إلَّا بِالْمَوْقِفِ. فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسَيِّدِي ابْنِ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِ ذَلِكَ لَكِنَّهُ مَا ذَكَرَ لِي مُدْرِكُ الْعِلْمِ. وَانْظُرْ مَا أَخَذَ أَبُو عُمَرَ مَسْأَلَةُ السِّتَّةِ أَمْيَالٍ وَنَحْوُهُ لِعِيَاضٍ. وَبَقِيَ هُنَا فُرُوعٌ مِنْهَا الْقَضَاءُ لِأَهْلِ الْأَسْوَاقِ فِي الشَّرِكَةِ فِيمَا اشْتَرَاهُ بَعْضُهُمْ، وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الشَّرِكَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 253 وَبَقِيَ أَيْضًا مِنْ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا بَيْعُ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَهَلْ يُفْسَخُ الْبَيْعُ أَوْ يُؤَدَّبُ فَاعِلُهُ؟ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَذْهَبُ قَصْرُ هَذَا النَّهْيِ عَلَى بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ لَا الْمُزَايَدَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ زَادَ الْمُنَادِي عَلَى بَيْعِ ثَوْبٍ مِنْ مِيرَاثٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَإِذَا زَادَ فِي السِّلْعَةِ جَمَاعَةٌ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ. فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْبَائِعُ مُخَيَّرٌ فِي إمْضَائِهَا لِمَنْ شَاءَ مِمَّنْ أَعْطَى فِيهَا ثَمَنًا وَإِنْ كَانَ زَادَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَسْتَرِدَّ سِلْعَتَهُ. وَمِنْ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا الْبَيْعُ عِنْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ، ذَكَرَهُ خَلِيلٌ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَبَقِيَ أَيْضًا مِنْ فُرُوعِ هَذَا الْأَصْلِ التَّسْعِيرُ. نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ فِيهِ فَقَالَ: «إنَّ اللَّهَ هُوَ الْقَابِضُ وَالْبَاسِطُ وَالْمُغَلِّي وَالْمُرَخِّصُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَظْلِمَةٌ ظَلَمْتُهُ إيَّاهَا فِي عِرْضٍ وَمَالٍ» . وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْجَالِبُ لَا يُسَعَّرُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ التَّسْعِيرُ لِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ إلَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا وَرَآهُ مَصْلَحَةً بَعْدَ جَمْعِ وُجُوهِ أَهْلِ سُوقِ ذَلِكَ الشَّيْءِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: إنْ كَانَ الْبَائِعُ لِلطَّعَامِ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ مُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ فِي دَارِهِ بِسِعْرِ السُّوقِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ غَلَائِهِ فَإِنْ كَانَ جَالِبًا بَاعَ فِي دَارِهِ إنْ شَاءَ عَلَى يَدِهِ. وَانْظُرْ حُكْمَ الِاحْتِكَارِ فِي تَرْجَمَتِهِ فِي التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ احْتِكَارُ شَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ وَلَا غَيْرِهِ فِي وَقْتٍ يَضُرُّ احْتِكَارُهُ فِيهِ بِالنَّاسِ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ مِنْ كَتَّانٍ وَحِنَّاءٍ وَعُصْفُرٍ، فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ احْتِكَارُهُ فَرَابِعُ الْأَقْوَالِ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُ الِاحْتِكَارِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ. وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ لَا يَجُوزُ احْتِكَارُهُمَا بِحَالٍ. اُنْظُرْ رَسْمَ الْبُيُوعِ الْأَوَّلَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. [مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ قَبْضٍ أَوْ فَوَاتٍ] (وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُ الْفَاسِدِ بِالْقَبْضِ) قَالَ ابْنُ شَاسٍ: خَاتِمَةٌ لِهَذَا الْبَابِ يَعْنِي لِبَابِ فَسَادِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 254 الْعَقْدِ مِنْ جِهَةِ نَهْيِ الشَّرْعِ قَالَ: وَيَذْكُرُ فِي هَذِهِ الْخَاتِمَةِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ قَبْضٍ أَوْ فَوَاتٍ، وَالْمَقْصُودُ النَّظَرُ فِي نَقْلِ الضَّمَانِ وَفِي نَقْلِ الْمِلْكِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: ضَمَانُ مَا فَسَدَ بَيْعُهُ مِنْ آبِقٍ أَوْ جَنِينٍ أَوْ ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَهَا الْمُبْتَاعُ، مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الثَّمَرَةُ تُبَاعُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مُصِيبَتُهَا مَا دَامَتْ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَجُذَّهَا الْمُبْتَاعُ. قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 255 ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ اشْتَرَى الزَّرْعَ مَا طَابَ وَيَبِسَ بِثَمَنٍ فَاسِدٍ فَتُصِيبُهُ عَاهَةٌ فَيَتْلَفُ ضَمَانُهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ مِنْ رَابِعِ تَرْجَمَةٍ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ. (وَرُدَّ وَلَا غَلَّةَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ تَرُدُّ الْجَمِيعُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْك فِي غَلَّةٍ (فَإِنْ فَاتَ مَضَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُرَدُّ الْحَرَامُ الْبَيِّنُ فَاتَ أَوْ لَمْ يَفُتْ. ابْنُ يُونُسَ: مَعْنَاهُ يُرَدُّ بَيْعُهُ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا رَدَّ عَيْنَ الْمَبِيعِ، وَإِنْ فَاتَ رَدَّ قِيمَتَهُ وَرَجَعَ بِثَمَنِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَا كَانَ مِمَّا كَرِهَهُ النَّاسُ رُدَّ إلَّا أَنْ يَفُوتَ فَيُتْرَكَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْبُيُوعُ الْمَكْرُوهَةُ هِيَ الَّتِي اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي إجَازَتِهَا، وَالْحُكْمُ فِيهَا أَنْ تُفْسَخَ مَا كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِنْ فَاتَتْ لَمْ تُرَدَّ مُرَاعَاةً لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: أَرَى إذَا تَرَجَّحَتْ الدَّلَائِلُ عِنْدَ الْمُفْتِي فِي صِحَّةِ ذَلِكَ الْبَيْعِ وَفَسَادِهِ. أَنْ يَتْرُكَهُمَا عَلَى مَا هُمَا عَلَيْهِ وَلَا يَعْتَرِضُهُمَا بِنَقْضٍ. وَقَالَ عِيَاضٌ: لَا يَنْبَغِي لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَمَذْهَبِهِ وَإِنَّمَا يُغَيِّرُ مِنْهُ مَا اُجْتُمِعَ عَلَى إنْكَارِهِ. وَرَشَّحَ مُحَيِّي الدِّينِ النَّوَوِيُّ كَلَامَ عِيَاضٍ وَنَصُّهُ: أَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَلَا إنْكَارَ فِيهِ وَلَيْسَ لِلْمُفْتِي أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ إذَا لَمْ يُخَالِفْ النَّصَّ أَوْ الْإِجْمَاعَ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ وَعِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَنْ أَتَى شَيْئًا مُخْتَلَفًا فِيهِ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ أُنْكِرَ عَلَيْهِ لِانْتِهَاكِهِ الْحُرْمَةَ وَإِنْ اعْتَقَدَ تَحْلِيلَهُ لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَدْرَكَ الْمُحَلَّلِ ضَعِيفًا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِمِثْلِهِ لِبُطْلَانِهِ فِي الشَّرْعِ (وَإِلَّا ضَمِنَ قِيمَتَهُ حِينَئِذٍ وَمِثْلُ الْمِثْلِيِّ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ بَيْعٍ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَضَمَانُ السِّلْعَةِ فِيهِ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 256 وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ حَرَامٍ بَيِّنٍ فَفُسِخَ فَعَلَى الْمُبْتَاعِ رَدُّ السِّلْعَةِ بِعَيْنِهَا، فَإِنْ فَاتَتْ بِيَدِهِ رَدَّ الْقِيمَةَ فِيمَا لَهُ قِيمَةٌ وَالْمِثْلَ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ مَوْزُونٍ أَوْ مَكِيلٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ عُرُوضٍ وَجُزَافُ الطَّعَامِ كَالْعُرُوضِ فِيهِ الْقِيمَةُ، وَالْقِيمَةُ فِيمَا ذَكَرْنَا يَوْمَ قَبْضِهَا لَا يَوْمَ الْبَيْعِ وَيُرَدُّ الْمِثْلُ بِمَوْضِعِ قَبْضِهِ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَأَوَانِي الْفَخَّارِ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ. (بِتَغَيُّرِ سُوقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْفَوْتُ يَخْتَلِفُ. ثُمَّ قَالَ: وَفَوْتُ الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْعُرُوضِ وَالنَّقْصُ فِي سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ وَالْعَيْبُ يَحْدُثُ وَالْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ (غَيْرُ مِثْلِيٍّ) ابْنُ رُشْدٍ: الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ لَا تُفِيتُهُ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ، وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ أَنْ يُفِيتَ ذَلِكَ كُلَّهُ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ كَالْعُرُوضِ. قَالَ: وَمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى يَعْنِي فِي الطَّعَامِ الْمَكِيلِ يَشْتَرِيهِ بِإِفْرِيقِيَّةَ فَيَقْدُمُ بِهِ الْفُسْطَاطَ فَيَجِدُ الْبَيْعَ حَرَامًا أَنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ لَا تُفِيتُهُ مِنْ رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. (وَعَقَارٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 258 ابْنُ الْقَاسِم: لَا يُفِيتُ الدُّورَ وَالْأَرَضِينَ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ أَوْ طُولُ زَمَانٍ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْأَغْلَبَ فِي الرَّبْعِ إنَّمَا يُشْتَرَى لِلْقُنْيَةِ لَا لِلتِّجَارَةِ وَلَا سُوقَ لَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ الْأَغْلَبُ فِيهَا أَنْ يُشْتَرَى لِطَلَبِ النَّمَاءِ فَكَانَ التَّأْثِيرُ فِي إنْمَائِهَا مُفِيتًا لَهَا (وَبِطُولِ زَمَنِ حَيَوَانٍ وَفِيهَا شَهْرٌ وَشَهْرَانِ وَاخْتَارَ أَنَّهُ خِلَافٌ وَقَالَ بَلْ فِي شَهَادَةٍ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي الطُّولِ فِي الْحَيَوَانِ فَقَالَ فِي كِتَابِ التَّدْلِيسِ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا فَكَاتَبَهُ ثُمَّ عَجَزَ بَعْدَ شَهْرٍ أَنَّهُ طُولٌ وَقَدْ فَاتَ. وَقَالَ فِي السَّلَمِ الثَّالِثِ فِي الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ: لَيْسَ بِفَوْتٍ فِي الْعَبْدِ وَالدَّوَابِّ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ تَغَيَّرَ وَهُوَ أَحْسَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ صَغِيرًا فَإِنَّ الْمُدَّةَ الْيَسِيرَةَ يَتَغَيَّرُ فِيهَا وَيَنْتَقِلُ. الْمَازِرِيُّ: اعْتَقَدَ بَعْضُ أَشْيَاخِي أَنَّهُ اخْتِلَافُ قَوْلٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ اخْتِلَافٌ فِي شَهَادَةٍ بِعَادَةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي هَذَا تَعَسُّفٌ وَاضِحٌ عَنْ اللَّخْمِيِّ إذْ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ هُوَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَأَنْصَفَ. (وَبِنَقْلِ عَرْضٍ وَمِثْلِيٍّ لِبَلَدٍ بِكُلْفَةٍ) أَمَّا نَقْلُ الْعَرْضِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الدَّوَابُّ الَّتِي لَا يُكْرَى عَلَيْهَا وَإِنَّمَا تُرْكَبُ أَوْ تُكْرَى فَلَا خِلَافَ أَنَّ حَمْلَهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَا يُفَوِّتُهَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا لَمْ تَخْتَلِفْ أَسْوَاقُ الْبَلَدَيْنِ، وَكَذَلِكَ الرَّقِيقُ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى الْكِرَاءِ لَا يَفُوتُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِحَمْلِهِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ، يَقُومُ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ سَمَاعِ سَحْنُونٍ فِي الْغَصْبِ. اهـ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. ابْنُ بَشِيرٍ: قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ: نَقْلُ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ فَوْتٌ لِأَجْلِ تَخَوُّفِ الطُّرُقِ وَالْمَكْسِ الْمَأْخُوذِ عَلَيْهِ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ الْمَبِيعُ عُرُوضًا مِمَّا لَهَا حَمْلٌ وَأُجْرَةٌ لَكَانَ فَوْتًا وَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ الْأَسْوَاقُ اهـ. وَأَمَّا نَقْلُ الْمِثْلِيِّ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: نَقْلُ الْمِثْلِيِّ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ بِتَكَلُّفٍ فَوْتٌ اهـ. اُنْظُرْ إنْ كَانَ بِعَيْنِيٍّ فَيَغْرَمُ مِثْلَهُ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْنِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ذَهَابُ عَيْنِ الْمِثْلِيِّ مَعَ بَقَاءِ سُوقِهِ لَغْوٌ لِقِيَامِ مِثْلِهِ مَقَامَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَغَيُّرَ السُّوقِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمِثْلِيِّ لَغْوٌ. وَانْظُرْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَغْرَمَ الْمِثْلَ بِمَوْضِعِ قَبْضِهِ بَعْدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 259 نَقْلِهِ بِغَيْرِ كُلْفَةٍ. (وَبِالْوَطْءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الرَّقِيقُ يُفِيتُهُ الْعِتْقُ وَالْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْوِلَادَةُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَالْوَطْءُ فَقَطْ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا كَانَ الْوَطْءُ لِلْأَمَةِ فَوْتًا إذْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمُوَاضَعَةِ لِاسْتِبْرَائِهَا فَيَطُولُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ (وَبِتَغَيُّرِ ذَاتِ غَيْرِ مِثْلِيٍّ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ " يُفِيتُ الْحَيَوَانَ وَالثِّيَابَ وَنَحْوَهَا مِنْ الْعُرُوضِ النَّمَاءُ وَالنَّقْصُ فِي سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ وَالْعَيْبُ يَحْدُثُ " اهـ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ " غَيْرُ مِثْلِيٍّ " فَقَدْ قَالَ نَقْلُهُ لِبَلَدٍ بِكُلْفَةٍ فَوْتٌ (وَخُرُوجٍ عَنْ يَدٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ " الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ تُفِيتُ الْحَيَوَانَ وَالثِّيَابَ وَنَحْوَهَا مِنْ الْعُرُوضِ ". قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَا بَيْعُ النِّصْفِ. (وَتَعَلُّقِ حَقٍّ كَرَهْنِهِ وَإِجَارَتِهِ) مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 260 الْمُدَوَّنَةِ: رَهْنُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى فَاسِدًا فَوْتٌ وَكَذَا إجَارَتُهُ هِيَ أَيْضًا فَوْتٌ (وَأَرْضٍ بِبِئْرٍ وَعَيْنٍ وَغَرْسٍ وَبِنَاءٍ) اللَّخْمِيِّ: أَمَّا الدُّورُ وَالْأَرَضُونَ فَيُفِيتُهَا الْهَدْمُ وَالْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَشَقُّ الْعُيُونِ وَحَفْرُ الْآبَارِ وَخُرُوجُهَا عَنْ الْيَدِ وَالتَّحْبِيسُ اهـ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّخْمِيِّ هُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ بَشِيرٍ وَلَا ابْنُ شَاسٍ وَلَا ابْنُ الْحَاجِبِ غَيْرَهُ. فَمَا نَقَلَ خَلِيلٌ بَعْدَ هَذَا فَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهَا وَكَالتَّفْرِيعِ وَغَيْرِهِ فَيَسْتَفِيدُ الْإِنْسَانُ مَزِيدَ عِلْمٍ وَإِنْ لَمْ يُفْهَمْ لَفْظُ خَلِيلٍ فَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: الِاسْتِشْكَالُ عِلْمٌ، وَلْنَنْقُلْ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا خَلِيلٌ بِلَفْظِهَا وَبَعْدَ ذَلِكَ أَنْقُلُ لَفْظَ خَلِيلٍ. قَالَ أَصْبَغُ: مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا بَيْعًا فَاسِدًا فَغَرَسَ حَوْلَهَا شَجَرًا أَحَاطَتْ بِهَا وَعَظُمَتْ فِيهَا لِمُؤْنَةٍ وَأَكْثَرُهَا بَيَاضٌ، لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ شَيْءٌ مَا فَهُوَ فَوْتٌ وَيَجِبُ فِيهَا الْقِيمَةُ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا غَرَسَ نَاحِيَةً مِنْهَا وَبَقِيَ جُلُّهَا رَدَّ مِنْهَا مَا بَقِيَ وَعَلَيْهِ فِيمَا غَرَسَ الْقِيمَةُ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا غَرَسَ يَسِيرًا لَا بَالَ لَهُ بِرَدِّ جَمِيعِهَا وَكَانَ لِلْغَارِسِ عَلَى الْبَائِعِ قِيمَةُ غَرْسِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ وَتَفْصِيلُهُ فِيهَا صَوَابٌ لِأَنَّ الْغَرْسَ إذَا أَحَاطَ بِالْأَرْضِ وَعَظُمَتْ الْمُؤْنَةُ فِيهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَوْتًا لِجَمِيعِهَا وَإِنْ كَانَ جُلُّهَا بَيَاضًا، وَإِذَا كَانَ الْغَرْسُ بِنَاحِيَةٍ مِنْهَا وَجُلُّهَا لَا غَرْسَ فِيهِ وَجَبَ أَنْ يَفُوتَ مِنْهَا مَا غُرِسَ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي سَائِرِهَا إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْبَائِعِ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَغْرُوسُ مِنْ الْأَرْضِ يَسِيرًا مِمَّا لَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ. وَوَجْهُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى النَّاحِيَةِ الَّتِي فَوَّتَهَا بِالْغَرْسِ مَا هِيَ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَتْ الثُّلُثَ أَوْ الرُّبُعَ فُسِخَ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ، فَسَقَطَ عَنْ الْمُبْتَاعِ إنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْهُ وَرَدَّ إلَيْهِ إنْ كَانَ دَفَعَهُ وَفُسِخَ الْبَيْعُ فِي النَّاحِيَةِ الْفَائِتَةِ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، فَمَنْ كَانَ مِنْهَا لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَضْلٌ فِي ذَلِكَ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ إذْ قَدْ تَكُونُ قِيمَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 261 تِلْكَ النَّاحِيَةَ أَقَلَّ مِمَّا نَابَهَا مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ خِلَافًا لِمَا فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ. وَقَوْلُهُ " وَإِنْ كَانَ إنَّمَا غَرَسَ يَسِيرًا " إلَخْ هُوَ نَحْوُ مَا مَضَى مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي الْبُنْيَانِ الْيَسِيرِ فِي الْحَائِطِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا إلَّا أَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: يَكُونُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ مَا أَنْفَقَ الْمُبْتَاعُ فِي الْبُنْيَانِ، وَقَالَ هَاهُنَا: إنَّهُ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي قِيمَةُ غَرْسِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَمَعْنَاهُ قِيمَةُ الْغَرْسِ مَقْلُوعًا يَوْمَ جَاءَ بِهِ وَغَرَسَهُ وَمَا أَنْفَقَ فِي غَرْسِهِ أَوْ قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ فِيهِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إذَا رَدَّ إلَيْهِ مَا أَنْفَقَ الْمُبْتَاعُ فِي بُنْيَانِ جِدَارٍ أَوْ حَفْرٍ بِبِئْرٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقِيلَ قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ قَوْلٍ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ بِالسَّدَادِ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ السَّدَادِ مِثْلَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأُجَرَاءَ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُسْتَأْجَرُ بِهِ مِثْلُهُمْ لِغَيْرِ جَرْيٍ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَوْ بِمَعْرُوفٍ صَنَعَهُ إلَيْهِمْ رَجَعَ بِقِيمَةِ ذَلِكَ عَلَى السَّدَادِ (عَظِيمَيْ الْمُؤْنَةِ) تَقَدَّمَ نَصُّ أَصْبَغَ إذَا عَظُمَتْ الْمُؤْنَةُ فَهُوَ فَوْتٌ (وَفَاتَتْ بِهِمَا جِهَةٌ هِيَ الرُّبُعُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ إنْ كَانَتْ النَّاحِيَةُ الَّتِي فَوَّتَهَا بِالْغَرْسِ الثُّلُثَ أَوْ الرُّبُعَ فُسِخَ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي (فَقَطْ لَا أَقَلَّ) تَقَدَّمَ نَصُّ أَصْبَغَ إنْ كَانَ إنَّمَا غَرَسَ يَسِيرًا رُدَّتْ جَمِيعُهَا وَكَانَ لِلْغَارِسِ عَلَى الْبَائِعِ قِيمَةُ غَرْسِهِ (وَلَهُ الْقِيمَةُ قَائِمًا عَلَى الْمَقُولِ وَالْمُصَحَّحِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ مَقْلُوعًا، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ التُّونِسِيِّ أَنَّ الْأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِشُبْهَةٍ عَلَى الْبَقَاءِ فَأَشْبَهَ مَنْ بَنَى فِي بُقْعَةٍ فَاسْتُحِقَّتْ. انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ ازْدِرَاعَ الْأَرْضِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يُفِيتُ الْأَرْضَ الزَّرْعُ فِيهَا فَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ فِي إبَّانِ الزَّرِيعَةِ لَمْ يُقْلَعْ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ، وَإِنْ فُسِخَ بَعْدَ الْإِبَّانِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَتْ أُصُولًا فَأَثْمَرَتْ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فَفُسِخَ الْبَيْعُ وَقَدْ طَابَتْ الثَّمَرَةُ فَهِيَ لِلْمُبْتَاعِ، جُذَّتْ أَوْ لَمْ تُجَذَّ، وَإِنْ لَمْ تَطِبْ فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَعَلَيْهِ لِلْمُبْتَاعِ مَا أَنْفَقَ (وَفِي بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُطْلَقًا تَأْوِيلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي فَوْتِهِ بِبَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ قَوْلَا ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالشَّيْخِ، وَأَخَذَ ابْنُ مُحْرِزٍ الْأَوَّلَ مِنْ قَوْلِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 262 الصَّدَقَةُ قَبْلَ قَبْضِهَا فَوْتٌ قَالَ: وَالْبَيْعُ أَقْوَى مِنْ الصَّدَقَةِ. ابْنُ يُونُسَ: لِافْتِقَارِهَا لِلْحَوْزِ دُونَ الْبَيْعِ، وَتَعَقَّبَ هَذَا الْمَازِرِيُّ اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ. (لَا إنْ قَصَدَ بِالْبَيْعِ الْإِفَاتَةَ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ دَارًا بَيْعًا حَرَامًا فَقَامَ بِفَسَادِ الْبَيْعِ عَلَى الْمُشْتَرِي يُرِيدُ فَسْخَ الْبَيْعِ وَلَمْ يُفَوِّتْ ذَلِكَ فَيُفَوِّت الْمُشْتَرِي ذَلِكَ يَتَصَدَّقُ بِالدَّارِ أَوْ يَبِيعُهَا أَوْ يَبِيعُ الْعَبْدَ أَوْ يُعْتِقُهُ بَعْدَ قِيَامِ الْبَائِعِ، لَمْ تَجُزْ صَدَقَتُهُ وَلَا بَيْعُهُ بَعْدَ قِيَامٍ عَلَيْهِ بِفَسْخِهِ وَيَمْضِي الْعِتْقُ لِحُرْمَتِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيمَا فَعَلَ بَعْدَ الْقِيَامِ عَلَيْهِ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقِيَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ أُذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ حِينَ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَإِذَا بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ بَعْدَ أَنْ قَامَ عَلَيْهِ فَلَهُ إجَازَةُ ذَلِكَ وَيُضَمِّنُهُ الْقِيمَةَ فِي ذَلِكَ يَوْمَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ رَضِيَ بِالْتِزَامِ الْقِيمَةِ وَلَهُ رَدُّ ذَلِكَ وَأَخْذُ مَبِيعِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ إذْ لَيْسَ بِتَعَدٍّ صِرْفٍ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا قَدْ حَصَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ كَانَتْ مُصِيبَتُهُ مِنْهُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعِتْقِ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَخْذِ عَبْدِهِ وَإِمْضَاءِ عِتْقِهِ وَيَضْمَنُ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ إلَّا أَنَّهُ أَمْضَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 266 وَرَآهُ فَوْتًا لِحُرْمَةِ الْعِتْقِ، وَهَذَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ حَقِيقَةِ الْقِيَاسِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ يَتَرَجَّحُ بِهِ مَا ضَعُفَ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ " فَلَهُ أَنْ يُجِيزَ " مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ وَنَصِّ السَّمَاعِ. (وَارْتَفَعَ الْمُفِيتُ إنْ عَادَ إلَّا بِتَغَيُّرِ السُّوقِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا تَغَيَّرَ سُوقُ السِّلْعَةِ ثُمَّ عَادَ لِهَيْئَتِهِ فَقَدْ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ، وَكَذَلِكَ إنْ وَلَدَتْ الْأَمَةُ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهَا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ كَاتَبَهَا ثُمَّ عَجَزَتْ بَعْدَ أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ فَلَهُ الرَّدُّ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ سُوقُهَا قَبْلَ رُجُوعِهَا إلَيْهِ فَذَلِكَ فَوْتٌ، وَإِنْ عَادَ لِهَيْئَتِهِ أَوْ يَمْضِي لِلْأَمَةِ نَحْوُ الشَّهْرِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَغَيَّرَ فِي بَدَنِهَا أَوْ سُوقِهَا. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا فَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ فِي رُجُوعِهَا إلَيْهِ، لِأَنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ فَلَا تُهْمَةَ تَلْحَقُهُ فِيهِ وَالْبَيْعُ مِنْ سَبَبِهِ وَفِعْلِهِ فَيُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ أَظْهَرَ الْبَيْعَ لِيُفِيتَهَا بِهِ فَيَتِمُّ لَهُ الْبَيْعُ الْحَرَامُ وَهِيَ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ كَقَوْلِهِ فِيمَنْ حَلَفَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِهِ إنْ كَلَّمَ فُلَانًا فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ لِلتُّهْمَةِ فِي ذَلِكَ لَكِنَّهُ ضَعَّفَ قَوْلَهُ أَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتَّهَمَ فِي ذَلِكَ. [فَصْلٌ الْفَاسِدِ مِنْ جِهَةِ تَطَرُّقِ التُّهْمَةِ إلَى الْمُتَعَاوِضَيْنِ] فَصْلٌ. ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْفَاسِدِ مِنْ جِهَةِ تَطَرُّقِ التُّهْمَةِ إلَى الْمُتَعَاوِضَيْنِ فَإِنَّهُمَا قَصَدَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 267 إظْهَارَ فِعْلِ مَا يَجُوزُ لِيُتَوَصَّلَا بِهِ إلَى مَا لَا يَجُوزُ وَتَدَرَّعَا بِشَيْءٍ جَائِزٍ فِي الظَّاهِرِ إلَى بَاطِنٍ مَمْنُوعٍ فِي الشَّرِيعَةِ حَسْمًا لِلذَّرِيعَةِ (وَمُنِعَ لِلتُّهْمَةِ مَا كَثُرَ قَصْدُهُ) أَبُو عُمَرَ: أَبَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يَفْسَخُوا صَفْقَةً ظَاهِرُهَا حَلَالٌ بِظَنٍّ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَقَالُوا: الْأَحْكَامُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْحَقَائِقِ لَا عَلَى الظُّنُونِ انْتَهَى. اُنْظُرْ أَغْرَبَ مِنْ هَذَا فِي مِنْهَاجِ الْمُحَدِّثِينَ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ: يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ " قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا " أَنَّهُ يَجُوزُ قَسْمُ اللَّحْمِ وَنَحْوِهِ كَالْعَنَتِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. فَإِذَا قُلْنَا بِهَذَا فَطَرِيقُهُمَا أَنْ يَجْعَلَا اللَّحْمَ قِسْمَيْنِ ثُمَّ يَبِيعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا ثُمَّ يَبِيعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ مِنْ الْقِسْمِ الْآخَرِ لِصَاحِبِهِ بِذَلِكَ الدِّرْهَمِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ فَيَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ قِسْمٌ بِكَمَالِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَبَاحَ الذَّرَائِعَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا يَقُولُ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ وَلَا سِيَّمَا فِي الْبَيْعِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَنْعَ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ إنَّمَا نَشَأَ عَنْ اشْتِرَاطِ السَّلَفِ نَصًّا وَبِيَاعَاتِ الْأَجَلِ لَا نَصَّ فِيهَا بِاشْتِرَاطِ أَنَّ الْبَائِعَ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ الَّتِي بَاعَ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ يُتَّهَمَانِ عَلَيْهِ وَيُسْتَنَدُ فِي تِلْكَ التُّهْمَةِ إلَى الْعَادَةِ ثُمَّ قَالَ وَهْبٌ: إنَّ تِلْكَ الْعِدَّةَ وُجِدَتْ فِي قَوْمٍ فِي الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ بِالْمَدِينَةِ أَوْ بِالْحِجَازِ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهَا وُجِدَتْ بِالْعِرَاقِ وَالْمَغْرِبِ فِي الْمِائَةِ السَّابِعَةِ؟ ثُمَّ قَالَ: وَأَنَا أَتَوَقَّفُ فِي الْفُتْيَا فِي هَذَا الْبَابِ وَفِيمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْأَبْوَابِ الْمُسْتَنِدَةِ إلَى الْعَادَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ، لِأَنَّ الَّذِي فِي الْكُتُبِ مِنْ الْمَسَائِلِ لَهَا مِئُونَ مِنْ السِّنِينَ، وَتِلْكَ الْعَوَائِدُ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي تِلْكَ الْأَحْكَامِ لَا يُعْلَمُ حُصُولُهَا الْآنَ، وَالشَّكُّ فِي الشَّرْطِ شَكٌّ فِي الْمَشْرُوطِ. وَمِنْ الذَّخِيرَةِ: قَاعِدَةٌ: كُلُّ حُكْمٍ مُرَتَّبٍ عَلَى عُرْفٍ أَوْ عَادَةٍ يَبْطُلُ عِنْدَ زَوَالِ تِلْكَ الْعَادَةِ، فَإِذَا تَغَيَّرَ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ فَسْخِ بُيُوعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 268 الْآجَالِ وَإِنْ صَحَّ حِمَايَةً أَنْ يَقْصِدَ الْمُتَبَايِعَانِ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِمَا. وَلَمَّا نَقَلَ الْقَرَافِيُّ فِي قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ مَا فَعَلَهُ بِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ لَا إثْمَ فِيهِ قَالَ: هَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَحْرِيمِ بُيُوعِ الْآجَالِ وَإِنَّمَا تُفْسَخُ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْقَصْدِ إلَى الْفَسَادِ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَقْرَضَ رَجُلًا طَعَامًا إلَى أَجَلٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ لَهُ غَرِيمُهُ: بِعْنِي طَعَامًا أَقْضِيك قَالَ: إنْ ابْتَاعَ مِنْهُ بِنَقْدٍ فَلَا بَأْسَ وَلَمْ يَجُزْ إنْ كَانَ لِأَجَلٍ لِأَنَّ الطَّعَامَ قَدْ رَجَعَ إلَيْهِ فَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنْ أَخَذَ مِنْهُ فِي الطَّعَامِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْقَرْضِ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ نَقْدًا جَازَ وَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ فَسَخَ الطَّعَامَ فِي ذَلِكَ الثَّمَنِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ بَاعَهُ مِنْهُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ عَلَى غَيْرِ شَرْطِ أَنْ يَقْضِيَهُ إيَّاهُ فَلَمَّا تَمَّ شِرَاؤُهُ قَضَاهُ إيَّاهُ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا، وَفُسِخَ مِنْ بَابِ الْحُكْمِ بِالذَّرَائِعِ لَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ حَرَامٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَالِقِهِ إنْ صَحَّ عَمَلُهُ فِيهِ عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ وَلَا رَجَاءٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ مِنْ بَيْعٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ طَعَامًا عَلَى أَنْ يَقْضِيَهُ إيَّاهُ إلَّا بِمِثْلِ الثَّمَنِ الَّذِي أَسْلَمَ إلَيْهِ فِيهِ نَقْدًا لَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ. وَسَمِعَ أَبُو زَيْدٍ: إنْ أَعْطَى حَامِلُ الطَّعَامِ رَبَّهُ عَنْ نَقْصِ طَعَامِهِ ذَهَبًا لَمْ يَجُزْ إنْ كَانَ انْتَقَدَ كِرَاءَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: لِتُهْمَتِهِمَا عَلَى أَنَّ مَا دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ بَعْضُهُ ثَمَنٌ لِحَمْلِ الطَّعَامِ أَوْ بَعْضُهُ سَلَفٌ فَيَدْخُلُهُ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ، وَنَحْوُ هَذَا لِابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا فِيمَنْ دَفَعَ دِينَارًا أَجْرَ سَنَةٍ فَعَمِلَ بَعْضَهَا ثُمَّ تَقَايَلَا وَتَحَاسَبَا فَيَرُدُّ بَقِيَّةَ مَا عَلَيْهِ دَرَاهِمَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ إذَا لَمْ يَعْمَلَا عَلَى ذَلِكَ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ بِنِصْفِ دِينَارٍ فَلَمَّا وَجَبَ الْبَيْعُ أَعْطَاهُ دِينَارًا وَرَدَّ عَلَيْهِ بَقِيَّتَهُ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ. اللَّخْمِيِّ: لِتُهْمَتِهِمَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ. (كَبَيْعٍ وَسَلَفٍ بِمَنْفَعَةٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ سِلْعَةً ثُمَّ ابْتَاعَهَا فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ الْأُولَى إلَى أَجَلٍ نَظَرْت إلَى مَا آلَ إلَيْهِ الْأَمْرُ بَعْدَ الْبَيْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا فَأَبْطَلَتْهُ مِنْ زِيَادَةٍ فِي سَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 271 أَوْ تَعْجِيلٍ بِوَضِيعَةٍ أَوْ حَطِّ ضَمَانٍ بِزِيَادَةٍ أَوْ ذَهَبٍ وَعَرْضٍ بِذَهَبٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَكْرُوهِ. وَمَا سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ جَازَ (لَا مَا قَلَّ كَضَمَانٍ بِجُعْلٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ بَعُدَتْ التُّهْمَةُ بَعْضَ الْبُعْدِ وَأَمْكَنَ الْقَصْدُ إلَيْهَا فَهَاهُنَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ: الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ. وَمِثَالُ هَذَا أَنْ يَظْهَرَ شَيْءٌ تَخْتَلِفُ الْعَوَائِدُ فِي الْقَصْدِ إلَيْهِ كَدَفْعِ الْأَكْثَرِ مِمَّا فِيهِ الضَّمَانُ وَأَخْذِ أَقَلَّ مِنْهُ إلَى أَجَلٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْهُ أَصْحَابُنَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 272 بِالضَّمَانِ بِالْجُعْلِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَالْقَوْلَانِ مَعًا لِمَالِكٍ. (أَوْ أَسْلِفْنِي وَأُسْلِفُك) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ بَاعَ مِنْهُ عَشَرَةَ أَرَادِبَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى شَهْرٍ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ الطَّعَامَ وَيَغِيبُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَبْتَاعُ مِنْهُ مِثْلَ طَعَامِهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ إلَى شَهْرَيْنِ فَيَدْخُلُهُ " أَسْلِفْنِي وَأُسْلِفُك " فَخَفَّفَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَكَرِهَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَلَوْ لَمْ يَغِبْ عَلَى الطَّعَامِ لَكَانَ جَائِزًا. (فَمَنْ بَاعَ لِأَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِجِنْسِ ثَمَنِهِ مِنْ عَيْنٍ وَطَعَامٍ وَعَرْضٍ فَإِمَّا نَقْدًا أَوْ لِلْأَجَلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ يُمْنَعُ مِنْهَا ثَلَاثٌ وَهِيَ مَا عُجِّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ) ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ بَشِيرٍ. إذَا بَاعَ الْإِنْسَانُ سِلْعَةً تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا إلَى أَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُمَا عَيْنٌ وَاتَّفَقَا فِي الصِّفَةِ فَيُتَصَوَّرُ فِي ذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ صُورَةً، وَذَلِكَ أَنَّ الثَّمَنَ الثَّانِي لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِمِقْدَارِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ الثَّانِي نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 273 أَقْرَبَ مِنْ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ أَوْ إلَى أَجَلٍ مُسَاوٍ لَهُ أَوْ لِأَجَلٍ أَبْعَدَ مِنْهُ، لَكِنَّ ثَلَاثَ صُوَرٍ مِنْهَا تَدْخُلُ فِي مِثْلِهَا لِتَسَاوِي الْأَحْكَامِ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ إلَى أَقْرَبَ مِنْ الْأَجَلِ فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ النَّقْدِ، فَالصُّوَرُ إذَنْ تِسْعٌ، سَبْعٌ مِنْهَا تَجُوزُ، وَصُورَتَانِ تُمْنَعَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَهَا نَقْدًا بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ وَبِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ. وَالْمُحَاذَرَةُ فِي هَذَا مِنْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً بِتَقْدِيرِ السِّلْعَةِ لَغْوًا، وَهَذَا الْحُكْمُ إنْ كَانَ الثَّمَنَانِ طَعَامًا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ أَوْ عُرُوضًا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ تُتَصَوَّرُ الصُّوَرُ التِّسْعُ وَيُمْنَعُ مِنْهَا اثْنَتَانِ بِاتِّفَاقٍ إلَّا أَنَّهُ يَخْتَلِفُ هَذَا فِي اثْنَتَيْنِ يَمْنَعُهُمَا مَنْ يُتَّهَمُ عَلَى ضَمَانٍ بِجُعْلٍ. (وَكَذَا لَوْ أُجِّلَ بَعْضُهُ مُمْتَنِعٌ مَا تُعُجِّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ أَوْ بَعْضُهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ. فَإِنْ كَانَ الثَّانِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 277 بَعْضُهُ نَقْدٌ وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ وَهِيَ تِسْعٌ فَإِنْ تَعَجَّلَ الْأَقَلَّ أَوْ بَعْضَهُ امْتَنَعَ. (كَتَسَاوِي الْأَجَلَيْنِ إنْ شَرَطَا نَفْيَ الْمُقَاصَّةِ لِلدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَلِذَلِكَ صَحَّ فِي أَكْثَرَ لِأَبْعَدَ إذَا اشْتَرَطَاهَا) ابْنُ بَشِيرٍ: مِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي الْعَيْنِ عَدَمَ الْمُقَاصَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مُطْلَقًا إذَا كَانَ الْبَيْعُ الثَّانِي إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي إخْرَاجَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الذَّهَبِ فَيَكُونُ اشْتِرَاطُ التَّبَادُلِ بِذَهَبَيْنِ بِتَأْخِيرٍ، وَلَوْ اشْتَرَطَ أَيْضًا فِي كَوْنِ الْبَيْعَةِ الثَّانِيَةِ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ الْمُقَاصَّةَ لَوَجَبَ الْجَوَازُ مُطْلَقًا إذْ لَا يُخْرِجُ أَحَدُهُمَا شَيْئًا فَيَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْهُ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُقَاصَّةَ فَجَائِزٌ إذَا كَانَ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ. قَالَ رَبِيعَةُ: بِالثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ يُونُسَ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ ابْنُ بَشِيرٍ بِحُكْمِ الْمُقَاصَّةِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطَاهَا، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِشَرْطِهَا أَوْ شَرْطِ عَدَمِهَا. وَعِبَارَةُ خَلِيلٍ قَدْ وَفَّتْ بِمَا زَادَ ابْنُ بَشِيرٍ عَلَى ابْنِ يُونُسَ وَبِمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 278 ابْنُ بَشِيرٍ. (وَالرَّدَاءَةُ مِنْ الْجَوْدَةِ كَالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَوْ بَاعَهُ بِيَزِيدِيَّةٍ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ ابْتَاعَهُ بِمُحَمَّدِيَّةٍ يَعْنِي مِثْلَ عَدَدِهَا وَوَزْنِهَا نَقْدًا جَازَ لِأَنَّهَا أَجْوَدُ فَهُوَ كَمَنْ ابْتَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ نَقْدًا، وَلَوْ كَانَ إنَّمَا بَاعَهُ بِمُحَمَّدِيَّةٍ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ ابْتَاعَهُ بِيَزِيدِيَّةٍ نَقْدًا لَمْ يَجُزْ وَكَأَنَّهُ ابْتَاعَهُ بِأَقَلَّ، لِأَنَّ الْمُحَمَّدِيَّةَ أَفْضَلُ. (وَمُنِعَ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ اخْتَلَفَ نَوْعُ الثَّمَنِ وَكَانَ الْمَدْفُوعُ أَوَّلًا مُسَاوِيًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 279 لِقِيمَةِ الثَّانِي كَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لِأَجَلٍ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ بَائِعِهَا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا وَالصَّرْفُ دِينَارٌ بِخَمْسِينَ فَمَذْهَبُ الْكِتَابِ الْمَنْعُ (إلَّا أَنْ يُعَجِّلَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمُتَأَخِّرِ جِدًّا) ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ أَوَّلًا فَوْقَ مِقْدَارِ الثَّانِي وَقِيمَتِهِ بِالشَّيْءِ الظَّاهِرِ فَهَاهُنَا قَوْلَانِ، الْمَشْهُورُ الْجَوَازُ وَفِيهَا نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَامْتَنَعَ لِغَيْرِ صِنْفٍ ثَمَنُهُ ". (وَبِسِكَّتَيْنِ إلَى أَجَلٍ كَشِرَائِهِ بِمُحَمَّدِيَّةٍ مَا بَاعَ بِيَزِيدِيَّةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ بِعْت ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ مُحَمَّدِيَّةٍ إلَى شَهْرٍ فَلَا تَبْتَعْهُ بِعَشَرَةٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 280 يَزِيدِيَّةٍ إلَى ذَلِكَ الشَّهْرِ. اللَّخْمِيِّ: لِتَضَمُّنِهِ الْمُبَادَلَةَ بِتَأْخِيرٍ. (وَإِنْ اشْتَرَى بِعَرْضٍ مُخَالِفٍ ثَمَنَهُ جَازَتْ ثَلَاثُ النَّقْدِ فَقَطْ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ كَانَ الثَّمَنَانِ عَرْضًا وَاحِدًا فَكَالطَّعَامِ، فَإِنْ كَانَا نَوْعَيْنِ جَازَتْ الصُّوَرُ كُلُّهَا إذْ لَا رِبَا فِي الْعُرُوضِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّمَا يَجُوزُ صَرْفُ النَّقْدِ خَاصَّةً. بَهْرَامَ: إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي النَّقْدِ صُورَتَانِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِدَرَاهِمَ لِأَجَلٍ لَا يَشْتَرِيهَا بِعَرْضٍ مُؤَجَّلٍ لِأَنَّهُ دَيْنٌ، بِدَيْنٍ اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ صُورَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا مِنْ حَرِيرٍ مَوْصُوفٍ لِأَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ مِنْهُ ذَلِكَ الثَّوْبَ بِمَكِيلَةِ قَمْحٍ مَثَلًا، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَمْحُ مُؤَجَّلًا لِأَقْرَبَ مِنْ أَجَلِ الْحَرِيرِ وَلَا لِأَبْعَدَ وَلَا لِأَجَلِهِ، وَيَجُوزُ مُعَجَّلًا. وَلَا يُتَصَوَّرُ هُنَا أَنْ يُقَالَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوٍ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ فِي عَرْضَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ اهـ فَانْظُرْ إنْ كَانَ عَنَى خَلِيلٌ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ " ثَلَاثُ النَّقْدِ "؟ وَنَحْوُهُ نَصُّ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. وَانْظُرْ أَيْضًا نَصَّ ابْنِ بَشِيرٍ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْجَوَازَ مُطْلَقًا وَتَبِعَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 281 ابْنُ الْحَاجِبِ، وَانْظُرْ أَيْضًا قَوْلَ خَلِيلٍ ثَمَنَهُ إنْ كَانُوا يَعْنُونَ بِهَذَا كُلِّهِ غَيْرَ مَا فَهِمْته أَنَا فَانْظُرْهُ أَنْتَ. (وَالْمِثْلِيُّ صِفَةً وَمِقْدَارًا كَمِثْلِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ طَعَامًا ثُمَّ اُسْتُرِدَّ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا اسْتَرَدَّهُ بِعَيْنِهِ أَوْ مِثْلِهِ صِفَةً أَوْ مِقْدَارًا يَكُونُ جَائِزًا بِشَرْطِ مُرَاعَاةِ الثَّمَنِ (فَيُمْنَعُ بِأَقَلَّ إلَى أَجَلِهِ أَوْ أَبْعَدَ إنْ غَابَ مُشْتَرِيهِ بِهِ) أَمَّا بَيْعُهُ بِأَقَلَّ لِأَجَلِهِ إنْ غَابَ مُشْتَرِيهِ بِهِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ بَاعَ مِنْهُ عَشَرَةَ أَرَادِبَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ ابْتَاعَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ غَابَ عَلَى الطَّعَامِ عَشَرَةَ أَرَادِبَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يُقَاصَّهُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ مِنْ الْعَشَرَةِ، فَإِنَّهُ أَيْضًا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ أَمْرَهُمَا آلَ إلَى أَنْ أَسْلَفَهُ عَشَرَةَ أَرَادِبَ فَانْتَفَعَ بِهَا ثُمَّ رَدَّ إلَيْهِ مِثْلَهَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُسْلِفُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ، وَأَمَّا بَيْعُهُ بِأَقَلَّ لِأَبْعَدَ مِنْ أَجَلِهِ إنْ غَابَ مُشْتَرِيهِ بِهِ فَاَلَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ إذَا اشْتَرَى مِنْهُ مِثْلَ طَعَامِهِ بَعْدَ الْغَيْبَةِ عَلَيْهِ بِمِثْلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 282 الثَّمَنِ لِأَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ خَفَّفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَمْ يَتَّهِمْهُ عَلَى " أَسْلِفْنِي وَأُسْلِفُك " (وَهَلْ غَيْرُ صِنْفِ طَعَامِهِ كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ مُخَالِفٌ أَوْ لَا؟ تَرَدُّدٌ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَوْ بِعْت مِنْهُ مَحْمُولَةً ثُمَّ اشْتَرَيْت مِنْهُ سَمْرَاءَ أَوْ شَعِيرًا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تُهْمَةٌ وَإِنَّمَا يُرَاعَى الصِّنْفُ بِعَيْنِهِ. ابْنُ يُونُسَ: فَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ وَمُحَمَّدٍ. (وَإِنْ بَاعَ مُقَوَّمًا بِمِثْلِهِ كَغَيْرِهِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ بِعْت مِنْهُ ثَوْبًا رَقِيقًا بِدِينَارَيْنِ إلَى أَجَلٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ ثَوْبًا فِي صِفَتِهِ وَجِنْسِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ، لِأَنَّ الثِّيَابَ تُعْرَفُ بِأَعْيَانِهَا وَالطَّعَامَ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَمِثْلُهُ كَعَيْنِهِ وَإِنَّمَا عَلَى مُسْتَهْلِكِ الثَّوْبِ قِيمَتُهُ بِخِلَافِ مَا يُوزَنُ وَيُكَالُ. (كَتَغَيُّرِهَا كَثِيرًا) ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: عَنْ مَالِكٍ فِي الدَّابَّةِ أَوْ الْبَعِيرِ يَبْتَاعُهُمَا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يُسَافِرُ عَلَيْهِمَا الْمُبْتَاعُ إلَى مِثْلِ الْحَجِّ وَبَعِيدِ السَّفَرِ فَيَأْتِي وَقَدْ أَنْقَصَهَا ثُمَّ يَبْتَاعُهَا مِنْهُ الْبَائِعُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ نَقْدًا فَلَا يُتَّهَمُ فِي هَذَا أَحَدٌ وَلَا بَأْسَ بِهِ. (وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدَ ثَوْبَيْهِ لِأَبْعَدَ مُطْلَقًا أَوْ أَقَلَّ نَقْدًا امْتَنَعَ) أَمَّا شِرَاءُ أَحَدِهِمَا لِأَبْعَدَ مُطْلَقًا فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى سَنَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِخَمْسِينَ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ سِتِّينَ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يَتْرُكَ الْعَشَرَةَ وَهِيَ فَضْلُ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِمَكَانِ مَا يُسْلِفُهُ الْمُشْتَرِي وَهِيَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 283 الْخَمْسُونَ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَرْبَعِينَ جَازَ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ لَمْ يَجُزْ وَيَدْخُلُهُ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ انْتَهَى. فَانْظُرْ قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَرْبَعِينَ مَعَ قَوْلِ خَلِيلٍ مُطْلَقًا. وَأَمَّا شِرَاءُ أَحَدِهِمَا بِأَقَلَّ نَقْدًا فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ بَاعَ ثَوْبَيْنِ بِعَشَرَةٍ إلَى سَنَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى إحْدَاهُمَا نَقْدًا بِتِسْعَةٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَأَكْثَرَ جَازَ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ بِعْت عَبْدَيْنِ بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ فَلَا تَبْتَعْ أَحَدَهُمَا بِتِسْعَةٍ نَقْدًا وَلَا بِدِينَارٍ نَقْدًا لِأَنَّ بَيْعَ الرَّاجِعِ إلَيْك يُعَدُّ لَغْوًا، وَكَأَنَّك بِعْت الثَّانِي وَتِسْعَةَ دَنَانِيرَ بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ فَذَلِكَ بَيْعٌ وَسَلَفٌ (لَا بِمِثْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ: " وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَأَكْثَرَ جَازَ " (وَامْتَنَعَ بِغَيْرِ صِنْفِ ثَمَنِهِ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ الْمُعَجَّلُ) اُنْظُرْ مَا صُورَةُ هَذَا فِي الْخَارِجِ إنْ كَانَ يَعْنِي غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَمُنِعَ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ. ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِغَيْرِ صِنْفِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَقَالُوا: يُمْنَعُ مُطْلَقًا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّمَا قَالَ: قَالُوا: لِتَعَقُّبِ إطْلَاقِهِمْ الْمَنْعَ بَلْ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُعَجَّلُ مِنْ الْعَيْنِ أَكْثَرَ مِمَّا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ جِدًّا حَسْبَمَا مَرَّ فِي التُّهْمَةِ عَلَى صَرْفٍ مُسْتَأْخِرٍ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ بِعْت ثَوْبًا بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا إلَى شَهْرٍ فَلَا تَبْتَعْهُ بِدِينَارٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 284 نَقْدًا فَيَصِيرُ صَرْفًا مُسْتَأْخِرًا، وَلَوْ ابْتَعْته بِعِشْرِينَ دِينَارًا نَقْدًا جَازَ لِبُعْدِكُمَا مِنْ التُّهْمَةِ، وَإِنْ بِعْته بِأَرْبَعِينَ إلَى شَهْرٍ جَازَ أَنْ تَبْتَاعَهُ بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا لِبَيَانِ فَضْلِهَا فَلَا تُهْمَةَ فِي هَذَا. (وَلَوْ بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مَعَ سِلْعَةٍ نَقْدًا مُطْلَقًا أَوْ لِأَبْعَدَ بِأَكْثَرَ أَوْ بِخَمْسَةٍ وَسِلْعَةٍ امْتَنَعَ) أَمَّا إذَا بَاعَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَثَوْبًا مِنْهُ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ أَوْ أَقَلَّ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: لَا يَجُوزُ، قَالَ: وَيَدْخُلُهُ فِي أَكْثَرَ بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَبِعَشَرَةٍ فَأَقَلَّ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ لِأَنَّ ثَوْبَهُ رَجَعَ إلَيْهِ فَكَانَ لَغْوًا. وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَثَوْبًا مَعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: لَا يَجُوزُ. قَالَ: وَيَدْخُلُهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ. قَالَ: وَالسَّلَفُ هَاهُنَا مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ وَثَوْبًا مَعَهُ بِعَشَرَةٍ فَأَقَلَّ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةٍ وَسِلْعَةٍ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِخَمْسَةٍ وَثَوْبٍ مِنْ نَوْعِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الْبَائِعَ يُخْرِجُ الْآنَ خَمْسَةً وَثَوْبًا عِوَضًا عَنْ عَشَرَةٍ يَأْخُذُهَا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ بِخَمْسَةٍ مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 285 الَّتِي يَأْخُذُهَا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَضَاءً عَنْ الْخَمْسَةِ الَّتِي كَانَتْ مَعَ الثَّوْبِ، وَالثَّوْبُ الَّذِي مَعَ الْخَمْسَةِ مَبِيعٌ بِالْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ الْعَشَرَةِ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ بِعْت ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى شَهْرٍ فَاشْتَرَيْته قَبْلَ الْأَجَلِ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَبِثَوْبٍ مِنْ نَوْعِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ ثَوْبَك رَجَعَ إلَيْك وَصَحَّ إنَّك بِعْت الثَّانِيَ وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ فَذَلِكَ بَيْعٌ وَسَلَفٌ. (لَا بِعَشَرَةٍ وَسِلْعَةٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةٍ وَسِلْعَةٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَأَكْثَرَ جَازَ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَلَمْ أَجِدْ هَذَا الْفَرْعَ لِابْنِ عَرَفَةَ وَلَا لِابْنِ شَاسٍ (وَبِمِثْلٍ وَأَقَلَّ لِأَبْعَدَ) تَقَدَّمَ نَقْلُ اللَّخْمِيِّ إذَا بَاعَهُ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَثَوْبًا مَعَهُ بِعَشَرَةٍ فَأَقَلَّ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ انْتَهَى. اُنْظُرْ ابْنَ الْحَاجِبِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِهَذَا. (وَلَوْ اشْتَرَى بِأَقَلَّ لِأَجَلِهِ ثُمَّ رَضِيَ بِالتَّعْجِيلِ فَقَوْلَانِ) ابْنُ بَشِيرٍ: وَمِمَّا يَجْرِي عَلَى مُرَاعَاةِ التُّهَمِ الْبَعِيدَةِ أَنْ يَقَعَ الشِّرَاءُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ أَوْ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ ثُمَّ يَقَعَ التَّرَاضِي بِتَعْجِيلِهِ، فَهَاهُنَا اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي جَوَازِ التَّعْجِيلِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْهُ أَصْحَابُنَا بِحِمَايَةِ الْحِمَايَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ التُّهْمَةَ هَاهُنَا عَلَى أَنْ يَعْقِدَا عَلَى إظْهَارِ الشِّرَاءِ إلَى الْأَجَلِ أَوْ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ وَيُبْطِنَا تَعْجِيلَ النَّقْدِ (كَتَمْكِينِ بَائِعِ مُتْلَفٍ مَا قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الْأَجَلِ) مِثَالُ هَذَا أَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ يَغِيبُ عَلَيْهِ الْبَائِعُ أَوْ يَفُوتُهُ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوَاتِ، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مَثَلًا ثَمَانِيَةً وَغَرِمَهَا فَهَلْ يُمَكَّنُ عِنْدَ الْأَجَلِ مِنْ أَخْذِ الْعَشَرَةِ كُلِّهَا مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا يُمَكَّنُ إلَّا مِنْ ثَمَانِيَةٍ خَاصَّةً؟ فَمُقْتَضَى سَمَاعِ يَحْيَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى مَا دَفَعَ. ابْنُ رُشْدٍ: أَتَّهِمُهُمَا عَلَى الْقَصْدِ إلَى دَفْعِ دَنَانِيرَ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا إلَى أَجَلٍ. وَاَلَّذِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 286 لِابْنِ يُونُسَ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ. لَوْ تَعَدَّى عَلَى السِّلْعَةِ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهَا فَبَاعَهَا أَوْ أَفْسَدَهَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَأْخُذُهَا بِمَا بِيعَتْ بِهِ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَدَّى الثَّمَنَ الَّذِي أَغْرَمَهُ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ الثَّمَنَ الَّذِي كَانَ ابْتَاعَهَا بِهِ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ رَدَّ الثَّمَنَ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ وَلَا يُتَّهَمَا وَلِأَنَّهُمَا لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 287 يَتَعَامَلَا عَلَى هَذَا. (وَإِنْ أَسْلَمَ فَرَسًا فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّ مِثْلَهُ مَعَ خَمْسَةٍ مُنِعَ مُطْلَقًا) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِنْ أَسْلَمَ فَرَسًا فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّ مِثْلَهُ مُنِعَتْ الصُّوَرُ كُلُّهَا يَعْنِي: سَوَاءٌ إذَا اسْتَرَدَّ مِثْلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ عِنْدَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ: لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ (كَمَا لَوْ اسْتَرَدَّهُ) لَوْ قَالَ كَمَا لَوْ اسْتَرَدَّهُ أَوْ سِلْعَةً أُخْرَى لَتَنَزَّلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَسْلَمْت إلَيْهِ فَرَسًا فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ إلَى أَجَلٍ فَأَعْطَاك خَمْسَةً مِنْهَا قَبْلَ الْأَجَلِ مَعَ الْفَرَسِ أَوْ مَعَ سِلْعَةٍ سِوَاهُ عَلَى أَنْ أَبْرَأْتَهُ مِنْ بَقِيَّةِ الثِّيَابِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَوَضِيعَةٌ عَلَى تَعْجِيلِ حَقٍّ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَوَجْهُ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ عَجَّلَ لَك الْخَمْسَةَ الْأَثْوَابَ سَلَفًا مِنْهُ يَقْبِضُهَا مِنْ نَفْسِهِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَالْفَرَسُ أَوْ السِّلْعَةُ بِيعَ بِالْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ، وَأَمَّا " ضَعْ وَتَعَجَّلْ " فَأَنْ تَكُونَ الْفَرَسُ أَوْ السِّلْعَةُ الْمُعَجَّلَةُ لَا تُسَاوِي الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ فَيَجُزْ لِلْوَضِيعَةِ وَيَدْخُلُهُ تَعَجَّلْ حَقَّك وَأَزِيدُك دُخُولًا ضَعِيفًا، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ السِّلْعَةِ الْمُعَجَّلَةِ أَضْعَافَ قِيمَةِ الثِّيَابِ الْمُؤَخَّرَةِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا إذْ لَوْ أَسْلَمَ ثَوْبًا وَسِلْعَةً أَكْثَرَ مِنْهُ ثَمَنًا فِي ثَوْبَيْنِ مِنْ صِنْفِهِ لَمْ يَجُزْ، قَالَ رَبِيعَةُ: مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ بَعْضَهُ فِي بَعْضٍ فَلَا تَأْخُذُهُ قَضَاءً مِنْهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَوْ أَعْطَاهُ الْفَرَسَ فِي خَمْسَةٍ مِنْهَا وَأَبْقَى الْخَمْسَةَ إلَى أَجَلِهَا لَجَازَ كَمَا لَوْ أَعْطَاهُ الْفَرَسَ أَوْ سِلْعَةً سَوَاءً فِي جُمْلَةِ الثِّيَابِ لَجَازَ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ لَهَا (إلَّا أَنْ يُبْقِيَ الْخَمْسَةَ لِأَجَلِهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ " لَوْ أَبْقَى الْخَمْسَةَ لِأَجَلِهَا لَجَازَ " (لِأَنَّ الْمُعَجِّلَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ أَوْ الْمُؤَخِّرَ مُسَلِّفٌ) وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الْمُعَجِّلَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ مُسَلِّفٌ ثُمَّ يَقْتَضِيهِ مِنْ ذِمَّتِهِ عِنْدَ أَجَلِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 288 لِأَنَّهُ أَدَّاهُ وَبَرِئَ. وَصَوَّبَ الْمُتَأَخِّرُونَ الشَّاذَّ. (وَإِنْ بَاعَ حِمَارًا بِعَشَرَةٍ لِأَجَلٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ وَدِينَارًا نَقْدًا أَوْ مُؤَجَّلًا مُنِعَ مُطْلَقًا إلَّا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ لِلْأَجَلِ) أَمَّا إذَا اسْتَرَدَّهُ وَدِينَارًا نَقْدًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ رَبِيعَةُ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 289 وَإِنْ بِعْت حِمَارًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فِي شَهْرٍ ثُمَّ أَقَلْته عَلَى أَنْ عَجَّلَ لَك دِينَارًا أَوْ بِعْته بِنَقْدٍ فَأَقَلْته عَلَى إنْ زَادَك دِينَارًا أَخَّرْته عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيَدْخُلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ. ابْنُ يُونُسَ: وَبَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَجَلِ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ لَك عَلَيْهِ عَشَرَةٌ إلَى أَجَلٍ فَدَفَعَ إلَيْك الْحِمَارَ فِي تِسْعٍ مِنْهَا وَأَسْلَفَك دِينَارًا يَقْبِضُهُ مِنْ نَفْسِهِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ فِي بَيْعِهِ النَّقْدَ أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ لَك عَلَيْهِ عَشَرَةٌ نَقْدًا فَإِذَا أَقَالَك كَمَا ذَكَرْنَا فَقَدْ دَفَعَ إلَيْك فِيهَا حِمَارًا نَقْدًا وَدِينَارًا مُؤَخَّرًا، فَالْحِمَارُ ثَمَنُ تِسْعَةٍ مِنْهَا، وَالدِّينَارُ الْبَاقِي أَسْلَفْته إلَى شَهْرٍ فَصَارَ السَّلَفُ فِي الْأُولَى مِنْهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْك، وَسَوَاءٌ نَقَدَك الْعَشَرَةَ أَمْ لَا. وَهَذَا فِي زِيَادَةِ الْمُبْتَاعِ، وَأَمَّا لَوْ زَادَك ذَلِكَ الْبَائِعُ لَجَازَ. وَأَمَّا إذَا اسْتَرَدَّهُ وَدِينَارًا مُؤَجَّلًا إلَّا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: أَمَّا إذَا زَادَهُ الْمُبْتَاعُ فِي بَيْعَةِ النَّسِيئَةِ دِينَارًا مِنْ سِكَّةِ الثَّمَنِ فِي الْعَيْنِ وَالْوَزْنِ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ جَازَ، لِأَنَّ الْبَائِعَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ الْحِمَارَ بِتِسْعَةٍ مِنْ الْعَشَرَةِ الْمُؤَجَّلَةِ وَأَبْقَى عَلَيْهِ الدِّينَارَ الْعَاشِرَ إلَى أَجَلِهِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ فَسَادٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ أَقَالَ مِنْهُ عَلَى أَنْ زَادَهُ الْمُبْتَاعُ عَيْنًا نَقْدًا فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ فَتَصِيرُ مُقَاصَّةً، وَلَا يَجُوزُ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ (وَإِنْ زِيدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 290 غَيْرُ عَيْنٍ وَبِيعَ بِنَقْدٍ وَلَمْ يُقْبَضْ جَازَ إنْ عُجِّلَ الْمَزِيدُ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ " غَيْرُ عَيْنٍ " وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ: وَلَوْ كَانَتْ زِيَادَةُ الْمُبْتَاعِ فِي بَيْعَةِ النَّقْدِ الَّتِي لَمْ يَنْقُدْهُ مُعَجَّلَةً فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَيْنًا أَوْ طَعَامًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، وَإِنْ زَادَهُ دَرَاهِمَ فَيَزِيدُهُ مِنْهَا مَا يَكُونُ صَرْفًا، وَلَوْ زَادَهُ جَمِيعَ ذَلِكَ مُؤَجَّلًا لَمْ يَجُزْ، وَيَدْخُلُهُ فِي الطَّعَامِ وَالْعُرُوضِ وَالدَّرَاهِمِ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ مَعَ صَرْفٍ مُسْتَأْخِرٍ فِي أَخْذِهِ الدَّرَاهِمَ. وَأَمَّا زِيَادَةُ الْبَائِعِ فَهِيَ عَلَى كُلِّ حَالٍ جَائِزَةٌ، وَكَأَنَّهُ اشْتَرَى الْحِمَارَ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَبِزِيَادَةٍ زَادَهُ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ فَسَادٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مِنْ صِنْفِ الْحِمَارِ فَيَجُوزُ نَقْدًا وَلَا يَجُوزُ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّ ذَلِكَ حِمَارٌ بِحِمَارٍ إلَى أَجَلٍ وَزِيَادَةٍ. (وَصَحَّ أَوَّلُ مِنْ بُيُوعِ الْآجَالِ فَقَطْ) ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا وَقَعَتْ بِيَاعَاتُ الْآجَالِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ الثَّانِي خَاصَّةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ فِي بُيُوعَاتِ الْآجَالِ لِلذَّرِيعَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ مُحَرَّمٌ لِنَفْسِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 291 قَوِيَ فَسْخُ الْبَيْعَتَيْنِ (إلَّا أَنْ يَفُوتَ الثَّانِي فَيُفْسَخَانِ) ابْنُ بَشِيرٍ: فَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ فَقِيلَ يَمْضِي بِالْفَوَاتِ مُرَاعَاةً لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ إنَّهُ يُفْسَخُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ؟ خِلَافٌ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً صَحَّتْ الْبَيْعَةُ الْأُولَى وَفُسِخَتْ الثَّانِيَةُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَإِنْ فَاتَتْ فَاَلَّذِي تَأَوَّلَ التُّونِسِيُّ عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْبَيْعَتَيْنِ تُفْسَخَانِ جَمِيعًا فَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُبْتَاعِ إلَّا الثَّمَنُ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ. وَذَهَبَ عَبْدُ الْحَقِّ تَأَوُّلًا عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ فُسِخَتْ الْبَيْعَتَانِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُبْتَاعِ إلَّا الثَّمَنُ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فُسِخَتْ الْبَيْعَةُ الثَّانِيَةُ خَاصَّةً وَقَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَ الثَّمَنَ. وَقَالَهُ سَحْنُونَ نَصًّا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 292 [فَصْلٌ فِي الْعِينَةِ] ابْنُ شَاسٍ: الْفَرْعُ الثَّامِنُ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ بِيَاعَاتٍ قَدْ عُرِفَتْ بِأَهْلِ الْعِينَةِ (جَازَ لِمَطْلُوبٍ مِنْهُ سِلْعَةٌ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِيَبِيعَهَا مِنْهُ بِمَالٍ) ابْنُ رُشْدٍ: وَالْعِينَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: جَائِزَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَمَحْظُورَةٌ فَالْجَائِزَةُ أَنْ يَمُرَّ الرَّجُلُ بِالرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ فَيَقُولَ لَهُ: هَلْ عِنْدَك سِلْعَةُ كَذَا أَبْتَاعُهَا مِنْك فَيَقُولَ لَهُ: لَا. فَيَنْقَلِبَ عَنْهُ عَلَى غَيْرِ مُرَاوَضَةٍ وَلَا مُوَاعَدَةٍ فَيَشْتَرِيَ تِلْكَ السِّلْعَةَ الَّتِي سَأَلَهُ عَنْهَا، ثُمَّ يَلْقَاهُ فَيُخْبِرَهُ أَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 293 قَدْ اشْتَرَى السِّلْعَةَ الَّتِي سَأَلَهُ عَنْهَا فَيَبِيعَهَا بِمَا شَاءَ نَقْدًا أَوْ نَسِيئَةً (وَلَوْ بِمُؤَجَّلٍ بَعْضُهُ وَكُرِهَ خُذْ بِمِائَةٍ مَا بِثَمَانِينَ) عِيَاضٌ: كَرِهُوا أَنْ يَقُولَ لَا يَحِلُّ أَنْ أُعْطِيَك ثَمَانِينَ فِي مِائَةٍ وَلَكِنَّ هَذِهِ سِلْعَةٌ قِيمَتُهَا ثَمَانُونَ خُذْهَا بِمِائَةٍ لِأَجَلٍ (أَوْ اشْتَرِهَا وَيُومِئُ لِتَرْبِيحِهِ وَلَمْ يُفْسَخْ) ابْنُ رُشْدٍ: الْمَكْرُوهُ مِنْ أَوْجُهِ الْعِينَةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: اشْتَرِ سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا فَأَنَا أُرْبِحُك فِيهَا وَأَشْتَرِيهَا مِنْك مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرَاوِضَهُ عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 294 الرِّبْحِ عِيَاضٌ: وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ وَلَا أَبْلُغُ بِهِ الْفَسْخَ. وَسَمِعَ يَحْيَى إنْ قَالَ: اشْتَرَى مِنِّي عَبْدَ فُلَانٍ بِسِتِّينَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَبِيعَهُ مِنِّي بِخَمْسِينَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلَا يُفْسَخُ. ابْنُ رُشْدٍ: نَقْدًا إنْ كَانَتْ الْبَيْعَتَانِ مَعًا بِالنَّقْدِ (بِخِلَافِ اشْتَرِهَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَآخُذُهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ لِأَجَلٍ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ قَالَ اشْتَرِ سِلْعَةَ كَذَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَأَنَا أَبْتَاعُهَا مِنْك بِاثْنَيْ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ فَلَا يَجُوزُ، فَإِنْ وَقَعَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَحَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ: إنَّ الْآمِرَ يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بِاثْنَيْ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ ضَامِنًا لَهَا لَوْ تَلِفَتْ فِي يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ الْآمِرُ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ لَا يَأْخُذَهَا بَعْدَ شِرَاءِ الْمَأْمُورِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُفْسَخُ الْبَيْعُ الثَّانِي إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً وَتُرَدُّ إلَى الْمَأْمُورِ، فَإِنْ فَاتَتْ رُدَّتْ إلَى قِيمَتِهَا مُعَجَّلَةً يَوْمَ قَبَضَهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 295 الْآمِرُ كَمَا يُصْنَعُ بِالْبَيْعِ الْحَرَامِ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى مُوَاطَأَةٍ بِبَيْعِهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا لِلْمَأْمُورِ فَيَدْخُلُهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك (وَلَزِمَتْ الْآمِرَ إنْ قَالَ لِي) ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَأَنَا أَبْتَاعُهَا مِنْك بِاثْنَيْ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ فَذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ رَجُلٌ زَادَ فِي سَلَفِهِ فَإِنْ وَقَعَ لَزِمَتْ السِّلْعَةُ لِلْآمِرِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ كَانَ لَهُ وَيَكُونُ لِلْمَأْمُورِ جُعْلُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي قَوْلٍ وَالْأَقَلَّ مِنْ جُعْلِ مِثْلِهِ وَالدِّينَارَيْنِ اللَّذَيْنِ أَرْبَى لَهُ بِهِمَا فِي قَوْلٍ (وَفِي الْفَسْخِ إنْ لَمْ يَقُلْ لِي إلَّا أَنْ تَفُوتَ فَالْقِيمَةُ أَوْ إمْضَاؤُهَا وَلُزُومُهُ الِاثْنَيْ عَشَرَ قَوْلَانِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ يُفْسَخُ الْبَيْعُ الثَّانِي فَإِنْ فَاتَتْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 296 رُدَّتْ إلَى قِيمَتِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَحَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْآمِرَ يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بِاثْنَيْ عَشَرَ. (وَبِخِلَافِ اشْتَرِهَا لِي بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَآخُذُهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ نَقْدًا إنْ نَقَدَ الْمَأْمُورُ بِشَرْطٍ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ قَالَ اشْتَرِ لِي سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَأَنَا أَبْتَاعُهَا مِنْك بِاثْنَيْ عَشَرَ نَقْدًا فَالْمَأْمُورُ أَجِيرٌ عَلَى شِرَاءِ السِّلْعَةِ لِلْآمِرِ بِدِينَارَيْنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهَا لَهُ. وَقَوْلُهُ " وَأَنَا أَشْتَرِيهَا مِنْك " لَغْوٌ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ لَهُ وَبِأَمْرِهِ، فَإِنْ كَانَ النَّقْدُ مِنْ عِنْدِ الْآمِرِ أَوْ مِنْ عِنْدِ الْمَأْمُورِ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ النَّقْدُ مِنْ عِنْدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 297 الْمَأْمُورِ بِشَرْطٍ فَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ الدِّينَارَيْنِ عَلَى أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ السِّلْعَةَ وَيَنْقُدَ مِنْ عِنْدِهِ الثَّمَنَ عَنْهُ فَهِيَ إجَارَةٌ وَسَلَفٌ يَكُونُ لِلْمَأْمُورِ إجَارَةُ مِثْلِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ إجَارَةُ مِثْلِهِ أَكْثَرَ مِنْ الدِّينَارَيْنِ، فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِمَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ إذَا كَانَ السَّلَفُ مِنْ عِنْدِ الْبَائِعِ وَفَاتَتْ السِّلْعَةُ أَنَّ لِلْبَائِعِ الْأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنَ وَإِنْ قَبَضَ السَّلَفَ (وَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ جُعْلِهِ وَالدِّرْهَمَيْنِ فِيهِمَا) أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ يَكُونُ لِلْمَأْمُورِ إجَارَةُ مِثْلِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ إلَخْ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ قَبْلَهَا فَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا جُعْلُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ لَهُ الْأَقَلُّ. اُنْظُرْهُ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَفِي الْفَسْخِ إنْ لَمْ يَقُلْ " (وَالْأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ لَا جُعْلَ لَهُ) لَعَلَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ " وَالْأَصَحُّ " أَقْحَمَهَا النَّاسِخُ وَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ الْأَصَحُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أُجْرَةٌ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَا لَهُ الْأُجْرَةَ كَانَتْ ثَمَنًا لِلسَّلَفِ فَكَانَ تَتْمِيمًا لِلرِّبَا حِينَ عَقَدَا عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ (وَجَازَ بِغَيْرِهِ كَنَقْدِ الْآمِرِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ إنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 298 كَانَ النَّقْدُ عِنْدَ الْمَأْمُورِ بِغَيْرِ شَرْطٍ أَوْ مِنْ الْآمِرِ فَذَلِكَ جَائِزٌ. (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِي فَفِي الْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ قَوْلَانِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ قَالَ اشْتَرِ سِلْعَةَ كَذَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَأَنَا أَشْتَرِيهَا مِنْك بِاثْنَيْ عَشَرَ نَقْدًا، فَمَرَّةً أَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ إذَا كَانَتْ الْبَيْعَتَانِ جَمِيعًا بِالنَّقْدِ وَانْتَقَدَ، وَمَرَّةً كَرِهَهُ لِلْمُرَاوَضَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا فِي السِّلْعَةِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ فِي مِلْكِ الْمَأْمُورِ. (وَبِخِلَافِ اشْتَرِهَا لِي بِاثْنَيْ عَشَرَ لِأَجَلٍ وَأَشْتَرِيهَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا فَيَلْزَمُ الْمُسَمَّى وَلَا يُعَجِّلُ الْعَشَرَةَ وَإِنْ عُجِّلَتْ أُخِذَتْ وَلَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ قَالَ اشْتَرِهَا لِي بِاثْنَيْ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ وَأَنَا أَشْتَرِيهَا مِنْك بِعَشَرَةٍ نَقْدًا فَذَلِكَ أَيْضًا حَرَامٌ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الْمَأْمُورَ عَلَى أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ السِّلْعَةَ بِسَلَفِ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَدْفَعُهَا لَهُ يَنْتَفِعُ بِهَا إلَى الْأَجَلِ ثُمَّ يَرُدُّهَا إلَيْهِ، فَتَلْزَمُ الْآمِرَ السِّلْعَةُ بِاثْنَيْ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ وَلَا يَتَعَجَّلُ الْمَأْمُورُ مِنْهُ الْعَشَرَةَ النَّقْدَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَهَا إلَيْهِ صَرَفَهَا عَلَيْهِ وَلَمْ تُتْرَكْ عِنْدَهُ إلَى الْأَجَلِ وَكَانَ لَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي هَذَا الْوَجْهِ بِاتِّفَاقٍ. (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 299 فَهَلْ يُرَدُّ الْبَيْعُ إلَّا إذَا فَاتَ وَلَيْسَ عَلَى الْآمِرِ إلَّا الْعَشَرَةُ؟ أَوْ يُفْسَخُ الثَّانِي مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَفُوتَ فَالْقِيمَةُ؟ قَوْلَانِ) ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ الْأَوْجُهِ الْمَحْظُورَةِ فِي بَيْعِ الْعِينَةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ اشْتَرِهَا لِنَفْسِك أَوْ اشْتَرِ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ بِاثْنَيْ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ وَأَنَا أَبْتَاعُهَا مِنْك بِعَشَرَةٍ نَقْدًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّ الْبَيْعَ لَا يُرَدُّ إذَا فَاتَ وَلَا يَكُونُ عَلَى الْآمِرِ إلَّا الْعَشَرَةُ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ يُفْسَخُ مَا لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُفْسَخُ الْبَيْعُ الثَّانِي عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا يُصْنَعُ بِالْبَيْعِ الْحَرَامِ لِلْمُوَاطَأَةِ الَّتِي كَانَتْ لِلْبَيْعِ قَبْلَ وُجُوبِهَا لِلْمَأْمُورِ، فَإِنْ فَاتَتْ رُدَّتْ إلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ قَبَضَهَا الثَّانِي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 300 [الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ فِي لُزُومِ الْعَقْدِ وَجَوَازِهِ] [فَصْلٌ فِي الْخِيَار] [خِيَارُ التَّرَوِّي] ابْنُ شَاسٍ: الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ فِي لُزُومِ الْعَقْدِ وَجَوَازِهِ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ وَالْخِيَارُ عَارِضٌ، ثُمَّ هُوَ مُتَنَوِّعٌ إلَى خِيَارِ التَّرَوِّي وَإِلَى خِيَارِ النَّقِيضَةِ النَّوْعُ الْأَوَّلُ خِيَارُ التَّرَوِّي وَهُوَ مَا لَا يَقِفُ عَلَى فَوَاتِ وَصْفِهِ وَسَبَبُهُ الشَّرْطُ دُونَ الْمَجْلِسِ بَلْ لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ بِالْعَقْدِ وَلَا بِالشَّرْطِ (إنَّمَا الْخِيَارُ بِشَرْطٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا انْعَقَدَ الْبَيْعُ فَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ إلَّا أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 301 يَشْتَرِطَاهُ. (كَشَهْرٍ فِي دَارٍ) ابْنُ يُونُسَ: لَمَّا كَانَ الْخِيَارُ رِفْقًا بِالْمُتَبَايِعِينَ لِلنَّظَرِ وَالرَّأْيِ وَالِاخْتِبَارِ كَانَ أَمَدُ الْخِيَارِ مُخْتَلِفًا فِيمَا تَبَايَعَاهُ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجَانِ إلَى ذَلِكَ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَالْخِيَارُ فِي الدَّارِ يُرِيدُ وَسَائِرِ الرَّبْعِ الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ. عَبْدُ الْحَقِّ: الدُّورُ وَالْأَرَضُونَ سَوَاءٌ لَا وَجْهَ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا (وَلَا تُسْكَنُ) الْمُتَيْطِيُّ: لَا يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْخِيَارِ سُكْنَى الدَّارِ مُدَّةَ أَيَّامِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 303 الْخِيَارِ، وَانْظُرْ إنْ شُرِطَ ذَلِكَ. (وَكَجُمُعَةٍ فِي رَقِيقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَالْخِيَارُ فِي الْجَارِيَةِ مِثْلُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ إلَى الْجُمُعَةِ وَشِبْهُ ذَلِكَ لِاخْتِبَارِ حَالِهَا وَعَمَلِهَا. ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَلِكَ الْخِيَارُ فِي الْعَبْدِ. (وَاسْتَخْدَمَهُ) الَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ لَا يَجُوزُ لِلْمُبْتَاعِ اشْتِرَاطُ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ أَمَدَ الْخِيَارِ إلَّا قَدْرَ مَا يَقَعُ بِهِ الِاخْتِبَارُ كَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا ثَمَنَ لَهُ (وَكَثَلَاثٍ فِي دَابَّةٍ وَكَيَوْمٍ فِي رُكُوبِهَا وَلَا بَأْسَ بِشَرْطِ الْبَرِيدِ أَشْهَبُ وَالْبَرِيدَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَالدَّابَّةُ تُرْكَبُ الْيَوْمَ وَشِبْهَهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَسِيرَ عَلَيْهَا الْبَرِيدُ وَنَحْوُهُ مَا لَمْ يَتَبَاعَدْ. قَالَ أَشْهَبُ: وَالْبَرِيدِيُّ يُخْتَبَرُ فِيهِمَا سَيْرُهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجُوزُ الْخِيَارُ فِي الدَّابَّةِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ كَالثَّوْبِ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا شَرَطَ مَالِكٌ الْيَوْمَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 304 فِي شَرْطِ رُكُوبِهَا فَأَمَّا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الثَّوْبِ (وَفِي كَوْنِهِ خِلَافًا تَرَدُّدٌ وَكَثَلَاثٍ فِي ثَوْبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الثَّوْبُ فَيَجُوزُ فِيهِ الْخِيَارُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَشِبْهَ ذَلِكَ، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَرْجِعُ الثَّوْبُ إلَيْهِ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا " لَا يُشْتَرَطُ لُبْسُ الثَّوْبِ ". (وَصَحَّ بَعْدَ بَتٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ سِلْعَةً ثُمَّ جَعَلَ لِلْمُبْتَاعِ الْخِيَارَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 305 بَعْدَ إتْمَامِ الْبَيْعِ أَوْ جَعَلَ الْمُبْتَاعُ لِلْبَائِعِ الْخِيَارَ لَزِمَ ذَلِكَ إذَا كَانَ يَجُوزُ فِي مِثْلِهِ الْخِيَارُ وَهُوَ بَيْعٌ مُؤْتَنِفٌ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي لَهَا مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ، وَمَا أَصَابَ السِّلْعَةَ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَهُوَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ صَارَ بَائِعًا (وَهَلْ إنْ نَقَدَ؟ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: وَهَذَا إذَا انْتَقَدَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ الثَّمَنَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَنْتَقِدْ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الثَّمَنَ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَدَفَعَ فِيهِ سِلْعَةً فِيهَا خِيَارٌ. اللَّخْمِيِّ: مَنْ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ عَلَى خِيَارٍ جَازَ، وَسَوَاءٌ انْتَقَدَ الْأَوَّلُ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْتَقِدْ، لِأَنَّ مِنْ حَقِّ الْأَوَّلِ أَنْ يَنْتَقِدَ ثَمَنَهُ الْآنَ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْخِيَارِ إلَّا أَنْ يَقُولَ آخُذُهَا مِنْ الدَّيْنِ أَوْ أُقِيلُك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 306 فِيهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ نَقْدٌ فِي خِيَارٍ (وَضَمِنَهُ حِينَئِذٍ الْمُشْتَرِي) تَقَدَّمَ نَصُّهَا " وَمَا أَصَابَ السِّلْعَةَ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَهُوَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ صَارَ بَائِعًا " وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي، جَعَلَ هُوَ لِلْبَائِعِ الْخِيَارَ أَوْ جَعَلَهُ الْبَائِعُ لَهُ، وَكَأَنَّ الْبَائِعَ قَالَ لِلْمُشْتَرِي إنْ شِئْت بِعْهَا مِنِّي وَلَك الْخِيَارُ فَالْمُشْتَرِي هُوَ الْبَائِعُ جَعَلَ هُوَ الْخِيَارَ أَوْ جُعِلَ لَهُ. (وَفَسَدَ بِشَرْطِ مُشَاوَرَةِ بَعِيدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ عَلَى مَشُورَةِ فُلَانٍ أَوْ رِضَاهُ إذَا كَانَ قَرِيبًا، وَإِنْ اسْتَثْنَى مَشُورَةَ رَجُلٍ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَلَوْ تَرَكَ الْمُبْتَاعُ مَشُورَةَ فُلَانٍ الْغَائِبِ مُجِيزًا لِلْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ لِوُقُوعِهِ فَاسِدًا (أَوْ مُدَّةٍ زَائِدَةٍ) مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 307 الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا بَعُدَ مِنْ أَجْلِ الْخِيَارِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ. (أَوْ مَجْهُولَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْخِيَارِ أَجَّلَا وَاشْتَرَطَاهُ فَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَيَضْرِبُ لَهُمَا مِنْ الْأَجَلِ بِقَدْرِ مَا تُخْتَبَرُ إلَيْهِ تِلْكَ السِّلْعَةُ لِأَنَّ الْحَدَّ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ، فَإِذَا أَخَلَّا بِذِكْرِهِ فَإِنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ (أَوْ غَيْبَةٍ عَلَى مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ رَطْبِ الْفَوَاكِهِ وَالْخُضَرِ عَلَى أَنَّهُ فِيهِ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ كَانَ النَّاسُ يُشَاوِرُونَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرَهُمْ وَيَحْتَاجُونَ فِيهَا إلَى رَأْيِهِمْ فَلَهُمْ الْخِيَارُ بِمِقْدَارِ حَاجَةِ النَّاسِ مِمَّا لَا يَقَعُ فِيهِ تَغْيِيرٌ وَلَا فَسَادٌ، وَالْأَجَلُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَقْرَبُ مِنْهُ فِيمَا لَا يُسْرِعُ فِيهِ الْفَسَادُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ عَرْضٍ. قَالَ أَشْهَبُ: وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَغِيبَ الْمُبْتَاعُ عَلَى مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَيَصِيرُ تَارَةً سَلَفًا وَتَارَةً بَيْعًا، لِأَنَّك لَوْ بِعْت ذَلِكَ مِنْ رَجُلٍ فَغَابَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَلْته مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 309 بَعْضِهِ وَأَخَذْت ثَمَنَ مَا بَقِيَ كَانَ بَيْعًا وَسَلَفًا بِخِلَافِ إقَالَتِك مِنْ أَحَدِ عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ فِيمَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ. وَلَوْ بِعْت عَبْدَيْنِ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْك أَحَدَهُمَا عِنْدَ الْأَجَلِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ. قَالَ سَحْنُونَ: يُرِيدُ بِعَيْنِهِ عَلَى مَا هُوَ يَوْمئِذٍ مِنْ نَمَاءٍ أَوْ نَقْصٍ لَجَازَ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ وَاسْتَأْجَرَ الْآخَرَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ بِالثَّمَنِ الَّذِي يَبْقَى عَلَيْهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ، لِأَنَّ كُلَّ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَيُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ إتْلَافِهِ يَجُوزُ إجَارَتُهُ، وَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ إدَامٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا كُلُّ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِإِتْلَافِهِ إمَّا بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً يَرُدُّ عَلَيْك مِثْلَ مَا اسْتَأْجَرَ مِنْك فَهُوَ سَلَفٌ وَمَا تَأْخُذُ مِنْ أُجْرَتِهِ فَهُوَ النَّفْعُ. وَإِنَّمَا تَصِحُّ مَسْأَلَةُ الْعَبْدَيْنِ إذَا سَمَّى مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الْمَرْدُودُ أَوْ دَخَلَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا قَدْ عَرَفُوهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا وَلَمْ يُعْلِمْهُ مَا يَسْتَعْمِلُهُ فِيهِ فَذَلِكَ فَاسِدٌ. (أَوْ لُبْسِ ثَوْبٍ) أَشْهَبُ: لَا يُشْتَرَطُ لُبْسُ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ لَا يُخْتَبَرُ بِاللُّبْسِ كَمَا تُخْتَبَرُ الدَّابَّةُ بِالرُّكُوبِ وَالْعَبْدُ بِالِاسْتِخْدَامِ (وَرَدَّ أُجْرَتَهُ) ابْنُ يُونُسَ: وَإِذَا فَسَدَ الْبَيْعُ فِي اشْتِرَاطِ لُبْسِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 311 الثَّوْبِ وَنَقَصَ كَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ قِيمَةُ لُبْسِهِ. (وَيَلْزَمُ بِانْقِضَائِهِ وَرُدَّ فِي كَالْغَدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَلَمْ يَخْتَرْ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا مِنْ يَدِهِ وَلَا أَخْذُهَا مِنْ يَدِ الْبَائِعِ، وَتَلْزَمُ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُبْتَاعٍ لَا خِيَارَ لِلْآخَرِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الْخِيَارِ أَوْ كَالْغَدِ أَوْ قُرْبَ ذَلِكَ فَذَلِكَ لَهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: لِمُشْتَرِطِ الْخِيَارِ الصَّحِيحِ أَنْ يَرُدَّ بَعْدَ الْأَجَلِ إنْ كَانَ بِقُرْبِهِ، اُنْظُرْ قِيَاسَ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى هَذَا مَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ قَالَ: إنَّهَا مِثْلُهَا إذَا وَقَفَتْ السِّلْعَةُ عَلَى مَنْ زَادَ فِيهَا وَتَغَيَّبَ الْبَائِعُ فَيَقُولُ مَنْ زَادَ قَدْ مَضَتْ أَيَّامُ الصِّيَاحِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 313 لَا حَاجَةَ لِي بِهَا. اُنْظُرْ سَمَاعَ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ. (وَبِشَرْطِ نَقْدٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ النَّقْدِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ مُفْسِدٌ (كَالْغَائِبِ) تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَالنَّقْدُ فِيهِ " (وَعُهْدَةِ ثَلَاثٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ بِشَرْطٍ. (وَمُوَاضَعَةٍ وَأَرْضٍ لَمْ يُؤْمَنْ رِيُّهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 314 لَا بَأْسَ بِكِرَاءِ أَرْضِ الْمَطَرِ عَشْرَ سِنِينَ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ، فَإِنْ شَرَطَ النَّقْدَ فَسَدَ الْكِرَاءُ، وَإِنْ أَكْرَاهَا سِنِينَ وَقَدْ أَمْكَنَتْ لِلْحَرْثِ جَازَ نَقْدُ حِصَّةِ عَامِهِ هَذَا. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اكْتَرَاهَا سَنَةَ قَرُبَ الْحَرْثُ وَحِينَ تَوَقَّعَ الْغَيْثَ لَمْ يَجُزْ النَّقْدُ حَتَّى تُرْوَى وَتُمَكَّنَ مِنْ الْحَرْثِ. قَالَ مَالِكٌ: وَيَجُوزُ النَّقْدُ فِي أَرْضِ النِّيلِ قَبْلَ رِيِّهَا لِأَمْنِهَا. قِيلَ لِمَالِكٍ: فَإِنْ كَانَتْ أَرْضُ الْمَطَرِ فِيمَا اُخْتُبِرَ مِنْهَا لَا تَخْتَلِفُ، أَيَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا؟ قَالَ: النِّيلُ أَبْيَنُ شَأْنًا وَأَرْجُو جَوَازَ النَّقْدِ فِيهَا إنْ كَانَتْ هَكَذَا بِخِلَافِ الَّذِي تَخَلَّفَ مِنْ أَرْضِ الْمَطَرِ أَوْ ذَاتِ بِئْرٍ قَلَّ مَاؤُهَا وَيُخَافُ أَنْ لَا يَقُومَ بِهَا، فَالنَّقْدُ فِي هَذَا خَطَرٌ لِغَلَبَةِ الْغَرَرِ فَيَصِيرُ النَّقْدُ تَارَةً ثَمَنًا وَتَارَةً سَلَفًا كَالنَّقْدِ فِي الْمُوَاضَعَةِ وَبَيْعِ الْخِيَارِ وَبَيْعِ الْعُهْدَةِ. (وَجُعْلٍ) إتْيَانُهُ بِهَذَا الْفَرْعِ مَعَ هَذِهِ الْفُرُوعِ يَقْتَضِي أَنَّ النَّقْدَ فِي الْجُعْلِ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَائِزٌ، اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ آجَرْته عَلَى بَيْعِ سِلَعٍ كَثِيرَةٍ شَهْرًا عَلَى أَنَّهُ مَتَى شَاءَ تَرَكَ جَازَ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ عَلَى خِيَارٍ وَيَجُوزُ فِيهَا النَّقْدُ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَلَا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ مَتَى شَاءَ عُدَّ تَمَادِيهِ فِي الْعَمَلِ أَخْذًا لِمَا لَهُ فِي ذِمَّتِهِ فَقَدْ فُسِخَ دَيْنُهُ فِيمَا لَا يَتَعَجَّلُهُ كَمَا لَوْ أَجَّرَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَطَوَّعَ لَهُ بِنَقْدِ الْإِجَارَةِ فَيَصِيرُ إذَا رَضِيَ بَعْدَ الثَّلَاثِ بِالتَّمَادِي عَلَى الْإِجَارَةِ فَسَخَ مَا فِي ذِمَّتِهِ فِيهَا وَهُوَ كَالتَّطَوُّعِ بِالنَّقْدِ فِي الْخِيَارِ فِي السَّلَمِ، وَهَذَا أَبْيَنُ، وَكَذَا أَيْضًا الْفَرْعُ قَبْلَ هَذَا. بَهْرَامَ: ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّطَوُّعَ بِالنَّقْدِ فِي أَرْضٍ لَمْ يُؤْمَنْ رِيُّهَا جَائِزٌ، وَنَصَّ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَلَى مَنْعِهِ. (وَإِجَارَةٍ بِجُزْءِ زَرْعٍ) ابْنُ الْهِنْدِيِّ: مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا يَحْرُسُ لَهُ زَرْعًا لَا يَجُوزُ نَقْدُ الْإِجَارَةِ فِيهِ عَلَى الشَّرْطِ، وَيَجُوزُ عَلَى الطَّوْعِ لِأَنَّ الزَّرْعَ رُبَّمَا تَلِفَ فَتَنْفَسِخُ فِيهِ الْإِجَارَةُ إذْ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْخَلَفُ فَهُوَ إنْ سَلَّمَ كَانَتْ إجَارَةً وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ كَانَتْ سَلَفًا. نَقْلُ الشَّعْبِيِّ هَذَا عَيْنَهُ قَالَ: وَيَدُلُّ هَذَا عَلَى مَا رَوَاهُ أَصْبَغُ فِي حَمَّالِ شَيْءٍ فَصُدِمَ فَانْكَسَرَ مَا عَلَيْهِ فَلَهُ أُجْرَتُهُ بِقَدْرِ مَا حَمَلَ مِنْ الطَّرِيقِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ. (وَأَجِيرٍ تَأَخَّرَ شَهْرًا) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اسْتَأْجَرَ عَامِلًا مِنْ الْعُمَّالِ إمَّا نَسَّاجًا وَإِمَّا خَيَّاطًا وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ وَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِيَدَيْهِ أَوْ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِيَدَيْهِ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ لَهُ أُجْرَةً وَهُوَ يَقُولُ: لَا أَعْمَلُ فِي عَمَلِهِ إلَى شَهْرٍ قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ إنَّمَا يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فِيمَا يَعْرِفُ مِنْهُ أَوْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَدِّمَ إلَيْهِ أَجْرَهُ حَتَّى يَبْدَأَ فِي عَمَلِهِ فَلْيُقَدِّمْ إلَيْهِ أَجْرَهُ إنْ شَاءَ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ عَمَلِهِ أَخَذَ مِنْهُ بَقِيَّةَ رَأْسِ مَالِهِ عَلَى حِسَابِ مَا عَمِلَ وَمَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي مَالِ الْعَامِلِ تَمَامُ ذَلِكَ الْعَمَلِ اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهِ أَيَّامًا مُسَمَّاةً أَوْ قَاطَعَهُ مُقَاطَعَةً. ابْنُ رُشْدٍ: الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ كَنَسْجِ الْغَزْلِ وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَضْمُونًا فِي ذِمَّةِ الْأَجِيرِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ الْأَجْرِ أَوْ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ لِأَنَّهُ مَتَى تَأَخَّرَا جَمِيعًا كَانَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ أَوْ تَعَجُّلِهِمَا جَمِيعًا. الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مُتَعَيِّنًا فِي عَيْنِ الْأَجِيرِ، فَيَجُوزُ بِتَعْجِيلِ الْأَجْرِ وَتَأْخِيرِهِ عَلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ، فَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الْعَمَلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 315 إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ النَّقْدُ إلَّا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ. وَقَوْلُهُ " إنَّهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْ فِي عَمَلِهِ إلَى شَهْرٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدِّمَ إلَيْهِ إجَارَتَهُ " يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِجَارَةِ إذَا لَمْ يُقَدِّمْ الْإِجَارَةَ وَهُوَ نَحْوُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنَّهُ أَجَازَ كِرَاءَ الرَّاحِلَةِ بِعَيْنِهَا عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا إلَى شَهْرٍ إذَا لَمْ يَنْقُدْ، فَيُحْتَمَلُ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ لَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْأَيَّامُ الْقَلَائِلُ مِثْلُ الْجُمُعَةِ وَمَا لَا يَطُولُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَعَ النَّقْدِ فَيَتَّفِقُ الْقَوْلَانِ. اُنْظُرْهُ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْإِجَارَةِ. وَذَكَرَ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَصْنُوعِ مُطْلَقًا، وَلَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الصَّانِعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْأَجْرُ حَتَّى يُتِمَّ الْعَمَلَ بِخِلَافِ الْكِرَاءِ، وَانْظُرْ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِعَمَلِ الْعَامِلِ، هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْمَضْمُونِ؟ اُنْظُرْ فِيهِ. وَفِي رَسْمِ طَلَّقَ: مِنْ تَضَمُّنِ الصُّنَّاعِ إذَا قَبَضَ الْقَصَّارُ أُجْرَتَهُ وَدَفَعَ الثَّوْبَ لِقَصَّارٍ آخَرَ وَفَرَّ هُوَ، فَإِنْ كَانَتْ إجَارَةً مَضْمُونَةً أَخَذَ ثَوْبَهُ بِلَا شَيْءٍ وَإِلَّا غَرِمَ لَهُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِتَعَدِّي الْأَوَّلِ فِي اسْتِئْجَارِهِ إيَّاهُ عَلَى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَهُ بِيَدِهِ. اُنْظُرْ الرَّسْمَ الْمَذْكُورَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ الْعَامِلُ لِمِثْلِهِ أَعِنِّي خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَأَعْيُنُك خَمْسَةَ أَيَّامٍ فِي حَصَادِ زَرْعِك وَدَرْسِهِ وَعَمَلِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَكَانَ ذَلِكَ ضَرُورَةً تُبِيحُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيمَا قَلَّ وَقَرُبَ مِنْ الْأَيَّامِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَعْمَالُ. قَالَ أَشْهَبُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ عَبْدَ الْآخَرِ النَّجَّارَ وَيَعْمَلُ لَهُ الْيَوْمَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْآخَرُ عَبْدَهُ الْخَيَّاطَ يَخِيطُ لَهُ غَدًا، وَإِنْ قَالَ: اُحْرُثْ لِي فِي الصَّيْفِ وَأَحْرُثُ لَك فِي الشِّتَاءِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تَجْرِي مَسْأَلَةُ دَوْلَةِ النِّسَاءِ الْوَاقِعَةُ فِي عَصْرِنَا فِي اجْتِمَاعِهِنَّ فِي الْغَزْلِ لِبَعْضِهِنَّ حَتَّى يَسْتَوْفِينَ، فَإِنْ قَرُبَ مُدَّةُ اسْتِيفَائِهِنَّ مِنْ الْغَزْلِ بِجَمِيعِهِنَّ كَالْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ وَنَحْوِهَا وَعَيَّنْت الْمُبْتَدَأَ لَهَا وَمَنْ يَلِيهَا إلَى آخِرِهِنَّ وَصِفَةَ الْغَزْلِ جَازَ وَإِلَّا فَسَدَتْ، وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنَّمَا مُنِعَ فِي الرِّوَايَةِ اُحْرُثْ مَعِي فِي الصَّيْفِ وَأَحْرُثُ لَك فِي الشِّتَاءِ فَقَدْ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يُضَيِّقَ فِي الْمُدَّةِ هَذَا التَّضْيِيقَ. ابْنُ الْمَوَّازِ: يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: خُذْ حِمَارِي اعْمَلْ عَلَيْهِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَتَعْمَلُ لِي عَلَيْهِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ. ابْنُ رُشْدٍ: فَلَوْ قَالَ اعْمَلْ عَلَيْهِ شَهْرًا لِنَفْسِك وَشَهْرًا لِي لَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ إنْ بَدَأَ بِالشَّهْرِ الَّذِي لِنَفْسِهِ، وَأَنْ لَا يَجُوزَ إنْ بَدَأَ بِالشَّهْرِ الَّذِي لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ نَقَدَ كِرَاءَ دَابَّةٍ يَرْكَبُهَا إلَى شَهْرٍ. هَكَذَا قَالَ اُنْظُرْ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ فِي الْأَكْرِيَةِ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ: إنْ اكْتَرَى سَفِينَةً بِعَيْنِهَا عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا وَقْتَ صَلَاحِ الرُّكُوبِ جَازَ إنْ لَمْ يَنْقُدْ إلَّا إنْ كَانَ وَقْتُ صَلَاحِ الرُّكُوبِ قَرِيبًا مِثْلَ نِصْفِ شَهْرٍ وَنَحْوِهِ جَازَ النَّقْدُ، وَإِنْ بَعُدَ كَالشَّهْرَيْنِ وَنَحْوِهِمَا لَمْ يَجُزْ النَّقْدُ. (وَمُنِعَ وَإِنْ بِلَا شَرْطٍ فِي مُوَاضَعَةٍ وَغَائِبٍ وَكِرَاءٍ ضُمِّنَ وَسَلَمٍ بِخِيَارٍ) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا النَّقْدُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَجَائِزٌ إلَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّنَاجُزُ فِيهِ بَعْدَ أَمَدِ الْخِيَارِ كَالسَّلَمِ وَالْعَبْدِ الْغَائِبِ وَالْجَارِيَةِ الَّتِي فِيهَا الْمُوَاضَعَةُ لِأَنَّهُ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ دَخَلَهُ فَسْخُ الدَّيْنِ. اللَّخْمِيِّ: وَكَذَلِكَ مَضْمُونُ الْكِرَاءِ فَإِنْ نَزَلَ لَمْ يُفْسَخْ اهـ. اُنْظُرْ إنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 316 كَانَ هَذَا مُرَاعَاةً لِقَوْلِ أَشْهَبَ. (وَاسْتَبَدَّ بَائِعٌ أَوْ مُشْتَرٍ عَلَى مَشُورَةِ غَيْرِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنْ يَشْتَرِطَ مَشُورَةَ غَيْرِهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ لِمُشْتَرِطِهَا تَرْكَهَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ ابْتَاعَ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَسْتَشِيرَ فُلَانًا جَازَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَهُ إلَى رَدٍّ أَوْ إجَازَةٍ وَلَا يَمْنَعُهُ الْبَائِعُ (لَا خِيَارِهِ وَرِضَاهُ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى نَفْيِهِ فِي مُشْتَرٍ وَعَلَى نَفْيِهِ فِي الْخِيَارِ فَقَطْ وَعَلَى أَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فِيهِمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ صِحَّةُ اشْتِرَاطِ خِيَارِ ثَالِثٍ إنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ وَفِي اسْتِبْدَادِهِ بِالْأَخْذِ وَالرَّدِّ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ سِلْعَةً عَلَى رِضَا فُلَانٍ أَوْ خِيَارِهِ، ثُمَّ لَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ رَدٌّ أَوْ إجَازَةٌ دُونَ خِيَارِ مَنْ اشْتَرَطَ. ابْنُ يُونُسَ: لَمْ يُبَيِّنْ هَاهُنَا هَلْ لِلْبَائِعِ خِلَافُ مَنْ اشْتَرَطَ خِيَارَهُ أَوْ رِضَاهُ وَبَيَّنَهُ فِي الْمُشْتَرِي. وَحَمَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي عَلَى ظَاهِرِ تَفْسِيرِ قَوْلِ مَالِكٍ. وَذَكَرَ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَرَّةً لِلْبَائِعِ أَنْ يُخَالِفَ خِيَارَ مَنْ اشْتَرَطَ خِيَارَهُ أَوْ رِضَاهُ إلَى رَدٍّ أَوْ إجَازَةٍ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُخَالِفَ الْأَجْنَبِيَّ. وَقَالَ مَرَّةً: إنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِي سَوَاءٌ وَلَهُ أَنْ يُخَالِفَهُ. رَاجِعْ ابْنَ يُونُسَ وَالتَّنْبِيهَاتِ. (وَرَضِيَ مُشْتَرٍ كَاتَبَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَاَلَّذِي لَهُ الْخِيَارُ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ رَهَنَ أَوْ آجَرَ أَوْ دَبَّرَ أَوْ كَاتَبَ أَوْ عَتَقَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ أَوْ وَطِئَ فَذَلِكَ كُلُّهُ رِضًا بِالْبَيْعِ وَمِنْ الْبَائِعِ (رُدَّ لَهُ) ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَلِكَ إنْ حَلَقَ رَأْسَ الْوَصِيفِ أَوْ حَجَّمَهُ فَهُوَ رِضًا (وَزَوَّجَ وَلَوْ عَبْدًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ زَوَّجَ الْمُشْتَرِي الْأَمَةَ أَوْ زَوَّجَ الْعَبْدَ أَوْ ضَرَبَهُ أَوْ جَعَلَهُ فِي صِنَاعَةٍ أَوْ فِي الْكِتَابِ أَوْ سَاوَمَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِلْبَيْعِ أَوْ أَكْرَى الرِّبَاعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 317 وَالدَّوَابَّ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَذَلِكَ رِضًا وَقَطْعٌ لِخِيَارِهِ (أَوْ قَصَدَ تَلَذُّذًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْجَارِيَةِ فَجَرَّدَهَا فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ وَنَظَرَ إلَيْهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ رِضًا وَقَدْ تُجَرَّدُ لِلتَّقْلِيبِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ تَلَذُّذًا فَذَلِكَ رِضًا. ابْنُ يُونُسَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 318 تُجَرَّدَ لِلتَّقْلِيبِ إذْ قَدْ يَكُونُ فِي جِسْمِهَا عَيْبٌ (أَوْ رَهَنَ أَوْ آجَرَ أَوْ أَسْلَمَ لِلصَّنْعَةِ أَوْ تَسَوَّقَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا كُلِّهِ (أَوْ جَنَى إنْ تَعَمَّدَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ جَنَى الْمُشْتَرِي فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ عَلَى الْعَبْدِ عَمْدًا قَطَعَ يَدَهُ أَوْ فَقَعَ عَيْنَهُ فَذَلِكَ رِضًا وَلَهُ رَدُّهُ فِي الْخَطَأِ وَمَا نَقَصَهُ، وَفِي الدَّابَّةِ مِثْلُهُ إنْ جَنَى عَلَيْهَا عَمْدًا فَذَلِكَ رِضًا وَيَغْرَمُ الثَّمَنَ كُلَّهُ، وَلَهُ رَدُّهَا فِي الْخَطَأِ وَمَا نَقَصَهَا مِنْ ثَمَنِهَا، وَإِنْ كَانَ عَيْبًا مُفْسِدًا ضَمِنَ الثَّمَنَ كُلَّهُ (أَوْ نَظَرَ الْفَرْجَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَنَظَرُ الْمُبْتَاعِ فَرْجَ الْأَمَةِ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ رِضًا لِأَنَّ الْفَرْجَ لَا يُجَرَّدُ فِي الشِّرَاءِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ وَمَنْ يَحِلُّ إلَيْهِ الْفَرْجُ. ابْنُ يُونُسَ: دَلَّ هَذَا عَلَى جَوَازِ نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى فَرْجِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا كَرَاهِيَةَ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْفِقْهِ (أَوْ عَرَّبَ دَابَّةً أَوْ وَدَّجَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ فِي الدَّابَّةِ فَوَدَّجَهَا أَوْ عَرَّبَهَا أَوْ هَلَبَهَا أَوْ سَافَرَ عَلَيْهَا فَهُوَ رِضًا وَتَلْزَمُهُ الدَّابَّةُ. هَلَبْت الْفَرَسَ إذَا نَتَفْت هُلْبَهُ وَالْهُلْبَةُ مَا غَلُظَ مِنْ شَعْرِ الذَّنَبِ وَغَيْرِهِ. وَيُقَالُ دِجْ دَابَّتَك أَيْ اقْطَعْ وَدَجَهَا وَهُوَ كَالْفَصْدِ لِلْإِنْسَانِ (لَا إنْ جَرَّدَ جَارِيَةً) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا قَبَّلَ أَوْ رَهَنَ. (وَهُوَ رَدٌّ مِنْ الْبَائِعِ إلَّا الْإِجَارَةَ) سَحْنُونَ: إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَكُلُّ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ مِمَّا لَوْ فَعَلَهُ الْمُشْتَرِي كَانَ رِضًا فَهُوَ إذَا فَعَلَهُ الْبَائِعُ رُدَّ لِلْبَيْعِ. اللَّخْمِيِّ: لَيْسَ هَذَا بِبَيِّنٍ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ، فَإِنْ أَجَّرَ الْبَائِعُ الْعَبْدَ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ وَكَانَ مِنْ عَبِيدِ الْإِجَارَةِ أَوْ بَعَثَهُ فِي صِنَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ رَدًّا لِأَنَّ غَلَّتَهُ وَمَنَافِعَهُ لَهُ حَتَّى يَمْضِيَ الْبَيْعُ. (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ اخْتَارَ أَوْ رَدَّ بَعْدَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَلْزَمُ بِانْقِضَائِهِ " وَمَعَ مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا اخْتَارَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ رَدًّا أَوْ إجَازَةً وَصَاحِبُهُ غَائِبٌ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ جَازَ عَلَى الْغَائِبِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إذَا كَانَ الثَّوْبُ بِيَدِ الْبَائِعِ وَالْخِيَارُ لَهُ لَمْ يَحْتَجْ بَعْدَ أَمَدِ الْخِيَارِ إلَى الْإِشْهَادِ إنْ أَرَادَ الْفَسْخَ، وَإِنْ أَرَادَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ فَلْيُشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَأَرَادَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِشْهَادِ، وَإِنْ أَرَادَ فَسْخَهُ فَلْيُشْهِدْ وَهَذَا بَيِّنٌ. (وَلَا يَبِعْ مُشْتَرٍ فَإِنْ فَعَلَ فَهَلْ يُصَدَّقُ أَنَّهُ اخْتَارَ بِيَمِينٍ أَوْ لِرَبِّهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 319 نَقْضُهُ؟ قَوْلَانِ) لَوْ قَالَ " فَإِنْ فَعَلَ فَهَلْ يُصَدَّقُ إنْ اخْتَارَ بِيَمِينٍ أَوْ لِرَبِّهَا رِبْحُهُ " لِتَنْزِلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ إذْ سَحْنُونَ قَدْ طَرَحَ نَقْضَ الْبَيْعِ وَصَوَّبَ ذَلِكَ ابْنُ يُونُسَ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ إذَا كَانَ فِيهَا خِيَارٌ لَهُ حَتَّى يَسْتَوْجِبَهَا لِنَفْسِهِ وَيُشْهِدَ ثُمَّ يَبِيعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ بَاعَهَا فَرُوِيَ عَلَى أَنَّ بَيْعَهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارٍ، وَرَبُّ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ. وَطَرَحَ سَحْنُونَ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الْبَائِعَ مُخَيَّرٌ وَقَالَ: إنَّمَا فِي رِوَايَةٍ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي ضَمَانِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ بَاعَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ فَيَقُولُ لَهُ الْبَائِعُ: بِعْت سِلْعَتِي وَمَا فِي ضَمَانِي فَالرِّبْحُ لِي، وَأَمَّا نَقْضُ الْبَيْعِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُبْتَاعِ لَا يُسْقِطُ خِيَارَهُ فَلَوْ نُقِضَ الْبَيْعُ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَخْذَ السِّلْعَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا بِالْخِيَارِ لَهُ فَبَاعَهُ بِرِبْحٍ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَ صَاحِبَهُ بِاخْتِيَارِهِ. فَإِنْ قَالَ: بِعْته بَعْدَ أَنْ اخْتَرْت صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ وَلَهُ الرِّبْحُ وَإِلَّا فَالرِّبْحُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِهِ. قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ. (وَانْتَقَلَ لِسَيِّدِ مُكَاتَبٍ عَجَزَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا ابْتَاعَ الْمُكَاتَبُ شَيْئًا بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَعَجَزَ فِي الثَّلَاثِ فَلِسَيِّدِهِ مِنْ الْخِيَارِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 320 مَا كَانَ لَهُ. (وَلِغَرِيمٍ أَحَاطَ دَيْنُهُ وَلَا كَلَامَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ بِمَالِهِ) الْمُدَوَّنَةُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِ الْمَيِّتِ فَاخْتَارَ غُرَمَاؤُهُ رَدًّا وَأَخْذًا وَذَلِكَ أَوْفَرُ لِتَرِكَتِهِ وَازْدِيَادٌ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ فَذَلِكَ لَهُمْ دُونَ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ رَدُّوا لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ الْأَخْذُ إلَّا أَنْ يَدْفَعُوا الثَّمَنَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ دُونَ مَالِ الْمَيِّتِ (وَلِوَارِثٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْخِيَارُ يُورَثُ عَنْ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ (وَالْقِيَاسُ رَدُّ الْجَمِيعِ إنْ رَدَّ بَعْضُهُمْ وَالِاسْتِحْسَانُ أَخْذُ الْمُجِيزِ الْجَمِيعَ) أَشْهَبُ: يُورَثُ الْخِيَارُ عَنْ الْبَائِعِ أَوْ عَنْ الْمُبْتَاعِ، ثُمَّ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ إلَّا الِاجْتِمَاعُ عَلَى رَدٍّ أَوْ إجَازَةٍ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّانِ وَإِنْ اخْتَلَفَ وَارِثُو الْخِيَارِ وَهُمْ رُشَدَاءُ فَشَاءَ بَعْضُهُمْ إمْضَاءَ الْبَيْعِ وَشَاءَ بَعْضُهُمْ رَدَّهُ فَلَيْسَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يُجِيزُوا كُلُّهُمْ أَوْ يَرُدُّوا كُلُّهُمْ، وَهَذَا هُوَ النَّظَرُ لِأَنَّ مَيِّتَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إجَازَةُ بَعْضِ الصَّفْقَةِ وَرَدُّ بَعْضِهَا فَكَذَلِكَ هُمْ، وَاسْتُحْسِنَ لِمَنْ أَجَازَ مِنْ وَرَثَةِ الْمُبْتَاعِ أَنْ يَأْخُذَ نِصَابَ مَنْ لَمْ يُجِزْ إنْ شَاءَ، فَإِنْ أَبَى رَدَدْنَا الْجَمِيعَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 321 الْبَائِعُ أَخْذَ جِهَتِهِ فَقَطْ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ إلَّا ذَلِكَ. وَقَالَ أَشْهَبُ: وَكَذَا رَدُّهُمْ بِعَيْبٍ فِيهَا بِغَيْرِ خِيَارٍ أَوْ مُشْتَرِيَانِ أَصَابَا عَيْبًا فَرَضِيَهُ وَاحِدٌ وَرَدَّ بِهِ الْآخَرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، لَيْسَ ذَلِكَ لَهُمَا إلَّا أَنْ يَرُدَّا جَمِيعًا أَوْ يَحْبِسَا أَوْ يَأْخُذَ الْمُتَمَاسِكُ جَمِيعَ السِّلْعَةِ وَقَالَهُ مَالِكٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي هَذَا الْكِتَابِ: وَفِي كِتَابِ التَّدْلِيسِ أَنَّ لِمَنْ شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِينَ أَنْ يَأْخُذَ أَوْ يَرُدَّ بِخِيَارٍ أَوْ عَيْبٍ قَالَ: وَلَا قَوْلَ لِلْبَائِعِ إذْ لَا يَتْبَعُ ذِمَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ إلَّا بِحِصَّتِهِ، وَأَمَّا الْوَرَثَةُ فَإِنَّمَا وَرِثُوا ذَلِكَ عَمَّنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ فَهُمْ كَإِيَّاهُ (وَهَلْ وَرَثَةُ الْبَائِعِ كَذَلِكَ؟ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ يُونُسَ: مَا تَقَدَّمَ هُوَ فِي اخْتِلَافِ وَرَثَةِ الْمُبْتَاعِ، وَأَمَّا فِي اخْتِلَافِ وَرَثَةِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ الَّذِي يُرِيدُ فَسْخَ الْبَيْعِ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُرِيدُ إمْضَاءَ الْبَيْعِ مِنْ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي وَيَجْرِي الْجَوَابُ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ الرَّادِّ مِنْ وَرَثَةِ الْبَائِعِ كَالْآخِذِ مِنْ وَرَثَةِ الْمُبْتَاعِ أَوْ لَا أَخْذَ لَهُ بِحَالٍ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِبَعْضِ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ، وَالثَّانِي مَا حَكَى الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ شِهَابُ الدِّينِ فِي الْفُرُوقِ: وَحَدِيثُ مَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلِوَارِثِهِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فَالْبَيْعُ عَلَى الْخِيَارِ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ جَائِزٌ وَيُورِثُ الْوَاحِدَ مَنْ لَا يُورِثُ الْآخَرَ. نَظِيرُ اللِّعَانِ إذَا أَسْلَمَ وَلَمْ يَخْتَرْ الْقَضَاءَ لِمُطَالَبَةِ الْوَكَالَةِ، نَظِيرَ الْآخَرِ الشُّفْعَةُ خِيَارُ التَّعْيِينِ الْوَصِيَّةُ الْهِبَةُ الْإِقَالَةُ. (وَإِنْ جُنَّ نَظَرَ السُّلْطَانُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ جُنَّ فَأُطْبِقَ عَلَيْهِ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَالسُّلْطَانُ يَنْظُرُ لَهُ فِي الرَّدِّ أَوْ الْأَخْذِ أَوْ يُوَكِّلُ بِذَلِكَ مَنْ وَلِيَ مِنْ وَرَثَتِهِمْ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَيَنْظُرُ فِي مَالِهِ وَيُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى عِيَالِهِ كَمَا يَنْظُرُ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَتَلَوَّمُ السُّلْطَانُ لِلْمَجْنُونِ وَيُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي التَّلَوُّمِ، وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّ تَلَوُّمَهُ لَهُ سَنَةٌ " فَإِنْ بَرِيءَ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَجْذَمُ الْبَيِّنُ جُذَامُهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَأَمَّا الْأَبْرَصُ فَلَا. (وَانْتَظَرَ الْمُغْمَى وَإِنْ طَالَ فُسِخَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 322 قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ اُنْتُظِرَتْ إفَاقَتُهُ، ثُمَّ هُوَ عَلَى خِيَارِهِ إلَّا أَنْ يَطُولَ إغْمَاؤُهُ أَيَّامًا فَيَنْظُرَ السُّلْطَانُ، فَإِنْ رَأَى ضَرَرًا فَسَخَ الْبَيْعَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْضِيَهُ بِخِلَافِ الْجُنُونِ وَالصِّبَا وَإِنَّمَا الْإِغْمَاءُ مَرَضٌ. (وَالْمِلْكُ لِلْبَائِعِ) ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَنَصُّ اللَّخْمِيِّ وَالْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمَبِيعَ مُدَّةَ الْخِيَارِ مِلْكٌ لِبَائِعِهِ فَالْإِمْضَاءُ نَقْلٌ. اُنْظُرْ عَلَى هَذَا يَأْتِي مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى الْعُتْبِيِّ أَنَّ عُهْدَةَ الثَّلَاثَةِ تَبْدَأُ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا اشْتَرَى شِقْصًا بِخِيَارٍ فَاخْتَارَ بَعْدَ أَنْ بِيعَ الشِّقْصُ الْآخَرُ بَيْعَ بَتٍّ أَنَّ لَهُ أَنْ يَشْفَعَ فِي الشِّقْصِ الْمَبِيعِ بَيْعَ بَتٍّ. ابْنُ رُشْدٍ: فَيَأْتِي عَلَى هَذَا أَنَّ الْعُهْدَةَ تَكُونُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ. (وَمَا يُوهَبُ لِلْعَبْدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ جَنَى عَلَى الْأَمَةِ أَجْنَبِيٌّ فِي أَمَدِ الْخِيَارِ فَقَطَعَ يَدَهَا وَأَصَابَهَا ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ يَأْخُذُهَا مَعِيبَةً بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَالْأَرْشُ لِلْبَائِعِ وَعَلَيْهِ طَلَبُ الْجَانِي، وَمَا وَهَبَ لَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهَا فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَلِلْبَائِعِ، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي فُرُوقِهِ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْوَلَدَ إذَا حَدَثَ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي إنْ اخْتَارَ الْإِمْضَاءَ، وَإِنْ وَهَبَ لَهَا مَالًا أَوْ جُرِحَتْ فَأَخَذَ عِوَضًا لِذَلِكَ الْجُرْحِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إذَا اخْتَارَ الْإِمْضَاءَ وَالْجَمِيعُ مَا وُجِدَ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ ثُمَّ بَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهَا (إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَالَهُ) ابْنُ الْكَاتِبِ: فِيمَا وُهِبَ لِلْجَارِيَةِ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُبْتَاعُ مَالَهَا، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَطَهُ لَكَانَ مَا وُهِبَ لَهَا بِمَنْزِلَةِ مَالِهَا الْمُشْتَرَطِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَوَهَبَ لِلْمُكَاتَبِ مَالًا فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ أَنَّهُ إنْ مَضَتْ الْكِتَابَةُ فَالْمَالُ يَكُونُ تَبَعًا لِلْعَبْدِ كَمَالِهِ الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ. (وَالْغَلَّةُ) ابْنُ عَرَفَةَ: غَلَّةُ الْمَبِيعِ مُدَّةَ الْخِيَارِ لِبَائِعِهِ. الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَاللَّبَنُ وَالثَّمَرُ غَلَّةٌ وَالصُّوفُ جُزْءٌ مِنْ الْجَمِيعِ (وَأَرْشُ مَا جَنَى أَجْنَبِيٌّ لَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ جَنَى عَلَى الْمَبِيعِ أَجْنَبِيٌّ فَالْأَرْشُ لِلْبَائِعِ (بِخِلَافِ الْوَلَدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ كَانَ وَلَدُهَا مَعَهَا فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ أَوْ رَدِّهِ لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِالثَّمَنِ الْمُشْتَرَطِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُبْتَاعِ مِنْ الْوِلَادَةِ إنْ رَدَّهَا. ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الْحَامِلَ إذَا جَاوَزَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ كَانَ حَالُهَا حَالَ الْمَرِيضَةِ وَبَيْعُ الْمَرِيضِ عِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ بَاعَ الْأَمَةَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا حَامِلٌ. وَقِيلَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ: مَا يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِ الْأَمَةِ إذَا كَانَتْ حَامِلًا؟ قَالَ: إذَا أَثْقَلَتْ وَصَارَتْ فِي الْحَدِّ الَّذِي إذَا صَارَتْ إلَيْهِ الْحُرَّةُ مُنِعَتْ مِنْ ثُلُثِهَا، وَكَذَلِكَ إذَا جَاوَزَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فَيَمْنَعُ مِنْ بَيْعِهَا مَا يَمْنَعُ الْمَرِيضَ الْمُوقَفَ. (وَالضَّمَانُ مِنْهُ) ابْنُ يُونُسَ: الْقَضَاءُ أَنَّ الضَّمَانَ فِي أَمَدِ الْخِيَارِ مِمَّا يَحْدُثُ بِالسِّلْعَةِ مِنْ الْبَائِعِ إذْ هُوَ أَقْدَمُ مِلْكًا فَلَا يَنْتَقِلُ الضَّمَانُ عَنْهُ إلَّا بِتَمَامِ انْتِقَالِ مِلْكِهِ عَنْهَا، وَالضَّمَانُ مِنْهُ فِيمَا قَبَضَهُ الْمُبْتَاعُ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 323 وَفِيمَا يَثْبُتُ هَلَاكُهُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ هَلَاكَهُ ظَاهِرٌ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي قَبْضِهِ كَالرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ. وَأَمَّا مَا لَمْ يَثْبُتْ هَلَاكُهُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَالْمُبْتَاعُ يَضْمَنُهُ لِأَنَّ قَبْضَهُ خَارِجٌ مِنْ قَبْضِ الْأَمَانَةِ وَإِنَّمَا قَبَضَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ وَعَلَى وَجْهِ الْمُبَايَعَةِ دُونَ الْأَمَانَةِ، وَكَقَبْضِ الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ الَّتِي جَعَلَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَضْمُونَةً فِي السِّلَاحِ فَكَانَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِثْلَهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِعَبْدٍ وَالْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا وَتَقَابَضَا، فَمُصِيبَةُ كُلِّ عَبْدٍ مِنْ بَائِعِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ وَلَا يَتِمُّ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَقَعَ الْخِيَارُ. (وَحَلَفَ مُشْتَرٍ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى رَقِيقًا أَوْ حَيَوَانًا بِالْخِيَارِ فَقَبَضَهَا ثُمَّ ادَّعَى إبَاقَ الرَّقِيقِ وَانْفِلَاتَ الدَّوَابِّ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ سُرِقَ مِنْهُ وَهُوَ بِمَوْضِعٍ لَا يُجْهَلُ، لَمْ يُكَلَّفْ بِبَيِّنَةٍ وَصُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ هَذَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى كَذِبِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ ادَّعَى مَوْتًا وَهُوَ بِمَوْضِعٍ لَا يَخْفَى، سَأَلَ عَنْهُ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ وَلَا يُقْبَلُ إلَّا الْعُدُولُ، فَإِنْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ فِي مَسْأَلَتِهِمْ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ بِالْمَوْضِعِ أَحَدٌ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ كَذِبُهُ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَالْمُتَّهَمُ فِي هَذَا وَغَيْرُ الْمُتَّهَمِ سَوَاءٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ. وَكَذَلِكَ فِي عَارِيَّةِ الْحَيَوَانِ وَإِجَارَتِهَا يَدَّعِي ضَيَاعَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا لِمَنْفَعَتِهِ، فَالْمُتَّهَمُ وَغَيْرُهُ فِيهَا سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْوَدَائِعِ الَّتِي لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهَا فَلَا يَحْلِفُ فِيهَا إلَّا الْمُتَّهَمُ. قَالَهُ بَعْضُ فُقَهَائِنَا. (أَوْ يُغَابُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ادَّعَى هَلَاكَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ هَلَكَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ أَوْ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ مِنْ أَخْذِ لُصُوصٍ أَوْ غَرْقِ مَرْكَبٍ كَانُوا فِيهِ أَوْ احْتِرَاقِ مَنْزِلٍ أَوْ قِدْرٍ أَوْ الثَّوْبِ فِي النَّارِ. قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ فِي هَذَا كَانَ مِنْ الْبَائِعِ وَكَذَلِكَ إنْ ثَبَتَ هَذَا فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ وَالضَّيَاعُ كَانَ مِنْ رَبِّهِ وَإِلَّا فَهُوَ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ. (وَضَمِنَ الْمُشْتَرِي إنْ خُيِّرَ الْبَائِعُ الْأَكْثَرَ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ فَالثَّمَنُ) اللَّخْمِيِّ: مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى خِيَارٍ وَبَانَ بِهِ ثُمَّ ادَّعَى ضَيَاعَهُ لَمْ يُصَدَّقْ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَغْرَمُ الثَّمَنَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ يَمِينٍ وَدَعْ الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ مَا يَغْرَمُ إلَّا الثَّمَنَ. قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَقِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ حَلَفَ لَقَدْ ضَاعَ وَغَرِمَ الثَّمَنَ فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ الْقِيمَةَ (كَخِيَارِهِ) تَقَدَّمَ نَقْلُ اللَّخْمِيِّ إنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي الضَّيَاعَ وَالْخِيَارُ لَهُ غَرِمَ الثَّمَنَ خَاصَّةً وَدَعْ الْقِيمَةَ تَكُونُ أَقَلَّ (وَكَغَيْبَةِ بَائِعٍ وَالْخِيَارُ لِغَيْرِهِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ بَقِيَ الثَّوْبُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي كَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ. وَيَحْلِفُ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي: أَنَا قَبِلْته، فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ لَقَدْ ضَاعَ وَيَبْرَأُ. (وَإِنْ جَنَى بَائِعٌ وَالْخِيَارُ لَهُ عَمْدًا بِرَدٍّ وَخَطَأٍ فَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْعَيْبِ وَإِنْ تَلِفَتْ انْفَسَخَ فِيهِمَا) اللَّخْمِيِّ: لَا تَخْلُو الْجِنَايَةُ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 324 الْعَبْدِ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ ابْنُ شَاسٍ: فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ الْبَائِعِ وَالْخِيَارُ لَهُ وَكَانَتْ عَمْدًا فَقِيلَ: إنَّ جِنَايَتَهُ رَدٌّ لِلْبَيْعِ وَهُوَ أَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَعَلَى هَذَا إنْ كَانَتْ مِثْلَهُ فِي الرَّقِيقِ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَلَا شَكَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرِضًا وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي الْقَبُولِ بِذَلِكَ الْعَيْبِ أَوْ الرَّدِّ (وَإِنْ خُيِّرَ غَيْرُهُ وَتَعَمَّدَ فَلِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ أَوْ أَخْذُ الْجِنَايَةِ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَجَنَى الْبَائِعُ عَمْدًا، فَإِنْ لَمْ يَتْلَفْ الْمَبِيعُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُغَرِّمَ الْبَائِعَ قِيمَةَ الْجِنَايَةِ وَيَأْخُذَهُ مَعِيبًا وَيَدْفَعَ الثَّمَنَ أَوْ يَرُدَّهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: جِنَايَةُ الْبَائِعِ وَالْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ بِقَتْلٍ عَمْدٍ يَلْزَمُهُ فَضْلُ قِيمَتِهِ عَلَى ثَمَنِهِ وَيَنْقُصُ لِلْمُبْتَاعِ أَخْذُهُ مَعَ الْأَرْشِ (وَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ الْأَكْثَرَ) تَقَدَّمَتْ عِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: " يَلْزَمُ فَضْلُ قِيمَتِهِ عَلَى ثَمَنِهِ ". وَعِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ: وَإِنْ أَتْلَفَ الْمَبِيعَ ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي الْأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةَ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِحُكْمِ التَّعَدِّي (وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَخْذُهُ نَاقِصًا أَوْ رَدُّهُ وَإِنْ تَلِفَتْ انْفَسَخَ) ابْنُ شَاسٍ: فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ الْبَائِعِ خَطَأً وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ كَانَتْ دُونَ النَّفْسِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَخْذِهِ نَاقِصًا وَلَا شَيْءَ لَهُ، أَوْ رَدِّهِ، وَإِنْ أَتَتْ عَلَى النَّفْسِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ (وَإِنْ جَنَى مُشْتَرٍ وَالْخِيَارُ لَهُ أَوْ لَمْ يُتْلِفْهَا عَمْدًا فَهُوَ رِضًا، وَخَطَأً فَلَهُ رَدُّهُ وَمَا نَقَصَ وَإِنْ أَتْلَفَهَا ضَمِنَ الثَّمَنَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ جَنَى الْمُشْتَرِي عَمْدًا فَفَقَأَ عَيْنَهُ فَذَلِكَ رِضًا وَلَهُ رَدُّهُ فِي الْخَطَأِ وَمَا نَقَصَهُ، وَإِنْ كَانَ عَيْبًا مُفْسِدًا ضَمِنَ الثَّمَنَ كُلَّهُ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ جَنَى إنْ تَعَمَّدَ " (وَإِنْ خُيِّرَ غَيْرُهُ وَجَنَى عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَهُ أَخْذُ الْجِنَايَةِ أَوْ الثَّمَنِ فَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ الْأَكْثَرَ) ابْنُ شَاسٍ: وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، فَسَوَاءٌ كَانَتْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً الْبَائِعُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ بِحُكْمِ الْغَرَامَةِ وَإِمْضَاءِ الْبَيْعِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ التُّونِسِيُّ: جِنَايَةُ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ خَطَأٌ كَأَجْنَبِيِّ، فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ لِلْبَائِعِ أَخْذُ الْجِنَايَةِ أَوْ الثَّمَنِ لَا أَعْرِفُهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 325 (وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدَ ثَوْبَيْنِ وَقَبَضَهُمَا لِيَخْتَارَ فَادَّعَى ضَيَاعَهُمَا ضَمِنَ وَاحِدًا بِالثَّمَنِ فَقَطْ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ إنْ اشْتَرَى أَحَدَ ثَوْبَيْنِ هَلْ يُرِيدُ بِالْخِيَارِ أَوْ عَلَى الْإِيجَابِ؟ وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: مَنْ أَخَذَ ثَوْبَيْنِ لِيَخْتَارَ أَحَدَهُمَا أَوْ يَرُدَّهُمَا فَادَّعَى تَلَفَهُمَا، رَابِعُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَضْمَنُ أَحَدَهُمَا بِالثَّمَنِ. وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ كَانَ الْمُبْتَاعُ إنَّمَا أَخَذَ الثَّوْبَيْنِ لِيَخْتَارَ أَحَدَهُمَا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَضَاعَا لَمْ يَضْمَنْ إلَّا ثَمَنَ أَحَدِهِمَا وَهُوَ فِي الْآخَرِ مُؤْتَمَنٌ، وَإِنْ ضَاعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ نِصْفَ ثَمَنِ التَّالِفِ، ثُمَّ لَهُ أَخْذُ الثَّوْبِ الْبَاقِي أَوْ رَدُّهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَسْأَلُ رَجُلًا دِينَارًا فَيُعْطِيهِ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ لِيَخْتَارَ أَحَدَهَا فَيَزْعُمُ أَنَّهُ تَلِفَ مِنْهَا دِينَارَانِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا، وَإِنْ كَانَ تَلَفُ الدِّينَارَيْنِ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِقَوْلِهِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ يُونُسَ: إنَّ الصَّوَابَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ لَا يُعْلَمَ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي أَخْذِهِ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ عَلَى غَيْرِ الْإِلْزَامِ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: إذَا اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ عَلَى الْإِيجَابِ فَضَاعَا جَمِيعًا أَوْ أَحَدُهُمَا بِيَدِ الْمُبْتَاعِ، فَمَا تَلِفَ فَبَيْنَهُمَا وَمَا بَقِيَ فَبَيْنَهُمَا وَسَوَاءٌ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى الضَّيَاعِ أَمْ لَمْ تَقُمْ وَلَا خِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ فِي أَخْذِ الثَّوْبِ الْبَاقِي كُلِّهِ. رَاجِعْ ابْنَ يُونُسَ (وَلَوْ سَأَلَ فِي إقْبَاضِهِمَا) ابْنُ الْمَوَّازِ: ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَاحِدًا ثُمَّ أَخَذَ مِنْ الْبَائِعِ ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ مِنْهَا وَاحِدًا فَضَاعَتْ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ تَطَوَّعَ لَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ هُوَ سَأَلَ الْبَائِعَ ذَلِكَ ضَمِنَهَا كُلَّهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُعْجِبُنِي هَذَا وَذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَا يَضْمَنُ إلَّا وَاحِدًا لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهَا إلَّا عَنْ رِضًا إذْ سَأَلَهُ (أَوْ ضَيَاعَ وَاحِدٍ ضَمِنَ نِصْفَهُ وَلَهُ اخْتِيَارُ الْبَاقِي كَسَائِلِ دِينَارٍ فَيُعْطَى ثَلَاثَةً لِيَخْتَارَ فَزَعَمَ تَلَفَ اثْنَيْنِ، فَيَكُونُ شَرِيكًا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا وَقَالَ التُّونِسِيُّ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا مَعَهُ فَمَا ضَاعَ فَبَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ إجْزَائِهِمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 326 يَعْنِي الدِّينَارَيْنِ اللَّذَيْنِ ضَاعَا قَالَ: وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِتَلَفِ الدِّينَارَيْنِ إلَّا بِقَوْلِهِ وَأَوْجَبَ لَهُ التَّخْيِيرَ بِخِيَارِهِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ إذَا وَزَنْتهَا خُذْ مِنْهَا دِينَارًا فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا. (وَإِنْ كَانَ لِيَخْتَارَهُمَا فَكِلَاهُمَا مَبِيعٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ بِالْخِيَارِ فِي صَفْقَةٍ فَضَاعَا فِي يَدَيْهِ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَزِمَاهُ بِالثَّمَنِ، كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ ضَاعَ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَوْ كَانَ الْهَالِكُ مِنْهُمَا وَجْهَ الصَّفْقَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَاهُ جَمِيعًا كَضَيَاعِ الْجَمِيعِ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 328 غَيْبَةٌ (وَلَزِمَاهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَهُمَا بِيَدِهِ) نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ: إذَا اشْتَرَى الثَّوْبَيْنِ جَمِيعًا بِالْخِيَارِ فَمَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ وَتَبَاعَدَتْ وَهُمَا بِيَدِ الْمُبْتَاعِ لَزِمَهُ أَخْذُ الثَّوْبَيْنِ. (وَفِي اللُّزُومِ لِأَحَدِهِمَا يَلْزَمُهُ النِّصْفُ مِنْ كُلٍّ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: وَإِنْ كَانَ إنَّمَا اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ عَلَى الْإِيجَابِ وَذَهَبَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ وَتَبَاعَدَتْ وَالثَّوْبَانِ بِيَدِ الْبَائِعِ وَبِيَدِ الْمُبْتَاعِ، لَزِمَهُ نِصْفُ كُلِّ ثَوْبٍ وَلَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّ ثَوْبًا قَدْ لَزِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ أَيُّهُمَا هُوَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَا فِيهِمَا شَرِيكَيْنِ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ ابْتَاعَ ثَوْبًا مِنْ ثَوْبَيْنِ وَقَدْ لَزِمَهُ، فَإِنْ كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 329 الثَّمَنُ وَاحِدًا وَالثَّوْبَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَجَائِزٌ، فَإِنْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا بِيَدِ الْمُبْتَاعِ فِي الْخِيَارِ أَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ فَالْهَالِكُ وَالْمَعِيبُ بَيْنَهُمَا وَالسَّالِمُ بَيْنَهُمَا وَعَلَى الْمُبْتَاعِ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ ثَوْبٍ (وَفِي الِاخْتِيَارِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: وَهَذَا بِخِلَافِ أَنْ لَوْ أَخَذَهُ عَلَى غَيْرِ الْإِلْزَامِ. هَذَا إذَا مَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ وَتَبَاعَدَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَا بِيَدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُبْتَاعِ، وَبِمُضِيِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ يَنْقَطِعُ اخْتِيَارُهُ وَلَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ عَلَى ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ وَلَا عَلَى الْإِيجَابِ لِأَحَدِهِمَا فَيَكُونُ شَرِيكًا، وَلَوْ كَانَ إنَّمَا اشْتَرَى الثَّوْبَيْنِ جَمِيعًا بِالْخِيَارِ فَمَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ وَتَبَاعَدَتْ وَهُمَا بِيَدِ الْمُبْتَاعِ لَزِمَهُ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ لَهُ. ابْنُ يُونُسَ: فَصَارَ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي شِرَائِهِ لِلثَّوْبَيْنِ يَلْزَمَانِهِ جَمِيعًا، وَفِي أَخْذِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْإِيجَابِ يَلْزَمُهُ نِصْفُ كُلِّ ثَوْبٍ، وَفِي أَخْذِهِ عَلَى غَيْرِ الْإِيجَابِ لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُمَا شَيْءٌ. ابْنُ شَاسٍ:. [خِيَارُ النَّقِيصَةِ] النَّوْعُ الثَّانِي خِيَارُ النَّقِيصَةِ وَهُوَ ضَرْبَانِ: مَا ثَبَتَ بِفَوَاتِ أَمْرٍ مَظْنُونٍ نَشَأَ الظَّنُّ فِيهِ مِنْ الْتِزَامِ شَرْطٍ أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 330 قَضَاءٍ عُرْفِيٍّ أَوْ تَغْرِيرٍ، فَعَلَى الضَّرْبِ الثَّانِي مَا ثَبَتَ عَنْ غَبْنٍ (وَرُدَّ بِعَدَمِ مَشْرُوطٍ فِيهِ غَرَضٌ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ شَرَطَ مَا فِيهِ غَرَضٌ وَلَا مَالِيَّةَ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ فِي إلْزَامِ الْوَفَاءِ بِهِ. وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى أَمَةً عَلَى أَنَّهَا نَصْرَانِيَّةٌ فَوَجَدَهَا مُسْلِمَةً فَكَرِهَهَا وَقَالَ: إنَّمَا أَرَدْت أَنْ أُزَوِّجَهَا عَبْدِي النَّصْرَانِيَّ، فَإِنْ عَرَفَ ذَلِكَ مِنْ الْعُذْرِ وَشِبْهِهِ فَلَهُ رَدُّهَا لِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ لِذَلِكَ وَجْهٌ فَلَا رَدَّ لَهُ. قَالَ أَصْبَغُ: أَوْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ مُسْلِمَةً وَقَدْ اشْتَرَطَ فَلَهُ شَرْطُهُ (كَثَيِّبٍ لِيَمِينٍ فَيَجِدُهَا بِكْرًا) ابْنُ سَهْلٍ: كَتَبَ إلَيَّ مِنْ فَاسَ رَجُلٌ ابْتَاعَ أَمَةً شَرَطَ أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَأَلْفَاهَا بِكْرًا، فَأَتَيْت إنْ كَانَ شَرْطُهُ لِوَجْهٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 331 يَذْكُرُهُ مِنْ يَمِينٍ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَمْلِكَ بِكْرًا فَلَهُ رَدُّهَا (وَإِنْ بِمُنَادَاةٍ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ: تُبَاعُ فِي الْمِيرَاثِ فَيَقُولُ الصَّائِحُ عَلَيْهَا: إنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّهَا بِكْرٌ وَلَا يَشْتَرِطُونَ ذَلِكَ فَتُوجَدُ غَيْرَ بِكْرٍ فَلَهُ الرَّدُّ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّهَا طَبَّاخَةٌ ثُمَّ لَمْ تُوجَدْ كَذَلِكَ فَلْتُرَدَّ. وَسَمِعَ أَشْهَبُ: إنْ بَاعَهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَغَابَ عَلَيْهَا الْمُشْتَرِي بُكْرَةً ثُمَّ رَدَّهَا عَشِيَّةً وَقَالَ: لَمْ أَجِدْهَا بِكْرًا، فَلْيَنْظُرْ إلَيْهَا النِّسَاءُ، فَإِنْ رَأَيْنَ أَثَرًا قَرِيبًا حَلَفَ الْبَائِعُ وَلَزِمَتْ الْمُبْتَاعَ، وَإِنْ قُلْنَ مَا نَرَى أَثَرًا جَدِيدًا أَوْ إنَّهُ فِيمَا نَرَى لَقَدِيمٌ حَلَفَ الْمُبْتَاعُ وَرَدَّهَا، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْبَائِعُ وَلَزِمَتْ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَحَالُفَ فِي هَذَا. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَبِقَوْلِ مَالِكٍ أَقُولُ إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ مَعَ شَهَادَةِ النِّسَاءِ إذْ شَهَادَتُهُنَّ فِي ذَلِكَ كَشَهَادَةِ رَجُلٍ وَلَيْسَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 332 مِثْلَ مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُنَّ مِنْ عُيُوبِ الْفَرْجِ وَالْحَيْضِ (إلَّا إنْ انْتَفَيَا) ابْنُ شَاسٍ: إنْ شَرَطَ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ وَلَا مَالِيَّةَ لَغَى الشَّرْطُ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ خِيَارٌ. اُنْظُرْ إذَا وَجَدَ الْجَارِيَةَ مُغَنِّيَةً وَثَمَنُهَا يَزِيدُ بِسَبَبِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ رَدَّهَا إلَّا إنْ تَابَتْ مِنْ رَسْمِ سَلَفَ. (وَبِمَا الْعَادَةُ السَّلَامَةُ مِنْهُ كَعَوَرٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: خِيَارُ النَّقِيصَةِ هُوَ نَقْصٌ يُخَالِفُ مَا الْتَزَمَهُ شَرْطًا أَوْ عُرْفًا ثُمَّ قَالَ: وَالْعُرْفِيُّ مَا تَقْضِي الْعَادَةُ بِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْهُ مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي نَقْصِ الثَّمَنِ أَوْ التَّصَرُّفِ أَوْ خَوْفًا فِي الْعَاقِبَةِ كَالْعَمَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 334 وَالْعَوَرِ (وَقَطْعٍ وَخِصَاءٍ) الْبَاجِيُّ: عَيْبُ الرَّدِّ مَا نَقَّصَ مِنْ الثَّمَنِ كَالْعَوَرِ وَبَيَاضِ الْعَيْنِ. وَفِيهَا: وَالْقَطْعُ وَلَوْ فِي أُصْبُعِ الْجَلَّابِ وَالْخِصَاءِ وَالْجَبُّ (وَاسْتِحَاضَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ اشْتَرَى جَارِيَةً مُسْتَحَاضَةً وَلَمْ يَعْلَمْ فَذَلِكَ عَيْبٌ يَرُدُّ مِنْهُ. رَوَى مُحَمَّدٌ: وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْفَارِهَةُ وَالْوَخْشُ (وَرَفْعِ حَيْضَةِ اسْتِبْرَاءٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اشْتَرَى أَمَةً وَهِيَ حَدِيثَةُ السِّنِّ مِمَّنْ تَحِيضُ فَارْتَفَعَتْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 335 حَيْضَتُهَا عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فِي الِاسْتِبْرَاءِ فَذَلِكَ عَيْبٌ تُرَدُّ بِهِ. (وَعَسَرٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: الْعَسَرُ عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ وَالْعَبْدِ وَهُوَ أَنْ يَبْطِشَ بِيُسْرَاهُ دُونَ يُمْنَاهُ، وَأَمَّا إنْ وُجِدَ أَعْسَرَ يَسْرٍ وَهُوَ الْأَضْبَطُ الَّذِي يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا فَلَيْسَ بِعَيْبٍ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ فِي قُوَّتِهَا وَالْبَطْشُ بِهَا بِحَالِ مَنْ لَا يَعْمَلُ بِالْيُسْرَى، فَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ ذَلِكَ لِعَمَلِهِ بِالْيُسْرَى فَهُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ. (وَزِنًى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى أَمَةً فَأَلْفَاهَا قَدْ زَنَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنْ يُحِدَّهَا إلَّا أَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ فَيَرُدُّ بِهِ فِي الْوَخْشِ وَالْعَلِيَّةِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ عَيْبٌ فِي الْعَبْدِ أَيْضًا (وَشُرْبِ خَمْرٍ) رَوَى مُحَمَّدٌ: شُرْبُ الْمُسْكِرِ وَأَخْذُ الْأَمَةِ أَوْ الْعَبْدِ فِي شُرْبِهِ وَلَوْ لَمْ تَظْهَرْ بِهِمَا رَائِحَةٌ عَيْبٌ (وَبَخَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: الْبَخَرُ فِي الْفَمِ عَيْبٌ يَرُدُّ مِنْهُ. قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ فِي الْجَارِيَةِ وَالْعَبْدِ كَانَا وَضِيعَيْنِ أَوْ رَفِيعَيْنِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 336 الْمُتَيْطِيُّ: وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَخَرُ فِي الْفَمِ أَوْ فِي الْفَرْجِ (وَزَعَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ وَجَدَهَا زَعْرَاءَ الْعَانَةِ لَا تُنْبِتُ فَهِيَ عَيْبٌ تُرَدُّ بِهِ. سَحْنُونَ: لِأَنَّ الشَّعْرَ يَسُدُّ الْفَرْجَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَعْرٌ اسْتَرْخَى. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَكَذَلِكَ الزَّعَرُ فِي غَيْرِ الْعَانَةِ عَيْبٌ: مُحَمَّدٌ: يُرِيدُ إذَا لَمْ يَنْبُتْ فِي سَاقَيْهَا وَسَائِرِ جَسَدِهَا. ابْنُ حَبِيبٍ: وَهُوَ مِمَّا يُتَّقَى عَاقِبَتُهُ مِنْ الدَّاءِ السُّوء (وَزِيَادَةِ سِنٍّ) فِي الْوَاضِحَةِ: زِيَادَةُ السِّنِّ الْوَاحِدَةِ عَيْبٌ فِي الْعَلِيِّ وَالْوَخْشِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (وَظُفُرٍ) الْبَاجِيُّ: الْعُيُوبُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا يَثْبُتُ بِالْخِيَارِ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَهُوَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ يُنْقِصُ فِي عَيْنِهِ كَالْعَمَى وَالْعَوَرِ وَقَطْعِ يَدٍ أَوْ أُصْبُعٍ وَالظَّفَرَةِ فِي الْعَيْنِ ابْنُ عَرَفَةَ: الظُّفْرَةُ لَحْمٌ نَابِتٌ فِي شَعْرِ الْعَيْنِ. (وَبُجَرٍ وَعُجَرٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: مِنْ الْعُيُوبِ الْعُجْرَةُ وَهِيَ الْعُقْدَةُ عَلَى ظَهْرِ الْكَفِّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْجَسَدِ، وَالْبُجْرَةُ وَهِيَ نَفْخٌ كَالْعُجْرَةِ إلَّا أَنَّ الْبُجْرَةَ لَيِّنَةٌ مِنْ نَفْخٍ لَيْسَ بِزَائِدٍ. الصِّحَاحُ: الْعُجْرَةُ بِالضَّمِّ الْعُقْدَةُ فِي الْخَشَبِ أَوْ فِي عُرُوقِ الْجَسَدِ، وَالْبُجْرَةُ بِالتَّحْرِيكِ خُرُوجُ السُّرَّةِ وَنُتُوءُهَا وَغِلَظُ أَصْلِهَا، وَقَوْلُهُمْ أَفْضَيْت إلَيْك بِعُجَرِي وَبُجَرِي أَيْ بِعُيُوبِي وَبِأَمْرِي كُلِّهِ. (وَوَالِدَيْنِ أَوْ وَلَدٍ لَا جَدَّةٍ وَلَا أَخٍ) وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَسَمَاعِ عِيسَى وَرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: الْوَلَدُ مُطْلَقًا عَيْبٌ. الْبَاجِيُّ: الزَّوْجَةُ فِي الْعَبْدِ عَيْبٌ وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْأَبُ وَالْأُمُّ لِأَنَّهُ يَمِيلُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيَصْرِفُ إلَيْهِمْ فَضْلَ كَسْبِهِ وَبَعْضَ قُوتِهِ، وَأَمَّا الْأَخُ وَالْأُخْتُ وَسَائِرُ الْقَرَابَةِ فَلَا لِأَنَّ الضَّرَرَ بِهِمْ أَقَلُّ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْجَدَّةُ عَيْبٌ لِأَنَّهُ يَأْوِي إلَيْهَا (وَجُذَامِ أَبٍ) الْبَاجِيُّ: إنْ كَانَ فِي آبَاءِ الرَّقِيقِ مَجْذُومٌ أَوْ مَجْذُومَةٌ فَهُوَ عَيْبٌ رُدَّ وَخْشًا كَانَ أَوْ رَائِعًا. رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ لِأَنَّهُ كَانَ يَتَّقِي سِرَايَتَهُ. قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَرُوِيَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 337 لِحَدِيثِ «لَا عَدْوَى» . قَالَ: وَلَا وَجْهَ لِلتَّعْلِيقِ بِهَذَا الْحَدِيثِ إذْ مَعْنَاهُ إبْطَالُ مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ يُعْدِي الصَّحِيحَ وَلَمْ يَنْفِ وُجُودَ مَرَضِ الصَّحِيحِ عِنْدَ حُلُولِ الْمَرِيضِ عَلَيْهِ غَالِبًا بِقَدَرِ اللَّهِ. قَالَ: وَقَدْ اتَّفَقُوا فِي قَمِيصِ الْمَجْذُومِ إذَا بِيعَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ وَاخْتَلَفُوا فِي حِمَارِهِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: تُرَدُّ الْمَرْأَةُ مِنْ الْجُذَامِ وَلَوْ قَلَّ. قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: لِأَنَّهُ يُخْشَى حُدُوثُهُ بِالْآخَرِ. وَقَالَ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ: جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ حَدِيثَ «لَا عَدْوَى» وَحَدِيثَ «لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. نُفِيَ بِحَدِيثِ «لَا عَدْوَى» زَعْمُ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الْعَاهَةَ تُعْدِي بِطَبْعِهَا لَا بِفِعْلِ اللَّهِ، وَأَرْشَدَ لِحَدِيثِ «لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» إلَّا الِاحْتِرَازَ مِمَّا يَحْصُلُ عِنْدَهُ الضَّرَرُ بِفِعْلِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ. وَقَالَ الطُّرْطُوشِيُّ: وَمَنْ اكْتَوَى أَوْ رُقِيَ مُعْتَمِدًا عَلَى مَا أَجْرَى اللَّهُ عَادَتَهُ وَسُنَّتَهُ عِنْدَهَا فَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى خَالِقِهِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إنَّمَا يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ أَنْ يَرَى الْبُرْءَ مِنْ قِبَلِ الِاكْتِوَاءِ وَالرُّقَى خَاصَّةً. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَنْ شَهِدَ فِي الْجَمَادَاتِ أَنَّهَا تَفْعَلُ بِنَفْسِهَا فَهِيَ شَهَادَةُ زُورٍ إذْ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ بِحَوَاسِّهِ وَلَا حَصَلَ لَهُ بِهِ الْعِلْمُ ابْتِدَاءً فِي نَفْسِهِ، وَاَلَّذِي شَاهَدَ بِحَوَاسِّهِ وَرَأَى بِعَيْنِهِ أَنَّ شَيْئًا إذَا جَاوَرَ النَّارَ احْتَرَقَ فَإِذَا شَهِدَ بِأَنَّ الْهَشِيمَ إذَا اتَّصَلَ بِالنَّارِ احْتَرَقَ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ صِدْقًا وَالشَّهَادَةُ حَقًّا، وَإِذَا قَالَ: النَّارُ أَحْرَقَتْهُ كَانَ كَذِبًا بَحْتًا لِأَنَّ النَّارَ لَيْسَتْ بِفَاعِلَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ جَمَادٌ وَالْجَمَادُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فِعْلٌ. فَإِنْ قَالَ خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا قُوَّةً تَحْرُقُ بِهَا، قِيلَ لَهُ: هَذِهِ شَهَادَةٌ بِمَا لَمْ تَرَ وَلَا سَمِعْت لِأَنَّ الْقُوَّةَ لَا تُرَى وَلَا تُسْمَعُ وَلَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهَا وَلَا رَسُولُهُ فَقِفْ يَا وَقَّافُ وَقُلْ إنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ. الْبَاجِيُّ: أَجْرَى اللَّهُ عَادَتَهُ فِي الْعَائِنِ إذَا لَمْ يَبْرُكْ أَنَّهُ يُصِيبُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ بِفِعْلِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ، وَكَذَا قَالُوا فِي السِّحْرِ. وَانْظُرْ إذَا أُخْبِرَ أَنَّ أَحَدَ جُدُودِ الْأَمَةِ كَانَ أَسْوَدَ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَرُدُّهَا بِذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ: وَقَالَ أَيْضًا: إنَّهَا تُرَدُّ بِذَلِكَ إذَا كَانَتْ مِنْ الْعَلِيَّةِ لِمَا يُخْشَى أَنْ يَنْزِعَ عِرْقَهُ. وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّاعُونِ «لَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» مِنْ الْمُنْتَقَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 338 مُسْلِمٍ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ يَجْعَلُهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ» وَقَالَ أَيْضًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّهُ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ لِمَنْ ظَهَرَ بِبَلَدِهِ وَأَقَامَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا فَأُصِيبَ بِهِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا» إنَّهُ يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنْهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ مِنْ حَاجَةٍ تَنْزِلُ، وَيَجُوزُ لِمَنْ اسْتَوْخَمَ أَرْضًا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا إلَى بَلَدٍ تُوَافِقُ جِسْمَهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: رَأَى مَالِكٌ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ لَيْسَ بِنَهْيِ تَحْرِيمٍ. وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ إذَا قَالَ: النَّارُ أَحْرَقَتْهُ كَانَ كَذِبًا بَحْتًا مَعَ قَوْلِهِمْ مَنْ أَرْسَلَ فِي أَرْضِهِ نَارًا ضَمِنَ مَا أَحْرَقَتْهُ لِأَنَّ هَذَا الِانْفِعَالَ وَإِنْ كَانَ خَلْقًا لَهَا فَنَحْنُ قَدْ أَدْرَكْنَاهُ بِالْحِسِّ فَيَجِبُ مُرَاعَاتُهُ كَمَا يَأْثَمُ مَنْ شَرِبَ سُمًّا أَوْ أَكَلَ حَتَّى مَاتَ بُخْلًا لَا إنْ تَرَكَهُ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: إنَّ ذَلِكَ بِالْحِسِّ بَلْ بِالْحِسِّ يَبْقَى النَّظَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلِانْفِعَالِ عِنْدَ الْعَيْنِ وَالطِّيَرَةِ وَالْوَبَاءِ فَنَقِفُ مَعَ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ فِي ذَلِكَ مَعَ الِاعْتِقَادِ أَنَّ النَّارَ وَالْمَاءَ وَالسُّمَّ حَتَّى الْعَيْنَ وَالْوَبَاءَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَدْوَى سَوَاءٌ عِنْدَهَا لَا بِهَا (أَوْ بِجُنُونِهِ بِطَبْعٍ لَا بِمَسِّ جِنٍّ) اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ: جُنُونُ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ مِنْ فَسَادِ الطَّبْعِ كَجُذَامِهِ وَمِنْ مَسِّ الْجَانِّ لَغْوٌ اهـ. اُنْظُرْ إذَا كَانَ أَحَدُ الْجَدَّيْنِ أَسْوَدَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الصَّحِيحُ رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ سَوَادُ أَحَدِ الْجَدَّيْنِ عَيْبٌ (وَسُقُوطِ سِنَّيْنِ وَفِي الرَّائِعَةِ الْوَاحِدَةُ) الْبَاجِيُّ: نَقْصُ الضِّرْسِ الْوَاحِدَةِ عَيْبٌ فِي الرَّائِعَةِ حَيْثُ كَانَ وَلَيْسَ عَيْبًا فِي غَيْرِ الرَّائِعَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مُقَدَّمِ الْفَمِ أَوْ يَنْقُصُ ضِرْسَانِ حَيْثُ كَانَا فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَإِنَّهُ عَيْبٌ ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَعَانِي يَعْنِي الْعَوَرَ وَقَطْعَ الْأُصْبُعِ وَالْبَخَرَ وَنَقْصَ الضِّرْسِ وَنَحْوَ ذَلِكَ تُعْتَبَرُ بِنَقْصِ الثَّمَنِ، فَمَا نَقَصَهُ فَهُوَ عَيْبٌ وَمَا لَمْ يُنْقِصْهُ فَلَا حُكْمَ فِيهِ لِلرَّدِّ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَظُفُرٍ ". (وَشَيْبٍ بِهَا فَقَطْ وَإِنْ قَلَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَتُرَدُّ الرَّائِعَةُ بِالشَّيْبِ: ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا تُرَدُّ بِهِ غَيْرُ الرَّائِعَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَيْبًا يَضَعُ مِنْ ثَمَنِهَا. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَهَذَا فِي الشَّابَّةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُرَدُّ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا (وَجُعُودَتِهِ وَصُهُوبَتِهِ) مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 339 الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَ شَعْرَهَا قَدْ جَعُدَ أَوْ سَوِدَ فَإِنَّهُ عَيْبٌ يَرُدُّ لَهُ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: قُلْت: فَاَلَّذِي يُوجَدُ شَعْرُهَا أَصْهَبَ أَوْ جَعْدًا أَوْ أَسْوَدَ؟ قَالَ: ذَلِكَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ. الصُّهُوبَةُ الشُّقْرَةُ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ، وَالْأَصْهَبُ مِنْ الْإِبِلِ الَّذِي يُخَالِطُ بَيَاضَهُ حُمْرَةٌ. (وَكَوْنِهِ وَلَدَ زِنًى وَلَوْ وَخْشًا) ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: إذَا وَجَدَ الْغُلَامَ أَوْ الْجَارِيَةَ أَوْلَادَ زِنًى فَهُوَ عَيْبٌ فِي الْعَلِيِّ وَلَا يُرَدُّ بِذَلِكَ فِي الْوَخْشِ إلَّا أَنْ يَكْتُمَهُ الْبَائِعُ ذَلِكَ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ فَيُرَدُّ بِذَلِكَ فِي الْوَخْشِ أَيْضًا. ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ: هُوَ عَيْبٌ فِي الْوَخْشِ وَالرَّائِعَةِ (وَبَوْلٍ فِي فُرُشٍ فِي وَقْتٍ يُنْكَرُ إنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَإِلَّا حَلَفَ إنْ أُقِرَّتْ عِنْدَ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: بَوْلُ الْجَارِيَةِ فِي الْفِرَاشِ عَيْبٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَا الْغُلَامُ إنْ فَارَقَا حَدَّ الصِّغَرِ جِدًّا. اللَّخْمِيِّ: وَلَوْ كَانَ وَخْشًا وَنَحْوُهُ لِلْبَاجِيِّ قَالَ: وَلَا يُرَدُّ بِالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّهَا كَانَتْ تَبُولُ عِنْدَ الْبَائِعِ. ابْنُ حَبِيبٍ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَى عِلْمِهِ وَلَا يَحْلِفُ بِدَعْوَى الْمُبْتَاعِ وَلَا تُوضَعُ عَلَى يَدِ امْرَأَةٍ فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ عَنْ زَوْجَتِهِ فِي ذَلِكَ، وَيَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ وَلَيْسَ بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ، وَلَوْ جَاءَ الْمُشْتَرِي بِقَوْمٍ يَنْظُرُونَ مَرْقَدَهَا بِالْغَدَاةِ مَبْلُولًا فَلَا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ لِأَنَّ هَذَا بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ ثُمَّ حِينَئِذٍ يَحْلِفُ الْبَائِعُ. (وَتَخَنُّثِ عَبْدٍ وَفُحُولَةِ أَمَةٍ إنْ اشْتَهَرَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَهُ مُخَنَّثًا فَهُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ الْمُذَكَّرَةُ إذَا اشْتَهَرَتْ بِذَلِكَ (وَهَلْ هُوَ الْفِعْلُ أَوْ التَّشَبُّهُ؟ تَأْوِيلَانِ) فِي الْوَاضِحَةِ: وَإِذَا وُجِدَ الْعَبْدُ مُؤَنَّثًا يُؤْتَى أَوْ وُجِدَتْ الْأَمَةُ مُذَكَّرَةً فَحْلَةً لِشِرَارِ النِّسَاءِ، فَإِذَا اشْتَهَرَا بِذَلِكَ فَهُوَ عَيْبٌ. وَأَمَّا تَوْضِيعُ كَلَامِ الْعَبْدِ وَتَذْكِيرُ كَلَامِ الْأَمَةِ فِي طَبْعِهِمَا فَلَا يُرَدَّانِ بِذَلِكَ. أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: لَيْسَ هَذَا بِخِلَافِ الْمُدَوَّنَةِ. (وَغَلَفِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مُوَلَّدٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 340 وَطَوِيلِ الْإِقَامَةِ) مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَالْعُتْبِيَّةِ: إذَا وَجَدَ الْجَارِيَةَ الْمُسْلِمَةَ غَيْرَ مَخْفُوضَةٍ أَوْ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ أَغْلَفَ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ رَقِيقِ الْعَرَبِ، وَمَعْنَى رَقِيقِ الْعَرَبِ مَا طَالَ مُكْثُهُ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ وَوُلِدَ عِنْدَهُمْ فَأَمَّا فِي الْوَخْشِ فَلَا يُرَدُّ بِهِ، وَأَمَّا فِي الْعَلِيِّ فَيُرَدُّ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ عَيْبٌ فِي الْوَضِيعِ وَالرَّفِيعِ إلَّا الصَّغِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَفُتْ ذَلِكَ مِنْهُمَا. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ عَدَمِ خِفَاضِ الْجَارِيَةِ وَخِتَانِ الْغُلَامِ الْمُسْلِمَيْنِ وَقَدْ وُلِدَا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ طَالَ مِلْكُهُمْ لَهُمَا وَفَاتَ وَقْتُ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَيْبًا مُطْلَقًا، أَوْ فِي الرَّفِيعَيْنِ ثَالِثُهَا فِي الْغُلَامِ مُطْلَقًا. وَفِي الْجَارِيَةِ الرَّفِيعَةِ لِابْنِ حَبِيبٍ مَعَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَمَاعِ عِيسَى ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيَاسِ ابْنِ رُشْدٍ مُصَرِّحًا بِكَوْنِهِ قَوْلًا ثَالِثًا (وَخَتْنِ مَجْلُوبِهِمَا) قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَابْنِ حَبِيبٍ: إنْ اشْتَرَى عَبْدًا نَصْرَانِيًّا فَوَجَدَهُ مَخْتُونًا فَلَيْسَ بِعَيْبٍ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَلِكَ النَّصْرَانِيَّةُ يَجِدُهَا مَخْفُوضَةً قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَا مِنْ رَقِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ رَقِيقِ الْعَجَمِ الَّذِينَ عِنْدَنَا، وَأَمَّا الْمَجْلُوبُونَ فَهُوَ عَيْبٌ لِمَا يُخَافُ أَنْ يَكُونُوا أَغَارَ عَلَيْهِمْ الْعَدُوُّ أَوْ أَبَقَ إلَيْهِمْ مِنْ رَقِيقِنَا (كَبَيْعٍ بِعُهْدَةِ مَا اشْتَرَاهُ بِبَرَاءَةٍ) سَمِعَ أَشْهَبُ: مَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا بِالْبَرَاءَةِ أَوْ بَيْعِ مِيرَاثٍ فَلَا يَبِعْهُ بَيْعَ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهُ ابْتَاعَ بِالْبَرَاءَةِ، وَلَوْ أَخَذَهُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ يُرِيدُ فَسْخَ الْبَيْعِ لَمْ يُفْسَخْ إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ثُمَّ لِلْمُبْتَاعِ رَدُّهُ إنْ شَاءَ. وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ وَذَلِكَ كَعَيْبٍ كَتَمَهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ عَلِمْت أَنَّك ابْتَعْته بِالْبَرَاءَةِ لَمْ أَشْتَرِهِ مِنْك إذْ قَدْ أُصِيبَ بِهِ عَيْبًا وَتُفْلِسُ أَنْتَ أَوْ تَكُونُ عَدِيمًا فَلَا يَكُونُ لِي رُجُوعٌ عَلَى بَائِعِك. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ لَوْ بَاعَ عَبْدًا قَدْ وُهِبَ لَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ وُهِبَ لَهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي مُتَكَلِّمٌ فِي ذَلِكَ إذْ لَوْ ظَهَرَ لَهُ عَيْبٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُتَكَلِّمٌ مَعَ الْوَاهِبِ. وَانْظُرْ عَكْسَ هَذَا إذَا بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ وَقَدْ اشْتَرَى بَيْعَ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ، فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ يُفْسَخُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ. اُنْظُرْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْعُيُوبِ. (وَكَرَهَصٍ) الْبَاجِيُّ: مَا كَانَ مِنْ عُيُوبِ الدَّوَابِّ حَادِثًا كَالرَّهْصِ وَالدَّبْرِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ بِهِ (وَعَثْرٍ وَحَرَنٍ) الْبَاجِيُّ: مَا يُنْقِصُ ثَمَنَ الْمَبِيعِ وَلَا يُنْقِصُ جَسَدَهُ كَالْإِبَاقِ فِي الرَّقِيقِ، وَالزِّنَا فِي الْأَمَةِ، وَالْحَرْنُ فِي الْفَرَسِ، وَالنِّفَارِ الْمُفْرِطِ فِي الدَّوَابِّ، وَقِلَّةِ الْأَكْلِ الْمُفْرَطِ فِيهَا فَذَلِكَ عَيْبُ رَدٍّ. وَأَمَّا عِثَارُ الدَّابَّةِ فَعَنْ ابْنِ كِنَانَةَ: إنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ بَائِعهَا رُدَّتْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَكَانَ عِثَارُهَا قَرِيبًا مِنْ بَيْعِهَا حَلَفَ الْبَائِعُ مَا عَلِمَ بِذَلِكَ، وَإِنْ ظَهَرَ ذَلِكَ بَعْدَ زَمَانٍ يَحْدُثُ الْعِثَارُ فِي مِثْلِهِ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. وَهَذِهِ الْعُيُوبُ كُلُّهَا إنَّمَا يُرَدُّ بِهَا إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ وَدَعَا إلَى يَمِينِ الْبَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَالِكٍ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبَاقِ: لَا يَمِينَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ دَاعِيَةٌ أَنْ يُحَلِّفَهُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّاتٍ (وَعَدَمِ حَمْلٍ مُعْتَادٍ) الْبَاجِيُّ: مَا كَانَ لَهُ عُرْفٌ وَعَادَةٌ مِثْلَ أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 341 يَشْتَرِيَ نَاقَةً يُحْمَلُ عَلَى مِثْلِهَا، فَلَمَّا جَاءَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا لَمْ تَنْهَضْ فَلِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَهُ الرَّدُّ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ عَجَفٍ أَوْ مَرَضٍ (لَا ضَبْطَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ انْتَفَعَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا فَلَا أَرَى أَنْ يَرُدَّ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إلَّا أَنْ تَنْقُصَ يُمْنَاهُ عَنْ يُمْنَى مَنْ لَا يَعْمَلُ بِيُسْرَاهُ فَيَكُونُ عَيْبًا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَوْلُهُ صَحِيحٌ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ الْأَضْبَطُ الَّذِي يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا لَيْسَ بِعَيْبٍ وَلَيْسَ هَذَا مُطْلَقًا بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ. اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَعَسَرٍ " (وَثُيُوبَةٍ إلَّا فِيمَنْ لَا يُفْتَضُّ مِثْلُهَا) ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا مُفْتَرِعَةً، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا وَهِيَ ذَاتُ ثَمَنٍ رَدَّهَا، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهَا يُوطَأُ لَمْ تُرَدَّ وَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُخْبِرَ هَلْ هِيَ بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ. اُنْظُرْ رَسْمَ صَلَّى مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي يُوطَأُ مِثْلُهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهَا وُطِئَتْ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا فَبَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهَا بِكْرٌ وَلَا فَرْقٌ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَبَيْنَ وَخْشِ الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ فَرْقٌ (وَعَدَمِ فُحْشِ ضِيقِ قُبُلٍ) ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّغِيرَةِ الْقُبُلِ لَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبٍ إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ فَيَصِيرَ كَالنَّقْصِ. (وَكَوْنِهَا زَلَّاءَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا رَسْمَاءَ وَهِيَ الزَّلَّاءُ الَّتِي لَا عَجِيزَةَ لَهَا فَلَيْسَ بِعَيْبٍ وَقَالَهُ مَالِكٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ عَيْبٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُبْتَاعِ. ابْنُ يُونُسَ: يَدُلُّ قَوْلُهُ أَنَّ كُلَّ مَا يَخْفَى عَلَى الْمُبْتَاعِ فَلَا يُرَدُّ بِهِ وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ وَإِنْ كَانَ مَالِكٌ لَمْ يُوجِبْ فِي الْعَيْبِ الظَّاهِرِ إلَّا الْيَمِينَ. قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: وَلَوْ كَانَتْ غَائِبَةً فَاشْتَرَاهَا عَلَى صِفَةٍ فَوَجَدَهَا زَلَّاءَ كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. (وَكَيٍّ لَمْ يُنْقِصْ) قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ يَكُونُ الْعَيْبُ الْخَفِيفُ بِالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ مِثْلَ الْكَيِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 342 الْخَفِيفِ مِمَّا لَا يُنْقِصُ الثَّمَنَ وَلَيْسَ بِفَاحِشٍ وَلَا يُرَدُّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ النَّخَّاسِينَ عَيْبًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا: إلَّا أَنْ يُخَالِفَ الْكَيُّ لَوْنَ الْجَسَدِ فَيُرَدُّ بِهِ أَوْ يَكُونَ مُتَفَاحِشًا فِي مَنْظَرِهِ أَوْ يَكُونُ كَثِيرًا مُتَفَرِّقًا وَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ اللَّوْنَ فَلْيُرَدَّ بِهِ، أَوْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ يُسْتَقْبَحُ مِثْلُ الْفَرْجِ وَمَا وَالَاهُ أَوْ فِي الْوَجْهِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ بِهِ (وَتُهْمَةٍ بِسَرِقَةٍ حُبِسَ فِيهَا ثُمَّ ظَهَرَتْ بَرَاءَتُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا اُتُّهِمَ عَبْدٌ بِسَرِقَةٍ فَحَبَسَهُ السُّلْطَانُ ثُمَّ أَلْفَى بَرِيئًا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَيْبًا إذَا لَمْ يُبَيِّنْهُ بَائِعُهُ وَقَدْ يَنْزِلُ ذَلِكَ بِالْحُرِّ فَلَا يُجَرِّحُهُ. ابْنُ يُونُسَ: مَعْنَى قَوْلِهِ " أَلْفَى بَرِيئًا " مِثْلَ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ غَيْرَهُ سَرَقَ ذَلِكَ الشَّيْءَ الَّذِي اُتُّهِمَ هُوَ بِهِ فَبِذَلِكَ تَصِحُّ بَرَاءَتُهُ اهـ. اُنْظُرْ إذَا اشْتَرَى أَمَةً فَوَجَدَهَا حَامِلًا فَقَالَ الْبَاجِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ عَيْبٌ فِي الرَّائِعَةِ. التُّونِسِيُّ: وَهُوَ فِي ذَاتِ زَوْجٍ أَوْ مُعْتَدَّةٍ أَوْ ظَاهِرَةِ الزِّنَا لَغْوٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي حَمْلِ الْوَخْشِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. وَانْظُرْ إذَا كَانَ الْمُبْتَاعُ دَلَّسَ بِهِ وَمَاتَتْ مِنْهُ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَاعُ قَدْ عَلِمَ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ فِي الْوَجْهِ الْوَاحِدِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ. قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَانْظُرْ رَسْمَ صَلَّى إذَا وَجَدَ الْأَمَةَ حَامِلًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهَا مَعَ حَمْلِهِ أَمْ لَا فَرْقٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الْحَمْلَ عَيْبٌ فِي الْوَخْشِ. (وَمَا لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ إلَّا بِتَغَيُّرٍ كَسُوسِ الْخَشَبِ وَالْجَوْزِ وَمُرِّ قِثَّاءٍ وَلَا قِيمَةَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ مَا بِيعَ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَفِي بَاطِنِهِ عَيْبٌ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ يَجْهَلُهُ الْمُتَبَايِعَانِ وَلَا يَعْلَمُ بِعَيْبِهِ إلَّا بَعْدَ الشَّقِّ أَوْ الْكَسْرِ مِثْلَ الْخَشَبِ وَشِبْهِهَا يُشَقُّ فَيَجِدُ الْمُبْتَاعُ فِي دَاخِلِهَا عَيْبًا بَاطِنًا، فَهُوَ لَازِمٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ رَدٍّ وَلَا قِيمَةِ عَيْبٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 343 مَالِكٌ فِي الرَّانِجِ وَهُوَ الْجَوْزُ الْهِنْدِيُّ وَالْجَوْزُ يُوجَدُ دَاخِلُهُ فَاسِدًا وَالْقِثَّاءُ يُوجَدُ مُرًّا، فَلَا يُرَدُّ وَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَسَمِعَ أَشْهَبُ: الشَّاةُ يَجِدُهَا عَجْفَاءَ وَجَوْفُهَا أَخْضَرُ لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا. اُنْظُرْ اضْطِرَابَ الشُّيُوخِ فِيمَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً فَوَجَدَهَا عَجْفَاءَ لَا تُجْزِئُ فِي أُضْحِيَّةٍ فِي بَابِ الْعُيُوبِ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ فِيمَنْ اشْتَرَتْ رَمَادًا وَقَالَ لَهَا الْبَائِعُ هُوَ جَيِّدٌ فَقَالَتْ بَيَّضْت بِهِ الْغَزْلَ فَلَمْ يَخْرُجْ جَيِّدًا، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ غُزِلَ، فَإِنْ خَرَجَ جَيِّدًا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ. الْبُرْزُلِيِّ: هَذَا مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي الزَّرِيعَةِ إذَا زَعَمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا لَا تُنْبِتُ يُؤْخَذُ بَعْضُهَا وَيُخْتَبَرُ. وَانْظُرْ إذَا شَقَّ الْجُبْنَ الْيَابِسَ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا، أَفْتَى ابْنُ لُبَابَةَ بِأَنَّهُ يَرُدُّهُ لِأَنَّهُ مِمَّا عَمِلَتْهُ الْأَيْدِي وَلَيْسَ كَالْخَشَبَةِ وَالْفَصِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَكَذَا أَيْضًا فِي الْحَدِيدِ إذَا اشْتَرَاهُ وَلَا يَعْلَمُ إنْ كَانَ لَيِّنًا أَوْ أَحْرَشَ فَيَدْخُلُ الْعَمَلُ فَيَخْرُجُ أَحْرَشَ مُنْقَطِعًا فَإِنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ وَهُوَ عَيْبٌ. وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى إذَا وَجَدَ جَوْفَ الشَّاةِ أَخْضَرَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا أَوْ لَا فَرْقٌ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ هِيَ سَمِينَةٌ فَلَمْ يَجِدْهَا كَذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ الْبَائِعُ أَوْ غَيْرُهُ فَرْقٌ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا قَالَ أَشْتَرِي مِنْك أُضْحِيَّةً فَوَجَدَهَا لَا تُنَقَّى بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَ لَهُ الشَّاةَ أَوْ لَا فَرْقٌ. اُنْظُرْ رَسْمَ الْبُيُوعِ الْأَوَّلَ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْعُيُوبِ، وَانْظُرْ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْعُسْرَةِ وَالْجُبْنَةِ وَالْجُدَرِيِّ فِي الْجِلْدِ يَتَبَيَّنُ بَعْدَ الدَّبْغِ وَفَرْقٌ فِي الْقِثَّاءِ يُوجَدُ دَاخِلُهُ مُرًّا بَيْنَ الْأَحْمَالِ مِنْهُ الْقِثَّاءُ وَالْقِثَّاءَتَانِ (وَرُدَّ بَيْضٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الْبَيْضُ فَيُرَدُّ لِفَسَادِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُعْلَمُ وَيَظْهَرُ فَسَادُهُ قَبْلَ كَسْرِهِ وَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ إذَا كُسِرَ إنْ كَانَ مُدَلِّسًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدَلِّسٍ لَمْ يُرَدَّ وَرَجَعَ بِمَا بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالدَّاءِ. اللَّخْمِيِّ: يُرِيدُ إنْ كَانَ عُرُوقًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ فَهُوَ مَيْتَةٌ يُرَدُّ جَمِيعُ الثَّمَنِ دَلَّسَ أَوْ لَمْ يُدَلِّسْ. (وَعَيْبٍ قَلَّ بِدَارٍ) اُنْظُرْ جَعْلَ مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ الدَّارَ وَعِبَارَةُ الْمُتَيْطِيِّ الدُّورُ وَنَحْوُهَا. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ الْعَقَارُ، وَعِبَارَةُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لِأُصُولِ الْعُيُوبِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ لَا يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا لِيَسَارَتِهِ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَنْفَكُّ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ. الثَّانِي أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ يَسِيرًا فَهَذَا إنْ كَانَ فِي الْأُصُولِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ فِيهِ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 344 الْعَيْبِ وَذَلِكَ كَالصَّدْعِ فِي الْحَائِطِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي الْعُرُوضِ فَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الرَّدَّ يَجِبُ بِهِ كَالْكَثِيرِ سَوَاءً. وَقِيلَ: إنَّهُ كَالْأُصُولِ لَا يَجِبُ الرَّدُّ بِهِ وَإِنَّمَا فِيهِ الرُّجُوعُ بِقِيمَتِهِ، وَعَلَى هَذَا كَانَ ابْنُ رِزْقٍ يَحْمِلُ ظَاهِرَ الرِّوَايَاتِ حَيْثُمَا وَقَعَتْ وَيَقُولُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأُصُولِ وَالْعُرُوضِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ ابْتَاعَ ثَوْبًا فَإِذَا فِيهِ خَرْقٌ يَسِيرٌ يَخْرُجُ فِي الْقَطْعِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْعُيُوبِ لَمْ يُرَدَّ بِهِ وَوَضَعَ عَنْهُ قَدْرَ الْعَيْبِ. وَفِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ نَحْوُ هَذَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: كَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَذْهَبُ فِي الثِّيَابِ إلَى نَحْوِ مَا قِيلَ فِي الدُّورِ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَوْ قَالَهُ قَائِلٌ فِي جَمِيعِ السِّلَعِ لَكَانَ صَوَابًا انْتَهَى. اُنْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةَ أَنَّهُ لَمَّا صَارَ الْعَيْبُ الْيَسِيرُ فِي الدُّورِ لَا يَلْزَمُ الرَّدُّ بِهِ وَيُحْكَمُ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَرْجِعَ بِالْقِيمَةِ انْفَتَحَ بِسَبَبِ هَذَا بَابٌ لِلرُّخَصِ فِي الدِّينِ تَجِدُهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ يُفَتِّشُ عُيُوبًا لِيَنْحَطَّ لَهُ بِذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ مَعَ اعْتِبَاطِهِ بِالْمَبِيعِ وَقَدْ يُعْطِي فِيهِ رِبْحًا، فَاَلَّذِي أَتَحَمَّلُ عُهْدَتَهُ فِي هَذَا فُتْيَا ابْنِ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ قَالَ مَا نَصُّهُ: إذَا كَانَ الْعَيْبُ فِي الْعَقَارِ يَسِيرًا فَلَا يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 345 وَلِلْمُبْتَاعِ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ اصْرِفْ عَلَى مَا بِعْت مِنْك وَخُذْ الثَّمَنَ فَمِنْ حَقِّهِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَفُوتَ الْمَبِيعُ فَيَكُونُ فِيهِ قِيمَةُ الْعَيْبِ (وَفِي قَدْرِهِ تَرَدُّدٌ) ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا أَعْرِفُ لِلْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا حَدًّا فِي الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَجِبُ الرَّدُّ بِهِ فِي الدُّورِ أَوْ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَرَأَيْت لِابْنِ عَتَّابٍ الْعَيْبُ الَّذِي يَحُطُّ مِنْ الدَّارِ رُبْعَ الثَّمَنِ كَثِيرٌ يَجِبُ الرَّدُّ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَيْبِ مِثْقَالَيْنِ فَهُوَ يَسِيرٌ يَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ بِهِمَا عَلَى الْبَائِعِ وَلَا يُرَدُّ الْمَبِيعُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ مَثَاقِيلَ فَهُوَ كَثِيرٌ يَجِبُ الرَّدُّ بِهِ فَقَالَ: إنْ كَانَ عَشَرَةَ مَثَاقِيلَ كَثِيرًا وَلَمْ يُبَيِّنْ مِنْ أَيِّ ثَمَنٍ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ عَشَرَةَ مَثَاقِيلَ مِنْ مِائَةٍ كَثِيرٌ يَجِبُ الرَّدُّ بِهِ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ رُشْدٍ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي حَدِّ الْكَثِيرِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ (وَرَجَعَ بِقِيمَةٍ كَصَدْعِ جِدَارٍ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا مِنْهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى دَارًا فَوَجَدَ بِهَا صَدْعًا يَخَافُ عَلَى الدَّارِ الْهَدْمَ مِنْهُ، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ وَإِنْ كَانَ صَدْعًا لَا يَخَافُ عَلَى الدَّارِ الْهَدْمَ مِنْهُ فَلَا يَرُدُّ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِذَا لَمْ يَخَفْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 346 عَلَى الدَّارِ مِنْ ذَلِكَ غَرِمَ الْبَائِعُ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ عَيْبٍ (إلَّا أَنْ يَكُونَ وَجْهَهَا) عِيَاضٌ: لَوْ كَانَ الْحَائِطُ الَّذِي يَلِي الْمَحَجَّةَ وَلَا يُمْكِنُ سُكْنَى الدَّارِ حَتَّى يُبْنَى أَوْ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ بِنَاءُ الدَّارِ لَوَجَبَ بِهِ الرَّدُّ دُونَ إشْكَالٍ (أَوْ يَقْطَعُ مَنْفَعَةً أَوْ مِلْحُ بِئْرِهَا بِمَحِلِّ الْحَلَاوَةِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ عَيْبًا شَامِلًا رُدَّ بِهِ وَإِنْ قَلَّ مَا يَنُوبُهُ مِثْلُ أَنْ تُسْتَحَقَّ سَاحَةُ الدَّارِ أَوْ مِطْمَرُهَا. زَادَ عِيَاضٌ: وَكَغَوْرِ مَاءِ بِئْرِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 347 وَفَسَادِ مِطْمَرِ مِرْحَاضِهَا أَوْ زُعَاقِ مَاءِ بِئْرِهَا فِي الْبِلَادِ الَّتِي مَاءُ آبَارِهَا حُلْوٌ. (وَإِنْ قَالَتْ أَنَا مُسْتَوْلَدَةٌ لَمْ تَحْرُمْ لَكِنَّهُ عَيْبٌ إنْ رَضِيَ بِهِ بَيَّنَ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ دَعْوَى الْأَمَةِ إيلَادَهَا سَيِّدَهَا أَوْ الْحُرِّيَّةَ عَيْبٌ تُرَدُّ بِهِ عَلَى مَنْ ادَّعَتْ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ رِوَايَتَانِ: الْأُولَى هِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ وَسَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ وَبِهَا أَفْتَى ابْنُ لُبَابَةَ وَغَيْرُهُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ رَوَاهَا الْمَدَنِيُّونَ. وَقَالَ ابْنُ عَاتٍ: إنْ قَامَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 348 شَاهِدٌ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ لَمْ يُحْكَمْ بِهِ وَكَانَ عَيْبًا يُرَدُّ بِهِ. وَانْظُرْ السَّمَاعَ الْمَذْكُورَ أَنَّ بَيْنَ دَعْوَاهَا ذَلِكَ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ أَوْ بَعْدَهَا فَرْقٌ، وَبَيْنَ أَنْ يُخَيِّرَهُ بِذَلِكَ مُخَيِّرٌ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ فَرْقٌ. وَانْظُرْ أَيْضًا إذَا سَرَقَ الْعَبْدُ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ أَوْ أَقَرَّ بِهَا بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ فَرْقٌ، وَبَيْنَ نِصَابِ السَّرِقَةِ وَغَيْرِهِ فَرْقٌ. (وَتَصْرِيَةُ الْحَيَوَانِ كَالشَّرْطِ كَتَلْطِيخِ ثَوْبِ عَبْدٍ بِمِدَادٍ) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ أَسْبَابِ الْخِيَارِ التَّغْرِيرُ الْفِعْلِيُّ وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ فِي الْمَبِيعِ فِعْلًا يَظُنُّ بِهِ الْمُشْتَرِي كَمَالًا فَلَا يُوجَدُ كَذَلِكَ. وَالْأَصْلُ فِي اعْتِبَارِ هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ» الْحَدِيثَ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: التَّغْرِيرُ الْفِعْلِيُّ كَالشَّرْطِيِّ وَهُوَ فِعْلٌ يُظَنُّ بِهِ كَمَالٌ كَتَلْطِيخِ الثَّوْبِ بِالْمِدَادِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْبَائِعَ فَعَلَهُ أَوْ أَمَرَ بِهِ لِاحْتِمَالِ فِعْلِهِ لِلْعَبْدِ دُونَ عِلْمِ سَيِّدِهِ لِكَرَاهَةِ بَقَائِهِ فِي مِلْكِهِ. وَتَصْوِيرُ الْمَازِرِيِّ أَبْيَنُ قَالَ: كَمَا لَوْ بَاعَ غُلَامًا فِي ثَوْبِهِ أَثَرُ الْمِدَادِ وَبِيَدِهِ الدَّوَاةُ وَالْقَلَمُ فَإِذَا بِهِ أُمِّيٌّ. وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ ثِيَابًا فَرَقَّمَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِمَّا ابْتَاعَهَا بِهِ وَبَاعَهَا بِرَقْمِهَا وَلَمْ يَقُلْ قَامَتْ عَلَيَّ بِكَذَا، شَدَّدَ مَالِكٌ كَرَاهَةَ فِعْلِهِ وَاتَّقَى فِيهِ وَجْهَ الْخِلَابَةِ. ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: إنْ وَقَعَ خُيِّرَ فِيهِ مُبْتَاعُهُ، وَإِنْ فَاتَ رُدَّ لِقِيمَتِهِ وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ (فَيَرُدُّهُ بِصَاعٍ مِنْ غَالِبِ الْقُوتِ) قَالَ مَالِكٌ: حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ مُتَّبَعٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ رَأْيٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا نَأْخُذُ بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ مَا هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ وَهُوَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ. وَنَحْوُهُ لِمَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ: لَهُ اللَّبَنُ بِمَا يَخْلُفُ. ابْنُ يُونُسَ: وَحَدِيثُ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ عَامٌّ وَحَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ مُخَصِّصٌ لِبَعْضِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ حَدِيثُ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» ، وَالْخُصُوصُ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْعَامِّ كَمَا أَنَّ الْمُفَسَّرَ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْمُجْمَلِ، وَالتَّصْرِيَةُ حَبْسُ اللَّبَنِ فِي الضُّرُوعِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: الْمُصَرَّاةُ مِنْ جَمِيعِ الْأَنْعَامِ سَوَاءٌ وَهِيَ الَّتِي يَدَعُونَ حَلْبَهَا لِيَعْظُمَ ضَرْعُهَا وَيَحْسُنَ حِلَابُهَا ثُمَّ تُبَاعُ، فَإِذَا حَلَبَهَا الْمُشْتَرِي مَرَّةً لَمْ يَتَبَيَّنْ ذَلِكَ، فَإِذَا حَلَبَ ثَانِيَةً عَلِمَ بِذَلِكَ نَقْصَ حِلَابَهَا، فَإِمَّا رَضِيَهَا وَإِمَّا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِبَلَدٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 349 لَيْسَ عَيْشُهُمْ التَّمْرَ أَعْطَى الصَّاعَ مِنْ عَيْشِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَعَيْشُ أَهْلِ مِصْرَ الْحِنْطَةُ فَلْيُعْطُوا مِنْهَا. (وَحَرُمَ رَدُّ اللَّبَنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا رَدَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ اللَّبَنَ مَعَهَا إنْ كَانَ قَائِمًا بِغَيْرِ صَاعٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ رَدُّهُ كَانَ عَلَيْهِ فِي فَوَاتِهِ مِثْلُهُ، وَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ أَنْ يَقْبَلَهَا مَعَ اللَّبَنِ بِغَيْرِ صَاعٍ لَمْ يُعْجِبْنِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ صَاعُ طَعَامٍ فَبَاعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ بِلَبَنٍ إلَّا أَنْ يَقْبَلَهَا الْبَائِعُ بِغَيْرِ لَبَنِهَا فَيَجُوزُ (لَا إنْ عَلِمَهَا مُصَرَّاةً) اللَّخْمِيِّ: إنْ اشْتَرَاهَا وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدٌّ إلَّا أَنْ يَجِدَهَا قَلِيلَةَ الدَّرِّ دُونَ الْمُعْتَادِ مِنْ مِثْلِهَا (أَوْ لَمْ تُصَرَّ وَظَنَّ كَثْرَةَ اللَّبَنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ شَاةً حَلُوبًا غَيْرَ مُصَرَّاةٍ فِي إبَّانِ الْحِلَابِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا تَحْلُبُ، فَإِنْ كَانَتْ الرَّغْبَةُ فِيهَا إنَّمَا هِيَ اللَّبَنُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 350 عَلِمَ ذَلِكَ الْبَائِعُ فَلَا رَدَّ لِلْمُبْتَاعِ (إلَّا إنْ قُصِدَ وَاشْتُرِيَتْ فِي وَقْتِ الْحِلَابِ وَكَتَمَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ شَاةً حَلُوبًا غَيْرَ مُصَرَّاةٍ فِي إبَّانِ الْحِلَابِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا تَحْلُبُ، فَإِنْ كَانَتْ الرَّغْبَةُ فِيهَا إنَّمَا هِيَ اللَّبَنُ وَالْبَائِعُ يَعْلَمُ مَا تَحْلُبُ فَكَتَمَهُ فَلِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَرْضَاهَا أَوْ يَرُدَّهَا كَصُبْرَةٍ يَعْلَمُ الْبَائِعُ كَيْلَهَا دُونَ الْمُبْتَاعِ (وَلَا بِغَيْرِ عَيْبِ التَّصْرِيَةِ عَلَى الْأَحْسَنِ) يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: اللَّبَنُ فِي غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ لِلْمُبْتَاعِ بِالضَّمَانِ فَلَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا إنْ رَدَّهَا. أَبُو الْفَرَجِ: يَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا كَالْمُصَرَّاةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَحْكِ ابْنُ مُحْرِزٍ غَيْرَ الْأَوَّلِ وَالصَّقَلِّيَّ غَيْرَ الثَّانِي كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ: لَمْ يَأْخُذْ أَشْهَبُ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ قَالَ: وَهُوَ لَوْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ وَقَدْ أَكَلَ لَبَنَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلَّبَنِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ عَنْ أَشْهَبَ: إنَّهُ إذَا رَضِيَ بِتَصْرِيَتِهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَرَدَّهَا بِهِ فَلْيَرُدَّ الصَّاعَ إذَا رَضِيَ بِتَصْرِيَتِهَا فَكَأَنَّهَا غَيْرُ مُصَرَّاةٍ، فَإِذَا اطَّلَعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى عَيْبٍ بِهَا كَانَ لَهُ رَدُّهَا بِغَيْرِ صَاعٍ لِأَنَّ الْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ. انْتَهَى نَصُّهُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَا نَصُّهُ: لَوْ رَضِيَ بِعَيْبِ تَصْرِيَتِهَا وَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا آخَرَ فَرَدَّهَا بِهِ لَوَجَبَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ قِيمَةُ اللَّبَنِ الَّذِي صَرَّاهُ الْبَائِعُ فِي الضَّرْعِ بَعْدَ أَنْ يَتَحَرَّى قَدْرَهُ. وَقَالَ التُّونِسِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي اللَّبَنِ إذَا رَدَّهَا بِغَيْرِ عَيْبِ التَّصْرِيَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَتَأَمَّلْهُ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ (وَتَعَدَّدَ بِتَعَدُّدِهَا عَلَى الْمُخْتَارِ وَالْأَرْجَحِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ جَمَاعَةَ غَنَمٍ هَلْ يَغْرَمُ صَاعًا وَاحِدًا أَوْ لِكُلِّ شَاةٍ صَاعًا وَهَذَا أَصْوَبُ، وَعَزَاهُ ابْنُ يُونُسَ لِابْنِ الْكَاتِبِ وَصَوَّبَهُ (وَإِنْ حُلِبَتْ ثَالِثَةً فَإِنْ حَصَلَ الِاخْتِبَارُ بِالثَّانِيَةِ فَهُوَ رِضًا وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَهُ ذَلِكَ وَفِي كَوْنِهِ خِلَافًا تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قُلْت: فَإِنْ حَلَبَهَا ثَالِثَةً؟ قَالَ: إنْ جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ حَلَبَهَا بَعْدَ أَنْ تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ حِلَابِهَا مَا فِيهِ خِبْرَةٌ فَلَا رَدَّ لَهُ وَبَعْدَ حِلَابِهِ بَعْدَ الِاخْتِبَارِ رِضًا بِهَا، وَلَا حُجَّةَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ إذْ بِهِ يُخْتَبَرُ أَمْرُهَا وَإِنَّمَا يَخْتَبِرُ النَّاسُ ذَلِكَ بِالْحِلَابِ الثَّانِي وَلَا يُعْرَفُ بِالْأَوَّلِ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَهُ رَدُّهَا. اللَّخْمِيِّ: وَهُوَ أَحْسَنُ. وَقَالَ عِيسَى: إنْ نَقَصَ لَبَنُهَا فِي الثَّانِيَةِ فَظَنَّ نَقْصَهُ مِنْ سَوَاءِ الْمَرْعَى وَنَحْوِهِ ثُمَّ حَلَبَهَا الثَّالِثَةَ فَبَانَ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ، فَلَهُ رَدُّهَا بَعْدَ حَلِفِهِ مَا رَضِيَهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: حَمَلَ ابْنُ زَرْقُونٍ الْخِلَافَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَالْمَازِرِيِّ وَاللَّخْمِيِّ: وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: الْقَوْلَانِ رَاجِعَانِ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. [مُبْطِلَاتُ الْخِيَارِ وَمَوَانِعُهُ] ابْنُ شَاسٍ. النَّظَرُ الثَّانِي فِي مُبْطِلَاتِ الْخِيَارِ وَمَوَانِعِهِ وَهِيَ صِنْفَانِ: الْأَوَّلُ مَا يُبْطِلُ الرَّدَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَذَلِكَ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ، وَفَوَاتُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حِسًّا أَوْ حُكْمًا، وَمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ، وَزَوَالُ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقِيَامِ بِهِ. الصِّنْفُ الثَّانِي مَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ (وَمَنَعَ بَيْعُ حَاكِمٍ وَوَارِثٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 351 رَقِيقًا فَقَطْ بَيَّنَ أَنَّهُ وَارِثٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تَنْفَعُ الْبَرَاءَةُ مِمَّا لَا يَعْلَمُ الْبَائِعُ فِي مِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ السِّلَعِ وَالْحَيَوَانِ إلَّا فِي الرَّقِيقِ وَحْدَهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ الَّذِي بِهِ آخُذُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ السُّلْطَانِ عَلَى الْمُفْلِسِ وَالْمَغَانِمِ وَغَيْرِهَا. وَإِذَا أَنْفَذَ السُّلْطَانُ بَيْعَ عَبْدِ الْمُفْلِسِ وَقَسَمَ الثَّمَنَ بَيْنَ غُرَمَائِهِ ثُمَّ وَجَدَ الْمُبْتَاعُ عَيْبًا قَدِيمًا لَمْ يَرُدَّهُ لِأَنَّهُ بَيْعُ بَرَاءَةٍ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمِدْيَانَ عَلِمَ بِهِ فَكَتَمَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بَيْعُ السُّلْطَانِ فِي الدَّيْنِ وَفِي الْمَغْنَمِ وَغَيْرِهِ وَبَيْعُ الْوَرَثَةِ إذَا ذَكَرُوا أَنَّهُ مِيرَاثٌ ذَلِكَ كُلُّهُ بَيْعُ بَرَاءَةٍ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الْبَرَاءَةَ (وَخُيِّرَ مُشْتَرٍ ظَنَّهُ غَيْرَهُمَا) ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: بَيْعُ الْمِيرَاثِ وَبَيْعُ السُّلْطَانِ بَيْعُ بَرَاءَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ بَيْعُ مِيرَاثٍ أَوْ سُلْطَانٍ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَحْبِسَ بِلَا عُهْدَةٍ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ بَيْعُ بَرَاءَةٍ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مُتَوَلِّيهِ أَنَّهُ بَيْعُ مِيرَاثٍ أَوْ مُفْلِسٍ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ بَيْعُ سُلْطَانٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ فِي ذَلِكَ رَدٌّ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْبَائِعُ وَلَا فِي ذَلِكَ عُهْدَةُ ثَلَاثٍ وَلَا سَنَةٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ بِعَقْدِ الشِّرَاءِ، وَلَا يَنْفَعُ فِي غَيْرِ الرَّقِيقِ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ دَوَابّ أَوْ عُرُوضٍ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ بَاعَهُ وَارِثُهُ أَوْ وَصِيٌّ أَوْ سُلْطَانٌ، وَلِلْمُبْتَاعِ الْقِيَامُ بِمَا وَجَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ عَيْبٍ. (وَتَبَرُّؤُ غَيْرِهِمَا فِيهِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تَنْفَعُ الْبَرَاءَةُ مِمَّا لَا يَعْلَمُ بِهِ الْبَائِعُ فِي شَيْءٍ مِنْ السِّلَعِ وَالْحَيَوَانِ إلَّا فِي الرَّقِيقِ وَحْدَهَا، فَمَنْ بَاعَ وَلِيدَةً أَوْ عَبْدًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا لَا يَعْلَمُ إلَّا مِنْ الْحَمْلِ فِي الرَّائِعَةِ لِأَنَّهَا تَتَوَاضَعُ وَلَا يَبْرَأُ مِمَّا عَلِمَ (إنْ طَالَتْ إقَامَتُهُ عِنْدَهُ) قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ وَقَعَ بَيْعُ الْبَرَاءَةِ بَرِئَ مِنْ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. ابْنُ رُشْدٍ: مُرَاعَاةً لِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. الْمُتَيْطِيُّ: وَجْهُ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ عِنْدَ مَالِكٍ فِيمَا اخْتَبَرَهُ الْبَائِعُ وَطَالَتْ إقَامَتُهُ عِنْدَهُ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَخْتَبِرْهُ وَلَا طَالَ مُكْثُهُ عِنْدَهُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ الْمَنْعَ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَتَبْطُلُ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ إذَا وَقَعَ (وَإِنْ عَلِمَهُ بَيَّنَ أَنَّهُ بِهِ) ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 352 لَا تَنْفَعُ الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ عَلِمَ بِهِ وَإِنْ سَمَّاهُ بِعَيْنِهِ مَا لَمْ يَقُلْ إنَّهُ بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مَرْدُودٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَأَرَى أَنْ يَبْرَأَ بِذِكْرِهِ إذَا أَفْرَدَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إنَّهُ بِهِ. (وَوَصَفَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ بَعِيرًا فَتَبَرَّأَ مِنْ دَبْرَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ دَبْرَةً مُثْقَلَةً مُفْسِدَةً لَمْ يَبْرَأْ، أَوْ إنْ أَرَاهُ إيَّاهَا حَتَّى يَذْكُرَ مَا فِيهَا مِنْ ثِقَلٍ وَغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ تَبَرَّأَ فِي عَبْدٍ مِنْ إبَاقٍ وَالْمُبْتَاعُ يَظُنُّ أَنَّهُ إبَاقُ لَيْلَةٍ أَوْ مِثْلُ الْعَوَالِي فَيُوجَدُ أَنَّهُ قَدْ أَبَقَ إلَى مِصْرَ وَالشَّامِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: أَوْ أَبَقَ مِرَارًا ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ تَبَرَّأَ مِنْ سَرِقَةِ الْعَبْدِ فَظَنَّ أَنَّهُ إنَّمَا سَرَقَ فِي الْبَيْتِ الرَّغِيفَ فَإِذَا بِهِ عَادٍ يَنْقُبُ بُيُوتَ النَّاسِ فَلَا يَبْرَأُ حَتَّى يُبَيِّنَ أَمْرَهُ (أَوْ أَرَاهُ لَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ يَبْرَأْ وَإِنْ أَرَاهُ إيَّاهَا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْبَرَاءَةُ مِنْ عَيْبٍ مُعَيَّنٍ إنْ لَمْ يَقْبَلْ التَّفَاوُتَ بَرِئَ بِذِكْرِهِ. الْبَاجِيُّ: كَالْعَوَرِ وَإِلَّا لَمْ يَبِعْ حَتَّى يُبَيِّنَ قَدْرَهُ كَالْكَيِّ مِنْهُ الْمُتَفَاحِشُ غَيْرُهُ وَلَا يُبْرِئُهُ إلَّا أَنْ يُجْبِرَهُ بِشَنِيعِ الْكَيِّ أَوْ يُرِيَهُ إيَّاهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ تَبَرَّأَ الْبَائِعُ مِنْ كَيٍّ بِالْأَمَةِ فَوَجَدَ الْكَيَّ بِالظَّهْرِ أَوْ بِالْفَخْذَيْنِ فَقَالَ الْمُبْتَاعُ ظَنَنْتُهُ بِبَطْنِهَا، فَلَا رَدَّ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَفَاحِشًا فَيَرُدُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الدَّبْرِ وَالْإِبَاقِ. (وَلَمْ يُجْمِلْهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَكَثُرَ فِي بَرَاءَتِهِ أَسْمَاءُ الْعُيُوبِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ يُرِيهِ إيَّاهُ وَيُوقِفُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَهُ الرَّدُّ إنْ شَاءَ. وَمَنَعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يَذْكُرَ فِي الْبَرَاءَةِ عُيُوبًا لَيْسَتْ فِي الْمَبِيعِ إرَادَةَ التَّقْلِيبِ. النَّخَعِيُّ. لَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 353 قَالَ أَبِيعُكَ لَحْمًا عَلَى بَارِيَةٍ لَمْ يَبْرَأْ حَتَّى يُسَمِّيَ الْعَيْبَ. قَالَ شُرَيْحٌ: حَتَّى يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ. (وَزَوَالُهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ زَوَالُ الْعَيْبِ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَيْهِ دَيْنٌ فَطَلَبَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ بِذَلِكَ فَقَالَ الْبَائِعُ أَنَا أُؤَدِّي عَنْهُ دَيْنَهُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ رَبُّ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ. قَالَ سَحْنُونَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَدَاؤُهُ فِي فَسَادٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ أَمَةٌ فَبَاعَهَا فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا رَدَّ لَهُ، لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ ذَهَبَ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ بِعَيْنِهَا بَيَاضٌ فَأَرَادَ رَدَّهَا فَذَهَبَ الْبَيَاضُ قَبْلَ رَدِّهَا قَالَ مَالِكٌ: إذَا ذَهَبَ الْعَيْبُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدٌّ قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى مَاتَ الْوَلَدُ فَلَا رَدَّ لَهُ. (وَإِلَّا مُحْتَمِلَ الْعَوْدِ) أَشْهَبُ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَبِهِ عَيْبٌ مِنْ حُمْقٍ أَوْ بَيَاضِ عَيْنٍ أَوْ نُزُولِ مَاءٍ مِنْهَا ثُمَّ ظَهَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ بُرْئِهِ، فَإِنْ كَانَ بُرْؤُهُ قَدْ اسْتَمَرَّ فَلَا شَكَّ فِيهِ وَلَا تُخَافُ عَوْدَتُهُ لَهَا إلَّا بِإِحْدَاثٍ ثَانٍ مِنْ اللَّهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، وَإِنْ خِيفَ عَوْدَتُهُ فَلَا يُعَجِّلُ بِرَدِّهِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي شِرَاؤُهُ أَيْضًا حَتَّى يَنْتَظِرَ. وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: يَرُدُّهُ فِي الْجُنُونِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى ذَهَبَ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَعُودَ، وَهُوَ عَيْبٌ لَازِمٌ وَأَمْرٌ يَعْتَرِيهِ وَلَا أَمْرُ ذَهَابِهِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جُنَّ عِنْدَهُ سِنِينَ ثُمَّ بَرَأَ ثُمَّ بَاعَهُ وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَصَابَهُ عِنْدَهُ جُنُونٌ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ، وَأَمَّا الْبَرَصُ وَالْجُذَامُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى ذَهَبَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصَرِ عَيْبٌ يَخَافُهُ كَالْجُنُونِ. (وَفِي زَوَالِهِ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ وَطَلَاقِهَا وَهُوَ الْمُتَأَوَّلُ وَالْأَحْسَنُ أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 354 بِالْمَوْتِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَوْ لَا أَقْوَالٌ) ابْنُ يُونُسَ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ كُلَّ عَيْبٍ يَذْهَبُ قَبْلَ الْقِيَامِ فَلَا رَدَّ لَهُ إلَّا الزَّوْجَ لِلْأَمَةِ وَالزَّوْجَةَ لِلْعَبْدِ تَنْحَلُّ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا فَلَهُ الرَّدُّ بَعْدَ ذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقِيلَ: يَذْهَبُ الْعَيْبُ بِارْتِفَاعِ الْعِصْمَةِ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ. وَتَأَوَّلَهُ فَضْلٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ اشْتَرَى الْأَمَةَ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ فَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ حَتَّى انْقَضَتْ فَلَا رَدَّ لَهُ، وَلَيْسَ بِبَيِّنٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا فِي عِدَّةٍ مِنْهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتَارَهُ التُّونِسِيُّ قَالَ: لِأَنَّ الْعِصْمَةَ إذَا ارْتَفَعَتْ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ لَمْ يَبْقَ إلَّا اعْتِيَادُهَا بِالْوَطْءِ وَهُوَ لَوْ وَهَبَهَا لِعَبْدِهِ يَطَؤُهَا ثُمَّ انْتَزَعَهَا مِنْهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ بَيَانُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَ بَيْنَ اعْتِيَادِهَا الْوَطْءَ بِالنِّكَاحِ وَالتَّسَرِّي فَرْقًا، وَلَعَمْرِي إنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا لِلزَّوْجَةِ حَقٌّ بِخِلَافِ الْأَمَةِ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ذَهَابُ الْعَيْبِ بِزَوَالِ الْعِصْمَةِ بِالْمَوْتِ دُونَ الطَّلَاقِ. قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَشْهَبُ وَهُوَ أَعْدَلُهَا. (وَمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا) . ابْن شَاسٍ: ظُهُورُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ سُكُوتٍ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْحَاضِرِ يَرْكَبُ الدَّابَّةَ رُكُوبَ احْتِبَاسٍ لَهَا بَعْدَ أَنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ: فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ وَذَلِكَ رِضًا، وَإِنْ رَكِبَهَا لِيَرُدَّهَا وَشِبْهِ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي كِتَابِ الْخِيَارِ: وَلَوْ تَسَوَّقَ أَوْ سَاوَمَ بِالثَّوْبِ أَوْ لَبِسَهُ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ فَذَلِكَ رِضًا مِنْهُ بِالْعَيْبِ (إلَّا مَا لَا يُنْقِصُ كَسُكْنَى الدَّارِ) ابْنُ عَرَفَةَ: تَصَرُّفُ الْمُخْتَارِ مُعْتَبَرٌ، أَمَّا سُكْنَى الدَّارِ وَنَحْوِهَا بَعْدَ عِلْمِ عَيْبِهَا وَقَبْلَ الْقِيَامِ بِهِ فَلَا أَعْرِفُ فِيهِ نَصًّا، وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ مُجَرَّدِ السُّكْنَى. وَأَمَّا بَعْدَ الْقِيَامِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ: لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِغَلَّةِ الدَّارِ وَالْحَائِطِ حِينَ الْمُخَاصَمَةِ وَالْغَلَّةُ لَهُ حَتَّى يَحْكُمَ بِالْفَسْخِ فَيَجْنِي الثِّمَارَ وَيَأْخُذُ غَلَّةَ الدَّارِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ الْمُكْرَى ثُمَّ يُخَاصِمَ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لِلسُّكْنَى وَيُمْنَعُ لُبْسَ الثَّوْبِ وَالتَّلَذُّذَ بِالْجَارِيَةِ، فَإِنْ لَبِسَ أَوْ وَطِئَ كَانَ رِضًا وَسَقَطَ قِيَامُهُ. الْمَازِرِيُّ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ اسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ. اُنْظُرْ رَسْمَ نَذَرَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ. (وَحَلَفَ إنْ سَكَتَ بِلَا عُذْرٍ فِي كَالْيَوْمِ) ابْنُ سَلْمُونَ: إنْ ذَهَبَ الْبَائِعُ عِنْدَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ إلَى إحْلَافِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ وَلَا اسْتَخْدَمَهُ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ (لَا كَمُسَافِرٍ اُضْطُرَّ لَهَا) ابْنُ يُونُسَ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الدَّابَّةِ يُسَافِرُ بِهَا ثُمَّ يَجِدُ بِهَا عَيْبًا فِي سَفَرِهِ، فَرَوَى أَشْهَبُ: إنْ حَمَلَ عَلَيْهَا بَعْدَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهَا لَزِمَتْهُ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ لَهُ رَدَّهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي رُكُوبِهَا بَعْدَ عِلْمِهِ، وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يُكْرِيَ غَيْرَهَا وَيَسُوقَهَا وَلْيَرْكَبْهَا، فَإِنْ وَصَلَتْ بِحَالِهَا رَدَّهَا، وَإِنْ عَجَفَتْ رَدَّهَا وَمَا نَقَصَهَا أَوْ يَحْبِسُهَا وَيَأْخُذُ قِيمَةَ الْعَيْبِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. ابْنُ يُونُسَ: وَبِهِ أَقُولُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُضْطَرَّ فِي حُكْمِ الْمُكْرَهِ وَلَوْ تَعْرِفُ مُكْرَهًا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ فَكَذَلِكَ مَعَ الِاضْطِرَارِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ مَالِ غَيْرِهِ مَعَ الِاضْطِرَارِ فَفِي هَذَا أَحْرَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 355 (أَوْ تَعَذَّرَ قَوْدُهَا لِحَاضِرٍ) ابْنُ شَاسٍ: عَلَى الْمَشْهُورِ يَنْزِلُ عَنْ الدَّابَّةِ إنْ كَانَ رَاكِبًا إلَّا إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْقَوْدُ فَيُعْذَرُ فِي الرُّكُوبِ إلَى مُصَادَفَةِ الْخَصْمِ أَوْ الْقَاضِي عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ. اُنْظُرْ رَسْمَ نَذَرَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ. (فَإِنْ غَابَ بَائِعُهُ أَشْهَدَ فَإِنْ عَجَزَ أَعْلَمَ الْقَاضِيَ فَتَلَوَّمَ فِي بَعِيدِ الْغَيْبَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: غَيْبَةُ بَائِعِ الْمَعِيبِ لَا تُسْقِطُ حَقَّ مُبْتَاعِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَقَامَ بِيَدِهِ عَبْدٌ اشْتَرَاهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لِغَيْبَةِ بَائِعِهِ وَلَمْ يَرْفَعْ لِلسُّلْطَانِ حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ، لَهُ الرُّجُوعُ بِعَيْنِهِ وَيُعْذَرُ لِغَيْبَةِ الْبَائِعِ لِثِقَلِ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقُضَاةِ وَيَرْجُو إنْ قَدِمَ الْبَائِعُ مُوَافَقَتَهُ، فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: " إنْ كَانَ الْبَائِعُ غَائِبًا اسْتَشْهَدَ شَهِيدَيْنِ " يَقْتَضِي أَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي رَدِّهِ أَوْ فِي سُقُوطِ الْيَمِينِ عَنْهُ إنْ قَدِمَ رَبُّهُ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا أَعْرِفُ هَذَا لِغَيْرِ ابْنِ شَاسٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَهُ أَيْضًا الْقِيَامُ فِي غَيْبَتِهِ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَرَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ وَالْبَائِعُ غَائِبٌ، فَعَلَى الْمُبْتَاعِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ ابْتَاعَ بَيْعَ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ، فَإِنْ أَقَامَهَا لَمْ يُعَجِّلْ الْإِمَامُ عَلَى الْقَرِيبِ الْغَيْبَةِ، وَأَمَّا الْبَعِيدُ الْغَيْبَةِ فَيَتَلَوَّمُ لَهُ إنْ طَمِعَ بِقُدُومِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ قَضَى عَلَيْهِ بِرَدِّ الْعَيْبِ ثُمَّ يَبِيعُهُ عَلَيْهِ وَيُعْطِي الْمُبْتَاعُ ثَمَنَهُ الَّذِي نَقَدَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ تَقُولَ بَيِّنَتُهُ أَنَّهُ نَقَدَ الثَّمَنَ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا، فَمَا فَضَلَ حَبَسَهُ الْإِمَامُ لِلْغَائِبِ عِنْدَ أَمِينٍ وَإِنْ كَانَ نُقْصَانًا أَتْبَعَهُ بِهِ الْمُبْتَاعُ (كَأَنْ لَمْ يَعْلَمْ قُدُومَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِيهَا أَيْضًا نَفْيُ التَّلَوُّمِ وَفِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 356 حَمْلِهِ عَلَى الْخِلَافِ تَأْوِيلَانِ) الْمُتَيْطِيُّ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ يَتَلَوَّمُ لَهُ الْأَيَّامَ إنْ طَمِعَ بِقُدُومِهِ وَإِلَّا بَاعَهُ. وَفِي التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ مِنْهَا: إنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ قَضَى عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَلَوُّمًا، وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي قِسْمَتِهَا. فَحَمَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى الْخِلَافِ. وَلِمَالِكٍ أَيْضًا فِي بَعِيدِ الْغَيْبَةِ إنْ خَافَ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ أَوْ النَّقْصَ بَاعَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا نَصُّ عُيُوبِهَا. الْمُتَيْطِيُّ: الْقَوْلَانِ وِفَاقٌ وَمَعْنَاهُ يَتَلَوَّمُ لَهُ إنْ طَمِعَ بِقُدُومِهِ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَانْظُرْ إذَا كَانَ قَدْ غَابَ مُنْذُ شَهْرٍ لَا يَدْرِي الشُّهُودُ إلَى أَيْنَ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: الصَّوَابُ مَا قَالَهُ أَبُو مَرْوَانَ إنَّ الْمَجْهُولَ الْمَكَانَ فِي مَغِيبِهِ كَالْبَعِيدِ الْغَيْبَةِ أَوْ أَشَدَّ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْمُدَوَّنَةُ وَسِوَاهَا فِي مَسَائِلِ الْمَفْقُودِ وَفِي غَيْرِهَا (ثُمَّ قَضَى إنْ أَثْبَتَ عُهْدَةً) تَقَدَّمَ نَصُّهَا قَبْلَ قَوْلِهِ: " كَأَنْ لَمْ يَعْلَمْ قُدُومَهُ مُؤَرَّخًا ". ابْنُ لُبَابَةَ: وَتُؤَرِّخُ الْبَيِّنَةُ الشِّرَاءَ لِقِدَمِ الْبَيْعِ (وَصِحَّةَ الشِّرَاءِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فَسَّرَ ابْنُ مُحْرِزٍ وَالْمَازِرِيُّ الْمُدَوَّنَةَ بِأَنَّهُ يُكَلَّفُ ثُبُوتَ صِحَّةِ الْعَقْدِ قَالَا: خَوْفَ دَعْوَى الْغَائِبِ فَسَادَهُ (إنْ لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهَا) ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِهِمْ: إنَّمَا لَزِمَ الْمُبْتَاعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 357 الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ ابْتَاعَ بَيْعَ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ إذَا أَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي دَعْوَاهُ صِحَّةَ الْبَيْعِ، وَأَمَّا نَقْدُ الثَّمَنِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْعَادَةِ يُرِيدُ فَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ نَقْدَ الثَّمَنِ حَلَفَ أَنَّهُ نَقَدَهُ وَهُوَ كَذَا، وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ غَيْرَ النَّقْدِ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ عَلَى نَقْدِهِ وَعَدَدِهِ. (وَفَوْتُهُ حِسًّا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ " فَوْتُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حِسًّا بِالتَّلَفِ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ ". (كَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ " وَفَوْتُهُ حُكْمًا بِالْعِتْقِ " وَنَحْوُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ مَانِعٌ، مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ ابْتَاعَ أَمَةً بَيْعًا صَحِيحًا وَبِهَا عَيْبٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى مَاتَتْ أَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ كَاتَبَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ وَهَبَهَا لِغَيْرِ ثَوَابٍ، فَذَلِكَ كُلُّهُ فَوْتٌ يُوجِبُ الْآنَ قِيمَةَ الْعَيْبِ. وَانْظُرْ إذَا وَهَبَ نِصْفَهَا، هَلْ هُوَ فَوْتٌ مُوجِبٌ لِقِيمَةِ الْعَيْبِ بَيْنَ النِّصْفِ الْوَاحِدِ وَالْآخَرِ فَرْقٌ وَبَيْنَ بَيْعِ النِّصْفِ أَوْ هِبَتِهِ فَرْقٌ؟ اُنْظُرْ رَسْمَ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْعُيُوبِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 359 (فَيُقَوَّمُ سَالِمًا وَمَعِيبًا وَيَأْخُذُ مِنْ الثَّمَنِ النِّسْبَةَ) ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: تَفْسِيرُ الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الْجَارِيَةِ صَحِيحَةً يَوْمَ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنْ لَا عَيْبَ بِهَا، فَيُقَالُ مِائَةُ دِينَارٍ وَقِيمَتُهَا حِينَئِذٍ عَلَى أَنَّ بِهَا الْعَيْبَ، فَيُقَالُ ثَمَانُونَ دِينَارًا فَقَدْ نَقَصَهَا الْعَيْبُ الْخُمُسَ، فَيُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ وَهُوَ خُمُسُ الثَّمَنِ كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ أَدْنَى. فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 360 خَمْسِينَ حُطَّ عَنْهُ عَشَرَةٌ لِأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ أَرْبَعَةً وَبَقِيَ عِنْدَهُ جُزْءٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ بِثَمَنِهِ فَيَصِحَّ لَهُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَجْزَاءِ أَرْبَعُونَ. (وَوُقِفَ فِي رَهْنِهِ وَإِجَارَتِهِ لِخَلَاصِهِ وَرُدَّ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ وَجَدَ الْعَيْبَ بَعْدَمَا رَهَنَ أَوْ أَجَّرَ فَلَا أُرَاهُ فَوْتًا، وَمَتَى رَجَعَتْ إلَيْهِ بِافْتِكَاكٍ أَوْ انْقِضَاءِ أَجَلِ الْإِجَارَةِ فَلَهُ رَدُّهَا إنْ كَانَتْ بِحَالِهَا، وَإِنْ دَخَلَهَا عَيْبٌ مُفْسِدٌ رَدَّ مَعَهَا مَا نَقَصَهَا عِنْدَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُهُ أَنَّ الرَّهْنَ وَالْإِجَارَةَ لَيْسَا بِخُرُوجٍ مِنْ الْمِلْكِ فَأَشْبَهَ أَنْ لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً عِنْدَهُ بِمَوْضِعٍ لَا يَصِلُ فِيهِ الْآنَ إلَيْهَا، فَمَتَى رَجَعَتْ إلَى يَدِهِ كَانَ عَلَى أَوَّلِ أَمْرِهِ (كَرَدِّهِ لَهُ بِعَيْبٍ أَوْ بِمِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ كَبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ ادَّعَى بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ أَنَّ عَيْبًا كَانَ بِهِ عِنْدَ بَائِعِهِ مِنْهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ خُصُومَتُهُ إذْ لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ السِّلْعَةُ بِشِرَاءٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 361 صَدَقَةٍ أَوْ بِعَيْبٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ لَهُ رَدُّهَا عَلَى بَائِعِهَا الْأَوَّلِ إذَا كَانَ بَيْعُ هَذَا الْمُشْتَرِي حِينَ بَاعَهَا لَمْ يَعْلَمْ بِعَيْبِهَا. (فَإِنْ بَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ مُطْلَقًا أَوْ لَهُ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ أَوْ بِأَكْثَرَ إنْ دَلَّسَ فَلَا رُجُوعَ) أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً أَوْ عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا بَعْدَ أَنْ انْتَقَلَ مِلْكُهُ عَنْهَا وَصَارَتْ لِآخَرَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ أَوْ كَاتَبَ أَوْ اتَّخَذَ أُمَّ وَلَدٍ، فَإِنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ قَبْلَ خُرُوجِهِ عَنْ يَدِهِ ثُمَّ بَاعَ أَوْ وَهَبَ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ إذَا وَهَبَ أَوْ أَعْتَقَ، وَاخْتُلِفَ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّهُ فِي بَيْعِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ بَاعَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ فَقَدْ عَادَ إلَيْهِ ثَمَنُهُ، وَإِنْ بَاعَ بِأَقَلَّ فَإِنَّ النَّقْصَ لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الْعَيْبِ. اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْعَيْبِ وَالْعَبْدُ قَائِمٌ فَرَضِيَهُ، وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ إذَا بَاعَهُ لِبَائِعِهِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْأَوَّلِ لَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إذَا بَاعَهُ لِبَائِعِهِ بِأَكْثَرَ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: مَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 362 اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى مَنْ بَاعَهُ بِشَيْءٍ. وَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ: " إنْ دَلَّسَ " إنْ كَانَ عَنَى بِهِ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْعَيْبِ. (وَإِلَّا رَدَّ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ) اللَّخْمِيِّ: وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْفَضْلَ (وَلَهُ بِأَقَلَّ كَمَّلَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ بِدُونِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ اسْتَتَمَّ. (وَتَغَيُّرُ الْمَبِيعِ إنْ تَوَسَّطَ فَلَهُ أَخْذُ الْقَدِيمِ وَرَدُّهُ وَدَفْعُ الْحَادِثِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ " الصِّنْفُ الثَّانِي مَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ". وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: الْعُيُوبُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: عَيْبٌ خَفِيفٌ يَرُدُّ وَلَا يَرُدُّ مَا نَقَصَهُ لِيَسَارَتِهِ، وَعَيْبٌ مُفْسِدٌ لَا يَرُدُّ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فَقَطْ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَغَيْرُ هَذَيْنِ الْعَيْبَيْنِ يُخَيَّرُ الْمُبْتَاعُ فِي أَرْشِهِ أَوْ يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ الْحَادِثِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 363 (وَقُوِّمَا بِتَقْوِيمِ الْمَبِيعِ يَوْمَ ضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي) نَحْوُ هَذَا عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: الْمَازِرِيُّ: يُعْتَبَرُ التَّقْوِيمُ وَقْتَ ضَمَانِ ذَاتِ الْمُوَاضَعَةِ وَالْغَائِبِ وَالْفَاسِدِ اتِّفَاقًا وَاخْتِلَافًا. وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " فَيُقَوَّمُ سَالِمًا " قَالَ: إنْ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهَا وَيَرُدَّ مَعَهَا مَا نَقَصَهَا فَيُقَوَّمُ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا لِيَعْلَمَ ثَمَنَ مَا قَبَضَ الْمُبْتَاعُ لِيَغْرَمَ قِيمَةَ الْعَيْبِ مِنْهُ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْرَمَ قِيمَةَ الْعَيْبِ مِنْ أَمَةٍ صَحِيحَةٍ وَلَكِنْ مِنْ أَمَةٍ مَعِيبَةٍ كَمَا قَبَضَ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: مَا قِيمَتُهَا يَوْمَ وَقَعَ الشِّرَاءُ صَحِيحَةً بِلَا عَيْبٍ؟ فَيُقَالُ: مِائَةٌ. وَمَا قِيمَتُهَا حِينَئِذٍ وَبِهَا الْعَيْبُ الْقَدِيمُ؟ فَيُقَالُ: ثَمَانُونَ. فَيُطْرَحُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ خُمُسُهُ وَتَبْقَى أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ فَذَلِكَ ثَمَنُهَا يَوْمَ قَبَضَهَا، ثُمَّ يَنْظُرُ الثَّالِثَةَ إلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ وَقَعَ الشِّرَاءُ بِالْعَيْبَيْنِ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ. فَإِنْ قِيلَ سِتُّونَ فَقَدْ نَقَصَهَا الْعَيْبُ الْحَادِثُ رُبُعَ مَا بَقِيَ مِنْ ثَمَنِهَا بَعْدَ أَنْ أَسْقَطَ عَنْهُ خُمُسَ الثَّمَنِ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ كُلُّهُ خَمْسِينَ فَإِنْ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ رَجَعَ بِخُمُسِ الثَّمَنِ عَشَرَةٌ، وَإِنْ رَدَّهَا وَمَا نَقَصَهَا غَرِمَ رُبُعَ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ عَشَرَةٌ فَيُقَاصُّهُ بِهَا مِنْ ثَمَنِهِ وَيَأْخُذُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 364 مَا بَقِيَ. وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهُوَ أَبْيَنُ مَا فِي ذَلِكَ. (وَلَهُ إنْ زَادَ بِكَصَبْغٍ أَنْ يَرُدَّ وَيَشْتَرِكَ بِمَا زَادَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ فَعَلَ فِي الثَّوْبِ مَا زَادَتْ بِهِ قِيمَتُهُ مِنْ صِبْغٍ أَوْ خِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَهُ حَبْسُهُ وَأَخْذُ قِيمَةِ الْعَيْبِ أَوْ رَدُّهُ، وَيَكُونُ بِمَا زَادَتْ الصَّنْعَةُ شَرِيكًا لَا بِقِيمَةِ الصَّنْعَةِ وَلَا بِمَا أَدَّى يُقَوَّمُ الثَّوْبُ أَبْيَضَ مَعِيبًا فَتَكُونُ هَذِهِ الْقِيمَةُ رَأْسَ مَالِ الْبَائِعِ، ثُمَّ يُقَوَّمُ مَصْبُوغًا فَمَا زَادَ فَهُوَ بِهِ شَرِيكٌ، وَسَوَاءٌ دَلَّسَ لَهُ فِي هَذَا أَمْ لَا (يَوْمَ الْبَيْعِ عَلَى الْأَظْهَرِ) قَالَ الْقَابِسِيُّ: الْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ يَوْمَ الْحُكْمِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ إذَا نَقَصَ فَأَرَادَ الرَّدَّ وَرَدَّ مَا نَقَصَ أَنَّ الْقِيمَةَ فِي هَذَا يَوْمَ الْبَيْعِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ ثُمَّ وَجَدَ عَيْبًا فَإِنَّهُ يُقَالُ مَا قِيمَتُهُ يَوْمَ وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ بِغَيْرِ عَيْبٍ؟ فَيُقَالُ: مِائَةٌ. ثُمَّ يُقَالُ: وَكَمْ قِيمَتُهُ يَوْمئِذٍ مَعِيبًا لِيَعْلَمَ مَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ؟ فَيُقَالُ: ثَمَانُونَ. ثُمَّ يُقَالُ: وَكَمْ قِيمَتُهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ مَعِيبًا مَخِيطًا؟ فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ فَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ حَبَسَهُ وَأَخَذَ قِيمَةَ الْعَيْبِ وَهُوَ خُمُسُ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نَقَصَتْهُ الصَّنْعَةُ، فَإِنْ دَلَّسَ الْبَائِعُ رَدَّ الْمُشْتَرِي وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُدَلِّسْ لَمْ يَرُدَّهُ الْمُشْتَرِي إلَّا بِمَا نَقَصَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ (وَجُبِرَ بِهِ الْحَادِثُ) ابْنُ يُونُسَ: آخِرُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَجُعِلَ هَاهُنَا مَا أَحْدَثَهُ مِنْ الْخِيَاطَةِ يُجْبَرُ بِهَا مَا أَحْدَثَ مِنْ النَّقْصِ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: تَرَدَّدَ التُّونِسِيُّ فِي جَبْرِ الْقَطْعِ بِالْخِيَاطَةِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ الْأَمَةِ ابْتَاعَهَا بِعَيْبٍ وَقَدْ زَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ فَيُجْبَرُ نَقْصُ النِّكَاحِ بِالْوَلَدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 366 كَمَا يُجْبَرُ بِزِيَادَةِ قِيمَتِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: الْوَلَدُ وَالسِّمَنُ سَمَاوِيَّانِ وَالصِّبْغُ وَالْخِيَاطَةُ كَسْبِيَّانِ فَالْجَبْرُ بِهِمَا أَحْرَوِيٌّ. ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِهِمْ: اُنْظُرْ عَلَى هَذَا لَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ غَيْرُ الْقَطْعِ وَقَدْ أَحْدَثَ فِيهِ خِيَاطَةً أَوْ صِبْغًا، هَلْ يُجْبَرُ أَيْضًا مَا حَدَثَ عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْبِ بِالْخِيَاطَةِ وَالصِّبْغِ؟ اُنْظُرْهُ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ اشْتَرَى ثِيَابًا أَوْ غَيْرَهَا فَقَطَعَهَا. (وَفَرْقٌ بَيْنَ مُدَلِّسٍ وَغَيْرِهِ كَهَلَاكِهِ بِالتَّدْلِيسِ وَأَخْذِهِ مِنْهُ بِأَكْثَرَ وَتَبَرٍّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 368 مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ وَرَدِّ سِمْسَارٍ جُعْلًا وَمَبِيعٌ لِمَحِلِّهِ إنْ رُدَّ بِعَيْبٍ وَإِلَّا رُدَّ إنْ قَرُبَ) تَقَدَّمَ بَعْضُ هَذِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 371 الْفُرُوعِ وَإِنَّمَا كَرَّرَهَا لِأَنَّ مَقَاصِدَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالنَّظَائِرِ. فَأَمَّا الْفَرْعُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُهُ: " إنْ نَقَصَ " فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالثَّوْبِ عَيْبًا بَعْدَ الْقَطْعِ وَقَبْلَ الْخِيَاطَةِ وَالْبَائِعُ مُدَلِّسٌ رَدَّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْقَطْعِ أَوْ أَمْسَكَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْعَيْبِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدَلِّسٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ وَيَرْجِعَ بِالْعَيْبِ أَوْ يَرُدَّ وَيَرُدَّ عَيْبَ الْقَطْعِ، وَأَمَّا إنْ خَاطَهُ اُنْظُرْهُ فِي بَابِ الْعُيُوبِ فِي الْعُرُوضِ مِنْ اللَّخْمِيِّ. وَأَمَّا الْفَرْعُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ: " كَهَلَاكِهِ بِالتَّدْلِيسِ " فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَبِهِ عَيْبٌ فَهَلَكَ مِنْهُ أَوْ تَنَاهَى إلَى أَكْثَرَ، فَإِنْ لَمْ يُدَلِّسْ الْبَائِعُ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ إنْ هَلَكَ، وَإِنْ تَنَاهَى إلَى أَكْثَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ أَوْ يَرُدَّ وَيَرُدَّ قِيمَةَ مَا تَنَاهَى، وَإِنْ دَلَّسَ بِالْعَيْبِ رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إنْ مَاتَ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إنْ تَنَاهَى وَيَرْجِعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ دَلَّسَ بِمَرَضٍ فَاتَ مِنْهُ رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ دَلَّسَ بِالسَّرِقَةِ فَسَرَقَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ رَدَّهُ أَقْطَعَ وَرَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَأَمَّا الْفَرْعُ الثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُهُ: " وَأَخَذَهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ " فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: " وَبِأَكْثَرَ إنْ دَلَّسَ ". وَأَمَّا الْفَرْعُ الرَّابِعُ وَهُوَ قَوْلُهُ: " وَتَبَرَّأَ مِمَّا لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 374 يَعْلَمْ " فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: " وَتَبَرَّأَ غَيْرُهُمَا فِيهِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ ". . وَأَمَّا الْفَرْعُ الْخَامِسُ وَهُوَ قَوْلُهُ: " وَرَدِّ سِمْسَارٍ جُعْلًا " فَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا رُدَّتْ السِّلْعَةُ بِعَيْبٍ رَدَّ السِّمْسَارُ الْجُعْلَ عَلَى الْبَائِعِ. قَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ: مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يُدَلِّسْ، وَأَمَّا إنْ دَلَّسَ فَالْجُعْلُ لِلْأَجِيرِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَا بَاعَهُ الطَّوَّافُونَ فِي الْمُزَايَدَةِ وَمِثْلُ النَّخَّاسِينَ وَمَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَبِيعُ لِلنَّاسِ فَلَا عُهْدَةَ عَلَيْهِمْ فِي بَيْعٍ وَلَا اسْتِحْقَاقَ وَإِنَّمَا التَّبَاعَةُ عَلَى رَبِّهِ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا اُتُّبِعَ. وَأَمَّا الْفَرْعُ السَّادِسُ وَهُوَ قَوْلُهُ: " وَمَبِيعٌ لِمَحَلِّهِ إنْ رُدَّ بِعَيْبٍ وَإِلَّا رُدَّ إنْ قَرُبَ " فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: لَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَحَمَلَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ فِيهَا فَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا إلَى مَوْضِعٍ اشْتَرَاهَا فِيهِ لِتَدْلِيسِهِ عَلَيْهِ وَقِيلَ: ذَلِكَ عَلَيْهِ. اللَّخْمِيِّ: وَالْأَحْسَنُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ كِرَاءَ رَدِّهَا عَلَى بَائِعِهَا لِأَنَّهُ غَرَّهُ. (وَإِلَّا فَاتَ كَعَجْفِ دَابَّةٍ وَسِمَنِهَا) قَوْلُهُ: " وَإِلَّا فَاتَ " أَيْ بِنِسْبَتِهِ، وَمَعْنَاهُ لَا يَتَحَتَّمُ الرَّدُّ بَلْ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فِي الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ، أَمَّا إنْ لَمْ يَقْرُبْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 375 الْأَمْرُ فِي رَدِّ السِّلْعَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: لَوْ كَانَتْ سِلْعَةٌ فَأَدَّى فِي حَمْلِهَا ثَمَنًا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا يَعْنِي وَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ دَلَّسَ لَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَتَمَاسَكَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَيَصِيرَ كَعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَهُ. وَأَمَّا الدَّابَّةُ يَشْتَرِيهَا سَمِينَةً فَتَعْجَفُ عِنْدَهُ ثُمَّ يَجِدُ فِيهَا عَيْبًا فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَمَا نَقَصَهَا أَوْ حَبَسَهَا وَأَخَذَ قِيمَةَ الْعَيْبِ. وَأَمَّا الدَّابَّةُ يَشْتَرِيهَا مَهْزُولَةً فَتَسْمَنُ عِنْدَهُ ثُمَّ يَجِدُ بِهَا عَيْبًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَ سِمَنًا بَيِّنًا فَإِنَّهُ أَيْضًا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا كَمَا هِيَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَأَخَذَ قِيمَةَ الْعَيْبِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صَلَاحُ الْبَدَنِ بِغَيْرِ بَيْنِ السِّمَنِ لَغْوٌ. وَعَنْ مَالِكٍ فِي الدَّابَّةِ الْمَهْزُولَةِ تَسْمَنُ رِوَايَتَانِ: نَفْيُ الْخِيَارِ وَإِثْبَاتُهُ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا تَقَدَّمَ اهـ. وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْفُرُوعَ الثَّلَاثَةَ الْخِيَارُ فِيهَا ثَابِتٌ لِلْمُشْتَرِي لَكِنْ فِي النَّقْلِ وَالسِّمَنِ إنْ رُدَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ بِخِلَافِ الْعَجْفِ، فَلَوْ قَالَ: " وَإِلَّا فَاتَ كَسِمَنِ دَابَّةٍ وَعَجْفِهَا " لِيَعْطِفَ عَلَى عَجْفِهَا مَا بَعْدَهُ لِاسْتِوَاءِ ذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ لَكَانَ أَبْيَنَ، وَإِلَّا فَانْظُرْ أَنْتَ فِي ذَلِكَ، وَانْظُرْ إذَا خُصِيَ الْعَبْدُ فَزَادَ ثَمَنُهُ، وَانْظُرْ هُزَالَ الرَّقِيقِ وَسِمَنَهُمْ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَالِكٌ: إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِفَوْتٍ. اُنْظُرْ رَسْمَ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْعُيُوبِ. (وَعَمًى وَشَلَلٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ عَيْبٌ مُفْسِدٌ كَالْقَطْعِ وَالشَّلَلِ وَالْعَوَرِ وَالْعَمَى فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ وَمَا نَقَصَهُ ذَلِكَ الْعَيْبُ أَوْ يَتَمَاسَكَ وَيَرْجِعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ أَنَا أَقْبَلُهُ بِالْعَيْبِ الَّذِي أَصَابَهُ عِنْدَك وَأَرُدُّ الثَّمَنَ كُلَّهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ كَمَنْ لَمْ يَحْدُثْ عِنْدَهُ عَيْبٌ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَرُدَّهُ بِلَا غُرْمٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ عَيْبِهِ دَلَّسَ لَهُ الْبَائِع أَمْ لَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُبْتَاعُ أَنْ يَحْبِسَهُ مَعِيبًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَذَلِكَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ أَنَا آخُذُهُ وَأَرْجِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِقَدْرِ مَا أَصَابَهُ عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْبِ. وَكُلُّ مَا حَدَثَ بِالرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ مِنْ عَيْبٍ مُفْسِدٍ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ عَيْبٍ التَّدْلِيسِ فَلَا يَرُدُّهُ إنْ وَجَدَ عَيْبًا إلَّا بِمَا نَقَصَهُ ذَلِكَ عِنْدَهُ، دَلَّسَ لَهُ الْبَائِعُ بِالْعَيْبِ أَمْ لَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ الدُّورُ بِخِلَافِ الثِّيَابِ تُقْطَعُ وَتُقَصَّرُ إذْ لِهَذَا تُشْتَرَى فَيَفْتَرِقُ فِيهَا التَّدْلِيسُ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 376 غَيْرِهِ، وَيَصِيرُ الْمُدَلِّسُ كَالْآذِنِ فِي ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الرَّدِّ مِمَّا نَقَصَهَا إلَّا أَنْ يَفْعَلَ فِي الثِّيَابِ مَا لَا يُفْعَلُ فِي مِثْلِهَا أَوْ يَحْدُثُ فِيهَا عَيْبٌ مُفْسِدٌ مِنْ غَيْرِ التَّقْطِيعِ فَلَا يَرُدَّهَا، إلَّا بِمَا نَقَصَهَا. قَالَ: وَإِنْ قَطَّعَ الثِّيَابَ قُمُصًا أَوْ سَرَاوِيلَاتٍ أَوْ أَقْبِيَةً ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْبَائِعُ فَالْمُبْتَاعُ مُخَيَّرٌ فِي حَبْسِهِ وَالرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ أَوْ رَدِّهِ وَمَا نَقَصَهُ الْقَطْعُ، فَإِنْ دَلَّسَ لَهُ الْبَائِعُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُبْتَاعِ لِمَا نَقَصَ الْقَطْعُ إنْ رَدَّهُ. (وَتَزْوِيجِ أَمَةٍ وَجُبِرَ بِالْوَلَدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى أَمَةً فَزَوَّجَهَا مِنْ عَبْدِهِ أَوْ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 377 رَجُلٍ حُرٍّ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهَا، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ فَسْخُ النِّكَاحِ وَعَلَى الْمُبْتَاعِ مَا نَقَصَهَا النِّكَاحُ، وَإِنْ لَمْ يُنْقِصْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا رَدَّهَا وَمَعَهَا وَلَدٌ فَيَكُونُ أَكْثَرَ لِثَمَنِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هَذَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ يَدُلُّ أَنَّهُ إنْ نَقَصَهَا النِّكَاحُ وَقَدْ وَلَدَتْ وَفِي الْوَلَدِ مَا يُجْبَرُ بِهِ نَقْصُ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ ذَلِكَ بِالْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ آخَرَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ بِالْوَلَدِ. (إلَّا أَنْ يَقْبَلَهُ بِالْحَادِثِ أَوْ يَقِلَّ فَكَالْعَدَمِ) أَمَّا إذَا قَالَ الْبَائِعُ أَقْبَلُ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ الَّذِي أَصَابَهُ عِنْدَك وَأَرُدُّ الثَّمَنَ كُلَّهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لِأَنَّهُ كَمَنْ لَمْ يَحْدُثْ عِنْدَهُ عَيْبٌ، وَأَمَّا إنْ قَلَّ الْعَيْبُ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ الْعَيْبَ الْخَفِيفَ الْحَادِثَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ يَرُدُّ الْمَبِيعَ وَلَا يَرُدُّ مَا نَقَصَهُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْمَرَضُ الْخَفِيفُ لَا يُثْبِتُ خِيَارًا (كَوَعْكٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: الْوَعْكُ يَسِيرٌ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَمْ أَجِدْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ (وَرَمَدٍ وَصُدَاعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْعَيْبُ الْخَفِيفُ كَالرَّمَدِ وَالْكَيِّ وَالدَّمَامِيلِ وَالْحُمَّى وَالصُّدَاعِ وَكُلِّ عَيْبٍ لَيْسَ بِمَخُوفٍ وَإِنْ نَقَصَهُ ذَلِكَ فَلَهُ رَدُّهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا. ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي هِيَ تُتْلِفُ الْعَبْدَ وَلَا تُنْقِصُهُ نَقْصًا كَثِيرًا، وَكَذَلِكَ لَا يُفِيتُ الرَّدَّ حَوَالَةُ سُوقٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 378 وَلَا نَمَاءٍ. (وَذَهَابِ ظُفْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ ذَهَبَ ظُفْرٌ فَلَهُ رَدُّهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا أَرَاهُ عَيْبًا (وَخَفِيفِ حُمَّى) الْبَاجِيُّ: عِنْدِي أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَرَادَ بِالْحُمَّى الْخَفِيفَةَ دُونَ مَا أَضْعَفَ وَمَنْعُ التَّصَرُّفِ مِمَّا يَنْدُرُ فَلَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ النَّقْصِ. (وَوَطْءِ ثَيِّبٍ) الْبَاجِيُّ: مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ لَا يَكُونُ فَوْتًا فِي ثَيِّبٍ وَلَا بِكْرٍ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا رَدَّهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُدَلِّسًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُدَلِّسٍ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا وَالْبَائِعُ غَيْرُ مُدَلِّسٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسِكَ وَيَرْجِعَ بِالْعَيْبِ أَوْ يَرُدَّ وَيَرُدَّ مَا نَقَصَ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ مُدَلِّسًا. (وَقَطْعٍ مُعْتَادٍ) ابْنُ رُشْدٍ: النُّقْصَانُ بِمَا أَحْدَثَهُ الْمُبْتَاعُ فِي الْمَبِيعِ بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَحْدُثَ فِيهِ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ الثَّوْبَ فَيَقْطَعَهُ فَيُنْقِصَ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِهِ فَإِنَّ هَذَا فَوْتٌ، وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَمْسِكَهُ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ أَوْ يَرُدَّ وَيَرُدَّ مَا نَقَصَهُ ذَلِكَ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدَلِّسًا فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ لِلنُّقْصَانِ شَيْءٌ يَرُدُّهُ مِنْ أَجْلِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ آخِرَ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ وَتَزْوِيجِ أَمَةٍ، وَانْظُرْ هَذَا كُلَّهُ مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ (وَالْمُخْرِجُ عَنْ الْمَقْصُودِ مُفِيتٌ بِالْأَرْشِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ الْعَيْبُ الْحَادِثُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَثِيرًا يُبْطِلُ ذَلِكَ الْغَرَضَ الَّذِي يُرَادُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدٌّ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ. (كَكِبَرِ صَغِيرٍ وَهَرَمٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ صَغِيرًا فَكَبِرَ عِنْدَهُ أَوْ كَبِيرًا فَهَرِمَ عِنْدَهُ فَذَلِكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 379 فَوْتٌ يُوجِبُ لَهُ الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لِأَحَدِهِمَا (وَافْتِضَاضِ بِكْرٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْبَاجِيُّ وَنَصُّ اللَّخْمِيِّ فَانْظُرْهُ (وَقَطْعٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ) وَانْظُرْ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقَطْعٍ مُعْتَادٍ " (إلَّا أَنْ يَهْلَكَ بِعَيْبِ التَّدْلِيسِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا دَلَّسَ فِيهِ بِعَيْبٍ فَهَلَكَ الْعَبْدُ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعَيْبِ أَوْ نَقَصَ، فَضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَيَرُدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ كَالتَّدْلِيسِ بِالْمَرَضِ فَيَمُوتُ مِنْهُ أَوْ بِالسَّرِقَةِ فَيَسْرِقُ فَتُقْطَعُ يَدُهُ فَيَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ يَحْيَا، أَوْ بِالْإِبَاقِ فَيَأْبَقُ فَهَلَكَ أَوْ ذَهَبَ فَلَمْ يَرْجِعْ. ابْنُ شِهَابٍ: أَوْ بِالْجُنُونِ فَخُنِقَ فَمَاتَ، فَهَذَا كُلُّهُ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَيَرُدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ (أَوْ بِسَمَاوِيٍّ زَمَنَهُ) اللَّخْمِيِّ: إنْ ذَهَبَ يَسْرِقُ فَسَقَطَ مِنْ مَوْضِعٍ فَهَلَكَ فِي ذَهَابِهِ أَوْ فِي رُجُوعِهِ كَانَ مِنْ بَائِعِهِ (كَمَوْتِهِ فِي إبَاقِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فَيَأْبَقُ فَهَلَكَ (وَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي وَهَلَكَ بِعَيْبِهِ رَجَعَ عَلَى الْمُدَلِّسِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بَائِعُهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَإِنْ زَادَ فَلِلثَّانِي) التُّونِسِيُّ: إذَا كَانَ الْأَوَّلُ دَلَّسَ بِالْإِبَاقِ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي وَلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 380 يَعْلَمُ بِإِبَاقِهِ فَأَبَقَ عِنْدَ الْآخَرِ فَذَهَبَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُؤْخَذُ الثَّمَنُ كُلُّهُ مِنْ الْأَوَّلِ فَيَدْفَعُ الْآخَرُ مِنْهُ ثَمَنَهُ، فَإِنْ فَضَلَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ (وَإِنْ نَقَصَ فَهَلْ يُكَمِّلُهُ الثَّانِي؟ قَوْلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَقْوَالُ فِي هَذَا سِتَّةٌ اُنْظُرْهُ فِيهِ. (وَلَمْ يُحَلِّفْ مُشْتَرٍ اُدُّعِيَتْ رُؤْيَتُهُ إلَّا بِدَعْوَى الْإِرَاءَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ احْلِفْ أَنَّك لَمْ تَرَ الْعَيْبَ حِينَ اشْتَرَيْت لَمْ يَلْزَمْهُ يَمِينٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَدْ رَآهُ فَيُلْزَمُ الْعَيْبَ أَوْ يَدَّعِي أَنَّهُ أَرَاهُ إيَّاهُ فَلْيَحْلِفْ لَهُ. ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ عَيْبًا ظَاهِرًا لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 381 يَشُكُّ أَنَّهُ يَرَاهُ كَالْعَوَرِ فَلْيُحَلِّفْهُ وَإِلَّا فَلَا. (وَلَا الرِّضَا بِهِ إلَّا بِدَعْوَى مُخْبِرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا دَلَّسَهُ الْبَائِعُ فَأَرَادَ رَدَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ: احْلِفْ لِي أَنَّك لَمْ تَرْضَ بِالْعَيْبِ بَعْدَ أَنْ رَأَيْتَهُ وَلَا تَسَوَّقْتَ بِهِ، فَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ مُخْبِرًا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَسَوَّقَ بِهِ بَعْدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 382 مَعْرِفَتِهِ بِالْعَيْبِ أَوْ رَضِيَهُ. ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: وَيَحْلِفُ الْبَائِعُ أَوَّلًا لَقَدْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ. زَادَ غَيْرُهُ مُخْبِرُ صِدْقٍ. (وَلَا بَائِعٌ أَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ لِإِبَاقِهِ بِالْقُرْبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا فَأَبَقَ عِنْدَهُ بِقُرْبِ الْبَيْعِ فَقَالَ الْبَائِعُ أَخْشَى أَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ بِقُرْبِ الْبَيْعِ إلَّا وَقَدْ كَانَ عِنْدَكَ آبِقًا فَاحْلِفْ لِي فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَا جُهِلَ أَمْرُهُ فَهُوَ عَلَى السَّلَامَةِ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ، وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ أَخْبَرَ أَنَّ الْعَبْدَ لِغَيْرِهِ أَوْ لَا فَرْقٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَبَيْنَ الْعُيُوبِ الَّتِي فِي الْأَبْدَانِ وَاَلَّتِي فِي الْأَخْلَاقِ وَعَرَفَ وَهَلْ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ أَوْ عَلَى الْعِلْمِ؟ اُنْظُرْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ الْعُيُوبِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَكْثَرِ الْعَيْبِ يَرْجِعُ بِالزَّائِدِ وَأَقَلِّهِ بِالْجَمِيعِ أَوْ بِالزَّائِدِ مُطْلَقًا أَوْ بَيْنَ هَلَاكِهِ فِيمَا بَيْنَهُ أَوْ لَا؟ أَقْوَالٌ) أَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَكْثَرِ الْعَيْبِ يَرْجِعُ بِالزَّائِدِ وَأَقَلِّهِ بِالْجَمِيعِ فَلَمْ يَعْزُهُ ابْنُ يُونُسَ وَنَصُّهُ: قَالَ غَيْرُهُ: إنْ بَيَّنَ لَهُ أَكْثَرَ الْعَيْبِ الَّذِي هَلَكَ بِسَبَبِهِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي هَاهُنَا بِمِقْدَارِ مَا كَتَمَهُ، وَإِنْ كَتَمَهُ أَكْثَرَ الْعَيْبِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِالزَّائِدِ مُطْلَقًا فَلَمْ يَعْزُهُ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 383 وَنَصُّهُ: وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا قَالَ أَبَقَ مَرَّةً وَقَدْ كَانَ أَبَقَ مَرَّتَيْنِ فَأَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ بِسَبَبِ الْإِبَاقِ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِقَدْرِ مَا كَتَمَهُ بِخِلَافِ إنْ دَلَّسَ بِجَمِيعِ الْإِبَاقِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ إنْ هَلَكَ فِيمَا بَيَّنَهُ لَهُ وَإِلَّا رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَهُوَ لِابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سُئِلَ عَنْ الَّذِي يَبِيعُ عَبْدًا وَيَقُولُ لِلْمُشْتَرِي أَبَقَ شَهْرًا وَهُوَ قَدْ أَبَقَ سَنَةً وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعُيُوبِ الَّذِي يَكْتُمُ بَعْضَهَا، هَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ كَتَمَ جَمِيعَ الْعُيُوبِ أَوْ لَا؟ فَقَالَ: الَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إنْ هَلَكَ الْعَبْدُ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي بَيَّنَ لَهُ فَأَقَلَّ فَلَا يَكُونُ كَالْمُدَلِّسِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَإِنْ هَلَكَ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي دَلَّسَ عَلَيْهِ بِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَبَقَ شَهْرًا وَقَدْ أَبَقَ سَنَةً، فَإِنْ أَبَقَ فَهَلَكَ فِي الشَّهْرِ فَأَقَلَّ فَلَا يَكُونُ كَالْمُدَلِّسِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ. وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِهَلَاكِهِ فِيمَا دَلَّسَ بِهِ انْتَهَى. فَانْظُرْ هَذِهِ الْأَقْوَالَ فِي ابْنِ يُونُسَ لَيْسَتْ خِلَافًا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ. وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ خَلِيلٍ أَنَّ فِي كُلّ صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ يَكُونُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَانْظُرْ أَنْتَ فِي ذَلِكَ. (وَرُدَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ بِحِصَّتِهِ) ابْنُ يُونُسَ: الْقَضَاءُ فِيمَنْ ابْتَاعَ أَشْيَاءَ فِي صَفْقَةٍ فَأَلْفَى بِبَعْضِهَا عَيْبًا بَعْدَ أَنْ قَبَضَهَا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَدُّ الْمَعِيبِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَعِيبُ وَجْهَ الصَّفْقَةِ وَفِيهِ رَجَاءُ الْفَضْلِ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الرِّضَا بِالْعَيْبِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدُّ جَمِيعَ الصَّفْقَةِ. وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ أَصْنَافًا مُخْتَلِفَةً فَوَجَدَ بِصِنْفٍ مِنْهَا عَيْبًا، فَإِنْ كَانَ وَجْهَ الصَّفْقَةِ فَلْيَرُدَّ الْجَمِيعَ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا وَقَعَ الْعَيْبُ نِصْفَ الثَّمَنِ فَأَقَلَّ فَلَيْسَ وَجْهَ الصَّفْقَةِ وَلَمْ يَرُدَّ إلَّا الْمَعِيبَ بِحِصَّتِهِ، وَإِنْ وَقَعَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ فَهُوَ وَجْهُ الصَّفْقَةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ ابْتَاعَ عَبْدَيْنِ بِمِائَةِ دِينَارٍ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ رَدُّ مَا وُجِدَ مَعِيبًا بِحِصَّتِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْآخَرِ. (وَرَجَعَ بِالْقِيمَةِ إنْ كَانَ الثَّمَنُ سِلْعَةً) ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ كَانَ الثَّمَنُ عَرْضًا مِثْلَ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا بِثَوْبَيْنِ فَوَجَدَ عَيْبًا بِأَدْنَى الثَّوْبَيْنِ وَقَدْ فَاتَ أَرْفَعُهُمَا وَالْعَبْدُ قَائِمٌ لَمْ يَفُتْ رَدَّ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ وَرَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ لَا فِي عَيْنِهِ، يُرِيدُ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ فِيهِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَكْثَرَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ إلَّا إنْ وَقَعَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ فَهُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 384 وَجْهُ الصَّفْقَةِ فَيَرُدُّ الْجَمِيعَ. (أَوْ أَحَدَ مُزْدَوِجَيْنِ أَوْ أُمًّا وَوَلَدَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ ابْتَاعَ خُفَّيْنِ أَوْ نَعْلَيْنِ أَوْ مِصْرَاعَيْنِ وَكُلَّ مَا هُوَ زَوْجٌ فَأَصَابَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِمَّا رَدَّهُمَا جَمِيعًا أَوْ حَبَسَهُمَا جَمِيعًا. وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِأَخٍ لِصَاحِبِهِ أَوْ كَانَتْ نِعَالًا فُرَادَى فَلَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَجْهَ الصَّفْقَةِ، وَحُكْمُ الْأُمِّ تُبَاعُ مَعَ وَلَدِهَا فَيُوجَدُ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ حُكْمُ مَا لَا يَفْتَرِقُ. (وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِأَقَلَّ اُسْتُحِقَّ أَكْثَرُهُ) صَوَابُهُ عِيبَ أَكْثَرُهُ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ: وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ فَكَالْعَيْبِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى ثِيَابًا كَثِيرَةً فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا أَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا، فَإِنْ كَانَ وَجْهَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 387 الصَّفْقَةِ انْتَقَضَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَرَدَّ مَا بَقِيَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَمَاسَكَ بِمَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ إذْ لَا يَعْرِفُ حَتَّى يُقَوَّمَ. ابْنُ يُونُسَ: وَأَنَا أَسْتَحْسِنُ إذَا اسْتَحَقَّ الْكَثِيرَ وَرَضِيَ الْمُبْتَاعُ أَنْ يَأْخُذَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَنْ لَا يَأْخُذَ إلَّا بَعْدَ التَّقْوِيمِ وَمَعْرِفَةِ حِصَّةِ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ فَيَأْخُذَ بِذَلِكَ أَوْ يَرُدَّ فَيَسْلَمَ مِمَّا كَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ. (فَإِنْ كَانَ دِرْهَمَانِ وَسِلْعَةٌ تُسَاوِي عَشَرَةً بِثَوْبٍ فَاسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ وَفَاتَ الثَّوْبُ فَلَهُ رَدُّ قِيمَةِ الثَّوْبِ بِكَمَالِهِ وَرَدُّ الدِّرْهَمَيْنِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: فَلَوْ كَانَ دِرْهَمَانِ وَسِلْعَةٌ تُسَاوِي عَشَرَةً بِثَوْبٍ فَاسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ وَفَاتَ الثَّوْبُ فَلَهُ قِيمَةُ الثَّوْبِ بِكَمَالِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَرُدُّ الدِّرْهَمَيْنِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذِهِ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا أَدْرِي مُوجِبَ ذِكْرِهِ إيَّاهَا هُنَا وَنَفْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا أَعْرِفُهَا لِغَيْرِهِ اهـ. وَلِابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ: إنْ كَانَ دِرْهَمَانِ وَسِلْعَةٌ تُسَاوِي عَشَرَةً بِعَبْدٍ فَفَاتَ الْعَبْدُ بِيَدِ مُشْتَرِيهِ وَاسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الدِّرْهَمَيْنِ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ عَبْدِهِ. (وَرَدُّ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا ابْتَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا فِي صَفْقَةٍ فَوَجَدَا بِهِ عَيْبًا فَلِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَحْبِسَ دُونَ الْآخَرِ شَاءَ ذَلِكَ الْبَائِعُ أَوْ أَبَى. ابْنُ الْقَاسِمِ: وُجُوبُ الرَّدِّ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا بَيِّنٌ إذْ لَوْ فَلَّسَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَتْبَعْ إلَّا بِنِصْفِ الثَّمَنِ. ابْنُ يُونُسَ: وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ اجْتَمَعَ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهِ عَاقِدَانِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ رَدُّ الْمَبِيعِ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا بِرَدِّهِ فِي حَقِّ الْآخَرِ، أَصْلُهُ إذَا كَانَ الْبَائِعَانِ رَجُلَيْنِ وَالْمُشْتَرِي وَاحِدًا لِأَنَّهُ مُبْتَاعٌ وَجَدَ بِمَا ابْتَاعَهُ عَيْبًا فَلَمْ يَرْضَ بِهِ وَلَمْ يَفُتْ عِنْدَهُ فَكَانَ لَهُ رَدُّهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ بِغَيْرِ أَصْلِهِ إذَا انْفَرَدَ بِهِ (وَعَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ) الْمَازِرِيُّ: لِمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلَيْنِ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ دُونَ الْآخَرِ وَتُعَدُّ صَفْقَتُهُمَا صَفْقَتَيْنِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ لِدُخُولِهِمْ عَلَى اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ كَمَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي اتِّحَادِ الْبَائِعِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا مَرْدُودٌ وَيُؤَيِّدُ نَقْلُ الْمَازِرِيِّ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ فِي السَّلَمِ الثَّانِي اُنْظُرْهُ فِيهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 388 مِنْ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ فَظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ فَلَهُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً قَرِيبَةً كَالْيَوْمِ وَنَحْوِهِ فَلْيَنْتَظِرْ لَعَلَّ لَهُ حُجَّةً، وَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ بَعِيدَةً فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْتَاعَ بَيْعَ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ يُرِيدُ وَأَنَّهُ نَقَدَ الثَّمَنَ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا. اُنْظُرْ فِي الْعَيْبِ فَإِنْ كَانَ قَدِيمًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ رَدَّ الْبَيْعَ عَلَى الشَّرِيكِ الْحَاضِرِ، وَإِنْ كَانَ يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَعَلَى الْمُبْتَاعِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَإِلَّا حَلَفَ الشَّرِيكُ بِاَللَّهِ مَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَهُ وَبُرِّئَ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ كَانَ ظَاهِرًا أَوْ خَفِيًّا لِأَنَّ غَيْرَهُ تَوَلَّى الْبَيْعَ كَالْوَارِثِ، وَلَوْ حَضَرَ الْبَائِعُ مِنْهُ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ فِي الظَّاهِرِ وَفِيمَا يَخْفَى عَلَى الْعِلْمِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فِي الْعَيْبِ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: " بِلَا يَمِينٍ ". قَالَ ابْنُ يُونُسَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى أَمَةً فَطَعَنَ فِيهَا بِعَيْبٍ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بِهَا عَيْبًا إلَّا بِقَوْلِهِ فَقَالَ لِلْبَائِعِ احْلِفْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهَا يَوْمَ بِعْتَهَا مِنِّي عَيْبٌ، فَلَا يَجِبُ بِذَلِكَ يَمِينٌ عَلَى الْبَائِعِ لَا عَلَى الْبَتِّ وَلَا عَلَى الْعِلْمِ (أَوْ قِدَمِهِ إلَّا بِشَهَادَةِ عَادَةٍ لِلْمُشْتَرِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لَا يَخْفَى مِثْلُهُ حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ مَا بَاعَهُ وَهُوَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْفَى مِثْلُهُ وَيَرَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهُ حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَى الْعِلْمِ وَعَلَى الْمُبْتَاعِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ قَدِيمًا عِنْدَ الْبَائِعِ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ قَامَ بِعَيْبٍ ظَاهِرٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَجَبَ بِهِ الرَّدُّ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ أَصْلًا وَلَا مَقَالَ لِلْبَائِعِ، لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ قَدْ ثَبَتَ صِدْقُهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا أَوْ خَفِيًّا. الْبَاجِيُّ: إنْ شَهِدُوا أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ مِمَّا حَدَثَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ وَتَيَقَّنُوا ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُبْتَاعِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ شَكُّوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَحْلِفُ الْبَائِعُ فِي الْعَيْبِ الظَّاهِرِ عَلَى الْبَتِّ وَفِي الْخَفِيِّ عَلَى الْعِلْمِ (وَحَلَفَ مَنْ لَمْ يُقْطَعْ بِصِدْقِهِ) اُنْظُرْ ثَالِثَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْعُيُوبِ (وَقُبِلَ لِلتَّعَذُّرِ غَيْرُ عُدُولٍ أَوْ مُشْرِكَيْنِ) الْبَاجِيُّ: إنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ وَغَيْرُهُ: لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ أَوْ عُيُوبِهَا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ كَالْأَمْرَاضِ الَّتِي لَا يَعْرِفُ أَسْرَارَهَا إلَّا الْأَطِبَّاءُ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا قَوْلُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَهُوَ أَتَمُّ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمْ أَهْلُ عَدْلٍ قُبِلَ فِيهِمْ قَوْلُ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ لِأَنَّ طَرِيقَ ذَلِكَ الْخَبَرُ مِمَّا يَنْفَرِدُونَ بِعِلْمِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْعُيُوبِ فِي جَسَدِ الْمَرْأَةِ فَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَا تَحْتَ الثِّيَابِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 389 مِنْ الْعُيُوبِ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ الَّذِي يَشْهَدُ النِّسَاءُ بِهِ مِمَّا يَسْتَوِي فِيهِ النِّسَاءُ قُبِلَ فِيهِ امْرَأَتَانِ مِنْ عُدُولِ النِّسَاءِ دُونَ يَمِينٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِمَعْرِفَتِهَا أَهْلُ الْعِلْمِ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ بِصِفَتِهِ وَسُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ عَنْ الْحُكْمِ. الْمُتَيْطِيُّ: الْوَاحِدُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمْ يَكْفِي، إذْ طَرِيقُ ذَلِكَ الْعِلْمُ لَا الشَّهَادَةُ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَعْمُولُ بِهِ (وَيَمِينُهُ بِعْتُهُ وَفِي ذِي التَّوْفِيَةِ وَأَقْبَضْته وَمَا هُوَ بِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَمِينُهُ بِعْته وَأَقْبَضْته وَمَا بِهِ عَيْبٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُهُ: " وَأَقْبَضْته " مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ فِي أَنَّ الضَّمَانَ فِيهَا لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ وَهُوَ حَاضِرٌ بِالْعَقْدِ لَا بِالْقَبْضِ. وَكَذَا اقْتِصَارُهُ عَلَى قَوْلِهِ: " وَمَا بِهِ عَيْبٌ " إنَّمَا الْوَاجِبُ نَفْيُ الْعَيْبِ الْمَخْصُوصِ فَإِنْ نَفَاهُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ كَفَاهُ حَسْبَمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ: يَحْلِفُ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ عَيْبٌ أَوْ مَا بِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَذَا مُقْتَضَى الْأُصُولِ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْيَمِينِ إنَّمَا هُوَ نَقِيضُ نَفْسِ الدَّعْوَى (بَتًّا فِي الظَّاهِرِ وَعَلَى الْعِلْمِ فِي الْخَفِيِّ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ قِدَمِهِ ". (وَالْغَلَّةُ لَهُ لِلْفَسْخِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " إلَّا مَا لَا يُنْقِصُ كَسُكْنَى الدَّارِ " (وَلَمْ تُرَدَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ دَارًا أَوْ عَبِيدًا فَاغْتَلَّهُمْ ثُمَّ رَدَّهُمْ بِعَيْبٍ كَانَ مَا اغْتَلَّ مِنْهُمْ لَهُ بِضَمَانِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا (بِخِلَافِ وَلَدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى إبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَا يَرُدُّهَا إلَّا مَعَ وَلَدِهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوِلَادَةِ إلَّا أَنْ يُنْقِصَهَا ذَلِكَ فَيَرُدُّ مَعَهَا مَا نَقَصَهَا. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَكَانَ فِي الْوَلَدِ مَا يُجْبَرُ بِهِ النَّقْصُ جَبَرَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَثَمَرَةٍ أُبِّرَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ يَوْمَ الشِّرَاءِ مَأْبُورَةً فَاشْتَرَطْتَهَا فَإِنَّك إنْ رَدَدْت النَّخْلَ بِعَيْبٍ وَقَدْ جَدَدْتهَا رَدَدْت الثَّمَرَةَ مَعَهَا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك، فَإِنْ رَدَدْتهَا مَعَهَا كَانَ لَك أَجْرُ سَقْيِك وَعِلَاجِك فِيهَا يُرِيدُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ قِيمَةَ الثَّمَرَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمَّا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً إلَّا بِالِاشْتِرَاطِ صَحَّ أَنَّ لَهَا حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ فَلَمْ أُلْزِمْهَا لَك إلَّا بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَإِنْ رَدَّهَا وَفِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ أَزْهَتْ فَهِيَ لَهُ وَإِلَّا فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَيَرْجِعُ بِالسَّقْيِ وَالْعِلَاجِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهَا شِرَاءً فَاسِدًا فَرَدَّهَا بَعْدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 390 زُهُوِّ الثَّمَرَةِ فَهِيَ لَهُ. (وَصُوفٍ تَمَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ صُوفُ الْغَنَمِ يَوْمَ الصَّفْقَةِ تَامًّا يَجُزُّهُ ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ فَلْيَرُدَّ ذَلِكَ مَعَهَا أَوْ مِثْلَهُ إنْ فَاتَ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَزْنَهُ رَدَّ الْغَنَمَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ كَمُشْتَرِي ثَوْبَيْنِ يَفُوتُ عِنْدَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ يَجِدُ بِالْبَاقِي عَيْبًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الصُّوفُ يَوْمَ الصَّفْقَةِ تَامًّا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا فِيمَا حَلَبَ مِنْ لَبَنٍ. وَلَوْ كَانَ فِي ضَرْعِهَا يَوْمَ الْبَيْعِ أَوْ انْتَفَعَ بِهِ مِنْ زُبْدٍ أَوْ سَمْنٍ لِأَنَّ ذَلِكَ غَلَّةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ قَدْ فَاتَ، وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 391 قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُرَدُّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا أَخَذَ مِنْ الْغَلَّةِ إلَّا أَنْ يَفُوتَ، وَالْوَلَدُ فِيهِ فَوْتٌ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْقَبْضِ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " فَالْوَلَدُ فَوْتٌ " فَفَرْقٌ بَيْنَ الْعَيْبِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ. (كَشُفْعَةٍ وَاسْتِحْقَاقٍ وَتَفْلِيسٍ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ طَرَأَ عَلَى الْمُبْتَاعِ لِلنَّخْلِ مُسْتَحِقٌّ أَوْ شَفِيعٌ أَوْ فَلَسٌ، فَإِنْ جَدَّ الثَّمَرَةَ كَانَتْ غَلَّةً لَهُ إنْ كَانَ ابْتَاعَ النَّخْلَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا ثَمَرَةٌ، وَإِنْ كَانَ ابْتِيَاعُهُ لَهَا وَفِيهَا ثَمَرَةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُ غَلَّةً وَحَاسَبَهُ بِهَا الشَّفِيعُ فَأَخَذَ النَّخْلَ بِمَا يَنُوبُهَا مِنْ الثَّمَنِ وَحَاسَبَهُ بِهَا الْبَائِعُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ إلَّا بِمَا يَنُوبُ الْأُصُولَ وَحَاسَبَهُ بِهَا الْغَرِيمُ (وَفَسَادٍ) لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 393 حُكْمَ الْمَرْدُودِ بِالْعَيْبِ إنْ كَانَ لَهُ غَلَّةٌ وَقَسَّمَ ذَلِكَ تَقْسِيمًا كَثِيرًا قَالَ: فَهَذَا حُكْمُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَالرَّدُّ بِفَسَادِ الْبَيْعِ مِثْلُهُ سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الشُّفْعَةُ وَالتَّفْلِيسُ وَالِاسْتِحْقَاقُ فَتَتَّفِقُ أَحْكَامُهَا فِي بَعْضٍ وَتَخْتَلِفُ فِي بَعْضٍ. اُنْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ، وَانْظُرْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ قَالَ: جَرَى عِنْدَنَا حُكْمُ الْحُكَّامِ بِغَيْرِ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْمُبْتَاعِ إلَى يَوْمِ يَثْبُتُ الْحَقُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُوَطَّأِ وَقَوْلِ الْغَيْرِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَانْظُرْ الْمَسْأَلَةَ قَبْلَ رَسْمِ يُوصِي مِنْ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ عَلَى عَلَفِ الدَّابَّةِ الْمُوقَفَةِ وَمِمَّنْ ضَمَانُهَا إنْ مَاتَتْ (وَدَخَلَتْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ إنْ رَضِيَ بِالْقَبْضِ أَوْ ثَبَتَ عِنْدَ حَاكِمٍ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ) أَحَدُ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَقَوْلُ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمَرْدُودَ بِالْعَيْبِ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 394 الْبَائِعِ إنْ رَضِيَ بِقَبْضِهِ أَوْ إنْ ثَبَتَ الْعَيْبُ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِرَدِّهِ. اُنْظُرْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْعُيُوبِ. (وَلَمْ يُرَدَّ بِغَلَطٍ إنْ سُمِّيَ بِاسْمِهِ وَلَا بِغَبْنٍ وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ) ابْنُ شَاسٍ: الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ خِيَارِ النَّقِيصَةِ مَا ثَبَتَ بِمُغَابَنَةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْغَبْنُ فِي الْبَيْعِ إنْ كَانَ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ فَفِيهِ طُرُقٌ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا يُعْذَرُ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِيهِ إنْ كَانَ فِي بَيْعِ مُكَايَسَةٍ هَذَا ظَاهِرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 395 الْمَذْهَبِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: الْغَبْنُ فِي بَيْعِ الْمُسْتَسْلِمِ الْمُسْتَنْصِحِ يُوجِبُ لِلْمَغْبُونِ الْخِيَارَ فِيهِ وَبَيْعُ غَيْرِهِ الْمَالِكِ مِنْ نَفْسِهِ لَا أَعْلَمُ فِي لُزُومِهِ خِلَافًا، وَلَوْ كَانَ بِأَضْعَافِ الْقِيمَةِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ السِّلْعَةَ وَأَحَدُهُمَا يَعْرِفُ سُوقَهَا دُونَ الْآخَرِ، هَلْ لِمَنْ جَهِلَ السُّوقَ مِنْهُمَا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ مَقَالٌ؟ اهـ وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: تَنَازَعَ الْبَغْدَادِيُّونَ فِي هَذَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ زَادَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ عَلَى قِيمَةِ الثُّلُثِ فَأَكْثَرَ فُسِخَ الْبَيْعُ، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ بِنُقْصَانِ الثُّلُثِ مِنْ قِيمَتِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ قَالَ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى مُدَّعِي الْجَهْلِ، فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ اجْتَهَدَ لَهُ الْحَاكِمُ اهـ. اُنْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فُتْيَا الْإِمَامِ الْمَازِرِيِّ قَالَ: حَكَى ابْنُ الْقَصَّارِ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ لِلْمَغْبُونِ الرَّدُّ إذَا كَانَ فَاحِشًا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَغْبُونُ جَاهِلًا بِالْقِيَمِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: وَالصُّلْحُ فِي هَذَا أَمْثَلُ وَقَسْمُ الْغَبْنِ رَاجِعٌ لِتَعَارُضِ الظَّوَاهِرِ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَنَزَلَ مِثْلُ هَذَا بِزَوْجَةِ شَيْخِنَا الْبَطْرُونِيِّ فَأَفْتَى ابْنُ عَرَفَةَ بِنَقْضِ بَيْعِهَا لِأَوْصَافٍ ذَكَرَهَا وَعَذَرَهَا مِنْ أَجْلِهَا. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَهَذَا ظَاهِرٌ اهـ. وَبِنَحْوِ هَذَا أَفْتَى ابْنُ لُبٍّ وَضَمَّنَهُ ابْنُ عَاصِمٍ فَقَالَ: وَمَنْ بِغَبْنٍ فِي مَبِيعٍ قَامَا ... فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْعَامَا وَأَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِمَا صَنَعَ ... وَالْغَبْنُ بِالثُّلْثِ فَمَا زَادَ وَقَعَ اهـ. وَدَعْوَى جَهْلِ الْمَبِيعِ رَاجِعٌ لِدَعْوَى الْفَسَادِ. وَجَعَلَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ دَعْوَى الْغَبْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ مُصَلًّى ثُمَّ قَالَ مُشْتَرِيهِ هُوَ خَزٌّ فَقَالَ الْبَائِعُ مَا عَلِمْت أَنَّهُ خَزٌّ لَوْ عَلِمْته مَا بِعْته بِهَذَا الثَّمَنِ: هُوَ لِلْمُشْتَرِي لَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ لَوْ شَاءَ تَثَبَّتَ قَبْلَ بَيْعِهِ. وَكَذَا مَنْ بَاعَ حَجَرًا بِثَمَنٍ يَسِيرٍ ثُمَّ هُوَ يَاقُوتَةٌ تَبْلُغُ مَالًا كَثِيرًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُرَدُّ هَذَا الْبَيْعُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا سَمَّى الشَّيْءَ بِاسْمٍ يَصْلُحُ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا إذَا سَمَّى أَحَدُهُمَا الشَّيْءَ بِغَيْرِ اسْمِهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ أَبِيعُك هَذِهِ الْيَاقُوتَةَ فَتُوجَدُ غَيْرَ يَاقُوتَةٍ، أَوْ يَقُولَ أَبِيعُك هَذِهِ الزُّجَاجَةَ ثُمَّ يَعْلَمُ الْبَائِعُ أَنَّهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 399 يَاقُوتَةٌ، فَلَا خِلَافَ أَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ وَأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ. اُنْظُرْ آخِرَ بُيُوعِ الْقَبَّابِ وَرَسْمَ الْأَقْضِيَةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ (وَهَلْ إلَّا أَنْ يَسْتَسْلِمَ وَيُخْبِرَهُ بِجَهْلِهِ أَوْ يَسْتَأْمِنَهُ؟ تَرَدُّدٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ أَبِي عُمَرَ فِي بَيْعِ الْمُسْتَسْلِمِ الْمُسْتَنْصِحِ يُوجِبُ لِلْمَغْبُونِ الْخِيَارَ فِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي هَذِهِ. قَالَ: وَالْقِيَامُ بِالْغَبْنِ وَالشِّرَاءِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِرْسَالِ وَالِاسْتِمَانَةِ وَاجِبٌ بِإِجْمَاعٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجُزَافٍ إنْ رُئِيَ وَجَهْلٍ بِمَثْمُونٍ ". قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَاتَّفَقُوا أَنَّ النَّائِبَ عَنْ غَيْرِهِ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ مِنْ وَكِيلٍ أَوْ وَصِيٍّ إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ أَنَّهُ مَرْدُودٌ انْتَهَى. وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ نَصُّوا أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أَوْلَى مَا يُحْتَاطُ لَهُ فَالْبَيْعُ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ عَلَى الْمَحْجُورِ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: فَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ الَّذِي يَبِيعُهُ صَاحِبُ الْمَوَارِيثِ قَدْ انْقَطَعَ أَرْبَابُهُ وَبَادَ مَالِكُوهُ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ وَارِثٌ فَتَقْعُدَ فِيهِ أَشْهَدَ النَّاظِرُ فِي الْمَوَارِيثِ إلَى أَنْ قَالَ: فَأَمَرَ عِنْدَ ذَلِكَ بِبَيْعِهِ وَالْهَتْفِ عَلَيْهِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَاسْتَبْلَغَ فِي إشْهَارِهَا وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ بِهَا فِي أَمَاكِنِهَا فَبَلَغَتْ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَلَمْ يَلُفَّ عَلَيْهِ فِيهِ زَائِدٌ قَالَ: وَكَذَا تَقُولُ فِي بَيْعِ أَمْلَاكِ مَنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ مَوَاتًا لَا يُنْسَبُ لِأَحَدٍ وَلَا عُلِمَ فِيمَا سَلَفَ لَهُ مَالِكٌ وَبَاعَهُ صَاحِبُ الْمَوَارِيثِ فَتُكْتَبُ فِيهِ كَذَلِكَ اُنْظُرْهُ فِيهِ. وَلِابْنِ رُشْدٍ مَا نَصُّهُ: مَا أَقَطَعَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا بِإِقْطَاعِهِ حُكْمٌ لَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ فِي حَيَاةِ الْمُقْطَعِ وَلَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ بِنَفْسِ الْإِقْطَاعِ يُورَثُ عَنْهُ كَسَائِرِ مَالِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ السَّوَادِ وَالْأَنْهَارِ انْتَهَى نَصُّهُ. اُنْظُرْ سَمَاعَ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ فِيمَا بَاعَهُ بَنُو عَبَّادٍ وَقَالَ: مَا بَاعَهُ مَنْ ذَكَرْتُ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ فِيهِ السَّدَادُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ فِيهِ لَا يَصِحُّ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ مَرَّتْ عَلَيْهِ السُّنُونَ وَسِيقَ فِي بَعْضِهِ سِيَاقَاتٌ وَانْعَقَدَتْ عَلَيْهِ أَنْكِحَةٌ وَفَاتَ بِبُيُوعَاتٍ وَأَنْوَاعٍ مِنْ الْفَوَاتَاتِ. وَنَقَلَ السَّيِّدُ مُفْتِي تُونُسَ الْبُرْزُلِيِّ فِي نَوَازِلِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 400 هَذِهِ الْفَتْوَى ثُمَّ قَالَ مَا نَصُّهُ: قُلْت: لَعَلَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هِيَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْعُقَيْلِيُّ وَابْنُ الصَّيْرَفِيِّ حِينَ عَرَّفَا بِابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُمْ أَفْتَوْا أَمِيرَ الْمُسْلِمِينَ بِأَشْيَاءَ يَقْتَضِيهَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَخَالَفَهُمْ ابْنُ حَمْدِينَ. وَقَالَ: هَذَا الْبَحْثُ يُؤَدِّي إلَى تَضْيِيعِ كَثِيرٍ مِنْ أَمْوَالِ الرَّعِيَّةِ وَالتَّعَرُّضِ إلَيْهِمْ. ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي يَلِيقُ فِي كُلِّ بَيْعٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ بَاعَهُ الْعُمَّالُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَوْ مَا وُلُّوا عَلَيْهِ، فَالصَّوَابُ أَنْ لَا يُعْتَرَضَ وَلَا يُنْظَرَ فِيهِ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ عُدُولٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ فَتْحُ بَابِ مَفْسَدَةٍ فِي الْبَحْثِ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ لِكَثْرَةِ هَذَا الْوَاقِعِ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ الصَّالِحُ الْوَلِيُّ الزَّاهِدُ الرَّاوِيَةُ شَيْخُنَا الْبَطْرُونِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حِينَ أَرَادَ بَعْضُ أَوْلَادِ ابْنِ الْحَكِيمِ الْقِيَامَ عَلَيْهِ فِي الْحَمَّامِ الْمَنْسُوبِ إلَى أَبِيهِمْ وَهُوَ مِنْ تَحْبِيسِ الشَّيْخِ ابْنِ تفراحين عَلَى مَدْرَسَتِهِ فَقَالَ: إذَا قِيَم بِنَقْضِ هَذَا وَالْبَحْثِ فِيهِ لَمْ تَبْقَ مُعَامَلَةٌ لِلْمُلُوكِ إلَّا وَيُتَعَرَّضُ لَهَا، فَزَجَرَ الْقَائِمَ الْمَذْكُورَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ أَبُو الْعَبَّاسِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَشَدَّدَ فِي ذَلِكَ فَانْقَطَعَ حِينَئِذٍ طَلَبُهُمْ. وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ ابْنُ حَمْدِينَ هُوَ الصَّوَابُ الْأَسَدُّ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ تَعَقُّبَ أَفْعَالِ قُضَاةِ الْجَوْرِ وَالْعُمَّالِ الظَّلَمَةِ وَذَلِكَ لِإِسْقَاطِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ لِأَكْبَرِهِمَا. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: إنَّمَا يُوَكَّلُ الْوَكِيلُ لِيُنْتَفَعَ بِهِ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: لَا يَتَصَرَّفُ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةَ الْخِلَافَةِ فَمَا دُونَهَا إلَى الْوَصِيَّةِ إلَّا بِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءِ مَفْسَدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 34] فَكُلُّ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةً فَهُوَ مَعْزُولٌ عَنْ الْمَفْسَدَةِ الرَّاجِحَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْمَرْجُوحَةِ. وَانْظُرْ إنْ لَمْ يَعْثُرْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَعْوَامٍ. سُئِلَ ابْنُ لُبٍّ عَنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ قَوْمٍ مِنْهُمْ مَالِكُ أَمْرِ نَفْسِهِ وَمِنْهُمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 401 مَحْجُورٌ بَاعُوهَا مِنْ الْغَيْرِ ثُمَّ قَامُوا عَلَيْهِ بَعْدَ أَعْوَامٍ بِالْغَبْنِ، فَصَالَحَ بَعْضُ الْمَالِكِينَ أَمْرَ أَنْفُسِهِمْ وَبَقِيَ بَعْضُهُمْ وَالْمَحْجُور؟ فَأَجَابَ: إنَّ مَالِكَ أَمْرِ نَفْسِهِ مُرُورُ عَامٍ قَاطِعٌ بِحُكْمِ قِيَامِهِ، وَأَمَّا الْمَحْجُورُ فَيُنْظَرُ لَهُ لَكِنَّ تَرْكَ الْوَصِيِّ النَّظَرَ لِمَحْجُورِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مَعْلُومٌ كَأَنَّهُ مُشْعِرٌ بِتَفْرِيطِهِ لِحَقِّ الْمَحْجُورِ بِطُولِ الْمُدَّةِ وَتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي وَعِمَارَتِهِ فِي ذَلِكَ، فَالصَّوَابُ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلْمُشْتَرِي وَأَنْ تَكُونَ التَّبَعَةُ لِلْمَحْجُورِ بِمَا نَقَصَهُ عَلَى النَّاظِرِ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا بَاعَ الْأَبُ مَالَ ابْنِهِ لِنَفْسِهِ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ، وَاَلَّذِي وَقَعَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ إجَازَتُهُ وَإِيجَابُ الثَّمَنِ لِلِابْنِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: وَإِنْ كَانَ الْأَبُ قَدْ سَلَّطَ الِاعْتِصَارَ فِيمَا كَانَ بَاعَهُ بِاسْمِ نَفْسِهِ فَلَيْسَ بَيْعُهُ بِاعْتِصَارٍ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاعْتِصَارِ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقَسَمَ عَنْ صَغِيرٍ أَبٌ أَنَّ الْأَبَ يَضْمَنُ إنْ حَابَى ". وَانْظُرْ قَدْرَ هَذَا الْغَبْنِ مَا هُوَ؟ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: لَمْ يُحِدَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي ذَلِكَ حَدًّا، وَكَانَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ يَحِدُّ فِي الْغَبْنِ الَّذِي يُرَدُّ الْبَيْعُ بِهِ الثُّلُثَ وَيَذْكُرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ حَسَنٌ فِي ذَلِكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 402 إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ: إنَّمَا يُرَدُّ الْمَبِيعُ عَلَى الْمَحْجُورِ بِالْغَبْنِ إنْ لَمْ يَفُتْ. قَالَ: وَإِذَا كَانَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ يُفِيتُهُ الْبَيْعَ فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ فِي بَيْعِ الْغَبْنِ. قَالَ: وَيَرْجِعُ الْمَحْجُورُ عَلَى الْمُبْتَاعِ مِنْ الْوَصِيِّ. وَنَحْوُ هَذَا فِي الطِّرَازِ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ أَنَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ أَمَةً فَأَوْلَدَهَا الْمُشْتَرِي أَنَّ ذَلِكَ فَوَاتٌ وَيَرْجِعُ الْمَحْجُورُ عَلَى الْوَصِيِّ انْتَهَى. رَاجِعْ الْمُطَوَّلَاتِ، وَانْظُرْ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ مَا بَاعَهُ بَنُو عَبَّادٍ فَتَدَاوَلَتْهُ الْأَمْلَاكُ أَنَّهُ لَا يَسَعُ رَدُّهُ مِنْ أَجْلِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الْحُقُوقِ مِنْ الْهِبَاتِ وَالْمُعَاوَضَاتِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 403 (وَرُدَّ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ بِكُلِّ حَادِثٍ) الْبَاجِيُّ: مَعْنَى الْعُهْدَةِ تَعَلُّقُ الْمَبِيعِ بِضَمَانِ الْبَائِعِ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: خَاتِمَةٌ لِلنَّظَرِ فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ تَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ الْعُهْدَتَيْنِ وَهُمَا صُغْرَى فِي الزَّمَانِ كُبْرَى فِي الضَّمَانِ، وَكُبْرَى فِي الزَّمَانِ صُغْرَى فِي الضَّمَانِ. فَالْأُولَى هِيَ عُهْدَةُ الثَّلَاثِ مِنْ جَمِيعِ الْأَدَاءِ مِمَّا يَطْرَأُ عَلَى الرَّقِيقِ مِنْ نَقْصٍ فِي بَدَنٍ أَوْ فَوَاتِ عَيْنٍ فِي مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَكَأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مُضَافَةٌ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَكَذَلِكَ تَكُونُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْغَلَّةَ لَيْسَتْ لَهُ (إلَّا أَنْ يَبِيعَ بِبَرَاءَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا بِيعَ مِنْ الرَّقِيقِ بِغَيْرِ بَرَاءَةٍ فَمَاتَ فِي الثَّلَاثِ أَوْ أَصَابَهُ مَرَضٌ أَوْ عَيْبٌ أَوْ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ دَاءٌ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ وَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ أَوْ غَرَق أَوْ سَقَطَ مِنْ حَائِطٍ أَوْ خَنَقَ نَفْسَهُ أَوْ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ دَاءٌ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَمَاتَ فِي الثَّلَاثِ أَوْ أَصَابَهُ عَيْبٌ فَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 406 (وَدَخَلَتْ فِي الِاسْتِبْرَاءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تُؤْتَنَفُ عُهْدَةُ السَّنَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَبَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَأَمَّا عُهْدَةُ الثَّلَاثِ فَدَاخِلَةٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُهُ أَنَّ الثَّلَاثَ وَالِاسْتِبْرَاءَ فِي الْبَيْعِ التَّامِّ الضَّمَانُ فِيهِ مِنْ الْبَائِعِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَجُوزُ التَّقَيُّدُ فِيهَا بِشَرْطٍ، فَلَمَّا اشْتَبَهَ دَخَلَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي بَعْضٍ. وَعُهْدَةُ السَّنَةِ الضَّمَانُ فِيهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِنْ الثَّلَاثَةِ أَدْوَاءٍ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَيْسَ فِي ذَاتِ الِاسْتِبْرَاءِ عُهْدَةُ ثَلَاثٍ إلَّا أَنْ تَحِيضَ مِنْ يَوْمِهَا حَيْضَةً بَيِّنَةً فَيُحْسَبُ فِيهَا بَقِيَّةُ الثَّلَاثِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ نَحْوَهُ (وَالنَّفَقَةُ وَالْأَرْشُ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ) لَوْ قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 407 عَلَيْهِ وَلَهُ " لَكَانَ أَبْيَنَ. رَوَى مُحَمَّدٌ النَّفَقَةُ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ عَلَى الْبَائِعِ. الْمُتَيْطِيُّ: وَكَذَا فِي الْمُوَاضَعَةِ وَبَيْعِ الرَّقِيقِ بِخِيَارٍ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي ضَمَانِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا جُنِيَ عَلَى الْعَبْدِ فِي الثَّلَاثِ فَمِنْ الْبَائِعِ وَالْأَرْشُ لَهُ، وَمَا وُهِبَ لِلْعَبْدِ فِي الثَّلَاثِ مِنْ مَالٍ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَلِلْبَائِعِ (إلَّا الْمُسْتَثْنَى مَالُهُ) ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا نَمَا مَالُ الْعَبْدِ فِي الثَّلَاثِ بِرِبْحٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، فَإِنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ قَدْ اشْتَرَطَ مَالَهُ فَذَلِكَ لِلْمُبْتَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ مَالَهُ فَذَلِكَ لِلْبَائِعِ. ابْنُ يُونُسَ: وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَفِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 408 عُهْدَةِ السُّنَّةِ بِجُذَامٍ وَبَرَصٍ وَجُنُونٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: عُهْدَةُ السَّنَةِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ فَمَا أَصَابَ الْعَبْدَ مِنْ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ فَمِنْ الْبَائِعِ وَلِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ مِنْ الْبَهَقِ وَالْحُمْرَةِ (لَا بِكَضَرْبَةٍ) الْبَاجِيُّ: جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْجُنُونَ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ هُوَ ذَهَابُ الْعَقْلِ مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ لَا ذَهَابُهُ بِضَرْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ (إنْ اُشْتُرِطَا أَوْ اُعْتِيدَا) ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ وَالسَّنَةِ فِي الرَّقِيقِ إنَّمَا ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ وَأَعْرَاضِهَا الَّذِينَ جَرَوْا عَلَيْهَا، فَبَيْعُهُمْ عَلَى الْعُهْدَةِ أَبَدًا حَتَّى تُشْتَرَطَ الْبَرَاءَةُ، وَلَا تَلْزَمُ غَيْرُهَا مِنْ الْبُلْدَانِ إلَّا أَنْ تُشْتَرَطَ. وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: أَرَى أَنْ يُتْرَكَ النَّاسُ وَلَا يُحْمَلُوا عَلَى الْعُهْدَةِ بِخِلَافِ الْجَوَارِي لَا أَرَى أَنْ يُبَعْنَ كَذَلِكَ وَأَرَى فِيهِنَّ الْمُوَاضَعَةَ. ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الْمُوَاضَعَةُ فَوَاجِبَةٌ فِي الْأَمَةِ الَّتِي وَطِئَهَا سَيِّدُهَا وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا رَفِيعَةً كَانَتْ أَوْ وَضَيْعَةً. وَفِي الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا أَوْ وَطِئَهَا وَاسْتَبْرَأَهَا إذَا كَانَتْ رَفِيعَةً إلَّا إنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ زَانِيَةً (وَلِلْمُشْتَرِي إسْقَاطُهَا) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 409 ابْنُ شَاسٍ: وَلِلْمُبْتَاعِ إسْقَاطُ الْعُهْدَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ. (وَالْمُحْتَمِلُ بَعْدَهُمَا مِنْهُ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ طَرَأَ عَلَى الْمَبِيعِ أَمْرٌ أَشْكَلَ وَقْتَ حُدُوثِهِ وَلَمْ يُدْرَ أَفِي الْعُهْدَةِ أَمْ بَعْدَهَا، هَلْ يَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُبْتَاعِ أَوْ مِنْ الْبَائِعِ؟ مَذْهَبَانِ لِتَقَابُلِ أَصْلَيْ السَّلَامَةِ وَالضَّمَانِ. اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ سَالِمًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هُوَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ. (لَا فِي مُنْكَحٍ بِهِ) الْبَاجِيُّ: إنَّمَا تَثْبُتُ الْعُهْدَةُ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَمَا كَانَ مُبَيَّنًا عَلَى الْمُكَارَمَةِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ. الْمُتَيْطِيُّ: الْقَضَاءُ بِأَنْ لَا عُهْدَةَ فِي الْمَمْلُوكِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ الَّتِي يُنْكَحُ بِهَا وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ قَالَ: وَهِيَ مِنْ الْإِحْدَى وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً الَّتِي لَا عُهْدَةَ فِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَبَاقِيهَا الرَّأْسُ الْمُخَالَعُ لَهُ، وَالْمُصَالَحُ بِهِ فِي دَمٍ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ وَالْمُسْلَمُ فِي غَيْرِهِ، وَالْمُقْرَضُ وَالْغَائِبُ يَشْتَرِي عَلَى الصِّفَةِ، وَالْمُقَاطَعُ بِهِ مِنْ الْكِتَابَةِ، وَاَلَّذِي يَبِيعُهُ السُّلْطَانُ عَلَى مُفْلِسٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْمُشْتَرِي لِلْعِتْقِ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ دَيْنٍ، وَالْمُقَالُ مِنْهُ، وَالْمَرْدُودُ بِالْعَيْبِ، وَرَقِيقُ الْمِيرَاثِ، وَالْعَبْدُ الْمَوْهُوبُ، وَالْأَمَةُ يَشْتَرِيهَا زَوْجُهَا، وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِاشْتِرَائِهِ لِلْعِتْقِ، وَالْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ بِهِ، وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِبَيْعِهِ مِمَّنْ أَحَبَّ، وَالْعَبْدُ الَّذِي يُبَاعُ بَيْعًا فَاسِدًا (أَوْ مُخَالَعٍ أَوْ مُصَالَحٍ فِي دَمٍ عَمْدًا أَوْ مُسْلَمٍ فِيهِ أَوْ بِهِ أَوْ قَرْضٍ أَوْ عَلَى صِفَةٍ أَوْ مُقَاطَعٍ بِهِ مُكَاتَبٌ أَوْ مَبِيعٍ عَلَى كَمُفَلِّسٍ أَوْ مُشْتَرًى لِلْعِتْقِ أَوْ مَأْخُوذٍ مِنْ دَيْنٍ أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ أَوْ وُرِثَ أَوْ وُهِبَ أَوْ اشْتَرَاهَا زَوْجُهَا أَوْ مُوصًى بِبَيْعِهِ مِنْ زَيْدٍ أَوْ مِمَّنْ أَحَبَّ أَوْ بِشِرَائِهِ لِلْعِتْقِ أَوْ مُكَاتَبٍ بِهِ أَوْ الْمَبِيعِ فَاسِدًا) تَقَدَّمَ هَذَا كُلُّهُ لِلْمُتَيْطِيِّ وَمَا تَرَكَ خَلِيلٌ إلَّا الْمُقَالَ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي سُقُوطِهَا فِي الْمُسْتَقَالِ مِنْهُ قَوْلَا سَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ مَعَ أَصْبَغَ. وَهَذَا إذَا انْتَقَدَ وَإِلَّا سَقَطَتْ اتِّفَاقًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 410 لِأَنَّهُ كَالْمَأْخُوذِ مِنْ دَيْنٍ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا عُهْدَةَ فِي الْعَبْدِ الْمَأْخُوذِ مِنْ دَمِ عَمْدٍ وَلَا فِي الْعَبْدِ الْمُصَالَحِ بِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَاهُ الْمُصَالَحُ بِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ بِخِلَافِ الْمُصَالَحِ بِهِ عَلَى الْإِقْرَارِ. مِنْ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ. وَانْظُرْ سَمَاعَ أَشْهَبَ إذَا رَدَّ الرَّائِعَةَ بِعَيْبٍ بَعْدَ وَطْئِهَا لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ضَمَانَهَا إنْ مَاتَتْ فِي الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَرَدَّ عِتْقَهُ وَبِيعَ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ وَقَدْ أَفَادَ مَالًا: إنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَجَعَلَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ نَقْضَ بَيْعٍ. (وَسَقَطَتَا بِكَعِتْقٍ فِيهِمَا) اللَّخْمِيِّ: إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ أَوْلَدَ الْأَمَةَ فِي السَّنَةِ ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ رِضًا بِإِسْقَاطِ الْعُهْدَةِ. وَقَالَ أَيْضًا: يَرْجِعُ. وَاخْتَلَفَ إذَا أَعْتَقَ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ فَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ قَطْعٌ لِلْعُهْدَةِ، فَإِنْ أَصَابَهُ أَمْرٌ مِمَّا كَانَ يُرَدُّ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ. (وَضَمِنَ بَائِعٌ مَكِيلًا لِقَبْضِهِ بِكَيْلٍ كَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ) ابْنُ شَاسٍ: الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الْكِتَابِ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْقَبْضِ وَصُورَتِهِ وَوُجُوبِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ضَمَانُ مَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ قَبِلَهَا مِنْ بَائِعِهِ وَيُتِمُّ بَعْدَمَا عَدَّ عَلَى مُبْتَاعِهِ وَاسْتِقْرَارُهَا كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فِي وِعَاءِ مُبْتَاعِهِ (وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الصَّوَابُ وَاَلَّذِي يَقَعُ فِي قَلْبِي أَنَّ أَجْرَ الْكَيَّالِينَ عَلَى الْبَائِعِ وَقَدْ قَالَ إخْوَةُ يُوسُفَ: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} [يوسف: 88] . ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِهِ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ وَاسْتِدْلَالُهُ بِالْآيَةِ صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَازِمٌ لَنَا. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا خِلَافَ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ (بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ عَلَى الْأَرْجَحِ فَكَالْقَرْضِ) ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ: هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنْ لَيْسَ عَلَى الشَّرِيكِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 411 أَجْرُ الْكَيْلِ، وَكَذَا يَنْبَغِي فِي الْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ إذْ هُمَا مَعْرُوفَانِ كَالشَّرِكَةِ، وَكَذَا يَنْبَغِي فِي الْقَرْضِ وَالْهِبَةِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " فِي بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَشَرِكَةٍ ". (وَاسْتَمَرَّ بِمِعْيَارِهِ وَلَوْ تَوَلَّاهُ الْمُشْتَرِي) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ زَيْتًا فَأَمَرَ أَجِيرَهُ بِكَيْلِهِ فَكَالَ مَطَرًا مِنْهُ فِي وِعَاءِ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ كَالَ آخَرَ فَوَقَعَ عَلَى وِعَاءِ الْمُشْتَرِي فَانْكَسَرَا مَعًا، فَالثَّانِي مِنْ بَائِعِهِ وَيَضْمَنُ الْأَجِيرُ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ مِنْ سَبَبِهِ وَلَا يَضْمَنُ الثَّانِي لِأَنَّ لَيْسَ مِنْ سَبَبِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: الْمَطَرُ خَفِيفٌ هُوَ مِعْيَارٌ يُكَالُ بِهِ. وَالْمَسْأَلَةُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ، وَكَوْنُ الثَّانِي مِنْ بَائِعِهِ لِأَنَّ يَدَ أَجِيرِهِ كَيَدِهِ وَلَا يَضْمَنُ الْأَجِيرُ مَا سَقَطَ مِنْ يَدِهِ. وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ هُوَ الَّذِي يَكْتَالُ لِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلُهُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ أَجِيرُهُ بَعْدَ أَنْ امْتَلَأَ وَقَبْلَ أَنْ يَصُبَّهُ فِي وِعَائِهِ فَانْكَسَرَ وَذَهَبَ مَا فِيهِ فَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مُصِيبَتَهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمِكْيَالُ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُبْتَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ هُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ بِهِ الْمُبْتَاعُ إلَى مَنْزِلِهِ لَيْسَ لَهُ إنَاءٌ غَيْرُهُ، فَيَكُونُ ضَمَانُ مَا فِيهِ مِنْهُ إذَا امْتَلَأَ كَانَ لَهُ أَوْ لِلْبَائِعِ اسْتَعَارَهُ مِنْهُ الْمُبْتَاعُ. قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَسَمِعَ عِيسَى: الَّذِي يَبْتَاعُ حِمْلَ مَاءٍ وَجَّهَهُ مَعَ السَّقَّاءِ فَانْكَسَرَتْ قِلَالُهُ ضَمَانُ الْمَاءِ مِنْ السَّقَّاءِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 412 ابْنُ رُشْدٍ: حُمِلَ هَذَا عَلَى عَادَةِ النَّاسِ لَوْ كَانَ زَيْتًا لَكَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي. وَقَالَ أَصْبَغُ: ضَمَانُ الْمَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْقِيَاسُ. (وَقَبْضُ الْعَقَارِ بِالتَّخْلِيَةِ وَغَيْرِهِ بِالْعُرْفِ) اُنْظُرْ هَذَا وَهُمْ قَدْ نَصُّوا أَنَّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي شِرَاءِ الدَّارِ الْغَائِبَةِ أَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ وَإِنْ بَعُدَتْ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الَّذِي يَبِيعُ الدَّارَ وَيَسْتَثْنِي سُكْنَاهَا سَنَةً فَانْهَدَمَتْ الدَّارُ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ السَّنَةُ أَنَّهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَكَذَا إذَا نَفَقَتْ الدَّابَّةُ بِيَدِ الْبَائِعِ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي اسْتَثْنَى رُكُوبَهَا أَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: حُكْمُ الْقَبْضِ انْتِقَالُ الضَّمَانِ إلَى الْمُشْتَرِي وَصُورَتُهُ تُحَكَّمُ فِيهِ الْعَادَةُ، فَأَمَّا فِي الْعَقَارِ فَتَكْفِي التَّخْلِيَةُ، وَكَذَلِكَ فِيمَا بِيعَ عَلَى الْجُزَافِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَعَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ فِيهِ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَلْ لِهَذَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ مَظْهَرٌ فِي الْخَارِجِ، أَوْ هُوَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ سَهْلٍ فِي الْإِنْزَالِ؟ قَالَ: مَضَى بِالْإِنْزَالِ عَمَلُ الْأَنْدَلُسِ وَلَا مَعْنَى لَهُ إذْ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ وَلَا غَيْرُهُ انْتَهَى. وَكَذَا الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْعَقَارِ لَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ أَنْ يُخَلِّيَ الْبَائِعُ مَتَاعَهُ مِنْهَا لَكَانَ ضَمَانُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي. وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَاعَ عَلَيْهِ ثَوْبًا بِدِينَارٍ وَقَالَ لِلْمُشْتَرِيَّ أَبْلُغُ الْبَيْتَ بِهِ آخُذُ عَلَى نَفْسِي ثَوْبًا ثُمَّ آتِيك بِذَلِكَ فَاخْتُلِسَ مِنْهُ الثَّوْبَ فَإِنَّ مُصِيبَتَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ سُؤَالَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَذْهَبَ بِالثَّوْبِ إلَى بَيْتِهِ اسْتِعَارَةٌ مِنْهُ لَهُ، وَمَنْ اسْتَعَارَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى تَلَفِهِ، فَالْمُصِيبَةُ مِنْ الْمُعِيرِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ اعْتِرَاضُ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْعَيْبِ أَنْ يَقُولَ فِيهِ وَأَقْبَضْته وَمَا بِهِ عَيْبٌ وَقَالَ: إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ فِي أَنَّ الضَّمَانَ بِالْعَقْدِ لَا بِالْقَبْضِ إلَّا فِيمَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةِ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 413 مِنْ مَبِيعٍ لَمْ يُحْبَسْ فِي ثَمَنِهِ مِنْ مُبْتَاعِهِ بِعَقْدٍ بَتًّا. (إلَّا الْمَحْبُوسَةَ لِلثَّمَنِ أَوْ الْإِشْهَادِ فَكَالرَّهْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ لَمْ يَقْبِضْ الْمُبْتَاعُ الْأَمَةَ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ حَتَّى مَاتَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ حَدَثَ بِهَا عِنْدَهُ عَيْبٌ وَقَدْ قَبَضَ ثَمَنَهَا أَمْ لَا، فَضَمَانُهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ احْتَبَسَهَا بِالثَّمَنِ كَالرَّهْنِ. ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ السِّلْعَةَ الْمَبِيعَةَ الْمَحْبُوسَةَ بِالثَّمَنِ رَهْنٌ بِهِ تَكُونُ مُصِيبَتُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِتَلَفِهَا، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ الْبَائِعُ فِي ذَلِكَ وَلَزِمَهُ غُرْمُ قِيمَتِهَا. ابْنُ بَشِيرٍ: وَفِي مَعْنَى احْتِبَاسِهِ بِالثَّمَنِ احْتِبَاسُهُ حَتَّى يَشْهَدَ قَالَ: وَمَا بِيعَ نَسِيئَةً فَلَيْسَ لِبَائِعِهِ احْتِبَاسُهُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِتَسْلِيمِهِ دُونَ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضًا لَكِنْ يَحْبِسُهُ لِلْإِشْهَادِ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ وَمِنْ سَمَاعِ عَلِيٍّ: سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ السِّلَعِ وَاشْتَرَطَ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنَّك لَا تَبِيعُ وَلَا تَهَبُ وَلَا تَعْتِقُ حَتَّى تُعْطِيَ الثَّمَنَ. قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ إذَا كَانَ إعْطَاءُ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. اُنْظُرْ آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ السَّلَمِ (وَإِلَّا الْغَائِبَ فَبِالْقَبْضِ) تَقَدَّمَ هَذَا فِي بَيْعِ الْغَائِبِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي. " (وَإِلَّا الْمُوَاضَعَةَ فَبِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ) لَوْ قَالَ: " فَبِدُخُولِهَا فِي الْحَيْضَةِ " لِتَنْزِلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. ابْنُ يُونُسَ: مَعْنَى الْمُوَاضَعَةِ أَنْ تُوضَعَ الْجَارِيَةُ عَلَى يَدَيْ امْرَأَةٍ عَدْلَةٍ حَتَّى تَحِيضَ، فَإِنْ حَاضَتْ تَمَّ الْبَيْعُ فِيهَا وَضَمَانُهَا مُدَّةَ الْمُوَاضَعَةِ مِنْ الْبَائِعِ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ، وَمَا لَحِقَهَا مِنْ مَوْتٍ أَوْ نُقْصَانِ جِسْمٍ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ، وَلِلْمُبْتَاعِ فِي الْمَوْتِ إمْسَاكُ جَمِيعِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ لَمْ يُخْرِجْهُ وَارْتِجَاعُهُ إنْ كَانَ أَخْرَجَهُ، وَلَهُ فِيمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فِي جَسَدِهَا خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْإِمْسَاكِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 414 قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابٍ مَالِكٍ: وَكَذَا مَا كَانَ فِي غَيْرِ جَسَدِهَا كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ عَيْبٌ لَوْ كَانَ أَقْدَمَ مِنْ أَمَدِ التَّبَايُعِ لَرُدَّتْ بِهِ خِلَافًا لِأَصْبَغَ. الْبَاجِيُّ: وَبِأَوَّلِ الدَّمِ تَخْرُجُ عَنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهَا مِلْكُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا بِغَيْرِ جِمَاعٍ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (وَإِلَّا الثِّمَارَ لِلْجَائِحَةِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى نِصْفَ ثَمَرَةٍ بَعْدَمَا بَدَا صَلَاحُهَا فَلَا أَرَى بِبَيْعِهَا بَأْسًا قَبْلَ أَنْ يَجِدَّهَا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مُقْتَضَى الْقِيَاسِ لِأَنَّ حَظَّهُ مِنْ الثَّمَرَةِ دَاخِلٌ فِي ضَمَانِهِ بِالْعَقْدِ كَمَا يَدْخُلُ جَمِيعُهَا فِي ضَمَانِهِ بِعَقْدِ الشِّرَاءِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِهَا إلَّا فِي ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْجَائِحَةِ عَنْ سَنَتِهَا فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا (وَبُدِّئَ الْمُشْتَرِي لِلتَّنَازُعِ) سَمِعَ أَشْهَبُ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ أَنْ لَا يَدْفَعَ مَا بَاعَ مِنْهُ وَلَا يَزِنَهُ لَهُ وَلَا يَكِيلَهُ لَهُ إنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ. هَذَا مُتَّفَقٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 415 عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ وَيُخْتَلَفُ فِي غَيْرِ هَذَا. قِيلَ: يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى دَفْعِ السِّلْعَةِ. وَقِيلَ: يُجْبَرُ الْمُبْتَاعُ أَوَّلًا عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ. وَقِيلَ: يَقُولُ الْحَاكِمُ لَهُمَا مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمَا أَنْ أَقْضِيَ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَلْيَدْفَعْ إلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ. ابْنُ عَرَفَةَ: إذَا اخْتَلَفَ الْعَاقِدَانِ فِي التَّبْدِئَةِ بِالدَّفْعِ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا أَعْرِفُ فِيهِ نَصًّا جَلِيًّا لِمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: الَّذِي يَقْوَى فِي نَفْسِي جَبْرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَدْءِ أَوْ يُقَالُ لَهُمَا أَنْتُمَا أَعْلَمُ، إمَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ أَحَدُكُمَا بِالْبَدْءِ أَوْ كُونَا عَلَى مَا أَنْتُمَا عَلَيْهِ وَأَنْ يُجْبَرَ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. (وَالتَّلَفُ وَقْتَ ضَمَانِ الْبَائِعِ بِسَمَاوِيٍّ يَفْسَخُ وَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي إنْ عُيِّبَ) لَوْ قَالَ: " إنْ تَعَيَّبَ " لَكَانَ أَبْيَنَ، وَقَدْ قَالَ بَعْدَ هَذَا " وَالْبَائِعُ وَالْأَجْنَبِيُّ يُوجِبُ الْغُرْمَ " وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: حَيْثُ قُلْنَا: إنْ الضَّمَانُ مِنْ الْبَائِعِ فَتَلِفَ الْمَبِيعُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَإِتْلَافُ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ لَهُ، وَإِتْلَافُ الْبَائِعِ وَالْأَجْنَبِيِّ لَا يَفْسَخُ الْعَقْدَ وَيُوجِبُ الْقِيمَةَ، وَإِنْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلِلْمُبْتَاعِ الْخِيَارُ. (أَوْ غُيِّبَ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا؟ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ عَرْضًا يُغَابُ عَلَيْهِ فِي حِنْطَةٍ إلَى أَجَلٍ فَلَمْ تَدْفَعْهُ إلَيْهِ حَتَّى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 416 أَحْرَقَهُ رَجُلٌ بِيَدِك وَلَمْ تَقُمْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ كَانَ مِنْك وَانْتَقَضَ السَّلَمُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيَحْلِفُ فَإِنْ نَكَلْتَ عَنْ الْيَمِينِ خُيِّرَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ بَيْنَ أَنْ يُغْرِمَك قِيمَتَهُ وَيُثْبِتَ السَّلَمَ أَوْ لَا يُغْرِمَك وَيَفْسَخَ السَّلَمَ اهـ. (أَوْ اُسْتُحِقَّ شَائِعٌ وَإِنْ قَلَّ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ عِيسَى: قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: إذَا اُسْتُحِقَّ عَبْدٌ مِنْ الرَّقِيقِ، أَوْ عَبْدَانِ أَوْ شَيْءٌ يَكُونُ مِنْ الرَّقِيقِ يَسِيرًا فِي عِدَّتِهِمْ، أَيَلْزَمُ الْمَبِيعُ إذَا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 417 عَبِيدٍ بِأَعْيَانِهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: أَرَأَيْت إنْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ الْيَسِيرُ سَهْمًا اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ فِي جَمِيعِ الرَّقِيقِ بَعْدَ مَنْعِ الْوَطْءِ إنْ كَانَ فِيهَا جَارِيَةٌ؟ قَالَ: سَوَاءٌ اسْتَحَقَّ فِي جَمِيعِهَا سَهْمًا أَوْ عَبِيدًا بِأَعْيَانِهِمْ إنْ كَانَ كَثِيرًا لَزِمَهُ الْبَيْعُ. وَقِيلَ لَهُ قَاسِمْ شَرِيكَك. اُنْظُرْ أَبَدًا كُلَّ شَيْءٍ يُسْتَحَقُّ وَهُوَ يُقْسَمُ رَقِيقًا كَانَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ مِنْهُ يَسِيرًا لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَإِذَا كَانَ مَا لَا يَنْقَسِمُ فِي الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ رَدَّهُ إنْ شَاءَ كَانَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. قِيلَ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ مِثْلَ الشَّجَرَةِ يَشْتَرِيهَا الرَّجُلُ أَوْ الثَّوْبِ أَهُوَ كَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ بَيَّنَ فِيهَا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْيَسِيرِ مِنْ الْأَجْزَاءِ فِيمَا يَنْقَسِمُ كَاسْتِحْقَاقِ الْيَسِيرِ مِنْ الْعَدَدِ لَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ مَا اُسْتُحِقَّ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ الْيَسِيرِ مِنْ الْأَجْزَاءِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ هَلْ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْجَمِيعِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، فَهُوَ تَفْسِيرُ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ. وَالْيَسِيرُ النِّصْفُ فَأَقَلُّ وَالْكَثِيرُ الْجُلُّ وَمَا زَادَ عَنْ النِّصْفِ. وَهَذَا فِي الْعُرُوضِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَإِنَّهُ يَرَى فِيهِ اسْتِحْقَاقَ الثُّلُثِ مِمَّا زَادَ كَثِيرًا. ابْنُ رُشْدٍ: وَالدَّارُ إنْ اُسْتُحِقَّ عُشْرُهَا أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ وَكَانَتْ لَا تَنْقَسِمُ أَعْشَارًا فَلَهُ رَدُّ جَمِيعِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَنْقَسِمُ. (وَتَلَفُ بَعْضِهِ وَاسْتِحْقَاقُهُ كَعَيْبٍ بِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: هَلَاكُ الْمَبِيعِ قَبْلَ ضَمَانِهِ مُبْتَاعَهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ بَائِعُهُ كَاسْتِحْقَاقِهِ يَنْقُضُ بَيْعَهُ، وَتَغَيُّرُهُ حِينَئِذٍ يُوجِبُ تَخْيِيرَ مُبْتَاعِهِ وَتَلَفُ بَعْضِهِ أَوْ اسْتِحْقَاقُهُ كَرَدِّهِ بِعَيْبٍ إنْ قَلَّ لَزِمَهُ الْبَاقِي بِمَنَابِهِ مِنْ الثَّمَنِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَرُدَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ بِحِصَّتِهِ " وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ: الْمَوْضِعُ الَّذِي لِلْبَائِعِ فِي الْعُيُوبِ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى الْمُبْتَاعِ فِي أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ أَوْ يَرُدَّ فِيهِ لِلْمُبْتَاعِ حُجَّةٌ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 418 الِاسْتِحْقَاقِ فِي أَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعَ أَوْ يَمْسِكَ السَّالِمَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي لَيْسَ لِلْبَائِعِ فِي رَدِّ الْمَعِيبِ عَلَيْهِ حُجَّةٌ لِقِلَّتِهِ لَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ فِي اسْتِحْقَاقِ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ حُجَّةٌ لِقِلَّتِهِ وَيَلْزَمُهُ أَخْذُ السَّالِمِ بِحِصَّتِهِ، هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَحَرُمَ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِأَقَلَّ اُسْتُحِقَّ " أَكْثَرُهُ مُخْتَارًا ابْنُ يُونُسَ. (إلَّا الْمِثْلِيَّ) ابْنُ رُشْدٍ: الْخِلَافُ الْمَوْجُودُ فِي الطَّعَامِ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مِنْ الْعُرُوضِ إذَا وُجِدَ فِي أَسْفَلِهِ مَا هُوَ مُخَالِفٌ لِأَوَّلِهِ يَنْقَسِمُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الطَّعَامُ كَالْكَائِنِ فِي قِيعَانِ الْأَهْرَاءِ وَالْبُيُوتِ، فَهُوَ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي مَا يَنْفَكُّ مِنْهُ الطَّعَامُ إلَّا أَنَّهُ يَسِيرٌ لَا خَطْبَ لَهُ، فَهَذَا إنْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَمْسِكَ الْمَعِيبَ وَيُلْزِمُ الْمُشْتَرِي السَّالِمَ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَلَهُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَلْتَزِمَ السَّالِمَ وَيَرُدَّ الْمَعِيبَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، لِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا بَاعَ عَلَى أَنْ حَمَلَ بَعْضُهُ بَعْضًا الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْخُمُسِ وَالرُّبُعِ، فَإِنْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَمْسِكَ الْمَعِيبَ وَيُلْزِمَ الْمُشْتَرِي السَّالِمَ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَلَهُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ رُبُعِ الطَّعَامِ لَا يُوجِبُ لِلْمُبْتَاعِ رَدَّ الْبَاقِي، وَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَلْزَمَ السَّالِمَ وَيَرُدَّ الْمَعِيبَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ اتِّفَاقًا اهـ. وَمَضْمَنُهُ أَنَّ الْفَتْوَى فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ قَالَ: الْقِسْمُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ، فَإِنْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَمْسِكَ الْمَعِيبَ وَيُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ السَّالِمَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَذْهَبِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَأْخُذَ السَّالِمَ وَيَرُدَّ الْمَعِيبَ، اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَتَلِفَ بَعْضُهُ ". ابْنُ رُشْدٍ: الْقِسْمُ الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، فَإِنْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَمْسِكَ الْمَعِيبَ وَيُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَأْخُذَ السَّالِمَ وَيَرُدَّ الْمَعِيبَ أَيْضًا بِاتِّفَاقٍ اهـ. وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا أَيْضًا أَنَّ الْفَتْوَى فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَاحِدَةٌ (وَلَا كَلَامَ لِوَاحِدٍ فِي قَلِيلٍ لَا يَنْفَكُّ كَقَاعٍ) هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ كَمَا قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 419 (وَإِنْ انْفَكَّ فَلِلْبَائِعِ إلْزَامُ الرُّبُعِ بِحِصَّتِهِ) اُنْظُرْ مِنْ بَابِ أَوْلَى مَا دُونَ الرُّبُعِ وَهَذَا هُوَ الْقَاسِمُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ (لَا أَكْثَرَ) يَدْخُلُ فِي هَذَا الْقِسْمِ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَحُكْمُهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ وَاحِدٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَشْهُورِ (وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْتِزَامُهُ بِحِصَّتِهِ مُطْلَقًا) أَمَّا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ فَصَحَّ قَوْلُهُ " مُطْلَقًا ". (وَرَجَعَ لِلْقِيمَةِ لَا إلَى التَّسْمِيَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اشْتَرَى عَشَرَةَ أَثْوَابٍ فِي صَفْقَةٍ وَسَمَّوْا لِكُلِّ ثَوْبٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَأَصَابَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا، لَمْ يُنْظَرْ إلَى مَا سَمَّوْا لِكُلِّ ثَوْبٍ وَلَكِنْ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيَمِ الثِّيَابِ، فَيُنْظَرُ هَلْ الْمَعِيبُ وَجْهُ الصَّفْقَةِ أَمْ لَا. ابْنُ الْمَوَّازِ: فَإِنْ وَقَعَ لِلْمَعِيبِ نِصْفُ الثَّمَنِ فَأَقَلُّ لَمْ يَكُنْ وَجْهَ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ وَقَعَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ فَهُوَ وَجْهُ الصَّفْقَةِ. (وَصَحَّ وَلَوْ سَكَتَا لَا إنْ شَرَطَا الرُّجُوعَ لَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مِنْ ابْتَاعَ سِلَعًا كَثِيرَةً صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّمَا يَقَعُ لِكُلِّ سِلْعَةٍ مِنْهَا حِصَّتُهَا مِنْ يَوْمِ رُفِعَتْ الصَّفْقَةُ، وَمِنْ ابْتَاعَ صُبْرَةَ قَمْحٍ وَصُبْرَةَ شَعِيرٍ جُزَافًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ صُبْرَةٍ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ عَبِيدًا أَوْ ثِيَابًا عَلَى أَنَّ لِكُلِّ عَبْدٍ وَثَوْبٍ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا وَكَذَا فَاسْتَحَقَّ أَحَدُ الصُّبْرَتَيْنِ أَوْ أَحَدُ الْعَبِيدِ أَوْ الثِّيَابِ، فَإِنَّ الثَّمَنَ يُقَسَّمُ عَلَى جَمِيعِ الصَّفْقَةِ، فَمَا أَصَابَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ مِنْ الثَّمَنِ وُضِعَ عَنْ الْمُبْتَاعِ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ وَجْهَ الصَّفْقَةِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا سَمَّيَا مِنْ الثَّمَنِ. وَقِيلَ: الْبَيْعُ فَاسِدٌ إذَا أُطْلِقَ هَكَذَا لِأَنَّهُ كَالْمُشْتَرِطِ أَنْ لَا يَضُرَّ الثَّمَنُ وَمَا سَمَّيَا هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ اهـ مَا لِابْنِ يُونُسَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَفَرَضَهَا الْمُتَيْطِيُّ فِي الْعَبِيدِ ثُمَّ قَالَ: إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمَمْلُوكُ الْفُلَانِيُّ بِكَذَا وَالْآخَرُ بِكَذَا وَحَقَّقَا ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ وَرَضِيَا فَتَنْفُذُ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ. (وَإِتْلَافُ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ) ابْنُ شَاسٍ: حَيْثُ قُلْنَا: إنْ الضَّمَانُ مِنْ الْبَائِعِ فَتَلِفَ الْمَبِيعُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَإِتْلَافُ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ مِنْهُ. اللَّخْمِيِّ: مَنْ أَتْلَفَ طَعَامًا ابْتَاعَهُ عَلَى الْكَيْلِ قَبْلَ كَيْلِهِ وَعُرِفَ كَيْلُهُ فَهُوَ قَبْضٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ كَيْلُهُ فَالْقَدْرُ الَّذِي يُقَالُ: إنَّهُ كَانَ فِيهَا إنْ قِيلَ قَفِيزٌ غَرِمَ ثَمَنَهُ. (وَإِتْلَافُ الْبَائِعِ وَالْأَجْنَبِيِّ يُوجِبُ الْغُرْمَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اشْتَرَيْتَ صُبْرَةَ طَعَامٍ جُزَافًا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَهَا قَبْلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 420 قَبْضِهَا وَهِيَ كَسِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا ضَمَانُهَا بِالْعَقْدِ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ هَلَكَتْ بِالْعَقْدِ فَهِيَ مِنْك، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِتَعَدِّي أَحَدٍ ابْتَعْتهَا بِقِيمَتِهَا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ كَانَ بَائِعَك أَوْ غَيْرَهُ. (وَإِنْ أَهْلَكَ بَائِعٌ صُبْرَةً عَلَى الْكَيْلِ فَالْمِثْلُ تَحَرِّيًا لِيُوفِيَهُ وَلَا خِيَارَ لَك أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَالْقِيمَةُ إنْ جُهِلَتْ الْمَكِيلَةُ ثُمَّ اشْتَرَى لِلْبَائِعِ مَا يُوفِي فَإِنْ فَضَلَ فَلِلْبَائِعِ وَإِنْ نَقَصَ فَكَالِاسْتِحْقَاقِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ ابْتَعْت صُبْرَةً عَلَى الْكَيْلِ كُلَّ قَفِيزٍ بِكَذَا فَهَلَكَتْ قَبْلَ الْكَيْلِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ، كَانَتْ مِنْ الْبَائِعِ وَانْتَقَضَ الْبَيْعُ، وَإِنْ هَلَكَتْ بِتَعَدِّي الْبَائِعِ أَوْ أَفَاتَهَا بِبَيْعٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهَا تَحَرِّيًا يُوفِيكهَا عَلَى الْكَيْلِ، وَلَا خِيَارَ لَك فِي أَخْذِ ثَمَنِك أَوْ الطَّعَامِ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَهَا أَجْنَبِيٌّ غَرِمَ مَكِيلَتَهَا إنْ عَرَفَ وَقَبَضْتَهُ عَلَى مَا اشْتَرَيْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ كَيْلَهَا أَغْرَمْنَا لِلْبَائِعِ قِيمَتَهَا عَيْنًا ثُمَّ ابْتَعْنَا بِالْقِيمَةِ طَعَامًا مِثْلَهُ فَأَوْفَيْنَاك عَلَى الْكَيْلِ، وَلَيْسَ بِبَيْعٍ مِنْك لِطَعَامٍ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّ التَّعَدِّي عَلَى الْبَائِعِ وَقَعَ، وَأَمَّا التَّعَدِّي بَعْدَ الْكَيْلِ فَمِنْك. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَإِذَا غَرِمَ الْأَجْنَبِيُّ قِيمَةَ تِلْكَ الصُّبْرَةِ فَاشْتَرَى مِثْلَهَا وَفَضَلَتْ مِنْ الْقِيمَةِ فَضْلَةٌ لِرُخْصٍ حَدَثَ، فَإِنَّ الْفَضْلَةَ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ أُغْرِمَتْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُتَعَدِّي لَوْ أُعْدِمَ أَوْ ذَهَبَ فَلَمْ يُوجَدْ كَانَتْ الْمُصِيبَةُ مِنْ الْبَائِعِ، فَلَمَّا كَانَ عَلَيْهِ التَّوَى كَانَ لَهُ النَّمَاءُ وَالْمُشْتَرِي إذَا أَخَذَ نِصْفَ صُبْرَتِهِ الَّتِي اشْتَرَى لَمْ يُظْلَمْ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ بِالْقِيمَةِ إلَّا أَقَلُّ مِنْ الصُّبْرَةِ الْأُولَى كَانَ مَا نَقَصَ كَالِاسْتِحْقَاقِ فَيُرَاعَى إنْ كَانَ كَثِيرًا، فَلِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا سَقَطَ عَنْهُ مَا يَخُصُّ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْكِتَابِ أَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الشِّرَاءَ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 421 أَغْرَمْت. (وَجَازَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ) الْبَاجِيُّ: مَا اشْتَرَيْت مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فَلَا تَبِعْهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَإِنَّهُ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ جُزَافًا. وَمِنْ الْمُوَطَّأِ: مَنْ أَسْلَفَ فِي غَيْرِ طَعَامٍ فَلَهُ بَيْعُ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ بِمَا شَاءَ، لَا تُرَاعِ رَأْسَ الْمَالِ إذْ لَا يُرَاعَى فِي الْبَيْعِ مِنْ زَيْدٍ مَا اُبْتِيعَ مِنْ عَمْرٍو، وَلِذَلِكَ بَيْعُهُ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ بِعَرَضٍ يَقْبِضُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعَرَضُ مِمَّا يُسْلَمُ عَلَيْهِ رَأْسُ الْمَالِ وَيَكُونُ الدَّيْنُ قَدْ حَلَّ أَوْ بَقِيَ لِحُلُولِهِ مِثْلُ أَجَلِ السَّلَمِ عَدَا ابْنَ زَرْقُونٍ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَا ابْتَعْتَهُ أَوْ أَسْلَمْتَ فِيهِ عَدَا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ مِنْ سَائِرِ الْعُرُوضِ عَلَى عَدٍّ أَوْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَجَائِزٌ بَيْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ، قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَبْلَ أَجَلِهِ مِنْ غَيْرِ بَائِعِك بِمِثْلِ رَأْسِ مَالِكِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ نَقْدًا أَوْ بِمَا شِئْت مِنْ الْأَثْمَانِ إلَّا أَنْ تَبِيعَهُ بِمِثْلِ صِنْفِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، يُرِيدُ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَأَمَّا مِثْلُ عَدَدِهِ أَوْ وَزْنِهِ أَوْ كَيْلِهِ فَقَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ: إنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِلْمُبْتَاعِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْبَائِعِ جَازَ وَهُوَ قَرْضٌ. قَالَ مَالِكٌ: وَجَائِزٌ بَيْعُ ذَلِكَ السَّلَمِ مِنْ بَائِعِك بِمِثْلِ الثَّمَنِ فَأَقَلَّ مِنْهُ نَقْدًا قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَأَمَّا بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ، حَلَّ الْأَجَلُ أَمْ لَا، لِأَنَّ سَلَمَك صَارَ لَغْوًا فَهَذَا سَلَفٌ جَرّ نَفْعًا (إلَّا مُطْلَقَ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ طَعَامٍ ابْتَعْتَهُ بِعَيْنِهِ أَوْ مَضْمُونًا عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ مِمَّا يُدَّخَرُ أَوْ لَا يُدَّخَرُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَهُ مِنْ بَائِعِك أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ إلَّا أَنْ تَقِيلَ مِنْهُ أَوْ تُشْرِكَ فِيهِ أَوْ تُوَلِّيَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ عَدَا الْمَاءَ. قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ مَا أَكْرَيْتَ بِهِ أَوْ صَالَحْت مِنْ دَمٍ عَمْدًا وَخَالَعْتَ بِهِ مِنْ طَعَامٍ بِعَيْنِهِ أَوْ مَضْمُونٍ عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الطَّعَامَ غَيْرَ الرِّبَوِيِّ كَالرِّبَوِيِّ (وَلَوْ كَرِزْقِ قَاضٍ) مِنْ الْوَاضِحَةِ: كُلُّ مَا ارْتَزَقَهُ الْقُضَاةُ وَالْكُتَّابُ وَالْمُؤَذِّنُونَ وَصَاحِبُ السُّوقِ مِنْ الطَّعَامِ فَلَا يُبَاعُ حَتَّى يُسْتَوْفَى، فَأَمَّا مَا كَانَ صِلَةً أَوْ عَطِيَّةً يُرِيدُ أَوْ هِبَةً أَوْ مِيرَاثًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: أَوْ مِثْلَ مَا فَرَضَ عُمَرُ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَرْزَاقِ مِنْ الطَّعَامِ، فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ هَذَا كُلِّهِ قَبْلَ قَبْضِهِ (أَوْ أُخِذَ بِكَيْلِ) ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا النَّهْيُ فِيمَا يُسْتَوْفَى بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ دُونَ الْجُزَافِ إذْ الْجُزَافُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ دَاخِلٌ فِي ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ اهـ. اُنْظُرْ مَنْ اسْتَهْلَكَ لِإِنْسَانٍ مَكِيلَةَ طَعَامٍ، هَلْ لَهُ أَنْ يُغَرِّمَهُ ثَمَنَهُ؟ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: هُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَأَجَازَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ. وَانْظُرْ أَيْضًا مَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 422 وَجَبَ مِنْ الطَّعَامِ لِلْمَرْأَةِ فِي نَفَقَتِهَا، الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ فِيهِ ثَمَنًا وَذَلِكَ مَا تُنْفِقُهُ عَلَى أَوْلَادِهَا، اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَيَجُوزُ إعْطَاءُ الثَّمَنِ عَمَّا لَزِمَهُ ". (وَكَلَبَنِ شَاةٍ) لَوْ قَالَ: " شِيَاهٍ " لَكَانَ أَصْوَبَ. التُّونِسِيُّ: اُخْتُلِفَ فِيمَا بِيعَ مِنْ الطَّعَامِ جُزَافًا مِمَّا لَا يَضْمَنُهُ مُشْتَرِيهِ بِالْعَقْدِ كَلَبَنِ الْغَنَمِ إذَا اُشْتُرِيَ شَهْرًا أَوْ بِيَعِ ثِمَارٍ غَائِبَةٍ عَلَى الصِّفَةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ لِمُشْتَرِيهِ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِ بَائِعِهِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ الْمَكِيلَ اهـ. اُنْظُرْ مَنْ اسْتَثْنَى كَيْلًا مِنْ ثَمَرِ جِنَانِهِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ كَرِهَ مَالِكٌ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى إجَازَتِهِ (وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْ نَفْسِهِ إلَّا كَوَصِيٍّ لِيَتِيمِهِ) ابْنُ شَاسٍ: حَيْثُ شَرَطْنَا الْقَبْضَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ إلَّا مَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ كَالْأَبِ فِي وَلَدَيْهِ وَالْوَصِيِّ فِي يَتِيمِهِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. وَقَالَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَعْنَاهُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامٌ وَدِيعَةً وَشِبْهَهَا فَاشْتَرَاهُ مِنْ مَالِكِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ عَنْ الشِّرَاءِ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَبْضَ السَّابِقَ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا تَامًّا، لِأَنَّ رَبَّ الطَّعَامِ لَوْ أَرَادَ إزَالَتَهُ مِنْ يَدِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَبْضُ قَوِيًّا كَالْوَلَدِ وَالْوَصِيِّ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ طَعَامَ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ كَانَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ الطَّعَامَ عَلَى مَنْ اشْتَرَاهُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْضًا ثَانِيًا حِسِّيًّا، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ فِي يَتِيمِهِ وَالْأَبُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْأَقْرَبُ مَنْعُ هَذَا. ابْنُ عَرَفَةَ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ هُوَ ظَاهِرُ السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ (وَجَازَ بِالْعَقْدِ جُزَافًا) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " إنْ أَخَذَ بِكَيْلٍ " (وَصَدَقَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْوَاضِحَةِ: مَا كَانَ صِلَةً أَوْ عَطِيَّةً أَنَّهُ يُبَاعُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَانْظُرْ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا عِنْدَ الْمُتَصَدِّقِ أَمْ لَا فَرْقٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا عِنْدَهُ فَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ لَا فَرْقٌ. اُنْظُرْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ السَّلَمِ. وَمِثْلُ الصَّدَقَةِ الْإِرْثُ وَالسَّلَفُ يَتَنَزَّلُ الْوَارِثُ مَنْزِلَةَ الْمَوْرُوثِ. (وَبَيْعٌ عَلَى مُكَاتَبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَاتَبْت عَبْدَك بِطَعَامٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلٍ جَازَ أَنْ تَبِيعَهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ خَاصَّةً قَبْلَ الْأَجَلِ بِعَرْضٍ أَوْ بِعَيْنٍ وَإِنْ لَمْ تَتَعَجَّلْهُ، وَلَا تَبِعْ ذَلِكَ الطَّعَامَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ حَتَّى تَقْبِضَهُ (وَهَلْ إنْ عَجَّلَ الْعِتْقَ؟ تَأْوِيلَانِ) سَحْنُونَ: لَا يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَ مِنْ الْمُكَاتَبِ نَجْمًا مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَهُ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ فَيَعْتِقُ بِذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْعِتْقِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ حَقَّهُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ فِي هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ، وَانْظُرْ هُنَا أَيْضًا مَنْعَ الذِّمِّيِّ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مُسْلِمٌ. وَهَلْ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُعَلَّلٌ أَوْ تَعَبُّدٌ؟ وَهَلْ تَجُوزُ فِيهِ الْمُوَاعَدَةُ وَالتَّعْرِيضُ وَهَلْ تَضُرُّ النِّيَّةُ فِي ذَلِكَ؟ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ لَك عَلَيْهِ طَعَامُ سَلَمٍ لَا تَقُلْ لَهُ بِعْهُ وَجِئْنِي بِالثَّمَنِ. وَانْظُرْ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَقَالَ لَهُ: اشْتَرِ بِهِ مِثْلَ مَا لَك عَلَيَّ مِنْ الطَّعَامِ. (وَإِقْرَاضُهُ) ابْنُ بَشِيرٍ: يَجُوزُ قَرْضُ مَا بِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَعِبَارَةُ اللَّخْمِيِّ: يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ سَلَمٌ أَنْ يُقْرِضَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا قَبَضَ الْمُقْرَضُ هَذَا الطَّعَامَ لَمْ يَجُزْ لِلَّذِي أَقْرَضَهُ لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 423 أَنْ يَبِيعَهُ لَهُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَلَا لِغَيْرٍ. حَتَّى يَقْبِضَهُ اهـ. وَنَصَّ عَلَى هَذَا فِي رَسْمِ بَاعَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى قَالَ: بِخِلَافِ إذَا قَبَضَهُ وَكِيلُهُ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ مَا قَبَضَهُ الْمُسْتَسْلِفُ فَلَمْ يَدْخُلْهُ بَعْدُ فِي ضَمَانِ الْمُسْلِفِ، فَإِنْ بَاعَهُ فَهُوَ بَيْعُ طَعَامِ سَلَمٍ قَبْلَ قَبْضِهِ (وَوَفَاؤُهُ عَنْ قَرْضٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: جَازَ لَهُ إقْرَاضُهُ أَوْ وَفَاؤُهُ عَنْ قَرْضٍ، وَأَمَّا عَكْسُ هَذَا فَقَدْ نَصَّ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُحِيلَ بِطَعَامٍ عَلَيْك مِنْ بَيْعٍ عَلَى طَعَامٍ لَك مِنْ قَرْضٍ قَالَ: وَلَكِنْ لَا يَبِيعُهُ هُوَ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ فِيهِ مِثْلَ رَأْسِ الْمَالِ. (وَبَيْعُهُ لِمُقْتَرِضٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مَنْ اقْتَرَضَ طَعَامًا جَازَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ اهـ. وَانْظُرْ هَذَا الْبَيْعَ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْمُقْرِضِ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ مِنْ الْمُقْرِضِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الثَّمَنُ الَّذِي يُعْطِي الْمُقْرِضُ إنَّمَا هُوَ ثَمَنٌ عَلَى مَا يَقْبِضُ مِنْ الْمُقْتَرِضِ فَيُرَاعَى أَجَلُ السَّلَمِ، وَالطَّعَامُ بِالطَّعَامِ. (وَإِقَالَةٌ مِنْ الْجَمِيعِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِقَالَةُ تَرْكُ الْمَبِيعِ لِبَائِعِهِ بِثَمَنِهِ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَهِيَ رُخْصَةٌ وَعَزِيمَةٌ. الْأَوْلَى فِيمَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا تَجُوزُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 424 الْإِقَالَةُ مِنْ الْبَعْضِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ فِي طَعَامٍ أَوْ عَرْضٍ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَأَقَالَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ أَوْ قَبْلَهُ مِنْ بَعْضٍ وَأَخَذَ بَعْضًا، لَمْ يَجُزْ، وَدَخَلَهُ فِضَّةٌ نَقْدًا بِفِضَّةٍ وَعَرْضٌ إلَى أَجَلٍ وَبَيْعٌ وَسَلَفٌ مَعَ مَا فِي الطَّعَامِ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَسْلَمْت إلَى أَجَلٍ ثِيَابًا فِي طَعَامٍ فَأَقَلْته مِنْ نَفْسِ الطَّعَامِ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْك نِصْفَ ثِيَابِك الَّتِي دَفَعْتَ إلَيْهِ بِعَيْنِهَا وَقَدْ حَالَ سُوقُهَا أَمْ لَا، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِخِلَافِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ. (وَإِنْ تَغَيَّرَ سُوقُ شَيْئِك لَا بَدَنُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَجَازَ مَالِكٌ لِمَنْ أَسْلَمَ دَابَّةً فِي طَعَامٍ أَنْ يُقِيلَ مِنْهُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ وَيَأْخُذَهَا وَالدَّوَابُّ تَحُولُ أَسْوَاقُهَا فِي شَهْرَيْنِ، فَلَا يُفِيتُ الْإِقَالَةُ حَوَالَةَ سُوقِ رَأْسِ الْمَالِ إلَّا أَنْ يَحُولَ رَأْسُ الْمَالِ فِي عَيْنِهِ بِنَمَاءٍ أَوْ نُقْصَانٍ بَيْنَ عَوَرٍ أَوْ عَيْبٍ، فَلَا يَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ يُقِيلَهُ مِنْ الطَّعَامِ كُلِّهِ وَلَا مِنْ بَعْضِهِ. وَالنَّمَاءُ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرِ يَكْبَرُ وَذَهَابِ بَيَاضِ الْعَيْنِ وَزَوَالِ صَمَمٍ بِهِ فَهَذِهِ تُفِيتُهُ الْإِقَالَةُ (كَسِمَنِ دَابَّةِ وَهُزَالِهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ جَارِيَةً فَتَغَيَّرَتْ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 425 بَدَنِهَا بِهُزَالٍ أَوْ سِمَنٍ لَمْ تَفُتْ الْإِقَالَةُ، وَلَوْ كَانَتْ دَابَّةً كَانَ السِّمَنُ وَالْهُزَالُ مُفِيتًا لِلْإِقَالَةِ لِأَنَّ الدَّوَابَّ تُشْتَرَى لِشَحْمِهَا وَالرَّقِيقُ لَيْسُوا كَذَلِكَ. وَقَالَ يَحْيَى: ذَلِكَ فِي الْأَمَةِ وَالدَّابَّةِ سَوَاءٌ وَلَا يَجُوزُ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. (وَمِثْلُ مِثْلِيِّك إلَّا الْعَيْنَ فَلَهُ دَفْعُ مِثْلِهَا وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرْضًا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ أَوْ طَعَامًا أَسْلَمَهُ فِي عَرْضٍ فَأَقَالَك لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا ذَلِكَ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُبَاعُ لِعَيْنِهِ وَالدَّرَاهِمُ لَا تُبَاعُ لِعَيْنِهَا، فَإِنْ أَسْلَمْت إلَيْهِ دَرَاهِمَ فِي طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ أَقَالَك بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَدَرَاهِمُك بِيَدِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَك غَيْرَهَا مِثْلَهَا فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَ، شَرَطْتَ اسْتِرْجَاعَهَا بِعَيْنِهَا أَمْ لَا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ لَمَّا قَبَضَهَا صَارَتْ فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا أَعْطَاك مِثْلَهَا لَمْ يَظْلِمْك، يُرِيدُ وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ النَّاجِزِ. ابْنُ يُونُسَ: وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ رَجَعَ عَنْ هَذَا وَهُوَ أَحْسَنُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَكُلُّ مَا ابْتَعْته مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ عَرْضٍ فَقَبَضْتَهُ فَأَتْلَفْته فَجَائِزٌ أَنْ تُقِيلَ مِنْهُ وَتَرُدَّ مِثْلَهُ بَعْدَ عِلْمِ الْبَائِعِ بِهَلَاكِهِ وَبَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمِثْلُ حَاضِرًا عِنْدَك وَتَدْفَعَهُ إلَيْهِ بِمَوْضِعٍ قَبَضْتَهُ وَإِنْ حَالَتْ الْأَسْوَاقُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اغْتَصَبْتَهُ فَأَتْلَفْتَهُ فَإِنَّمَا عَلَيْك مِثْلُهُ لَا قِيمَتُهُ وَإِنْ حَالَ سُوقُهُ، وَتَدْفَعُهُ إلَيْهِ بِمَوْضِعٍ غَصَبْته مِنْهُ. ابْنُ يُونُسَ: قِيلَ: وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي نَقَلَهُ إلَيْهِ قَرِيبًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ بَعِيدًا صَارَتْ إقَالَةً عَلَى تَأْخِيرٍ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ. (وَالْإِقَالَةُ بَيْعٌ إلَّا فِي الطَّعَامِ وَالشُّفْعَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْإِقَالَةُ عِنْدَ مَالِكٍ بَيْعٌ حَادِثٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الشُّفْعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ صَارَفْتَ رَجُلًا ثُمَّ لَقِيتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَقَلْته وَدَفَعْتَ إلَيْهِ دَنَانِيرَهُ وَفَارَقْتَهُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ دَرَاهِمَك لَمْ يَجُزْ، وَالْإِقَالَةُ هَاهُنَا بَيْعٌ حَادِثٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْإِقَالَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ فِي الطَّعَامِ مُسْتَخْرَجَةٌ بِرُخْصَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا أَخْرَجَ بَيْعَ الْعَرِيَّةِ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَالْحَوْلَةُ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. (وَالْمُرَابَحَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِقَالَةُ فِي الْمُرَابَحَةِ بَيْعٌ وَإِنَّمَا وَجَبَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 426 التَّبْيِينُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمُبْتَاعَ قَدْ يَكْرَهُ ذَلِكَ (وَتَوْلِيَةٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: التَّوْلِيَةُ تَصْيِيرُ مُشْتَرٍ مَا اشْتَرَاهُ لِغَيْرِ بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ، وَهِيَ فِي الطَّعَامِ غَيْرُ جُزَافٍ قَبْلَ كَيْلِهِ رُخْصَةٌ لِلْحَدِيثِ وَشَرْطُهَا كَوْنُ الثَّمَنِ عَيْنًا. ابْنُ حَبِيبٍ: فَمَا ثَمَنُهُ إجَارَةٌ أَوْ كِرَاءٌ لَا يَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ. اُنْظُرْ إذَا اشْتَرَى مَكِيلَ طَعَامٍ بِدِينَارٍ فَوَلَّى بَعْضَهُ. اُنْظُرْ رَسْمَ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى (وَشَرِكَةٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: الشَّرِكَةُ هُنَا جَعْلُ مُشْتَرٍ قَدْرَ الْغَيْرِ بَائِعَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِمَّا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ بِمَنَابِهِ مِنْ ثَمَنِهِ، هُوَ فِي الطَّعَامِ غَيْرُ جُزَافٍ قَبْلَ كَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ رُخْصَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ إذَا انْتَقَدَ الثَّمَنَ مِمَّنْ يُشْرِكُهُ أَوْ يُقِيلُهُ أَوْ يُوَلِّيهِ. قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: وَأُجْرَةُ الْكَيْلِ فِي طَعَامٍ أَشْرَكَ فِيهِ أَوْ وَلَّاهُ بَعْدَ أَنْ اكْتَالَهُ لَهُ الْبَائِعُ مِنْهُ عَلَى الَّذِي أَشْرَكَهُ أَوْ وَلَّاهُ كَالْبَيْعِ كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ الْعُهْدَةَ بِخِلَافِ طَعَامٍ اسْتَقْرَضَهُ هَذَا كَيْلُهُ عَلَى مُسْتَقْرِضِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ: قَوْلُهُ: " إذَا هَلَكَ الطَّعَامُ الْمُشْتَرَكُ قَبْلَ أَنْ يَكْتَالَهُ أَنَّ مُصِيبَتَهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الَّذِي أَشْرَكَهُ أَنْ يَكِيلَهُ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ ضَامِنًا لَهُ حَتَّى يَكِيلَهُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا أَبْيَنُ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 427 مَعْرُوفٌ فَأَشْبَهَ الْقَرْضَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرِكَةَ وَالتَّوْلِيَةَ وَالْقَرْضَ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكْتَلْ ذَلِكَ مُشْتَرِيهِ وَلَا يَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مَعْرُوفٌ. (إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ عِنْدَك) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَا اشْتَرَيْتَ مِنْ جَمِيعِ الطَّعَامِ وَالْعُرُوضِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ تُشْرِكَ فِيهِ رَجُلًا قَبْلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 428 قَبْضِك لَهُ أَوْ بَعْدُ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ عَنْك لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ مِنْهُ لَكَ (وَاسْتَوَى عَقْدَاهُمَا فِيهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِثَمَنٍ نَقْدًا فَنَقَدَ ثَمَنَهُ وَلَمْ يَكْتَلْهُ حَتَّى أَقَالَ مِنْهُ أَوْ أَشْرَكَ فِيهِ أَوْ وَلَّاهُ رَجُلًا عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ إلَى أَجَلٍ، لَمْ يَصْلُحْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعًا مُؤْتَنَفًا، وَإِنَّمَا رُخِّصَ فِي ذَلِكَ إذَا انْتَقَدَ مِمَّنْ ذَكَرْنَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ مِثْلَ مَا نَقَدَ فَيَحِلُّوا فِي الطَّعَامِ مَحِلَّهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْرُوفِ، فَإِذَا أُحِيلَ عَنْ مَوْضِعِ رُخْصَتِهِ لَمْ يَصْلُحْ. قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا كَيْلًا بِثَمَنِهِ إلَى أَجَلٍ فَلَمْ يَكْتَلْهُ حَتَّى وَلَّاهُ رَجُلًا أَوْ أَشْرَكَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَنْتَقِدُ إلَّا إلَى الْأَجَلِ فَجَائِزٌ، وَإِنْ تَعَجَّلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ أَشْرَكَهُ أَوْ وَلَّاهُ بَعْدَ أَنْ اكْتَالَهُ وَقَبَضَهُ وَشَرَطَ تَعْجِيلَ الثَّمَنِ جَازَ، لِأَنَّهُ بَيْعٌ مُؤْتَنَفٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِنَقْدٍ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى أَشْرَكَ فِيهَا رَجُلًا أَوْ وَلَّاهُ إيَّاهَا وَقَدْ نَقَدَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَهَلَاكُهَا مِنْهُمَا. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا وَاكْتَالَهُ فِي سَفِينَةٍ ثُمَّ أَشْرَكَ فِيهَا رَجُلًا ثُمَّ غَرِقَتْ السَّفِينَةُ وَذَهَبَ الطَّعَامُ قَبْلَ أَنْ يُقَاسِمَهُ: فَهَلَاكُهُ مِنْهُمَا وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا أَشْرَكْتَهُ فَضَمَانُهُ مِنْكُمَا وَإِنْ لَمْ يَكْتَلْهُ. قَالَ سَحْنُونَ: يُرِيدُ، وَقَدْ اكْتَلْتَهُ أَنْتَ قَبْلَ شَرِكَتِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِلَّا كَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ مِنْكَ (وَإِلَّا فَبَيْعٌ كَغَيْرِهِ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ لَمْ يَسْتَوِ عَقْدُ الْإِقَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ فِي الْمِقْدَارِ وَالْأَجَلِ وَغَيْرِهِمَا فَبَيْعٌ كَغَيْرِهِ، وَهَذِهِ هِيَ عِبَارَةُ الْمُوَطَّأِ فِي تَرْجَمَةِ مَا جَاءَ فِي الشَّرِكَةِ وَضَمِنَ الْمُشْتَرِي الْمُعَيَّنَ. اُنْظُرْ ذِكْرَ هَذَا الْفَرْعِ هُنَا وَمَا مَعْنَاهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَبِيعَ الْمُعَيَّنَ إنْ كَانَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، ضَمَانُهُ مِنْ بَائِعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ، وَمَا لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، ضَمَانُهُ مِنْ مُبْتَاعِهِ بِعَقْدِهِ. (وَطَعَامًا كِلْتَهُ وَصَدَّقَك) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ فِي مُدَّيْ حِنْطَةٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ قُلْت لَهُ كِلْهُ لِي فِي غَرَائِرِك أَوْ فِي نَاحِيَةِ بَيْتِك أَوْ فِي غَرَائِرَ دَفَعَهَا لَهُ، فَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ كِلْتُهُ وَضَاعَ عِنْدَك قَالَ مَالِكٌ: مَا يُعْجِبُنِي هَذَا، يُرِيدُ مَالِكٌ وَلَا يَبِيعُهُ بِذَلِكَ الْقَبْضِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَاهُ ضَامِنًا لِلطَّعَامِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى كَيْلِهِ أَوْ تُصَدِّقَهُ أَنْتَ فِي الْكَيْلِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الضَّيَاعِ لِأَنَّهُ لَمَّا اكْتَالَهُ صِرْت أَنْتَ قَابِضًا لَهُ. قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: وَإِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى كَيْلِهِ جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ بِذَلِكَ الْقَبْضِ، وَأَمَّا إنْ صَدَّقَهُ عَلَى كَيْلِهِ فَلَا يَبِعْهُ بِذَلِكَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِيهِ فَيَحْتَاطُ فِي بَيْعِهِ، وَإِنْ كَانَ الضَّمَانُ يَرْتَفِعُ عَنْهُ. خَرَّجَ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى مَسْأَلَةِ الْغَرَائِرِ الْأَجِيرَ يَقُولُ لِمُؤَجِّرِهِ اشْتَرِ لِي بِمَالِي قِبَلَك ثَوْبًا، كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ فَإِنْ وَقَعَ فَهَلْ يُصَدَّقُ وَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَتَلِفَ؟ قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 429 يَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ الْغَرَائِرِ. اُنْظُرْ رَسْمَ سَنَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ السَّلَمِ. (وَإِنْ أَشْرَكَهُ حُمِلَ إنْ أُطْلِقَ عَلَى النِّصْفِ وَإِنْ سَأَلَ ثَالِثٌ شَرِكَتَهُمَا فَلَهُ الثُّلُثُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا ابْتَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا فَسَأَلَهُمَا رَجُلٌ أَنْ يُشْرِكَاهُ فِيهِ فَفَعَلَا فَالْعَبْدُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا. اللَّخْمِيِّ: لِأَنَّهُمَا أَرَادَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَأَحَدِهِمَا فَجَعَلَا لَهُ الثُّلُثَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَصْدُ عِنْدَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا كَانَ لَهُ النِّصْفُ عَلَى قَوْلِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَوْ كَانَ أَنْصِبَاءُ الْأَوَّلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَكَانَ لِلْمُشْرَكِ نِصْفُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ. (وَإِنْ وَلَّيْتَ مَا اشْتَرَيْتَ بِمَا اشْتَرَيْتَ جَازَ إنْ لَمْ تُلْزِمْهُ، وَلَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ رَضِيَ بِأَنَّهُ عَبْدٌ ثُمَّ عَلِمَ بِالثَّمَنِ فَكَرِهَ فَذَلِكَ لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اشْتَرَيْتَ سِلْعَةً ثُمَّ وَلَّيْتهَا الرَّجُلَ وَلَمْ تُسَمِّهَا لَهُ وَلَا ثَمَنَهَا أَوْ سَمَّيْت لَهُ أَحَدَهُمَا، فَإِنْ كُنْت قَدْ أَلْزَمْتَهَا إيَّاهُ إلْزَامًا؛ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ وَقِمَارٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْإِلْزَامِ، جَازَ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهَا وَعَلِمَ الثَّمَنَ. وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدٌ وَرَضِيَ ثُمَّ سَمَّيْتَ لَهُ الثَّمَنَ فَلَمْ يَرْضَ، فَذَلِكَ لَهُ، وَهَذَا مِنْ نَاحِيَةِ الْمَعْرُوفِ يَلْزَمُ الْوَلِيَّ وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى حَتَّى يَرْضَى بَعْدَ الرُّؤْيَةِ وَعِلْمِ الثَّمَنِ، كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا أَوْ طَعَامًا أَوْ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا وَعَلَيْهِ مِثْلُ صِفَةِ الْعَرْضِ بِعَيْنِهِ أَوْ الْحَيَوَانِ وَنَحْوِهِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَالْمِثْلُ حَاضِرٌ عِنْدَهُ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك. قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا إنْ بِعْت مِنْهُ عَبْدًا فِي بَيْتِك بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَمْ تَصِفْهُ وَلَا رَآهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ تَجْعَلْهُ بِالْخِيَارِ إذَا نَظَرَ إلَيْهِ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلَا يَكُونُ الْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ إذَا نَظَرَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْمُكَايَسَةِ، وَلَوْ كُنْتَ جَعَلْته فِيهِ بِالْخِيَارِ إذَا نَظَرَهُ جَازَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُكَايَسَةِ. (وَالْأَضْيَقُ صَرْفٌ ثُمَّ إقَالَةُ طَعَامٍ ثُمَّ تَوْلِيَةٌ وَشَرِكَةٌ فِيهِ ثُمَّ إقَالَةُ عُرُوضٍ وَفَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدِّينِ ثُمَّ بَيْعُ الدَّيْنِ ثُمَّ ابْتِدَاؤُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: أَضْيَقُ مَا تَجِبُ فِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 430 الْمُنَاجَزَةُ الصَّرْفُ، ثُمَّ الْإِقَالَةُ مِنْ الطَّعَامِ وَالتَّوْلِيَةُ فِيهِ، ثُمَّ الْإِقَالَةُ مِنْ الْعُرُوضِ، وَفَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدِّينِ ثُمَّ بَيْعُ الدَّيْنِ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ شَيْئًا مُعَيَّنًا عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا فَأَقَالَهُ عَلَى أَنْ لَا يَقْبِضَهُ إلَّا إلَى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الطَّعَامِ. وَيَخْتَلِفُ فِي الْعُرُوضِ فَيُمْنَعُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَدْخُلُ عِنْدَهُ فِيهِ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، وَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَهُوَ أَحْسَنُ. وَاخْتُلِفَ فِي التَّأْخِيرِ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ، فَمَنَعَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَجَازَ مُحَمَّدٌ تَأْخِيرَهُ الْيَوْمَيْنِ وَهُوَ أَصْوَبُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَيْعِ الدَّيْنِ وَعَقْدِ الدَّيْنِ وَهُوَ السَّلَمُ وَفِي الصُّلْحِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَهُ إذَا أَخَذَ طَعَامًا عَلَى دَنَانِيرَ أَنْ يَتَأَخَّرَ كَيْلُهُ إلَى غَدٍ. [فَصْلٌ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ] (وَجَازَ مُرَابَحَةً) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ جَوَازُ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ. وَمَالَ الْمَازِرِيُّ لِمَنْعِهِ إنْ افْتَرَقَتْ جُمْلَةُ أَجْزَاءِ الرِّبْحِ لِفِكْرَةٍ حِسَابِيَّةٍ (وَالْأَحَبُّ خِلَافُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: الْبَيْعُ عَلَى الْمُكَايَسَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ أَحَبُّ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَحْسَنُ عِنْدَهُمْ اهـ. وَانْظُرْ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَهَلْ إلَّا أَنْ يَسْتَسْلِمَ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجُزَافٍ إنْ رُئِيَ " كَانَ بَيْعُ مَا لَمْ يُسَعَّرْ عَلَيْهِمْ كَالتُّجَّارِ بِنَحْوِ الْقَيْسَارِيَّةِ وَالسَّقَّاطِينَ مُكَايَسَةً مُخَادَعَةً فَتَحَ بَعْضُ طُلَّابِ الْعِلْمِ حَانُوتًا بِالسَّقَّاطِينَ وَطَلَبَ ثَلَاثِينَ مِثْقَالًا فِي حَاجَةٍ وَرُئِيَ بِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَقُومَ بِشُرُوطِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، ثُمَّ أَبْرَمَ الْبَيْعَ بِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ مِثْقَالًا وَكَانَتْ تِلْكَ الْحَاجَةُ بِيعَتْ مُزَايَدَةً بِنَحْوِ اثْنَيْ عَشَرَ مِثْقَالًا فَشَعَرَ بِذَلِكَ الْأَمِينُ فَرَفَعَهُ إلَيَّ فَقُلْت: هَذَا مَكْرٌ وَخَدِيعَةٌ. وَالْحَقُّ أَنْ يُبَيِّنَ التَّاجِرُ الْقَدْرَ الَّذِي يُذْكَرُ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجَهْلٍ بِمَثْمُونٍ " أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى مَكِيلًا فَأَخَذَ مِنْهُ قَدْرًا جَهِلَهُ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ الْبَاقِي جُزَافًا حَتَّى يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي كَانَ كَيْلُهُ كَذَا وَأَخَذْتُ مِنْهُ نَحْوَ كَذَا وَنَسِيتُ. وَعِبَارَةُ ابْنِ سَهْلٍ: وَأَخَذَ نَوَالَهُ الْمُرَادُ فِي الْمُرَابَحَةِ اسْتِوَاءً عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي. (وَلَوْ عَلَى مُقَدَّمٍ وَهَلْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 432 مُطْلَقًا أَوْ إنْ كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؟ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ ابْتَاعَ بِمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَلَيْسَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْمُرَابَحَةِ، وَيَضْرِبُ الرِّبْحَ عَلَى مَا أَحَبَّ مِمَّا عَقَدَ عَلَيْهِ أَوْ نَقَدَ إذَا وَصَفَ ذَلِكَ، يُرِيدُ إذَا كَانَ الطَّعَامُ الَّذِي عَقَدَ بِهِ الْبَيْعَ جُزَافًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَكِيلًا بِنَقْدِ غَيْرِهِ دَخَلَهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ نَقَدَ فِي الْعَيْنِ ثِيَابًا جَازَ أَنْ يَرْبَحَ عَلَيْهَا إذَا وَصَفَهَا لَا عَلَى قِيمَتِهَا كَمَا أَجَزْنَا لِمَنْ ابْتَاعَ بِطَعَامٍ أَوْ عَرْضٍ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً عَلَيْهَا إذَا وَصَفَهَا. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا الْبَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَك وَلَا إرَادَةَ أَنْ لَا تَرَى أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا فِي الشِّقْصِ الْمَبِيعِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَإِلَّا أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ كَبَيْعٍ ثَانٍ، وَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك إذَا لَمْ يَقْصِدْ إلَيْهِ، فَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرَابَحَةِ وَقَالَهُ بَعْضُ فُقَهَائِنَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمِثْلُ قَائِمٌ عِنْدَهُ. (وَحُسِبَ رِبْحُ مَا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ كَصَبْغٍ) ابْنُ رُشْدٍ: بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْوَجْهُ الْوَاحِدُ أَنْ يُبَايِعَهُ عَلَى أَنْ يُرْبِحَهُ لِلدِّرْهَمِ دِرْهَمًا وَلِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَا وَأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، فَهَذَا مَا كَانَ فِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ مِمَّا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ كَالصَّبْغِ وَالْكَمْدِ وَالْفَتْلِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ يُحْسَبُ وَيُحْسَبُ لَهُ الرِّبْحُ. وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُبْتَاعِ فَلَا يُحْسَبُ فِي الثَّمَنِ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ كَنَفَقَةِ وَكِرَاءِ رُكُوبِهِ وَكِرَاءِ بَيْتِهِ، وَإِنْ خَزَّنَ الْمَتَاعَ فِيهِ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ أَنْ يُخَزِّنَ الرَّجُلُ مَتَاعَهُ فِي بَيْتِ سُكْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي لَيْسَ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْمُبْتَاعِ وَهُوَ مِمَّا يَتَوَلَّاهُ التَّاجِرُ بِنَفْسِهِ وَلَا يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ غَالِبًا كَشِرَاءِ الْمَتَاعِ وَشَدِّهِ وَطَيِّهِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا فَاسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْسَبُ فِي رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ يَقُولُ لَهُ لَا يَلْزَمُنِي ذَلِكَ لِأَنَّك إنَّمَا اسْتَأْجَرْت مَنْ يَنُوبُ عَنْك فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ تَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِك فَلَا يَجِبُ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ. وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَخْتَصُّ بِالْمُبْتَاعِ مِمَّا لَا يَتَوَلَّاهُ التَّاجِرُ بِنَفْسِهِ كُلَّ الْمَتَاعِ وَنَفَقَةَ الرَّقِيقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ فَيَجِبُ عَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى مِنْ الْمَتَاعِ لَا مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ إلَّا بِوَاسِطَةٍ وَسِمْسَارٍ تَجْرِي الْعَادَةُ بِذَلِكَ، أَوْ اكْتَرَى مَنْزِلًا لِيُخَزِّنَ فِيهِ الْمَتَاعَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 433 يُحْسَبَ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ. وَهَذَا إذَا بَيَّنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا فَقَالَ اشْتَرَيْتُ هَذِهِ السِّلْعَةَ كُلَّهَا بِكَذَا وَصَبَغْتُهَا بِكَذَا وَأُكْرِيَتْ عَلَيْهَا بِكَذَا وَأَعْطَيْت عَلَيْهَا لِلسِّمْسَارِ كَذَا فَأَبِيعُكهَا بِرِبْحٍ لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا وَيَنْظُرُ إلَى مَا سَمَّى مِمَّا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ فَيُحْسَبُ وَيُحْسَبُ لَهُ الرِّبْحُ وَمَا لَمْ تَكُنْ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ إلَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِالْمَتَاعِ، وَلَا يَتَوَلَّاهُ التَّاجِرُ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ إنْ كَانَ يَتَوَلَّاهُ التَّاجِرُ بِنَفْسِهِ أَوْ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَتَاعِ فَإِنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ رَأْسًا، وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ أَنْ يُرْبِحَهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ بَعْدَ أَنْ يُسَمِّيَهُ وَيُبَيِّنَهُ فَيَجُوزُ ذَلِكَ. وَأَمَّا إنْ قَالَ: قَامَتْ عَلَيَّ هَذِهِ السِّلْعَةُ بِكَذَا وَكَذَا وَأَبِيعُكهَا بِرِبْحٍ لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، فَالْعَقْدُ عَلَى هَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدْرِي كَمْ رَأْسُ الْمَالِ الَّذِي يَجِبُ لَهُ الرِّبْحُ وَكَمْ أُضِيفَ إلَيْهِ مِمَّا يُحْسَبُ وَلَا يَحْسُبُهُ لَهُ رِبْحٌ وَمِمَّا لَا يُحْسَبُ رَأْسًا وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ، وَهَذَا جَهْلٌ بَيِّنٌ فِي الثَّمَنِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِمَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ وُجُوهِ الْمُرَابَحَةِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ بِرِبْحٍ مُسَمًّى عَلَى جُمْلَةِ الثَّمَنِ، فَإِنْ سَمَّى أَيْضًا مَا اشْتَرَاهَا بِهِ وَمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا فِيمَا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ وَفِيمَا لَيْسَ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ مِمَّا يُحْسَبُ أَوْ لَا يُحْسَبُ، جَازَ الْبَيْعُ وَطُرِحَ عَنْ الْمُبْتَاعِ مَا لَا يُحْسَبُ رَأْسًا كَنَفَقَتِهِ وَكِرَاءِ بَيْتِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إلَّا لِمَنْ يَشْتَرِطُ أَنْ يَحْسِبَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ قَامَتْ عَلَيَّ هَذِهِ السِّلْعَةُ بِكَذَا وَكَذَا عَلَى مَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ جَهِلَ بِالثَّمَنِ وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ. وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا فِيمَا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ كَالصَّبْغِ وَالْكَمْدِ وَالْفَتْلِ أَنْ يُبَيِّنَ فَيَقُولَ اشْتَرَيْت بِكَذَا وَصَبَغْت بِكَذَا وَكَذَا فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا بَاعَ بِرِبْحٍ مُسَمًّى عَلَى جُمْلَةِ الثَّمَنِ أَنَّ لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَقَالَ شِرَاءُ هَذِهِ السِّلْعَةِ بِعَشَرَةٍ وَقَدْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ. وَذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونِسِيُّ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ كَسِلْعَتَيْنِ بَاعَهُمَا مُرَابَحَةً صَفْقَةً وَاحِدَةً وَقَدْ كَانَ اشْتَرَاهُمَا فِي صَفْقَتَيْنِ (وَطَرْزٍ وَقَصْرٍ وَخِيَاطَةٍ وَكَمْدٍ وَفَتْلٍ وَتَطْرِيَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْكَمْدَ وَالْفَتْلَ كَالصَّبْغِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: ثَمَنُ مَا زِيدَ فِي الثَّمَنِ وَلَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ مِثْلُ الثَّمَنِ فِيهَا كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْقِصَارَةِ، وَفِي الْوَاضِحَةِ وَالطَّرْزِ. الْمَازِرِيُّ وَالتَّطْرِيَةِ. (وَأَصْلُ مَا زَادَ فِي الثَّمَنِ كَحُمُولَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: مَا كَانَ فِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ مِمَّا لَيْسَ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ وَكَانَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْمَتَاعِ وَمِمَّا يَسْتَنِيبُ التَّاجِرُ عَلَيْهِ غَالِبًا وَلَا يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ كَحَمْلِ الْمَتَاعِ وَنَفَقَةِ الرَّقِيقِ، فَإِنَّهُ يُحْسَبُ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ فِيهَا يُحْسَبُ كِرَاءُ الْحُمُولَةِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ، وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ إلَّا أَنْ يَرْبَحَهُ عَلَيْهِ. (وَشَدٍّ وَطَيٍّ اُعْتِيدَ أُجْرَتُهُمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 434 وَكِرَاءِ بَيْتٍ لِسِلْعَةٍ وَإِلَّا لَمْ يُحْسَبْ كَسِمْسَارٍ لَمْ يُعْتَدْ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الشَّدَّ وَالطَّيَّ لَا يُحْسَبُ فِي رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ يَقُولُ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ تَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِك فَلَا يَجِبُ عَلَيَّ شَيْءٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى مَا لَا يُشْتَرَى إلَّا بِسِمْسَارٍ أَوْ اكْتَرَى مَنْزِلًا لَوْلَا الْمَتَاعُ لَمْ يَحْتَجْ لِذَلِكَ الْمَنْزِلِ أَنْ يُحْسَبَ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ. اُنْظُرْهُ مَبْسُوطًا قَبْلَ هَذَا، وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ فِي السِّمْسَارِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ عَادَةً أَنَّ أُجْرَتَهُ تُحْسَبُ وَلَا يُضْرَبُ لَهُ رِبْحٌ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ. وَاَلَّذِي لِابْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهَا كَالصَّبْغِ يُحْسَبُ أَجْرُهُ وَيُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: السِّمْسَارُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الشِّرَاءَ وَيُسَمَّى الْجُلَّاسَ يَأْخُذُ عِوَضًا مِنْ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا الَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ لِلْبَائِعِ فَإِنَّ أُجْرَتَهُ عَلَى الْبَائِعِ وَهُوَ مِنْ الثَّمَنِ لَا شَكَّ فِيهِ اهـ. وَانْظُرْ اللَّازِمَ الْمَخْزَنِيَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَرْجَمَةٍ قَالَ (إنْ بَيَّنَ الْجَمِيعَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ وَجْهٍ مِنْ وَجْهَيْ الْمُرَابَحَةِ أَنْ يُبَيِّنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا. وَقَالَ عِيَاضٌ: مِنْ وُجُوهِ الْمُرَابَحَةِ أَنْ يُبَيِّنَ جَمِيعَ مَا لَزِمَهَا مِمَّا يُحْسَبُ وَمَا لَا يُحْسَبُ مُفَصَّلًا أَوْ مُجْمَلًا. وَيُشْتَرَطُ ضَرْبُ الرِّبْحِ عَلَى الْجَمِيعِ، فَهَذَا صَحِيحٌ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي فِيمَا يُحْسَبُ وَمَا لَا يُحْسَبُ لِأَنَّ عَلَى هَذَا وَقَعَ الشِّرَاءُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ: " إلَّا أَنْ يُرْبِحَهُ فِي ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ ". وَذَكَرَ عِيَاضٌ وَجْهًا آخَرَ قَسِيمًا لِهَذَا وَهُوَ أَنْ يُبَيِّنَ جَمِيعَ مَا لَزِمَ السِّلْعَةَ مِمَّا يُحْسَبُ وَمَا لَا يُحْسَبُ، وَيُفَسِّرَ مَا يُحْسَبُ وَيَرْبَحُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَرْبَحُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يُحْسَبُ جُمْلَةً، ثُمَّ يَضْرِبُ الرِّبْحَ عَلَى مَا يَجِبُ ضَرْبُهُ عَلَيْهِ خَاصَّةً، فَهَذَا صَحِيحٌ جَائِزٌ أَيْضًا عَلَى مَا عَقَدَاهُ. (أَوْ فَسَّرَ الْمُؤْنَةَ فَقَالَ: هِيَ بِمِائَةٍ أَصْلُهَا كَذَا وَحَمْلُهَا كَذَا أَوْ عَلَى الْمُرَابَحَةِ وَبَيَّنَ كَرِبْحٍ لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ وَلَمْ يُفَصِّلَا مَا لَهُ الرِّبْحُ) اُنْظُرْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَمُقْتَضَى مَا يَتَقَرَّرُ أَنَّهَا وَجْهٌ وَاحِدٌ. قَالَ عِيَاضٌ: مِنْ وُجُوهِ الْمُرَابَحَةِ أَنْ يُفَسِّرَ الْمُؤْنَةَ فَيَقُولَ هِيَ عَلَيَّ بِمِائَةٍ، رَأْسُ مَالِهَا كَذَا، وَلَازَمَهَا فِي الْحَمْلِ كَذَا، وَفِي الصَّبْغِ وَالْقِصَارَةِ كَذَا، وَفِي الشَّدِّ وَالطَّيِّ كَذَا، وَبَاعَهَا عَلَى الْمُرَابَحَةِ لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشْرَةَ وَلَمْ يُفَصِّلَا وَلَا شَرَطَا مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الرِّبْحُ مِمَّا لَا يُوضَعُ وَلَا مَا يُحْسَبُ مِمَّا لَا يُحْسَبُ، فَمَذْهَبُهُمْ جَوَازُ هَذَا، وَقَصْرُ الرِّبْحِ عَلَى مَا يَجِبُ وَإِسْقَاطُ مَا لَا يُحْسَبُ فِي الثَّمَنِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ، لِأَنَّ الْبَائِعَ وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَبَيَّنَهُ لِلْمُشْتَرِي فَقَدْ يَجْهَلَانِ الْحُكْمَ وَمَا يَجِبُ حِسَابُهُ وَمَا لَا يَجِبُ، وَمَا يَجِبُ لَهُ الرِّبْحُ وَمَا لَا يُجِيبُ، فَتَقَعُ الْجَهَالَةُ فِي الثَّمَنِ، وَأَشَارَ إلَى هَذَا أَبُو إِسْحَاقَ، وَلَعَلَّ قَوْلَهُمْ بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُمَا ظَنَّا أَنَّ هَذَا الْحُكْمُ وَلَمْ يَقْصِدَا فَسَادًا (وَزِيدَ عُشْرُ الْأَصْلِ) وَأَمَّا قَوْلُهُ: بِرِبْحِ الْعَشَرَةِ اثْنَيْ عَشَرَ فَيُزَادُ خُمْسُ الْأَصْلِ (وَالْوَضِيعَةُ كَذَلِكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَتَجُوزُ الْمُرَابَحَةُ لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ. ابْنُ يُونُسَ: تَفْسِيرُ ذَلِكَ كَأَنَّهُ قَالَ: تَرْبَحُ لِكُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ الثَّمَنِ دِرْهَمًا قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 435 وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِوَضِيعَةٍ لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا فَيَحُطُّ عَنْهُ جُزْءًا مِنْهَا وَكَأَنَّهُ قَالَ: مَا ابْتَعْته بِأَحَدَ عَشَرَ تَأْخُذُهُ بِعُشْرِهِ. وَأَصْلُ مَعْرِفَةِ هَذَا أَنْ تَنْظُرَ الزَّائِدَ عَلَى الْعَشَرَةِ مِنْ قِيمَةِ الْوَضِيعَةِ فَتَنْسِبُهُ مِنْ الْوَضِيعَةِ، فَمِثْلُ ذَلِكَ الْجُزْءِ تَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ فَفِي هَذَا الْمِثَالِ زَادَتْ الْأَحَدَ عَشَرَ عَلَى الْعَشَرَةِ وَاحِدًا فَتَنْسُبُهُ مِنْ الْأَحَدَ عَشَرَ فَتَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ. (لَا أَبْهَمَ كَقَامَتْ بِكَذَا أَوْ قَامَتْ بِشَدِّهَا وَطَيِّهَا بِكَذَا أَوْ لَمْ يُفَصِّلْ) عِيَاضٌ: مِنْ أَوْجُهِ الْمُرَابَحَةِ أَنْ يُبْهِمَ فِيهِ النَّفَقَةَ بَعْدَ تَسْمِيَتِهَا فَيَقُولَ: قَامَتْ عَلَيَّ بِشَدِّهَا وَطَيِّهَا وَحَمْلِهَا وَصَبْغِهَا وَيُفَسِّرَهَا فَيَقُولَ مِنْهَا عَشَرَةٌ فِي مُؤْنَةٍ وَلَا يُفَسِّرُ الْمُؤْنَةَ فَهَذِهِ أَيْضًا فَاسِدَةٌ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: وَيَفْسَخُ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: جَوَازُ مِثْلِ هَذَا اهـ. اُنْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ قَبْلَ قَوْلِهِ: وَطَرْزٍ (وَهَلْ هُوَ كَذِبٌ أَوْ غِشٌّ؟ تَأْوِيلَانِ) عِيَاضٌ: ثُمَّ اخْتَلَفُوا إذَا بَاعَ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا يُحْسَبُ لَهُ فِيهِ رِبْحٌ وَفَاتَ الْمَبِيعُ، هَلْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ الْغِشِّ؟ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَكْذِبْ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ ثَمَنِهِ وَلَكِنَّهُ أَبْهَمَ فَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا يَجِبُ إسْقَاطُهُ وَرَأْسُ الْمَالِ مَا بَقِيَ فَاتَتْ أَوْ لَمْ تَفُتْ، وَلَا يَنْظُرُ إلَى الْقِيمَةِ كَمَا لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْكِتَابِ وَهُوَ تَأْوِيلُ أَبِي عِمْرَانَ عَلَى الْكِتَابِ وَإِلَيْهِ نَحَا التُّونِسِيُّ وَالْبَاجِيُّ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ لُبَابَةَ وَقَالَ: بَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْكَذِبِ لِزِيَادَتِهِ فِي الثَّمَنِ مَا لَا يُحْسَبُ فِيهِ، وَحَمْلِهِ الرِّبْحَ عَلَى مَا لَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ فَيُقَالُ لِلْبَائِعِ تُسْقِطُ مَا يَجِبُ إسْقَاطُهُ مِنْ نَفَقَةٍ وَرِبْحٍ، فَإِنْ أَسْقَطَهُ لَزِمَ الْمُشْتَرِي وَرِبْحُهُ، وَإِنْ أَبَى فَسَخَ إلَّا أَنْ يُحِبَّ الْمُشْتَرِي التَّمَاسُكَ، فَإِنْ فَاتَتْ فَهِيَ كَالْكَذِبِ إنْ لَمْ يَضَعْ الْبَائِعُ مَا ذَكَرْنَاهُ لَزِمَتْ الْمُبْتَاعَ بِالْقِيمَةِ مَا لَمْ تَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ كُلِّهِ بِغَيْرِ طَرْحِ شَيْءٍ فَلَا يُزَادُ وَيَكُونُ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الصَّحِيحِ بَعْدَ طَرْحِ كُلِّ مَا يَجِبُ طَرْحُهُ فَلَا يُنْقَضُ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَابْنِ عَبْدُوسٍ وَبِهِ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ مَذْهَبَ الْكِتَابِ، وَإِلَى هَذَا مَالَ أَبُو عِمْرَانَ وَعَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ لُبَابَةَ. (وَوَجَبَ تَبْيِينُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 436 مَا يُكْرَهُ) . ابْنُ يُونُسَ: «نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْغِشِّ وَالْخِلَابَةِ فِي الْبَيْعِ» ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا يَجْرِي فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ مِمَّا يَكْتُمُهُ الْبَائِعُ مِنْ أَمْرِ سِلْعَتِهِ مِمَّا لَوْ ذَكَرَهُ كَانَ أَوْكَسَ لِلثَّمَنِ وَأَكْرَهَ لِلْمُبْتَاعِ (كَمَا نَقَدَهُ وَعَقَدَهُ مُطْلَقًا) اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " مُطْلَقًا " هُوَ عَلَى غَيْرِ قَوْلِ مَالِكٍ. ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ اشْتَرَى بِدَنَانِيرَ فَنَقَدَ دَرَاهِمَ أَوْ الْعَكْسُ فَلَا بَيْعَ عَلَى مَا عَقَدَ بِلَا خِلَافٍ. اللَّخْمِيِّ: حَتَّى يُبَيِّنَ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَبِيعُ عَلَى مَا نَقَدَ؟ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا نَقَدَ دَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ فَلْيَبِعْ عَلَى مَا نَقَدَ. وَقَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ إذَا لَمْ يُحَابِ بِهِ فِي الصَّرْفِ. وَقَالَ مَالِكٌ: مِثْلُهُ إذَا نَقَدَهُ طَعَامًا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ كَالسِّلَعِ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَلَوْ عَقَدَ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ نَقَدَ عَرْضًا لَمْ يَبِعْ عَلَى مَا نَقَدَ حَتَّى يُبَيِّنَ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَبِيعُ عَلَى مَا عَقَدَ؟ مَنَعَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَجَازَهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَإِنْ نَقَدَ طَعَامًا فَلْيَبِعْ عَلَى مَا عَقَدَ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الطَّعَامُ فِي هَذَا كَالسِّلَعِ وَإِنْ اشْتَرَى بِعَرْضٍ فَنَقَدَ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 437 الْمُدَوَّنَةِ أَنْ لَا يَبِيعَ عَلَى أَحَدِهِمَا حَتَّى يُبَيِّنَ، وَالصَّوَابُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْتَفْتِيًا أَنْ يُوَكِّلَ إلَى أَمَانَتِهِ، فَمَا عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ الثَّمَنِ رَغْبَةً فِيهِ وَقَدْ مَكَّنَهُ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ عَلَى مَا عَقَدَ وَلَا يُبَيِّنُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لِرَغْبَةٍ مِنْ الْبَائِعِ وَإِنَّمَا كَانَ قَصْدًا مِنْ الْمُشْتَرِي إلَى الْهَضِيمَةِ لَمْ يَبِعْ حَتَّى يُبَيِّنَ. (وَالْأَجَلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَلْيُبَيِّنْ ذَلِكَ فِي الْمُرَابَحَةِ. فَإِنْ بَاعَهَا بِالنَّقْدِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ. قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي حَبْسُهَا إنْ لَمْ تَفُتْ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: إنَّمَا يَرُدُّ إنْ شَاءَ ذَلِكَ الْمُبْتَاعُ. رَاجِعْ ابْنَ يُونُسَ. (وَإِنْ بِيعَ عَلَى النَّقْدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِدَرَاهِمَ نَقْدًا ثُمَّ أَخَّرَ بِالثَّمَنِ فَلَا يَبِيعُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ ذَلِكَ كَمَنْ نَقَدَ غَيْرَ مَا عَقَدَ بِهِ الْبَيْعَ. (وَطُولِ زَمَانِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا فَحَالَتْ أَسْوَاقُهَا عِنْدَهُ فَلَا يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ وَإِنْ كَانَتْ الْأَسْوَاقُ قَدْ زَادَتْ، لِأَنَّ النَّاسَ فِي الطَّرِيِّ أَرْغَبُ مِنْ الَّذِي تَقَادَمَ فِي أَيْدِيهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا تَقَادَمَ مُكْثُ السِّلْعَةِ فَلَا يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ فِي أَيِّ زَمَانٍ اشْتَرَاهَا. (وَتَجَاوُزِ الزَّائِفِ وَهِبَةٍ إنْ اُعْتِيدَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ ابْتَاعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 438 بِنَقْدٍ فَنَقَدَ وَحَطَّ عَنْهُ مَا يُشْبِهُ حَطِيطَةَ الْبَيْعِ أَوْ تَجَاوَزَ عَنْهُ دِرْهَمًا زَائِفًا فَلَا يَبِيعُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، وَإِنْ أَشْرَكْت رَجُلًا فِي سِلْعَةٍ أَوْ وَلَّيْتهَا لَهُ ثُمَّ حَطَّك بَائِعُك مِنْ الثَّمَنِ مَا يُشْبِهُ اسْتِصْلَاحَ الْبَيْعِ لَزِمَك أَنْ تَضَعَ عَمَّنْ أَشْرَكْته نِصْفَ مَا حَطَّ عَنْك وَلَا يَلْزَمُك ذَلِكَ فِيمَنْ وَلَّيْته. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ حَطَّك بَائِعُك جَمِيعَ الثَّمَنِ أَوْ نِصْفَهُ مِمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ لِغَيْرِ الْبَيْعِ لَمْ يَلْزَمْك أَنْ تَحُطَّ شَيْئًا، لَا فِي بَيْعٍ وَلَا شِرْكٍ، لَا تَوْلِيَةَ وَلَا خِيَارَ لَهُمْ. (وَأَنَّهَا لَيْسَتْ بَلَدِيَّةً أَوْ مِنْ التَّرِكَةِ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجِبُ تَبْيِينُ مَا يُكْرَهُ. يَبْقَى النَّصُّ عَلَى هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ إنَّمَا وَرَدَ النَّصُّ عَلَيْهِمَا فِي التَّدْلِيسِ بِالْعُيُوبِ فَكَانَ اللَّائِقُ أَنْ يَذْكُرَهُمَا هُنَاكَ. قَالَ أَصْبَغُ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ فَوَجَدَهُ فَصِيحًا، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَجْلُوبٌ فَوَجَدَهُ مُوَلَّدًا، فَلَهُ الرَّدُّ زِيَادَةً كَانَتْ أَوْ وَضَيْعَةً لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْمَجْلُوبِ أَرْغَبُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الرَّقِيقِ يُجْلَبُ مِنْ طَرَابُلُسَ فَيَدْخُلُ الْمِصْرِيُّ رَأْسًا بَيْنَهُمَا فَبَاعَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ: أَرَى لِلْمُبْتَاعِ رَدَّهُ، وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ وَالْحَمِيرُ. وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ خَلَطَ سِلْعَةً بِتَرِكَةِ مَيِّتٍ فَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ لِلْمُبْتَاعِ الرَّدَّ اهـ. وَانْظُرْ قَوْلَ بَهْرَامُ إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ مِنْ التَّرِكَةِ وَأَرَادَ بَيْعَهَا مُرَابَحَةً فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ كَوْنِهَا مِنْ سِلَعِ الْمِيرَاثِ لِأَنَّ النَّاسَ كَثِيرًا مَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ الشِّرَاءِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ اهـ. وَلَمْ يُعْزَ هَذَا لِأَحَدٍ وَقَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ أَنَّ نَاقِلَ الْفَرْعِ الْغَرِيبِ يَجِبُ عَلَيْهِ عَزْوُهُ. وَانْظُرْ عَلَى تَفْسِيرِ بَهْرَامُ يَكُونُ قَوْلُ خَلِيلٍ: " أَوْ مِنْ تَرِكَةٍ " مَعْطُوفًا عَلَى خَبَرِ " إنَّ " لَا عَلَى خَبَرِ " لَيْسَ ". (وَوِلَادَتِهَا وَإِنْ بَاعَ وَلَدَهَا مَعَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ تَوَالَدَتْ الْغَنَمُ لَمْ يَبِعْ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، إنْ وَلَدَتْ الْأَمَةُ عِنْدَهُ لَمْ يَبِعْ الْأُمَّ مُرَابَحَةً وَيَحْبِسُ الْوَلَدَ إلَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 439 أَنْ يُبَيِّنَ وَيَكُونُ الْوَلَدُ فِي حَدِّ التَّفْرِقَةِ (وَجُدَّتْ ثَمَرَةٌ أُبِّرَتْ) ابْنُ بَشِيرٍ: اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ إذَا اشْتَرَى شَجَرًا وَفِيهَا ثَمَرٌ فَاسْتُحِقَّتْ وَقَدْ جَدَّ الثَّمَرَةَ، هَلْ تَكُونُ الثَّمَرَةُ غَلَّةً؟ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي وُجُوبِ الْبَيَانِ فِي الْمُرَابَحَةِ لِضِيقِ بَابِ الْمُرَابَحَةِ (وَصُوفٍ تَمَّ) لَعَلَّ النَّاسِخَ أَسْقَطَ " أَمْ لَا ". وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ ابْتَاعَ حَوَانِيتَ أَوْ دُورًا أَوْ حَوَائِطَ أَوْ رَقِيقًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ غَنَمًا فَاغْتَلَّهَا أَوْ حَلَبَ الْغَنَمَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ فِي الْمُرَابَحَةِ لِأَنَّ الْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ إلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ أَوْ تَحُولَ الْأَسْوَاقُ فَلْيُبَيِّنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ جَزَّ صُوفَ الْغَنَمِ فَلْيُبَيِّنْهُ كَانَ عَلَيْهَا يَوْمَ الشِّرَاءِ أَمْ لَا، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَوْمئِذٍ تَامًّا فَقَدْ صَارَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَهَذَا نُقْصَانٌ مِنْ الْغَنَمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَامًّا فَلَمْ يَنْبُتْ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ تَتَغَيَّرُ فِيهَا الْأَسْوَاقُ. (وَإِقَالَةِ مُشْتَرِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِعِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ بَاعَهَا بِثَلَاثِينَ ثُمَّ أَقَالَ مِنْهَا لَمْ يَبِعْ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى عِشْرِينَ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ بَيْنَهُمَا حِينَ اسْتَقَالَهُ. ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِهِمْ: إنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ الْإِقَالَةَ هَاهُنَا بَيْعًا حَادِثًا لِأَنَّهُ إقَالَةٌ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ، وَلَوْ تَنَاقَدَا وَافْتَرَقَا وَتَبَاعَدَ ذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَقَايَلَا فَهَذَا بَيْعٌ مُبْتَدَأٌ وَإِنْ سَمَّوْهُ إقَالَةً، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ عَلَى الثَّمَنِ الْآخَرِ. (إلَّا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَاعَ سِلْعَةً مُرَابَحَةً ثُمَّ ابْتَاعَهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا بِهِ أَوْ أَكْثَرَ فَلْيَبِعْ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْآخَرِ لِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ حَادِثٌ. ابْنُ مُحْرِزٍ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّنْ ابْتَاعَهَا وَحَمَلَهَا فَضْلًا عَلَى أَنَّهُ فِي شِرَائِهَا مِنْ غَيْرٍ. (وَالرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا فِي سَفَرٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْمُرَابَحَةِ (وَالتَّوْظِيفِ) سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الثَّوْبَيْنِ جَمِيعًا بِثَمَنٍ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، أَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا بَيَّنَ ذَلِكَ لِلْمُبْتَاعِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا بَيَّنَ عَلَى مَا قَالَ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَيَكُونُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 440 الْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ الْغِشِّ وَالْخَدِيعَةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى: فَإِنْ كَانَ مَا ابْتَعْتَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ غَيْرِهِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فَبِعْتَ بَعْضَهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ مَا بَقِيَ أَوْ بَعْضَ مَا بَقِيَ مُرَابَحَةً وَلَا تُبَيِّنْ أَنَّك بِعْتَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَيْسَ عَلَيْك أَنْ تُبَيِّنَ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. الْمَازِرِيُّ: قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَسْمَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ تَمْيِيزُ حَقٍّ وَأَنَّهُ لَا يُزَادُ فِيهِ لِأَجْلِ الْجُمْلَةِ. (وَلَوْ مُتَّفِقًا إلَّا مِنْ سَلَمٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ ابْتَعْتَ ثَوْبَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَلَا تَبِعْ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً وَتُوَلِّيهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ تُبَيِّنَ، وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ مِنْ سَلَمٍ جَازَ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِهِمَا أَوْ بَعْدَ إذَا اتَّفَقَتْ الصِّفَةُ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ عَنْهُ فِيهِمَا إذْ لَوْ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ رَجَعَ بِمِثْلِهِ، وَالْمَعِيبُ إنَّمَا يَرْجِعُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ بِعْتَ جُزْءًا شَائِعًا مُرَابَحَةً مِنْ عُرُوضٍ ابْتَعْتهَا مُعَيَّنَةً جَازَ كَنِصْفِ الْجَمِيعِ أَوْ ثُلُثِهِ (لَا غَلَّةِ رَبْعٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ اغْتَلَّ الْحَوَانِيتَ وَالدُّورَ وَالْحَوَائِطَ وَالرَّقِيقَ وَالْحَيَوَانَ وَالْغَنَمَ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُبَيِّنَ لِأَنَّ الْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ إلَّا أَنْ يَطُولَ (كَتَكْمِيلِ شِرَائِهِ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لِمَنْ أَخَذَ سِلْعَةً فِي الْمُقَاوَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ بَيْعُهَا مُرَابَحَةً بِتِلْكَ الْمُقَاوَاةِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ إذَا صَحَّ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: يُرِيدُ وَيَحْمِلُ عَلَى الثَّمَنِ نِصْفَ الزِّيَادَةِ فَقَطْ وَهُوَ مَا أَخَذَ الشَّرِيكُ اهـ. نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ وَلَمْ يَنْقُلْ قَوْلَ الْقَابِسِيِّ. (لَا إنْ وَرِثَ بَعْضَهُ وَهَلْ إنْ تَقَدَّمَ الْإِرْثُ أَوْ مُطْلَقًا؟ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ وَرِثَ نِصْفَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 441 سِلْعَةٍ ثُمَّ ابْتَاعَ نِصْفَهَا فَلَا يَبِعْ نِصْفَهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ مَا ابْتَاعَ وَمَا وَرِثَ، وَإِذَا بَيَّنَ فَإِنَّمَا يَقَعُ الْبَيْعُ عَلَى مَا ابْتَاعَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَكَذَا إذَا اشْتَرَى نِصْفَ السِّلْعَةِ ثُمَّ وَرِثَ نِصْفَهَا الْحُكْمُ وَاحِدٌ لِقَوْلِهِ فِيهَا دَخَلَ فِي ذَلِكَ مَا ابْتَاعَ وَمَا وَرِثَ. وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ إذَا وَرِثَ النِّصْفَ ثُمَّ ابْتَاعَ النِّصْفَ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي الثَّمَنِ لِتَصِيرَ لَهُ جُمْلَةُ السِّلْعَةِ وَذَلِكَ إذَا سَبَقَ الشِّرَاءُ ثُمَّ وَرِثَ. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ الْقَابِسِيِّ إذَا اشْتَرَى النِّصْفَ الْبَاقِي أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ لِأَنَّهُ زَادَ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَدْ يُفَرِّقُ الْقَابِسِيُّ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِتَكْمِيلِ مَا وَرِثَ أَكْثَرُ قَصْدٍ إلَيْهَا مِنْ الْقَصْدِ لِيُكْمِلَ مَا اشْتَرَى. (وَإِذَا غَلِطَ بِنَقْصٍ وَصُدِّقَ أَوْ أَثْبَتَ رَدَّ أَوْ دَفْعَ مَا تَبَيَّنَ رِبْحَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ سِلْعَةً مُرَابَحَةً وَقَالَ قَامَتْ عَلَيَّ بِمِائَةٍ فَأَرْبَحُ الْعَشَرَةَ ثُمَّ أَثْبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ وَمِائَةٍ أَوْ يَأْتِي مِنْ رَقْمِ الثَّوْبِ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى الْغَلَطِ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ وَيُصَدَّقُ، فَإِنْ لَمْ تَفُتْ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ رَدِّهَا أَوْ يَضْرِبُ لَهُ الرِّبْحَ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ (فَإِنْ فَاتَتْ خُيِّرَ مُشْتَرِيهِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَرِبْحِهِ وَقِيمَتِهِ يَوْمَ بَيْعِهِ مَا لَمْ تَنْقُصْ عَنْ الْغَلَطِ وَرِبْحِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ فَاتَتْ بِنَمَاءٍ أَوْ نَقْصٍ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ التَّبَايُعِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ وَمِائَةٍ فَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ أَوْ تَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَرِبْحِهَا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: جَعْلُ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ شِبْهَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَإِنَّمَا هُوَ غَلَطٌ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ. (وَإِنْ كَذَبَ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ إنْ حَطَّهُ وَرِبْحَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ سِلْعَةً مُرَابَحَةً فَزَادَ فِي الثَّمَنِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ: زَادَ ذَلِكَ بِغَلَطٍ أَوْ تَعَمَّدَ فِيهِ. قَالَ: وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ لَمْ تَفُتْ خُيِّرَ الْمُبْتَاعُ بَيْنَ أَخْذِهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ رَدِّهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَحُطَّ الْبَائِعُ الْكَذِبَ وَرِبْحَهُ فَتَلْزَمُ الْمُبْتَاعَ قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 442 وَإِنْ فَاتَ، وَيُفِيتُهَا مَا يُفِيتُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فَعَلَى الْمُبْتَاعِ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبْضِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ بِالْكَذِبِ وَرِبْحِهِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ أَوْ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الصَّحِيحِ وَبِمَا قَابَلَهُ مِنْ الرِّبْحِ فَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ. وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي رَسْمِ صَلَّى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ فِي الَّذِي قَالَ لَك زِيَادَةُ دِينَارٍ عَلَى مَا أَعْطَيْت فَقَالَ: أَعْطَيْت مِائَةَ دِينَارٍ فَأَعْطَاهُ الْمِائَةَ وَدِينَارًا ثُمَّ سَأَلَ الَّذِي قَالَ عَنْهُ فَقَالَ: مَا أَعْطَيْتُهُ إلَّا تِسْعِينَ فَقَالَ مَالِكٌ: الْبَيْعُ لَازِمٌ لَوْ شَاءَ اسْتَثْبَتَ لِنَفْسِهِ يُصَدِّقُهُ أَوْ يُكَذِّبُهُ إلَّا إنْ كَانَ ثَمَّ شُهُودٌ حُضُورٌ يَشْهَدُونَ بِخِلَافِ مَا قَالَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، فَإِنْ فَاتَ الْمَبِيعُ فَيَكُونُ فِيهِ الْأَكْثَرُ عَلَى حُكْمِ الْكَذِبِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ. (بِخِلَافِ الْغِشِّ وَإِنْ فَاتَتْ فَفِي الْغِشِّ أَقَلُّ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ بَاعَ مُرَابَحَةً وَغَشَّ الْمُبْتَاعَ فَإِنْ كَتَمَهُ مِنْ أَمْرِ سِلْعَتِهِ مَا يَكْرَهُهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ فَحُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَاعُ فِي قِيَامِ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَمْسِكَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدَّ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ بَعْضَ الثَّمَنِ وَيُلْزِمُهَا إيَّاهُ، وَإِنْ كَانَتْ فَاتَتْ كَانَ فِيهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ. (وَفِي الْكَذِبِ خُيِّرَ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَرِبْحِهِ أَوْ قِيمَتِهَا مَا لَمْ تَزِدْ عَلَى الْكَذِبِ وَرِبْحِهِ) اُنْظُرْهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: " بِخِلَافِ الْغِشِّ ". (وَمُدَلِّسُ الْمُرَابَحَةِ كَغَيْرِهَا) ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ دَلَّسَ بِعَيْبٍ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ بَاعَ غَيْرَ مُرَابَحَةٍ فِي قِيَامِ السِّلْعَةِ وَفَوَاتِهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ وَيَرْجِعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يَمْسِكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ فَاتَتْ بِعَيْبٍ مُفْسِدٍ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ وَيَرُدَّ مَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ الْحَادِثُ عِنْدَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَمْسِكَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ الرِّبْحِ. فَصْلٌ (تَنَاوَلَ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ الْأَرْضَ وَتَنَاوَلَتْهُمَا لَا الزَّرْعَ وَالْبَذْرَ) صَوَابُهُ وَتَنَاوَلَتْهُمَا وَالْبَذْرَ لَا الزَّرْعَ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: الْأَرْضُ يَنْدَرِجُ تَحْتَهَا الْبِنَاءُ كَمَا تَنْدَرِجُ هِيَ أَيْضًا تَحْتَ الْبِنَاءِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ارْتَهَنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 443 أَرْضًا ذَاتَ نَخْلٍ لَمْ يُسَمِّهَا أَوْ رَهَنَ النَّخْلَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَرْضَ فَذَلِكَ مُوجِبٌ لِكَوْنِ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ رَهْنًا، وَكَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْبَيْعِ انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا كَانَ بِالشَّجَرِ ثَمَرٌ قَدْ طَابَ هَلْ بِالْوَجْهِ الَّذِي تَدْخُلُ الشَّجَرَةُ فِي الْبَيْعِ يَدْخُلُ ثَمَرُهَا؟ اُنْظُرْ أَوَّلَ الْبُيُوعِ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ. الْمُتَيْطِيُّ: وَإِنْ كَانَ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ بَذْرٌ مُسْتَكِنٌّ لَمْ يَبْرُزْ مِنْهَا أَوْ فِي الشَّجَرِ ثَمَرٌ لَمْ يُؤَبَّرْ فَإِنَّهُ كُلَّهُ تَبَعٌ لِلْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ اسْتِثْنَاؤُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ. وَانْظُرْ بَصَلَ الزَّعْفَرَانِ، نَصُّ الْمُشَاوِرِ أَنَّهَا مِنْ الْبَذْرِ الْمُسْتَكِنِّ فَإِنْ نَوَّرَ فَالنَّوْرُ لِلْبَائِعِ وَالْبَصَلُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ كَالْأُصُولِ وَانْظُرْ أَيْضًا وَرَقَ التِّينِ لِمَنْ اشْتَرَى التِّينَ عَصِيرًا هِيَ لِلْبَائِعِ إلَّا مَا يَصْلُحُ بِهِ السِّلَالُ مِنْ الْوَرَقِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمِلْكُ غَيْرِهِ عَلَى رِضَاهُ فَقَطْ ". ابْنُ فَتْحُونَ: فَانْظُرْهُ مَعَ هَذَا. وَأَمَّا الزَّرْعُ الظَّاهِرُ فَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: إنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ زَرْعٌ ظَاهِرٌ حِينَ الْبَيْعِ أَوْ كَانَ فِي الشَّجَرِ ثَمَرٌ مَأْبُورٌ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلْبَائِعِ بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ إلَّا بِالشَّرْطِ. وَانْظُرْ إذَا اشْتَرَى حَائِطًا وَلَمْ يَذْكُرْ شِرْبَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَا يَقْدِرُ عَلَى سَقْيِ الْحَائِطِ مِنْ غَيْرِ سَاقِيَةِ الْبَائِعِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَا يَسْتَغْنِي عَنْ السَّقْيِ فَإِنَّ الشِّرْبَ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي قَوْلًا وَاحِدًا. اُنْظُرْ ثَانِيَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَانْظُرْ حُكْمَ الطَّرِيقِ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَهَلْ كَذَلِكَ الْهِبَةُ؟ وَانْظُرْ قَدْ نَصُّوا عَلَى جَوَازِ هِبَةِ ثَمَرِ الْحَائِطِ قَبْلَ الْإِبَارِ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ لِلْوَاهِبِ بَيْعُ الْأَصْلِ حِينَئِذٍ؟ اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَانْظُرْ هُنَاكَ بَيْعَ الْحَائِطِ الْمُسَاقِي بَعْدَ الْإِبَارِ، وَانْظُرْ أَوَّلَ الْبُيُوعِ مِنْ طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ لِمَنْ يَكُونُ الْقَلِيبُ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ الْمَبِيعَةُ مَقْلُوبَةً أَوْ فِيهَا بَصَلُ زَعْفَرَانٍ أَوْ كَانَ بِالدَّارِ زِبْلٌ وَنَحْوُهُ. (وَمَدْفُونًا) الْمُتَيْطِيُّ: لَوْ كَانَ بِالدَّارِ الْمَبِيعَةِ صَخْرٌ أَوْ رُخَامٌ أَوْ عُمَدٌ وَشِبْهُ ذَلِكَ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُتَبَايِعَانِ ثُمَّ عَلِمَاهُ، فَمَعْلُومُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لِلْبَائِعِ إنْ ادَّعَاهُ وَأَشْبَهَ أَنَّهُ لَوْ بِمِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ (كَلَوْ جُهِلَ) اُنْظُرْ ثَالِثَ فَصْلٍ مِنْ أَوَّلِ الْبُيُوعِ مِنْ ابْنِ سَلْمُونَ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ إنْ لَمْ يَدَّعِهِ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يُشْبِهْ أَنَّهُ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا هُوَ لُقَطَةٌ. وَانْظُرْ مَنْ اشْتَرَى حُوتًا فَوَجَدَ فِي جَوْفِهِ جَوْهَرَةً إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ فَهِيَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 444 لِلصَّائِدِ لَا لِلْمُبْتَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً فَهِيَ لُقَطَةٌ. (وَلَا الشَّجَرُ الْمُؤَبَّرُ) فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» . عِيَاضٌ: التَّأْبِيرُ تَعْلِيقُ طَلْعِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى لِئَلَّا تَسْقُطَ ثَمَرَتُهَا وَهُوَ اللِّقَاحُ. الْبَاجِيُّ: وَالتَّأْبِيرُ فِي التِّينِ وَمَا لَا زَهْوَ لَهُ أَنْ تَبْرُزَ جَمِيعُ الثَّمَرَةِ عَنْ مَوْضِعِهَا وَتَتَمَيَّزَ عَنْ أَصْلِهَا، فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّأْبِيرِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَبَيَّنَ حَالُهُ وَقِلَّتُهُ وَكَثْرَتُهُ. وَأَمَّا الزَّرْعُ فَإِبَارُهُ أَنْ يُفْرَكَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَى أَشْهَبُ أَنَّ إبَارَهُ ظُهُورُهُ فِي الْأَرْضِ. ابْنُ رُشْدٍ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ: إبَارُ الزَّرْعِ نَبَاتُهُ. الْمُتَيْطِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. (أَوْ أَكْثَرَهُ) . الْبَاجِيُّ: إنْ أَبَّرَ بَعْضَ الشَّجَرِ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَكْثَرَ فَقَالَ مَالِكٌ: الْقَلِيلُ تَبَعٌ لِلْكَثِيرِ. وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَسَاوِي. وَقَالَ الْجَلَّابُ: مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا شَجَرٌ مُثْمِرٌ فَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِهَا عُقَدًا فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَمَا كَانَ وَرْدًا فَهُوَ لِلْمُبْتَاعِ. ابْنُ رُشْدٍ: تَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَقَلَّ تَبَعٌ لِلْأَكْثَرِ (إلَّا بِشَرْطٍ) . الْبَاجِيُّ: لَا خِلَافَ إذَا اشْتَرَطَ الْمُبْتَاعُ الثَّمَرَةَ الْمَأْبُورَةَ أَنَّهَا لَهُ بِالشَّرْطِ إنْ ابْتَاعَهَا بِغَيْرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَإِنْ ابْتَاعَهَا بِطَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ فَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أُبِّرَتْ أَوْ لَمْ تُؤَبَّرْ إلَّا أَنْ يَجِدَهَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تُبَاعُ بِطَعَامٍ إذَا كَانَ فِيهَا زَرْعٌ صَغِيرٌ. وَوَجْهُ الْقِيَاسِ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ. اُنْظُرْ مِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا كَانَ بِهَا زَرْعٌ مُسْتَكِنٌّ لَمْ يَبْرُزْ وَهُوَ نَصُّ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَجُوزُ شِرَاءُ الْأَرْضِ الْمَبْذُورَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْرُزَ مِنْ الْأَرْضِ بِحِنْطَةٍ وَلَمْ يُعْتَدَّ بِمَا فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: خَالَفَ هُنَا ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَهُ فِي مَنْعِ بَيْعِ النَّخْلِ بِطَعَامٍ إذَا كَانَ بِهَا ثَمَرٌ وَإِنْ لَمْ يُؤَبَّرْ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّمَرِ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ وَالزَّرْعِ الَّذِي لَمْ يَنْبُتْ. اُنْظُرْ السَّلَمَ الثَّالِثَ مِنْ التُّونِسِيِّ، وَذَكَرَ هُنَا أَنَّ بَيْعَ الْخَلَايَا وَالشَّاةِ اللَّبُونِ بِالطَّعَامِ نَقْدًا جَائِزٌ، وَأَمَّا إلَى أَجَلٍ فَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ. اُنْظُرْهُ فِيهِ، اُنْظُرْ نَقْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَكَمُزَابَنَةٍ ". وَإِنْ اشْتَرَطَ بَعْضَ الْمَأْبُورِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الثَّمَرَةِ وَلَا فِي مَالِ الْعَبْدِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ، وَأَجَازَ ذَلِكَ أَشْهَبُ، فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ قَدْ يَبِسَ وَاسْتُحْصِدَ جَازَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا بَاعَ الْفَدَّانَ رَبُّهُ بَعْدَ أَنْ زَرَعَهُ الشَّرِيكُ وَلَمْ يُؤَبِّرْ الزَّرْعَ، وَأَمَّا إذَا أَبَّرَ فَلِلْمُشْتَرِي اسْتِثْنَاءُ حِصَّةِ الْبَائِعِ (كَالْمُنْعَقِدِ) ابْنُ شَاسٍ: فِي مَعْنَى الْمَأْبُورَةِ كُلُّ ثَمَرَةٍ انْعَقَدَتْ وَظَهَرَتْ لِلنَّاظِرِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْجَلَّابِ مَا كَانَ عُقَدًا. وَنَصُّ الْبَاجِيِّ: التَّأْبِيرُ فِي التِّينِ أَنْ يَبْرُزَ وَيَتَمَيَّزَ. اُنْظُرْ الْفَرْقَ التَّاسِعَ وَالتِّسْعِينَ وَمِائَةً فَرْقٌ بَيْنَ الزَّرْعِ الظَّاهِرِ وَالزَّرْعِ الْكَامِنِ يَنْدَرِجُ الْوَاحِدُ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 445 الْأَرْضِ وَلَا يَنْدَرِجُ الْآخَرُ كَالْكَنْزِ وَالْمَعْدِنِ يَنْدَرِجُ الْوَاحِدُ وَلَا يَنْدَرِجُ الْآخَرُ، وَكَذَلِكَ الْحَجَرُ الْمَدْفُونُ دُونَ الْحَجَرِ الْمَخْلُوقِ فِيهَا، وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَوَائِدِ إلَّا مَسْأَلَةَ الْإِبَارِ فَمَدْرَكُهَا النَّصُّ وَمَا عَدَاهَا مَدْرَكُهُ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ، فَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ أَوْ بَطَلَتْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْفَتَاوَى وَحَرُمَتْ الْفُتْيَا بِهَا انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا الْمَعْنَى بِالنِّسْبَةِ لِقُرَى الْجَبَلِ تَجِدُ بِهَا زَيْتُونَةً لِإِنْسَانٍ وَزَيْتُونَةً لِآخَرَ وَلَا شَجَرَةَ لِرَبِّ الْأَرْضِ، أَوْ يَكُونُ بِهَا بَعْضُ شَجَرٍ، فَإِذَا بَاعَ الْفَدَّانَ صَعُبَ أَنْ يُقَالَ لِلْمُشْتَرِي فَتِّشْ الْأَشْجَارَ فَمَا هُوَ لِلْغَيْرِ فَهُوَ لَهُ وَمَا لَا فَهُوَ لَك، وَالْبَيِّنُ فِي هَذَا النَّظَرُ إلَى الْعُرْفِ. (وَمَالِ الْعَبْدِ) فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ. أَبُو عُمَرَ: رُوِيَ أَيْضًا مَرْفُوعًا. الْبَاجِيُّ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ اشْتِرَاطِ مَالِ الْعَبْدِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ ثُمَّ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ الْبَائِعُ شَيْئًا يُلْحِقُ الْمَالَ بِالْبَيْعِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالْجَوَازِ. (وَخِلْفَةِ الْقَصِيلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ لِمَنْ اشْتَرَى أَوَّلَ جَذَّةٍ مِنْ الْقَصِيلِ اشْتِرَاءُ خِلْفَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّمَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْخِلْفَةِ بَعْدَ الرَّأْسِ إذَا كَانَ مُشْتَرِي الرَّأْسِ لَمْ يَجُذَّهُ حَتَّى اشْتَرَى الْخِلْفَةَ، وَأَمَّا إنْ جَذَّ الرَّأْسَ ثُمَّ أَرَادَ شِرَاءَ الْخِلْفَةِ فَهُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَرَرٌ مُنْفَرِدٌ، وَالْأَوَّلُ قَدْ أَضَافَهُ إلَى أَصْلٍ فَاسْتَخَفَّ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ النَّبْعِ. وَانْظُرْ خِلْفَةَ الْقَصِيلِ إذَا لَمْ تُشْتَرَطْ كَالزَّرْعِ الَّذِي أَفْسَدَتْهُ الْبَهَائِمُ وَأَخْلَفَ بَعْدَ الْغُرْمِ. اُنْظُرْ فَصْلَ الضَّرَرِ مِنْ الْمُتَيْطِيِّ، وَانْظُرْ أَيْضًا إذَا تَحَبَّبَ الْقَصِيلُ مُرْتَضَى ابْنِ يُونُسَ: أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ إنْ أَخَّرَهُ لِاسْتِغْلَاءٍ قَالَ: كَتَأْخِيرِ الْحَوْزِ لِخِصَامٍ. وَيُرَشِّحُ هَذَا مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى إذَا اشْتَرَى طَعَامًا لِأَجَلٍ فَاسْتَغْلَاهُ فَتَغَيَّبَ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ لِأَنَّ هَذَا كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّرْفِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ السَّلَمِ (وَإِنْ أُبِّرَ النِّصْفُ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ) ابْنُ زَرْقُونٍ: لَمْ يُحْسِنْ الْبَاجِيُّ تَحْصِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَتَحْصِيلُهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَا أُبِّرَ مُسَاوِيًا لِمَا لَمْ يُؤَبَّرْ أَنْ يُنْظَرَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُتَمَيِّزًا مَا أُبِّرَ فِي نَخَلَاتٍ بِأَعْيَانِهَا وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ فِي نَخَلَاتٍ بِأَعْيَانِهَا فَلَا يَخْتَلِفُ هُنَا أَنَّ مَا أُبِّرَ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ لِلْمُبْتَاعِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ مَا أُبِّرَ شَائِعًا فِي كُلِّ نَخْلَةٍ وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ كَذَلِكَ شَائِعًا فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ. فَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُخَيَّرُ الْبَائِعُ إمَّا سَلَّمَ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَإِلَّا فَسَخَ الْبَيْعَ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلْبَائِعِ. وَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: ذَلِكَ كُلُّهُ لِلْمُبْتَاعِ. (وَلِكِلَيْهِمَا السَّقْيُ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْآخَرِ) الْمُتَيْطِيُّ: إذَا ثَبَتَ أَنَّ الثَّمَرَةَ لِلْبَائِعِ فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ إجْبَارُهُ عَلَى جَدِّهِ قَبْلَ أَوَانِ الْجِدَادِ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ: وَسَقْيُ الْأُصُولِ مُدَّةَ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: عَلَى الْمُبْتَاعِ. ابْنُ رُشْدٍ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ لَهُمَا. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلِكِلَيْهِمَا السَّقْيُ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْآخَرِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْ الْمَأْبُورِ وَالْمُنْعَقِدِ إذَا بَقِيَا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعَيْنِ السَّقْيُ مَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِالْمُشْتَرِي (وَالدَّارُ الثَّابِتَ كَبَابٍ وَرَفٍّ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 446 ابْنُ شَاسٍ: لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ الدَّارِ الْمَنْقُولَاتُ وَتَنْدَرِجُ الثَّوَابِتُ كَالْأَبْوَابِ وَالرُّفُوفُ وَالسَّلَالِيمُ الْمُثَبَّتَةُ بِالْمَسَامِيرِ. ابْنُ عَرَفَةَ: كُلُّ مَا فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ حِينَ الْبَيْعِ مِمَّا يُنْقَلُ مِنْ دَلْوٍ وَبَكَرَةٍ وَبَابٍ وَحَجَرٍ وَتُرَابٍ كَانَ مُعَدًّا لِإِصْلَاحِ الدَّارِ أَوْ مِمَّا انْهَدَمَ مِنْهَا فَهُوَ لِبَائِعِهَا لَا لِمُبْتَاعِهَا إلَّا بِشَرْطٍ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ وَغَيْرُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَحْوُهُ: قَوْلُهَا مَا كَانَ مُلْقًى فِي الْأَرْضِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ بَابٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ سَارِيَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْتَرِي فِيهِ. وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ دَارٍ بِيعَتْ وَفِيهَا نَقْضٌ لِرَجُلٍ هُوَ فِيهَا بِكِرَاءٍ أَوْ أَبْوَابٌ فِي بُيُوتِ الدَّارِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي وَجَبَ لِي كُلُّ مَا فِي الدَّارِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَى الْأَبْوَابَ وَالنَّقْضَ لِلْمُكْتَرِي. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَلَوْ ادَّعَى النَّقْضَ الْمَبْنِيَّ فِي الدَّارِ وَالْأَبْوَابَ الْمُرَكَّبَةَ فِيهَا وَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا، وَلَوْ كَانَ النَّقْضُ مَطْرُوحًا بِالْأَرْضِ وَالْأَبْوَابُ غَيْرُ مُرَكَّبَةٍ لَمَا دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ وَلَكَانَتْ لِلْمُكْتَرِي، بِيعَتْ الدَّارُ أَوْ لَمْ تُبَعْ، مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَاهَا صَاحِبُ الدَّارِ. (وَرَحًا مَبْنِيَّةٍ بِفَوْقَانِيَّتِهَا وَسُلَّمٍ سُمِّرَ وَفِي غَيْرِهِ قَوْلَانِ) سُئِلَ ابْنُ عَتَّابٍ عَمَّنْ بَاعَ دَارًا فِيهَا مَطَاحِنَ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْبَيْعِ وَقَالَ: إنْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً فَهِيَ لِلْمُبْتَاعِ وَكَذَلِكَ الدُّرْجُ الْمَبْنِيُّ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَبْنِيَّةٍ فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَكَذَلِكَ السُّلَّمُ الَّذِي يُنْقَلُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان. وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: الْحَجَرُ الْأَعْلَى لِلْبَائِعِ وَالْأَسْفَلُ لِلْمُبْتَاعِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ فَهُوَ كَسَائِرِ الدَّارِ. وَقَالَ فِي السُّلَّمِ: إنَّهُ لِلْمُبْتَاعِ بِخِلَافِ مَا قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ. قَالَ ابْنُ زَرْبٍ: وَهَذَا مَذْهَبِي أَنَّ السُّلَّمَ دَاخِلٌ فِي الْبَيْعِ. قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: يُؤَيِّدُ مَا قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ وَابْنُ زَرْبٍ مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى. ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ عَتَّابٍ: السُّلَّمُ الْمَبْنِيُّ لِلْمُبْتَاعِ وَالْمَنْقُولُ لِلْبَائِعِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْعَطَّارِ إنَّ السُّلَّمَ لِلْمُبْتَاعِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَقَوْلُهُ فِي الْمَطَاحِنِ قِيَاسٌ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا شُفْعَةَ فِي الرَّحَا إنَّمَا يُرِيدُ الْحَجَرَ الْفَوْقِيَّ لَا الْحَجَرَ السُّفْلِيَّ. ابْنُ رُشْدٍ وَالصَّوَابُ فِي الْمَطَاحِنِ أَنَّهَا لِلْبَائِعِ وَلَا عِبْرَةَ بِكَوْنِهَا مَبْنِيَّةً فِي الدَّارِ إذْ لَيْسَتْ مِنْ شِرَاءِ الدَّارِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 447 وَلَا مِنْ أَنْقَاضِهِ وَإِنَّمَا هِيَ عُرُوضٌ لِلْبَائِعِ مِنْ رَسْمِ مُوصًى مِنْ كِتَابِ الدُّورِ. (وَتَنَاوَلَ الْعَبْدُ ثِيَابَ مِهْنَتِهِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ بِيعَتْ الْجَارِيَةُ وَعَلَيْهَا حُلِيٌّ وَثِيَابٌ لَمْ يَشْتَرِطْهَا بَائِعٌ وَلَا مُبْتَاعٌ فَهِيَ لِلْبَائِعِ إلَّا مَا لَا تَتَزَيَّنُ بِهِ فَهُوَ لَهَا. ابْنُ رُشْدٍ: إذَا كَانَ الْحُلِيُّ وَالثِّيَابُ لِلْبَائِعِ لَزِمَهُ أَنْ يَكْسُوَهَا كِسْوَةَ مِثْلِهَا الْبِذْلَةَ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ (وَهَلْ يُوَفَّى بِشَرْطِ عَدَمِهَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَوْ لَا كَمُشْتَرِطِ زَكَاةِ مَا لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 448 يَطِبْ وَأَنْ لَا عُهْدَةَ وَلَا مُوَاضَعَةَ وَلَا جَائِحَةَ أَوْ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ لِكَذَا فَلَا بَيْعَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ اشْتَرَطَ بَيْعَ الْجَارِيَةِ عُرْيَانَةً أَوْ شَرَطَ فِي الْعَبْدِ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِمَا يُوَارِيهَا مِنْ الثِّيَابِ. الْمُتَيْطِيُّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ السِّتِّ مَسَائِلَ الَّتِي ذَكَرَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ. وَهِيَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةُ مَنْ بَاعَ عَلَى أَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَمَنْ بَاعَ عَلَى أَنْ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ، وَمَنْ بَاعَ عَلَى أَنْ لَا مُوَاضَعَةَ عَلَيْهِ، وَمَنْ بَاعَ عَلَى أَنْ لَا جَائِحَةَ عَلَيْهِ، وَمَنْ بَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُبْتَاعَ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ إلَى أَجَلِ كَذَا وَإِلَّا فَلَا بَيْعَ لَهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ نَزَلَ هَذَا جَازَ الْبَيْعُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ قَالَ: وَأَمَّا بَائِعُ السِّلْعَةِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى رَدَّ الثَّمَنَ فَهِيَ لَهُ فَفَاسِدٌ لَا يَجُوزُ. اُنْظُرْ آخِرَ تَرْجَمَةٍ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ. لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا مِثْلُ الْأَجَلِ الْقَصِيرِ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً لَمْ يَطَأْهَا. وَفِي كِتَابِ ابْنِ زِيَادٍ: إذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَهْنٍ إذَا كَانَ الثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى اهـ. مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ أَخْذَ الْجَارِيَةِ عُرْيَانَةً فَسَمِعَ أَشْهَبُ يَبْطُلُ شَرْطُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهَا مَا يُوَارِيهَا، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ فَتُّوحٍ عَنْ الْمَذْهَبِ غَيْرَ هَذَا. ابْنُ مُغِيثٍ: وَهُوَ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ عِيسَى: وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ شَرْطُهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ الْقِيَاسُ وَبِهِ الْفَتْوَى. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَاعَ أَرْضَهُ بِزَرْعِهَا الْأَخْضَرِ وَقَدْ طَابَ فَزَكَاتُهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ حِينَ الْبَيْعِ أَخْضَرَ فَاشْتَرَطَهُ الْمُبْتَاعُ فَقَالَ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ. فَإِنْ اشْتَرَطَ زَكَاتَهُ عَلَى الْبَائِعِ لَمْ يُجْزِهِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَلَا يُعْلَمُ مِقْدَارُهُ. الْقَرَافِيُّ: إنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُبْتَاعِ لِحُدُوثِ سَبَبِ الْوُجُوبِ عِنْدَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ شَرَطَ إسْقَاطَ الْعُهْدَةِ حَيْثُ الْعَادَةُ بِثُبُوتِهَا فَفِي سُقُوطِهَا وَلُزُومِهَا ثَالِثَهَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ. رَاجِعْهُ فِيهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي صِحَّةِ إسْقَاطِ الْمُوَاضَعَةِ فِي الْعَقْدِ وَبُطْلَانِهِ ثَالِثُهَا يَبْطُلَانِ مُطْلَقًا، وَرَابِعُهَا إنْ شَرَطَ نَقْدَ الثَّمَنِ، وَخَامِسُهَا إنْ تَمَسَّكَ بِالشَّرْطِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 450 وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ بَاعَهَا بِشَرْطِ تَرْكِ الْمُوَاضَعَةِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَيُحْكَمُ بَيْنَهُمَا بِالْمُوَاضَعَةِ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: شَرْطُ إسْقَاطِ الْجَائِحَةِ لَغْوٌ وَهِيَ لَازِمَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ قَبْلَ وُجُوبِهِ فَكَذَا فِي الْعَقْدِ، وَلَا يُؤَثِّرُ فَسَادًا لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْجَائِحَةَ أَمْرٌ نَادِرٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَمِنْ الشُّرُوطِ الْمُقْتَرِنَةِ بِالْبَيْعِ مَا يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ وَيَفْسَخُ الشَّرْطَ، وَذَلِكَ مَا كَانَ الشَّرْطُ فِيهِ غَيْرَ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّهُ خَفِيفٌ فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ وَيَشْتَرِطَ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوِهَا فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا (أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ وَلَا مَالِيَّةَ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " لَا إنْ انْتَفَى " إنْ شَرَطَ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ وَلَا مَالِيَّةَ يُلْغَى (وَصُحِّحَ؟ تَرَدُّدٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُتَيْطِيَّ قَالَ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ إنْ شَرَطَ أَخْذَ الْعَبْدِ عُرْيَانًا أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ بَاطِلٌ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ فَتُّوحٍ لَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ قَالَ ابْنُ مُغِيثٍ: وَبِهِ الْفَتْوَى. (وَصَحَّ بَيْعُ ثَمَرٍ وَنَحْوِهِ بَدَا صَلَاحُهُ) فِي الْمُوَطَّأِ نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ. قَالَ مَالِكٌ: وَبَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (وَلَمْ يَسْتَثْنِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: بَيْعُ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَصِحُّ مَا لَمْ يَسْتَثْنِ نَحْوَ الْبِزْرِ مِنْ الْكَتَّانِ. الْبَاجِيُّ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرِدَ الْحِنْطَةَ فِي سُنْبُلِهَا بِالشِّرَاءِ دُونَ السُّنْبُلِ، وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْبَاقِلَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْبَيْعِ دُونَ قِشْرِهِ عَلَى الْجُزَافِ مَا دَامَ فِيهِ، وَأَمَّا شِرَاءُ السُّنْبُلِ إذَا يَبِسَ وَلَمْ يَنْفَعْهُ الْمَاءُ فَجَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْبَاقِلَّا. وَفِي رَسْمِ الصُّبْرَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى: لَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْفُولِ وَالْحِمَّصِ أَخْضَرَ عَلَى أَنْ يَتْرُكَهُ الْبَائِعُ حَتَّى يَيْبَسَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مِثْلُ مَا لَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَدْ أَجَازُوا شِرَاءَ الْعِنَبِ وَالتِّينِ إذَا طَابَ عَلَى أَنْ يَتْرُكَهُ مُشْتَرِيهِ حَتَّى يَيْبَسَ. وَحَكَى الْفَضْلُ أَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ مِنْ الْقَوْلِ يَدْخُلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ. (وَقَبْلَهُ مَعَ أَصْلِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْبَاجِيِّ لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ الْمُبْتَاعُ الثَّمَرَةَ الْمَأْبُورَةَ أَنَّهَا لَهُ بِالشَّرْطِ (أَوْ أُلْحِقَ بِهِ) الْبَاجِيُّ: إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ أَرَادَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 451 أَنْ يُلْحِقَهُ بِالْعَقْدِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ جَائِزٌ فِي مَالِ الْعَبْدِ وَثَمَرَةِ النَّخْلِ. ابْنُ زَرْقُونٍ: وَسَوَاءٌ اسْتَلْحَقَ ذَلِكَ بِحِدْثَانِ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ. اُنْظُرْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ (أَوْ عَلَى قَطْعِهِ) فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا: جَوَازُ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ عَلَى جَدِّهِ (إنْ نَفَعَ وَاضْطُرَّ لَهُ وَلَمْ يَتَمَالَأْ عَلَيْهِ) اللَّخْمِيِّ: شَرْطُ ذَلِكَ بُلُوغُ الثَّمَرِ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ وَاحْتِيجَ لِبَيْعِهِ وَلَمْ يَتَمَالَأْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ مَوْضِعِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ فَسَادٌ. ابْنُ رُشْدٍ: شِرَاءُ الْحِصْرِمِ وَسَائِرِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَطِيبَ عَلَى أَنْ يُقْطَعَ جَائِزٌ إلَّا أَنَّهُ كُرِهَ فِي الرِّوَايَةِ ذَلِكَ فِيمَا عَدَا الْأَمْصَارِ الْقَلِيلَةِ الثِّمَارِ رِفْقًا بِأَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ كَالْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْفَتَايَا مِنْ الْبَقَرِ الْقَوِيَّةِ الْحَرْثِ لِلذَّبْحِ نَظَرًا لِلْعَامَّةِ وَصَلَاحًا لَهُمْ، وَكَمَا كُرِهَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي التِّينِ أَثَرٌ كَالْجُرْحِ لِيُسْرِعَ لَهَا التَّرْطِيبُ قَبْلَ أَوَانِهِ نَظَرًا لِلْعَامَّةِ إذْ فِيهِ فَسَادٌ لِلثَّمَرَةِ مِنْ رَسْمِ شَكَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ (لَا عَلَى التَّبْقِيَةِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ عَلَى بَقَائِهِ نُصُوصُ الْمَذْهَبِ فَسَادُهُ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: هَذَا إنْ شَرَطَا مُصِيبَتَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ الْبَائِعِ وَالْبَيْعُ بِالنَّقْدِ لِأَنَّهُ تَارَةً بَيْعٌ وَتَارَةً سَلَفٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُصِيبَةُ مِنْ الْبَائِعِ وَالْبَيْعُ بِغَيْرِ نَقْدٍ جَازَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلسُّيُورِيِّ نَحْوُ هَذَا، وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ أَنَّ قَوْلَ السُّيُورِيِّ هُوَ الْفِقْهُ. اُنْظُرْ إذَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا عَلَى التَّبْقِيَةِ ثُمَّ اشْتَرَى الْأَصْلَ أَنَّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهَا عَلَى الْجَدِّ ثُمَّ اشْتَرَى الْأَصْلَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُبْقِيَهَا. وَانْظُرْ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْأَصْلَ أَوْ يَرِثَهُ فَرْقٌ، وَانْظُرْ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَصِيرَ لَهُ بِالْإِرْثِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ فَرْقٌ، وَانْظُرْ أَيْضًا إذَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ قَبْلَ الْإِبَارِ عَلَى الْبَقَاءِ ثُمَّ اشْتَرَى الْأَصْلَ فَلَمْ يَفْطِنْ لِذَلِكَ حَتَّى أَزْهَتْ فَإِنَّ الْبَيْعَ مَاضٍ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الثَّمَرَةِ. وَانْظُرْهُ أَيْضًا إذَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ قَبْلَ الْإِبَارِ عَلَى الْبَقَاءِ ثُمَّ اشْتَرَى الْأَصْلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ شِرَاؤُهُ الْأَصْلَ قَبْلَ الْإِبَارِ فَتُفْسَخُ الصِّفَتَانِ أَوْ بَعْدَهُ فَتُفْسَخُ الثَّمَرَةُ وَحْدَهَا فَرْقٌ. اُنْظُرْ رَسْمَ الثَّمَرَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ (وَالْإِطْلَاقِ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: عَلَى الْجِدَادِ وَعَلَى التَّبْقِيَةِ أَوْ مُطْلَقًا لَا شَرْطَ فِيهِ، فَأَمَّا عَلَى الْجَدِّ فَيَجُوزُ بِإِجْمَاعٍ، وَأَمَّا عَلَى التَّبْقِيَةِ فَلَا يَجُوزُ بِإِجْمَاعٍ، وَأَمَّا مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ عِنْدَنَا. (وَبُدُوُّهُ فِي بَعْضِ حَائِطٍ كَافٍ فِي جِنْسِهِ إنْ لَمْ يُبَكَّرْ) مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: إذَا أَزْهَى فِي الْحَائِطِ نَخْلَةٌ أَوْ دَالِيَةٌ بِيعَ جَمِيعُهُ بِذَلِكَ مَا لَمْ تَكُنْ بَاكُورَةً. قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا عُجِّلَ زَهْوُ الْحَائِطِ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِذَا أَزْهَتْ الْحَوَائِطُ حَوْلَهُ وَلَمْ يُزْهِ هُوَ جَازَ بَيْعُهُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَحَبُّ إلَيَّ حَتَّى يُزْهِيَ هُوَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْأَوَّلُ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ لَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 452 مَلَكَ مَا حَوَالَيْهِ جَازَ بَيْعُهَا بِإِزْهَاءِ بَعْضِهَا إلَى أَنْ يَتَفَاحَشَ تَبَاعُدُ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ. انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ. ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْحَائِطَ فِيهِ صِنْفٌ وَاحِدٌ مِنْ الثَّمَرِ يَبْدُو صَلَاحُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ كُلَّ الْحَائِطِ إنْ كَانَ طَيِّبُهُ مُتَتَابِعًا. ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ بِالصِّنْفِ الْوَاحِدِ أَنَّهُ نَخْلٌ كُلُّهُ أَوْ تِينٌ كُلُّهُ أَوْ رُمَّانٌ كُلُّهُ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُ ذَلِكَ إذَا تَتَابَعَ طَيِّبُ جَمِيعِهِ قَرِيبًا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ. قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ إنْ كَانَ لَا يَفْرُغُ آخِرُ الْأَوَّلِ حَتَّى يَطِيبَ أَوَّلُ الْآخِرِ وَيُقَوَّمَ هَذَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي رَسْمِ ط ل ق. ابْنُ رُشْدٍ: وَمَا اُسْتُعْجِلَ زَهْوُهُ بِسَبَبِ مَرَضٍ فِي الثَّمَرَةِ وَشَبَهِهِ لَمْ يُبَعْ بِهِ الْحَائِطُ اتِّفَاقًا. (لَا بَطْنٌ ثَانٍ بِأَوَّلَ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الشَّجَرَةُ تُطْعِمُ بَطْنَيْنِ فِي السَّنَةِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ لَا يُبَاعُ الْبَطْنُ الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ بَلْ كُلُّ بَطْنٍ وَحْدَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: " لَا يَجُوزُ " وَإِنْ كَانَ لَا يَنْقَطِعُ الْأَوَّلُ حَتَّى يَبْدُوَ طِيبُ الثَّانِي وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْبَطْنِ الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ لَا يَنْقَطِعُ الْأَوَّلُ حَتَّى يُدْرِكَهُ الثَّانِي. ابْنُ عَرَفَةَ: يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْبَطْنَ الثَّانِيَ غَيْرُ مَوْجُودٍ حِينَ بِيعَ الْأَوَّلُ وَلَا مَرْئِيٌّ بِخِلَافِ الصِّنْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا مَرْئِيَّانِ حِينَ يَبِيعُ أَوَّلَهُمَا طَيِّبًا، وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ يُونُسَ فِيمَا يُطْعِمُ بُطُونًا مُتَوَالِيَةً إلَّا جَوَازَ بَيْعِهِ بِطِيبِ أَوَّلِ بَطْنٍ مِنْهُ، وَلَمْ يَنْقُلْ سَمَاعَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَقَلَ إنْ قِيلَ: إنَّ الثَّمَرَةَ إنَّمَا تَزِيدُ حَلَاوَةً وَهَذَا بَطْنٌ بَعْدَ بَطْنٍ قِيلَ ذَلِكَ كَاتِّصَالِ خُرُوجِ لَبَنِ الظِّئْرِ يَخْرُجُ كُلَّ حِينٍ، وَقَدْ أَجَازَ اللَّهُ الْإِجَارَةَ عَلَى ذَلِكَ وَالْإِجَارَةُ بَيْعٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَبَيْعِ لَبَنِ غَنَمٍ مُعَيَّنَةٍ جُزَافًا شَهْرًا، وَأَمَّا بَيْعُ التِّينِ عِنْدَنَا بِصِقِلِّيَةَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَطْنِ الثَّانِي مِنْهُ بِطِيبِ الْأَوَّلِ لِانْقِطَاعِهِ مِنْهُ وَتَبَاعُدِ مَا بَيْنَهُمَا، فَهُوَ بِخِلَافِ الْمُتَّصِلِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَخِلْفَةِ الْقَصِيلِ ". ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ الْحَائِطُ أَصْنَافًا مِثْلَ عِنَبٍ وَتِينٍ وَرُمَّانٍ فَلَا يُبَاعُ مَا لَمْ يَطِبْ مِنْ صِنْفٍ بِمَا طَابَ مِنْ آخَرَ اتِّفَاقًا وَلَوْ قَرُبَ وَتَتَابَعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا لَمْ يَطِبْ تَبَعًا لِمَا طَابَ عَلَى اخْتِلَافٍ نَذْكُرُهُ. سَمِعَ أَشْهَبُ: لَا خَيْرَ فِي بَيْعِ شَجَرِ تِينٍ شَتْوِيٍّ لَمْ يَطِبْ الْآنَ وَلَا إلَى شَهْرٍ مَعَ أَشْجَارِ تِينٍ طَابَتْ الْآنَ. ابْنُ رُشْدٍ: إذَا كَانَ الشَّتْوِيُّ لَا يَطِيبُ حَتَّى يَنْقَضِيَ ثَمَرُ الَّذِي لَيْسَ بِشَتْوِيٍّ، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّتْوِيِّ بِطَيِّبِ الَّذِي لَيْسَ بِشَتْوِيٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي فِي حَيِّزِ الْبَيْعِ الثُّلُثُ فَأَقَلُّ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ. فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَقَالَ التُّونِسِيُّ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُبْتَاعِ فِي بَقَاءِ مَا لَمْ يَطِبْ لِلْبَائِعِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ الْحَائِطِ لِسَقْيِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَوْ كَانَ الْمُبْتَاعُ أَرَادَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِعِيَالِهِ فِي الْحَائِطِ وَشَرَطَ السَّقْيَ عَلَى نَفْسِهِ لَجَازَ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الشَّجَرَةِ فِي الدَّارِ، فَسَمَاعُ أَشْهَبَ مُخَالِفٌ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ خِلَافًا لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ التُّونِسِيُّ انْتَهَى. اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ فِي أَوَّلِ تَرْجَمَةٍ مِنْ الْجَوَائِحِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي فَإِنَّهُ أَتَى بِقَوْلِ التُّونِسِيِّ فِقْهًا مُسَلَّمًا غَيْرَ مَعْزُوٍّ. الْمُتَيْطِيُّ: سَقْيُ الثَّمَرَةِ الْمُشْتَرَاةِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا عَلَى الْبَائِعِ رَوَاهُ مُحَمَّدٌ. قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ يَكُونَ بِهِ عُرْفٌ كَمَا بِبَلَدِنَا غَرْنَاطَةَ فِي بَيْعِ الْعَصِيرِ وَالْمَقَاثِئِ. وَمِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 453 الِاسْتِغْنَاءِ مَا نَصُّهُ: الْقَضَاءُ فِي قُبَالَةِ الْجِنَانِ وَالشَّجَرِ وَإِذَا كَانَتْ الشَّجَرُ فِي الْجِنَانِ قَلِيلَةً تَكُونُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ ثُلُثِ الْقُبَالَةِ جَازَ قُبَالَتُهَا وَاشْتِرَاطُ الشَّجَرِ، وَإِنَّمَا تُقْسَمُ الْقِيمَةُ عَلَيْهَا بِقُبَالَةِ الْأَرْضِ بِلَا شَجَرٍ وَعَلَى الْعَامِلِ الشَّجَرُ وَمَا يُسَاوِي ذَلِكَ وَمُؤْنَتُهُ ثُمَّ يَفُضُّ الْجَمِيعَ، فَإِذَا وَقَعَ ثَمَرُ الشَّجَرِ فِي الثُّلُثِ جَازَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَمْدِيسٌ: فَإِنْ اسْتَثْنَى الْمُتَقَبِّلُ بَعْضَ الشَّجَرِ إذَا كَانَتْ تَبَعًا لَمْ يَجُزْ وَإِنَّمَا يَسْتَثْنِي الْجَمِيعَ أَوْ يَتْرُكُ. قَالَ الْجَزِيرِيُّ: وَيَعْقِدُ فِي ذَلِكَ اكْتَرَى فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ جَمِيعَ الْجَنَّةِ الَّتِي بِغَرْبِيِّ مَدِينَةِ كَذَا بِقَاعَتِهَا وَبَيْتِ الْجِنَانِ مِنْهَا وَبِئْرِ سَقْيِهَا وَصِهْرِيجِهَا وَسَوَادِهَا كُلِّهَا إذْ هُوَ تَبَعٌ لِبَيَاضِهَا، وَعَلِمَ أَنَّ ثَمَرَةَ سَوَادِ الْجَنَّةِ تَطِيبُ كُلَّ عَامٍ قَبْلَ انْقِضَائِهِ قَالَ: وَجَرَتْ عَادَةُ بَعْضِهِمْ بِأَنْ يُفْتَتَحَ الْعَقْدُ بِاسْمِ الْقُبَالَةِ فَيَقُولَ تَقَبُّلُ فُلَانٍ الْأَوَّلِ أَحْسَنُ. . (وَهُوَ الزَّهْوُ) . الْبَاجِيُّ: الْإِزْهَاءُ فِي ثَمَرِ النَّخْلِ أَنْ تَبْدُوَ فِيهَا الْحُمْرَةُ أَوْ الصُّفْرَةُ وَهُوَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَطْلُعَ الثُّرَيَّا مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ مايه الْأَعْجَمِيِّ. (وَظُهُورُ الْحَلَاوَةِ وَالتَّهَيُّؤُ لِلنُّضْجِ) الْبَاجِيُّ: وَبُدُوُّ صَلَاحِ التِّينِ أَنْ يَطِيبَ وَتُوجَدَ فِيهِ الْحَلَاوَةُ وَيَظْهَرَ السَّوَادُ فِي أَسْوَدِهِ وَالْبَيَاضُ فِي أَبْيَضِهِ، وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ الْأَسْوَدُ بُدُوُّ صَلَاحِهِ أَنْ يَنْحُوَ إلَى السَّوَادِ وَأَنْ يَنْحُوَ أَبْيَضُهُ إلَى الْبَيَاضِ مَعَ النُّضْجِ، وَكَذَلِكَ الزَّيْتُونُ بُدُوُّ صَلَاحِهِ أَنْ يَنْحُوَ إلَى السَّوَادِ (وَفِي ذِي النَّوْرِ بِانْفِتَاحِهِ وَالْبُقُولِ بِإِطْعَامِهَا) الْمُتَيْطِيُّ: يَجُوزُ بَيْعُ الْمَقَاثِئِ وَالْمَبَاطِخِ إذَا بَدَا صَلَاحُ أَوَّلِهَا وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مَا بَعْدَهُ، وَكُلُّهُ لِلْمُشْتَرِي إلَى تَمَامِ إطْعَامِهِ، وَالْوَرْدُ وَالْيَاسَمِينُ إذَا آنَ قِطَافُ أَوَّلِهِ وَكُلِّهِ لِلْمُشْتَرِي إلَى آخِرِ إبَّانِهِ. الْبَاجِيُّ: وَأَمَّا الْجَزَرُ وَاللِّفْتُ وَالْفُجْلُ وَالثُّومُ وَالْبَصَلُ فَبُدُوُّ صَلَاحِهِ إذَا اسْتَقَلَّ وَرَقُهُ وَانْتُفِعَ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي قَلْعِهِ فَسَادٌ، وَقَصَبُ السُّكَّرِ إذَا طَابَ وَلَمْ يَكُنْ كَسْرُهُ فَسَادًا، وَالْوَرْدُ وَالْيَاسَمِينُ وَسَائِرُ الْأَنْوَارِ أَنْ يَنْفَتِحَ كِمَامُهُ وَيَظْهَرَ نَوْرُهُ، وَالْقَصَبُ وَالْقَصِيلُ وَالْقُرْطُ إذَا بَلَغَ أَنْ يُرْعَى دُونَ فَسَادٍ (وَهَلْ هُوَ فِي الْبِطِّيخِ الِاصْفِرَارُ أَوْ التَّهَيُّؤُ لِلنُّضْجِ؟ قَوْلَانِ) الَّذِي لِابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقِثَّاءِ وَالْفَقُّوسِ، إذَا بَلَّحَ وَذَلِكَ حِينَ يُؤْكَلُ فَيُوجَدُ لَهُ طَعْمٌ عِنْدَ أَوَّلِ ظُهُورِهِ، وَأَمَّا الْبِطِّيخُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ إذَا نَحَى نَاحِيَةَ الْبِطِّيخِ بِالِاصْفِرَارِ، وَاللَّبَنُ وَالطِّيَابُ وَالْجَزَرُ وَالْمَوْزُ كَذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ بَقِيَّةِ بُطُونِهِ، وَانْظُرْ رَسْمَ الْبُيُوعِ الْأَوَّلَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ أَنَّ شِرَاءَ لَبَنِ الْغَنَمِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ جَائِزٌ بِخِلَافِ شِرَاءِ ثَمَرَةِ الْمَقْثَأَةِ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ، وَيَجُوزُ شِرَاءُ ثَمَرَةِ الْمَقْثَأَةِ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا حَتَّى يَنْقَطِعَ بِخِلَافِ ثَمَرَةِ الْمَقْثَأَةِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ عَنْ أَشْهَبَ: بُدُوُّ صَلَاحِ الْبِطِّيخِ أَنْ يُؤْكَلَ فَقُّوسًا قَدْ تَهَيَّأَ لِلنُّضْجِ وَأَمَّا الصِّفَارُ فَلَا يُرَاعَى. ابْنُ حَبِيبٍ: الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ مَا يُؤْكَلُ مِنْهُ (وَلِلْمُشْتَرِي بُطُونٌ كَيَاسَمِينِ وَمَقْثَأَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُتَيْطِيِّ: " كُلُّهُ لِلْمُشْتَرِي إلَى آخِرِ إبَّانِهِ " وَقَوْلُهُ فِي الْمَقَاثِئِ: " إلَى تَمَامِ إطْعَامِهِ. " (وَلَا يَجُوزُ بِكَشَهْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا تُطْعِمُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 454 الْمَقْثَأَةُ شَهْرًا لِاخْتِلَافِ الْحَمْلِ فِي كَثْرَةِ الْحَمْلِ وَقِلَّتِهِ (وَوَجَبَ ضَرْبُ الْأَجَلِ إنْ اسْتَمَرَّ كَالْمَوْزِ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: الْوَرْدُ وَالْيَاسَمِينُ كَالْمَقَاثِئِ، وَأَمَّا الْمَوْزُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ضَرْبِ الْأَجَلِ أَوْ يُسْتَثْنَى بُطُونًا مَعْلُومَةً. (وَمَضَى بَيْعُ حَبٍّ أَفْرَكَ قَبْلَ يُبْسِهِ بِقَبْضِهِ) سَمِعَ يَحْيَى: سَأَلْته عَنْ الرَّجُلِ يَبِيعُ الزَّرْعَ وَقَدْ أَفْرَكَ، وَالْفُولَ وَقَدْ امْتَلَأَ حَبُّهُ وَهُوَ أَخْضَرُ، وَالْحِمَّصَ وَالْعَدَسَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيَتْرُكُهُ مُشْتَرِيهِ حَتَّى يَيْبَسَ وَيُحْصَدَ، أَيَجُوزُ بَيْعُهُ؟ فَقَالَ: إنْ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَيْبَسَ فُسِخَ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَيْبَسَ مَضَى الْبَيْعُ وَلَمْ يُفْسَخْ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ مَنْ يَشْتَرِي الثَّمَرَةَ قَبْلَ أَنْ تُزْهِيَ لِأَنَّ النَّهْيَ جَاءَ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تُزْهِيَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَقْتِ بَيْعِ الزَّرْعِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا أَفْرَكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَتَّى يَيْبَسَ، فَأَنَا أُجِيزُ الْبَيْعَ إذَا فَاتَ بِالْيُبْسِ لِمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَأَرُدُّهُ إذَا عُلِمَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَيْبَسَ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَيْبَسَ وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ الْمَاءِ إلَّا أَنَّهُ إذَا بِيعَ عِنْدَهُمْ بَعْدَ أَنْ أَفْرَكَ وَقَبْلَ أَنْ يَيْبَسَ لَا يَحْكُمُونَ لَهُ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مُرَاعَاةً لِمَنْ أَجَازَ ذَلِكَ مِنْهُمْ. ابْنُ شِهَابٍ: وَظَاهِرُ مَا فِي السَّلَمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُفْسَخُ وَإِنْ قَبَضَ مَا لَمْ يَفُتْ بَعْدَ الْقَبْضِ. وَقَوْلُهُ فِي الْفُولِ وَالْحِمَّصِ: " إنَّهُ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ أَخْضَرَ عَلَى أَنْ يَتْرُكَهُ الْبَائِعُ حَتَّى يَيْبَسَ " هُوَ مِثْلُ مَا لَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَدْ أَجَازُوا شِرَاءَ الْعِنَبِ وَالثَّمَرِ إذَا طَابَ عَلَى أَنْ يَتْرُكَهُ حَتَّى يَيْبَسَ. وَحَكَى الْفَضْلُ أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مِنْ الْقَوْلِ يَدْخُلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. (وَرُخِّصَ لِمُعْرٍ) مَالِكٌ: الْعَرِيَّةُ هِبَةُ الثَّمَرِ مِنْ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ. فِي الْمُوَطَّأِ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَأَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» (وَقَائِمٍ مَقَامَهُ وَإِنْ بِاشْتِرَاءِ الثَّمَرَةِ فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا بَاعَ الْمُعْرِي أَصْلَ حَائِطِهِ دُونَ ثَمَرَتِهِ أَوْ ثَمَرَتَهُ دُونَ أَصْلِهِ أَوْ الثَّمَرَةَ مِنْ رَجُلٍ وَالْأَصْلَ مِنْ آخَرَ، وَجَازَ لِمَالِكِ الثَّمَرَةِ شِرَاءُ الْعَرِيَّةِ الْأُولَى بِخَرْصِهَا تَمْرًا إلَى الْجُذَاذِ. قَالَ: وَلَوْ بَاعَ الْمُعْرِي عَرِيَّتَهُ بَعْدَ الزَّهْوِ بِمَا يَجُوزُ لَهُ أَوْ وَهَبَهَا جَازَ لِمُعْرِيهَا شِرَاؤُهَا بِالْخَرْصِ مِمَّنْ صَارَتْ لَهُ كَمَنْ أَسْكَنْته دَارًا حَيَاتَهُ فَوَهَبَ هُوَ سُكْنَاهَا لِغَيْرِهِ، كَانَ لَك شِرَاءُ السُّكْنَى مِنْ الْمَوْهُوبِ كَمَا كَانَ لَك شِرَاؤُهَا مِنْ الَّذِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 455 وَهَبْته. قَالَ: وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَسْكَنْته حَيَاتَهُ أَنْ يَبِيعَ سُكْنَاهُ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَلَهُ أَنْ يَهَبَهُ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَإِذَا بَاعَ الْمُعْرِي أَصْلَ حَائِطِهِ وَثَمَرَتَهُ جَازَ لَهُ شِرَاءُ الْعَرِيَّةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ يُجِيزُ شِرَاءَهَا لِوَجْهَيْنِ لِلرِّفْقِ وَلِدَفْعِ الضَّرَرِ فَهُوَ رِفْقٌ بِالْمُعْرِي. (اشْتِرَاءُ ثَمَرَةٍ تَيْبَسُ كَلَوْزٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَعْرَاهُ مَا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ مِثْلَ التَّمْرِ وَالتِّينِ وَالْعِنَبِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَشِبْهِهِ، جَازَ لِمُعْرِيهَا أَنْ يَشْتَرِيَ الثَّمَرَةَ إذَا أَزْهَتْ وَحَلَّ بَيْعُهَا لَا قَبْلَ ذَلِكَ بِخَرْصِهَا يَابِسَةً إلَى الْجُذَاذِ إنْ كَانَتْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا أَنْ يَنْعَقِدَ الْبَيْعُ عَلَى التَّأْجِيلِ ثُمَّ يُرِيدُ التَّعْجِيلَ وَيَتَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ فَالْمَنْصُوصُ جَوَازُهُ، وَإِذَا جَازَ شِرَاءُ الْعَرِيَّةِ بِالْخَرْصِ فَهُوَ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْعُرُوضِ أَجْوَزُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. (وَلَا كَمَوْزٍ إنْ لَفَظَ بِالْعَرِيَّةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ وَهَبَ ثَمَرَ حَائِطِهِ أَوْ جُزْءًا مِنْهُ أَوْ ثَمَرَ نَخْلٍ مُعَيَّنَةٍ سِنِينَ قَبْلَ الزَّهْوِ لَمْ يَجُزْ لَهُ شِرَاءُ ثَمَرَةِ ذَلِكَ أَوْ بَعْضِهِ بِالْخَرْصِ وَلَكِنْ بِعَيْنٍ أَوْ عَرَضٍ، وَالسَّقْيُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَوْهُوبِ وَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ إنْ بَلَغَ حِصَّةَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَرِيَّةِ وَالْهِبَةِ فِي السَّقْيِ وَالزَّكَاةِ وَانْظُرْ الصَّدَقَةَ. (وَبَدَا صَلَاحُهَا وَكَانَ خَرْصُهَا وَنَوْعُهَا يُوفِي عِنْدَ الْجُذَاذِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْعَرِيَّةِ بِثَمَرٍ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهَا إلَى الْجُذَاذِ وَلَا بِرُطَبٍ أَوْ بُسْرٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا مِنْ صِنْفِهَا إلَى الْجُذَاذِ بِعَيْنٍ أَوْ عَرَضٍ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ، وَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا قَبْلَ زَهْوِهَا بِعَيْنٍ وَلَا بِعَرَضٍ إلَّا عَلَى أَنْ يَجُذَّهَا مَكَانَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لِتَخَرُّصِهَا تَمْرًا جَذَّهَا أَوْ لَمْ يَجُذَّهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا تُبَاعُ بِخَرْصِهَا مِنْ بَرْنِيِّ وَهِيَ عَجْوَةٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَجُوزُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَنْ يُعْطِيَهُ تَمْرًا مِنْ غَيْرِ صِنْفِهَا كَالطَّعَامِ الْقَرْضِ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ فِيهِ بَعْدَ الْأَجَلِ خِلَافَ صِنْفِهِ مِثْلَ الْكَيْلِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ مِنْ بَيْعٍ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْعَرَايَا طَرِيقُهَا الْمَعْرُوفُ، وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَجُوزَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 456 كَالْقَرْضِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنْ تَطَوَّعَ لَهُ بِتَعْجِيلِ خَرْصِهَا قَبْلَ الْجُذَاذِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ. الْبَاجِيُّ: مَا يُتَمَّرُ وَلَا يُزَبَّبُ مِنْ الْعِنَبِ فَعَلَى شَرْطِ التَّيْبِيسِ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ أَنْ يُعْطِيَهُ تَمْرًا فَإِنَّمَا يَشْتَرِطُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ صِنْفٍ غَيْرِهِ (فِي الذِّمَّةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِعَجْوَةٍ مِنْ صِنْفِهَا مِنْ حَائِطٍ آخَرَ مُعَيَّنٍ وَلَكِنْ بِتَمْرٍ مَضْمُونٍ عَلَيْهَا مِنْ صِنْفِهَا (وَخَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا إنْ كَانَتْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ. (وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ زَائِدٍ عَلَيْهِ مَعَهُ بِعَيْنٍ عَلَى الْأَصَحِّ) ابْنُ يُونُسَ: إذَا أَعْرَاهُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَاشْتَرَى خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِالْخَرْصِ وَالزَّائِدَ عَلَيْهَا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِ بَلَدِنَا: إنَّهُ جَائِزٌ. وَمَنَعَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا رُخْصَةٌ خَرَجَتْ عَنْ حَدِّهَا كَمُسَاقَاةٍ وَبَيْعٍ وَقِرَاضٍ وَبَيْعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الرُّخْصَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ هَذَا (إلَّا لِمَنْ أَعْرَى عَرَايَا فِي حَوَائِطَ فَمِنْ كُلٍّ خَمْسَةٌ إنْ كَانَ بِأَلْفَاظٍ لَا بِلَفْظٍ عَلَى الْأَرْجَحِ) حُكِيَ عَنْ الْقَابِسِيِّ فِي الرَّجُلِ يُعْرِي حَوَائِطَ لَهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ كُلِّ حَائِطٍ أَعْرَى الْحَوَائِطَ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ لِرَجُلَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: إنْ أَعْرَى تِلْكَ الْحَوَائِطَ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَلَا يَشْتَرِي مِنْ جَمِيعِ الْحَوَائِطِ بِالْخَرْصِ إلَّا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ. قَالَ حَاكِي الْقَوْلَيْنِ وَيَظْهَرُ لِي إنْ كَانَ أَعْرَى ذَلِكَ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَعَقْدٍ وَاحِدٍ فَهِيَ عَرِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يَشْتَرِي مِنْ الْحَوَائِطِ إلَّا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَقَطْ، وَإِنْ أَعْرَاهُ ذَلِكَ فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَيَحْسُنُ هَاهُنَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ كُلِّ حَائِطٍ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِخَرْصِهَا لِأَنَّهَا عَرِيَّةٌ بَعْدَ عَرِيَّةٍ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ اشْتَرَى حَوَائِطَ فَأَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ أَنَّهُ إنْ كَانَ شِرَاؤُهُ لِذَلِكَ فِي صَفَقَاتٍ فَجَائِحَةُ كُلِّ حَائِطٍ عَلَى حِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي صَفْقَةٍ رُوعِيَ ثُلُثُ الْجَمِيعِ. اهـ. نَصُّ ابْنِ يُونُسَ: (لِدَفْعِ الضِّرَارِ أَوْ لِلْمَعْرُوفِ) تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَجَازَ شِرَاءَهَا لِلْوَجْهَيْنِ: لِلرِّفْقِ وَلِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ شِرَاءُ عَرِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ بَاعَ أَصْلَ حَائِطِهِ وَثَمَرَتَهُ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 457 لِهَذَا الْمُشْتَرِي شِرَاءُ الْعَرِيَّةِ الْأُولَى بِخَرْصِهَا إلَى الْجُذَاذِ (فَيَشْتَرِي بَعْضَهَا) قَالَ مَالِكٌ: لِلْمُعْرِي خَمْسَةَ أَوْسُقٍ شِرَاءُ بَعْضِهَا بِالْخَرْصِ، وَإِنْ أَعْرَى أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَهُ شِرَاءُ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَقَدْ يَجُوزُ لِمَنْ أَسْكَنَ رَجُلًا حَيَاتَهُ شِرَاءُ بَعْضِ السُّكْنَى، وَمَنْ مَاتَ مِنْ مُعْرٍ أَوْ مُعْرًى جَازَ لِوَرَثَتِهِ مَا جَازَ لَهُ (كَكُلِّ الْحَائِطِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ أَعْرَى جَمِيعَ حَائِطِهِ وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ أَوْ أَدْنَى جَازَ لَهُ شِرَاءُ جَمِيعِهِ أَوْ بَعْضِهِ بِالْخَرْصِ (وَبَيْعِهِ الْأَصْلَ) نَقَصَ هُنَا كَلَامٌ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ إذَا بَاعَ الْمُعْرِي أَصْلَ حَائِطِهِ وَثَمَرَتَهُ جَازَ لَهُ شِرَاءُ الْعَرِيَّةِ لِأَنَّهُ رِفْقٌ بِالْمُعْرِي، وَمَا كَانَ خَلِيلٌ لِيَتْرُكَ هَذَا الْفَرْعَ لِأَنَّهُ قَدْ نَقَلَ مَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ هُنَا وَمَا رَجَّحَهُ فَقَوْلُهُ: " وَبَيْعِهِ الْأَصْلَ " لَا شَكَّ أَنَّهُ يُرِيدُ هَذَا الْفَرْعَ. (وَجَازَ لَك شِرَاءُ أَصْلِ حَائِطِك بِخَرْصِهِ إنْ قَصَدْت الْمَعْرُوفَ فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا مَلَكَ رَجُلٌ نَخْلَةً فِي حَائِطِك فَلَكَ شِرَاءُ ثَمَرَتِهَا مِنْهُ بِالْخَرْصِ أَوْ مِمَّنْ صَارَتْ لَهُ كَالْعَرِيَّةِ إنْ أَرَدْت بِذَلِكَ رِفْقَهُ بِكِفَايَتِك إيَّاهُ مُؤْنَتَهَا، وَإِنْ كَانَ لِدَفْعِ ضَرَرِ دُخُولِهِ فَلَا يُعْجِبُنِي بِخِلَافِ الْعَرِيَّةِ يَجُوزُ شِرَاؤُهَا بِخَرْصِهَا لِمُعْرِيهَا لِوَجْهَيْنِ: إمَّا لِدَفْعِ ضَرَرِ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ أَوْ لِلرِّفْقِ فِي الْكِفَايَةِ (وَبَطَلَتْ إنْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْزِ وَهَلْ هُوَ حَوْزُ الْأُصُولِ أَوْ أَنْ يَطْلُعَ ثَمَرُهَا؟ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ حَبِيبٍ: حِيَازَةُ الْعَرِيَّةِ بِوَجْهَيْنِ: قَبْضُ الْأُصُولِ وَأَنْ يَطْلُعَ فِيهَا ثَمَرٌ قَبْلَ مَوْتِ الْمُعْرِي، فَإِنْ قَبَضَهَا وَلَمْ يَطْلُعْ فِيهَا ثَمَرٌ حَتَّى مَاتَ الْمُعْرِي بَطَلَتْ، قَالَهُ مَالِكٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ مَاتَ بَعْدَ الْإِبَارِ فَهُوَ حَوْزٌ لِأَنَّ الْمُعْطِي يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَلَا يُمْنَعُ، وَكَمَنْ وَهَبَ أَرْضًا بِصَحْرَاءَ فَحَوْزُهَا أَنْ تُسَلَّمَ إلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ رَبُّهَا قَبْلَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 458 شَيْءَ لِلْمُعْرِي إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَرِيَّةُ مِمَّا تَسْلَمُ لِلْمُعْرِي فَتُحَازُ، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَحُزْ حَتَّى مَاتَ رَبُّهَا جَازَ وَإِنْ لَمْ تُؤَبَّرْ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَخَيْرٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ: إذَا وَهَبَهُ مَا تَلِدُ أَمَتُهُ أَوْ ثَمَرَ نَخْلِ عِشْرِينَ سَنَةً جَازَ ذَلِكَ إذَا حَوَّزَهُ الْأَصْلِيَّ أَوْ الْأَمَةَ أَوْ حَازَ لَهُ ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لِأَنَّ ثَمَرَ عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ يَأْتِ بَعْدُ. (وَزَكَاتُهَا وَسَقْيُهَا عَلَى الْمُعْرِي وَكَمُلَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: زَكَاةُ الْعَرِيَّةِ وَسَقْيُهَا عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ إلَّا مَعَ بَقِيَّةِ حَائِطِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ: أَعْرَاهُ جُزْءًا شَائِعًا أَوْ نَخْلَةً مُعَيَّنَةً أَوْ جَمِيعَ الْحَائِطِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُعْطِيهِ ثَمَرَ جَمِيعِ الْحَائِطِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ غَيْرُهُ (بِخِلَافِ الْوَاهِبِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " إنْ لَفَظَ بِالْعَرِيَّةِ ". (وَتُوضَعُ جَائِحَةُ الثِّمَارِ) ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: وَيَقْضِي بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ وَلَا يَنْفَعُ الْبَائِعَ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْجَائِحَةِ (كَالْمَوْزِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ مَا جَازَتْ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ فَالْجَائِحَةُ فِيهِ إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ إلَّا الْمَوْزَ فَإِنَّ الْمُسَاقَاةَ لَا تَجُوزُ فِيهِ وَتُوضَعُ فِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 459 الْجَائِحَةُ إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهَا ثَمَرَةٌ فَكَانَتْ فِيهَا الْجَائِحَةُ كَالثِّمَارِ، وَلَمْ يَجُزْ فِيهَا الْمُسَاقَاةُ لِأَنَّهَا لَمْ تَجُزْ ثُمَّ تُخْلَفُ كَالْبُقُولِ (وَالْمَقَاثِئِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَا بِيعَ مِمَّا يُطْعِمُ بُطُونًا كَالْمَقَاثِئِ وَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَشِبْهِهِ مِنْ الثِّمَارِ، أَوْ مِمَّا لَا يُخْرَصُ وَلَا يُدَّخَرُ مِمَّا يُطْعِمُ فِي كَرَّةٍ إلَّا أَنَّ طَيِّبَهُ يَتَفَاوَتُ وَلَا يُحْبَسُ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ كَالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْخَوْخِ وَالتِّينِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْبَطْنُ الْأَوَّلُ مِنْهُ وَمِثْلُ الْأُتْرُجِّ والقراسيا وَالرُّمَّانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ أُجِيحَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ نُظِرَ؛ فَإِنْ كَانَ مَا أَصَابَتْ الْجَائِحَةُ مِنْهُ قَدْرَ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ فِي النَّبَاتِ فَأَكْثَرَ فِي أَوَّلِ مَجْنَاهُ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ حُطَّ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرُ قِيمَتِهِ فِي زَمَنِهِ مِنْ قِيمَةِ بَاقِيهِ، كَانَ فِي الْقِيمَةِ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَكْثَرَ. وَإِنْ كَانَ الْمُجَاحُ مِنْ الْجَمِيعِ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فِي كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ لَا فِي الْقِيمَةِ، فَلَا تُوضَعُ فِيهِ جَائِحَةٌ نَافَتْ قِيمَتُهُ عَنْ الثُّلُثِ أَوْ نَقَصَتْ، مِثْلَ أَنْ يَبْتَاعَ مَقْثَأَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأُجِيحَ بَطْنٌ مِنْهَا ثُمَّ جَنَى بَطْنَيْنِ فَانْقَطَعَتْ، فَإِنْ كَانَ الْمُجَاحُ مِمَّا لَمْ يُجَحْ قَدْرَ ثُلُثِ النَّبَاتِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ نَاحِيَةَ النَّبَاتِ وُضِعَ قَدْرُهُ. وَقِيلَ: مَا قِيمَةُ الْمُجَاحِ فِي زَمَنِهِ؟ فَقِيلَ: ثَلَاثُونَ، وَالْبَطْنُ الثَّانِي عِشْرُونَ، وَالثَّالِثُ عَشَرَةٌ فِي زَمَانَيْهِمَا لَغَا، وَلَهُ إنْ قَلَّ رَخْصٌ آخَرُ وَإِنْ كَثُرَ فَيَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُجَاحُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْقِيمَةِ لَرَجَعَ بِمِثْلِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فِي النَّبَاتِ لَمْ يُوضَعْ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الصَّفْقَةِ، وَكَذَلِكَ فِيمَا يَتَفَاوَتُ طَيِّبُهُ مِمَّا لَيْسَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ. ابْنُ يُونُسَ: وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ، وَكَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِمَا تَكُونُ فِيهِ الْجَائِحَةُ وَهُوَ الثَّمَرَةُ لِأَنَّ الثَّمَرَ لَا جَائِحَةَ فِيهِ وَرَاعَى أَشْهَبُ الْقِيمَةَ. (وَإِنْ بِيعَتْ عَلَى الْجَذِّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ فُولًا أَخْضَرَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْقُطْنِيَّةِ عَلَى أَنْ يَقْطَعَهَا خَضْرَاءَ فَذَلِكَ جَائِزٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَتُوضَعُ فِيهِ الْجَائِحَةُ إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ وُضِعَ عَنْهُ ثُلُثُ الثَّمَنِ، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ تَأْخِيرِهِ حَتَّى يَيْبَسَ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ اشْتَرَى بَلَحَ الثِّمَارِ كُلِّهَا التِّينِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَجِدَّهُ قَبْلَ طِيبِهِ فَأُجِيحَ قَبْلَ الْجَذِّ، فَهُوَ كَالثِّمَارِ تُوضَعُ فِيهِ الْجَائِحَةُ إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِدُّهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَأَشْبَهَ جَنْيَ الثَّمَرَةِ فَكَانَتْ فِيهِ الْجَائِحَةُ. (وَمِنْ عَرِيَّتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَعْرَى حَائِطَهُ رَجُلًا ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُ يَخْرُصُهُ فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلْيُوضَعْ ذَلِكَ عَنْهُ مِثْلَ مَا يُوضَعُ عَنْهُ فِي الشِّرَاءِ سَوَاءً. ابْنُ يُونُسَ: صَوَابٌ (لَا مَهْرَ) ابْنُ يُونُسَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: مَنْ نَكَحَ بِثَمَرَةِ حَائِطِهِ فَلَا جَائِحَةَ فِيهَا وَالْمُصِيبَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ أَصْلَ النِّكَاحِ الْمُكَارَمَةُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: فِيهَا الْجَائِحَةُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 460 ابْنُ يُونُسَ: صَوَابٌ. (إنْ بَلَغَتْ نِصْفَ الْمَكِيلَةِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا بِيعَ مِنْ الثِّمَارِ مِمَّا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ وَيُتْرَكُ حَتَّى يَجُذَّهُ جَمِيعَهُ مِمَّا يُخْرَصُ أَمْ لَا كَالنَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَالزَّيْتُونِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْجِلَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ وَمَا أَشْبَهَهُ، فَأَصَابَتْ مِنْهُ قَدْرَ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ فَأَكْثَرَ فِي كَيْلٍ أَوْ مِقْدَارٍ فِي الْقِيمَةِ، وُضِعَ عَنْ الْمُبْتَاعِ قَدْرُ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ إنْ أُجِيحَ الثُّلُثُ رَجَعَ بِثُلُثِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفَ رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ بِلَا تَقْوِيمٍ، وَإِنْ أُجِيحَ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ فِي الْمِقْدَارِ لَمْ يُوضَعْ عَنْهُ شَيْءٌ (وَلَوْ مِنْ كَصَيْحَانِيٍّ وَبَرْنِيِّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ فِي الْحَائِطِ أَصْنَافٌ مِنْ التَّمْرِ بَرْنِيُّ وَعَجْوَةٌ وشقم وَغَيْرِهَا فَأُجِيحَ أَحَدُهَا، فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ فِي الْكَيْلِ مِنْ الْأَصْنَافِ وُضِعَ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرُ ثُلُثَيْهِ مِنْ جَمِيعِهَا، نَافَ عَلَى ثُلُثِ الثَّمَنِ أَوْ نَقَصَ (وَبُقِّيَتْ لِيَنْتَهِيَ طِيبُهَا) ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ مَا لَا يُبَاعُ إلَّا بَعْدَ يُبْسِهِ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 461 الْحُبُوبِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ حَبِّ فُجْلِ الزَّيْتِ فَلَا جَائِحَةَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا بَاعَهُ فِي الْأَنَادِرِ. وَمَا بِيعَ مِنْ ثَمَرِ نَخْلٍ وَعِنَبٍ وَغَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ يَبِسَ فَصَارَ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا فَلَا جَائِحَةَ فِيهِ، وَلَوْ اشْتَرَى ذَلِكَ حِينَ الزَّهْوِ ثُمَّ أُجِيحَ بَعْدَ إمْكَانِ جُذَاذِهِ وَتَيْبِيسِهِ فَلَا جَائِحَةَ فِيهِ وَكَأَنَّك ابْتَعْتهَا بَعْدَ إمْكَانِ الْجُذَاذِ. قَالَ سَحْنُونَ: إذَا تَنَاهَى الْعِنَبُ الْمُشْتَرَى وَآنَ قِطَافُهُ حَتَّى لَا يَتْرُكَهُ تَارِكُهُ إلَّا لِسُوقٍ يَرْجُوهُ أَوْ لِشُغْلٍ يَعْرِضُ لَهُ فَلَا جَائِحَةَ فِيهِ وَلَا سَقْيَ عَلَى بَائِعِهِ بِخِلَافِ النَّخْلِ. السَّقْيُ عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى يَيْبَسَ الثَّمَرُ وَالْجَائِحَةُ فَإِذَا يَبِسَ سَقَطَتْ الْجَائِحَةُ وَالسَّقْيُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَلِكَ الزَّيْتُونُ إذَا بَلَغَ مِنْ الطِّيَابِ الْمِقْدَارَ الَّذِي يُمْكِنُ فِيهِ جَمْعُهُ كُلِّهِ فَلَا جَائِحَةَ فِيهِ. (وَأُفْرِدَتْ) ابْنُ يُونُسَ: إذَا اشْتَرَى الْأَصْلَ وَالثَّمَرَ مَعًا وَهُوَ مُزْهٍ أَوْ غَيْرُ مُزْهٍ، تَبَعٌ أَوْ غَيْرُ تَبَعٍ، فَلَا جَائِحَةَ فِي الثَّمَرَةِ (أَوْ أُلْحِقَ الْأَصْلُ) ابْنُ يُونُسَ: إنْ اشْتَرَى ثَمَرًا بَعْدَ زَهْوِهِ ثُمَّ اشْتَرَى الْأَصْلَ فَفِيهَا الْجَائِحَةُ (لَا عَكْسُهُ) ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ اشْتَرَى الْأَصْلَ ثُمَّ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ بَعْدُ فَلَا جَائِحَةَ أَصْلًا، وَكَذَا فِي الْأَسَدِيَّةَ وَرَوَاهُ يَحْيَى وَسَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ فِيهِ الْجَائِحَةَ. ابْنُ يُونُسَ: كَأَنَّهُ يَقُولُ السَّقْيُ بَاقٍ عَلَى الْبَائِعِ فَعَلَيْهِ حَقُّ التَّوْفِيَةِ (أَوْ مَعَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ إنْ اشْتَرَى الْأَصْلَ وَالثَّمَرَ مَعًا فَلَا جَائِحَةَ. (وَنُظِرَ مَا أُصِيبَ مِنْ الْبُطُونِ إلَى مَا بَقِيَ فِي زَمَنِهِ لَا يَوْمَ الْبَيْعِ) اُنْظُرْ هَذَا كُلَّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَالْمَقَاثِئُ " (وَلَا يُعَجِّلُ عَلَى الْأَصَحِّ) مِنْ النُّكَتِ: إذَا أُجِيحَ أَوَّلُ بُطُونِ الْمَقْثَأَةِ هَلْ يَسْتَعْجِلُ التَّقْوِيمَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْبُطُونِ الْآنَ عَلَى مَا جَرَى مِنْ عُرْفِ عَادَتِهَا، أَوْ يَسْتَأْنِي حَتَّى تُجْنَى جَمِيعُ الْبُطُونِ؟ وَأَصْوَبُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي الِاسْتِينَاءُ حَتَّى يَجْنِيَ جَمِيعَ الْبُطُونِ وَلَا يَرْجِعُ إلَى الِاجْتِهَادِ فِي أَمْرٍ يَعْلَمُهُ حَقِيقَةً شَاهَدَهُ عِيَانًا. وَتَأَوَّلَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى أَنَّ التَّقْوِيمَ يَوْمَ الْبَيْعِ. (وَفِي الْمُزْهِيَةِ التَّابِعَةِ لِلدَّارِ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اكْتَرَى دَارًا فِيهَا نَخَلَاتٌ يَسِيرَةٌ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ فَاشْتَرَطَهَا الْمُكْتَرِي فَأَثْمَرَتْ ثُمَّ أُجِيحَ ثَمَرُهَا فَلَا جَائِحَةَ فِيهَا، أُبِّرَتْ فِي حِينِ الْكِرَاءِ أَوْ لَمْ تُؤَبِّرْ، طَابَتْ أَوْ لَمْ تَطِبْ، لِأَنَّهَا لَا حِصَّةَ لَهَا إذَا كَانَتْ تَبَعًا كَمَالِ الْعَبْدِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَبَعًا فَاشْتَرَطَهَا الْمُكْتَرِي فَإِنْ لَمْ تُزْهِ فَسَدَتْ الصَّفْقَةُ كُلُّهَا، وَإِنْ أَزْهَتْ جَازَتْ وَفِيهَا الْجَائِحَةُ. اللَّخْمِيِّ: وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا فِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ طَابَتْ، فَإِنْ كَانَ جَمِيعُ الثَّمَرَةِ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 462 وَأُصِيبَ جَمِيعُهَا أَوْ ثُلُثُهَا فَأَكْثَرُ فَقِيلَ: لَا جَائِحَةَ فِيهَا لِأَنَّهَا تَبَعٌ، وَقِيلَ: فِيهَا الْجَائِحَةُ وَهَذَا أَحْسَنُ لِأَنَّهَا مُشْتَرَاةٌ وَلَيْسَتْ بِمُلْغَاةٍ. (وَهَلْ هِيَ مَا لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ كَسَمَاوِيٍّ وَجَيْشٍ أَوْ وَسَارِقٍ خِلَافٌ) مِنْ، الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ مَا أَصَابَ الثَّمَرَةَ مِنْ الْجَرَادِ وَالرِّيحِ وَالنَّارِ وَالْغَرَقِ وَالْبَرْدِ وَالْمَطَرِ وَالطَّيْرِ الْغَالِبِ وَالدُّودِ وَعَفَنِ الثَّمَرَةِ فِي الشَّجَرِ وَالسُّمُومِ، فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِحَةٌ تُوضَعُ عَنْ الْمُبْتَاعِ إنْ أَصَابَتْ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا، وَالْجَيْشُ يَمُرُّ بِالنَّخْلِ فَيَأْخُذُ ثَمَرَتَهُ فَذَلِكَ جَائِحَةٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ سَرَقَهَا سَارِقٌ كَانَتْ جَائِحَةً أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: لَيْسَ السَّارِقُ جَائِحَةً. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصْوَبُ لِأَنَّهُ فِعْلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 463 مَخْلُوقٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ كَالْجَرَادِ (وَتَعْيِيبُهَا كَذَلِكَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ عَابَهَا السُّمُومُ وَلَمْ يُسْقِطْ مِنْهَا شَيْئًا فَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ أَوْ يَتَمَسَّكُ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ إسْقَاطِهِ ثُلُثَهَا رَجَعَ بِمَنَابِ السَّاقِطِ وَلَهُ فِي الْبَاقِي حُكْمُ الْعَيْبِ، إمَّا أَنْ يَتَمَاسَكَ بِهِ بِجَمِيعِ مَا يَنُوبُهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدُّ بِالْعَيْبِ. وَكَذَلِكَ الْغُبَارُ إنْ أَعَابَهَا وَلَمْ يُسْقِطْ مِنْهَا شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ أَوْ يَتَمَسَّكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ. وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ يُونُسَ فِي هَذَا إلَّا مَا نَصُّهُ: قَالَ مَالِكٌ فِي الثَّمَرَةِ يُصِيبُهَا غُبَارٌ أَوْ تُرَابٌ حَتَّى تَبْيَضَّ وَتَصِيرَ بَلَحًا وَتَتَفَتَّتَ: إنَّهُ جَائِحَةٌ، وَفِي الزَّاهِي إنْ أُسْقِطَتْ الثَّمَرَةُ بِرِيحٍ وَأَمْكَنَ لَقْطُهَا فَهِيَ جَائِحَةٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَيْسَ بِجَائِحَةٍ وَلَوْ أُصِيبَتْ سَائِرُهَا سَقَطَ ثُلُثُ ثَمَنِهَا وَالْمَكِيلَةُ قَائِمَةٌ، فَفِي كَوْنِهَا جَائِحَةً قَوْلَانِ، الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِحَةٍ انْتَهَى. رَاجِعْ هَذَا وَتَأَمَّلْهُ. (وَتُوضَعُ مِنْ الْعَطَشِ وَإِنْ قَلَّتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَمَّا إنْ هَلَكَتْ الثَّمَرَةُ مِنْ انْقِطَاعِ مَاءِ السَّمَاءِ أَوْ انْقَطَعَ عَنْهَا عَيْنٌ يَسْقِيهَا فَهَذَا يُوضَعُ قَلِيلُ مَا هَلَكَ بِسَبَبِهِ وَكَثِيرُهُ بِخِلَافِ الْجَوَائِحِ، وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ شِرْبِ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ لِسَقْيِ أَرْضِهِ دُونَ شِرَاءِ أَصْلِ الْعَيْنِ. فَإِنْ غَارَ الْمَاءُ فَنَقَصَ قَالَ مَالِكٌ: إنْ نَقَصَ قَدْرُ ثُلُثِ الشِّرْبِ الَّذِي ابْتَاعَ وُضِعَ عَنْهُ كَجَوَائِحِ الثِّمَارِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَنَا أَرَى أَنَّهُ مِثْلُ مَا أَصَابَ الثَّمَرَةَ مِنْ قِبَلِ الْمَاءِ. التُّونِسِيُّ: اُنْظُرْ لَوْ مَاتَ دُودُ الْحَرِيرِ الَّذِي لَا يُرَادُ وَرَقُ التُّوتِ إلَّا لِأَكْلِهِ، هَلْ مُشْتَرِيهِ كَمُشْتَرٍ حَمَّامًا أَوْ فُنْدُقًا خَلَا بَلَدُهُ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَعْمُرُهُ فَيَكُونُ لَهُ مُتَكَلَّمٌ، أَوْ لَا يُشْبِهُهُ لِأَنَّ مَنَافِعَ الرَّبْعِ فِي ضَمَانِ مُكْرِيهِ وَوَرَقَ التُّوتِ سِلْعَةٌ تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ كَمَنْ اشْتَرَى عَلَفًا لِقَافِلَةٍ تَأْتِيهِ فَعَدَلَتْ عَنْ مَحَلِّهِ، أَوْ لَيْسَ مِثْلَهُ لِإِمْكَانِ نَقْلِ الطَّعَامِ حَيْثُ يُبَاعُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 464 وَوَرَقُ التُّوتِ لَا يُنْقَلُ؟ الصَّقَلِّيُّ: وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى قَوْمٌ ثِمَارَ بَلْدَةٍ وَانْجَلَى أَهْلُهَا عَنْهَا لِفِتْنَةٍ أَوْ لِأَجْلِ حَرْبٍ كَانَ ذَلِكَ جَائِحَةً. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ. وَنَصُّ ابْنِ يُونُسَ: وَرَقُ التُّوتِ الَّذِي يُبَاعُ فَيُجْمَعُ أَخْضَرَ لِعَلَفِ دُودِ الْحَرِيرِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّهُ كَالْبَقْلِ يُوضَعُ فِيهِ مَا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ. وَانْظُرْ لَوْ مَاتَ دُودُ الْحَرِيرِ أَوْ أَكْثَرُهُ وَهَذَا الْوَرَقُ لَا يُرَادُ إلَّا لَهُ، هَلْ مَوْتُ دُودِ الْحَرِيرِ جَائِحَةٌ فَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَالْجَائِحَةِ كَمَنْ اكْتَرَى حَمَّامًا أَوْ فُنْدُقًا فَخَلَا الْبَلَدُ فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْكُنُهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَا عِنْدِي لَوْ اشْتَرَى قَوْمٌ ثِمَارَ بَلَدٍ فَانْجَلَى أَهْلُهُ لِفِتْنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَنَّ جَائِحَةَ ذَلِكَ مِنْ بَائِعِهِ لِأَنَّ مُشْتَرِيهِ إنَّمَا اشْتَرَاهُ لِمَنْ يَبِيعُهُ مِنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَجِدْهُ هَلَكَتْ الثَّمَرَةُ فَذَلِكَ كَهَلَاكِهَا بِأَمْرٍ غَالِبٍ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " لِأَنَّ مُشْتَرِيَهُ إنَّمَا اشْتَرَاهُ لِمَنْ يَبِيعُهُ مِنْهُ كَذَا هُوَ " يَعْنِي أَيْضًا فِي الْوَرَقِ قَالَ: إنَّمَا اشْتَرَى الْوَرَقَ يَقْبِضُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَبِيعُهُ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ، فَجَعَلَهُ كَالْحَمَّامِ وَالْفُنْدُقِ وَقَالَ: إنَّمَا اشْتَرَى مَنَافِعَ يَقْبِضُهَا شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَبِيعُهَا لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ. وَنَقَلَ أَيْضًا أَنَّهُ كَذَلِكَ مَنْ اكْتَرَى رَحًى سَنَةً فَأَصَابَ أَهْلَ ذَلِكَ الْمَكَانِ فِتْنَةٌ جَلَوْا بِهَا مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَجَلَا مَعَهُمْ الْمُكْتَرِي أَوْ أَقَامَ آمِنًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَأْتِيهِ طَعَامٌ لِجَلَاءِ النَّاسِ، فَهُوَ كَبُطْلَانِ الرَّحَا مِنْ نُقْصَانِ الْمَاءِ أَوْ كَثْرَتِهِ، وَيُوضَعُ عَنْهُ قَدْرُ الْمُدَّةِ الَّتِي جَلَوْا فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْفَنَادِقُ الَّتِي تُكْرَى لِأَيَّامِ الْمَوْسِمِ إذَا أَخْطَأَهَا ذَلِكَ لِفِتْنَةٍ نَزَلَتْ أَوْ غَيْرِهَا بِخِلَافِ الدَّارِ تُكْتَرَى ثُمَّ يُجْلَى أَهْلُ ذَلِكَ الْمَكَانِ لِفِتْنَةٍ وَأَقَامَ الْمُكْتَرِي آمِنًا أَوْ رَحَلَ لِلْوَحْشَةِ وَهُوَ آمِنٌ، فَإِنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ، وَلَوْ انْجَلَى لِلْخَوْفِ سَقَطَ عَنْهُ مُدَّةَ الْجَلَاءِ انْتَهَى. وَخَرَّجَ الْمَازِرِيُّ عَلَى خُلُوِّ الْبَلَدِ مَسْأَلَةً سُئِلَ عَنْهَا وَهِيَ رَجُلٌ اكْتَرَى مَوْضِعًا لِغَسْلِ الْغَزْلِ بِكِرَاءٍ غَالٍ ثُمَّ أَحْدَثَ رَجُلٌ بِقُرْبِهِ مَوْضِعًا آخَرَ فَنَقَصَ مِنْ كِرَاءِ الْأَوَّلِ كَثِيرٌ فَأَجَابَ: أَنَّهُ إنْ عَقَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ فَجَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَظُنَّ فَلَهُ مَقَالٌ كَمَا يَكُونُ لَهُ إذَا خَلَا الْبَلَدُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ الْمُمْكِنِ الْإِحْدَاثُ فَلَا مَقَالَ لَهُ إذْ نُقْصَانُ الْغَلَّةِ لِإِحْدَاثِ فُرْنٍ عَلَى فُرْنٍ لَيْسَ بِعَيْبٍ. وَأَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ: إنْ رَأَى الْقَاضِي أَنْ يَضَعَ شَيْئًا لِلِاسْتِئْلَافِ لِمُكْتَرِي الْحَبْسِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَالْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ يَحُطُّ بَعْضَ الثَّمَنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. وَانْظُرْ أَيْضًا الْوَكِيلُ يَبِيعُ بِالْخِيَارِ فَيُزَادُ قَالَ فِي رَسْمِ طلق مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ: رُبَّ رَجُلٍ لَوْ زَادَهُ لَمْ يَبِعْهُ يُكْرَهُ مُخَالَطَتُهُ وَخُصُومَتُهُ وَيَأْمَنُ مِنْ نَاحِيَةِ الَّذِي زِيدَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ عَطِيَّةً. وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ إذَا أُجِيحَتْ دُودُ الْحَرِيرِ فَلَمْ يَجِدْ مُشْتَرِي الْوَرَقِ مَنْ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِحَةٌ، فَإِنْ وَجَدَ مُشْتَرِيًا مِنْهُ بِثَمَنٍ يَسِيرٍ فَلَا يُوضَعُ عَنْهُ شَيْءٌ، فَإِنْ وَجَدَ مُشْتَرِيًا بِمَا لَا بَالَ لَهُ (كَالْبُقُولِ) قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ بُقُولِ السِّلْقِ وَالْبَصَلِ وَالْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَالْكُرَّاثِ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُوضَعُ قَلِيلُ مَا أُجِيحَ مِنْهُ وَكَثِيرُهُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: اللِّفْتُ وَالْأُصُولُ الْمُغَيَّبَةُ فِي الْأَرْضِ مِمَّا لَا يُدَّخَرُ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْبُقُولِ (وَالزَّعْفَرَانِ وَالرَّيْحَانِ وَالْقُرْطِ) سَحْنُونَ: أَمَّا الزَّعْفَرَانُ وَالرَّيْحَانُ وَالْبَقْلُ وَالْقُرْطُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 465 وَالْقَصْبُ فَإِنَّ الْجَوَائِحَ تُوضَعُ فِي قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا وَلَا يَصْلُحُ فِيهَا الْمُسَاقَاةُ (وَوَرَقِ التُّوتِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّهُ كَالْبَقْلِ (وَمُغَيَّبِ الْأَصْلِ كَالْجَزَرِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ الْأُصُولُ الْمُغَيَّبَةُ فِي الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ الْبُقُولِ (وَلَزِمَ الْمُشْتَرِي بَاقِيهَا وَإِنْ قَلَّ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ لُزُومُ مَا سَلِمَ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ قَلَّ، وَعَدَمُ الرُّجُوعِ بِمَا أُجِيحَ إنْ قَلَّ بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِمَا لِدُخُولِ الْمُشْتَرِي عَلَى عَدَمِ الْكَمَالِ لِغَلَبَةٍ. (وَإِنْ اشْتَرَى أَجْنَاسًا فَأُجِيحَ بَعْضُهَا وُضِعَتْ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ ثُلُثَ الْجَمِيعِ وَأُجِيحَ مِنْهُ ثُلُثُ مَكِيلَتِهِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ كَانَ فِي الْحَائِطِ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ نَخْلٌ وَكَرْمٌ وَرُمَّانٌ فَأُجِيحَ بَعْضُ نَوْعٍ مِنْهَا نُظِرَ؛ فَإِنْ كَانَ جَمِيعُ ذَلِكَ الصِّنْفِ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ لَوْ لَمْ يُجَحْ ثُلُثُ قِيمَةِ الْجَمِيعِ فَلَا جَائِحَةَ فِيهِ، أُجِيحَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ. وَإِنْ كَانَ كُلُّهُ يَبْلُغُ ثُلُثَ قِيمَةِ الْجَمِيعِ اُنْظُرْ مَا أُجِيحَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ قَدْرَ ثُلُثِ ثَمَرَتِهِ وُضِعَ قَدْرُ ثُلُثِ قِيمَةِ ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ بَاقِيهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ ثَمَرَتِهِ لَمْ يُوضَعْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اكْتَرَى دَارًا وَفِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ طَابَتْ فَاشْتَرَطَهَا الْمُكْتَرِي وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، فَإِنْ أَصَابَتْ الثَّمَرَةَ جَائِحَةٌ أَذْهَبَتْ ثُلُثَهَا وُضِعَ مَا يَقَعُ عَلَى الْمُجَاحِ مِنْ حِصَّةِ الثَّمَرَةِ مِنْ الْكِرَاءِ، وَإِنْ أُصِيبَ مِنْهَا أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ أَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ كُلُّهَا أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا جَائِحَةَ فِيهَا (وَإِنْ تَنَاهَتْ الثَّمَرَةُ فَلَا جَائِحَةَ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبَقِيَتْ بِتَنَاهِي طِيبِهَا " (كَالْقَصَبِ الْحُلْوِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تُوضَعُ فِي قَصَبِ الْحُلْوِ جَائِحَةٌ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَتَّى يَطِيبَ وَيُمْكِنَ قَطْعُهُ وَلَيْسَ بِبُطُونٍ. قَالَ سَحْنُونَ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تُوضَعُ جَائِحَةُ قَصَبِ الْحُلْوِ وَهُوَ أَحْسَنُ. ابْنُ يُونُسَ: وَالْقَوْلُ: إنَّ فِي الْبُقُولِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ الْجَائِحَةُ إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ هُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى السَّقْيِ وَهُوَ يُجْمَعُ شَيْئًا فَشَيْئًا كَالثِّمَارِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَجَائِحَةُ قَصَبِ غَيْرِ الْحُلْوِ تُوضَعُ إذَا بَلَغَتْ الْجَائِحَةُ الثُّلُثَ (وَيَابِسِ الْحَبِّ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبَقِيَتْ لِيَتَنَاهَى طِيبُهَا ". (وَخُيِّرَ الْعَامِلُ فِي الْمُسَاقَاةِ بَيْنَ سَقْيِ الْجَمِيعِ أَوْ تَرْكِهِ إنْ أُجِيحَ الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ أُجِيحَتْ ثَمَرَةُ الْمُسَاقَاةِ فَهُمَا شَرِيكَانِ فِي النَّمَاءِ وَالنَّقْصِ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَخْرُجَ. رَوَاهُ أَشْهَبُ مِنْ مَالِكٍ. وَرَوَى غَيْرُهُ أَنَّهُ إنْ بَلَغَتْ الْجَائِحَةُ الثُّلُثَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ الْحَائِطَ كُلَّهُ أَوْ يَخْرُجَ، فَإِنْ خَرَجَ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ عِلَاجِهِ وَلَا نَفَقَتِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَتْ الْجَائِحَةُ شَائِعَةً فِي الثَّمَرَةِ كُلِّهَا، فَأَمَّا إنْ أُجِيحَتْ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ وَأُخْرَى سَالِمَةٌ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ مُسَاقَاةُ السَّالِمَةِ إذَا كَانَتْ الْمُجَاحَةُ يَسِيرَةَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ. قَالَهُ مُحَمَّدٌ اهـ. نَقَلَهُ الْمُتَيْطِيُّ بِنَصِّهِ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَخَذَ نَخْلًا مُسَاقَاةً فَلَمَّا عَمِلَ أَصَابَتْ الثَّمَرَةَ جَائِحَةٌ فَأَسْقَطَتْهَا فَذَلِكَ جَائِحَةٌ وَتُوضَعُ عَنْهُ. وَحَفِظَ سَعْدٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ أُجِيحَ دُونَ الثُّلُثِ لَمْ يُوضَعْ عَنْهُ سَقْيُ شَيْءٍ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 466 الْحَائِطِ وَلَزِمَهُ عَمَلُ الْحَائِطِ كُلُّهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْجَائِحَةُ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ خُيِّرَ؛ فَإِنْ شَاءَ سَقَى جَمِيعَ الْحَائِطِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ جَمِيعَهُ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: هَذَا إنْ كَانَتْ الْجَائِحَةُ شَائِعَةً فِي الْحَائِطِ، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهُ فَأُجِيحَتْ فَلَا سَقْيَ عَلَيْهِ فِيهَا وَيَسْقِي السَّالِمَ وَحْدَهُ مَا لَمْ يَكُنْ السَّالِمُ يَسِيرًا جِدًّا الثُّلُثَ فَدُونَ. قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ الْجَائِحَةُ شَائِعَةً فَاخْتَارَ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ سَقْيُ الْحَائِطِ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ عِلَاجِهِ وَقِيَامِهِ وَنَفَقَتِهِ. (وَمُسْتَثْنَى كَيْلٍ مِنْ الثَّمَرَةِ تُجَاحُ بِمَا يُوضَعُ يَضَعُ عَنْ مُشْتَرِيهِ بِقَدْرِهِ) ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ: مَنْ بَاعَ ثَمَرَةً وَاسْتَثْنَى مِنْهَا أَوْسُقًا قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ جَازَ، فَإِنْ أُجِيحَ مِنْهَا قَدْرُ الثُّلُثِ فَأَكْثَرُ وُضِعَ عَنْ الْمُشْتَرِي بِقَدْرِهِ مِمَّا اسْتَثْنَى الْبَائِعُ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. قَالَ أَصْبَغُ: وَهُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَبِهِ أَقُولُ. قَالَ: وَإِنْ أُجِيحَ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ أَخَذَ الْبَائِعُ مِمَّا سَلِمَ جَمِيعَ مَا اسْتَثْنَاهُ. [فَصْلٌ فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايِعَانِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ نَوْعِهِ] (إنْ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ نَوْعِهِ حَلَفَا وَفُسِخَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: اخْتِلَافُهُمَا فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 467 نَوْعِ الثَّمَنِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي جِنْسِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ اخْتَلَفَا فِي النَّوْعِ فَقَالَ هَذَا: سَلَّفْتُكَ فِي حِنْطَةٍ وَقَالَ هَذَا: فِي شَعِيرٍ، أَوْ قَالَ هَذَا: فِي فَرَسٍ وَقَالَ هَذَا: فِي حِمَارٍ، تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا وَإِنْ بَعْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ وَيُرَدُّ إلَى الْمُبْتَاعِ رَأْسُ مَالِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَشَأْنُ اخْتِلَافِهِمَا فِي السَّلَمِ فِي الْجِنْسَيْنِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ابْتَاعَ جَارِيَةً فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُهَا بِحِنْطَةٍ وَقَالَ الْمُبْتَاعُ بِشَعِيرٍ، فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ إنْ لَمْ تَفُتْ (وَرَدَّ مَعَ الْفَوَاتِ قِيمَتَهَا يَوْمَ بَيْعِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ فَاتَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ أَدَّى قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبَضَهَا لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا أَوْ اعْوَرَّتْ أَوْ نَقَصَتْ ضَمِنَهَا فَلَهُ نَمَاؤُهَا وَعَلَيْهِ نُقْصَانُهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُهُ: " يَوْمَ قَبَضَهَا " يَعْنِي يَوْمَ بَاعَهَا لِأَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ صَوَابٌ. (وَفِي قَدْرِهِ كَمَثْمُونِهِ أَوْ قَدْرِ أَجَلٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ حَلَفَا وَفُسِخَ) أَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي قَدْرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 468 الثَّمَنِ فَفِي الْمُنْتَقَى: إنْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِ السِّلْعَةِ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعَشَرَةٍ وَقَالَ الْمُبْتَاعُ بِخَمْسَةٍ بُدِئَ الْبَائِعُ فَقِيلَ لَهُ: إنْ أَبَيْتَ مَا قَالَ الْمُبْتَاعُ فَاحْلِفْ أَنَّكَ بِعْتهَا مِنْهُ بِعَشَرَةٍ، فَإِنْ حَلَفَ قِيلَ لِلْمُبْتَاعِ إنْ أَبَيْتَ مَا قَالَ الْبَائِعُ فَاحْلِفْ أَنَّكَ اشْتَرَيْتَهَا مِنْهُ بِخَمْسَةٍ، فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْ أَحَدَهُمَا مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْآخَرُ وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ قَبْضِ السِّلْعَةِ وَقَبْلَ فَوْتِهَا فَرَوَى أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: سَوَاءٌ نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ، وَأَمَّا إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ حَوَالَةِ سُوقٍ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ، وَرَوَى أَشْهَبُ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ. وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي الْمَثْمُونِ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي السَّلَمِ إنْ قَالَ هَذَا فِي فَرَسٍ وَهَذَا فِي حِمَارٍ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا، وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي قَدْرِ الْأَجَلِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا اخْتَلَفَا فِي أَجَلِ الثَّمَنِ وَاتَّفَقَا عَلَى عَدَدِهِ فَفِي ذَلِكَ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ، الْمَشْهُورُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ، وَإِنْ قَبَضَ الْمُبْتَاعُ السِّلْعَةَ مَا لَمْ تَفُتْ فَإِنْ فَاتَتْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ إذَا لَمْ يُقِرَّ بِأَجَلٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ إذَا تَقَارَرَا عَلَى الْأَجَلِ وَاخْتَلَفَا فِيهِ، اُنْظُرْ تَضْمِينَ الصُّنَّاعِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي الرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا كُلُّ مَا يُؤَدِّي إلَى الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ فَهُوَ كَالِاخْتِلَافِ فِيهِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي رَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ صَحِيحٌ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ (إنْ حُكِمَ بِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا حَلَفَا افْتَقَرَا إلَى الْفَسْخِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ، وَثَمَرَتُهُ أَنْ يَرْضَى أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ الْآخَرِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي هَذَا طَرِيقَانِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إذَا تَحَالَفَا ثُمَّ شَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْمُشْتَرِي بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ. وَقَالَ سَحْنُونَ: بِتَمَامِ التَّحَالُفِ يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ كَاللِّعَانِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: وَقِيلَ: إنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ حَتَّى يَفْسَخَهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ السَّلَمِ الثَّانِي. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رَسْمِ الصُّبْرَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَنْفَسِخُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عَلَى الْأَصَحِّ. الْمَازِرِيُّ: ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الْبَائِعُ مَظْلُومًا لِأَنَّهُ وَهُوَ ظَالِمٌ غَاصِبٌ لِلْمَبِيعِ وَفَائِدَةُ حِلِّيَّةٌ تَصَرُّفِ الْبَائِعِ بِالْوَطْءِ وَغَيْرِهِ فِي الظَّاهِرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 469 حِفْظٌ لَا تَصَرُّفَ لَهُ فِيهِ. وَقَالَ سَنَدٌ: إذَا فَسَخَ الْحَاكِمُ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا الْفَسْخُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا كَمَا لَوْ تَقَايَلَا، وَظَاهِرًا فَقَطْ فِي حَقِّ الْمَظْلُومِ وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ التُّونِسِيِّ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " لَا أَحَلَّ حَرَامًا " (كَتَنَاكُلِهِمَا) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ حَلَفَا تَرَادَّا وَإِنْ نَكَلَا تَرَادَّا لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ حَلَفَا لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَرْجَحَ مِنْ الْآخَرِ (وَصُدِّقَ مَنْ ادَّعَى الْأَشْبَهَ وَحَلَفَ إنْ فَاتَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّمَا يُرَاعَى مِلْكُ مَنْ أَشْبَهَ قَوْلُهُ مِنْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي فَوْتِ السِّلْعَةِ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فِي سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ، وَأَمَّا مَعَ بَقَاءِ السِّلْعَةِ وَفِي وَقْتٍ يُحْكَم فِيهِ بِالتَّحَالُفِ وَالتَّفَاسُخِ فَعِنْدِي لَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ أَشْبَهَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: شَأْنُ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْكَيْلِ إذَا تَصَادَقَا فِي النَّوْعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ابْتَاعَ جَارِيَةً فَفَاتَتْ عِنْدَهُ فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقَالَ الْمُبْتَاعُ بِخَمْسِينَ دِينَارًا قَالَ مَالِكٌ: الْمُبْتَاعُ يُصَدَّقُ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لِلْجَارِيَةِ يَوْمَ ابْتَاعَهَا، فَإِنْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ حَلَفَ الْبَائِعُ إنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ، فَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ كَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ قِيمَتُهَا يَوْمَ اشْتَرَاهَا. (وَمِنْهُ تَجَاهُلُ الثَّمَنِ وَإِنْ مِنْ وَارِثٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ مَاتَ الْمُتَبَايِعَانِ فَوَرَثْتَهُمَا فِي الْفَوْتِ وَغَيْرِهِ مَكَانَهُمَا إنْ ادَّعَوْا مَعْرِفَةَ الثَّمَنِ، فَإِنْ تَجَاهَلَ وَرَثَتَاهُمَا الثَّمَنَ وَتَصَادَقَا فِي الْبَيْعِ حَلَفَ وَرَثَةُ الْمُبْتَاعِ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِمَا ابْتَاعَهَا بِهِ أَبُوهُمْ، ثُمَّ يَحْلِفُ وَرَثَةُ الْبَائِعِ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِمَا بَاعَهَا بِهِ أَبُوهُمْ، ثُمَّ تُرَدُّ، فَإِنْ فَاتَتْ بِتَغَيُّرِ سُوقٍ فَأَعْلَى لَزِمَتْ وَرَثَةَ الْمُبْتَاعِ بِقِيمَتِهَا فِي مَالِهِ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا بُدِئَ وَرَثَةُ الْمُبْتَاعِ بِالْيَمِينِ إذَا تَجَاهَلَ الْجَمِيعُ الثَّمَنَ لِأَنَّ مَجْهَلَةَ الثَّمَنِ عِنْدَهُمْ كَالْفَوْتِ فَأَشْبَهَ أَنْ لَوْ فَاتَتْ فِي أَيْدِيهِمْ فَلِذَلِكَ بَدَءُوا بِالْيَمِينِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَجَاهَلَ الْمُتَبَايِعَانِ أَنْفُسُهُمَا الثَّمَنَ لَبَدَأَ الْمُبْتَاعُ بِالْيَمِينِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنْفُسِهِمَا وَلَا بَيْنَ وَرَثَتِهِمَا، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ فِي تَبْدِئَتِهِمْ أَنَّ مَجْهَلَةَ الثَّمَنِ كَالْفَوْتِ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ (وَبَدَأَ الْبَائِعُ وَحَلَفَ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى خَصْمِهِ مَعَ تَحْقِيقِ دَعْوَاهُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 470 اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ هَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى إثْبَاتِ دَعْوَاهُ أَوْ عَلَى تَكْذِيبِ دَعْوَى صَاحِبِهِ مَعَ الْإِثْبَاتِ؟ الْمَازِرِيُّ: لَا أَعْرِفُ نَصَّ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِنْصَافُ أَنَّهُ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَيْهِ ابْنُ فَتْحُونَ وَالْمُتَيْطِيُّ قَالَا: يَتَحَالَفَانِ، يَحْلِفُ الْبَائِعُ أَوَّلًا ثُمَّ يُخَيَّرُ الْمُبْتَاعُ فِي أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ، أَوْ يَحْلِفُ عَلَى مَا قَالَ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فَقَوْلُهُمَا غَيْرُ الْمُبْتَاعِ فِي أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ نَصٌّ فِي أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْجُزْأَيْنِ، وَكَذَا قَوْلُهُمَا فِي الْمُبْتَاعِ يَحْلِفُ عَلَى مَا قَالَ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي انْتِهَاءِ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ التَّقَضِّي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَسْلَمَ فِي سِلْعَةٍ إلَى أَجَلٍ فَادَّعَى حُلُولَهُ وَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ يَحِلَّ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِيمَا يُشْبِهُ يُرِيدُ مَعَ يَمِينِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمَا يُشْبِهُ صُدِّقَ الْمُبْتَاعُ فِيمَا يُشْبِهُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً وَفَاتَتْ عِنْدَهُ وَادَّعَى أَنَّ الثَّمَنَ إلَى أَجَلِ كَذَا وَقَالَ الْبَائِعُ إلَى أَجَلٍ دُونَهُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ وَالْبَائِعُ مُقِرٌّ بِأَجَلٍ مُدَّعٍ حُلُولَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ وَإِلَّا صُدِّقَ الْبَائِعُ وَلَوْ لَمْ تَفُتْ حَلَفَا وَرُدَّتْ (وَفِي قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ السِّلْعَةِ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُمَا إلَّا لِعُرْفٍ كَبَقْلٍ أَوْ لَحْمٍ بَانَ بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا اخْتَلَفَا فِي دَفْعِ الثَّمَنِ فِي الرَّبْعِ وَالْحَيَوَانِ وَالرَّقِيقِ وَالْعُرُوضِ وَقَدْ قَبَضَهُ الْمُبْتَاعُ وَبَانَ بِهِ، فَالْبَائِعُ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ إلَّا فِي مِثْلِ مَا يُبَاعُ عَلَى النَّقْدِ كَالصَّرْفِ، وَمَا بِيعَ فِي الْأَسْوَاقِ مِنْ اللَّحْمِ وَالْفَوَاكِهِ وَالْخُضَرِ وَالْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ وَنَحْوِهِ وَقَدْ انْقَلَبَ بِهِ الْمُبْتَاعُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنَّهُ دَفَعَ الثَّمَنَ مَعَ يَمِينِهِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ إنْ لَمْ يُفَارِقْهُ. وَسَمِعَ أَصْبَغُ: ابْنَ الْقَاسِمِ وَإِذَا طَلَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَمْ أَقْبِضْ السِّلْعَةَ وَقَالَ الْبَائِعُ قَدْ قَبَضْتَهَا، فَإِنْ أَشْهَدَ لَهُ بِالثَّمَنِ فَقَدْ قَبَضَ السِّلْعَةَ وَعَلَيْهِ غُرْمُ الثَّمَنِ وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا. قَالَ أَصْبَغُ: وَيَحْلِفُ لَهُ الْبَائِعُ إنْ كَانَ بِحَرَارَةِ الْبَيْعِ وَالْإِشْهَادِ، وَأَمَّا إنْ سَكَتَ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ وَشِبْهُهُ فَلَا قَوْلَ لَهُ وَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَفْهُومُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَشْهَدَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَهُوَ نَقْلُ الْمَازِرِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ. ابْنُ رُشْدٍ: قِيلَ: إنْ حَلَّ الْأَجَلُ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 471 دَفْعِ السِّلْعَةِ، وَإِنْ كَانَ بِالْقُرْبِ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ وَلَوْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالثَّمَنِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا بِالنَّقْدِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ الْمُبْتَاعُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ ثُمَّ قَامَ يَطْلُبُ مِنْهُ السِّلْعَةَ بِالْقُرْبِ الَّذِي يَتَأَخَّرُ فِيهِ الْقَبْضُ كَالْأَيَّامِ وَالْجُمُعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ بَعُدَ كَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَهَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ هَذِهِ (وَلَوْ كَثُرَ) لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِيمَا يُبَاعُ عَلَى النَّقْدِ مِثْلُ الَّذِي تَقَدَّمَ قَالَ: وَسَوَاءٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ كَانَ ذَلِكَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. وَأَنْكَرَ هَذَا يَحْيَى بْنُ عُمَرَ فِيمَا كَثُرَ وَقَالَ: ذَلِكَ مِثْلُ السِّلَعِ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْبَائِعِ. ابْنُ يُونُسَ: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْعُرْفِ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ فَيَقْضِي بِهِ. لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِيمَنْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ قَالَ: فَإِنْ افْتَرَقَا فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ. قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا يَتَبَايَعُهُ النَّاسُ فِي الْأَسْوَاقِ فَالنَّقْدُ شِبْهُ الصَّرْفِ كَيَسِيرِ الْحِنْطَةِ وَمِثْلُ السَّوْطِ وَالشِّرَاكِ، وَأَمَّا الْكَثِيرُ مِنْ الطَّعَامِ وَالْبَزِّ وَالدُّورِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى مَا يَجُوزُ التَّبَايُعُ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْمُدَّةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي هَذَا إلَى أَنْ قَالَ: وَهَذَا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ بِالنَّقْدِ. رَاجِعْ سَمَاعَ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. (وَإِلَّا فَلَا إنْ ادَّعَى دَفْعَهُ بَعْدَ الْأَخْذِ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: مَنْ ابْتَاعَ رُطَبًا فَكَالَهُ وَحَازَهُ فَطَلَبَهُ بَائِعُهُ بِثَمَنِهِ فَقَالَ دَفَعْتُهُ لَكَ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ وَلَمْ يُفَارِقْهُ. ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا إنْ قَالَ الْمُبْتَاعُ دَفَعْتُ إلَيْهِ الثَّمَنَ بَعْدَ أَنْ قَبَضْتُ الرُّطَبَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ بَائِعِ الرُّطَبِ (وَإِلَّا فَهَلْ يُقْبَلُ الدَّفْعُ أَوْ فِيمَا هُوَ الشَّأْنُ أَوْ لَا؟ أَقْوَالٌ) ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا إنْ قَالَ الْمُبْتَاعُ دَفَعْتُ إلَيْهِ الثَّمَنَ قَبْلَ أَنْ أَقْبِضَ الرُّطَبَ، فَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُبْتَاعَ مُقِرٌّ بِقَبْضِ الْمَثْمُونِ مُدَّعٍ لِدَفْعِ الثَّمَنِ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ الدَّفْعِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْبَائِعُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 472 وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ أَنْ لَا يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا بَاعَ مِنْهُ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ قَبْلَ قَبْضِ الْمَثْمُونِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعُرْفَ الْجَارِي فِي تِلْكَ بِقَبْضِ الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَثْمُونِ دَلِيلٌ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُبْتَاعِ (وَإِشْهَادُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ مُقْتَضٍ لِقَبْضِ مُثْمَنِهِ وَحَلَفَ بَائِعُهُ إنْ بَادَرَ كَإِشْهَادِ الْبَائِعِ بِقَبْضِهِ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَفِي قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ السِّلْعَةِ ". (وَفِي الْبَتِّ مُدَّعِيهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ وَالْآخَرُ الْبَتَّ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْبَتِّ لِأَنَّ الْآخَرَ مُقِرٌّ بِالْبَيْعِ مُدَّعٍ لِمَا يَرْفَعُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ (كَمُدَّعِي الصِّحَّةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَضْرِبَا لِلسَّلَمِ أَجَلًا أَوْ أَنَّ رَأْسَ السَّلَمِ تَأَخَّرَ شَهْرًا بِشَرْطٍ وَأَكْذَبَهُ الْآخَرُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحُلُولِ مِنْهُمَا مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ ادَّعَى بَيْعَ النَّاسِ الْجَائِزَ بَيْنَهُمْ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ. ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَانْظُرْ قَوْلَ سَحْنُونٍ إنْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَ بِحُمْرٍ وَقَالَ الْمُبْتَاعُ بَلْ بِدَرَاهِمَ، أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ بِخِلَافِ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا حَلَالًا وَالْآخَرُ حَرَامًا (إنْ لَمْ يَغْلِبْ الْفَسَادُ) ابْنُ بَشِيرٍ: قَالَ سَحْنُونَ: وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الْفَسَادَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِيهِ. وَاسْتَقْرَأَهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ مِنْ قَوْلِهَا إنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ دُخُولَ اهْتِدَاءٍ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ هُمَا صَائِمَانِ، أَنَّ الْقَوْلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 473 قَوْلُهَا إنَّهُ أَصَابَهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ صَبْرِهِ مَعَ هَذِهِ الْحَالَةِ (وَهَلْ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ بِهَا الثَّمَنُ فَكَقَدْرِهِ؟ تَرَدُّدٌ) تَقَدَّمَ قَوْلُ سَحْنُونٍ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَغْلِبْ الْفَسَادُ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: أَمَّا لَوْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ يَعُودُ بِالِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ فَهَاهُنَا طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُعْطَى حُكْمَ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ (وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ مَعَ فَوَاتِ الْعَيْنِ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ أَوْ السِّلْعَةِ كَالْمُشْتَرِي بِالْعَيْنِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ ادَّعَى مُشْبِهًا) ابْنُ بَشِيرٍ: أَمَّا السَّلَمُ فَيَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَيْضًا لَكِنَّ السَّلَمَ هُوَ وِزَانُ الْمُشْتَرِي فِي بِيَاعَاتِ النَّقْدِ وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ هُوَ وِزَانُ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ هُوَ يَقْبِضُ الثَّمَنَ، وَيَنْظُرُ فِي أَيِّ شَيْءٍ اخْتِلَافُهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ فِي طَعَامٍ مَضْمُونٍ إلَى أَجَلٍ فَاخْتَلَفَا عِنْدَ الْأَجَلِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَاتَّفَقَا فِي النَّوْعِ، فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَ ثَلَاثَةَ أَرَادِبَ بِدِينَارٍ، وَقَالَ الْمُبْتَاعُ بَلْ أَرْبَعَةَ أَرَادِبَ بِدِينَارٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ ادَّعَى مَا لَا يُشْبِهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِيمَا يُشْبِهُ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ بِقُرْبِ مُبَايَعَتِهِمَا تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا. ابْنُ يُونُسَ: جُعِلَ اخْتِلَافَهُمَا بِقُرْبِ الْبَيْعِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي بَيْعِ النَّقْدِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ وَبَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ كَفَوْتِ السِّلْعَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ السَّلَمَ كَانَ فِيهِ مِنْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ عَرْضٍ فَاخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ وَاتَّفَقَا فِي التَّسْمِيَةِ، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ وَيَحْلِفُ وَالْمُبْتَاعُ مُدَّعٍ (وَإِنْ ادَّعَى مَا لَا يُشْبِهُ فَسَلَمٌ وَسَطٌ) ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ حُمِلَا عَلَى سَلَمِ النَّاسِ يَوْمَ أَسْلَمَهُ إلَيْهِ. (وَفِي مَوْضِعِهِ صُدِّقَ مُدَّعِي مَوْضِعِ عَقْدِهِ وَإِلَّا فَالْبَائِعُ وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ وَاحِدٌ تَحَالَفَا وَفُسِخَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ادَّعَى الَّذِي لَهُ السَّلَمُ أَنَّهُ اشْتَرَطَ الْوَفَاءَ بِالْفُسْطَاطِ وَقَالَ الْآخَرُ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى مَوْضِعَ التَّبَايُعِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِيَاهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمَوَاضِعَ كَالْآجَالِ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ الْمَوَاضِعُ حَتَّى لَا يُشْبِهَ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا (كَفَسْخِ مَا يُقْبَضُ بِمِصْرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ عَلَى أَنْ يَقْبِضَهُ بِمِصْرَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُسَمِّيَ أَيَّ مَوْضِعٍ بِمِصْرَ لِأَنَّ مِصْرَ مَا بَيْنَ الْبَحْرِ إلَى أُسْوَانَ. ابْنُ يُونُسَ: بِخِلَافِ أَنْ يَكْتَرِيَ دَابَّةً مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مِصْرَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَيُنْزِلُهُ بِالْفُسْطَاطِ، لِأَنَّهُ الْعُرْفُ عِنْدَهُمْ وَلَا عُرْفَ لَهُمْ فِي الْقَضَاءِ (وَجَازَ بِالْفُسْطَاطِ وَقُضِيَ بِسُوقِهَا وَإِلَّا فَفِي أَيِّ مَكَان) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يَقْضِيَهُ بِالْفُسْطَاطِ جَازَ، فَإِنْ تَشَاحَّا فِي مَوْضِعٍ يَقْضِيهِ الطَّعَامُ مِنْ الْفُسْطَاطِ قَالَ مَالِكٌ: فَلْيَقْضِهِ ذَلِكَ فِي سُوقِ الطَّعَامِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ جَمِيعُ السِّلَعِ إذَا كَانَ لَهَا سُوقٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 474 مَعْرُوفٌ فَاخْتَلَفَا فَلْيُوفِهِ ذَلِكَ فِي سُوقِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سُوقٌ فَحَيْثُ مَا أَعْطَاهُ بِالْفُسْطَاطِ لَزِمَ الْمُشْتَرِي. وَقَالَ سَحْنُونَ: يُوفِيهِ ذَلِكَ بِدَارِهِ كَانَ لَهَا سُوقٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَهَذَا هُوَ الْمَحْكُومُ بِهِ الْيَوْمَ لِأَنَّ النَّاسَ اعْتَادُوا ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا يَفْسُدُ السَّلَمُ إذَا لَمْ يَذْكُرَا مَوْضِعَ الْقَضَاءِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَهُ بِمَوْضِعِ التَّبَايُعِ فِي سُوقِ تِلْكَ السِّلْعَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 475 [كِتَابُ السَّلَمِ] [بَابٌ فِي شُرُوط السَّلَم وَأَدَاء الْمُسْلِم فِيهِ وَالنَّظَر فِي صفته] ابْنُ شَاسٍ: كِتَابُ السَّلَمِ وَالْقَرْضِ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ السَّلَمُ وَفِيهِ بَابَانِ: الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِهِ وَهِيَ. سِتَّةٌ: تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ دَيْنًا، وَأَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا، وَأَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ عِنْدَ الْمَحَلِّ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ الْأَوْصَافِ الْبَابُ الثَّانِي فِي أَدَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالنَّظَرِ فِي صِفَتِهِ وَزَمَانِهِ وَمَكَانِهِ (شَرْطُ السَّلَمِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ) ابْنُ يُونُسَ: «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» وَهُوَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ، فَوَجَبَ تَعْجِيلُ النَّقْدِ فِي الْمَضْمُونِ، وَكُلُّ مَنْ أَخَّرَ النَّقْدَ فِي السَّلَمِ بِشَرْطٍ فَالسَّلَمُ فَاسِدٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَتَأْخِيرُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ " نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ تَأَخَّرَ بَعْضُهُ انْفَسَخَ السَّلَمُ كُلُّهُ (أَوْ تَأْخِيرُهُ ثَلَاثًا وَلَوْ بِشَرْطٍ) ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ جَوَازُ تَأْخِيرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا بِالشَّرْطِ. اُنْظُرْ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا وَقَدْ قَالُوا فِي الْإِجَارَةِ الْعَرْضُ الْمُعَيَّنُ أَجْرًا كَشِرَائِهِ يَجِبُ تَعْجِيلُهُ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَى الثَّوْبِ وَكَالَ الطَّعَامَ إنْ تَرَكَهُمَا عَلَى غَيْرِ شَرْطِ تَرَاخٍ لَمْ يَضُرَّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 476 (وَفِي فَسَادِهَا بِالزِّيَادَةِ إنْ لَمْ تَكْثُرْ جِدًّا تَرَدُّدٌ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ عَيْنًا وَتَأَخَّرَ فَوْقَ الثَّلَاثِ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَعَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ السَّلَمَ يَفْسُدُ بِذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 478 كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا فَتَأَخَّرَ كَثِيرًا أَوْ إلَى الْأَجَلِ فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فَأَشْبَهَ مَا فِي الذِّمَّةِ فَضَارَعَ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ. (وَجَازَ بِخِيَارٍ لِمَا يُؤَخَّرُ إنْ لَمْ يُنْقَدْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِالْخِيَارِ فِي السَّلَمِ إلَى أَمَدٍ قَرِيبٍ يَجُوزُ تَأْخِيرُ النَّقْدِ إلَى مِثْلِهِ كَيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ إنْ لَمْ يُقَدِّمْ رَأْسَ الْمَالِ، فَإِنْ قَدَّمَهُ كَرِهْتُهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 479 (وَبِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ مَنْفَعَةَ مُعَيَّنٍ. ابْنُ عَاتٍ: هُوَ جَائِزٌ وَإِنْ حَلَّ أَجَلُ الطَّعَامِ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي هِيَ رَأْسُ مَالِهِ. وَعِنْدَ الْقِرَاءَةِ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْشَدَنِي بَعْضُ الْحَاضِرِينَ مِنْ أَذْكِيَاءِ الطَّلَبَةِ لِنَفْسِهِ وَمَا سَلِمَ قَبْضُ الْمُسْلَمِ قَبْلَ أَنْ يُوفِيَ الَّذِي يُعْطِي الْمُسْلَمَ جَائِزٌ أَجِبْ إنَّ عِلْمَ الْفِقْهِ رَوْضٌ وَدَوْحَةٌ ... جَنَى ذَاكَ فِي الْأَوْرَاقِ دَخْرٌ وَنَاجِزٌ. (وَبِجُزَافٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَسْلَمَ نُقَارَ فِضَّةٍ أَوْ تِبْرًا مَكْسُورًا جُزَافًا لَا يَعْلَمُ وَزْنَهُ فِي سِلْعَةٍ مَوْصُوفَةٍ إلَى أَجَلٍ، جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ التِّبْرَ هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ سِلْعَةٍ. (وَتَأْخِيرُ حَيَوَانٍ بِلَا شَرْطٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَسْلَمَتْ عَبْدًا بِعَيْنِهِ فِي طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ فَلَمْ تَقْبِضْهُ إلَّا بَعْدَ أَشْهُرٍ أَوْ إلَى الْأَجَلِ فَالْبَيْعُ نَافِذٌ مَا لَمْ يَكُنْ بِشَرْطٍ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ رَقِيقًا أَوْ حَيَوَانًا فَتَأَخَّرَ قَبْضُهُ الْأَيَّامَ الْكَثِيرَةَ أَوْ إلَى الْأَجَلِ فَالْبَيْعُ نَافِذٌ بِغَيْرِ كَرَاهِيَةٍ لِأَنَّ ضَمَانَهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُغَابُ عَلَيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 480 (وَهَلْ الطَّعَامُ وَالْعَرْضُ كَذَلِكَ إنْ كِيلَ وَأُحْضِرَ أَوْ كَالْعَيْنِ؟ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرْضًا أَوْ طَعَامًا بِعَيْنِهِ وَتَأَخَّرَ قَبْضُهُ الْأَيَّامَ الْكَثِيرَةَ أَوْ إلَى الْأَجَلِ وَلَمْ يَكُنْ شَرْطٌ وَكَانَ هَرَبًا مِنْ أَحَدِهِمَا، فَالْبَيْعُ نَافِذٌ مَعَ كَرَاهِيَةِ مَالِكٍ لَهُمَا. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّمَا كَانَ الْبَيْعُ نَافِذًا مَعَ الْكَرَاهِيَةِ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَا نَفْسَخُ السَّلَمَ. ابْنُ مُحْرِزٍ: قِيلَ: إنَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الطَّعَامَ لَمْ يُكْتَلْ وَالثَّوْبُ غَائِبٌ عَلَى الصِّفَةِ، وَلَوْ نَظَرَ إلَى الثَّوْبِ وَكَالَ الطَّعَامَ وَتَرَكَهُمَا عَلَى غَيْرِ شَرْطِ تَرَاخٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَرَاهَةٌ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْ دَيْنِهِ سِلْعَةً نَظَرَهَا وَقَامَ وَلَمْ يَقْبِضْهَا جَازَ اهـ. اُنْظُرْ التَّأْوِيلَيْنِ عَلَى هَذَا إنَّمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 481 هُمَا فِي الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا لَا فِي الْفَسْخِ فَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ:. (أَوْ كَالْمُعَيَّنِ وَرُدَّ زَائِفٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا أَصَابَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَأْسُ الْمَالِ نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ فَلَهُ الْبَدَلُ وَلَا يَنْتَقِضُ السَّلَمُ (وَعُجِّلَ) نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ: إنْ كَانَ الَّذِي بَقِيَ مِنْ أَجَلِ السَّلَمِ كَثِيرًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَخَّرَ الْبَدَلُ إلَّا الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ. قَالَ أَشْهَبُ: وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَجَلِ السَّلَمِ إلَّا الْيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لَمْ يَكُنْ بَأْسٌ أَنْ يُؤَخَّرَ الْبَدَلُ شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا نَقْدًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَلَا يَدْخُلُهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ لِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ قَدْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 482 تَقَدَّمَ عَلَى الصِّحَّةِ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ لِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ قَدْ تَقَدَّمَ فَيَكُونُ كَبَيْعِ دَيْنٍ، وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: " وَعُجِّلَ "، (وَإِلَّا فَسَدَ مَا يُقَابِلُهُ لَا الْجَمِيعُ عَلَى الْأَحْسَنِ) ابْنُ يُونُسَ: إذَا قَالَ سَأُبَدِّلُهَا لَكَ إلَى شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْسَخَ الشَّرْطُ وَيُجْبَرَ عَلَى الْبَدَلِ مُعَجَّلًا، وَإِنْ تَأَخَّرَ الْبَدَلُ عَلَى مَا شَرَطَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِضَ السَّلَمُ كُلُّهُ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَقَدْ قِيلَ يَنْتَقِضُ بِقَدْرِ الزَّائِفِ فَقَطْ. ابْنُ يُونُسَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْتَقِضَ شَيْءٌ مِنْ السَّلَمِ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَلَا يُفْسَخُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 483 بِالتُّهْمَةِ. اهـ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ عَنْ بَعْضِهِمْ: يَنْتَقِضُ مَا أَخَّرَهُ فَقَطْ وَأَرَاهُ قَوْلَ أَبِي عِمْرَانَ وَهُوَ أَشْبَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ تَأَخَّرَ بَعْضُ مَالِ السَّلَمِ انْفَسَخَ السَّلَمُ كُلُّهُ. (وَالتَّصْدِيقُ فِيهِ كَطَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ) تَقَدَّمَ مَنْعُ التَّصْدِيقِ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَتَكَلَّمَ هُنَا عَلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْمَبِيعِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ قَبَضْتَ مِنْ رَجُلٍ طَعَامًا مِنْ سَلَمٍ أَوْ بَيْعٍ وَصَدَّقْتَهُ فِي كَيْلِهِ جَازَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَكَ رُجُوعٌ بِمَا تَدَّعِي مِنْ نَقْصٍ إنْ كَذَّبَكَ إلَّا أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً لَمْ تُفَارِقْكَ مِنْ حِينِ قَبَضْتَهُ حَتَّى وَجَدْتَ فِيهِ النَّقْصَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي وَجَدْتَ بِمَحْضَرِهِمْ نَقْصًا أَوْ زِيَادَةً كَنَقْصِ الْمِكْيَالِ أَوْ زِيَادَتِهِ فَذَلِكَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ رَجَعَ الْبَائِعُ بِمَا زَادَ وَرَجَعْتَ عَلَيْهِ بِمَا نَقَصَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ مَضْمُونًا، وَإِنْ كَانَ بِعَيْنِهِ فَبِحِصَّةِ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْبَائِعُ لَقَدْ أَوْفَاهُ جَمِيعَ مَا سَمَّى إنْ كَانَ اكْتَالَهُ هُوَ. وَإِنْ بَعَثَ بِهِ إلَيْهِ فَلْيَقُلْ فِي يَمِينِهِ لَقَدْ بَعَثْتُهُ عَلَى مَا كَتَبَ إلَيَّ أَوْ قِيلَ لِي فِيهِ مِنْ الْكَيْلِ الَّذِي يَذْكُرُ فِيهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفْتَ أَنْتَ وَرَجَعْتَ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرْتَ، فَإِنْ نَكَلْتَ فَلَا شَيْءَ لَكَ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّمَا يَحْلِفُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ إذَا بَيَّنَ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 486 بَعَثَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَالْمُشْتَرِي يَقُولُ إنَّمَا رَضِيتُ بِأَمَانَتِكَ أَنْتَ وَلَمْ أَظُنَّ أَنَّكَ لَمْ تَقِفْ عَلَى كَيْلِهِ، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ بَعَثَ بِهِ إلَيْهِ حَلَفَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ وَجَدَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَرَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا يَجِبُ لَهُ (ثُمَّ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ الزَّيْدُ الْمَعْرُوفُ وَالنَّقْصُ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا إذَا وَجَدَ ذَلِكَ بِمَحْضَرِهِمْ فَذَلِكَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمَحْضَرِ الْبَيِّنَةِ (وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَكَ إلَّا بِتَصْدِيقٍ أَوْ بَيِّنَةٍ لَمْ تُفَارِقْ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا " لَا رُجُوعَ إنْ كَذَّبَكَ إلَّا أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً لَمْ تُفَارِقْكَ ". (وَحَلَفَ لَقَدْ أَوْفَى مَا سَمَّى) تَقَدَّمَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 487 نَصُّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْبَائِعُ لَقَدْ أَوْفَاهُ جَمِيعَ مَا سَمَّى (إنْ كَانَ اكْتَالَهُ هُوَ أَوْ لَقَدْ بَعَثَهُ عَلَى مَا كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ إنْ عَلِمَ مُشْتَرِيهِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا وَإِنْ بَعَثَ بِهِ إلَيْهِ فَلْيَقُلْ فِي يَمِينِهِ لَقَدْ بَعَثْتُهُ عَلَى مَا كَتَبَ إلَيَّ أَوْ قِيلَ لِي فِيهِ مِنْ الْكَيْلِ الَّذِي يُذْكَرُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ إنَّمَا يَحْلِفُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ إذَا بَيَّنَ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ بَعَثَ بِهِ إلَيْهِ (وَإِلَّا حَلَفْتَ وَرَجَعْتَ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا وَإِنْ نَكَلَ حَلَفْت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 488 أَنْتَ وَرَجَعْتَ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرْتَ. (وَإِنْ أَسْلَمْتَ عَرْضًا فَهَلَكَ بِيَدِكَ فَهُوَ مِنْهُ إنْ أَهْمَلَ أَوْ أَوْدَعَ أَوْ عَلَى الِانْتِفَاعِ وَمِنْكَ إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَوُضِعَ لِلتَّوَثُّقِ وَنُقِضَ السَّلَمُ وَحَلَفْتَ وَإِلَّا خُيِّرَ الْآخَرُ) اُنْظُرْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 489 هَلْ يَتَنَزَّلُ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَسْلَمْتَ إلَى رَجُلٍ عَرْضًا يُغَابُ عَلَيْهِ فِي حِنْطَةٍ إلَى أَجَلٍ فَأَحْرَقَهُ رَجُلٌ بِيَدِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ تَرَكَهُ وَدِيعَةً فِي يَدِكَ بَعْدَ أَنْ دَفَعْتَهُ إلَيْهِ فَهُوَ مِنْهُ وَيَتْبَعُ الْجَانِي بِقِيمَتِهِ وَالسَّلَمُ ثَابِتٌ، وَإِنْ لَمْ تَدْفَعْهُ إلَيْهِ حَتَّى أَحْرَقَهُ رَجُلٌ، فَإِنْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَهُوَ مِنْهُ وَلَهُ اتِّبَاعُ الْجَانِي وَالسَّلَمُ ثَابِتٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ كَانَ مِنْكَ وَانْتَقَضَ السَّلَمُ يَعْنِي وَيَحْلِفُ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ خُيِّرَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ بَيْنَ أَنْ يُغَرِّمَهُ قِيمَتَهُ وَيُثْبِتَ السَّلَمَ أَوْ لَا يُغَرِّمَهُ وَيَفْسَخُ السَّلَمَ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ حَاضِرًا بَيْنَ أَيْدِيهِمَا لَا أَمْكَنَهُ مِنْ أَخْذِهِ وَلَا مَنْعَهُ مِنْهُ وَمَضَى وَتَرَكَهُ، كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْإِيدَاعِ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَيَحْلِفُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ مِنْ الرِّقَابِ وَبَقِيَ الْمَنَافِعُ اسْتَثْنَاهَا مِنْهُ صُدِّقَ، وَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهُ حَتَّى يُشْهِدَ وَهُوَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 490 يُصَدَّقُ اهـ. اُنْظُرْ لَوْ كَانَ الَّذِي تَعَدَّى عَلَيْهِ هُوَ الْبَائِعُ فَأَحْرَقَهُ؛ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ وَالسَّلَمُ بِحَالِهِ وَلَا تَصْلُحُ فِيهِ الْإِقَالَةُ. (وَإِنْ أَسْلَمْتَ حَيَوَانًا أَوْ عَقَارًا فَالسَّلَمُ ثَابِتٌ وَيُتَّبَعُ الْجَانِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ حَيَوَانًا فَقَتَلَهَا رَجُلٌ بِيَدِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَوْ كَانَ دُورًا أَوْ أَرَضِينَ فَعَدَا عَلَيْهَا رَجُلٌ فَهَدَمَ الْبِنَاءَ وَاحْتَفَرَ الْأَرْضَ فَأَفْسَدَهَا، فَلِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ طَلَبُ الْجَانِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 491 وَالسَّلَمُ ثَابِتٌ. (وَأَنْ لَا يَكُونَا طَعَامَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَصْلُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ لَا يَصْلُحُ، كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، كَانَا أَوْ أَحَدُهُمَا مِمَّا يُدَّخَرُ أَوْ لَا يُدَّخَرُ أَوْ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ التَّوَابِلِ وَاللَّحْمَانِ وَالْحِيتَانِ وَجَمِيعُ الْإِدَامِ وَالْأَشْرِبَةِ عَدَا الْمَاءَ إلَّا أَنْ يُقْرِضَ رَجُلٌ طَعَامًا أَوْ إدَامًا فِي مِثْلِهِ إلَى أَجَلٍ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فَتَأْخُذُ مِثْلَهُ فِي كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ وَجِنْسٍ وَصِفَةٍ وَجَوْدَةٍ وَلَا تَبْتَغِي بِذَلِكَ نَفْعَ نَفْسِك فَيَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ بِمَعْنَى التَّبَايُعِ وَإِنْ كَانَ النَّفْعُ فِيهِ لِلْآخِذِ (وَلَا نَقْدَيْنِ) التَّلْقِينُ: لَا يَجُوزُ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٌ بِفِضَّةٍ وَلَا أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 492 نَسَئًا، لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ نَقْدًا وَلَا عَلَى خِلَافِهِ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ سَلَمُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فِي الْفُلُوسِ (وَلَا شَيْءٌ فِي أَكْثَرَ أَوْ أَجْوَدَ كَالْعَكْسِ) ابْنُ عَرَفَةَ. فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا لَا يَجُوزُ سَلَمُ شَيْءٍ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ وَلَا أَقَلَّ مِنْهُ وَلَا أَدْنَى فِي أَجْوَدَ وَلَا عَكْسُهُ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا وَضَمَانٌ بِجُعْلٍ. (إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ) ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا اتَّفَقَ جِنْسُ الْمُسْلَمِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ وَاخْتَلَفَتْ مَنَافِعُهُمَا، فَالْأَصْلُ جَوَازُ السَّلَمِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْمَنَافِعُ قَدْ تَتَبَايَنُ جِدًّا وَقَدْ تَتَقَارَبُ وَقَدْ يُشْكِلُ أَمْرُهَا كَثُرَ الشَّغَبُ فِي هَذَا الْقِسْمِ. (كَفَارِهِ الْحُمُرِ فِي الْأَعْرَابِيَّةِ) ابْنُ عَتَّابٍ: الْحُمُرُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: صِغَارُهَا صِنْفٌ، وَكِبَارُهَا صِنْفَانِ حُمُرُ مِصْرَ الَّتِي لِلرُّكُوبِ صِنْفٌ، وَحُمُرُ الْأَعْرَابِ الَّتِي لِلْخِدْمَةِ صِنْفٌ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ تُسْلَمَ الْحُمُرُ فِي الْبِغَالِ لِتَقَارُبِ مَنَافِعِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ الْحُمُرِ الْأَعْرَابِيَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 493 الَّتِي يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ فِيهَا الْحِمَارُ الْفَارِهُ النَّجِيبُ. (وَسَابِقِ الْخَيْلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُسْلَمُ كِبَارُ الْخَيْلِ فِي صِغَارِهَا وَلَا يُسْلَمُ كِبَارُهَا فِي كَبِيرِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فَرَسًا جَوَادًا لَهُ سَبْقٌ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْلَمَ فِي غَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ مِثْلُهُ فِي جَوْدَتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي سِنِّهِ (لَا كَهِمْلَاجٍ إلَّا كَبِرْذَوْنٍ) الْهِمْلَاجُ السَّيَّارُ. اُنْظُرْ أَوَّلَ السَّلَمِ مِنْ التَّنْبِيهَاتِ. ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُخْرِجُ الْخَيْلَ سُرْعَةُ سَيْرِهَا عَنْ جِنْسِهَا وَإِنْ تَفَاوَتَتْ بِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا السَّبْقُ إلَّا الْبَرَاذِينَ الَّتِي لَا جَرْيَ فِيهَا وَعُرِفَتْ بِذَلِكَ فَتَكُونُ جِنْسًا. (وَجَمَلٍ كَثِيرِ الْحَمْلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: سَلَمُ كِبَارِ الْإِبِلِ فِي صِغَارِهَا جَائِزٌ، يُرِيدُ صِغَارَهَا الَّتِي لَا يَحْمِلُ فِيهَا وَلَا رُكُوبَ وَلَا يُسْلَمُ كِبَارُهَا فِي كِبَارِهَا إلَّا مَا عُرِفَ فَبَانَ فِي النَّجَابَةِ وَالْحُمُولَةِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْلَمَ فِي حَوَاشِي الْإِبِلِ (وَإِنْ كَانَتْ فِي سِنِّهِ وَصُحِّحَ وَبِسَبْقِهِ) الْمَازِرِيُّ: الْإِبِلُ لَا تُرَادُ لِلسِّبَاقِ فَيُعْتَبَرُ التَّبَايُنُ فِيهَا مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَبِعَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَهُوَ خِلَافُ نَقْلِ اللَّخْمِيِّ (وَبِقُوَّةِ الْبَقَرَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تُسْلَمُ الْبَقَرَةُ الْفَارِهَةُ الْقَوِيَّةُ عَلَى الْحَرْثِ فِي حَوَاشِي الْبَقَرِ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ أَسْنَانِهَا (وَلَوْ أُنْثَى) ابْنُ بَشِيرٍ: أَمَّا الذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ فَلَا يَخْتَلِفُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ الْغَيْرِ النَّاطِقِ. الْبَاجِيُّ: يُعْتَبَرُ الْقُوَّةُ عَلَى الْحَرْثِ فِي ذَكَرِ الْبَقَرِ اتِّفَاقًا وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْإِنَاثِ. وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا كَثْرَةُ اللَّبَنِ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ سَلَمُ الْبَقَرَةِ الْكَثِيرَةِ اللَّبَنِ وَإِنْ كَانَتْ قَوِيَّةً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 494 عَلَى الْحَرْثِ فِي ثَوْرٍ قَوِيٍّ عَلَى الْحَرْثِ. (وَبِكَثْرَةِ لَبَنِ الشَّاةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْغَنَمُ لَا يُسْلَمُ ضَأْنُهَا فِي مِعْزَاهَا وَلَا الْعَكْسُ إلَّا غَنَمًا غَزِيرَةَ اللَّبَنِ مَوْصُوفَةً بِالْكَرَمِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُسْلَمَ فِي حَوَاشِي الْغَنَمِ. اللَّخْمِيِّ: وَذُكُورُ الْغَنَمِ وَإِنَاثُهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ (وَظَاهِرُهَا عُمُومُ الضَّأْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْغَنَمُ لَا يُسْلَمُ ضَأْنُهَا فِي مَعْزَاهَا وَلَا عَكْسُهُ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا كُلَّهَا اللَّحْمُ إلَّا شَاةً غَزِيرَةَ اللَّبَنِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الضَّأْنَ كَالْمَعْزِ سَوَاءٌ فِي اعْتِبَارِ غَزِرِ اللَّبَنِ (وَصُحِّحَ خِلَافُهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الضَّأْنُ بِخِلَافِ الْمَعْزِ عَلَى الْأَصَحِّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 495 (وَكَصَغِيرَيْنِ فِي كَبِيرٍ وَعَكْسِهِ) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: لَا خَيْرَ فِي صَغِيرٍ بِكَبِيرٍ لِأَجَلٍ مِنْ صِنْفِهِ مِنْ الْبَهَائِمِ وَلَا عَكْسُهُ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ أَوْ بِضَمَانٍ، وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ إنْ كَانَ صَغِيرَانِ بِكَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٌ بِكَبِيرَيْنِ أَوْ كَبِيرَانِ بِصَغِيرَيْنِ لِخُرُوجِهِمَا مِنْ تُهْمَةِ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ وَتُهْمَةِ الضَّمَانِ. ابْنُ رُشْدٍ: سَكَتَ عَنْ صَغِيرٍ فِي كَبِيرَيْنِ وَإِرَادَتُهُ إجَازَتُهُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي رَسْمِ بَاعَ وَمِثْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. عِيَاضٌ: ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَبِيرٌ فِي كَبِيرٍ وَلَا جَيِّدٌ فِي رَدِيءٍ حَتَّى يَخْتَلِفَ الْعَدَدُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، رَأَى الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ صِنْفَيْنِ سِوَى بَنِي آدَمَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَوْ صَغِيرٍ فِي كَبِيرٍ وَعَكْسِهِ إنْ لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْمُزَابَنَةِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَجُوزُ سَلَمُ كَبِيرٍ فِي صَغِيرٍ وَصَغِيرٍ فِي كَبِيرٍ عَلَى الْأَصَحِّ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُونَ الْمُدَّةُ تُفْضِي إلَى الْمُزَابَنَةِ بِخِلَافِ صَغِيرِ الْآدَمِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ (وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى خِلَافِهِ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. (كَالْآدَمِيِّ) الشَّيْخُ: الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ صِنْفٌ صِغَارُهَا وَكِبَارُهَا إلَّا ذَا النَّفَادِ وَالتِّجَارَةِ. وَسَمِعَ ابْنِ الْقَاسِمِ: جَوَازُ سَلَمِ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ التَّاجِرِ فِي الصَّغِيرِ. اللَّخْمِيِّ: وَيُسْلَمُ الْكَبِيرُ مِنْ الْوَخْشِ الَّذِي لَا يُرَادُ إلَّا لِلْخِدْمَةِ فِي صَغِيرٍ يُرَادُ لِلتَّجْرِ إنْ كَبِرَ أَوْ لِلصَّنْعَةِ. الْبَاجِيُّ: فِي الْوَاضِحَةِ صَغِيرُ الرَّقِيقِ وَكَبِيرُهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّهُمَا جِنْسَانِ (وَالْغَنَم) ابْنُ مُحْرِزٍ: الصِّغَارُ وَالْكِبَارُ يَخْتَلِفَانِ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ إلَّا فِي الْغَنَمِ لِأَنَّ غَالِبَ الْمُرَادِ مِنْهَا اللَّحْمُ. عِيَاضٌ: لَا تَفْتَرِقُ الْغَنَمُ إلَّا بِغَزِرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 496 اللَّبَنِ. (وَكَجِذْعٍ طَوِيلٍ غَلِيظٍ فِي غَيْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْخَشَبُ لَا يُسْلَمُ مِنْهَا جِذْعٌ فِي جِذْعَيْنِ مِثْلِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ اخْتِلَافُهُمَا كَجِذْعِ نَخْلٍ طَوِيلٍ كَبِيرٍ غِلَظُهُ وَطُولُهُ كَذَا فِي جُذُوعٍ صِغَارٍ لَا تُقَارِبُهُ، فَيَجُوزُ لِأَنَّ هَذَيْنِ نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ (وَكَسَيْفٍ قَاطِعٍ فِي سَيْفَيْنِ دُونَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا خَيْرَ فِي أَنْ يُسْلِفَ سَيْفًا فِي سَيْفَيْنِ دُونَهُ لِتَقَارُبِ الْمَنَافِعِ إلَّا أَنْ يَبْعُدَ مَا بَيْنَهُمَا فِي الْجَوْهَرِ وَالْقَطْعِ كَتَبَاعُدِهِ فِي الرَّقِيقِ وَالثِّيَابِ فَيَجُوزُ. (وَكَالْجِنْسَيْنِ وَلَوْ تَقَارَبَتْ الْمَنْفَعَةُ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَحَكَى الْبَاجِيُّ قَوْلَيْنِ عَوَّلَ فِيهِمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي سَلَمِ الْبِغَالِ فِي الْحَمِيرِ. وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي هَذَا خِلَافٌ فِي شَهَادَةِ هَلْ الْمَنْفَعَةُ مُتَبَايِنَةٌ جِدًّا أَوْ مُتَقَارِبَةٌ (كَرَقِيقِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ) ابْنُ يُونُسَ: جَائِزٌ أَنْ يُسْلَمَ رَقِيقُ الْقُطْنِ فِي رَقِيقِ الْكَتَّانِ لِأَنَّهُمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 497 صِنْفَانِ مِثْلَ الْمَرْوِيِّ فِي الْفَرْقِيِّ (لَا جَمَلٍ فِي جَمَلَيْنِ مِثْلِهِ عُجِّلَ أَحَدُهُمَا) الْمَازِرِيُّ: فِي جَمَلٍ بِجَمَلَيْنِ مِثْلِهِ أَحَدُهُمَا نَقْدٌ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ رِوَايَتَانِ: الْجَوَازُ وَالْكَرَاهَةُ. وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالْجَوَازِ اهـ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ. ابْنُ بَشِيرٍ: جَرَتْ فِي مَسْأَلَةِ الْجَمَلَيْنِ مُنَاظَرَةٌ بَيْنَ الْمُغِيرَةِ وَأَشْهَبَ، فَالْتَزَمَ أَشْهَبُ الْجَوَازَ فَأَلْزَمَهُ الْمُغِيرَةَ فِي ذَلِكَ دِينَارَيْنِ فَالْتَزَمَهُ. وَقَدْ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ بَابَ الرِّبَا أَضْيَقُ مِنْ غَيْرِهِ لَا سِيَّمَا وَالشَّافِعِيُّ يُجِيزُ الزِّيَادَةَ فِي سَلَمِ الْعُرُوضِ لِأَجَلٍ اهـ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَكَطَيْرٍ عُلِّمَ لَا بِالْبَيْضِ) الْمُتَيْطِيُّ: لَا يَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ دَجَاجَةٌ بَيُوضٌ فِي اثْنَيْنِ لَيْسَتَا مِثْلَهَا فِي كَثْرَةِ الْبَيْضِ، وَكَذَلِكَ الْإِوَزُّ. قَالَ مَالِكٌ: وَالدِّيكُ وَالدَّجَاجُ صِنْفٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْحَمَامُ صِنْفٌ وَأَمَّا مَا لَا يُقْتَنَى مِنْ الطَّيْرِ كَالْحَجَلِ وَالْيَمَامِ فَهُوَ كَاللَّحْمِ لَا يُبَاعُ بِإِوَزٍّ أَوْ دَجَاجٍ أَوْ حَمَامٍ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الدَّجَاجُ وَالْإِوَزُّ جِنْسَانِ، وَظَاهِرُ نَقْلِ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ (وَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ الذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ لَا يَخْتَلِفُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ غَيْرِ النَّاطِقِ (وَلَوْ آدَمِيًّا) اللَّخْمِيِّ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ مِنْ الْآدَمِيِّينَ صِنْفٌ وَاحِدٌ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْعِتْقِ يَكُونَانِ صِنْفَيْنِ، وَقَوْلُ مَالِكٍ أَحْسَنُ لِاخْتِلَافِ خِدْمَةِ النَّوْعَيْنِ: خِدْمَةُ الذُّكُورِ خَارِجَ الْبَيْتِ وَخِدْمَةُ الْإِنَاثِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ. (وَغَزْلٍ) اللَّخْمِيِّ: الْعَبِيدُ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَتَنْقُلُهُمْ الصَّنْعَةُ فَيُسْلِمُ التَّاجِرُ فِي الصَّانِعِ وَلَا يُسْلِمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِيمَا يُرَادُ مِنْهُ الْخِدْمَةُ خَاصَّةً وَهُوَ كَإِسْلَامِ الْجَيِّدِ فِي الرَّدِيءِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ بِفَرَاهَةٍ أَوْ جَمَالٍ فَتَدْخُلُهُ الْمُبَايَعَةُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ التَّاجِرُ وَالصَّانِعُ فِي عَدَدٍ يُرَادُ مِنْهُمْ الْخِدْمَةُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالرَّقْمُ صَنْعَةٌ وَلَيْسَ الْغَزْلُ وَلَا عَمَلُ الطِّيبِ صَنْعَةً وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا يَغْزِلْنَ، يُرِيدُ مَا لَمْ تَبِنْ بِذَلِكَ وَيَكُونُ بِذَلِكَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا وَلِمِثْلِهِ تُرَادُ (وَطَبْخٍ) اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ وَالطَّبْخُ وَالْخُبْزُ صَنْعَةٌ. اهـ نَقَلَهُ (وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ النِّهَايَةَ) تَقَدَّمَ هَذَا الشَّرْطُ لِلَّخْمِيِّ فِي الْغَزْلِ وَلَمْ يَقُلْهُ فِي الطَّبْخِ، وَسَوَّى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 498 خَلِيلٌ بَيْنَ الْغَزْلِ وَالطَّبْخِ وَقَيَّدَهُمَا بِذَلِكَ الشَّرْطِ مُتَّبِعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَقَدْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ عَرَفَةَ (وَحِسَابٍ وَكِتَابَةٍ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي الْحِسَابِ وَالْكِتَابَةِ. ابْنُ مُحْرِزٍ: أَلْغَاهُمَا بَعْضُ الْمُذَاكِرِينَ لِأَنَّهُمَا عِلْمٌ فَقَطْ لَا صِنَاعَةٌ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالتَّجْرِ فَإِنَّهُ عِلْمٌ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ اتِّفَاقًا. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَالشَّيْءُ فِي مِثْلِهِ قَرْضٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَسْلَمْت جِذْعًا فِي مِثْلِهِ صِفَةً وَجِنْسًا فَهُوَ قَرْضٌ إنْ ابْتَغَيْت بِهِ نَفْعَ الَّذِي أَقْرَضْته، وَإِنْ ابْتَغَيْت بِهِ نَفْعَ نَفْسِك رُدَّ السَّلَفُ. (وَأَنْ يُؤَجَّلَ بِمَعْلُومٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ السَّلَمِ بِكَوْنِهِ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ مَعْرُوفٍ الْمَذْهَبُ (زَائِدٍ عَلَى نِصْفِ شَهْرٍ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " زَائِدٍ وَحَصَلَ ". ابْنُ عَرَفَةَ: فِي حَدِّ أَقَلِّهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ لِرَجُلٍ أَنْ يَبِيعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ بِعَيْنٍ وَلَا بِعَرْضٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهِ الْأَسْوَاقُ، وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ حَدًّا وَأَرَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَقَلَّ ذَلِكَ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ، فَأَمَّا إنْ أَسْلَمَ فِي بَلَدٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ بِبَلَدٍ آخَرَ إنْ كَانَتْ مَسَافَتُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. ابْنُ حَبِيبٍ: أَوْ يَوْمَيْنِ لِاخْتِلَافِ سِعْرَيْهِمَا فَصَارَ كَبَعْدِ الْأَجَلِ فِي الْأَجَلِ الْوَاحِدِ إلَّا مَا أَجَازَهُ النَّاسُ مِنْ شِرَاءِ مَا فِي الْأَسْوَاقِ مِنْ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ بِسِعْرٍ وَصِفَةٍ مَعْلُومَيْنِ، وَيُسَمِّي مَا يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ وَيَشْرَعُ فِي الْأَخْذِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الثَّمَنُ فَقَدْ اسْتَخْفَوْهُ. وَمِنْ نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: يَجُوزُ السَّلَمُ الْحَالُّ لِأَرْبَابِ الْحِرَفِ وَيُؤْخَذُ مِنْ التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ، وَسَوَاءٌ قَدَّمَ النَّقْدَ أَوْ أَخَّرَهُ. وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْأَخْذِ وَأَنْ يَكُونَ أَصْلُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 499 وَيَنْفَسِخُ هَذَا السَّلَمُ بِمَوْتِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ فَلَسِهِ وَيَأْخُذُ بَقِيَّةَ رَأْسِ مَالِهِ فِي الْمَوْتِ وَالْمَرَضِ وَيُحَاصُّ بِذَلِكَ فِي الْفَلَسِ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاجَعَةِ ثَالِثِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَالشِّرَاءُ مِنْ دَائِمِ الْعَمَلِ وَأَنَّ الْمُغَارَسَةَ إنْ كَانَتْ عَلَى أَنَّ الْغُرُوسَ عِنْدَ الْغَارِسِ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا دَخَلَ فِي مَسْأَلَةِ الْبِنَاءِ عَلَى أَنَّ الْآجُرَّ وَالْجَصَّ مِنْ عِنْدِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ أَجَلٍ اهـ. اُنْظُرْ إذَا أَعْطَى ثَوْبَهُ لِمَنْ يُرَقِّعُهُ وَخُفَّهُ لِمَنْ يُنَعِّلُهُ وَالرِّقَاعُ وَالنَّعْلُ مِنْ عِنْدِ الْخَيَّاطِ وَالْخَرَّازِ قَالَ الْقَبَّابُ: إنْ كَانَ الصَّانِعُ لَا يَعْدَمُ الرِّقَاعَ وَالْجُلُودَ فَيَجُوزُ كَمَا أَجَازَ مَالِكٌ السَّلَمَ فِي اللَّحْمِ لِمَنْ شَأْنُهُ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يُضْرَبْ أَجَلُ السَّلَمِ، وَانْظُرْ أَيْضًا مِمَّا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُذَاكِرِينَ مَنْعُهُ وَالنَّاسُ لَا يَنْفَكُّونَ عَنْهُ أَنْ يَدْفَعَ ذَهَبًا صَقَلِّيًّا لِحَرَارِيرَ فِيهِ لَهُ عَلَى طَرَفَيْ فُرْجَةٍ وَالْحَرِيرُ مِنْ عِنْدِ الْحَرَّارِ، وَكَذَلِكَ التَّفَافِيحُ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ يَنْظِمُهَا لَهُ فِي شَرَابَةِ حَرِيرٍ وَالْحَرِيرُ مِنْ عِنْدِ الصَّانِعِ. اُنْظُرْ مَنْعَ هَذَا مَعَ مَا يَقْتَضِيهِ مَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ حَيْثُ فَرَضُوا فِي الصَّبَّاغِ يَجْعَلُ الصَّبْغَ مِنْ عِنْدِهِ، وَالصَّيْقَلِ يَجْعَلُ حَوَائِجَ السُّيُوفِ مِنْ عِنْدِهِ، وَالْغَارِسِ يُعْطِي الْغُرُوسَ كَالْبِنَاءِ يَجْعَلُ الْآجُرَّ مِنْ عِنْدِهِ، وَانْظُرْ أَيْضًا مَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ تُعْطِيَهُ فَصًّا تَقُولُ لَهُ اعْمَلْ عَلَيْهِ خَاتَمًا بِفِضَّةٍ مِنْ عِنْدِك حَتَّى أُعْطِيَكهَا مَعًا أُجْرَتَك قَالَ: وَأَخَاف أَنْ يَكُونَ فِضَّةً بِفِضَّةٍ وَزِيَادَةٍ اهـ. فَانْظُرْ هَذَا إنَّمَا مَنَعَهُ الْإِمَامُ مِنْ قِبَلِ الرِّبَا (كَالنَّيْرُوزِ) ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ لِلنَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَفَصْحِ النَّصَارَى وَصَوْمِهِمْ وَالْمِيلَادِ وَقْتٌ مَعْرُوفٌ فَالْبَيْعُ إلَيْهِ جَائِزٌ. قَالَ: وَخُرُوجُ الْحَاجِّ أَجَلٌ مَعْرُوفٌ إذَا تَبَايَعَا إلَيْهِ. الْبَاجِيُّ: وَكَذَا إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ وَفَصْحِ النَّصَارَى وَفِطْرِهِمْ مِنْ صَوْمِهِمْ. (وَالْحَصَادِ وَالدِّرَاسِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِالْبَيْعِ إلَى الْحَصَادِ أَوْ الْجِدَادِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْبَاجِيِّ فِي قُدُومِ الْحَاجِّ (وَاعْتُبِرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 500 مِيقَاتُ مُعْظَمِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا حَلَّ جَدُّ الْحَصَادِ فَمُعْظَمُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَصَادٌ فِي سَنَتِهِمْ فَقَدْ بَلَغَ الْأَجَلُ مَحَلَّهُ (إلَّا أَنْ يُقْبَضَ بِبَلَدٍ كَيَوْمَيْنِ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " كَالنَّيْرُوزِ " (إنْ خَرَجَ حِينَئِذٍ بِبَرٍّ أَوْ بِغَيْرِ رِيحٍ) ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: إنْ شَرَطَ أَنْ يَقْبِضَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَضْرِبَ أَجَلًا وَيَشْتَرِطَ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ حَالًا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجَلِ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا أَحْسَنُ مِمَّا ذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ: وَهَذَا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ فِي الْبَرِّ، فَأَمَّا إنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ فَلَا يَجُوزُ هَذَا لِأَنَّ السَّيْرَ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَعْرُوفٌ (وَالْأَشْهُرُ بِالْأَهِلَّةِ وَتُمِّمَ الْمُنْكَسِرُ مِنْ الرَّابِعِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ حُسِبَتْ بِالْأَهِلَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ انْكَسَرَ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ فَيَكْمُلُ ثَلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ الرَّابِعِ (وَإِلَى رَبِيعٍ حَلَّ بِأَوَّلِهِ) الْبَاجِيُّ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 501 إنْ قَالَ إلَى شَهْرِ كَذَا حَلَّ بِأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ (وَفَسَدَ فِيهِ) ابْن زَرْقُونٍ: إنْ قَالَ يُوفِيهِ فِي شَهْرِ كَذَا فَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ: هُوَ أَجَلٌ مَجْهُولٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ أَجَلٌ مَعْلُومٌ وَيَكُونُ مَحَلُّ الْأَجَلِ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ أَوْ فِي وَسَطِ السَّنَةِ إنْ قَالَ فِي سَنَةِ كَذَا (عَلَى الْمَقُولِ إلَّا فِي الْيَوْمِ) اُنْظُرْهُ أَنْتَ. (وَأَنْ يُضْبَطَ بِعَادَتِهِ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ شُرُوطِ السَّلَمِ عِلْمُ قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِمِعْيَارِهِ الْعَادِي. الْبَاجِيُّ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ إلَّا مُقَدَّرًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ أَوْ بِالذِّرَاعِ فِي الثِّيَابِ، وَأَمَّا الصُّوفُ فَيَتَقَرَّرُ بِالْوَزْنِ دُونَ عَدَدِ الْجَذِّ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْبَيْضُ لَا يَتَقَرَّرُ إلَّا بِالْعَدَدِ (كَالرُّمَّانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الرُّمَّانِ عَدَدًا إذَا وُصِفَ قَدْرُ الرُّمَّانِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ التُّفَّاحُ وَالسَّفَرْجَلُ إذَا كَانَ يُحَاطُ بِمَعْرِفَتِهِ، وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوْزِ عَلَى الْعَدَدِ وَالصِّفَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَوْ عَلَى الْكَيْلِ إذَا عُرِفَ. ابْنُ يُونُسَ: الْعُرْفُ فِي بَلَدِنَا فِي الْجَوْزِ الْكَيْلُ فَالسَّلَمُ فِيهِ عَلَى الْعَدَدِ خَطَرٌ إلَّا فِيمَا قَلَّ. قَالَ مَالِكٌ: وَيَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ عَلَى النَّقْدِ جُزَافًا لِأَنَّهُ مَرْئِيٌّ وَكَذَلِكَ الْبَيْضُ وَمَا يَكْثُرُ عَدَدُهُ (وَقِيسَ بِخَيْطٍ) أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: وَتُقَاسُ الرُّمَّانَةُ بِخَيْطٍ وَيَضَعَانِهِ عِنْدَ أَمِينٍ (وَالْبَيْضِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُسْلَمُ فِي الْبَيْضِ إلَّا عَدَدًا بِصِفَةٍ وَهُوَ الْعُرْفُ فِيهِ (أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 503 بِحَمْلٍ أَوْ جُرْزَةٍ فِي كَقَصِيلٍ إلَّا بِفَدَّانٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الْقَصِيلِ وَالْبُقُولِ إذَا اُشْتُرِطَ جُرُزًا أَوْ حُزَمًا أَوْ أَحْمَالًا مَعْرُوفَةً، وَالسَّلَمُ فِي ذَلِكَ فِي إبَّانِهِ. وَكَذَا الْقَضْبُ وَالْقُرْطُ الْأَخْضَرُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَدَّادِينَ مَعْرُوفَةً أَوْ أَحْمَالًا مَعْرُوفَةً، وَالسَّلَمُ فِي ذَلِكَ فِي إبَّانِهِ. وَكَذَلِكَ الْقَضْبُ بِصِفَةِ طُولٍ أَوْ عَرْضٍ وَلَا يَكُونُ السَّلَمُ فِي هَذَا إلَّا عَلَى الْأَحْمَالِ وَالْحُزَمِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ لَوْ سَلِمَ فِي الْقَصِيلِ فَدَّادِينَ لَا فَدَّانَ يَجِدُّهُ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى السَّلَمِ فِي فَدَّانٍ بِعَيْنِهِ. عِيَاضٌ: رَوَى جُزُرًا وَجُرُزًا وَهِيَ الْقَبْضُ. (أَوْ بِتَحَرٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُشْتَرَطُ إذَا أَسْلَمَ فِي اللَّحْمِ وَزْنًا مَعْرُوفًا وَإِنْ اشْتَرَطَ تَحَرِّيًا مَعْرُوفًا جَازَ إذَا كَانَ لِذَلِكَ قَدْرٌ قَدْ عَرَفُوهُ لِجَوَازِ بَيْعِ اللَّحْمِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَالْخُبْزِ بِالْخُبْزِ تَحَرِّيًا اهـ. اُنْظُرْ إعْطَاءَ جَازِرٍ دِرْهَمًا عَلَى سِقْطٍ أَجَبْت بِجَوَازِهِ لِأَنَّهُ تَحَرٍّ مَعْرُوفٌ (وَهَلْ بِقَدْرِ كَذَا أَوْ يَأْتِي بِهِ وَيَقُولُ كَنَحْوِهِ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ يُونُسَ: مَعْنَى إنْ اشْتَرَطَ تَحَرِّيًا أَنْ يَقُولَ آخُذُ مِنْك مَا إذَا تَحَرَّى كَانَ فِي وَزْنِهِ رِطْلٌ أَوْ رِطْلَانِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فِيمَا يُقَالُ وَيُسْتَطَاعُ تَحَرِّيهِ. ابْنُ زَرْبٍ: مَعْنَاهُ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ قَدْرًا فَيَقُولَ: آخُذُ مِنْك قَدْرَ هَذَا. (وَفَسَدَ بِمَجْهُولٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَنَقَدَ وَشَرَطَ قَبْضَهُ بِمِكْيَالٍ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ بِقَصْعَةٍ أَوْ بِقَدَحٍ فَالسَّلَمُ فَاسِدٌ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا وَشَرَطَ قَبْضَهُ بِقَدَحٍ أَوْ قَصْعَةٍ لَيْسَ بِمِكْيَالِ النَّاسِ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. فَكَذَلِكَ السَّلَمُ فِيهِ أَوْ أَشَدَّ (وَإِنْ نَسَبَهُ أُلْغِيَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ عَيَّنَ مِكْيَالًا مَجْهُولًا فَسَدَ وَإِنْ عَلِمْت نِسْبَتَهُ كَانَ لَغْوًا (وَجَازَ بِذِرَاعِ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ) فِي سَلَمِهَا الثَّانِي مَنْ أَسْلَمَ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 504 ثِيَابٍ مَوْصُوفَةٍ بِذِرَاعِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ إلَى أَجَلٍ جَازَ إذَا أَرَاهُ الذِّرَاعَ وَلْيَأْخُذْ قِيَاسَ الذِّرَاعِ عِنْدهمَا فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَهُ بِذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي جَعَلَ ذِرَاعًا لَتَبَايَعَ النَّاسُ، فَإِنْ نَصَّبَهُ وَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ وَلَمْ يَجُزْ اشْتِرَاطُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَرْكُ الْمِكْيَالِ الْمَعْرُوفِ لِمِكْيَالٍ مَجْهُولٍ (كَوَيْبَةٍ وَحَفْنَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْوَيْبَةِ وَحَفْنَةٍ إنْ أَرَاهُ الْحَفْنَةَ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ، فَأَرَى الذِّرَاعَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ. الْجَوْهَرِيُّ: الْحَفْنَةُ مِلْءُ الْكَفَّيْنِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: الْحَفْنَةُ مِلْءُ يَدٍ وَاحِدَةٍ. وَفِي الْمُحْكَمِ: الْوَيْبَةُ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ. (وَفِي الْوَيْبَاتِ وَالْحَفَنَاتِ قَوْلَانِ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: لَوْ اشْتَرَى وَيْبَاتٍ وَشَرَطَ لِكُلِّ وَيْبَةٍ حَفْنَةً وَاحِدَةً لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ. عِيَاضٌ: هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ. (وَأَنْ تُبَيَّنَ صِفَاتُهُ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا الْقِيمَةُ فِي السَّلَمِ عَادَةً) ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ شَرْطِ السَّلَمِ وَصْفُهُ بِمَا يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ مَا لَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَغْرَاضُ بِمُعْتَبَرٍ عَادَةً فَمَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَغْرَاضُ لَا عَادَةً لَغْوٌ (كَالنَّوْعِ) ابْنُ بَشِيرٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَذْكُرَ فِي السَّلَمِ مِنْ الصِّفَاتِ الْخَاصَّةِ يُؤَدِّي إلَى إعْوَازِ الْوُجُودِ، وَإِنَّمَا تُذْكَرُ صِفَاتٌ يَخْتَلِفُ بِهَا ذَلِكَ الصِّنْفُ فِي الْغَرَضِ وَالثَّمَنِ وَيَعُمُّ كَثِيرًا مِنْهُ عُمُومًا يُمْكِنُ مَعَهُ كَثْرَةُ الْوُجُودِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي السَّلَمِ عَلَى الْمِثَالِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ أُسْلِمُ لَك عَلَى مِثَالٍ يُرِيهِ إيَّاهُ فَقِيلَ: يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ ذِكْرُ الصِّفَاتِ، وَقِيلَ: يُمْنَعُ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْمِثَالِ تُفِيدُ الْمُنَاسِبَ فِي الصِّفَاتِ الْخَاصَّةِ فَيُؤَدِّي إلَى إعْوَازِ الْوُجُودِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مِثَالًا فِي حَالٍّ، إنْ قَصَدَ بِالْمِثَالِ الْمُشَابَهَةَ فِي الصِّفَاتِ الْعَامَّةِ جَازَ لِأَنَّهُ كَذِكْرِ الصِّفَةِ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْمُشَابَهَةَ فِي كُلِّ الصِّفَاتِ مُنِعَ فَيَذْكُرُ فِي الْحَيَوَانِ السِّنَّ وَالنَّوْعَ وَالذُّكُورِيَّةَ وَالْأُنُوثِيَّةَ، وَكَذَا يَذْكُرُ إنْ أَسْلَمَ فِي لَحْمٍ. وَفِي رِوَايَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ: لَا يَذْكُرُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ اخْتَلَفَ الْغَرَضُ وَالثَّمَنُ فِي ذَلِكَ فَلْيَذْكُرْهُ وَهَذَا تَفْسِيرٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْغَرَضُ بِالنَّاحِيَةِ ذَكَرَهَا، وَكَذَلِكَ السَّلَمُ فِي الْحِيتَانِ يَذْكُرُ نَوْعَهُ وَمِقْدَارَهُ. قَالَ فِي الرِّوَايَةِ: وَنَاحِيَةً. يُرِيدُ الْمَكَانَ الَّذِي يُصَادُ فِيهِ. وَهَذَا إنْ اخْتَلَفَ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ وَيَذْكُرُ فِي الثِّيَابِ النَّوْعَ وَالْغِلَظَ وَالصَّفَاقَةَ. قَالَ الْمُتَقَدِّمُونَ: وَلَا يَذْكُرُ ذَلِكَ فِي ثِيَابِ الْحَرِيرِ. وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ: يَذْكُرُهُ وَلَا يَرْجِعُ هَذَا إلَى خِلَافٍ، وَحَظُّ الْمُفْتِي فِي هَذَا أَنْ يُحِيلَ عَلَى الثِّقَاتِ الْعَارِفِينَ بِالْعَوَائِدِ، فَمَا حَكَمُوا فِيهِ أَنَّ الْأَثْمَانَ وَالْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ فِيهِ وَهُوَ يَعُمُّ وَلَا يُخَصُّ وَجَبَ ذِكْرُهُ. (وَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَبَيْنَهُمَا) الْبَاجِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ وَصْفِ الطَّعَامِ بِجَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ أَوْ وَسَطٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 505 (وَاللَّوْنِ فِي الْحَيَوَانِ) ابْنُ فَتُّوحٍ وَغَيْرُهُ: يَصِفُ الرَّقِيقَ بِاللَّوْنِ وَلَوْنِ الشَّعْرِ. الْمُتَيْطِيُّ: وَيُكْتَبُ فِي ذَلِكَ سَلَمٌ فِي صَبِيٍّ رُومِيٍّ سَنَةَ كَذَا، أَصْهَبَ الشَّعْرِ، أَسْبَطَ، أَبْلَجَ الْحَاجِبَيْنِ، أَشَمَّ. وَفِي الْجَارِيَةِ بِنْتُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَنَحْوِهَا سَوْدَاءُ الشَّعْرِ، سَبْطَةٌ مَقْرُونَةُ الْحَاجِبَيْنِ، كَحْلَاءُ، شَمَّاءُ، صَغِيرَةُ الْفَمِ، مُمْتَلِئَةُ الْجِسْمِ، حَسَنَةُ الْقَدِّ. قَالَ: وَتُجْلَبُ مِنْ الصِّفَاتِ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ اهـ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ بَشِيرٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَالنَّوْعِ " (وَالثَّوْبِ) . الْمُتَيْطِيُّ: لَا يُعْرَفُ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ جَيِّدٌ وَذِكْرُ الصِّفَةِ عِنْدَهُمْ تُجْزِئُ وَيُكْتَبُ طُولُهُ كَذَا، وَعَرْضُهُ كَذَا، أَحْمَرُ قِرْمِزٌ نِهَايَةٌ فِي الرِّقَّةِ وَالصَّفَاقَةِ. وَإِنْ ذَكَرْت الْوَزْنَ مَعَ ذَلِكَ فِي ثِيَابِ الْحَرِيرِ كَانَ حَسَنًا وَإِلَّا فَالصَّفَاقَةُ تَكْفِي. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ شَرَطَ فِي سَلَمٍ فِي ثَوْبٍ حَرِيرٍ طُولَهُ وَعَرْضَهُ دُونَ وَزْنِهِ جَازَ إنْ وَصَفَ صَفَاقَتَهُ وَخِفَّتَهُ. ابْنُ يُونُسَ: أَنْكَرَ سَحْنُونَ قَوْلَهُ: " جَازَ ". ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَذْكُرْ مُوجِبَ إنْكَارِهِ فَلَعَلَّهُ عَدَمُ شَرْطِ وَزْنِهِ، وَالصَّوَابُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بَلْ شَرْطُ وَزْنِهِ مَعَ صِفَةِ مَا شَرَطَ مِنْ صَفَاقَةٍ وَخِفَّةٍ مُتَنَافٍ وَالنَّوَازِلُ تَشْهَدُ لِهَذَا. وَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ: حَرَامٌ شِرَاءُ الْجُلُودِ وَزْنًا وَلَوْ أَجَزْته لَأَجَزْت بَيْعَ الثِّيَابِ بِالْوَزْنِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا بَيِّنٌ اهـ. اُنْظُرْ الْعَمَلَ الْيَوْمَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ النَّاسِ بِالْوَزْنِ كَمَا اسْتَحْسَنَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَفُهِمَ مِنْ سَحْنُونٍ، فَيَبْقَى النَّظَرُ فِي الثَّوْبِ عِنْدَ الِاقْتِضَاءِ لَا بُدَّ أَنْ يَزِيدَ الْوَزْنُ أَوْ يَنْقُصَ، فَانْظُرْ مَاذَا يَكُونُ الْحُكْمُ. وَسَيَأْتِي لِلَّخْمِيِّ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبٍ ثُمَّ زَادَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ دَرَاهِمَ لِيُعْطِيَهُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَصْفَى أَوْ أَرَقَّ أَوْ أَعْرَضَ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَكَانَ هَذَا الثَّانِي حَاضِرًا، فَعَلَى هَذَا إذَا وَجَدَ زِيَادَةً فِي الزِّنَةِ أَعْطَاهُ ثَمَنَهَا وَصَحَّ الْبَيْعُ. وَأَمَّا إنْ وَجَدَهُ أَنْقَصَ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ أَخَذَ بَعْدَ الْأَجَلِ مِنْ السَّلَمِ أَدْنَى صِفَةً وَاسْتَرْجَعَ شَيْئًا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ جَازَ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ أَوْ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ وَدَخَلَهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَلَمْ يُتَّهَمْ. ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي بَيْعٍ وَسَلَفٍ إذَا كَانَ الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ اهـ. فَانْظُرْ عَلَى هَذَا مِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا أَتَاهُ بِالثَّوْبِ عَلَى صِفَتِهِ وَقَدِّهِ وَهُوَ أَنْقَصُ وَزْنًا أَنْ لَا يُتَّهَمَ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ثَمَنَ مَا نَقَصَ، وَإِنْ أَخَذَ بِهِ سِلْعَةً نَقْدًا كَانَ أَجْوَزَ (وَالْعَسَلِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 506 الْمُتَيْطِيُّ: يَصِفُ الْعَسَلَ بِالْبَيَاضِ أَوْ بِالْحُمْرَةِ (وَمَرْعَاهُ) . (وَفِي التَّمْرِ وَالْحُوتِ وَالنَّاحِيَةِ وَالْقَدْرِ) أَمَّا التَّمْرُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَسْلَمَ فِي تَمْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ بِرْنِيًّا مِنْ صَيْحَانِيٍّ وَلَا جِنْسًا مِنْ التَّمْرِ فَالسَّلَمُ فَاسِدٌ، وَأَمَّا ذِكْرُ النَّاحِيَةِ فِي التَّمْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ إنْ اخْتَلَفَ الْغَرَضُ بِالنَّاحِيَةِ ذَكَرْت، وَأَمَّا الْحُوتُ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ يَذْكُرُ فِي الْحُوتِ نَوْعَهُ وَنَاحِيَتَهُ. (وَمِقْدَارِهِ فِي الْبُرِّ وَجِدَّتِهِ) ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَا يُفْتَقَرُ فِي السَّلَمِ فِي الْبُرِّ لِذِكْرِ جَدِيدٍ مِنْ قَدِيمٍ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ لُزُومُ قَبُولِ قَدِيمٍ لِمَنْ شَرَطَ جَدِيدًا. ابْنُ يُونُسَ: هُوَ مُخْتَلِفٌ عِنْدَنَا بِصِقِلِّيَةَ وَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَشْتَرِطَ قَدِيمًا مِنْ جَدِيدٍ (وَمِلْئِهِ) الْمُتَيْطِيُّ: تَصِفُ الشَّعِيرَ بِالْبَيَاضِ وَالِامْتِلَاءِ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْقَمْحِ حَتَّى يَذْكُرَ الْجِنْسَ وَالصِّفَةَ وَيَكْفِي فِيهَا أَنْ يَقُولَ جَيِّدًا أَوْ مُتَوَسِّطًا أَوْ رَدِيئًا وَلَمْ يَذْكُرْ الِامْتِلَاءَ (إنْ اخْتَلَفَ الثَّمَنُ بِهِمَا) أَمَّا هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْجِدَّةِ فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمِلْءِ فَانْظُرْ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ. (وَسَمْرَاءَ بِهِ أَوْ مَحْمُولَةٍ بِبَلَدٍ هُمَا بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَسْلَمَ فِي الْحِجَازِ فِي حِنْطَةٍ حَيْثُ يَجْتَمِعُ السَّمْرَاءُ وَالْمَحْمُولَةُ وَلَمْ يُسَمِّ جِنْسًا، فَالسَّلَمُ فَاسِدٌ حَتَّى يُسَمِّيَ سَمْرَاءَ مِنْ مَحْمُولَةٍ (وَلَوْ بِالْحَمْلِ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَسَوَاءٌ بِبَلَدٍ يَنْبُتُ فِيهِ الصِّنْفَانِ أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 507 يُحْمَلَانِ إلَيْهِ لَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ (بِخِلَافِ مِصْرَ فَالْمَحْمُولَةُ وَالشَّامِ فَالسَّمْرَاءُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ بِمِصْرَ لَمْ يَذْكُرْ جِنْسًا قَضَى بِمَحْمُولَةٍ، وَإِنْ كَانَ بِالشَّامِ قَضَى بِسَمْرَاءَ. (وَنَقِيٍّ أَوْ غَلِثٍ) الْبَاجِيُّ: تَصِفُ الطَّعَامَ بِالنَّقَاءِ وَالْغَلَثِ أَوْ التَّوَسُّطِ، فَإِنْ أَخَلَّ بِذَلِكَ وَذَكَرَ الْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ أَوْ التَّوَسُّطَ لَمْ يَبْطُلْ السَّلَمُ (وَفِي الْحَيَوَان وَسِنِّهِ وَالذُّكُورَةِ وَالسِّمَنِ وَضِدَّيْهِمَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ بَشِيرٍ تَذْكُرُ فِي الْحَيَوَانِ النَّوْعَ وَالسِّنَّ وَالذُّكُورِيَّةَ وَالْأُنُوثِيَّةَ وَلَمْ أَجِدْ لَفْظَ السِّمَنِ. (وَفِي اللَّحْمِ وَخَصِيٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الشَّحْمِ وَاللَّحْمِ إذَا شَرَطَ شَحْمًا مَعْرُوفًا وَلَحْمًا وَالْجِنْسُ مِنْ ضَأْنٍ وَمَعْزٍ. قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَيَحْتَاجُ لِذِكْرِ كَوْنِهِ مِنْ فَخِذٍ أَوْ يَدٍ أَوْ جَنْبٍ، قَالَ: لَا إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ السَّمَانَةَ، وَيَجِبُ ذِكْرُ كَوْنِهِ مِنْ جَذَعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَخَصِيٍّ أَوْ فَحْلٍ. مُحَمَّدٌ: قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ قَضَاهُ مَعَ ذَلِكَ بُطُونًا فَلِمَ يَقْبَلُهَا؟ قَالَ: أَيَكُونُ لَحْمٌ بِلَا بَطْنٍ؟ قِيلَ: مَا قَدْرُهُ؟ قَالَ: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا هَذِهِ أَشْيَاءُ عَرَفَ النَّاسُ وَجْهَهَا (وَرَاعٍ أَوْ مَعْلُوفٍ) ابْنُ شَاسٍ: يَقُولُ فِي اللَّحْمِ رَضِيعٌ أَوْ فَطِيمٌ مَعْلُوفٌ أَوْ رَاعٍ (لَا مِنْ كَجَنْبٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 508 (وَفِي الرَّقِيقِ وَالْقَدِّ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَذْكُرُ فِي الْحَيَوَانِ النَّوْعَ وَاللَّوْنَ وَالذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ وَالسِّنَّ، وَيُزَادُ فِي الرَّقِيقِ الْقَدُّ وَكَذَا الْخَيْلُ وَالْإِبِلُ وَشِبْهُهَا. (وَالْبَكَارَةِ) ابْنُ شَاسٍ: يَذْكُرُ فِي الْإِمَاءِ الْبَكَارَةَ أَوْ الثُّيُوبَةَ إنْ كَانَ الثَّمَنُ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَاضِحٌ اخْتِلَافُ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ (وَاللَّوْنِ) ابْنُ فَتُّوحٍ وَغَيْرُهُ: يَصِفُ الرَّقِيقَ بِالسِّنِّ وَالْقَدِّ وَاللَّوْنِ (قَالَ وَكَالدَّعَجِ وَتَكَلْثُمِ الْوَجْهِ) الدَّعَجُ شِدَّةُ سَوَادِ الْعَيْنِ مَعَ سَعَتِهَا، وَامْرَأَةٌ مُكَلْثَمَةٌ أَيْ ذَاتُ وَجْنَتَيْنِ، وَالْكَلْثَمَةُ اجْتِمَاعُ لَحْمِ الْوَجْهِ. (وَفِي الثَّوْبِ وَالرِّقَّةِ وَالصَّفَاقَةِ وَضِدَّيْهِمَا) الْبَاجِيُّ: يُذْكَرُ فِي السَّلَمِ فِي الثِّيَابِ اخْتِلَافُ أُصُولِهَا مِنْ حَرِيرٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ، وَتَصِفُ صَفَاقَتَهُ أَوْ خِفَّتَهُ وَرِقَّتَهُ وَجِنْسَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ وَزْنَهُ اهـ. نَصُّ الْبَاجِيِّ (وَفِي الزَّيْتِ الْمُعْصَرِ مِنْهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي لُزُومِ ذِكْرِ جِنْسِ الزَّيْتِ مِنْ الزَّيْتُونِ نَقْلًا الْمُتَيْطِيُّ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي وَثَائِقِهِ: يَفْتَقِرُ لِذِكْرِ جِنْسِ الزَّيْتِ فِي بَلَدٍ لَا يُخْلَطُ فِيهِ أَجْنَاسٌ فِي الْعَصْرِ وَحَيْثُ تُخْلَطُ فَلَا (وَبِمَا يُعْصَرُ بِهِ) ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ سَلِمَ فِي زَيْتٍ فَلْيَصِفْهُ بِزَيْتِ الْمَاءِ أَوْ بِزَيْتِ الْمِعْصَرَةِ (وَحُمِلَ فِي الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَالْوَسَطُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ اشْتَرَطَ فِي الْجَمِيعِ الْجَوْدَةَ أَوْ الدَّنَاءَةَ جَازَ وَحُمِلَ عَلَى الْغَالِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْوَسَطُ. الْبَاجِيُّ: الصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّ مَا دَفَعَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ الصِّفَةُ لَزِمَ قَبْضُهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَيْبٌ مِنْ غَيْرِ الْخِلْقَةِ الْمُعْتَادَةِ. (وَكَوْنُهُ دَيْنًا) الْبَاجِيُّ: لَا خِلَافَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالذِّمَّةِ. ابْنُ بَشِيرٍ: لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالذِّمَّةِ وَكَانَتْ بَيْعَةُ نَقْدٍ فَيَكُونُ بَيْعَ مُعَيَّنٍ يُقْبَضُ إلَى أَجَلٍ إنْ كَانَ ضَمَانُهُ مِنْ بَائِعِهِ يَكُونُ قَدْ أَخَذَ لِلضَّمَانِ ثَمَنًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ مُشْتَرِيهِ لَا يَدْرِي هَلْ يُسْلِمُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 509 إلَى وَقْتِ قَبْضِهِ أَمْ لَا. (وَوُجُودُهُ عِنْدَ حُلُولِهِ) الْبَاجِيُّ: مِنْ شَرْطِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ يُوجَدُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ (وَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا يَنْقَطِعُ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ فِي بَعْضِ السَّنَةِ مِنْ الثِّمَارِ الرَّطْبَةِ وَغَيْرِهَا لَا يُشْتَرَطُ أَخْذُ سَلَمِهِ إلَّا فِي إبَّانِهِ، وَإِنْ شُرِطَ أَخْذُهُ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ شَرْطُ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ. بَعْضُ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ: لَوْ مَاتَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَبْلَ الْإِبَّانِ وَقَسْمُ التَّرِكَةِ إلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: إلَّا إنْ قَلَّ السَّلَمُ وَكَثُرَتْ التَّرِكَةُ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ فَقَالَ هَاهُنَا يَتَحَاصُّوا فِي تَرِكَتِهِ وَيَضْرِبُ لِصَاحِبِ السَّلَمِ بِقِيمَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي سَلِمَ إلَيْهِ فِيهِ عَلَى مُعْتَدٍ مَا يَعْرِفُ فِيهِ. وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ: وَلَا يَضْرِبُ لَهُ بِقِيمَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ الْآنَ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ فِي وَقْتِهِ بَلْ إنَّمَا يَضْرِبُ بِقِيمَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فِي وَقْتِهِ عَلَى عُرْفِ الْعَادَةِ. فَإِنْ جَاءَ الْإِبَّانُ فَكَانَ غَالِبًا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ أَرْخَصَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ زِيَادَةٌ عَلَى جَمِيعِ حَقِّهِ، فَإِذَا وَجَبَ حَقُّهُ كَامِلًا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ. (لَا نَسْلِ حَيَوَانٍ عُيِّنَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي نَسْلِ حَيَوَانٍ بِعَيْنِهِ. اللَّخْمِيِّ: لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ بِتِلْكَ الصِّفَةِ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ تَارَةً سَلَفًا وَتَارَةً بَيْعًا، وَيَجُوزُ إنْ لَمْ يُقَدِّمْ رَأْسَ الْمَالِ وَقَرُبَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 510 الْوَضْعُ إنْ خَرَجَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ أَخْذُهُ وَدَفْعُ الثَّمَنِ وَإِلَّا فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا، وَيَخْتَلِفُ إنْ بَعُدَ الْوَضْعُ لِمَوْضِعِ التَّحْجِيرِ وَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْجَوَازُ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا عَلَى أَصْلِهِ فِي إجَازَتِهِ بَيْعَ مَا فِيهِ غَرَرٌ إذَا وُقِفَ ثَمَنُهُ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ الْبَعْلِ غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ، وَكُرِّرَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ، وَمِثْلُهُ لِلْمَازِرِيِّ قَالَ: إنْ شَرَطَ وَقْفَ الثَّمَنِ عَلَى إنْ خَرَجَ الْجَنِينُ عَلَى الصِّفَةِ الْمُشْتَرَطَةِ تَمَّ الْبَيْعُ جَرَى عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِيمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا غَرِقَةً، وَفِيمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا عَلَى أَنْ لَا يَرْكَبَهَا إلَّا إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ بِشَرْطِ وَقْفِ الثَّمَنِ. وَرَأَى السُّيُورِيُّ: إذَا بِيعَتْ الثَّمَرَةُ قَبْلَ الزَّهْوِ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ عَلَى وَقْفِ الثَّمَنِ لِاخْتِيَارِ سَلَامَتِهَا جَازَ بَيْعُهَا كَذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟» وَهَذَا يَجْرِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَرْضِ وَالدَّابَّةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَرْقٌ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّمَرَةِ وَالنَّسْلِ لِأَنَّ الْغَرَرَ تَعَلَّقَ بِصِفَةِ الْأَرْضِ وَهُوَ انْكِشَافُ الْمَاءِ عَنْ الْأَرْضِ وَاسْتِمْرَارُ سَلَامَةِ الدَّابَّةِ وَهُمَا خَارِجَانِ عَنْ ذَاتِ الْعِوَضِ، وَالْغَرَرُ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ مُتَعَلِّقٌ بِذَاتِ الْمَبِيعِ اهـ اُنْظُرْ هَذَا فَإِنَّهُ بَيِّنٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّسْلِ وَلَيْسَ بِبَيِّنٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّمَرَةِ، فَكَمَا أَنَّهُ يَنْتَظِرُ انْكِشَافَ الْمَاءِ أَوْ نُزُولَ الْمَطَرِ لِيَنْتَفِعَ بِالْأَرْضِ كَذَلِكَ هُوَ يَنْتَظِرُ جَرَيَانَ الْمَاءِ فِي الثَّمَرَةِ، وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُرَشِّحُ رَأْيَ السُّيُورِيِّ فِي هَذَا أَعْنِي فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ، وَقَدْ رَشَّحَهُ الْمَازِرِيُّ أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَوْ كَانَ فِي نَسْلِ أَنْعَامٍ كَثِيرَةٍ لَا يَتَعَذَّرُ الشِّرَاءُ مِنْهَا جَازَ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا. (أَوْ حَائِطٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي ثَمَرِ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ قَبْلَ زَهْوِهِ وَلَوْ شَرَطَ أَخْذَهُ رُطَبًا، الزَّهْوُ الْبُسْرُ الْمُلَوَّنُ، فَإِذَا ظَهَرَتْ الصُّفْرَةُ وَالْحُمْرَةُ فِي النَّخْلِ فَقَدْ ظَهَرَ فِيهِ (وَشُرِطَ إنْ سُمِّيَ سَلَمًا لَا بَيْعًا إزْهَاؤُهُ وَسَعَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 511 الْحَائِطِ وَكَيْفِيَّةُ قَبْضِهِ لِمَالِكِهِ وَشُرُوعُهُ وَإِنْ لِنِصْفِ شَهْرٍ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ، وَحَاصِلُ مَا يَتَقَرَّرُ أَنَّهُ يَجُوزُ الشِّرَاءُ مِنْ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ سَلَمًا أَوْ بَيْعًا، وَأَمَّا قَبْلَ إزْهَائِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ جُمْلَتِهِ وَلَا الْبَيْعُ مِنْهُ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: السَّلَمُ فِي الْحَائِطِ الْمُعَيَّنِ يَجُوزُ بِشُرُوطِ أَنْ يَكُونَ السَّلَمُ بَعْدَ مَا أَزْهَى، وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي شُرِطَ أَخْذُهُ لَا يَتَعَذَّرُ قَبْضُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ تِلْكَ الْأَيَّامِ وَيَذْكُرُ مَا يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَكَوْنَ الْحَائِطِ مِلْكَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ. اللَّخْمِيِّ: وَيَبْقَى زَهْوُ ذَلِكَ الْحَائِطِ أَوْ رُطَبُهُ إلَى آخِرِ تِلْكَ الْأَيَّامِ وَلَا يَنْقَطِعُ، وَيَجُوزُ فِي هَذَا تَأْخِيرُ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ تُقَدِّمْ رَأْسَ الْمَالِ لَمْ تُسَمِّهِ سَلَمًا. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنْ سَمَّيَاهُ. بَيْعًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَجَلًا فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ بِعَقْدِ الْبَيْعِ يَجِبُ لَهُ قَبْضُ جَمِيعِ ذَلِكَ وَهُوَ جَائِزٌ لَا فَسَادَ فِيهِ، فَإِنْ أَخَذَهُ بِتَأْخِيرِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي الْحَائِطِ فَقَالَ مَالِكٌ: هَذَا قَرِيبٌ، وَأَمَّا إنْ سَمَّيَاهُ سَلَمًا فَإِنْ اشْتَرَطَا مَا يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ إمَّا مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ أَوْ مِنْ بَعْدِ أَجَلٍ ضَرَبَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يَضْرِبَا أَجَلًا وَلَا ذَكَرَ إمَّا يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَلَا مَتَى مَا يَأْخُذُهُ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَمَّا سَمَّيَا سَلَمًا كَانَ لَفْظُ السَّلَمِ يَقْتَضِي التَّرَاخِيَ، عَلِمَ أَنَّهُمَا قَصَدَا التَّأْخِيرَ فَفَسَدَ ذَلِكَ (وَأَخْذُهُ بُسْرًا أَوْ رُطَبًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا يَصْلُحُ السَّلَمُ فِي الْحَائِطِ بِعَيْنِهِ إذَا أَزْهَى وَشُرِطَ أَخْذُهُ بُسْرًا أَوْ رُطَبًا لَا تَمْرًا لَا مِنْ مُدَّةِ إرْطَابِهِ وَغُرِّرَ بَعْدَ مُدَّةِ صَيْرُورَتِهِ تَمْرًا وَسَوَاءٌ قَدَّمَ النَّقْدَ أَوْ ضَرَبَ لَهُ أَجَلًا، وَهَذَا عِنْدَ مَالِكٍ مَحْمَلُ الْبَيْعِ لَا مَحْمَلُ السَّلَمِ. ابْنُ بَشِيرٍ: إنَّمَا سُمِّيَ هَذَا سَلَمًا مَجَازًا وَمَا هُوَ إلَّا بَيْعُ مُعَيَّنٍ. (فَإِنْ شَرَطَ تَتَمُّرَ الرُّطَبِ مَضَى بِقَبْضِهِ وَهَلْ الْمُزْهِي كَذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ؟ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ سَلِمَ فِي حَائِطٍ بِعَيْنِهِ بَعْدَ زَهْوِهِ وَشَرَطَ أَخْذَ ذَلِكَ تَمْرًا لَمْ يَجُزْ لِبُعْدِ ذَلِكَ وَقِلَّةِ أَمْنِ الْجَوَائِحِ. قَالَ ابْنُ شَبْلُونَ: فَإِنْ نَزَلَ فُسِخَ وَلَيْسَ كَاَلَّذِي يُسْلَمُ فِيهِ وَقَدْ أَرْطَبَ وَشَرَطَ أَخْذَ ذَلِكَ تَمْرًا لِأَنَّ الزَّهْوَ مِنْ التَّمْرِ بَعِيدٌ وَالرُّطَبُ قَرِيبٌ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ بَدْءًا، فَإِنْ نَزَلَ وَفَاتَ مَضَى. وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَقَوْلِهِ: إذَا أَسْلَمَ فِي الزَّرْعِ وَقَدْ أَفْرَكَ وَشَرَطَ أَخْذَهُ حَبًّا فَقَدْ جَعَلَهُ إذَا فَاتَ مَضَى فَكَذَلِكَ هَذَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ جُزَافًا بَعْدَ أَنْ طَابَتْ جَازَ تَرْكُهَا حَتَّى تَيْبَسَ وَالسَّقْيُ عَلَى الْبَائِعِ بِخِلَافِ مَا اشْتَرَى عَلَى الْكَيْلِ. ابْنُ يُونُسَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مُشْتَرِيَ الثَّمَرَةِ جُزَافًا بِطِيَابِهَا وَإِمْكَانِ جِدَادِهَا تَرْتَفِعُ الْجَائِحَةُ مِنْهَا وَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ قَابِضًا لَهَا فَهُوَ كَاَلَّذِي يَشْتَرِيهَا عَلَى الْكَيْلِ وَيَشْتَرِطُ أَخْذَهَا رُطَبًا، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهَا عَلَى الْكَيْلِ وَاشْتَرَطَ أَخْذَهَا تَمْرًا فَالْجَائِحَةُ أَبَدًا فِيهَا مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَهَا الْمُبْتَاعُ، فَهَذَا أَشَدُّ فِي الْغَرَرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 512 لِطُولِ أَمْرِهِ (فَإِنْ انْقَطَعَ رَجَعَ بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ اشْتَرَطَ أَخْذَهُ رُطَبًا وَقَبَضَ سَلَمَهُ ثُمَّ انْقَطَعَ ثَمَرَةُ ذَلِكَ الْحَائِطِ لَزِمَهُ مَا أَخَذَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَرَجَعَ بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ مُعَجِّلًا بِالْقَضَاءِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِتِلْكَ الْحِصَّةِ مَا شَاءَ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ مُعَجَّلًا. الشَّيْخُ: إذَا انْقَطَعَ إبَّانُ الْعِنَبِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِيمَا بَقِيَ زَبِيبًا أَوْ عِنَبًا شَتْوِيًّا رِطْلَيْنِ بِرِطْلٍ، وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمَا بِمَا بَقِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكَذَلِكَ صُبْرَةٌ يَشْتَرِي مِنْهَا كَيْلًا فَلَا يَجِدُ فِيهِمَا تَمَامَهُ، أَوْ الْمَسْكَنُ يَنْهَدِمُ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فِي الْكِرَاءِ وَشِبْهِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ تَأَخَّرَ قَبْضُ مَا يَأْخُذُ بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ لَهُ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ فَسْخَ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ اهـ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " فَسْخَ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ ". قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَبِهَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا يُرَاعَى فِيهِمَا حَدُّ الصَّرْفِ وَالْمُسْتَأْخِرُ. وَسَلَفًا جَرَّ نَفْعًا. وَلَوْ أُجِيحَ بَعْضُ الْحَائِطِ كَانَ جَمِيعُ سَلَمِهِ فِي بَقِيَّتِهِ لِأَنَّهَا مَكِيلَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَكَذَلِكَ السَّلَمُ فِي لَبَنِ غَنَمٍ مُعَيَّنَةٍ (وَهَلْ عَلَى الْقِيمَةِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ الْمَكِيلَةِ؟ تَأْوِيلَانِ) قِيلَ لِابْنِ مُزَيْنٍ: كَيْفَ يَتَحَاسَبَانِ إذَا انْقَطَعَ اللَّبَنُ أَوْ الثَّمَرَةُ، أَعَلَى قِيمَةِ مَا قَبَضَ وَمَا بَقِيَ أَمْ عَلَى الْكَيْلِ الَّذِي قَبَضَ وَاَلَّذِي بَقِيَ؟ قَالَ: بَلْ عَلَى كَيْلِ مَا قَبَضَ وَمَا بَقِيَ وَلَا يَنْظُرُ فِي هَذَا إلَى الْقِيمَةِ. وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: إنَّمَا يَحْسِبُ ذَلِكَ عَلَى الْقِيمَةِ لَا عَلَى الْكَيْلِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَأْخُذُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَجِدَّهُ مِنْ يَوْمِهِ يُرِيدُ أَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مُسَمًّى فَهَذَا يُحْسَبُ عَلَى الْكَيْلِ. (وَهَلْ الْقَرْيَةُ الصَّغِيرَةُ كَذَلِكَ أَوْ إلَّا فِي وُجُوبِ تَعْجِيلِ النَّقْدِ أَوْ تُخَالِفُهُ فِيهِ وَفِي السَّلَمِ فِيمَنْ لَا مِلْكَ لَهُ؟ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: السَّلَمُ فِي ثَمَرِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ مِمَّا يَنْقَطِعُ طَعَامُهَا أَوْ ثَمَرُهَا فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 513 بَعْضِ السَّنَةِ كَالسَّلَمِ فِي حَائِطٍ بِعَيْنِهِ لَا يَصْلُحُ السَّلَمُ فِي ثَمَرِهَا إلَّا إذَا أَزْهَى، وَيُشْتَرَطُ أَخْذُهُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ أَخْذُهُ تَمْرًا لِأَنَّ تِلْكَ الْقَرْيَةَ غَيْرُ مَأْمُونَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَجُوزُ هُنَا تَأْخِيرُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْحَائِطِ بِعَيْنِهِ. قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: وَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ فِيهَا ثَمَرٌ وَلَا يَدْخُلُهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ جُمْلَةَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعُوا. ابْنُ يُونُسَ: فَهُوَ فِي هَذَا كَالسَّلَمِ فِي الْقُرَى الْكِبَارِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَبْيَنُ. وَقَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُسْلَمُ لِمَنْ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا. ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي عَلَى أَصْلِ قَوْلِهِ وَإِلَّا كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ ثَمَرَةً لِغَيْرِهِ وَاشْتَرَطَ تَخْلِيصَهَا اهـ. وَانْظُرْ إذَا أَثْمَرَ قَبْلَ أَخْذِ جَمِيعِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ بَقِيَّتَهُ تَمْرًا لِأَنَّهُ بَيْعُ رُطَبٍ بِتَمْرٍ، وَانْظُرْ هُنَا أَيْضًا مَنَعُوا مِنْ شِرَاءِ ثَمَرِ الْحَائِطِ كَيْلًا عَلَى تَرْكِهِ حَتَّى يَصِيرَ تَمْرًا، وَأَجَازُوا شِرَاءَ الْجَمِيعِ جُزَافًا عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ ضَمَانُ الْمَكِيلِ مِنْ بَائِعِهِ فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَالْجُزَافُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ فِيهِ إلَّا ضَمَانَ الْجَائِحَةِ، فَكَانَ الْغَرَرُ فِي الْجُزَافِ يَسِيرًا وَفِي الْكَيْلِ كَثِيرًا. وَتَعَقَّبَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا التَّعْلِيلَ وَلِابْنِ أَبِي زَيْدٍ مَا نَصُّهُ: مِنْ الْغَرَرِ شِرَاءُ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ لَا يَقْبِضَهُ إلَّا إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ، وَكَأَنَّهُ زَادَهُ فِي الثَّمَنِ لِيَضْمَنَهُ إلَّا مَا لَهُ وَجْهٌ وَلَهُمَا بِهِ عُذْرٌ كَدَارٍ يَبِيعُهَا وَيَسْتَثْنِي سُكْنَاهَا شَهْرًا، أَوْ زَرْعٍ عَلَى الْكَيْلِ وَقَدْ يَبِسَ وَيَتَأَخَّرُ حَصَادُهُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَوْ تَمْرٍ قَدْ طَابَ وَيَتَأَخَّرُ جِدَادُهُ مِثْلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ صُوفِ الْغَنَمِ. وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ بَشِيرٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَكَوْنُهُ دَيْنًا " (وَإِنْ انْقَطَعَ مَا لَهُ إبَّانٌ أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي الْفَسْخِ وَالْإِبْقَاءِ وَإِنْ قَبَضَ الْبَعْضَ وَجَبَ التَّأْخِيرُ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِالْمُحَاسَبَةِ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ " أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ " وَاَلَّذِي قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ انْقَطَعَ مَا لَهُ إبَّانٌ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ قَبَضَ الْبَعْضَ فَسِتَّةُ أَقْوَالٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إذَا انْقَطَعَ ثَمَرُ الْحَائِطِ الْمُعَيَّنُ الْمُسْلَمُ فِي مَكِيلِهِ مِنْهُ أَنَّهُ يُفْسَخُ وَيَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ ثَمَرًا أَوْ مَا أَحَبَّ، وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ سَلَمًا مَضْمُونًا فِي رُطَبِ قَرْيَةٍ مَأْمُونَةٍ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إذَا أُجِيحَ الثَّمَرُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَتَأَخَّرُ إلَى ثَمَرَةِ قَابِلٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ طَلَبَ التَّأْخِيرَ مِنْهُمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى الْمُحَاسَبَةِ. وَعَنْ ابْن الْقَاسِمِ أَيْضًا ذَلِكَ لِمَنْ لَهُ السَّلَمُ إنْ شَاءَ أَخَّرَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِبَقِيَّةِ رَأْسِ مَالِهِ نَقْدًا. قَالَ: وَفَسْخُ ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ ثُمَّ ذَكَرَ أَقْوَالًا أُخَرَ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَجْمُوعُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تِسْعَةٌ. وَأَمَّا إذَا سَلِمَ فِي ثَمَرِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إذَا أُجِيحَ ثَمَرُهَا انْفَسَخَ ذَلِكَ السَّلَمُ وَلَا يَبْقَى فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ إلَى قَابِلٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 514 مَأْمُونَةٍ. قَالَ: وَإِذَا مُنِعَ أَنْ يُسْلِمَ فِيهَا فِي هَذَا الْعَامِ إلَّا بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لِأَنَّهُ غَرَرٌ كَانَ فِي الصُّبُرِ إلَى قَابِلٍ أَشَدَّ غَرَرًا. رَاجِعْ ثَالِثَ تَرْجَمَةٍ مِنْ السَّلَمِ الْأَوَّلِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَانْظُرْ هُنَاكَ حُكْمَ مَنْ اكْتَرَى عَلَى الْحَجِّ فَلَمْ يَأْتِ الْكَرْيُ حَتَّى فَاتَ الْإِبَّانُ، وَحُكْمُ مَنْ أَسْلَمَ فِي ضَحَايَا فَأَتَى بِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ، وَمَنْ غَصَبَ تَمْرًا وَتَمَكَّنَ مِنْهُ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ، وَمَنْ اكْتَرَى سَفِينَةً فَدَخَلَ عَلَيْهَا الشِّتَاءُ وَلَمْ يَتَفَاسَخَا حَتَّى عَادَ إبَّانُ السَّفَرِ، وَانْظُرْ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ إذَا شَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ السَّلَمَ بِبَلَدٍ فَتَعَذَّرَ الْوُصُولُ لِذَلِكَ الْبَلَدِ كَقَوْلِ مَالِكٍ إذَا شَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ مِنْ الْعَطَاءِ فَاحْتَبَسَ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: مَنْ دَايَنَ عَلَى أَنْ يُوفِيَ مِنْ عَصِيرِ كَرْمِهِ فَأَخْلَفَ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَسَلَّفَ عَلَى مَالِ يَتِيمٍ فَقَصَرَ الْمَالُ عَمَّا أَسْلَفَهُ لَمْ يُتْبِعْهُ بِالْبَاقِي. وَانْظُرْ مَنْ ابْتَاعَ بِغَرْنَاطَةَ حَرِيرًا وَجَدَهُ بِتُونُسَ مَعِيبًا، وَمَنْ تَسَلَّفَ فُلُوسًا أَوْ كَتَّانًا بِالْمَشْرِقِ أَوْ طَعَامًا بِأَرْضِ الْحَرْبِ. وَانْظُرْ رَسْمَ الْبُيُوعِ الْعَاشِرَ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ السَّلَمِ فِيمَنْ تَسَلَّفَ مِنْ شَرِيكِهِ قِلَالًا مِنْ مَاءٍ فِي الشِّتَاءِ فَقَامَ عَلَيْهِ فِي الصَّيْفِ، هَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا لَهُ إبَّانٌ فَانْقَضَى قَبْلَ الْأَدَاءِ. (وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مُقَوَّمًا وَيَجُوزُ فِيمَا طُبِخَ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْعَنْبَرِ وَالْجَوْهَرِ وَالزُّجَاجِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ وَجَمِيعِ الْعِطْرِ إذَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ شَيْئًا مَعْلُومًا، وَكَذَلِكَ اللُّؤْلُؤُ وَالْجَوْهَرُ وَصُنُوفُ الْفُصُوصِ وَالْحِجَارَةِ إذَا ذَكَرَ صِنْفًا مَعْرُوفًا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَكَذَلِكَ آنِيَةُ الزُّجَاجِ بِصِفَتِهَا (وَالْجِصِّ وَالزَّرْنِيخِ وَالنُّورَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي اللَّبَنِ وَالْجِصِّ وَالزَّرْنِيخِ وَالنُّورَةِ وَشِبْهِ ذَلِكَ مَضْمُونًا مَعْلُومَ الصِّفَةِ (وَأَحْمَالِ الْحَطَبِ وَالْأَدَمِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الْحَطَبِ إذَا اشْتَرَطَ مِنْ ذَلِكَ قَنَاطِيرَ أَوْ قَدْرًا مَعْرُوفًا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَكَذَلِكَ فِي الْجُذُوعِ مِنْ خَشَبِ الْبُيُوتِ وَشِبْهِهِ مِنْ صُنُوفِ الْعِيدَانِ وَفِي جُلُودِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ والزقوق وَالْأَدَمِ وَالْقَرَاطِيسِ إذَا اشْتَرَطَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ شَيْئًا مَعْلُومًا. الْبَاجِيُّ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ يُسْلِمُ فِي الْحَطَبِ وَزْنًا أَوْ أَحْمَالًا، وَعِنْدِي أَنْ يَعْمَلَ فِي كُلِّ بَلَدٍ بِعُرْفِهِ فِي ذَلِكَ (وَصُوفٍ بِالْوَزْنِ لَا بِالْحَزْرِ) اُنْظُرْ النَّصَّ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَأَنْ يُضْبَطَ بِعَادَتِهِ ". (وَالسُّيُوفِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي نُصُولِ السُّيُوفِ وَالسَّكَاكِينِ وَفِي الْعُرُوضِ كُلِّهَا إذَا كَانَتْ مَوْصُوفَةً مَضْمُونَةً وَضَرَبَ لَهَا أَجَلًا مَعْلُومًا وَقَدَّمَ النَّقْدَ فِيهَا (وَتَوْرٍ لِيُكَمِّلَ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْمَوَّازِيَّةِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اسْتَصْنَعَ تَوْرًا أَوْ قَلَنْسُوَةً أَوْ اسْتَنَحْت سَرْجًا أَوْ قَدَحًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْمَلُ النَّاسُ فِي أَسْوَاقِهِمْ عِنْدَ الصُّنَّاعِ، فَإِنْ جَعَلَ ذَلِكَ مَضْمُونًا مَوْصُوفًا إلَى مِثْلِ أَجَلِ السَّلَمِ جَازَ إنْ قَدَّمَ رَأْسَ الْمَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا بِعَيْنِهِ يَعْمَلُهُ مِنْهُ أَوْ عَمَلَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ شَرَطَ عَمَلَهُ مِنْ نُحَاسٍ أَوْ حَدِيدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ظَوَاهِرَ مُعَيَّنَةً أَوْ شَرَطَ عَمَلَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ نَقَدَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيُسْلِمُ ذَلِكَ الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالظَّوَاهِرَ، أَوْ يُسْلِمُ ذَلِكَ الرَّجُلَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ أَمْ لَا؟ فَذَلِكَ غَرَرٌ إذْ قَدْ يُسْلِمُ فَيَعْمَلُهُ لَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ يَمُوتُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَيَبْطُلُ السَّلَفُ. أَشْهَبُ: إذَا شَرَعَ فِي عَمَلِهِ فِي مِثْلِ الْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ جَازَ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ إذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 515 كَانَ إلَى أَجَلٍ لَا يَصْلُحُ السَّلَمُ فِيهِ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ. قَالَ: فَأَمَّا مَنْ أَتَى إلَى رَجُلٍ عِنْدَهُ عَشَرَةَ أَرْطَالِ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ قِدْرًا أَوْ قُمْقُمًا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَوَصَفَ ذَلِكَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ يَشْرَعُ فِي عَمَلِهِ عَاجِلًا. قَالَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ تَوْرَ نُحَاسٍ عَلَى أَنْ يَعْمَلَهُ لَهُ إذَا أَرَاهُ النُّحَاسَ وَزْنَهُ وَوَصْفَهُ هَذَا مَا يَعْمَلُهُ لَهُ، وَكَذَلِكَ ظِهَارَةٌ عَلَى أَنْ يَعْمَلَهَا لَهُ قَلَنْسُوَةً، وَالْحِذَاءُ عَلَى أَنْ يَحْذُوَ لَهُ وَيَشْرَعَ فِي ذَلِكَ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَفَرْقٌ بَيْنَ الثَّوْبِ يَشْتَرِيهِ عَلَى أَنْ يُتِمَّ لَهُ نَسْجَهُ وَالتَّوْرِ النُّحَاسِ عَلَى أَنْ يُتِمَّ لَهُ عَمَلَهُ، أَنَّ النُّحَاسَ إنْ جَاءَ بِخِلَافِ الصِّفَةِ أَعَادَهُ لَهُ، وَالثَّوْبُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ وَلَا يُدْرَى كَيْفَ تَخْرُجُ بَقِيَّتُهُ. اهـ عَلَى مَسَافَةٍ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَأَمَّا اللَّخْمِيِّ فَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ شِرَاءِ النُّحَاسِ لِيَعْمَلَهُ لَهُ تَوْرًا: إنَّهُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ إنْ خَرَجَ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ الَّتِي يَشْتَرِطُ أَعَادَهُ مَرَّةً أُخْرَى حَتَّى يَصْنَعَهُ عَلَى الصِّفَةِ قَالَ: إلَّا إنْ اشْتَرَى جُمْلَةَ النُّحَاسِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ كُلَّمَا أُعِيدَ نَقَصَ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الثَّانِي إلَّا دُونَ الْأَوَّلِ اهـ. وَلِلَّخْمِيِّ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ شِرَاءِ الثَّوْبِ عَلَى أَنْ يُتِمَّ لَهُ نَسْجَهُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ الثَّوْبِ يُشْتَرَطُ صَبْغُهُ، وَشِرَاءُ الْعُودِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَهُ لَهُ تَابُوتًا. هَذَا كُلُّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْتَلِفُ خُرُوجُهُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَادَ لِهَيْئَتِهِ الْأُولَى قَالَ: فَأَمَّا إنْ كَانَ هَذَا الْمُشْتَرِي الْمُعَيَّنُ إذَا شَرَطَ عَلَى بَائِعِهِ أَنْ يَعْمَلَهُ لَا تَخْتَلِفُ صِفَتُهُ إذَا صَنَعَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ. قَالَ: وَذَلِكَ كَاَلَّذِي يَشْتَرِي الْقَمْحَ عَلَى أَنْ يَطْحَنَهُ بَائِعُهُ، وَالزَّيْتُونَ عَلَى أَنْ يَعْصِرَهُ فَيَأْخُذَ مِنْهُ كَيْلًا مَعْلُومًا، وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ، فَهَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ. قَالَ: وَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ فِي الْغَزْلِ عَلَى أَنْ يُنْسَجَ وَاشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ خَرَجَ عَلَى مَا وَصَفَ أَخَذَهُ وَنَقَدَ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَانَ لِبَائِعِهِ جَازَ اهـ. اُنْظُرْ عَلَى هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَرَّارِ يَكُونُ الثَّوْبُ بِيَدِهِ يَعْمَلُهُ فَيَشْتَرِيهِ مِنْهُ التَّاجِرُ عَلَى أَنْ يُكْمِلَهُ لَهُ عَلَى هَذَا. الْمَأْخَذِ (وَالشِّرَاءُ مِنْ دَائِمِ الْعَمَلِ كَالْخَبَّازِ وَهُوَ بَيْعٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " زَائِدٌ عَلَى نِصْفِ شَهْرٍ " وَهَذِهِ عِبَارَةُ اللَّخْمِيِّ: السَّلَمُ فِي الشَّيْءِ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ حِرْفَتِهِ جَائِزٌ عَلَى الْحُلُولِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُخَالِفُ السَّلَمُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 516 أَيْضًا فِي عَدَمِ وُجُوبِ نَقْدِ رَأْسِ الْمَالِ (وَإِنْ لَمْ يَدُمْ فَهُوَ سَلَمٌ كَاسْتِصْنَاعِ سَيْفٍ أَوْ سَرْجٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ الصَّانِعُ مُعَيَّنًا وَالْمَصْنُوعُ مِنْهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَهُوَ لَا يَسْتَدِيمُ عَمَلُهُ فَقَدْ أَعْطَوْهُ حُكْمَ السَّلَمِ فِي الْأَجَلِ وَتَقْدِيمِ رَأْسِ الْمَالِ وَأَجَازُوهُ لِلضَّرُورَةِ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَتَوْرٍ لِيُكْمِلَ " وَأَنَّ مَنْ اسْتَصْنَعَ طَسْتًا فَإِنْ جَعَلَهُ مَوْصُوفًا إلَى مِثْلِ أَجَلِ السَّلَمِ جَازَ أَنْ يُقَدِّمَ رَأْسَ الْمَالِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَلَا يَشْتَرِطُ عَمَلَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَانْظُرْهُ مَعَ هَذَا وَمَعَ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا فِي إجَارَةِ الْبِنَاءِ وَالْآجُرُّ مِنْ عِنْدِهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 517 وَانْظُرْ نَصَّ الْبَاجِيِّ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجَازَ بَعْدَ أَجَلِهِ الزِّيَادَةُ " وَمِثْلُ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إنْ اشْتَرَطَ عَمَلَ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَجْتَذِبُهُ أَصْلَانِ مُتَنَاقِضَانِ لُزُومُ النَّقْدِ لِأَنَّ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ مَضْمُونٌ وَامْتِنَاعُهُ لِاشْتِرَاطِ عَمَلِ الْعَامِلِ بِعَيْنِهِ. وَلَمَّا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا قَالَ: فِي قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ نَظَرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَبْنِي لَهُ دَارًا عَلَى أَنَّ الْآجُرَّ وَالْجِصَّ مِنْ عِنْدِ الْأَجِيرِ جَازَ. قُلْت: لَمْ أُجَوِّزْهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا مِنْ الْجِصِّ وَالْآجُرِّ بِعَيْنِهِ قَالَ: إنَّهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ. قُلْت: أَرَأَيْت السَّلَمَ، هَلْ يَجُوزُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَضْرِبَ لَهُ أَجَلًا وَهَذَا إذَا لَمْ يَضْرِبْ لِلْآجُرِّ وَالْجِصِّ أَجَلًا؟ قَالَ: لَمَّا قَالَ لَهُ ابْنِ لِي هَذِهِ الدَّارَ فَكَأَنَّهُ وَقَّتَ لَهُ لِأَنَّ وَقْتَ بُنْيَانِهَا عِنْدَ النَّاسِ مَعْرُوفٌ فَكَأَنَّهُ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي جَصٍّ وَآجُرٍّ مَعْرُوفٍ إلَى وَقْتٍ مَعْرُوفٍ وَإِجَارَتُهُ فِي عَمَلِ هَذِهِ الدَّارِ فَلِذَلِكَ جَازَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَظَاهِرُ هَذَا خِلَافُ نَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى تَعْيِينِ الْعَامِلِ أَوْ عَدَمِ تَعْيِينِ الْمَعْمُولِ مِنْهُ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وِفَاقًا لِقَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ اهـ. اُنْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَتَوْرٍ لِيُكْمِلَ ". وَفِي نَوَازِلِ شَيْخِ الشُّيُوخِ ابْنِ لُبٍّ مَسْأَلَةٌ قَالَ: دَلِيلُهَا مَا قَالُوهُ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِئْجَارِ الْبِنَاءِ الْمُعَيَّنِ لِلْبِنَاءِ عَلَى أَنَّ الْآجُرَّ وَالْجَصَّ مِنْ عِنْدِهِ وَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ أَنَّهُمَا إنْ شَرَطَا نَقْدَ مَا يَنُوبُ الْمَضْمُونَ وَتَأْخِيرَ مَا يَنُوبُ الْمُعَيَّنَ جَازَ ذَلِكَ. حَكَاهُ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرُهُ اهـ نَصُّهُ. وَفِي الْمُتَيْطِيِّ: أَوَّلُ الْمُغَارَسَةِ إنْ كَانَتْ الْغُرُوسُ مِنْ عِنْدِ الْغَارِسِ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا دَخَلَ مَسْأَلَةَ الْبِنَاءِ عَلَى أَنَّ الْآجُرَّ وَالْجِصَّ مِنْ عِنْدِهِ. اُنْظُرْ أَوَّلَ كِتَابِ الْمُغَارَسَةِ مِنْهُ وَفِي هَذِهِ نَازِلَةٌ تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى فَإِنَّ التُّجَّارَ شَأْنُهُمْ شِرَاءُ وُجُوهِ الْحَرِيرِ مِنْ الْحَرَّارِينَ وَالْحَمَائِلِ مِنْ الْحَمَائِلِيِّينَ، وَشَأْنُهُمْ دَفْعُ الْحَرِيرِ لِلصَّبَّاغِ فَيَبْقَى النَّظَرُ هَلْ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِمْ، وَهَلْ هُمْ مُعَيَّنُونَ، وَهَلْ يَلْزَمُ تَقْدِيمُ الثَّمَنِ وَالْآجُرِّ وَيَلْزَمُ وَرَثَةَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ تَمَامُ الْعَمَلِ؟ وَانْظُرْ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ اسْتَصْنَعَ تَوْرًا أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُعْمَلُ عِنْد الصُّيَّاغِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَيِّنَ الْعَامِلَ وَلَا الْمَعْمُولَ مِنْهُ، أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ رَأْسِ الْمَالِ. وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " زَائِدٌ عَلَى نِصْفِ شَهْرٍ ". وَانْظُرْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ نَقَلْت بَعْضًا مِنْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَأَجِيرٌ تَأَخَّرَ شَهْرًا " (وَفَسَدَ بِتَعْيِينِ الْمَعْمُولِ مِنْهُ أَوْ الْعَامِلِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ شَرْطَ عَمَلِهِ مِنْ نُحَاسٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ نَقَدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيُسْلِمُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 518 ذَلِكَ النُّحَاسَ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَأْخَذُ اللَّخْمِيِّ فِي هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ " وَالشِّرَاءُ مِنْ دَائِمِ الْعَمَلِ " (وَإِنْ اشْتَرَى الْمَعْمُولَ مِنْهُ وَاسْتَأْجَرَهُ جَازَ إنْ شَرَعَ عَيَّنَ عَامِلَهُ أَمْ لَا) أَمَّا إنْ اشْتَرَى الْمَعْمُولَ مِنْهُ وَعَيَّنَ عَامِلَهُ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَيْسَ هَذَا بِسَلَمٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فِي الشَّيْءِ الْمَبِيعِ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ وَجْهَ خُرُوجِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ تُمْكِنُ إعَادَتُهُ لِلْعَمَلِ أَوْ عَمِلَ غَيْرُهُ مِنْ الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُ الْعَمَلُ، جَازَ عَلَى الشُّرُوع فِي الْعَمَلِ أَوْ عَلَى تَأْخِيرِ الشُّرُوعِ لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ عَلَى الشُّرُوعِ جَازَ بِشَرْطِ تَعْجِيلِ النَّقْدِ وَتَأْخِيرِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى تَأْخِيرِهِ لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَجُزْ تَعْجِيلُ النَّقْدِ بِشَرْطٍ حَتَّى يَشْرَعَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ فِي حُكْمِ هَذَا الْقِسْمِ، وَتَعَقَّبَ ابْنُ عَرَفَةَ مَنْعَهُمْ مَا اخْتَلَفُوا وَجْهَ خُرُوجِهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُخْرَى وَهِيَ إذَا اشْتَرَى الْمَعْمُولُ مِنْهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ عَامِلَهُ، فَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَ مَنْ اسْتَعْمَلَهُ لَكِنْ عَيَّنَ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ فَهُوَ أَيْضًا مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فِي الْمَبِيعِ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى تَعْجِيلِ الْعَمَلِ وَتَأْخِيرِهِ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِتَعْجِيلِ النَّقْدِ وَتَأْخِيرِهِ. وَيَبْقَى مِنْ تَقْسِيمِ ابْنِ رُشْدٍ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ تَعْيِينَ الْعَامِلِ وَلَا مَا يُعْمَلُ مِنْهُ الْمَصْنُوعُ فَهَذَا سَلَمٌ مَحْضٌ. الصُّورَةُ الْأُخْرَى أَنْ يَشْتَرِطَ عَمَلَهُ وَلَا يُعَيِّنُ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ تَقَدَّمَ الِاضْطِرَابُ فِيهَا. (لَا فِيمَا لَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ كَتُرَابِ الْمَعْدِنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُسْلَمُ فِي تُرَابِ الْمَعَادِنِ عَيْنًا وَلَا عَرْضًا لِأَنَّ صِفَتَهُ لَا تُعْرَفُ وَلَوْ عُلِمَتْ صِفَتُهُ جَازَ تَسْلِيمُ الْعُرُوضِ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ بِالْعَيْنِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ إلَى أَجَلٍ، وَجَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ يَدًا بِيَدٍ بِخِلَافِهِمَا مِنْ الْعَيْنِ أَوْ بِالْعَرْضِ لِأَنَّهَا حِجَارَةٌ مَعْرُوفَةٌ تُرَى. . (وَالْأَرْضِ وَالدَّارِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَنْصُوصُ الْمَعْرُوفُ مَنْعُ السَّلَمِ فِي الرَّبْعِ. اللَّخْمِيِّ: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ جِزَّةٍ فِي كَقَصِيلِ ". (وَالْجُزَافِ) اللَّخْمِيِّ: لَا يُسْلَمُ فِي الْجُزَافِ لِجَهْلِ مَا يَقْتَضِي إلَّا فِي اللَّحْمِ عَلَى التَّحَرِّي (وَمَا لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 519 يُوجَدُ) تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: " وَوُجُودُهُ عِنْدَ حُلُولِهِ. " (وَحَدِيدٍ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ السُّيُوفُ وَبِالْعَكْسِ) اُنْظُرْ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ هِيَ خِلَافُ طَرِيقَةِ ابْنِ يُونُسَ قَالَ مَا نَصُّهُ: لَا يَجُوزُ سَلَمُ حَدِيدٍ تَخْرُجُ مِنْهُ السُّيُوفُ فِي سُيُوفٍ أَوْ سُيُوفٍ فِي حَدِيدٍ تَخْرُجُ مِنْهُ السُّيُوفُ أَمْ لَا. قَالَ سَحْنُونَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْلِمَ الْحَدِيدَ الَّذِي لَا يَخْرُجُ مِنْهُ السُّيُوفُ فِي سُيُوفٍ (وَكَتَّانٍ غَلِيظٍ فِي رَقِيقٍ إنْ لَمْ يُغْزَلَا) مِنْ الْمَوَّازِيَّةِ: الْكَتَّانُ جَيِّدُهُ وَرَدِيئُهُ كُلُّهُ صِنْفٌ حَتَّى يَنْفَسِخَ فَيَصِيرَ الرَّقِيقُ صِنْفًا وَالْغَلِيظُ صِنْفًا وَكَذَلِكَ الْقُطْنُ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَلِكَ عِنْدِي إذَا غُزِلَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ الرَّقِيقُ صِنْفًا وَالْغَلِيظُ صِنْفًا، وَصَنْعَةُ الْغَزْلِ قَدْ أَحَالَتْهُ إحَالَةً بَيِّنَةً فَأَوْجَبَتْ فِيهِ التَّفَاضُلَ إلَى أَجَلٍ. اللَّخْمِيِّ: قَدْ تَقَدَّمَ سَلَمُ الْكَتَّانِ فِي الْكَتَّانِ أَمَّا إنْ غُزِلَا فَيَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ إذَا اخْتَلَفَا لِأَنَّهُ لَمَّا غُزِلَا فَاتَ مِنْ أَنْ يُعْمَلَ مِنْ أَحَدِهِمَا مَا يُعْمَلُ مِنْ الْآخَرِ (وَثَوْبٍ لِيُكَمِّلَ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَتَوْرٍ لِيُكَمَّلَ ". وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي تَكَلُّمِهِ عَلَى السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ فِيمَنْ مَلَكَ الْغَلَّةَ فَقَالَ: لِأَنَّ الثَّوْبَ يَخْتَلِفُ نَسْجُهُ فَلَوْ عَرَفَ وَجْهَ خُرُوجِهِ لَجَازَ عَلَى تَعْلِيلِهِ (وَمَصْنُوعٍ قُوِّمَ لَا يَعُودُ عَيْنَ الصَّنْعَةِ كَالْغَزْلِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ قُدِّمَ الْمَصْنُوعُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ إتْلَافُ صَنْعَتِهِ وَعَوْدُهُ إلَى أَصْلِ جَوْهَرِهِ فِي غَيْرِ الْمَصْنُوعِ، فَإِنْ هَانَتْ الصَّنْعَةُ كَغَزْلِ الْكَتَّانِ فَقَدْ جَعَلُوهُ كَغَيْرِ الْمَصْنُوعِ وَجَعَلُوا الصَّنْعَةَ لِهَوَانِهَا كَالْعَدَمِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: الْكَتَّانُ الْمَغْزُولُ وَالْكَتَّانُ غَيْرُ الْمَغْزُولِ عِنْدَ أَصْحَابِ مَالِكٍ صِنْفٌ وَاحِدٌ اهـ. وَانْظُرْ هَلْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ خَلِيلٍ قُدِّمَ مَا فَهِمَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ يَجُوزُ نَقْدًا لَا بِقَيْدِ تَبَيُّنِ الْفَضْلِ قَالَ: وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ (بِخِلَافِ النَّسْجِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِثَوْبِ كَتَّانٍ فِي كَتَّانٍ أَوْ ثَوْبِ صُوفٍ فِي صُوفٍ لِأَنَّ الثَّوْبَ الْمُعَجَّلَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ كَتَّانٌ وَلَا صُوفٌ اهـ. وَانْظُرْ سَلَمَ الثَّوْبِ فِي الْغَزْلِ نَصَّ اللَّخْمِيِّ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ، وَحَكَى ابْنُ يُونُسَ فِيهِ خِلَافًا (إلَّا ثِيَابَ الْخَزِّ) قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إلَّا ثِيَابَ الْخَزِّ فِي الْخَزِّ لِأَنَّهُ يَنْفُشُ وَكَذَلِكَ تَوْرُ نُحَاسٍ فِي نُحَاسٍ وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ (وَإِنْ قُدِّمَ أَصْلُهُ اُعْتُبِرَ الْأَجَلُ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ قُدِّمَ غَيْرُ الْمَصْنُوعِ نَظَرْت إلَى الْأَجَلِ؛ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُعَادَ مَصْنُوعًا مَنَعْت لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ سَلَمِ الشَّيْءِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْقُرْبِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِ أَجَزْته. ابْنُ عَرَفَةَ: دَلِيلُ اعْتِبَارِ الْأَجَلِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ لَا خَيْرَ فِي شَعِيرٍ نَقْدًا فِي قَصِيلٍ لِأَجَلٍ إلَّا لِأَجَلٍ لَا يَصِيرُ الشَّعِيرُ فِيهِ قَصِيلًا (وَإِنْ عَادَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 520 اُعْتُبِرَ فِيهِمَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمَصْنُوعُ يَعُودُ مُعْتَبَرًا فِيهِمَا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ضَمِيرُ فِيهِمَا عَائِدٌ عَلَى صُورَتَيْنِ: تَقْدِيمُ الْأَصْلِ فِي الْمَصْنُوعِ وَعَكْسُهُ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ هَذَا الْمَصْنُوعُ مِمَّا يُمْكِنُ إتْلَافُ صَنْعَتِهِ وَإِعَادَتُهُ إلَى جَوْهَرِهِ، فَإِنْ قَدَّمْت غَيْرَ الْمَصْنُوعِ فَلَا شَكَّ فِي الْمَنْعِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ سَلَمِ الشَّيْءِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهُ. وَبَيَّنَ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْمُزَابَنَةَ وَإِنْ قُدِّمَ الْمَصْنُوعُ. فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: قَالَ يَحْيَى: لَا بَأْسَ أَنْ تُسْلَمَ سُيُوفٌ فِي حَدِيدٍ، وَمَنَعَ ذَلِكَ سَحْنُونَ قَائِلًا: وَلَيْسَ ضَرْبُ السُّيُوفِ صَنْعَةً يُخْرِجُهُ مِنْ الْحَدِيدِ لِأَنَّهُ يُعَادُ حَدِيدًا. اللَّخْمِيِّ: وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ. وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَفْعَلُهُ ذُو عَقْلٍ أَنْ يُعِيدَ السَّيْفَ حَدِيدًا وَلَوْ فَعَلَهُ أَحَدٌ لَعُوقِبَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَبْلَغَ عَقْلِهِ وَتَمْيِيزِهِ حُجِرَ عَلَيْهِ. (وَالْمَصْنُوعَانِ يَعُودَانِ يُنْظَرُ لِلْمَنْفَعَةِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ كَانَا مَصْنُوعَيْنِ يَعُودَانِ نَظَرْت إلَى الْمَنْفَعَةِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا خَيْرَ أَنْ يُسْلَمَ سَيْفٌ فِي سَيْفَيْنِ دُونَهُ لِتَقَارُبِ الْمَنَافِعِ إلَّا أَنْ يَبْعُدَ مَا بَيْنَهُمَا فِي الْجَوْهَرِ وَالْقَطْعِ كَتَبَاعُدِهِ فِي الرَّقِيقِ وَالثِّيَابِ فَيَجُوزُ اهـ. (وَجَازَ قَبْلَ زَمَانِهِ قَبُولُ صِفَتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا: قَضَاءُ السَّلَمِ بِصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ جَائِزَةٌ وَلَا يَجِبُ قَبُولُهُ بِخِلَافِ الْقَرْضِ فَتُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ اهـ. وَانْظُرْ أَيْضًا كَذَلِكَ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ. وَانْظُرْ رَسْمَ تَأْخِيرٍ مِنْ السَّلَمِ (فَقَطْ) اللَّخْمِيِّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ إلَّا مِثْلَ الْكَيْلِ وَالصِّفَةِ، وَلَا يَأْخُذُ أَجْوَدَ أَوْ أَكْثَرَ كَيْلًا فَيَكُونُ ضَمَانًا بِجُعْلٍ، وَلَا أَدْنَى صِفَةً أَوْ أَقَلَّ كَيْلًا فَيَكُونُ قَدْ وَضَعَ وَتَعَجَّلَ (كَقَبْلِ مَحَلِّهِ فِي الْعَرْضِ مُطْلَقًا وَفِي الطَّعَامِ إنْ حَلَّ إنْ لَمْ يَدْفَعْ كِرَاءً) فِي تَنْزِيلِ هَذَا عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ عُسْرٌ فَانْظُرْهُ أَنْتَ. وَعِبَارَةُ الْبَاجِيِّ: إنْ كَانَ لَك دَيْنٌ مِنْ عُرُوضٍ يَفِيكَهَا بِبَلَدٍ آخَرَ فَلَا بَأْسَ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَتَرَاضَيْتُمَا أَنْ تَأْخُذَ مَا لَكَ عَلَيْهِ فِي جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ لَا أَدْوَنَ وَلَا أَفْضَلَ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْأَجَلِ لَمْ يَجُزْ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ، وَأَجَازَ سَحْنُونَ أَنْ يَأْخُذَ بِغَيْرِ الْبَلَدِ مِثْلَ الصِّفَةِ حَلَّ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، وَهَذَا أَحْسَنُ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ لِأَنَّ الْبُلْدَانَ بِمَنْزِلَةِ الْآجَالِ فَكَأَنَّهُ قَضَاكَ قَبْلَ أَجَلِهِ وَزَادَكَ حَمْلَهُ عَلَى إنْ أَسْقَطْتَ عَنْهُ ضَمَانَهُ فَلَا يَجُوزُ اهـ. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ " هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ " فَمُقْتَضَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 521 أَنَّ قَوْلَ الْبَاجِيِّ فِي الْعُرُوضِ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ فَإِنَّ نَصَّ أَصْبَغَ هُوَ إنْ قَضَاهُ مِثْلَ مَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ طَعَامٍ بِيعَ أَوْ قُرِضَ بِغَيْرِ الْبَلَدِ وَقَدْ حَلَّ أَجَلُهُ جَازَ، وَقَبْلَ حُلُولِهِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ وَلَوْ كَانَ مِثْلَ مَا فِي الذِّمَّةِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الطَّعَامِ وَالْعُرُوضِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَرَطَ قَبْضَ الطَّعَامِ بِالْفُسْطَاطِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْبِضَهُ بِغَيْرِهِ وَيَأْخُذَ كِرَاءَ الْمَسَافَةِ، لِأَنَّ الْبُلْدَانَ كَالْآجَالِ فَكَأَنَّكَ بِعْتَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ أَسْقَطْتَ عَنْهُ الضَّمَانَ عَلَى مَالٍ تَعَجَّلْتَهُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هَذَا التَّعْجِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَ الْعُرُوضِ كَالطَّعَامِ اهـ. فَلَوْ قَالَ خَلِيلٌ " كَقَبْلِ مَحَلِّهِ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ مُطْلَقًا إنْ لَمْ يَدْفَعْ كِرَاءً " لَكَانَ قَدْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ، وَقَدْ رَجَّحَهُ ابْنُ زَرْقُونٍ، وَلَوْ قَالَ عِوَضًا مِنْ " مُطْلَقًا " إنْ حَلَّ لَكَانَ مُوَافِقًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَاسْتَظْهِرْ أَنْتَ عَلَى هَذَا. وَانْظُرْ أَيْضًا مَا كَانَ يَنْبَغِي لِخَلِيلٍ أَنْ يَتْرُكَ حُكْمَ الْعَيْنِ. وَقَدْ قَالَ الْبَاجِيُّ: إنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَوُجِدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِغَيْرِ بَلَدِ التَّسْلِيمِ، فَإِنْ كَانَ السَّلَمُ فِي عَيْنٍ كَانَ لَهُ أَخْذُهُ حَيْثُ وَجَدَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَيْنٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ. وَكَذَا مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ عَيْنٍ جَازَ أَنْ يُعَجِّلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ وَيَلْزَمُ مَنْ هُوَ لَهُ قَبْضُهُ (وَلَزِمَ بَعْدَهُمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: قَضَاؤُهُ بِحُلُولِهِ بِصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ لَازِمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَعَ يُسْرِ الْمَدِينِ، فَزَادَ خَلِيلٌ وَبِمَحَلِّهِ وَهُوَ بَيِّنٌ (كَقَاضٍ إنْ غَابَ وَجَازَ أَجْوَدُ وَأَرْدَأُ) اللَّخْمِيِّ: إنْ أَسْلَمَ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ سَمْرَاءَ فَأَخَذَ بَعْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ مِائَةَ إرْدَبٍّ سَمْرَاءَ أَجْوَدَ أَوْ أَدْنَى جَازَ، وَهُوَ فِي أَجْوَدَ حَسَنٌ قَضَاءً، وَفِي أَدْنَى حَسَنٌ اقْتِضَاءً. وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ أَجْوَدَ وَأَكْثَرَ كَيْلًا وَأَدْنَى وَأَقَلَّ كَيْلًا وَلَا يَأْخُذُ أَجْوَدَ وَأَقَلَّ كَيْلًا وَلَا أَدْنَى وَأَكْثَرَ كَيْلًا وَهُوَ رِبًا. (لَا أَقَلُّ إلَّا عَنْ مِثْلِهِ وَيَبْرَأُ مِمَّا زَادَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَهُ عَلَيْهِ مِائَةُ إرْدَبٍّ سَمْرَاءَ إلَى أَجَلٍ، فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَ مِنْهُ خَمْسِينَ مَحْمُولَةً وَحَطَّهُ مَا بَقِيَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الصُّلْحِ وَالتَّبَايُعِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ اقْتِضَاءً مِنْ خَمْسِينَ مِنْهَا ثُمَّ حَطَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ شَرْطٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 522 جَازَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِم: وَكَذَلِكَ فِي أَخْذِهِ خَمْسِينَ سَمْرَاءَ مِنْ مِائَةٍ مَحْمُولَةٍ وَحَطِّهِ مَا بَقِيَ (لَا دَقِيقٌ عَنْ قَمْحٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَسْلَمْتَ فِي حِنْطَةٍ فَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا دَقِيقَ حِنْطَةٍ وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ، وَلَا بَأْسَ بِهِ عَنْ قَرْضٍ بَعْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ. أَشْهَبُ: كُرِهَ هَذَا لِلْخِلَافِ أَجَازَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ مُتَفَاضِلًا فَيَدْخُلُهُ عَلَى هَذَا بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. اللَّخْمِيِّ: فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَأْخُذَ شَعِيرًا عَنْ قَمْحٍ بَلْ هُوَ أَوْلَى لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقْضَى قَدَحٌ مِنْ قَمْحٍ مِنْ قَرْضٍ أَوْ نَقْدٍ تَمْرًا فَكَذَلِكَ يَقْضِي عَنْ ذَلِكَ دَقِيقًا. اُنْظُرْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ الصَّرْفِ. (وَبِغَيْرِ جِنْسِهِ إنْ جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ) . ابْنُ مُحْرِزٍ: مِنْ شَرْطِ جَوَازِ اقْتِضَاءِ غَيْرِ جِنْسِ مَا أَسْلَمَ فِيهِ صِحَّةُ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَيُمْنَعُ وَهُوَ طَعَامٌ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَنْعُ لِبَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُؤَثِّرٌ فِي اقْتِضَاءِ طَعَامِ السَّلَمِ لَا الْقَرْضِ وَالْمَنْعُ لِضَعْ وَتَعَجَّلْ عَامٌّ فِيهِمَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَا ابْتَعْتَهُ أَوْ أَسْلَمْتَ فِيهِ عَدَا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ مِنْ سَائِرِ الْعُرُوضِ عَلَى عَدَدٍ أَوْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، فَجَائِزٌ بَيْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَبْلَ أَجَلِهِ مِنْ غَيْرِ بَائِعِكَ بِمِثْلِ رَأْسِ مَالِكَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ نَقْدًا أَوْ بِمَا شِئْتَ مِنْ الْأَثْمَانِ إلَّا أَنْ تَبِيعَهُ بِمِثْلِ صِنْفِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، يُرِيدُ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. وَأَمَّا مِثْلُ عَدَدِهِ أَوْ وَزْنِهِ أَوْ كَيْلِهِ فَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ: إنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِلْمُبْتَاعِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْبَائِعِ جَازَ وَهُوَ قَرْضٌ. قَالَ مَالِكٌ: وَجَازَ بَيْعُ ذَلِكَ السَّلَمِ مِنْ بَائِعِكَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ فَأَقَلَّ مِنْهُ نَقْدًا قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ إذْ لَا يُتَّهَمُ أَحَدٌ فِي أَخْذِ قَلِيلٍ مِنْ كَثِيرٍ، وَأَمَّا بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ، حَلَّ الْأَجَلُ أَمْ لَا، لِأَنَّ سَلَمَكَ صَارَ لَغْوًا وَدَفَعْتَ ذَهَبًا فَرَجَعَ إلَيْكَ أَكْثَرُ مِنْهَا فَهَذَا سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ الَّذِي لَكَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ فَرْقَبِيَّةٌ جَازَ أَنْ تَبِيعَهَا مِنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ بِمَا يَجُوزُ أَنْ تُسْلِفَ فِيهَا مِنْ الثِّيَابِ الْقُطْنِ الْمَرْوِيَّةِ وَالْهَرَوِيَّةِ وَالْحَيَوَانِ وَالطَّعَامِ إذَا انْتَقَدْتَ ذَلِكَ وَلَمْ تُؤَخِّرْهُ وَلَا تَأْخُذُ مِنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ ثِيَابًا فَرْقَبِيَّةً إلَّا مِثْلَ ثِيَابِكَ صِفَةً وَعَدَدًا، فَأَمَّا أَفْضَلُ مِنْ ثِيَابِكَ رِقَاعًا أَوْ أَشَرَّ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، اتَّفَقَ الْعَدَدُ أَوْ اخْتَلَفَ. وَيَدْخُلُهُ فِي الْأَرْفَعِ " حُطَّ عَنِّي الضَّمَانَ وَأَزِيدُكَ "، وَفِي الْأَشَرِّ " ضَعْ وَتَعَجَّلْ " إلَّا أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَيَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ. وَلَوْ كَانَ رَأْسُ مَالِكَ عَرْضًا أَسْلَمْتَهُ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ تُسْلِمَهُ فِيهِ أَوْ بِعْتَهُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ فِيهِ إلَّا مَا يَجُوزُ أَنْ تُسْلِمَ فِيهِ عَرْضَكَ، أَوْ مَا أَسْلَمْتَهُ فِيهِ. وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ فَأَعْطَاكَ مِثْلَ رَأْسِ مَالِكَ صِفَةً وَعَدَدًا أَوْ أَدْنَى فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ أَعْطَاكَ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا. قَالَ: وَإِنْ بِعْتَ عَرْضَكَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى شَهْرٍ جَازَ أَنْ تَشْتَرِيَهُ بِعَرْضٍ مُخَالِفٍ لَهُ أَوْ بِطَعَامٍ نَقْدًا كَانَ ثَمَنُ الْعَرْضِ أَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ. (وَبَيْعُهُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ مُنَاجَزَةً) كَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقَرِّرُ لَنَا شُرُوطَ بَيْعِ الدَّيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ الدَّيْنُ طَعَامًا مِنْ بَيْعِ دَارٍ، وَأَنْ يَتَعَجَّلَ الْعِوَضَ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَقْبُوضُ مِمَّا يَصِحُّ بِتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِيهِ، وَأَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ يَدًا بِيَدٍ اهـ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ عُرُوضًا، فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْقَى لِلْأَجَلِ مِثْلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 523 أَجَلِ السَّلَمِ؟ أُخِذَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الْوَجْهَانِ: وَانْظُرْ إذَا أَسْلَمَ لَهُ دِينَارًا عَلَى رِطْلِ حَرِيرٍ لِعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ بَعْدَ عَشَرَةٍ بَاعَ مِنْهُ رِطْلَ الْحَرِيرِ بِرُبْعِ كَتَّانٍ قَبَضَهُ فَقَدْ صَارَ الدِّينَارُ سَلَمًا فِي هَذَا الْكَتَّانِ الَّذِي قَبَضَ، وَصَارَ الْكَتَّانُ بِنَفْسِهِ سَلَمًا عَلَى رِطْلِ حَرِيرٍ يَقْبِضُهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ خَالٍ عَنْ أَجَلِ السَّلَمِ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: فِي رَعْيٍ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ عَقْدِ السَّلَمِ وَالِاقْتِضَاءِ مِقْدَارُ أَجَلِ السَّلَمِ طَرِيقَانِ لِلْأَشْيَاخِ، وَكَذَا يَخْتَلِفُ فِي رَعْيِ بَقَاءِ أَجَلِهِ مِنْ وَقْتِ الِاقْتِضَاءِ لِحُلُولِ أَجَلِ السَّلَمِ إذَا اعْتَاضَ عَلَى الِاقْتِضَاءِ. اُنْظُرْ أَوَّلَ السَّلَمِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَرُدَّ زَائِفٌ " (وَأَنْ يُسْلَمَ فِيهِ رَأْسُ السَّلَمِ) الْبَاجِيُّ: يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ يَعْنِي مِنْ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَا يَأْخُذُ فِيهِ يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ رَأْسُ الْمَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِ هَذَا. وَقَالَ أَيْضًا فِي بَابٍ آخَرَ: مَنْ أَسْلَمَ عَيْنًا فِي حَيَوَانٍ أَوْ فِي شَيْءٍ غَيْرِ الطَّعَامِ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ بَائِعِهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَقَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ رَأْسُ الْمَالِ فَيَتَحَرَّزَ مِنْ الْأَمْرَيْنِ. وَأَمَّا بَعْدَ الْأَجَلِ فَإِنَّمَا يُرَاعَى فِيهِ مَعْنًى وَاحِدٌ وَهُوَ أَنْ يَجُوزَ تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِيمَا أَخَذَ، لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ النَّقْدِ لَا يَفْسُدُ فِيهِ إلَّا مَا يَفْسُدُ مَعَ النَّقْدِ، فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يُرَاعَ رَأْسُ الْمَالِ فَيَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ دَنَانِيرَ وَيَبِيعَ الْمُسْلَمَ فِيهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِوَرِقٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يُرَاعَى مِنْ الْبَيْعِ مِنْ زَيْدٍ مَا اُبْتِيعَ مِنْ عَمْرٍو، وَأَمَّا الْمُسْلَمُ فِيهِ فَيُرَاعَى لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الثَّمَنِ عِوَضُ مَا يَبِيعُهُ (لَا طَعَامٌ) هَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " إنْ جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ مُحْرِزٍ. وَمِنْ رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ السَّلَمِ إذَا بَاعَ طَعَامًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِثَمَنِهِ زَيْتًا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا. وَانْظُرْ إذَا بَاعَ الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ قَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ جَائِزٌ بَيْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ بَائِعِكَ إلَخْ. وَقَالَ الْغَرْنَاطِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: أَنْ لَا يَكُونَ طَعَامًا بِعَرْضٍ، وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ حَاضِرًا مُقِرًّا بِهِ وَيُبَاعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَكَوْنُ الثَّمَنِ نَقْدًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمُبْتَاعُ عَدُوًّا لِلْغَرِيمِ. الْبُرْزُلِيِّ: وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عُرُوضًا، فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْقَى مِثْلُ أَجَلِ السَّلَمِ مِنْ أَجَلِهِ، أَوْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ ذَلِكَ؟ وَأَخْذُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ (وَلَحْمٍ بِحَيَوَانٍ) هَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " وَبَيْعُهُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ مُنَاجَزَةً ". (وَذَهَبٍ وَرَأْسُ الْمَالِ وَرِقٌ وَعَكْسُهُ) هَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " وَأَنْ يُسْلَمَ فِيهِ رَأْسُ الْمَالِ ". ابْنُ مُحْرِزٍ: مِنْ شَرْطِ جَوَازِ اقْتِضَاءِ غَيْرِ جِنْسِ مَا أَسْلَمَ فِيهِ بَيْعُهُ بِالْمُقْتَضَى فَيُمْنَعُ وَرَأْسُ الْمَالِ ذَهَبٌ وَالْمُقْتَضَى عَنْ غَيْرِ الطَّعَامِ فِضَّةٌ وَالْعَكْسُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلْبَاجِيِّ أَنَّ غَيْرَ هَذَا الشَّرْطِ لَا يُرَاعَى إنْ بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَكَذَا أَيْضًا لَا يُرَاعَى هَذَا الشَّرْطُ فِي الْقَرْضِ وَإِنْ بَاعَهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ حُلُولِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 524 اُنْظُرْ آخِرَ فَصْلٍ مِنْ كِتَابِ الْحَوَالَةِ مِنْ الْمُتَيْطِيُّ (وَجَازَ بَعْدَ أَجَلِهِ الزِّيَادَةُ لِيَزِيدَهُ طُولًا كَقَبْلِهِ إنْ عَجَّلَ دَرَاهِمَهُ وَغَزْلٌ يَنْسِجُهُ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ زَادَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ أَزْيَدَ فِي الثَّوْبِ طُولًا أَوْ عَرْضًا جَازَ إنْ عَجَّلَ الدَّرَاهِمَ. قَالَ فِي الْكِتَابِ: لِأَنَّهُمَا صَفْقَتَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَكِلَاهُمَا وَهِمَ إنَّمَا قَالَ: هُمَا صَفْقَتَانِ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَجَلِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَسْلَمْتَ إلَى رَجُلٍ فِي ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ فَزِدْتَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَكَ ثَوْبًا أَطْوَلَ مِنْهُ مِنْ صِنْفِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ جَازَ إذَا تَعَجَّلْتَ ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَأَنَّكَ أَعْطَيْتَ فِيهِ الدَّرَاهِمَ الَّذِي زِدْتَ وَالثَّوْبَ الَّذِي أَسْلَمْتَ فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ كَانَ بَيْعًا وَسَلَفًا تَأْخِيرُهُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفٌ وَالزِّيَادَةُ بَيْعٌ بِالدَّرَاهِمِ. وَلَوْ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ مُؤَخَّرًا كَانَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَكَأَنَّهُ مَلَكَ تَعْجِيلَ ثَوْبِهِ فَتَأْخِيرُهُ بِهِ سَلَفٌ وَالزِّيَادَةُ بَيْعٌ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي يُعْطِيهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ زَادَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ دَرَاهِمَ نَقْدًا عَلَى إنْ زَادَهُ فِي طُولِ ثَوْبِهِ جَازَ لِأَنَّهُمَا صَفْقَتَانِ. ابْنُ يُونُسَ: وَذَلِكَ إذَا كَانَ قَدْ بَقِيَ لِلْأَجَلِ مِثْلُ أَجَلِ السَّلَمِ فَأَكْثَرُ لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ ثَانِيَةٌ، وَلَوْ زَادَهُ عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ خِلَافَ الصِّفَةِ لَمْ يَجُزْ وَيَدْخُلُهُ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ لِأَنَّهُ نَقَلَهُ عَمَّا أَسْلَمَهُ إلَيْهِ فِيهِ إلَى مَا لَا يَتَعَجَّلُهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي زَادَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ فِيهَا لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ الصِّفَةِ لِأَنَّهُ أَبْقَى الْأَذْرُعَ الْمُشْتَرَطَةَ، وَإِنَّمَا زَادَهُ فِي الطُّولِ فَالزِّيَادَةُ صَفْقَةٌ ثَانِيَةٌ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعْتَ إلَيْهِ غَزْلًا يَنْسِجُهُ ثَوْبًا سِتَّةَ أَذْرُعٍ فِي ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ زِدْتَهُ دَرَاهِمَ وَغَزْلًا عَلَى أَنْ يَزِيدَكَ فِي عَرْضٍ أَوْ طُولٍ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهُمَا صَفْقَتَانِ اهـ. مِنْ ابْنِ يُونُسَ عَلَى تَرْتِيبِهِ وَمَسَاقِهِ. فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْفِقْهَ هُوَ الَّذِي اخْتَصَرَ خَلِيلٌ، وَانْظُرْ أَنْتَ فِي تَنْزِيلِ كَلَامِهِ عَلَيْهِ (لَا أَعْرَضَ أَوْ أَصْفَقَ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 525 قَالَ الْبَاجِيُّ: إنْ زَادَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِي الصَّفَاقَةِ وَالطُّولِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ نَقَلَهُ إلَى صِفَةٍ أُخْرَى. قَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَكَ فِي الْعَرْضِ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ أَرَادَ مَعَ الزِّيَادَةِ فِي الصَّفَاقَةِ فَصَوَابٌ، وَإِنْ أَرَادَ دُونَهَا فَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. فَانْظُرْ أَنْتَ أَيْضًا هَذَا. وَانْظُرْ قَدْ أَجَازَ فِي مَسْأَلَةِ الْغَزْلِ يَنْسِجُهُ أَنْ يَزِيدَهُ فِي الْعَرْضِ، فَهَلْ كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِيهَا إنَّهُ أَبْقَى الْأَذْرُعَ الْمُشْتَرَطَةَ وَإِنَّمَا زَادَ فِي الطُّولِ فَيَكُونُ كَذَلِكَ أَيْضًا إذَا زَادَهُ فِي الْعَرْضِ أَوْ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 526 هَذَا يَكُونُ النَّظَرُ الَّذِي قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ. وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: وَالْحَقُّ إنْ كَانَ الثَّوْبُ لِلتَّفْصِيلِ بِزِيَادَةِ الْعَرْضِ كَالطُّولِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْعَرْضُ صِفَةً فِيهِ. (وَلَا يَلْزَمُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ وَلَوْ خَفَّ حَمْلُهُ) ابْنُ يُونُسَ: إنْ أَتَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ الْقَضَاءُ وَالدَّيْنُ عَيْنٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 527 مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ عَرْضًا لَهُ حِمْلٌ لَمْ يُجْبَرْ مَنْ أَبَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمْلٌ كَالْجَوْهَرِ فَفِي كَوْنِهِ كَالْعَيْنِ قَوْلَانِ، أَوْ هُمَا خِلَافٌ فِي حَالِ إنْ كَانَ الْأَمْنُ فِي الطَّرِيقِ فَهُوَ كَالْعَيْنِ وَإِلَّا فَكَالْعُرُوضِ، وَيَنْبَغِي فِي الْخَوْفِ أَنْ يَكُونَ الْعَيْنُ كَالْعَرْضِ. [فَصْلٌ قَرْضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ] فَصْلٌ (يَجُوزُ قَرْضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْقَرْضُ دَفْعُ مُتَمَوَّلٍ فِي عِوَضٍ غَيْرِ مُخَالِفٍ لَهُ لَا عَاجِلًا تَفَضُّلًا. وَحُكْمُهُ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ النَّدْبُ، وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يُوجِبُهُ أَوْ كَرَاهَتَهُ أَوْ حُرْمَتَهُ وَإِبَاحَتَهُ تَعَسُّرٌ. عَقَدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 528 الْقَرَافِيُّ فَرْقًا بَيْنَ مَبَرَّةِ الذِّمِّيِّ وَمَوَدَّتِهِ، تَجُوزُ مَبَرَّتُهُ وَلَا تَجُوزُ مَوَدَّتُهُ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَكُلُّ مَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ يَجُوزُ قَرْضُهُ. وَهَذَا فِي مُرَاعَاةِ رَدِّ الْمِثْلِ، وَأَمَّا مُرَاعَاةُ رَدِّ الْعَيْنِ فَتَعْرِضُ فِيهِ الْمُحَاذَرَةُ مِنْ عَارِيَّةِ الْفُرُوجِ إذْ مِنْ أَحْكَامِ الْقَرْضِ أَنْ يُرَدَّ بِعَيْنِهِ إنْ شَاءَ أَوْ مِثْلَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مُتَعَلِّقُ الْقَرْضِ مَا صَحَّ ضَبْطُهُ بِصِفَةٍ كُلِّيًّا فَيَخْرُجُ تُرَابُ الْمَعَادِنِ وَالصَّوَّاغِينَ وَالدُّورِ وَالْأَرَضُونَ وَالْبَسَاتِينِ (إلَّا جَارِيَةً تَحِلُّ لِلْمُسْتَقْرِضِ) اللَّخْمِيِّ: لَا يَجُوزُ قَرْضُ الْجَوَارِي إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي سِنِّ مَنْ لَا تُوطَأُ أَوْ يَكُونَ الْمُسْتَقْرِضُ لَا يُمْكِنُ الْتِذَاذُهُ بِهَا لِسِنِّهِ أَوْ امْرَأَةً أَوْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ وَطْؤُهَا أَوْ مَدِينًا تَقْضِي عَنْهُ. ابْنُ يُونُسَ: أَوْ لِمَنْ تُعْتَقُ عَلَيْهِ (وَرُدَّتْ إلَّا أَنْ تَفُوتَ بِمُفَوِّتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَالْقِيمَةُ) الْقَاضِي: مَنْ اقْتَرَضَ أَمَةً رَدَّهَا مَا لَمْ يَطَأْهَا. ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ فَاتَتْ بِالْوَطْءِ فَالْأَصْوَبُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهَا لَا رَدَّ مِثْلِهَا (كَفَسَادِهِ) ابْنُ شَاسٍ: أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي فَاسِدِ الْقَرْضِ عَلَى رَدِّهِ لِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. (وَحَرُمَ هَدِيَّتُهُ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِثْلُهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي هَدِيَّةُ مِدْيَانِكَ إلَّا مَنْ تَعَوَّدْتَ ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ تُدَايِنَهُ وَتَعْلَمَ أَنَّ هَدِيَّتَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 529 إلَيْكَ لَيْسَتْ لِأَجْلِ دَيْنِكَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ (أَوْ يَحْدُثُ مُوجِبٌ) ابْنُ شَاسٍ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنْ حَدَثَ بَيْنَهُمَا مِنْ الِاتِّصَالِ مَا يُعْلِمُ أَنَّ الْهَدِيَّةَ لَهُ جَازَتْ (كَرَبِّ الْقِرَاضِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ عَطَاءٌ: إنْ قَارَضْتَ رَجُلًا مَالًا أَوْ أَسْلَفْتَهُ إيَّاهُ فَلَا تَقْبَلْ مِنْهُ هَدِيَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، لَا يُهْدِي لَك مِنْ أَجْلِ مَا يُظَنُّ فَخُذْ مِنْهُ (وَعَامِلِهِ وَلَوْ بَعْدَ شَغْلِ الْمَالِ عَلَى الْأَرْجَحِ) ابْنُ بَشِيرٍ: أَمَّا هَدِيَّةُ الْعَامِلِ لِرَبِّ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يُشْغَلْ الْمَالُ مُنِعَتْ اتِّفَاقًا. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَخَذَهُ مِنْهُ فَيُتَّهَمُ أَنَّهُ إنَّمَا أَهْدَى إلَيْهِ لِيَبْقَى الْمَالُ بِيَدِهِ، وَإِنْ شَغَلَهُ جَازَ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ إذْ لَا يَقْدِرُ رَبُّ الْمَالِ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ وَإِنْ شُغِلَ الْمَالُ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ إذَا نَظَرَ أَنْ يُبْقِيَهُ فِي يَدَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَبِهَذَا أَقُولُ. (وَذِي الْجَاهِ) فِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ: جَوَازُ إعْطَاءِ الرِّشْوَةِ إذَا خَافَ الظُّلْمَ وَكَانَ مُحِقًّا. قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهِيَ عَلَى هَذَا جَائِرَةٌ لِلدَّافِعِ حَرَامٌ لِلْآخِذِ إنَّ وَاجِبَ تَخْلِيصِ الْمَظْلُومِ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ انْتَهَى نَصُّهُ. وَنَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي ثَانِي تَرْجَمَةٍ مِنْ حَرِيمِ الْبِئْرِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَانْظُرْ فِي الْحَجِّ عِنْدَ قَوْلِهِ " إلَّا لِأَخْذِ ظَالِمٍ مَا قَلَّ " وَانْظُرْ إذَا جَعَلَ عَلَى النَّاسِ مَظْلِمَةً وَكَانَ إنْسَانٌ إذَا دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ جَعَلَ مَا يَخُصُّهُ عَلَى غَيْرِهِ أَجَازَهَا الدَّاوُدِيِّ وَمَنَعَ ذَلِكَ سَحْنُونَ (وَالْقَاضِي) سَيَأْتِي النَّصُّ عِنْدَ قَوْلِهِ " قَبُولُ هَدِيَّتِهِ فِي الْأَقْضِيَةِ ". (وَمُبَايَعَتُهُ مُسَامَحَةً) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي مُبَايَعَةِ الْمَدِينِ قَبْلَ الْأَجَلِ قَوْلَانِ: الْجَوَازُ وَالْكَرَاهَةُ فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمُبَايَعَتُهُ مُسَامَحَةً غَلَطٌ. اُنْظُرْ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " كَرَبِّ الْقِرَاضِ ". وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَسْلَمْتَ إلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً ثُمَّ اسْتَزَدْتَهُ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ أَرَادِبَ مُعَجَّلَةً أَوْ مُؤَجَّلَةً إلَى الْأَجَلِ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ، جَازَ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ فِي الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا هَذَا رَجُلٌ اسْتَغْلَى شِرَاءَهُ فَاسْتَزَادَ بَائِعَهُ فَزَادَهُ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَرٌ، وَكَيْفَ تَجُوزُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَهِيَ كَهَدِيَّةِ الْمِدْيَانِ؟ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: هَدِيَّةُ الْمِدْيَانِ مَا ابْتَدَأَهُ بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَهَذَا سَأَلَهُ لِاسْتِرْخَاصِهِ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى زَيْتًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَفَضَلَ مِنْهُ رِطْلَانِ فَتَرَكَهُمَا لِبَائِعِهِ لَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنْ كَثُرَ فَلَا يُعْجِبُنِي. سَحْنُونَ: لَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ كَثُرَ. ابْنُ بْنِ رُشْدٍ: هُوَ مِنْ الْمُسَامَحَةِ فِي الْبَيْعِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ هَدِيَّةِ الْمِدْيَانِ. (أَوْ جَرُّ مَنْفَعَةٍ) ابْنُ يُونُسَ: مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا مَا جَرَّ مِنْ السَّلَفِ نَفْعًا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَا عُلِمَ فِيهِ قَصْدُ جَرٍّ فُسِخَ لَا مَا ادَّعَاهُ الْمُقْرِضُ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَسْلَفَ شَاةً مَسْلُوقَةً لِجَازِرٍ عَلَى أَنْ يَقْضِيَهُ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا مَعْرُوفًا لَا أُحِبُّهُ. ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ رِفْقًا بِالْجَازِرِ فَقَطْ جَازَ. وَلِأَشْهَبَ: إنْ كَانَ الْجَازِرُ جَاءَ يَسْتَسْلِفُهُ جَازَ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَمَعْنَاهُ إذَا أَسْلَفَهُ لِحَاجَةِ الْجَازِرِ وَأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 530 مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ، وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِيهِ إذْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُسَلِّفَهُ إيَّاهَا وَيُسْقِطُ النَّفَقَةَ عَنْ نَفْسِهِ مِثْلَ الرِّوَايَةِ فِيمَنْ لَهُ طَعَامٌ يَخْشَى فَسَادَهُ فَيَسْأَلُهُ الْمُحْتَاجُ سَلَفَهُ جَائِزٌ إذَا سَلَّفَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. وَانْظُرْ السَّلَفَ لِدَفْعِ مَضَرَّةٍ لَا يُقَالُ فِيهِ إنَّ السَّلَفَ هُوَ الَّذِي جَرَّ الْمَنْفَعَةَ. فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ كَانَتْ وَاجِبَةً لِمُسْتَحِقِّهَا بِالْعَقْدِ قَبْلَ السَّلَفِ فَلِهَذَا مَنَعُوا أَعْطِنِي بِنِصْفِ الدِّرْهَمِ وَدَعْ بَاقِيَهُ سَلَفًا عِنْدَك، وَأَجَازُوا هَذَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَمَنَعُوا الشَّرِكَةَ عَلَى شَرْطِ سَلَفِ الزَّرِيعَةِ. وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بَعْدَ الْعَقْدِ مَعَ أَنَّهُ يَقُولُ: إنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِالْعَقْدِ. وَأَشَارَ ابْنُ رُشْدٍ لِهَذَا الْمَعْنَى. وَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ رَبَّ الْحَائِطِ صَلَاحُ الْبِئْرِ، وَيَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يُسَلِّفَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْ ثَمَنِ حَظِّ رَبِّهِ مِنْ الثَّمَرَةِ، وَكَذَا إذَا انْهَارَتْ بِئْرُ الْفَدَّانِ الْمُكْتَرَى لِلْمُكْتَرِي أَنْ يُسَلِّفَ كِرَاءَ عَامٍ. وَفِي الْبِئْرِ مَعَ كِرَاءِ سِنِينَ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: فَإِنْ كَانَ الْمُكْتَرِي قَدْ دَفَعَ الْكِرَاءَ وَرَبُّ الْفَدَّانِ قَدْ أَفْلَسَ قِيلَ لِلْمُكْتَرِي أَنْفِقْهُ سَلَفًا مِنْ عِنْدِك. اُنْظُرْ الْمُسَاقَاةَ فِي الْمُنْتَقَى، وَكَذَلِكَ إذَا غَابَ الْجَمَّالُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ لِيَفْسَخَ الْكِرَاءَ وَلَهُ الْبَقَاءُ وَيُسَلِّفُ الْعَلَفَ. قَالَ شَارِحُ التَّهْذِيبِ: وَلَا يُقَالُ فِي هَذَا سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا. وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ نَصُّوا أَنَّ مَنْ عَجَّلَ مَا فِي ذِمَّتِهِ عُدَّ مُسَلِّفًا، وَأَجَازُوا إذَا حَلَّ الدَّيْنُ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَهُ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَ بَاقِيَهُ لِأَجَلٍ، وَلَمْ يَجُزْ هَذَا قَبْلَ الْحُلُولِ لِأَنَّهُ إذَا حَلَّ الدَّيْنُ وَجَبَ شَرْعًا وَانْجَلَبَ حُكْمًا، فَلَا يُقَالُ إنَّ التَّأْخِيرَ هُوَ الَّذِي جَلَبَهُ وَإِنْ تُصُوِّرَ جَلْبُهُ بِالتَّأْخِيرِ وُجُودًا عَيْنِيًّا. وَانْظُرْ أَيْضًا نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ إذَا رَهَنَ زَرْعًا أَخْضَرَ فَانْهَارَتْ بِئْرُهُ وَأَبَى الرَّاهِنُ مِنْ الْإِصْلَاحِ، فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُصْلِحَهَا لِخَوْفِ هَلَاكِ الزَّرْعِ حَتَّى يَرْجِعَ بِذَلِكَ فِي الزَّرْعِ. وَانْظُرْ أَيْضًا سَمَاعَ يَحْيَى: إذَا سَقَطَتْ حِيطَانُ الْكَرْمِ وَخِيفَ الْفَسَادُ عَلَى الثَّمَرَةِ فَإِنْ بَدَا صَلَاحُهَا بِيعَتْ عَلَى الْآبِي، وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا قِيلَ لِمَنْ طَلَبَ التَّحْظِيرَ إنْ شِئْت حَظِّرْ وَكُنْ مَالِكًا بِحِصَّةِ الْآبِي مِنْ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ مَا أَنْفَقْتَ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ إذَا عَجَزَ عَامِلُ الْمُسَاقَاةِ أَنَّ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يُتِمَّ الْعَمَلَ وَيَسْتَوْفِي مِنْ الثَّمَرَةِ مَا أَدَّى. قَالَ: كَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُتَزَارِعِينَ يَعْجِزُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْعَمَلِ وَقَبْلَ طِيبِ الزَّرْعِ يُقَالُ لِصَاحِبِهِ اعْمَلْ، فَإِذَا يَبِسَ الزَّرْعُ بِعْ وَاسْتَوْفِ حَقَّك لِأَنَّ الْعَمَلَ كَانَ لَهُ لَازِمًا. (كَشَرْطِ عَفِنٍ بِسَالِمٍ وَدَقِيقٍ أَوْ كَعْكٍ بِبَلَدٍ) مِنْ الْوَاضِحَةِ: لَا يَجُوزُ سَلَفُ الطَّعَامِ السَّائِسِ وَلَا الْعَفِنِ وَلَا الْقَدِيمِ لِيَأْخُذَ جَدِيدًا إلَّا إنْ نَزَلَتْ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ فَسَأَلُوا رَبَّ الطَّعَامِ الْمَذْكُورِ إذْ الْمَنْفَعَةُ لَهُمْ دُونَهُ، يُرِيدُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ حِينَئِذٍ بَاعَهُ بِثَمَنٍ غَالٍ، وَفِي الْغَالِبِ أَنَّ الطَّعَامَ الَّذِي يُؤَدُّونَهُ يَكُونُ وَقْتَ الْأَدَاءِ أَرْخَصَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ سَائِسٍ وَلَا مَعْفُونٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاجِّ قَرْضُ كَعْكٍ أَوْ سَوِيقٍ عَلَى أَنْ يُوفِيَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ وَلْيُسَلِّفْهُ وَلَا يَشْتَرِطْ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا يَشْتَرِطُ إلَّا الْقَضَاءَ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (أَوْ خُبْزِ فُرْنٍ بِمُلَّةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَقْرَضْتَهُ خُبْزَ الْفُرْنِ فَلَا تَشْتَرِطْ عَلَيْهِ خُبْزَ تَنُّورٍ أَوْ مَلَّةَ، وَيَجُوزُ إنْ قَضَاكَ بِغَيْرِ شَرْطٍ تَحَرِّيًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 531 كَأَخْذِ السَّمْرَاءِ مِنْ الْمَحْمُولَةِ، أَوْ دِينَارٍ دِمَشْقِيٍّ مِنْ كُوفِيٍّ بِهَذَا الْمَعْنَى. (أَوْ عَيْنٍ عَظُمَ حَمْلُهَا كَسَفْتَجَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: كُلَّمَا أَقْرَضْتَهُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ يُرِيدُ مِمَّا لَهُ حَمْلٌ أَوْ كِرَاءٌ بِبَلَدٍ عَلَى أَنْ يُوفِيَك بِبَلَدٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّكَ رَبِحْت الْحَمْلَانِ. قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا إنْ أَقْرَضْتَهُ عَيْنًا فَلَا حِمَالَ فِيهَا إذْ لَك أَخْذُهُ بِهَا حَيْثُ لَقِيته، فَإِنْ شَرَطْت أَخْذَهَا بِبَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا فَعَلْته رِفْقًا بِصَاحِبِك لَا تَعْتَزِي أَنْتَ بِهِ نَفْعًا مِنْ ضَمَانِ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْعِرَاقِ بِالسَّفَاتِجِ. عِيَاضٌ: السَّفْتَجَاتُ جَمْعُ سَفْتَجَةٍ وَهِيَ الْبَطَائِقُ تُكْتَبُ فِيهَا الْإِحَالَاتُ بِالدُّيُونِ، وَذَلِكَ أَنْ يُسْلِفَ الرَّجُلُ فِي بَلَدٍ مَالًا لِبَعْضِ أَهْلِهِ، وَيَكْتُبَ الْقَابِضُ لِنَائِبِهِ بِبَلَدِ الْمُسْلِفِ لِيَدْفَعَ لَهُ عِوَضَهُ هُنَالِكَ مِمَّا لَهُ بِبَلَدِهِ خَوْفُ الطَّرِيقِ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ خَارِجٍ إلَى مِصْرَ أُسَلِّفُك مَالًا لِتَقْضِيَنِي بِمِصْرَ فَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَسَلِّفُ هُوَ السَّائِلُ فَذَلِكَ جَائِزٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ إحَالَةُ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَأَنَّهَا مُسَلَّمَةٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لِابْنِ عَرَفَةَ (إلَّا أَنْ يَعُمَّ الْخَوْفُ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي جَوَازِ قَرْضِ الْعَيْنِ عَلَى قَضَائِهَا بِبَلَدٍ آخَرَ لِخَوْفِ الطَّرِيقِ إنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ فِي السَّفَاتِجِ لِلْمُعْطِي بِمَا يَخَافُ مِنْ غَرَرِ الطَّرِيقِ لَمْ يَجُزْ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: يُرِيدُ إذَا لَمْ يَكُنِ الْهَلَاكُ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ غَالِبًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَالِبَ صَارَتْ ضَرُورَةً وَأُجِيزَتْ صِيَانَةً لِلْأَمْوَالِ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ يُؤَخَّرُ أَكْثَرُ النَّقْدِ. وَقَالَ: قَدْ اقْتَطَعَ الْأَكْرِيَاءُ أَمْوَالَ النَّاسِ وَهَذَا هُوَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ، فَأَجَازَهُ. لِئَلَّا تَهْلَكَ أَمْوَالُ النَّاسِ (وَكَعَيْنٍ كُرِهَتْ إقَامَتُهَا) اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ " كَشَرْطِ عَفِنٍ " (إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ نَفْعُ الْمُقْتَرِضِ فَقَطْ فِي الْجَمِيعِ) . ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَرْضُ طَعَامٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ بِبَلَدٍ عَلَى أَنْ يُوفِيَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ لَا يَجُوزُ. اللَّخْمِيِّ: إلَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 532 أَنْ يَقُومَ دَلِيلُ كَوْنِ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْتَقْرِضِ وَحْدَهُ. وَانْظُرْ نَصَّ ابْنِ رُشْدٍ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَجَرُّ مَنْفَعَةٍ ". (كَفَدَّانٍ مُسْتَحْصَدٍ خَفَّتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ يَحْصُدُهُ وَيَدْرُسُهُ وَيَرُدُّ مَكِيلَتَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَقْرَضَك فَدَّانًا مِنْ زَرْعٍ مُسْتَحْصَدٍ تَحْصُدُهُ أَنْتَ وَتَدْرُسُهُ لِحَاجَتِك وَتَرُدُّ عَلَيْهِ مِثْلَ كَيْلِ مَا فِيهِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ رِفْقًا وَنَفْعًا لَك دُونَهُ جَازَ إذَا كَانَ لَيْسَ فِيمَا كَفَيْته مِنْهُ كَبِيرَ مُؤْنَةٍ لِقِلَّتِهِ فِي كَثْرَةِ زَرْعِهِ، وَلَوْ اعْتَزَى بِذَلِكَ نَفَعَ نَفْسَهُ بِكِفَايَتِك إيَّاهُ مُؤْنَتَهُ لَمْ يَجُزْ. (وَمُلِكَ) ابْنُ شَاسٍ: حُكْمُ الْقَرْضِ التَّمْلِيكُ وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ. فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اسْتَعَارَ عَيْنًا أَوْ فُلُوسًا فَهُوَ سَلَفٌ مَضْمُونٌ لَا عَارِيَّةٌ (وَلَمْ يَلْزَمْ رَدُّهُ إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ) . ابْنُ شَاسٍ: لَوْ أَرَادَ الرُّجُوعَ فِي قَرْضِهِ مُنِعَ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الِانْتِفَاعِ بِالشَّرْطِ أَوْ الْعَادَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا جَرَى عَلَى الْعَارِيَّةِ وَفِيهَا خِلَافٌ انْتَهَى. اُنْظُرْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ عَيْنَ الْقَرْضِ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ. قَالُوا: وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا ضَيْرَ أَنْ يُسَلِّفَهُ وَيَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ. قَالَ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُسَلِّفَهُ وَلَا يَشْتَرِطَ (كَأَخْذِهِ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ قَضَاهُ بِمَحَلِّ قَبْضِهِ لَزِمَهُ وَبِغَيْرِ مَحَلِّ قَبْضِهِ يَجُوزُ أَنْ يَتَرَاضَيَا إنْ حَلَّ أَجَلُهُ. قَالَهُ الْجَلَّابُ انْتَهَى. وَانْظُرْ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَرُدَّهُ لَهُ بِبَلَدِهِ لِخَرَابِهِ وَانْجِلَاءِ أَهْلِهِ. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ فِي رَجُلٍ يُسَلِّفُ فُلُوسًا أَوْ دَرَاهِمَ بِالْبِلَادِ الْمَشْرِقِيَّةِ ثُمَّ جَاءَ مَعَ الْمُقْتَرِضِ إلَى بِلَادِ الْمَغْرِبِ فَوَقَعَ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ يَغْرَمُ لَهُ قِيمَتَهَا فِي بَلَدِهَا يَوْمَ الْحُكْمِ قَالَ: وَهَذَا نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرُّهُونِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَغُرْمُهُ الْقِيمَةَ هُوَ مِثْلُ مَا حَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِيمَنْ سَلَّفَ طَعَامًا لِأَسِيرٍ بِدَارِ الْحَرْبِ وَانْظُرْ أَيْضًا فِي الْمَاءِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ يَتَسَلَّفُ أَحَدُهُمْ حَظَّ صَاحِبِهِ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ فَيُبْطِئُ بِطَلَبِهِ لِلصَّيْفِ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِهِ. اُنْظُرْ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ السَّلَمِ. (إلَّا الْعَيْنَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا كَانَ لَك عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ إلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 533 أَجَلٍ فَعَجَّلَهَا لَك قَبْلَ الْأَجَلِ، جُبِرْت عَلَى أَخْذِهَا كَانَتْ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ انْتَهَى. قَالَ بَهْرَامَ: وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ الْمُقَاصَّةَ يَعْنِي أَنَّهَا فَصْلٌ مِنْ فُصُولِ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ. وَانْظُرْ أَيْضًا بِهَذِهِ النِّسْبَةِ فَقَدْ نَقَصَهُ فُصُولٌ مِنْهَا التَّوْلِيجُ وَمِنْهَا التَّصْيِيرُ. وَقَدْ تَرْجَمَ ابْنُ سَلْمُونَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: الْمُعَاوَضَةُ وَالتَّصْيِيرُ وَالتَّوْلِيجُ، وَذَكَرَ فِي التَّوْلِيجِ قَوْلَ مَالِكٍ فِيمَنْ وَلَّى ابْنَهُ حَائِطًا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ عَنْ مَالٍ لِابْنِهِ قَبِلَهُ بِيَسِيرٍ، وَمَنْ بَاعَ مِنْ زَوْجِهِ دَارَ سُكْنَاهُ وَأَشْهَدَ بِقَبْضِ الثَّمَنِ. وَذَكَرَ أَيْضًا فِي فَصْلِ التَّصْيِيرِ أَيْضًا أَنَّهُ إنْ صَيَّرَ لِزَوْجَتِهِ أَوْ لِمَحْجُورِهِ دَارَ سُكْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ كَلَامَ ابْنِ سَهْلٍ فِي الَّذِي صَيَّرَ لِامْرَأَتِهِ فِي كَالِئِهَا نِصْفَ دَارِ سُكْنَاهُ مَعَهَا وَسُكْنَاهَا جَمِيعًا إلَى أَنْ مَاتَ فِيهَا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَنْفُذُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ التَّصْيِيرُ كَالْبَيْعِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إخْلَاءٍ وَلَا إلَى حِيَازَةٍ، وَبِهَذَا أَفْتَى ابْنُ عَاتٍ وَابْنُ الْقَصَّارِ وَابْنُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. قَالَ: لِأَنَّ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ وَهَبَ أَجْنَبِيًّا جُزْءًا مِنْ مَالِهِ مُشَاعًا وَاعْتَمَدَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَعَ الْوَاهِبِ أَنَّهُ جَائِزٌ انْتَهَى. اُنْظُرْ سَمَاعَ عِيسَى مِنْ الْبُرْزُلِيُّ. وَمِنْ فُصُولِ الْبَيْعِ أَيْضًا مَنْ بِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ وَهُوَ حَاضِرٌ. عَقَدَ ابْنُ سَلَمُونٍ فِيهِ فَصْلًا فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ، وَعَقَدَ عَلَيْهِ أَيْضًا ابْنُ هِشَامٍ فِي كِتَابِهِ الْمُفِيدِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي، وَذَكَرَ فِيهِ قَوْلَ مَالِكٍ: كُلُّ مَالٍ بِيعَ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ وَصَاحِبُهُ حَاضِرٌ يَنْظُرُ حَتَّى بِيعَ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ، ثُمَّ أَرَادَ الدَّعْوَى فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرٌ وَخَدِيعَةٌ إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ غَيْرِ مَقْهُورٍ بِالطَّاقَةِ. وَانْظُرْ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ إنْ فَرَّقَا بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ أَوْ جَمِيعَ الْمِلْكِ أَوْ فَدَّانًا بِعَيْنِهِ، فَإِنْ بَاعَ حَقَّهُ وَحَقَّ غَيْرِهِ فَسُكُوتُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 534 الشَّرِيكِ بَعْدَ عِلْمِهِ مُوجِبًا لِلُّزُومِ بَيْعِهِ فَضْلًا عَنْ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ خَاصَّةً إنْ قَامَ بِالْقُرْبِ وَإِلَّا فَلَا ثَمَنَ لَهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 535 [بَابُ الرَّهْنِ] فِي الرَّهْنِ يَجُوزُ غَيْرَ مَقْسُومٍ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّهْنِ، أَيَجُوزُ غَيْرَ مَقْسُومٍ أَمْ لَا يَجُوزُ إلَّا مَقْسُومًا مَقْبُوضًا؟ قَالَ: يَجُوزُ غَيْرَ مَقْسُومٍ إذَا قَبَضَهُ صَاحِبُهُ وَحَازَهُ مَعَ مَنْ لَهُ فِيهِ شِرْكٌ وَكَانَ يُكْرِيهِ وَيَلِيهِ مَعَ مَنْ لَهُ فِيهِ شِرْكٌ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْسُومٍ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، فِيمَنْ ارْتَهَنَ رَهْنًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى قَامَ الْغُرَمَاءُ عَلَى الرَّاهِنِ. قُلْت: أَرَأَيْت إنْ رَهَنْت رَجُلًا رَهْنًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ مِنِّي حَتَّى قَامَتْ عَلَيَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 537 الْغُرَمَاءُ، أَيَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ أَمْ يَكُونُ أَوْلَى بِالرَّهْنِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ مَالِكٌ: هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ (قَوْلُهُ الرَّهْنُ بَذْلُ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ مَا يُبَاعُ أَوْ غَرَرًا) فَخَرَجَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَحِقُّ لَهُ الْبَيْعُ وَقَالَ: (وَلَوْ اشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ) . ابْنُ رُشْدٍ قِيلَ يُمْنَعُ رَهْنُ الْغَرَرِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْمَشْهُورُ جَوَازُهُ وَأَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ رَهْنَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَرَهْنَ الْمُؤَبَّرِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ كَوْنِهِ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَا (وَثِيقَةً بِحَقٍّ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ وَثِيقَةً بِحَقٍّ فَتَخْرُجُ الْوَدِيعَةُ وَالْمَصْنُوعُ بِيَدِ صَانِعِهِ. (كَوَلِيٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْتَهِنَ مِنْ مَتَاعِ الْيَتِيمِ رَهْنًا فِيمَا يَبْتَاعُ لَهُ مِنْ كِسْوَةٍ أَوْ طَعَامٍ كَمَا يَتَسَلَّفُ لِلْيَتِيمِ حَتَّى يَبِيعَ لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 538 بَعْضَ مَتَاعِهِ وَذَلِكَ لَازِمٌ لِلْيَتِيمِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُعْطِيَ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً. (وَمُكَاتَبٍ وَمَأْذُونٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا رَهَنَ الْمُكَاتَبُ أَوْ ارْتَهَنَ جَازَ ذَلِكَ إنْ أَصَابَ وَجْهَ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ جَائِزُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَلْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَجْعَلَ الْمُكَاتَبَ رَهْنًا بِيَدِ غَيْرِهِ فِي حَقٍّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَذْكُرُ فِي هَذَا نَصًّا قَالَ: وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ كِتَابَتِهِ وَمَنْعِ بَيْعِ رَقَبَتِهِ صِحَّةُ رَهْنِهِ مَعْرُوفٌ تَعَلُّقُ رَهْنِهِ بِكِتَابَتِهِ وَرَقَبَتِهِ إنْ عَجَزَ، وَعَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَجُوزُ رَهْنُ الْمُكَاتَبِ وَيَسْتَوْفِي مِنْ كِتَابَتِهِ أَوْ ثَمَنِهِ إنْ عَجَزَ. (وَكِتَابَتِهِ وَاسْتُوْفِيَ مِنْهَا أَوْ رَقَبَتِهِ إنْ عَجَزَ) اُنْظُرْ هَذَا هُوَ مُقْتَضَى مَا فَسَّرَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ مَعْزُوًّا لِنَفْسِهِ. (وَخِدْمَةِ مُدَبَّرٍ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُعْجِبُنِي رَهْنُ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ. ابْنُ رُشْدٍ: أَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ رَهْنَ الْمُدَبَّرِ وَإِذَا جَازَ رَهْنُ الْمُدَبَّرِ الْمَدِينِ فَمَا الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ ارْتِهَانِ خِدْمَتِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ فِي الْوَقْتِ فَتَكُونُ إجَارَتُهُ رَهْنًا لَهُ، وَذَلِكَ أَحَقُّ فِي الْغَرَرِ مِنْ رَهْنِ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا انْتَهَى. فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 539 ابْنُ رُشْدٍ. (وَإِنْ رُقَّ جُزْءٌ فَمِنْهُ لَا رَقَبَتِهِ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ رَهْنَ الْمُدَبَّرِ جَائِزٌ وَيُسْتَوْفَى الدَّيْنُ مِنْ خَرَاجِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَمَا دَامَ السَّيِّدُ حَيًّا فَلَا سَبِيلَ لِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْوَفَاءِ بِيعَ فِي بَقِيَّةِ الدَّيْنِ جَمِيعُ الْمُدَبَّرِ أَوْ بَعْضُهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دُيُونٌ غَيْرُ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِالْمُدَبَّرِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ (وَهَلْ يَنْتَقِلُ لِخِدْمَتِهِ؟ قَوْلَانِ كَظُهُورِ حُبُسِ دَارٍ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَعِبَارَةَ غَيْرِهِ " لَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا فَظَهَرَ أَنَّهُ مُدَبَّرٌ فَذَلِكَ كَمَنْ ارْتَهَنَ دَارًا ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهَا حَبْسٌ عَلَيْهِ فَقِيلَ لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ غَلَّتِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا رَهَنَهُ الرَّقَبَةَ، وَقِيلَ يَكُونُ لَهُ مَا يَصِحُّ لِلرَّاهِنِ مِلْكُهُ مِنْهَا وَهِيَ الْمَنَافِعُ الَّتِي حُبِسَتْ عَلَيْهِ اهـ. ثُمَّ بَعْدَ حِينِ اطَّلَعْت عَلَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي اخْتَصَرَ خَلِيلٌ فَانْظُرْهُ أَنْتَ فِي بَابِ مَنْ بَاعَ عَلَى رَهْنٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. (وَمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ارْتَهَنَ ثَمَرَ نَخْلٍ أَوْ زَرْعًا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِمَا أَوْ بَعْدُ جَازَ ذَلِكَ إذَا حَازَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ عَدْلٌ يَرْضَيَانِ بِهِ، وَيَتَوَلَّى مَنْ يَحُوزُ سَقْيَهُ وَعِلَاجَهُ وَأَجْرُ السَّقْيِ فِي ذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ نَفَقَةَ الدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَأْخُذَ النَّخْلَ مَعَ الثَّمَرِ وَالْأَرْضَ مَعَ الزَّرْعِ لِيَتِمَّ لَهُ الْحَوْزُ، ثُمَّ لَا يَكُونُ رَهْنًا فِي قِيَامِ الْغُرَمَاءِ إلَّا التَّمْرَ أَوْ الزَّرْعَ خَاصَّةً، وَانْظُرْ إذَا تَرَكَ الْمُرْتَهِنُ إكْرَاءَ الشَّأْنِ إكْرَاؤُهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ عَلَى الْكِرَاءِ يَتْرُكُ ذَلِكَ، هَلْ عَلَيْهِمَا غُرْمٌ؟ وَانْظُرْ إنْ طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ أَجْرَ قِيَامِهِ بِالرَّهْنِ وَاقْتِضَائِهِ غَلَّتَهُ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَانْتَظَرَ لِيُبَاعَ وَحَاصَّ مُرْتَهِنُهُ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ فَإِذَا صَلَحَتْ بِيعَتْ فَإِنْ وَفَّى رَدَّ مَا أَخَذَ وَإِلَّا قُدِّرَ مُحَاصًّا بِمَا بَقِيَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ فَلِسَ أَوْ مَاتَ وَقَدْ ارْتَهَنَ مِنْهُ رَجُلٌ زَرْعًا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَهُوَ مِمَّا لَا يُبَاعُ حِينَ الْحِصَاصِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 540 فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يُحَاصِرُ الْغُرَمَاءَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ الْآنَ وَيَتْرُكُ الزَّرْعَ، فَإِذَا حَلَّ بَيْعُهُ بِيعَ، فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ مِثْلَ دَيْنِهِ أَوْ أَزْيَدَ مِنْهُ قَبَضَ مِنْهُ دَيْنَهُ وَرَدَّ زِيَادَةً إنْ كَانَتْ مَعَ مَا كَانَ قَبَضَ فِي الْحِصَاصِ فَكَانَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ أَقَلَّ مِنْ دَيْنِهِ نَظَرَ إلَى مَا كَانَ يَبْقَى لَهُ مِنْ دَيْنِهِ بَعْدَ مَبْلَغِ ثَمَنِ الزَّرْعِ فَعَلِمْت أَنَّ بِمِثْلِهِ كَانَ يَجِبُ لَهُ الْحِصَاصُ أَوَّلًا، فَمَا وَقَعَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلْيَحْسِبْهُ مِمَّا كَانَ أَخَذَ أَوَّلًا وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ فَيَتَحَاصَّ فِيهِ الْغُرَمَاءُ. (إلَّا كَأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَدْفَعُ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ رَهْنًا مِنْ مَتَاعِ الْيَتِيمِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا نَظَرَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ (وَجِلْدِ مَيْتَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ رَهْنُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَلَا بَيْعُهَا وَلَوْ دُبِغَتْ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ بِرَهْنِ جُلُودِ السِّبَاعِ الْمُذَكَّاةِ وَبَيْعِهَا دُبِغَتْ أَمْ لَا (وَكَجَنِينٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: جَوَّزَ أَهْلُ الْعِلْمِ ارْتِهَانَ الْغَلَّاتِ وَلَمْ يُجَوِّزُوا ارْتِهَانَ الْأَجِنَّةِ (وَخَمْرٍ وَإِنْ لِذِمِّيٍّ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا عِنْدَ قَوْلِهِ " مَا يُبَاعُ " (إلَّا أَنْ يَتَخَلَّلَ) أَشْهَبُ: إنْ قَبَضَ مُرْتَهِنٌ الْخَمْرَ ثُمَّ فَلِسَ رَاهِنُهُ فَلَا رَهْنَ لَهُ فِيهِ. قَالَ سَحْنُونَ: إلَّا أَنْ يَتَخَلَّلَ فَيَكُونَ أَحَقَّ بِهَا (وَإِنْ تَخَمَّرَ أَهْرَاقَهُ بِحَاكِمٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ ارْتَهَنَ عَصِيرًا فَصَارَ خَمْرًا فَلْيَرْفَعْهَا إلَى الْإِمَامِ لِتُهْرَاقَ بِأَمْرِهِ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا وَجَدَ الْوَصِيُّ فِي التَّرِكَةِ خَمْرًا فَلَا يُهْرِيقَهَا إلَّا بِأَمْرِ السُّلْطَانِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَعَقَّبَ بِأَمْرِ مَنْ يَأْتِي يَطْلُبُهُ فِيهَا. قِيلَ: إنَّمَا أَمَرَهُ بِرَفْعِهَا إلَى الْإِمَامِ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ يَرَى تَخْلِيلَهَا. (وَصَحَّ مُشَاعٌ وَحِيزَ بِجَمِيعِهِ إنْ بَقِيَ فِيهِ لِلرَّاهِنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِرَهْنِ جُزْءٍ مُشَاعٍ غَيْرِ مَقْسُومٍ مِنْ رَبْعٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَرْضٍ وَقَبْضِهِ إنْ كَانَ بَيْنَ الرَّاهِنِ وَغَيْرِهِ أَنْ يَحُوزَ الْمُرْتَهِنُ حِصَّةَ الرَّاهِنِ وَيُكْرِيهِ وَيَلِيهِ مَعَ مَنْ لَهُ فِيهِ شِرْكٌ لِرَبِّهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَضَعَاهُ عَلَى يَدِ الشَّرِيكِ وَالْحَوْزُ فِي ارْتِهَانِ نِصْفِ مَا يَمْلِكُ الرَّاهِنُ جَمِيعَهُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ قَبَضَ جَمِيعَهُ (وَلَا يَسْتَأْذِنُ شَرِيكَهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: رَهْنُ الْمُشَاعِ فِيمَا بَاقِيهِ لِغَيْرِ الرَّاهِنِ رِبْعًا أَوْ مُنْقَسِمًا لَا يَفْتَقِرُ لِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ: مَنْ كَانَ لَهُ نِصْفُ عَبْدٍ أَوْ نِصْفُ دَابَّةٍ أَوْ مَا يُنْقَلُ كَالثَّوْبِ وَالسَّيْفِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْهَنَ حِصَّتَهُ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يَنْقَسِمُ. (وَلَهُ أَنْ يَقْسِمَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا يَنْقَسِمُ مِنْ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ فَرَهَنَ حِصَّةً مِنْهُ جَازَ ذَلِكَ إذَا حَازَهُ الْمُرْتَهِنُ، فَإِنْ شَاءَ الشَّرِيكُ الْبَيْعَ قَاسَمَ فِيهِ الرَّاهِنَ وَالرَّهْنُ كَمَا هُوَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ يَدِهِ، فَإِنْ غَابَ الرَّاهِنُ أَقَامَ الْإِمَامُ مَنْ يَقْسِمُ لَهُ ثُمَّ تَبْقَى حِصَّةُ الرَّاهِنِ فِي الْوَجْهَيْنِ رَهْنًا وَيَطْبَعُ عَلَى كُلِّ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ (وَيَبِيعَ وَيُسَلِّمَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: عَلَى الْمَشْهُورِ لَا يَسْتَأْذِنُ الشَّرِيكُ وَلَهُ أَنْ يَقْسِمَ وَيَبِيعَ وَيُسَلِّمَ. (وَلَهُ اسْتِئْجَارُ جُزْءِ غَيْرِهِ وَيَقْبِضُهُ الْمُرْتَهِنُ لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ رَهَنَ حِصَّتَهُ مِنْ دَارٍ ثُمَّ اكْتَرَى حِصَّةَ شَرِيكِهِ وَسَكَنَ بَطَلَ الْحَوْزُ إنْ لَمْ يَقُمْ الْمُرْتَهِنُ يَقْبِضُ حِصَّةَ الرَّاهِنِ مِنْ الدَّارِ وَيُقَاسِمُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا سَكَنَ نِصْفَ الدَّارِ وَهِيَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 541 غَيْرُ مَقْسُومَةٍ صَارَ الْمُرْتَهِنُ غَيْرَ حَائِزٍ، وَلَا يَمْنَعُ الشَّرِيكُ أَنْ يُكْرِيَ نَصِيبَهُ مِنْ الرَّاهِنِ وَلَكِنْ تُقْسَمُ الدَّارُ فَيَحُوزُ الْمُرْتَهِنُ رَهْنَهُ وَيُكْرِي الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ مِمَّنْ يَشَاءُ (وَلَوْ أَمَّنَا شَرِيكًا فَرَهَنَ حِصَّتَهُ لِلْمُرْتَهِنِ وَأَمَّنَا الرَّاهِنَ الْأَوَّلَ بَطَلَ حَوْزُهُمَا) ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ ارْتَهَنَ نِصْفَ دَارٍ فَجَعَلَهَا عَلَى يَدَيْ شَرِيكِ الرَّاهِنِ ثُمَّ ارْتَهَنَ نِصَابَهُ الشَّرِيكُ بَعْدَ ذَلِكَ فَجَعَلَهَا عَلَى يَدَيْ الرَّاهِنِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ رَهْنُ جَمِيعِ الدَّارِ لِأَنَّهَا قَدْ رَجَعَتْ عَلَى حَالِهَا بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابُهُ. (وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسَاقِي وَحَوْزُهُمَا الْأَوَّلُ كَافٍ) الْجَلَّابُ: مَنْ أَجَّرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ رَهَنَهَا مِنْهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَّرَهَا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ رَهَنَهَا مِنْ غَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَنْ سَاقَى حَائِطَهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ رَهَنَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ، وَيَنْبَغِي لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَعَ الْعَامِلِ فِي الْحَائِطِ غَيْرَهُ، وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ مَنْ سَاقَى حَائِطَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ فَلْيَجْعَلْ الْمُرْتَهِنُ مَعَ الْمُسَاقِي رَجُلًا وَيَجْعَلَانِهِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ. قَالَ مَالِكٌ: جَعْلُهُ بِيَدِ الْمُسَاقِي أَوْ أَجِيرٍ لَهُ يُبْطِلُ رَهْنَهُ. وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرْتَهِنَ مَا هُوَ فِي يَدَيْهِ بِإِجَارَةٍ أَوْسُقًا، وَيَكُونُ ذَلِكَ حَوْزًا لِلْمُرْتَهِنِ مِثْلَ الَّذِي يَخْدُمُ الْعَبْدَ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ حَوْزُ الْمُخْدِمِ حَوْزًا لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ. (وَالْمِثْلِيُّ وَلَوْ عَيْنًا بِيَدِهِ إنْ طُبِعَ عَلَيْهِ) لَوْ قَالَ " وَلَوْ غَيْرَ عَيْنٍ " لَتَنَزَّلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا ابْنُ لُبٍّ: الرُّهُونُ مَصْرُوفَةٌ إلَى أَمَانَاتِ النَّاسِ إذْ قَدْ يَنْتَفِعُونَ بِالرُّهُونِ وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: يَكْفِي مِنْ الطَّبْعِ أَنْ يَكُونَ الطَّبْعُ إذَا أُزِيلَ عُلِمَ زَوَالُهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تُرْهَنُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَالْفُلُوسُ وَمَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ إدَامٍ وَمَا يُؤْكَلُ أَوْ يُوزَنُ إلَّا أَنْ يُطْبَعَ عَلَيْهِ لِيُمْنَعَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ النَّفْعِ بِهِ وَرُدَّ مِثْلُهُ. أَشْهَبُ: لَا أَرَى أَنْ يُطْبَعَ عَلَى مَا لَا يُرَى بِعَيْنِهِ إلَّا الْعَيْنَ، فَلَا أَرَى ارْتِهَانَهَا إلَّا مَطْبُوعَةً قَالَ: لِأَنَّ النَّفْعَ فِي الْعَيْنِ خَفِيٌّ، فَإِنْ لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 542 يُطْبَعْ عَلَى الدَّرَاهِمِ لَمْ يَفْسُدْ الرَّهْنُ وَلَا الْبَيْعُ وَيَسْتَقْبِلُ طَبْعَهَا إنْ عَثَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا بِيَدِ أَمِينٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَطْبَعُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُطْبَعُ عَلَى الْحُلِيِّ حَذَرَ اللَّبْسِ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَسَائِرِ الْعُرُوضِ. (وَفَضْلَتُهُ إنْ عُلِمَ الْأَوَّلُ وَرَضِيَ) أَمَّا رَهْنُ الْفَضْلَةِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ نَفْسِهِ فِي حَقٍّ آخَرَ لَهُ أَيْضًا فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَخَذْت مِنْ رَجُلٍ رَهْنًا بِدَيْنٍ لَك عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْرَضَك دَرَاهِمَ أُخَرَ عَلَى ذَلِكَ الرَّهْنِ جَازَ وَكَانَ بِالدَّيْنَيْنِ رَهْنًا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِحَقٍّ فَإِذَا كَانَ فِيهِ فَضْلٌ جَازَ أَنْ يُشْغَلَ بِحَقٍّ آخَرَ مَعَ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا رَهْنُهَا فِي حَقٍّ آخَرَ لِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: لَا يَجُوزُ لِرَاهِنِ ثَوْبٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 543 رَهْنُ فَضْلَتِهِ مِنْ مُرْتَهِنٍ آخَرَ إلَّا بِإِذْنِ الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ الْأَوَّلُ حِينَئِذٍ حَائِزًا لِلْمُرْتَهِنِ الثَّانِي إذَا رَضِيَ. (وَلَا يَضْمَنُهَا الْأَوَّلُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ارْتَهَنْت ثَوْبًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِينَارٍ فِي خَمْسِينَ دِينَارًا ثُمَّ رَهَنَ رَبُّ الثَّوْبِ فَضْلَتَهُ لِغَيْرِهِ بِرِضَاك فَهَلَكَ الثَّوْبُ بِيَدِك بَعْدَمَا ارْتَهَنَ الثَّانِي فَضْلَتَهُ وَهُوَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، ضَمِنْت مِنْهُ مَبْلَغَ دَيْنِك وَكُنْت فِي الْبَاقِي أَمِينًا، وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ الثَّانِي بِدَيْنِهِ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ فَضْلَةَ الرَّهْنِ هِيَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ أَوْ هُوَ الْمُرْتَهِنُ الْأَوَّلُ اهـ. اُنْظُرْ لَوْ لَمْ تَرْهَنْ الْفَضْلَةَ مَاذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ يَضْمَنُ؟ اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَاسْتَمَرَّ ضَمَانُهُ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الدَّيْنِ ". وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: إنْ أَخَذْت رَهْنًا بِصَدَاقِهَا قِيمَتُهُ مِثْلُ صَدَاقِهَا ضَمِنْته إنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ عُدُولٌ " وَقَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا: " وَرَهْنِ نِصْفِهِ ". (كَتَرْكِ الْحِصَّةِ الْمُسْتَحَقَّةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ارْتَهَنَ دَابَّةً أَوْ دَارًا أَوْ ثَوْبًا فَاسْتُحِقَّ نِصْفُ ذَلِكَ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَبَاقِيهِ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْحَقِّ، فَإِنْ شَاءَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ قِيلَ لِلرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ بِيعَا مَعَهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ، وَقِيلَ لِلْمُرْتَهِنِ لَا تُسَلِّم رَهْنَك وَلَكِنْ يُبَاعُ وَهُوَ بِيَدِهِ وَتَصِيرُ حِصَّةُ الرَّاهِنِ مِنْ الثَّمَنِ رَهْنًا بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ مَطْبُوعًا عَلَيْهِ بِجَمِيعِ حَقِّهِ، فَلَوْ تَرَكَ الْمُسْتَحِقُّ حِصَّتَهُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ ثَوْبٌ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ الْمُرْتَهِنُ إلَّا نِصْفَ قِيمَتِهِ لِلرَّاهِنِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ مَنْ ارْتَهَنَ نِصْفَ ثَوْبٍ فَقَبَضَ جَمِيعَهُ فَهَلَكَ عِنْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا نِصْفَ قِيمَتِهِ وَهُوَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مُؤْتَمَنٌ. (وَمُعْطِي دِينَارٍ لِيَسْتَوْفِيَ نِصْفَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ يَسْأَلُ رَجُلًا نِصْفَ دِينَارٍ فَأَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ نِصْفَهُ وَيَرُدَّ مَا بَقِيَ، فَزَعَمَ أَنَّهُ ضَاعَ، أَنَّ النِّصْفَ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 544 الْمُقْتَضِي وَالنِّصْفَ الْآخَرَ هُوَ فِيهِ مُؤْتَمَنٌ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا وَإِلَّا لَمْ يَحْلِفْ (وَرَهْنِ نِصْفِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْقَاسِمِ " مَنْ ارْتَهَنَ نِصْفَ ثَوْبٍ فَهَلَكَ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ " (فَإِنْ حَلَّ أَجَلُ الثَّانِي أَوَّلًا قُسِمَ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا بِيعَ وَقُضِيَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: رَهْنُ فَضْلَةِ الرَّهْنِ بِرِضَا الْأَوَّلِ جَائِزٌ فَإِنْ سَبَقَ أَجَلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 545 الثَّانِي قُسِمَ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا بِيعَ وَقُضِيَا اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاجَعَةِ الْمُطَوَّلَاتِ فِي هَذَا. (وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ وَرَجَعَ صَاحِبُهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ بِمَا أَدَّى مِنْ ثَمَنِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اسْتَعَارَ سِلْعَةً لِيَرْهَنَهَا جَازَ ذَلِكَ وَيَقْضِي لِلْمُرْتَهِنِ بِبَيْعِهَا إنْ لَمْ يُؤَدِّ الْغَرِيمُ مَا عَلَيْهِ، وَيَتْبَعُ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ بِمَا أَدَّى عَنْهُ مِنْ ثَمَنِ سِلْعَةٍ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ: يَتْبَعُهُ بِقِيمَتِهَا، يُرِيدُ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْهَا الْمُسْتَعِيرُ وَلَا الْمُرْتَهِنُ. اهـ جَمِيعُ نَقْلِ ابْنِ يُونُسَ. عِيَاضٌ: وَقَوْلُهُ " يَتْبَعُ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ بِقِيمَتِهَا " كَذَا عِنْدَ شُيُوخِنَا، وَكَذَا رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " بِثَمَنِهَا " وَفِي أُخْرَى " بِمَا أَدَّى ". قَالَ يَحْيَى: وَهَذَا أَصْوَبُ وَهُوَ بِمَعْنَى رِوَايَةٍ بِثَمَنِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ. (وَضَمِنَ إنْ خَالَفَ وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إذَا أَقَرَّ الْمُسْتَعِيرُ لِغَيْرِهِ وَخَالَفَ الْمُرْتَهِنُ وَلَمْ يَحْلِفْ الْمُعِيرُ؟ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَعَرْته سِلْعَةً لِيَرْهَنَهَا فِي دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ فَرَهَنَهَا فِي طَعَامٍ فَقَدْ خَالَفَ وَأَرَاهُ ضَامِنًا. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا أَقَرَّ الْمُسْتَعِيرُ بِذَلِكَ وَخَالَفَهَا الْمُرْتَهِنُ وَلَمْ يَشَأْ الْمُعِيرُ أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 546 يَحْلِفَ فَيَكُونَ رَهْنُهُ رَهْنًا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، فَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ كَانَ لَهُ تَضْمِينُ الْمُسْتَعِيرِ بِتَعَدِّيهِ. وَنَقَلَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَنْ أَعَرْته عَبْدًا لِيَرْهَنَهُ فِي دَرَاهِمَ فَرَهَنَهُ فِي طَعَامٍ فَهُوَ ضَامِنٌ بِتَعَدِّيهِ. قَالَ: وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْعَبْدِ وَيَكُونُ رَهْنًا فِي عَدَدِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي رَضِيَ بِهَا السَّيِّدُ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إذَا حَلَفَ أَوْ أَقَرَّ لَهُ الْمُرْتَهِنُ فَيَتَّفِقُ الْقَوْلَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الصَّوَابُ أَنَّ قَوْلَ أَشْهَبَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ. (وَبَطَلَ بِشَرْطٍ مُنَافٍ كَأَنْ لَا يُقْبَضُ) ابْنُ شَاسٍ: كُلُّ شَرْطٍ يُنَاقِضُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَيُغَيِّرُ مُوجَبَهُ كَقَوْلِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُقْبَضَ وَلَا يُبَاعَ فِي الْحَقِّ فَهُوَ مُفْسِدٌ (وَبِاشْتِرَاطِهِ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ ظَنَّ فِيهِ اللُّزُومَ) نَحْوُ هَذَا عِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ وَلَا مَظْهَرَ لَهَا فِي الْخَارِجِ، وَقَدْ تَرْجَمَ ابْنُ يُونُسَ عَلَى هَذَا فَقَالَ فِي الرُّهُونِ الْفَاسِدَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ لَك أَنْ تَحْبِسَ الرَّهْنَ حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّك وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 547 مِنْ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَوْ الرَّهْنُ. وَقَالَ سَحْنُونَ، لِمُشْتَرِي سِلْعَةٍ شِرَاءً فَاسِدًا حَبْسُهَا فِي ثَمَنِهَا إنْ فَلَّسَ بَائِعُهَا. وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ نَصُّوا أَنَّهُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ دَعْوَى بَاطِلَةً فَأَعْطَاهُ رَهْنًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ أَيْضًا ضَمَانَ الرِّهَانِ وَإِنْ ثَبَتَ بُطْلَانُ دَعْوَاهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً وَرَهَنَ بِهَا رَهْنًا فَإِنَّ الْمُعِيرَ يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى الْأَمَانَةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ صَرَفَ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ فَقَبَضَ الدَّرَاهِمَ وَأَعْطَى بِالدَّنَانِيرِ رَهْنًا جَهْلًا فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ ضَامِنٌ لِلرَّهْنِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّرَاهِمِ بَرِئَ، وَإِنْ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ تَرَادَّا الْفَضْلَ. (وَحَلَفَ الْمُخْطِئُ الرَّاهِنُ أَنَّهُ ظَنَّ لُزُومَ الدَّابَّةِ وَرَجَعَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ الرَّهْنُ فِي دَمِ الْخَطَأِ إنْ عَلِمَ الرَّاهِنُ أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ وَلَهُ رَدُّ الرَّهْنِ، وَكَذَا الْكَفَالَةُ فِيهِ. اهـ نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ. (أَوْ فِي قَرْضِ دَيْنٍ قَدِيمٍ وَصَحَّ فِي الْجَدِيدِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ رَهَنَهُ رَهْنًا فِي قَرْضٍ جَدِيدٍ مَعَ الْقَدِيمِ فَسَدَ وَلَمْ يَكُنْ رَهْنًا إلَّا فِي الْجَدِيدِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَقْرَضْته مِائَةَ دِرْهَمٍ وَأَخَذْت فِيهَا رَهْنًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ ثُمَّ اسْتَقْرَضَك مِائَةً أُخْرَى فَفَعَلْت عَلَى أَنْ يَرْهَنَك بِمِائَتَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 552 رَهْنًا آخَرَ قِيمَتُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ، لَمْ يَجُزْ لِأَنَّك انْتَفَعْت بِزِيَادَةِ تَوَثُّقٍ فِي الْمِائَةِ الْأُولَى فَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْمِائَةُ الْأُولَى بِغَيْرِ رَهْنٍ، فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ وَقَامَتْ الْغُرَمَاءُ عَلَى الْمُسْلِفِ فِي فَلَسٍ أَوْ مَوْتٍ فَالرَّهْنُ الثَّانِي رَهْنٌ بِالدَّيْنِ الْأَخِيرِ خَاصَّةً. وَانْظُرْ إنْ كَانَ لَك عَلَيْهِ ثَمَنُ شَيْءٍ ثُمَّ طَلَبَ مِنْك دَنَانِيرَ تُسَلِّمُهَا لَهُ عَلَى شَيْءٍ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ: هَذَا جَائِزٌ إذَا كَانَ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ لَمْ يَحِلَّ قَبْلُ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْتَهِنَ مَعَ ذَلِكَ رَهْنًا بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ قَالَ: ذَلِكَ حَرَامٌ. وَانْظُرْ رَسْمَ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ السَّلَمِ. (وَبِمَوْتِ رَاهِنِهِ وَفَلَسِهِ قَبْلَ حَوْزِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ حَتَّى مَاتَ الرَّاهِنُ أَوْ فَلَّسَ كَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِي الرَّهْنِ وَغَيْرِهِ (وَلَوْ جَدَّ فِيهِ) اللَّخْمِيِّ: اخْتَلَفَ إذَا لَمْ يُفَرِّطْ الْمُرْتَهِنُ فِي الْقَبْضِ حَتَّى فَلَّسَ الرَّاهِنُ أَوْ مَاتَ، فَقِيلَ يَبْطُلُ لِعَدَمِ الْحَوْزِ، وَقِيلَ يَصِحُّ وَإِنَّمَا تُبْطِلُهُ التُّهْمَةُ أَنْ يَكُونَا قَصَدَا إلَى بَقَائِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ، وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ شَرْطًا فِي أَصْلِ الْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ كَانَ أَبْيَنَ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي الْجَبْرِ عَلَى تَسْلِيمِهِ مَجْرَى الْبِيَاعَاتِ، وَإِذَا كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَانَ فِي الْجَبْرِ عَلَى حُكْمِ الْهِبَاتِ. (وَبِإِذْنِهِ فِي وَطْءٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ فِي وَطْءٍ بِظِلِّ الرَّهْنِ الْجَلَّابُ: وَإِنْ وَطِئَهَا بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَمْ تَحْمِلْ فَهِيَ رَهْنٌ بِحَالِهَا. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ رَهَنَ أَمَةً ثُمَّ وَطِئَهَا فَأَحْبَلَهَا فَإِنْ وَطِئَهَا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ كَانَتْ مُخَلَّاةً تَذْهَبُ وَتَجِيءُ فِي حَوَائِجِ الْمُرْتَهِنِ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلرَّاهِنِ وَلَا رَهْنَ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهَا، وَإِنْ وَطِئَهَا عَلَى وَجْهِ التَّسَوُّرِ وَالْغَصْبِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ عَجَّلَ الْحَقَّ إنْ كَانَ مَلِيًّا وَكَانَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بِيعَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ الْوَضْعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 553 وَحُلُولِ الْأَجَلِ وَلَا يُبَاعُ وَلَدُهَا وَهُوَ حُرٌّ لَاحِقُ النَّسَبِ، فَإِنْ نَقَصَ ثَمَنُهَا عَنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ أُتْبِعَ السَّيِّدُ بِذَلِكَ اهـ. [أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْكُنَ أَوْ يُكْرِيَ] (أَوْ إسْكَانٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْكُنَ أَوْ يُكْرِيَ فَقَدْ خَرَجَتْ الدَّارُ مِنْ الرَّهْنِ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ أَوْ يُكْرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَهَنَ بِئْرًا أَوْ عَيْنًا فَأَذِنَ لِرَبِّهَا أَنْ يَسْقِيَ بِهَا زَرْعَهُ لَخَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ. (أَوْ إجَارَةِ الدَّابَّةِ أَوْ الْعَبْدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ ارْتَهَنَ رَهْنًا فَقَبَضَهُ ثُمَّ أَجَّرَهُ مِنْ الرَّاهِنِ أَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ أَوْ أَعَارَهُ إيَّاهُ أَوْ رَدَّهُ إلَيْهِ بِأَيِّ وَجْهٍ حَتَّى يَكُونَ الرَّاهِنُ هُوَ الْحَائِزُ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: ثُمَّ إنْ قَامَ الْمُرْتَهِنُ فَرَدَّهُ قَضَى لَهُ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدْخُلَهُ فَوْتٌ مِنْ تَحْبِيسٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ قَامَ غُرَمَاؤُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا فِي الْعَارِيَّةِ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ إنْ أَعَارَهُ إيَّاهُ رَدُّهُ فِي الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يُعَيِّرَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ أَعَارَهُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ لَمْ يَرْتَجِعْهُ حَتَّى قَامَ الْغُرَمَاءُ عَلَى الرَّاهِنِ أَوْ مَاتَ كَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ (وَسَوَاءٌ سَكَنَ أَوْ لَمْ يَسْكُنْ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ إسْكَانٍ ". (وَتَوَلَّاهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا آجَرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ أَوْ أَعَارَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَوَلِيَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الرَّاهِنِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ الرَّهْنِ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 554 فَإِنْ ضَاعَ هَذَا الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَضَيَاعُهُ مِنْ الرَّاهِنِ لِإِذْنِهِ فِيهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا يُكْرِي الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ إلَّا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى ذَلِكَ ارْتَهَنَهُ. (أَوْ فِي بَيْعٍ وَسَلَمٍ وَإِلَّا حَلَفَ وَبَقِيَ الثَّمَنُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِرَهْنٍ كَالْأَوَّلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ جَازَ الْبَيْعُ وَعَجَّلَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقَّهُ شَاءَ الرَّاهِنُ أَوْ أَبَى، وَإِنْ بَاعَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ آذَنْ فِي الْبَيْعِ لِيَأْخُذَ الرَّاهِنُ الثَّمَنَ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ أَتَى الرَّاهِنُ بِرَهْنِ وَثِيقَةٍ يُشْبِهُ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ وَإِلَّا بَقِيَ الثَّمَنُ رَهْنًا إلَى مَحَلِّ الْأَجَلِ وَلَمْ يُعَجِّلْ الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ. (كَفَوْتِهِ بِجِنَايَةٍ وَأُخِذَتْ قِيمَتُهُ) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: أَرْشُ جَرْحِ الْعَبْدِ الرَّهْنُ مَا رَهَنَ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ مِنْ رَقَبَتِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ وَهُوَ لَا خِلَافَ فِيهِ أَنْ لَا يَغْرَمَ لِلْمَجْرُوحِ ثَمَنًا مِمَّا نَقَصَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا يَغْرَمُهُ الْجَارِحُ فِي الْجِرَاحِ الَّتِي لَهَا دِيَاتٌ، وَلَا تَنْقُصُ مِنْ قِيمَتِهِ مُعَيَّنًا مِثْلُ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ فَهِيَ لِلسَّيِّدِ، وَلَا حَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهَا إلَّا أَنْ تُنْقِصَ مِنْ قِيمَتِهِ فَيَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ مِمَّا أَخَذَهُ السَّيِّدُ فَإِنَّ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ اهـ نَقْلُ ابْنِ عَرَفَةَ، وَنَقْلُ ابْنِ رُشْدٍ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ مِنْ السَّمَاعِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا جَنَى الْأَجْنَبِيُّ عَلَى الرَّهْنِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَأَهْلَكَهُ وَرَدَّ الْقِيمَةَ، فَإِنْ جَاءَ الرَّاهِنُ بِرَهْنٍ ثِقَةٍ أَخَذَهَا وَإِلَّا كَانَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ رَهْنًا. (وَبِعَارِيَّةٍ أُطْلِقَتْ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: مَنْ ارْتَهَنَ رَهْنًا فَقَبَضَهُ ثُمَّ أَعَارَهُ لِلرَّاهِنِ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يُعِيرَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ (وَعَلَى الرَّدِّ أَوْ اخْتِيَارٍ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا بِفَوْتٍ بِكَعِتْقٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ) أَمَّا قَوْلُهُ: " عَلَى الرَّدِّ " الجزء: 6 ¦ الصفحة: 555 فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِجَارَةٍ " وَأَمَّا لَفْظُ اخْتِيَارٍ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يُشْتَرَطُ دَوَامُ الْقَبْضِ فَلَوْ عَادَ اخْتِيَارًا فَلِلْمُرْتَهِنِ طَلَبُهُ قَبْلَ فَوْتِهِ. اُنْظُرْ قَبْلُ قَوْلُهُ: " وَسَوَاءٌ سَكَنَ أَمْ لَا ". (وَغَصْبًا فَلَهُ أَخْذُهُ مُطْلَقًا) ابْنُ عَرَفَةَ: رُجُوعُ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ دُونَ اخْتِيَارِ الْمُرْتَهِنِ لَا يُبْطِلُ حَوْزَهُ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَبِقَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ صُدِّقَ الْمُرْتَهِنُ فِي إبَاقِهِ وَلَا يَحْلِفُ وَهُوَ عَلَى حَقِّهِ، فَإِنْ وَجَدَهُ رَبُّهُ وَقَامَتْ الْغُرَمَاءُ فَالرَّاهِنُ أَوْلَى بِهِ إنْ حَازَهُ الْمُرْتَهِنُ قَبْلَ إبَاقِهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ بِيَدِ رَاهِنِهِ فَتَرَكَهُ حَتَّى قَامَتْ الْغُرَمَاءُ. (وَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 556 وَطِئَ غَصْبًا فَوَلَدُهُ حُرٌّ وَعَجَّلَ الْمَلِيءُ الدَّيْنَ أَوْ قِيمَتَهُ وَإِلَّا بَقِيَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ رَهَنَ أَمَتَهُ ثُمَّ وَطِئَهَا عَلَى وَجْهِ التَّسَوُّرِ وَالْغَصْبِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَأَحْبَلَهَا عَجَّلَ الْحَقَّ إنْ كَانَ مَلِيًّا وَكَانَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بِيعَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ الْوَضْعِ وَحُلُولِ الْأَجَلِ، وَلَا يُبَاعُ وَلَدُهَا وَهُوَ حُرٌّ لَاحِقُ النَّسَبِ، فَإِنْ نَقَصَ ثَمَنُهَا عَنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ أُتْبِعَ السَّيِّدُ بِذَلِكَ. اهـ جَمِيعُ مَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 557 لِابْنِ يُونُسَ. وَلِلَّخْمِيِّ: يُبَاعُ مِنْ الْجَارِيَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَيَعْتِقُ بَاقِيهَا. (وَصَحَّ بِتَوْكِيلِ مُكَاتَبِ الرَّاهِنِ فِي حَوْزِهِ) ابْنُ شَاسٍ: يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَنِيبَ غَيْرَهُ فِي الْقَبْضِ إلَّا عَبْدَ الرَّاهِنِ وَمُسْتَوْلَدَتَهُ وَوَلَدَهُ الصَّغِيرَ لِأَنَّ يَدَ كُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ كَيَدِ الرَّاهِنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مُكَاتَبَ الرَّاهِنِ دُونَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ (وَكَذَا أَخَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ) الْبَاجِيُّ: أَمَّا وَضْعُهُ عَلَى يَدِ أَخِي الرَّاهِنِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ. قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: ذَلِكَ رَهْنٌ تَامٌّ وَهَذَا أَصَحُّ. (لَا مَحْجُورِهِ) الْبَاجِيُّ: وَأَمَّا وَضْعُهُ عَلَى يَدِ ابْنِ الرَّاهِنِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي حِجْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَأَمَّا الْمَالِكُ أَمْرَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَنْبَغِي. وَقَالَ سَحْنُونَ: ذَلِكَ جَائِزٌ اهـ. فَانْظُرْ هَذَا (وَرَقِيقِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ أَنَّ حَوْزَ مُسْتَوْلَدَةِ الرَّاهِنِ وَحَوْزَ عَبْدِهِ لَغْوٌ. قَالَ الْبَاجِيُّ: لِأَنَّ حَوْزَ الْعَبْدِ مِنْ سَيِّدِهِ لَيْسَ بِحَوْزٍ كَانَ مَأْذُونًا أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ. (وَالْقَوْلُ لِطَالِبِ تَحْوِيزِهِ لِأَمِينٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: وَضْعُ الرَّهْنِ عِنْدَ مَنْ شَرَطَ كَوْنَهُ بِيَدِهِ أَوْ رَضِيَهُ رَاهِنُهُ وَمُرْتَهِنُهُ، فَإِنْ اخْتَلَفَ جَعَلَهُ الْقَاضِي عِنْدَ مَنْ يَرْضَى، وَوَضَعَهُ بِيَدِ مُرْتَهِنِهِ لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 558 يَجِبُ لَهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ، الْأَوَّلُ لِخَوْفِ رَاهِنِهِ إتْلَافَهُ وَالثَّانِي لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا أُرِيدُ أَنْ أَضْمَنَهُ. (وَفِي تَعْيِينِهِ نَظَرَ الْحَاكِمُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عَدْلٍ فَهُوَ لَهُ، فَإِنْ اخْتَلَفَ فِي عَدْلٍ فَقِيلَ يَنْظُرُ الْحَاكِمُ، وَقِيلَ عَدْلُ الرَّاهِنِ (وَإِنْ أَسْلَمَهُ دُونَ إذْنِهِمَا لِلْمُرْتَهِنِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا تَعَدَّى الْعَدْلُ فِي رَهْنٍ عَلَى يَدَيْهِ فَدَفَعَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَضَاعَ وَهُوَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ ضَمِنَهُ الرَّاهِنُ، فَإِنْ كَانَ كَفَافَ دَيْنِهِ سَقَطَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ لِهَلَاكِهِ بِيَدِهِ يُرِيدُ وَبِيَدِ الْعَدْلِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ ضَمِنَ الْعَدْلُ الْفَضْلَ لِلرَّاهِنِ يُرِيدُ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ (وَلِلرَّاهِنِ ضَمِنَهَا أَوْ الثَّمَنَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ دَفَعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ لِرَاهِنِهِ فَضَاعَ ضَمِنَهُ لِلْمُرْتَهِنِ، يُرِيدُ يَضْمَنُ لَهُ وَالْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ الدَّيْنَ. (وَانْدَرَجَ صُوفٌ تَمَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: كِرَاءُ الدُّورِ وَإِجَارَةُ الْعَبِيدِ كُلُّ ذَلِكَ لِلرَّاهِنِ لِأَنَّهُ غَلَّةٌ وَلَا يَكُونُ فِي الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُرْتَهِنُ، وَكَذَلِكَ صُوفُ الْغَنَمِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا صُوفًا كَمُلَ نَبَاتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ يَكُونُ رَهْنًا مَعَهَا (وَجَنِينٌ) ابْنُ يُونُسَ: الْقَضَاءُ أَنَّ مَنْ ارْتَهَنَ أَمَةً حَامِلًا مِمَّا فِي بَطْنِهَا وَمَا تَلِدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ رَهَنَ مَعَهَا كَالْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ نِتَاجُ الْحَيَوَانِ كُلُّهُ وَقَالَهُ مَالِكٌ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ مَا تَلِدُ لَيْسَ بِرَهْنٍ مَعَهَا لَمْ يَجُزْ. (وَفَرْخِ نَخْلٍ) الْجَلَّابُ: فِرَاخُ النَّخْلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 559 وَالشَّجَرِ رَهْنٌ مَعَ أُصُولِهِ. ابْنُ شَاسٍ: النَّمَاءُ الَّذِي هُوَ مُتَمَيِّزٌ عَنْ الرَّهْنِ لَكِنَّهُ عَلَى خِلْقَتِهِ وَصُورَتِهِ كَالْوَلَدِ فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي الرَّهْنِ، وَكَذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ فُسْلَانِ النَّخِيلِ فَإِنَّهُ دَاخِلٌ مَعَ الْأُصُولِ فِي الرَّهْنِ (لَا غَلَّةٌ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَجَنِينٌ " قَوْلُ مَالِكٍ إلَّا إنْ اُشْتُرِطَتْ (وَثَمَرَةٌ وَإِنْ وُجِدَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مِنْ مُرْتَهِنٍ نَخْلًا لَمْ يَدْخُلْ مَا فِيهَا مِنْ ثَمَرٍ فِي الرَّهْنِ، أَبَّرَ أَوْ لَمْ يُؤَبِّرْ، أَزْهَى أَوْ لَمْ يُزْهِ، وَلَا مَا يُتَمَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ اهـ. وَانْظُرْ الصُّوفَ التَّامَّ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا الْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ. بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: فَلَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ يَوْمَ الرَّهْنِ يَابِسَةً دَخَلَتْ فِيهِ كَالصُّوفِ التَّامِّ. (وَمَالُ عَبْدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَكُونُ مَالُ الْعَبْدِ الرَّهْنِ رَهْنًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُرْتَهِنُ كَالْبَيْعِ فَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ، كَانَ مَالُهُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا. (وَارْتَهَنَ إنْ أَقْرَضَ أَوْ بَاعَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: شَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ لَازِمًا أَوْ صَائِرًا إلَى اللُّزُومِ قَالَ: وَيَجُوزُ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ أَوْ يَبِيعَهُ أَوْ يَعْمَلَ لَهُ وَيَكُونُ بِقَبْضِهِ الْأَوَّلِ رَهْنًا. وَعِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الدَّيْنِ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا قَبْلَ الرَّهْنِ بَلْ لَوْ قَالَ قَدْ رَهَنْت عِنْدَك عَبْدِي هَذَا عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي غَدًا أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي هَذَا الثَّوْبَ ثُمَّ اسْتَقْرَضَ أَوْ ابْتَاعَ، فَإِنَّ الرَّهْنَ يَلْزَمُ وَيَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ فِي الْحِينِ صَارَ بِذَلِكَ الْقَبْضِ رَهْنًا. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَخَذَ رَهْنًا بِقَرْضٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُهُ ضَمَانَ الرِّهَانِ إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى الْأَمَانَةِ، وَإِنْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ رَهْنًا بِكُلِّ مَا أَقْرَضَنِي لِفُلَانٍ جَازَ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَيَكُونُ الرَّهْنُ بِمَا دَايَنَهُ بِهِ رَهْنًا لَمْ يُجَاوِزْ قِيمَةَ الرَّهْنِ، وَلَا يُرَاعَى مَا يُشْبِهُ أَنْ يُدَايِنَ بِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحِمَالَةِ الَّذِي قَالَ لَهُ دَايِنْهُ فَمَا دَايَنْته بِهِ فَأَنَا بِهِ حَمِيلٌ، لِأَنَّ الَّذِي أَعْطَاهُ رَهْنًا قَدْ بَيَّنَ لَهُ بِالرَّهْنِ مِقْدَارَ مَا يُقْرِضُهُ فَإِذَا جَاوَزَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُهُمْ " لَا يَلْزَمُهُ مَا جَاوَزَ قِيمَتَهُ " إنْ أَرَادُوا فِي الرَّهْنِ فَهُوَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. رَاجِعْهُ أَنْتَ (أَوْ يَعْمَلُ لَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ بِهَذَا. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا أَوْ أَعْطَى بِالْإِجَارَةِ رَهْنًا جَازَ (وَإِنْ فِي جُعْلٍ) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ شَرْطِ الْمَرْهُونِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ لَازِمًا أَوْ صَائِرًا إلَى اللُّزُومِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا كَالْجُعْلِ بَعْدَ الْعَمَلِ. (لَا فِي عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ شَرْطِ الْمَرْهُونِ بِهِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 560 الرَّهْنِ، فَلَا رَهْنَ بِعَيْنٍ مُشَارٍ إلَيْهَا وَلَا بِمَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْهُ، وَإِنَّمَا الرَّهْنُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ مِنْ ذَلِكَ وَحَيْثُ وَقَعَ فِي أَلْفَاظِ الْمَذْهَبِ إضَافَتُهُ إلَى عَيْنٍ مُشَارٍ إلَيْهَا فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ رَهْنٌ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْعَارِيَّةِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ الرَّهْنُ بِالْعَارِيَّةِ الَّتِي يُغَابُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ. (وَنَجْمِ كِتَابَةٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مَا كَانَ فِي أَصْلِهِ غَيْرَ لَازِمٍ وَلَا مَصِيرَ لَهُ إلَى اللُّزُومِ كَنُجُومِ الْكِتَابَةِ فَلَا رَهْنَ بِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا الْعُمُومُ خِلَافُ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ، وَيَصِحُّ مِنْهُ وَمِثْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ أَخَذَ مِنْ مُكَاتَبِهِ فِي عَبْدِ كِتَابَتِهِ رَهْنًا يُغَابُ عَلَيْهِ فَضَاعَ بِيَدِهِ ضَمِنَهُ، وَإِنْ سَاوَتْ قِيمَتُهُ الْكِتَابَةَ عَتَقَ مَكَانَهُ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَعْطَاك أَجْنَبِيٌّ بِكِتَابَةِ مُكَاتَبِك رَهْنًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ كَمَا لَا تَجُوزُ الْحِمَالَةُ بِهَا، وَإِذَا خَافَ الْمُكَاتَبُ الْعَجْزَ جَازَ أَنْ يَرْهَنَ أُمَّ وَلَدِهِ فَأَمَّا وَلَدُهُ فَلَا كَالْبَيْعِ. [اشْتَرَطَ الْمُرْتَهِنُ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ] (وَجَازَ شَرْطُ مَنْفَعَتِهِ إنْ عُيِّنَتْ بِبَيْعٍ لَا قَرْضٍ) قَالَ مَالِكٌ: إذَا اشْتَرَطَ الْمُرْتَهِنُ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ قَرْضٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ بَيْعٍ وَشَرَطَ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ أَجَلًا مُسَمًّى فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ فِي الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ إذْ لَا يَدْرِي كَيْفَ تَرْجِعُ إلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا إذَا سَمَّى أَجَلًا لِجَوَازِ إجَارَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ لَا يَدْرِي كَيْفَ تَرْجِعُ إلَيْهِ. وَهَذَا إذَنْ إنَّمَا بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ سَمَّاهُ وَبِعَمَلِ هَذِهِ الدَّابَّةِ وَلِبَاسِ هَذَا الثَّوْبِ أَجَلًا مُسَمًّى فَاجْتَمَعَ بَيْعٌ وَكِرَاءٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ (وَفِي ضَمَانِهِ إذَا تَلِفَ تَرَدُّدٌ) ابْنُ يُونُسَ: اخْتَلَفَ فُقَهَاؤُنَا إذَا ضَاعَ الرَّهْنُ الْمُشْتَرَطُ مَنْفَعَتُهُ وَهُوَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ وَحُكْمُ الرَّهْنِ بَاقٍ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُهُ كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَقِيلَ يُنْظَرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 561 إلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَذْهَبُ مِنْهَا بِالْإِجَارَةِ إذَا كَانَ ثَوْبًا مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: إذَا اُسْتُؤْجِرَ شَهْرًا يَنْقُصُهُ الرُّبُعُ فَيَكُونُ قَدْرُ الرُّبُعِ غَيْرَ مَضْمُونٍ لِأَنَّهُ مُسْتَأْجَرٌ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ مَضْمُونٌ لِأَنَّهُ مُرْتَهَنٌ. (وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ لِمَنْ شُرِطَ بِبَيْعٍ وَعُيِّنَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ بِعْت مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَرْهَنَك عَبْدَهُ مَيْمُونًا بِحَقِّك فَفَارَقَك قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ، وَلَك أَخْذُهُ مِنْهُ رَهْنًا مَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ (وَإِلَّا فَرَهْنُ ثِقَةٍ) الْكَافِي: إنْ شَرَطَ رَهْنًا مُطْلَقًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ ثُمَّ أَبَى الْمُشْتَرِي مِنْ دَفْعِهِ، خُيِّرَ الْبَائِعُ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ رَهْنٍ وَفِي فَسْخِهِ انْتَهَى جَمِيعُ نَقْلِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ " يُخَيَّرُ الْبَائِعُ وَشِبْهُهُ فِي الْفَسْخِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ " هُوَ مَدْلُولُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ إنْ بِعْت مِنْهُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ بِهِ رَهْنًا ثِقَةً مِنْ حَقِّك فَلَمْ نَجِدْ عِنْدَك رَهْنًا فَلَكَ نَقْضُ الْبَيْعِ أَوْ تَرْكُهُ بِلَا رَهْنٍ. وَقَوْلُهُ " وَشِبْهُهُ " يُرِيدُ كَالْمُسَلِّفِ عَلَى رَهْنٍ كَذَلِكَ. (وَالْحَوْزُ بَعْدَ مَانِعِهِ لَا يُفْسِدُ) الْبَاجِيُّ: لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ أَوْ أَفْلَسَ وَوُجِدَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ بِيَدِ الْأَمِينِ الْمَوْضُوعِ عَلَى يَدَيْهِ، فَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا يَنْفَعُ ذَلِكَ حَتَّى تُعْلِمَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ حَازَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ الْفَلَسِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: صَوَابُهُ لَا يَنْفَعُهُ إلَّا مُعَايَنَةُ الْحَوْزِ. ابْنُ رُشْدٍ: يَجْرِي هَذَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّدَقَةِ تُوجَدُ بِيَدِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُتَصَدِّقِ فَيَدَّعِي قَبْضَهَا فِي صِحَّتِهِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا. (وَلَوْ شَهِدَ الْأَمِينُ) ابْنُ عَتَّابٍ: شَهَادَةُ الْأَمِينِ فِي الِارْتِضَاءِ ضَعِيفَةٌ. وَقَالَ سَحْنُونَ: شَهَادَةُ الْعَدْلِ الْمَوْضُوعِ عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنُ جَائِزَةٌ فِي الدَّيْنِ وَالرَّهْنِ (وَهَلْ يَكْتَفِي بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْحَوْزِ قَبْلَهُ) الْبَاجِيُّ: عِنْدِي لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ وَجَدَهُ بِيَدِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ الْفَلَسِ كَانَ رَهْنًا وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْحِيَازَةَ بِحُكْمِ الرَّهْنِ (وَبِهِ عُمِلَ؟) ابْنُ عَاتٍ: الْعَمَلُ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ بِيَدِهِ وَقَدْ حَازَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ الْفَلَسِ كَانَ رَهْنًا وَإِنْ لَمْ تَحْضُرْ الْحِيَازَةُ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مَقْبُوضًا، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ (أَوْ التَّحْوِيزُ) تَقَدَّمَ نَقْلُ الْبَاجِيِّ لَا يَنْفَعُهُ إلَّا مُعَايَنَةُ الْحَوْزِ ثُمَّ قَالَ: وَعَنْهُ لَوْ ثَبَتَ إلَخْ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: صَوَابُهُ لَا يَنْفَعُهُ إلَّا مُعَايَنَةُ الْبَيِّنَةِ الْحَوْزَ بَعْدَ الِارْتِهَانِ. قِيلَ: يُتَّهَمُ أَنْ يَقُولَ دَعْنِي أَنْتَفِعُ بِرَهْنِي وَأَشْهَدُ لَك أَنَّك قَبَضْته فَتَكُونَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَلِأَنَّ الْمُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ إنَّمَا يُقْبَلُ فِيمَا لَا يُسْقِطُ حَقَّ غَيْرِهِ. أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الرَّهْنِ (وَفِيهَا دَلِيلُهُمَا) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 562 وَفِي الْمُدَوَّنَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. (وَمَضَى بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ إنْ فَرَّطَ مُرْتَهِنُهُ وَإِلَّا فَتَأْوِيلَانِ) فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ بِعْت مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَرْهَنَك عَبْدَهُ مَيْمُونًا بِحَقِّك فَلَمْ تَقْبِضْهُ حَتَّى بَاعَهُ، مَضَى الْبَيْعُ وَلَيْسَ لَك أَخْذُهُ بِرَهْنِ غَيْرِهِ لِطُولِ تَرْكِك إيَّاهُ حَتَّى بَاعَهُ كَتَسْلِيمِك لِذَلِكَ وَبَيْعُك الْأَوَّلُ غَيْرُ مُنْتَقَضٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ لِطُولِ تَرْكِك إيَّاهُ حَتَّى بَاعَهُ، فَأَمَّا لَوْ بَادَرَ الرَّاهِنُ فَبَاعَهُ بِقُرْبِ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَهَذَا أَيْضًا إذَا دَفَعَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ الْمُشْتَرَاةَ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَدْفَعْهَا فَبَاعَ الْمُشْتَرِي الرَّهْنَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَاهُنَا لَا يَلْزَمُ تَسْلِيمٌ. انْتَهَى مَا يَخُصُّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ جَمِيعِ مَا نَقَلَ فِيهَا ابْنُ يُونُسَ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الِاضْطِرَابَ الَّذِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 564 الرُّهُونِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى. (وَبَعْدَهُ فَلَهُ رَدُّهُ إنْ بِيعَ بِأَقَلَّ أَوْ دَيْنُهُ عَرْضًا) ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بَعْدَ الْحَوْزِ وَهُوَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ بِيَدِ أَمِينٍ، فَإِنْ بَاعَهُ بِمِثْلِ الْحَقِّ فَإِنَّهُ يُعَجِّلُ لِلْمُرْتَهِنِ حَقَّهُ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ، وَلَا حُجَّةَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي رَدِّهِ لِأَنَّهُ مُضَارٌّ. وَقَالَ مَالِكٌ: إلَّا أَنْ يُبَاعَ بِأَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ أَوْ يُمْضِيَهُ وَيَتَعَجَّلَ الثَّمَنَ وَيَطْلُبَهُ بِمَا بَقِيَ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ خِلَافَ الْمُرْتَهِنِ فَلَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ. وَقَدْ كَانَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْبَيْعَ بَعْدَ الْحَوْزِ مَرْهُونٌ لَكِنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ أَحَبُّ إلَيَّ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُهُ (وَإِنْ أَجَازَ تَعَجَّلَ) هَذَا لَفْظُ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ فِي بَيْعٍ وَسَلَمٍ ". (وَبَقِيَ إنْ دَبَّرَهُ) ابْنُ يُونُسَ: لَمَّا كَانَ الرَّهْنُ وَثِيقَةً لِلْمُرْتَهِنِ لَمْ يَجُزْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ مَا يُبْطِلُهُ، فَإِنْ فَعَلَ عُجِّلَ دَيْنُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَمَّا إنْ دَبَّرَهُ جَازَ وَبَقِيَ دَيْنًا عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرْهَنَ مُدَبَّرَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ كَاتَبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَقِيَتْ كِتَابَتُهُ رَهْنًا بِخِلَافِ مَا لَوْ دَبَّرَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 565 خِدْمَتَهُ لَا تَكُونُ رَهْنًا لِأَنَّهَا غَلَّةٌ. (وَمَضَى عِتْقُ الْمُوسِرِ وَكِتَابَتُهُ وَعَجَّلَ) فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ رَهَنَ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَوْ كَاتَبَهُ جَازَ ذَلِكَ إنْ كَانَ مَلِيًّا وَعَجَّلَ الدَّيْنَ (وَالْمُعْسِرُ يَبْقَى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ سِوَاهُ حَتَّى الْأَجَلِ وَلْيُعَجِّلْ لَهُ حَقَّهُ فِي مَلَائِهِ، وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا يَبْقَى الْعَبْدُ كَمَا هُوَ رَهْنٌ، فَإِنْ أَفَادَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْأَجَلِ مَالًا أَخَذَ مِنْهُ الدَّيْنَ وَأَنْفَذَ الْعِتْقَ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ السَّيِّدُ شَيْئًا بِيعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 567 فِي الدَّيْنِ عِنْدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي ثَمَنِهِ فَضْلٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ بِيعَ مِنْهُ مَا بَقِيَ بِالدَّيْنِ وَعَتَقَ الْبَاقِي (فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِيعَ كُلُّهُ وَالْبَاقِي لِلرَّاهِنِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْتَرِي بَعْضَهُ بِيعَ كُلُّهُ فَمَا فَضَلَ مِنْ الدَّيْنِ فَلِسَيِّدِهِ يَفْعَلُ بِهِ مَا شَاءَ. (وَمُنِعَ الْعَبْدُ مِنْ وَطْءِ أَمَتِهِ الْمَرْهُونُ هُوَ مَعَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ارْتَهَنَ جَارِيَةً لَهَا زَوْجٌ أَوْ ابْتَاعَهَا لَمْ يُمْنَعْ زَوْجُهَا مِنْ وَطْئِهَا وَمَنْ رَهَنَ أَمَةَ عَبْدِهِ أَوْ رَهَنَهُمَا مَعًا فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ وَطْؤُهَا فِي الرَّهْنِ. ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُهُمْ: إلَّا إنْ شَرَطَ أَنَّ مَالَهُ رَهْنٌ مَعَهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَهُ إذَا رَهَنَهُ وَجَارِيَتَهُ كَأَنَّهُ انْتِزَاعٌ فَكَذَلِكَ إذَا رَهَنَهُ وَمَالَهُ (وَحُدَّ مُرْتَهِنٌ وَطِئَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ وَطِئَهَا الْمُرْتَهِنُ فَوَلَدَتْ مِنْهُ لَزِمَهُ الْحَدُّ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ وَكَانَ مَعَ الْأُمِّ رَهْنًا وَعَلَيْهِ لِلرَّاهِنِ مَا نَقَصَهَا الْوَطْءُ، بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا إذَا أَكْرَهَهَا، وَكَذَلِكَ إنْ طَاوَعَتْهُ وَهِيَ بِكْرٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْمُرْتَهِنُ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ. ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ أَنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا وَإِنْ طَاوَعَتْهُ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الْإِكْرَاهِ لِأَنَّهَا فِي الْإِكْرَاهِ لَا تُعَدُّ زَانِيَةً، وَفِي الطَّوْعِ هِيَ زَانِيَةٌ. وَنَحْوُ هَذَا فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ مَا نَقَصَهَا (إلَّا بِإِذْنٍ وَتُقَوَّمُ بِلَا وَلَدٍ حَمَلَتْ أَمْ لَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ كَانَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ لَمْ يُحَدَّ وَلَزِمَتْهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 568 قِيمَتُهَا، حَمَلَتْ أَمْ لَا دُونَ قِيمَةِ الْوَلَدِ. (وَلِلْأَمِينِ بَيْعُهُ بِإِذْنٍ فِي عَقْدِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: " يَسْتَقِلُّ الْأَمِينُ بِالْبَيْعِ إذَا أُذِنَ لَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ بِشَرْطٍ " صَوَابٌ لِأَنَّهُ مَحْضُ تَوْكِيلٍ سَالِمٍ عَنْ تَوَهُّمِ كَوْنِ الرَّاهِنِ فِيهِ مُكْرَهًا. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: إنْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْعَدْلِ وَقْتَ الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْأَجَلِ جَازَ، وَلَوْ قَالَ لِمَنْ عَلَى يَدِهِ الرَّهْنُ مِنْ مُرْتَهِنٍ أَوْ عَدْلٍ إنْ لَمْ آتِ إلَى أَجَلِ كَذَا فَبِعْهُ لَمْ يَبِعْهُ إلَّا بِأَمْرِ السُّلْطَانِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ نَفِدَ، فَجَعَلَ شَرْطَهُ بِعَدَمِ إتْيَانِهِ مُوجِبًا لِوَقْفِ بَيْعِهِ عَلَى أَمْرِ السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ غَيْبَتُهُ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ اهـ. نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ ارْتَهَنَ رَهْنًا وَجَعَلَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ أَوْ عَلَى يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ إلَى أَجَلِ كَذَا، وَشَرَطَ إنْ جَاءَ الرَّاهِنُ بِالْحَقِّ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ وَإِلَّا فَلِمَنْ الرَّهْنُ عَلَى يَدَيْهِ بَيْعُهُ، فَلَا يُبَاعُ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ وَإِنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ فَإِنْ بِيعَ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ نَفَذَ بَيْعُهُ وَلَمْ يُرَدَّ (إنْ لَمْ يَقُلْ إنْ لَمْ آتِ إلَى أَجَلِ كَذَا) هَذَا هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورُ، وَنَقَلَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 569 ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ شَاسٍ. (كَالْمُرْتَهِنِ بَعْدَهُ) ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ طَاعَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ بِالْبَيْعِ دُونَ مُؤَامَرَةِ سُلْطَانٍ جَازَ اتِّفَاقًا، لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ مِنْهُ، وَلَوْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَنَّهُ مُوَكَّلٌ عَلَى بَيْعِهِ دُونَ مُؤَامَرَةِ سُلْطَانٍ أَوْ عِنْدَ حُلُولِهِ يَقُولُ أُؤَخِّرُك لِأَجَلِ كَذَا عَلَى رَهْنِ كَذَا وَتُوَكِّلُنِي عَلَى بَيْعِهِ دُونَ مُؤَامَرَةِ سُلْطَانٍ، فَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَازِمٌ، وَقَالَهُ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ وَابْنُ الْقَصَّارِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ وَأَشْهَبُ وَكُرِهَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (وَإِلَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 570 مَضَى فِيهِمَا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ بِيعَ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ نَفَذَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ كَرَاهَةُ بَيْعِ الْمُرْتَهِنِ إذَا شَرَطَ عَلَى الرَّاهِنِ ذَلِكَ. [وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعِ رَهْنٍ وَقَضَى دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ] (إلَّا بِعَزْلِ الْأَمِينِ) الْجَلَّابُ: مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعِ رَهْنٍ وَقَضَى دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ فَلَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُ مِنْ وَكَالَتِهِ إلَّا بِرِضَا مُرْتَهِنِهِ (وَلَيْسَ لَهُ إيصَاءٌ بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا مَاتَ الْعَدْلُ وَبِيَدِهِ رَهْنٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِوَضْعِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ وَذَلِكَ إلَى الْمُرْتَهِنَيْنِ (وَبَاعَ الْحَاكِمُ إنْ امْتَنَعَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الرَّاهِنُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ رَفَعَهُ الْمُرْتَهِنُ إلَى السُّلْطَانِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنْ أَوْفَاهُ حَقَّهُ وَإِلَّا بَاعَ الرَّهْنَ وَأَوْفَاهُ حَقَّهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 571 (وَرَجَعَ مُرْتَهِنُهُ بِنَفَقَتِهِ فِي الذِّمَّةِ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ وَلَيْسَ رَهْنًا بِهِ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِأَنَّهُ رَهْنٌ بِهَا) ابْنُ يُونُسَ: الْقَضَاءُ أَنَّ نَفَقَةَ الرَّهْنِ وَمُؤْنَتَهُ عَلَى الرَّاهِنِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِإِذْنِ رَبِّهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ الرَّاهِنُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يَكُونُ مَا أَنْفَقَ فِي الرَّهْنِ إذَا أَنْفَقَ بِأَمْرِ رَبِّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ سَلَفٌ، وَلَهُ حَبْسُهُ بِمَا أَنْفَقَ وَبِمَا رَهَنَهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَقُومَ الْغُرَمَاءُ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَا يَكُونَ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ مِنْهُمْ بِفَضْلِهِ عَنْ دَيْنِهِ لِأَجْلِ نَفَقَتِهِ، أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ، إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ أَنْفِقْ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَك فِي الرَّهْنِ أَوْ أَنْفِقْ وَالرَّهْنُ بِمَا أَنْفَقْت رَهْنٌ أَيْضًا، فَذَلِكَ سَوَاءٌ وَيَكُونُ رَهْنًا بِالنَّفَقَةِ وَلَيْسَ كَالضَّالَّةِ يُنْفِقُ عَلَيْهَا فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ الْغُرَمَاءِ بِهَا فِي نَفَقَتِهِ لِأَنَّ الضَّالَّةَ لَا يُقْدَرُ عَلَى صَاحِبِهَا بِخِلَافِ الرَّهْنِ لَوْ شَاءَ طَلَبَ رَاهِنَهُ بِنَفَقَتِهِ، فَإِنْ غَابَ وَقَالَ الْإِمَامُ أَنْفِقْ وَنَفَقَتُك فِي الرَّهْنِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ كَالضَّالَّةِ (وَهَلْ وَإِنْ قَالَ وَنَفَقَتُك فِي الرَّهْنِ؟ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ يُونُسَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَنْفِقْ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَك فِي الرَّهْنِ، أَوْ أَنْفِقْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 572 وَالرَّهْنُ بِمَا أَنْفَقْت رَهْنٌ أَيْضًا، وَهَذَا أَبْيَنُ. وَكَانَ ابْنُ شَبْلُونَ يُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. [هَلْ يَفْتَقِرُ الرَّهْنُ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ أَمْ لَا] (فَفِي افْتِقَارِ الرَّهْنِ لِلَفْظٍ مُصَرَّحٍ بِهِ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: هَلْ يَفْتَقِرُ الرَّهْنُ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ أَمْ لَا؟ الْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. فَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ إلَى آخَرَ سِلْعَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ: " أَمْسِكْهَا حَتَّى أَدْفَعَ لَك حَقَّك " كَانَتْ رَهْنًا عِنْدَ أَشْهَبَ لَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَإِنْ أَنْفَقَ مُرْتَهِنٌ عَلَى كَشَجَرٍ خِيفَ عَلَيْهِ بُدِئَ بِالنَّفَقَةِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: " لَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِفَضْلَةِ الرَّهْنِ عَنْ دَيْنِهِ لِأَجْلِ نَفَقَتِهِ ". مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ارْتَهَنَ نَخْلًا بِبِئْرِهَا أَوْ زَرْعًا أَخْضَرَ بِبِئْرِهِ فَانْهَارَتْ الْبِئْرُ فَأَبَى الرَّاهِنُ أَنْ يُصْلِحَ فَأَصْلَحَهَا الْمُرْتَهِنُ لِخَوْفِ هَلَاكِ الزَّرْعِ أَوْ النَّخْلِ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الرَّاهِنِ وَلَكِنْ يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ فِي الزَّرْعِ وَفِي رِقَابِ النَّخْلِ يَبْدَأُ فِيهِ بِنَفَقَتِهِ، فَمَا فَضَلَ كَانَ فِي دَيْنِهِ، فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ كَانَ لِرَبِّهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِنَفَقَتِهِ وَبِمِقْدَارِ دَيْنِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ كَافْتِدَائِهِ الْعَبْدَ الرَّهْنَ إذَا جَنَى. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: إذَا خَافَ الرَّاهِنُ هَلَاكَ الزَّرْعِ وَأَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يُنْفِقَ فِيهِ فَأَخَذَ مَالًا مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَأَنْفَقَهُ فِيهِ فَالْأَجْنَبِيُّ أَحَقُّ بِمَبْلَغِ نَفَقَتِهِ مِنْ ثَمَنِ الزَّرْعِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، وَمَا فَضَلَ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 574 فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُ شَيْءٌ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ. ابْنُ يُونُسَ: وَذَلِكَ إذَا شَرَطَ أَنَّ نَفَقَتَهُ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ سَلَفٌ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ. وَانْظُرْ ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ هُنَا إذَا غَرِمَ الْمُرْتَهِنُ خَرَاجًا عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ رَهْنٌ بِيَدِهِ فَقَالَ: ذَلِكَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ الْخَرَاجِ عَلَى الرَّاهِنِ إلَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَرَاجُ حَقًّا، وَبِهَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ فِي نَوَازِلِهِ إذَا أَخَذَ السُّلْطَانُ وَدِيعَةً فَفَدَاهَا الْمُودِعُ عِنْدَهُ فَلَا يَغْرَمُ لَهُ صَاحِبُهَا شَيْئًا. وَانْظُرْ الِاضْطِرَارَ فِي هَذَا فِيمَنْ فَدَى مَا بِيَدِ اللُّصُوصِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ. وَسُئِلَ أَبُو عِمْرَانَ عَمَّنْ خَرَجَ إلَى الْحَجِّ وَقَدَّمَ صِهْرَهُ عَلَى رَبْعِهِ فَلَمْ يَفِ بِخَرَاجِ السُّلْطَانِ، فَتَدَايَنَ مَا أَدَّى فِي ذَلِكَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ الْمُوَكِّلُ قَبْلَ قُدُومِهِ فَقَامَ أَرْبَابُ الدُّيُونِ لِبَيْعِ الرَّبْعِ فَقَالَ لَهُمْ: الْخَرَاجُ مُقَدَّمٌ. فَقَالَ: إنْ كَانَتْ الضَّيْعَةُ لَوْ لَمْ يُؤَدِّ عَلَيْهَا خَرَاجًا وَرَجَعَ عَنْهَا لَهَلَكَتْ فَحُجَّتُهُ قَوِيَّةٌ، وَأَجَابَ التُّونِسِيُّ: هُوَ أَحَقُّ مِنْ الْغُرَمَاءِ كَمَنْ اسْتَنْقَذَ مَتَاعًا مِنْ أَيْدِي اللُّصُوصِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: مِثْلُهُ الْيَوْمَ مَا يَقَعُ مِنْ الْأَثْقَافِ عَلَى التَّرِكَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الَّذِي يَرْجِعُ عَلَى التَّرِكَةِ مَنْ دَفَعَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ حُكْمُ ابْنِ عَبْدِ الرَّفِيعِ فِي الَّذِي أُجْبِرَ عَلَى دَفْعِ دَيْنٍ عَنْ الْهَارِبِ أَنَّهُ حُكْمٌ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ لِوُلَاةِ الْجَوْرِ وَيَضْمَنُ ذَلِكَ كُلَّهُ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الرُّهُونِ. وَانْظُرْ عَلَى مَنْ تَكُونُ أُجْرَةُ بَيْعِ الرَّهْنِ فِي غَيْبَةِ رَاهِنِهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: عَلَى طَالِبِ الْبَيْعِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: مَا أَرَى الْجُعْلَ إلَّا عَلَى الرَّاهِنِ (وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى عَدَمِ جَبْرِ الرَّاهِنِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا) ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ " إنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا أَنْفَقَ فِي إصْلَاحِ الْبِئْرِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ وَإِنَّمَا تَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَى الرَّهْنِ مُبْدَأَةً عَلَى الدَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَفِ الرَّهْنُ بِهَا لَمْ يُتْبِعْهُ بِالنَّفَقَةِ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّاهِنَ عِنْدَهُ لَا يَلْزَمُهُ إصْلَاحُ الْبِئْرِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ (وَعَلَى التَّقْيِيدِ بِالتَّطَوُّعِ عِنْدَ الْعَقْدِ) بَهْرَامَ: أَيْ تُؤُوِّلَتْ الْمُدَوَّنَةُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الرَّاهِنَ تَطَوَّعَ بِالرَّهْنِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلِهَذَا لَمْ يُجْبَرْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُشْتَرِطًا فِي الْعَقْدِ لَجُبِرَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَأَوَّلَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ تَطَوَّعَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْبِئْرِ بَعْدَ الْبَيْعِ. (وَضَمِنَهُ مُرْتَهِنٌ إنْ كَانَ بِيَدِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ رَهْنٍ يُغَابُ عَلَيْهِ فَضَاعَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ إلَّا بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ أَوْ بِتَعَدِّي أَجْنَبِيٍّ فَذَلِكَ مِنْ الرَّاهِنِ وَلَهُ طَلَبُ الْمُتَعَدِّي (بِكَحَرْقِهِ) الْبَاجِيُّ: وَمِثْلُ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ رَهَنَهُ رَهْنًا فِي مَرْكَبٍ فَغَرِقَ أَوْ احْتَرَقَ مَنْزِلُهُ أَوْ أَخَذَهُ اللُّصُوصُ بِمُعَايَنَةٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِنْ جَاءَ بِالرَّهْنِ مُحْتَرِقًا لَمْ يُصَدَّقْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 575 إلَّا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ يَكُونُ مِنْ الِاحْتِرَاقِ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ مِنْ احْتِرَاقِ مَنْزِلِهِ أَوْ حَانُوتِهِ فَيَأْتِي بِبَعْضِ ذَلِكَ مُحْتَرِقًا فَيُصَدَّقُ. رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. الْبَاجِيُّ: وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ سَبَبَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِنْ جَاءَ بِهِ مُحْرَقًا وَإِنْ عَلِمَ سَبَبَهُ كَاحْتِرَاقِ مَنْزِلِهِ أَوْ حَانُوتِهِ، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ الثَّوْبَ كَانَ فِيمَا احْتَرَقَ مِنْ حَانُوتِهِ أَوْ مَنْزِلِهِ فَلَا خِلَافَ فِي تَصْدِيقِهِ، أَتَى بِبَعْضِهِ مُحْرَقًا أَوْ لَا. ابْنُ زَرْقُونٍ: قَالَ مُحَمَّدٌ: وَيُعْلِمُ أَنَّ النَّارَ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ. الْبَاجِيُّ: وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِيمَا احْتَرَقَ، فَإِنْ أَتَى بِبَعْضِهِ مُحْرَقًا صُدِّقَ أَنَّهُ كَانَ فِي حَانُوتِهِ الَّذِي احْتَرَقَ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَادَّعَى احْتِرَاقَ جَمِيعِهِ فَظَاهِرُ. الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ، وَعِنْدِي إنْ كَانَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بِدَفْعِهِ مِنْ الرَّهْنِ فِي الْحَوَانِيتِ حَتَّى يَكُونَ مُتَعَدِّيًا يَنْقُلُهُ عَنْهُ كَأَهْلِ حَوَانِيتِ التُّجَّارِ الَّذِينَ تِلْكَ عَادَتُهُمْ لَا يَكَادُونَ يَنْقُلُونَ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَ حَوَانِيتِهِمْ فَأَرَى أَنْ يُصَدَّقُوا فِي احْتِرَاقِ ذَلِكَ فِيمَا عُرِفَ مِنْ احْتِرَاقِ حَانُوتِهِ، وَبِذَلِكَ أَفْتَيْتُ فِي طَرْطُوشَةَ عِنْدَ احْتِرَاقِ أَسْوَاقِهَا، وَظَنِّي أَنَّ بَعْضَ الطَّلَبَةِ أَظْهَرَ لِي رِوَايَةً عَنْ ابْنِ أَيْمَنَ بِذَلِكَ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ صَانِعٍ فِي مَصْنُوعٍ وَغَابَ ". (وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ارْتَهَنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَشَرَطَ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ مُصَدَّقٌ لَمْ يَنْفَعْهُ شَرْطُهُ وَضَمِنَ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ ضَاعَ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي حُكْمَ أَصْلِ الْعَقْدِ (أَوْ عُلِمَ احْتِرَاقُ مَحَلِّهِ إلَّا بِبَقَاءِ بَعْضِهِ مُحْرَقًا وَأَفْتَى بِعَدَمِهِ فِي الْعِلْمِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْبَاجِيِّ بِهَذَا كُلِّهِ (وَإِلَّا فَلَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ رَهْنٍ لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ رَبْعٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ رَقِيقٍ فِي الْمُرْتَهِنِ مُصَدَّقٌ فِيهِ، وَلَا يَضْمَنُ مَا زَعَمَ أَنَّهُ هَلَكَ أَوْ عَطِبَ أَوْ أَبَقَ أَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ وَيَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْ الرَّاهِنِ (وَلَوْ اشْتَرَطَ ثُبُوتَهُ) ابْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ شَرَطَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 576 يَضْمَنَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ وَيَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْ رَبِّهِ (إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ عُدُولٌ فِي دَعْوَاهُ مَوْتَ دَابَّةٍ) أَشْهَبُ: إذَا زَعَمَ أَنَّ الدَّابَّةَ انْفَلَتَتْ مِنْهُ أَوْ الْعَبْدَ كَابَرَهُ فَحَضَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ فَيُنْكِرُونَ ذَلِكَ، فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ ادَّعَى حُضُورَهُمْ غَيْرَ عُدُولٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ يُرِيدُ لَا إذَا كَانُوا غَيْرَ عُدُولٍ فَلَمْ يَثْبُتْ كَذِبُهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ. وَإِنْ ادَّعَى مَوْتَهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ بِدَعْوَاهُ ذَلِكَ بِمَوْضِعٍ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ أَهْلُهُ. وَلَوْ قَالُوا مَاتَتْ دَابَّةٌ لَا نَعْلَمُ مِمَّنْ هِيَ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ: إنْ وَصَفُوهَا فَعَرَفُوا الصِّفَةَ أَوْ لَمْ يَصِفُوهَا قُبِلَ قَوْلُهُ إنَّهَا هِيَ وَيَحْلِفُ. ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا إذَا ضَاعَ الرَّهْنُ الَّذِي لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُعْلَمْ بِهَلَاكِهِ إلَّا بِقَوْلِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ كَانَ مُتَّهَمًا أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ فِي عَارِيَّةِ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَأْجَرُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ وَالْقَرْضِ مِنْ رَسْمِ بَاعَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: سَاوَى يَعْنِي فِي هَذَا السَّمَاعِ فِي دَعْوَى التَّلَفِ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ بَيْنَ الَّذِي يَشْتَرِي الْعَبْدَ بِالْخِيَارِ أَوْ يَرْتَهِنُهُ، أَوْ يَشْتَرِيهِ لِرَجُلٍ فِيمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ بِأَمْرِهِ وَمَا يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِأَمْرِهِ وَهُوَ فِيهِ مُؤْتَمَنٌ كَالْمُودَعِ سَوَاءً، فَدَلَّ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي هَذَا كُلِّهِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ كَدَعْوَاهُ ذَلِكَ فِي حَاضِرَةٍ وَلَهُ جِيرَانٌ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَهَلْ السُّلْطَانُ يَسْتَخْبِرُ الْجِيرَانَ وَلَا يُكَلِّفُهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ؟ قَوْلَانِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ دَلِيلُهُمَا. قَالَ فِي السَّمَاعِ: وَإِذَا ادَّعَى إبَاقَهُ أَوْ أَنَّهُ مَاتَ بِفَلَاةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، مَعْنَاهُ وَيَحْلِفُ فِي الْوَجْهَيْنِ (وَحَلَفَ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَلِفَ بِلَا دُلْسَةٍ وَلَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ ادَّعَى الرَّاهِنُ تَغَيُّبَ الرَّهْنِ يَعْنِي الَّذِي يُغَابُ عَلَيْهِ فَقَالَ الْعُتْبِيُّ: لَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الرَّاهِنُ عِلْمَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ وَثِقَ بِهِ، فَإِنْ حَلَفَ حَلَفَ لَهُ الْمُرْتَهِنُ. وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: يَحْلِفُ لَقَدْ ضَاعَ وَمَا دَلَّسَ فِيهِ وَلَا يَعْلَمُ لَهُ مَوْضِعًا. وَأَنْكَرَ قَوْلَ الْعُتْبِيِّ وَقَالَ: يَمِينٌ تُوجِبُ يَمِينًا هَذَا لَا يَكُونُ عِيَاضٌ: عَلَى قَوْلِ ابْنِ مُزَيْنٍ حَمَلَ بَعْضُ الشُّيُوخِ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ. (وَاسْتَمَرَّ ضَمَانُهُ إنْ قُبِضَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 577 الدَّيْنُ أَوْ وُهِبَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَبَضَ مِنْ رَجُلٍ رَهْنًا فِي دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ أَوْ وَهَبَهُ لِلرَّاهِنِ ثُمَّ ضَاعَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الدَّيْنِ (إلَّا أَنْ يُحْضِرَهُ أَوْ يَدْعُوَهُ لِأَخْذِهِ فَيَقُولَ اُتْرُكْهُ عِنْدِي) اللَّخْمِيِّ: الرَّهْنُ مَضْمُونٌ وَإِنْ قَضَى مَا رَهَنَ فَهِيَ إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْهُمَا إلَّا أَنْ يَقُولَ لِلرَّاهِنِ اُتْرُكْهُ عِنْدَك وَدِيعَةً فَيَكُونَ ذَلِكَ تَصْدِيقًا أَنَّهُ كَانَ وَقْتَ الْقَضَاءِ مَوْجُودًا، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا بَيْنَ أَيْدِيهِمَا فَقَضَى مَا رَهَنَ فِيهِ ثُمَّ قَامَ الرَّاهِنُ وَتَرَكَهُ كَانَ وَدِيعَةً وَيُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ إنْ قَالَ ضَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ. (وَإِنْ جَنَى الرَّهْنُ وَاعْتَرَفَ رَاهِنُهُ لَمْ يُصَدَّقْ إنْ أَعْدَمَ وَإِلَّا بَقِيَ إنْ فَدَاهُ وَإِلَّا أُسْلِمَ بَعْدَ الْأَجَلِ وَدَفْعِ الدَّيْنِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّ الْعَبْدَ جَنَى جِنَايَةً أَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا وَهُوَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَلَمْ تَقُمْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُعْدَمًا لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ كَانَ مَلِيًّا قِيلَ لَهُ أَتَفْدِيهِ أَمْ تُسَلِّمُهُ؟ فَإِنْ فَدَاهُ بَقِيَ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ أَسْلَمَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ، فَإِذَا حَلَّ أَدَّى الدَّيْنَ وَدَفَعَ الْعَبْدَ بِجِنَايَتِهِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا وَإِنْ فَلِسَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْجِنَايَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَثُبُوتِ الْجِنَايَةِ بِبَيِّنَةٍ (وَإِنْ ثَبَتَتْ أَوْ اعْتَرَفَا وَأَسْلَمَهُ فَإِنْ أَسْلَمَهُ مُرْتَهِنُهُ أَيْضًا فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِمَالِهِ) أَمَّا إذَا ثَبَتَتْ الْجِنَايَةُ وَأَسْلَمَهُ مُرْتَهِنُهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ ارْتَهَنَ عَبْدًا فَجَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً خُيِّرَ السَّيِّدُ أَوَّلًا، فَإِنْ فَدَاهُ كَانَ عَلَى رَهْنِهِ، وَإِنْ أَسْلَمَهُ خُيِّرَ الْمُرْتَهِنُ أَيْضًا، فَإِنْ أَسْلَمَهُ كَانَ لِأَهْلِ الْجِنَايَةِ بِمَالِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَبَقِيَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ بِحَالِهِ. وَإِنْ فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ أَخْذُهُ حَتَّى يَدْفَعَ مَا فَدَاهُ بِهِ مَعَ الدِّينِ وَلَا يَكُونُ مَالُهُ رَهْنًا بِأَرْشٍ وَلَا دَيْنٍ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الدَّيْنِ أَوَّلًا، وَإِنْ أَبَى سَيِّدُهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِيعَ بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِ الدَّيْنِ لَا قَبْلَهُ فَفَدَى بِمَا فَدَاهُ بِهِ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ سَاوَتْ رَقَبَتُهُ أَقَلَّ مِمَّا فَدَاهُ بِهِ لَمْ يَتْبَعْ السَّيِّدُ بِمَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فَدَاهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَتَبِعَهُ بِدَيْنِهِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ كَانَ الْفَضْلُ مِنْ رَقَبَتِهِ فِي الدَّيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يُصَدَّقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ " أَوْ اعْتَرَفَا " قَبَضَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ (وَإِنْ فَدَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَفِدَاؤُهُ فِي رَقَبَتِهِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَرْهَنْ بِمَالِهِ وَلَمْ يَبِعْ إلَّا فِي الْأَجَلِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ أَسْلَمَهُ السَّيِّدُ خُيِّرَ الْمُرْتَهِنُ بَيْنَ ثَلَاثٍ: بَيْنَ أَنْ يُسْلِمَهُ، أَوْ يَفْتَدِيَهُ فَيَكُونَ رَهْنًا إلَى أَجَلٍ، أَوْ يَفْتَكَّهُ بِزِيَادَةٍ وَلَوْ بِدِرْهَمٍ وَيَكُونَ لَهُ الْعَبْدُ بَتْلًا وَيَتْبَعُ السَّيِّدَ بِحَقِّهِ إلَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 580 ذَلِكَ الدِّرْهَمَ وَيَفْتَرِقُ الْجَوَابُ إذَا افْتَدَاهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي تَعَلُّقِ الْفِدَاءِ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ وَفِي بَيْعِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ وَفِي مَالِ الْعَبْدِ، هَلْ يَكُونُ مَعَهُ فِيمَا فَدَى بِهِ؟ فَإِنْ فَدَاهُ بِإِذْنِهِ كَانَ سَلَفًا فِي ذِمَّةِ السَّيِّدِ وَلَا يُبَاعُ قَبْلَ الْأَجَلِ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَكُونُ رَهْنًا بِمَا فَدَى بِهِ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: يَكُونُ رَهْنًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ رَهْنًا وَإِنْ افْتَدَاهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ يَكُنْ سَلَفًا فِي ذِمَّةِ السَّيِّدِ إنْ هَلَكَ وَكَانَ مُعَلَّقًا بِعَيْنِ الْعَبْدِ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُبَاعُ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: يُبَاعُ قَبْلَ الْأَجَلِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ أَسْلَمَهُ وَهُوَ أَحْسَنُ، وَلَا مَقَالَ لِلرَّاهِنِ فِي تَأْخِيرِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِسْلَامِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي مَالِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَتْبَعُهُ وَالْمَالُ لِسَيِّدِهِ. وَقَالَ مَرَّةً يَتْبَعُهُ وَيَكُونُ رَهْنًا فِيمَا فَدَى بِهِ وَهُوَ أَبْيَنُ لِأَنَّهُ افْتَدَى مَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ أَحَقَّ بِهِ فَيُبَاعُ بِمَالِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ لَا يَكُونُ رَهْنًا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ (وَإِنْ بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ رَهْنًا بِهِ) عِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ أَتْبَعَهُ بِمَا فَدَاهُ بِهِ وَبِالدَّيْنِ جَمِيعًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ: " اُخْتُلِفَ هَلْ يَكُونُ رَهْنًا بِمَا فَدَى بِهِ " فَانْظُرْهُ أَنْتَ مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ. (وَإِذَا قُضِيَ بَعْضُ الدَّيْنِ أَوْ سَقَطَ فَجَمِيعُ الرَّهْنِ فِيمَا بَقِيَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ رَهَنَ امْرَأَتَهُ رَهْنًا بِكُلِّ الْمَهْرِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَخْذُ نِصْفِ الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ أَجْمَعُ رَهْنٌ بِنِصْفِ الْمَهْرِ كَمَنْ قَضَى بَعْضَ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَ لَهُ فَكُلُّ الرَّهْنِ رَهْنٌ بِمَا بَقِيَ (كَاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ارْتَهَنَ دَابَّةً أَوْ دَارًا أَوْ ثَوْبًا فَاسْتَحَقَّ نِصْفَ ذَلِكَ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَبَاقِيهِ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْحَقِّ. (وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي نَفْيِ الرَّهْنِيَّةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ عَبْدَانِ وَادَّعَى أَنَّهُمَا رَهْنٌ وَقَالَ الرَّاهِنُ رَهَنْتُك أَحَدَهُمَا وَأَوْدَعْتُكَ الْآخَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ لِأَنَّ مَنْ ادَّعَى فِي سِلْعَةٍ بِيَدِهِ أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 581 عَبْدٍ أَنَّ ذَلِكَ رَهْنٌ وَقَالَ رَبُّهُ بَلْ عَارِيَّةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ صُدِّقَ رَبُّهُ مَعَ يَمِينِهِ (وَهُوَ كَالشَّاهِدِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي مَبْلَغِ الدَّيْنِ فَالرَّهْنُ كَشَاهِدٍ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا حَازَهُ وَثِيقَةٌ لَهُ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ وَالتَّدَاعِي لَا يَوْمَ التَّرَاهُنِ مِثْلَ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ فَأَكْثَرَ صُدِّقَ الْمُرْتَهِنُ مَعَ يَمِينِهِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي مَا قَالَ الرَّاهِنُ فَأَقَلَّ لَمْ يَحْلِفْ إلَّا الرَّاهِنُ وَحْدَهُ. قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَكِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَأَمَّا إنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ وَيُصَدَّقُ فِي قِيمَتِهِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ كَذَّبَهُ رَبُّهُ، وَيُصَدَّقُ أَيْضًا فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْحَقِّ إلَى مَبْلَغِ تِلْكَ الْقِيمَةِ تَكُونُ قِيمَتُهُ مَكَانَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ رَهْنٌ قَائِمٌ يَشْهَدُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إلَى مَبْلَغِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ. (لَا الْعَكْسُ) قَالَ أَصْبَغُ: مَنْ رَهَنَ رَهْنًا بِأَلْفِ دِينَارٍ فَجَاءَ لِيَقْبِضَهُ فَأَخْرَجَ الْمُرْتَهِنُ رَهْنًا يُسَاوِي مِائَةَ دِينَارٍ فَقَالَ الرَّاهِنُ لَيْسَ هَذَا رَهْنِي وَقِيمَةُ رَهْنِي أَلْفُ دِينَارٍ وَذَكَرَ صِفَةً تُسَاوِي أَلْفًا، فَالرَّاهِنُ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ وَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ مَا لَا يُشْبِهُ، فَإِذَا حَلَفَ سَقَطَ عَنْهُ مِنْ الدَّيْنِ مِقْدَارُ قِيمَةِ رَهْنِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ إلَّا دِرْهَمًا وَاحِدًا. وَقَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ نَحْوَ قَوْلِ أَشْهَبَ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَبِهِ أَقُولُ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. ابْنُ يُونُسَ: كَمَا لَوْ قَالَ لَمْ تَرْهَنِّي شَيْئًا (إلَى قِيمَتِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالرَّاهِنُ كَالشَّاهِدِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ إلَى مَبْلَغِ قِيمَتِهِ مَا لَمْ يَفُتْ فِي ضَمَانِ الرَّاهِنِ فَيَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ وَيَأْخُذُهُ إنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنْ زَادَ حَلَفَ الرَّاهِنُ مَا لَمْ يُنْقِصْ عَنْهَا، فَإِنْ نَقَصَ حَلَفَا وَأَخَذَهُ إنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ بِقِيمَتِهِ وَقِيلَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ. (وَلَوْ بِيَدِ أَمِينٍ عَلَى الْأَصَحِّ) ابْنُ يُونُسَ: اُخْتُلِفَ إنْ كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا بِيَدِ الْأَمِينِ هَلْ يَكُونُ شَاهِدًا أَمْ لَا؟ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ شَاهِدٌ كَانَ عَلَى يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ غَيْرِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيِّ. (مَا لَمْ يَفُتْ فِي ضَمَانِ الرَّاهِنِ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الرَّاهِنُ إذَا أَخَذَ رَهْنَهُ خَرَجَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 583 مِنْ الرَّهْنِ وَلَمْ يَبْقَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ مَا يَكُونُ شَاهِدًا لَهُ عَلَى دَعْوَاهُ. اُنْظُرْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى (وَحَلَفَ مُرْتَهِنُهُ وَأَخَذَهُ إنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ فَإِنْ زَادَ حَلَفَ الرَّاهِنُ وَإِنْ نَقَصَ حَلَفَا وَأَخَذَهُ إنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ) بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ (بِقِيمَتِهِ) وَانْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَلَوْ بِيَدِ أَمِينٍ ". وَقَالَ الْبَاجِيُّ: وَإِذَا اُخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَبْدَأُ الْمُرْتَهِنُ بِالْيَمِينِ لِأَنَّ الرَّهْنَ شَاهِدٌ لَهُ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ عِشْرِينَ الَّتِي ادَّعَاهَا الْمُرْتَهِنُ فَهُوَ لِلْمُرْتَهِنِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الرَّاهِنُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَيَأْخُذَ رَهْنَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا قَالَ الرَّاهِنُ هُوَ فِي مِائَةٍ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ هُوَ فِي مِائَتَيْنِ وَالرَّهْنُ قَائِمٌ صُدِّقَ الْمُرْتَهِنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِيمَةِ الرَّهْنِ يَوْمَ الْحُكْمِ، فَإِنْ ادَّعَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ لَمْ يُصَدَّقْ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا وَحَلَفَ الرَّاهِنُ عَلَى مَا قَالَ فَإِنْ حَلَفَ فَإِنَّمَا يَبْدَأُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ وَيُؤَدِّي مَبْلَغَ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَيَأْخُذُهُ إنْ أَحَبَّ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي عَشَرَةً وَهِيَ الَّتِي ادَّعَاهَا الْمُرْتَهِنُ أَوْ كَانَ يُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ دَعْوَاهُ لَمْ يَكُنْ الْيَمِينُ إلَّا عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الرَّاهِنُ وَأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُرْتَهِنُ فَهَاهُنَا يَحْلِفَانِ، يَبْدَأُ الْمُرْتَهِنُ بِالْيَمِينِ لِأَنَّ الرَّهْنَ كَشَاهِدٍ لَهُ عَلَى قِيمَتِهِ، فَإِنْ حَلَفَ فَلْيَحْلِفْ الْآخَرُ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ كُلُّ مَا ادَّعَاهُ الْمُرْتَهِنُ، وَإِنْ حَلَفَ الرَّاهِنُ بَرِئَ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِالرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الرَّاهِنُ قِيمَتَهُ وَيَأْخُذَ رَهْنَهُ فَذَلِكَ لَهُ، وَلَا حُجَّةَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقُولَ وَلَا أَدْفَعُهُ إلَيْك إلَّا بِحَقِّي كُلِّهِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ تَالِفٍ تَوَاصَفَاهُ ثُمَّ قُوِّمَ فَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 584 اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا ضَاعَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَاخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ تَوَاصَفَاهُ وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي الصِّفَةِ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ ثُمَّ يَدَّعِي لِتِلْكَ الصِّفَةِ الْمُقَوِّمُونَ، ثُمَّ إنْ اخْتَلَفَا فِي الدَّيْنِ صُدِّقَ الْمُرْتَهِنُ إلَى مَبْلَغِ قِيمَةِ تِلْكَ الصِّفَةِ. [هَلَكَ الرَّهْنُ وَجُهِلَتْ صِفَتُهُ] (فَإِنْ تَجَاهَلَا فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ هَلَكَ الرَّهْنُ وَجُهِلَتْ صِفَتُهُ كَانَ بِمَا رَهَنَ فِيهِ وَلَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَدْرِي هَلْ يَفْضُلُ لَهُ عِنْدَ صَاحِبِهِ شَيْءٌ أَمْ لَا، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَشْهَبَ (وَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ إنْ بَقِيَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَهُوَ كَالشَّاهِدِ ". وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ قُبِضَ عَشَرَةً وَيَوْمَ الْحُكْمِ عِشْرِينَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ فِي عَشَرَةٍ (وَهَلْ يَوْمَ التَّلَفِ أَوْ الْقَبْضِ أَوْ الرَّهْنِ إنْ تَلِفَ؟ أَقْوَالٌ) أَمَّا ابْنُ يُونُسَ فَإِنَّمَا قَالَ مَا نَصُّهُ: إنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ. وَسَمِعَ عِيسَى: قِيمَةُ مَا ضَاعَ مِنْ رَهْنِ حُلِيٍّ أَوْ ثِيَابٍ يَوْمَ ضَاعَ لَا يَوْمَ رُهِنَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَالَ بَعْدَ هَذَا قِيمَتُهُ يَوْمَ رُهِنَ. عِيسَى: وَلَيْسَ بِخِلَافٍ، رَاجِعْهُ فِيهِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مَقْبُوضٍ فَقَالَ الرَّاهِنُ عَنْ دَيْنِ الرَّهْنِ وُزِّعَ بَعْدَ حَلِفِهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ لَك عَلَى رَجُلٍ مِائَتَانِ فَرَهَنَك بِمِائَةٍ مِنْهَا رَهْنًا ثُمَّ قَضَاك مِائَةً وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هِيَ الَّتِي فِيهَا الرَّهْنُ وَقُلْتَ أَنْتَ هِيَ الَّتِي لَا رَهْنَ فِيهَا وَقَامَتْ الْغُرَمَاءُ أَوْ لَمْ يَقُومُوا، فَإِنَّ الْمِائَةَ يَكُونُ نِصْفُهَا عَنْ الْمِائَةِ الرَّهْنِ وَنِصْفُهَا عَنْ الْمِائَةِ الْأُخْرَى، يُرِيدُ بَعْدَ التَّحَالُفِ إذَا ادَّعَيَا الْبَيَانَ. (كَالْحَمَالَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ قَرْضٍ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ كَفَالَةٍ فَقَضَاهُ أَلْفًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا الْقَرْضُ وَقَالَ الْمُقْتَضِي بَلْ هِيَ الْكَفَالَةُ. ابْنُ يُونُسَ: وَادَّعَيَا أَنَّهُمَا بَيَّنَا فَلْيُقْضَ بِنِصْفِهَا عَنْ الْقَرْضِ وَنِصْفِهَا عَنْ الْكَفَالَةِ، يُرِيدُ وَيَحْلِفَانِ أَنَّهُمَا بَيَّنَا. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا إذَا كَانَ الْكَفِيلُ وَالْغَرِيمُ مُوسِرَيْنِ. ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 585 [كِتَابُ التَّفْلِيسِ] [أَحْكَام الْحَجَر عَلَى الْمُفْلِس] وَلِلْحَجْرِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ: الْأَوَّلُ مَنْعُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ الْمَوْجُودِ. الثَّانِي بَيْعُ مَالِهِ وَقِسْمَتُهُ. الثَّالِثُ حَبْسُهُ إلَى ثُبُوتِ إعْسَارِهِ. الرَّابِعُ الرُّجُوعُ إلَى عَيْنِ الْمَالِ (لِلْغَرِيمِ مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 588 مِنْ تَبَرُّعِهِ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ " لِلْغَرِيمِ " سَيَأْتِي لِابْنِ رُشْدٍ إتْلَافُهُ الْمَالَ قَبْلَ التَّفْلِيسِ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ ابْنُ حَارِثٍ: أَصْلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ الرُّوَاةِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّ الَّذِي لَا وَفَاءَ عِنْدَهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا كُلُّ مَا فَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ وَلَا إقْرَارُهُ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ فَإِذَا ضَرَبَ عَلَى يَدَيْهِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ. اللَّخْمِيِّ: مِنْ حَقِّ الْغُرَمَاءِ إذَا تَبَيَّنَ فَلَسُ غَرِيمِهِمْ الْحَجْرُ عَلَيْهِ وَانْتِزَاعُ مَا فِي يَدَيْهِ، ابْنُ شَاسٍ: وَمِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ مَنْعُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ خَوْفِ الْحَجْرِ بِوُجُوهِ التَّبَرُّعِ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ، وَالْبَيْعُ بِالْمُحَابَاةِ فِي مَعْنَى التَّبَرُّعِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ: مَنْ نَحَلَ بِنْتَه ثُلُثَ مَالِهِ عِنْدَ نِكَاحِهَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ثُمَّ مَاتَ إنْ كَانَ الدَّيْنُ قَبْلَ النِّحْلَةِ فَالدَّيْنُ مُبْدَأٌ أَوْ لِلْمَنْحُولِ لَهَا ثُلُثُ مَا يَبْقَى. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ النِّحْلَةِ فَلِلْمَنْحُولِ لَهَا ثُلُثُ الْجَمِيعِ وَالدَّيْنُ بَعْدَهَا. وَفِي الْمُفِيدِ مَا نَصُّهُ: مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ هِبَةٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا صَدَقَةٌ، فَإِنْ تَصَدَّقَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ وَبِيَدِهِ مَالٌ لَا يَدْرِي أَيَفِي بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدُّيُونِ أَمْ لَا فَالصَّدَقَةُ جَائِزَةٌ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مَا يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَلْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَهُ طَالِبٌ مُعَيَّنٌ أَوْ مُطْلَقًا، وَسَيَأْتِي لِابْنِ رُشْدٍ إنْ فَرَّقَا فِي عِتْقِ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ طَالِبٌ مُعَيَّنٌ أَوْ لَا. وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَصِيَّةُ السَّلَاطِينِ الظَّلَمَةِ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَعِتْقُهُمْ مَرْدُودٌ، وَيُرَشِّحُ هَذَا نَقْلُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْحَبْسِ فِقْهًا مُسَلَّمًا أَنَّ مَنْ قَبِلَ وَدِيعَةً مِنْ مُسْتَغْرَقِ ذِمَّةٍ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ ضَمِنَهَا لِلْفُقَرَاءِ، وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ هَذَا ثُمَّ قَالَ: وَلِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَأَظُنُّهُ الصَّائِغَ وَنَقَلَ عِيَاضٌ فِي مَدَارِكِهِ أَنَّ دُرَّةً جَلِيلَةً خَرَجَتْ مِنْ دَارِ السُّلْطَانِ بِبَغْدَادَ لِبَعْضِ الْأُمَرَاءِ فَوَصَلَتْ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ فَاسْتَحْسَنَهَا كُلُّ مَنْ حَضَرَ وَجَعَلَ يُقَبِّلُهَا، وَفِي الْمَجْلِسِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ سَحْنُونٍ فَلَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إلَيْهَا وَامْتَنَعَ مِنْ تَقْبِيلِهَا. فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ: أَخْبِرْنِي لِمَ لَمْ تَفْعَلْ؟ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مُرَادَهُ فَقَالَ: هِيَ لِغَيْرِ مَالِكِهَا وَحُكْمُهَا حُكْمُ اللُّقَطَةِ يَلْزَمُ ضَمَانُهَا مُلْتَقِطَهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهَا إلَى مَالِكِهَا فَلَوْ أَخَذْتُهَا لَضَمِنْتهَا، وَنَحْوُ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ، فَاسْتَحْسَنَهُ الْقَاضِي وَدَلَّ عَلَى فَضْلِ قَائِلِهِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا فُتْيَا ابْنِ إبْرَاهِيمَ لِلْأَمِيرِ بِالْكَفَّارَةِ بِالصَّوْمِ لِفَقْرِهِ بِاسْتِغْرَاقِ ذِمَّتِهِ، وَعَلَى هَذَا صَدَرَتْ فُتْيَا ابْنِ رُشْدٍ فِي الْعُمَّالِ الظَّلَمَةِ أَنَّهُ يَضُمُّ مَا وَجَدَ لَهُمْ لِبَيْتِ الْمَالِ. قَالَ: وَأَمَّا مَا فَاتَ بِبَيْعٍ فَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ لِفَوْتِهِ. وَعُرِفَ عِيَاضٌ بِعَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَشْهُورِ بِالْوَرَعِ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ جُنْدِيٌّ فَرَسَهُ فَرَكِبَهُ فَنَظَرَ إلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ: مَا لَكُمْ إمَّا وَرَعٌ نَقَصَ وَإِمَّا عِلْمٌ زَادَ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَعَلَّهُ تَصَدَّقَ بِقَدْرِ انْتِفَاعِهِ بِهِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عُرِفَ بِهِ عِيَاضٌ أَيْضًا وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ قَالَ: ذَهَبَ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ لِيَزُورَهُ بِالزَّهْرَاءِ قَالَ: وَكَانَ صَدِيقَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 590 فَدَعَاهُ إلَى الْأَكْلِ مَعَهُ فَأَكَلَ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ إلَّا مِنْ مَالِ السُّلْطَانِ، فَقِيلَ لِابْنِ مُجَاهِدٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ أَمْسَكْتُ عَنْ طَعَامِهِ لَكَانَ جَفَاءً عَلَيْهِ. وَقَدْ قَوَّمْتُ مَا أَكَلْت وَأَجْمَعْت عَلَى الصَّدَقَةِ بِهِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِصَاحِبِهِ، وَرَأَيْت هَذَا أَفْضَلَ مِنْ الشُّهْرَةِ وَالْجَفَاءِ عَلَى الرَّجُلِ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ عَنْ مُسْتَغْرَقِ الذِّمَّةِ بِالْحَرَامِ، هَلْ تَجُوزُ مُعَامَلَتُهُ؟ فَقَالَ: فِي ذَلِكَ خِلَافٌ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ أَنَّ الْفُقَرَاءَ لَمْ يَسْتَحِقُّوا عَيْنَ مَا بِيَدِهِ إنَّمَا اسْتَحَقُّوا قَدْرَهُ خَاصَّةً لَا عَيْنَهُ، فَإِذَا بَذَلَ لَهُ مِثْلَهُ فَلَا مَضَرَّةَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بَلْ رُبَّمَا كَانَ خَيْرًا إذَا كَانَ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ مِمَّا يُخْفِيهِ وَكَانَ الَّذِي بَذَلَ لَهُ مِمَّا يُظْهِرُهُ إذْ قَدْ يُقَامُ عَلَيْهِ فَيُوجَدُ لَهُ مَا يُؤْخَذُ لَهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَذَا أَيْضًا هَلْ هُوَ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَإِنَّ الْحَرَامَ إذَا تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ صَارَ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ مَالًا مِنْ مَالِهِ يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَهُ لَهُ. وَقَدْ بَالَغَ فِي الْإِحْيَاءِ فِي هَذَا وَقَالَ مَعَ ذَلِكَ: لَا يَجُوزُ لَك أَنْ تَسْرِقَ مَالَ ظَالِمٍ وَلَا لَك أَنْ تُخْفِيَ وَدِيعَتَهُ وَتُفَرِّقَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمُحْتَمَلِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْ حَصَلَ لَهُ بِشِرَاءٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنَّ كَوْنَ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ تَحْتَ يَدِهِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَهُ " فِي ذِمَّتِهِ " مَذْهَبُنَا نَحْنُ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا اشْتَرَى مُطْلَقًا إذَا لَمْ يُكْرِهْ الْبَائِعَ عَلَى الْبَيْعِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ كَانَ قَدْ اشْتَرَى ذَلِكَ الشِّقْصَ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ مَغْصُوبَةً فَلَكَ أَنْتَ أَنْ تَشْفَعَ فِي ذَلِكَ الشِّقْصِ لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ، وَإِذَا قَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهَا أَتْبَعَهُ بِهَا وَلَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الشِّقْصَ بِعَبْدٍ مَغْصُوبٍ فَلَا شُفْعَةَ لَك حَتَّى يَفُوتَ الْعَبْدُ وَيَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ. وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ إذَا تُوُفِّيَ هَذَا الْمُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةَ فَلَا يَحْرُمُ عَلَى وَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ إلَّا مَا كَانَ حَرَامًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَفُتْ أَوْ كَانَ لَهُ طَالِبٌ مُعَيَّنٌ، وَهَكَذَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ هَلَكَ وَتَرَكَ مَالًا حَرَامًا فَقَالَ مَا نَصُّهُ: أَجَازَ وِرَاثَتَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبَاهُ الْقَاسِمُ وَغَيْرُهُ، وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُ أَهْلَهُ فَيَرُدَّ إلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَهْلَهُ فَلَا يَقْضِي عَلَى الْوَرَثَةِ بِأَنْ يَتَصَدَّقُوا بِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي لَهُمْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ هِيَ فُتْيَا الْأَشْيَاخِ فِي أَشْخَاصِ الْمَسَائِلِ دُونَ كَلَامِهِمْ الْعَامِّ فِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ فِيمَنْ عَمِلَ لِلسَّلَاطِينِ فَظَلَمَ النَّاسَ أَوْ كَانَ قَاهِرًا غَاصِبًا أَوْ قَاطِعًا لِلسُّبُلِ أَوْ سَارِقًا أَوْ تَاجِرًا عَمِلَ بِالرِّبَا ثُمَّ مَرِضَ وَأَرَادَ التَّنَحِّيَ مِمَّا نَالَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ فِي مَرَضِهِ إنِّي نِلْت مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 591 أَمْوَالِ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ مَالِي فَأَنَا أُوصِي بِجَمِيعِ مَالِي. قَالَ: فَأَفْتَى بَعْضُ فُقَهَاءِ الشُّورَى: إنْ أَبَى الْوَرَثَةُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْفُقَرَاءِ إلَّا الثُّلُثُ خَاصَّةً، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ طَالِبًا مُعَيَّنًا وَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَطْلُبُ فَذَلِكَ كَالدَّيْنِ انْتَهَى. وَانْظُرْ إنْ قَامَ السُّلْطَانُ عَلَى مِثْلِ هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ فُتْيَا ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ كَالطَّالِبِ الْمُعَيَّنِ إلَّا إنْ كَانَ مَا بَاعَ مَضَى. وَنَحْوُ هَذَا قَبْلَ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ تَرْجَمَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: الشُّورَى فِيمَا خَلَفَهُ ابْنُ السَّقَّاءِ قَيِّمُ دَوْلَةِ ابْنِ جَوْهَرٍ، وَأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَتْ اسْتِطَالَتُهُ فِي الْأَمْوَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَتَفَاهَةٍ وَفَرَهٍ يَوْمَ وَلِيَ النَّظَرَ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَأَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ هُذَيْلٍ وَابْنُ مَالِكٍ أَنَّ جَمِيعَ مَا خَلَّفَهُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَمِنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: مَا تَرَكَهُ مُسْتَغْرَقُ الذِّمَّةِ لِبَيْتِ الْمَالِ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْغُرَمَاءِ، فَإِنْ كَانَ فِي تَرِكَتِهِ أَكْثَرُ ضَرَبَ الْغُرَمَاءُ فِيمَا يَبْقَى بَعْدَ أَخْذِ بَيْتِ الْمَالِ مَا يَجِبُ لَهُ. وَمِنْ وَثَائِقِ ابْنِ سَلْمُونَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَفَادَهُ الْعُمَّالُ كَمَا «فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ مِنْ الْعَامِلِ الْهَدِيَّةَ الَّتِي قَالَ هَذَا أُهْدِيَ لِي وَقَالَ: هَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرَ مَا يُهْدَى إلَيْهِ» . وَقَدْ فَعَلَهُ الصِّدِّيقُ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَكُلُّ مَا اسْتَفَادَهُ وَالٍ مِنْ مَالٍ سِوَى رِزْقِهِ وَقَاضٍ فِي قَضَائِهِ فَلِلْإِمَامِ أَخْذُهُ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَقَالَهُ مَالِكٌ. وَشَاطَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا مُوسَى وَغَيْرَهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَانْظُرْ قَضِيَّتَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ شَاطَرَ بَنِيهِ فِي الرِّبْحِ الَّذِي رَبِحَاهُ فِيمَا سَلَّفَهُمَا أَبُو مُوسَى. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَاسْتَسْهَلَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الشَّكْوَى بِاَلَّذِينَ يُرْسِلُونَ الْبَهَائِمَ فِي الْكُرُومِ إلَى حَاكِمِ الْفَحْصِ فَيُلْزِمُهُمْ عَلَيْهَا شَيْئًا مَدْخُولًا عَلَيْهِ، وَكُنْت أَنَا أَسْتَحْسِنُ هَذَا وَأَحْتَجُّ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُفْسِدِينَ مُسْتَغْرِقُو الذِّمَّةِ، فَكُلُّ مَا أَغْرَمَهُمْ فَسَائِغٌ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَالَ مُسْتَغْرَقِ الذِّمَّةِ سَائِغٌ لِكُلِّ النَّاسِ كَالْفَيْءِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيِّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَانْظُرْ أَيْضًا مُسْتَغْرَقَ الذِّمَّةِ هَلْ يَسُوغُ لَهُ إمْسَاكُ مَا يَسْتَفِيدُهُ مِنْ مَالٍ بِإِرْثٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ يَصْرِفُهُ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ التَّبَاعَاتِ. فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ حُكْمَ هَذَا الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ حُكْمُ اللُّقَطَةِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ صَاحِبُهَا لَهُ أَنْ يَمْسِكَهَا كَمَا قَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ الَّذِي وُجِدَ فِي الْكِفَّةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْ الْمَغْنَمِ مَالًا كَثِيرًا وَقَدْ وَقَعَ لَهُ. وَلِابْنِ الْحَاجِّ أَيْضًا فِي نَوَازِلِهِمَا فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 592 أَمْوَالِ الْبَرْبَرِ الْمُجْتَمِعَةِ مِنْ الْغَارَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ مَا حُكْمُ الْوَرَثَةُ؟ فَقَالَ: حُكْمُهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَالِ كَاللُّقَطَةِ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ بِهَا وَلَا تَجِبُ لَا سِيَّمَا إنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ الْأَمْوَالُ الْمَغْصُوبَةُ وَإِنَّمَا هِيَ نَسْلُهَا فَيَجُوزُ شِرَاؤُهَا لِمَنْ يُرِيدُ شِرَاءَهَا. وَفِي نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ فِي الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ زَوْجَةِ الرَّجُلِ الظَّالِمِ يَأْبَى طَلَاقَهَا، لَهَا أَنْ تَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ وَإِثْمُهَا فِي عُنُقِهِ وَكَذَلِكَ الْمَمْلُوكُ انْتَهَى. وَهَذَا لَا شَكَّ مَا لَمْ يَكُنْ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ قَدْ صَارَ مَالُهُ بِيَدِهِ كَالصَّنَمِ فِي كَبَّةِ الْخُيُوطِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الدَّاوُدِيُّ وَقِيلَ: هُوَ كَالْمِدْيَانِ قَبْلَ الضَّرْبِ عَلَى يَدَيْهِ يَجُوزُ تَرْكُهَا بِلَا مُحَابَاةٍ. تَزَوَّجَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِنْتَ عَمِّهِ وَقَالَ لَهَا: رُدِّي حُلِيَّك لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: وَانْظُرْ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ ظَفِرَ بِمَالِ مَنْ جَحَدَهُ، هَلْ لِلْفَقِيرِ الْأَخْذُ مِنْ مَالِ مُسْتَغْرِقِ الذِّمَّةِ؟ أَفْتَى شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَمْنَعُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً. هَذَا هُوَ الَّذِي شَافَهَنِي بِهِ ثُمَّ بَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ لِجَوَازِ ذَلِكَ كَمَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ إلَى مَالِ الْغَيْرِ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ مَنْ بِيَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ فَاشْتَرَى بِهِ دَارًا أَوْ ثَوْبًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ أَحَدًا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَشْتَرِيَ أَنْتَ تِلْكَ الدَّارَ أَوْ الثَّوْبَ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِالْمَالِ الْحَرَامِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا اشْتَرَى الشِّقْصَ بِالدَّنَانِيرِ الْمَغْصُوبَةِ أَنَّ لَك أَنْ تَشْفَعَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَجَازَ قَبُولَ هَذَا الْمُشْتَرِي هِبَةً ابْنُ سَحْنُونٍ وَابْنُ حَبِيبٍ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَا اشْتَرَاهُ هَؤُلَاءِ الْعُمَّالُ فِي الْأَسْوَاقِ فَأَهْدَوْهُ لَك طَابَ لَك أَكْلُهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ الْحَرَامَ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ وَالْمُهْدِي فَهُمَا الْمَأْخُوذَانِ بِهِ وَالْمَسْئُولَانِ عَنْهُ، وَنَحْوُ هَذَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إذْ قَالَ: لَك الْمَهْنَأُ وَعَلَى غَيْرِك الْمَأْثَمُ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْدَعْته دَنَانِيرَ فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً فَلَيْسَ لَك فِي السِّلْعَةِ شَيْءٌ إنَّمَا تُتْبِعُهُ بِدَنَانِيرِك. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: كَرِهَ مَالِكٌ الشِّرَاءَ مِنْ لَحْمِ شَاةٍ تَلَقَّى الْجَزَّارُ شِرَاءَهَا مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ، وَالْقِيَاسُ عَلَى قَوْل مَنْ يَقُولُ هَذَا جَوَازُ الشِّرَاءِ لِأَنَّ بِذَبْحِهَا فَاتَ بَيْعُهَا الْفَاسِدُ وَوَجَبَتْ لَهُ بِقِيمَتِهَا فَالْمُشْتَرِي مِنْ لَحْمِهَا إنَّمَا اشْتَرَى لَحْمَ شَاةٍ قَدْ صَحَّ مِلْكُ بَائِعِهِ لِدُخُولِ الشَّاةِ فِي ضَمَانِهِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إذَا غَصَبَ قَمْحًا فَطَحَنَهُ ضَمِنَ مِثْلَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُمَكَّنُ رَبُّ الْقَمْحِ مِنْ أَخْذِ الدَّقِيقِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ إلَّا إنْ طَحَنَ الْقَمْحَ سَوِيقًا وَلَتَّ بِسَمْنٍ فَيَتَّفِقُ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ لَيْسَ لِرَبِّ الْقَمْحِ أَخْذُهُ كَذَلِكَ، وَلَا أَخْذُ بَعْضِهِ عَنْ قَمْحٍ لِأَنَّهُ رِبًا. قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي مُعَامَلَةِ الْمُسْتَغْرَقِ الذِّمَّةِ بِالْحَرَامِ: إنَّ مُعَامَلَتَهُ فِي غَيْرِ عَيْنِ الشَّيْءِ الْمُحَرَّمِ تَكُونُ كَمُعَامَلَةِ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ وَلَمْ يُفْلِسْ لَا حُكْمَ الْمُفْلِسِ فَيُعَامَلُ بِالْقِيمَةِ اهـ. وَحَكَى ابْن رُشْدٍ هَذَا أَيْضًا وَشَهَرَ مَنْعَ مُعَامَلَتِهِ قَائِلًا. لِأَنَّ الدُّيُونَ قَدْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 593 اغْتَرَقَتْ ذِمَّتَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إتْلَافُ شَيْءٍ مِمَّا بِيَدِهِ وَلَوْ بِبَيْعٍ، لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَكُّ مِنْ الْمُغَابَنَةِ وَقَدْ تَغْلُو السِّلْعَةُ الَّتِي تُشْتَرَى مِنْهُ وَتَرْخُصُ السِّلْعَةُ الَّتِي تُبَاعُ مِنْهُ فَيَكُونُ قَدْ أَدْخَلَ عَلَى أَهْلِ تَبَاعَتِهِ نَقْصًا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ. قَالَ: أَمَّا لَوْ اغْتَصَبَ هَذَا الْمُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةِ رَجُلًا مِثْلِيًّا فَغَابَ عَلَيْهِ لَسَاغَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ فِي ذَلِكَ مِثْلَهُ إذْ لَمْ يُدْخِلْ عَلَى أَهْلِ تِبَاعَتِهِ بِمَا أَخَذَ نَقْصًا، وَكَذَلِكَ لَوْ اغْتَصَبَ مِنْهُ سِلْعَةً فَجَحَدَهَا لَسَاغَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا لِأَنَّهُ لَا يُدْخِلُ بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ تِبَاعَتِهِ نَقْصًا. أَمَّا لَوْ جَنَى عَلَى دَابَّةٍ فَقَتَلَهَا أَوْ عَلَى ثَوْبٍ فَأَفْسَدَهُ لَسَاغَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يُغْرِمَهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ يُدْخِلُ بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ تِبَاعَتِهِ نَقْصًا، وَكَذَلِكَ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَسُوغُ لِأَجِيرٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ أُجْرَةً فِي خِدْمَتِهِ إيَّاهُ وَلَا لِحَجَّامٍ إجَارَةً فِي حِجَامَتِهِمْ لِأَنَّهُمْ يُدْخِلُونَ بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ تِبَاعَتِهِ نَقْصًا. وَلِابْنِ رُشْدٍ: عِتْقُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَرْبَابُ الدُّيُونِ مَعْلُومِينَ أَوْ مَجْهُولِينَ، فَإِنْ كَانُوا مَعْلُومِينَ فَفَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمُوا بِالْعِتْقِ بِالْفَوْرِ أَوْ بَعْدَ طُولٍ. (وَسَفَرِهِ إنْ حَلَّ بِغَيْبَتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَك مَنْعُ غَرِيمِك مِنْ بَعِيدِ السَّفَرِ الَّذِي يَحِلُّ دَيْنُك قَبْلَ قُدُومِهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ قَرِيبِهِ الَّذِي يَئُوبُ فِيهِ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ (وَإِعْطَاءِ غَيْرِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ) اُنْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى هَذَا. (أَوْ كُلَّ مَا بِيَدِهِ) نَقَلَ بَهْرَامَ عَنْ السُّيُورِيِّ أَنَّهُ إذَا قَضَى جَمِيعَ مَا بِيَدِهِ لِبَعْضِ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ أَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي رَدِّهِ. وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: رَهْنُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ جَائِزٌ مَا لَمْ يُفْلِسْ وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِالرَّهْنِ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ، سَوَاءٌ قَامَ بَقِيَّةُ غُرَمَائِهِ بِأَثَرِ ذَلِكَ أَوْ تَأَخَّرَ قِيَامُهُمْ إذَا كَانَ يَبِيعُ وَيَتَأَخَّرُ النَّاسُ بِبَيْعِهِ، وَقَضَاؤُهُ وَرَهْنُهُ جَائِزٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ لَوْ فَطِنَ أَحَدُ الْغُرَمَاءِ بِاسْتِغْرَاقِهِ وَبَادَرَ الْغُرَمَاءَ فَهُوَ أَحَقُّ مَا لَمْ يَكُنْ الْغُرَمَاءُ قَدْ تَشَاوَرُوا كُلُّهُمْ عَلَى تَفْلِيسِهِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: هُوَ أَحَقُّ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا قَدْ تَشَاوَرُوا وَبِهِ أَقُولُ (كَإِقْرَارِهِ لِمُتَّهَمٍ عَلَيْهِ عَلَى الْمُخْتَارِ) اللَّخْمِيِّ: إقْرَارُهُ قَبْلَ الْحَجِّ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ جَائِزٌ، وَلِغَيْرِهِ كَالْأَبِ وَالزَّوْجِ وَالْأَخِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَأَنْ لَا يَجُوزَ أَحْسَنُ (وَالْأَصَحُّ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 594 إقْرَارُهُ مَا دَامَ قَائِمَ الْوَجْهِ مُنْبَسِطَ الْيَدِ فِي مَالِهِ جَائِزٌ إلَّا إذَا قَرُبَ تَفْلِيسُهُ وَخَافَ قِيَامَ الْغُرَمَاءِ فَأَقَرَّ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ فَإِنِّي أُبْطِلُ إقْرَارَهُ وَأَرَاهُ تَوْلِيجًا، وَأَمَّا إقْرَارُهُ لِلْأَجْنَبِيِّينَ فَجَائِزٌ. (لَا بَعْضِهِ وَرَهْنِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ عِتْقٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا هِبَةٌ، وَأَمَّا رَهْنُهُ وَقَضَاؤُهُ لِبَعْضِ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ فَجَائِزٌ مَا لَمْ يُفْلِسْ اهـ. اُنْظُرْ مَا عَنَى بِقَوْلِهِ " بَعْضٍ ". (وَفِي كِتَابَتِهِ قَوْلَانِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 596 الْكِتَابَةِ فَقِيلَ هِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِتْقِ فَتُرَدُّ، وَقِيلَ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْعِ فَتُمْضَى ثُمَّ ذَكَرَ مُخْتَارًا لِنَفْسِهِ (وَلَهُ التَّزَوُّجُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا دَامَ قَائِمَ الْوَجْهِ فَإِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ مَالِهِ مَا لَمْ يُفْلِسْ (وَفِي تَزَوُّجِهِ أَرْبَعًا وَتَطَوُّعِهِ فِي الْحَجِّ تَرَدُّدٌ) مُقْتَضَى مَا يَتَقَرَّرُ أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي حَجَّةِ الْفَرْضِ، وَأَمَّا حَجُّ التَّطَوُّعِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إتْلَافُهُ الْمَالَ قَبْلَ التَّفْلِيسِ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ كَالْكِسْرَةِ يُعْطِيهَا السَّائِلَ، وَالضَّحِيَّةِ وَالنَّفَقَةِ فِي الْعِيدَيْنِ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ، وَلَا يَجُوزُ فِيمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِفِعْلِهِ مِنْ الْكِرَاءِ فِي الْحَجِّ التَّطَوُّعِ. وَانْظُرْ هَلْ لَهُ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ أَمْ لَا؟ ، وَإِنْ كَانَ يَأْتِي ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَجِّ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ، وَتَدَبَّرْ ذَلِكَ؟ اهـ مِنْ ابْنِ رُشْدٍ. (وَفُلِّسَ حَضَرَ) ابْنُ يُونُسَ: الْقَضَاءُ إذَا طَلَبَ الْغُرَمَاءُ الْحَجْرَ عَلَى الْمُفْلِسِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْجُرُ عَلَيْهِ. قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَامَ رَجُلٌ وَاحِدٌ بِالْمِدْيَانِ فَلَهُ تَفْلِيسُهُ كَقِيَامِ الْجَمَاعَةِ وَيَبِيعُ الْإِمَامُ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ مَالِهِ فَيُوَزِّعُهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ وَيَحْبِسُهُ فِيمَا بَقِيَ إنْ تَبَيَّنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 597 لَدَدَهُ وَاتُّهِمَ. وَلِابْنِ مُحْرِزٍ: إنْ قَامَ بِهِ مَنْ حَلَّ دَيْنُهُ وَمَنْ لَمْ يَحِلَّ لَمْ يُفْلِسْ إلَّا أَنْ يَغْتَرِقَ مَا حَلَّ بِيَدِهِ وَلَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ إلَّا يَسِيرٌ لَا يُرْجَى فِي حَرَكَتِهِ لَهُ أَدَاءُ حُقُوقِ الْآخَرِينَ. (أَوْ غَابَ إنْ لَمْ يُعْلَمْ مَلَاؤُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ قَامَ بِدَيْنٍ عَلَى غَائِبٍ وَلَعَلَّهُ كَثِيرُ الْمُدَايَنَةِ لِغَيْرِ مَنْ حَضَرَ فَأَرَى أَنْ تُبَاعَ عَرُوضُهُ لِمَنْ حَضَرَ وَيَقْضِي. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْغَائِبِ يَقُومُ بِهِ بَعْضُ غُرَمَائِهِ وَلَيْسَ فِيمَا حَضَرَ مِنْ مَالِهِ وَفَاءٌ. فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا كَالْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ فَلْيَكْتُبْ فِيهِ لِيُكْشَفَ مَلَاؤُهُ مِنْ عَدَمِهِ، وَأَمَّا فِي الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ لَا يُعْرَفُ فِيهَا مَلَاؤُهُ مِنْ عَدَمِهِ وَلَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ فَهُوَ كَالْمُفْلِسِ وَيَحِلُّ الْمُؤَجَّلُ مِنْ دَيْنِهِ. وَمَنْ بَاعَ مِنْهُ سِلْعَةً فَوَجَدَهَا فَلَهُ أَخْذُهَا، وَأَمَّا إنْ عُرِفَ فِيهَا مَلَاؤُهُ فَلَا يُفْلِسُ وَيَقْضِي مَنْ حَلَّ دَيْنُهُ وَيَبْقَى الْمُؤَجَّلُ وَلَا يَأْخُذُ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ. (بِطَلَبِهِ وَإِنْ أَبَى غَيْرُهُ) مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 598 الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَرَادَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ تَفْلِيسَ الْغَرِيمِ وَحَبْسَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ نَدَعُهُ يَسْعَى حُبِسَ لِمَنْ أَرَادَ حَبْسَهُ إنْ تَبَيَّنَ لَدَدُهُ (وَدَيْنًا حَلَّ زَادَ عَلَى مَالِهِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِغَيْرِ مَنْ قَامَ بِهِ وَدَيْنُهُ حَالٌّ كَانَ لَهُ أَنْ يُفَلِّسَهُ إنْ ادَّعَى الْغَرِيمُ فَقْرَهُ (أَوْ بَقِيَ مَا لَا يَفِي بِالْمُؤَجَّلِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ مُحْرِزٍ: لَا يُفَلَّسُ إلَّا أَنْ يَغْتَرِقَ مَا حَلَّ بِيَدِهِ وَلَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ إلَّا يَسِيرٌ لَا يُرْجَى فِي حَرَكَتِهِ أَدَاءُ حُقُوقِ الْآخَرِينَ فَانْظُرْهُ مَعَ هَذَا (فَيُمْنَعُ مِنْ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا بَعْدَ التَّفْلِيسِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ فِي مَالِهِ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ وَلَا أَخْذٌ وَلَا إعْطَاءٌ، وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ لِقَرِيبٍ وَلَا بَعِيدٍ (لَا فِي ذِمَّتِهِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 599 ابْنُ الْحَاجِبِ: تَصَرُّفُهُ شَارِطًا أَنْ يَقْضِيَ مِنْ غَيْرِ مَا حَجَرَ عَلَيْهِ فِيهِ صَحِيحٌ (كَخُلْعِهِ وَطَلَاقِهِ وَقِصَاصِهِ وَعَفْوِهِ) ابْنُ شَاسٍ: تَصَرُّفُ الْمُفْلِسِ فِي غَيْرِ الْمَالِ كَطَلَاقِهِ وَخُلْعِهِ وَاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَعَفْوِهِ وَاسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ وَنَفْيِهِ بِلِعَانٍ وَقَبُولِ الْوَصِيَّةِ. (وَعِتْقِ أُمِّ وَلَدِهِ وَتَبِعَهَا مَالُهَا إنْ قَلَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يُجْبِرُوا الْمُفْلِسَ عَلَى انْتِزَاعِ مَالِ أُمِّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرِهِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي عِتْقِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أُمَّ وَلَدِهِ فَأَمْضَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ مَسْأَلَةَ إعْتَاقِ أُمِّ الْوَلَدِ مَنْصُوصَةً فِي الْمُفْلِسِ نَفْسِهِ اهـ. وَانْظُرْ إذَا أَعْتَقَ الْمَحْجُورُ أُمَّ وَلَدِهِ وَقُلْنَا بِإِمْضَاءِ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَتْبَعُهَا مَالُهَا، وَرَوَى مُحَمَّدٌ يَتْبَعُهَا. (وَحَلَّ بِهِ وَبِالْمَوْتِ مَا أُجِّلَ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ حُلُولُ دَيْنِ الْمُؤَجِّلِ الْمُفْلِسِ بِتَفْلِيسِهِ كَالْمَوْتِ مُطْلَقًا. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: مَا كَانَ عَلَى مُفْلِسٍ أَوْ مَيِّتٍ مِنْ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِالْمَوْتِ وَالْفَلَسِ، وَمَا كَانَ لَهُ مِنْ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَإِنَّهُ إلَى أَجَلِهِ وَلِغُرَمَائِهِ تَأْخِيرُهُ إلَى أَجَلِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 600 أَوْ بَيْعُهُ الْآنَ (وَلَوْ دَيْنَ كِرَاءٍ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا: وَأَخَذَ الْمُكْرِي دَابَّتَهُ وَأَرْضَهُ وَأَخَّرَ النَّقْلَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْكِرَاءَ يَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ وَيَحِلُّ كِرَاءُ مَا مَضَى إنْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَيُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ. (أَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ مَلِيًّا) ابْنُ يُونُسَ: فِي تَفْلِيسِ الْغَائِبِ كَلَامٌ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَمِنْهُ مَا نَصُّهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ قَدِمَ بِمَالٍ فَأَرَادَ الَّذِينَ لَمْ يَخْلُ دَيْنُهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بَقِيَّةَ دُيُونِهِمْ حَالَّةً وَآجَالُهَا لَمْ تَحِلَّ وَحِصَاصُهُمْ إنَّمَا كَانَتْ لِلضَّرُورَةِ فَالْأَشْبَهُ أَنْ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَشْهَبَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ ذَلِكَ حَالًّا وَكَأَنَّهُ حُكْمٌ قَدْ مَضَى بِحُلُولِ الدَّيْنِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ فَلَّسَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ إلَى أَجَلٍ فَتَحَاصَّ الْغُرَمَاءُ فِي مَالِهِ فَوَقَعَ لِكُلِّ رَجُلٍ نِصْفُ حَقِّهِ، ثُمَّ وَرِثَ مَالًا أَنَّ الَّذِينَ لَمْ تَحِلَّ دُيُونُهُمْ يَأْخُذُونَهَا حَالَّةً، وَإِنْ كَانَتْ آجَالُهُمْ لَمْ تَنْقَضْ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مَضَى بِحُلُولِ الدَّيْنِ، وَالْأَشْبَهُ فِي هَذَا أَنْ تَبْقَى بَقِيَّةٌ مَا لَمْ يَحِلَّ مِنْ دُيُونِهِمْ إلَى أَجَلِهِ لِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ حَلَّتْ دُيُونُهُمْ إنَّمَا هُوَ خَلَاءُ ذِمَّتِهِ. (وَإِنْ نَكَلَ الْمُفَلِّسُ حَلَفَ كُلٌّ كَهُوَ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ وَلَوْ نَكَلَ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 601 اللَّخْمِيِّ: قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَوْ نَكَلَ الْمُفَلِّسُ مِنْ الْحَلِفِ مَعَ شَاهِدٍ لَهُ بِدَيْنٍ قَبْلَ الضَّرْبِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِغُرَمَائِهِ الْحَلِفُ مَعَهُ، فَإِنْ ضَرَبَ عَلَى يَدَيْهِ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا مَعَ شَاهِدَيْهِ وَيَسْتَحِقُّونَ، وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّ الَّذِي شَهِدَ بِهِ شَاهِدُهُ حَقٌّ وَيَحْلِفُ عَلَى جَمِيعِ الْحَقِّ وَلَيْسَ عَلَى مَا يَنُوبُهُ، وَمَنْ نَكَلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحَاصَّ مَنْ حَلَفَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: مَنْ حَلَفَ كَانَ لَهُ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَهُ جَمِيعُ حَقِّهِ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إذَا نَكَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَانَ لِمَنْ حَلَفَ بِقَدْرِ حَقِّهِ (وَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِالْمَجْلِسِ وَقُرْبُهُ) الْمُتَيْطِيُّ: إقْرَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي إنَّمَا يُثْبِتُ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَجْلِسِهِ أَوْ قُرْبِهِ. رَوَاهُ مُحَمَّدٌ. وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ لَغْوٌ فِي ذَلِكَ الْمَالِ لِأَنَّهُ بِتَمَامِ إقْرَارِهِ حُجِرَ عَلَيْهِ فِيهِ. اللَّخْمِيِّ: الصَّوَابُ إنْ بَادَرَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ دُيُونِهِمْ فَيَثْبُتُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا قَوْلُ مَنْ رَفَعَهُ لِلْحَاكِمِ بَطَلَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ لِأَنَّ أَكْثَرَ بَيْعِهِمْ دُونَ بَيِّنَةٍ. وَإِنْ قَالَ بَعْدَ أَنْ كَشَفَ عَنْ دُيُونِهِ أُنْسِيت كَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ بِالْقُرْبِ وَقَدْ قَبِلُوا قَوْلَ عَامِلِ الْقِرَاضِ قُرْبَ تَسْلِيمِ مَالِهِ: أُنْسِيتُ النَّفَقَةَ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَا اسْتَصْوَبَهُ اللَّخْمِيِّ هُوَ نَقْلُ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ (إنْ ثَبَتَ دَيْنُهُ بِإِقْرَارِهِ لَا بِبَيِّنَةٍ وَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ) عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ عَنْ قُرْبٍ ثُمَّ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ خَلِيلٍ فَانْظُرْهُ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ قَبْلَ التَّفْلِيسِ يُرِيدُ أَوْ وَقْتَ الْقِيَامِ عَلَيْهِ بِمَالٍ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ مَعَ مَنْ دَايَنَهُ بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 602 أَقَرَّ لَهُ بَعْدَ التَّفْلِيسِ فَلَا يَدْخُلُ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ مَالٍ وَيَتَحَاصُّ فِي هَذَا الْمَالِ أَهْلُ دَيْنِهِ دُونَ الْمُقَرِّ لَهُ، فَإِنْ أَفَادَ مَالًا بَعْدَ ذَلِكَ دَخَلَ فِيهِ هَذَا الْمُقَرُّ لَهُ حِينَ التَّفْلِيسِ، وَمَنْ بَقِيَ أَيْ مِنْ الْأَوَّلِينَ شَيْءٌ لِأَنَّ التُّهْمَةَ إنَّمَا كَانَتْ فِي الْمَالِ الْأَوَّلِ (وَقُبِلَ تَعْيِينُهُ لِلْقِرَاضِ وَلِلْوَدِيعَةِ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِهِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ قَالَ هَذَا قِرَاضُ فُلَانٍ أَوْ وَدِيعَتُهُ لَقَبِلْت قَوْلَهُ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إذَا تَقَدَّمَ إقْرَارُهُ قَبْلَ التَّفْلِيسِ أَنَّ بِيَدِهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ قِرَاضًا أَوْ وَدِيعَةً. (وَالْمُخْتَارُ قَبُولُ قَوْلِ الصَّانِعِ بِلَا بَيِّنَةٍ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي الصَّانِعِ يُفْلِسُ فَيُقِرُّ فِيمَا بِيَدَيْهِ أَنَّ هَذَا لِفُلَانٍ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ. وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحْسَنُ لِأَنَّ الصُّنَّاعَ مُنْتَصِبُونَ لِمِثْلِ هَذَا وَلَيْسَتْ الْعَادَةُ الْإِشْهَادَ عِنْدَ الدَّفْعِ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ قَوْلِهِمْ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا قَبِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَ الصَّانِعِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ أَمْتِعَةُ النَّاسِ فَلَا يُتَّهَمُ أَنْ يَصْرِفَهُ مِنْ وَاحِدٍ إلَى وَاحِدٍ. اُنْظُرْ رَسْمَ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ. (وَحَجَرَ أَيْضًا إنْ تَجَدَّدَ مَالٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ " الْمَالُ الْمُتَجَدِّدُ يَحْتَاجُ إلَى حَجْرَتَيْنِ " وَاضِحٌ فِيمَا عُلِمَ تَجَدُّدُهُ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: إنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِ عَدَمِ آخَرَ إلَّا أَنْ يَطْرَأَ لَهُ مَالٌ فَلِغَرِيمِهِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي أَقَلِّ مُدَّةٍ (وَانْفَكَّ وَلَوْ بِلَا حُكْمٍ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ لَمْ يَبْقَ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ وَاعْتَرَفَ بِذَلِكَ الْغُرَمَاءُ انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ وَلَا يَحْتَاجُ لِفَكِّ الْقَاضِي. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ دَايَنَ النَّاسَ بَعْدَ التَّفْلِيسِ ثُمَّ فَلَّسَ ثَانِيَةً فَمَنْ دَايَنَهُ أَخِيرًا أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِينَ، فَظَاهِرُ قَوْلِهِ " دَايَنَ النَّاسَ " ارْتِفَاعُ الْحَجْرِ عَنْهُ دُونَ حُكْمِ حَاكِمٍ، وَكَذَا قَوْلُهَا: لَيْسَ لِلْمُفْلِسِ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي الْمَالِ الَّذِي فَلَّسَ فِيهِ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِيمَا أَفَادَ بَعْدَ ذَلِكَ (وَلَوْ مَكَّنَهُمْ الْغَرِيمُ فَبَاعُوا وَاقْتَسَمُوا ثُمَّ دَايَنَ غَيْرَهُمْ فَلَا دُخُولَ لِلْأَوَّلِينَ كَتَفْلِيسِ حَاكِمٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ " لَوْ مَكَّنَهُمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 604 الْغَرِيمُ مِنْ مَالِهِ فَاقْتَسَمُوهُ ثُمَّ تَدَايَنَ فَلَيْسَ لِلْأَوَّلِينَ دُخُولُهُ فِيمَا بِيَدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ فَضْلُ رِبْحٍ كَتَفْلِيسِ السُّلْطَانِ " هُوَ نَصُّ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَمَاعُ أَصْبَغَ (إلَّا كَإِرْثٍ وَصِلَةٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ كَلَامٍ مَا نَصُّهُ: إذَا فَلَّسَ ثَانِيَةً كَانَ الْمُقَرُّ لَهُمْ آخِرًا أَوْلَى بِمَا فِي يَدَيْهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ الْأَوَّلِينَ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ شَيْءٌ عَنْ دَيْنِهِمْ لِأَنَّ مَا بِيَدِهِ هُوَ مِنْ الْمُعَامَلَةِ الثَّانِيَةِ إذَا كَانَ قَدْ عُومِلَ بَعْدَ التَّفْلِيسِ وَبَاعَ وَاشْتَرَى لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الَّذِي أَفَادَهُ بَعْدَ التَّفْلِيسِ إنَّمَا أَفَادَهُ بِإِرْثٍ أَوْ صِلَةٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَدْخُلُونَ فِيهِ. (وَبِيعَ مَالُهُ بِحَضْرَتِهِ) ابْنُ شَاسٍ: الْحُكْمُ الثَّانِي بَيْعُ مَالِهِ وَقِسْمَتُهُ وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ بِحَضْرَةِ الْمُفْلِسِ (بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: يَسْتَأْنِي فِي بَيْعِ رَبْعِ الْمُفْلِسِ يَتَسَوَّقُ بِهِ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ، وَأَمَّا الْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ يَتَسَوَّقُ بِهَا يَسِيرًا وَالْحَيَوَانُ أَسْرَعُ بَيْعًا. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمِنْ شَأْنِ بَيْعِ السُّلْطَانِ عِنْدَنَا أَنْ يَبِيعَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. قَالَ سَحْنُونَ: يَبِيعُ بِالْخِيَارِ لَعَلَّ زَائِدًا يَأْتِيهِ (وَلَوْ كُتُبًا) مُحَمَّدٌ. قَالَ مَالِكٌ: يُبَاعُ عَلَيْهِ سَرِيرُهُ وَمُصْحَفُهُ وَلَا تُبَاعُ الْكُتُبُ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ وَالْوَارِثُ وَغَيْرُهُ فِيهَا سَوَاءٌ مِمَّنْ هُوَ لَهَا أَهْلٌ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ سَحْنُونَ. أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا يُجِيزُ بَيْعَهَا. بِيعَتْ كُتُبُ ابْنِ وَهْبٍ بَعْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَأَصْحَابُهُ حِينَئِذٍ مُتَوَافِرُونَ فَمَا أَنْكَرُوا ذَلِكَ (وَثَوْبَيْ جُمُعَتِهِ إنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَبِيعُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ عُرُوضَهُ كُلَّهَا وَدَارَهُ وَخَادِمَهُ وَسَرْجَهُ وَسِلَاحَهُ وَخَاتَمَهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ إلَّا مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ثِيَابِ جَسَدِهِ، وَيَبِيعُ عَلَيْهِ ثَوْبَيْ جُمُعَتِهِ إنْ كَانَتْ لَهُمَا قِيمَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا تِلْكَ الْقِيمَةُ فَلَا. [بَيْعُ آلَةِ الصَّانِعِ إذَا فَلَّسَ] (وَفِي بَيْعِ آلَةِ الصَّانِعِ تَرَدُّدٌ) قَالَ أَبُو حَفْصٍ: الصَّانِعُ إذَا فَلَّسَ تُرِكَ لَهُ آلَةُ الْبِنَاءِ إنْ كَانَ بَنَّاءً وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الصُّنَّاعِ تُتْرَكُ لَهُمْ الْآلَةُ لِأَنَّهُمْ بِهَا يَتَمَعَّشُونَ لَكِنَّهُمْ يَجْعَلُونَهَا فِي الزَّكَاةِ فِي مُقَابَلَةِ دُيُونِهِمْ إذَا لَمْ يُفْلِسُوا. الْبُرْزُلِيِّ: حَكَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِبَيْعِهَا فَذَكَرْت لَهُ فُتْيَا أَبِي حَفْصٍ فَقَالَ: إنَّمَا بِعْتهَا لِأَنَّهُ يَنْتَصِبُ بِهَا لِلنَّاسِ يَغُرُّهُمْ بِذِمَّتِهِ فَأَقْطَعُ عَنْهُمْ مَادَّتَهُ حَتَّى يَكُونَ أَجِيرًا تَابِعًا. (وَأُوجِرَ رَقِيقُهُ بِخِلَافِ مُسْتَوْلَدَتِهِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ أَنْ يُؤَاجِرُوا أُمَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 605 وَلَدِهِ، وَلَهُمْ أَنْ يُؤَاجِرُوا مُدَبَّرَهُ وَيَبِيعُوا كِتَابَةَ مُكَاتَبِهِ. اللَّخْمِيِّ: وَتُبَاعُ خِدْمَةُ مُعْتَقَةٍ إلَى أَجَلٍ وَإِنْ طَالَتْ، وَإِنْ فَلَّسَ الْمُخْدَمُ بِيعَ مَا قَرُبَ وَمَا اكْتَرَى وَنَفَذَ بِيعَ لَهُ (وَلَا يُلْزَمُ بِتَكَسُّبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْحُرَّ إذَا فَلَّسَ لَا يُؤَاجِرُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُسْتَعْمَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: 280] اللَّخْمِيِّ: هَذَا إنْ كَانَ تَاجِرًا وَإِنْ كَانَ صَانِعًا يُدَايَنُ لِيَقْضِيَ مِنْ عَمَلِهِ، فَإِنْ عَطِلَ أُجْبِرَ عَلَى الْعَمَلِ فَإِنْ أَبَى اُسْتُؤْجِرَ فِي صَنْعَتِهِ (وَتَسَلُّفٍ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ بِدَنَانِيرَ يُؤَدِّيهَا فِي دَيْنِهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ بَدَّلَ وَسَلَّفَ أَوْ مَعُونَةً إلَى أَجَلٍ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ ذَلِكَ (وَاسْتِشْفَاعٍ وَعَفْوٍ لِلدِّيَةِ وَانْتِزَاعِ مَالِ رَقِيقِهِ أَوْ مَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ) ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِغُرَمَاء الْمُفْلِسِ أَنْ يُجْبِرُوهُ عَلَى اعْتِصَارِ مَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ أَوْ نَحَلَهُ وَلَا عَلَى شُفْعَةٍ لَهُ فِيهَا فَضْلٌ، وَكَذَلِكَ شُفْعَةُ الْمَيِّتِ وَالْوَرَثَةُ أَوْلَى مِنْهُمْ. وَانْظُرْ الْخِيَارَ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ " وَلِغَرِيمٍ وَلَا كَلَامَ لِوَارِثٍ " ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا تُؤَاجَرُ مُسْتَوْلَدَتُهُ بِخِلَافِ مُدَبَّرَتِهِ وَلَا يُنْزَعُ مَالُهُمَا. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " كَسَلَفٍ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ " كَعِتْقِ أُمِّ وَلَدِهِ " (وَعُجِّلَ بَيْعُ الْحَيَوَانِ وَاسْتُؤْنِيَ بِعَقَارِهِ كَالشَّهْرَيْنِ) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا ". (وَقُسِمَ بِنِسْبَةِ الدُّيُونِ) ابْنُ شَاسٍ: الْحُكْمُ الثَّانِي بَيْعُ مَالِهِ وَقَسْمُهُ عَلَى نِسْبَةِ الدُّيُونِ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا مِنْ الْعَيْنِ وَالْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِيهِ قُوِّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ قِيمَةُ دَيْنِهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَهُ حِينَ الْفَلَسِ أَوْ الْمَوْتِ، وَقُسِمَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحِصَصِ وَاشْتَرَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ الْمُحَاصَّةِ سِلْعَتَهُ أَوْ مَا بَلَغَ مِنْهَا، وَلَا يُدْفَعُ لِأَحَدٍ مِنْ أَرْبَابِ الطَّعَامِ ثَمَنٌ، وَكَذَلِكَ أَرْبَابُ الْعُرُوضِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ عَرْضًا فِي عَرْضَيْنِ (بِلَا بَيِّنَةِ حَصْرِهِمْ) ابْنُ شَاسٍ: لَا يُكَلَّفُ الْغُرَمَاءُ حُجَّةً عَلَى أَنْ لَا غَرِيمَ سِوَاهُمْ وَيَكُونُ الْمُعَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَظَهَرَ (وَاسْتُؤْنِيَ بِهِ إنْ عُرِفَ بِالدَّيْنِ فِي الْمَوْتِ فَقَطْ) ابْنُ يُونُسَ: ظَاهِرُ حَدِيثِ عُمَرَ تَعْجِيلُ قَسْمِ مَالِ الْمُفْلِسِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بَعْدَ إشْهَارِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إنَّا نَقْسِمُ مَالَهُ بِالْغَدَاةِ، فَمَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ فَلْيَأْتِنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: يُسْتَأْنَى بِقَسْمِ مَالِ الْمَيِّتِ الْمَعْرُوفِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 606 بِالدَّيْنِ لِاجْتِمَاعِ بَقِيَّةِ غُرَمَائِهِ (وَقُوِّمَ مُخَالِفُ النَّقْدِ يَوْمَ الْحِصَاصِ وَاشْتَرَى لَهُ بِمَا خَصَّهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ بِهَذَا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَعْرِفَةُ وَجْهِ التَّحَاصِّ أَنْ يُصْرَفَ مَالُ الْغَرِيمِ مِنْ جِنْسِ دُيُونِ الْغُرَمَاءِ إنْ كَانَتْ دُيُونُهُمْ دَرَاهِمَ أَوْ طَعَامًا إنْ كَانَتْ دُيُونُهُمْ طَعَامًا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ دُيُونُهُمْ مُخْتَلِفَةً دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ أَوْ دَرَاهِمَ وَطَعَامًا أَوْ عُرُوضًا وَدَنَانِيرَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ صُرِفَ مَالُ الْغَرِيمِ عَيْنًا، إمَّا دَنَانِيرَ وَإِمَّا دَرَاهِمَ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ وَيُبَاعُ مَالُهُ مِنْ الدُّيُونِ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ الْغُرَمَاءُ عَلَى تَرْكِهَا حَتَّى تُقْبَضَ عِنْد حُلُولِهَا، ثُمَّ يُحَصِّلُ جُمْلَةَ دُيُونِهِمْ إنْ كَانَتْ صِفَةً وَاحِدَةً، أَوْ قِيمَتَهَا إنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً، حَلَّتْ أَمْ لَمْ تَحِلَّ لِأَنَّ التَّفْلِيسَ مَعْنًى يُفْسِدُ الذِّمَّةَ وَيَقْتَضِي حُلُولَ الدَّيْنِ كَالْمَوْتِ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ سَحْنُونَ: إنَّ الْعَرْضَ الْمُؤَجَّلَ يُقَوَّمُ يَوْمَ التَّفْلِيسِ عَلَى أَنْ يُقْبَضَ إلَى أَجَلِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ، لِأَنَّ الْمَالَ لَوْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ لَعَجَّلَ لَهُ حَقَّهُ أَجْمَعَ وَيَلْزَمُهُ مِثْلُهُ فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجَّلِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ. وَيَنْظُرُ مَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ جَمِيعُ مَالِ الْمُفْلِسِ فَإِنْ كَانَ النِّصْفُ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ نِصْفُ دَيْنِهِ وَأُتْبِعَ الْغَرِيمُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 607 بِالنِّصْفِ الْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ الرُّبُعَ كَانَ الرُّبُعَ وَأُتْبِعَ الْغَرِيمُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دَيْنِهِ بِمَنْ كَانَ دَيْنُهُ مِنْهُمْ مِنْ صِنْفِ مَالِ الْغَرِيمِ دَفَعَ إلَيْهِ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنُهُ مِنْ صِنْفِ مَالِ الْغَرِيمِ اُبْتِيعَ لَهُ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ صِنْفِ عَرْضِهِ إنْ كَانَ دَيْنُهُ عَرْضًا، أَوْ صِنْفِ طَعَامِهِ إنْ كَانَ دَيْنُهُ طَعَامًا، فَإِنْ غَلَا السِّعْرُ أَوْ رَخُصَ فَلَا تَرَاجُعَ لَهُ فِي ذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَإِنَّمَا التَّحَاسُبُ فِي ذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرِيمِ يَتْبَعُهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ (وَمَضَى إنْ رَخُصَ أَوْ غَلَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرِيمِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ بِجَمِيعِ مَا بَقِيَ لَهُ (وَهَلْ يُشْتَرَى فِي شَرْطٍ جَيِّدٍ أَدْنَاهُ أَوْ وَسَطَهُ قَوْلَانِ) الْبَاجِيُّ: يُعْتَبَرُ فِيمَا يُشْتَرَى لَهُ الصِّفَاتُ الَّتِي اشْتَرَطَهَا، فَإِنْ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ جَيِّدٌ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يُشْتَرَى لَهُ أَدْنَى مَا تَقَعُ تِلْكَ الصِّفَةُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ أَوْسَطَ تِلْكَ الصِّفَةِ (وَجَازَ الثَّمَنُ إلَّا لِمَانِعٍ كَالِاقْتِضَاءِ) ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنُهُ مِنْ صِنْفِ مَالِ الْغَرِيمِ اُبْتِيعَ لَهُ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ صِنْفِ دَيْنِهِ وَلَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ دَنَانِيرَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا وَلَا يَشْتَرِي لَهُ بِهَا شَيْئًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إنْ كَانَ الَّذِي لَهُ طَعَامٌ مِنْ سَلَمٍ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ إنْ كَانَ الَّذِي صَارَ لَهُ فِي الْمُحَاصَّةِ أَقَلَّ مِمَّا يَنُوبُ ذَلِكَ الْجُزْءُ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ سَوَاءٌ دَخَلَهُ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ. وَإِنْ كَانَ الَّذِي لَهُ الطَّعَامُ مِنْ قَرْضٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ بِكُلِّ حَالٍ لَا يَدْخُلُهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي لَهُ عَرْضٌ مِنْ سَلَمٍ لَمْ يَجُزْ وَقَدْ قِيلَ إنَّ التَّفْلِيسَ يَرْفَعُ التُّهْمَةَ يَعْنِي فَيَجُوزُ فِي التَّفْلِيسِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الِاقْتِضَاءِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْحَاصِلُ أَنَّ فِي هَذَا رِوَايَتَيْنِ. (وَحَاصَّتْ الزَّوْجَ بِمَا أَنْفَقَتْ وَبِصَدَاقِهَا كَالْمَوْتِ لَا بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ) ابْنُ عَرَفَةَ فِي ثَانِي نِكَاحِهَا: تَضْرِبُ الْمَرْأَةُ مَعَ غُرَمَاءِ زَوْجِهَا بِمَا أَنْفَقَتْهُ فِي سَيْرِهِ عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 608 نَفْسِهَا لَا عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَفِي ثَانِي زَكَاتِهَا تُحَاصِصُ الْمَرْأَةُ بِمَهْرِهَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ خِلَافًا لِلْجَلَّابِ. (وَإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ أَوْ اُسْتُحِقَّ مَبِيعٌ وَإِنْ قَبْلَ فَلَسِهِ رَجَعَ بِالْحِصَّةِ) عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: إذَا ظَهَرَ غَرِيمٌ رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا يَخُصُّهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اُسْتُحِقَّ مَبِيعٌ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا فَلَّسَ رَجُلٌ أَوْ مَاتَ فَاقْتَسَمَ غُرَمَاؤُهُ ثُمَّ طَرَأَ غَرِيمٌ لَهُ لَمْ يُعْلَمْ بِهِ رَجَعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ مَا كَانَ يَنُوبُهُ فِي الْمُحَاصَّةِ أَنْ لَوْ حَضَرَ وَيُتْبَعُ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فِي مَلَائِهِ وَعَدَمِهِ، وَلَا يَأْخُذُ مَلِيًّا أَوْ حَاضِرًا عَمَّنْ مَاتَ أَوْ أُعْدِمَ وَلْيَتْبَعْ ذِمَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِثْلَ أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةٌ غَابَ أَحَدُهُمْ وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِ وَبِيَدِ الْمُفْلِسِ مِائَةٌ فَاقْتَسَمَهَا الْحَاضِرَانِ فَإِنَّ الْقَادِمَ يَتْبَعُ ذِمَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ بِسَبْعَةَ عَشَرَ إلَّا ثُلُثًا. ابْنُ شَاسٍ: وَكَذَلِكَ لَوْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا لَرَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ يَقْتَضِيهِ الْحِسَابُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَمِثْلُ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. اُنْظُرْ أَنْتَ قَوْلَهُ " وَإِنْ قَبْلَ فَلَسِهِ " الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ هُوَ ظُهُورُ دَيْنٍ. وَانْظُرْ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ طَرَأَ عِبَارَةُ خَلِيلٍ وَإِنْ ظَهَرَ. وَفِي نَوَازِلِ عِيسَى. وَانْظُرْ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى إذَا قُسِمَتْ تَرِكَةُ مَيِّتٍ وَلِإِنْسَانٍ دَيْنٌ عَلَى تِلْكَ التَّرِكَةِ فَلَمْ يَقُمْ بِهِ حَتَّى قُسِمَتْ الْمَنْصُوصُ أَيْضًا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ أَنَّ حُضُورَهُ وَسُكُوتَهُ يُبْطِلُ دَعْوَاهُ ذَلِكَ الدَّيْنَ. قَالَ مُطَرِّفٌ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ خَوْفٍ أَوْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَجِدْ عَقْدًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا كَانَ تَرَكَهُ لِلْقِيَامِ إلَّا لِمَا يَذْكُرُ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ (كَوَارِثٍ أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ) رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلُهُ وَقَوْلُ أَصْبَغَ إنْ طَرَأَ لِوَارِثٍ عَلَى الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُمْ كَالْغَرِيمِ يَطْرَأُ عَلَى الْغُرَمَاءِ، حُكْمُ الْجَمِيعِ وَاحِدٌ وَلَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ مَلِيًّا عَنْ مُعْدِمٍ بِخِلَافِ الْغَرِيمِ يَطْرَأُ عَلَى وَارِثٍ أَوْ مُوصًى لَهُمْ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْمَلِيءَ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ مَا صَارَ إلَيْهِ إلَى مَبْلَغِ حَقِّهِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ يَبْدَأُ عَلَيْهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مَعَهُ شَيْءٌ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ هُوَ دَيْنَهُ فَهُوَ بِخِلَافِ وَارِثٍ يَطْرَأُ عَلَى وَرَثَةٍ أَوْ غَرِيمٍ يَطْرَأُ عَلَى غُرَمَاءَ. (وَإِنْ اشْتَهَرَ مَيِّتٌ بِدَيْنٍ أَوْ عَلِمَ وَارِثُهُ وَأَقْبَضَ رَجَعَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ مَلِيءٌ عَنْ مُعْدِمٍ مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَا قَبَضَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ وَفِيهَا الْبُدَاءَةُ بِالْغَرِيمِ وَهَلْ خِلَافٌ أَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ؟ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُسْتَأْنَى بِقَسْمِ مَالِ الْمَيِّتِ الْمَعْرُوفِ بِالدَّيْنِ لِاجْتِمَاعِ بَقِيَّةِ غُرَمَائِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ فِي غَيْبَتِهِ. قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 610 فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا. فَإِنْ قَضَى الْوَصِيُّ أَوْ الْوَرَثَةُ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ يَعْنِي جَمِيعَ مَا خَلَفَهُ الْمَيِّتُ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عَلِمُوا بِبَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ وَلَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مَوْصُوفًا بِالدَّيْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَى وَارِثٍ وَلَا عَلَى وَصِيٍّ وَيَرْجِعُ الْغُرَمَاءُ الْقَادِمُونَ عَلَى الَّذِينَ اقْتَضَوْا بِمَا كَانَ يَنُوبُهُمْ فِي الْمُحَاصَّةِ مِنْ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ أَوْ الْوَصِيُّ قَدْ عَلِمَ بِالدَّيْنِ أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مَوْصُوفًا بِالدَّيْنِ رَجَعَ الْغُرَمَاءُ الْقَادِمُونَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَوْ الْوَصِيِّ بِحِصَصِهِمْ وَيَرْجِعُ الْوَرَثَةُ أَوْ الْوَصِيُّ بِذَلِكَ عَلَى الْغُرَمَاءِ الَّذِينَ اقْتَضَوْا أَوَّلًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي بَابٍ آخَرَ: إنَّ لِلْغُرَمَاءِ الْقَادِمِينَ إنْ وَجَدُوا الْغُرَمَاءَ مُعْدِمِينَ رَجَعُوا عَلَى الْوَرَثَةِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَى الْوَرَثَةِ وَالْوَصِيِّ، وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَى الْغُرَمَاءِ الْأَوَّلِينَ. وَقِيلَ: إنَّهُ اخْتِلَافُ قَوْلٍ وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ انْتَهَى. فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْفِقْهُ الَّذِي اخْتَصَرَ خَلِيلٌ، فَقَوْلُهُ " وَأَخَذَ مَلِيءٌ عَنْ مُعْدِمٍ مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَا قَبَضَهُ " مُقْحَمٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ إذْ لَيْسَ مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ فَرْعُ طُرُوُّ غَرِيمٍ عَلَى وَارِثٍ أَوْ مُوصًى لَهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْمَلِيءُ عَنْ الْمُعْدِمِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَا قَبَضَهُ وَمَا لَمْ يَزِدْ عَلَى حَقِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا الْفَرْعِ. اُنْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَظَهَرَ دَيْنٌ " مَا الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَلِيءِ وَالْمُعْدِمِ أَدْرَكَنِي وَهْمٌ فَقُلْت مَا قُلْت إذْ بَيَّنَ قَوْلُهُ " وَأَخَذَ مَلِيءٌ " أَنَّهُ يَعْنِي فِي رُجُوعِ الْغَرِيمِ عَلَى الْوَرَثَةِ. (فَإِنْ تَلِفَ نَصِيبُ غَائِبٍ عُزِلَ فَمِنْهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْزِلَ لِمَنْ غَابَ مِنْ غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ حِصَّتَهُ، ثُمَّ إنْ هَلَكَ مَا عُزِلَ كَانَ مِمَّنْ عُزِلَ لَهُ. وَرَوَى أَشْهَبُ أَنَّهُ مِنْ الْغَرِيمِ (كَعَيْنٍ وُقِفَ لِغُرَمَائِهِ لَا عَرْضٍ وَهَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِكَدَيْنِهِ؟ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ: إذَا أَوْقَفَ الْإِمَامُ مَالَ مُفْلِسٍ لِيَقْضِيَهُ غُرَمَاءَهُ فَهَلَكَ فِي الْإِيقَافِ، فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعُرُوضَ وَشِبْهَهَا مِنْ الْمُفْلِسِ وَالْعَيْنَ مِنْ الْغُرَمَاءِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَرْضَ لَمَّا كَانَ لِلْمُفْلِسِ نَمَاؤُهُ كَانَ عَلَيْهِ تَوَاهُ، وَأَنَّ الْعَيْنَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَمَاءٌ كَانَ مِنْ الْغُرَمَاءِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 611 وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمَازِرِيُّ وَالْبَاجِيُّ هَذَا بِشَيْءٍ، وَعَزَا عَبْدُ الْحَقِّ لِبَعْضِهِمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ " أَنَّ الْعَرْضَ مِنْ الْمَدِينِ " أَنَّ دَيْنَ الْغُرَمَاءِ لَيْسَ مُمَاثِلًا لَهُ وَلَوْ كَانَ مُمَاثِلًا لَهُ لَكَانَ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ مَا يُحْتَاجُ لِبَيْعِهِ هُوَ مِنْ الْمَدِينِ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ يُبَاعُ وَمَا لَا يُحْتَاجُ إلَى بَيْعِهِ فَهُوَ مِنْ الْغُرَمَاءِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 612 (وَتُرِكَ لَهُ قُوتُهُ وَالنَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ لِظَنِّ يَسْرَتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُتْرَكُ لِلْمُفْلِسِ مَا يَعِيشُ بِهِ هُوَ وَأَهْلُهُ الْأَيَّامَ. قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: الشَّهْرَ وَنَحْوَهُ. قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: هُوَ وَأَهْلُهُ وَوَلَدُهُ الصَّغِيرُ انْتَهَى. نَقْلُ ابْنِ رُشْدٍ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: التَّحْقِيقُ فِي قَدْرِ مَا يُتْرَكُ لِعَيْشِهِ اعْتِبَارُ حَالِ الْمُفْلِسِ فِي كَسْبِهِ، فَيُتْرَكُ لَهُ قَدْرُ مَا يُرَى أَنْ يُبَلِّغَهُ لِتَحْصِيلِ مَعِيشَتِهِ، فَإِنْ كَانَ صَانِعًا يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ خِدْمَتِهِ لَمْ يُتْرَكْ لَهُ شَيْءٌ. وَمِنْ الْأَشْيَاخِ مَنْ قَالَ: يُتْرَكُ لَهُ نَفَقَةُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ خَوْفَ مَرَضِهِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: لَيْسَ هَذَا بِبَيِّنٍ لِأَنَّ الْمَرَضَ نَادِرٌ وَالْغَالِبُ أَنَّ الْمُفْلِسَ يَدَّخِرُ وَيَكْتُمُ (وَكِسْوَتُهُمْ) ابْنُ حَبِيبٍ: يُتْرَكُ لَهُ كِسْوَةٌ لَهُ وَلِأَهْلِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَشَكَّ مَالِكٌ فِي كِسْوَةِ زَوْجَتِهِ. ابْنُ يُونُسَ: إنْ كَانَ قَدْ كَسَاهَا إيَّاهَا قَبْلَ التَّفْلِيسِ وَلَيْسَ فِيهَا فَضْلٌ فَلَا تُنْزَعُ عَنْهَا. قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: الْأَشْبَهُ أَنْ تُتْرَكَ لِزَوْجَتِهِ كِسْوَتُهَا لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ إنَّمَا عَامَلُوهُ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ وَنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ وَكِسْوَتِهَا فَيَجِبُ أَنْ يُتْرَكَ ذَلِكَ لَهَا (كُلٌّ دَسْتًا مُعْتَادًا) قَالَ فِي الِاسْتِغْنَاءِ: لَا يُتْرَكُ عَلَيْهِ إلَّا مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ بَيْنَ النَّاسِ وَتَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 613 فِي الشِّتَاءِ وَيُخَافُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ فَيُتْرَكُ عَلَيْهِ مَا يَقِيهِ الْبَرْدَ (وَلَوْ وَرِثَ أَبَاهُ بِيعَ لَا وُهِبَ لَهُ إنْ عَلِمَ وَاهِبُهُ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) سَمِعَ أَبُو زَيْدٍ ابْنَ الْقَاسِمِ: إنْ وَرِثَ أَبَاهُ فَالدَّيْنُ أَوْلَى بِهِ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَوْ وُهِبَ لَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا وُهِبَ لَهُ لِعِتْقِهِ لَا لِلْغُرَمَاءِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَهِيَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعِتْقِ بِالْقَرَابَةِ هَلْ يَفْتَقِرُ لِحُكْمٍ أَمْ لَا. [حَبَسَ الْمُفْلِس] (وَحُبِسَ لِثُبُوتِ عُسْرِهِ إنْ جُهِلَ حَالُهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ حَبْسُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: حَبْسُ الْغَرِيمِ إنَّمَا يَكُونُ مَا لَمْ يَثْبُتْ عَدَمُهُ وَيَظْهَرْ فَقْرُهُ. وَحَبْسُ الْمِدْيَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: حَبْسُ تَلَوُّمٍ وَاخْتِبَارٍ فِي جَهْلِ حَالِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يُسْتَبْرَأُ أَمْرُهُ وَيَكْشِفُ عَنْ حَالِهِ فَإِرْسَالُ هَذَا الْمَحْبُوسِ لِلتَّلَوُّمِ وَالِاخْتِبَارِ أَنْ يُعْطِيَ حَمِيلًا حَتَّى يَكْشِفَ عَنْ أَمْرِهِ وَلَا يُحْبَسُ. فَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذَا الْوَجْهِ يُحْبَسُ أَوْ يُؤْخَذُ عَلَيْهِ حَمِيلٌ. فَقَالَ التُّونِسِيُّ: يُرِيدُ بِالْوَجْهِ لَا بِالْمَالِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِإِحْضَارِهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا سَجْنُهُ لِاخْتِبَارِ حَالِهِ، فَإِنْ أَحْضَرَهُ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ غَرِمَ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَدِيمٌ مِنْ أَجْلِ الْيَمِينِ اللَّازِمَةِ لَهُ (وَلَمْ يَسْأَلْ الصَّبْرَ بِحَمِيلٍ بِوَجْهِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: إنْ سَأَلَ هَذَا الْمَحْبُوسُ أَنْ يُعْطَى حَمِيلًا حَتَّى يَكْشِفَ عَنْ أَمْرِهِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ عَلَيْهِ حَمِيلٌ بِوَجْهِهِ (يَغْرَمُ إنْ لَمْ يَأْتِ وَلَوْ أُثْبِتَ عَدَمُهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: إنْ لَمْ يُحْضِرْهُ غَرِمَ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَدِيمٌ (أَوْ ظَهَرَ مَلَاؤُهُ إنْ تَفَالَسَ) سَيَأْتِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 614 إنْ عُرِفَ بِالْوَفْرِ لَا يُؤَجَّلُ وَلَا يُؤَخَّرُ (وَإِنْ وَعَدَ بِقَضَاءٍ وَسَأَلَ تَأْخِيرًا كَالْيَوْمَيْنِ أَعْطَى حَمِيلًا بِالْمَالِ) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا إذَا حَلَّ الدَّيْنُ وَلَمْ يَتَفَالَسْ وَلَمْ يَقُلْ لَا شَيْءَ لِي وَسَأَلَ أَنْ يُؤَخَّرَ وَيُوعَدَ بِالْقَضَاءِ فَلْيُؤَخِّرْهُ الْإِمَامُ حَسْبَمَا يَرْجُو لَهُ. قَالَ سَحْنُونَ: يُؤَخِّرُهُ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ تَعَذُّرَ الْقَضَاءِ قَدْ يَتَّجِهُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ قَدْ عُرِفَ بِالْوَفْرِ وَأَنَّ عِنْدَهُ النَّاضَّ فَلَا يُؤَجَّلُ وَلَا يُؤَخَّرُ (وَإِلَّا سُجِنَ) ابْنُ رُشْدٍ: الْوَجْهُ الثَّانِي حَبْسُ مَنْ أَدَانَ وَاتُّهِمَ أَنَّهُ خَبَّأَ مَالًا وَغَيَّبَهُ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَوْ يُثْبِتَ عَدَمَهُ فَيَحْلِفُ وَيُسَرَّحُ، فَإِنْ سَأَلَ هَذَا الْمَحْبُوسُ لِلَّدَدِ وَالتُّهْمَةِ أَنْ يُعْطَى حَمِيلًا بِوَجْهِهِ إلَى أَنْ يُثْبِتَ عَدَمَهُ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّضْيِيقَ بِالسَّجْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِلتُّهْمَةِ اللَّاحِقَةِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ لَا يُسْجَنَ أَعْطَى حَمِيلًا غَارِمًا. [حَبْسُ مَنْ تَقَعَّدَ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ وَادَّعَى الْعَدَمَ فَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ] (كَمَعْلُومِ الْمَلَاءِ) ابْنُ رُشْدٍ: الْوَجْهُ الثَّالِثُ حَبْسُ مَنْ تَقَعَّدَ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ وَادَّعَى الْعَدَمَ فَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ أَبَدًا حَتَّى يُؤَدِّيَ أَمْوَالَ النَّاسِ أَوْ يَمُوتَ فِي السِّجْنِ. قَالَ سَحْنُونَ: وَيُضْرَبُ بِالدَّرَّةِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ السِّجْنِ وَالضَّرْبِ إلَّا حَمِيلٌ غَارِمٌ (وَأُجِّلَ لِبَيْعِ عَرْضِهِ إنْ أَعْطَى حَمِيلًا بِالْمَالِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ وَعَدَ الْمَدِينُ بِالْقَضَاءِ وَسَأَلَ أَنْ يُؤَخَّرَ أُخِّرَ حَسْبَمَا يُرْجَى لَهُ وَلَا يُعَجَّلُ عَلَيْهِ بَيْعُ عَرْضِهِ لِلْحِينِ، الرِّوَايَاتُ بِذَلِكَ مَسْطُورَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا (وَفِي حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ النَّاضِّ تَرَدُّدٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ طَلَبَ التَّأْخِيرَ لِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِ فَفِيهِ طُرُقٌ عِيَاضٌ فِي تَحْلِيفِهِ أَنَّهُ مَا أَخْفَى نَاضًّا إنْ لَمْ يُعْرَفْ بِهِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ مِنْ التُّجَّارِ لِابْنِ دَحُونَ وَأَبِي عَلِيِّ الْحَدَّادِ وَابْنِ زَرْبٍ وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَيْمَانِ التُّهَمِ (وَإِنْ عُلِمَ بِالنَّاضِّ لَمْ يُؤَخَّرْ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا قَدْ عُرِفَ بِالْوَفْرِ وَأَنَّ عِنْدَهُ النَّاضَّ فَإِنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ (وَضُرِبَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ سَحْنُونٍ بِهَذَا. (وَإِنْ شُهِدَ بِعُسْرِهِ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ حَلَفَ كَذَلِكَ وَزَادَ وَإِنْ وَجَدَ لَيَقْضِيَنَّ) وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ عُدْمَ الْغَرِيمِ أَوْ انْقَضَى أَمَدُ سِجْنِهِ فَلَا يُطْلَقُ حَتَّى يُسْتَحْلَفَ مَا لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ، وَإِنْ وَجَدَ مَالًا لَيُؤَدِّيَنَّ إلَيْهِ حَقَّهُ وَإِنَّمَا وَجَبَ اسْتِحْلَافُهُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تَشْهَدُ عَلَى الْعِلْمِ لَا الْقَطْعِ. الْمُتَيْطِيُّ: وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يُؤَدِّي مِنْهُ فَهُوَ فِي نَظِرَةِ اللَّهِ لَا يُؤَاجَرُ وَلَا يُسْتَعْمَلُ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ. قَالَهُ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ. (وَحَلَّفَ الطَّالِبَ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ عِلْمَ الْعُدْمِ) الْمُتَيْطِيُّ إنْ زَعَمَ الْمَدِينُ عِلْمَ رَبِّ الدَّيْنِ عُدْمَهُ لَزِمَهُ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا عَلِمَ عُدْمَهُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَدِينُ. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي ابْنُ الْفَخَّارِ وَثَبَتَ عُدْمُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: كَانَ بَعْضُ قُضَاةِ بَلَدِنَا لَا يَحْكُمُ بِهَذِهِ الْيَمِينِ وَهُوَ حَسَنٌ فِيمَا لَا يُظَنُّ بِهِ عِلْمُ حَالِ الْمَدِينِ لِبُعْدِهِ عَنْهُ (وَإِنْ سَأَلَ تَفْتِيشَ دَارِهِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ) حَكَى ابْنُ سَهْلٍ أَنَّهُ شَاهَدَ الْفَتْوَى بِطُلَيْطِلَةَ إذَا ادَّعَى الطَّالِبُ تَفْتِيشَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 615 مَسْكَنِ الْمَطْلُوبِ عِنْدَ ادِّعَائِهِ الْعُدْمَ، فَالْحَقُّ أَنْ يُفَتِّشَ مَسْكَنَهُ فَمَا أَلْفَى فِيهِ مِنْ مَتَاعِ الرَّجُلِ بِيعَ عَلَيْهِ وَأَنْصَفَ الطَّالِبُ مِنْهُ وَأَنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَلَمْ يَرْجِعُوا عَنْهُ. وَأَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ ابْنَ عَاتٍ فَأَنْكَرَهُ وَأَنْكَرَ أَيْضًا ابْنُ مَالِكٍ وَقَالَ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ الَّذِي يُلْفَى بِبَيْتِهِ وَدَافَعَ قَالَ: وَأَعْلَمْت ابْنَ الْقَطَّانِ بِعَمَلِ أَهْلِ طُلَيْطِلَةَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ وَأَنَا أَرَاهُ حَسَنًا فِيمَنْ ظَاهِرُهُ " الْإِلْدَادُ وَالْمَطْلُ. (وَرُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْمَلَاءِ إنْ بَيَّنَتْ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ شَهِدَ قَوْمٌ بِالْعُدْمِ وَشَهِدَ آخَرُونَ بِالْمَلَاءِ وَلَمْ يُعَيِّنُوا مَالًا فَفِي أَحْكَامِ ابْنِ زِيَادٍ أَنَّ بَيِّنَةَ الْمَلَأِ أَعْمَلُ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ عَدَالَةً وَيُحْبَسُ بِشَهَادَتِهِمْ وَهَذَا عِنْدِي بَعِيدٌ، وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ ذَلِكَ تَكَاذُبٌ وَبَيِّنَةُ الْعُدْمِ أَعْمَلُ لِأَنَّهَا أَثْبَتُ حُكْمًا وَهُوَ تَحْلِيفُهُ وَتَسْرِيحُهُ وَالْأُخْرَى نَفَتْ الْحُكْمَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي هَذَا طَرِيقَانِ، وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ إنْ بَيَّنَتْ إنْ كَانَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ وَلَمْ يُعَيِّنُوا مَالًا. (وَأُخْرِجَ الْمَجْهُولُ إنْ طَالَ حَبْسُهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا حَبْسُ التَّلَوُّمِ وَالِاخْتِبَارِ فِي الْمَجْهُولِ الْحَالِ فَبِقَدْرِ مَا يُسْتَبْرَأُ أَمْرُهُ وَيُكْشَفُ عَنْ حَالِهِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّيْنِ. وَعَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: يُحْبَسُ فِي الدُّرَيْهِمَاتِ الْيَسِيرَةِ قَدْرَ نِصْفِ شَهْرٍ وَفِي الْكَثِيرِ مِنْ الْمَالِ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَفِي الْمُتَوَسِّطِ مِنْهُ شَهْرَيْنِ. (وَالشَّخْصِ وَحُبِسَ النِّسَاءُ عِنْدَ أَمِينَةٍ أَوْ ذَاتِ أَمِينٍ) اللَّخْمِيِّ: وَحُبِسَ النِّسَاءُ بِمَوْضِعٍ لَا رِجَالَ فِيهِ، وَالْأَمِينُ عَلَيْهِنَّ امْرَأَةٌ مَأْمُونَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا أَوْ لَهَا زَوْجٌ مَأْمُونٌ مَعْرُوفٌ بِالْخَيْرِ (وَالسَّيِّدُ لِمُكَاتَبِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُحْبَسُ السَّيِّدُ فِي دَيْنِ مُكَاتَبِهِ. سَحْنُونَ: هَذَا إنْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ الْكِتَابَةِ (وَالْجَدُّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُحْبَسُ لِلْوَلَدِ غَيْرُ أَبَوَيْهِ مِنْ الْأَجْدَادِ وَالْأَقَارِبِ (وَالْوَلَدُ لِأَبِيهِ لَا عَكْسُهُ كَالْيَمِينِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُحْبَسُ فِي الدَّيْنِ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ وَالْوَلَدُ فِي دَيْنِ الْأَبَوَيْنِ وَلَا يُحْبَسَانِ فِي دَيْنِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ يَحْلِفَ الْأَبُ لِلِابْنِ فِي دَعْوَاهُ عَلَيْهِ فَالْيَمِينُ أَيْسَرُ شَأْنًا مِنْ السِّجْنِ قَالَ: وَإِنْ لَمْ أَحْبِسْ الْأَبَوَيْنِ لِلْوَلَدِ فَلَا أَظْلِمُ الْوَلَدَ لَهُمَا وَيَأْمُرُهُمَا الْإِمَامُ فِيمَا ثَبَتَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَقْضِيَاهُ. قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَيُحْبَسُ الْأَبُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهِمْ وَيَقْتُلُهُمْ بِخِلَافِ دَيْنِ الْوَلَدِ عَلَى أَبَوَيْهِ. (إلَّا الْمُنْقَلِبَةَ وَالْمُتَعَلِّقَ بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ ادَّعَى الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ دَعْوَى فَرَدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ أَوْ كَانَ لَهُ شَاهِدٌ عَلَى حَقِّهِ قُضِيَ بِيَمِينِهِ اتِّفَاقًا فِيهِمَا، وَكَذَلِكَ إنْ تَعَلَّقَ بِيَمِينِهِ حَقٌّ لِغَيْرِ ابْنِهِ كَالْأَبِ يَدَّعِي تَلَفَ صَدَاقِ ابْنَتِهِ، وَالزَّوْجُ يَطْلُبُهُ بِالْجِهَازِ. وَالرَّجُلُ يَدَّعِي عَلَى أَبِي زَوْجَتِهِ نِحْلَةً فِي عَقْدِ نِكَاحِهِ. وَانْظُرْ لَوْ طَلَبَ الْأَبُ ابْنَهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَأَثْبَتَ الْعُدْمَ، هَلْ يُقْضَى لَهُ بِالنَّفَقَةِ دُونَ الْيَمِينِ؟ وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ حَلِفِهِ. اهـ مِنْ ابْنِ رُشْدٍ (وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ كَالْأَخَوَيْنِ) مُحَمَّدٌ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ فِي السِّجْنِ وَلَا بَيْنَ الْإِخْوَةِ. (وَالزَّوْجَيْنِ إنْ خَلَا) ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِذَا حُبِسَ الزَّوْجَانِ فِي دَيْنٍ فَطَلَبَ الْغَرِيمُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَطَلَبَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 616 الزَّوْجَانِ أَنْ يَجْتَمِعَا فَذَلِكَ لَهُمَا إنْ كَانَ السِّجْنُ خَالِيًا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِجَالٌ غَيْرُهُمَا حُبِسَ مَعَهُمْ وَحُبِسَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ النِّسَاءِ. (وَلَا يَمْنَعُ مُسَلِّمًا أَوْ خَادِمًا) ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا يُمْنَعُ الْمَحْبُوسُ فِي الْحُقُوقِ مِمَّنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ أَوْ يُحَدِّثُهُ وَإِنْ اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَاحْتَاجَ إلَى أَمَةٍ تُبَاشِرُ مِنْهُ مَا لَا يُبَاشِرُ غَيْرُهَا وَتَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَتِهِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ تُجْعَلَ مَعَهُ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ (بِخِلَافِ زَوْجَةٍ) سَحْنُونَ: مَنْ سُجِنَ فِي دَيْنٍ لِامْرَأَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ تَدْخُلَ إلَيْهِ امْرَأَةٌ لِأَنَّهُ سُجِنَ لِلتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يُمْنَعْ لَذَّتَهُ لَمْ يُضَيَّقْ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: إلَّا أَنْ تَشَأْ الْوُصُولَ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ إذَا سُجِنَ فِي دَيْنِهَا فَذَلِكَ لَهَا لِأَنَّهَا لَوْ شَاءَتْ لَمْ تَسْجُنْهُ فِيهِ. (وَأُخْرِجَ لِحَدٍّ أَوْ ذَهَابِ عَقْلِهِ لِعَوْدِهِ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: وَإِذَا قَذَفَ أَحَدًا أُخْرِجَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ثُمَّ يُرَدُّ وَإِذَا مَرِضَ لَمْ يُخْرَجْ إلَّا أَنْ يَذْهَبَ عَقْلُهُ فَيُخْرَجُ بِحَمِيلٍ فَإِذَا عَادَ عَقْلُهُ إلَيْهِ رُدَّ (وَاسْتُحْسِنَ بِكَفِيلٍ لِوَجْهِهِ لِمَرَضِ أَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَأَخِيهِ وَقَرِيبٍ جِدًّا لِيُسَلِّمَ) ابْنُ سَحْنُونٍ: اُسْتُحْسِنَ إذَا اشْتَدَّ مَرَضُ أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ أَخِيهِ أَوْ أُخْتِهِ وَمَنْ يَقْرُبُ مِنْ قَرَابَتِهِ وَخِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ أَنْ يَخْرُجَ فَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ، وَلَا يُفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ فِي غَيْرِهِمْ مِنْ قَرَابَتِهِ. الْبَاجِيُّ: وَهَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 617 اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي (لَا جُمُعَةٍ وَعِيدٍ) ابْنُ سَحْنُونٍ: وَيُمْنَعُ الْمَحْبُوسُ الْخُرُوجَ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ (وَعَدُوٍّ إلَّا لِخَوْفِ قَتْلِهِ أَوْ أَسْرِهِ) ابْنُ يُونُسَ: لَا يَخْرُجُ لِيُغِيرَ عَلَى الْعَدُوِّ إلَّا أَنْ يُخَافَ عَلَيْهِ الْأَسْرُ أَوْ الْقَتْلُ بِمَوْضِعِهِ فَيَخْرُجُ إلَى غَيْرِهِ. [مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ الرُّجُوعُ إلَى عَيْنِ الْمَالِ] (وَلِلْغَرِيمِ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ الْمُحَازَ عَنْهُ فِي الْفَلَسِ لَا الْمَوْتِ) ابْنُ شَاسٍ: الْحُكْمُ الرَّابِعُ يَعْنِي مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ الرُّجُوعُ إلَى عَيْنِ الْمَالِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا رَجُلٍ فُلِّسَ فَأَدْرَكَ رَجُلٌ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» وَبِذَلِكَ أَخَذَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّ بَائِعَ السِّلْعَةِ أَحَقُّ بِهَا فِي الْفَلَسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ غَيْرُهَا. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: بِجَمِيعِ الثَّمَنِ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ فِي سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ (وَلَوْ مَسْكُوكًا) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ فَلَّسَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 618 وَقَدْ أَسْلَمَ إلَيْهِ رَجُلٌ مَالًا فِي طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَرَّفَ الثَّمَنَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ لَمْ تُفَارِقْهُ مُنْذُ قَبَضَهُ فَدَافِعُهُ أَحَقُّ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَهُ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي سِلْعَةٍ فَفَلَّسَ الْعَبْدُ فَرَبُّهُ أَحَقُّ بِثَمَنِهِ إذَا عَرَّفَ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لَمْ تُفَارِقْهُ أَنَّ الدَّنَانِيرَ هِيَ بِعَيْنِهَا. وَأَجَازَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ الشَّهَادَةَ عَلَى دَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا أَنَّهَا كَانَتْ غُصِبَتْ لِفُلَانٍ. ابْنُ يُونُسَ: فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الدَّنَانِيرِ الْمَغْصُوبَةِ وَبَيْنَ الدَّنَانِيرِ الَّتِي أَسْلَمَهَا فِي طَعَامٍ أَوْ أَقَالَ مِنْهُ فَقَالَ فِي هَذِهِ: لَا يَجُوزُ إنْ فَارَقَتْهُ الْبَيِّنَةُ وَإِنْ شَهِدَتْ عَلَى أَعْيَانِ الدَّنَانِيرِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبَةِ لِأَنَّ هَذِهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدِ رَبِّهَا بِالطَّوْعِ وَالْمَغْصُوبَةَ بِالْجَبْرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ عِنْدِي اهـ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ إنْ اُسْتُحِقَّ الْمِثْلِيُّ شَفَعَ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ، وَإِنْ غَصَبَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِهَا شِقْصًا شَفَعَ بِمِثْلِهَا لِأَنَّهَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ غَرِمَ مِثْلَهَا. (أَوْ آبِقًا وَلَزِمَهُ إنْ لَمْ يَجِدْهُ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَأَبَقَ مِنْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ فَلَّسَ فَطَلَبَ الْبَائِعُ الْمُحَاصَّةَ بِثَمَنِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ وَجَدَ الْعَبْدَ أَخَذَهُ وَرَدَّ مَا حَاصَّ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، إمَّا أَنْ يَرْضَى بِطَلَبِ الْعَبْدِ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَيُحَاصَّ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْغُرَمَاءُ أَنْ يَدْفَعُوا الثَّمَنَ إلَيْهِ وَيَطْلُبُوا الْآبِقَ. قَالَ أَشْهَبُ: وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا مِنْ شِرَاءِ الْآبِقِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا رَدُّوا عَنْ الْمُفْلِسِ ثَمَنَهُ وَالْعَبْدُ لِلْمُفْلِسِ نَمَا أَوْ نَقَصَ. (إنْ لَمْ يَفْدِهِ غُرَمَاؤُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ سِلْعَةً فَمَاتَ الْمُبْتَاعُ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ ثَمَنَهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ بِيَدِهِ فَالْبَائِعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي ثَمَنِهَا، وَإِنْ فَلَّسَ الْمُبْتَاعُ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِيَدِهِ كَانَ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ غَيْرُهَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْغُرَمَاءُ بِدَفْعِ ثَمَنِهَا إلَيْهِ فَذَلِكَ لَهُمْ. (وَلَوْ بِمَالِهِمْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَجَدَ أَمَتَهُ الَّتِي بَاعَ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ بَعْدَ أَنْ فَلَّسَ كَانَ أَحَقَّ بِهَا إلَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ الْغُرَمَاءُ الثَّمَنَ. قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: أَوْ يُضَمِّنُوهُ لَهُ وَهُمْ ثِقَاتٌ أَوْ يُعْطُوهُ بِهِ حَمِيلًا ثِقَةً، وَكَانَ ابْنُ كِنَانَةَ يَقُولُ: لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَفْدُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 619 ابْنُ يُونُسَ. (وَأَمْكَنَ الْبُضْعُ وَعِصْمَةٌ وَقِصَاصٌ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ الرُّجُوعُ إلَى عَيْنِ الْمَالِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِمُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ فَلَا يَثْبُتُ فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْعِوَضِ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ شَاسٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي هَذَا نَظَرٌ اُنْظُرْهُ فِيهِ. (وَلَمْ يَنْتَقِلْ لَا إنْ طُحِنَتْ الْحِنْطَةُ) ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ شُرُوطِ الرُّجُوعِ فِي عَيْنِ الْمَالِ فِي التَّفْلِيسِ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ لِعِوَضٍ كَطَحْنِ الْحِنْطَةِ. قَالَ أَصْبَغُ: مَنْ اشْتَرَى قَمْحًا فَزَرَعَهُ أَوْ طَحَنَهُ ثُمَّ فَلَّسَ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَخْذُهُ. اُنْظُرْ إنْ كَانَ هَذَا الْقَمْحُ الَّذِي طَحَنَهُ كَانَ مَغْصُوبًا (أَوْ خُلِطَ بِغَيْرِ مِثْلٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ ابْتَاعَ زَيْتًا فَصَبَّهُ عَلَى زَيْتٍ آخَرَ لَهُ، أَوْ دَفَعَ إلَى صَرَّافٍ دَنَانِيرَ فَصَبَّهَا فِي كِيسِهِ، أَوْ اشْتَرَى بَزًّا فَرَّقَهُ وَخَلَطَهُ بِبَزٍّ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِمَحْضَرِ بَيِّنَةٍ ثُمَّ فَلَّسَ الْمُبْتَاعُ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِمِقْدَارِ زَيْتِهِ وَوَزْنِ دَنَانِيرِهِ وَأَخْذِ بَزِّهِ وَهُوَ كَعَيْنٍ قَائِمَةٍ، وَلَيْسَ خَلْطُ الْمُبْتَاعِ إيَّاهُ يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنْ أَخْذِهِ. قَالَ أَصْبَغُ: إلَّا أَنْ يَخْلِطَهُ بِغَيْرِ نَوْعِهِ مِثْلَ أَنْ يَصُبَّ زَيْتَ الْفُجْلِ عَلَى زَيْتِ الزَّيْتُونِ أَوْ الْقَمْحَ الْمُنَقَّى عَلَى الْمَغْلُوثِ أَوْ الْمُسَوَّسِ حَتَّى يُفْسِدَهُ فَيَكُونُ كَمَا قَدْ فَاتَ. الدَّاوُدِيِّ: مَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مُغْتَرِقِ الذِّمَّةِ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتَضِيَ شَيْئًا مِنْ دَيْنِهِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْوَدِيعَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ مَا يَصِيرُ لَهُ بِالْمُحَاصَّةِ (أَوْ سُمِّنَ زُبْدُهُ أَوْ فُصِّلَ ثَوْبُهُ أَوْ ذُبِحَ كَبْشُهُ) أَصْبَغُ: مَنْ اشْتَرَى زُبْدًا فَعَمِلَهُ سَمْنًا، أَوْ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ قَمِيصًا، أَوْ خَشَبَةً فَعَمِلَ مِنْهَا بَابًا، أَوْ كَبْشًا فَذَبَحَهُ، أَنَّ ذَلِكَ فَوْتٌ وَلَيْسَ لِبَائِعِهِ غَيْرُ الْمُحَاصَّةِ بِخِلَافِ الْعَرْصَةِ تُبْنَى وَالْغَزْلُ يُنْسَجُ لِأَنَّ هَذَا عَيْنٌ قَائِمَةٌ زِيدَ فِيهَا غَيْرُهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَقِيلَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّسْجُ تَفْوِيتًا. (أَوْ تَتَمَّرَ رُطَبُهُ) قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ ثَمَرَةَ حَائِطِهِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ ثُمَّ فَلَّسَ مُبْتَاعُهَا بَعْدَ يُبْسِهَا الْأَخِيرِ أَخَذَهَا بَائِعُهَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَخَذَ أَصْبَغُ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ (كَأَجِيرِ رَعْيٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الْأَجِيرُ عَلَى رِعَايَةِ الْإِبِلِ أَوْ عَلَى رَحَى الْمَاءِ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكَذَلِكَ أَجِيرٌ لَك يَبِيعُ لَك فِي حَانُوتِك بَزًّا أَوْ غَيْرَهُ. وَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا يَدْرُسُ لَهُ بِبَقَرِ الْأَجِيرِ فَفَلَّسَ صَاحِبُ الْأَنْدَرِ فَصَاحِبُ الْبَقَرِ أَحَقُّ بِالْأَنْدَرِ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ بِهِ صَاحِبُهُ وَلَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ بِخِلَافِ صَانِعٍ اسْتَعْمَلْته فِي حَانُوتِك، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ انْصَرَفَ هَذَا لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ فِي فَلَسٍ وَلَا مَوْتٍ (وَذِي حَانُوتٍ فِيمَا بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَرْبَابُ الْحَوَانِيتِ وَالدُّورِ أُسْوَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 620 غُرَمَاءِ مُشْتَرِيهَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ وَلَيْسُوا أَحَقَّ بِمَا فِيهَا مِنْ مَتَاعٍ. (وَرَادٍّ لِسِلْعَةٍ بِعَيْبٍ) ابْنُ رُشْدٍ: عَلَى أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ نَقْضُ بَيْعٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ رَدَّ عَبْدًا بِعَيْبٍ فَفَلَّسَ بَائِعُهُ وَالْعَبْدُ بِيَدِهِ قَبْلَ قَبْضِ الرَّادِّ ثَمَنَهُ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَعَلَى أَنَّهُ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ بَعْدَ الرَّدِّ وَنَحْوُهُ لَفْظُ النَّوَادِرِ خِلَافًا لِقَوْلِ الْمَازِرِيِّ وَاللَّخْمِيِّ اُخْتُلِفَ إنْ لَمْ يَرُدَّ الْبَيْعَ حَتَّى فَلَّسَ الْبَائِعُ (وَإِنْ أُخِذَتْ عَنْ دَيْنٍ) اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَفِي كَوْنِ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِالسِّلْعَةِ تُفْسَخُ " وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ: أَمَّا لَوْ أَخَذَ السِّلْعَةَ عَنْ دَيْنٍ أَخْذًا فَاسِدًا فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا. قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ. (وَهَلْ الْقَرْضُ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ مُقْتَرِضُهُ أَوْ كَالْبَيْعِ خِلَافٌ) ابْنُ الْمَوَّازِ: أَمَّا لَوْ أَسْلَفَهُ مَالًا عَيْنًا أَوْ عَرْضًا فَعَرَفَ عَيْنَهُ فِي الْفَلَسِ فَرَبُّهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَسَوَاءٌ قَبَضَ السَّلَفَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ وَإِنَّمَا الْأَثَرُ فِي الْبَيْعِ اهـ. وَمَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ وَلَا الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ خِلَافَ هَذَا. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: قَوْلُهُ أَمْ لَمْ يَقْبِضْهُ قَدْ يَسْبِقُ إلَى النَّفْسِ اعْتِرَاضُهُ لِأَنَّ مَنْ بِيَدِهِ سِلْعَةٌ لَمْ يُسَلِّمْهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 621 ثُمَّ وَجَّهَهُ الْمَازِرِيُّ: وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْمُقْرِضَ أَحَقُّ بِقَرْضِهِ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ هُوَ الْمَشْهُورُ (وَلَهُ فَكُّ الرَّهْنِ وَحَاصَّ بِفِدَائِهِ لَا بِفِدَاءِ الْجَانِي) ابْنُ شَاسٍ: إذَا وَجَدَ الْعَبْدَ الَّذِي بَاعَهُ مَرْهُونًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَدَعَهُ وَيُحَاصَّ بِالثَّمَنِ، أَوْ يَفْدِيَهُ وَيَأْخُذَهُ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ زَادَ أَوْ نَقَصَ، وَيُحَاصُّ بِمَا فَدَاهُ بِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَدَهُ جَانِيًا فَفَدَاهُ وَأَخَذَهُ بِالثَّمَنِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِمَّا فَدَاهُ بِهِ، وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ مَسْأَلَةَ الرَّهْنِ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَسْأَلَةَ الْجِنَايَةِ لِرِوَايَةِ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الرَّهْنَ مِنْ سَبَبِ الْمُشْتَرِي، وَالْجِنَايَةُ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِذِمَّتِهِ لِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ (وَنَقْضُ الْمُحَاصَّةِ إنْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ وَرَدُّهَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ حَاصَّ لِعَدَمِهَا. ثُمَّ رُدَّتْ بِعَيْبٍ فَلَهُ رَدُّ الْمُحَاصَّةِ وَأَخْذُهَا. وَاَلَّذِي لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا فَفَلَّسَ مُشْتَرِيهِ بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ فَحَاصَّ الْبَائِعُ بِثَمَنِهِ ثُمَّ رَدَّ الْعَبْدَ بِعَيْبٍ فَقَالَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ أَنَا آخُذُهُ وَأَرُدُّ مَا أَخَذْت، فَذَلِكَ لَهُ انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَعَلَى أَشْهَرِ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الرَّدَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 622 بِالْعَيْبِ ابْتِدَاءً بَيْعٌ لَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ. (وَالْمُحَاصَّةِ بِعَيْبٍ سَمَاوِيٍّ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَالرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ بَاعَ أَمَةً فَعَمِيَتْ أَوْ اعْوَرَّتْ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ ثُمَّ فَلَّسَ الْمُبْتَاعُ، فَإِمَّا أَخَذَهَا الْبَائِعُ بِجَمِيعِ حَقِّهِ أَوْ يَدَعُهَا انْتَهَى. وَمَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ خِلَافُ هَذَا. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: هُوَ مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ (أَوْ مِنْ مُشْتَرِيهِ) الرِّوَايَةُ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَلَبِسَهُ حَتَّى خَلِقَ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ كُلِّهِ وَإِنْ شَاءَ أَسْلَمَهُ وَحَاصَّ. وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذِهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ (أَوْ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَأْخُذْ أَرْشَهُ أَوْ أَخَذَهُ وَعَادَ لِهَيْئَتِهِ وَإِلَّا بِنِسْبَةِ نَقْصِهِ) أَمَّا مَسْأَلَةُ إذَا كَانَ النَّقْصُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَلَمْ يَأْخُذْ أَرْشَهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَدْ أَخَذَ لَهُ أَرْشًا وَعَادَ لِهَيْئَتِهِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ النَّقْصُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَأَخَذَ لَهُ أَرْشًا وَعَادَ ثُمَّ ذَهَبَ ذَلِكَ الْعَيْبُ كَالْمُوضِحَةِ وَعَادَ لِهَيْئَتِهِ كَانَ لِلْبَائِعِ عَبْدُهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأَرْشِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ إذَا لَمْ يَعُدْ لِهَيْئَتِهِ وَكَانَ قَدْ أَخَذَ لَهُ أَرْشًا فَاَلَّذِي نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ بَاعَ أَمَةً فَاعْوَرَّتْ بِجِنَايَةِ جَانٍ فَأَخَذَ الْمُبْتَاعُ نِصْفَ قِيمَتِهَا ثُمَّ فَلَّسَ، فَلِلْبَائِعِ أَخْذُهَا بِنِصْفِ حَقِّهِ وَيُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ، أَوْ يُسَلِّمُهَا الْغُرَمَاءُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. (وَرُدَّ بَعْضٌ مِمَّنْ قَبَضَ وَأَخَذَهَا) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: إذَا وَجَدَ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ بِيَدِ الْمُفْلِسِ وَقَدْ قَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهَا أَوْ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْهُ إلَّا دِرْهَمٌ لَمْ يَأْخُذْهَا إلَّا بِرَدِّ جَمِيعِ مَا قَبَضَ أَوْ يَتْرُكُهَا وَيُحَاصُّهُمْ بِمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 623 بَقِيَ لَهُ (وَأَخَذَ بَعْضَهُ وَحَاصَّ بِالْفَائِتِ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا وَجَدَ بَعْضَ الْمَبِيعِ كَأَحَدِ عَبْدَيْنِ أَخَذَهُ وَضَرَبَ بِمَا يَخُصُّ الْفَائِتَ مِنْ الثَّمَنِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ فِيمَنْ بَاعَ رَاوِيَتَيْنِ زَيْتًا بِعِشْرِينَ دِينَارًا فَقَبَضَ عَشَرَةً ثُمَّ فُلِّسَ الْمُبْتَاعُ وَقَدْ بَاعَ رَاوِيَةً فَأَرَادَ الْبَائِعُ أَخْذَ الرَّاوِيَةِ الَّتِي بَقِيَتْ قَالَ: تُفَضُّ الْعَشَرَةُ الَّتِي قَبَضَ عَلَى الرَّاوِيَتَيْنِ فَيَرُدُّ مَا قَابَلَ إحْدَاهُمَا وَذَلِكَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ، ثُمَّ يَأْخُذُ الَّتِي بَقِيَتْ يُرِيدُ وَيُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ بِخَمْسَةٍ بَقِيَتْ ثَمَنُ الْأُخْرَى. قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ عَشَرَةً فَلَمْ يَجِدْ إلَّا وَاحِدَةً فَلْيَرُدَّ عُشْرَ مَا قَبَضَ وَيَأْخُذُهُ إنْ شَاءَ فَعَلَى هَذَا تُحْسَبُ. (كَبَيْعِ أُمٍّ وَلَدَتْ) اللَّخْمِيِّ: وِلَادَةُ الْجَارِيَةِ لَيْسَ بِفَوْتٍ، فَإِنْ بَاعَ الْأُمَّ دُونَ الْوَلَدِ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَلَدَ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ الثَّمَنِ أَنْ لَوْ كَانَا جَمِيعًا يَوْمَ الْبَيْعِ (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ بَاعَ الْوَلَدَ فَلَا حِصَّةَ) أَمَّا إنْ مَاتَتْ الْأُمُّ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ وَبَقِيَ الْوَلَدُ أَوْ مَاتَ الْوَلَدُ وَبَقِيَتْ الْأُمُّ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ أَمَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ فَلَّسَ فَلِلْبَائِعِ أَخْذُ الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا، فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ قَدْ مَاتَتْ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ وَبَقِيَ الْوَلَدُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ إلَّا الْمُحَاصَّةُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ أَخْذُ الْوَلَدِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ: وَكَذَلِكَ أَيْضًا إنْ كَانَ الْوَلَدُ هُوَ الَّذِي مَاتَ وَبَقِيَتْ الْأُمُّ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْبَاقِي مِنْهُمَا إلَّا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يَتْرُكُ وَيُحَاصُّ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ بَاعَ الْوَلَدَ وَبَقِيَتْ الْأُمُّ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَيْضًا وَالْعُتْبِيَّةُ أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأُمَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَحَاصَّ بِثَمَنِهَا قَالَ: لِأَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْمُشْتَرَاةُ بِعَيْنِهَا وَالْوَلَدُ كَالْغَلَّةِ بِخِلَافِ إذَا بَاعَ الْأُمَّ وَبَقِيَ الْوَلَدُ فَلْيَقْسِمْ الثَّمَنَ كَمَا تَقَدَّمَ (وَأَخَذَ الثَّمَرَةَ وَالْغَلَّةَ إلَّا صُوفًا تَمَّ أَوْ ثَمَرَةً مُؤَبَّرَةً) مُوقِنٌ أَنَّهُ نَقَصَ هُنَا شَيْءٌ وَمَا كَانَ خَلِيلٌ بِتَارِكٍ حُكْمَ الْوَلَدِ إذَا لَمْ تَفُتْ الْأُمُّ وَلَا هُوَ، وَعِبَارَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 624 ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَأْخُذُ الْوَلَدَ بِخِلَافِ الْغَلَّةِ وَالثَّمَرَةِ إلَّا صُوفًا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ أَمَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ فَلَّسَ فَلِلْبَائِعِ أَخْذُ الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ مَنْ ابْتَاعَ غَنَمًا ثُمَّ فَلَّسَ فَوَجَدَ الْبَائِعُ الْغَنَمَ قَدْ تَنَاسَلَتْ فَلَهُ أَخْذُ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ غَلَّةٍ أَوْ صُوفٍ جُزَّ أَوْ لَبَنٍ حَلَبَهُ فَذَلِكَ لِلْمُبْتَاعِ، وَكَذَلِكَ النَّخْلُ يَجْنِي ثَمَرَهَا فَهُوَ كَالْغَلَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمَ الشِّرَاءِ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ صُوفٌ قَدْ تَمَّ، وَفِي النَّخْلِ تَمْرٌ قَدْ أُبِّرَ وَاشْتَرَطَ ذَلِكَ الْمُبْتَاعُ فَلَيْسَ كَالْغَلَّةِ وَإِنْ جَدَّ الثَّمَرَةَ أَوْ جَزَّ الصُّوفَ. (وَأَخَذَ الْمُكْرِي دَابَّتَهُ وَأَرْضَهُ) قَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا وَحَلَّ بِالْفَلَسِ وَلَوْ دَيْنَ كِرَاءٍ. وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّ مَنْ اكْتَرَى دَارًا لِسِنِينَ مَعْلُومَةٍ بِنُجُومٍ فَمَاتَ أَوْ فَلَّسَ فَالْأَصَحُّ فِي النَّظَرِ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِمَوْتِهِ وَلَا بِتَفْلِيسِهِ إذْ لَا يَحِلُّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقْبِضْ بَعْدُ عِوَضَهُ. وَهَذَا أَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ لَا يَرَى قَبْضَ الدَّارِ لِلسُّكْنَى قَبْضًا لِلسُّكْنَى فَيَأْتِي عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْكِرَاءَ لَا يَحِلُّ بِمَوْتِهِ وَيَنْزِلُ الْوَرَثَةُ مَنْزِلَتَهُ. وَعِبَارَةُ أَبِي عُمَرَ فِي كَافِيهِ: مَنْ اكْتَرَى دَارًا سَنَةً وَلَمْ يَنْقُدْ الْكِرَاءَ وَسَكَنَهَا بَعْضَ السَّنَةِ ثُمَّ أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ، فَرَبُّ الدَّارِ أَحَقُّ بِمَا بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَيُحَاصُّ غُرَمَاءَهُ بِالْأُجْرَةِ مَا مَضَى. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا: إنْ أَفْلَسَ مُشْتَرِي مَنَافِعَ قَبْلَ قَبْضِهَا فَبَائِعُهَا أَحَقُّ بِهَا فِي " الْمُقَدِّمَاتِ " وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ كَسِلْعَةٍ بِيَدِ بَائِعِهَا. اُنْظُرْ أَنْتَ الْمُقَدِّمَاتِ. (وَقُدِّمَ فِي زَرْعِهَا فِي الْفَلَسِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا فَزَرَعَهَا وَلَمْ يَنْقُدْ الْكِرَاءَ ثُمَّ مَاتَ فَرَبُّ الْأَرْضِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ فَلَّسَ فَرَبُّ الْأَرْضِ أَحَقُّ بِالزَّرْعِ مِنْ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَأْخُذَ كِرَاءَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ هَذَا أَنَّ الْأَرْضَ لَمَّا كَانَتْ مُثْمِرَةً لِلزَّرْعِ فَكَانَ رَبُّهَا مُخْرِجًا لِلزَّرْعِ فَلَمَّا أَكْرَى أَرْضَهُ أَشْبَهَ بَائِعَ الزَّرْعِ. (ثُمَّ سَاقِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْأَجِيرُ عَلَى سَقْيِ زَرْعٍ أَوْ نَخْلٍ أَوْ أَصْلٍ فَإِنْ سَقَاهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فِي الْفَلَسِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مُكْرِي الْأَرْضِ مُبْدَأٌ عَلَى الْأَجِيرِ ثُمَّ الْأَجِيرُ مُبْدَأٌ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ. (ثُمَّ مُرْتَهِنُهُ) قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا فَزَرْعُهَا وَاسْتَأْجَرَ أَجِيرًا يَعْمَلُ فِيهَا وَرَهَنَ الزَّرْعَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَفِيهِ الْأُجَرَاءُ ثُمَّ يُفْلِسُ، فَصَاحِبُ الْأَرْضِ وَالْأَجِيرُ مُبْدَآنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلْغُرَمَاءِ. (وَالصَّانِعُ أَحَقُّ وَلَوْ بِمَوْتٍ بِمَا بِيَدِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الصُّنَّاعُ أَحَقُّ بِمَا أُسْلِمَ إلَيْهِمْ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ لِأَنَّهُ كَالرَّهْنِ (وَإِلَّا فَلَا إنْ لَمْ يُضِفْ لِصَنْعَتِهِ شَيْئًا) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ الصَّانِعُ قَدْ عَمِلَ الصَّنْعَةَ وَرَدَّ الْمَصْنُوعَ لِصَاحِبِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّانِعِ فِيهَا إلَّا عَمَلُ يَدِهِ كَالْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ وَالنَّسَّاجِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا إنْ أَخْرَجَ الصَّانِعُ مِنْ عِنْدِهِ شَيْئًا سِوَى عَمَلِهِ مِثْلَ الصَّبَّاغِ يَجْعَلُ الصَّبْغَ مِنْ عِنْدِهِ. وَالصَّيْقَلُ يَجْعَلُ حَوَائِجَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 625 السُّيُوفِ مِنْ عِنْدِهِ، وَالْفَرَّاءُ يُرَقِّعُ الْفَرْوَ بِرِقَاعٍ مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ أَخَذَ ذَلِكَ رَبُّهُ ثُمَّ فَلَّسَ فَهَذَا إذَا وُجِدَ بِيَدِ أَرْبَابِهِ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ ذَلِكَ الصَّبْغِ يَوْمَ الْحُكْمِ بِهِ لَا يُنْظَرُ هَلْ نَقَصَ بِذَلِكَ الثَّوْبِ أَوْ زَادَ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ أَبْيَضَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الصَّبْغِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَقِيمَةُ الثَّوْبِ أَبْيَضَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَانَ لِصَاحِبِ الصَّبْغِ ثُلُثُ الثَّوْبِ وَلِلْغُرَمَاءِ ثُلُثَاهُ إنْ أَبَى أَنْ يُحَاصَّهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْغُرَمَاءُ أَنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِ جَمِيعَ أُجْرَتِهِ (إلَّا النَّسْجَ فَكَالْمَزِيدِ) فَيُشَارِكُ بِقِيمَةِ عَمَلِهِ. تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ النَّسَّاجَ إذَا دَفَعَ الثَّوْبَ صَارَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ إذْ لَيْسَ لَهُ إلَّا عَمَلُ يَدِهِ خَاصَّةً كَالْقَصَّارِ، وَنَصُّ ابْنِ شَاسٍ: النَّسَّاجُ كَالصَّبَّاغِ فَانْظُرْ أَنْتَ فِي هَذَا. وَبَقِيَ مَسْأَلَةٌ أَعْنِي مِنْ مَسَائِلِ النَّسْجِ وَهِيَ الْبَائِعُ يَبِيعُ الْغَزْلَ فَيَنْسِجُهُ الْمُبْتَاعُ ثَوْبًا ثُمَّ يُفَلِّسُ وَالثَّوْبُ بِيَدِهِ إنْ أَبَى الْبَائِعُ الْمُحَاصَّةَ كَانَ شَرِيكًا بِقِيمَةِ الْعَمَلِ مِنْ قِيمَةِ الْغَزْلِ. اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ. (وَالْمُكْتَرِي بِالْمُعَيَّنَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا أَوْ عَبْدًا بِعَيْنِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُكْرِي أَوْ فَلَّسَ وَلَمْ يَقْبِضْ ذَلِكَ الْمُكْتَرِي فَالْمُكْتَرِي أَحَقُّ بِذَلِكَ حَتَّى يُتِمَّ كِرَاءَهُ كَعَبْدٍ اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى فُلِّسَ بَائِعُهُ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ كَانَ الْكِرَاءُ مَضْمُونًا كَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ (وَبِغَيْرِهَا إنْ قُبِضَتْ) قَالَ مَالِكٌ: لَوْ قَبَضَ الدَّابَّةَ يَعْنِي الْمَضْمُونَةَ وَحَمَلَ عَلَيْهَا فَهُوَ أَوْلَى بِهَا حَتَّى يَتِمَّ لَهُ حَقُّهُ (وَلَوْ أُدِيرَتْ) مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْقَوْمِ يَتَكَارُونَ الْجِمَالَ ثُمَّ يُفْلِسُ صَاحِبُهَا أَنَّ كُلَّ رَجُلٍ أَحَقُّ بِمَا تَحْتَهُ وَإِنْ كَانَ الْجَمَّالُ يُدِيرُهَا تَحْتَهُمْ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَبِقَوْلِ مَالِكٍ هَذَا أَقُولُ ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَا فَرْقَ أَنْ يُدِيرَهَا عَلَيْهِمْ أَوْ لَا يُدِيرَهَا وَإِنَّمَا الْمُرَاعَاةُ بِيَدِ مَنْ هِيَ يَوْمَ الْفَلَسِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِهَا (وَرَبُّهَا بِالْمَحْمُولِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُكْرِي عَلَى حَمْلِ مَتَاعٍ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ هُوَ أَوْلَى فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ، كَانَ قَدْ أَسْلَمَ دَوَابَّهُ إلَى الْمُكْتَرِي أَوْ كَانَ مَعَهَا، وَرَبُّ الْمَتَاعِ مَعَهُ أَمْ لَا، وَهُوَ كَالرَّهْنِ وَلِأَنَّ عَلَى دَوَابِّهِ وَصَلَ إلَى الْبَلَدِ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَأَنَّهَا قَابِضَةٌ لِلْمَتَاعِ كَقَابِضِ الرَّهْنِ (مَا لَمْ يَقْبِضْهُ رَبُّهُ) قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ: وَهَذَا مَا دَامَ الْمَتَاعُ بِيَدِهِ فَإِذَا أَسْلَمَهُ كَانَ أَحَقَّ بِهِ كَالصُّنَّاعِ إذَا أَسْلَمُوا الْمَتَاعَ أَوْ لَمْ يُسَلِّمُوهُ الْحُكْمُ وَاحِدٌ. ابْنُ يُونُسَ: جَعَلُوا الدَّوَابَّ خِلَافَ الدُّورِ وَكَانَ ظُهُورُ الْإِبِلِ جَائِزًا لِمَا عَلَيْهَا وَلِأَنَّ فِي حَمْلِهَا لِذَلِكَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ تَنْمِيَةٌ لِلْمَتَاعِ بِخِلَافِ الدُّورِ لَا تَنْمِيَةَ فِيهَا، فَعَلَى هَذَا السُّفُنُ كَالدَّوَابِّ لَا كَالدُّورِ. (وَفِي كَوْنِ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِالسِّلْعَةِ تُفْسَخُ لِفَسَادِ الْبَيْعِ أَوْ لَا وَفِي النَّقْدِ أَقْوَالٌ) ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بَيْعًا فَاسِدًا فَفَلَّسَ الْبَائِعُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ الْمُبْتَاعُ فَقَالَ سَحْنُونَ: الْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 626 حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ثَمَنَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ كَانَ ابْتَاعَهَا بِدَيْنٍ فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا وَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ كَانَ ابْتَاعَهَا بِنَقْدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ فُسِخَ بَيْعُ سِلْعَةٍ لِفَسَادِهِ وَبَائِعُهَا مُفْلِسٌ ثَالِثُ الْأَقْوَالِ، وَعَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ أَنَّ الْمُبْتَاعَ أَحَقُّ فِي النَّقْدِ لَا فِي الدَّيْنِ ثُمَّ أَوْرَدَ سُؤَالًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ هَلْ الْمُؤَجَّلُ هُوَ الثَّمَنُ أَمْ السِّلْعَةُ؟ ثُمَّ قَالَ: قُلْت: ظَاهِرُ ابْنِ مُحْرِزٍ أَنَّ الْمُؤَجَّلَ فِي هَذَا الْقَوْلِ هُوَ الثَّمَنُ. وَظَاهِرُ النَّوَادِرِ أَنَّهَا السِّلْعَةُ اهـ. اُنْظُرْ هَذَا كُلَّهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ يُونُسَ. أَمَّا إنْ أَخَذَهَا أَخْذًا فَاسِدًا فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ دَيْنٌ كَدَيْنِهِمْ فَرَجَعَ إلَى مَا كَانَ (وَهُوَ أَحَقُّ بِثَمَنِهِ وَبِالسِّلْعَةِ إنْ بِيعَتْ بِسِلْعَةٍ وَاسْتُحِقَّتْ) لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً شِرَاءً فَاسِدًا وَفَلَّسَ الْبَائِعُ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَهُ بِعَيْنِهِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ فِي الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ فَاسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ الَّتِي كَانَ قَبَضَ كَانَ أَحَقَّ بِالسِّلْعَةِ الَّتِي دَفَعَ إنْ وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ جَمِيعًا قَوْلًا وَاحِدًا. (وَقُضِيَ بِأَخْذِ الْمَدِينِ الْوَثِيقَةَ أَوْ تَقْطِيعِهَا) الْمُتَيْطِيُّ: الَّذِي بِهِ الْقَضَاءُ لِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَخْذُ وَثِيقَةِ الدَّيْنِ مِنْ صَاحِبِهَا وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِتَقْطِيعِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يَكْتُبُ عَلَى ظَهْرِهَا اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ فَرْعُ أَنَّ رُسُومَ الْحُقُوقِ لَا تُكَرَّرُ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ أَشْهَدَ فِي كِتَابٍ ذَكَرَ حَقًّا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ ضَاعَ وَسَأَلَ الشُّهُودَ أَنْ يَشْهَدُوا لَهُ بِمَا حَفِظُوا فَلَا يَشْهَدُوا إنْ كَانُوا حَافِظِينَ لِكُلِّ مَا فِيهِ حَقٌّ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَضَى وَمُحِيَ الْكِتَابُ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ: إنْ كَانَ الطَّالِبُ مَأْمُونًا شَهِدُوا لَهُ وَإِلَّا فَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَحَبُّ إلَيَّ (لَا صَدَاقٍ قُضِيَ) الْمُتَيْطِيُّ: وَأَمَّا الزَّوْجَةُ الْمُطَلَّقَةُ أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا يَدْفَعُ إلَيْهَا كَالِئُهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَدْفَعَ كِتَابَ صَدَاقِهَا إلَى زَوْجِهَا وَلَا إلَى وَرَثَتِهِ لِمَا فِي حَبْسِ صَدَاقِهَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ لَهَا مِنْ لُحُوقٍ وَنَسَبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَلِرَبِّهَا رَدُّهَا إنْ ادَّعَى سُقُوطَهَا) الْمُتَيْطِيُّ: إذَا دَفَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِرَبِّ الدَّيْنِ دَيْنَهُ وَدَفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الدَّيْنِ عَقْدَهُ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَحَدَهُ الِاقْتِضَاءُ فَاسْتَظْهَرَ لَهُ الْغَرِيمُ بِوَثِيقَةِ الدَّيْنِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ بَرَاءَةٌ وَيُؤْمَرُ بِرَدِّهَا إلَى رَبِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 627 الدَّيْنِ إنْ ادَّعَى أَنَّهَا سَقَطَتْ مِنْهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَاقَضَى مَا عَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ شَيْئًا. (وَلِرَاهِنٍ بِيَدِهِ رَهْنُهُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّاهِنِ يَقْبِضُ الرَّهْنَ ثُمَّ قَامَ الْمُرْتَهِنُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 629 يَطْلُبُ دَيْنَهُ أَوْ بَعْضَهُ فَزَعَمَ الرَّاهِنُ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَأَخَذَ رَهْنَهُ فَيَحْلِفُ الرَّاهِنُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (كَوَثِيقَةٍ زَعَمَ رَبُّهَا سُقُوطَهَا وَلَمْ يَشْهَدْ شَاهِدَاهَا إلَّا بِهَا) تَقَدَّمَ مَا لِابْنِ حَبِيبٍ قَبْلَ قَوْلِهِ " لَا صَدَاقٍ "، وَانْظُرْ الْمَسْأَلَةَ قَبْلَ تَرْجَمَةِ الْأَكْرِيَةِ فِي الدُّورِ مِنْ وَثَائِقِ ابْنِ سَلْمُونَ فَتْوَى ابْنِ زَرْبٍ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 630 [كِتَابُ الْحَجْرِ] [أَسْبَاب الْحَجَر] وَأَسْبَابُهُ سَبْعَةٌ: الصِّبَا وَالْجُنُونُ وَالرِّقُّ وَالتَّبْذِيرُ وَالْفَلَسُ وَالْمَرَضُ وَالنِّكَاحُ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ (الْمَجْنُونُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِلْإِفَاقَةِ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَصِحُّ لِإِنْسَانٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِ إلَّا بِأَرْبَعَةِ أَوْصَافٍ وَهِيَ: الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَكَمَالُ الْعَقْلِ وَبُلُوغُ الرُّشْدِ، وَلَا يَصِحُّ رُشْدٌ مِنْ مَجْنُونٍ لِسُقُوطِ مَيْزِهِ وَذَهَابِ رَأْيِهِ (وَالصَّبِيُّ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَصِحُّ رُشْدٌ مِنْ صَبِيٍّ لِضَعْفِ مَيْزِهِ بِوُجُوهِ مَنَافِعِهِ (لِبُلُوغِهِ بِثَمَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 631 عَشْرَةَ أَوْ الْحُلُمِ أَوْ الْحَيْضِ) ابْنُ رُشْدٍ: حَدُّ الرُّشْدِ حُسْنُ النَّظَرِ فِي الْمَالِ وَوَضْعُ الْأُمُورِ فِي مَوَاضِعِهَا، وَحَدُّ الْبُلُوغِ كَمَالُ الْعَقْلِ، وَعَلَامَةُ الْبُلُوغِ الِاحْتِلَامُ فِي الرِّجَالِ وَالْحَيْضُ فِي النِّسَاءِ وَأَنْ يَبْلُغَ أَحَدُهُمَا مِنْ السِّنِّ أَقْصَى سِنِّ مَنْ لَا يَحْتَلِمُ. الْمَازِرِيُّ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا (أَوْ الْحَمْلِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 633 ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَخْتَصُّ الْأُنْثَى بِالْحَيْضِ وَالْحَمْلِ (وَالْإِنْبَاتِ وَهَلْ إلَّا فِي حَقِّهِ تَعَالَى؟ تَرَدُّدٌ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْبُلُوغُ بِالْإِنْبَاتِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ وَقَدْ أَنْبَتَ وَلَمْ يَبْلُغْ أَقْصَى سِنِّ مَنْ لَا يَحْتَلِمُ وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَحْتَلِمْ، وَالْأَصَحُّ عِنْدِي مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يُصَدَّقَ وَلَا يُقَامَ عَلَيْهِ حَدٌّ لِشَكِّ احْتِلَامِهِ. الطُّرْطُوشِيُّ: الْمُرَادُ بِالْإِنْبَاتِ الْإِنْبَاتُ الْخَشِنُ دُونَ الزَّغَبِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَيَثْبُتُ بِالنَّظَرِ إلَى مِرْآةٍ تُسَامِتْ مَحَلَّ الْإِنْبَاتِ. ابْنُ عَرَفَةَ: أَنْكَرَ هَذَا عِزُّ الدِّينِ وَقَالَ: وَهُوَ كَالنَّظَرِ إلَى عَيْنِ الْعَوْرَةِ وَكَذَلِكَ ابْنُ الْقَطَّانِ الْمُحَدِّثُ اهـ. وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّ مِنْ أَمَارَةِ الْبُلُوغِ نَتْنُ الْإِبْطِ وَفَرْقُ الْأَرْنَبَةِ مِنْ الْأَنْفِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ خَيْطًا وَيَثْنِيَهُ وَيُدِيرَهُ بِرَقَبَتِهِ وَيَجْمَعَ طَرَفَيْهِ فِي أَسْنَانِهِ فَإِنْ دَخَلَ رَأْسُهُ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا (وَصُدِّقَ إنْ لَمْ يُرَبْ) ابْنُ شَاسٍ: يَثْبُتُ الِاحْتِلَامُ بِقَوْلِهِ إنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 634 كَانَ مُمْكِنًا إلَّا أَنْ تُعَارِضَهُ رِيبَةٌ. (لِلْوَلِيِّ رَدُّ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ بَيْنَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ لَا يَجُوزُ لَهُ فِي مَالِهِ مَعْرُوفٌ مِنْ هِبَةٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَا عِتْقٍ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ، فَإِنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى أَوْ مَا يُشْبِهُ الْبَيْعَ وَالِاشْتِرَاءَ مِمَّا يَخْرُجُ عَلَى عِوَضٍ وَلَا يُقْصَدُ فِيهِ إلَى فِعْلِ مَعْرُوفٍ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى نَظَرِ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ، فَإِنْ رَآهُ سَدَادًا وَغَبَطَهُ أَجَازَهُ وَأَنْفَذَهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ وَرَدَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ قُدِّمَ لَهُ وَلِيٌّ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ بِوَجْهِ الِاجْتِهَادِ (وَلَهُ إنْ رَشَدَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ بَيْعٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ إلَّا أَنْ يُجْبِرَهُ الْآنَ وَأَسْتَحِبُّ لَهُ إمْضَاءَهُ وَلَا أُجْبِرُهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونَ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَلِيُّ بِالنِّكَاحِ وَلَا بِالْبَيْعِ حَتَّى تَرَشَّدَ الْمَحْجُورُ مَضَى وَلِابْنِ رُشْدٍ خِلَافُ هَذَا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا لِلْوَصِيِّ إمْضَاءُ نِكَاحِ الصَّغِيرِ بِنَفْسِهِ. مُحَمَّدٌ: فَإِنْ جَهِلَ حَتَّى مَلَكَ نَفْسَهُ مَضَى. ابْنُ عَاتٍ: وَمِثْلُهُ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ ظَاهِرُهُ لَا تَعَقُّبَ لِلْمَحْجُورِ بَعْدَ مِلْكِهِ أَمْرَ نَفْسِهِ فِي أَفْعَالِهِ مِثْلَ النَّظَرِ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَلِابْنِ مُحْرِزٍ مِثْلُهُ نَصًّا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْخِيَارُ بَعْدَ مِلْكِهِ أَمْرَ نَفْسِهِ فِي أَفْعَالِهِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ دَحُونَ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي بِكْرٍ مُوَلًّى عَلَيْهَا بَاعَتْ حِصَّةً مِنْ أَرْضٍ مَعَ إخْوَتِهَا، فَلَمَّا تَزَوَّجَتْ طَلَبَتْ الرُّجُوعَ فِيمَا بَاعَتْ فَقَالَ: إنْ ثَبَتَ أَنَّ بَيْعَهَا مَعَ إخْوَتِهَا كَانَ إبَاحَةً وَالْبَيْعُ سَدَادٌ لَا غَبْنَ فِيهِ فَالْبَيْعُ تَامٌّ (وَلَوْ حَنِثَ بَعْدَ بُلُوغِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ مَا حَلَفَ بِحُرِّيَّتِهِ وَحَنِثَ بِهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ وَحَنِثَ فِي حَالِ رُشْدِهِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ (أَوْ وَقَعَ الْمَوْقِعَ) ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ إذَا كَانَ مَا فَعَلَهُ الصَّغِيرُ نَظَرًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 635 وَسَدَادًا مِمَّا كَانَ يَلْزَمُ الْوَلِيَّ أَنْ يَفْعَلَهُ، هَلْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَنْقُضَهُ؟ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ هُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ. (وَضَمِنَ مَا أَفْسَدَ) ابْنُ رُشْدٍ: يَلْزَمُ الصَّغِيرَ مَا أَفْسَدَ وَكَسَرَ فِي مَالِهِ مِمَّا لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ (إنْ لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِ) مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ: إنْ ابْتَاعَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ أَمَةً حَبِلَتْ مِنْهُ كَانَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ وَلَمْ يُتْبَعْ بِالثَّمَنِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَعَثَ يَتِيمًا فِي طَلَبِ آبِقٍ أَخَذَهُ فَبَاعَهُ وَأَتْلَفَ الثَّمَنَ لِرَبِّ الْعَبْدِ أَخْذُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْيَتِيمِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَتْلَفَ وَلَا يَتْبَعُ بِهِ دَيْنًا بِخِلَافِ مَا أَفْسَدَ أَوْ كَسَرَ. وَعَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ: مَا بَاعَهُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ مِنْ مَتَاعِهِ وَانْتَقَدَ ثَمَنَهُ وَعَثَرَ عَلَيْهِ رَدَّ مَتَاعَهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُدْرَكَ قَائِمًا بِيَدَيْهِ فَيَرُدُّ إلَى صَاحِبِهِ، أَوْ يَكُونُ قَدْ أَدْخَلَهُ فِي مَصَالِحِهِ وَوَفَّرَ بِهِ مِنْ مَالِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ إنْفَاقِ مِثْلِهِ فِيهِ. وَوَقَعَ أَيْضًا لِأَصْبَغَ فِي نَوَازِلِهِ فِي الْبِكْرِ تَحْتَاجُ فَتَبِيعُ بَعْضَ عُرُوضِهَا وَتُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهَا وَتَصْنَعُ فِي الْبَيْعِ مَا كَانَ يَصْنَعُهُ السُّلْطَانُ أَوْ تَبِيعُ ذَلِكَ عَلَيْهَا أَوْ مِنْ أَحَدِ أَقَارِبِهَا وَهُوَ غَيْرُ وَصِيٍّ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِعُسْرِ الرَّفْعِ لِلْقَاضِي، فَإِنْ كَانَ الَّذِي بِيعَ لَهُ بَالٌ فَهُوَ مَرْدُودٌ، وَإِذَا رُدَّ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ حُوِّلَ فِي نَفَقَةٍ لَا بُدَّ مِنْهَا حُسِبَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الَّذِي بَاعَهُ كَالدُّوَيْرَةِ الصَّغِيرَةِ فَهُوَ نَافِذٌ. [وَصِيَّةُ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ وَأَقَلَّ مِمَّا يُقَارِبُهَا] (وَصَحَّتْ وَصِيَّتُهُ كَالسَّفِيهِ إنْ لَمْ يُخَلِّطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تَجُوزُ وَصِيَّةُ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ وَأَقَلَّ مِمَّا يُقَارِبُهَا إذَا أَصَابَ وَجْهَ الْوَصِيَّةِ، وَذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي اخْتِلَاطٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَجَازَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 636 مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَصِيَّةَ مَنْ يَعْقِلُ مَا يُوصِي بِهِ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ وَشِبْهُهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتَجُوزُ وَصِيَّةُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَالسَّفِيهِ وَالْمُصَابِ حَالَ إفَاقَتِهِ لَا حَالَ خَبَلِهِ. (إلَى حِفْظِ مَالِ ذِي الْأَبِ بَعْدَهُ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا ثَمَرَ مَالُهُ وَحَاطَهُ اسْتَوْجَبَ الرُّشْدَ حَتَّى وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَرَضِيِّ الْحَالِ. ابْنُ هِشَامٍ: وَبِهَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 641 هُوَ الْعَمَلُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الِابْنُ فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ مَا دَامَ صَغِيرًا وَيَخْرُجُ مِنْ الْوِلَايَةِ بِبُلُوغِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ الْأَبُ عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ الْوِلَايَةِ. هَذَا إنْ بَلَغَ مَعْلُومًا بِالرُّشْدِ وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَرُدَّ مِنْ أَفْعَالِهِ شَيْئًا، فَإِنْ بَلَغَ وَهُوَ مَعْلُومٌ بِالسَّفَهِ فَلَا يُخْرِجُهُ الِاحْتِلَامُ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهِ وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا مَرْدُودَةٌ غَيْرُ جَائِزَةٍ. وَاخْتُلِفَ إنْ بَلَغَ مَجْهُولَ الْحَالِ لَا يُعْلَمُ رُشْدُهُ مِنْ سَفَهِهِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَاَلَّذِي فِي الِاسْتِغْنَاءِ: لِلْأَبِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى ابْنِهِ قُرْبَ بُلُوغِهِ فَإِنْ بَعُدَ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ إلَّا السُّلْطَانُ. (وَفَكِّ وَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ مَاتَ الْأَبُ وَهُوَ صَغِيرٌ وَأَوْصَى بِهِ إلَى أَحَدٍ أَوْ قَدَّمَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ فَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهِ وَلَا مُقَدَّمِ السُّلْطَانِ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْهَا الْوَصِيُّ أَوْ السُّلْطَانُ إنْ كَانَ الْوَصِيُّ مُقَدَّمًا مِنْ قِبَلِهِ، وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا مَرْدُودَةٌ وَإِنْ عُلِمَ رُشْدُهُ مَا لَمْ يُطْلَقْ مِنْ الْحِجْرَانِ. هَذَا قَوْلُ ابْنِ زَرْبٍ أَنَّ الْوَصِيَّ مِنْ قِبَلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 642 الْقَاضِي لَا يُطْلَقُ مِنْ الْوِلَايَةِ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي، وَأَمَّا وَصِيُّ الْأَبِ فَإِطْلَاقُهُ جَائِزٌ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا يُذْكَرُ مِنْ حَالِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ قَوْلِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ زَرْبٍ: مُقَدَّمُ الْقَاضِي يَكْفِي إطْلَاقُهُ كَوَصِيِّ الْأَبَدِ، وَأُخِذَ مِنْ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْيَتِيمِ وَصِيٌّ فَأَقَامَ لَهُ الْقَاضِي خَلِيفَةً كَانَ كَالْوَصِيِّ فِي جَمِيعِ أَمْرِهِ. وَانْظُرْ إذَا تَصَرَّفَ الْمَحْجُورُ بِمَرْأًى مِنْ وَصِيِّهِ وَطَالَ تَصَرُّفُهُ، أَفْتَى ابْنُ الْحَاجِّ وَابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ رُشْدٍ أَنَّ مَا لَحِقَهُ مِنْ دَيْنٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ وَتَصَرُّفُهُ مَاضٍ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ فِي نَوَازِلِهِ: وَبِهَذَا هُوَ الْعَمَلُ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مَتَى رَآهُ وَلِيُّهُ وَسَكَتَ فَإِنَّهُ مَاضٍ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ ذَلِكَ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا بِتُونُسَ. وَنَقَلَ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ حَدَّيْنِ فِي ابْنٍ اشْتَرَى مِلْكًا وَثَبَتَ أَنَّهُ فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ فَقَامَ الْأَبُ يَرُدُّ الْبَيْعَ مُدَّعِيًا أَنَّهُ حِينَ الْبَيْعِ كَانَ غَائِبًا، وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْأَبَ كَانَ حَاضِرًا. فَأَجَابَ ابْنُ مَيْسُورٍ: إنْ أَثْبَتَ الْغَيْبَةَ الْمَذْكُورَةَ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَإِلَّا حَلَفَ وَرَدَّ الْبَيْعَ. وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ: إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَزَلْ مُطَالِبًا لِلثَّمَنِ بَعْدَ قُدُومِ الْأَبِ ثَبَتَ الْبَيْعُ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَكَذَا الْعُرْفُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ الْمَحْجُورُ بِعِلْمِ حَاجِرِهِ فَهُوَ مَاضٍ وَلَا مَرَدَّ لَهُ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ مَا لَا شُعُورَ لَهُ بِهِ. وَانْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ أَنَّ الْوَصِيَّ إنْ تَرَكَ النَّظَرَ لِمَحْجُورِهِ أَنَّ الْمَحْجُورَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا نَقَصَهُ، وَلِلْمُتَيْطِيِّ: أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ نِكَاحَ ذِي الْوَصِيِّ إذَا كَانَ حِينَ الْعَقْدِ بِحَالِ رُشْدِهِ، وَكَذَلِكَ مَا فَعَلَ فِي هَذَا الْحَالِ مِنْ ابْتِيَاعٍ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: وَبِذَلِكَ كَانَ يُفْتِي بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْتُهُ مِنْ الشُّيُوخِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ فِي الْمُوَلَّى عَلَيْهِ أَنَّ شَهَادَتَهُ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ عَدْلًا. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَبِهَذَا هُوَ الْعَمَلُ. وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي قَاضٍ قَدَّمَ مَحْجُورًا عَلَى يَتِيمٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِحَجْرِهِ ثُمَّ ثَبَتَ حَجْرُهُ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي هَذَا وَأَتَقَلَّدُهُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْقَاضِي مُخْرِجٌ لَهُ مِنْ الْحَجْرِ إنْ عَلِمَ بِالرُّشْدِ مُرَاعَاةً لِمَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ الرُّشْدَ لَا عِبْرَةَ بِالْوِلَايَةِ. عِيَاضٌ: نَاظَرَ ابْنُ لُبَابَةَ فِي الْمُوَلَّى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 643 يَخْرُجُ مِنْ الْوِلَايَةِ حَتَّى يُطْلِقَهُ الْقَاضِي فَقَالَ لَهُ ابْنُ مزدم: فَأَنْتَ السَّاعَةَ مُوَلًّى عَلَيْك، فَخَجِلَ وَكَانَ سَبَبَ رُجُوعِهِ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ، وَسَيَأْتِي نَصُّ الْمُنْتَخَبِ أَنَّ مَنْ حَسُنَتْ حَالُهُ لَا يَحْتَاجُ لِإِطْلَاقٍ مِنْ حَجْرٍ اُنْظُرْ قَبْلُ " وَزِيدَ لِلْأُنْثَى. " (إلَّا كَدِرْهَمٍ لِعَيْشِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ بَيْعٌ وَلَا يُلْزَمُ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ، وَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ أَيْضًا إلَّا مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لِعَيْشِهِ مِثْلُ الدِّرْهَمِ يَبْتَاعُ بِهِ لَحْمًا أَوْ خُبْزًا أَوْ بَقْلًا وَنَحْوَهُ يَشْتَرِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ وَهُوَ تُدْفَعُ إلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَيَشْتَرِي بِهَا مَا يُصْلِحُهُ (لَا طَلَاقِهِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي طَلَاقِ مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَلْزَمُهُ. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ: إنْ نَاهَزَ الْبُلُوغَ لَزِمَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَذْهَبُ لُزُومُ طَلَاقِ السَّفِيهِ الْمُكَلَّفِ. [لَا حَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ فِي اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ وَنَفْيِهِ] (وَاسْتِلْحَاقِ نَسَبٍ وَنَفْيِهِ) اُنْظُرْ هَذَا الْعَطْفَ مُتَعَلَّقُهُ فِي السَّفِيهِ الْبَالِغِ، وَمُتَعَلَّقُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الصَّبِيِّ. ابْنُ شَاسٍ: لَا حَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ فِي اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ وَنَفْيِهِ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ مَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ إلَّا الْمَنْفَعَةُ فِعْلُهُ فِيهِ جَائِزٌ. (وَعِتْقِ مُسْتَوْلَدَتِهِ وَقِصَاصٍ) ابْنُ رُشْدٍ: السَّفِيهُ الْبَالِغُ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ حُقُوقِ اللَّهِ فِي بَدَنِهِ وَمَالِهِ، وَيَلْزَمُهُ مَا وَجَبَ فِي بَدَنِهِ مِنْ حَدٍّ وَقِصَاصٍ، وَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ وَعِتْقُ أُمِّ وَلَدِهِ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الزَّوْجَةَ الَّتِي لَيْسَ لَهُ فِيهَا إلَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِالْوَطْءِ (وَنَفْيِهِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْبِكْرِ الَّتِي حَاضَتْ يُجْنَى عَلَيْهَا عَمْدًا فَتَعْفُو هِيَ وَيُرِيدُ أَبُوهَا الْقِصَاصَ: فَلَيْسَ لِلْأَبِ قِصَاصٌ خِلَافًا لِأَصْبَغَ (وَإِقْرَارٍ بِعُقُوبَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ يَلْزَمُهُ مَا وَجَبَ فِي بَدَنِهِ مِنْ حَدٍّ وَقِصَاصٍ وَمِنْ الِاسْتِغْنَاءِ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ كَفَّارَةُ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ صَامَ وَلَمْ يُعْتِقْ، فَإِنْ قُتِلَ عَمْدًا صَالَحَ وَلِيُّهُ بِمَالِهِ لِأَنَّ تَلَفَ نَفْسِهِ أَضَرُّ مِنْ تَلَفِ مَالِهِ وَلَا يَنْفَعُهُ بَقَاءُ مَالِهِ إذَا تَلِفَتْ نَفْسُهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 644 [تَصَرُّفَات الصَّغِير قَبْل الْحَجَر] (وَتَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَ مَالِكٍ لَا ابْنِ الْقَاسِمِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يُوصِ بِهِ إلَى وَاحِدٍ وَلَا قَدَّمَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَصِيًّا وَلَا نَاظِرًا فَقَالَ مَالِكٌ وَكُبَرَاءُ أَصْحَابِهِ: أَفْعَالُهُ كُلُّهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ جَائِزَةٌ نَافِذَةٌ، رَشِيدًا كَانَ أَوْ سَفِيهًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فِي شَيْءٍ. وَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى حَالِهِ يَوْم بَيْعِهِ وَابْتِيَاعِهِ، فَإِنْ كَانَ رَشِيدًا جَازَتْ أَفْعَالُهُ، وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا لَمْ يَجُزْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَاتَّفَقُوا أَنَّ أَفْعَالَهُ جَائِزَةٌ لَا يُرَدُّ مِنْهَا شَيْءٌ إنْ جُهِلَتْ حَالُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ بِسَفَهٍ وَلَا رُشْدٍ (وَعَلَيْهِمَا الْعَكْسُ فِي تَصَرُّفِهِ إنْ رَشَدَ بَعْدَهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَعَلَيْهِمَا الْعَكْسُ فِي تَصَرُّفِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ إذَا رَشَدَ ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي إمْضَاءِ فِعْلِ مَنْ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ إذَا كَانَ رَشِيدًا فِي نَفْسِهِ أَنَّهُمَا مُخَرَّجَانِ عَلَى قَوْلَيْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي هَذَا السَّمَاعِ نِكَاحَ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ إذْنِ وَصِيِّهِ إنْ كَانَ فِي ذَلِكَ رَشِيدًا فِي أَحْوَالِهِ مِثْلُهُ لَوْ طَلَبَ مَالَهُ أُعْطِيهِ، وَهَذَا مَشْهُورُ أَقْوَالِهِ أَنَّ الْوِلَايَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْيَتِيمِ لَا يُعْتَبَرُ ثُبُوتُهَا إذَا عُلِمَ رُشْدُهُ، وَلَا سُقُوطُهَا إنْ عُلِمَ سَفَهُهُ خِلَافُ مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ. وَفِي مُنْتَخَبِ الْأَحْكَامِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زَمَنِينَ: الْمُوَلَّى عَلَيْهِ إذَا رَشَدَ وَحَسُنَتْ حَالُهُ فَمَا فَعَلَ فِي هَذِهِ الْحَالِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ ابْتِيَاعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَنْظُرُ فِيهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ جَائِزٌ مَاضٍ وَإِنْ لَمْ يُطْلِقْهُ مِنْ الْحَجْرِ قَاضٍ وَلَا وَصِيٌّ، وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ الْمُقْتَدَى بِهِمْ فِي الْفُتْيَا، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ مَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: سَأَلَ مَالِكٌ عَنْ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ لَمْ يُدْفَعْ لَهُ بَعْدُ مَالُهُ، هَلْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَ عَدْلًا شَهَادَتُهُ مَاضِيَةٌ وَإِنْ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مَالُهُ اهـ. وَانْظُرْ فِي تَرْجَمَةٍ مِنْ ابْنِ سَلْمُونَ وَارِثُ الْمَحْجُورِ هَلْ يَرُدُّ أَفْعَالَ مَنْ وَرِثَهُ الْمَحْجُورُ. (وَزِيدَ لِلْأُنْثَى دُخُولُ زَوْجٍ وَشَهَادَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 645 الْعُدُولِ عَلَى صَلَاحِ حَالِهَا وَلَوْ جَدَّدَ أَبُوهَا حَجْرًا) ابْنُ رُشْدٍ: إذَا بَلَغَتْ الْبِكْرُ الْمَحِيضَ وَهِيَ ذَاتُ أَبٍ فَفِي حُكْمِهَا ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ، الْقَوْلُ الثَّانِي قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْمُدَوَّنَةِ وَالْوَاضِحَةِ أَنَّ الِابْنَةَ الْبِكْرَ فِي وِلَايَةِ أَبِيهَا حَتَّى تُزَوَّجَ وَيَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا وَيُعْرَفَ مِنْ حَالِهَا أَيْ يَشْهَدُ الْعُدُولُ عَلَى صَلَاحِ أَمْرِهَا، فَهِيَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا مَا لَمْ تُنْكَحْ وَيَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا فِي وِلَايَتِهَا مَرْدُودَةٌ أَفْعَالُهَا وَإِنْ عُلِمَ رُشْدُهَا، فَإِذَا دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا حُمِلَتْ عَلَى السَّفَهِ وَرُدَّتْ أَفْعَالُهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ رُشْدُهَا، وَإِنْ عُلِمَ رُشْدُهَا جَازَتْ أَفْعَالُهَا وَخَرَجَتْ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِقُرْبِ بِنَاءِ زَوْجِهَا عَلَيْهَا إلَّا أَنَّ مَالِكًا اسْتَحَبَّ أَنْ يُؤَخَّرَ أَمْرُهَا الْعَامَ وَنَحْوَهُ اسْتِحْبَابًا مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ هَذَا: الْقَوْلُ الثَّامِنُ أَنَّهَا فِي وِلَايَةِ أَبِيهَا حَتَّى يَمُرَّ عَلَيْهَا سَبْعَةُ أَعْوَامٍ. وَيُعْزَى هَذَا الْقَوْلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: إنَّ هَذَا مَا لَمْ يُجَدِّدْ الْأَبُ عَلَيْهَا السَّفَهَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَالَهُ ابْنُ زَرْبٍ وَابْنُ الْعَطَّارِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الْإِشْبِيلِيُّ: لَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُضَمَّنَ عَقْدُ التَّجْدِيدِ بِمَعْرِفَةِ الشُّهُودِ بِسَفَهِهَا، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ الْأَبُ فِي دَعْوَاهُ سَفَهَهَا، ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا إنْ كَانَتْ يَتِيمَةً ذَاتَ وَصِيٍّ مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا أَوْ مُقَدَّمٍ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي، فَالْمَشْهُورُ وَقْفُ إطْلَاقِهَا مِنْ ثِقَافِ الْحَجْرِ بِمَا يَصِحُّ إطْلَاقُهَا مِنْهُ بِهِ. اُنْظُرْ فِي أَوَّلِ نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ أَنَّ الْعَمَلَ فِي الْمُتَزَوِّجَةِ تَمْضِي أَفْعَالُهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَعْوَامٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَزِمَتْهَا وِلَايَةٌ فَلِأَرْبَعِينَ سَنَةً. وَانْظُرْ إذَا أَوْصَى عَلَيْهَا ثُمَّ عَاشَ حَتَّى زَوَّجَهَا وَمَاتَ بَعْدَ بُلُوغِهَا الْحَدَّ، هَلْ تَكُونُ كَمَنْ لَا وَلِيَّ عَلَيْهَا؟ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ سَلْمُونُ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ يَتِيمَةً لَمْ يُوَلَّ عَلَيْهَا بِأَبٍ وَلَا وَصِيٍّ فَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ الشُّيُوخَ أَنْ لَا تُجَازَ أَفْعَالُهَا حَتَّى يَمُرَّ بِهَا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا مِثْلُ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ (عَلَى الْأَرْجَحِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ فَانْظُرْ أَنْتَ ابْنَ يُونُسَ. (وَلِلْأَبِ تَرْشِيدُهَا قَبْلَ دُخُولِهَا) ابْنُ مُزَيْنٍ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّ الْبِكْرَ إذَا شُهِدَ لَهَا أَنَّهَا مُصْلِحَةٌ لِمَالِهَا وَقَدْ بَلَغَتْ الْمَحِيضَ دُفِعَ إلَيْهَا مَالُهَا بَعْدَ أَنْ تَرْتَفِعَ فِي السِّنِّ عَنْ الْحَدَاثَةِ (كَالْوَصِيِّ) مِنْ الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ مَا نَصُّهُ: إطْلَاقُ الْمُوصَى مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَشْهَدَ فُلَانٌ أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ رُشْدُ يَتِيمِهِ فُلَانٍ أَطْلَقَهُ وَرَشَّدَهُ وَمَلَّكَهُ أَمْرَ نَفْسِهِ وَمَالِهِ. ابْنُ عَاتٍ: فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ سَفِيهًا لَزِمَتْهُ الْوِلَايَةُ وَرُدَّ فِعْلُهُ وَعُزِلَ الْوَصِيُّ وَجُعِلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 648 يَضْمَنْ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِمَّا أَتْلَفَهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِاجْتِهَادِهِ. اُنْظُرْ ابْنَ عَاتٍ وَتَرْجَمَةَ الْقَضَاءِ فِي إطْلَاقِ السُّفَهَاءِ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ وَالتَّرْجَمَةَ الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ تَرْجَمَةُ الْقَضَاءِ فِي بَيْعِ السَّفِيهِ (وَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ رُشْدُهَا) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَفَكِّ وَصِيٍّ " قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إطْلَاقُ الْأَبِ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الرُّشْدُ إلَّا مِنْ قَوْلِهِ قَالَ ابْنُ عَاتٍ وَهُوَ ظَاهِرُ رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا خِلَافُ رِوَايَةِ أَصْبَغَ. (وَفِي مُقَدَّمِ الْقَاضِي خِلَافٌ) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَفَكِّ وَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ " (وَالْوَلِيُّ الْأَبُ) ابْنُ عَرَفَةَ: وَلِيَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ أَبُوهُ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ الْحَاكِمُ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْجَدِّ بِوَلَدِ الْوَلَدِ وَلَا أَخٍ بِأَخٍ وَإِنْ قَلَّ الْمَالُ، وَلَا يَجُوزُ إيصَاءُ الْأُمِّ بِمَالِ وَلَدِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ وَصِيًّا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ إنْ كَثُرَ الْمَالُ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا كَالسِّتِّينَ دِينَارًا جَازَ إسْنَادُهَا لِعَدْلٍ فِيمَنْ لَا أَبِ لَهُ وَلَا وَصِيَّ اهـ. وَانْظُرْ قَدْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُوصِيَ لِذِي أَبٍ وَيَخَافُ مِنْ الْأَبِ أَنْ يُضَيِّعَهَا لَهُ أَوْ يَأْكُلَهَا. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَهَبَ لِصَغِيرٍ هِبَةً وَحَمَلَ مَنْ يَحُوزُهَا لَهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ وَتُرْضَى حَالُهُ فَتُدْفَعَ إلَيْهِ وَيُشْهَدَ لَهُ بِذَلِكَ، فَهَذَا حَوْزٌ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِذَا بَلَغَ فَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ لِغَيْرِ سَفِيهٍ وَلَا صَغِيرٍ وَلَا عَبْدٍ وَجَعَلَ ذَلِكَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِحِيَازَةٍ، وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا لِلصَّغِيرِ خَوْفَ أَنْ يَأْكُلَهَا لَهُ الْوَلِيُّ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " لَا حَاضِنَ " (وَلَهُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَهُ) الْمُتَيْطِيُّ: بَيْعُ الْأَبِ عَلَى صِغَارِ بَنِيهِ وَأَبْكَارِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 649 بَنَاتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ. (ثُمَّ وَصِيُّهُ وَإِنْ بَعُدَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ أَنْ تُوصِيَ الْأُمُّ بِمَالِ وَلَدِهَا إنْ كَانَتْ وَصِيًّا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ (وَهَلْ كَالْأَبِ أَوْ إلَّا الرَّبْعَ فَبِبَيَانِ السَّبَبِ؟ خِلَافٌ) ابْنُ يُونُسَ: الْوَصِيُّ الْعَدْلُ كَالْأَبِ يَجُوزُ لَهُ مَا يَجُوزُ لِلْأَبِ وَلَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 652 عَقَارَ ابْنِهِ إلَّا لِوَجْهِ نَظَرٍ كَالْوَصِيِّ. ابْنُ عَرَفَةَ: تَأَمَّلْ هَذَا مَعَ نَقْلِ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُ عَلَى النَّظَرِ اتِّفَاقًا. وَمِنْ النُّكَتِ: لِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَ عَلَى الِابْنِ الصَّغِيرِ عَقَارَهُ وَلَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَالْوَصِيِّ الَّذِي لَا يَبِيعُ إلَّا لِنَظَرٍ أَوْ وَجْهٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ: مَحْمَلُ بَيْعِ الْوَصِيِّ عَلَى غَيْرِ النَّظَرِ حَتَّى يَثْبُتَ النَّظَرُ بِخِلَافِ الْأَبِ، وَهَذَا فِي الرِّبَاعِ خَاصَّةً، وَأَمَّا غَيْرُ الرِّبَاعِ فَهُمَا جَمِيعًا عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ. هَذَا مَعْنَى مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ عَقَارِ الْيَتِيمِ إلَّا لِوُجُوهٍ حَصَرَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْعَدِّ. ابْنُ عَرَفَةَ: حَاصِلُ عَدِّهَا أَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا: دَيْنٌ لَا قَضَاءَ لَهُ مِنْ غَيْرِ ثَمَنِهِ، نَفَقَةُ الْيَتِيمِ، ثُمَّ كَثْرَةُ الثَّمَنِ الْحَلَالِ لِخَرَابِهِ وَلَيْسَ ثَمَّ مَا يُصْلِحُهُ بِهِ لِشِرْكٍ فِيهِ لِيُعَوِّضَهُ مَا لَا شِرْكَ فِيهِ لِدَعْوَى شَرِيكِهِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ بَيْعُهُ وَلَا مَالَ لِلْيَتِيمِ يَبْتَاعُ لَهُ بِهِ تِلْكَ الْحِصَّةَ لِكَوْنِهِ مَوْضِعًا لِيَسْتَبْدِلَ لَهُ خَيْرًا لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ بِنَفْعٍ كَكَوْنِهِ دَارًا بَيْنَ الْيَهُودِ لِيَشْتَرِيَ لَهُ بَيْن الْمُسْلِمِينَ، وَكَكَوْنِهِ مُثْقَلًا بِالْمَغْرَمِ أَوْ يُخْشَى عَلَيْهِ النُّزُولُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَدْ جَمَعْتهَا فِي سِتَّةِ أَبْيَاتٍ اُنْظُرْهَا فِيهِ. (وَلَيْسَ لَهُ هِبَةٌ لِلثَّوَابِ) النُّكَتُ: أَمَّا الْأَبُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 654 فَتَجُوزُ هِبَةُ مَالِ وَلَدِهِ لِلثَّوَابِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِلثَّوَابِ إذَا فَاتَتْ بِيَدِ الْمَوْهُوبِ إنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَالْوَصِيُّ لَا يَبِيعُ لَهُ بِالْقِيمَةِ. وَفِي نَوَازِلِ عِيَاضٍ فِي رَجُلٍ تَصَدَّقَ عَلَى بِنْتِهِ بِعَقَارٍ ثُمَّ بَاعَ ذَلِكَ الْعَقَارَ بِاسْمِ نَفْسِهِ مِنْ ابْنٍ لَهُ فَوَجَدَ زَوْجُ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ عَقْدَ الصَّدَقَةِ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ قَالَ: تَحْلِفُ مَا عَلِمَتْ بِالْهِبَةِ إلَّا الْآنَ وَتَصِحُّ الْهِبَةُ لَهَا، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَمَاضٍ وَتَطْلُبُ تَرِكَتَهُ بِالثَّمَنِ لِمَا رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِدَارٍ أَوْ عَبْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي مَالِ الْأَبِ. اُنْظُرْ النَّوَازِلَ الْمَذْكُورَةَ. وَهَلْ مِثْلُ ذَلِكَ مَا وَهَبَهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ أَوْ تَزَوَّجَ بِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ (ثُمَّ حَاكِمٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ. (وَبَاعَ بِثُبُوتِ يُتْمِهِ وَإِهْمَالِهِ وَمِلْكِهِ لِمَا بِيعَ وَأَنَّهُ الْأَوْلَى) ابْنُ عَرَفَةَ: يُطْلَبُ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْمَحْجُورِ ذِكْرُ كَوْنِهِ أَوْلَى مَا يُبَاعُ عَلَيْهِ فِي نَفَقَةٍ أَوْ دَيْنٍ. الْمُتَيْطِيُّ: وَيُكْتَبُ فِي الْوَثِيقَةِ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ يُتْمُ فُلَانٍ وَلَمْ يُلْفَ عَلَى الْمُبْتَاعِ زَائِدٌ وَإِنَّ الْبَيْعَ بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ سَدَادٌ وَنَظَرٌ (وَحِيَازَةُ الشُّهُودِ لَهُ وَالتَّسَوُّقُ وَعَدَمُ إلْغَاءِ زَائِدٍ وَالسَّدَادُ فِي الثَّمَنِ) هَذَا كُلُّهُ هُوَ نَصُّ وَثِيقَةِ الْمُتَيْطِيِّ (وَفِي تَصْرِيحِهِ بِأَسْمَاءِ الشُّهُودِ قَوْلَانِ) الْمُتَيْطِيُّ: كَانَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ يُلْزِمُ الْقَاضِيَ الْكَشْفَ عَنْ أَسْمَاءِ الشُّهُودِ الَّذِينَ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَتِهِمْ يُتْمُ الْيَتِيمِ وَاحْتِيَاجُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَثْبُتَ عِنْدَهُ، وَيُلْزَمُ الشُّهُودُ حِيَازَةُ مَا شَهِدُوا فِيهِ وَأَنْ تَكُونَ حِيَازَتُهُمْ لِذَلِكَ بِحَضْرَةِ شُهُودٍ آخَرِينَ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَكْتَفِي بِأَنْ يَقُولَ: وَثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي بِمَنْ قَبِلَ وَأَجَازَ يُتْمَ الْيَتِيمِ فُلَانٍ وَفَاقَتَهُ، وَكَذَا مَا يَذْكُرُ الْقَاضِي ثُبُوتَهُ عِنْدَهُ. وَيَسْقُطُ أَيْضًا ذِكْرُ حِيَازَةِ الشُّهُودِ لِمَا شَهِدُوا فِيهِ، وَيُرَى أَنَّ فِي قَوْلِ الشُّهُودِ حَدُّ الدَّارِ كَذَا يُغْنِي عَنْ حِيَازَتِهِمْ لَهَا. قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: وَلِكُلِّ قَوْلٍ حُجَّةٌ وَأَحْسَنُ عِنْدِي لِلْقَاضِي أَنْ يُكَلِّفَهُمْ الْحِيَازَةَ إنْ لَمْ تَكُنْ بِذَلِكَ مَضَرَّةٌ لِلْيَتِيمِ إذْ رُبَّمَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ وَالْحَاجَةُ بِالِاسْتِفَاضَةِ، وَأَنَّهُ إنْ ذَهَبَ لِيَتَحَقَّقَ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِالْعُدُولِ ضَاعَ الْيَتِيمُ وَوَصَلَتْ إلَيْهِ الْحَاجَةُ. (لَا حَاضِنَ كَجَدٍّ وَعُمِلَ بِإِمْضَاءِ الْيَسِيرِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَفِي مُقَدَّمِ الْقَاضِي خِلَافٌ " وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: لِلْحَاضِنِ قَرِيبٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ أَنْ يَبِيعَ عَلَى الْمُهْمَلِ الْيَسِيرِ مِنْ عَقَارِهِ الَّذِي يَكُونُ ثَمَنُهُ مِنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ إلَى عِشْرِينَ دِينَارًا وَيَنْفُذُ ذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. وَبِمَا قَدَّمْنَاهُ جَرَى الْعَمَلُ انْتَهَى. وَانْظُرْ فِي تَرْجَمَةِ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ كَأَنَّهُ رَشَّحَ قَوْلَ مَالِكٍ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ أَوْ الْقَرِيبَ إذَا قَامَ بِوِلَايَةِ الْيَتِيمِ وَاكْتَنَفَهُ بِغَيْرِ إيصَاءٍ وَلَا تَقْدِيمِ قَاضٍ أَنَّهُ يُنْفِقُ لَهُ، وَعَلَيْهِ مَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ عَلَى مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ مِنْ مُقَاسَمَةٍ أَوْ ابْتِيَاعٍ أَوْ تَزْوِيجٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ إنْفَاقٍ أَوْ حِيَازَةِ صَدَقَةٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 655 مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَشِبْهِهِ يُنَزَّلُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْوَصِيِّ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَبِهَذَا نَقُولُ. وَأَعْلَمْتُ بِهِ أَصْبَغَ فَاسْتَحْسَنَهُ وَلَمْ يَكُنْ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُهُ هَكَذَا مُجْمَلًا إلَّا أَنَّهُ قَدْ قَالَهُ فِي مَوْلَى اللَّقِيطِ انْتَهَى. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ: مَنْ بَاعَ سِلْعَةً تُعْرَفُ لِرَجُلٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ وَكِيلُهُ فَإِنْ كَانَ يَعْمَلُ لَهُ حَتَّى يُثْبِتَ لَهُ شُبْهَةَ الْوَكَالَةِ فَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ الْأُمُّ تَبِيعُ حَقَّ الصِّبْيَانِ وَهِيَ غَيْرُ وَصِيَّةٍ ثُمَّ يَبْلُغُ الْأَطْفَالُ، فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ تُقَوِّمُ وَتُحَوِّطُ وَتَنْظُرُ فَبَاعَتْ وَهِيَ كَذَلِكَ فَالْغَلَّةُ لِلْمُبْتَاعِ (وَفِي حَدِّهِ تَرَدُّدٌ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ: التَّافِهُ الْيَسِيرُ ثَمَنُ الْعِشْرِينَ دِينَارًا. وَقَالَ ابْنُ سَعِيدٍ: الْعَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَنَحْوُهَا. وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ: ثَلَاثُونَ دِينَارًا (وَلِلْوَلِيِّ تَرْكُ الشَّفِيعِ وَالْقِصَاصِ وَيَسْقُطَانِ وَلَا يَعْفُو) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي دِيَاتِهَا لِلْأَبِ الْقِصَاصُ جِرَاحُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَلَا عَفْوَ لَهُ إلَّا بِعِوَضٍ. وَكَذَا الْوَصِيُّ وَالنَّظَرُ فِي شُفْعَةِ السَّفِيهِ لِوَلِيِّهِ فَإِنْ سَلَّمَ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ سُلْطَانٍ شُفْعَةَ الصَّبِيِّ لَزِمَهُ ذَلِكَ. (وَمَضَى عِتْقُهُ بِعِوَضٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَ مَنْ يَلِيهِ عَلَى النَّظَرِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ إذْ لَوْ شَاءَ انْتَزَعَهُ مِنْهُ (كَأَبِيهِ إنْ أَيْسَرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَهَبَ شِقْصًا مِنْ دَارٍ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ عَلَى عِوَضٍ جَازَ وَفِيهِ الشُّفْعَةُ، وَلَا تَجُوزُ مُحَابَاتُهُ فِي قَبُولِ الثَّوَابِ وَلَا مَا وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ وَأَعْتَقَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَيَرُدُّ ذَلِكَ كُلَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مُوسِرًا فَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْأَبِ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ فِي مَالِهِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْهِبَةِ وَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 656 كَانَ مُوسِرًا انْتَهَى. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا فِي الْعِتْقِ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ لِوَلَدٍ صَغِيرٍ ". (وَإِنَّمَا يَحْكُمُ فِي الرُّشْدِ وَضِدِّهِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْحَبْسِ الْمُعَقَّبِ وَأَمْرِ الْغَائِبِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَحَدٍّ وَقِصَاصٍ وَمَالِ يَتِيمٍ الْقُضَاةُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْسِمُ بَيْنَ الصِّغَارِ أَحَدٌ إلَّا الْقَاضِيَ خِلَافًا لِلْوَاضِحَةِ. ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ أَحْكَامِ الْأَيْتَامِ مِنْ تَسْفِيهٍ أَوْ إطْلَاقٍ أَوْ تَوْكِيلٍ لِلنَّظَرِ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ الْأَحْبَاسُ الْمُعَقَّبَةُ لَا يَكُونُ النَّظَرُ فِيهَا إلَّا لِلْقُضَاةِ وَفِي دَوَاوِينِهِمْ تُوضَعُ وَأَمْوَالُ الْغَيْبِ وَالْوَصَايَا وَالْأَنْسَابُ، وَعَلَى هَذَا جَرَى الْعَمَلُ بِالْأَنْدَلُسِ وَبِهِ أَفْتَى شُيُوخُنَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُمَكَّنُ ذُو الْقَوَدِ فِي الْجِرَاحِ مِنْ الْقِصَاصِ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ وَابْنُ عَبْدُوسٍ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُوَلِّيَ الْإِمَامُ عَلَى الْجِرَاحِ عَدْلَيْنِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا فِي الْقَتْلِ فَيَدْفَعُ لِلْوَلِيِّ يَقْتُلُهُ وَيَنْهَى عَنْ الْعَبَثِ. وَمِنْ الرِّسَالَةِ: وَيُقِيمُ الرَّجُلُ عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 657 عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ حَدَّ الزِّنَا ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ إنْ كَانَ لِلْأَمَةِ زَوْجٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ لِغَيْرِهِ فَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِمَا إلَّا لِسُلْطَانٍ (وَإِنَّمَا يُبَاعُ عَقَارُهُ لِحَاجَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ أَوْ لِكَوْنِهِ مُوَظَّفًا أَوْ حِصَّةٍ أَوْ قَلَّتْ غَلَّتُهُ فَيُسْتَبْدَلُ خِلَافُهُ أَوْ بَيْنَ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ جِيرَانِ سُوءٍ أَوْ لِإِرَادَةِ شَرِيكِهِ بَيْعًا وَلَا مَالَ لَهُ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ إلَّا الرَّبْعَ " وَنَصَّ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ مَبْسُوطَةً جِدًّا. الْمُتَيْطِيُّ: فَانْظُرْهُ. وَمِنْ الِاسْتِغْنَاءِ، مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ عَقَارِ يَتِيمٍ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعَ سُوءٍ مِنْ جِيرَانٍ فَيُبَدِّلُهُ فِي أَجْوَدَ مِنْهُ (أَوْ لِخَشْيَةِ انْتِقَالِ الْعِمَارَةِ) ابْنُ شَاسٍ: وَمِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ كَوْنُ الْعَقَارِ بِمَوْضِعٍ خَرِبٍ أَوْ يَخْشَى انْتِقَالَ الْعِمَارَةِ مِنْ مَوْضِعِهِ فَيَسْتَبْدِلُ بِثَمَنِهِ فِي مَوْضِعٍ أَصْلَحَ مِنْهُ (أَوْ الْخَرَابِ وَلَا مَالَ لَهُ) الْمُتَيْطِيُّ: وَمِنْ الْوُجُوهِ أَنْ يَكُونَ دَارًا وَاهِيَةً وَلَا مَالَ لِلْيَتِيمِ تَصْلُحُ مِنْهُ (أَوْ لَهُ مَالٌ وَالْبَيْعُ أَوْلَى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا بَذَلَ الْمَالِكُ أَضْعَافَ الْقِيمَةِ بِيعَتْ لَهُ دَارُ الْيَتِيمِ سَحْنُونَ: إنْ كَانَ طَيِّبَ الْمَكْسَبِ انْتَهَى. اُنْظُرْ بَقِيَ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] . قَالَ ابْنُ شَاسٍ: الِابْتِلَاءُ لِلرُّشْدِ مَطْلُوبٌ وَفِي كَوْنِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ قَالَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَالْبَغْدَادِيُّونَ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ أَبْيَنُ لِلْآيَةِ الشَّرِيفَةِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: الْأَشْهَرُ أَنَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: لِلْوَصِيِّ أَنْ يَدْفَعَ لِلْيَتِيمِ بَعْضَ مَالِهِ يَخْتَبِرُهُ بِهِ كَالسِّتِّينَ دِينَارًا وَلَا يُكْثِرُ جِدًّا إنْ رَأَى اسْتِقَامَتَهُ فَإِنْ تَلِفَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 658 لَمْ يَضْمَنْهُ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْوَصِيُّ مُصَدَّقٌ فِيمَا دَفَعَ لَهُ لِذَلِكَ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي حَاكِمٍ حَجَرَ عَلَى مَحْجُورِهِ بَيْعَ مِلْكٍ وَأَطْلَقَ يَدَهُ عَلَى غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا غَلَطٌ إلَّا إنْ كَانَ مَالُهُ مِنْ الْمَالِ سِوَى الْعَقَارِ قَدْرَ مَا يُخْتَبَرُ بِهِ السَّفِيهُ فَيَكُونُ لِذَلِكَ وَجْهٌ. وَانْظُرْ أَيْضًا مِمَّا هُوَ يَقَعُ يُجَدِّدُ الْحَجْرَ عَلَى بِنْتِهِ ثُمَّ يَعِيشُ حَتَّى تَبْلُغَ الْحَدَّ الَّذِي وُقِّتَ لِجَوَازِ فِعْلِهَا، هَلْ تِلْكَ الْوِلَايَةُ لَازِمَةٌ لَهَا؟ اُنْظُرْ تَرْجَمَةَ وَصِيَّةٍ بِالنَّظَرِ لِبَنِي الْوَصِيِّ فِي أَوَاخِرِ طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ، وَانْظُرْ أَيْضًا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَا فَوَّتَهُ السَّفِيهُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ عَطِيَّةٍ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي رَدِّهِ قَوْلَانِ. اُنْظُرْهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ. [الْحَجَر بِسَبَبِ الرِّقّ] (وَحُجِرَ عَلَى الرَّقِيقِ إلَّا بِإِذْنٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّقُّ سَبَبٌ فِي الْحَجْرِ. اللَّخْمِيِّ: وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ وَأَمُّ الْوَلَدِ لِقِنٍّ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ بَيْعٌ وَلَا إجَارَةٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ آجَرَ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِمَّا سَمَّى أَوْ أَجْرُ الْمِثْلِ. فَإِنْ عَطِبَ الْعَبْدُ كَانَ لِلسَّيِّدِ قِيمَةُ عَبْدِهِ، اُنْظُرْ كِتَابَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 659 الْجُعْلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ (وَلَوْ فِي نَوْعٍ) اللَّخْمِيِّ: إذْنُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا بِمَالٍ وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَشْتَرِيَ إلَّا بِالنَّقْدِ فَدَايَنَ النَّاسَ أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِمَا فِي يَدَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ أَمْوَالُهُمْ بِعَيْنِهَا. قَالَ أَصْبَغُ: لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ حِينَ أَطْلَقَهُ عَلَى الْبَعْضِ وَكَمَنْ أُذِنَ لَهُ أَنْ لَا يَتَّجِرَ إلَّا فِي الْبَزِّ فَتَجَرَ فِي غَيْرِهِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ نَصَبَهُ لِلنَّاسِ، وَلَيْسَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَعْلَمُوا مَا نَصَبَهُ لَهُ. اللَّخْمِيِّ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا أَحْسَنُ لِأَنَّ سَيِّدَهُ غَرَّ النَّاسَ بِإِذْنِهِ. (فَكَوَكِيلٍ مُفَوَّضٍ) وَلَهُ أَنْ يَضَعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 660 وَيُؤَخِّرَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا أَخَّرَ الْمَأْذُونُ غَرِيمًا لَهُ بِدَيْنٍ أَوْ حَطَّهُ نَظَرًا وَاسْتِئْلَافًا جَازَ ذَلِكَ وَقَالَهُ مَالِكٌ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: بِهَذَا النَّصِّ يُرَدُّ تَعَقُّبُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ: " حُكْمُ الْمَأْذُونِ لَهُ حُكْمُ الْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ ". اُنْظُرْ مِنْ هَذَا أَخْذَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحُطَّ مُكْتَرِي الْأَحْبَاسِ لِمَنْ يَشْكُو عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْلَافِ، وَكَذَا فِي أَوَاخِرِ نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ أَنَّ عَمَلَ الْقُضَاةِ بَعْدَ وُجُوبِ الْكِرَاءِ يَحُطُّ مِنْهُ لِتَشَكِّي الْمُكْتَرِي الْخَسَارَةَ مِمَّا لَيْسَ لِجَائِحَةٍ. (وَيُضَيِّفَ إنْ اسْتَأْلَفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ لِلْمَأْذُونِ أَنْ يَصْنَعَ طَعَامًا وَيَدْعُوَ إلَيْهِ النَّاسَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ اسْتِئْلَافًا فِي التِّجَارَةِ فَيَجُوزَ (وَيَأْخُذَ قِرَاضًا وَيَدْفَعَهُ) نَحْوُ هَذَا عَزَا اللَّخْمِيِّ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ يُونُسَ إلَّا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الشَّرِكَةِ: وَلِلْمَأْذُونِ أَنْ يَدْفَعَ مَالًا قِرَاضًا وَلَا يَدْخُلَهُ، وَأَخْذُهُ إيَّاهُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الْإِجَارَةِ (وَيَتَصَرَّفُ فِي كَهِبَةٍ وَأُقِيمَ مِنْهَا عَدَمُ مَنْعِهِ مِنْهَا وَلِغَيْرِ مَنْ أُذِنَ لَهُ الْقَبُولُ بِلَا إذْنٍ) لَوْ قَالَ " وَيَتَصَرَّفُ فِي كَهِبَةٍ وَيَقْبَلُهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَغَيْرِ مَنْ أُذِنَ لَهُ " لَوَافَقَ عِبَارَةَ ابْنِ الْحَاجِبِ ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْتَدْرِكُ وَأُقِيمَ مِنْهَا عَدَمُ مَنْعِهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 661 قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ " وَيَتَصَرَّفُ الْمَأْذُونُ فِي الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا " لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِوُضُوحِ كَوْنِ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَالِ الْمَأْذُونِ، وَأَمَّا اسْتِقْلَالُهُ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ بِقَبُولِ الْهِبَةِ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ اسْتِقْلَالُهُ، وَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْهَا عَدَمُ اسْتِقْلَالِهِ. وَسَمِعَ سَحْنُونَ: إنْ تَصَدَّقَ عَلَى عَبْدٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ فَلِسَيِّدِهِ أَخْذُ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [أَرَادَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى وَلِيِّهِ] (وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ وَأُخِذَ مَا بِيَدِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى وَلِيِّهِ فَلَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ، فَمَنْ بَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ ابْتَاعَ فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَنْبَغِي لِسَيِّدِهِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ فَيُوقِفُهُ السُّلْطَانُ وَيَأْمُرُ بِهِ فَيُطَافُ بِهِ حَتَّى يَعْلَمَ ذَلِكَ مِنْهُ. وَإِذَا لَحِقَ الْمَأْذُونَ دَيْنٌ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ وَيَمْنَعَهُ مِنْ التِّجَارَةِ وَدَيْنُهُ فِي مَالِهِ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْ دَيْنِهِ شَيْءٌ أَوْ يَكُونَ السَّيِّدُ دَايَنَهُ فَيَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ، وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْجُرُوا عَلَيْهِ إنَّمَا لَهُمْ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ فَيُفَلِّسُوهُ وَهُوَ كَالْحُرِّ فِي هَذَا. [بَيْعُ الْمَأْذُونِ أُمَّ وَلَدِهِ] (وَإِنْ مُسْتَوْلَدَتَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قِيلَ لِمَالِكٍ: أَيَبِيعُ الْمَأْذُونُ أُمَّ وَلَدِهِ؟ قَالَ: إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ فَإِنَّهَا تُبَاعُ لِأَنَّهَا مَالٌ لَهُ وَلَا حُرِّيَّةَ فِيهَا وَلَمْ يَدْخُلْهَا مِنْ الْحُرِّيَّةِ مَا دَخَلَ أُمَّ وَلَدِ الْحُرِّ، وَأَمَّا وَلَدُهُ مِنْهَا فَلَا يُبَاعُ فِي دَيْنِهِ لِأَنَّ وَلَدَهُ لَيْسَ بِمَالٍ لَهُ. (كَعَطِيَّتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا وَهَبَهُ لِلْمَأْذُونِ وَقَدْ اغْتَرَقَهُ دَيْنٌ فَغُرَمَاؤُهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَيِّدِهِ، وَالسَّيِّدُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ وَعَمَلِ يَدِهِ وَأَرْشِ جُرْحِهِ وَقِيمَتِهِ إنْ قُتِلَ، فَإِنْ خَارَجَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ شَيْءٌ وَلَا مِنْ خَرَاجِهِ وَلَا مَا يَبْقَى بِيَدِ الْعَبْدِ بَعْدَ خَرَاجِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ فِي مَالٍ إنْ وُهِبَ لِلْعَبْدِ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أُوصِيَ لَهُ بِهِ فَقَبِلَهُ الْعَبْدُ (وَهَلْ إنْ مُنِحَ لِلدَّيْنِ أَوْ مُطْلَقًا؟ تَأْوِيلَانِ) الْقَابِسِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِ " وَيَكُونُ دَيْنُ الْمَأْذُونِ فِي مَالٍ وُهِبَ لَهُ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ " يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ وُهِبَ لَهُ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ لِيَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِغُرَمَائِهِ أَخْذُهُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُوهَبْ لَهُ لِذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا اكْتَسَبَهُ الْعَبْدُ مِنْ غَيْرِ التِّجَارَةِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلِغُرَمَائِهِ أَخْذُهُ مُطْلَقًا (لَا غَلَّتِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: السَّيِّدُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ وَأَرْشِ جُرْحِهِ وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ مِنْ خَرَاجِهِ شَيْءٌ. (وَرَقَبَتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدَهُ بِمَالٍ دَفَعَهُ إلَيْهِ فَلَحِقَ الْعَبْدَ دَيْنٌ كَانَ دَيْنُهُ فِيمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَفِي مَالِ الْعَبْدِ أَيْضًا وَتَكُونُ بَقِيَّةُ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ لَا فِي رَقَبَتِهِ وَلَا يَكُونُ فِي ذِمَّةِ السَّيِّدِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَرِيمٌ فَكَغَيْرِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: أَمَّا انْتِزَاعُ مَالِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَمَاءُ فَكَغَيْرِهِ. اللَّخْمِيِّ: لِلسَّيِّدِ أَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 662 يَحْجُرَ عَلَى عَبْدِهِ بَعْدَ إذْنِهِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَلَهُ أَنْ يَقُومَ بِفَلَسِهِ وَإِنْ كَرِهَ غُرَمَاؤُهُ لِيُخَلِّصَ ذِمَّتَهُ اهـ. وَانْظُرْ حُكْمَ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ قَالَ اللَّخْمِيِّ: هُوَ فِي يَوْمِ سَيِّدِهِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي يَوْمِ نَفْسِهِ كَالْحُرِّ يَبِيعُ وَيُؤَاجِرُ نَفْسَهُ إذَا كَانَ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ يَخُصُّهُ دُونَ سَيِّدِهِ، إمَّا بِكَوْنِهِ قَدْ كَانَ قَاسَمَ سَيِّدَهُ أَوْ يَكُونُ اكْتَسَبَهُ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي تَخُصُّهُ. (وَلَا يُمَكَّنُ ذِمِّيٌّ مِنْ تَجْرٍ فِي خَمْرٍ إنْ تَجَرَ لِسَيِّدِهِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ ذِمِّيٌّ. اللَّخْمِيِّ: لَا يَنْبَغِي لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ بِالتَّجْرِ إنْ كَانَ يَعْمَلُ بِالرِّبَا أَوْ خَائِنًا فِي مُعَامَلَتِهِ، فَإِنْ رَبِحَ فِي عَمَلِهِ بِالرِّبَا تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ نَصْرَانِيًّا وَتَجْرُهُ مَعَ أَهْلِ دَيْنِهِ بِالْخَمْرِ أَوْ بِالرِّبَا فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ، هَلْ هُمْ مُخَاطَبُونَ؟ وَقَدْ وَرِثَ ابْنُ عُمَرَ عَبْدًا لَهُ كَانَ يَبِيعُ الْخَمْرَ وَهَذَا فِي تَجْرِهِ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ تَجَرَ لِسَيِّدِهِ لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. عِيَاضٌ: قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ " وَأَنْ يَبِيعَ الْخَمْرَ وَيَبْتَاعَهَا " قِيلَ: مُرَادُهُ بِعَبْدِهِ هُنَا مُكَاتَبُهُ إذْ لَا تَحْجِيرَ لَهُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: هُوَ مَأْذُونٌ لَهُ يَتَّجِرُ بِمَالِ نَفْسِهِ. وَقِيلَ: فِيمَا تَرَكَهُ لَهُ سَيِّدُهُ تَوْسِعَةٌ لَهُ. وَانْظُرْ ذَكَرَ فِي حَجْرِ الصَّبِيِّ جِنَايَتَهُ فَقَالَ: وَضَمِنَ مَا أَفْسَدَ إقْرَارَهُ بِعُقُوبَةٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا هُنَا مِنْ ابْنِ يُونُسَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ مِمَّا يَلْزَمُهُ فِي جَسَدِهِ مِنْ قَطْعٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ، وَمَا آلَ غُرِّمَ عَلَى سَيِّدِهِ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ كَإِقْرَارٍ بِجُرْحٍ أَوْ بِقَتْلٍ خَطَأً أَوْ بِأَخْذِ مَالٍ أَوْ بِاسْتِهْلَاكِهِ أَوْ سَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا، فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى سَيِّدِهِ وَلَا يُتْبَعُ الْعَبْدُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ عَتَقَ. [الْحَجَر عَلَى الْمَرِيض] (وَعَلَى مَرِيضٍ) فِي وَثَائِقِ الْبَاجِيِّ: لَا يَجُوزُ لِسَبْعَةٍ فِعْلُهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ إلَّا فِي الثُّلُثِ فَأَدْنَى مِنْهُمْ الْمَرِيضُ، وَسِتَّةٌ يَسْقُطُ مَا عَهِدَ لَهُمْ بِهِ مِنْهُمْ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي. اُنْظُرْ مُفِيدَ الْحُكَّامِ أَوَّلَ الْفَصْلِ السَّادِسِ. قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَرَضٍ أَقْعَدَ صَاحِبَهُ عَنْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَإِنْ كَانَ جُذَامًا أَوْ بَرَصًا أَوْ فَالِجًا فَإِنَّهُ يُحْجَرُ فِيهِ عَنْ مَالِهِ، وَإِنْ طَلَّقَ فِيهِ زَوْجَتَهُ وَرِثَتْهُ وَلَيْسَ لِلْقُوَّةِ وَالرِّيحِ وَالرَّمَدِ مِنْ ذَلِكَ إذَا صَحَّ الْبَدَنُ. وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ الْفَالِجِ وَالْبَرَصِ وَالْجُذَامِ يَصِحُّ مَعَهُ بَدَنُهُ وَيَتَصَرَّفُ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَهَلْ يَمْنَعُ مَرَضُ أَحَدِهِمَا الْمَخُوفُ " قَوْلُ اللَّخْمِيِّ " أَوَّلُ طَوِيلِهِ كَالسُّلِّ وَالْجُذَامِ كَصِحَّةٍ ". وَيَبْقَى النَّظَرُ إنْ اعْتَقَبَهُ الْمَوْتُ فَصَرَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ مَخُوفٌ (حَكَمَ الطِّبُّ بِكَثْرَةِ الْمَوْتِ بِهِ كَسُلٍّ وَقُولَنْجِ وَحُمَّى قَوِيَّةٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مَخُوفُ الْمَرَضِ مَا يَحْكُمُ الطِّبُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 663 بِأَنَّ الْهَلَاكَ بِهِ كَثِيرٌ كَالْحُمَّى الْحَادَّةِ وَالسُّلِّ وَالْقُولَنْجِ وَذَاتِ الْجَنْبِ وَالْإِسْهَالِ بِالدَّمِ (وَحَامِلِ سِتَّةٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حُكْمُ الْمَرِيضِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ فَسَّرَ عِيَاضٌ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهَا بِحُكْمِ الْمَرِيضِ حَتَّى تَبْلُغَ فِي السَّابِعِ خِلَافُ ظَاهِرِ ابْنِ الْحَاجِبِ انْتَهَى. اُنْظُرْ ظَاهِرَ لَفْظِ خَلِيلٍ وَلِلسُّيُورِيِّ مَا نَصُّهُ: الْقَوْلُ بِأَنَّ الْحَامِلَ الْمُقْرِبِ كَالْمَرِيضَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَاَلَّذِي آخُذُ بِهِ إنْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا فَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا وَهُوَ قَوْلٌ لِأَصْحَابِنَا. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مُسْتَنَدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْعَوَائِدُ وَالْهَلَاكُ مِنْ الْحَمْلِ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ لَوْ بَحَثْتَ عَنْ مَدِينَةٍ مِنْ الْمَدَائِنِ لَوَجَدْتَ أُمَّهَاتِ أَهْلِهَا إمَّا أَحْيَاءً وَإِمَّا أَمْوَاتًا مِنْ غَيْرِ نِفَاسٍ، وَمَنْ كَانَ هَذَا حَالُهُ لَمْ تَخْرُجْ بِهِ الْمَرْأَةُ إلَى أَحْكَامِ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَهَذَا مُخْتَارُنَا انْتَهَى. وَأَنَا أُرَاعِي هَذَا الْقَوْلَ إذَا عُثِرَ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ فَامْنَعْ فَسْخَهَا. (وَمَحْبُوسٍ لِقَطْعٍ أَوْ قَتْلٍ إنْ خِيفَ الْمَوْتُ وَحَاضِرٍ صَفَّ الْقِتَالِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قُلْتُ: إنْ قَرُبَ لِضَرْبِ حَدٍّ أَوْ قَطْعِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ أَتَرِثُهُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ شَيْئًا إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيمَنْ يَحْضُرُ الزَّحْفَ أَوْ يُحْبَسُ لِلْقَتْلِ هُوَ كَالْمَرِيضِ، فَضَرْبُ الْحَدِّ وَقَطْعُ الْيَدَيْنِ خِيفَ مِنْهُ الْمَوْتُ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ. عِيَاضٌ: عَارَضَ هَذَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ إنْ خِيفَ الْمَوْتُ بِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَمْ يُقْصَدْ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (لَا كَجَرَبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: ذُو الْجِرَاحِ وَالْقُرُوحِ إنْ أَرْقَدَهُ ذَلِكَ وَأَضْنَاهُ وَبَلَغَ بِهِ حَدَّ الْخَوْفِ عَلَيْهِ فَلَهُ حُكْمُ الْمَرَضِ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَغَيْرُ الْمَخُوفِ الْجَرَبُ وَالضِّرْسُ وَحُمَّى يَوْمٍ وَحُمَّى الرَّبْعِ وَالرَّمَدُ وَالْبَرَصُ وَالْجُذَامُ وَالْفَالِجُ (وَمُلَجَّجٍ بِبَحْرٍ وَلَوْ حَصَلَ الْهَوْلُ) عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِخِلَافِ الْمُلَجَّجِ فِي الْبَحْرِ وَقْتَ الْهَوْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: رَاكِبُ الْبَحْرِ وَالنِّيلِ فِي حِينِ الْخَوْفِ وَالْهَوْلِ. قَالَ مَالِكٌ: أَفْعَالُهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا مِنْ الثُّلُثِ. ابْنُ رُشْدٍ: أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ الْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّ رُكُوبَ الْبَحْرِ إنْ كَانَ حَالَ الْهَوْلِ فِيهِ كَانَ كَالْمَرَضِ وَهُوَ دَلِيلُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ (فِي غَيْرِ مُؤْنَتِهِ وَتَدَاوِيهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُحْجَرُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ فِيمَا زَادَ عَنْ حَاجَتِهِ مِنْ أَكْلِهِ وَكِسْوَتِهِ وَتَدَاوِيهِ. (وَمُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: بَيْعُ الْمَرِيضِ وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِيهِ مُحَابَاةٌ فَتَكُونَ تِلْكَ الْمُحَابَاةُ فِي ثُلُثِهِ (وَوُقِفَ تَبَرُّعُهُ إلَّا لِمَالٍ مَأْمُونٍ وَهُوَ الْعَقَارُ فَإِنْ مَاتَ فَمِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا مَضَى) عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيُوقَفُ كُلُّ تَبَرُّعٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَتَلَ فِي مَرَضِهِ عَتَقَ عَبْدُهُ وَمَالُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 664 مَأْمُونٌ تَمَّتْ حُرِّيَّتُهُ فِي كُلِّ أَحْكَامِ الْأَحْرَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا وُقِفَ حَتَّى يُقَوَّمَ فِي ثُلُثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَيْسَ الْمَالُ الْمَأْمُونُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا الدُّورَ وَالْأَرَضِينَ وَالنَّخْلَ وَالْعَقَارَ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا تَصَدَّقَ الْمَرِيضُ ثُمَّ صَحَّ فَلَا رُجُوعَ لَهُ لِأَنَّ الْحَجْرَ كَانَ لِقِيَامِ الْمَانِعِ لَا لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْبَالِغِ. [الْحَجَر عَلَى الزَّوْجَة] (وَعَلَى الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا وَلَوْ عَبْدًا فِي تَبَرُّعٍ زَادَ عَلَى ثُلُثِهَا) أَمَّا الزَّوْجَةُ الْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا حَجْرٌ لِأَنَّ مَالَهَا لِسَيِّدِهَا، وَأَمَّا الْحُرَّةُ تَحْتَ الْعَبْدِ فَقَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ لَهُ مَا لِلْحُرِّ لِأَنَّهُ زَوْجٌ وَهُوَ حَقٌّ لَهُ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا عُرِفَ بَعْدَ الْبِنَاءِ رُشْدُ الْمَرْأَةِ وَصَلَاحُ حَالِهَا جَازَ بَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا فِي مَالِهَا كُلِّهِ وَإِنْ كَرِهَ الزَّوْجُ إذَا لَمْ تُحَابِ، فَإِنْ حَابَتْ أَوْ تَكَلَّفَتْ أَوْ أَعْتَقَتْ أَوْ تَصَدَّقَتْ أَوْ وَهَبَتْ أَوْ صَنَعَتْ شَيْئًا مِنْ الْمَعْرُوفِ كَانَ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهَا وَكَفَالَتِهَا مَعْرُوفٌ وَهِيَ عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ وَجْهِ الصَّدَقَةِ، فَإِنْ حَمَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ ثُلُثُهَا وَهِيَ لَا مَوْلَى عَلَيْهَا جَازَ وَإِنْ كَرِهَ الزَّوْجُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِضَرَرٍ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ كَالدِّينَارِ، وَمَا خَفَّ فَهَذَا يُعْلِمُ أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ بِهِ ضَرَرًا فَيَمْضِي الثُّلُثُ مَعَ مَا زَادَتْ. وَانْظُرْ إنْ كَانَ الزَّوْجُ مُمَتَّعًا فَلَهُ الْحَجْرُ عَلَيْهَا فِي تَفْوِيتِ مَا مَتَّعَتْهُ فِيهِ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ خَلِيلٌ لِهَذَا الْفَصْلِ أَعْنِي لِفَصْلِ الْمُتْعَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ سَلْمُونَ أَوَّلَ كِتَابِهِ بَعْدَ فَصْلِ الشُّرُوطِ وَأَنَّهَا إنْ كَانَتْ شَرْطًا فِي النِّكَاحِ فَسَدَ، وَنَقَلَ هُنَاكَ أَنَّهَا إنْ لَمْ تُمَتِّعْهُ وَزَرَعَ أَرْضَهَا ثُمَّ طَلَبَتْهُ بِالْكِرَاءِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ بَعْدَ يَمِينِهَا أَنَّهَا لَمْ تَهَبْ ذَلِكَ وَلَا خَرَجَتْ عَنْهُ. قَالَ: وَهَذَا إذَا زَرَعَهَا بِأَمْرِهَا، وَأَمَّا إذَا زَرَعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الدَّارِ (وَفِي إقْرَاضِهَا قَوْلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ أَقْرَضَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهَا فَفِي تَمْكِينِ الزَّوْجِ مِنْ رَدِّهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِابْنِ الشَّقَّاقِ، وَالثَّانِي لِابْنِ دَحُونَ قَائِلًا بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ لِأَنَّهَا فِي الْكَفَالَةِ مَطْلُوبَةٌ وَفِي الْقَرْضِ طَالِبَةٌ (وَهُوَ جَائِزٌ حَتَّى يُرَدَّ) قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: مَا فَعَلَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ فَهُوَ مَرْدُودٌ حَتَّى يُجِيزَهُ الزَّوْجُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هُوَ جَائِزٌ حَتَّى يَرُدَّهُ الزَّوْجُ لِعِتْقِ الْمِدْيَانِ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ (فَمَضَى إنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى تَأَيَّمَتْ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) ابْنُ يُونُسَ: الْأَصْوَبُ وَالْأَقْيَسُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الزَّوْجُ حَتَّى تَأَيَّمَتْ بِمَوْتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِهِ عَلَيْهَا وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهَا بِهِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ رَدَّهُ. ابْنُ رُشْدٍ: الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يُقْضَ بِرَدٍّ وَلَا إجَازَةٍ حَتَّى مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى مَاتَتْ فَفِي تَمْكِينِهِ مِنْ رَدِّ فِعْلِهَا قَوْلَانِ، الْأَوَّلُ لِسَحْنُونٍ مَعَ الْأَخَوَيْنِ، وَالثَّانِي لِأَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ (كَعِتْقِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 665 الْعَبْدِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: إذَا قَضَتْ بِالْكَسْرِ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الزَّوْجُ حَتَّى تَأَيَّمَتْ بِمَوْتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ فَذَلِكَ نَافِذٌ عَلَيْهَا كَالْعَبْدِ يُعْطِي فَلَا يَرُدُّ ذَلِكَ سَيِّدُهُ حَتَّى أَعْتَقَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَكَذَلِكَ الْغُرَمَاءُ يَرُدُّونَ عِتْقَ الْمِدْيَانِ لِلْعَبْدِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ حَتَّى أَيْسَرَ أَنَّ الْعِتْقَ مَاضٍ. ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الْغَرِيمُ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ وَالصَّدَقَةُ إنْ بَقِيَ ذَلِكَ بِيَدِهِ إلَى أَنْ ارْتَفَعَتْ عِلَّةُ الْمَنْعِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فِيمَا وَهَبَ أَوْ أَعْتَقَ فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ السَّيِّدُ ذَلِكَ أَوْ عَلِمَ فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِرَدٍّ وَلَا إجَازَةٍ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ وَالْمَالُ بِيَدِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ، وَهَذَا دَلِيلٌ أَنَّ فِعْلَهُ عَلَى الْإِجَازَةِ حَتَّى يَرُدَّ (وَلَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ إنْ تَبَرَّعَتْ بِزَائِدٍ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا أَعْتَقَتْ ثُلُثَ عَبْدٍ لَا تَمْلِكُ غَيْرَهُ جَازَ ذَلِكَ وَلَوْ أَعْتَقَتْهُ كُلَّهُ لَمْ يَجُزْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ مَا وَهَبَتْ أَوْ تَصَدَّقَتْ زَائِدًا عَلَى ثُلُثِهَا. وَفَرَّقَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَبِهِ أَقُولُ. وَانْظُرْ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ تُعْتِقَ مَنْ لَا تَمْلِكُ غَيْرَهُ أَوْ تَحْلِفَ بِعِتْقِهِ فَتَحْنَثَ (وَلَيْسَ لَهَا بَعْدَ الثُّلُثِ تَبَرُّعٌ إلَّا أَنْ يَبْعُدَ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي تَكَرُّرِ فِعْلِهَا اضْطِرَابٌ اُنْظُرْهُ فِيهِ. ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 666 [بَابُ الصُّلْحِ] [أَنْوَاع الصُّلْح] وَالتَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ. وَالتَّنَازُعِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ: الْأَوَّلُ الصُّلْحُ وَهُوَ ضَرْبَانِ: مُعَاوَضَةٌ كَالْبَيْعِ فَحُكْمُهُ كَالْبَيْعِ فِيمَا يَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ وَإِسْقَاطٌ وَإِبْرَاءٌ، وَالصُّلْحُ عَنْ الدَّيْنِ كَبَيْعِ الدَّيْنِ وَإِنْ صَالَحَ عَنْ بَعْضِهِمْ فَهُوَ إبْرَاءٌ (. الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بَيْعٌ أَوْ إجَارَةٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: الصُّلْحُ انْتِقَالٌ عَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3 حَقٍّ أَوْ دَعْوَى بِعِوَضٍ لِرَفْعِ نِزَاعٍ أَوْ خَوْفِ وُقُوعِهِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ قَبْضُ شَيْءٍ مِنْ عِوَضٍ يَدْخُلُ فِيهِ مَحْضُ الْبَيْعِ وَهُوَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَقَدْ يَعْرِضُ وُجُوبُهُ عِنْدَ تَعْيِينِ مَصْلَحَتِهِ وَحُرْمَتِهِ وَكَرَاهَتِهِ لِاسْتِلْزَامِهِ مَفْسَدَةً وَاجِبَةَ الدَّرْءِ أَوْ رَاجِحَتَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْدُبَ الْقَاضِي إلَيْهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 5 الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا. الْمُتَيْطِيُّ: لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى سُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ (وَعَلَى بَعْضِهِ هِبَةً) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ إنْ صَالَحَ عَنْ بَعْضِهِ فَهُوَ إبْرَاءٌ (وَجَازَ عَنْ دَيْنٍ بِمَا يُبَاعُ بِهِ) ابْنُ شَاسٍ: الصُّلْحُ عَنْ الدَّيْنِ كَبَيْعِ الدَّيْنِ. ابْنُ يُونُسَ: تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الصُّلْحَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْإِقْرَارِ أَوْ عَلَى الْإِنْكَارِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ ادَّعَيْت عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ فَأَنْكَرَ فَصَالَحْتُهُ مِنْهُ عَلَى ثِيَابٍ مَوْصُوفَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ، وَإِنْ صَالَحْته مِنْهُ عَلَى عَشَرَةِ أَرْطَالٍ مِنْ لَحْمِ شَاةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ لَمْ يَجُزْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ اسْتَهْلَكَ لَكَ بَعِيرًا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُصَالِحَهُ عَلَى بَعِيرٍ مِثْلِهِ إلَى أَجَلٍ لِفَسْخِكَ مَا وَجَبَ لَك مِنْ الْقِيمَةِ فِي بَعِيرٍ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَهْلَكَ لَك مَتَاعًا فَصَالَحْته عَلَى طَعَامٍ أَوْ عَرَضٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يَجُزْ لِفَسْخِكَ مَا وَجَبَ لَا مِنْ الْقِيمَةِ فِي ذَلِكَ. وَلَوْ صَالَحْتَهُ عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَتْ كَالْقِيمَةِ فَأَدْنَى وَكَانَ مَا اُسْتُهْلِكَ مِمَّا يُبَاعُ بِالدَّنَانِيرِ بِالْبَلَدِ جَازَ، وَيَجُوزُ عَلَى دَرَاهِمَ نَقْدًا أَوْ عَلَى عَرَضٍ نَقْدًا بَعْدَ مَعْرِفَتِكُمَا بِقِيمَةِ الْمُسْتَهْلَكِ مِنْ الدَّنَانِيرِ، وَلَا يَجُوزُ إلَى أَجَلٍ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ بِالدَّرَاهِمِ جَازَ الصُّلْحُ عَلَى دَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ مِثْلِ الْقِيمَةِ فَأَدْنَى، وَلَا يَجُوزُ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ عَرَضٍ إلَّا نَقْدًا بَعْدَ مَعْرِفَتِكُمَا بِقِيمَةِ الْمُسْتَهْلَكِ مِنْ الدَّرَاهِمِ. وَإِنْ شَرَطْتهَا تَأْخِيرَ ذَلِكَ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ تَعَجَّلْته بَعْدَ الشَّرْطِ لَمْ يَجُزْ لِوُقُوعِهِ فَاسِدًا، وَكَذَلِكَ إنْ ادَّعَيْت أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ لَكَ غَنَمًا أَوْ مَتَاعًا فَالصُّلْحُ فِيهِ عَلَى عَيْنٍ أَوْ عَرَضٍ يَجْرِي عَلَى مَا وَصَفْنَا، وَلَوْ لَمْ تَفُتْ الْغَنَمُ أَوْ الْمَتَاعُ وَلَا تَعَيَّنَ جَازَ صُلْحُكَ مِنْهُ عَلَى عَيْنٍ أَوْ عَرَضٍ نَقْدًا أَوْ مُؤَجَّلًا إذَا وَصَفْت الْعَرَضَ الْمُؤَجَّلَ وَكَانَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ تُسْلِمَ فِيهِ عَرَضَكَ وَأَجَلُهُ مِثْلُ أَجَلِ السَّلَمِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ذَبَحَ لِرَجُلٍ شَاةً فَأَعْطَاهُ بِالْقِيمَةِ شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ فَصِيلًا، فَإِنْ كَانَ لَحْمُ الشَّاةِ لَمْ يَفُتْ لَمْ يَجُزْ إذْ لَهُ أَخْذُهَا فَصَارَ اللَّحْمُ بِالْحَيَوَانِ، وَإِنْ فَاتَ اللَّحْمُ فَجَائِزٌ نَقْدًا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِقِيمَةِ الشَّاةِ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَ لَهُ صُبْرَةَ قَمْحٍ لَا يَعْرِفَانِ كَيْلَهَا جَازَ أَنْ يَأْخُذَ بِالْقِيمَةِ مَا شَاءَ مِنْ طَعَامٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ عَرَضٍ نَقْدًا، وَأَمَّا عَلَى مَكِيلَةٍ مِنْ قَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ سُلْتٍ فَلَا يَصْلُحُ عَلَى التَّحَرِّي، وَأَمَّا عَلَى كَيْلٍ لَا يُشَكُّ أَنَّهُ أَدْنَى مِنْ كَيْلِ الصُّبْرَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ بَعْضَ حَقِّهِ فَلَا يُبَالِي أَخَذَ قَمْحًا أَوْ شَعِيرًا أَوْ سُلْتًا، يُرِيدُ هَاهُنَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْقِيمَةَ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي مُصَالَحَةُ الْفَرَّانِ وَالرَّحَوِيِّ فِيمَا ابْتَدَلَ عِنْدَهُمَا، وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ أَقَلُّ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّ خُبْزَهُ أَوْ دَقِيقَهُ قَدْ أُكِلَ لِئَلَّا يَكُونَ مُبَادَلَةً بِتَأْخِيرٍ. وَكَانَ يَقُولُ: قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ قَرِينَةُ الْحَالِ أَنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 6 طَعَامَهُ قَدْ أُكِلَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا فِي الْأُضْحِيَّةِ. (وَعَنْ ذَهَبٍ بِوَرِقٍ أَوْ عَكْسِهِ إنْ حَلَّا وَعُجِّلَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى ذَهَبٍ مِنْ وَرِقٍ وَبِالْعَكْسِ إذَا كَانَا حَالَّيْنِ وَعُجِّلَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَكَ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ حَالَّةٌ وَهُوَ مُقِرٌّ بِهَا جَازَ أَنْ تُصَالِحَهُ عَلَى خَمْسِينَ مِنْهَا إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّكَ حَطَطْته وَأَخَّرْته، وَلَا بَأْسَ أَنْ تُصَالِحَهُ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ عَرَضٍ نَقْدًا، وَلَا يَجُوزُ فِيهَا تَأْخِيرٌ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَصَرْفُ مُسْتَأْخِرٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْكِرًا؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ إنْ كَانَ مُحِقًّا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ خَمْسِينَ إلَى أَجَلٍ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْهَا عَرَضًا أَوْ ذَهَبًا إلَى أَجَلٍ لَمْ يَصْلُحْ؛ لِأَنَّهُ فَسَخَ دَرَاهِمَ فِي عُرُوضٍ أَوْ دَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ وَذَلِكَ حَرَامٌ. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي مُبْطِلًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ (كَمِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ عَنْ مِثْلِهِمَا) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ لَكَ عَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ فَصَالَحْتَهُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّكَ أَخَذْت الدَّنَانِيرَ قَضَاءً عَنْ دَنَانِيرِكَ وَأَخَذْت دِرْهَمًا مِنْ دَرَاهِمِكَ وَهَضَمْت بَقِيَّتَهَا بِخِلَافِ التَّبَادُلِ بِهَا نَقْدًا وَذَلِكَ صَرْفٌ فَلَا يَجُوزُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ بِمِثْلِهِمَا يَدًا بِيَدٍ عَدَدًا وَلَا مُرَاطَلَةً إذْ لِكُلِّ صِنْفٍ حِصَّةٌ مِنْ الصِّنْفَيْنِ. ابْنُ يُونُسَ: وَسَوَاءٌ أَخَذَ مِنْهُ الدِّرْهَمَ نَقْدًا أَوْ أَخَّرَهُ بِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ الْمِائَةَ دِينَارٍ نَقْدًا أَوْ أَخَّرَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا مُبَايَعَةَ هُنَا وَإِنَّمَا هُوَ قَضَاءٌ وَحَطِيطَةٌ فَلَا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ أَخَذَ مِنْهُ مِائَةَ دِينَارٍ نَقْدًا جَازَ؛ لِأَنَّ الْمِائَةَ قَضَاءٌ وَالدِّينَارُ بَيْعٌ بِالْمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَلَوْ تَأَخَّرَ الدِّينَارُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ مُسْتَأْخِرٌ، وَلَوْ نَقَدَهُ الدِّينَارَ وَأَخَّرَ الْمِائَةَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ. [لَزِمَتْهُ يَمِينٌ فَافْتَدَى مِنْهَا بِمَالٍ] (وَعَلَى الِافْتِدَاءِ مِنْ يَمِينٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ لَزِمَتْهُ يَمِينٌ فَافْتَدَى مِنْهَا بِمَالٍ جَازَ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَيَّدَهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 غَيْرُ وَاحِدٍ بِمَعْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ فِيمَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ. (أَوْ السُّكُوتِ) عِيَاضٌ: الصُّلْحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: عَلَى إقْرَارٍ وَعَلَى إنْكَارٍ وَعَلَى سُكُوتٍ مِنْ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَدْ نَصُّوا أَيْضًا أَنَّ الصُّلْحَ يَجُوزُ عَلَى دَعْوَى مَجْهُولَةٍ. قَالَ عِيَاضٌ: فَالصُّلْحُ عَلَى الْإِقْرَارِ مُعَاوَضَةٌ صَحِيحَةٌ وَحُكْمُ السُّكُوتِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ. (أَوْ الْإِنْكَارِ إنْ جَازَ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ وَظَاهِرُ الْحُكْمِ) عِيَاضٌ: مَالِكٌ يَعْتَبِرُ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: مَا يَجُوزُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي وَمَعَ إنْكَارِ الْمُنْكِرِ وَعَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ إنْ انْعَقَدَ الصُّلْحُ عَلَى حَرَامٍ فِي حَقِّ أَحَدِ الْمُتَصَالِحَيْنِ دُونَ صَاحِبِهِ مِثْلُ أَنْ يُدَّعَى عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَيُنْكِرَهُ فِيهَا فَيُصَالِحُهُ عَنْهَا بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي عَشَرَةِ دَنَانِيرَ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَائِزٌ أَنْ يُصَالِحَهُ عَنْ يَمِينِهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ بِدَعْوَاهُ عَلَى دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ، فَهَذَا أَمْضَاهُ أَصْبَغُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُفْسَخُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَاخْتُلِفَ أَيْضًا إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُتَصَالِحَيْنِ عَلَى وَجْهٍ ظَاهِرُهُ الْفَسَادُ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ هَذَا عَلَى صَاحِبِهِ دَنَانِيرَ وَكِلَاهُمَا مُنْكِرٌ لِصَاحِبِهِ فَيَصْطَلِحَانِ أَنْ يُؤَخِّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ فَيَدْخُلُهُ أَسْلِفْنِي وَأُسْلِفُكَ، رَاعَى هَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 مَالِكٌ فَمَنَعَ، وَلَمْ يُرَاعِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ فَأَجَازَ. وَانْظُرْ فِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ إذَا أَشْهَدَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالرُّجُوعِ عَنْ صُلْحٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ. وَلَهُ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ لَا يُنْقَضُ. ابْنُ عَاتٍ: الصُّلْحُ عِنْدَ مَالِكٍ لَيْسَ بِبَيْعٍ بَلْ هُوَ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ وَلَا يُقَاسُ أَصْلٌ عَلَى أَصْلٍ وَإِنَّمَا تُقَاسُ الْأُصُولُ عَلَى الْفُرُوعِ. [الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ] (وَلَا يَحِلُّ لِظَالِمٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ جَائِزٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: بِاعْتِبَارِ نَقْدِهِ وَفِي بَاطِنِ الْأَمْرِ إنْ كَانَ الصَّادِقُ الْمُنْكِرَ فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ حَرَامٌ وَإِلَّا فَحَلَالٌ، فَإِنْ وَفَّى بِالْحَقِّ بَرِئَ وَإِلَّا فَهُوَ غَاصِبٌ فِي الْبَاقِي، وَانْظُرْ بَقِيَ الصُّلْحُ عَلَى دَعْوَى مَجْهُولَةٍ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: يُعْقَدُ فِيمَا قَامَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ قِبَلَهُ حَقًّا لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ وَلَا مَبْلَغَهُ، ثُمَّ إنَّ فُلَانًا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَشِيَ أَنْ يَكُونَ لِلْقَائِمِ عُلْقَةٌ فِيمَا خَلَا أَوْ حَقٌّ فِيمَا سَلَفَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَرَأَى أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ دَعْوَاهُ بِأَنْ يَدْفَعَ لَهُ كَذَا فَرَضِيَ بِذَلِكَ فُلَانٌ الْقَائِمُ وَقَطَعَ حُجَّتَهُ وَأَسْقَطَ التَّبَعَةَ. (فَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَهُ أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لَمْ يَعْلَمْهَا أَوْ شَهِدُوا عَلَى أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 وَجَدَ وَثِيقَةً بَعْدَهُ فَلَهُ نَقْضُهُ) أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قُلْت: مَنْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَنْكَرَ فَصَالَحَهُ الْمُدَّعِي عَلَى مَالٍ أَخَذَهُ مِنْهُ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ الْمَطْلُوبُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ ادَّعَى قِبَلَ رَجُلٍ مَالًا فَأَنْكَرَهُ فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْهُ ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَلَهُ الْقِيَامُ بِبَقِيَّةِ حَقِّهِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ فَكَذَلِكَ هَذَا لَهُ الْقِيَامُ عَلَيْهِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ، وَلَا يُعَارَضُ هَذَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ صَالَحَ فِي غَيْبَةِ بَيِّنَتِهِ أَوْ جَهْلِهِ بِهَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ إذَا وَجَدَهَا؛ لِأَنَّ خَصْمَ هَذَا مُقِيمٌ عَلَى الْإِنْكَارِ وَخَصْمَ الْآخَرِ مُقِرٌّ بِالظُّلْمِ. قَالَ سَحْنُونَ فِي الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِالدَّارِ بَعْدَ الصُّلْحِ أَنَّ الطَّالِبَ مُخَيَّرٌ فَإِنْ شَاءَ تَمَاسَكَ بِصُلْحِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مَا أَخَذَ أَوْ أَخَذَ الدَّارَ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إذَا أَشْهَدُوا عَلَى أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ بَعِيدَةَ الْغَيْبَةِ جِدًّا وَأَشْهَدَ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُ لِذَلِكَ فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا. ابْنُ يُونُسَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِي هَذَا إذَا أَعْلَنَ بِالشَّهَادَةِ كَمَا إذَا قَالَ لِلْحَاكِمِ أُحَلِّفُهُ حَتَّى تَأْتِيَ بَيِّنَتِي، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْلِنْ بِالشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا أَشْهَدَ سِرًّا أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِغَيْبَةِ بَيِّنَتِهِ فَهَذَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إذَا وَجَدَ وَثِيقَتَهُ بَعْدَ الصُّلْحِ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَا خِلَافَ فِيمَنْ صُولِحَ عَلَى الْإِنْكَارِ ثُمَّ أَقَرَّ وَلَا فِيمَنْ صُولِحَ عَلَى الْإِنْكَارِ وَذَكَرَ ضَيَاعَ صَكِّهِ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ الصُّلْحِ أَنَّ لَهُ الْقِيَامَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (كَمَنْ لَمْ يُعْلِنْ أَوْ يُقِرَّ سِرًّا فَقَطْ عَلَى الْأَحْسَنِ) مُقْتَضَى مَا قُرِّرَ أَنَّ هَذَا فَرْعٌ وَاحِدٌ فَانْظُرْ قَوْلَهُ. وَقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 سَحْنُونَ: مَنْ لَهُ قِبَلَ رَجُلٍ دَيْنٌ جَحَدَهُ وَأَقَرَّ لَهُ سِرًّا فَصَالَحَهُ ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ سِرًّا إنِّي إنَّمَا أُصَالِحُهُ؛ لِأَنَّهُ جَحَدَنِي وَلَا أَجِدُ بَيِّنَةً فَإِنْ وَجَدْت قُمْت عَلَيْهِ فَذَلِكَ لَهُ إنْ أَشْهَدَ بِذَلِكَ قَبْلَ الصُّلْحِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَحْسَنُ وَالظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ اهـ. وَوَقَعَ لِأَصْبَغَ: إشْهَادُ السِّرِّ لَا يَنْفَعُ إلَّا عَلَى الَّذِي لَا يُنْتَصَفُ مِنْهُ مِثْلِ السُّلْطَانِ وَالرَّجُلِ الْقَاهِرِ (لَا إنْ عَلِمَ بِبَيِّنَةٍ وَلَمْ يُشْهِدْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الَّذِي صَالَحَ عَالِمًا بِبَيِّنَةٍ فِي حِينِ الصُّلْحِ فَلَا قِيَامَ لَهُ وَلَوْ كَانَتْ غَائِبَةً. (أَوْ ادَّعَى ضَيَاعَ الصَّكِّ فَقِيلَ لَهُ حَقُّكَ ثَابِتٌ فَائْتِ بِهِ فَصَالَحَ ثُمَّ وَجَدَهُ) مُطَرِّفٌ: لَوْ أَنَّ الَّذِي ضَاعَ صَكُّهُ قَالَ لَهُ غَرِيمُهُ حَقُّكَ ثَابِتٌ فَائْتِ بِالصَّكِّ فَامْحُهُ وَخُذْ حَقَّكَ فَقَالَ قَدْ ضَاعَ أَنَا أُصَالِحُكَ فَيَفْعَلُ ثُمَّ يَجِدُ ذِكْرَ الْحَقِّ فَلَا رُجُوعَ لَهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ غَرِيمَهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ لِلِاسْتِعْجَالِ فَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْن الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا تَعَدَّى الْمُكْتَرِي الْمَسَافَةَ فَضَلَّتْ الدَّابَّةُ وَغَرِمَ قِيمَتَهَا ثُمَّ وُجِدَتْ فَقَالَ لِلْمُكْرِي لَوْ شَاءَ لَمْ يُعَجِّلْ. (وَعَنْ إرْثِ زَوْجَةٍ مِنْ عَرَضٍ وَوَرِقٍ وَذَهَبٍ بِذَهَبٍ مِنْ التَّرِكَةِ قَدْرَ مَوْرُوثِهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ وَزَوْجَةٍ وَتَرَكَ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ حَاضِرَةً وَعُرُوضًا حَاضِرَةً وَغَائِبَةً وَعَقَارًا فَصَالَحَ الْوَلَدُ الزَّوْجَةَ عَلَى دَرَاهِمَ مِنْ التَّرِكَةِ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْرَ مُوَرَّثِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ فَأَقَلَّ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا بَاعَتْ عُرُوضًا حَاضِرَةً وَغَائِبَةً وَدَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ نَقْدًا وَذَلِكَ حَرَامٌ، وَإِنْ صَالَحَهَا الْوَلَدُ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، لَمْ يَجُزْ. فَأَمَّا عَلَى عُرُوضٍ مِنْ مَالِهِ نَقْدًا فَجَائِزٌ بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ وَحُضُورِ أَصْنَافِهَا وَحُضُورِ مَنْ عَلَيْهِ الْعَرَضُ وَإِقْرَارُهُ، يُرِيدُ وَالْعَرَضُ الَّذِي أَعْطَاهَا مُخَالِفٌ لِلْعَرَضِ الَّذِي عَلَى الْغُرَمَاءِ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَقِفَا عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ يَجُزْ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ " بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمَا بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ " فَإِنْ جَهِلَاهَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَبَيْنَ الْوَجْهَيْنِ فَرْقٌ. اُنْظُرْ رَسْمَ الْكَبْشِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الدَّعَاوَى وَالصُّلْحِ (أَوْ كَثُرَتْ إنْ قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ) ابْنُ عَرَفَةَ: صُلْحُ الْوَارِثِ بِقَدْرِ حَظِّهِ فِي صِنْفِ مَا أَخَذَهُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ لِمَا سِوَاهُ وَاهِبٌ وَبِزَائِدٍ عَنْ حَظِّهِ فِيهِ بَائِعٌ حَظَّهُ فِي غَيْرِهِ بِالزَّائِدِ فَيُعْتَبَرُ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ وَتَعَجُّلُ قَبْضِ مَا مَعَهُ وَشَرْطُ بَيْعِ الدَّيْنِ بِحُضُورِ الْمَدِينِ وَإِقْرَارِهِ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: أَنْ تُرَدَّ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ وَعُرُوضًا وَذَلِكَ كُلُّهُ حَاضِرٌ لَا دَيْنَ فِيهِ وَلَا شَيْءَ غَائِبٌ فَصَالَحَهَا الْوَلَدُ عَلَى دَنَانِيرَ مِنْ التَّرِكَةِ، يُرِيدُ أَكْثَرَ مِنْ حَظِّهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ يَسِيرَةً. اللَّخْمِيِّ: يَعْنِي إنْ كَانَتْ الدَّنَانِيرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ ثَمَانِينَ فَأَعْطَى الْوَلَدَ وَالزَّوْجَةَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ تِلْكَ الدَّنَانِيرِ فَأَقَلَّ جَازَ، وَاخْتُلِفَ إذَا أَعْطَوْهَا الْعَشَرَةَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَآهُ رِبًا وَكَأَنَّهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 بَاعَتْ نَصِيبَهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْعُرُوضِ بِهَذِهِ الْعَشَرَةِ، وَإِنْ أَخَذَتْ مِنْ الدَّنَانِيرِ الَّتِي خَلَّفَهَا الْمَيِّتُ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا جَازَ؛ لِأَنَّ صَرْفًا وَبَيْعًا فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ (لَا مِنْ غَيْرِهَا مُطْلَقًا إلَّا بِعَرَضٍ إنْ عَرَفَ جَمِيعَهَا وَحَضَرَ وَأَقَرَّ الْمَدِينُ وَحَضَرَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَعَنْ إرْثِ زَوْجَةٍ " (وَعَنْ دَرَاهِمَ وَعَرَضٍ تُرِكَا بِذَهَبٍ كَبَيْعٍ وَصَرْفٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ تَرَكَ دَرَاهِمَ وَعُرُوضًا فَصَالَحَهَا الْوَلَدُ عَلَى دَنَانِيرَ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ يَسِيرَةً حَظُّهَا مِنْهَا أَقَلُّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ، وَإِنْ كَانَ فِي حَظِّهَا مِنْهَا صَرْفُ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ (وَإِنْ كَانَ فِيهَا دَيْنٌ فَكَبَيْعِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَإِنْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ نَقْدًا مِنْ عِنْدِ الْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَيَوَانًا أَوْ عُرُوضًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ طَعَامًا مِنْ قَرْضٍ لَا مِنْ سَلَمٍ فَصَالَحَهَا الْوَلَدُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ عَجَّلَهَا لَهَا مِنْ عِنْدِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ الْغُرَمَاءُ حُضُورًا مُقِرِّينَ وَوَصَفَ ذَلِكَ كُلَّهُ. [الصُّلْحُ مِنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ جُرْحِ عَمْدٍ] (وَعَنْ الْعَمْدِ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كُلُّ مَا وَقَعَ بِهِ الصُّلْحُ مِنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ جُرْحِ عَمْدٍ مَعَ الْمَجْرُوحِ أَوْ مَعَ أَوْلِيَائِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَذَلِكَ لَازِمٌ، كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ أَضْعَافًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ دَمَ الْعَمْدِ لَا دِيَةَ فِيهِ إلَّا مَا اصْطَلَحَ لَازِمٌ عَلَيْهِ. وَإِذَا وَجَبَ لِمَرِيضٍ عَلَى رَجُلٍ جِرَاحَةُ عَمْدٍ فَصَالَحَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ مِنْ أَرْشِ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَازِمٌ إذْ لِلْمَقْتُولِ الْعَفْوُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فِي مَرَضِهِ وَإِنْ لَمْ يَدَعْ مَالًا. (لَا غَرَرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 جِنَايَةٍ لِلْعَمْدِ عَلَى ثَمَرَةِ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ ارْتَفَعَ الْقِصَاصُ وَقَضَى بِالدِّيَةِ (كَرِطْلٍ مِنْ شَاةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْقَاسِمِ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجَازَ عَنْ دَيْنٍ ". (وَلِذِي دَيْنٍ مَنْعُهُ مِنْهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ جَنَى جِنَايَةً عَمْدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهَا بِمَالٍ يُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِهِ وَيُسْقِطَ الْقِصَاصَ عَنْ نَفْسِهِ فَلِلْغُرَمَاءِ رَدُّ ذَلِكَ. (وَإِنْ رُدَّ مُقَوَّمٌ بِعَيْبٍ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ كَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ صَالَحَ عَنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ خَالَعَ عَلَى عَبْدٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا يُرَدُّ مِنْ مِثْلِهِ فِي الْبُيُوعِ فَرَدَّهُ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ صَحِيحًا إذْ لَيْسَ لِلدَّمِ وَالطَّلَاقِ قِيمَةٌ يَرْجِعُ بِهَا وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ فِي هَذَا. (وَإِنْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ أَوْ قَطَعُوا جَازَ صُلْحُ كُلٍّ وَالْعَفْوُ عَنْهُ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا قَطَعَ جَمَاعَةٌ يَدَ رَجُلٍ أَوْ جَرَحُوهُ عَمْدًا فَلَهُ صُلْحُ أَحَدِهِمْ وَالْعَفْوُ عَمَّنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَالْقِصَاصُ مِمَّنْ شَاءَ، وَكَذَلِكَ الْأَوْلِيَاءُ فِي النَّفْسِ. وَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ عَمْدًا وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَصَالَحَ أَوْلِيَاءَ أَحَدِهِمَا عَلَى الدِّيَةِ وَعَفَوْا عَنْ دَمِهِ، وَقَامَ أَوْلِيَاءُ الْآخَرِ بِالْقَوَدِ فَلَهُمَا الْقَوَدُ. فَإِنْ اسْتَقَادُوا بَطَلَ الصُّلْحُ وَرَجَعَ الْمَالُ إلَى وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُمْ عَلَى النَّجَاةِ. (وَإِنْ صَالَحَ مَقْطُوعٌ ثُمَّ نَزَا فَلِلْوَلِيِّ لَا لَهُ رَدُّهُ وَالْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ كَأَخْذِهِمْ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ) أَمَّا مَسْأَلَةُ الْوَلِيِّ فَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فَصَالَحَ الْقَاطِعُ عَلَى مَالٍ أَخَذَهُ ثُمَّ نَزَا فِيهَا فَمَاتَ فَلِأَوْلِيَائِهِ أَنْ يُقْسِمُوا أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 يَقْتُلُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْمَالَ وَيُبْطِلُوا الصُّلْحَ، وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يُقْسِمُوا كَانَ لَهُمْ الْمَالُ الَّذِي أَخَذَهُ فِي قَطْعِ الْيَدِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مُوضِحَةُ خَطَأٍ فَلَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَسْتَحِقُّوا الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَيَرْجِعُ الْجَانِي فَيَأْخُذُ مَالَهُ أَوْ يَكُونُ فِي الْعَقْلِ كَرَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَوْ صَالَحُوا بِمَالٍ عَلَى الْجُرْحِ وَعَلَى مَا تَرَامَى إلَيْهِ فَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْقَاطِعِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ قَالَ قَاطِعُ الْيَدِ لِلْأَوْلِيَاءِ حِينَ نَكَلُوا عَنْ الْقَسَامَةِ قَدْ عَادَتْ نَفْسًا فَاقْتُلُونِي وَرُدُّوا مَالِي إلَيَّ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ. (وَإِنْ وَجَبَ لِمَرِيضٍ عَلَى رَجُلٍ جُرْحٌ عَمْدًا فَصَالَحَ فِي مَرَضِهِ بِأَرْشِهِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ جَازَ وَلَزِمَ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " لَا غَرَرَ " (وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إنْ صَالَحَ عَلَيْهِ لَا مِمَّا يَئُولُ إلَيْهِ؟ تَأْوِيلَانِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ: يَجُوزُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ. وَقَالَ عِيَاضٌ: قَوْلُهُ فِي الَّذِي صَالَحَ جَارِحَهُ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، تَأَوَّلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ مِنْ الْجِرَاحَةِ فَقَطْ لَا بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ مِنْ النَّفْسِ. وَتَأَوَّلَهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 ابْنُ الْعَطَّارِ عَلَى أَنَّهَا عَلَى الْجُرْحِ وَالنَّفْسِ مَعًا. (وَإِنْ صَالَحَ أَحَدُ وَلِيَّيْنِ فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ وَسَقَطَ الْقَتْلُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا لَهُ وَلِيَّانِ فَصَالَحَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى فَرْضٍ أَوْ عَرَضٍ فَلِلْوَلِيِّ الْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَتْلِ. ابْنُ يُونُسَ: الْفَرْضُ الْعَيْنُ. (كَدَعْوَاكَ صُلْحَهُ فَأَنْكَرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ وَجَبَ لَكَ عَلَيْهِ دَمُ عَمْدٍ أَوْ جِرَاحَةٌ فِيهَا قِصَاصٌ فَادَّعَيْت أَنَّكَ صَالَحْتَهُ عَلَى مَالٍ فَأَنْكَرَ الصُّلْحَ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقْتَصَّ مِنْهُ وَلَكَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا صَالَحَكَ. (وَإِنْ صَالَحَكَ مُقِرٌّ بِخَطَأٍ بِمَالِهِ لَزِمَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ أَمَرَ بِقَتْلِ خَطَأٍ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَصَالَحَ الْأَوْلِيَاءَ عَلَى مَالٍ قَبْلَ أَنْ تَلْزَمَ الدِّيَةُ الْعَاقِلَةَ بِقَسَامَةٍ وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ لَازِمٌ. ابْنُ يُونُسَ: جَعَلَ صُلْحَهُ كَحُكْمِ حَاكِمٍ عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ فَلَا يُنْقَضُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ (وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ مَا دَفَعَ تَأْوِيلَانِ) قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: لَيْسَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَيَانٌ إذَا صَالَحَ هَلْ لَهُ الرُّجُوعُ أَوْ لَا رُجُوعَ لَهُ وَالصُّلْحُ لَازِمٌ، وَذَهَبَ ابْنُ مُحْرِزٍ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 مَا دَفَعَ لَا مَا لَمْ يَدْفَعْ. (لَا إنْ ثَبَتَ وَجَهِلَ لُزُومَهُ وَحَلَفَ وَرَدَّ إنْ طَلَبَ بِهِ مُطْلَقًا أَوْ طَلَبَهُ وَوَجَدَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَالْقَاتِلُ خَطَأً إذَا صَالَحَ الْأَوْلِيَاءَ عَلَى مَالٍ نَجَّمُوهُ عَلَيْهِ فَدَفَعَ إلَيْهِمْ نَجْمًا ثُمَّ قَالَ: ظَنَنْت أَنَّ الدِّيَةَ تَلْزَمُنِي دُونَ الْعَاقِلَةِ فَذَلِكَ لَهُ وَيُوضَعُ عَنْهُ وَيَتْبَعُ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ الْعَاقِلَةَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ مَا أَخَذُوا مِنْهُ إذَا كَانَ يَجْهَلُ ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الدِّيَةَ تَلْزَمُهُ قَالُوا: وَيَنْظُرُ فِيمَا دَفَعَ فِي الصُّلْحِ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا أَخَذَهُ، وَإِنْ فَاتَ فَإِنْ كَانَ هُوَ الطَّالِبَ لِلصُّلْحِ فَلَا شَيْءَ لَهُ قِبَلَهُمْ كَمَنْ عُوِّضَ مِنْ صَدَقَةٍ وَقَالَ: ظَنَنْته يَلْزَمُنِي، وَإِنْ كَانَ مَطْلُوبًا بِالصُّلْحِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ بِمِثْلِ مَا دَفَعَ إلَيْهِمْ أَوْ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مِمَّا يُقَوَّمُ. (وَإِنْ صَالَحَ أَحَدُ وَلِيَّيْنِ وَارِثَيْنِ وَإِنْ عَنْ إنْكَارٍ فَلِصَاحِبِهِ الدُّخُولُ كَحَقٍّ لَهُمَا فِي كِتَابٍ أَوْ مُطْلَقٍ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: الْقَضَاءُ إنْ كَانَ ذُكِرَ حَقٌّ لِرَجُلَيْنِ بِكِتَابٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ مَا اقْتَضَى أَحَدُهُمَا يَدْخُلُ فِيهِ الْآخَرُ، وَكَذَلِكَ الْوَارِثَانِ يُصَالِحُ أَحَدُهُمَا رَجُلًا قَدْ كَانَ عَامَلَهُ وَلِيُّهُمْ وَهُوَ مُقِرٌّ بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِ الْمَيِّتِ أَوْ مُنْكِرٌ فَإِنَّ لِصَاحِبِهِ الدُّخُولَ مَعَهُ فِيمَا صَالَحَهُ بِهِ ثُمَّ يَكُونُ بَقِيَّةُ الدَّيْنِ بَيْنَهُمَا. قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ شَرِيكَيْنِ لَهُمَا ذِكْرُ حَقٍّ بِكِتَابٍ أَوْ بِغَيْرِ كِتَابٍ إلَّا أَنَّهُ مِنْ شَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُمَا فَبَاعَاهُ فِي صَفْقَةٍ بِمَالٍ أَوْ عَرَضٍ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ كَانَ ذَلِكَ الْحَقُّ مِنْ شَيْءٍ اقْتَضَاهُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ وَرِثَ هَذَا الذَّكَرُ الْحَقَّ، فَإِنَّ مَا قَبَضَ مِنْهُ أَحَدُهُمَا يَدْخُلُ فِيهِ الْآخَرُ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ بَقِيَّةُ إشْرَاكِهِ إلَّا أَنْ يَشْخَصَ فِيهِ الْمُقْتَضِي بَعْدَ الْإِعْذَارِ إلَى شُرَكَائِهِ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ أَوْ الْوَكَالَةِ فَلَمْ يَخْرُجُوا أَوْ يُوَكِّلُوا لَمْ يَدْخُلُوا فِيمَا اقْتَضَى، وَإِنْ شَخَصَ لِذَلِكَ دُونَ الْإِعْذَارِ إلَيْهِمْ فَشُرَكَاؤُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا سَلَّمُوا لَهُ مَا قَبَضَ وَأَتْبَعُوا الْغَرِيمَ، وَإِنْ شَاءُوا أَشْرَكُوهُ فِيمَا قَبَضَ قَبَضَ جَمِيعَ حِصَّتَهُ أَوْ بَعْضَهَا. وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ بِكِتَابَيْنِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا اقْتَضَى، وَإِنْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ أَصْلُهُ بَيْنَهُمَا وَبَاعَاهُ فِي صَفْقَةٍ. وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا بِكِتَابٍ وَاحِدٍ أَوْ مِمَّا أَصْلُهُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ كِتَابٍ فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ إنْ سَلَّمَ لَهُ شَرِيكُهُ، ثُمَّ أَرَادَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ أَعْدَمَ الْغَرِيمُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقَاسَمَةٌ لِلدَّيْنِ كَمَا لَوْ وَرِثَ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ فَاقْتَسَمَا مَا عَلَيْهِ جَازَ وَصَارَ كَذِكْرِ حَقٍّ بِكِتَابَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا اقْتَضَى. وَذَكَرَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الرَّجُلَيْنِ يَبِيعَانِ سِلْعَتَيْهِمَا وَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ وَيَكْتُبَانِ دَيْنَهُمَا بِكِتَابٍ وَاحِدٍ، أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا اقْتَضَى لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِيهِ صَاحِبُهُ. وَفِي هَذَا نَظَرٌ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ. وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ فِي جَوَازِ جَمْعِ الرَّجُلَيْنِ سِلْعَتَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ انْتَهَى. ثُمَّ مَضَى ابْنُ يُونُسَ عَلَى كَلَامٍ طَوِيلٍ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ ذَلِكَ مَا نَصُّهُ: وَمِنْ كِتَابِ الصُّلْحِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ كَانَ دَيْنُهُمَا ثِيَابًا أَوْ عُرُوضًا تُكَالُ أَوْ تُوزَنُ أَوْ لَا تُكَالُ وَلَا تُوزَنُ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ، فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا أَوْ بَاعَ حَقَّهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ جَازَ وَلِشَرِيكِهِ أَخْذُ نِصْفِهَا، ثُمَّ يَكُونُ مَا بَقِيَ عَلَى الْغَرِيمِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ وَأَتْبَعَ الْغَرِيمَ بِجَمِيعِ حَقِّهِ ثُمَّ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الشَّرِيكِ وَإِنْ أَعْدَمَ انْتَهَى. وَقَالَ عِيَاضٌ: قَوْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّجُلَيْنِ لَهُمْ ذِكْرُ حَقٍّ بِكِتَابٍ وَاحِدٍ أَوْ بِغَيْرِ كِتَابٍ مِنْ بَيْعٍ بَاعَهُ بِعَيْنٍ أَوْ بِمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ غَيْرِ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ أَوْ شَيْءٌ أَقْرَضَاهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ أَوْ الطَّعَامِ إلَخْ. قِيلَ: إنَّمَا اسْتَثْنَى الطَّعَامَ هُنَا مِنْ بَيْعٍ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ لَهُ فِي الْخُرُوجِ لِاقْتِضَاءِ نَصِيبِهِ مُقَاسَمَةً، وَالْمُقَاسَمَةُ فِيهِ كَبَيْعِهِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَغَيْرُهُ: وَفِي الْأَسَدِيَّةَ لِمَالِكٍ خِلَافُ هَذَا، وَهَذَا أَصْلٌ مُتَنَازَعٌ فِيهِ هَلْ الْقِسْمَةُ بَيْعٌ أَوْ تَمْيِيزُ حَقٍّ. وَحَمَلَهُ أَبُو عِمْرَانَ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى مَآلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ بَيْعِ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَمُصَالَحَتِهِ إيَّاهُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ آخِرَ الْكِتَابِ وَكَرَّرَ بِلَفْظِهِ فَقَالَ: مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ فَصَالَحَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى دَنَانِيرَ فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ مُرَادُهُ وَأَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ (إلَّا الطَّعَامَ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ إلَّا أَنْ يَشْخَصَ وَيُعْذِرَ إلَيْهِ فِي الْخُرُوجِ أَوْ فِي الْوَكَالَةِ فَيَمْتَنِعَ وَإِنْ لَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 يَكُنْ غَيْرُ الْمُقْتَضَى أَوْ يَكُونَ بِكِتَابَيْنِ وَفِيمَا لَيْسَ لَهُمَا وَكُتِبَ فِي كِتَابٍ قَوْلَانِ وَلَا رُجُوعَ إنْ اخْتَارَ مَا عَلَى الْغَرِيمِ وَإِنْ هَلَكَ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا تَقَدَّمَتْ فِي النَّقْلِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَعِيَاضٍ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فَانْظُرْ أَنْتَ هَلْ فِي أَلْفَاظِ خَلِيلٍ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ. (فَإِنْ صَالَحَ عَلَى عَشَرَةٍ مِنْ خَمْسِينَ فَلِلْآخَرِ إسْلَامُهَا أَوْ أَخْذُ خَمْسَةٍ مِنْ شَرِيكِهِ وَيَرْجِعُ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَيَأْخُذُ الْآخَرُ خَمْسَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ لَهُمَا مِائَةُ دِينَارٍ مِنْ شَيْءٍ أَصْلُهُ بَيْنَهُمَا وَهِيَ فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ أَوْ بِغَيْرِ كِتَابٍ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ جَمِيعِ حَقِّهِ عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَلَمْ يَشْخَصْ أَوْ شَخَصَ وَلَمْ يُعْذِرْ إلَى شَرِيكِهِ، فَشَرِيكُهُ مُخَيَّرٌ فِي تَسْلِيمِ ذَلِكَ وَإِتْبَاعِ الْغَرِيمِ بِخَمْسِينَ، أَوْ يَأْخُذُ مِنْ شَرِيكِهِ خَمْسَةً وَيَرْجِعُ هُوَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَصَاحِبُهُ بِخَمْسَةٍ. (وَإِنْ صَالَحَ بِمُؤَخَّرٍ عَنْ مُسْتَهْلَكٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِدَرَاهِمَ كَقِيمَتِهِ بِأَقَلَّ أَوْ بِذَهَبٍ كَذَلِكَ وَبِمَا يُبَاعُ بِهِ) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجَازَ عَنْ دَيْنٍ بِمَا يُبَاعُ بِهِ ". (كَعَبْدٍ أَبَقَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ غَصَبَكَ عَبْدًا فَأَبَقَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُصَالِحَهُ عَلَى عَرَضٍ مُؤَجَّلٍ، وَأَمَّا عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ فَإِنْ كَانَتْ كَالْقِيمَةِ فَأَقَلَّ جَازَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَيْعِ الْآبِقِ. (وَإِنْ صَالَحَ بِشِقْصٍ عَنْ مُوضِحَتَيْ عَمْدٍ وَخَطَأٍ فَالشُّفْعَةُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الشِّقْصِ وَبُدِّلَتْ الْمُوضِحَةُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ صَالَحَ عَنْ مُوضِحَةِ عَمْدٍ وَمُوضِحَةِ خَطَأٍ عَلَى شِقْصٍ مِنْ دَارٍ فِيهِ الشُّفْعَةُ بِدِيَةِ مُوضِحَةِ الْخَطَأِ وَبِنِصْفِ قِيمَةِ الشِّقْصِ؛ لِأَنَّا قَسَمْنَا الشِّقْصَ عَلَى الْمُوضِحَتَيْنِ وَإِحْدَاهُمَا مَعْقُولَةٌ وَالْأُخْرَى مَجْهُولَةٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُصَالِحَ بِالشِّقْصِ إنَّمَا دَفَعَهُ ثَمَنًا لِلْمُوضِحَتَيْنِ فَكَانَ الْعَدْلُ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ مُوضِحَةٍ نِصْفَهُ (وَهَلْ كَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَ الْجِرَاحُ تَأْوِيلَانِ) عِيَاضٌ: اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِسْمَةُ الشِّقْصِ عَلَيْهِمَا هَلْ ذَلِكَ مَعَ تَسَاوِي الْجِنَايَتَيْنِ وَاخْتِلَافِهِمَا؛ فَقِيلَ: ذَلِكَ سَوَاءٌ نِصْفُهُ لِلْخَطَأِ وَنِصْفُهُ لِلْعَمْدِ كَائِنًا مَا كَانَ الْجُرْحُ أَوْ الْجِنَايَةُ، اتَّفَقَا أَوْ اخْتَلَفَا، وَيُذْكَرُ هَذَا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَقِيلَ: بَلْ يُعْتَبَرُ حَالُ الْجُرْحَيْنِ وَتَكُونُ قِسْمَةُ الشِّقْصِ عَلَى قَدْرِهِمَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ بِنِصْفَيْنِ إذَا اسْتَوَى كَمُوضِحَتَيْنِ أَوْ قَطْعِ يَدَيْنِ، فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا مِثْلُ قَطْعِ يَدٍ وَقَتْلِ نَفْسٍ فَإِنَّمَا يُفْسَخُ الشِّقْصُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ دِيَتِهِمَا فِي الْخَطَأِ ثُلُثٍ وَثُلُثَيْنِ وَهَكَذَا فِي غَيْرِ هَذَا. وَتَأَوَّلَ الْمَسْأَلَةَ أَكْثَرُ شُيُوخِ الْقَرَوِيِّينَ. اُنْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ هُنَا الصُّلْحَ عَنْ عَيْبٍ يَجِدُهُ فِي الْمَبِيعِ هَلْ هُوَ قَبْلَ فَوْتِهِ كَمُعَاوَضَةٍ، وَكَيْفَ لَوْ اصْطَلَحَا عَلَى الصُّلْحِ قَبْلَ مَعْرِفَتِهِمَا بِقِيمَةِ الْعَيْبِ كَمَسْأَلَةِ الطَّوْقِ الْمَشْهُورَةِ، هَلْ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ عَيْبِهِ بِدَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِ السِّكَّةِ؟ وَكَيْفَ لَوْ تَأَخَّرَتْ أَوْ لَمْ يُحْضِرْ الطَّوْقَ؟ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا مَعْنَى التَّبْقِيَةِ وَالِاسْتِرْعَاءِ وَفِي هَذَا الْبَابِ ذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ ذَلِكَ أَيْضًا. ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 [كِتَابُ الْحَوَالَةِ] (كِتَابُ الْحَوَالَةِ) . وَمَعْنَاهَا تَحَوُّلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ تَبْرَأُ بِهَا الْأُولَى. عِيَاضٌ: هِيَ مَنْدُوبَةٌ وَقِيلَ: مُبَاحَةٌ. ابْنُ يُونُسَ: لَمْ يُخْتَلَفْ فِي جَوَازِ الْحَوَالَةِ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَاسْتُثْنِيَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ كَاسْتِثْنَاءِ الْعَرِيَّةِ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ. [شُرُوطُ الْحَوَالَةِ] (شَرْطُ الْحَوَالَةِ رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ تَوَقُّفُ الْحَوَالَةِ عَلَى رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ. وَصَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذَا مِنْ شُرُوطِهَا، وَلَمْ يَعُدَّهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا اللَّخْمِيِّ مِنْ الشُّرُوطِ وَهُوَ أَحْسَنُ. (فَقَطْ) ابْنُ شَاسٍ: لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ. (وَثُبُوتُ دَيْنٍ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تَجُوزُ حَوَالَةٌ إلَّا عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ وَإِلَّا فَهِيَ حَمَالَةٌ (لَازِمٍ) مَا ذَكَرَ أَحَدٌ هَذَا الْوَصْفَ فِي الْحَوَالَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَمَالَةِ إذْ الضَّمَانُ هُوَ الَّذِي يُقَالُ فِيهِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِدَيْنٍ لَازِمٍ تَحَرُّزًا مِنْ الْكِتَابَةِ، فَذَكَرَ اللُّزُومَ هُنَا كَمَا ذَكَرَ فِي الزَّكَاةِ وَاخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ، وَبِالْجُمْلَةِ تَحْوِيلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ جَائِزٌ مُطْلَقًا قَالَ: إنْ كَانَ التَّحْوِيلُ عَلَى أَهْلِ دَيْنٍ كَانَ حَوَالَةً وَإِلَّا فَحَمَالَةً. (فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِعَدَمِهِ وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ صَحَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ عَلِمْت حِينَ أَحَالَكَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ وَشَرَطَ عَلَيْك الْمُحِيلُ بَرَاءَتَهُ مِنْ دَيْنِهِ فَرَضِيت لَزِمَكَ وَلَا رُجُوعَ لَك عَلَى الْمُحِيلِ إذَا كُنْت قَدْ عَلِمْت وَإِنْ كُنْت لَمْ تَعْلَمْ فَلَكَ الرُّجُوعُ (وَهَلْ إلَّا أَنْ يُفْلِسَ أَوْ يَمُوتَ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ يُونُسَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: " وَلَا رُجُوعَ لَكَ عَلَى الْمُحِيلِ " يُرِيدُ مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ، وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَهُ مُحَمَّدٌ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا وَيَتَحَوَّلُ حَقُّ الْمُحَالِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِنْ أَفْلَسَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: " وَلَوْ كُنْتُمَا عَالِمَيْنِ بِفَلَسِهِ كَانَتْ حَوَالَةً لَازِمَةً لَكَ ". (وَصِيغَتُهَا) قَالَ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَطْلُوبِ يَذْهَبُ بِالطَّالِبِ إلَى غَرِيمِهِ لَهُ فَيَأْمُرُهُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ وَيَأْمُرُهُ الْآخَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ فَيَتَقَاضَاهُ فَيَقْضِيهِ الْبَعْضَ أَوْ لَا يُعْطِيهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 شَيْئًا: كَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَيْسَ هَذَا احْتِيَالًا بِالْحَقِّ إنَّمَا أَرَدْت أَنْ أَكْفِيَكَ التَّقَاضِي. وَأَمَّا وَجْهُ الْحَوَالَةِ أَنْ يَقُولَ: أُحِيلُكَ بِحَقِّكَ عَلَى هَذَا أَوْ أَبْرَأُ إلَيْكَ بِذَلِكَ. (وَحُلُولُ الْمُحَالِ بِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ شُرُوطِ الْحَوَالَةِ أَنْ يَكُونَ دَيْنُ الْمُحَالِ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَالًّا كَانَ بَيْعَ ذِمَّةٍ بِذِمَّةٍ فَيَدْخُلُهُ مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَمِنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ إنْ كَانَ الدَّيْنَانِ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الَّذِي يَنْتَقِلُ إلَيْهِ حَالًّا وَيَقْبِضُ ذَلِكَ مَكَانَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا مِثْلَ الصَّرْفِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ. (وَإِنْ كِتَابَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ لَهُمْ حَمَالَةٌ بِكِتَابَةٍ إلَّا عَلَى تَعْجِيلِ الْعِتْقِ، وَأَمَّا الْحَوَالَةُ فَإِنْ أَحَالَكَ مُكَاتِبُك عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ لَهُ قِبَلَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا حَمَالَةٌ. وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَلَّ أَوْ لَمْ يَحِلَّ جَازَتْ الْحَوَالَةُ إنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ قَدْ حَلَّتْ وَيَعْتِقُ مَكَانَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ حَلَّ عَلَيْهِ نَجْمٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحِيلَكَ بِهِ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَلَّ أَوْ لَمْ يَحِلَّ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ مِنْ ذَلِكَ النَّجْمِ، وَإِنْ كَانَ آخِرَ نُجُومِهِ كَانَ حُرًّا مَكَانَهُ، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ النَّجْمُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحِيلَك عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 لِأَنَّ هَذَا ذِمَّةٌ بِذِمَّةٍ وَرِبًا بَيْنَ السَّيِّدِ وَبَيْنَ مُكَاتَبِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: تَجُوزُ الْحَوَالَةُ. ابْنُ يُونُسَ: وَبِهَذَا أَقُولُ وَبِهِ أَخَذَ سَحْنُونَ (لَا عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ إذَا حَلَّ مَا تُحِيلُ بِهِ أَحَلَّتْ عَلَى مَا قَدْ حَلَّ أَوْ لَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 يَحِلَّ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا بِمَا حَلَّ لَا عَلَى مَا حَلَّ. (وَتَسَاوِي الدَّيْنَيْنِ قَدْرًا وَصِفَةً) ابْنُ رُشْدٍ: الدَّيْنُ الَّذِي تُحِيلُ بِهِ مِثْلُ الدَّيْنِ الَّذِي تُحِيلُهُ عَلَيْهِ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ لَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ وَلَا أَفْضَلَ وَلَا أَدْنَى (وَفِي تَحَوُّلِهِ عَلَى الْأَدْنَى تَرَدُّدٌ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: " لَا أَقَلَّ وَلَا أَدْنَى ". وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَوْ تَحَوَّلَ عَلَى طَعَامٍ لَهُ إلَى مَا هُوَ أَدْنَى فِي الْجُودَةِ أَوْ أَقَلُّ فِي الْمِقْدَارِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ أَكَّدَ قَصْدَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 الْمَعْرُوفِ وَالرِّفْقِ بِالتَّحَوُّلِ كَوْنُهُ يَأْخُذُ أَدْنَى مِنْ مَالِهِ (وَأَنْ لَا يَكُونَا طَعَامَيْنِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَحِلَّ الدَّيْنُ الْمُحَالُ بِهِ) صَوَابُهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَإِنَّ حُلُولَ الْمُحَالِ بِهِ شَرْطٌ فِي كُلِّ حَوَالَةٍ بِخِلَافِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَا يُشْتَرَطُ حُلُولُهُ إلَّا فِي الطَّعَامِ مِنْ بَيْعٍ. وَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ: إنْ كَانَا جَمِيعًا طَعَامًا مِنْ سَلَمٍ فَلَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، حَلَّتْ الْآجَالُ أَوْ لَمْ تَحِلَّ، أَوْ حَلَّ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَحِلَّ الْآخَرُ، اسْتَوَتْ رُءُوسُ الْأَمْوَالِ أَوْ لَمْ تَسْتَوِ، عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ فِي قَوْلِهِ: إذَا اسْتَوَتْ رُءُوسُ أَمْوَالِهِمَا جَازَتْ الْحَوَالَةُ وَكَانَتْ تَوْلِيَةً، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ قَرْضٍ وَالْآخَرُ مِنْ سَلَمٍ فَلَا تَجُوزُ حَوَالَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ حَتَّى يَحِلَّا جَمِيعًا. هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ حَاشَا ابْنَ الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ إذَا كَانَا جَمِيعًا مِنْ سَلَفٍ يَجُوزُ أَنْ يُحِيلَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إذَا حَلَّ الْمُحَالُ بِهِ. [شَرْطُ بَيْعِ الدَّيْنِ] (لَا كَشْفُهُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ) الْمَازِرِيُّ: شَرْطُ بَيْعِ الدَّيْنِ عِلْمُ حَالِ ذِمَّةِ الْمَدِينِ وَإِلَّا كَانَ غَرَرًا بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ فَاغْتُفِرَ فِيهَا الْغَرَرُ، وَنَحْوُ هَذَا لِابْنِ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ. (وَيَتَحَوَّلُ حَقُّ الْمُحَالِ عَلَى الْمُحَالِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 عَلَيْهِ وَإِنْ أَفْلَسَ أَوْ جَحَدَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُحِيلُ بِإِفْلَاسِهِ فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَحَالَكَ غَرِيمُكَ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَرَضِيت بِاتِّبَاعِهِ بَرِئَتْ ذِمَّةُ غَرِيمِكَ. وَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي غَيْبَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ عَدَمِهِ. وَلَوْ غَرَّكَ غَرِيمُكَ مِنْ عَدَمٍ يَعْلَمُهُ بِغَرِيمِهِ أَوْ بِفَلَسٍ فَلَكَ طَلَبُ الْمُحِيلِ، وَلَوْ لَمْ يَغُرّكَ أَوْ كُنْتُمَا عَالِمَيْنِ بِفَلَسِهِ كَانَتْ حَوَالَةً لَازِمَةً لَكَ. الْمَازِرِيُّ: وَأَمَّا الْجُحُودُ فَاخْتَارَ بَعْضُ أَشْيَاخِنَا أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَلَى الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ فَرَّطَ إذْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَ الْحَوَالَةَ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُحِيلِ وَفَرَّطَ فِي الْإِشْهَادِ فَصَارَ كَالْمُتَسَلِّفِ لِمَالِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ، فَمُصِيبَةُ الْجُحُودِ مِنْهُ وَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 أَعْرِفُ لِمَالِكٍ فِي هَذَا نَصًّا (وَحَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ إنْ ظَنَّ بِهِ الْعِلْمَ) الْبَاجِيُّ: لَوْ غَرَّ الْمُحِيلَ مِنْ حَالِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَقَدْ عَلِمَ بِفَلَسِهِ كَانَ لِلْمُحَالِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ. وَإِنْ جَهِلَ أَمْرَ الْمُحِيلِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ يُتَّهَمُ أُحْلِفَ وَمَعْنَاهُ إنْ كَانَ لَمْ يَظُنَّ بِهِ أَنَّهُ يَرْضَى فِي مِثْلِ هَذَا أُحْلِفَ. (فَلَوْ أَحَالَ بَائِعٌ عَلَى مُشْتَرٍ بِالثَّمَنِ ثُمَّ رُدَّ بِعَيْبٍ أَوْ اسْتَحَقَّ لَمْ تَنْفَسِخْ وَاخْتِيرَ خِلَافُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ: إنْ أَحَلْت غَرِيمَكَ عَلَى ثَمَنِ عَبْدٍ أَوْ سِلْعَةٍ بِعْتهَا مِنْ رَجُلٍ وَهُوَ مَلِيءٌ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ رَدَّهَا عَلَيْكَ بِعَيْبٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْحَوْلُ ثَابِتٌ عَلَيْهِ يُؤَدِّيهِ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْكَ. قَالَ: وَبَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ: الْحَوْلُ سَاقِطٌ وَيَرْجِعُ غَرِيمُكَ عَلَيْكَ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ مَالِكٍ كُلِّهِمْ. (وَالْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ إنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ نَفْيُ الدَّيْنِ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إذَا مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُحَالُ: أَحَلْتَنِي عَلَى غَيْرِ أَصْلِ دَيْنٍ، وَقَالَ الْمُحِيلُ: بَلْ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ قَالَ: هُوَ حَوْلٌ ثَابِتٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَحَالَهُ عَلَى غَيْرِ أَصْلِ دَيْنٍ، أَنَّ أَصْلَ الْحَوَالَةِ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَأَنَّهَا عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 أَصْلِ دَيْنٍ، فَمَنْ ادَّعَى بَعْدَ قَبُولِهِ الْحَوَالَةَ أَنَّهَا عَلَى غَيْرِ أَصْلِ دَيْنٍ لَمْ يُصَدَّقْ. (لَا فِي دَعْوَاهُ وَكَالَةً) ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إذَا قَالَ الْمُحَالُ لِلْمُحِيلِ: كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْكَ وَقَالَ الْآخَرُ: مَا أَحَلْتُكَ إلَّا لِتَقْبِضَ لِي فَهُوَ حَوَالَةٌ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ أَنَّهَا وَكَالَةٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِمَّنْ يَتَصَرَّفُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَوْ تَكُونُ عَادَتُهُ التَّوْكِيلَ عَلَى التَّقَاضِي وَهَذَا مِمَّنْ يَتَوَكَّلُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (أَوْ سَلَفًا) اُنْظُرْ هَلْ يَكُونُ هَذَا مَعْطُوفًا عَلَى نَفْيِ الدَّيْنِ وَأَقْحَمَهُ الْمُخَرِّجُ قَبْلَ لَا فِي دَعْوَاهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا قَالَ الْمُحِيلُ: أَقْرَضْتُكَهَا فَاقْضِنِي فَقَالَ الْمُحَالُ: كَانَتْ لِي دَيْنًا عَلَيْكَ وَإِحَالَتِي إقْرَارٌ مِنْكَ بِحَقِّي قَالَ: الْمُقْتَضِي غَارِمٌ وَهِيَ سَلَفٌ. اُنْظُرْ اللَّخْمِيَّ فَلَهُ هُنَا بَحْثٌ. [كِتَابُ الضَّمَانِ] [بَاب أَرْكَان الضَّمَان وَحُكْمه وَحَمَالَة الْجَمَاعَة] قَالَ ابْنُ شَاسٍ: (كِتَابُ الضَّمَانِ) . وَهُوَ الْحَمَالَةُ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ وَهُوَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ وَالْمَضْمُونُ لَهُ وَالضَّامِنُ وَالصِّيغَةُ. الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِهِ. الثَّالِثُ فِي حَمَالَةِ الْجَمَاعَةِ (الضَّمَانُ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ) هَذِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30 عِبَارَةُ التَّلْقِينِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَذَا لَا يَتَنَاوَلُ ضَمَانَ الْوَجْهِ. عِيَاضٌ: وَهُوَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ (وَصَحَّ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ) ابْنُ شَاسٍ: يُشْتَرَطُ فِي الضَّامِنِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ. الْبَاجِيُّ: وَالْحَمِيلُ مَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ. (كَمُكَاتَبٍ وَمَأْذُونٍ إنْ أَذِنَ سَيِّدُهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ لِعَبْدٍ وَلَا مُكَاتَبٍ أَوْ مُدَبَّرٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ عِتْقٌ وَلَا كَفَالَةٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّنْ هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَجُزْ إنْ رَدَّهُ السَّيِّدُ، فَإِنْ رَدَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ عَتَقُوا، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى عَتَقُوا لَزِمَهُمْ ذَلِكَ عَلِمَ بِهِ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِمْ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا تَجُوزُ كَفَالَةُ الْمَأْذُونِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ (وَزَوْجَةٍ وَمَرِيضٍ بِثُلُثٍ) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ بِكَفَالَةٍ ". وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: مَعْرُوفٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 الْمَرِيضُ فِي ثُلُثِهِ وَالْكَفَالَةُ مَعْرُوفٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ تَكَفَّلَ فِي مَرَضِهِ فَذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ نَاحِيَةِ الْعَطِيَّةِ لَا كَالْبَيْعِ (وَاتُّبِعَ ذُو الرِّقِّ إنْ عَتَقَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ لَمْ يَرُدَّهُ السَّيِّدُ لَزِمَهُمْ وَإِنْ رَدَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُمْ (وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ جَبْرُهُ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَجُوزُ كَفَالَةُ الْعَبْدِ وَمَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ وَلَا يُجْبِرُهُ السَّيِّدُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُمْ إنْ جَبَرَهُ (وَعَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَيَجُوزُ الضَّمَانُ عَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 الْمَيِّتِ خَلَّفَ وَفَاءً أَوْ لَمْ يُخَلِّفْ. (وَالضَّامِنُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ وَأَخَذَ مِنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ حَمِيلًا وَرَهْنًا عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ حَقَّهُ إلَى الْأَجَلِ أَوْ إلَى دُيُونِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ تَوَثُّقٍ (إنْ كَانَ مِمَّا يُعَجَّلُ) ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا يَجُوزُ إلَى دُونِ الْأَجَلِ إنْ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا لَهُ تَعْجِيلُهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَرَضًا أَوْ حَيَوَانًا مِنْ بَيْعٍ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ: حُطَّ الضَّمَانَ عَنِّي وَأَزِيدُكَ تَوَثُّقًا (وَعَكْسُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ حَلَّ الْأَجَلُ فَأَقَرَّهُ عَلَى أَنْ أَخَذَ مِنْهُ حَمِيلًا أَوْ رَهْنًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ قَبْضَ دَيْنِهِ مَكَانَهُ، فَتَأْخِيرُهُ بِهِ كَابْتِدَاءِ سَلَفٍ عَلَى حَمِيلٍ أَوْ رَهْنٍ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَأَخَّرَهُ بِهِ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ بِحَمِيلٍ أَوْ رَهْنٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِنَفْعٍ. (إنْ أَيْسَرَ غَرِيمُهُ أَوْ لَمْ يُوسِرْ فِي الْأَجَلِ وَبِالْمُوسِرِ أَوْ الْمُعْسِرِ لَا بِالْجَمِيعِ) لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ يُونُسَ إلَّا مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ حَلَّ الدَّيْنُ فَأَعْطَاهُ حَمِيلًا عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ فَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا بِجَمِيعِ الْحَقِّ كَانَ التَّأْخِيرُ وَالْحَمَالَةُ جَائِزَةً، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَأَخَّرَهُ لِوَقْتٍ يَرَى أَنَّهُ يُيْسِرُ إلَيْهِ وَلَا يُيْسِرُ دُونَهُ جَازَ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِبَعْضِ الْحَقِّ فَأَعْطَاهُ حَمِيلًا بِالْقَدْرِ الَّذِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 هُوَ بِهِ مُوسِرٌ لِيُؤَخِّرَهُ جَازَ، وَإِنْ كَانَ بِمَا هُوَ بِهِ مُعْسِرٌ وَيَقْبِضُ الْآنَ مَا هُوَ بِهِ مُوسِرٌ جَازَ، وَإِنْ كَانَ لِيُؤَخِّرَهُ بِالْجَمِيعِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَثِّقْهُ بِمَا هُوَ بِهِ مُعْسِرٌ إلَّا لِمَكَانِ تَأْخِيرِ مَا هُوَ بِهِ مُوسِرٌ وَذَلِكَ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً. (بِدِينٍ لَازِمٍ) ابْنُ يُونُسَ: الْقَضَاءُ أَنَّ كُلَّ مَا يَلْزَمُ الذِّمَّةَ فَالْكَفَالَةُ بِهِ جَائِزَةٌ، وَأَمَّا الْحُدُودُ وَالْأَدَبُ وَالتَّعَازِيرُ فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ فِيهِ وَقَالَهُ مَالِكٌ. قَالَ: بُكَيْر: وَلَا تَجُوزُ فِي دَمٍ أَوْ زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحَمَالَةِ أَنْ يَحِلَّ الضَّامِنُ مَحَلَّ الْمَضْمُونِ فِي تَعَذُّرِ أَخْذِ الْحَقِّ مِنْهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَعَذَّرُ فِي الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَهَا مِنْ الضَّامِنِ لَا يَجُوزُ. وَانْظُرْ قَدْ وَقَعَ لِأَصْبَغَ فِي الْفَاسِقِ الْمُتَعَسِّفِ عَلَى النَّاسِ يُؤْخَذُ فَيَتَحَمَّلُ رَجُلٌ عَنْهُ بِكُلِّ مَا يَجْتَرِمُ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ إلَّا فِي الْقَتْلِ خَاصَّةً. قَالَ فَضْلٌ: اُنْظُرْ هَلْ يُرِيدُ فَيَغْرَمُ الدِّيَةَ. [الْحَمَالَةُ بِالْكِتَابَةِ] (أَوْ آيِلٍ لَا كِتَابَةٍ) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ شُرُوطِ الْمَضْمُونِ أَنْ يَكُونَ حَقًّا ثَابِتًا مُسْتَقِرًّا أَوْ مَآلُهُ إلَى ذَلِكَ، فَلَا تَصِحُّ الْحَمَالَةُ بِالْكِتَابَةِ إذْ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ مُسْتَقَرٍّ وَلَا تَئُولُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنْ عَجَزَ رُقَّ وَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ. (بَلْ كَجُعْلٍ) ابْنُ شَاسٍ: لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْجُعْلِ فِي الْجَعَالَةِ إلَّا بَعْدَ الْعَمَلِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا أَعْرِفُ هَذَا لِغَيْرِهِمَا وَفِيهِ نَظَرٌ، وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ لِقَوْلِهَا مَعَ غَيْرِهَا بِصِحَّةِ ضَمَانِ مَا هُوَ مُحْتَمِلُ الثُّبُوتِ اسْتِقْبَالًا. قِيلَ: ثَمَانِيَةٌ لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 يَجُوزُ التَّحَمُّلُ بِهَا: الْكِتَابَةُ وَالصَّرْفُ وَالْقِصَاصُ وَالْحُدُودُ وَالتَّعْزِيرُ وَمَبِيعٌ بِعَيْنِهِ وَعَمَلُ أَجِيرٍ يَعْمَلُ بِنَفْسِهِ وَحُمُولَةُ دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا. وَإِحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً يَجُوزُ الْحَمْلُ فِيهَا: الْحَمَالَةُ وَالْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْبَرَاءَةُ مِنْ الْمَجْهُولِ وَالصُّلْحُ وَالْخُلْعُ وَالصَّدَاقُ وَالْقِرَاضُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُغَارَسَةُ وَالصَّدَقَةُ. (وَدَايِنْ فُلَانًا وَلَزِمَ فِيمَا ثَبَتَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 35 وَهَلْ يُقَيَّدُ بِمَا يُعَامَلُ بِهِ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: بَايِعْ فُلَانًا أَوْ دَايِنْهُ فَمَا بَايَعْتَهُ بِهِ مِنْ شَيْءٍ أَوْ دَايَنْتَهُ بِهِ فَأَنَا ضَامِنٌ لَزِمَهُ ذَلِكَ إذَا ثَبَتَ مَبْلَغُهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّمَا يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ يُشْبِهُ أَنْ يُدَايِنَ بِمِثْلِهِ الْمَحْمُولُ عَنْهُ وَيُبَايِعُ بِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَيْسَ ذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 36 بِخِلَافٍ. (وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْمُعَامَلَةِ بِخِلَافِ احْلِفْ وَأَنَا ضَامِنٌ بِهِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ لَمْ يُدَايِنْهُ حَتَّى أَتَاهُ الْحَمِيلُ فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ فَقَدْ بَدَا لِي فَذَلِكَ لَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: احْلِفْ وَأَنَا ضَامِنٌ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ الْيَمِينِ، هَذَا لَا يَنْفَعُهُ رُجُوعُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ (إنْ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ضَامِنِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ بُكَيْر وَقَوْلُ ابْنِ يُونُسَ فِي الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَهَا مِنْ الضَّامِنِ غَيْرُ جَائِزٍ. (وَإِنْ جَهِلَ) قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَمَّا جَازَتْ هِبَةُ الْمَجْهُولِ جَازَتْ الْحَمَالَةُ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ. (أَوْ مَنْ لَهُ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّانِي الْمَضْمُونُ لَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بَلْ لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ لَا يَدْرِي كَمْ هِيَ وَتَرَكَ مَالًا لَا يَدْرِي كَمْ هُوَ فَتَحَمَّلَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ بِدَيْنِهِ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ نَقْصًا فَعَلَيْهِ وَحْدَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَطَلَبِ الْخَيْرِ لِلْمَيِّتِ وَلِوَرَثَتِهِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ الْفَضْلُ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ لَهُ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَغَيْرُ وَجْهٍ مِنْ الْفَسَادِ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ وَارِثًا وَاحِدًا كَانَ جَائِزًا، فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ غَرِيمٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ، وَلَا يَنْفَعُهُ قَوْلُهُ: " لَمْ أَعْلَمْ بِهِ وَأَنَا تَحَمَّلْت بِمَا عَلِمْت ". (وَبِغَيْرِ إذْنِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَشْهَدَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ ضَامِنٌ بِمَا قُضِيَ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَوْ قَالَ: أَنَا كَفِيلٌ لِفُلَانٍ بِمَا لَهُ عَلَى فُلَانٍ وَهُمَا حَاضِرَانِ أَوْ غَائِبَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ، لَزِمَهُ مَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 37 مَعْرُوفٌ، وَالْمَعْرُوفُ مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَزِمَهُ. (كَأَدَائِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَدَّى عَنْ رَجُلٍ حَقًّا لَزِمَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ مَنْ تَكَفَّلَ عَنْ صَبِيٍّ بِحَقٍّ قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ فَأَدَّاهُ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِ وَلِيِّهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَدَّى عَنْهُ مَا لَزِمَهُ مِنْ مَتَاعٍ كَسَّرَهُ أَوْ أَفْسَدَهُ أَوْ اخْتَلَسَهُ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلَ الصَّبِيُّ مِنْ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ. وَقَالَهُ مَالِكٌ. ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ الْجَانِي ابْنَ سَنَةٍ فَصَاعِدًا. مُحَمَّدٌ: وَأَمَّا الصَّغِيرُ جِدًّا مِثْلُ ابْنِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَنْزَجِرُ إذَا زُجِرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (رِفْقًا لَا عَنَتًا فَيُرَدُّ كَشِرَائِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَدَّى عَنْ رَجُلٍ دَيْنًا عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ دَفَعَ عَنْهُ مَهْرَ زَوْجَتِهِ جَازَ ذَلِكَ إنْ فَعَلَهُ رِفْقًا بِالْمَطْلُوبِ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ الضَّرَرَ بِطَلَبِهِ وَإِعْنَاتِهِ وَأَرَادَ سِجْنَهُ لِعَدَمِهِ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَيْتُمْ دَيْنًا عَلَيْهِ تَعْنِيتًا لَهُ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَرُدَّ إنْ عَلِمَ بِهَذَا (وَهَلْ إنْ عَلِمَ بَائِعُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ يُونُسَ: اخْتَلَفَ شُيُوخُنَا إنْ كَانَ مُشْتَرِي الدَّيْنِ قَاصِدًا بِشِرَائِهِ الْإِضْرَارَ وَالْبَائِعُ غَيْرُ عَالِمٍ بِقَصْدِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُفْسَخُ الْبَيْعُ مِثْلُ تَوَاطُئِهِمَا جَمِيعًا، وَشَبَهُهُ كَالْمُسَلِّفِ يَقْصِدُ بِسَلَفِهِ النَّفْعَ وَالْقَابِضُ الْمُتَسَلِّفُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ، وَكَبَيْعِ مَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ بِقَصْدِ الْمُشْتَرِي لِلضَّرَرِ لَمْ تُفْسَخْ عَلَيْهِ صَفْقَتُهُ وَيُبَاعُ الدَّيْنُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَرْتَفِعُ الضَّرَرُ عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا الْقَوْلُ بَيِّنٌ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ. (لَا إنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ ثُمَّ ضَمِنَ فَأَنْكَرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ: لِي عَلَى فُلَانٍ أَلْفُ دِينَارٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَنَا بِهَا كَفِيلٌ فَأَتَى فُلَانٌ فَأَنْكَرَهَا لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ حَتَّى يَثْبُتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ. (أَوْ قَالَ لِمُدَّعٍ عَلَى مُنْكِرٍ إنْ لَمْ آتِكَ بِهِ لِغَدٍ فَأَنَا ضَامِنٌ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ إنْ لَمْ يُثْبِتْ حَقُّهُ بِبَيِّنَةٍ وَهَلْ بِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَأَنْكَرَهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَنَا كَفِيلٌ بِهِ إلَى غَدٍ، فَإِنْ لَمْ آتِكَ بِهِ غَدًا فَأَنَا ضَامِنٌ لِلْمَالِ الَّذِي عَلَيْكَ وَسَمَّى عَدَدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ غَدًا فَلَا يَلْزَمُ الْحَمِيلَ شَيْءٌ حَتَّى يُثْبِتَ الْحَقَّ بِبَيِّنَةٍ فَيَكُونُ حَمِيلًا بِذَلِكَ، وَسَوَاءٌ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْآنَ بِهَذَا الْمَالِ أَوْ أَنْكَرَ إذَا كَانَ الْيَوْمَ مُعْدِمًا. وَقَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُ الْكِتَابِ إنْ أَقَرَّ الْمُنْكِرُ بَعْدُ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ شَيْءٌ إلَّا بِثَبَاتِ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ نَصٌّ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ. وَقِيلَ: بَلْ إقْرَارُهُ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ دَلِيلُ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا وَمِثْلُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ (لِقَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَجِّلْنِي الْيَوْمَ فَإِنْ لَمْ أُوَافِكَ غَدًا فَاَلَّذِي تَدَّعِيهِ عَلَيَّ حَقٌّ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لِلطَّالِبِ: أَجِّلْنِي الْيَوْمَ فَإِنْ لَمْ آتِكَ غَدًا فَدَعْوَاكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40 حَقٌّ فَغَابَ فِي الْغَدِ وَلَمْ يَأْتِ، فَهَذِهِ مُخَاطَرَةٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَأْتِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَيِّنَةً. (وَرَجَعَ بِمَا أَدَّى وَلَوْ مُقَوَّمًا) مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ: مَنْ تَحَمَّلَ بِعَبْدٍ أَوْ بِحَيَوَانٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ طَعَامٍ فَأَدَّاهُ الْحَمِيلُ مِنْ عِنْدِهِ رَجَعَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. (إنْ ثَبَتَ الدَّفْعُ) نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الضَّامِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَرِيمِ إلَّا إذَا أَدَّى مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41 الْمَضْمُونِ لَهُ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَبِالْجُمْلَةِ كُلَّمَا ثَبَتَ الْوَفَاءُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ. (وَجَازَ صُلْحُهُ عَنْهُ بِمَا جَازَ لِلْغَرِيمِ عَلَى الْأَصَحِّ) ابْنُ شَاسٍ: مَنْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا صَالَحَ الْكَفِيلُ عَنْ الْغَرِيمِ رَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ قِيمَةِ مَا صَالَحَ بِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ تَكَفَّلَ بِمِائَةِ دِينَارٍ هَاشِمِيَّةٍ فَأَدَّاهَا دِمَشْقِيَّةً وَهِيَ دُونَهَا بِرِضَا الطَّالِبِ رَجَعَ بِمِثْلِ مَا أَدَّى، وَلَوْ دَفَعَ فِيهَا عَرَضًا أَوْ طَعَامًا فَالْغَرِيمُ مُخَيَّرٌ فِي دَفْعِ مِثْلِ الطَّعَامِ وَقِيمَةِ الْعَرَضِ أَوْ مَا لَزِمَهُ مِنْ أَصْلِ الدَّيْنِ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ: إنَّ الْمَأْمُورَ وَالْكَفِيلَ إذَا دَفَعَا ذَهَبًا عَنْ وَرِقٍ أَوْ طَعَامًا أَوْ عَرَضًا فَإِنَّ الْغَرِيمَ أَوْ الْآمِرَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ دَفَعَ مَا عَلَيْهِ أَوْ مَا دَفَعَ هَذَا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى فِيمَا دَفَعَ، وَهَذَا أَصْلٌ التَّنَازُعُ فِيهِ كَثِيرٌ. وَكَانَ ابْنُ يُونُسَ قَدْ قَالَ قَبْلَ هَذَا: فَلَمْ يُجِزْهُ تَارَةً؛ لِأَنَّ الْحَمِيلَ أَخْرَجَ شَيْئًا لَا يَدْرِي مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ فَصَارَ ذَلِكَ غَرَرًا. قَالَ: أَجَازَهُ تَارَةً؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ كَأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ بِالْأَقَلِّ مِمَّا دَفَعَ أَوْ عَلَى الْمَدْفُوعِ عَنْهُ. وَانْظُرْ فِي صُلْحِ تَرْجَمَةِ الْكَفِيلِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ، ذَكَرَ أَنَّ مُصَالَحَةَ الْكَفِيلِ أَوْ الْغَرِيمِ وَاحِدَةٌ قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ تُصَالِحَ الْكَفِيلَ أَوْ الْغَرِيمَ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ عَلَى بَعْضِ الطَّعَامِ وَتَتْرَكُ بَاقِيَهُ؛ لِأَنَّهُ ضَعْ وَتَعَجَّلْ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: صُلْحُ الْكَفِيلِ عَنْ الْغَرِيمِ يُرَاعَى فِيهِ صِحَّةُ أَخْذِ مَا يَدْفَعُهُ عَنْ الدَّيْنِ وَعَنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ كَانَ سَلَمًا، فَلَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42 كَانَ عَنْ عَيْنٍ بِمَا يُقَوَّمُ جَازَ وَيَغْرَمُ الْغَرِيمُ الْأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ. [سُقُوطُ الْحَمَالَةِ بِإِسْقَاطِ الْمُتَحَمَّلِ بِهِ] (وَإِنْ بَرِئَ الْأَصْلُ بَرِئَ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَعْرُوفُ سُقُوطُ الْحَمَالَةِ بِإِسْقَاطِ الْمُتَحَمَّلِ بِهِ. وَرَوَى أَشْهَبُ: إنْ مَاتَ الْغَرِيمُ فَسَأَلَ الْوَرَثَةَ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنْ يُحَلِّلَهُ فَفَعَلَ فَلِصَاحِبِ الْحَقِّ طَلَبُ الْحَمِيلِ إنْ حَلَفَ مَا وَضَعَ إلَّا لِلْمَيِّتِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ حَابِلَةٌ إذْ لَا يَصِحُّ سُقُوطُ الدَّيْنِ عَنْ الْغَرِيمِ وَيَبْقَى عَلَى الْحَمِيلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَدِّي عَنْهُ وَيَتْبَعُهُ بِهِ. (لَا عَكْسُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا أَخَّرَ الطَّالِبُ الْحَمِيلَ بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ فَذَلِكَ تَأْخِيرٌ لِلْغَرِيمِ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا كَانَ ذَلِكَ مِنِّي تَأْخِيرًا لِلْغَرِيمِ فَيَكُونُ لَهُ طَلَبُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَ الْحَمَالَةَ كَانَ لَهُ طَلَبُ الْغَرِيمِ إنْ قَالَ: وَضَعْت الْحَمَالَةَ دُونَ الْحَقِّ. [مَاتَ الضَّامِنُ قَبْلَ الْأَجَلِ] (وَعُجِّلَ بِمَوْتِ الضَّامِنِ وَرَجَعَ وَارِثُهُ بَعْدَ أَجَلِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا مَاتَ الضَّامِنُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلِلطَّالِبِ تَعْجِيلُ حَقِّهِ مِنْ تَرِكَتِهِ ثُمَّ لَا رُجُوعَ لِوَرَثَتِهِ عَلَى الْغَرِيمِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ وَلَهُ مُحَاصَّةُ غُرَمَائِهِ أَيْضًا. (أَوْ الْغَرِيمُ إنْ تَرَكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ مَاتَ الْغَرِيمُ تَعَجَّلَ الطَّالِبُ دَيْنَهُ مِنْ مَالِهِ إنْ تَرَكَ مَالًا فَإِنْ لَمْ يَدَعْ مَالًا لَمْ يَتْبَعْ الْكَفِيلَ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ. (وَلَا يُطَالِبُ إنْ حَضَرَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَحَمَّلَ بِرَجُلٍ أَوْ بِمَا عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلَّذِي لَهُ الْحَقُّ إذَا كَانَ الْغَرِيمُ حَاضِرًا مَلِيًّا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْكَفِيلِ شَيْئًا إلَّا مَا عَجَزَ عَنْهُ الْغَرِيمُ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لِأَنَّ الْحَمِيلَ إنَّمَا أَخَذَ تَوْثِقَةً فَأَشْبَهَ الرَّهْنَ، فَلَمَّا كَانَ لَا سَبِيلَ إلَى الرَّهْنِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمَطْلُوبِ فَكَذَلِكَ لَا سَبِيلَ عَلَى الْكَفِيلِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمَطْلُوبِ. قَالَ ابْنُ زَرْبٍ: وَهَذَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ لَوْ قَالَ: أَنْكِحْهُ وَأَنَا ضَامِنٌ لَزِمَهُ الْغُرْمُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ عَلَى الزَّوْجِ، وَفِي الْبَيْعِ لَا يَلْزَمُهُ غُرْمٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَاعُ غَائِبًا أَوْ عَدِيمًا. (أَوْ لَمْ يَبْعُدْ إثْبَاتُهُ عَلَيْهِ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْغَرِيمُ غَائِبًا مَلِيئًا فِي غَيْبَتِهِ أَوْ مِدْيَانًا حَاضِرًا يَخَافُ الطَّالِبُ إنْ قَامَ عَلَيْهِ الْمُحَاصَّةَ فَلَهُ اتِّبَاعُ الْحَمِيلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ يُعَدَّى فِيهِ فَلَا يَتْبَعُ الْحَمِيلَ قَالَ غَيْرُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ وَالنَّظَرِ فِيهِ بَعْدُ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَمِيلِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43 وَقَالَهُ سَحْنُونَ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرٌ ابْنِ يُونُسَ إنَّ قَوْلَ الْغَيْرِ وِفَاقٌ وَصَرَّحَ ابْنُ حَارِثٍ بِأَنَّهُ خِلَافٌ. (وَالْقَوْلُ لَهُ فِي مَلَائِهِ) . ابْنُ رُشْدٍ: فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَمِيلَ لَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَلَاءِ الْغَرِيمِ وَإِلَّا غَرِمَ، وَفِي سَمَاعِ يَحْيَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُتَحَمِّلِ لَهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ عَدِيمٌ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ أَظْهَرُ. (وَأَفَادَ شَرْطُ أَخْذِ أَيِّهِمَا شَاءَ) ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَأَخَذَا بِهِمَا كَفِيلًا وَكَتَبَ أَيَّهُمَا شَاءَ أَخَذَ بِحَقِّهِ، مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي ذَلِكَ عَامِلٌ فَيَسْتَوِي الْكَفِيلُ وَالْغَرِيمُ فِي وُجُوبِ الْغُرْمِ عَلَى كُلِّ مَنْ طَلَبَ مِنْهُمَا وَإِعْمَالُ هَذَا الشَّرْطِ هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَتَقْدِيمُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ شَرَطَ الْمُتَحَمَّلُ لَهُ عَلَى الْحَمِيلِ أَنَّ حَقَّهُ عَلَيْهِ وَأَقَرَّ الْغَرِيمُ، فَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الشَّرْطَ جَائِزٌ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْحَمِيلُ أَوْ يُفْلِسَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُتَأَوَّلَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُمَا أَبْرَآ الْغَرِيمَ جَمِيعًا مِنْ الدَّيْنِ فَيَكُونُ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي تَكَلَّمَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ. (أَوْ إنْ مَاتَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهُ إنْ لَمْ يُوَفِّكَ حَقَّكَ حَتَّى يَمُوتَ فَهُوَ عَلَيَّ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ حَتَّى يَمُوتَ الْغَرِيمُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 ابْنُ الْحَارِثِ: إنْ شَرَطَ الْحَمِيلُ بِدَيْنٍ تَقَرَّرَ أَنَّهُ إنْ مَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَى وَرَثَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ رَبُّ الدَّيْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَمِيلِ جَازَ اتِّفَاقًا، وَلَوْ كَانَ فِي عَقْدِهِ بَيْعٌ فَفِيهِ خِلَافٌ. اُنْظُرْ ثَانِيَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ. [الْحَمِيلُ بِالْوَجْهِ] (كَشَرْطِ ذِي دَيْنِ الْوَجْهِ) . ابْنُ رُشْدٍ: الْحَمِيلُ بِالْوَجْهِ يَلْزَمُهُ غُرْمُ الْمَالِ إذَا لَمْ يُحْضِرْ الْعَيْنَ فَإِنْ أَحْضَرَهُ بَرِئَ مِنْ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ فَيَنْفَعُهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غُرْمُ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الْعَيْنَ، فَإِنْ أَحْضَرَهُ بَرِئَ مِنْ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فَيُفَرِّطُ فِي ذَلِكَ أَوْ يَتْرُكُهُ أَوْ يُغَيِّبُهُ حَتَّى يَذْهَبَ فَيَكُونُ ضَامِنًا لِلْمَالِ بِإِهْلَاكِهِ إيَّاهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ. (أَوْ رَبِّ الدَّيْنِ التَّصْدِيقَ فِي الْإِحْضَارِ) لَوْ قَالَ: " كَشَرْطِ الْوَجْهِ خَاصَّةً أَوْ التَّصْدِيقَ فِي الْإِحْضَارِ " لَكَانَ أَبْيَنَ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: إنْ لَمْ أُوَافِكَ بِغَرِيمِكَ غَدًا فَأَنَا ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ فَمَضَى الْغَدُ وَادَّعَى الْحَمِيلُ أَنَّهُ وَافَاهُ بِهِ، فَالْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَإِلَّا غَرِمَ. الْمُتَيْطِيُّ: إذَا اشْتَرَطَ ضَامِنُ الْوَجْهِ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِي إحْضَارِ وَجْهِهِ دُونَ يَمِينٍ تَلْزَمُهُ كَانَ لَهُ شَرْطٌ. (وَلَهُ طَلَبُ الْمُسْتَحِقِّ بِتَخْلِيصِهِ عِنْدَ أَجَلِهِ لَا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لِلضَّامِنِ الْمُطَالَبَةُ بِتَخْلِيصِهِ عِنْدَ الطَّلَبِ. ابْنُ شَاسٍ: مِنْ أَحْكَامِ الضَّمَانِ لِلْكَفِيلِ إجْبَارُ الْأَصِيلِ عَلَى تَخْلِيصِهِ إذَا طُولِبَ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُطَالِبَ وَلَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُ الْمَالِ إلَيْهِ لِيُؤَدِّيَهُ إذْ لَوْ هَلَكَ لَكَانَ مِنْ الْأَصِيلِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ. لَيْسَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 45 لِلْكَفِيلِ أَخْذُ الْغَرِيمِ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَطَّوَّعَ بِهِ الْغَرِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ مِنْهُ ثُمَّ أَعْدَمَ أَوْ فَلَّسَ كَانَ لِلَّذِي لَهُ الدَّيْنُ أَنْ يُتْبِعَ الْغَرِيمَ. (وَضَمِنَهُ إنْ اقْتَضَاهُ لَا أَرْسَلَ بِهِ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا دَفَعَ الْغَرِيمُ الْحَقَّ إلَى الْكَفِيلِ فَضَاعَ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الِاقْتِضَاءِ ضَمِنَهُ الْكَفِيلُ قَامَتْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ لَمْ تَقُمْ، عَيْنًا كَانَ أَوْ عَرَضًا أَوْ حَيَوَانًا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الرِّسَالَةِ لَمْ يَضْمَنْهُ وَهُوَ مِنْ الْغَرِيمِ حَتَّى يَصِلَ إلَى الطَّالِبِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 46 (وَلَزِمَهُ تَأْخِيرُ رَبِّهِ الْمُعْسِرِ أَوْ الْمُوسِرِ إنْ سَكَتَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ إنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهُ مُسْقِطًا وَإِنْ أَنْكَرَ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ وَلَزِمَهُ) . مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ أَخَّرَ الطَّالِبُ الْغَرِيمَ كَانَ ذَلِكَ تَأْخِيرًا لِلْكَفِيلِ ثُمَّ لِلْكَفِيلِ أَنْ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ خَوْفًا مِنْ إعْدَامِ الْغَرِيمِ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ خُيِّرَ الطَّالِبُ فَإِمَّا أَبْرَأَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 49 الْحَمِيلَ مِنْ حَمَالَتِهِ وَيَصِحُّ التَّأْخِيرُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الْحَمِيلِ، وَإِنْ سَكَتَ الْحَمِيلُ وَقَدْ عَلِمَ بِذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْحَمَالَةُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى حَلَّ أَجَلُ التَّأْخِيرِ حَلَفَ الطَّالِبُ مَا أَخَّرَهُ لِيَبْرَأَ الْحَمِيلُ وَثَبَتَتْ الْحَمَالَةُ. قَالَ غَيْرُهُ: إذَا كَانَ الْغَرِيمُ مَلِيئًا فَأَخَّرَهُ تَأْخِيرًا بَيِّنًا سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ وَإِنْ أَخَّرَهُ وَلَا شَيْءَ عِنْدَهُ، فَلَا حُجَّةَ لِلْكَفِيلِ وَلَهُ طَلَبُ الْكَفِيلِ أَوْ تَرْكُهُ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ الْغَيْرِ إذَا كَانَ الْغَرِيمُ مَلِيئًا فَأَخَّرَهُ تَأْخِيرًا بَيِّنًا سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ هُوَ خِلَافٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَاَلَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ: الْمَطْلُوبُ إذَا أَخَّرَهُ الطَّالِبُ إنْ كَانَ مُعْدِمًا فَلَا كَلَامَ لِلْكَفِيلِ، وَإِنْ كَانَ مَلِيئًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ فَيُنْكِرَ أَوْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ فَيَسْكُتَ، أَوْ أَنْ لَا يَعْلَمَ بِذَلِكَ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ، فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَنْكَرَ فَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَالَةُ وَيُقَالُ لِلطَّالِبِ: إنْ أَحْبَبْت أَنْ تُمْضِيَ التَّأْخِيرَ عَلَى أَنْ لَا كَفَالَةَ لَكَ عَلَى الْكَفِيلِ وَإِلَّا فَاحْلِفْ أَنَّكَ إنَّمَا أَخَّرْته عَلَى أَنْ يَبْقَى الْكَفِيلُ عَلَى كَفَالَتِهِ، فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّأْخِيرُ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 50 التَّأْخِيرُ وَالْكَفَالَةُ سَاقِطَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ انْتَهَى. اُنْظُرْهُ مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ (وَتَأَخَّرَ غَرِيمُهُ بِتَأْخِيرِهِ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا أَخَّرَ الطَّالِبُ الْحَمِيلَ بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ فَذَلِكَ تَأْخِيرٌ لِلْغَرِيمِ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا كَانَ ذَلِكَ مِنِّي تَأْخِيرًا لِلْغَرِيمِ فَيَكُونَ لَهُ طَلَبُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَ الْحَمَالَةَ كَانَ لَهُ طَلَبُ الْغَرِيمِ إنْ قَالَ: وَضَعْت الْحَمَالَةَ دُونَ الْحَقِّ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ تَأْخِيرُهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 51 (وَبَطَلَ إنْ فَسَدَ مُتَحَمَّلٌ بِهِ) الَّذِي لِلَّخْمِيِّ: مَنْ أَعْطَى دِينَارًا فِي دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ وَأَخَذَ بِهَا حَمِيلًا الْحَمَالَةُ سَاقِطَةٌ. وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ: لَوْ قَالَ لَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ: أَسْلِفْنِي مِائَةً أُخْرَى وَخُذْ رَهْنًا بِالْمِائَتَيْنِ إلَى شَهْرٍ بَعْدَ الْأَجَلِ لَمْ يَجُزْ وَيَرُدُّ الْمِائَةَ السَّلَفَ وَيَأْخُذُ رَهْنَهُ وَيَرُدُّ الدَّيْنَ إلَى أَجَلِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَزِدْهُ فِي الْأَجَلِ شَيْئًا وَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً. وَلَوْ كَانَتْ الْمِائَةُ الْأُخْرَى بِحَمَالَةٍ لَسَقَطَتْ الْحَمَالَةُ عَنْ الْمِائَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ حَمَالَةٌ فِي مُعَامَلَةٍ فَاسِدَةٍ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ تَأْخِيرٌ وَلَا سَلَفٌ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي الرُّهُونِ أَنَّ لَهُ حَبْسُ الرَّهْنِ حَتَّى يَقْبِضَ حَقَّهُ فَيَبْقَى النَّظَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَمَالَةِ، فَانْظُرْهُ مَعَ هَذَا وَسَيَأْتِي أَنَّهَا تَلْزَمُ وَإِنْ كَانَتْ بِجُعْلٍ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي. (أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 52 فَسَدَتْ) ابْنُ يُونُسَ: كُلُّ حَمَالَةٍ وَقَعَتْ عَلَى حَرَامٍ فِيمَا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَنَّهَا تَلْزَمُ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِمَا أَوْ بَعْدُ، فَالْحَمَالَةُ سَاقِطَةٌ عَنْ الْحَمِيلِ عَلِمَ صَاحِبُ الْحَقِّ أَوْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَوْ الْحَمِيلُ بِمَكْرُوهِ ذَلِكَ أَوْ جَهِلُوا ذَلِكَ مَفْسُوخٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَالَ أَصْبَغُ: وَكُلُّ حَمَالَةٍ وَقَعَتْ فِي حَرَامٍ بَيْنَ الْحَمِيلِ وَبَيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْحَقِّ فَالْحَمَالَةُ لَازِمَةٌ لِلْحَمِيلِ. وَانْظُرْ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى إذَا سَقَطَ الدَّيْنُ عَنْ الْغَرِيمِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْغَرِيمِ. ابْنُ عَرَفَةَ: سُقُوطُ الْحَمَالَةِ بِإِسْقَاطِ الْمُتَحَمِّلِ بِهِ. (بِكَجُعْلٍ) الْأَبْهَرِيُّ: لَا يَجُوزُ ضَمَانٌ بِجُعْلٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مَعْرُوفٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ عِوَضٌ عَنْ مَعْرُوفٍ وَفِعْلِ خَيْرٍ كَمَا لَا يَجُوزُ عَلَى صَوْمٍ وَلَا صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهَا لَيْسَ لِكَسْبِ الدُّنْيَا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِي الْحَمَالَةِ بِجُعْلٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ نَزَلَ وَكَانَ يَعْلَمُ صَاحِبَ الْحَقِّ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ وَرُدَّ الْجُعْلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ فَالْحَمَالَةُ لَازِمَةٌ لِلْحَمِيلِ وَيَرُدُّ الْجُعْلَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. (مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ الْبَائِعِ جَعَلَ لِرَجُلٍ دِينَارًا لِيَتَحَمَّلَ لَهُ بِمَا يَبِيعُ بِهِ سِلْعَتَهُ مِنْ فُلَانٍ كَانَتْ الْحَمَالَةُ سَاقِطَةً؛ لِأَنَّ مَحْمَلَهَا مَعَهُ مَحْمَلُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا حَمَالَةٌ بِعِوَضٍ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ لِلْحَمِيلِ الْعِوَضُ لَمْ تَلْزَمْهُ الْحَمَالَةُ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيمَا فَعَلَهُ الْبَائِعُ مَعَ الْجَهْلِ. (كَمَدِينِهِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَالَ لَهُ: تَحَمَّلْ عَنِّي بِمَا أَشْتَرِي بِهِ هَذِهِ السِّلْعَةَ وَلَكَ دِينَارٌ وَالْبَائِعُ غَيْرُ عَالَمٍ بِمَا فَعَلَاهُ، كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا وَالْحَمَالَةُ لَازِمَةً؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ حَتَّى أَخْرَجَ سِلْعَتَهُ. وَيَخْتَلِفُ إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَ ذَلِكَ بِعِلْمِ صَاحِبِ الْحَقِّ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ يُرِيدُ وَيَكُونُ بِالْخِيَارِ فِي سِلْعَتِهِ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ فِيهَا بِغَيْرِ حَمِيلٍ أَوْ يَرُدَّهَا. (وَإِنْ ضَمَانَ مَضْمُونِهِ) اُنْظُرْ هَلْ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْفَهْمِ وَأَنَّ ضَمَانَ ضَامِنِهِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يَجُوزُ ضَمَانٌ بِجُعْلٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 53 وَلِذَلِكَ امْتَنَعَ أَنْ يَضْمَنَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ لِيَضْمَنَهُ الْآخَرُ، أَمَّا لَوْ اشْتَرَيَا سِلْعَةً بَيْنَهُمَا بِالسَّوَاءِ لَجَازَ لِلْعَمَلِ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ بَاعَا سِلْعَتَيْهِمَا فِي صَفْقَةٍ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ حَمِيلٌ لَمْ يَجُزْ وَكَأَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْ الْمَلِيءِ عَلَى أَنْ يَتَحَمَّلَ لَهُ بِالْمُعْدِمِ. ابْنُ الْكَاتِبِ اتِّفَاقًا مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. (إلَّا فِي اشْتِرَاءِ شَيْءٍ بَيْنَهُمَا) ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ ثَلَاثَةٍ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ حَمِيلٌ بِبَعْضٍ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا شُرَكَاءَ فِي غَيْرِهَا وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَمْ يَزَلْ هَذَا مِنْ بُيُوعِ النَّاسِ وَمَا عَلِمْت مَنْ أَنْكَرَهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: تَحَمَّلْ عَنِّي فِي شَيْءٍ عَلَى أَنْ أَتَحَمَّلَ عَنْكَ فِي شَيْءٍ آخَرَ. (أَوْ بَيْعِهِ) ابْنُ يُونُسَ: لَوْ كَانَتْ سِلْعَةٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَبَاعَاهَا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا حَمِيلٌ بِالْآخَرِ جَازَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا إذَا اسْتَوَتْ شَرِكَتُهُمَا. وَقَدْ أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ السَّلَمَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَمِيلٌ بِالْآخَرِ بِخِلَافِ جَمْعِ السِّلْعَتَيْنِ إذْ قَدْ يَسْتَحِقُّ بَيْعَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. (كَقَرْضِهِمَا) ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَابْنُ الْفَخَّارِ: إنْ كَانَ السَّلَفُ عَلَى جَمَاعَةٍ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، أَسْلَفَ وَاحِدًا عَلَى أَنْ يَضْمَنَ بِهِ مَا عَلَى صَاحِبِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَابْنُ الْعَطَّارِ: ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ إذَا كَانَ مَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ مَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِمْ فِي الْعَدَدِ أَوْ الْجِنْسِ لَمْ تَجُزْ الْحَمَالَةُ. زَادَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا (عَلَى الْأَصَحِّ) يَعْنِي بِهَذَا ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ إذْ الْمُتَيْطِيُّ لَمْ يُرَجِّحْ قَوْلًا وَلَا أَيْضًا ابْنُ عَرَفَةَ. (وَإِنْ تَعَدَّدَ حُمَلَاءُ أُتْبِعَ كُلٌّ بِحِصَّتِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا تَكَفَّلَ ثَلَاثَةُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 54 رِجَالٍ بِمَالٍ عَلَى رَجُلٍ حَمَالَةً مُبْهَمَةً فَأَعْدَمَ الْغَرِيمُ لَمْ يَكُنْ لِلطَّالِبِ عَلَى مَنْ لَقِيَ مِنْ الْحُمَلَاءِ إلَّا ثُلُثُ الْحَقِّ. قَالَ مَالِكٌ: إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ فِي أَصْلِ الْكَفَالَةِ أَنَّ بَعْضَهُمْ حَمِيلٌ عَنْ بَعْضٍ فَحِينَئِذٍ إنْ غَابَ أَحَدُهُمْ أَوْ أَعْدَمَ أُخِذَ مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ مَلِيئًا بِجَمِيعِ الْحَقِّ، وَإِنْ لَقِيَهُمْ أَمْلِيَاءَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ إلَّا ثُلُثَ الْحَقَّ إذْ لَا يُتْبَعُ الْكَفِيلُ فِي حُضُورِ الْمَكْفُولِ بِهِ وَمَلَائِهِ. وَلَوْ شَرَطَ أَيُّكُمْ شِئْت أَخَذْت بِحَقِّي وَلَمْ يَقُلْ بَعْضُكُمْ كَفِيلٌ بِبَعْضٍ فَلْيَأْخُذْ أَحَدَهُمْ بِجَمِيعِ الْحَقِّ، وَإِنْ كَانُوا حُضُورًا أَمْلِيَاءَ، ثُمَّ لَا رُجُوعَ لِلْغَارِمِ عَلَى أَصْحَابِهِ إذَا لَمْ يُؤَدِّ بِالْحَمَالَةِ عَنْهُمْ وَلَكِنْ عَلَى الْغَرِيمِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَالَهُ جَمِيعُ أَصْحَابِ مَالِكٍ. . [أَخَذَ مِنْ غَرِيمِهِ كَفِيلًا بَعْدَ كَفِيلٍ] (كَتَرَتُّبِهِمْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَخَذَ مِنْ غَرِيمِهِ كَفِيلًا بَعْدَ كَفِيلٍ فَلَهُ فِي عَدَمِ الْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ بِجَمِيعِ حَقِّهِ أَيَّ الْكَفِيلَيْنِ شَاءَ، بِخِلَافِ كَفِيلَيْنِ فِي صَفْقَةٍ لَا يُشْتَرَطُ حَمَالَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ. (وَرَجَعَ الْمُؤَدِّي بِغَيْرِ الْمُؤَدَّى عَنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ مَا عَلَى الْمُلْقِي ثُمَّ سَاوَاهُ) لِمَا ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا تَكَفَّلَ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ بِمَالٍ عَلَى رَجُلٍ وَشَرَطَ فِي أَصْلِ الْكَفَالَةِ أَنَّ بَعْضَهُمْ حَمِيلٌ عَنْ بَعْضٍ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ أَحَدِهِمْ فِي هَذَا جَمِيعَ الْمَالِ رَجَعَ الْغَارِمُ عَلَى صَاحِبَيْهِ إذَا لَقِيَهُمَا بِالثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ. ابْنُ عَرَفَةَ ضَابِطُ تَرَاجُعِهِمْ فِي ثَمَنِ مَا ابْتَاعُوهُ مُتَحَامِلِينَ رُجُوعُ كُلِّ غَارِمٍ عَلَى مَنْ لَقِيَهُ بِمَا غَرِمَ عَنْهُ وَبِمَا يُوجِبُ مُسَاوَاتَهُ إيَّاهُ فِيمَا غَرِمَهُ بِالْحَمَالَةِ مِنْ غَيْرِهِ. ابْنُ شَاسٍ: ضَابِطُهُ مَنْ غَرِمَ ثُمَّ لَقِيَ غَيْرَهُ أَخَذَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُ شَطْرَ مَا بَقِيَ إذْ هُوَ شَرِيكُهُ فِي الْحَمَالَةِ عَنْهُ عَلَى مَا بَقِيَ إذْ هُوَ شَرِيكُهُ فِي الْحَمَالَةِ عَنْهُ. (فَإِنْ اشْتَرَى سِتَّةً بِسِتِّمِائَةٍ بِالْحَمَالَةِ فَلَقِيَ أَحَدَهُمْ أَخَذَ مِنْهُ الْجَمِيعَ) ابْنُ رُشْدٍ: مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ فِي تَرَاجُعِ السِّتَّةِ الْكُفَلَاءِ الْوَاقِعَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهِيَ رَجُلٌ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ سِتَّةِ رِجَالٍ بِسِتِّمِائَةٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَمِيلٌ عَنْ أَصْحَابِهِ بِجَمِيعِهَا وَشَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ مَنْ شَاءَ بِجَمِيعِ حَقِّهِ، فَإِنْ وَجَدَ الْبَائِعُ أَحَدَهُمْ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ السِّتَّمِائَةِ كُلَّهَا؛ لِأَنَّ الْمِائَةَ الْوَاحِدَةَ مِنْهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلِ الْحَقِّ، وَالْخَمْسَمِائَةِ يَأْخُذُهَا مِنْهُ بِالْحَمَالَةِ عَنْ أَصْحَابِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 55 الْبَاقِينَ (ثُمَّ إنْ لَقِيَ أَحَدَهُمْ أَخَذَهُ بِمِائَةٍ ثُمَّ بِمِائَتَيْنِ) ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ أَخَذَ الْبَائِعُ الْجَمِيعَ مِنْ أَحَدِهِمْ فَلَقِيَ هَذَا الْمَأْخُوذُ مِنْهُ أَحَدَ الْخَمْسَةِ الْبَاقِينَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِثَلَاثِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ: أَدَّيْت أَنَا سِتَّمِائَةٍ: مِائَةٌ مِنْهَا وَاجِبَةٌ عَلَيَّ لَا أَرْجِعُ بِهَا عَلَى أَحَدٍ، وَالْخَمْسُمِائَةِ الْبَاقِيَةُ أَدَّيْتهَا عَنْكَ وَعَنْ أَصْحَابِكَ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِينَ مِائَةً مِائَةً عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، فَادْفَعْ إلَيَّ الْمِائَةَ الَّتِي أَدَّيْت عَنْكَ وَنِصْفَ مَا أَدَّيْت عَنْ أَصْحَابِكَ بِالْحَمَالَةِ وَذَلِكَ مِائَتَانِ؛ لِأَنَّكَ حَمِيلٌ مَعِي بِهِمْ، فَيَأْخُذُ مِنْهُ ثَلَاثَمِائَةٍ فَيَسْتَوِيَانِ فِيمَا غَرِمَا عَنْ أَنْفُسِهِمَا وَبِالْحَمَالَةِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا (فَإِنْ لَقِيَ أَحَدُهُمَا ثَالِثًا أَخَذَهُ بِخَمْسِينَ وَبِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ لَقِيَ أَحَدُهُمَا ثَالِثًا أَخَذَهُ بِخَمْسِينَ وَبِخَمْسَةِ وَسَبْعِينَ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ: أَدَّيْت أَنَا الثَّلَاثَمِائَةِ الْوَاحِدَةُ مِنْهَا عَنْ نَفْسِي لَا أَرْجِعُ بِهَا عَلَى أَحَدٍ، وَالْمِائَتَانِ الْبَاقِيَتَانِ عَنْكَ وَعَنْ أَصْحَابِك الثَّلَاثَةِ الْغُيَّبِ الْبَاقِينَ، خَمْسِينَ خَمْسِينَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، فَادْفَعْ إلَيَّ الْخَمْسِينَ الَّتِي أَدَّيْت عَنْكَ فِي خَاصَّتِكَ وَخَمْسَةً وَسَبْعِينَ نِصْفَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ الَّتِي أَدَّيْت عَنْ أَصْحَابِكَ بِالْحَمَالَةِ؛ لِأَنَّهُ حَمِيلٌ مَعِي بِهِمْ (فَإِنْ لَقِيَ الثَّالِثُ رَابِعًا أَخَذَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَبِمِثْلِهَا) ابْنُ رُشْدٍ: إنَّ الثَّالِثَ مِنْ الْغَارِمِينَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ إنْ لَقِيَ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخَمْسِينَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ: أَدَّيْت أَنَا مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ خَمْسُونَ مِنْهَا عَنْ نَفْسِي مِنْ الْمِائَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيَّ مِنْ أَصْلِ الْحَقِّ لَا أَرْجِعُ بِهَا عَلَى أَحَدٍ، وَخَمْسَةً وَسَبْعِينَ بِالْحَمَالَةِ عَنْكَ وَعَنْ صَاحِبَيْك الْغَائِبَيْنِ، خَمْسَةً وَعِشْرِينَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، فَادْفَعْ إلَيَّ الْخَمْسَةَ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي أَدَّيْت عَنْكَ فِي خَاصَّتِك وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ نِصْفَ الْخَمْسِينَ الَّتِي أَدَّيْت عَنْ صَاحِبَيْكَ بِالْحَمَالَةِ؛ لِأَنَّك حَمِيلٌ مَعِي بِهِمْ فَيَأْخُذُ مِنْهُ الْخَمْسِينَ (ثُمَّ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ وَسِتَّةٍ وَرُبُعٍ) اللَّخْمِيِّ: وَإِذَا لَقِيَ الرَّابِعُ خَامِسًا أَخَذَهُ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ وَهِيَ الَّتِي تَنُوبُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَتَبْقَى اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ عَلَى السَّادِسِ فَيَأْخُذُ مِنْهَا نِصْفَهَا سِتَّةً وَرُبُعًا، فَإِنْ لَقِيَ الْخَامِسُ السَّادِسَ أَخَذَهُ بِسِتَّةٍ وَرُبُعٍ الَّتِي أَدَّى عَنْهُ. (وَهَلْ لَا يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ أَيْضًا إنْ كَانَ الْحَقُّ عَلَى غَيْرِهِمْ أَوْ لَا وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ تَحَمَّلَ بِالْمَالِ حُمَلَاءُ فِي صَفْقَةٍ وَشَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ أَيُّهُمْ شَاءَ، فَإِنْ أَخَذَ أَحَدُهُمْ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ الْمَالِ فَاخْتُلِفَ هَلْ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 56 أَنْ يَرْجِعَ عَلَى مَنْ وَجَدَ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى يُسَاوِيَهُ فِي ذَلِكَ؟ فَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ لَهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ التُّونِسِيُّ. وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ لَهُ وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالْآتِي عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَسَمَاعُ أَبِي زَيْدٍ وَعَزَا عِيَاضٌ الْأَوَّلَ لِلتُّونِسِيِّ وَابْنِ لُبَابَةَ، وَالثَّانِي لِمَنْ ذُكِرَ مَعَ كَثِيرٍ مِنْ شُيُوخِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ. (وَصَحَّ بِالْوَجْهِ) ابْنُ رُشْدٍ: الْحَمَالَةُ بِالْوَجْهِ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ الْمُتَحَمَّلُ عَنْهُ مَطْلُوبًا بِمَالٍ أَوْ مَطْلُوبًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 57 بِشَيْءٍ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي بَدَنِهِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ. (وَلِلزَّوْجِ رَدُّهُ مِنْ زَوْجَتِهِ) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْ الْكَفَالَةِ بِالْوَجْهِ عَلَى أَنْ لَا مَالَ عَلَيْهَا لِحُجَّتِهِ بِحَبْسِهَا فَيُمْنَعُ مِنْهَا وَتَخْرُجُ لِلْخُصُومَةِ. (وَبَرِئَ بِتَسْلِيمِهِ لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ تَكَفَّلَ بِرَجُلٍ أَوْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَجْهِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ إلَى أَجَلٍ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ مَالًا، فَإِنَّهُ إذَا أَتَى بِالرَّجُلِ عِنْدَ الْأَجَلِ مَلِيًّا أَوْ مُعْدِمًا بَرِئَ. الْمُتَيْطِيُّ: وَإِذَا أَخَذَ بِالْحَمِيلِ حَمِيلًا فَغَابَ الْغَرِيمُ وَالْحَمِيلُ الْأَوَّلُ كُلِّفَ الْحَمِيلُ الْآخَرُ أَنْ يُحْضِرَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 58 أَحَدُهُمَا الْغَرِيمَ أَوْ الْحَمِيلَ، فَأَيَّهُمَا أَحْضَرَ بَرِئَ إنْ كَانَ الَّذِي أَحْضَرَ مُوسِرًا وَإِلَّا غَرِمَ الْمَالَ. (وَإِنْ بِسِجْنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا حُبِسَ الْمَحْمُولُ بِعَيْنِهِ فَدَفَعَهُ الْحَمِيلُ إلَى الطَّالِبِ وَهُوَ فِي السِّجْنِ بَرِئَ الْحَمِيلُ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ فِي السِّجْنِ وَيُحْبَسُ لَهُ بَعْدَ تَمَامِ مَا سُجِنَ فِيهِ. (أَوْ بِتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ إنْ أَمَرَهُ بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ أَنَّ الْغَرِيمَ أَمْكَنَ الطَّالِبَ مِنْ نَفْسِهِ وَأَشْهَدَ أَنِّي دَفَعْت نَفْسِي إلَيْكَ بَرَاءَةً لِلْحَمِيلِ لَمْ يَبْرَأْ بِذَلِكَ الْحَمِيلُ حَتَّى يَدْفَعَهُ الْحَمِيلُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ إلَى الطَّالِبِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ الطَّالِبُ أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ بِذَلِكَ بَرَاءَةٌ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ أَمَرَهُ الْحَمِيلُ أَنْ يُمَكِّنَ نَفْسَهُ مِنْ الطَّالِبِ لَبَرِئَ بِذَلِكَ الْحَمِيلُ، فَإِنْ أَنْكَرَ الطَّالِبُ أَنْ يَكُونَ الْحَمِيلُ أَمَرَهُ بِدَفْعِ نَفْسِهِ إلَيْهِ، فَإِنْ شَهِدَ بِذَلِكَ أَحَدٌ بَرِئَ الْحَمِيلُ، ابْنُ عَرَفَةَ: جَعَلَ الْمَازِرِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ خِلَافَ الْمَشْهُورِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ وِفَاقٌ. (إنْ حَلَّ الْحَقُّ) الْمَازِرِيُّ: لَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ مُؤَجَّلَةً فَأَتَى الْكَفِيلُ بِالْغَرِيمِ قَبْلَ الْأَجَلِ، لَمْ تَسْقُطْ الْكَفَالَةُ عَنْهُ لِكَوْنِ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الطَّالِبُ فَلَا يُفِيدُهُ إحْضَارُ الْغَرِيمِ وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ طَالِبَهُ (وَبِغَيْرِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ) فِي الْكَافِي: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْضِرَهُ مَجْلِسَ الْحَاكِمِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطْ فِي ذَلِكَ ضَمَانَهُ. (وَبِغَيْرِ بَلَدِهِ إنْ كَانَ بِهِ حَاكِمٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِمَوْضِعٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 59 فِيهِ حُكْمٌ وَسُلْطَانٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ، أَوْ إنْ دَفَعَهُ بِمَوْضِعٍ لَا سُلْطَانَ بِهِ أَوْ فِي حَالِ فِتْنَةٍ أَوْ فِي مَفَازَةٍ أَوْ بِمَكَانٍ يَقْدِرُ الْغَرِيمُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ لَمْ يَبْرَأْ الْحَمِيلُ حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَيْهِ بِمَوْضِعٍ يَصِلُ إلَيْهِ وَبِهِ سُلْطَانٌ فَيَبْرَأُ (وَلَوْ عَدِيمًا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَتَى بِهِ عِنْدَ الْأَجَلِ مَلِيًّا أَوْ مُعْدِمًا بَرِئَ. (وَإِلَّا أَغْرَمَهُ بَعْدَ خَفِيفِ تَلَوُّمٍ إنْ قَرُبَتْ غَيْبَةُ غَرِيمِهِ كَالْيَوْمِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ يَأْتِ حَمِيلُ الْوَجْهِ بِالْغَرِيمِ عِنْدَ الْأَجَلِ وَالْغَرِيمُ حَاضِرٌ تَلَوَّمَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا قَرِيبَ الْغَيْبَةِ مِثْلَ الْيَوْمِ وَشِبْهِهِ تَلَوَّمَ لَهُ كَمَا يَتَلَوَّمُ لِلْحَاضِرِ. قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: بِقَدْرِ مَا لَا يَضُرُّ فِيهِ بِالطَّلَبِ وَمَا يَجْتَهِدُ بِهِ لِلْحَمِيلِ، فَإِنْ أَتَى بِهِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا غَرِمَ. الْمُتَيْطِيُّ: يَلْزَمُ بِضَمَانِ الْوَجْهِ غُرْمُ الْمَالِ الَّذِي ثَبَتَ قِبَلَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ إذَا لَمْ يَحْضُرْ الْوَجْهُ وَلَا كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ. (وَلَا يَسْقُطُ بِإِحْضَارِهِ إنْ حَكَمَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَحَمَّلَ بِوَجْهِ رَجُلٍ إلَى أَجَلٍ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ عِنْدَ الْأَجَلِ فَرُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ فَلَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِالْمَالِ حَتَّى أَحْضَرَهُ بَرِئَ مِنْ الْمَالِ وَمِنْ عَيْنِ الرَّجُلِ، وَلَوْ كَانَ قَدْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْمَالِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ لَزِمَهُ الْمَالُ وَمَضَى الْحُكْمُ يُرِيدُ وَيَتْبَعُ أَيَّهُمَا شَاءَ. (لَا إنْ أَثْبَتَ عُدْمَهُ أَوْ مَوْتَهُ فِي غَيْبَتِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ بَلَدِهِ) أَمَّا إنْ ثَبَتَ عُدْمُ الْغَرِيمِ الْغَائِبِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إذَا كَانَتْ الْحَمَالَةُ بِالْوَجْهِ ثُمَّ عَجِلَ الْحَمِيلُ عَنْ إحْضَارِ الْمُتَحَمَّلِ بِهِ غَرِمَ الْمَالَ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ فَقْرُهُ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ فَتَسْقُطُ الْكَفَالَةُ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ مِنْ الْقَوْلِ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " بِحَمِيلٍ بِوَجْهِهِ يَغْرَمُ وَلَوْ أَثْبَتَ عُدْمَهُ ". وَأَمَّا مَوْتُ الْغَرِيمِ وَلَوْ بِغَيْرِ بَلَدِهِ فَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا مَاتَ الْغَرِيمُ بَرِئَ حَمِيلُ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ الْمَكْفُولَةَ قَدْ ذَهَبَتْ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ مَاتَ الْغَرِيمُ بِالْبَلَدِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَمِيلِ، وَإِنْ مَاتَ فِي غَيْبَتِهِ لَزِمَ الْغُرْمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْتُ الْغَرِيمِ قَبْلَ الْأَجَلِ بِأَيَّامٍ لَوْ كُلِّفَ الْحَمِيلُ الْمَجِيءَ بِهِ لَرَجَعَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، فَحِينَئِذٍ تَسْقُطُ عَنْهُ الْحَمَالَةُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 60 وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا أُبَالِي إذْ هُوَ مَاتَ فَالْحَمَالَةُ تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ فِي غَيْبَتِهِ أَوْ بِالْبَلَدِ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ أَشْهَبَ هُوَ نَحْوُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: وَهُوَ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الْغَيْبَ كَشَفَ أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ. (وَرَجَعَ بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ غَابَ الْغَرِيمُ فَقَضَى عَلَى حَمِيلِ الْوَجْهِ بِالْمَالِ فَأَدَّاهُ ثُمَّ أَثْبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ الْغَرِيمَ مَاتَ فِي غَيْبَتِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، رَجَعَ بِمَا أَدَّى عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَيِّتٌ حِينَ أَخَذَ بِهِ الْحَمِيلُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا تَقَعُ الْحَمَالَةُ بِالنَّفْسِ مَا كَانَ حَيًّا. (وَبِالطَّلَبِ) يَعْنِي وَصَحَّ بِالْوَجْهِ وَبِالطَّلَبِ. قَالَ مَالِكٌ: لَوْ شَرَطَ حَمِيلُ الْوَجْهِ أَنِّي أَطْلُبُهُ فَإِنْ لَمْ أَجِدْهُ بَرِئْتَ مِنْ الْمَالِ وَلَكِنْ عَلَيَّ طَلَبُهُ حَتَّى آتِي بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا مَا شَرَطَ. ابْنُ الْمَوَّازِ: أَوْ يَقُولُ: لَا أَضْمَنُ إلَّا وَجْهَهُ فَهَذَا لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالْوَجْهِ، غَابَ أَوْ حَضَرَ أَوْ مَاتَ أَوْ فَلَّسَ، وَلَا يُحْبَسُ إنْ لَمْ يُحْضِرْهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِمَكَانِهِ فَلْيُحْبَسْ بِقَدْرِ مَا يَرَى السُّلْطَانُ مِمَّا يَرْجُو بِهِ إحْضَارَهُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ غَيْرُهُ: لَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ جَاءَ بِالرَّجُلِ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ إلَّا أَنْ يُمْكِنَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ إحْضَارُهُ فَفَرَّطَ فِيهِ حَتَّى أَعْوَزَهُ فَهَذَا قَدْ غَرَّهُ. (وَإِنْ فِي قِصَاصٍ) اللَّخْمِيِّ: لَوْ كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ بِجُرْحٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ قَتْلٍ لَمْ تَجُزْ الْكَفَالَةُ بِمَا يَجِبُ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَلَا أَنْ يَتَكَفَّلَ بِوَجْهِهِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ وَجَازَ الْكَفَالَةُ بِطَلَبِهِ خَاصَّةً، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ لِحَقِّ اللَّهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُتْرَكَ بِحَمِيلٍ وَالْحُكْمُ أَنْ يُسْجَنَ حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ. (كَأَنَا حَمِيلٌ بِطَلَبِهِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ: أَنَا حَمِيلٌ بِطَلَبِهِ أَوْ عَلَيَّ أَنْ أَطْلُبَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سِوَى ذَلِكَ. (أَوْ اشْتَرَطَ نَفْيَ الْمَالِ) ابْنُ رُشْدٍ: الْحَمِيلُ بِالْوَجْهِ يَلْزَمُهُ غُرْمُ الْمَالِ إذَا لَمْ يُحْضِرْ الْعَيْنَ، فَإِنْ أَحْضَرَهُ بَرِئَ مِنْ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ فَيَنْفَعُهُ الشَّرْطُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غُرْمُ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فَيُفَرِّطُ فِي ذَلِكَ أَوْ يَتْرُكُهُ أَوْ يُغَيِّبُهُ حَتَّى يَذْهَبَ فَيَكُونَ ضَامِنًا لِلْمَالِ بِإِهْلَاكِهِ إيَّاهُ، وَمَا لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ خَاصَّةً عَلَى مَا اُشْتُرِطَ وَفِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّلَبِ اخْتِلَافٌ (أَوْ قَالَ لَا أَضْمَنُ إلَّا وَجْهَهُ) تَقَدَّمَ مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنُ الْمَوَّازِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبِالطَّلَبِ " وَلِابْنِ رُشْدٍ بَحْثٌ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ اُنْظُرْهُ فِي الْمُقَدَّمَاتِ. (وَطَلَبَهُ بِمَا يَقْوَى عَلَيْهِ وَحَلَفَ مَا قَصَّرَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَالَ لَهُ الطَّالِبُ: هُوَ بِمَوْضِعِ كَذَا فَاخْرُجْ إلَيْهِ فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْحَمِيلِ يَقْوَى عَلَى الْخُرُوجِ إلَيْهِ أُمِرَ بِذَلِكَ، وَإِنْ ضَعُفَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ. الْمُتَيْطِيُّ: فَإِنْ خَرَجَ لِطَلَبِهِ ثُمَّ قَدِمَ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ تَشَدَّدَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ تَقْصِيرٌ وَعَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ بَرِئَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 61 وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَأَشَدُّ مَا عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا قَصَّرَ فِي طَلَبِهِ وَلَا دَلَّسَ وَلَا يَعْرِفُ لَهُ مُسْتَقَرًّا. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْأَجِيرِ عَلَى تَبْلِيغِ الْكِتَابِ قَالَ: وَأَمَّا إذَا اشْتَرَطَ ضَامِنُ الْوَجْهِ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِي إحْضَارِ وَجْهِهِ دُونَ يَمِينٍ تَلْزَمُهُ كَانَ لَهُ شَرْطُهُ. (وَغَرِمَ إنْ فَرَّطَ أَوْ هَرَّبَهُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إلَّا أَنْ يُفَرِّطَ أَوْ يُغَيِّبَهُ. وَعِبَارَةُ الْمَازِرِيِّ: وَلَوْ غَيَّبَ الْكَفِيلُ بِالطَّلَبِ الْغَرِيمَ أَوْ لَقِيَهُ فَتَرَكَهُ حَتَّى عُدَّ مُفَرِّطًا فِيهِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ كَالْقَاصِدِ بِذَلِكَ إتْلَافَ مَالِ غَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ الْتَزَمَ صِيَانَتَهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا التَّعْلِيلَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُقَالَ لِلْأَبِ أَحْضِرْ ابْنَكَ وَلَا لِلزَّوْجِ أَحْضِرْ زَوْجَتَكَ. (وَعُوقِبَ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ قَالَ لَهُ الطَّالِبُ. هُوَ بِمَوْضِعِ كَذَا فَاخْرُجْ إلَيْهِ فَخَرَجَ فَأَثْبَتَ الطَّالِبُ أَنَّهُ خَرَجَ وَأَقَامَ بِقَرْيَتِهِ وَلَمْ يَتَمَادَ فَلْيُعَاقِبْهُ السُّلْطَانُ بِالسِّجْنِ بِقَدْرِ مَا يَرَى، وَأَمَّا أَنْ يُضَمِّنَهُ الْمَالَ فَلَا إلَّا أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ غَيَّبَهُ أَوْ لَقِيَهُ فَتَرَكَهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ مُقْتَضَى هَذَا النَّقْلِ أَنَّ الْعُقُوبَةَ هِيَ حَيْثُ لَا غُرْمَ إذْ لَا يَكُونُ عِقَابٌ مَعَ غُرْمٍ. (وَحُمِلَ فِي مُطْلَقِ أَنَا حَمِيلٌ أَوْ زَعِيمٌ وَأَذِينٌ وَقَبِيلٌ وَعِنْدِي وَإِلَيَّ وَشِبْهِهِ عَلَى الْمَالِ عَلَى الْأَرْجَحِ) ابْنُ يُونُسَ: اخْتَلَفَ فُقَهَاؤُنَا إذَا قَالَ: أَنَا حَمِيلٌ لَكَ أَوْ زَعِيمٌ أَوْ كَفِيلٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، هَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ حَمِيلٌ بِالْمَالِ أَوْ بِالْوَجْهِ إذَا عَرَا الْكَلَامُ عَنْ دَلِيلٍ؟ وَالصَّوَابُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَالِ (وَالْأَظْهَرُ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ قَالَ: أَنَا حَمِيلٌ لَكَ أَوْ زَعِيمٌ أَوْ كَفِيلٌ أَوْ ضَامِنٌ أَوْ هُوَ لَك عِنْدِي أَوْ عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ أَوْ قِبَلِي، فَذَلِكَ كُلُّهُ حَمَالَةٌ لَازِمَةٌ إنْ أَرَادَ الْوَجْهَ أَوْ الْمَالَ لَزِمَهُ مَا اشْتَرَطَ. عِيَاضٌ: وَمِثْلُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ " قَبِيلٌ " وَ " أَذِينٌ ". ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي حَمْلِ لَفْظِهَا الْمُبْهَمِ الْعَارِي عَنْ بَيَانِ لَفْظٍ أَوْ قَرِينَةٍ عَلَى الْمَالِ أَوْ الْوَجْهِ نَقْلًا عِيَاضٌ عَنْ الشُّيُوخِ. ابْنُ رُشْدٍ: الْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَمِيلُ غَرِيمٌ» . (لَا إنْ اخْتَلَفَا) ابْنُ يُونُسَ: أَمَّا إنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الطَّالِبُ: شَرَطْت عَلَيْكَ الْحَمَالَةَ بِالْمَالِ وَقَالَ الْكَفِيلُ: بِالْوَجْهِ، فَيَنْبَغِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 62 أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَمِيلِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ يَدَّعِي اشْتِغَالَ ذِمَّتِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. ابْنُ يُونُسَ: وَلِأَنَّ الْحَمَالَةَ مَعْرُوفٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَعْرُوفِ إلَّا مَا أَقَرَّ بِهِ مُعْطِيهِ (وَلَمْ يَجِبْ وَكِيلٌ لِلْخُصُومَةِ وَلَا كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ بِالدَّعْوَى إلَّا بِشَاهِدٍ وَإِنْ ادَّعَى بَيِّنَةً بِكَالسُّوقِ وَقَفَهُ الْقَاضِي عِنْدَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إرْسَالُهُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عِنْدَ الْقَاضِي لَمْ يَلْزَمْ الْمَطْلُوبَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَإِنْ سَأَلَهُ كَفِيلًا بِالْحَقِّ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ شَاهِدًا فَلَهُ أَخْذُ كَفِيلٍ وَإِلَّا فَلَا، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ بَيِّنَةً يُحْضِرُهَا مِنْ السُّوقِ أَوْ مِنْ بَعْضِ الْقَبَائِلِ فَلْيُوقِفْ الْقَاضِي الْمَطْلُوبَ عِنْدَهُ لِمَجِيءِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ جَاءَ بِهَا وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ خُلْطَةٌ فِي مُعَامَلَةٍ فَادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا لَمْ يَجِبْ لَهُ عَلَيْهِ كَفِيلٌ بِوَجْهِهِ حَتَّى يَثْبُتَ حَقُّهُ. ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 63 [كِتَابُ الشَّرِكَةِ] [بَاب أَرْكَان الشَّرِكَة وَأَحْكَامهَا والنزاع بَيْن الشَّرِيكَيْنِ] وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهَا وَهِيَ الْعَاقِدَانِ، وَالصِّيغَةُ وَالْمَحَلُّ وَهُوَ الْمَالُ وَالْأَعْمَالُ. الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِهَا. الْبَابُ الثَّالِثُ فِي النِّزَاعِ. (لِلشَّرِكَةِ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا مَعَ أَنْفُسِهِمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 64 الشَّرِكَةُ الْأَعَمِّيَّةُ تَقَرُّرٌ مُتَمَوَّلٌ بَيْنَ مَالِكَيْنِ فَأَكْثَرَ مِلْكًا فَقَطْ، وَالْأَخَصِّيَّةُ بَيْعُ مَالِكِ كُلٍّ بَعْضَهُ بِبَعْضِ الْآخَرِ يُوجِبُ صِحَّةَ تَصَرُّفِهِمَا فِي الْجَمِيعِ. (وَإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ أَرْكَانِهَا الْعَاقِدَانِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا إلَّا أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 66 وَلِصَاحِبِهِ بِإِذْنِهِ. (وَلَزِمَتْ بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا كَاشْتَرَكْنَا) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ أَرْكَانِهَا الصِّيغَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَيَكْفِي قَوْلُهُمَا اشْتَرَكْنَا إذَا كَانَ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 71 عُرْفًا. ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِاللَّفْظِ. (بِذَهَبَيْنِ أَوْ وَرِقَيْنِ اتَّفَقَ صَرْفُهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالْعَيْنِ مِثْلُ أَنْ يُخْرِجَا دَنَانِيرَ وَدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ وَدَرَاهِمَ مُتَّفِقَةَ النَّفَاقِ وَالْعَيْنِ (وَبِهِمَا مِنْهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَمَّا إنْ أَخْرَجَ هَذَا ذَهَبًا وَفِضَّةً وَهَذَا مِثْلَهُ ذَهَبًا وَفِضَّةً فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا إنْ أَخْرَجَ أَحَدَهُمَا دَنَانِيرَ وَالْآخَرَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ بَاعَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 73 نِصْفَ ذَهَبِهِ بِنِصْفِ فِضَّةِ صَاحِبِهِ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: لِأَنَّ هَذِهِ صَرْفٌ مَعَ شَرِكَةٍ وَالْأُولَى لَيْسَ فِيهَا صَرْفٌ. (وَبِعَيْنٍ وَبِعَرَضٍ) ابْنُ رُشْدٍ: أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرِكَةَ بِالْعَرَضَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ أَوْ الْعَرَضِ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا وَالدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ مِنْ عِنْدِ الْآخَرِ إذَا اسْتَوَتْ الْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ إذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْبَيْعُ وَالشَّرِكَةُ، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْضَافَ إلَى الشَّرِكَةِ بَيْعٌ وَلَا إجَارَةٌ إذَا كَانَا خَارِجَيْنِ عَنْهَا. وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَا دَاخِلَيْنِ فَأَجَازَ ذَلِكَ سَحْنُونَ، وَاضْطَرَبَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَأَجَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلَانِ بِالْعَرَضَيْنِ مِنْ صِنْفَيْنِ إذَا اسْتَوَتْ قِيمَتُهُمَا، وَبِالْعُرُوضِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُهُمَا بِالدَّابَّةِ وَالْآخَرُ بِالْبَيْتِ أَوْ الرَّحَا فَيَشْتَرِكَانِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَا عَلَيْهِمَا وَإِنْ اسْتَوَتْ قِيمَةُ كِرَائِهِمَا، وَأَجَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ نِصْفَ الدَّابَّةِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَا عَلَيْهِمَا وَاسْتَوَتْ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ دَاخِلَانِ فِي الشَّرِكَةِ فَهُوَ جَائِزٌ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَشَرَةً وَلِأَحَدِهِمَا دَابَّةٌ وَالْأُخْرَى يَعْمَلُ عَلَيْهَا فِي جَمِيعِ الْمَالِ انْتَهَى. وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّحَا. وَمَسْأَلَةُ الْمَوَّازِيَّةِ: إذَا اسْتَأْجَرَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ فَظَاهِرُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَسْأَلَةِ اسْتِئْجَارِ أَحَدِهِمَا الدَّابَّةَ أَنَّهَا مُعَارِضَةٌ لِمَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ وَالرَّحَا. وَاَلَّذِي لِلْمُتَيْطِيِّ: إنْ جَعَلَ أَحَدُهُمَا الْحَانُوتَ وَالْآخَرُ الْأَدَاةَ وَكَانَا ذَوِي صَنْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَلَى أَنْ يَكُونَ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، وَأَكْرَى هَذَا مِنْ هَذَا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ وَتَسَاوَيَا فِي ذَلِكَ جَازَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِقَوْلِ مَالِكٍ: إذَا جَاءَ أَحَدُهُمَا بَرِحَا وَالْآخَرُ بِدَابَّةٍ وَلَمْ يَتَقَاوَمَا ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، فَأَمَّا إنْ قَوَّمَا الرَّحَا وَالدَّابَّةَ قَبْلَ الشَّرِكَةِ وَأَكْرَى بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَيَجُوزُ، وَتَكْتُبُ فِي ذَلِكَ: تَشَارَكَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ بِأَنْ حَصَّلَ فُلَانٌ بَيْتًا حَدُّهُ كَذَا وَفُلَانٌ بَغْلًا صِفَتُهُ كَذَا وَفُلَانٌ رَحًا بِجَمِيعِ آلَتِهَا وَقَوَّمُوا ذَلِكَ كُلَّهُ بِالْكِرَاءِ، فَاعْتَدَلَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ وَتَسَاوَوْا جَمِيعًا فِيهِ، وَتَمَّ الْعَقْدُ اهـ. وَكَذَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّهُ إذَا جَاءَ هَذَا بِرَحًا وَهَذَا بِدَابَّةٍ وَأَكْرَى هَذَا مِنْ هَذَا وَهَذَا مِنْ هَذَا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ وَتَسَاوَى ذَلِكَ جَازَ. يَبْقَى النَّظَرُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَوَّازِيَّةِ إنْ عَمِلَ فِيهَا هَكَذَا، هَلْ يَجُوزُ أَوْ لَا؟ فَانْظُرْهُ أَنْتَ. وَرَأَيْت فِي الِاسْتِغْنَاءِ مَا نَصُّهُ: إنْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا عَلَى دَوَابِّهِمَا مِنْ غَيْرِ رَأْسِ مَالٍ لَا خَيْرَ فِيهِ إلَّا أَنْ يُكْرِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْآخِرِ نِصْفَ دَوَابِّهِ. وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَصَائِدَيْنِ فِي بَازَيْنِ " مَزِيدُ نَقْلٍ. (وَبِعَرَضَيْنِ مُطْلَقًا) ابْنُ رُشْدٍ: الشَّرِكَةُ بِالْعَرَضَيْنِ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ جَائِزَةٌ بِإِجْمَاعٍ، وَبِالْعَرَضَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ أَجَازَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ إنْ كَانَ الْقَصْدُ بَيْعَ بَعْضِ أَحَدِهِمَا بِبَعْضِ الْآخَرِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَعَلَى أَنَّهُمَا لَا يَتَّجِرَانِ فِي أَثْمَانِهِمَا إذَا بِيعَا كَانَتْ جَائِزَةً وَإِنْ كَانَ فِيهَا تَغَابُنٌ أَوْ تَفَاضُلٌ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. وَإِنْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ لِيَتَّجِرَا بِأَثْمَانِهِمَا جَازَتْ الشَّرِكَةُ إذَا كَانَتْ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الشَّرِكَةِ مَبْلَغَ قِيمَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 74 سِلْعَتِهِ، فَإِنْ اشْتَرَكَا عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَالْقِيَمُ مُخْتَلِفَةٌ لَمْ يَجُزْ. وَاخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي الشَّرِيكَيْنِ يُخْرِجُ أَحَدُهُمَا دَنَانِيرَ وَالْآخَرُ دَرَاهِمَ، مَنَعَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَجَازَهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ. (وَكُلٌّ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ أُحْضِرَ لَا فَاتَ إنْ صَحَّتْ) أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ اشْتَرَكَا بِعِوَضَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عَلَى الْقِيَمِ وَبَاعَ أَحَدُهُمَا عَرَضَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا قَوَّمَهُ بِهِ فَإِنَّمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ قِيمَةِ عَرَضِهِ يَوْمَ قُوِّمَ، وَلَيْسَ لَهُ مَا بِيعَ بِهِ إذَا قُوِّمَا فِي أَصْلِ الشَّرِكَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا اتَّفَقَ قِيمَةُ الْعَرَضَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ وَعَرَفَا ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ جَازَتْ شَرِكَتُهُمَا، وَهُوَ بَيْعٌ لِنِصْفِ عَرَضِ هَذَا بِنِصْفِ عَرَضِ الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا وَيَذْكُرَا بَيْعًا. وَلَوْ شَرَطَا التَّسَاوِي فَلَمَّا قُوِّمَا تَفَاضَلَتْ الْقِيَمُ، فَإِنْ لَمْ يَعْمَلَا فَلَا شَرِكَةَ، وَإِنْ عَمِلَا وَفَاتَتْ السِّلْعَتَانِ فَرَأْسُ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَمَنُ سِلْعَتِهِ وَمَقْدِرَةُ رِبْحِهِ وَضَيْعَتُهُ؛ لِأَنَّ شَرِكَتَهُمَا وَقَعَتْ فَاسِدَةً، وَفِي الصَّحِيحَةِ رَأْسُ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا قُوِّمَتْ بِهِ سِلْعَتُهُ يَوْمَ اشْتَرَكَا، وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا بِيعَتَا بِهِ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا قُوِّمَا بِهِ أَوْ أَقَلَّ حِينَ قُوِّمَا صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ بَاعَ نِصْفَ سِلْعَتِهِ بِنِصْفِ سِلْعَةِ صَاحِبِهِ، وَصَارَ ضَمَانُهُمَا مِنْهُمَا بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ. وَمِنْ الِاسْتِغْنَاءِ: إنْ وَقَعَتْ الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ بِغَيْرِ تَقْوِيمٍ فُسِخَتْ قَبْلَ الْعَمَلِ. ثُمَّ ذُكِرَ مَا تَقَدَّمَ لِلَّخْمِيِّ أَنَّ لَهُمَا فِي التَّقْوِيمِ أَنْ يَتَغَابَنَا وَيَتَفَاضَلَا. ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ: تَجُوزُ الشَّرِكَةُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالطَّعَامِ الْمُخْتَلِفِ اخْتِلَافًا يَسِيرًا كَمَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِيَزِيدِيَّةٍ وَمُحَمَّدِيَّةٍ مُخْتَلِفَةِ النَّفَاقِ شَيْئًا يَسِيرًا. (إنْ خُلِطَا وَلَوْ حُكْمًا) ابْنُ عَرَفَةَ: الْخَلْطُ الْحُكْمِيُّ كَوْنُ الْمَالِ فِي حَوْزِ وَاحِدٍ وَلَوْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ اشْتَرَكَا بِمَالَيْنِ سَوَاءٍ فَأَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ ذَهَبَهُ فَصَرَّهَا عَلَى حِدَةٍ وَجَعَلَا الصُّرَّتَيْنِ بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي تَابُوتِهِ أَوْ خُرْجِهِ فَضَاعَتْ وَاحِدَةٌ فَالذَّاهِبَةُ مِنْهُمَا (وَإِلَّا فَالتَّالِفُ مِنْ رَبِّهِ) مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 75 الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ بَقِيَتْ صُرَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِيَدِهِ فَضَيَاعُهَا مِنْهُ حَتَّى يَخْلِطَا أَوْ يَجْعَلَا الصُّرَّتَيْنِ عِنْدَ أَحَدِهِمَا (وَمَا اُبْتِيعَ بِغَيْرِهِ فَبَيْنَهُمَا وَعَلَى الْمُسْلِفِ نِصْفُ الثَّمَنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ بَقِيَتْ كُلُّ صُرَّةٍ بِيَدِ رَبِّهَا حَتَّى ابْتَاعَ بِإِحْدَاهُمَا أَمَةً عَلَى الشَّرِكَةِ وَتَلِفَتْ الصُّرَّةُ الْأُخْرَى وَالْمَالَانِ مُتَّفِقَانِ فَمُصِيبَةُ الصُّرَّةِ مِنْ رَبِّهَا، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَهِيَ بَيْنَهُمَا يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ ثَمَنِهَا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهَا عَلَى الشَّرِكَةِ (وَهَلْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِالتَّلَفِ فَلَهُ وَعَلَيْهَا أَوْ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْأَخْذَ لَهُ تَرَدُّدٌ) عَبْدُ الْحَقِّ: إنْ اشْتَرَى بِصُرَّتِهِ بَعْدَ التَّلَفِ، فَإِنْ كَانَ عَلِمَ بِهِ فَشَرِيكُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيهَا أَوْ يَدَعَهَا لَهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا اشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّلَفِ حَتَّى اشْتَرَى فَالْأَمَةُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثُمَّ تَلِفَتْ الصُّرَّةُ الْأُخْرَى. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ اشْتَرَى بَعْدَ أَنْ عَلِمَ فَتَلِفَ مَا أَخْرَجَهُ صَاحِبُهُ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى قَبْلَ أَنْ عَلِمَ فَإِنْ شَاءَ انْفَرَدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ عَلِمْت أَنَّ الْمَالَ تَلِفَ لَمْ أَشْتَرِ إلَّا لِنَفْسِي، وَإِنْ شَاءَ أَلْزَمَ صَاحِبَهُ ذَلِكَ. (وَلَوْ غَابَ أَحَدُهُمَا) اللَّخْمِيِّ: أَجَازَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرِكَةَ بِمَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا حَاضِرٌ وَالْآخَرُ غَائِبٌ، وَهَذَا أَحْسَنُ لَوْ كَانَتْ مُبَايَعَةً كَمَا يَقُولُهُ سَحْنُونَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْرِجَ هَذَا ذَهَبًا وَفِضَّةً وَهَذَا ذَهَبًا وَفِضَّةً (إنْ لَمْ يَبْعُدْ وَلَمْ يَتَّجِرْ لِحُضُورِهِ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: إنَّمَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالْمَالِ الْغَائِبِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا كَانَا لَا يَتَّجِرَانِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْمَالِ الْغَائِبِ، فَأَمَّا إنْ كَانَا يَتَّجِرَانِ إلَى أَنْ يَقْبِضَا الْمَالَ الْغَائِبَ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَيْضًا إذَا لَمْ تَكُنْ الْغَيْبَةُ بَعِيدَةً جِدًّا. قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَإِنْ أَخْرَجَ هَذَا مِائَتَيْنِ وَهَذَا مِائَةً عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ وَالْعَمَلَ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ فَاشْتَرَيَا سِلْعَةً بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَنَقْدَا الثَّلَاثَمِائَةِ، فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ، وَلَوْ شَرَطَا بَيْنَهُمَا الرِّبْحَ سَوِيَّةً فَسَدَتْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 76 الشَّرِكَةُ وَرَجَعَ الْقَلِيلُ الْمَالِ عَلَى الْآخَرِ بِفَضْلِ عَمَلِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ لِأَحَدِهِمْ عَشَرَةٌ وَلِلْآخَرِ خَمْسَةٌ وَالثَّالِثُ لَا مَالَ لَهُ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا فَرَبِحُوا أَوْ خَسِرُوا، فَهَذَا فَاسِدٌ وَالرِّبْحُ وَالْوَضِيعَةُ عَلَى صَاحِبَيْ الْمَالِ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ، وَلِلَّذِي لَا مَالَ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ عَلَى الْمَالَيْنِ، وَلِلْقَلِيلِ الْمَالِ أَجْرُهُ فِيمَا عَمِلَ فِي الْخَمْسَةِ الْفَاضِلَةِ. اُنْظُرْ تَفْسِيرَ هَذَا فِي ابْنِ يُونُسَ. (لَا بِذَهَبٍ وَبِوَرِقٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا وَابْنُ سَحْنُونَ أَجَازَ ذَلِكَ وَقَالَ: إنَّمَا لَا يَجُوزُ صَرْفٌ وَشَرِكَةٌ إذَا كَانَ الصَّرْفُ خَارِجًا مِنْ الشَّرِكَةِ. وَكَذَا قَالَ أَيْضًا فِي الْبَيْعِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ اضْطَرَبَ قَوْلُهُ إذَا كَانَ دَاخِلًا فِي الشَّرِكَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ خَارِجًا عَنْهَا فَلَا يَجُوزُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّرِكَةَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَالْبَائِعُ إنَّمَا رَضِيَ بِبَيْعِ سِلْعَةٍ مِنْهُ بِاَلَّذِي سَمَّى لِمَا رَجَّى مِنْ الِانْتِفَاعِ بِشَرِكَتِهِ وَهُوَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبْقَى شَرِيكًا مَعَهُ فَوَقَعَ فِي هَذَا غَرَرٌ فِي الْبَيْعِ. وَانْظُرْ اجْتِمَاعَ شَرِكَةٍ وَإِجَارَةٍ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ هَذَا الْغَزْلِ عَلَى أَنْ يَنْسِجَ نِصْفَهُ الْآخَرَ ثَوْبًا وَانْعَقَدَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَشَارَكَا فِيهِ فَنَسَجَهُ كُلَّهُ مُشَاعًا فَذَلِكَ جَائِزٌ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَ ذَلِكَ زِيَادَةُ دَرَاهِمَ أَوْ شَيْءٌ فَتَصِيرُ شَرِكَةً وَإِجَارَةً، وَلَا يَجُوزُ مَعَ الشَّرِكَةِ بَيْعٌ أَوْ شَرْطُ زِيَادَةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ انْتَهَى. وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجِيزُ لِلنِّسَاءِ الشَّرِكَةَ فِي عَمَلِ فَشَاتِيلَ تُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْغَزْلِ قَدْرَ مَا تُرِيدُ مِنْ الْفَشَاتِيلِ وَيَخْلِطْنَ الْغَزْلَ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَدْخُلَ مَعَهُمْ النَّسَّاجَةُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الشَّرِكَةِ بِغَزْلَيْنِ عَلَى نَسْجِهِمَا نَظَرٌ اُنْظُرْهُ فِيهِ. (وَبِطَعَامَيْنِ وَلَوْ اتَّفَقَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ عِنْدَ مَالِكٍ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، كَانَ مِمَّا يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ أَمْ لَا، مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ صِنْفَيْنِ. وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرِكَةَ فِي الطَّعَامِ الْمُتَّفِقِ فِي الصِّفَةِ وَالْجَوْدَةِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ عَلَى الْكَيْلِ قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ لِكَرَاهِيَةِ مَالِكٍ فِيهِ وَجْهًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ عِنْدَ مَالِكٍ بِطَعَامٍ وَدَرَاهِمَ وَبِعَيْنٍ وَعَرَضٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقِيَمِ وَبِقَدْرِ ذَلِكَ يَكُونُ الْعَمَلُ وَالرِّبْحُ. (ثُمَّ إنْ أَطْلَقَا التَّصَرُّفَ وَإِنْ بِنَوْعٍ فَمُفَاوَضَةٌ وَلَا يُفْسِدُهَا انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِشَيْءٍ) ابْنُ رُشْدٍ شَرِكَةُ الْأَمْوَالِ ثَلَاثَةٌ: مُفَاوَضَةٌ وَمُضَارَبَةٌ وَعِنَانٌ. فَشَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ أَنْ يُجِيزَ فِعْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 77 عَلَى صَاحِبِهِ، وَسُمِّيَتْ مُفَاوَضَةً لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الرِّبْحِ وَالضَّمَانِ وَشُرُوعِهِمَا فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ مِنْ قَوْلِهِمْ تَفَاوَضَ الرَّجُلَانِ فِي الْحَدِيثِ إذَا شَرَعَا فِيهِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ عَلَى مَا يَتَفَاوَضَانِ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ. وَلَا تَفْسُدُ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا مَالٌ عَلَى حِدَةٍ لَمْ يُدْخِلْهُ فِي الْمُفَاوَضَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْمُفَاوَضَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَإِمَّا فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ يَتَفَاوَضَانِ فِيهِ كَشِرَاءِ الرَّقِيقِ أَوْ غَيْرِهِ يَتَفَاوَضَانِ فِيهِ. (وَلَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ إنْ اسْتَأْلَفَ بِهِ أَوْ خَفَّ كَإِعَارَةِ آلَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يُعِيرَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا أَنْ يُوَسِّعَ لَهُ صَاحِبُهُ فِي ذَلِكَ، أَوْ يَكُونَ شَيْئًا خَفِيفًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 78 كَعَارِيَّةِ غُلَامٍ لِسَقْيِ دَابَّةٍ وَنَحْوِهِ، فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ. وَالْعَارِيَّةُ مِنْ الْمَعْرُوفِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ اسْتِئْلَافَ التِّجَارَةِ فَلَا يَضْمَنُ. وَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا جَارِيَةً ثُمَّ وَهَبَ ثَمَنَهَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا فِي حِصَّتِهِ، وَلَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا كَفَالَةُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ. وَمَا جَنَى أَحَدُهُمَا أَوْ غَصَبَ أَوْ اسْتَهْلَكَ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ آجَرَ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُ شَرِيكَهُ مِنْهُ شَيْءٌ. (وَدَفْعِ كِسْرَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ عَلَى عَامِلِ الْقِرَاضِ فِي إعْطَائِهِ السَّائِلَ الْكِسْرَةَ. (وَيُبْضِعُ وَيُقَارِضُ وَيُودِعُ لِعُذْرٍ إلَّا ضَمِنَ وَيُشَارِكُ فِي مُعَيَّنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يُبْضِعَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 79 وَيُقَارِضَ دُونَ إذْنِ شَرِيكِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُقَارِضَ شَرِيكًا إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ. وَأَمَّا إنْ شَارَكَهُ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا غَيْرِ شَرِكَةِ مُفَاوَضَةٍ فَجَائِزٌ، وَأَمَّا إيدَاعُهُ فَإِنْ كَانَ لِوَجْهِ عُذْرٍ لِنُزُولِهِ بِبَلَدٍ فَيَرَى أَنْ يُودَعَ إذْ مَنْزِلُهُ الْفَنَادِقُ وَمَا لَا أَمْنَ فِيهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَأَمَّا مَا أَوْدَعَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ. (وَيُقِيلُ وَيُولَى وَيَقْبَلُ الْمَعِيبَ وَإِنْ أَبَى الْآخَرُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَضِيَهُ هُوَ أَوْ شَرِيكُهُ لَزِمَ ذَلِكَ الْآخَرَ، فَإِنْ رَدَّهُ مُبْتَاعُهُ وَرَضِيَهُ شَرِيكُهُ لَزِمَهُ رِضَاهُ، وَإِقَالَةُ أَحَدِهِمَا فِيمَا بَاعَهُ هُوَ أَوْ شَرِيكُهُ وَتَوْلِيَتُهُ لَازِمَةٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 80 كَبَيْعِهِ مَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ مُحَابَاةٌ فَيَكُونُ كَالْمَعْرُوفِ لَا يَلْزَمُ إلَّا مَا جَرَّ بِهِ إلَى التِّجَارَةِ نَفْعًا وَإِلَّا لَزِمَهُ قَدْرُ حِصَّتِهِ مِنْهُ وَإِقَالَةٍ لِخَوْفِ عَدَمِ الْغَرِيمِ وَنَحْوِهِ مِنْ النَّظَرِ وَكَشِرَاءٍ حَادِثٍ. (وَيُقِرُّ بِدَيْنٍ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ مِنْ شَرِكَتِهِمَا لِأَبَوَيْهِ أَوْ لِوَلَدِهِ أَوْ لِجَدَّتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ صَدِيقٍ مُلَاطِفٍ وَمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى شَرِيكِهِ، وَيَجُوزُ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ. (وَيَبِيعُ بِالدَّيْنِ) ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَى قَوْلِهِ: إنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا لِأَجَلٍ ثُمَّ أَخَّرَ الْغَرِيمَ بَعْدَ حُلُولِهِ جَازَ اسْتِئْلَافًا، وَمَا بَاعَهُ لِأَجَلٍ لَا يَجُوزُ لِشَرِيكِهِ شِرَاؤُهُ نَقْدًا بِأَقَلَّ جَوَازِ بَيْعِ أَحَدِهِمَا بِالدَّيْنِ دُونَ إذْنِ شَرِيكِهِ، وَعَزَاهُ اللَّخْمِيِّ لِلْمُدَوِّنَةِ. (لَا الشِّرَاءُ بِهِ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونَ: لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّيْنِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالذِّمَمِ بِغَيْرِ مَالٍ عَلَى أَنْ يَضْمَنَا مَا ابْتَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَفَاوُضًا فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ أَوْ فِي بَعْضِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَكَا بِمَالٍ قَلِيلٍ عَلَى أَنْ يَتَدَايَنَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: تَحَمَّلْ عَنِّي بِنِصْفِ مَا اشْتَرَيْت عَلَى أَنْ أَتَحَمَّلَ عَنْكَ بِنِصْفِ مَا اشْتَرَيْت إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا فِي اشْتِرَاءِ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ حَاضِرَةٍ أَوْ غَائِبَةٍ فَيَبْتَاعُهَا بِدَيْنٍ فَيَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَا حَاضِرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعُهْدَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ ضَمِنَ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ جَازَ ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ أَنْصِبَاؤُهُمَا مُتَّفِقَةً. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَكْرَهُ أَنْ يُخْرِجَا مَالًا عَلَى أَنْ يَتَّجِرَا بِهِ وَبِالدَّيْنِ مُفَاوَضَةً، فَإِنْ فَعَلَا فَمَا اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ جَاوَزَ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمَا. أَصْبَغُ: وَإِذَا وَقَعَتْ الشَّرِكَةُ بِالذِّمَمِ كَانَ مَا اشْتَرَيَا بَيْنَهُمَا وَتُفْسَخُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ الْآنِ (كَكِتَابَةٍ وَعِتْقٍ عَلَى مَالٍ وَإِذْنٍ لِعَبْدٍ فِي تِجَارَةٍ) فِيهَا وَعَبْدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلَا يُكَاتِبَهُ وَلَا يُعْتِقَهُ عَلَى مَالٍ يَتَعَجَّلُهُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ مَالًا مِنْ أَمِينٍ عَلَى عِتْقِهِ مِثْلَ قِيمَتِهِ فَأَكْثَرَ فَيَجُوزُ وَهُوَ كَبَيْعِهِ. (وَمُفَاوَضَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُفَاوِضَ شَرِيكًا. (وَاسْتَبَدَّ آخِذُ قِرَاضٍ وَمُسْتَعِيرُ دَابَّةٍ بِلَا إذْنٍ وَإِنْ لِلشَّرِكَةِ وَمُتَّجِرٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 81 بِوَدِيعَةٍ بِالْمُودَعِ بِالرِّبْحِ وَالْخُسْرِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ شَرِيكُهُ بِتَعَدِّيهِ فِي الْوَدِيعَةِ) ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا أَخَذَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قِرَاضًا لِنَفْسِهِ أَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ أَوْ فِي حِرَاسَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ، أَوْ تَسَلَّفَ مَالًا فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً فَرَبِحَ فِيهَا، أَوْ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا بِدَيْنٍ فَرَبِحَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُتَفَاوِضَيْنِ فَمُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ دُونَ شَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَا مُتَفَاوِضَيْنِ فَابْنُ الْقَاسِمِ يَرَى ذَلِكَ لَهُ أَيْضًا دُونَ شَرِيكِهِ وَلَا يَجْعَلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إجَارَةً لِشَرِيكِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ اسْتَعَارَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَالِ الشَّرِكَةِ فَهَلَكَ فَضَمَانُهُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ شَرِيكَهُ يَقُولُ لَهُ: كُنْت تَسْتَأْجِرُ لِئَلَّا أَضْمَنَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ بِالضَّمَانِ إنْ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ فِي الْحَيَوَانِ. وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ وَحْدَهُ الدَّابَّةَ إنْ قَضَى بِذَلِكَ قَاضٍ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَاضِي بِمِصْرٍ يَوْمَئِذٍ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ لِأَحَدِهِمَا وَدِيعَةً فَعَمِلَ الْوَدِيعَةِ تَعَدِّيًا فَرَبِحَ، فَإِنْ عَلِمَ شَرِيكُهُ بِالْعَدَاءِ وَرَضِيَ بِالتِّجَارَةِ بِهَا بَيْنَهُمَا فَلَهُمَا الرِّبْحُ وَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالرِّبْحُ لِلْمُتَعَدِّي وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ خَاصَّةً (وَكُلٌّ وَكِيلٌ فَيَرُدُّ عَلَى حَاضِرٍ لَمْ يَتَوَلَّ كَالْغَائِبِ إنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ وَإِلَّا انْتَظَرَ) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا فِي الْخِيَارِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ ". (وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرُ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ وَتَفْسُدُ بِشَرْطِ التَّفَاوُتِ وَلِكُلٍّ أَجْرُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 82 عَمَلِهِ لِلْآخَرِ) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " إنْ لَمْ يَبْعُدْ وَلَمْ يَتَّجِرْ لِحُضُورِهِ ". (وَلَهُ التَّبَرُّعُ وَالسَّلَفُ وَالْهِبَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ صَحَّ عَقْدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ فِي الْمَالِ ثُمَّ تَطَوَّعَ الَّذِي لَهُ الْأَقَلُّ بِعَمَلٍ فِي الْجَمِيعِ جَازَ وَلَا أَجْرَ لَهُ. وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ شَارَكَهُ وَأَسْلَفَهُ نِصْفَ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ طَلَبَ رِفْقَهُ وَصِلَتَهُ إلَيْهِ لَا لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ وَلَا لِقُوَّةِ تَبَصُّرِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، ثُمَّ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ رَجَعَ فَكَرِهَهُ، وَبِالْأَوَّلِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ. اُنْظُرْ الْمَسْأَلَةَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَالِكًا مَرَّةً صَدَّقَهُ وَمَرَّةً اتَّهَمَهُ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا قَصَدَ الرِّفْقَ بِهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ تَبَرَّعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَجَائِزٌ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَكَذَا لَوْ أَسْلَفَهُ أَوْ وَهَبَهُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي أَنَّ اخْتِلَافَ نِسْبَةِ الرِّبْحِ وَالْعَمَلِ مَعَ رَأْسِ الْمَالِ إنَّمَا يُفْسِدُ الشَّرِكَةَ إنْ كَانَ شَرْطًا فِي عَقْدِهَا، وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ أَحَدُهُمَا بَعْدَهُ جَازَ، اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ تَعَقَّبَ هَذَا، وَانْظُرْ أَوَّلَ تَرْجَمَةٍ مِنْ الشَّرِكَةِ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ فَإِنَّهُ يُرَشِّحُ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ. (وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي التَّلَفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّهُ ابْتَاعَ سِلْعَةً وَضَاعَتْ مِنْهُ صُدِّقَ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ تُهْمَةٌ كَدَعْوَاهُ التَّلَفَ وَهُوَ فِي رُفْقَةٍ لَا يَخْفَى ذَلِكَ فِيهَا (وَالْخُسْرِ وَالْآخِذُ لَائِقٌ لَهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي التَّلَفَ وَالْخُسْرَانَ وَمَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: مَا اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا مِنْ طَعَامٍ لِمَنْزِلِهِ وَكِسْوَةٍ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً، وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُهُ نِصْفَهُ لَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِهِ وَحَسْبُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَالِ مِثْلَ مَا أَخَذَ صَاحِبُهُ (وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا. (وَحَمَلَ عَلَيْهِ فِي تَنَازُعِهِمَا) هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ: إذَا تَنَازَعَا فِي قَدْرِ الْمَالَيْنِ حُمِلَ عَلَى النِّصْفِ. وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي شَرِيكَيْنِ أَرَادَا الْمُفَاصَلَةَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لَكَ الثُّلُثُ وَلِي الثُّلُثَانِ وَقَالَ الْآخَرُ: الْمَالُ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ وَلَيْسَ الْمَالُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ قَالَ: لِمُدَّعِي الثُّلُثَيْنِ النِّصْفُ، وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ الثُّلُثُ، وَيُقَسَّمُ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَعَلَى هَذَا ثَبَتَ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا. ابْنُ عَرَفَةَ: فَقَوْل ابْنِ الْحَاجِبِ حُمِلَ عَلَى النِّصْفِ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَخِلَافُ قَوْلِ أَشْهَبَ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ انْتَهَى. وَعَلَى هَذِهِ فَعِبَارَةُ الشَّارِحِ حَسَنَةٌ جِدًّا إذْ قَالَ: لَوْ ادَّعَى الثُّلُثَيْنِ وَالْآخَرُ النِّصْفَ لِكُلٍّ مَا سَلَّمَ لَهُ وَقُسِمَ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا. وَقِيلَ: يَحْلِفَانِ وَيُنَصَّفُ. (وَلِلِاشْتِرَاكِ فِيمَا بِيَدِ أَحَدِهِمَا إلَّا لِبَيِّنَةٍ عَلَى كَإِرْثِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا مُفَاوِضُهُ كَانَ جَمِيعُ مَا بِأَيْدِيهِمَا بَيْنَهُمَا إلَّا مَا قَامَتْ فِيهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 83 بَيِّنَةٌ أَنَّهُ لِأَحَدِهِمَا بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَ لَهُ قَبْلَ التَّفَاوُضِ وَأَنَّهُ لَمْ يُفَاوِضْ عَلَيْهِ فَيَكُونُ لَهُ خَاصَّةً وَالْمُفَاوَضَةُ فِيمَا سِوَاهُ قَائِمَةٌ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا تَنَازَعَا فِي شَيْءٍ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ لِلشَّرِكَةِ. وَمِنْ ابْنِ عَرَفَةَ: إنْ قَالَ أَحَدُهُمَا فِي مَالٍ بِيَدِهِ لَيْسَ مِنْ الشَّرِكَةِ هُوَ لِي مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ جَائِزَةٍ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَوْ قَالَ فِي مَتَاعٍ بِيَدِهِ إنَّ مَتَاعَ التَّجْرِ هُوَ لِي وَلَمْ يَزَلْ بِيَدِي قَبْلَ الشَّرِكَةِ كَانَ بَيْنَهُمَا (وَإِنْ قَالَتْ لَا نَعْلَمُ تَقَدُّمَهُ لَهَا) الْمُتَيْطِيُّ: قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: إنْ قَالَ الشُّهُودُ وَهَبَ لَهُ هَذَا الْمَالَ قَبْلَ الْمُفَاوَضَةِ وَلَا نَعْلَمُ أَفَاوَضَ عَلَيْهِ أَمْ لَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ قَالُوا وَهَبَ لَهُ وَلَا نَدْرِي قَبْلَ الْمُفَاوَضَةِ أَمْ بَعْدَهَا فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا. (إنْ شَهِدَ بِالْمُفَاوَضَةِ وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ فَالْإِقْرَارُ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ وَالْمُقِيمُ بَيِّنَةً بِأَخْذِ مِائَةٍ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ إنْ أَشْهَدَ بِهَا عِنْدَ الْأَخْذِ أَوْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَأَقَامَ صَاحِبُهُ بَيِّنَةً أَنَّ مِائَةَ دِينَارٍ كَانَتْ عِنْدَ الْمَيِّتِ فَلَمْ تُوجَدْ وَلَا عُلِمَ مُسْقِطُهَا، فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ قَرِيبًا مِنْ أَخْذِهَا فِيمَا يُظَنُّ أَنَّ مِثْلَهُ لَمْ يَشْغَلْهَا فِي تِجَارَةٍ فَهِيَ فِي حِصَّتِهِ، وَمَا تَطَاوَلَ وَقْتُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ. أَرَأَيْت لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَبَضَهَا مُنْذُ سَنَةٍ وَهُمَا يَتَّجِرَانِ، أَتَلْزَمُهُ؟ أَيْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: أَمَّا إنْ أَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ عَلَى نَفْسِهِ بِأَخْذِ الْمِائَةِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهَا إلَّا بِشَاهِدَيْنِ أَنَّهُ رَدَّهَا طَالَ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ. (كَدَفْعِ صَدَاقٍ عَنْهُ فِي أَنَّهُ مِنْ الْمُفَاوَضَةِ إلَّا أَنْ يَطُولَ) سَأَلَ شَجَرَةُ سَحْنُونًا عَنْ رَجُلٍ دَفَعَ عَنْ أَخِيهِ وَهُوَ مُفَاوِضُهُ صَدَاقَ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ مَالِهِ وَلَا مِنْ مَالِ أَخِيهِ ثُمَّ مَاتَ الدَّافِعُ، فَقَالَ الْوَرَثَةُ: هَذَا مِنْ مَالِ وَلِيِّنَا فَأَجَابَهُ: إنْ كَانَا مُتَفَاوِضَيْنِ وَأَقَامَا سِنِينَ كَثِيرَةً فِي تَفَاوُضِهِمَا لَا يَطْلُبُ أَخَاهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ فَذَلِكَ بَيْنَهُمَا شَطْرَانِ وَيُحَاسِبُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْبَاقِي حُجَّةٌ (كَسَنَةٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ سَحْنُونٍ: " وَأَقَامَا سِنِينَ كَثِيرَةً "، وَتَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَبَضَهَا مُنْذُ سَنَةٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اُنْظُرْ آخِرَ تَرْجَمَةِ جَامِعِ الْقَوْلِ فِي الْمُتَفَاوِضِينَ مِنْ ابْنِ يُونُسَ (إلَّا لِبَيِّنَةٍ فَكَإِرْثِهِ وَإِنْ قَالَتْ لَا نَعْلَمُ) تَقَدَّمَتْ لَهُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَتَقَرَّرَ مَا يُشْبِهُهَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُتَيْطِيِّ فَانْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَاهُ. (وَإِنْ أَقَرَّ وَاحِدٌ بَعْدَ تَفَرُّقٍ أَوْ مَوْتٍ فَهُوَ كَشَاهِدٍ فِي غَيْرِ نَصِيبِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ فَأَقَرَّ الْحَيُّ مِنْهُمَا أَنَّهُمَا رَهَنَا مَتَاعًا مِنْ الشَّرِكَةِ عِنْدَ فُلَانٍ، وَقَالَ وَرَثَةُ الْهَالِكِ: بَلْ أَوْدَعْتَهُ أَنْتَ إيَّاهُ بَعْدَ مَوْتِ وَلِيِّنَا، فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ الْحَيِّ وَيَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ رَهْنًا، وَإِنْ أَبَى فَلَهُ حِصَّةُ الْمُقَرَّرِ هُنَا؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي أَحَدِ الْوَرَثَةِ يُقِرُّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ: إنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ يَحْلِفُ مَعَهُ وَيَسْتَحِقُّ جَمِيعَ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَ مِنْ الْمُقِرِّ مَا يَنُوبُهُ مِنْ الدَّيْنِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ حِصَّتِهِ دَيْنَهُ كُلَّهُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: الْقَوْلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 84 لِلشَّرِيكِ وَكَذَلِكَ إقْرَارُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِدَيْنٍ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَيَلْزَمُهُمَا فِي أَمْوَالِهِمَا. وَفِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ تَلْزَمُ الْمُقِرَّ حِصَّتُهُ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَحْلِفْ الْمَشْهُودُ لَهُ. (وَأُلْغِيَتْ نَفَقَتُهُمَا وَكِسْوَتُهُمَا وَإِنْ بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ السِّعْرِ كَعِيَالِهِمَا إنْ تَقَارَبَا وَإِلَّا حُسِبَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِكَا بِمَالٍ كَثِيرٍ يَتَفَاوَضَانِ فِيهِ وَهُمَا فِي بَلَدَيْنِ عَلَى أَنْ يُجَهِّزَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ وَيُلْغِيَا نَفَقَتَهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَ سِعْرُ الْبَلَدَيْنِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا قَصَدَ لِلتَّجْرِ مَعَ قِلَّةِ مُؤْنَةِ كُلِّ وَاحِدٍ فَاسْتُسْهِلَ اخْتِلَافُ السِّعْرَيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عِيَالٌ وَاخْتَلَفَتْ أَسْعَارُ الْبَلَدَيْنِ اخْتِلَافًا بَيِّنًا أَنْ تُحْسَبَ النَّفَقَةُ إذْ نَفَقَةُ الْعِيَالِ لَيْسَتْ مِنْ التِّجَارَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ وَكَانَا ذَوِي عِيَالٍ أَوْ لَا عِيَالَ لَهُمَا فَيُلْغِيَانِ نَفَقَتَهُمَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ عِنْدِي إذَا تَقَارَبَا فِي الْعِيَالِ. وَانْظُرْ كِتَابَ الشَّرِكَةِ مِنْ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الْأَشْعَرِيِّينَ إذَا رَمَلُوا وَمَا يَجْمَعُهُ الرُّفَقَاءُ مِنْ طَعَامٍ، وَهَلْ كَذَلِكَ الصَّغِيرُ مِنْ الْقَرَابَاتِ. (كَانْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِهِ) قَالَ: وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عِيَالٌ وَوَلَدٌ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَهْلٌ وَلَا وَلَدٌ حَسَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا أَرْفَقَ. وَمِنْ ابْنِ عَرَفَةَ مَا نَصُّهُ فِيهَا: لَمَّا قَالَ مَالِكٌ تُلْغَى النَّفَقَةُ عَلِمْنَا أَنَّ مَا أَنْفَقَا إنَّمَا هُوَ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ وَالْكِسْوَةُ لَهُمَا وَلِعِيَالِهِمَا تُلْغَى؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: تُلْغَى النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ مِنْ النَّفَقَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا نَصٌّ فِي لُزُومِ كِسْوَةِ مَنْ الْتَزَمْت نَفَقَتَهُ، وَفِيهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ كِسْوَةً لَيْسَ مِمَّا يَلْتَزِمُ بِهَا الْعِيَالُ مِثْلُ الْوَشْيِ فَهَذِهِ لَا تُلْغَى، اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ هَذَا نَصٌّ آخَرُ. وَلِلْمُتَيْطِيِّ قَالَ ابْنُ زَرْبٍ: مَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى رَجُلٍ وَأَبَى أَنْ يَكْسُوَهُ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ مَعَ النَّفَقَةِ بِالْكِسْوَةِ. وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ: إنَّمَا هَذَا فِي كُلِّ نَفَقَةٍ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهَا، وَأَمَّا مَنْ الْتَزَمَ نَفَقَتَهُ تَطَوُّعًا فَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 85 يَلْزَمُهُ كِسْوَةٌ. اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيُّ فِي الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ. (وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً لِنَفْسِهِ فَلِلْآخَرِ رَدُّهَا) اُنْظُرْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ السِّلَعِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اشْتَرَى أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مِنْ مَالِ شَرِكَتِهِمَا جَارِيَةً لِنَفْسِهِ لِلْوَطْءِ - وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لِلْخِدْمَةِ - وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ يُرِيدُ وَلَمْ يَطَأْ بَعْدُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هِيَ بَيْنَهُمَا وَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ وَلَيْسَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَغَاصِبِ الثَّمَنِ أَوْ مُتَعَدٍّ فِي وَدِيعَةٍ ابْتَاعَ بِهَا سِلْعَةً، وَهَذَا لَيْسَ عَلَيْهِ لِرَبِّ الدَّنَانِيرِ إلَّا مِثْلُ دَنَانِيرِهِ وَهُوَ كَمُبْضِعٍ مَعَهُ شِرَاءُ سِلْعَةٍ أَوْ مُقَارَضٍ أَوْ وَكِيلٍ تَعَدَّى، فَرَبُّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 86 الْمَالِ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِ مَا اشْتَرَى أَوْ تَرْكِهِ (إلَّا لِلْوَطْءِ بِإِذْنِهِ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَلَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ عَلَى أَنْ يَضْمَنَهَا إنْ هَلَكَتْ وَلَهُ رِبْحُهَا وَعَلَيْهِ خَسَارَتُهَا، فَهَذَا قَدْ أَسْلَفَهُ شَرِيكُهُ نِصْفَ ثَمَنِهَا فَلَهُ النَّمَاءُ وَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَبَدَّ بِمِلْكِهَا اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ خَلِيلٍ، وَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْجَارِيَةِ فِي الْوَطْءِ فَكَيْفَ كَانَ يَسْتَثْنِيهِ فِي هَذَا الْفَرْعِ؟ . فَانْظُرْهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 87 أَنْتَ. (وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً لِلشَّرِكَةِ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَحَمَلَتْ قُوِّمَتْ وَإِلَّا فَلِلْآخَرِ إبْقَاؤُهَا أَوْ مُقَاوَمَتُهَا) ابْنُ رُشْدٍ: الْحُكْمُ فِي الْأَمَةِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا وَطِئَهَا أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَنْ تُقَوَّمَ عَلَيْهِ شَاءَ أَوْ أَبَى، وَلَا خِيَارَ فِي ذَلِكَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالتَّحْلِيلِ لَهُ الَّذِي تَلْزَمُ الْقِيمَةُ فِيهِ بِالْوَطْءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 88 إذَا وَطِئَهَا مُتَسَوِّرًا فَإِنْ حَمَلَتْ فَإِنَّهَا تُقَوَّمُ عَلَيْهِ أَيْضًا عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَوْمَ حَمَلَتْ لَا يَوْمَ وَطِئَهَا وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَشَرِيكُهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَوَّمَهَا عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ تَمَسَّكَ بِنَصِيبِهِ. هَذَا قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَإِذَا تَمَسَّكَ بِنَصِيبِهِ وَلَمْ يُقَوِّمْهَا عَلَيْهِ مُنِعَ مِنْ الْغَيْبَةِ عَلَيْهَا لِئَلَّا يَعُودَ إلَى وَطْئِهَا وَيُعَاقَبُ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلِهِ إلَّا أَنَّ عُقُوبَتَهُ أَخَفُّ مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 89 عُقُوبَةِ الْعَالِمِ. (وَإِنْ اشْتَرَطَ نَفْيَ الِاسْتِبْدَادِ فَعِنَانٌ) ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ أَقْسَامِ شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ شَرِكَةُ الْعِنَانِ وَهِيَ الشَّرِكَةُ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ كَأَنَّهُ عَنَّ لَهُمَا أَمْرٌ أَيْ عَرَضَ لَهُمَا فَاشْتَرَكَا فِيهِ، وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ بِإِجْمَاعٍ لِجَمِيعِ النَّاسِ إذَا اتَّفَقُوا عَلَيْهَا وَرَضُوا بِهَا، وَهِيَ لَازِمَةٌ لِأَهْلِ الْأَسْوَاقِ فِيمَا اشْتَرَوْهُ لِلتِّجَارَةِ عَلَى غَيْرِ الْمُزَايَدَةِ، فَمَا كَانَ مِنْ الطَّعَامِ فِي سُوقِ الطَّعَامِ لِأَهْلِ التِّجَارَةِ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ بِاتِّفَاقٍ، وَكَذَا غَيْرُ الطَّعَامِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ. اُنْظُرْ تَرْجَمَةَ جَامِعِ الْمَسَائِلِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ اشْتَرَطَا نَفْيَ الِاسْتِبْدَادِ لَزِمَ وَتُسَمَّى شَرِكَةَ عِنَانٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَقْصُورَةٍ عَلَى نَوْعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَهِيَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ. (وَجَازَ لِذِي طَيْرٍ وَذِي طَيْرَةٍ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْفِرَاخِ) ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: إنْ اشْتَرَكَا بِالْحَمَامِ فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا الذُّكُورَ وَالْآخَرُ الْأُنْثَى كَانَتْ الْفِرَاخُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَتَعَاوَنَانِ عَلَى التَّرْبِيَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَالْبَيْضِ يُعْطِيهَا لِلْحَاضِنَةِ. قَالَ: وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ حَضِّنْ هَذَا الْبَيْضَ تَحْتَ دَجَاجَتِكَ وَالْفِرَاخُ بَيْنَنَا هِيَ لِرَبِّ الدَّجَاجَةِ وَلِرَبِّ الْبَيْضِ مِثْلُهُ. (وَاشْتَرِ لِي وَلَكَ فَوَكَالَةٌ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 90 ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا تَصِحُّ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا اشْتَرِ هَذِهِ السِّلْعَةَ لِي وَلَكَ فَوَكَالَةٌ مَقْصُورَةٌ، وَإِنْ حَصَلَتْ شَرِكَةٌ. (وَجَازَ وَانْقُدْ عَنِّي إنْ لَمْ يَقُلْ وَأَبِيعُهَا لَكَ) قَالَ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اشْتَرِ هَذِهِ السِّلْعَةَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَانْقُدْ عَنِّي وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ، لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا لَهُ، وَلَوْ هَلَكَتْ السِّلْعَةُ فَلِمَنْ نَقَدَ الثَّمَنَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَرِيكِهِ مَا نَقَدَ عَنْهُ. الْبَاجِيُّ: فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ فَالسِّلْعَةُ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَيْعُ حَظِّ الْمُسَلِّفِ. (وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ وَاحْبِسْهَا فَكَالرَّهْنِ) الَّذِي لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى لَكَ سِلْعَةً بِأَمْرِكَ وَأَسْلَفَكَ الثَّمَنَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ كَالْوَدِيعَةِ لَا كَالرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: اُنْقُدْ عَنِّي فِيهَا وَاحْبِسْهَا حَتَّى أَدْفَعَ إلَيْكَ الثَّمَنَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ. اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ. (وَإِنْ أَسْلَفَ غَيْرُ الْمُشْتَرِي جَازَ إلَّا لِكَبَصِيرَةٍ الْمُشْتَرِي) أَبُو عُمَرَ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُسْلِفُ رَجُلًا سَلَفًا لِيُشَارِكَهُ وَذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ وَالْمَعْرُوفِ، فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَكَرِهَهُ مَرَّةً، وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ جَوَازَهُ إلَّا إنْ كَانَ أَسْلَفَهُ لِنَفَاذِهِ وَبَصَرِهِ بِالتِّجَارَةِ ثُمَّ جَعَلَ مِثْلَ مَا أَسْلَفَهُ وَتَشَارَكَا عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَهُ التَّبَرُّعُ ". وَسَمِعَ أَصْبَغُ: إنْ اشْتَرَكَا فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا اشْتَرَيَاهَا بِدَيْنٍ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا رَأْسُ مَالٍ، وَإِنْ قَالَا: مَا اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِدَيْنٍ فَنَحْنُ فِيهِ شُرَكَاءُ وَلَا مَالَ لَهُمَا لَمْ يُعْجِبْنِي. أَصْبَغُ: وَإِنْ وَقَعَ نَفَذَ وَضَمِنَاهُ وَفُسِخَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 91 ابْنُ رُشْدٍ: مِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (وَأُجْبِرَ عَلَيْهَا إنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِسُوقِهَا لَا لِسَفَرٍ وَقِنْيَةٍ وَغَيْرِهِ وَحَاضِرُهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ مِنْ تُجَّارِهِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَشْتَرِي سِلْعَةً لَمْ يَتَكَلَّمْ فَلَمَّا تَمَّ الْبَيْعُ قَالَ: أَنَا شَرِيكُكَ فَهُوَ شَرِيكُهُ، فَإِنْ أَبَى أُلْقِيَ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَفْعَلَ إنْ اشْتَرَاهُ لِيَبِيعَهُ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ لِمَنْزِلِهِ أَوْ لِيَخْرُجَ بِهِ لِبَلَدٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ شِرْكٌ. ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ مَالِكٍ الْقَضَاءُ لِأَهْلِ الْأَسْوَاقِ بِالشَّرِكَةِ فِيمَا ابْتَاعَهُ بَعْضُهُمْ بِحَضْرَتِهِمْ لِلتَّجْرِ عَلَى غَيْرِ الْمُزَايَدَةِ رِفْقًا بِهِمْ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنَّمَا يَرَى ذَلِكَ مَالِكٌ لِتُجَّارِ أَهْلِ تِلْكَ السِّلْعَةِ وَأَهْلِ سُوقِهَا إنْ كَانَ مُشْتَرِيهَا مِنْ أَهْلِ التِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ إذَا اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ فِي الْمُشْتَرَك؛ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ التِّجَارَةِ وَجَبَتْ لَهُ الشَّرِكَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا لَمْ تَجِبْ لَهُ إلَّا بِرِضَا الْمُشْتَرِي اهـ. وَانْظُرْ مَسْأَلَةً سُئِلْت عَنْهَا وَهِيَ رَجُلٌ قَدِمَ بِقِشْرٍ لِسَقِيفَةِ الْجِلْدِ فَصَعُبَ عَلَيْهِ الْمَقَامُ حَتَّى يَقُومَ السُّوقُ فَبَاعَهُ مِنْ إنْسَانٍ كَانَ حَاضِرًا، فَأَفْتَيْته بِأَنْ لَا شَرِكَةَ لِأَحَدٍ مَعَهُ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ: مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا لِلتِّجَارَةِ فِي سُوقِ الطَّعَامِ بِحَضْرَةِ غَيْرِهِ مِنْ التُّجَّارِ وَهُمْ سُكُوتٌ، فَلَمَّا تَمَّ لَهُ الشِّرَاءُ كَانَ مِنْ حُقُوقِهِمْ أَنْ يَدْخُلُوا مَعَهُ، وَلَيْسَ مِنْ حَقِّهِ هُوَ أَنْ يُدْخِلَهُمْ مَعَهُ إلَّا إنْ أَرَادُوا. وَلَوْ قَالُوا لَهُ: أَشْرِكْنَا مَعَكَ فَقَالَ لَهُمْ: لَا قَبْلَ انْبِرَامِ الْبَيْعِ لَمْ يَلْزَمْهُ لَهُمْ شَرِكَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَنْذَرَهُمْ لِيَشْتَرُوا لِأَنْفُسِهِمْ إنْ أَرَادُوا، وَإِنْ سَكَتَ دَخَلُوا مَعَهُ إلَّا إنْ كَانُوا لَمَّا قَالُوا لَهُ وَهُوَ يَسُومُ: أَشْرِكْنَا وَاشْتَرِ عَلَيْنَا فَسَكَتَ وَانْصَرَفُوا وَانْبَرَمَ بَيْعُهُ بَعْدَ ذَهَابِهِمْ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ مَا أَشْرَكَهُمْ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى مُشْتَرِي الْقِشْرِ الْمَذْكُورِ. ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَمِينُ أُولَئِكَ الْقَوْمِ أَنَّ الْفُتْيَا قَدِيمًا مِنْ الشُّيُوخِ كَانَتْ بِإِلْزَامِ الشَّرِكَةِ. وَانْظُرْ أَيْضًا مَسْأَلَةً أُخْرَى سُئِلْت عَنْهَا، وَذَلِكَ أَهْلُ صَيْدِ الْحَجَلِ يَكُونُ لَهُمْ الْمُعَامِلُ مِنْ الدَّجَّاجِينَ يَأْتُونَهُ بِالْحَجَلِ فَيُرِيدُ أَهْلُ سُوقِهِ الدُّخُولَ مَعَهُ وَأَفْتَيْته بِهَذَا أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِغَيْرِهِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الصَّائِدَ أَتَاهُ بِالْقَصْدِ لِحَانُوتِهِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَا ابْتَاعَهُ الرَّجُلُ بِحَانُوتِهِ فَلَا شِرْكَ لِأَحَدٍ مَعَهُ مِمَّنْ حَضَرَ الْبَيْعَ، وَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ: " إنْ اشْتَرَى شَيْئًا " فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَابْنِ حَبِيبٍ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا ذَلِكَ الطَّعَامُ خَاصَّةً انْتَهَى. نَقَلْتُ هَذَا مِنْ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ نَوَازِلِ أَصْبَغَ. ثُمَّ وَجَدْتُ لِابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ مِنْ الْمَوَّازِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُرِيدُ شِرَاءَ سِلْعَةٍ لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ ذَكَرَ الْفِقْهَ ثُمَّ قَالَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: وَهَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ. (وَهَلْ وَفِي الزُّقَاقِ لَا كَبَيْتِهِ؟ قَوْلَانِ) أَصْبَغُ: لَا يَدْخُلُ زَيَّاتٌ عَلَى بَزَّازٍ وَلَا أَهْلُ سِلْعَةٍ عَلَى أَهْلِ سِلْعَةٍ، وَلَوْ أَنَّ مُحْتَكِرًا لِهَذِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 93 التِّجَارَاتِ كُلِّهَا وَيَتَّجِرُ بِهَا رَأَيْت أَنْ يَدْخُلَ فِي هَذِهِ السِّلَعِ حَيْثُ وَجَدَ مَنْ يَشْتَرِيهَا فِي أَسْوَاقِهَا، وَلَوْ لَقِيَ سِلْعَةً فِي بَعْضِ الْأَزِقَّةِ وَالدُّورِ فَابْتَاعَهَا بِحَضْرَةِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِهَا فَلَا شَرِكَةَ لَهُ مَعَهُ وَلَا شَرِكَةَ فِي السِّلَعِ إلَّا فِي مَوَاقِفِهَا لَا فِيمَا اشْتَرَاهُ الرَّجُلُ فِي حَانُوتِهِ أَوْ بَيْتِهِ أَوْ دَارِهِ. اهـ. نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ: وَنَحْوَهُ عَزَا ابْنُ رُشْدٍ لِأَصْبَغَ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ بِعُمُومِهِ فِيمَا يُبَاعُ بِالسُّوقِ وَفِيمَا بِيعَ بِالطُّرُقِ وَالْأَزِقَّةِ إلَّا مَا اشْتَرَى فِي حَانُوتِهِ أَوْ دَارِهِ. (وَجَازَتْ بِالْعَمَلِ إنْ اتَّحَدَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إلَّا بِالْأَمْوَالِ أَوْ عَلَى عَمَلِ الْأَبْدَان إذَا كَانَتْ صَنْعَةً وَاحِدَةً الْبُرْزُلِيُّ: سُئِلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ حَمَّالَيْنِ اشْتَرَكَا فِي أُجْرَةِ مَا يَحْمِلَانِهِ، فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا: لَا أَحْمِلُ لِفُلَانٍ شَيْئًا فَحَمَلَ لَهُ صَاحِبُهُ وَحَمَلَ هُوَ لِغَيْرِهِ وَاقْتَسَمَا الْأُجْرَةَ فَقَالَ: الشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ. (أَوْ تَلَازَمَا) اللَّخْمِيِّ: لَوْ اشْتَرَكَ حَائِكَانِ بِأَمْوَالِهِمَا وَكَانَ يَتَوَلَّى وَاحِدٌ الْعَمَلَ وَالْآخَرُ الْخِدْمَةَ وَالشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ وَلَا يُحْسِنُ النَّسْجَ، وَكَانَتْ قِيمَةُ الْعَمَلِ وَالْخِدْمَةِ سَوَاءً، جَازَتْ الشَّرِكَةُ. وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا رَأْسُ مَالٍ وَكَانَا يَتَقَبَّلَانِ الْمَتَاعَ لِيَعْمَلَ أَحَدُهُمَا وَيَخْدُمَ الْآخَرُ وَيَتَوَلَّى مَا سِوَى النَّسْجِ وَتَسَاوَتْ الْقِيمَةُ جَازَ ذَلِكَ، وَهُمَا بِخِلَافِ الْمُخْتَلِفَيْ الصَّنْعَةِ فَصَحَّ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَلِفَيْ الصَّنْعَةِ يَصِحُّ أَنْ يَعْمَلَ. أَحَدُهُمَا وَلَا يَدْخُلُ عَلَى الْآخَرِ عَمَلٌ وَالشَّرِكَةُ عَلَى الْحِيَاكَةِ عَلَى مَا وَصَفْنَا جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا إنْ دَخَلَا عَمِلَا جَمِيعًا وَإِلَّا تَعَطَّلَا جَمِيعًا، فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ غَرَرٌ. وَعَلَى مِثْلِ هَذَا أُجِيزَتْ الشَّرِكَةُ فِي اللُّؤْلُؤِ أَحَدُهُمَا يَتَكَلَّفُ الْغَوْصَ وَالْآخَرُ يَقْذِفُ أَوْ يُمْسِكُ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ سَوَاءً جَازَتْ الشَّرِكَةُ عَلَى التَّسَاوِي فِيمَا خَرَجَ مِنْ اللُّؤْلُؤِ، وَإِنْ كَانَتْ أُجْرَةُ مَنْ يُخْرِجُهُ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ إلَّا عَلَى قَدْرِ أُجْرَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرِ. (وَتَسَاوَيَا فِيهِ أَوْ تَقَارَبَا) اللَّخْمِيِّ: مِنْ شُرُوطِ شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ أَنْ يَكُونَا فِي الْإِبْطَاءِ وَالسُّرْعَةِ وَالْجَوْدَةِ وَاحِدًا أَوْ مُتَقَارِبًا (وَحَصَلَ التَّعَاوُنُ وَإِنْ بِمَكَانَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: شَرِكَةُ أَهْلِ الصَّنْعَةِ جَائِزَةٌ بِوَجْهَيْنِ: أَنْ تَكُونَ الصَّنْعَةُ وَاحِدَةً وَأَنْ يَعْمَلَا فِي حَانُوتٍ وَاحِدٍ. وَأَجَازَ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنْ يَكُونَ فِي حَانُوتَيْنِ فِي صَنْعَةٍ وَاحِدَةٍ. ابْنُ يُونُسَ: لَعَلَّهُ يُرِيدُ فِي مَوْضِعَيْنِ نَفَاقُهُمَا وَاحِدٌ وَتَكُونُ أَيْدِيهِمَا تَجُولُ فِي الْحَانُوتَيْنِ جَمِيعًا. ابْنُ رُشْدٍ: لَا وَجْهَ لِمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ مَعًا عَلَى أَخْذِ الْأَعْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً مِنْ الْعَمَلِ يَذْهَبُ بِهِ إلَى حَانُوتِهِ يَعْمَلُهُ فِيهِ لِرِفْقٍ لَهُ فِي ذَلِكَ لِسَعَةِ حَانُوتِهِ أَوْ انْشِرَاحِهِ أَوْ قُرْبِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ وَشِبْهِ ذَلِكَ. عِيَاضٌ: تَأَوَّلَ شُيُوخُنَا مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَى تَعَاوُنِهِمَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَوْ أَنَّ نَفَاقَ السِّلْعَتَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ سَوَاءٌ فَيَكُونُ وِفَاقًا لِلْمُدَوِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمَكَانِ تَقَارُبُ أَسْوَاقِهِ وَمَنَافِعِهِ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا قَالَ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 94 الْمُدَوَّنَةِ: " لَا يَجُوزُ إذَا افْتَرَقَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ صَنْعَتُهُمْ وَاحِدَةً " لِاخْتِلَافِ نَفَاقِ الْأَعْمَالِ فِي الْمَوَاضِعِ فَرُبَّمَا عَمِلَ أَحَدُهُمَا لِكَثْرَةِ الْعَمَلِ فِي مَوْضِعِهِ وَيَبْطُلُ الْآخَرُ فَصَارَ ذَلِكَ تَفَاضُلًا فِي الشَّرِكَةِ، وَمِنْ سُنَنِهَا الْمُسَاوَاةُ، وَذَلِكَ فِي شَرِكَتِهِمَا فِي عَمَلِ الْأَيْدِي. فَأَمَّا إنْ كَانَا يَتَّجِرَانِ فِي الصَّنْعَتَيْنِ بِأَمْوَالِهِمَا فَذَلِكَ جَائِزٌ. قَالَ أَشْهَبُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُخْرِجَا مَالًا مُتَسَاوِيًا عَلَى أَنْ يَقْعُدَ هَذَا بَزَّازًا وَهَذَا عَطَّارًا؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لِلْمَالِ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِيهِ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اشْتَرَكَ ذَوُو صَنْعَةٍ عَلَى عَمَلِ أَيْدِيهِمَا وَلَا يَحْتَاجَانِ إلَى رَأْسِ مَالٍ عَلَى أَنَّ عَلَى أَحَدِهِمَا ثُلُثَ الْعَمَلِ وَلَهُ ثُلُثُ الْكَسْبِ وَعَلَيْهِ ثُلُثُ الضَّيَاعِ وَثُلُثَا ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَهُ ثُلُثُ الْكَسْبِ فَذَلِكَ جَائِزٌ كَالْأَمْوَالِ، وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ شَرِيكَا الصَّنْعَةِ وَمِنْ رَأْسِ مَالٍ أَخْرَجَاهُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَعَمِلَا جَمِيعًا. وَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَ رَأْسِ الْمَالِ وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَالرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ تَجُزْ هَذِهِ الشَّرِكَةُ، وَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ مَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فِي عَدَدٍ أَوْ وَزْنٍ يَكُونُ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَعَلَيْهِ مِنْ الْوَضِيعَةِ وَالْعَمَلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ. ابْنُ يُونُسَ: فَإِذَا احْتَاجَ الصَّانِعَانِ إلَى رَأْسِ مَالٍ، أَخْرَجَاهُ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمَا وَلَا يَفْتَرِقَانِ بِخِلَافِ التَّجْرِ؛ لِأَنَّ الصَّانِعَيْنِ وَإِنْ احْتَاجَا إلَى رَأْسِ مَالٍ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا الصَّنْعَةُ لَا مَا يُخْرِجَانِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَتْ صَنْعَةٌ لَا قَدْرَ لَهَا وَالْمُبْتَغَى مِنْهَا التَّجْرُ لَجَازَ أَنْ يَفْتَرِقَا. (وَفِي جَوَازِ إخْرَاجِ كُلٍّ آلَةً وَاسْتِئْجَارِهِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ مِلْكٍ أَوْ كِرَاءٍ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ افْتَقَرَتْ الْآلَةُ كَالْكَمْدِ وَصَيْدِ الْجَوَارِحِ وَحَمْلِ الدَّوَابِّ جَازَتْ بِشَرْطِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْآلَةِ بِمِلْكٍ أَوْ إجَارَةٍ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُؤَاجِرَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ آلَتِهِ بِنِصْفِ آلَةِ صَاحِبِهِ. وَهَذَا ظَاهِرُ الْكِتَابِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا كِرَاءً وَتَسَاوَيَا فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ، فَإِنْ وَقَعَ مَضَى. وَأَجَازَ سَحْنُونَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 95 ابْتِدَاءً انْتَهَى مِنْهُ وَمِنْ عِيَاضٍ. وَانْظُرْ اشْتِرَاكَ الصَّيَّادِينَ لِلْحَجَلِ يَأْتِي هَذَا بِغَزْلِهِ وَهَذَا بِغَزْلِهِ صَدَرَتْ مِنِّي الْفُتْيَا أَنَّهُمْ إذَا احْتَاجُوا لِلشَّرِكَةِ وَالِاجْتِمَاعِ لِأَجْلِ حِرَاسَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَمُعَاوَنَتِهِمْ أَنْ يَجْمَعُوا الشِّبَاكَ وَيُقَدِّمُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ، يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشِّبَاكِ مَا يُنَاسِبُهُ وَيَخْتَارُ لَهُ مَوْضِعًا يَلِيقُ بِهِ وَيُعِينُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِي النِّصْفِ، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا قَدْ جَالَتْ أَيْدِيهِمْ فِي الشِّبَاكِ كَمَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي الْحَانُوتَيْنِ وَتَعَاوَنُوا فِي النِّصْفِ كَمَا قَالَهُ عِيَاضٌ فِي تَعَاوُنِهِمَا بِالْمَوْضِعَيْنِ، فَإِذَا كَانُوا عَلَى هَذَا جَازَتْ شَرِكَتُهُمْ وَإِلَّا فَهُمْ كَمَسْأَلَةِ الْعُتْبِيَّةِ فِي الصَّيَّادَيْنِ يَشْتَرِكَانِ فَيُصِيبُ أَحَدُهُمَا فِي شَبَكَةِ صَيْدٍ. قَالَ: هُوَ لَهُ؛ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ لَا تَحُلُّ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِعَدَمِ التَّعَاوُنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إذَا جَعَلَ أَحَدُهُمَا الذَّكَرَ وَالْآخَرُ الْأُنْثَى. (كَطَبِيبَيْنِ اشْتَرَكَا فِي الدَّوَاءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ شَرِكَةُ الْمُعَلِّمَيْنِ فِي مَكْتَبٍ وَاحِدٍ لَا فِي مَوْضِعَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ الْأَطِبَّاءُ إذَا كَانَ ثَمَنُ مَا يَشْتَرُونَهُ مِنْ الدَّوَاءِ بَيْنَهُمْ. قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْمُعَلِّمَيْنِ سَلِيقِيًّا وَالْآخَرُ نَحْوِيًّا جَازَ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى الِاعْتِوَانِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ لَمْ يَصْلُحْ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَعْلَمِهِمَا فَضْلٌ مِنْ الْكَسْبِ بِقَدْرِ عِلْمِهِ عَلَى صَاحِبِهِ. ابْنُ يُونُسَ: إنْ اسْتَوَيَا فِي عِلْمٍ مَا يُعَلِّمَانِهِ الصِّبْيَانَ وَجَبَ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي الْكَسْبِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ مِنْ الْآخَرِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. السَّلِيقَةُ: الطَّبِيعَةُ فُلَانٌ يَتَكَلَّمُ بِالسَّلِيقَةِ أَيْ بِطَبْعِهِ لَا عَنْ تَعَلُّمٍ. (وَصَائِدَيْنِ فِي الْبَازَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اسْتَأْجَرَ نِصْفَ دَابَّةِ رَجُلٍ ثُمَّ اشْتَرَكَا فِي الْعَمَلِ عَلَيْهَا جَازَ، وَإِنْ اشْتَرَكَا لِيَحْتَطِبَا أَوْ يَجْمَعَا ثِمَارَ الْبَرِّيَّةِ وَنَقْلُهَا عَلَى رِقَابِهِمَا أَوْ دَوَابِّهِمَا فَأَمَّا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَجَائِزٌ، وَلَا يَجُوزُ إنْ افْتَرَقَا، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي صَيْدِ السَّمَكِ وَالطَّيْرِ بِنِصْفِ الشَّرَكِ وَالشِّبَاكِ إذَا عَمِلَا جَمِيعًا لَا يَفْتَرِقَانِ فِي التَّعَاوُنِ بِالنِّصْفِ وَغَيْرِهِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَصِيدَا بِبَازَيْهِمَا أَوْ كَلْبَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَمْلِكَا رِقَابَهُمَا أَوْ يَكُونَ الْكَلْبَانِ وَالْبَازَانِ طَلَبُهُمَا وَاحِدًا لَا يَفْتَرِقَانِ فَجَائِزٌ. وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ الْبَازَانِ أَوْ الْكَلْبَانِ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ ابْنُ عَاتٍ: شَرَطَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ شَرْطًا وَاحِدًا، إمَّا أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْجَوَارِحِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَبُ وَاحِدًا. وَغَيْرُهُ شَرَطَ الشَّرْطَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: " وَجَازَ لِذِي طَيْرٍ وَذِي طَيْرَةٍ ". وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ الْبُزَاةُ شَرِكَةً جَازَ، وَإِنْ افْتَرَقَا فِي الِاصْطِيَادِ، وَأَنْ يَكُونَا شُرَكَاءَ فِي الْبُزَاةِ جَازَ إذَا كَانَ الصَّائِدَانِ يَتَعَاوَنَانِ وَلَا يَفْتَرِقَانِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَجَازَ ابْنُ حَبِيبٍ افْتِرَاقَ الْأَكْرِيَاءِ فِي الْبُلْدَانِ إنْ كَانَتْ الدَّوَابُّ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ وَلَيْسَ بِخِلَافٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ (وَهَلْ وَإِنْ افْتَرَقَا رُوِيَتْ عَلَيْهِمَا) تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنُ يُونُسَ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَمْلِكَا رِقَابَهُمَا أَوْ يَكُونَ الْبَازَانِ لَا يَفْتَرِقَانِ وَعَلَى هَذِهِ أَيْضًا حَمَلَهَا ابْنُ عَاتٍ وَاللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 96 كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ عِيَاضٌ: رُوِيَتْ الْمُدَوَّنَةُ بِالْوَاوِ وَبِأَوْ. (وَحَافِرَيْنِ بِكَرِكَازٍ وَمَعْدِنٍ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ بَقِيَّتَهُ وَأَقْطَعَهُ الْإِمَامُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي حَفْرِ الْقُبُورِ وَالْمَعَادِنِ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَالْبُنْيَانِ وَعَمَلِ الطِّينِ وَضَرْبِ اللَّبِنِ وَطَبْخِ الْقَرَامِدِ وَقَطْعِ الْحِجَارَةِ مِنْ الْجِبَالِ إذَا لَمْ يَفْتَرِقَا فِي ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ أَوْ هَذَا فِي غَارٍ وَهَذَا فِي غَارٍ مِنْ الْمَعْدِنِ، وَإِنْ عَمِلَا فِي الْمَعْدِنِ مَعًا فَأَدْرَكَا نَيْلًا كَانَ بَيْنَهُمَا وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا بَعْدَ إدْرَاكِهِ النَّيْلَ لَمْ يَرِثْ حَظَّهُ مِنْ الْمَعْدِنِ وَالسُّلْطَانُ يَقْطَعُهُ لِمَنْ رَأَى وَيَنْظُرُ فِي ذَلِكَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ (وَقَيَّدَ بِمَا لَمْ يَبْدُ) عِيَاضٌ: ذَكَرَ عَنْ ابْنِ عَبْدُوسٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَدْرَكَ النَّيْلَ كَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 97 لِوَرَثَتِهِ قَالَ: وَلَعَلَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ النَّيْلَ (وَلَزِمَهُ مَا يَقْبَلُ صَاحِبُهُ وَضَمَانُهُ وَإِنْ تَفَاصَلَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا يَقْبَلُ أَحَدُ شَرِيكَيْ الصَّنْعَةِ لَزِمَ الْآخَرَ عَمَلُهُ وَضَمَانُهُ وَيُؤْخَذُ بِذَلِكَ وَإِنْ افْتَرَقَا. (وَأُلْغِيَ مَرَضٌ كَيَوْمَيْنِ) أَوْ غَيْبَتِهِمَا لَا إنْ كَثُرَتْ (وَفَسَدَتْ بِاشْتِرَاطِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا مَرِضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الصَّنْعَةِ أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 98 غَابَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَعَمِلَ صَاحِبُهُ فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جَائِزٌ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ إلَّا مَا تَفَاحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَطَالَ، فَإِنَّ الْعَامِلَ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ لِصَاحِبِهِ نِصْفَ مَا عَمِلَ جَازَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْقِدَا فِي أَصْلِ الشَّرِكَةِ أَنَّ مَنْ مَرَضٍ مِنْهُمَا أَوْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَمَا عَمِلَ الْآخَرُ فَبَيْنَهُمَا، فَإِنْ عَقَدَا عَلَى هَذَا لَمْ تَجُزْ الشَّرِكَةُ، فَإِنْ نَزَلَ كَانَ مَا اجْتَمَعَا فِيهِ مِنْ عَمَلٍ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِمَا، وَمَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا لَهُ خَاصَّةً دُونَ الْآخَرِ، ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ (وَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ كَالصَّحِيحَةِ تَرَدُّدٌ) قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: إنْ لَمْ يَعْقِدَا عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَدْرُ الَّذِي لَوْ صَحَّ هَذَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ الزَّائِدُ لِلْعَامِلِ وَحْدَهُ وَيُسْمَحُ فِي الشَّرِكَةِ الصَّحِيحَةِ عَنْ التَّفَاضُلِ الْيَسِيرِ، وَأَمَّا إذَا فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ فَلَا يُسْمَحُ بِذَلِكَ. انْتَهَى. مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ. وَانْظُرْ أَنْتَ اللَّخْمِيَّ، وَانْظُرْ ذِكْرَ غَيْبَةِ شَرِيكِ الْعَمَلِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْبَةَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 100 شَرِيكِ الْمَالِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا مَرِضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ عَمَلِ الْأَبْدَانِ أَوْ غَابَ وَطَالَ وَشَحَّ شَرِيكُهُ فَلَهُ عَمَلُهُ قَالَ: وَأَمَّا فِي شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ فَلَهُ نِصْفُ أُجْرَةٍ عَلَى صَاحِبِهِ لَا الْفَضْلُ إنَّمَا جَرَّهُ الْمَالُ. وَانْظُرْ مَسْأَلَةً تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى بِالنِّسْبَةِ لِلشُّرَكَاءِ فِي الْحَرَارَةِ يَسْتَخْدِمُونَ الصُّنَّاعَ فَيَغِيبُ بَعْضُ الصُّنَّاعِ وَيَكُونُ أَحَدُهُمَا بِحُكْمِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ فَيَخْدُمُ عَنْ صَانِعٍ وَيَأْخُذُ أَجْرًا، أَمَّا إنْ شَرَطُوا هَذَا فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَلَا يَجُوزُ. قَالَ فِي الِاسْتِغْنَاءِ: إنْ اشْتَرَكَا شَرِكَةً صَحِيحَةً عَلَى أَنْ يَعْمَلَا جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ لِيَتَّجِرَ بِنَصِيبِهِ جَازَ إذَا كَانَ بِمَعْنَى أَنْ يَقْسِمَ مَتَى أَحَبَّ، وَأَمَّا إنْ عَقَدَا الشَّرِكَةَ وَالْإِجَارَةَ مَعًا فَلَا يَجُوزُ (وَبِاشْتِرَاكِهِمَا بِالذِّمَمِ أَنْ يَشْتَرِيَا بِلَا مَالٍ وَهُوَ بَيْنَهُمَا) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " لَا الشِّرَاءُ بِهِ ". (وَكَبَيْعِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 102 وَجِيهٍ مَالَ خَامِلٍ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ) ابْنُ شَاسٍ: شَرِكَةُ الْوُجُوهِ لَا تَصِحُّ، وَفَسَّرَهَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَبِيعَ الْوَجِيهُ مَالَ الْخَامِلِ بِزِيَادَةِ رِبْحٍ فَيَكُونُ لَهُ بَعْضُهُ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى الذِّمَمِ دُونَ مَالٍ وَلَا صَنْعَةٍ عَلَى مَا اشْتَرَيَاهُ يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِمَا وَرِبْحُهُ بَيْنَهُمَا وَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ. (وَذِي رَحًا وَذِي بَيْتٍ وَذِي دَابَّةٍ لِيَعْمَلُوا إنْ لَمْ يَتَسَاوَ الْكِرَاءُ وَتَسَاوَوْا فِي الْغَلَّةِ وَتَرَادُّوا الْأَكْرِيَةَ وَإِنْ اُشْتُرِطَ عَمَلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 103 رَبِّ الدَّابَّةِ فَالْغَلَّةُ لَهُ وَعَلَيْهِ كِرَاؤُهُمَا) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبِعَيْنٍ وَبِعَرَضٍ " أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَجَازَهَا سَحْنُونَ، وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ مَنْعَهَا ابْنَ الْقَاسِمِ مُعَارِضًا لِإِجَازَتِهِ الشَّرِكَةَ بِالْعَرَضَيْنِ مِنْ صِنْفَيْنِ وَلِإِجَازَتِهِ أَنْ يَشْتَرِكَ ثَلَاثَةٌ يُخْرِجُ أَحَدُهُمْ الْأَرْضَ وَالْآخَرُ الْبَقَرَ وَالْآخَرُ الْعَمَلَ. قَالَ: إذَا تَسَاوَى الْكِرَاءُ وَتَسَاوَوْا فِي إخْرَاجِ الزَّرِيعَةِ جَازَ. وَتَقَدَّمَ نَصُّ الْمُتَيْطِيِّ فِي ذِي الرَّحَا وَذِي الْبَيْتِ وَذِي الدَّابَّةِ إنْ أَكْرَى بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ جَازَتْ شَرِكَتُهُمْ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا اشْتَرَكَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ أَتَى أَحَدُهُمَا بِرَحًا وَالْآخَرُ بِدَابَّةٍ وَالثَّالِثُ بِالْبَيْتِ، وَعَلَى أَنْ يَعْمَلُوا بِأَيْدِيهِمْ وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمْ لَهُ أَثْلَاثًا، فَعَمِلُوا عَلَى ذَلِكَ وَجَهِلُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، فَإِنَّ مَا أَصَابُوا يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا إنْ كَانَ كِرَاءُ الدَّابَّةِ وَالْبَيْتِ وَالرَّحَا مُعْتَدِلًا وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَكْرَى مَتَاعَهُ بِمَتَاعِ صَاحِبِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّحَا وَالدَّابَّةَ وَالْبَيْتَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمْ فَأَكْرَى ثُلُثَيْ ذَلِكَ مِنْ صَاحِبَيْهِ وَعَمِلُوا جَازَتْ الشَّرِكَةُ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ كِرَاءُ مَا أَخْرَجُوهُ مُخْتَلِفًا قُسِمَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ عَمَلُ أَيْدِيهِمْ وَقَدْ تَكَافَئُوا فِيهِ وَيَرْجِعُ مَنْ لَهُ فَضْلُ كِرَاءٍ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 104 أَصْحَابِهِ فَيَتَرَادُّونَ شَيْئًا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا أَخْرَجُوهُ مِمَّا يُكْرَى وَقَدْ اُكْتُرِيَ كِرَاءً فَاسِدًا وَلَمْ يَتَرَاجَعُوا فِي عَمَلِ أَيْدِيهِمْ لِتَسَاوِيهِمْ فِيهِ فَجَعَلْت ذَلِكَ كَرُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ. أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَوْ كَانَ كِرَاءُ الْبَيْتِ ثَلَاثَةً وَالدَّابَّةُ دِرْهَمَيْنِ وَالرَّحَا دِرْهَمًا لَدَفَعَ صَاحِبُ الرَّحَا لِصَاحِبِ الْبَيْتِ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْكِرَاءِ سِتَّةٌ فَلِصَاحِبِ الدَّابَّةِ كِرَاءُ دَابَّتِهِ دِرْهَمَانِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ. وَانْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةً فِي شُرَكَاءِ الْأَبْدَانِ إذَا عَقَدَا الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا فِي هَذَا خِلَافٌ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ تَرَاضَيَا بَعْدَ الشَّرِكَةِ أَنْ يَرْعَى هَذَا شَهْرًا وَهَذَا شَهْرًا جَازَ، وَكَذَا مُعَلِّمُو الصِّبْيَانِ. وَانْظُرْ أَيْضًا هَاهُنَا مَسْأَلَةً أُخْرَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِ تَصَرُّفِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ كَغَاصِبٍ أَمْ لَا. سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ لِأَحَدِ مَالِكَيْ عَبْدٍ ضَرْبُهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَهُ إلَّا فِي ضَرْبِ أَدَبٍ. وَقَالَ سَحْنُونَ: يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: رَأَى مَالِكٌ شَرِكَتَهُ شُبْهَةً تُسْقِطُ الضَّمَانَ فِي ضَرْبِ الْأَدَبِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ؛ لِأَنَّ تَرْكَ ضَرْبِهِ أَدَبًا يُفْسِدُهُ. وَانْظُرْ زَرْعَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَبِنَاءَهُ فِي أَرْضٍ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فِي كَوْنِهِ كَغَاصِبٍ يَقْلَعُ زَرْعَهُ وَبِنَاءَهُ أَمْ لَا لِشُبْهَةِ الشَّرِكَةِ. اُنْظُرْهُ فِيهِ أَوَّلَ صَفْحَةٍ مِنْ الشَّرِكَةِ. وَمِنْ نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ قَالَ أَبُو حَفْصٍ: إذَا زَرَعَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ قَدْرَ حَظِّهِ مِنْ الْأَرْضِ لَا كِرَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَرَعَ قَدْرَ حِصَّتِهِ بِخِلَافِ مَرْكَبٍ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ رَاكِبَهُ سَافَرَ بِهِ، وَلَيْسَ عَلَى شَرِيكِهِ أَنْ يُسَافِرَ مَرْكَبُهُ بِغَيْرِ كِرَاءٍ وَالْأَرْضُ هِيَ عَلَى حَالِهَا. الْبُرْزُلِيِّ: وَكَذَا يَلْزَمُ فِي الدَّارِ أَنَّهَا عَلَى حَالِهَا بِخِلَافِ الْمَرْكَبِ اهـ. وَيَظْهَرُ مِنْ الْبُرْزُلِيُّ أَنَّهُ رَجَّحَ هَذَا عَلَى فُتْيَا السُّيُورِيِّ فِي امْرَأَةٍ لَهَا شِقْصٌ بِدَارٍ بَقِيَتْ بِتِلْكَ الدَّارِ تَسْكُنُهُ وَحْدَهَا فَقَامَ عَلَيْهَا مَنْ لَهُ الْبَقِيَّةُ بِكِرَاءِ حَظِّهِ فَقَالَتْ: إنَّمَا سَكَنْتُ قَدْرَ حَظِّي. فَقَالَ السُّيُورِيُّ: عَلَيْهَا الْكِرَاءُ. وَانْظُرْ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَسْأَلَةَ الْبِئْرِ تَكُونُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فَتَنْهَارُ وَالْعَيْنُ فَتَنْقَطِعُ فَيَعْمَلُ فِيهَا أَحَدُهُمَا وَيَأْبَى شَرِيكُهُ أَنْ يَعْمَلَ فَإِنَّ جَمِيعَ الْمَاءِ يَكُونُ لِلَّذِي عَمِلَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِشَرِيكِهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ شَرِيكُهُ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ. (وَقُضِيَ عَلَى شَرِيكٍ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ أَنْ يُعَمِّرَ أَوْ يَبِيعَ) تَبِعَ خَلِيلٌ فِي هَذَا الْفَصْلِ ابْنَ الْحَاجِبِ وَكَثِيرًا مَا هُوَ يَتْبَعُ ابْنَ شَاسٍ، وَهَذَا الْفَصْلُ فِي ابْنِ شَاسٍ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ إذْ جَعَلَهُمَا فَصْلَيْنِ: الْفَصْلُ الثَّانِي فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ فِي الطُّرُقِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 105 وَالْحِيطَانِ وَالسُّقُوفِ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ دُعِيَ أَحَدُ شَرِيكَيْ مَا لَا يَنْقَسِمُ لِإِصْلَاحِهِ أُمِرَ بِهِ، فَإِنْ أَبَى فَلِابْنِ رُشْدٍ عَنْ سَمَاعِ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ مِمَّنْ يُصْلِحُهُ. وَعَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا السَّمَاعِ أَيْضًا أَنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ عَلَيْهِ مِنْ حَظِّهِ بِقَدْرِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْعَمَلِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ حَظِّهِ بَعْدَمَا بِيعَ عَلَيْهِ مِنْهُ. ابْنُ رُشْدٍ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 108 وَفِي الْمُدَوَّنَةِ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُهُ. (كَذِي سُفْلٍ إنْ وَهِيَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ قَوْمٍ وَفِيهَا بُيُوتٌ وَسَاحَةٌ وَلَهَا غُرَفٌ وَسُطُوحٌ بَيْنَ يَدَيْهَا فَقَسَمُوا الْبِنَاءَ عَلَى الْقِيمَةِ وَأَبْقَوْا السَّاحَةَ، فَإِنَّ السَّطْحَ يُقَوَّمُ مَعَ الْبِنَاءِ تُقَوَّمُ الْغَرْفَةُ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ الْمِرْفَقِ، وَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 109 يَرْتَفِقُ بِسَاحَةِ السُّفْلِ كَارْتِفَاقِ صَاحِبِ السُّفْلِ وَلَا مِرْفَقَ لِصَاحِبِ الْأَسْفَلِ فِي سَطْحِ الْأَعْلَى إذْ لَيْسَ مِنْ الْأَقْبِيَةِ، وَيُضِيفُ الْقَاسِمُ قِيمَةَ خَشَبِ السَّطْحِ وَالْغُرَفِ مَعَ قِيمَةِ الْبَيْتِ الَّذِي تَحْتَ ذَلِكَ وَمَا رَثَّ مِنْ خَشَبِ الْعُلْوِ الَّذِي هُوَ أَرْضُ الْغُرَفِ وَالسَّطْحِ فَإِصْلَاحُهُ عَلَى رَبِّ الْأَسْفَلِ وَلَهُ مِلْكُهُ كَمَا عَلَيْهِ إصْلَاحُ مَا وَهِيَ وَرَثَّ مِنْ جَدَرَاتِ الْأَسْفَلِ. وَإِذَا سَقَطَ الْعُلْوُ عَلَى الْأَسْفَلِ فَهَدَمَهُ جُبِرَ رَبُّ الْأَسْفَلِ عَلَى أَنْ يَبْنِيَهُ أَوْ يَبِيعَ مِمَّنْ يَبْنِيَهُ حَتَّى يَبْنِيَ رَبُّ الْعُلْوِ عُلْوَهُ، فَإِنْ بَاعَهُ مِمَّنْ يَبْنِيهِ فَامْتَنَعَ مِنْ بِنَائِهِ جُبِرَ الْمُبْتَاعُ أَيْضًا أَنْ يَبْنِيَهُ أَوْ يَبِيعَ مِمَّنْ يَبْنِيَهُ. ابْنُ يُونُسَ: قِيلَ: إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ جُبِرَ عَلَى بِنَائِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ وَفِي تَرَبُّصِهِ لِلْبَيْعِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ (وَعَلَيْهِ التَّعْلِيقُ) ابْنُ شَعْبَانَ: إذَا خِيفَ سُقُوطُ السُّفْلِ فَقِيلَ: إنَّ تَعْلِيقَ الْأَعْلَى عَلَى صَاحِبِ الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ حَمْلَهُ بِالْبِنَاءِ وَبِهَذَا أَقُولُ، إلَّا أَنْ يَهْدِمَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. وَقِيلَ: إنَّ تَعْلِيقَهُ عَلَى الْأَعْلَى (وَالسَّقْفِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا رَثَّ مِنْ خَشَبِ الْعُلْوِ اُنْظُرْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَذِي سُفْلٍ ". (وَكَنْسِ مِرْحَاضٍ) أَشْهَبُ: كَنْسُ بِئْرِ الْمِرْحَاضِ عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ؛ لِأَنَّهُ بِئْرُهُ، وَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يُلْقِيَ فِيهِ سُقَاطَتَهُ وَأَنْ يَرْتَفِقَ بِهِ فَهُوَ كَسَقْفِ السُّفْلِ. وَلِابْنِ الْقَاسِمِ نَحْوُهُ انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ الْجَمَاجِمِ. قَالَ: وَعَلَيْهِمَا الْخِلَافُ فِي كَنْسِ كَنِيفِ الدَّارِ الْمُكْرَاةِ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ عَلَى رَبِّهَا. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ عَلَى الْمُكْتَرِي. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ اهـ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ: " إذَا وَقَعَتْ فِي بِئْرِ الدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ فَأْرَةٌ أَوْ مَاتَتْ بِهِ أَوْ هِرٌّ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّ تَنْقِيَةَ الْبِئْرِ عَلَى رَبِّ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْبِئْرَ مِنْ مَنَافِعِ الدَّارِ فَعَلَيْهِ إصْلَاحُهَا، وَمِنْ الْكَافِي: مَنْ كَانَ لَهُ مَسِيلُ مَاءٍ عَلَى سَطْحِ رَجُلٍ فَانْهَدَمَ فَإِصْلَاحُ السَّطْحِ عَلَى رَبِّهِ، وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْمَسِيلِ شَيْءٌ مِنْ نَفَقَتِهِ. وَمَنْ كَانَ لَهُ شِرْبٌ فِي بُسْتَانِ رَجُلٍ فَاحْتَاجَتْ سَاقِيَتُهُ أَوْ نَهَرُهُ إلَى تَنْقِيَتِهِ فَتَنْقِيَةُ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الْمِلْكِ وَالشِّرْبِ جَمِيعًا مِنْهُ. وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ ذَكَرُوا الْخِلَافَ فِي الدَّابَّةِ تَدْخُلُ دَارَ رَجُلٍ فَتَمُوتُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ إخْرَاجَهَا عَلَى رَبِّ الدَّارِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَبِهَدْمِ بِنَاءٍ ". وَانْظُرْ مَسْأَلَةً مِنْ هَذَا النَّوْعِ الْقَنَاةُ تَنْسَدُّ فِي أَوَّلِهَا قَالُوا: الْأَوَّلُونَ يَكْنُسُونَ أَوَّلًا وَلَا كَنْسَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَإِنْ انْسَدَّتْ مِنْ آخِرِهَا كَنَسَ الْأَوَّلُونَ مَعَ الْآخَرِينَ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ فِي قَنَوَاتِ الْمَرَاحِيضِ؛ لِأَنَّهَا إذَا انْسَدَّتْ فِي أَوَّلِهَا بَاقِيهَا غَيْرُ مَسْدُودٍ فَالضَّرَرُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْأَوَّلِينَ إذْ لَا مَنْفَذَ لِجَرْيِ مَائِهِمْ وَأَثْفَالِهِمْ، وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمْ فَلَا سَدَّ فِي مَجْرَاهُمْ وَلَا ضَرَرَ يَلْحَقُهُمْ. وَإِذَا انْسَدَّتْ فِي آخِرِهَا فَالضَّرَرُ يَلْحَقُهُمْ أَجْمَعِينَ؛ لِأَنَّهَا إذَا انْسَدَّتْ عَلَى الْآخَرِينَ طَلَعَ السَّدُّ إلَى الْأَوَّلِينَ فَأَضَرَّ بِجَمِيعِهِمْ، وَأَمَّا سَوَاقِي السَّقْيِ وَالْمَطَاحِنُ فَإِذَا انْسَدَّتْ فِي أَوَّلِهَا وَخَرِبَتْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 110 قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إلَى انْتِفَاعِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَكَنْسُهَا عَلَى جَمِيعِهِمْ إذْ لَوْ لَمْ يَصْلُحْ ذَلِكَ لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَإِذَا بَلَغَ الْكَنْسُ إلَى دَارِ الْأَوَّلِ وَتَمَّ لَهُ الِانْتِفَاعُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ لَوْ لَمْ يَكْنُسْ بَقِيَّتَهَا ارْتَفَعَ الْكَنْسُ عَنْ هَذَا وَكَنَسَ الْبَاقُونَ، ثُمَّ إذَا تَمَّ انْتِفَاعُ الثَّانِي أَيْضًا ارْتَفَعَ الْكَنْسُ مِنْهُ، ثُمَّ كَذَلِكَ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ إلَخْ. اُنْظُرْ نَوَازِلَ أَصْبَغَ مِنْ السُّدُودِ وَالْأَنْهَارِ. (لَا سُلَّمٌ) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: عَلَى مَنْ السُّلَّمُ؟ قَالَ: عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ إذَا كَانَ لَهُ عُلْوٌ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ عُلْوَهُ، ثُمَّ عَلَى صَاحِبِ الْعُلْوِ الْأَعْلَى مَا أَدْرَكَ الْعُلْوُ الْأَوَّلُ إلَى عُلْوِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَعْرِفُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ بِنَاءَ السُّلَّمِ إلَى حَدِّ الْعُلْوِ إنْ كَانَ، ثَمَّ عُلْوٌ آخَرُ فَعَلَى صَاحِبِ الْعُلْوِ الْأَوَّلِ مِنْ بِنَاءِ السُّلَّمِ مِنْ حَدِّ عُلْوِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ بِهِ سَقْفَ عُلْوِهِ الَّذِي عَلَيْهِ عُلْوُ الْآخَرِ. (وَبِعَدَمِ زِيَادَةِ الْعُلْوِ إلَّا الْخَفِيفَ) أَشْهَبُ: لَيْسَ لِرَبِّ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى عُلْوِهِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ إلَّا مَا خَفَّ مِمَّا لَا يَضُرُّ بِرَبِّ السُّفْلِ، فَإِنْ بَنَى مُضِرًّا قُلِعَ، وَلَوْ انْكَسَرَتْ خَشَبَةٌ مِنْ سَقْفِ الْعُلْوِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إدْخَالُ خَشَبَةٍ أَثْقَلَ مِنْهَا. (وَبِالسَّقْفِ لِلْأَسْفَلِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يُعَلِّقُ الْأَسْفَلُ الْعُلْوَ، وَالسَّقْفُ عَلَيْهِ وَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ مِمَّنْ تَنَازَعَاهُ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا مَنْزِلٌ لِأَحَدِهِمَا عُلْوُهُ وَلِلْآخَرِ أَسْفَلُهُ فَانْكَسَرَ السَّقْفُ الْأَدْنَى لِسَقْفِ الْبَيْتِ قَالَ: عَلَى رَبِّ الْأَسْفَلِ إصْلَاحُ خَشَبِهِ وَجَرِيدِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: مِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدِي اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَذِي سُفْلٍ ". (وَبِالدَّابَّةِ لِلرَّاكِبِ لَا مُتَعَلِّقِ بِلِجَامٍ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا تَنَازَعَا جِدَارًا حَائِلًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا فَصَاحِبُ الْيَدِ مِنْهُمَا مَنْ كَانَ إلَيْهِ وَجْهُ الْجِدَارِ أَوْ الطَّاقَاتُ وَمَعَاقِدُ الْقُمُطِ أَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ جُذُوعٌ مِنْ صَاحِبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَى أَحَدِهِمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمَا، وَكَذَا رَاكِبُ الدَّابَّةِ مَعَ الْمُتَعَلِّقِ بِلِجَامِهَا الرَّاكِبُ مُخْتَصٌّ بِالْيَدِ. (وَإِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 111 أَقَامَ أَحَدُهُمْ رَحًا إنْ أَبَيَا فَالْغَلَّةُ لَهُمْ وَيَسْتَوْفِي مِنْهَا مَا أَنْفَقَ) قَالَ عِيسَى: إذَا تَهَدَّمَتْ الرَّحَا الْمُشْتَرَكَةُ فَدَعَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ إلَى عَمَلِهَا وَأَبَى الْبَاقُونَ، فَإِنَّ مَنْ أَبَى يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ أَوْ يَبِيعَ مِمَّنْ يَعْمَلُ. قَالَهُ مَالِكٌ: وَلَوْ عَمِلَ بَعْضُهُمْ فَلَمَّا تَمَّتْ وَطَحَنَتْ قَالَ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ: خُذْ نِصْفَ مَا أَنْفَقْتَ وَأَكُونُ مَعَكَ شَرِيكًا قَالَ: ذَلِكَ لَهُ. فَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ قَدْ اغْتَلَّ مِنْهَا غَلَّةً قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَنْفَقَ فَقَالَ لِي ابْنُ الْقَاسِمِ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 112 الْغَلَّةُ كُلُّهَا لِلْعَامِلِ حَتَّى يُعْطَى قِيمَةَ مَا عَمِلَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا اغْتَلَّ فَبِمَا أَنْفَقَ فَإِنْ اغْتَلَّ جَمِيعَ نَفَقَتِهِ رَجَعَ فِي حَظِّهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَانْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَقَضَى عَلَى شَرِيكٍ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ ". (وَبِالْإِذْنِ فِي دُخُولِ جَارِهِ لِإِصْلَاحِ جِدَارٍ وَنَحْوِهِ) سَحْنُونَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ حَائِطَهُ مِنْ دَارِ جَارِهِ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ أَنْ يَدْخُلَ دَارِهِ فَيَنْظُرَ حَائِطَهُ، وَكَذَا لَوْ قَلَعَتْ الرِّيحُ ثَوْبَ رَجُلٍ فَأَلْقَتْهُ فِي دَارِ آخَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ أَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 113 يَدْخُلَ لِيَأْخُذَهُ أَوْ يُخْرِجَهُ الْمُشَاوِرُ وَكَمَا لَوْ كَانَتْ لَهُ شَجَرَةٌ فِي دَارِ رَجُلٍ. (وَبِقِسْمَتِهِ إنْ طُلِبَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْجِدَارُ إذَا كَانَ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةً وَأَبَى الْآخَرُ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ أَوْ كَانَ يَنْقَسِمُ قُسِمَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ لَمْ يُقْسَمْ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ جُذُوعٌ؟ قَالَ: إذَا كَانَتْ جُذُوعُ هَذَا مِنْ هَاهُنَا وَجُذُوعُ هَذَا مِنْ هَاهُنَا لَمْ يَسْتَطِعْ قِسْمَةً وَلَكِنْ يَتَقَاوَيَاهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ. (لَا بِطُولِهِ عَرْضًا) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي قِسْمَةِ الْجِدَارِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُقْسَمُ، وَصِفَةُ قَسْمِهِ إذَا كَانَ جَارِيًا مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا طَائِفَةً تَلِي الْمَشْرِقَ وَالْآخَرُ طَائِفَةً أُخْرَى تَلِي الْمَغْرِبَ، وَلَيْسَتْ الْقِسْمَةُ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا مَا يَلِيَ الْقِبْلَةَ وَالْآخَرُ مَا يَلِي الْجَوْفَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِقِسْمَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَضَعُهُ أَحَدُهُمَا عَلَيْهِ مِنْ خَشَبٍ فَثِقَلُهُ وَمَضَرَّتُهُ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 114 جَمِيعِ الْحَائِطِ وَلَيْسَ يَخْتَصُّ الثِّقَلُ وَالضَّرَرُ بِمَا يَلِيهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَقْتَسِمَا أَعْلَاهُ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ أَرْضُهُ شِبْرَيْنِ فَيَبْنِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى أَعْلَاهُ شِبْرًا مِمَّا يَلِيهِ لِنَفْسِهِ وَيَكُونَ ذَلِكَ قِسْمَةً لِلْأَعْلَى وَجُمْلَةُ الْحَائِطِ عَلَى الشَّرِكَةِ الْأُولَى، أَوْ يَكُونُ مِمَّا أَرَادَا قِسْمَتَهُ بَعْدَ انْهِدَامِهِ فَيَقْسِمَانِ أَرْضَهُ وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ مِمَّا يَلِيهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَصِفَةُ قَسْمِهِ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ أَنْ يُقْسَمَ طُولًا لَا عَرْضًا. وَقَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ قَسْمُهُ طُولًا لَا عَرْضًا لِقَوْلِهِ: " وَكَانَ يَنْقَسِمُ " قَالَ: وَأَمَّا عَرْضًا فَيَنْقَسِمُ اهـ. وَانْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةَ إذَا خِيفَ سُقُوطُ جِدَارٍ هُوَ بَيْنَهُمَا وَأَبَى أَحَدُهُمَا مِنْ إصْلَاحِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ مَا لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يُجْبَرُ أَنْ يُصْلِحَ أَوْ يَبِيعَ مِمَّنْ يُصْلِحُ. عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ: لَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى بِنَائِهِ وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا سَتَرَ عَلَى نَفْسِهِ. (وَبِإِعَادَةِ السَّاتِرِ لِغَيْرِهِ إنْ هَدَمَهُ ضَرَرًا لَا لِإِصْلَاحٍ أَوْ هُدِمَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي الْجِدَارِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا فَانْهَدَمَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ: لَا يُجْبَرُ عَلَى إعَادَتِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ هَدَمَهُ هُوَ لِوَجْهِ مَنْفَعَتِهِ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى رَدِّهِ، وَلَوْ هَدَمَهُ لِلضَّرَرِ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يُعِيدَهُ. قَالَ سَحْنُونَ: لَا يُجْبَرُ عَلَى بُنْيَانِهِ إذَا انْهَدَمَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَيُجْبَرُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ وَبِهِ أَقُولُ. وَابْنِ رُشْدٍ: وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، وَانْظُرْهَا فِي آخِرِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَهُنَا ذَكَرَ أَيْضًا ضَرَرَ الشَّجَرِ بِالْجِدَارِ وَكَيْفَ إنْ نَبَتَتْ مِنْهَا شَجَرَةٌ فِي أَرْضِ جَارِهِ أَوْ نَبَعَ عَيْنٌ مِنْ عَيْنِهِ، وَكَيْفَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ رَحًا فَوْقَ رَحَاهُ؟ وَانْظُرْ أَيْضًا آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْهُ إذَا نَقَلَ السَّيْلُ تُرَابَ قَوْمٍ لِأَرْضِ آخَرِينَ لَا يَلْزَمُهُمْ نُقْلَانَهُ. وَذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ آخِرَ كِتَابِ كِرَاءِ الْأَرْضِينَ قَالَ: وَهُوَ كَمَا لَوْ وَقَعَ عَلَى شَجَرَةٍ فَأَضَرَّ بِهَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 115 وَنَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ أَيْضًا: إذَا جَرَّ السَّيْلُ بَذْرَ رَجُلٍ فَنَبَتَ بِأَرْضِ آخَرَ كَمَا لَوْ جَرَّ شَجَرَةً كَذَلِكَ كَمَا لَوْ انْتَشَرَ الْحَبُّ فِي الْأَرْضِ الْمُكْتَرَاةِ وَنَبَتَ لِقَابِلٍ. وَانْظُرْ أَيْضًا هُنَاكَ ذَكَرُوا أَنَّ مَا نَبَتَ بِالتُّخُمِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ نَهْرٍ يُشَقُّ فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَنَبَتَ بِهِ قَصَبٌ هِيَ لِرَبِّ الْأَرْضِ إذْ مَا لِصَاحِبِ الْمَاءِ إلَّا مَجَازُ الْمَاءِ خَاصَّةً. وَانْظُرْ فِي كِتَابِ السِّدَادِ وَالْأَنْهَارِ فِي مَسَائِلَ سُئِلَ عَنْهَا عِيسَى بْنُ دِينَارٍ حُكْمُ النَّهْرِ يَكُونُ لِنَاحِيَةِ أَرْضِ رَجُلٍ فَيَيْبَسُ حَتَّى يَصِيرَ أَرْضًا تُعْتَمَرُ لِمَنْ يَكُونُ ذَلِكَ؟ وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ الْمَوْضِعُ الَّذِي زَالَ عَنْهُ الْوَادِي هُوَ لِلَّذِينَ يَلُونَهُ وَلَا يَكُونُ مَوَاتًا، وَبِهَذَا هِيَ الْفُتْيَا خِلَافًا لِلْمَازِرِيِّ عَنْ سَحْنُونٍ قَالَهُ ابْنُ حَمْدِيسٍ. وَبِمِثْلِ مَا أَجَابَ بِهِ قَاضِي الْجَمَاعَةِ أَقُولُ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 116 (وَبِهَدْمِ بِنَاءٍ بِطَرِيقٍ وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْأَفْنِيَةِ لِأَرْبَابِ الدُّورِ. ابْنُ حَبِيبٍ: يَعْنِي بِالِانْتِفَاعِ لِلْمَجَالِسِ وَالْمَرَابِطِ وَالْمَسَاطِبِ وَجُلُوسِ الْبَاعَةِ فِيهَا لِلْبِيَاعَاتِ الْخَفِيفَةِ، وَلَيْسَ أَنْ يُحَازَ بِالْبُنْيَانِ وَالتَّحْظِيرِ. وَقَالَهُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ مَرَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِكِيرِ حَدَّادٍ فِي السُّوقِ فَأَمَرَ بِهِ فَهُدِمَ وَقَالَ: تُضَيِّقُونَ عَلَى النَّاسِ السُّوقَ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الطَّرِيقِ فَحَدُّهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ» وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَرْبَابِ الْأَفْنِيَةِ الَّتِي انْتِفَاعُهُمْ بِهَا لَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارَّةِ أَنْ يُكْرُوهَا. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ كُلَّ مَا لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذِهِ الْكُلِّيَّةُ غَيْرُ صَادِقَةٍ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكْرِيَ جِلْدَ الْأُضْحِيَّةِ وَلَا بَيْتَ الْمَدْرَسَةِ لِلطَّالِبِ وَنَحْوِهِ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ فِي جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ أَنَّ إجَارَةَ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ. قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَاجِيُّ وَلَا ابْنُ يُونُسَ وَلَا الشَّيْخُ غَيْرَهُ. وَأَمَّا بَيْتُ الْمَدْرَسَةِ فَقَالَ الْبُرْزُلِيِّ: كُنْت بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَذَكَرْت أَنَّ أَصْحَابَ حَبْسِ الْمَدَارِسِ وَالزَّوَايَا لَا يَجُوزُ لَهُمْ بَيْعٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا عَارِيَّةٌ ثُمَّ إنِّي افْتَقَرْت لِسُكْنَى بَعْضِهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 118 فَأَعَارَنِي طَالِبٌ بَيْتًا فِي مَدْرَسَةِ شَيْخُونٍ وَأَعَارَنِي آخَرُ أُخْرَى فِي الْمَدْرَسَةِ المُسْتَنْصِرِيَّة حَالَةَ الرَّجْعَةِ فَاعْتَرَضُوا عَلَيَّ بِمَا كُنْت أَفْتَيْتُ، فَأَجَبْتُ بِأَنِّي مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ لَكِنْ سَبَقَنِي فِيهِ غَيْرِي فَإِذَا طَابَتْ نَفْسُهُ زَمَنًا مَا بِرَفْعِ يَدِهِ أَوْ مُطْلَقًا فَهُوَ جَائِزٌ، وَقَوَّيْته بِمَا أَجَابَنِي بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ فِي التَّطَهُّرِ فِي مَطَاهِرِ الْمَدَارِسِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْحَبْسِ فَيَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: يَجُوزُ لِسَاكِنِ الْمَدَارِسِ إنْزَالُ الضَّيْفِ الْمُدَّةَ الْيَسِيرَةَ بِخِلَافِ الْمُدَّةِ الْكَثِيرَةِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يُبَاحُ لِذِي الْفِنَاءِ أَنْ يُدْخِلَهُ فِي دَارِهِ، فَإِنْ فَعَلَ وَهُوَ يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ هُدِمَ عَلَيْهِ وَرُدَّ كَمَا كَانَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ فَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ: يُهْدَمُ كَذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَصْبَغَ: إذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوهُ فَابْتَنَى مِنْهُمْ مُبْتَنٍ وَأَدْخَلَهُ فِي بُنْيَانِهِ لَمْ يُمْنَعْ إنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَرَاءَهُ وَاسِعًا وَأَكْرَهُهُ ابْتِدَاءً، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ أَحْكُمْ عَلَيْهِ بِزَوَالِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ مِثْلَ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْقَائِلُونَ بِالْهَدْمِ أَكْثَرُ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْهَدْمِ أَظْهَرُ، وَأَفْتَى بِالْأَوَّلِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَغَيْرُهُ، وَأَفْتَى بِعَدَمِ الْهَدْمِ ابْنُ لُبَابَةَ وَغَيْرُهُ. (وَبِجُلُوسِ بَاعَةٍ بِأَفْنِيَةِ الدُّورِ لِلْبَيْعِ إنْ خَفَّ) تَقَدَّمَ أَوَّلَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 124 الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ يُقْضَى لِأَرْبَابِ الدُّورِ بِالْأَفْنِيَةِ لِلْحَوَائِطِ وَجُلُوسِ الْبَاعَةِ فَانْظُرْهُ مَعَ هَذَا. (وَلِلسَّابِقِ كَمَسْجِدٍ) عِيَاضٌ: قَالُوا: مَنْ قَعَدَ مِنْ الْبَاعَةِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ أَفْنِيَةِ الطُّرُقِ وَأَفْنِيَةِ الْبِلَادِ غَيْرِ الْمُتَمَلَّكَةِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَوَائِجِ وَالْمَرَافِقِ فَهُوَ أَوْلَى بِهَا مَا دَامَ بِهِ جَالِسًا، فَإِنْ قَامَ مِنْهُ وَنِيَّتُهُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ مِنْ غَدٍ بِمَتَاعِهِ فَرَوَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ، وَقِيلَ: السَّابِقُ أَحَقُّ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ: اسْتَثْنَى أَصْحَابُنَا مِنْ هَذَا مَوْضِعَ الْمُقْرِئِ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ عِيَاضٌ: الْمُفْتِي إذَا أَلِفَ بِالْمَسْجِدِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 127 مَوْضِعًا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَلَيْسَ بِحَقٍّ وَاجِبٍ. (وَبِسَدِّ كُوَّةٍ فُتِحَتْ أُرِيدَ مِنْ خَلْفَهَا) سُئِلَ سَحْنُونَ عَمَّنْ فَتَحَ كُوَّةً فِي غَرْفَةٍ يَرَى مِنْهَا مَا فِي دَارِ جَارِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 128 فَقَضَى عَلَيْهِ بِسَدِّهَا فَطَلَبَ أَنْ يَسُدَّهَا مِنْ خَلْفِ بَابِهَا فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلْيَقْلَعْ الْبَابَ وَيَسُدَّهُ، وَتَرْكُ الْبَابِ يُوجِبُ لَهُ حِيَازَةً بَعْدَ الْيَوْمِ يَشْهَدُونَ لَهُ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ هَذَا الْبَابَ مُنْذُ سِنِينَ كَثِيرَةٍ فَيَصِيرُ حِيَازَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يُقْلَعَ. (وَبِمَنْعِ دُخَانٍ: كَحَمَّامٍ وَرَائِحَةٍ: كَدِبَاغٍ وَأَنْدَرَ قِبَلَ بَيْتٍ وَمُضِرٍّ بِجِدَارٍ) مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: مَنْ أَحْدَثَ أَنْدَرَا إلَى جَنْبِ جِنَانِ رَجُلٍ وَهُوَ يَضُرُّ بِهِ فِي تَذْرِيَةِ التِّبْنِ قَالَ: يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَمَنْ أَحْدَثَ إلَى جَانِبِ دَارٍ فُرْنًا أَوْ حَمَّامًا فَيَضُرُّ بِمَنْ جَاوَرَهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنُوا فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الْغَسَّالُ أَوْ الضَّرَّابُ يُؤْذِي جَارَهُ وَقْعُ ضَرْبِهِمَا فَلَا يُمْنَعَانِ مِنْ هَذَا، وَأَمَّا الدَّبَّاغُ يُؤْذِي جِيرَانَهُ بِرَائِحَةِ دِبَاغَةٍ مُنْتِنَةٍ فَهَذَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَالْفُرْنِ وَالْحَمَّامِ. قَالَ: وَلَوْ أَحْدَثَ جَنَّاتٍ إلَى جَانِبِ الْأَنْدَرِ وَتِبْنُ الْأَنْدَرِ يَضُرُّ بِهِ فَذَلِكَ سَوَاءٌ، وَيُمْنَعُ صَاحِبُ الْأَنْدَرِ مِنْ الضَّرَرِ كَمَا كَانَ يُمْنَعُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وُقُوعُ التِّبْنِ فِي أَرْضِهِ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. ابْنُ رُشْدٍ: إحْدَاثُ أندر بِإِزَاءِ دَارٍ أَوْ جِنَانٍ يَضُرُّ مَا يَقَعُ بِأَحَدِهِمَا مِنْ تِبْنٍ عِنْدَ الذَّرِّ، وَكَذَا دُخَانُ حَمَّامٍ أَوْ فُرْنٍ أَوْ رَائِحَةُ دَبْغٍ أَوْ إلْصَاقُ كَنِيفٍ بِجِدَارِ جَارِهِ أَوْ رَحًا تَضُرُّ جِدَارَهُ وَشِبْهُهُ اتِّفَاقًا فِي الْجَمِيعِ انْتَهَى. وَقَدْ نَقَلَ هَذَا ابْنُ عَاتٍ فِي طُرَرِهِ وَذَكَرَ هَلْ يُجْعَلُ أُنْبُوبًا فِي أَعْلَى الْفُرْنِ يَرْتَقِي الدُّخَانُ فِيهَا وَلَا يَضُرُّ بِمَنْ جَاوَرَهُ. اُنْظُرْهُ فِي ابْتِيَاعِ حِصَّةٍ مِنْ أَنْدَرِ الْمُشَاوِرِ الصَّوْتُ لَا يَخْرِقُ الْأَسْمَاعَ وَلَا يَضُرُّ بِالْأَجْسَامِ، فَلَا يُمْنَعُ إلَّا أَنْ يَضُرَّ بِالْجَدَرَاتِ فَيُمْنَعُ وَذَلِكَ بِخِلَافِ أَنْ يُحْدِثَ فِي دَارِهِ أَوْ فِي حَانُوتِهِ دِبَاغًا أَوْ يَفْتَحَ بِقُرْبِ جَارِهِ مِرْحَاضًا وَلَا يُغَطِّيهِ أَوْ مَا تُؤْذِيهِ رَائِحَتُهُ؛ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ الْمُنْتِنَةَ تَخْرِقُ الْخَيَاشِيمَ وَتَصِلُ إلَى الْمِعَى وَتُؤْذِي الْإِنْسَانَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ» الْحَدِيثَ. قَالَ: فَكُلُّ رَائِحَةٍ تُؤْذِي يُمْنَعُ مِنْهَا بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: وَبِهَذَا الْعَمَلُ. (وَإِصْطَبْلٍ) مِنْ الْمُفِيدِ: يُمْنَعُ مَنْ أَحْدَثَ إصْطَبْلًا عِنْدَ بَيْتِ جَارِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِبَوْلِ الدَّوَابِّ وَزِبْلِهَا بِبَيْتِ جَارِهِ وَحَرَكَتِهَا فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 134 اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ الْمَانِعَةِ مِنْ النَّوْمِ (وَحَانُوتٍ قُبَالَةَ بَابِ دَارٍ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبَابٌ بِسِكَّةٍ نَافِذَةٍ ". (وَيُقْطَعُ مَا أَضَرَّ مِنْ شَجَرَةٍ بِجِدَارٍ إنْ تَجَدَّدَتْ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ) قَالَ مُطَرِّفٌ فِي الشَّجَرِ يَكُونُ إلَى جَانِبِ دَارِ رَجُلٍ فَيَضُرُّ بِهِ: فَإِنْ كَانَتْ أَقْدَمَ مِنْ الْجِدَارِ وَكَانَتْ عَلَى حَالِ مَا هِيَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ مِنْ انْبِسَاطِهَا فَلَا تُقْطَعُ، وَإِنْ حَدَثَ لَهَا أَغْصَانٌ بَعْدَمَا بَنَى الْجِدَارَ تَضُرُّ بِالْجِدَارِ فَلْيُشَمِّرْ مِنْهَا كُلَّ مَا أَضَرَّ بِالْجِدَارِ مِمَّا حَدَثَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: تُتْرَكُ وَمَا حَدَثَ وَانْتَشَرَ مِنْ أَغْصَانِهَا وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِالْجِدَارِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَالَ أَصْبَغُ بِقَوْلِ مُطَرِّفٍ وَبِهِ أَقُولُ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَقَالُوا أَجْمَعُ: إنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ مُحْدَثَةً بَعْدَ الْجِدَارِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ مِنْهَا كُلُّ مَا آذَى الْجِدَارَ وَأَضَرَّ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي شَجَرَةٍ فِي دَارِ رَجُلٍ فَطَالَتْ حَتَّى صَارَ يُشْرِفُ مِنْهَا إلَى دَارِ جَارِهِ إذَا طَلَعَ يَجْنِيهَا أَوْ غَرَسَهَا قَرِيبًا مِنْ جَارِهِ، فَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يُطْرَقَ مِنْهَا فَيَدْخُلَ عَلَيْهِ فِي دَارِهِ قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ إلَّا مَا خَافَ مِنْ الطَّرْقِ أَوْ مِمَّنْ يَجْنِيهَا فَلَا حُجَّةَ لَهُ وَيُؤْذِنُهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْنِيَهَا، وَأَمَّا إنْ خَرَجَ مِنْ فُرُوعِهَا إلَى أَرْضِ جَارِهِ فَلْيَقْطَعْ ذَلِكَ الْخَارِجَ فَقَطْ، وَنَحْوُهُ لِأَصْبَغَ قَالَ: إنْ كَانَ عِظَمُهَا وَامْتِدَادُهَا صُعُودًا إلَى السَّمَاءِ فَلَا تُغَيَّرُ عَنْ حَالِهَا كَالْبُنْيَانِ يَرْفَعُهُ الرَّجُلُ فِي حَقِّهِ فَيَسْتُرُ بِهِ الرِّيحَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 135 وَالشَّمْسَ عَنْ جَارِهِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا امْتَدَّتْ مِنْ أَرْضِ جَارِهِ فَتُشَمَّرُ وَتُقْطَعُ وَتُرَدُّ إلَى حَالٍ لَا تُؤْذِي. قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهَا إلَى أَرْضِ جَارِهِ فَلْيَقْطَعْ حَتَّى تَعُودَ فُرُوعُهَا حِذَاءَ أَرْضِ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ هَوَاءَ الْأَرْضِ لِرَبِّهَا. قَالَ أَصْبَغُ: وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الَّتِي تَكُونُ لِلرَّجُلِ فِي أَرْضِ الرَّجُلِ بِمِيرَاثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ قَسْمٍ فَامْتَدَّتْ فُرُوعُهَا فَلَا قَوْلَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَمَنْ فِي حَائِطِهِ شَجَرَةٌ فَيَخْرُجُ مِنْهَا قُضْبَانٌ تَحْتَ الْأَرْضِ فَيَظْهَرُ فِي أَرْضِ جَارِهِ وَتَصِيرُ شَجَرًا مُثْمِرًا وَثَبَتَ ذَلِكَ، فَلْيُخَيَّرْ مَنْ نَبَتَ فِي أَرْضِهِ أَنْ يَقْلَعَهَا أَوْ يُعْطِيَ لِلْآخَرِ قِيمَتَهَا مَقْلُوعَةً مَطْرُوحَةً. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ الشَّجَرَةِ مَنْفَعَةٌ لَوْ قَلَعَهَا أَوْ غَرَسَهَا بِمَوْضِعٍ آخَرَ لَنَبَتَتْ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهَا وَلَا مَضَرَّةَ عَلَيْهِ فِيهَا فَهِيَ لِرَبِّ الْأَرْضِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا مَضَرَّةٌ؛ لِأَنَّ عُرُوقَ الْقَدِيمَةِ تَسْقِي هَذِهِ فَلَهُ قَلْعُهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الَّذِي ظَهَرَتْ فِي أَرْضِهِ أَنْ يَقْطَعَ عُرُوقَهَا الْمُتَّصِلَةَ بِشَجَرَةِ الْأَوَّلِ حَتَّى لَا تَضُرَّ بِهَا وَيُعْطِيَهُ قِيمَتَهَا مَقْلُوعَةً إنْ كَانَتْ لَهَا قِيمَةٌ فَذَلِكَ لَهُ. وَأَفْتَى اللَّخْمِيِّ بِقَطْعِ نَخْلَةٍ خِيفَ مِنْ سُقُوطِهَا عَلَى زَيْتُونَةٍ. (لَا مَانِعَ ضَوْءٍ وَشَمْسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ رَفَعَ بُنْيَانَهُ فَتَجَاوَزَ بُنْيَانَ جَارِهِ لِيُشْرِفَ عَلَيْهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ رَفْعِ بُنْيَانِهِ وَمُنِعَ مِنْ الضَّرَرِ بِهِ، وَإِنْ رَفَعَ بُنْيَانَهُ فَسَدَّ عَلَى جَارِهِ كُوَاهُ وَأَظْلَمَتْ أَبْوَابُ غُرَفِهِ وَكُوَاهَا وَمَنَعَهُ الشَّمْسَ أَنْ تَرْتَفِعَ فِي حُجْرَتِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ هَذَا الْبُنْيَانِ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: يُمْنَعُ مِنْ ضَرَرِ مَنْعِ الضَّوْءِ وَالرِّيحِ وَالشَّمْسِ. (وَرِيحِ الْأَنْدَرِ) الْبَاجِيُّ: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ مُلَاصِقَةٌ أَنْدَرَ غَيْرِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا مَا يَمْنَعُ الرِّيحَ عَنْ الْأَنْدَرِ وَيَقْطَعُ مَنْفَعَتَهُ فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يُمْنَعُ. وَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ فِي قَلْعِ مَرَافِقِ الْأَنْدَرِ الَّتِي تُقَامُ. زَادَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَالْأَنَادِرُ كَالْأَفْنِيَةِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّضْيِيقُ فِيهَا وَلَا قَطْعُ مَنَافِعِهَا، وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ. قَالَ الْعُتْبِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ (وَعُلْوِ بِنَاءٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ رَفَعَ بُنْيَانَهُ لَمْ يُمْنَعْ وَإِنْ أَظْلَمَتْ أَبْوَابُ غُرَفِ جَارِهِ وَكُوَاهُ. (وَصَوْتٍ كَكَمْدٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي ضَرَرِ صَوْتِ الْحَرَكَاتِ طُرُقٌ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَحْدَثَ رَحًا تَضُرُّ بِجَارِهِ مُنِعَ. الْبَاجِيُّ: أَمَّا الرَّحَا إنْ ثَبَتَ أَنَّهَا تَضُرُّ بِجَدَرَاتِ الْجِنَانِ مُنِعَ مِنْهَا، وَأَمَّا صَوْتُهَا فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْغَسَّالِ وَالضَّرَّابِ يُؤْذِي جَارَهُ وَقْعُ صَوْتِهِمَا: إنَّهُ لَا يُمْنَعُ وَتَحْتَمِلُ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْخِلَافَ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّوْتِ الضَّعِيفِ لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ مَضَرَّةٍ أَوْ مَا لَا يُسْتَدَامُ، وَأَمَّا مَا كَانَ صَوْتًا شَدِيدًا مُسْتَدَامًا كَالْكَمَّادِينَ وَالصَّفَّارِينَ وَالرَّحَا ذَاتِ الصَّوْتِ الشَّدِيدِ فَإِنَّهُ ضَرَرٌ يُمْنَعُ مِنْهُ كَالرَّائِحَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَحْكِ الصَّقَلِّيُّ غَيْرَ قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ. ابْنُ رُشْدٍ: ذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى مَنْعِ ضَرَرِ الصَّوْتِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: " اُطْرُدْ هَذَا الْقَارِئَ عَنِّي فَقَدْ آذَانِي ". ابْنُ رُشْدٍ: وَلَيْسَ هَذَا بِدَلِيلٍ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَانْظُرْ أَوَاخِرَ نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِمَّا يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ كَإِحْدَاثِ فُرْنٍ قُرْبَ فُرْنٍ آخَرَ أَوْ قُرْبَ دَارٍ لَا يَضُرُّهَا الدُّخَانُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 136 اُنْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ. (وَبَابٍ بِسِكَّةٍ نَافِذَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْتَحَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ بَابًا يُقَابِلُ بَابَ جَارِكَ أَوْ يُسَاوِيهِ، وَلَا تُحَوِّلْ بَابًا هُنَاكَ إذَا مَنَعَكَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي تُرِيدُ أَنْ تَفْتَحَ بِهِ بَابَكَ لِي فِيهِ مِرْفَقٌ أَفْتَحُ بِهِ بَابِي فِي سُتْرَةٍ وَلَا أَدَعُكَ أَنْ تَفْتَحَ قُبَالَةَ بَابِي أَوْ قُرْبَهُ فَتَتَّخِذَ عَلَيَّ فِيهِ الْمَجَالِسَ، وَشِبْهَ هَذَا مِنْ الضَّرَرِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ عَلَى جَارِهِ مَا يَضُرُّ بِهِ. وَأَمَّا فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ فَلَكَ أَنْ تَفْتَحَ مَا شِئْت أَوْ تُحَوِّلَ بَابَكَ حَيْثُ شِئْت مِنْهَا، وَكَذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْفَتْحِ قُبَالَةَ بَابِ جَارِهِ أَوْ يُقَدِّمُ بَابَهُ جِوَارَ بَابِ جَارِهِ الْمُلَاصِقَةِ لَهُ فِي السِّكَّةِ غَيْرِ النَّافِذَةِ أَوْ النَّافِذَةِ مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ سَوَاءٌ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنَّهُ يُمْنَعُ فِي غَيْرِ النَّافِذَةِ مِنْ أَنْ يَضُرَّ بِجَارِهِ فِي أَنْ يَفْتَحَ قُبَالَتَهُ أَوْ يَقْرُبَ مِنْ بَابِهِ، وَلَا يُمْنَعُ مِمَّا لَا يَضُرُّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا النَّافِذَةُ فَلَهُ أَنْ يَفْتَحَ مَا شَاءَ مِنْ الْأَبْوَابِ أَوْ يُقَدِّمَهَا. قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 137 ابْنُ وَهْبٍ: وَكَذَلِكَ لَوْ فَتَحَ حَوَانِيتَ فِي جِدَارِهِ إلَى سِكَّةٍ مِنْ السِّكَكِ مُشَاعَةً لِلنَّاسِ وَلِرَجُلٍ دَارٌ يُقَابِلُ بَابُهَا تِلْكَ الْحَوَانِيتَ فَشَكَا ضَرَرَ ذَلِكَ، فَذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْت مَا فِي السِّكَكِ النَّافِذَةِ. قَالَ أَشْهَبُ: إنْ كَانَتْ نَافِذَةً فَلَهُ أَنْ يَفْتَحَ مَا شَاءَ وَيَنْقُلَ مَا أَحَبَّ. ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ أَنْ تَفْتَحَ بَابًا أَوْ حَانُوتًا قُبَالَةَ بَابِ جَارِهِ فِي الزُّقَاقِ النَّافِذِ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ وَابْنِ وَهْبٍ. وَأَجَابَ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَنْ أَحْدَثَ بِدَارِهِ بَابًا وَحَانُوتَيْنِ قُبَالَةَ بَابِ جَارِهِ بَيْنَهُمَا زُقَاقٌ نَافِذٌ وَلَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ دَارِ الْجَارِ وَلَا يَدْخُلُهَا إلَّا عَلَى نَظَرِ الْجَالِسِينَ فِي الْحَانُوتَيْنِ لِعَمَلِ صَنْعَتِهِمْ وَهُوَ ضَرَرٌ بَيِّنٌ بِرَبِّ الدَّارِ، بِأَنْ يَأْمُرَ أَنْ يُنَكِّبَ بَابَهُ وَحَانُوتَيْهِ عَنْ مُقَابَلَةِ بَابِ جَارِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِغَلْقِهَا وَتُرِكَ. اُنْظُرْ فِي أَوَاخِرِ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ فَفِيهَا نَحْوُ هَذَا. (وَرَوْشَنٍ) الْجَوْهَرِيُّ: الرَّوْشَنُ الْكُوَّةُ. الْمُحْكَمُ الرَّوْشَنُ الرَّفُّ. الْبَاجِيُّ: مَا خَرَجَ مِنْ الْعَسَاكِرِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ، فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَنَاحُ بِأَسْفَلِ الْجِدَارِ حَيْثُ يَضُرُّ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ فَيُمْنَعُ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَلْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ كَذَلِكَ تَحْتَ الْأَرْضِ، مِنْ نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: أَمَّا وَضْعُ سَاقِيَةٍ تَمْشِي تَحْتَ الْأَرْضِ وَيُغَطِّيهَا مِنْ فَوْقُ بِالتُّرَابِ فَمَا يَجْرِي جَوَازُهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ، وَنَقَلَ بَعْدَ هَذَا لَا يُمْنَعُ مَنْ أَحْدَثَ رَفًّا عَلَى طَرِيقٍ وَلَا كَنِيفًا إذَا سَتَرَهُ وَغَطَّاهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرُ أَحَدٍ. (وَسَابَاطٍ لِمَنْ لَهُ الْجَانِبَانِ) سَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ: لِمَنْ لَهُ دَارَانِ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَنْ يَبْنِيَ جِدَارَيْهِمَا غُرْفَةً أَوْ مَجْلِسًا فَوْقَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 145 الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِضْرَارِ بِتَضْيِيقِ الطَّرِيقِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إنْ رَفَعَ بِنَاءَهُ رَفْعًا يُجَاوِزُ رَأْسَ الْمَارِّ رَاكِبًا. وَنَحْوُهُ فِي الزَّاهِي وَكَذَا الْأَجْنِحَةُ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: سُنَّةُ الْأَنْهَارِ وَالطُّرُقِ الِارْتِفَاقُ بِهَا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَنْصِبَ عَلَى نَهْرٍ إذَا كَانَتْ الضِّفَّتَانِ لَهُ أَوْ إحْدَاهُمَا وَأَبَاحَ لَهُ صَاحِبُ الثَّانِيَةِ ذَلِكَ وَلَا حُجَّةَ لِلسُّلْطَانِ أَنَّ الْوَادِيَ لَهُ انْتَهَى (بِسِكَّةٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 146 نَافِذَةٍ) مَا وَجَدْتُ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ فَاسْتَظْهِرْ عَلَيْهِ. (وَإِلَّا فَكَالْمِلْكِ لِجَمِيعِهِمْ) حَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي فَتْحِ الرَّجُلِ بَابًا أَوْ تَحْوِيلِهِ عَنْ مَوْضِعِهِ فِي الزُّقَاقِ الَّذِي لَيْسَ بِنَافِذِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا - أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ بِحَالٍ إلَّا بِإِذْنِ جَمِيعِ أَهْلِ الزُّقَاقِ قَالَ: وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ زَرْبٍ وَأَقَامَهُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ بِقُرْطُبَةَ. الثَّانِي - أَنَّ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يُقَابِلْ بَابَ جَارِهِ وَلَا قَرُبَ مِنْهُ فَيَقْطَعُ بِهِ مِرْفَقًا عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَسُئِلَ سَحْنُونَ عَنْ دَرْبٍ كَبِيرٍ غَيْرِ نَافِذٍ فِيهِ زَنْقَةٌ فِي نَاحِيَةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَلِرَجُلٍ فِي أَقْصَاهَا بَابٌ فَأَرَادَ أَنْ يُقَدِّمَهُ إلَى طَرَفِ الزَّنْقَةِ فَمَنَعَهُ أَهْلُ الدَّرْبِ قَالَ: لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ وَلَا يُحَرِّكُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ إلَّا بِرِضَا أَهْلِ الدَّرْبِ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا خِلَافٌ لِلْمُدَوِّنَةِ، وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَصْوَبُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَابْنَ وَهْبٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَةَ مُشَاعَةٌ لَا يَتَمَيَّزُ حَظُّ أَحَدِهِمْ عَنْ صَاحِبِهِ، فَمَا يُفْتَحُ فِيهِ مُشْتَرَكٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ، وَالدُّورُ فِي الدُّرُوبِ غَيْرِ النَّافِذَةِ مُتَمَيِّزَةٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَصْنَعَ فِي مِلْكِهِ مَا لَا يَضُرُّ بِجَارِهِ (إلَّا بَابًا إنْ نُكِّبَ) تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَمْ يُبْنَ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 148 مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ بِقُرْطُبَةَ وَأَقَامَهُ ابْنُ زَرْبٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَأَفْتَى بِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ لِسَحْنُونٍ، وَإِنَّمَا بَنَى عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ السِّكَّةَ غَيْرُ النَّافِذَةِ كَالْمِلْكِ لِجَمِيعِهِمْ لَا يُسْتَحْدَثُ فِيهَا إلَّا بِإِذْنِهِمْ إلَّا بَابًا نُكِّبَ فَلَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ هَذَا بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ. وَانْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةً فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ لَهُ دَارَانِ فِي رَحْبَةٍ لِأَهْلِ الطَّرِيقِ ارْتِفَاقٌ بِالْأَحْمَالِ بِهَا حِينَ ضَيَّقَ الطَّرِيقَ بِالْأَوَّلِ وَشِبْهُهَا، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهَا بَابًا حَتَّى تَكُونَ الرَّحْبَةُ لَهُ فِنَاءً وَلَمْ يَزِدْ فِيهَا ابْنُ رُشْدٍ شَيْئًا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَزَلَتْ عِنْدَنَا بِتُونِسَ فِي مَوْضِعَيْنِ فَحَكَمَ بِهَدْمِ الْبَابِ وَإِزَالَتِهِ. (وَصُعُودَ نَخْلَةٍ وَأَنْذَرَ بِطُلُوعِهِ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: مَنْ صَعِدَ إلَى شَجَرَةٍ يَجْنِيهَا فَيَرَى مِنْهَا مَا فِي دَارِ جَارِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ هَذَا وَلَكِنْ يُؤْذِنُ جَارَهُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ نَحْوَهُ انْتَهَى. وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ صَوْمَعَةٍ أُحْدِثَتْ يُطَّلَعُ مِنْهَا عَلَى بَعْضِ الدُّورِ، هَلْ هِيَ كَالشَّجَرَةِ يُطَّلَعُ مِنْهَا حِينَ اجْتِنَائِهَا عَلَى دَارِ الْجَارِ؟ فَأَفْتَى بِسَدِّ كُلِّ مَا يُطَّلَعُ مِنْهُ عَلَى دَارٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّجَرَةِ بِكَثْرَةِ صُعُودِ الصَّوْمَعَةِ وَقِلَّةِ طُلُوعِ الشَّجَرَةِ انْتَهَى. اُنْظُرْ لَمْ يَسْتَوْفِ الْكَلَامَ عَلَى ضَرَرِ الِاطِّلَاعِ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: لَا خِلَافَ فِي مَنْعِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الدُّورِ، وَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ الْبِنَاءِ الَّذِي يُطَّلَعُ مِنْهُ عَلَى الْفَدَادِينِ وَالْمَزَارِعِ وَيُخْتَلَفُ فِي الْجَنَّاتِ. قَالَ: الْمُشَاوِرُ يُمْنَعُ الِاطِّلَاعَ إذَا تَبَيَّنَتْ الْأَشْخَاصُ وَإِلَّا فَلَا. ابْنُ عَرَفَةَ: اُنْظُرْ هَلْ أَرَادَ الْأَشْخَاصَ بِاعْتِبَارِ الصِّنْفِ كَالرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ أَوْ النَّوْعِ كَالْإِنْسَانِ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا بِالْجُزْئِيَّةِ كَزَيْدٍ مِنْ عُمَرَ فَلَا. ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ شَكَا شَجَرَةً بِدَارِ جَارِهِ أَنْ يَتَطَرَّقَ إلَيْهِ مِنْهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَطْعُهَا بِخِلَافِ مَا دَخَلَ مِنْ أَغْصَانِهَا فِي دَارِهِ بِخِلَافِ شَجَرَةٍ فِي أَرْضِهِ لِغَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ قَطْعُ مَا انْبَسَطَ مِنْهَا. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْمَعْنَى فِي الِاطِّلَاعِ أَنَّ مَا لَا يُوصَلُ إلَيْهِ مِنْ الِاطِّلَاعِ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمُؤْنَةٍ وَقَصْدٍ إلَى التَّطَلُّعِ بِتَكَلُّفِ صُعُودٍ لَا وَجْهَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ وَيُؤَدَّبُ إنْ اطَّلَعَ. قَالَ: وَأَفْتَى الشُّيُوخُ عِنْدَنَا فِيمَنْ فَتَحَ فِي قَصَبَتِهِ بَابًا لَا يَطَّلِعُ مِنْهُ عَلَى دَارِ جَارِهِ إلَّا بِأَنْ يُخْرِجَ رَأْسَهُ مِنْ الْبَابِ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْبَابِ شَرْجَبًا وَثِيقًا يَمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِ أَحَدٍ رَأْسَهُ مِنْهُ وَهُوَ حَسَنٌ مِنْ الْفَتْوَى انْتَهَى. مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ: وَانْظُرْ فَصْلَ الضَّرَرِ فِي ابْنِ سَلْمُونَ قَبْلَ تَرْجَمَةِ الْأَحْبَاسِ ذَكَرَ فِيهِ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي إحْدَاثِ ضَرَرٍ، هَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ؟ وَإِنْ عَلِمَ بِالضَّرَرِ وَسَكَتَ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ فَلَا قِيَامَ لَهُ وَإِذَا أَحْدَثَ عَلَيْهِ بِنَاءً فَسَكَتَ حَتَّى تَمَّ الْبِنَاءُ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا سَكَتَ رِضًا، فَإِنْ بَاعَ سَقَطَ قِيَامُهُ. (وَنُدِبَ إعَارَةُ جِدَارِهِ لِغَرْزِ خَشَبِهِ) الْمُوَطَّأُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ خَشَبَةً تُغْرَزُ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 149 جِدَارِهِ» رَوَى ابْنُ وَهْبٍ " خَشَبَةً " بِلَفْظِ الْوَحْدَةِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ " خَشَبَهُ " عَلَى الْجَمْعِ وَفِي رِوَايَةٍ لَمَّا حَدَّثَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ نَكَّسُوا رُءُوسَهُمْ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ مُعْرِضِينَ؟ أَمَا وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ. وَالصَّوَابُ بِالتَّاءِ. وَرُوِيَ بِالنُّونِ " أَكْنَافِكُمْ ". ذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ هَذَا نَدْبٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَدَاوُد وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ: ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَضَرَّةٌ عَلَى صَاحِبِ الْجِدَارِ. وَمِنْ حُجَّتِهِمْ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ: " وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ " وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا كَانَ لِيُوجِبَ عَلَيْهِمْ غَيْرَ وَاجِبٍ. وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَيْضًا قَالُوا: هَذَا مِنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُوَافِقِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» إنَّمَا هُوَ عَلَى التَّمْلِيكِ وَالِاسْتِمْلَاكِ وَلَيْسَ الْمِرْفَقُ ذَلِكَ، وَكَيْفَ يَكُونُ مِنْهُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ فَأَوْجَبَ أَحَدَهُمَا وَمَنَعَ مِنْ الْآخَرِ؟ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى بِذَلِكَ وَقَالَ لِابْنِ مَسْلَمَةَ: وَاَللَّهِ لَيُمَرَّنَّ وَلَوْ عَلَى بَطْنِكَ. وَقَالَ لَهُ: لِمَ تَمْنَعُ أَخَاكَ مَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّكَ؟ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَاجِبًا عِنْدَ عُمَرَ مَا جَبَرَهُ عَلَى ذَلِكَ قَضَى لِابْنِ عَوْفٍ عَلَى ابْنِ زَيْدٍ. وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ «أَنَّ غُلَامًا اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فَجَعَلَتْ أُمُّهُ تَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ وَتَقُولُ: أَبْشِرْ هَنِيئًا لَكَ الْجَنَّةُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَمَا يُدْرِيهَا؟ لَعَلَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ وَيَمْنَعُ مَا لَا يَضُرُّهُ» . وَهَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَانْظُرْ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ أَنَّ لِجَارِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِيهِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجَاوِرْ الْمَسْجِدُ دَارَ رَجُلٍ فَلَا يُعَلِّقْ مِنْهُ شَيْءٌ. وَانْظُرْ فِيهَا أَيْضًا مَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 150 أَرَادَ أَنْ يُعَلِّقَ بَيْتًا فِي دَارِهِ عَلَى أَرْجُلٍ مِنْ حَائِطِ جَارِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِجَارِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ أَنْ يَمَسَّ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَ وَتَدًا فِي جِدَارِهِ وَلَا أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ مَا يَضُرُّ بِهِ كَالزِّبْلِ وَالتِّبْنِ. (وَإِرْفَاقٌ بِمَاءٍ وَفَتْحُ بَابٍ) الْبَاجِيُّ: قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: كُلُّ مَا طَلَبَهُ جَارُهُ مِنْ فَتْحِ بَابٍ أَوْ إرْفَاقٍ بِمَاءٍ أَوْ طَرِيقٍ وَشِبْهِهِ فَهُوَ مِثْلُهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَهُ مِمَّا لَا يَضُرُّهُ وَلَا يَنْفَعُهُ مِنْهُ وَلَا يَحْكُمُ بِهِ عَلَيْهِ. (وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَفِيهَا إنْ دَفَعَ مَا أَنْفَقَ أَوْ قِيمَتَهُ وَفِي مُوَافَقَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ تَرَدُّدٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَذِنْتَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِي أَرْضِكَ أَوْ يَغْرِسَ فَلَمَّا فَعَلَ أَرَدْتَ إخْرَاجَهُ، فَأَمَّا بِقُرْبِ إذْنِكَ لَهُ مِمَّا لَا يُشْبِهُ أَنْ تُعِيرَهُ إلَى مِثْلِهِ تِلْكَ الْمُدَّةُ الْقَرِيبَةُ فَلَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ مَا أَنْفَقَ. وَقَالَ فِي بَابٍ بَعْدَ هَذَا: قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ. ابْنُ يُونُسَ: قِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: " قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ " أَيْ إذَا أَخْرَجَ مِنْ عِنْدِهِ شَيْئًا مِنْ آجُرٍّ أَوْ جِيرٍ. وَقَوْلُهُ: " مَا أَنْفَقَ " إذَا أَخْرَجَ ثَمَنًا فَاشْتَرَى بِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ. ابْنُ يُونُسَ: فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لَا يَكُونُ اخْتِلَافًا مِنْ قَوْلِهِ. وَقِيلَ: رَأَى أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ مَا أَنْفَقَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَغَابُنٌ أَوْ كَانَ فِيهِ تَغَابُنٌ يَسِيرٌ، وَمَرَّةً رَأَى أَنَّ الْقِيمَةَ أَعْدَلَ إذْ قَدْ يُسَامَحُ مَرَّةً فِيمَا يَشْتَرِيهِ، وَمَرَّةً يُغْبَنُ فِيهِ فَإِذَا أَعْطَى قِيمَةَ ذَلِكَ يَوْمَ بِنَائِهِ لَمْ يَظْلِمْ. ابْنُ يُونُسَ: فَيَكُونُ عَلَى هَذَا اخْتِلَافٌ مِنْ قَوْلِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَالتَّأْوِيلَانِ مَعًا مُحْتَمَلَانِ. وَقِيلَ: تَأْوِيلٌ آخَرُ هُوَ خَطَأٌ اهـ. اُنْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ الْحُكْمَ إذَا أَبَى أَنْ يَدْفَعَ شَيْئًا وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ لَمْ يُعْطِهِ مَا أَنْفَقَ تَرَكَهُ إلَى مِثْلِ مَا يَرَى النَّاسُ أَنَّكَ أَعَرْته إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْأَمَدِ. وَرَوَى أَبُو عُمَرَ: مَنْ أَعَارَ جَارَهُ خَشَبَةً يَغْرِزُهَا فِي جِدَارِهِ ثُمَّ أَغْضَبَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَنْزِعَهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ لِأَمْرٍ نَزَلَ بِهِ فَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ بَيْعَ دَارِهِ فَقَالَ: انْزِعْ خَشَبَكَ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ. وَرَوَى الْبَاجِيُّ: إذَا أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَغْرِزَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْزِعَهَا وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ وَاحْتَاجَ إلَى جِدَارِهِ مَاتَ أَوْ عَاشَ أَوْ بَاعَ. وَقَالَ أَصْبَغُ: إذَا أَتَى عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ مَا يُعَارُ مِثْلُهُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ فَلَهُ مَنْعُهُ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ: الْغَرْزُ فِي جِدَارِ الدَّارِ مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ إنْ لَمْ تَكُنْ فِي ذَلِكَ مَضَرَّةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى رَبِّ الْجِدَارِ. وَقَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ، وَيَأْتِي أَيْضًا عَلَى رِوَايَةِ زِيَادٍ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَمَرِّ فِي أَرْضِ الرَّجُلِ لِجَارِهِ إنْ لَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 151 يَضُرَّ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِي الْجِدَارِ مِثْلَهُ وَهَلْ الْمَسْجِدُ كَغَيْرِهِ؟ . اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ وَابْنَ عَاتٍ وَمِثْلُ الْإِذْنِ فِي غَرْزِ خَشَبِهِ الْإِذْنُ فِي مَاءِ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ لِمَنْ يُنْشِئُ عَلَيْهِ غَرْسًا فِي ذَلِكَ سِتَّةُ أَقْوَالٍ. كَمَا إذَا غَرَسَ عَلَى مَائِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ ثُمَّ أَرَادَ قَطْعَهُ. ثُمَّ ذَكَرَ لِابْنِ عَرَفَةَ إثْرَ هَذَا أَوَاخِرَ بَابِ الشَّرِكَةِ إذَا تَنَازَعَ جَارَانِ فِي جِدَارٍ بَيْنَهُمَا، وَهَلْ يُقْضَى بِهِ لِمَنْ لَهُ بِهِ الْقُمُطُ وَالْكُوَى؟ وَفِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْعُيُوبِ أَنَّ الشُّهُودَ إذَا شَهِدُوا أَنَّ الْحَائِطَ مِنْ حُقُوقِ أَحَدِهِمَا بِدَلِيلِ عُقُودِ الْبِنَاءِ، فَهَلْ يَحْلِفُ مَنْ شَهِدُوا لَهُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: هُوَ مِلْكِي أَوْ مِنْ حُقُوقِ دَارِي؟ فَرْقٌ. [فَصْلٌ الشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ] فَصْلٌ. هَذَا الْفَصْلُ أَقْحَمَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ وَأَتَى بِهِ ابْنُ شَاسٍ مَعَ الْمُسَاقَاةِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 152 الْمُزَارَعَةُ شَرِكَةٌ فِي الْحَرْثِ (لِكُلٍّ فَسْخُ الْمُزَارَعَةِ إنْ لَمْ يَبْذُرْ) الْمُتَيْطِيُّ: الشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ جَائِزَةٌ وَهِيَ لَازِمَةٌ بِالْعَقْدِ كَالْكِرَاءِ وَالْبَيْعِ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ وَالْجُعْلِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ وَابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ. وَقِيلَ: إنَّ الْمُزَارَعَةَ لَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَبْذُرْ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَةُ أَصْبَغَ عَنْهُ. وَقِيلَ: إنَّهَا لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْعَمَلِ كَالشَّرِكَةِ وَبِهِ جَرَتْ الْفُتْيَا بِالْأَنْدَلُسِ (وَصَحَّتْ إنْ سَلِمَا مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَمْنُوعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تَصْلُحُ الشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ إلَّا أَنْ يُخْرِجَا الْبَذْرَ نِصْفَيْنِ وَيَتَسَاوَيَا فِي قِيمَةِ أَكْرِيَةِ مَا يُخْرِجَانِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا الْأَرْضُ وَلِلْآخَرِ الْبَقَرُ، وَالْعَمَلُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْ عَلَيْهِمَا إذَا تَسَاوَيَا، وَالْبَذْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ وَالْآخَرُ الْبَذْرَ وَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا وَقِيمَةُ الْبَذْرِ وَكِرَاءُ الْأَرْضِ سَوَاءٌ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ أَكْرَى نِصْفَ أَرْضِهِ بِطَعَامِ صَاحِبِهِ. وَلَوْ اكْتَرَيَا الْأَرْضَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ كَانَتْ لَهُمَا جَازَ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا الْبَذْرَ كُلَّهُ وَالْآخَرُ الْبَقَرَ وَالْعَمَلَ، وَكِرَاءُ ذَلِكَ وَقِيمَةُ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ سَوَاءٌ، وَإِذَا سَلِمَ الْمُتَزَارِعَانِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ الْآخَرِ جَازَتْ الشَّرِكَةُ، إنْ تَسَاوَيَا، وَلَمْ يَفْضُلْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِشَرْطٍ فِي عَمَلٍ وَلَا نَفَقَةٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ. قَالَ سَحْنُونَ: إنْ تَفَاضَلَا فِي الْعَمَلِ تَفَاضُلًا كَثِيرًا لَهُ بَالٌ فَالشَّرِكَةُ تَفْسُدُ وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا وَالْأَرْضُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ التَّفَاضُلُ يَسِيرًا لَمْ تَفْسُدْ الشَّرِكَةُ كَمَا أَجَازَ مَالِكٌ أَنْ تُلْغَى الْأَرْضُ الَّتِي لَا كِرَاءَ لَهَا. وَاَلَّذِي نَقَلَ أَهْلُ كُتُبِ الْأَحْكَامِ أَيْ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ الْمُتَزَارِعَيْنِ إذَا سَلِمَا مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَلَا بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ مِمَّنْ كَانَ، وَشَرِكَتُهُمَا جَائِزَةٌ إذَا اعْتَدَلَا فِي الزَّرِيعَةِ وَإِنْ لَمْ يُقَوِّمَا الْعَمَلَ وَلَا عَرَفَا كِرَاءَ الْأَرْضِ وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: إنْ كَانَ الْعُرْفُ بِالْبَلَدِ أَنَّ الْحَصَادَ وَالدِّرَاسَ وَالتَّصْفِيَةَ عَلَى الْعَامِلِ وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَعَ جَمِيعِ الْعَمَلِ مُسَاوِيًا لِكِرَاءِ الْأَرْضِ جَازَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَمْ يُجِزْهُ سَحْنُونَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَكُونُ. قَالَ: وَيُعْقَدُ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى الْعَامِلِ يَعْنِي بَعْدَ الْحَرْثِ وَالزَّرْعِ مَا يَحْتَاجُ الزَّرْعُ إلَيْهِ مِنْ خِدْمَةٍ وَسَقْيٍ وَتَنْقِيَةٍ وَحَصَادٍ وَنَقْلِهِ إلَى الْأَنْدَرِ وَدِرَاسَتِهِ فِيهِ وَتَصْفِيَتِهِ إلَى أَنْ يَصِيرَ حَبًّا مُصَفًّى فَيَقْسِمَانِهِ عَلَى الْكَيْلِ. قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَرْضِ عِمَارَةٌ لِرَبِّهَا وَبَاعَهَا مِنْ الْعَامِلِ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 153 صَفْقَةِ الْمُزَارَعَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْعِمَارَةَ مِنْ نَفْسِ الشَّرِكَةِ غَيْرُ خَارِجَةٍ عَنْهَا، فَتَقُولُ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ: وَبَاعَ فُلَانٌ رَبُّ الْأَرْضِ مِنْ الْمُزَارِعِ فُلَانٍ مَا كَانَ لَهُ فِي الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ حَرْثِ قَلِيبٍ وَثَنَاءٍ وَتَثْلِيثٍ بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا قَبَضَهَا أَوْ يَقْبِضُهَا إلَى أَجَلٍ كَذَا. قَالَ: وَإِنْ شَرَطَ رَبُّ الْأَرْضِ هَدَايَا فِي الْعِيدَيْنِ وَالنَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَان وَسَاوَى ذَلِكَ مَعَ الْعَمَلِ كِرَاءَ الْأَرْضِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَتَقُولُ: وَلِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْعَامِلِ فِي كُلِّ عِيدِ أَضْحَى كَبْشٌ سَمِينٌ رَبَاعٌ، وَفِي كُلِّ عِيدِ فِطْرٍ مِثْلُهُ. وَكَذَا كَذَا دَجَاجَةً سَمِينَةً فَتِيَّةً فِي فَصْلِ النَّيْرُوزِ وَخَرُوفٌ سَمِينٌ ابْنُ شَهْرَيْنِ، وَفِي الْمِهْرَجَانِ كَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَوَّمَا ذَلِكَ كُلَّهُ مَعَ الْعَمَلِ فَكَانَ مُسَاوِيًا اهـ. اُنْظُرْ أَرْضَ الْجَالِبِ، الشَّأْنُ فِيهَا أَنْ لَا يُعْطِيَ الْعَامِلُ الزَّرِيعَةَ فَإِذَا أَخْرَجَ الْعَامِلُ ثَمَنًا وَحَسَبَهُ كَأَنَّهُ ثَمَنُ عِمَارَةٍ أَوْ ثَمَنُ كَبْشٍ يُعْطِيهِ رَبَّ الْأَرْضِ هَدِيَّةً وَاشْتَرَى بِهِ زَرِيعَةً وَنَوَى أَنَّهُ لَا يَتَمَوَّلُهَا إذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بَاعَهَا وَاشْتَرَى بِثَمَنِهَا زَرِيعَةً وَهَكَذَا إلَى آخِرِ عَامٍ يَصْرِفُهَا حَيْثُ يَجِبُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا يَسُوغُ لَهُ اهـ. اُنْظُرْ مَا ذَكَرْتُهُ أَنَّهُ يَشْتَرِي بِالزَّرِيعَةِ زَرِيعَةً أُخْرَى لِلْعَامِ الْآتِي وَهَذَا وَهْمٌ، بَلْ يَصْرِفُهَا فِي مَصْرِفِهَا وَيَشْتَرِي مِنْ مَالِ نَفْسِهِ زَرِيعَةً لِلْعَامِ الْآتِي. وَانْظُرْ هَذَا كُلَّهُ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الْعَمَلَ جَرَى بِمَذْهَبِ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ مَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ الَّذِي أَتَى بِهِ كَأَنَّهُ فِقْهُ مُسَلَّمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فَقَالَ مَا نَصُّهُ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا الْقَرَوِيِّينَ: إذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمْ الْأَرْضَ وَالْآخَرُ الْعَمَلَ فَهَذِهِ إجَارَةٌ وَتَلْزَمُ بِالْعَقْدِ. وَأَجَازَ سَحْنُونَ أَنْ يَكُونَ كِرَاءُ الْأَرْضِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إجَارَةٌ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى التَّسَاوِي، وَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ أَنْ يَبْذُرَ مَعَ صَاحِبِهِ لِلُزُومِ الشَّرِكَةِ اهـ. وَسَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْخُمَاسِ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ لِأَحَدِهِمَا الْجَمِيعُ ". وَانْظُرْ هَذَا الْمَأْخَذَ بِالنِّسْبَةِ لِأَئِمَّةِ الْقُرَى تَقُولُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُكْرِيَ فَدَّانًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَهُ أَنْ يُكْرِي الْفَدَّانَ يَوْمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَمَا جَازَ كِرَاؤُهُ جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ. (وَقَابِلُهَا مُسَاوٍ وَتَسَاوَيَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي الزَّرْعِ فَيُخْرِجُ أَحَدُهُمَا أَرْضًا لَهُ قَدْرٌ مِنْ الْكِرَاءِ فَيُلْقِيهَا لِصَاحِبِهِ وَيَعْتَدِلَانِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْعَمَلِ وَالزَّرْعِ وَالْبَذْرِ: فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُخْرِجَ صَاحِبُهُ نِصْفَ كِرَاءِ الْأَرْضِ وَيَكُونَ جَمِيعُ الْعَمَلِ وَالْبَذْرِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، أَوْ تَكُونَ أَرْضًا لَا خَطْبَ لَهَا فِي الْكِرَاءِ فَيَجُوزُ أَنْ يُلْغِي كِرَاءَهَا لِصَاحِبِهِ وَيُخْرِجَانِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا ابْنُ يُونُسَ: إنْ قِيلَ فَهَذِهِ شَرِكَةٌ وَبَيْعٌ يَعْنِي إذَا أَعْطَى شَرِيكَهُ نِصْفَ كِرَاءِ الْأَرْضِ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا قِيلَ: إنَّمَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَيْعُ خَارِجًا عَنْ الشَّرِكَةِ اهـ. وَانْظُرْ فِي ابْنِ سَلْمُونَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ مَا لَمْ يَبْذُرْ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ بَعْدَ قَلِيبِ الْأَرْضِ أَوْ بَعْدَ عَامٍ وَقَدْ كَانَ الْعَقْدُ لِأَعْوَامٍ. وَانْظُرْ فِيهِ أَنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 154 الْأَرْضَ إذَا كَانَ فِيهَا عِمَارَةٌ لِصَاحِبِهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ مِثْلِهَا. وَانْظُرْ أَيْضًا إذَا غَلِطَ فَزَرَعَ فَدَّانَ جَارِهِ هُنَا إذَا اخْتَلَطَتْ الزُّرُوعُ عِنْدَ الْحَصَادِ، وَمَنْ بَاعَ زَرِيعَةً فَلَمْ تَنْبُتْ. وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَخْلِطَا الزَّرِيعَةَ فَنَبَتَ زَرْعٌ لِوَاحِدٍ وَلَمْ يَنْبُتْ زَرْعُ شَرِيكِهِ. (إلَّا لِتَبَرُّعٍ بَعْدَ الْعَقْدِ) الَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ " إنْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ عَلَى غَيْرِ السَّلَفِ ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُسْلِفَهُ الزَّرِيعَةَ فَفَعَلَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ " فِيهِ نَظَرٌ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ لَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا يَدُلُّ أَنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَلَا دَلِيلَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَفْسُدْ الْمُزَارَعَةُ إذَا كَانَ السَّلَفُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ غَيْرَ لَازِمَةٍ بِالْعَقْدِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ يَرَاهَا لَازِمَةً بِالْعَقْدِ. وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ تَفَاضَلَا فِيمَا أَخْرَجَهُ الْمُتَزَارِعَانِ فَإِنْ كَانَا عَقَدَا عَلَى الِاعْتِدَالِ جَازَ مَا فَضَلَ بِهِ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ طَوْعًا، قَلَّ أَوْ كَثُرَ إنْ اعْتَدَلَا فِي الزَّرِيعَةِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: إنْ صَحَّ الْعَقْدُ جَازَ أَنْ يَتَفَاضَلَا، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ زَرِيعَةٍ وَغَيْرِهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَفَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ رَأْيٍ وَلَا عَادَةٍ. الشَّيْخُ: يُرِيدُ سَحْنُونَ الشَّرِكَةُ تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ كَالْبَيْعِ اهـ. (وَخَلْطُ بَذْرٍ إنْ كَانَ وَلَوْ بِإِخْرَاجِهِمَا فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 155 بَذْرُ أَحَدِهِمَا وَعُلِمَ لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ إنْ غَرَّ وَعَلَيْهِ مِثْلُ نِصْفِ النَّابِتِ وَإِلَّا فَعَلَى كُلٍّ نِصْفُ بَذْرِ الْآخَرِ وَالزَّرْعُ لَهُمَا) سَحْنُونَ: شَرْطُ الْمُزَارَعَةِ أَنْ يَخْلِطَا الْبَذْرَ إنْ كَانَ مِنْهُمَا. ابْنُ يُونُسَ عَنْهُ: أَوْ يَجْمَعَا الزَّرِيعَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ أَوْ يَحْمِلَاهَا جَمِيعًا إلَى الْفَدَّانِ وَيَبْذُرُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي طَرَفِهِ فَيَزْرَعَا وَاحِدَةً ثُمَّ يَزْرَعَا الْأُخْرَى فَهَذَا جَائِزٌ كَمَا لَوْ جَمَعَاهَا فِي بَيْتٍ وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ. قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خَلَطَا أَوْ لَمْ يَخْلِطَا: الشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ، وَإِذَا صَحَّتْ الشَّرِكَةُ فِي هَذَا فَنَبَتَ بَذْرُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَنْبُتْ بَذْرُ الْآخَرِ، فَإِنْ غُرَّ مِنْهُ صَاحِبُهُ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْبُتُ فَعَلَيْهِ مِثْلُ نِصْفِ بَذْرِ صَاحِبِهِ وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا وَلَا عِوَضَ لَهُ فِي بَذْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَنْبُتُ وَلَمْ يَغُرَّهُ فَإِنَّ عَلَى الَّذِي لَمْ يَنْبُتْ بَذْرُهُ أَنْ يَغْرَمَ لِصَاحِبِهِ مِثْلَ نِصْفِ بَذْرِهِ الَّذِي نَبَتَ وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ، غَرَّهُ أَوْ لَمْ يَغُرَّهُ. وَانْظُرْ هُنَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِكِرَاءِ مَا عَطَّلَ مِنْ أَرْضِهِ كَمَنْ أَكْرَى مَطْمُورَةً أَوْ بَاعَهَا وَدَلَّسَ بِأَنَّهُ يَسْتَاسُ فِيهَا الزَّرْعَ هَلْ يَغْرَمُ مَا اسْتَاسَ فِيهَا. (كَأَنْ تَسَاوَيَا فِي الْجَمِيعِ) الْمُتَيْطِيُّ: سُنَّةُ الْمُزَارَعَةِ الِاعْتِدَالُ وَالتَّسَاوِي فِي الْأَرْضِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 156 وَالْبَذْرِ وَالْبَقَرَةِ وَالْأَدَاةِ وَالْعَمَلِ كُلِّهِ حَتَّى يَصِيرَ مَا هَلَكَ مِنْ ذَلِكَ ضَمَانُهُمَا مَعًا وَهَذِهِ غَايَةُ الْكَمَالِ فِيهَا. (أَوْ قَابَلَ بَذْرَ أَحَدِهِمَا عَمَلٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ اكْتَرَيَا الْأَرْضَ أَوْ كَانَتْ لَهُمَا جَازَ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا الْبَذْرَ كُلَّهُ وَالْآخَرُ الْعَمَلَ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَصَحَّتْ ". (أَوْ أَرْضُهُ وَبَذْرُهُ) سَحْنُونَ: إنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ وَأَخْرَجَ الْآخَرُ الْعَمَلَ جَازَ وَقَدْ قَالَ بَعْدَ هَذَا " أَوْ لِأَحَدِهِمَا الْجَمِيعُ إلَّا الْعَمَلَ ". (أَوْ بَعْضُهُ) سَحْنُونَ وَابْنُ حَبِيبٍ: إذَا اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ وَثُلُثَيْ الزَّرِيعَةِ وَأَخْرَجَ الْآخَرُ ثُلُثَ الزَّرِيعَةِ وَالْعَمَلَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. ابْنُ حَبِيبٍ: أَوْ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَذَلِكَ جَائِزٌ كُلُّهُ إذَا كَافَأَ عَمَلُهُ كِرَاءَ الْأَرْضِ. وَمَا فَضَلَهُ بِهِ مِنْ الزَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الزَّرِيعَةِ بِإِزَاءِ عَمَلِ الْعَامِلِ. (إنْ لَمْ يَنْقُصْ مَا لِلْعَامِلِ عَنْ نِسْبَةِ بَذْرِهِ) قَالَ سَحْنُونَ وَابْنُ حَبِيبٍ: إنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَيْ الْأَرْضِ وَثُلُثَ الْبَذْرِ وَأَخْرَجَ الْآخَرُ ثُلُثَ الْأَرْضِ وَثُلُثَيْ الْبَذْرِ وَالْعَمَلُ وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ، وَكَأَنَّهُ أَكْرَى سُدُسَ أَرْضِهِ بِسُدُسِ بَذْرِ صَاحِبِهِ، فَإِنْ نَزَلَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ مَالِهِ مِنْ الْبَذْرِ وَيَتَرَاجَعَانِ فِي فَضْلِ الْأَكْرِيَةِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: يَنْبَغِي عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. (أَوْ لِأَحَدِهِمَا الْجَمِيعُ إلَّا الْعَمَلَ) هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْخُمَاسِ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقَابِلُهَا مُسَاوٍ " وَلِابْنِ عَرَفَةَ فِيهَا كَلَامٌ. وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ مَا يَقُولُ فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي الزِّرَاعَةِ عَلَى أَنْ جَعَلَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ وَالْبَقَرَ، وَجَعَلَ الثَّانِي الْعَمَلَ وَيَكُونُ الرُّبُعُ لِلْعَامِلِ؟ فَأَجَابَ: إنْ عَقَدَاهَا بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ جَازَ اتِّفَاقًا، فَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا، وَإِنْ عَرَا الْعَقْدُ مِنْ اللَّفْظَيْنِ فَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ سَحْنُونَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَمِثْلُ هَذَا أَيْضًا هِيَ مَسْأَلَةُ الْمَلَّاحَةِ يَجْعَلُ صَاحِبُ الْمَلَّاحَةِ أَحْوَاضَهُ وَشِرْبَهُ مِنْ الْمَاءِ وَيَجْعَلُ الْآخَرُ خِدْمَتَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا خَرَجَ إلَيْهِ فِيهَا مِنْ الْمِلْحِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ عَلَى الثُّلُثِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 157 أَوْ الثُّلُثَيْنِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا كَمَا إذَا تَزَارَعَا عَلَى أَنْ جَعَلَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ وَالْآخَرُ الْعَمَلَ وَحْدَهُ، فَيَتَحَصَّلُ الْقَوْلُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّهُمَا إنْ أَفْصَحَا فِيهِمَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَفْصَحَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَلَّاحَةِ بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ جَازَتَا جَمِيعًا، وَإِنْ أَتَيَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَتَيَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ لِلْوَجْهَيْنِ يَخْرُجُ عَلَى قَوْلَيْنِ اهـ. مِنْ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ. وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ مَذْهَبَ سَحْنُونٍ إجَازَةُ كِرَاءِ الْمَلَّاحَةِ أَشْهُرًا مُسَمَّاةً بِكَيْلٍ مِنْ الْمِلْحِ، وَوَجَّهَهُ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ: وَلَيْسَ كَمَنْ سَلَّفَ كَتَّانًا فِي ثَوْبِ كَتَّانٍ. (إنْ عَقَدَا بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ لَا الْإِجَارَةِ أَوْ أَطْلَقَا) اُنْظُرْ إنْ عَطَفْتَ " أَطْلَقَا " عَلَى " عَقَدَا " كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: إنْ زَادَ الْخُمَاسُ زِيَادَةً عَلَى نَقْلِ السُّنْبُلِ إلَى الْأَنْدَرِ فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ. (كَإِلْغَاءِ أَرْضٍ وَتَسَاوَيَا) اُنْظُرْ هَذَا فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ إنْ عَطْفنَا " أَطْلَقَا " عَلَى هَذَا فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ الَّتِي لَهَا خَطْبٌ إنْ أَلْغَاهَا فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ حَتَّى يُعْطِيَهُ شَرِيكُهُ نِصْفَ الْكِرَاءِ (أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَرْضٌ رَخِيصَةٌ وَعَمَلٌ عَلَى الْأَصَحِّ) قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: إذَا أَجَازَ مَالِكٌ أَنْ تُلْغَى الْأَرْضُ الَّتِي لَا خَطْبَ لَهَا إذَا تَسَاوَيَا فِي إخْرَاجِ الزَّرِيعَةِ وَالْعَمَلِ، فَإِمَّا إنْ كَانَ مُخْرِجُ الْبَذْرِ غَيْرَ مُخْرِجِ الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 158 كِرَاءَ لَهَا، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابٍ آخَرَ. اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ. (وَإِنْ فَسَدَتْ وَتَكَافَآ عَمَلًا فَبَيْنَهُمَا وَتَرَادَّا غَيْرَهُ وَإِلَّا فَلِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ كَانَ لَهُ بَذْرٌ مَعَ عَمَلٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ كُلٌّ لِكُلٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: فَاسِدُهَا يُفْسَخُ فَإِنْ فَاتَ بِالْعَمَلِ فَفِيهِ اضْطِرَابٌ. ابْنُ رُشْدٍ: فِي ذَلِكَ سِتَّةُ أَقْوَالٍ، وَعَزَا ابْنُ الْحَاجِبِ هَذَا لِلْبَاجِيِّ لِظَنِّهِ أَنَّ ابْنَ شَاسٍ عَنَى بِالشَّيْخِ أَبَا الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ، وَرَاجِعْ فِي هَذَا ابْنَ عَرَفَةَ وَرَاجِعْ فِيهِ أَيْضًا إذَا غَابَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَزَرَعَ الْآخَرُ أَوْ زَرَعَ بَعْضَ الْأَرْضِ أَوْ كَانَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ فَنَقَصَ حَرْثُهُ أَوْ حَرَثَ كَرِيمٌ الْأَرْضَ وَتَرَكَ غَيْرَهُ أَوْ زَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ دَالَّةً كَمَا لَوْ زَرَعَتْ الْمَرْأَةُ أَرْضَ زَوْجِهَا أَوْ أَخْطَأَ وَزَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ أَوْ بَنَى فِي عَرْصَةِ غَيْرِهِ. اُنْظُرْ نَوَازِلَ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ وَمَا نَبَتَ بِالتُّخُمِ، وَكَيْفَ لَوْ حَرَثَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ قَدْرَ حَظِّهِ مِنْ الْأَرْضِ. نَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ أَبِي حَفْصٍ: لَيْسَ عَلَى الزَّارِعِ كِرَاءٌ إذَا زَرَعَ قَدْرَ حِصَّتِهِ قَالَ: وَلَيْسَ الْأَرْضُ كَمَرْكَبٍ يُسَافَرُ بِهِ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَعَلَى هَذَا فَالدَّارُ كَالْأَرْضِ أَنَّهَا عَلَى حَالِهَا. وَقَدْ أَجَابَ السُّيُورِيُّ: إنَّ مَنْ سَكَنَتْ دَارًا لَهَا فِيهَا شُرَكَاءُ أَنَّهَا تُطْلَبُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 159 بِالْكِرَاءِ وَلَا حُجَّةَ أَنْ تَقُولَ إنَّمَا سَكَنْت قَدْرَ نَصِيبِي. وَأَجَابَ ابْنُ لُبَابَةَ فِيمَنْ غَابَ شَرِيكُهُ فَزَرَعَ هُوَ الْفَدَّانَ ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ، أَنَّ الزَّرْعَ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ مُزَارَعَةً وَإِلَّا فَلَهُمَا مُقَاسَمَةُ الْفَدَّانِ إنْ كَانَ الْإِبَّانُ لَمْ يَفُتْ، وَلِلْقَائِمِ أَنْ يَفْعَلَ فِي حِصَّتِهِ مَا شَاءَ. وَإِنْ قَامَ بَعْدَ الْإِبَّانِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْكِرَاءُ. وَانْظُرْ آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ سَحْنُونٍ. ابْنُ شَاسٍ. [كِتَابُ الْوَكَالَةِ] [بَاب أَرْكَان الْوَكَالَة وَحُكْمهَا والنزاع فِيهَا] (كِتَابُ الْوَكَالَةِ) وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهَا وَهِيَ مَا فِيهِ التَّوْكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ وَالصِّيغَةُ. الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْوَكَالَةِ. الْبَابُ الثَّالِثُ فِي النِّزَاعِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا الْكِتَابُ ضَيِّقٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ اسْتَدْرَكَ فِيهِ خَلْطَ الْبَضَائِعِ أَوْ أَثْمَانَهَا وَتَسَلَّفَ مِنْهَا وَإِرْسَالُهُ الْبِضَاعَةَ مَعَ غَيْرِهِ وَإِيدَاعُهَا وَطَلَبُهُ عَلَيْهَا أَجْرًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 160 (صَحَّتْ الْوَكَالَةُ فِي قَابِلِ النِّيَابَةِ) ابْنُ شَاسٍ: الْوَكَالَةُ نِيَابَةٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ فَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ مِمَّا يَلْزَمُ الرَّجُلَ الْقِيَامُ بِهِ لِغَيْرِهِ أَوْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الرَّجُلُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ. فَأَمَّا الْوَكَالَةُ فِيمَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ الْقِيَامُ بِهِ لِغَيْرِهِ فَكَتَوْكِيلِ الْأَوْصِيَاءِ وَالْوُكَلَاءِ الْمُفَوِّضُ إلَيْهِمْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُمْ، وَكَاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ عَلَى مَا يَلْزَمُ بِهِ الْقِيَامُ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الرَّجُلُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ كَتَوْكِيلِهِ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالْحُدُودِ وَالْخِصَامِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مُبَاحٍ أَوْ مَنْدُوبٍ إلَيْهِ أَوْ وَاجِبٍ تُعُبِّدَ الْإِنْسَانُ بِهِ فِي غَيْرِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ مَا تُعُبِّدَ بِهِ فِي عَيْنِهِ كَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُ. قِيلَ: إلَّا فِي صَبِّ الْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ مُطْلَقًا، وَفِي الدَّلْكِ لِلْمَرَضِ وَالْعَجْزِ. وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ قَالُوا: إنَّ الْمَحْجُورَ قَدْ يُوَكِّلُ فِي ضَرَرِ الْبَدَنِ وَفِي إظْهَارِ حُقُوقِهِ عِنْدَ مَنْ كَانَتْ، وَكَذَا الْمَحْجُورَةُ تُوَكِّلُ مَنْ يَقُومُ لَهَا بِالضَّرَرِ وَالْمَغِيبِ وَلَا يَقُومُ عَنْهَا أَبُوهَا حَتَّى تُوَكِّلَهُ. (مِنْ عَقْدٍ وَفَسْخٍ وَقَبْضِ حَقٍّ وَعُقُوبَةٍ وَحَوَالَةٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْوَكَالَةُ نِيَابَةٌ فِيمَا لَا تَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمُبَاشَرَةُ، فَتَجُوزُ فِي الْكَفَالَةِ وَالْوَكَالَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 161 وَالْحَوَالَةِ وَالْجِعَالَةِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ. ابْنُ شَاسٍ: وَأَنْوَاعِ الْبَيْعِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ، وَيَجُوزُ أَيْضًا التَّوْكِيلُ بِقَبْضِ الْحُقُوقِ وَاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ وَالْعُقُوبَاتِ. (وَإِبْرَاءٍ وَإِنْ جَهِلَهُ الثَّلَاثَةُ) ابْنُ شَاسٍ: التَّوْكِيلُ بِالْإِبْرَاءِ لَا يَسْتَدْعِي عِلْمَ الْمُوَكِّلِ بِمَبْلَغِ الدَّيْنِ الْمُبَرَّإِ مِنْهُ وَلَا عِلْمَ الْوَكِيلِ، وَلَا عِلْمَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا كَضَرُورِيٍّ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ تَرْكٍ وَالتَّرْكُ لَا مَانِعِيَّةَ لِلْغَرَرِ فِيهِ كَقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ لَكَ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ نَسِيت مَبْلَغَهَا جَازَ أَنْ تَصْطَلِحَا عَلَى مَا شِئْتُمَا. (وَحَجٍّ) اللَّخْمِيِّ: لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِي أَعْمَالِ الْأَبْدَانِ الْمَحْضَةِ كَالصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الْعَاجِزُ عَنْ الْحَجِّ لِمَرَضِهِ إلَّا أَنَّهُ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُنْقَضُ قَوْلُهُ " فِي أَعْمَالِ الْأَبْدَانِ الْمَحْضَةِ " بِقَوْلِهَا مَعَ غَيْرِهَا فِي الْعَاجِزِ عَنْ الرَّمْيِ لِمَرَضِهِ فِي الْحَجِّ يُرْمَى عَنْهُ. وَانْظُرْ أَيْضًا مِثْلُ ذَلِكَ الدَّلْكُ لِلْعَاجِزِ. (أَوْ وَاحِدٍ فِي خُصُومَةٍ) الْمُتَيْطِيُّ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 162 لَا يَجُوزُ لِرَجُلٍ وَلَا لِامْرَأَةٍ أَنْ يُوَكِّلَا فِي الْخِصَامِ أَكْثَرَ مِنْ وَكِيلٍ وَاحِدٍ وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ وَكِيلَيْنِ. (وَإِنْ كَرِهَ خَصْمُهُ) الْمُتَيْطِيُّ: إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ التَّوْكِيلَ جَازَ لَهُ طَالِبًا كَانَ أَوْ مَطْلُوبًا. هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 165 الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ. (لَا إنْ قَاعَدَ خَصْمَهُ كَثَلَاثٍ إلَّا لِعُذْرٍ وَحَلَفَ فِي كَسَفَرٍ) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ خَاصَمَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَقَاعَدَ خَصْمَهُ ثَلَاثَ مَجَالِسَ وَانْعَقَدَتْ الْمَقَالَاتُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُوَكِّلُ خَصْمًا يَتَكَلَّمُ عَنْهُ إذَا مَنَعَهُ صَاحِبُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَمْرَضَ أَوْ يُرِيدَ سَفَرًا. قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: وَيَلْزَمُهُ فِي السَّفَرِ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا اسْتَعْمَلَ السَّفَرَ لِيُوَكِّلَ غَيْرَهُ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَمْ يُتَّجَهْ لَهُ تَوْكِيلُ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 167 يَشَاءَ خَصْمُهُ ذَلِكَ. (وَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ عَزْلُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ مَتَى شَاءَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْوَكَالَةُ فِي الْخِصَامِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَيُوَكِّلَ غَيْرَهُ، وَلَا يُخَاصِمُ عَنْ نَفْسِهِ إذَا كَانَ قَدْ قَاعَدَ خَصْمَهُ الْمَرَّتَيْنِ وَالثَّلَاثَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. (وَلَا لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: وَفِي الْمَكَانِ الَّذِي لَا يَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَهُ عَنْ الْخِصَامِ لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 169 يَكُونُ لَهُ هُوَ أَنْ يَنْحَلَّ عَنْهُ إذَا قَبِلَ الْوَكَالَةَ. (وَلَا الْإِقْرَارُ إنْ لَمْ يُفَوِّضْ لَهُ أَوْ يَجْعَلْ لَهُ) الْمُتَيْطِيُّ: قَالَ أَبُو عُمَرَ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي قَبُولِ إقْرَارِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى مُوَكِّلِهِ، فَمَرَّةً أَجَازَهُ، وَمَرَّةً قَالَ لَا يَلْزَمُ مُوَكِّلَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَيْهِ. وَجَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا حَمَلَ إلَيْهِ الْإِقْرَارَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُفَوِّضِ (وَلِخَصْمِهِ اضْطِرَارُهُ إلَيْهِ) الْمُتَيْطِيُّ: قَوْلُنَا فِي النَّصِّ: " وَكَّلَهُ عَلَى كَذَا وَكَذَا وَعَلَى الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ وَالْإِنْكَارِ عَنْهُ " هُوَ فِيمَا لَا يَتِمُّ التَّوْكِيلُ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ إلَّا بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ كَانَ لِخَصْمِهِ أَنْ يَضْطَرَّهُ إلَى التَّوْكِيلِ عَلَى هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ. هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 171 وَالْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ. وَانْظُرْ الْوَصِيَّ لَا يَلْزَمُ إقْرَارُهُ عَلَى الْمَحْجُورِ لَكِنْ يَكُونُ شَاهِدًا لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَنْ فَعَلَهُ فَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمَحْجُورِ بِحَالٍ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبَرِّئَ عَنْهُ الْمُبَارَآتِ الْعَامَّةَ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يُبَرِّئُ عَنْهُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُعَيَّنَاتِ كَمَا لَوْ أَبْرَأهُ الْمَحْجُورُ بِقُرْبِ رُشْدِهِ لَا يُبَرِّئُهُ إلَّا مِنْ الْمُعَيَّنَاتِ، وَلَا تَنْفَعُهُ الْمُبَارَآتُ الْعَامَّةُ حَتَّى يَطُولَ رُشْدُهُ مِثْلُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَمِنْ أَجْلِ هَذَا لَا يُبَرِّئُ الْقَاضِي الْمُشْرِفُ الْمُبَارَآتِ الْعَامَّةَ، وَإِنَّمَا يُبَرِّئُهُ مِنْ الْمُعَيَّنَاتِ، وَقَدْ رَأَيْت لِقَاضٍ قَدَّمَ نَاظِرًا عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 172 حَبْسٍ وَجَعَلَهُ مُصَدَّقًا دُونَ بَيِّنَةٍ لِثِقَتِهِ بِالْقِيَامِ بِهِ وَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُ. (قَالَ وَإِنْ قَالَ أَقِرَّ عَنِّي بِأَلْفٍ فَإِقْرَارٌ) اُنْظُرْ أَنْتَ الْمَازِرِيَّ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ قَالَ مَا أَقَرَّ بِهِ فُلَانٌ عَلَيَّ فَهُوَ لَازِمٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ. (لَا فِي كَيَمِينٍ وَمَعْصِيَةٍ كَظِهَارٍ) ابْنُ شَاسٍ: لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِي الْأَيْمَانِ وَالشَّهَادَاتِ وَاللِّعَانِ وَالْإِيلَاءِ وَلَا فِي الْمَعَاصِي كَالسَّرِقَةِ، وَلَا تَصِحُّ أَيْضًا بِالظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ. وَخَرَّجَ ابْنُ هَارُونَ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ اهـ. اُنْظُرْ إذَا وَقَعَتْ الْوَكَالَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا. اُنْظُرْ فِي الْغَصْبِ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ أَكْرَهَ غَيْرَهُ ". وَانْظُرْ فِي آخِرِ طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ وَثِيقَةَ مَنْ يَأْمُرُ مَمْلُوكَهُ بِأَنْ يَضْرِبَ أَوْ يَجْرَحَ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الِاسْتِقْرَاءُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ حَقٌّ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ عَلَيْهِ غَيْرُ خَاصٍّ بِهِ جَازَ فِيهِ التَّوْكِيلُ. وَقَوْلُنَا: " غَيْرُ خَاصٍّ بِهِ " احْتِرَازٌ مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِغَيْرِهِ فَوَكَّلَ غَيْرَهُ عَلَى أَدَائِهَا فَإِنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّوْكِيلُ؛ لِأَنَّ حَلِفَ غَيْرِهِ غَيْرُ حَلِفِهِ فَهُوَ غَيْرُ الْحَقِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. (بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمُعْتَبَرُ الصِّيغَةُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَا يَقُومُ مَقَامَهَا كَالْإِشَارَةِ فِي حَقِّ الْآخَرِينَ. وَفِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 173 الِاسْتِغْنَاءِ: كَفَالَةُ الْأَخْرَسِ جَائِزَةٌ إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ وَكَانَ رَشِيدًا يَعْقِلُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ. اُنْظُرْ أَيْضًا قَدْ نَصُّوا أَنَّ الْعُرْفَ يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ بِالْوَكَالَةِ. أَفْتَى أَصْبَغُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ أَغَارَ عَلَيْهِمْ الْعَدُوُّ وَعَادَتُهُمْ مَنْ وَجَدَ فَرَسًا لِجَارِهِ حِينَئِذٍ رَكِبَهُ لِيُنْجِيَهُ وَيَنْجُو هُوَ أَيْضًا فَفَعَلَ هَذَا رَجُلٌ، فَلَمَّا لَحِقَتْ بِهِ خَيْلُ الْعَدُوِّ تَطَارَحَ عَنْهُ وَرَقَى الْجَبَلَ وَأَخَذَ الْعَدُوُّ الْفَرَسَ قَالَ أَصْبَغُ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ كَالْوَكَالَةِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: قِيَاسًا عَلَى الْأَضَاحِيِّ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَالْأَنْكِحَةُ وَالْأَيْمَانُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحْكَمُ لِلزَّوْجِ بِحُكْمِ الْوَكِيلِ فِيمَا بَاعَ وَاشْتَرَى لِامْرَأَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ وَكَالَةٌ لِلْعُرْفِ الْجَارِي مِنْ تَصَرُّفِ الرِّجَالِ لِأَزْوَاجِهِمْ فِي أُمُورِهِنَّ. اُنْظُرْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ حَلَفَ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ، وَانْظُرْ هُنَاكَ دَعْوَى الْوَكِيلِ إلَى مُوَكِّلِهِ، وَمَوْتَ الزَّوْجِ وَالْوَكِيلِ يُحَدِّثَانِ مَا جَرَى ذَلِكَ عَلَى أَيْدِيهِمَا. (لَا مُجَرَّدُ وَكَّلْتُكَ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ صِحَّتِهَا عِلْمُ مُتَعَلِّقَهَا خَاصًّا أَوْ عَامًّا بِلَفْظٍ أَوْ قَرِينَةٍ أَوْ عُرْفٍ خَاصٍّ أَوْ عَامٍّ، فَلَوْ أَتَى بِلَفْظِ التَّوْكِيلِ مُطْلَقًا كَأَنْتَ وَكِيلِي أَوْ وَكَّلْتُكَ فَطَرِيقَانِ. فَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ: لَغْوٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَمْ يُفِدْ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا تَكُونُ الْوَكَالَةُ مُفَوَّضَةً فِي كُلِّ شَيْءٍ إذَا لَمْ يُسَمِّ فِيهَا شَيْئًا وَلِهَذَا قَالُوا فِي الْوَكَالَةِ: إذَا طَالَتْ قَصُرَتْ وَإِذَا قَصُرَتْ طَالَتْ. وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ إذَا قَالَ الرَّجُلُ: فُلَانٌ وَصِيِّ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ كَانَ وَصِيًّا لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي مَالِهِ وَبُضْعِ بَنَاتِهِ وَإِنْكَاحِ بَنِيهِ الصِّغَارِ، وَهَذَا قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. اُنْظُرْ رَسْمَ أَسْلَمَ مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 174 سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْبَضَائِعِ. . (بَلْ حَتَّى يُفَوِّضَ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ وَكَّلْتُكَ وَأَنْتَ وَكِيلِي لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُقَيِّدَ بِالتَّفْوِيضِ أَوْ بِالتَّصَرُّفِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ. (فَيَمْضِي النَّظَرُ إلَّا أَنْ يَقُولَ وَغَيْرُ النَّظَرِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ قَالَ وَكَّلْتُكَ بِمَا لِي مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ شَمِلَتْ يَدُ الْوَكِيلِ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ وَمَضَى فِعْلُهُ فِيمَا إذَا كَانَ نَظَرًا، وَمَا لَيْسَ بِنَظَرٍ هُوَ مَعْزُولٌ عَنْهُ عَادَةً إلَّا أَنْ يَقُولَ افْعَلْ مَا شِئْت وَلَوْ كَانَ غَيْرَ نَظَرٍ ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَبِعَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ، وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ مَنْعُ التَّوْكِيلِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ النَّظَرِ. وَانْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَرُدَّ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ " أَنَّ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةً هُوَ مَعْزُولٌ عَنْ الْمَفْسَدَةِ الرَّاجِحَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْمَرْجُوحَةِ. (إلَّا الطَّلَاقَ وَإِنْكَاحَ بِكْرِهِ وَبَيْعَ دَارِ سُكْنَاهُ وَعَبْدِهِ) أَمَّا الطَّلَاقُ وَالْبَيْعُ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: اسْتَمَرَّ عَمَلُ قُضَاةِ بَلَدِنَا بِعَدَمِ إعْمَالِ وَكَالَةِ التَّفْوِيضِ التَّامِّ فِي بَيْعِ دَارِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 176 سُكْنَى الْمُوَكِّلِ وَطَلَاقِ زَوْجِهِ، وَأَمَّا إنْكَاحُ بِكْرِهِ فَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ أَجَازَ مُجْبِرٌ فِي ابْنٍ وَأَخٍ وَجَدٍّ فَوَّضَ لَهُ أُمُورَهُ جَازَ " وَأَمَّا الْعَبْدُ (أَوْ مُعَيَّنٌ بِنَصٍّ أَوْ قَرِينَةٍ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا أَنَّهُمَا طَرِيقَانِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: شَرْطُ الْمُوَكِّلِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِالنَّصِّ وَالْقَرِينَةِ أَوْ الْعَادَةِ، فَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُكَ لَمْ يُفِدْ حَتَّى يُقَيِّدَ بِالتَّفْوِيضِ أَوْ بِأَمْرٍ مَخْصُوصٍ (وَتَخَصَّصَ وَتَقَيَّدَ بِالْعُرْفِ فَلَا يَعْدُوهُ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 179 ابْنُ عَرَفَةَ: التَّخْصِيصُ مِنْ عَوَارِضِ الْعُمُومِ، وَالتَّقْيِيدُ مِنْ عَوَارِضِ الْمُطْلَقِ، فَيَمْتَنِعُ حَمْلُ التَّخْصِيصِ هُنَا عَلَى حَقِيقَةِ التَّخْصِيصِ الْأُصُولِيِّ. ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا إنْ قَيَّدْت الْوَكَالَةَ بِالتَّصَرُّفِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ فَالْمَرْجُوعُ فِي ذَلِكَ التَّقْيِيدُ إلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَالْعَادَةِ. (إلَّا عَلَى بَيْعٍ فَلَهُ طَلَبُ الثَّمَنِ وَقَبْضُهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: تَشْمَلُ الْوَكَالَةُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَوَازِمَهُمَا الْعُرْفِيَّةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ وَكِيلَ الْبَيْعِ لَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَذَلِكَ بِخِلَافِ إذَا أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا فِي التَّزْوِيجِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِذْنٍ لَهُ فِي قَبْضِ الْمَهْرِ إلَّا أَنْ تَذْكُرَهُ وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ عَقْدٌ. (أَوْ اشْتِرَاءٍ فَلَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 180 قَبْضُ الْمَبِيعِ) قَالَ ابْنُ شَاسٍ: الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَمْلِكُ قَبْضَ الْمَبِيعِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ ابْنُ هَارُونَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِي قَبُولِهِ مُطْلَقًا نَظَرٌ. (وَرُدَّ الْمَعِيبُ إنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ مُوَكِّلُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ وَجَدَ الْوَكِيلُ عَيْبًا بِالسِّلْعَةِ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَقَدْ أَمَرَ بِشِرَائِهَا بِعَيْنِهَا فَلَا رَدَّ لَهُ إذْ الْعُهْدَةُ لِلْآمِرِ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْصُوفَةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَلِلْوَكِيلِ الرَّدُّ لَيْسَ؛ لِأَنَّ الْعُهْدَةَ لِلْوَكِيلِ دُونَ الْآمِرِ بَلْ الْعُهْدَةُ لِلْآمِرِ وَلَكِنْ بِمُخَالَفَتِهِ الصِّفَةَ لِشِرَائِهِ مَعِيبًا وَهُوَ قَدْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَأَمْكَنَهُ الرَّدُّ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي وَكِيلٍ مَخْصُوصٍ، وَأَمَّا الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ فَيَجُوزُ جَمِيعُ مَا صَنَعَ مِنْ إقَالَةٍ أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ عَلَى الِاجْتِهَادِ بِلَا مُحَابَاةٍ. (وَطُولِبَ بِثَمَنٍ وَمُثْمَنٍ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْبَرَاءَةِ) فِي التَّدْلِيسِ بِالْعُيُوبِ مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً لِرَجُلٍ فَأَعْلَمَ الْبَائِعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِيهَا لِفُلَانٍ فَالثَّمَنُ عَلَى الْوَكِيلِ، نَقْدًا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا، حَتَّى يَقُولَ لَهُ فِي الْعَقْدِ إنَّمَا يَنْقُدُكَ فُلَانٌ دُونِي فَالثَّمَنُ عَلَى الْآمِرِ حِينَئِذٍ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يُطَالَبُ بِالثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْبَرَاءَةِ، وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ الْوَكَالَةَ (كَبَعَثَنِي فُلَانٌ لِتَبِيعَهُ لَا لِأَشْتَرِيَ مِنْكَ) ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ قَالَ بَعَثَنِي إلَيْكَ لِتَبِيعَهُ فَهَذَا كَالشَّرْطِ الْمُؤَكَّدِ وَلَا يَتَّبِعُ إلَّا فُلَانًا، فَإِنْ أَنْكَرَ فُلَانٌ غَرِمَ الرَّسُولُ رَأْسَ الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ إنِّي أَبْتَاعُهُ لِفُلَانٍ وَلَمْ يَقُلْ وَهُوَ يُنْقِدُكَ دُونِي فَلْيَتَّبِعْ الْمَأْمُورَ إلَّا أَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 181 يُقِرَّ الْآمِرُ فَلْيَتَّبِعْ أَيَّهُمَا شَاءَ اهـ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ يُعْلِمُهُ أَنَّهُ يَبِيعُ لِفُلَانٍ فَالْعُهْدَةُ عَلَى فُلَانٍ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ شِرَاءِ الْوَكِيلِ وَبَيْنَ بَيْعِهِ إنْ قَالَ أَبِيعُ لِفُلَانٍ فَالْعُهْدَةُ عَلَى فُلَانٍ، وَإِنْ قَالَ أَشْتَرِي لِفُلَانٍ فَالثَّمَنُ عَلَى الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ فُلَانٌ يُنْقِدُكَ دُونِي هُوَ أَنَّ الْعُهْدَةَ أَمْرُهَا خَفِيفٌ وَقَدْ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا أَبَدًا وَالثَّمَنُ فِي شِرَائِهِ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهَذَا قَدْ وَلِيَ مُعَامَلَتَهُ وَقَبَضَ سِلْعَتَهُ فَعَلَيْهِ أَدَاءُ ثَمَنِهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّ الثَّمَنَ عَلَى فُلَانٍ. (وَبِالْعُهْدَةِ مَا لَمْ يَعْلَمْ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَاعَ سِلْعَةً لِرَجُلٍ بِأَمْرِهِ فَإِنْ أَعْلَمَ الْمُشْتَرِي فِي الْعَقْدِ أَنَّهَا لِفُلَانٍ فَالْعُهْدَةُ عَلَى رَبِّهَا إنْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ فَعَلَى رَبِّهَا تُرَدُّ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لَا عَلَى الْوَكِيلِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ أَنَّهَا لِفُلَانٍ حَلَفَ الْوَكِيلُ وَإِلَّا رُدَّتْ السِّلْعَةُ عَلَيْهِ. وَمَا بَاعَ الطَّوَّافُونَ وَالنَّخَّاسُونَ وَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبِيعُ لِلنَّاسِ فَلَا عُهْدَةَ عَلَيْهِمْ فِي عَيْبٍ وَلَا اسْتِحْقَاقٍ، وَالتَّبَاعَةُ عَلَى رَبِّهَا إنْ وُجِدَ وَإِلَّا اُتُّبِعَ. (وَتَعَيَّنَ فِي الْمُطْلَقِ نَقْدُ الْبَلَدِ) الْكَافِي: مَنْ وُكِّلَ بِبَيْعِ سِلْعَةٍ فَبَاعَهَا بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ، وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يُبَاعَ الْعَرَضُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ كَانَ لِلْآمِرِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ ضَمِنَ الْوَكِيلُ. اُنْظُرْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَوْ رِبَوِيًّا ". (وَلَائِقٌ بِهِ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الثَّمَنَ فَتَرَدُّدٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً أَوْ ثَوْبًا وَلَمْ يَصِفْ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ اشْتَرَى مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنْ ثِيَابِ الْآمِرِ أَوْ خَدَمِهِ جَازَ وَلَزِمَ الْآمِرَ، وَإِنْ ابْتَاعَ لَهُ مَا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَدَمِهِ وَثِيَابِهِ فَذَلِكَ لَازِمٌ لِلْمَأْمُورِ وَلَا يَلْزَمُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ. قَالَ: وَمَنْ أَبْضَعَ رَجُلًا أَرْبَعِينَ دِينَارًا فِي شِرَاءِ جَارِيَةٍ وَوَصَفَهَا لَهُ فَاشْتَرَاهَا لَهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ بِنِصْفِهِ أَوْ بِزِيَادَةِ دِينَارٍ أَوْ دِينَارَيْنِ أَوْ مَا يُشْبِهُ أَنْ يُزَادَ عَلَى الثَّمَنِ لَزِمَتْ الْآمِرَ إنْ كَانَتْ عَلَى الصِّفَةِ، وَكَانَتْ مُصِيبَتُهَا مِنْهُ إنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَبْضِهَا، وَيَغْرَمُ الزِّيَادَةَ لِلْمَأْمُورِ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهَا جَارِيَتُهُ لَا خِيَارَ لَهُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةٌ كَثِيرَةٌ لَا يُزَادُ مِثْلُهَا عَلَى الثَّمَنِ خُيِّرَ الْآمِرُ فِي دَفْعِ الزِّيَادَةِ وَأَخْذِ الْجَارِيَةِ بِالزِّيَادَةِ، فَإِنْ أَبَى لَزِمَتْ الْمَأْمُورَ وَغَرِمَ لِلْآمِرِ مَا أَبْضَعَ مَعَهُ. وَإِنْ مُلِكَتْ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الْآمِرُ فَمُصِيبَتُهَا مِنْ الْمَأْمُورِ وَيَغْرَمُ لِلْآمِرِ مَالَهُ. قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا وَلَا صِفَةً، فَمَا اشْتَرَى لَهُ مِمَّا يُشْبِهُ مِنْ ثِيَابِهِ أَوْ خَدَمِهِ لَزِمَهُ. وَإِنْ سَمَّاهَا فَاشْتَرَى بِالثَّمَنِ أَوْ فَوْقَهُ بِالْيَسِيرِ أَوْ دُونَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ. وَإِنْ وَصَفَهَا لَهُ وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَلَا يُبَالِي بِمَا اشْتَرَى لَهُ مِنْ الثَّمَنِ. وَإِنْ سَمَّى الثَّمَنَ وَلَمْ يَصِفْ فَلَا يُبَالِي مَا اشْتَرَى لَهُ كَانَ يُشْبِهُهُ أَوْ لَا يُشْبِهُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَبَانَ لَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 182 قَدْرَ ذَلِكَ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَا يُشْبِهُهُ وَإِنْ سَمَّى الثَّمَنَ خَاصَّةً اهـ. مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (وَثَمَنُ الْمِثْلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ بَاعَ الْوَكِيلُ أَوْ ابْتَاعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فِي الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْهُ كَبَيْعِهِ الْأَمَةَ ذَاتَ الثَّمَنِ الْكَثِيرِ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَنَحْوِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُرَدُّ ذَلِكَ كُلُّهُ إنْ لَمْ يَفُتْ، فَإِنْ فَاتَ لَزِمَ الْوَكِيلَ الْقِيمَةُ، وَلَوْ بَاعَ بِمَا يُشْبِهُ جَازَ بَيْعُهُ. (وَإِلَّا خُيِّرَ كَفُلُوسٍ إلَّا مَا شَابَهُ ذَلِكَ لِخِفَّتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ الْعَيْنِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَانْتُقِدَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَضْمَنَ الْمَأْمُورُ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْآمِرُ فِعْلَهُ وَيَأْخُذَ مَا بَاعَ بِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ سِلْعَةٍ فَاشْتَرَاهَا بِغَيْرِ الْعَيْنِ فَلَهُ تَرْكُ مَا اشْتَرَى أَوْ الرِّضَا بِهِ وَيَدْفَعُ إلَيْهِ ثَمَنَ مَا أَدَّى، وَلَوْ اشْتَرَى لَكَ أَوْ بَاعَ بِفُلُوسٍ فَهِيَ كَالْعُرُوضِ إلَّا أَنْ تَكُونَ سِلْعَةً خَفِيفَةَ الثَّمَنِ إنَّمَا تُبَاعُ بِالْفُلُوسِ وَمَا أَشْبَهَ بِذَلِكَ، فَالْفُلُوسُ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِالْعُرْفِ مِنْ ثَمَنِهَا فَلَمْ يَتَعَدَّ. (وَكَصَرْفِ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّأْنُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ دُفِعَتْ إلَيْهِ دَنَانِيرَ يُسَلِّمُهَا لَكَ فِي طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى صَرَفَهَا دَرَاهِمَ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الشَّأْنُ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ؛ لِأَنَّهُ يُسَلِّمُ الثُّلُثَ دِينَارٍ دَرَاهِمَ وَنِصْفًا وَنَحْوَهُ أَوْ كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ فِيمَا يُسَلِّمُ فِيهِ أَفْضَلُ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِلَّا كَانَ مُتَعَدِّيًا وَضَمِنَ الدَّنَانِيرَ وَلَزِمَهُ الطَّعَامُ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ لَكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ قَبَضَهُ الْوَكِيلُ فَأَنْتَ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهِ أَوْ أَخْذِ دَنَانِيرِكَ. (وَكَمُخَالَفَةِ مُشْتَرِي عَيْنٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مُخَصَّصَاتُ الْمُوَكِّلِ مُتَعَيِّنَةٌ كَالْمُشْتَرِي، فَإِنْ خَالَفَ فَالْخِيَارُ لِلْمُوَكِّلِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ كَانَ رِبَوِيًّا أَوْ سَلَمًا (أَوْ بِسُوقٍ أَوْ زَمَانٍ) ابْنُ شَاسٍ: مُخَصَّصَاتُ الْمُوَكِّلِ مُعْتَبَرَةٌ. لَوْ قَالَ بِعْ مِنْ زَيْدٍ لَمْ يَبِعْ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ خَصَّصَ سُوقًا تَتَفَاوَتُ فِيهَا الْأَغْرَاضُ تَخَصَّصَ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ أَمَرَ بِشِرَاءِ جَارِيَةٍ مَوْصُوفَةٍ بِبَلَدٍ فَاشْتَرَاهَا بِبَلَدٍ دُونَهُ، خُيِّرَ الْآمِرُ فِي أَخْذِهَا وَضَمَانِهَا مِنْ الْمَأْمُورِ. زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ: كَانَتْ بِالْمَوْضِعِ الْمُسَمَّى أَرْخَصَ أَوْ أَغْلَى. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ تَسَاوَى سِعْرُ الْمَوْضِعَيْنِ فَلَيْسَ ضَمَانُهَا مِنْ الْآمِرِ. (أَوْ بَيْعِهِ بِأَقَلَّ) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: إنْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا فَبَاعَهَا بِخَمْسَةٍ أَنَّ عَلَيْهِ تَمَامَ الْعَشَرَةِ لِإِتْمَامِ الْقِيمَةِ. ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا وُكِّلَ عَلَى بَيْعٍ فَبَاعَ بِأَقَلَّ فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَلَوْ نَقَصَ الْيَسِيرَ. (أَوْ اشْتِرَائِهِ بِأَكْثَرَ كَثِيرًا إلَّا كَدِينَارَيْنِ فِي أَرْبَعِينَ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183 وَلَائِقٌ بِهِ " (وَصُدِّقَ فِي دَفْعِهِمَا) ابْنُ يُونُسَ: فَإِذَا قَالَ إنِّي زِدْت الدِّينَارَيْنِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَى وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ قَوْلِهِ، حَلَفَ وَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْآمِرِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي ذَلِكَ (وَإِنْ سَلَّمَ مَا لَمْ يَطُلْ) ابْنُ شَاسٍ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ يَعْنِي إذَا زَادَ الْيَسِيرَ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِزِيَادَةِ مِثْلِهِ إنْ ذُكِرَ ذَلِكَ قَبْلَ تَسْلِيمِ السِّلْعَةِ أَوْ قُرْبَ التَّسْلِيمِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي ذِكْرِهِ بَعْدَ الطُّولِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184 (وَحَيْثُ خَالَفَ فِي اشْتِرَاءٍ لَزِمَهُ إنْ لَمْ يَرْضَهُ مُوَكِّلُهُ) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَكَصَرْفِ ذَهَبٍ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ " وَكَمُخَالَفَةِ مُشْتَرٍ " (كَذِي عَيْبٍ إلَّا أَنْ يَقِلَّ وَهُوَ فُرْصَةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَمَرْته بِشِرَاءِ سِلْعَةٍ فَابْتَاعَهَا مَعِيبَةً، فَإِنْ كَانَ عَيْبًا خَفِيفًا يُغْتَفَرُ مِثْلُهُ وَقَدْ كَانَ شِرَاؤُهَا بِهِ فُرْصَةٌ لَزِمَكَ، وَإِنْ كَانَ عَيْبًا مُفْسِدًا لَمْ تَلْزَمْكَ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْمَأْمُورِ. (أَوْ فِي بَيْعٍ فَيُخَيَّرُ مُوَكِّلُهُ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185 ابْنُ الْحَاجِبِ: مُخَصَّصَاتُ الْمُوَكِّلِ مُعَيَّنَةٌ كَالْمُشْتَرِي، فَإِنْ خَالَفَ فَالْخِيَارُ لِلْمُوَكِّلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رِبَوِيًّا بِرِبَوِيٍّ فَقَوْلَانِ. ابْنُ شَاسٍ: إنْ بَاعَ بِدُونِ مَا سَمَّى لَهُ فَرَبُّ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ فِعْلَهُ أَوْ يَفْسَخَهُ، فَإِنْ أَمْضَاهُ أَخَذَ الثَّمَنَ وَإِنْ فَسَخَهُ فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً أَخَذَهَا، وَإِنْ كَانَتْ فَائِتَةً طَالَبَهُ بِالْقِيمَةِ إنْ لَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا، فَإِنْ سَمَّى فَهَلْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِمَا سَمَّى أَوْ بِالْقِيمَةِ؟ قَوْلَانِ، اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ بَيْعِهِ بِأَقَلَّ ". (وَلَوْ رِبَوِيًّا بِمِثْلِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ خَالَفَ الْوَكِيلُ فِي الْبَيْعِ فَبَاعَ رِبَوِيًّا بِرِبَوِيٍّ كَعَيْنٍ بِعَيْنٍ أَوْ طَعَامٍ بِطَعَامٍ، فَهَلْ لِلْآمِرِ أَنْ يَرْضَى بِفِعْلِهِ؟ قَوْلَانِ. وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْخِيَارِ الْحِسِّيِّ هَلْ هُوَ كَالشَّرْطِيِّ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ بَاعَ الطَّعَامَ بِطَعَامٍ فَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْآمِرِ أَنْ يَأْخُذَ الطَّعَامَ الثَّانِي، وَمَنَعَهُ أَشْهَبُ وَقَالَ: لَيْسَ لِلْآمِرِ إلَّا مِثْلُ طَعَامِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْأَصْلِ قَالَ فِي الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ حُرَّةً بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ زَنَتْ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ السَّيِّدُ قَالَ: إنْ أَجَازَ السَّيِّدُ رُجِمَتْ وَإِنْ رَدَّ لَمْ تُرْجَمْ، فَجَعَلَهُ إنْ أَجَازَ كَأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ مِنْ الْأَوَّلِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لِلْآمِرِ أَنْ يَأْخُذَ الطَّعَامَ الثَّانِيَ. (إنْ لَمْ يَلْتَزِمْ الْوَكِيلُ الزَّائِدَ عَلَى الْأَحْسَنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ بَاعَ الْوَكِيلُ أَوْ ابْتَاعَ بِمَا لَا يُشْبِهُ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ وَيُرَدُّ مَا لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ فَيَلْزَمُ الْوَكِيلَ الْقِيمَةُ. ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ قَالَ الْوَكِيلُ أَنَا أُتِمُّ مَا نَقَصْت، فَهَلْ يُتْرَكُ وَيَتِمُّ الْبَيْعُ؟ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْبَيْعِ، وَالثَّانِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْآمِرِ قَدْ حَصَلَ لَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَحْكِ الصَّقَلِّيُّ غَيْرَ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ: لَيْسَ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يُلْزِمَ الْآمِرَ الْمُشْتَرِي بِمَا أَمَرَهُ وَيَحُطُّ عَنْهُ الزِّيَادَةَ ". ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ مِنْهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَمَسْأَلَةِ مَنْ أَمَرَ مَنْ يُزَوِّجُهُ بِأَلْفٍ فَزَوَّجَهُ بِأَلْفَيْنِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَانِ لَا يَجْرِي الْقَوْلُ بِقَبُولِ اتِّهَامِ الْمَأْمُورِ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ الْقَوْلُ بِقَبُولِ إتْمَامِهِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ فِي قَبُولِهِ فِي النِّكَاحِ، غَضَاضَةٌ عَلَى الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَوَلَدٍ إنْ حَدَثَ (لَا إنْ زَادَ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186 بَيْعٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ خَالَفَ فِي بَيْعٍ كَقَوْلِهِ: " بِعْ بِعَشَرَةٍ " فَبَاعَ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَوْ: " بِعْ بِالدَّيْنِ بِعَشَرَةٍ " فَبَاعَ بِذَلِكَ نَقْدًا، فَقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي شَرْطِ مَا لَا يُفِيدُ هَلْ يُوَفِّي بِهِ أَمْ لَا. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا كَمَا قَالَ (أَوْ نَقَصَ فِي اشْتِرَاءٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: " فَاشْتَرَاهَا بِأَقَلَّ لَزِمَتْ الْآمِرَ " اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَائِقٌ ". (أَوْ اشْتَرِ بِهَا فَاشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَنَقَدَهَا وَعَكْسُهُ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا سَلَّمَ لَهُ أَلْفًا فَقَالَ لَهُ اشْتَرِ بِهَا كَذَا فَاشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ وَنَقَدَ الْأَلْفَ، أَوْ قَالَ لَهُ اشْتَرِ فِي الذِّمَّةِ وَسَلِّمْ الْأَلْفَ فَاشْتَرَى بِعَيْنِهِ صَحَّ فِيهَا اهـ. وَانْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةً خِلَافِيَّةً إذَا سَمَّى لَهُ الثَّمَنَ فَبَاعَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَسْوِيقٍ. اُنْظُرْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ رَسْمِ إنْ خَرَجْت مِنْ الْبَضَائِعِ. (أَوْ شَاةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى بِهِ اثْنَيْنِ لَمْ يُمْكِنْ إفْرَادُهُمَا وَإِلَّا خُيِّرَ فِي الثَّانِيَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: فِي الْمُبْضَعِ مَعَهُ بِمَالٍ فِي شِرَاءِ جَارِيَةٍ عَلَى صِفَةٍ فَابْتَاعَ لَهُ بِالْمَالِ جَارِيَتَيْنِ عَلَى الصِّفَةِ، فَإِنْ اشْتَرَى وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ فَالْآمِرُ مُخَيَّرٌ فِي الثَّانِيَةِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهَا أَوْ يَدَعَهَا، وَإِنْ كَانَتَا فِي صَفْقَةٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَيْرِهِمَا فَهُمَا لَازِمَتَانِ لِلْآمِرِ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ اشْتَرَاهُمَا فِي صَفْقَةٍ فَالْآمِرُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخَذَ وَاحِدَةً بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَرَجَعَ بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ عَلَى الْمَأْمُورِ اهـ. مَا لِابْنِ يُونُسَ. وَانْظُرْ قَبْلَ رَسْمِ حَمَلَ صَبِيًّا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْبَضَائِعِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: تَلْزَمُهُ الشَّاتَانِ مُطْلَقًا. الْمَازِرِيُّ: يَحْتَجُّ أَصْبَغُ بِحَدِيثِ «حَكِيمٍ أَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ شَاةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى لَهُ شَاتَيْنِ بِدِينَارٍ وَبَاعَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا بِدِينَارٍ وَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187 وَكَانَ لَوْ اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فِيهِ» . (أَوْ أَخَذَ فِي سَلَمِكَ حَمِيلًا أَوْ رَهْنًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَمَرْته أَنْ يُسْلِمَ لَكَ فِي طَعَامٍ فَفَعَلَ وَأَخَذَ رَهْنًا أَوْ حَمِيلًا بِغَيْرِ أَمْرِكَ جَازَ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ تَوَثُّقٍ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ (وَضَمِنَهُ قَبْلَ عِلْمِكَ بِهِ وَرِضَاكَ) ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ عِلْمِكَ بِهِ فَهُوَ مِنْ الْوَكِيلِ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ عِلْمِكَ بِهِ وَرِضَاك فَهُوَ مِنْكَ، وَإِنْ رَدَدْته لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ حَبْسُهُ. (وَفِي ذَهَبٍ بِدَرَاهِمَ وَعَكْسِهِ قَوْلَانِ) اللَّخْمِيِّ: يَخْتَلِفُ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ بِدَنَانِيرَ فَبَاعَ بِدَرَاهِمَ أَوْ بِدَرَاهِمَ فَبَاعَ بِدَنَانِيرَ وَهِيَ فِي الْقِيمَةِ مِثْلُ مَا سَمَّى لَهُ، وَأَرَى أَنْ يَمْضِيَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسُدُّ مَسَدَّ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِغَرَضِ الْآمِرِ فَيُرَدُّ فِيهِ الْبَيْعُ إذَا كَانَ قَائِمًا، فَإِنْ فَاتَ وَغَابَ الْمُشْتَرِي كَانَ الْآمِرُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ أَوْ يُبَاعَ بِالثَّمَنِ وَيَشْتَرِيَ لَهُ مِثْلَ مَا أَمَرَ. الْمَازِرِيُّ: فِي هَذَا الْأَصْلِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ أَوْ جِنْسَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْدَعَهُ دَنَانِيرَ فَتَسَلَّفَهَا وَرَدَّهَا دَرَاهِمَ لَمْ يَبْرَأْ اتِّفَاقًا، وَلَوْ كَانَ رَأْسُ مَالِ الْقِرَاضِ دَنَانِيرَ فَرَدَّهُ الْعَامِلُ دَرَاهِمَ لَمْ يَلْزَمْ رَبَّ الْمَالِ قَبُولُهَا. (وَحَنِثَ بِفِعْلِهِ فِي لَا أَفْعَلُهُ إلَّا بِنِيَّةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: يَدُ الْوَكِيلِ كَيَدِ مُوَكِّلِهِ فِيمَا وَكَّلَهُ عَلَيْهِ، فَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا فَوَكَّلَ غَيْرَهُ عَلَى فِعْلِهِ فَهُوَ حَانِثٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا فَوَكَّلَ غَيْرَهُ عَلَى فِعْلِهِ فَقَدْ بَرَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ يَلِيَ هُوَ ذَلِكَ الْفِعْلَ بِنَفْسِهِ. (وَمُنِعَ ذِمِّيٌّ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ تَقَاضٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَسْتَأْجِرَ نَصْرَانِيًّا إلَّا لِلْخِدْمَةِ، أَمَّا لِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ تَقَاضٍ أَوْ لِيُبْضِعَ مَعَهُ فَلَا يَجُوزُ لِعَمَلِهِمْ بِالرِّبَا أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 188 اسْتِحْلَالِهِمْ لَهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَا عَبْدُهُ النَّصْرَانِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ وَلَا شِرَائِهِ وَلَا اقْتِضَائِهِ، وَلَا يَمْنَعُ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ أَنْ يَأْتِيَ الْكَنِيسَةَ وَلَا مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُشَارِكُ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا إلَّا أَنْ لَا يَغِيبَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِ. قَالَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَاقِيَهُ إذَا كَانَ الذِّمِّيُّ لَا يَعْصِرُ حِصَّتَهُ خَمْرًا. قَالَ: وَلَا أُحِبُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَدْفَعَ لِذِمِّيٍّ قِرَاضًا لِعَمَلِهِ بِالرِّبَا وَلَا يَأْخُذَ مِنْهُ قِرَاضًا لِئَلَّا يُذِلَّ نَفْسَهُ، يُرِيدُ وَإِنْ وَقَعَ لَمْ يُفْسَخْ. (وَعَدُوٌّ عَلَى عَدُوِّهِ) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ الْمَوَانِعِ مِنْ التَّوْكِيلِ الْعَدَاوَةُ فَلَا يُوَكَّلُ الْعَدُوُّ عَلَى عَدُوِّهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ لِمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الضَّرَرِ وَالضِّرَارِ. (وَالرِّضَا بِمُخَالِفَتِهِ فِي سَلَمٍ إنْ دَفَعَ لَهُ الثَّمَنَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ دَفَعْت إلَيْهِ دَرَاهِمَ لِيُسْلِمَهَا فِي ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ فَأَسْلَمَهَا فِي بِسَاطِ شَعْرٍ، أَوْ يَشْتَرِي لَكَ بِهَا ثَوْبًا فَأَسْلَمَهَا فِي طَعَامٍ، أَوْ فِي غَيْرِ مَا أَمَرْته بِهِ أَوْ زَادَ فِي الثَّمَنِ مَا لَا عَلَى مِثْلِهِ، فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُجِيزَ فِعْلَهُ وَتُطَالِبَ بِمَا أَسْلَمَ فِيهِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ تَدْفَعَ إلَيْهِ مَا زَادَ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَمَّا تَعَدَّى عَلَيْهَا صَارَتْ عَلَيْهِ دَيْنًا فَفَسَخْته فِيمَا لَا تَتَعَجَّلُهُ وَذَلِكَ دَيْنٌ بِدَيْنٍ. وَيَدْخُلُ فِي أَخْذِكَ الطَّعَامَ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ مَعَ مَا ذَكَرْنَا بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ قَدْ وَجَبَ لِلْمَأْمُورِ بِالتَّعَدِّي فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَسَلَمُ الْمَأْمُورِ لَازِمٌ لَهُ لَيْسَ لَكَ وَلَا لَهُ فَسْخُهُ، وَلَا شَيْءَ لَكَ أَنْتَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنَّمَا لَكَ عَلَى الْمَأْمُورِ مَا دَفَعْت إلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: مَنْ أُمِرَ أَنْ يُسْلِمَ فِي شَيْءٍ فَأَسْلَمَ فِي خِلَافِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفُتْ رَأْسُ الْمَالِ أَوْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَالْآمِرُ لَهُ الرِّضَا أَوْ رَدُّ السِّلْعَةِ إنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الثَّمَنَ، وَإِنْ فَاتَتْ أَوْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَقَدْ دَفَعَ لَهُ الثَّمَنَ، فَهَلْ لَهُ الرِّضَا؟ الْقَوْلَانِ. وَانْظُرْ رَسْمَ عَبْدٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْبَضَائِعِ إذَا وَكَّلَهُ عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ فَبَاعَهَا مِنْ نَفْسِهِ، هَلْ لِلْآمِرِ أَنْ يُخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 189 يَكُونَ الثَّمَنُ عَيْنًا، أَوْ لَا فَرْقَ مِنْ أَجْلِ السَّلَمِ الْحَالِّ؟ رَاجِعْ السَّلَمَ الْمَذْكُورَ وَفِيهِ مَنْ أُطْلِقَتْ يَدُهُ عَلَى بَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَأَعْتَقَهُ فَلِلْآمِرِ رَدُّ عِتْقِهِ إلَّا فِي الْقِرَاضِ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ فَضْلٌ فَقَدْ عَتَقَ الْعَبْدُ لِلشَّرِكَةِ الَّذِي لَهُ فِيهِ. (وَبَيْعُهُ لِنَفْسِهِ وَمَحْجُورِهِ بِخِلَافِ زَوْجَتِهِ وَرَقِيقِهِ إنْ لَمْ يُحَابِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا لِيُسْلِمَ لَهُ فِي طَعَامٍ فَأَسْلَمَ ذَلِكَ إلَى نَفْسِهِ أَوْ إلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ مَنْ يَلِيهِ مِنْ يَتِيمٍ أَوْ صَغِيرٍ سَفِيهٍ: لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَسْلَمَهُ إلَى زَوْجَتِهِ أَوْ ابْنِهِ الْكَبِيرِ أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ إلَى شَرِيكٍ غَيْرِ مُفَاوِضٍ جَازَ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُحَابَاةٌ. وَقَالَ سَحْنُونَ: إنْ أَسْلَمَهُ إلَى ابْنِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ أَوْ إلَى يَتِيمِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْعُهْدَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ اهـ. نَقْلُ اللَّخْمِيِّ. وَانْظُرْ لَمْ يُمْنَعْ أَنْ يُسْلِمَ لِنَفْسِهِ هَلْ لِعَدَمِ دُخُولِ الْمُخَاطَبِ تَحْتَ الْخِطَابِ؛ أَوْ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ تُهْمَةٍ. (وَاشْتِرَاؤُهُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إنْ عَلِمَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَمَرْته بِشِرَاءِ عَبْدٍ فَابْتَاعَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْكَ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا لَمْ يَلْزَمْكَ. قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: يَعْنِي وَيَلْزَمُ الْمَأْمُورَ وَيَسْتَرِقُّهُ وَيُبَاعُ عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ. قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: وَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ الْبَرْنِيُّ: يَعْتِقُ الْعَبْدُ عَلَى الْمَأْمُورِ وَيَضْمَنُ لِلْآمِرِ الثَّمَنَ. ابْنُ يُونُسَ: يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافَ مَا قَالَهُ يَحْيَى وَبَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ. قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ شِرَاءِ الْمَرْءِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَنَّ مَا تَلِفَ عَلَى يَدَيْ وَكِيلٍ أَوْ وَصِيٍّ دُونَ عَمْدٍ مِنْ رَبِّهِ لَا مِنْ الْمَأْمُورِ، وَفِي هَذَا خِلَافٌ كَخَطَأِ الْقَاضِي فِي مَالٍ عَنْ اجْتِهَادٍ هَلْ يَضْمَنُهُ أَوْ لَا اهـ. اُنْظُرْ الْمُفْتِي نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَنْ أَفْتَى بِعَدَمِ إرْثِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ فَدَفَعَ ذَلِكَ الْإِرْثَ لِلْفُقَرَاءِ أَنَّ الْمُفْتِيَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ الْغُرُورِ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الَّذِي تَسَوَّرَ عَلَى الْإِرْثِ فَتَصَدَّقَ بِهِ يُغَرِّمُهُ الْوَارِثُ (وَلَمْ يُعَيِّنْهُ مُوَكِّلُهُ) هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ (وَعَتَقَ عَلَيْهِ) تَقَدَّمَ هَذَا لِلْبَرْنِيِّ. ابْنُ يُونُسَ: خِلَافًا لِيَحْيَى وَبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ. (وَإِلَّا فَعَلَى آمِرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ابْتَاعَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْكَ غَيْرَ عَالِمٍ لَزِمَك وَعَتَقَ عَلَيْكَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 190 (وَتَوْكِيلُهُ إلَّا أَنْ لَا يَلِيقَ بِهِ) ابْنُ مُحْرِزٍ: لَا أَحْفَظُ خِلَافًا فِي الْوَكِيلِ عَلَى شَيْءٍ مَخْصُوصٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَوْكِيلُ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَلِي مِثْلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا يُسْلِمُ لَهُ فِي طَعَامٍ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ، يُرِيدُ لَا يَجُوزُ لِلْآمِرِ أَنْ يَرْضَى بِفِعْلِهِ إذْ بِتَعَدِّيهِ صَارَ الثَّمَنُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَفَسْخُهُ فِيهَا لَا يَتَعَجَّلُهُ، فَذَلِكَ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَجَلُ السَّلَمِ قَدْ حَلَّ وَقَبَضَ لَهُ مَا أَسْلَمَ فِيهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ سَلِمَ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَمِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يَجُوزُ لِلْآمِرِ أَنْ يَرْضَى بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ لَا يَتَوَلَّى السَّلَمَ بِنَفْسِهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَرْضَى بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ فَلَمْ يَتَخَلَّدْ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنًا اهـ. وَانْظُرْ هَذَا كُلَّهُ فَهُوَ فِي الْوَكِيلِ الْمَخْصُوصِ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: " وَأَمَّا الْوَكِيلُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ " فَلَا أَحْفَظُ فِي جَوَازِ تَوْكِيلِهِ غَيْرَهُ نَصًّا. وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَلِي مِثْلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. وَمِنْ سَمَاعِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ بِمَا جَعَلَ إلَيْهِ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَوَّضَ إلَيْهِ. وَتَكَلَّمَ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى هَذَا السَّمَاعِ وَقَالَ: قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ فِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَالْوَكَالَةَ لَا يُورَثَانِ عَمَّنْ أَوْصَى لَهُ أَوْ وَكَّلَ عَلَيْهِ وَإِنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ بِمَا أَوْصَى إلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَعِنْدَ وَفَاتِهِ وَأَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ وَلَا عِنْدَ وَفَاتِهِ، صَحِيحٌ لَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا فِي الْوَصِيَّيْنِ الْمُشْتَرِكَيْنِ فِي النَّظَرِ فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا كَانَ إلَيْهِ. اُنْظُرْ رَسْمَ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْبَضَائِعِ. (أَوْ يَكْثُرَ) ابْنُ شَاسٍ: عَلِمَ الْمُوَكِّلُ عَجْزَ الْوَكِيلِ بِانْفِرَادِهِ عَمَّا وَكَّلَهُ عَلَيْهِ أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 191 عَدَمَ مُبَاشَرَتِهِ ذَلِكَ عَادَةً نُجِيزُ لَهُ تَوْكِيلَ غَيْرِهِ وَلَا يُوَكِّلُ إلَّا أَمِينًا. (فَلَا يَنْعَزِلُ الثَّانِي بِعَزْلِ الْأَوَّلِ) ابْنُ عَرَفَةَ: إذَا وَكَّلَ الْوَكِيلُ بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ ثُمَّ مَاتَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّ الثَّانِيَ لَا يَنْعَزِلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 193 بِمَوْتِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ انْعِزَالِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ، وَلِابْنِ الْقَاسِمِ مَا يُشِيرُ إلَى هَذَا. (وَفِي رِضَاهُ إنْ تَعَدَّى بِهِ تَأْوِيلَانِ) اُنْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى هَذَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَكَّلَ عَلَى سَلَمٍ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ غَيْرَهُ لَا يَجُوزُ لَك الرِّضَا بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ إلَّا إنْ عَلِمْت بِذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ. وَانْظُرْ حُكْمَ الْوَكِيلِ عَلَى شَيْءٍ مَخْصُوصٍ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ، هَلْ يَضْمَنُ أَمْ لَا. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ تَرَدُّدًا كَثِيرًا فَانْظُرْهُ فِيهِ. وَانْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ " أَوْ يَكْثُرُ " وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْوَكِيلُ عَلَى السَّلَمِ لَا يُوَكِّلُ غَيْرَهُ فَإِنْ وَكَّلَ ضَمِنَ وَلَا يَجُوزُ لِلْآمِرِ أَنْ يَرْضَى فِعْلَهُ. قَالَ سَحْنُونَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ مِمَّنْ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا. (كَرِضَاهُ بِمُخَالَفَتِهِ فِي سَلَمٍ إنْ دَفَعَ الثَّمَنَ) مَضْمَنُ كَلَامِهِ وَمُنِعَ ذِمِّيٌّ فِي بَيْعٍ وَالرِّضَا بِمُخَالَفَتِهِ فِي سَلَمٍ إنْ دَفَعَ لَهُ الثَّمَنَ كَرِضَاهُ بِمُخَالَفَتِهِ وَهَذَا لَا شَكَّ تَكْرَارٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّصُّ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَالرِّضَا بِمُخَالَفَتِهِ " وَبَقِيَ النَّصُّ عَلَى مَفْهُومِ شَرْطِهِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ: وَلَوْ لَمْ تَدْفَعْ إلَيْهِ ثَمَنًا وَأَمَرْته أَنْ يُسْلِمَ لَكَ مِنْ عِنْدِهِ. فِي قَمْحٍ أَوْ جَارِيَةٍ أَوْ ثَوْبٍ فَأَسْلَمَ فِي غَيْرِ مَا أَمَرْته بِهِ فَلَكَ أَنْ تَتْرُكَهُ، وَلَا يَلْزَمُك مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ أَوْ تَرْضَى بِهِ وَتَدْفَعَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَكَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَفَسَخْتَهُ وَكَأَنَّهُ وَلَّاكَ، وَلَا يَجُوزُ هَاهُنَا أَنْ يُؤَخِّرَكَ بِالثَّمَنِ إذْ كَأَنَّهُ بَيْعٌ مُؤْتَنَفٌ لِدَيْنٍ فَتَأَخَّرَ الثَّمَنُ فِيهِ دَيْنٌ بِدَيْنٍ. (وَبِمُسَمَّاهُ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 194 اُنْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى هَذَا. وَهَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمُخَالَفَتِهِ وَيَكُونُ يَعْنِي بِذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَالرِّضَا بِمُخَالَفَتِهِ " إنْ دَفَعْت إلَيْهِ دَرَاهِمَ لِيُسْلِمَهَا فِي ثَوْبٍ فَزَادَ فِي الثَّمَنِ مَا لَا يُزَادُ عَلَى مِثْلِهِ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُجِيزَ فِعْلَهُ. (أَوْ بِدَيْنٍ إنْ فَاتَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ وَكَّلْته عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِدَيْنٍ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا فَبَاعَهَا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَرَضِيَ بِهِ الْآمِرُ، فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 195 قَائِمَةً بِيَدِ الْمُشْتَرِي لَمْ تَفُتْ فَرِضَاهُ جَائِزٌ، وَإِنْ فَاتَتْ لَمْ يَجُزْ. (وَبِيعَ فَإِنْ وَفَّى بِالْقِيمَةِ أَوْ التَّسْمِيَةِ وَإِلَّا غَرِمَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَمَرْته بِبَيْعِ سِلْعَةٍ فَأَسْلَمَهَا فِي عَرَضٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ بَاعَهَا بِدَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، فَإِنْ أَدْرَكَ الْبَيْعَ فُسِخَ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ بِيعَ الْعَرَضُ بِعَيْنٍ نَقْدًا أَوْ بِيعَتْ بِالدَّنَانِيرِ بِعَرَضٍ نَقْدًا ثُمَّ بِيعَ الْعَرَضُ بِعَيْنٍ نَقْدًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِثْلَ الْقِيمَةِ أَوْ التَّسْمِيَةِ فَأَكْثَرَ إنْ سُمِّيَتْ كَانَ ذَلِكَ لَكَ، وَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَهُ الْمَأْمُورُ. اللَّخْمِيِّ: إنَّمَا رَاعَى التَّسْمِيَةَ؛ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِوَجْهِ شُبْهَةٍ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ إلَّا بِمِثْلِهِ لَا بِقِيمَتِهِ. (وَإِنْ سَأَلَ الْوَكِيلَ غَرِمَ التَّسْمِيَةَ وَيَصْبِرَ لِيَقْبِضَهَا وَيَدْفَعَ الْبَاقِيَ جَازَ إنْ كَانَ قِيمَةَ مِثْلِهَا فَأَقَلَّ) رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا فَبَاعَهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ بِيعَ الدَّيْنُ بِعَرَضٍ ثُمَّ بِيعَ الْعَرَضُ بِعَيْنٍ، فَإِنْ نَقَصَ عَنْ عَشَرَةٍ غَرِمَ الْمَأْمُورُ تَمَامَهَا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ لِلْآمِرِ. وَلَوْ قَالَ الْمَأْمُورُ لِلْآمِرِ أَنَا أَعْطَيْتُكَ عَشَرَةً نَقْدًا وَانْتَظِرْ بِالْخَمْسَةَ عَشَرَ حُلُولَهَا فَأَقْبِضُ مِنْهَا عَشَرَةً وَأَدْفَعُ لَكَ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ فَرَضِيَ الْآمِرُ، فَإِنْ كَانَتْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لَوْ بِيعَتْ بِيعَتْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 196 بِعَشَرَةٍ فَأَقَلَّ جَازَ ذَلِكَ إنْ عَجَّلَ الْعَشَرَةَ، وَإِنْ كَانَتْ تُبَاعُ بِاثْنَيْ عَشَرَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دِينَارَيْنِ فِي خَمْسَةٍ إلَى أَجَلٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا إنْ أَرَادَ الْآخَرُ أَنْ تُبَاعَ لَهُ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ فَأَكْثَرَ وَيَتْرُكَ الْبَقِيَّةَ إلَى أَجَلِهَا لَكَانَ ذَلِكَ لَهُ. (وَإِنْ أَمَرَ بِبَيْعِ سِلْعَةٍ فَأَسْلَمَهَا فِي طَعَامٍ أُغْرِمَ التَّسْمِيَةَ وَالْقِيمَةَ وَاسْتُؤْنِيَ بِالطَّعَامِ لِأَجَلِهِ فَبِيعَ وَغَرِمَ النَّقْصَ وَالزِّيَادَةُ لَكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَمَرْته بِبَيْعِ سِلْعَةٍ فَأَسْلَمَهَا فِي طَعَامٍ أَغْرَمْته الْآنَ التَّسْمِيَةَ، أَوْ الْقِيمَةَ إنْ لَمْ تُسَمِّ، ثُمَّ اُسْتُؤْنِيَ بِالطَّعَامِ؛ فَإِذَا حَلَّ أَجَلُهُ اُسْتُؤْنِيَ ثُمَّ بِيعَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 197 فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ لَكَ وَالنُّقْصَانُ عَلَيْهِ. (وَضَمِنَ إنْ أَقْبَضَ الدَّيْنَ وَلَمْ يُشْهِدْ جَحَدَهُ رَبُّ الدَّيْنِ) التَّلْقِينُ: إذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَقْضِيَ عَنْهُ دَيْنًا أَوْ يُودِعَ لَهُ مَالًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ دَفَعَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ضَمِنَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ بَاعَ الْوَكِيلُ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى الْمُبْتَاعِ فَجَحَدَهُ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي الرَّسُولِ يَقُولُ دَفَعْت الْبِضَاعَةَ وَيُنْكِرُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ أَنَّ الرَّسُولَ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 198 دَفَعَهَا إلَيْهِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَوْ قَالَ غَيْرُ الْمُفَوِّضِ ". (أَوْ بَاعَ كَطَعَامٍ نَقْدًا مَا لَا يُبَاعُ بِهِ وَادَّعَى الْإِذْنَ فَنُوزِعَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا بَاعَ الْمَأْمُورُ السِّلْعَةَ بِطَعَامٍ أَوْ عَرَضٍ نَقْدًا وَقَالَ بِذَلِكَ أَمَرْتنِي وَأَنْكَرَ الْآمِرُ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا تُبَاعُ بِذَلِكَ ضَمِنَ. (أَوْ أَنْكَرَ الْقَبْضَ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالتَّلَفِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 199 كَالْمِدْيَانِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فِي الْوَدِيعَةِ: " وَيَجْحَدُهَا ثُمَّ فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الرَّدِّ خِلَافٌ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ جَحَدَ وَكِيلٌ قَبْضَ ثَمَنٍ فَأَكْذَبَتْهُ الْبَيِّنَةُ فَقَالَ تَلِفَ أَوْ رَدَدْتُهُ بِمُوجِبٍ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 200 أَقَامَ بَيِّنَةً بِبَرَاءَتِهِ مِنْ دَيْنٍ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ بَعْدَ إنْكَارِهِ إيَّاهُ وَتَمَامُهَا فِي الْوَدِيعَةِ اهـ. مَا نَقَلَهُ هُنَا. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَجْحَدُهَا ثُمَّ فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الرَّدِّ خِلَافٌ ". (وَلَوْ قَالَ غَيْرُ الْمُفَوِّضِ قَبَضْت وَتَلِفَ بَرِئَ وَلَمْ يَبْرَأْ الْغَرِيمُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَمْلِكُ الْوَكِيلُ الْمُطَالَبَةَ بِالثَّمَنِ، فَلَوْ قَالَ قَبَضْت الثَّمَنَ وَتَلِفَ بَرِئَ وَلَمْ يَبْرَأْ الْغَرِيمُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ إلَّا فِي الْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا نَصُّ النَّوَادِرِ عَنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْوَصِيُّ كَالْمُفَوَّضِ إلَيْهِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِثْلُهُ وَنَصُّهَا: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا يَقْبِضُ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ قَبَضْته وَضَاعَ مِنِّي، أَوْ قَالَ بَرِئَ إلَيَّ مِنْ الْمَالِ، أَوْ قَالَ الرَّجُلُ دَفَعْته إلَيْهِ، لَمْ يَبْرَأْ الدَّافِعُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ يَأْتِيَ الْوَكِيلُ بِالْمَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 203 الْوَكِيلُ مُفَوَّضًا إلَيْهِ أَوْ وَصِيًّا فَهُوَ مُصَدَّقٌ بِخِلَافِ وَكِيلٍ مَخْصُوصٍ. (وَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ غُرْمُ الثَّمَنِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى وَلِيِّهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ وَكَّلْت رَجُلًا بِشِرَاءِ سِلْعَةٍ وَلَمْ تَدْفَعْ إلَيْهِ ثَمَنًا فَاشْتَرَى بِمَا أَمَرْته بِهِ ثُمَّ أَخَذَ مِنْكَ الثَّمَنَ لِيَدْفَعَهُ فِيهَا فَضَاعَ مِنْهُ فَعَلَيْكَ غُرْمُهُ ثَانِيَةً. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ ضَاعَ مِرَارًا حَتَّى يَصِلَ إلَى الْبَائِعِ. (إنْ لَمْ يَدْفَعْهُ لَهُ) ابْنُ يُونُسَ: فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالْمُدَوَّنَةِ: لَوْ دَفَعْتَ إلَيْهِ الثَّمَنَ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَذَهَبَ مِنْهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ لَمْ يَلْزَمْكَ غُرْمُ الْمَالِ إنْ أَبَيْت؛ لِأَنَّهُ مَالٌ بِعَيْنِهِ ذَهَبَ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ يُرِيدُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا اشْتَرَى عَلَى ذِمَّتِهِ فَالثَّمَنُ فِي ذِمَّتِكَ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْبَائِعِ فَهَذَا الثَّانِي إنَّمَا اشْتَرَى عَلَى مَالٍ بِعَيْنِهِ، فَإِذَا ذَهَبَ لَمْ يَلْزَمْكَ غُرْمُهُ وَيَلْزَمُ الْمَأْمُورَ، وَالسِّلْعَةُ لَهُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ ثَانِيَةً وَتَأْخُذَهَا. (وَصُدِّقَ فِي الرَّدِّ كَالْمُودَعِ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا فِي الْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ أَوْ الْمَخْصُوصِ أَوْ الزَّوْجِ يُوَكَّلُونَ عَلَى قَبْضِ حَقٍّ فَيَدَّعُونَ أَنَّهُمْ قَبَضُوهُ وَدَفَعُوهُ إلَى مَنْ وَكَّلَهُمْ: إنَّهُمْ مُصَدَّقُونَ فِي ذَلِكَ كُلُّهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ كَالْمُودَعِ يَقُولُ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ وَيُنْكِرُ رَبُّهَا. وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ خِلَافًا لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ حَبِيبٍ. ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُبْضَعِ مَعَهُ فِي شِرَاءِ سِلْعَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ طُولِبَ بِهَا فَقَالَ: قَدْ رَدَدْت إلَيْكَ بِضَاعَتَكَ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ، فَهُوَ مُصَدَّقٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلَا يُصَدَّقُ وَاحِدٌ بِدَعْوَاهُ الدَّفْعَ إلَى مَنْ أَرْسَلَ إلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ إلَى الْبَاعِثِ بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْأَوْصِيَاءَ بِالْإِشْهَادِ بِالدَّفْعِ إلَى غَيْرِ الْيَدِ الَّتِي أَعْطَتْهُمْ وَهُمْ الْأَيْتَامُ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204 وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْإِشْهَادِ فِي الرَّدِّ إلَى الْيَدِ الَّتِي أَعْطَتْكَ لِقَوْلِهِ {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] . ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا: وَالْوَكِيلُ عَلَى بَيْعٍ مُصَدَّقٌ فِي دَفْعِ ثَمَنِهِ لِلْآمِرِ (فَلَا يُؤَخَّرُ لِلْإِشْهَادِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْمُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ لَيْسَ لَهُ التَّأْخِيرُ بِعُذْرِ الْإِشْهَادِ. ابْنُ هَارُونَ: نَحْوَ هَذَا ذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ وَفِيهِ نَظَرٌ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْوَكِيلِ أَوْ الْمُودَعِ مَقَالٌ فِي وَقْفِ الدَّفْعِ عَلَى الْبَيِّنَةِ وَلَوْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205 فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُسْقِطُ عَنْهُمَا الْيَمِينَ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ هُوَ نَصُّ الْغَزَالِيِّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ الْمَذْهَبِ مَا هُوَ نَصٌّ لِغَيْرِ الْمَذْهَبِ لَا سِيَّمَا وَأُصُولُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي خِلَافَهُ حَسْبَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمَازِرِيُّ وَشَارِحَا ابْنِ الْحَاجِبِ. (وَلِأَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ الِاسْتِبْدَادُ إلَّا لِشَرْطٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَجُوزُ تَوْكِيلُ أَكْثَرَ مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206 وَاحِدٍ عَلَى غَيْرِ الْخِصَامِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ: وَلِأَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ الِاسْتِبْدَادُ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ خِلَافَهُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي أَنَّ أَمْرَ الْوَكِيلَيْنِ مُخَالِفٌ لِلْوَصِيَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمَا الِاسْتِبْدَادُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ هَارُونَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا أَعْرِفُ هَذَا لِغَيْرِهِمْ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ. فِيهَا: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَ رَجُلَيْنِ يَشْتَرِيَانِ لَهُ سِلْعَةً أَوْ يَبِيعَانِهَا لَهُ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا أَوْ اشْتَرَى؛ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْمُوَكِّلِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ. وَسَمِعَ يَحْيَى: إنْ مَاتَ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ عَلَى تَقَاضٍ لَمْ يَتَقَاضَ الْبَاقِيَ دُونِ إذْنِ الْقَاضِي. بَهْرَامَ: الْعَجَبُ أَنَّ الشَّيْخَ اعْتَرَضَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَمْ يَحْتَرِزْ مِنْهُ هُنَا. (وَإِنْ بِعْتَ وَبَاعَ فَالْأَوَّلُ إلَّا لِقَبْضٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَمَرَ رَجُلًا يَبِيعُ لَهُ سِلْعَةً فَبَاعَهَا الْآمِرُ وَبَاعَهَا الْمَأْمُورُ فَأَوَّلُ الْبَيْعَتَيْنِ أَحَقُّ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ الثَّانِي السِّلْعَةَ فَهُوَ أَحَقُّ كَإِنْكَاحِ الْوَلِيَّيْنِ الْأَوَّلُ أَحَقُّ فِي النِّكَاحِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ الثَّانِي. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا يَكُونُ الثَّانِي فِي الْبَيْعِ أَحَقَّ إذَا قَبَضَ إنْ كَانَ حِينَ قَبَضَ لَمْ يَعْلَمْ بَيْعَ الْأَوَّلِ كَإِنْكَاحِ الْوَلِيَّيْنِ لَا تَكُونُ لِلدَّاخِلِ إلَّا إنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ بِالْأَوَّلِ. اُنْظُرْ رَسْمَ نَذَرَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْبَضَائِعِ، وَانْظُرْ فِي هَذَا الرَّسْمِ أَيْضًا أَنَّ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْكِرَاءِ فَرْقًا لَا يَدْخُلُ الْكِرَاءُ فِي ضَمَانِ مَنْ قَبَضَهُ. (وَلَكَ قَبْضُ سَلَمِهِ لَكَ إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَكَ قَبْضُ مَا أَسْلَمَ لَكَ فِيهِ وَكِيلُكَ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ وَيَبْرَأُ دَافِعُهُ لَكَ إنْ كَانَتْ لَكَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَسْلَمَهُ لَكَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بَيِّنَةٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207 فَالْمَأْمُورُ أَوْلَى بِقَبْضِهِ. (وَالْقَوْلُ لَكَ إنْ ادَّعَى الْإِذْنَ أَوْ صِفَةً لَهُ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا تَنَازَعَا فِي أَصْلِ الْإِذْنِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ. فَلَوْ قَالَ وَكَّلْتَنِي وَقُلْت أَنَا مَا وَكَّلْتُكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ ادَّعَى الْإِذْنَ فَنُوزِعَ ". وَبَقِيَ مِنْهَا قَوْلُ الْغَيْرِ " قَالَ: إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً لَمْ يَضْمَنْ وَخُيِّرَ الْآمِرُ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْضَاءِ، فَإِنْ فَاتَتْ خُيِّرَ فِي أَخْذِ مَا بِيعَتْ بِهِ وَتَضْمِينِ الْوَكِيلِ قِيمَتَهَا. عِيَاضٌ: قَوْلُ الْغَيْرِ وِفَاقٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ السِّلْعَةَ وَقَالَ: بِذَلِكَ أَمَرَنِي رَبُّهَا وَقَالَ رَبُّهَا: بَلْ أَمَرْتُكَ أَنْ تُرْهِنَهَا صُدِّقَ رَبُّهَا مَعَ يَمِينِهِ فَاتَتْ أَوْ لَمْ تَفُتْ. (إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ فَزَعَمْت أَنَّكَ أَمَرْته بِغَيْرِهِ وَحَلَفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ دَفَعْت إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا أَوْ تَمْرًا وَقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 209 بِذَلِكَ أَمَرْتنِي وَقُلْت أَنْتَ مَا أَمَرْتُكَ إلَّا بِحِنْطَةٍ، فَالْمَأْمُورُ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ إذْ الثَّمَنُ مُسْتَهْلَكٌ كَفَوْتِ السِّلْعَةِ. ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَبِهِ أَقُولُ. (كَقَوْلِهِ أَمَرْت بِبَيْعِهِ بِعَشَرَةٍ وَأَشْبَهَتْ قُلْت بِأَكْثَرَ وَفَاتَ الْمَبِيعُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ أَوْ لَمْ يَفُتْ وَلَمْ تَحْلِفْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ السِّلْعَةَ بِعَشَرَةٍ وَقَالَ بِذَلِكَ أَمَرَنِي رَبُّهَا وَقَالَ رَبُّهَا مَا أَمَرْتُكَ إلَّا بِاثْنَيْ عَشَرَ، فَإِنْ فَاتَتْ حَلَفَ الْمَأْمُورُ وَبَرِئَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا لَمْ يَبِعْ بِمَا يُسْتَنْكَرُ، وَفَوْتُهَا هَاهُنَا زَوَالُ عَيْنِهَا، وَكَذَلِكَ رَوَى الْأَنْدَلُسِيُّونَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ لَمْ تَفُتْ حَلَفَ الْآمِرُ وَأَخَذَهَا. ابْنُ الْمَوَّازِ: فَإِنْ نَكِلَ فَلَهُ عَشَرَةٌ. وَانْظُرْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْبَضَائِعِ إذَا اشْتَرَى لِزَوْجَتِهِ فَبَعْدَ مَا حَازَتْ طَلَبَ مِنْهَا الثَّمَنَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ لَا فَرْقَ، وَمِثْلُهُ الْوَكِيلُ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. اُنْظُرْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ حَلَفَ. (وَإِنْ وَكَّلْته عَلَى أَخْذِ جَارِيَةٍ فَبَعَثَ بِهَا فَوُطِئَتْ ثُمَّ قَدِمَ بِأُخْرَى وَقَالَ هَذِهِ لَكَ وَالْأُولَى وَدِيعَةٌ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَحَلَفَ أَخَذَهَا إلَّا أَنْ تَفُوتَ بِكَوَلَدٍ أَوْ تَدْبِيرٍ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا يَشْتَرِي لَهُ جَارِيَةً بَرْبَرِيَّةً فَبَعَثَ بِهَا إلَيْهِ فَوُطِئَتْ ثُمَّ قَدِمَ الْوَكِيلُ بِأُخْرَى وَقَالَ هَذِهِ لَك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 210 وَالْأُولَى وَدِيعَةٌ وَلَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ بَيَّنَ ذَلِكَ حِينَ بَعَثَ بِهَا، فَإِنْ لَمْ تَفُتْ حَلَفَ وَأَخَذَهَا وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّانِيَةَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ فَاتَتْ الْأُولَى بِوَلَدٍ مِنْهُ أَوْ عِتْقٍ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ كِتَابَةٍ لَمْ يُصَدَّقْ الْمَأْمُورُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً فَيَأْخُذَهَا. قَالَ سَحْنُونَ: وَيَأْخُذُ قِيمَةَ وَلَدِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَتَلْزَمُ الْجَارِيَةُ الْآمِرَ. قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ (وَلَزِمَتْكَ الْأُخْرَى) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ " وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّانِيَةَ ". (وَإِنْ أَمَرْته بِمِائَةٍ فَقَالَ أَخَذْتهَا بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَإِنْ لَمْ تَفُتْ خُيِّرْت فِي أَخْذِهَا بِمَا قَالَ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْكَ إلَّا الْمِائَةُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَمَرَ رَجُلًا يَشْتَرِي لَهُ جَارِيَةً بِمِائَةٍ فَبَعَثَ بِهَا إلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ ابْتَعْتهَا بِخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَفُتْ خُيِّرَ الْآمِرُ بَيْنَ أَخْذِهَا بِمَا قَالَ الْمَأْمُورُ أَوْ رَدِّهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ حَمَلَتْ لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا الْمِائَةُ. ابْنُ رُشْدٍ: اُنْظُرْ هَذَا مَنْ أَثَابَ عَلَى صَدَقَةٍ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ إذَا فَاتَ، وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ فِي الَّذِي يَأْخُذُ مِنْ الْغَسَّالِ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ ثَوْبُهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي لُبْسِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ. وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى اللَّابِسِ وَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ الْغَسَّالُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ مِنْهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي لُبْسِهِ. اُنْظُرْ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ. (وَإِنْ رُدَّتْ دَرَاهِمُكَ لِزَيْفٍ فَإِنْ عَرَفَهَا مَأْمُورُك لَزِمَتْكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَمَرْت رَجُلًا يُسْلِمُ لَكَ دَرَاهِمَ دَفَعْتهَا إلَيْهِ فِي طَعَامٍ فَفَعَلَ ثُمَّ أَتَى الْبَائِعُ بِدَرَاهِمَ زَائِفَةٍ لِيُبَدِّلَهَا وَزَعَمَ أَنَّهَا الَّتِي قَبَضَ، فَإِنْ عَرَفَهَا الْمَأْمُورُ لَزِمَتْ الْآمِرَ أَنْكَرَهَا الْآمِرُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَمِينُهُ (وَهَلْ وَإِنْ قَبَضْت تَأْوِيلَانِ) ابْنُ يُونُسَ: قِيلَ: إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْآمِرَ لَمْ يَقْبِضْ السَّلَمَ، وَأَمَّا لَوْ قَبَضَهُ لَمْ يُقْبَلْ عَلَيْهِ قَوْلُ الْوَكِيلِ. ابْنُ يُونُسَ: وَذَلِكَ عِنْدِي سَوَاءٌ قَبَضَ الْآمِرُ السَّلَمَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُهُ (وَإِلَّا فَإِنْ قَبِلَهَا حَلَفْت) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 211 وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا الْمَأْمُورُ وَقَبِلَهَا حَلَفَ الْآمِرُ أَنَّهُ مَا يَعْرِفُهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ وَمَا أَعْطَاهُ إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِهِ وَبَرِئَ وَأَبْدَلَهَا الْمَأْمُورُ لِقَبُولِهِ إيَّاهَا (وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ لِعَدَمِ الْمَأْمُورِ) عِيَاضٌ: قِيلَ: حَلَفَ الْآمِرُ هُنَا هُوَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي أَيْمَانِ التُّهَمِ، وَقِيلَ: بَلْ وَجَدَ الْمَأْمُورَ عَدِيمًا فَلِذَلِكَ حَلَّفَهُ وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ مُوسِرًا لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ عَلَى الْآمِرِ سَبِيلٌ (مَا دَفَعْت إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِكَ وَلَزِمَتْهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا (تَأْوِيلَانِ) تَقَدَّمَ ذِكْرُ عِيَاضٍ الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي هُوَ لِلشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ (وَإِلَّا حَلَفَ كَذَلِكَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا الْمَأْمُورُ وَلَا عَرَفَهَا حَلَفَ الْمَأْمُورُ أَنَّهُ مَا أَعْطَاهُ إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِهِ وَبَرِئَ (وَحَلَّفَ الْبَائِعُ وَفِي الْمَبْدَأِ تَأْوِيلَانِ) لَعَلَّهُ سَقَطَ هُنَا لَفْظُ الْآمِرَ إذْ الْمَعْنَى حَلَّفَ الْبَائِعُ الْآمِرَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُحَلِّفَ الْآمِرَ أَنَّهُ مَا يَعْرِفُهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ وَمَا أَعْطَاهُ إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِهِ ثُمَّ تَلْزَمُ الْبَائِعَ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الرُّتْبَةُ أَنْ يَبْدَأَ بِيَمِينِ الْآمِرِ. ابْنُ يُونُسَ: وَالْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، مِثْلُهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ الْمُعَامِلُ لَهُ، وَلَهُ عِنْدِي أَنْ يَبْدَأَ بِيَمِينِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي وَلِيَ مُعَامَلَتَهُ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لَا أَحْلِفُ إلَّا لَكَ إذْ لَا مُعَامَلَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْآمِرِ، وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْآمِرَ لِإِقْرَارِهِ أَنَّ هَذَا وَكِيلُهُ وَهَذِهِ دَرَاهِمُهُ، فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُمَا وَيَبْدَأَ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. (وَانْعَزَلَ بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ إنْ عَلِمَ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَعْرُوفُ لَهُ انْعِزَالُ الْوَكِيلِ بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَمَرَ رَجُلًا يَشْتَرِي لَهُ سِلْعَةً وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ ثَمَنَهَا أَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ فَاشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ بَعْدَ مَوْتِ الْآمِرِ فَذَلِكَ لَازِمٌ لِلْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ بِمَوْتِ الْآمِرِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ غُرْمُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ وَكَالَتَهُ قَدْ انْفَسَخَتْ. وَقَالَهُ مَالِكٌ فِيمَنْ لَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 212 وَكِيلٌ بِبَلَدٍ يُجَهِّزُ إلَيْهِ الْمَتَاعَ أَنَّ مَا بَاعَ وَاشْتَرَى بَعْدَ مَوْتِ الْآمِرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ فَهُوَ لَازِمٌ لِلْوَرَثَةِ، وَمَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بَعْدَ عِلْمِهِ بِمَوْتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ؛ لِأَنَّ وَكَالَتَهُ قَدْ انْفَسَخَتْ. وَانْظُرْ قَدْ نَصُّوا أَنَّ الْوَكِيلَ عَلَى الْخِصَامِ يَنْعَزِلُ بِمُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخِصَامُ مُتَّصِلًا. الْبُرْزُلِيِّ: وَقَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: أَوْ فِي قَضِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ (وَإِلَّا فَتَأْوِيلَانِ) ابْنُ رُشْدٍ: فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ، أَوْ عُزِلَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَزْلِهِ، فَقِيلَ: إنَّهُ مَعْزُولٌ بِنَفْسِ الْعَزْلِ أَوْ الْمَوْتِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي يَحْجُرُ عَلَى وَكِيلِهِ فَيَقْبِضُ مِنْ غُرَمَائِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَبْرَءُونَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هُوَ بِعَزْلِهِ. هَذَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ الشُّيُوخُ يَحْمِلُونَهُ، وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ التُّونِسِيُّ. فَإِذَا لَمْ يَبْرَأْ الْغُرَمَاءُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ لَا يَبْرَأُ هُوَ وَيَكُونُ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِ وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخْطَأَ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ. فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَنْفَسِخُ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ مَنْ عَامَلَهُ أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ بِنَفْسِ الْعَزْلِ أَوْ الْمَوْتِ. وَقِيلَ: إنَّهُ لَا يَكُونُ مَعْزُولًا فِي حَقِّ أَحَدٍ إلَّا بِوُصُولِ الْعِلْمِ إلَيْهِ فَيَكُونُ مَعْزُولًا فِي حَقِّهِ بِوُصُولِ الْعِلْمِ إلَيْهِ وَفِي حَقِّ مَنْ بَايَعَهُ أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ بِوُصُولِ الْعِلْمِ إلَيْهِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْوَكَالَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الذِّكْرِ. وَكَذَلِكَ يَبْرَأُ مَنْ دَفَعَ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ. وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا، لَوْ عَلِمَ الْوَكِيلُ بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ فَبَاعَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فَتَلِفَتْ السِّلْعَةُ الْمَبِيعَةُ عِنْدَهُ لَكَانَ الْوَكِيلُ ضَامِنًا لِقِيمَتِهَا لِانْفِسَاخِ الْوَكَالَةِ فِي حَقِّهِ لِعِلْمِهِ بِمَوْتِهِ وَتَعَدِّيهِ فِيمَا لَا تَصَرُّفَ لَهُ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ الْغَلَّةَ إذَا أُخِذَتْ مِنْهَا السِّلْعَةُ. وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِمَوْتِهِ وَعَلِمَ الْمُشْتَرِي لَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْغَلَّةَ إذَا أُخِذَتْ مِنْهُ السِّلْعَةُ لِتَعَدِّيهِ بِابْتِيَاعِ مَا قَدْ انْفَسَخَتْ الْوَكَالَةُ فِيهِ فِي حَقِّهِ. اُنْظُرْ الْمُقَدَّمَاتِ. (وَفِي عَزْلِهِ بِعَزْلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ خِلَافٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي انْعِزَالِ الْوَكِيلِ بِنَفْسِ عَزْلِهِ وَمَوْتِ مُوَكِّلِهِ أَوْ مَعَ عِلْمِهِ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ: يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِنَفْسِ عَزْلِهِ وَمَوْتِ مُوَكِّلِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا هُوَ ظَاهِرُهَا وَعَلَيْهِ حَمَلَهَا التُّونِسِيُّ وَالشُّيُوخُ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ. هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِأَشْهَبَ. اُنْظُرْ فِيهِ الْقَوْلَ الثَّالِثَ: يَنْعَزِلُ بِنَفْسِ عَزْلِهِ وَمَوْتِ مُوَكِّلِهِ مَعَ عِلْمِهِ ذَلِكَ فَقَطْ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّ الْمَدِينِ بِعِلْمِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ أَوَّلَ وَكَالَتِهَا مَعَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الشَّرِيكَيْنِ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ رَوَاهُ اللَّخْمِيِّ: يَنْعَزِلُ بِنَفْسِ الْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَفِي الْعَزْلِ إنْ عَلِمَ، وَلِابْنِ رُشْدٍ: أَجْمَعُوا فِي الرَّجُلِ يُوَكِّلُ الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ سِلْعَتِهِ ثُمَّ يَبِيعُهَا هُوَ وَيَبِيعُهَا الْوَكِيلُ بَعْدَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِبَيْعِ صَاحِبِهِ أَنَّهَا تَكُونُ لِلثَّانِي إنْ قَبَضَهَا، وَفِي إجْمَاعِهِمْ عَلَى هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَكَالَتَهُ لَا تَنْفَسِخُ بِنَفْسِ الْفَسْخِ حَتَّى يَعْلَمَ الْوَكِيلُ بِفَسْخِهِ إيَّاهَا أَوْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي إنْ عَلِمَ انْتَهَى. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَالرَّابِعَ لَيْسَا بِمَشْهُورَيْنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ نَصَّ ابْنِ رُشْدٍ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 213 الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ هَذَا فَانْظُرْهُ أَنْتَ مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ. (وَهَلْ لَا تَلْزَمُ أَوْ إنْ وَقَعَتْ بِأُجْرَةٍ أَوْ جُعْلٍ فَكَهُمَا وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ فَتَرَدُّدٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: عَقْدُ الْوَكَالَةِ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْمُوَكِّلِ مُطْلَقًا فِي غَيْرِ الْخِصَامِ، وَالْوَكِيلُ مُخَيَّرٌ فِي قَبُولِهَا. فَإِنْ تَأَخَّرَ قَبُولُهُ عَنْ عِلْمِهِ بِهَا فَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ، فَإِنْ قَبِلَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَقَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ: اُخْتُلِفَ فِي الْوَكِيلِ عَلَى شِرَاءِ سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا يَشْتَرِيهَا الْوَكِيلُ لِنَفْسِهِ؛ فَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ السِّلْعَةَ لِلْآمِرِ. وَقَالَ مَالِكٌ: السِّلْعَةُ لِلْوَكِيلِ وَيُصَدَّقُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ. ابْنُ زَرْقُونٍ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ. هَلْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ؟ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ إذَا لَمْ يُوَكَّلْ بِأَجْرٍ، ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِعِوَضٍ فَهِيَ إجَارَةٌ تَلْزَمُهُمَا جَمِيعًا وَلَا تَجُوزُ إلَّا بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ وَأَجَلٍ مَضْرُوبٍ وَعَمَلٍ مَعْرُوفٍ، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهِيَ مَعْرُوفٌ مِنْ الْوَكِيلِ يَلْزَمُهُ إذَا قَبِلَ الْوَكَالَةَ مَا الْتَزَمَهُ وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَهُ مَتَى شَاءَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْوَكَالَةُ فِي الْخِصَامِ. ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ جَبْرًا كَالْوَصِيَّةِ وَوِلَايَةِ الْيَتِيمِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ الِانْصِرَافُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَإِنْ كَانَتْ اخْتِيَارًا، فَإِنْ كَانَتْ بِثَمَنٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْإِجَارَةِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدِينَ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى سَبِيلِ الْجِعَالَةِ فَقِيلَ إنَّهَا لَازِمَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَقِيلَ مُنْحَلَّةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَقِيلَ لَازِمَةٌ لِلْجَاعِلِ دُونَ الْمَجْعُولِ لَهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ صِحَّةُ الْوَكَالَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَهَا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: حُكْمُهَا لِذَاتِهَا الْجَوَازُ وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا سَائِرُ الْأَحْكَامِ بِحَسَبِ مُتَعَلِّقِهَا. وَانْظُرْ فِيهِ لِمَ مَنَعَ مَنْ وَكَّلَ عَلَى سَلَمٍ فَأَسْلَمَهُ لِنَفْسِهِ كَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً ثُمَّ أَخَذَ قِرَاضًا يَدْفَعُهُ فِي ثَمَنِهَا كَالْوَصِيِّ يَشْتَرِي تَرِكَةَ الْمُوصِي؟ وَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ فِيمَنْ خَرَجَ حَاجًّا أَوْ غَازِيًا فَبَعَثَ مَعَهُ بِمَالٍ يُعْطِيهِ كُلَّ مُنْقَطِعٍ فَاحْتَاجَ هُوَ، لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَشِرَاءِ الْوَصِيِّ لِبَعْضِ مَنْ يَلِي مِنْ بَعْضٍ، وَانْظُرْ فِيهِ هُنَا أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَبْرَأُ مِنْ دَفْعِ مَا بِيَدِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي دَعْوَى التَّلَفِ كَمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 214 يُصَدَّقُ أَيْضًا فِي الدَّفْعِ إنْ طَالَ الزَّمَانُ كَالْبِيَاعَاتِ بِغَيْرِ كَتْبِ وَثِيقَةٍ إذَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ مَا الْعَادَةُ عَدَمُ تَأْخِيرِ قَبْضِ الثَّمَنِ إلَيْهِ قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي. وَانْظُرْ هُنَا أَيْضًا أَنَّ لِلْوَصِيِّ تَوْكِيلَ غَيْرِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ. وَانْظُرْ أَنَّهُ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ لَا يَلْزَمُهُ مُسَاوَاتُهُ لَهُ فِي الْأَمَانَةِ، وَهَلْ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِطُولِ مُدَّةِ التَّوْكِيلِ، وَيُمْنَعُ ذُو اللَّدَدِ وَالشَّغَبِ مِنْ التَّوْكِيلِ، وَمَنْ لَهُمَا حَقٌّ قِبَلَ رَجُلٍ لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يُخَاصِمَهُ هَذَا مَرَّةً وَهَذَا مَرَّةً كَمَا لَا يُوَكِّلُ عَلَى الْخِصَامِ وَكِيلَيْنِ. ابْنُ شَاسٍ. [كِتَابُ الْإِقْرَارِ] [بَابٌ أَرْكَانُ الْإِقْرَارِ وَالْأَقَارِيرِ الْمُجْمَلَةِ] (كِتَابُ الْإِقْرَارِ) وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ. الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ وَهِيَ الْمُقِرُّ وَالْمُقَرُّ لَهُ وَالْمُقَرُّ بِهِ وَالصِّيغَةُ. الْبَابُ الثَّانِي فِي الْأَقَارِيرِ الْمُجْمَلَةِ وَهِيَ سَبْعَةٌ. الْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَعَقُّبِ الْإِقْرَارِ بِمَا يَدْفَعُهُ وَلَهُ صُوَرٌ سَبْعَةٌ. الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ (يُؤَاخَذُ الْمُكَلَّفُ بِلَا حَجْرٍ بِإِقْرَارِهِ) ابْنُ شَاسٍ. الْمُقِرُّ يَنْقَسِمُ إلَى مُطْلَقٍ وَمَحْجُورٍ. فَالْمُطْلَقُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 215 يَنْفُذُ إقْرَارُهُ فِي كُلِّ مَا يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، فِي مَالِهِ وَبَدَنِهِ. وَالْمَحْجُورُ سِتَّةُ أَشْخَاصٍ: الصَّبِيُّ. وَإِقْرَارُهُ مَسْلُوبٌ قَطْعًا مُطْلَقًا، نَعَمْ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ وَفِي وَقْتِ إمْكَانِهِ لَصُدِّقَ إذْ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ. وَالْمَجْنُونُ. هُوَ مَسْلُوبُ الْعَقْلِ مُطْلَقًا. وَالْمُبَذِّرُ وَالْمُفْلِسُ وَالْعَبْدُ وَالْمَرِيضُ. (لِأَهْلٍ) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ شَرْطِ الْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلِاسْتِحْقَاقِ، فَلَوْ قَالَ لِهَذَا الْحَجَرِ أَوْ لِهَذَا الْحِمَارِ عَلَيَّ أَلْفٌ لَبَطَلَ. (لَمْ يُكَذِّبْهُ) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ شَرْطِ الْمُقَرِّ لَهُ أَيْضًا أَنْ لَا يُكَذِّبَ الْمُقِرَّ، فَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ وَيَتْرُكُهُ فِي يَدِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 218 الْمُقِرِّ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا نَقْلُ الشَّيْخِ عَنْ سَحْنُونٍ. (وَلَمْ يُتَّهَمْ) اُنْظُرْ إنْ كَانَ عَنَى بِهَذَا الْإِقْرَارِ لِمَنْ عُرِفَ بِالْقَهْرِ فَيَكُونُ الْمَقَامُ عَلَى الَّذِي يَعُودُ فَاعِلُ يُكَذِّبُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: إقْرَارُ غَيْرِ الْمَحْجُورِ جَائِزٌ لَا يَلْحَقُهُ فِيهِ تُهْمَةٌ وَلَا يُظَنُّ بِهِ تَوْلِيجٌ وَلَا يَحْتَاجُ لِمُعَايَنَةِ قَبْضٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ مِمَّنْ يُعْرَفُ بِالْقَهْرِ وَالتَّعَدِّي. اهـ مِنْ الْكَافِي. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: وَمَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِرَجُلٍ فَهُوَ كَالْهِبَةِ إنْ لَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى مَاتَ بَطَلَ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْغَرِيمِ مَنْعُ إقْرَارِهِ لِمُتَّهَمٍ عَلَيْهِ. وَسُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَمَّنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ ثُمَّ اعْتَرَفَ بِدَنَانِيرَ لِمُعَيَّنٍ فَأَجَابَ: إنْ اعْتَرَفَ فِي صِحَّتِهِ حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ يَمِينَ الْقَضَاءِ وَأَخَذَ الدَّنَانِيرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ اعْتَرَفَ فِي مَرَضِهِ وَلَا وَارِثَ وَلَا تُهْمَةَ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ ثَمَّ تُهْمَةُ صَدَاقَةٍ وَنَحْوِهَا بَطَلَ الْإِقْرَارُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَيُمْضَى مِنْ الثُّلُثِ عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِمَا. وَانْظُرْ إذَا أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ لِوَلَدِهِ أَوْ لِأَمْوَاتِهِ وَمَاتَ بَعْدَ سِنِينَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِقْرَارَ ثَابِتٌ. وَعَنْ ابْنِ كِنَانَةَ وَالْمَخْزُومِيِّ وَابْنِ أَبِي حَازِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يُقِرَّ بِدَيْنٍ فِي صِحَّتِهِ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ وَرَثَتِهِ عَلَى أَنْ لَا يُقَوَّمَ عَلَيْهِ بِهِ حَتَّى يَمُوتَ فَيَكُونَ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ بَاعَ لَهُ رَأْسًا أَوْ أَخَذَ مِنْ مِيرَاثِ أَمَةٍ شَيْئًا. اُنْظُرْ رَسْمَ الْبَرَاءَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الدُّعَاءِ. (كَمَا لِلْعَبْدِ فِي غَيْرِ الْمَالِ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 219 ابْنُ عَرَفَةَ: حَجْرُ الرِّقِّ يَعْنِي غَيْرَ الْمَأْذُونِ لَهُ وَالْمُكَاتَبِ يُلْغِي الْإِقْرَارَ فِي الْمَالِ لَا الْبَدَنِ. وَفِي جِنَايَتِهَا إنْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِمَا يَلْزَمُهُ فِي جَسَدِهِ مِنْ قَطْعٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ صُدِّقَ فِيهِ وَمَا آلَ إلَى غُرْمِ سَيِّدِهِ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ. ابْنُ سَحْنُونٍ: وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ لَهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ مُدَبَّرٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ بِدَيْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ غَصْبٍ لَازِمٌ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَإِقْرَارُ الْمُكَاتَبِ بِبَيْعٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ جَائِزٌ (أَوْ أَخْرَسَ) اُنْظُرْ الْوَكَالَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا فَإِنِّي أَجِدُ غَيْرَ مَا ذَكَرْته هُنَاكَ. (وَمَرِيضٍ إنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ لِلْأَبْعَدِ أَوْ لِمُلَاطِفِهِ أَوْ لِمَنْ لَمْ يَرِثْهُ أَوْ لِمَجْهُولٍ حَالُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثٍ أَبْعَدَ مِمَّنْ لَمْ يُقِرَّ لَهُ مِنْ الْوَرَثَةِ مِثْلَ أَنْ يُقِرَّ بِعَصَبَةٍ وَلَهُ أَبٌ أَوْ لِأَخٍ لِأُمِّ وَلَهُ أَخٌ شَقِيقٌ أَوْ لِأَبٍ وَلَهُ أُمٌّ جَازَ إقْرَارُهُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ أَقَرَّ لِصَدِيقٍ مُلَاطِفٍ أَوْ لِقَرِيبٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 220 غَيْرِ وَارِثٍ فَقِيلَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ إلَّا إنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ. وَالْقَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَإِنْ أَقَرَّ لِمَجْهُولٍ، فَإِنْ وَرِثَ بِوَلَدٍ جَازَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ وَرِثَ بِكَلَالَةٍ فَفِي كَوْنِهِ مِنْ الثُّلُثِ مُطْلَقًا، أَوْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنْ قَلَّ وَإِنْ كَثُرَ بَطَلَ ثَالِثُهَا إنْ أَوْصَى بِوَقْفِهِ حَتَّى يَأْتِيَ طَالِبٌ جَازَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُمْ بَطَلَ مُطْلَقًا. اُنْظُرْ أَنْتَ هَذَا مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ. (كَزَوْجٍ عُلِمَ بُغْضُهُ لَهَا) ابْنُ رُشْدٍ: تَحْصِيلُ إقْرَارِ الزَّوْجِ لِزَوْجِهِ بِدَيْنٍ فِي مَرَضِهِ عَلَى مِنْهَاجِ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إنْ عُلِمَ مَيْلُهُ لَهَا وَصَبَابَتُهُ بِهَا سَقَطَ إقْرَارُهُ لَهَا، وَإِنْ عُلِمَ بُغْضُهُ لَهَا وَشَنَآنُهُ لَهَا صَحَّ إقْرَارُهُ، وَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ مَعَهَا سَقَطَ إقْرَارُهُ لَهَا إنْ وُرِثَ بِكَلَالَةٍ، وَإِنْ وُرِثَ بِوَلَدٍ غَيْرِ ذَكَرٍ مَعَ عَصَبَةٍ فَسَوَاءٌ كُنَّ وَاحِدَةً أَوْ عَدَدًا صِغَارًا أَوْ كِبَارًا مِنْ غَيْرِهَا أَوْ كِبَارًا مِنْهَا، يَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عِنْدِي عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ إقْرَارَهُ لِزَوْجَتِهِ جَائِزٌ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي إقْرَارِهِ لِبَعْضِ الْعَصَبَةِ إذَا تَرَكَ ابْنَةً وَعَصَبَةً. وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا وَاحِدًا جَازَ إقْرَارُهُ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، أَوْ إنْ كَانَ الْوَلَدُ ذُكُورًا عَدَدًا جَازَ إقْرَارُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ صَغِيرًا مِنْهَا وَبَعْضُهُمْ كَبِيرًا مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَجُوزُ فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ الْكَبِيرُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَرْفَعُ التُّهْمَةَ عَنْ الْأَبِ فِي إقْرَارِهِ لَهَا عَاقًّا لَهُ لَمْ يَرْفَعْ تُهْمَتَهُ، وَبَطَلَ إقْرَارُهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ عَاقًّا وَبَعْضُهُمْ بَارًّا تَخَرَّجَ عَلَى الْخِلَافِ (أَوْ جُهِلَ بِهِ وَوَرِثَهُ ابْنٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: إنْ جُهِلَ حَالُهُ مَعَهَا سَقَطَ إقْرَارُهُ لَهَا إنْ وَرِثَ بِكَلَالَةٍ، وَإِنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ ذَكَرٌ وَاحِدٌ جَازَ إقْرَارُهُ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 221 صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (أَوْ بَنُونَ إلَّا أَنْ تَنْفَرِدَ بِالصَّغِيرِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: إذَا جُهِلَ حَالُهُ مَعَهَا وَوَرِثَ بِوَلَدٍ وَكَانَ الْوَلَدُ ذُكُورًا عَدَدًا أَنَّ إقْرَارَهُ لَهَا جَائِزٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ صَغِيرًا مِنْهَا (وَمَعَ الْإِنَاثِ وَالْعَصَبَةِ قَوْلَانِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: إنْ كَانَ الْوَلَدُ إنَاثًا يَرِثُهُ مَعَ الْعَصَبَةِ، فَسَوَاءٌ كُنَّ وَاحِدَةً أَوْ عَدَدًا تَخَرَّجَ عِنْدِي عَلَى قَوْلَيْنِ. (كَإِقْرَارِهِ لِوَلَدِهِ الْعَاقِّ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ قَرُبَ مِنْهُ كَسَائِرِ الْوَرَثَةِ كَأَحَدِ أَوْلَادِهِ أَوْ إخْوَتِهِ أَوْ بَنِي عَمِّهِ أَوْ أَقْرَبَ مِنْ سَائِرِهِمْ كَإِقْرَارِهِ لِابْنَتِهِ وَلَهُ عَصَبَةٌ أَوْ لِأَخٍ شَقِيقٍ وَلَهُ أَخٌ لِأُمٍّ أَوْ لِأُمِّهِ وَلَهُ أَخٌ شَقِيقٌ سَقَطَ اتِّفَاقًا قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبٌ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ كَأَنْ يَكُونَ الْمُقَرَّ لَهُ عَاقًّا، وَمَنْ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بَارًّا بِهِ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ كَالزَّوْجَةِ يُقِرُّ لَهَا وَقَدْ عُرِفَ الْبُغْضُ وَالشَّنَآنُ مِنْهُ لَهَا. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (أَوْ لِأُمِّهِ أَوْ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُقِرَّ لَهُ أَبْعَدُ وَأَقْرَبُ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ مِمَّنْ لَمْ يُقَرَّ لَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ بَعْضُهُمْ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ وَبَعْضُهُمْ أَبْعَدُ مِنْهُ كَإِقْرَارِهِ لِأُمِّهِ وَلَهُ ابْنَةٌ وَأَخٌ فَفِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ. وَهَذَا الْخِلَافُ أَيْضًا إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ كَإِقْرَارِهِ لِبَعْضِ إخْوَتِهِ وَلَهُ ابْنَةٌ. (لَا الْمُسَاوِي وَالْأَقْرَبُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 222 ابْنِ رُشْدٍ: إنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ قَرُبَ مِنْهُ كَسَائِرِ الْوَرَثَةِ أَوْ أَقْرَبَ سَقَطَ إقْرَارُهُ. (كَأَخِّرْنِي إلَى سَنَةٍ وَأَنَا أُقِرُّ وَرَجَعَ لِخُصُومَتِهِ) مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ: إنْ قَالَ أَقْبِضْنِي الْمِائَةَ الَّتِي لِي قِبَلَكَ فَذَكَرَ فُرُوعًا إلَى أَنْ قَالَ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 223 إنْ أَخَّرْتَنِي بِهَا سَنَةً أَقْرَرْت لَكَ بِهَا أَوْ إنْ صَالَحَتْنِي عَنْهَا صَالَحْتُكَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَيَحْلِفُ. (وَلَزِمَ لِلْحَمْلِ) الْمَازِرِيُّ: الْإِقْرَارُ لِلْحَمْلِ إنْ قَيَّدَهُ بِمَا يَصِحُّ كَقَوْلِهِ لِهَذَا الْحَمْلِ عِنْدِي مِائَةُ دِينَارٍ مِنْ وَصِيَّةٍ أَوْصَى لَهُ بِهَا أَوْ مِنْ مِيرَاثٍ صَحَّ، وَإِنْ قَيَّدَهُ بِمَا يَمْتَنِعُ بَطَلَ كَقَوْلِهِ لِهَذَا الْحَمْلِ عِنْدِي مِائَةُ دِينَارٍ مِنْ مُعَامَلَةٍ عَامَلَنِي بِهَا (أَوْ وُطِئَتْ وَوُضِعَ لِأَقَلِّهِ وَإِلَّا فَلِأَكْثَرِهِ وَسُوِّيَ بَيْنَ تَوْأَمَيْهِ) ابْنُ سَحْنُونٍ: مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِحَمْلٍ، فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ قَوْلِهِ لَزِمَهُ لَهُ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَزَوْجُهَا مُرْسَلٌ عَلَيْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ كَانَ مَعْزُولًا عَنْهَا فَقِيلَ يَجُوزُ الْإِقْرَارُ إنْ وَضَعَتْهُ لِمَا تَلِدُ لَهُ النِّسَاءُ وَذَلِكَ أَرْبَعُ سِنِينَ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 226 وَإِنْ وُضِعَ الْحَمْلُ تَوْأَمَيْنِ فَالْإِقْرَارُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ. (إلَّا بِبَيَانِ الْفَضْلِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ أَنَا وَصِيُّ وَالِدِ هَذَا الْحَمْلِ وَلَهُ عَلَيْهِ مِائَةٌ فَالْمِائَةُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِنْ وَضَعَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتُ الْحَمْلِ زَوْجَةً فَلَهَا الثُّمُنُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا فَالْمَالُ لِعَصَبَةِ الْمَيِّتِ. (فَعَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي أَوْ عِنْدِي) ابْنُ عَرَفَةَ: الصِّيغَةُ الصَّرِيحَةُ فِي الْإِقْرَارِ " كَتَسَلَّفْتُ " وَ " غَصَبْت " وَفِي " ذِمَّتِي " وَالرِّوَايَاتُ فِي " عَلَيَّ " كَذَلِكَ. ابْنُ شَاسٍ: وَإِذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي أَلْفٌ فَهُوَ إقْرَارٌ. ابْنُ شَاسٍ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [آل عمران: 199] وَقَوْلُهُ: {فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100] (أَوْ أَخَذْت مِنْكَ) الْمَازِرِيُّ: قَوْلُهُ أَخَذْت هَذَا مِنْ بَيْتِ فُلَانٍ أَوْ دَارِهِ وَمَا يَحُوزُهُ فُلَانٌ بِغَلْقٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ زَرْبٍ وَيَمْنَعُ مِنْهُ النَّاسَ وَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِإِذْنِهِ كَإِقْرَارِهِ بِأَخْذِهِ مِنْ يَدِهِ فَهُوَ تَمْلِيكٌ لَهُ، وَلَوْ قَالَ مِنْ فُنْدُقِهِ أَوْ حَمَّامِهِ أَوْ مَسْجِدِهِ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ. (وَلَوْ زَادَ إنْ شَاءَ اللَّهُ) ابْنُ سَحْنُونٍ: أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا إذَا أَقَرَّ فَقَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَهُ عِنْدِي أَوْ مَعِي لَزِمَتْهُ وَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ. ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إذَا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَكَأَنَّهُ أَدْخَلَ مَا يُوجِبُ الشَّكَّ. (أَوْ قَضَى) ابْنُ سَحْنُونٍ: لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ قَضَى اللَّهُ ذَلِكَ أَوْ بِذَلِكَ لَزِمَهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (أَوْ وَهَبْته لِي أَوْ بِعْته) ابْنُ الْحَاجِبِ: مِثْلُ صِيغَةِ الْإِقْرَارِ وَهَبْته لِي أَوْ بِعْته مِنِّي. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا مُقْتَضَى نَقْلِ الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ. (أَوْ وَفَّيْته) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ قَضَيْتُهُ لَزِمَتْهُ الْأَلْفُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْقَضَاءِ. ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَإِنْ قَالَ أَلَمْ أُوَفِّك الْعَشَرَةَ الَّتِي لَكَ عَلَيَّ فَقَالَ لَا، فَهُوَ إقْرَارٌ. مُحَمَّدٌ: وَيَغْرَمُ لَهُ الْعَشَرَةَ بِلَا يَمِينٍ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الِاسْتِفْهَامِ فَيَقُولَ: بَلْ قَضَيْتُكَ فَتَلْزَمُهُ الْيَمِينُ. (أَوْ أَلَيْسَ أَقْرَضْتنِي) ابْنُ سَحْنُونٍ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَلَيْسَ قَدْ أَقْرَضْتنِي أَمْسِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ الطَّالِبُ بَلَى أَوْ نَعَمْ فَجَحَدَهُ الْمُقِرُّ، لَزِمَهُ الْمَالُ (أَوْ أَمَا أَقْرَضْتنِي أَوْ أَلَمْ تُقْرِضْنِي) ابْنُ سَحْنُونٍ: وَلَوْ قَالَ أَمَا أَقْرَضْتنِي أَوْ أَلَمْ تُقْرِضْنِي لَزِمَهُ الْمَالُ إنْ ادَّعَاهُ طَالِبُهُ. (أَوْ سَاهِلْنِي أَوْ اتَّزِنْهَا مِنِّي) ابْنُ سَحْنُونٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَعْطِنِي كَذَا فَقَالَ: نَعَمْ أَوْ سَأُعْطِيكَ أَوْ أَبْعَثُ لَكَ بِهِ وَلَيْسَ عِنْدِي الْيَوْمَ أَوْ أَبْعَثُ مَنْ يَأْخُذُهُ مِنِّي فَهُوَ إقْرَارٌ، وَكَذَا أَجِّلْنِي بِهِ شَهْرًا أَوْ نَفِّسْنِي بِهِ. ابْنُ شَاسٍ: سَاهِلْنِي فِيهَا دُونَ نَفِّسْنِي بِهَا لَمْ أَجِدْهُ اهـ. نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ: وَمِنْ الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنْ قَالَ اقْضِنِي الْعَشَرَةَ الَّتِي لِي عَلَيْكَ فَقَالَ: اتَّزِنْ أَوْ اجْلِسْ فَانْتَقِدْ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ إنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَنْسُبْ ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ الَّذِي يَدْفَعُ إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 227 اتَّزِنْهَا مِنِّي أَوْ سَاهِلْنِي فِيهَا لَزِمَتْهُ؛ لِأَنَّهُ نَسَبَ ذَلِكَ إلَى نَفْسِهِ. (أَوْ لَأَقْضِيَنَّكَ الْيَوْمَ) سَحْنُونَ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَعْطِنِي الْأَلْفَ دِرْهَمٍ الَّتِي لِي عَلَيْكَ فَقَالَ أَنَا أَبْعَثُ بِهَا الْيَوْمَ إلَيْكَ أَوْ غَدًا أُعْطِيكهَا فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ. (أَوْ بِنَعَمْ أَوْ بَلَى أَوْ حَقٌّ جَوَابًا لَا لَيْسَ لِي عِنْدَكَ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ لَيْسَ قَدْ أَقْرَضْتَنِي ". وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ لِي عَلَيْكَ عَشَرَةٌ فَقَالَ بَلَى أَوْ أَجَلْ أَوْ نَعَمْ أَوْ صَدَقْت أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِذَلِكَ أَوْ لَسْت مُنْكِرًا لَهُ فَهُوَ إقْرَارٌ. وَلَوْ قَالَ أَلَيْسَ لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ فَقَالَ بَلَى لَزِمَتْهُ، وَلَوْ قَالَ نَعَمْ فَكَذَلِكَ أَيْضًا. ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامِّيِّ. (أَوْ لَيْسَ لِي مَيْسَرَةٌ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا قَالَ لَهُ اقْضِنِي الْعَشَرَةَ الَّتِي لِي عَلَيْكَ فَقَالَ: لَيْسَتْ لِي مَيْسَرَةٌ أَوْ أَرْسِلْ رَسُولَكَ يَقْبِضُهَا أَوْ أَنْظِرْنِي بِهَا، فَكُلُّهُ إقْرَارٌ لَزِمَهُ. (لَا أُقِرُّ) مِنْ الْمُفِيدِ: لَوْ قَالَ أَنَا أُقِرُّ لَكَ بِذَلِكَ بِكَذَا عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا بِالتَّمَادِي أَوْ بِالرُّجُوعِ عَنْ هَذَا الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ دَمًا كَانَ أَوْ طَلَاقًا. (أَوْ عَلَيَّ أَوْ عَلَى فُلَانٍ) مُحَمَّدٌ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ لَكَ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ عَلَى فُلَانٍ حَلَفَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَعَلَى أَصْلِ سَحْنُونٍ إنْ قَالَ لَكَ عَلَيَّ كَذَا أَوْ عَلَى فُلَانٍ لَزِمَهُ دُونَ فُلَانٍ. (أَوْ مِنْ أَيِّ ضَرْبٍ تَأْخُذُهَا مَا أَبْعَدَكَ مِنْهَا) ابْنُ سَحْنُونٍ: لَوْ قَالَ اقْضِنِي الْعَشَرَةَ الَّتِي لِي عَلَيْكَ فَقَالَ لَهُ اتَّزِنْهَا مَا أَبْعَدَكَ مِنْهَا فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ. (وَفِي حَتَّى يَأْتِيَ وَكِيلِي وَشِبْهُهُ أَوْ اتَّزِنْ أَوْ خُذْ قَوْلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ قَالَ حَتَّى يَأْتِيَ وَكِيلِي وَفِي كَوْنِهِ إقْرَارًا قَوْلَا ابْنِ سَحْنُونٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَلَوْ قَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَزِنْ فَفِي كَوْنِهِ إقْرَارًا نَقْلَا الْمَازِرِيُّ عَنْهُمَا. (كَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ فِيمَا أَعْلَمُ أَوْ أَظُنُّ أَوْ عِلْمِي) سَحْنُونَ: مَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِيمَا أَعْلَمُ أَوْ فِي عِلْمِي أَوْ فِيمَا أَظُنُّ أَوْ فِيمَا أَحْسِبُ فَهُوَ إقْرَارٌ وَيَلْزَمُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ شَكٌّ فَيَسْقُطُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 228 كَالشَّهَادَةِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: بِأَنَّ الشَّكَّ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْإِقْرَارِ. [بَاب فِي تعقب الْإِقْرَار بِمَا يَرْفَعهُ] (وَلَزِمَ إنْ نُوكِرَ فِي أَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ) قَالَ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَعَقُّبِ الْإِقْرَارِ بِمَا يَرْفَعُهُ وَلَهُ صُوَرٌ: الْأُولَى: إذَا قَالَ لَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ حُرٍّ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ الطَّالِبُ هِيَ مِنْ ثَمَنِ بُرٍّ أَوْ شِبْهِهِ فَيَلْزَمُهُ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ، فَأَمَّا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْكَ خَمْرًا بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: نَحْوُ هَذَا عَنْ سَحْنُونٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. (أَوْ عَبْدٍ وَلَمْ أَقْبِضْهُ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ. ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَقْبِضْ الْعَبْدَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ وَغَيْرُهُمَا: يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ وَلَا يُصَدَّقُ فِي عَدَمِ الْقَبْضِ، وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ. (كَدَعْوَاهُ الرِّبَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ رَابَاهُ فِي أَلْفٍ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ مِنْ ثَمَنِ حَرِيرٍ مَثَلًا ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ رِبًا وَإِنَّمَا أَقَرَّ أَنَّهُ مِنْ ثَمَنِ حَرِيرٍ لَزِمَهُ الْمَالُ بِإِقْرَارِهِ لَهُ مِنْ ثَمَنِ حَرِيرٍ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارٍ لِلطَّالِبِ أَنَّهُ رِبًا. وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: تُقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّ ذَلِكَ رِبًا وَيُرَدُّ إلَى رَأْسِ مَالِهِ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ سَحْنُونَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي النَّوَادِرِ وَلَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ (لَا إنْ أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا إلَّا الرِّبَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ: إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ الطَّالِبِ أَنَّهُ رِبًا. (أَوْ اشْتَرَيْتُ خَمْرًا بِأَلْفٍ) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْكَ خَمْرًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا. (أَوْ اشْتَرَيْت عَبْدًا بِأَلْفٍ وَلَمْ أَقْبِضْهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ اشْتَرَيْت عَبْدًا بِأَلْفٍ وَلَمْ أَقْبِضْهُ هُوَ نَقْلُ الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ اشْتَرَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 230 سِلْعَةً وَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا نَسَقًا مُتَتَابِعًا قَبْلَ قَوْلِهِ. (أَوْ أَقْرَرْت بِكَذَا وَأَنَا صَبِيٌّ) فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ غَصَبْتُكَ أَلْفَ دِينَارٍ وَأَنَا صَبِيٌّ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: كُنْت أَقْرَرْت لَكَ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَأَنَا صَبِيٌّ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: " غَصَبْتُكَ أَلْفَ دِينَارٍ وَأَنَا صَبِيٌّ " لَا خِلَافَ فِي لُزُومِهِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يَلْزَمُهُ مَا أَفْسَدَ وَكَسَرَ. وَقَوْلُهُ: " أَقْرَرْت لَكَ بِأَلْفٍ وَأَنَا صَبِيٌّ " يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إذَا كَانَ كَلَامُهُ نَسَقًا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ " طَلَّقْتُكِ وَأَنَا صَبِيٌّ ". (كَأَنَا مُبَرْسَمٌ إنْ عَلِمَ تَقَدُّمَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا قَالَ أَقْرَرْت لَكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ دَيْنًا وَأَنَا ذَاهِبُ الْعَقْلِ مِنْ بِرْسَامٍ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ أَصَابَهُ صُدِّقَ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ فَلَا يُصَدَّقُ. (أَوْ أَقَرَّ اعْتِذَارًا) سَمِعَ أَشْهَبُ: مَنْ اشْتَرَى مَالًا فَسَأَلَ الْإِقَالَةَ فَقَالَ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى أَبِي ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ فَلَا شَيْءَ لِلِابْنِ بِهَذَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: وَإِنْ سُئِلَ كِرَاءَ مَنْزِلِهِ فَقَالَ: هُوَ لِابْنَتِي ثُمَّ مَاتَ فَلَا شَيْءَ لَهَا بِهَذَا، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً فِي حِجْرِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْتَذِرُ بِمِثْلِ هَذَا مَنْ يُرِيدُ مَنْعَهُ. وَسَمِعَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ: لَوْ سَأَلَهُ ابْنُ عَمِّهِ أَنْ يُسْكِنَهُ مَنْزِلًا فَقَالَ هُوَ لِزَوْجَتِي ثُمَّ قَالَ لِثَانٍ وَثَالِثٍ قَامَتْ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: إنَّمَا قُلْته اعْتِذَارًا لِنَمْنَعَهُ، فَلَا شَيْءَ لَهَا بِهَذَا. وَقَدْ يَقُولُ الرَّجُلُ لِلسُّلْطَانِ فِي الْأَمَةِ وَلَدَتْ مِنِّي وَفِي الْعَبْدِ هُوَ مُدَبَّرٌ لِئَلَّا يَأْخُذَهُمَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ فِيهِ. (أَوْ بِقَرْضٍ شُكْرًا عَلَى الْأَصَحِّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَقْرَأْته مَنْ كَانَ تَسَلَّفَ مِنْ فُلَانٍ الْمَيِّتِ مَالًا وَقَضَاهُ إيَّاهُ، فَإِنْ كَانَ عَنْ زَمَنٍ لَمْ يَطُلْ غَرِمَ، وَإِنْ طَالَ مِنْ ذَلِكَ حَلَفَ وَبَرِئَ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الشُّكْرِ فَيَقُولُ جَزَى اللَّهُ عَنِّي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 231 فُلَانًا خَيْرًا أَسْلَفَنِي وَقَضَيْته فَلَا يَلْزَمُهُ، قَرُبَ الزَّمَانُ أَوْ بَعُدَ اهـ. نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ. فَلَا مَعْنَى لِلْأَصَحِّ هَاهُنَا وَيَبْقَى النَّظَرُ إذَا قَالَ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِينَارٌ فَتَقَاضَاهُ مِنِّي أَسْوَأَ التَّقَاضِي فَلَا جُزِيَ خَيْرًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الدَّيْنُ بَاقٍ عَلَى الْمُقِرِّ، وَلَيْسَ كَمَنْ يَقُولُ عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ أَوْ عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ. فَلَوْ قَالَ خَلِيلٌ: " أَوْ بِقَرْضٍ شُكْرًا أَوْ ذَمًّا عَلَى الْأَصَحِّ " لَكَانَ لِقَوْلِهِ: " عَلَى الْأَصَحِّ " مَعْنًى. وَفِي الْغَالِبِ أَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ إذْ مَا كَانَ خَلِيلٌ لِيَتْرُكَ الْإِقْرَارَ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ وَهُوَ مَذْكُورٌ مِنْ حَيْثُ نُقِلَ. (وَقَبِلَ أَجَلُ مِثْلِهِ فِي بَيْعٍ لَا قَرْضٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: مَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ أُعْطِيهِ كُلَّ يَوْمٍ دِينَارًا وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ حَالَّةٌ، قُبِلَ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ. وَنَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَفِي الزَّاهِي: مَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِمَالٍ مُنَجَّمٍ أَوْ مُؤَجَّلٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هُوَ حَالٌّ، فَقِيلَ: يَحْلِفُ الْمُقَرُّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 232 لَهُ وَيَكُونُ حَالًّا. وَقِيلَ: إنَّ الْمُقِرَّ يَحْلِفُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي يَمِينِ الْمُقِرِّ وَهَذَا أَحْوَطُ وَبِهِ كَانَ يَقْضِي مُتَقَدِّمُو قُضَاةِ مِصْرَ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَأَلْفٌ مُؤَجَّلٌ يُقْبَلُ فِي تَأْجِيلِ مِثْلِهَا عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مُؤَجَّلَةٍ مِنْ قَرْضٍ فَقَبِلَ ابْنُ هَارُونَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ نَقْلَهُ أَنَّ حُكْمَ الْقَرْضِ الْحُلُولُ، دُونَ ذِكْرِ خِلَافٍ فِيهِ، وَلَا أَعْرِفُ هَذَا لِغَيْرِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَظَاهِرُ مَا نَقَلْتُهُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرْضِ وَغَيْرِهِ. (وَتَفْسِيرُ أَلْفٍ فِي كَأَلْفٍ وَدِرْهَمٍ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ الْأَلْفَ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ هِيَ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: لَا يَكُونُ الدِّرْهَمُ الزَّائِدُ تَفْسِيرَ الْأَلْفِ، بَلْ يَكُونُ الْأَلْفُ مَوْكُولًا إلَى تَفْسِيرِهِ فَيُقَالُ لَهُ سَمِّ أَيَّ جِنْسٍ شِئْت؟ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَلْفَ جَوْزَةٍ أَوْ أَلْفَ بَيْضَةٍ قُبِلَ مِنْهُ، وَأُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ إنْ خَالَفَهُ الْمُدَّعِي، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَعَبْدٌ أَوْ أَلْفٌ وَثَوْبٌ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْعَطْفُ تَفْسِيرًا لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. (وَكَخَاتَمٍ فَصُّهُ لَهُ نَسَقٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَكَ هَذَا الْخَاتَمَ ثُمَّ قَالَ وَفَصُّهُ لِي، أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِجُبَّةٍ ثُمَّ قَالَ وَبِطَانَتُهَا لِي، لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَلَامًا نَسَقًا (إلَّا فِي غَصْبٍ فَقَوْلَانِ) لَمْ يَنْقُلْ ابْنُ يُونُسَ إلَّا مَا تَقَدَّمَ خَاصَّةً وَمَا ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا. (لَا بِجِذْعٍ وَبَابٍ فِي لَهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ كَفِي عَلَى الْأَحْسَنِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ لَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ حَقٌّ أَوْ فِي هَذَا الْحَائِطِ أَوْ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ، ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِجُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ، قُبِلَ تَفْسِيرُهُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا شَائِعًا كَانَ أَوْ مُعَيَّنًا، وَلَوْ فَسَّرَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ أَرَدْت هَذَا الْجِذْعَ أَوْ هَذَا الْبَابَ الْمُرَكَّبَ أَوْ هَذَا الثَّوْبَ الَّذِي بِالدَّارِ أَوْ سُكْنَى هَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 233 الْبَيْتِ فَقَالَ سَحْنُونَ مَرَّةً يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: لَوْ قَالَ: إنَّ لَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ أَوْ هَذِهِ الْأَرْضِ أَوْ الْحَائِطِ حَقًّا وَفَسَّرَهُ بِجِذْعٍ أَوْ بَابٍ مُرَكَّبٍ وَشِبْهِهِ، فَثَالِثُهَا الْفَرْقُ بَيْنَ " مِنْ " " وَفِي ". (وَمَالُ نِصَابٍ) ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ أَوْصَى أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ مَالًا وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ هُوَ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ كَانَ بِالشَّامِّ أَوْ بِمِصْرَ قَضَى عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، وَفِي الْعِرَاقِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ بَعْدَ يَمِينِ الْمُدَّعِي. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إنْ أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ فِي هَذَا الْكِيسِ مَالًا أُعْطِيَ عِشْرِينَ دِينَارًا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مِائَتَا دِرْهَمٍ أَخَذَهَا وَحَلَفَ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: الْأَشْهَرُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْإِقْرَارِ بِمَالِ نِصَابِ زَكَاةِ أَهْلِ الْمُقِرِّ مِنْ الْعَيْنِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ رَدُّ الْحُكْمِ لِمُقْتَضَى اللُّغَةِ أَوْ الشَّرْعِ أَوْ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَيَقُومُ مِنْهَا مَا فِي الْأَيْمَانِ. (وَالْأَحْسَنُ تَفْسِيرُهُ) مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: إنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا يَقُولُهُ مَعَ يَمِينِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَاخْتَارَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَعَزَاهُ فِي الْمَعُونَةِ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَلَوْ فَسَّرَهُ بِقِيرَاطٍ أَوْ حَبَّةٍ. (كَشَيْءٍ) الْمَازِرِيُّ: " شَيْءٌ " أَوْ " حَقٌّ " مِنْ قَوْلِهِ لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ أَوْ حَقٌّ فِي غَايَةِ الْإِجْمَالِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ " شَيْءٍ " يَصْدُقُ عَلَى مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأَجْنَاسِ وَالْمَقَادِيرِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُقِرِّ تَفْسِيرُهُ بِمَا يَصْلُحُ لَهُ. ابْنُ شَاسٍ: يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِأَقَلَّ مِمَّا يُتَمَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِكُلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ مِمَّا يَتَمَوَّلُ. الْمَازِرِيُّ: فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّفْسِيرِ سُجِنَ حَتَّى يُفَسِّرَ. (وَكَذَا) الْمَازِرِيُّ: قَوْلُهُ: " عِنْدِي كَذَا " كَقَوْلِهِ: " لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ " أَوْ " لَهُ عِنْدِي وَاحِدٌ " فَيُقْبَلُ مِنْهُ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَحَدُ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ. وَفِي الصِّحَاحِ " كَذَا " كِنَايَةٌ عَنْ الشَّيْءِ (وَسُجِنَ لَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمَازِرِيِّ سُجِنَ حَتَّى يُفَسِّرَ. (وَكَعَشْرَةٍ وَنَيِّفٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: مَنْ أَقَرَّ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَنَيِّفٍ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي النَّيِّفِ، وَلَوْ فَسَّرَهُ بِدِرْهَمٍ أَوْ دَانَقٍ، وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَانْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ خَلِيلٌ تَفْسِيرَ عَشَرَةٍ فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ أَلْفٍ فِي قَوْلِهِ: " وَتَفْسِيرُ أَلْفٍ ". (وَسَقَطَ فِي كَمِائَةِ وَشَيْءٍ) ابْنُ الْمَاجِشُونِ: مَنْ أَقَرَّ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَشَيْءٍ أَوْ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَشَيْءٍ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُسْأَلْ، فَالشَّيْءُ سَاقِطٌ وَيَلْزَمُهُ مَا سَمَّى وَيَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ " شَيْءٍ " مُفْرَدًا أَوْ مَعْطُوفًا أَنَّ لَغْوَهُ مُفْرَدًا يُؤَدِّي إلَى إهْمَالِ اللَّفْظِ الْمُقَرِّ بِهِ، وَإِذَا كَانَ مَعْطُوفًا فَأَسْلَمَ مِنْ الْإِهْمَالِ لِإِعْمَالِهِ فِي الْمَعْطُوفِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 234 عَلَيْهِ. (وَكَذَا دِرْهَمًا عِشْرُونَ وَكَذَا وَكَذَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَكَذَا كَذَا أَحَدَ عَشَرَ) الصِّحَاحُ: كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ وَعَنْ الشَّيْءِ، الْمَازِرِيُّ: قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْبَغْدَادِيِّينَ الْمَالِكِيِّينَ تَفْسِيرُ الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْكِنَايَةِ بِإِعْرَابِ مَا وَقَعَ بَعْدَهَا مِنْ التَّفْسِيرِ. فَفِي كَذَا دَرَاهِمَ أَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَكَذَا دِرْهَمًا عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَكَذَا دِرْهَمٍ بِالْخَفْضِ. قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: لَا نَصَّ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ. وَقَالَ لِي بَعْضُ النُّحَاةِ: يَلْزَمُ فِيهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: مَنْ قَالَ عَلَيَّ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَفِي كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا فِي كَذَا دِرْهَمًا عِشْرُونَ دِرْهَمًا. (وَبِضْعٌ أَوْ دَرَاهِمُ ثَلَاثَةٌ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ عَلَيَّ بِضْعَةَ عَشَرَ كَانَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ لِأَنَّ الْبِضْعَ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَى التِّسْعَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مَعَهَا. الْمَازِرِيُّ: لَوْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ دُرَيْهِمَاتٍ أَوْ دُنَيْنِيرَاتٍ فَثَلَاثٌ مِنْ الْمُسَمَّى. (وَكَثِيرَةٌ أَوْ لَا كَثِيرَةٌ وَلَا قَلِيلَةٌ أَرْبَعَةٌ) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَوْ قَالَ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ أَوْ دَنَانِيرُ كَثِيرَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى الثَّلَاثِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ. وَحَدَّهَا ابْنُ الْمَوَّازِ بِوَاحِدٍ صَحِيحٍ فَأَكْثَرَ. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَلَوْ قَالَ دَرَاهِمُ لَا قَلِيلَةٌ وَلَا كَثِيرَةٌ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ. (وَدِرْهَمٌ الْمُتَعَارَفُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِقْرَارُ بِمُطْلَقٍ مِنْ صِنْفٍ أَوْ نَوْعٍ يَتَقَيَّدُ بِالْعُرْفِ أَوْ السِّيَاقِ فَإِنْ عُدِمَا فَأَقَلُّ مُسَمَّاهُ. فِي الْمَعُونَةِ: إنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِينَارٌ وَلَمْ يَقُلْ جَيِّدًا وَلَا رَدِيئًا وَلَا نَاقِصًا وَمَاتَ، حُكِمَ بِجَيِّدٍ وَلَزِمَ بِنَقْدِ بَلَدِهِ. وَإِنْ اخْتَلَفَ نَقْدُ الْبَلَدِ. فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يَلْزَمُهُ دِينَارٌ مِنْ أَيِّ الْأَصْنَافِ وَيَحْلِفُ إنْ اسْتَحْلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ الْأَصْنَافِ أَغْلَبَ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْأَغْلَبُ (وَإِلَّا فَالشَّرْعِيُّ) نَحْوُ هَذَا لِابْنِ الْحَاجِبِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ وَلَا أَعْرِفُهُ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ. وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَاجِبَ مَا فَسَّرَهُ بِهِ الْمُقِرُّ مَعَ يَمِينِهِ. (وَقُبِلَ غِشُّهُ وَنَقْصُهُ إنْ وَصَلَ) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنْ أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ إنْ وَصَلَ كَلَامَهُ. ابْنُ شَاسٍ: وَكَذَا التَّفْسِيرُ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ. الْمَازِرِيُّ: إنْ قَيَّدَ إقْرَارَهُ بِدَرَاهِمَ بِصِفَةٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهَا ثَمَنًا لِمَبِيعٍ فَيَرْجِعُ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ. (وَدِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ أَوْ تَحْتَهُ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ عَلَيْهِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ دِرْهَمٌ أَوْ ثُمَّ دِرْهَمَانِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ. وَمِنْ الِاسْتِغْنَاءِ: لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ مَعَ دِرْهَمٍ قُضِيَ بِهِمَا لَهُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مَعَ قَفِيزِ حِنْطَةٍ قُضِيَ لَهُ بِالْجَمِيعِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ دِرْهَمٌ عَلَى دِرْهَمٍ أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ أَوْ فَوْقَ دِرْهَمٍ قُضِيَ عَلَيْهِ بِدِرْهَمَيْنِ. ابْنُ شَاسٍ: وَلَوْ قَالَ دِرْهَمٌ قَبْلَ دِرْهَمٍ أَوْ بَعْدَ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ، وَلَوْ قَالَ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ أَوْ قَالَ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ. (وَسَقَطَ فِي لَا بَلْ دِينَارَانِ) سَحْنُونَ: مَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا بَلْ أَلْفَانِ لَزِمَهُ أَلْفَانِ، فَإِنْ قَالَ لَا بَلْ خَمْسُمِائَةٍ قُبِلَ قَوْلُهُ إنْ كَانَ نَسَقًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ سُكُوتٍ لَمْ يُصَدَّقْ، وَكَذَلِكَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ لَا بَلْ نِصْفُ دِرْهَمٍ. وَقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 235 غَيْرُهُ: إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ لَا بَلْ مِائَتَانِ لَزِمَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ فِي الْقِيَاسِ وَلَكِنَّا نَدَعُهُ وَنَسْتَحْسِنُ أَنَّ عَلَيْهِ مِائَتَيْنِ. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ. (وَدِرْهَمٌ دِرْهَمٌ أَوْ بِدِرْهَمٍ دِرْهَمٌ وَحَلَفَ مَا أَرَادَهُمَا) ابْنُ شَاسٍ: إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ وَلِلطَّالِبِ أَنْ يُحَلِّفَهُ مَا أَرَادَ دِرْهَمَيْنِ. (كَإِشْهَادِهِ بِذِكْرٍ بِمِائَةٍ وَفِي آخَرَ بِمِائَةٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَشْهَدَ فِي ذِكْرٍ بِمِائَةٍ وَفِي آخَرَ بِمِائَةٍ فَآخِرُ قَوْلَيْهِ مِائَةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَبِلَهُ ابْنُ هَارُونَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ وَهْمٌ وَغَفْلَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ فِي عَيْنِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: مَنْ أَشْهَدَ لِرَجُلٍ فِي مَوْطِنٍ بِمِائَةٍ ثُمَّ أَشْهَدَ لَهُ فِي مَوْطِنٍ بِمِائَةٍ فَقَالَ الطَّالِبُ هِيَ مِائَتَانِ وَقَالَ الْمُقِرُّ هِيَ مِائَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا: لَا تَلْزَمُهُ إلَّا مِائَةٌ بِخِلَافِ إذْكَارِ الْحُقُوقِ لَوْ شَهِدَ لَهُ فِي حَقٍّ بِمِائَةٍ وَفِي صَكٍّ آخَرَ بِمِائَةٍ لَزِمَتْهُ مِائَتَانِ. (وَبِمِائَتَيْنِ الْأَكْثَرُ) لَمْ يَعْرِفْ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا لِغَيْرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا حَكَاهُ ابْنُ شَاسٍ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: لَوْ أَشْهَدَ بِمِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ فِي مَوْطِنٍ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ أَوَّلًا لَزِمَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ تَلْزَمُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ مُطْلَقًا وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ قَالَهُ أَصْبَغُ وَلَا أَعْرِفُ الْقَوْلَ الثَّانِي وَلَا حَكَاهُ ابْنُ شَاسٍ. (جُلُّ الْمِائَةِ أَوْ قُرْبُهَا أَوْ نَحْوُهَا الثُّلُثَانِ فَأَكْثَرُ بِالِاجْتِهَادِ) سَحْنُونَ: مَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ جُلَّ الْمِائَةِ أَوْ قُرْبَ الْمِائَةِ أَوْ نَحْوَ الْمِائَةِ أَوْ مِائَةً إلَّا قَلِيلًا وَإِلَّا شَيْئًا فَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يُعْطَى مِنْ ثُلُثَيْ الْمِائَةِ إلَى أَكْثَرَ بِقَدْرِ مَا يَرَى الْحَاكِمُ. (وَهَلْ يَلْزَمُهُ فِي عَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ عِشْرُونَ أَوْ مِائَةٌ قَوْلَانِ) قَوْلُ عِشْرُونَ مَا حَكَاهُ ابْنُ شَاسٍ وَلَا أَعْرِفُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَازِرِيُّ مَنْ قَالَ لَهُ عِنْدِي دِينَارٌ فِي دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَ سَحْنُونٍ سِوَى دِرْهَمٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ قَالَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَزِمَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَدَدُ الْأَوَّلُ وَيَسْقُطُ مَا بَعْدَهُ إنْ حَلَفَ الْمُقِرُّ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ التَّضْعِيفَ وَلَا ضَرْبَ الْحِسَابِ بِنَاءً عَلَى حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْ الْعُرْفِيِّ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِنَا إنْ كَانَ الْمُقِرُّ لَهُ عِلْمٌ بِالْحِسَابِ لَزِمَهُ، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ اتِّفَاقًا صَوَابٌ إنْ كَانَ الْمُقَرّ لَهُ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا. (وَثَوْبٌ فِي صُنْدُوقٍ أَوْ زَيْتٌ فِي جَرَّةٍ فِي لُزُومِ ظَرْفِهِ قَوْلَانِ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا قَالَ لَهُ عِنْدِي زَيْتٌ فِي جَرَّةٍ كَانَ مُقِرًّا بِالزَّيْتِ وَالظَّرْفِ، وَلَوْ قَالَ ثَوْبٌ فِي صُنْدُوقٍ أَوْ فِي مِنْدِيلٍ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 236 يَكُونُ مُقِرًّا بِالثَّوْبِ دُونَ الْوِعَاءِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: يَلْزَمُهُ الْوِعَاءُ أَيْضًا. وَلَوْ قَالَ عِنْدِي عَسَلٌ فِي زِقٍّ كَانَ مُقِرًّا بِالْعَسَلِ وَالزِّقِّ إذْ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ ابْنِ الْحَاجِبِ نَفْيُ الْخِلَافِ فِي تَعَلُّقِ الْإِقْرَارِ بِالْجَرَّةِ فِي قَوْلِهِ لَهُ عِنْدِي زَيْتٌ فِي جَرَّةٍ وَهُوَ وَهْمٌ تَبِعَ فِيهِ ظَاهِرَ لَفْظِ ابْنِ شَاسٍ لِذِكْرِ الشَّيْخِ فِيهِ قَوْلَ سَحْنُونٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. (لَا دَابَّةٌ فِي إصْطَبْلٍ) الْقَرَافِيُّ: وَوَافَقُونَا عَلَى قَوْلِهِ عِنْدِي دَابَّةٌ فِي إصْطَبْلٍ أَوْ نَخْلٌ فِي بُسْتَانٍ أَنَّ الظَّرْفَ لَا يَلْزَمُ. (وَأَلْفٌ إنْ اسْتَحَلَّ أَوْ أَعَارَنِي لَمْ يَلْزَمْ كَإِنْ حَلَفَ) ابْنُ سَحْنُونٍ: مَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إنْ حَلَفَ أَوْ إذَا حَلَفَ فَحَلَفَ فُلَانٌ عَلَى ذَلِكَ وَنَكَلَ الْمُقِرُّ وَقَالَ: مَا ظَنَنْتُهُ أَنَّهُ يَحْلِفُ، فَلَا يُؤْخَذُ بِذَلِكَ الْمُقِرُّ فِي إجْمَاعِنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةٌ إنْ حَلَفَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ بِهَذَا وَإِنْ حَلَفَ الطَّالِبُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنْ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ أَوْ قَالَ إنْ أَعَارَنِي رِدَاءً أَوْ دَابَّةً فَأَعَارَهُ أَوْ قَالَ إنْ شَهِدَ بِهَا عَلَيَّ فُلَانٌ فَشَهِدَ بِهَا عَلَيْهِ فُلَانٌ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَأَمَّا إنْ قَالَ إنْ حَكَمَ بِهَا فُلَانٌ لِرَجُلٍ سَمَّاهُ فَتَحَاكَمَا إلَيْهِ فَحَكَمَ بِهَا عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ. (فِي غَيْرِ الدَّعْوَى) ابْنُ سَحْنُونٍ: مَنْ أَنْكَرَ مَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْمُدَّعِي احْلِفْ وَأَنْتَ بَرِيءٌ فَحَلَفَ فَقَالَ هُوَ بَرِيءٌ، وَكَذَا إنْ قَالَ الْمَطْلُوبُ لِلْمُدَّعِي احْلِفْ وَأَنَا أَغْرَمُ لَكَ فَحَلَفَ لَزِمَهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَنْ قَوْلِهِ اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 237 اُنْظُرْ بَحْثَ ابْنِ عَرَفَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ (أَوْ شَهِدَ فُلَانٌ غَيْرُ الْعَدْلِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ دُونَ أَنْ ذَكَرَ غَيْرَ الْعَدْلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا بَيِّنٌ إذْ الْحَقُّ يَثْبُتُ بِالْعَدْلِ مَعَ الْيَمِينِ. (وَهَذِهِ الشَّاةُ أَوْ هَذِهِ النَّاقَةُ وَحَلَفَ) ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ لَكَ هَذِهِ الشَّاةُ أَوْ هَذِهِ النَّاقَةُ لَزِمَتْهُ الشَّاةُ وَحَلَفَ مَا النَّاقَةُ لَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الْإِقْرَارِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ اضْطِرَابٌ رَاجِعْهُ فِيهِ. (وَغَصَبْتُهُ مِنْ فُلَانٍ لَا بَلْ مِنْ آخَرَ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَقُضِيَ لِلثَّانِي بِقِيمَتِهِ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ فُلَانٍ. وَفِي كِتَابِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 238 ابْنِ سَحْنُونٍ: إنَّهُ يُقْضَى بِالْعَبْدِ لِلْأَوَّلِ بَعْدَ يَمِينِهِ وَيُقْضَى لِلْآخَرِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْغَصْبِ فِي إجْمَاعِهِمْ. (وَلَكَ أَحَدُ ثَوْبَيْنِ عَيَّنَ وَإِلَّا فَإِنْ عَيَّنَ الْمُقَرُّ لَهُ أَجْوَدَهُمَا حَلَفَ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ قَالَ فِي ثَوْبَيْنِ بِيَدِهِ لِفُلَانٍ أَحَدُهُمَا فَإِنْ عَيَّنَ لَهُ أَجْوَدَهُمَا أَخَذَهُ، وَإِنْ عَيَّنَ أَدْنَاهُمَا وَصَدَّقَهُ فَكَذَلِكَ دُونَ يَمِينٍ وَإِنْ أَكْذَبَهُ أَحْلَفَهُ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ فِي ثَوْبَيْنِ فِي يَدِهِ أَحَدُهُمَا لَكَ وَلَا أَدْرِي فِي أَيِّهِمَا هُوَ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمُقِرِّ: احْلِفْ أَنَّكَ لَا تَدْرِي أَنَّ أَجْوَدَهُمَا لِلْمُقَرِّ لَهُ، فَإِنْ حَلَفَ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَا أَعْرِفُهُ فَيُؤْمَرُ بِتَعْيِينِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ أَدْنَاهُمَا أَخَذَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَإِنْ عَيَّنَ أَجْوَدَهُمَا أَخَذَهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ (وَإِنْ قَالَ لَا أَدْرِي حَلَفَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَاشْتَرَكَا) ابْنُ شَاسٍ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُقَالُ لِلْمُقِرِّ احْلِفْ أَنَّكَ لَا تَدْرِي أَنَّ أَجْوَدَهُمَا لِلْمُقَرِّ لَهُ، فَإِنْ حَلَفَ قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ: احْلِفْ أَنَّكَ لَا تَعْلَمُ أَيَّهُمَا لَكَ، فَإِنْ حَلَفَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الثَّوْبَيْنِ جَمِيعًا. (وَالِاسْتِثْنَاءُ هُنَا كَغَيْرِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى قَوَاعِدِهِ. ابْنُ شَاسٍ: إذَا اسْتَثْنَى مِنْ الْإِقْرَارِ مَا لَا يَسْتَغْرِقُ صَحَّ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً يَلْزَمُهُ وَاحِدًا خِلَافًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ. وَعَلَى الْمَشْهُورِ: لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ تِسْعَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ كَمَا أَنَّهُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً إلَّا سَبْعَةً إلَّا سِتَّةً إلَّا خَمْسَةً إلَّا أَرْبَعَةً إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا اثْنَيْنِ إلَّا وَاحِدًا لَزِمَهُ خَمْسَةٌ. (وَصَحَّ لَهُ الدَّارُ وَالْبَيْتُ لِي) ابْنُ شَاسٍ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْعَيْنِ صَحِيحٌ كَقَوْلِهِ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا ذَلِكَ الْبَيْتَ وَالْخَاتَمُ إلَّا الْفَصَّ. (بِغَيْرِ الْجِنْسِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: الْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ (كَأَلْفٍ إلَّا عَبْدًا وَسَقَطَتْ قِيمَتُهُ) ابْنُ شَاسٍ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ صَحِيحٌ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَبْدًا وَيُقَالُ لَهُ اُذْكُرْ قِيمَةَ الْعَبْدِ الَّذِي اسْتَثْنَيْت ثُمَّ يَكُونُ مُقِرًّا بِمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 239 فَضَلَ مِنْ الْأَلْفِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ، فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّ الْقِيمَةَ تَسْتَغْرِقُ الْأَلْفَ بَطَلَ اسْتِثْنَاؤُهُ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ. (وَإِنْ أَبْرَأَ فُلَانًا بِمَا لَهُ قِبَلَهُ أَوْ مِنْ كُلِّ حَقٍّ أَوْ أَبْرَأهُ بَرِئَ مُطْلَقًا وَمِنْ الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ وَإِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 240 بِصَكٍّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ بَعْدَهُ وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِمَّا مَعَهُ بَرِئَ مِنْ الْأَمَانَةِ إلَّا الدَّيْنَ) مِنْ رَسْمِ الرُّطَبِ فِي شَرِيكَيْنِ تَحَاسَبَا فَكَتَبَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بَرَاءَةً مِنْ آخِرِ حَقٍّ لَهُ قِبَلَهُ ثُمَّ جَاءَ يَذْكُرُ حَقًّا لَمْ يَقَعْ اسْمُهُ فِي الْبَرَاءَةِ فَادَّعَى أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي الْبَرَاءَةِ قَالَ: يَحْلِفُ وَيَبْرَأُ. وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَكَتَبَ بَرَاءَةً مِنْ آخِرِ حَقٍّ لَهُ فَأَتَى بِذِكْرِ حَقٍّ لَهُ لَا يَعْلَمُ أَقَبْلَ الْبَرَاءَةِ هُوَ أَمْ بَعْدَهَا، إنْ كَانَ حَيًّا حَلَفَ وَبَرِئَ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَمِنْ ابْنِ سَلْمُونَ: مَنْ اكْتَرَى دَارًا مُشَاهَرَةً فَإِنْ دَفَعَ كِرَاءَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ بَرَاءَةٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ الشُّهُورِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " فَلَا نَفَقَةَ لِلْحَمْلِ ". وَمِنْ الْكَافِي: مَنْ قَالَ لَا حَقَّ لِي عَلَى فُلَانٍ مِنْ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَاتِ مِنْ الضَّمَانَاتِ وَالدُّيُونِ، وَإِنْ قَالَ لَا حَقَّ لِي قِبَلَهُ أَوْ عِنْدَهُ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانَاتِ وَالْأَمَانَاتِ. اُنْظُرْ فِي أَوَاخِرِ طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ تَرْجَمَةَ وَثِيقَةٍ فِي بَرَاءَةٍ. اُنْظُرْ تَرْجَمَةَ جَامِعٍ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَجْهُولِ وَمَا شَكَّ فِيهِ وَفِي آخِرِ وَصَايَا النَّوَادِرِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 242 [بَابٌ فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ] (فَصْلٌ) ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ. رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: الِاسْتِلْحَاقُ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعِلْمِ وَهَذَا الْبَابُ أَكْثَرُهُ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ (إنَّمَا يَسْتَلْحِقُ الْأَبُ) ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَجُوزُ لَهَا اسْتِلْحَاقٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ نَظَرَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَجُلٍ فَقَالَتْ ابْنِي وَمِثْلُهَا يُولَدُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 248 لَهَا وَصَدَّقَهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهَا إذْ لَيْسَ هُنَا أَبٌ يُلْحَقُ بِهِ، وَإِنْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ بِغُلَامٍ مَفْصُولٍ فَادَّعَتْ أَنَّهُ وَلَدُهَا لَمْ يَلْحَقْ بِهَا فِي مِيرَاثٍ وَلَا يُحَدُّ مَنْ افْتَرَى عَلَيْهِ. وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَصْلُحُ اسْتِلْحَاقُ الْجَدِّ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ قَالَ هَذَا ابْنُ وَلَدِي أَوْ وَلَدُ ابْنِي لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ قَالَ أَبُو هَذَا ابْنِي أَوْ وَالِدُ هَذَا ابْنِي صُدِّقَ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي إلْحَاقِ وَلَدِهِ بِفِرَاشِهِ لَا فِي إلْحَاقِهِ بِفِرَاشِ غَيْرِهِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ. وَمِنْ الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ: إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِابْنٍ جَازَ إقْرَارُهُ وَلَحِقَ بِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، أَنْكَرَ الِابْنُ أَوْ أَقَرَّ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ وُلِدَ عِنْدَهُ صَبِيٌّ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ لَحِقَ بِهِ وَإِنْ أَكْذَبَهُ الْوَلَدُ. (بِمَجْهُولِ النَّسَبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ادَّعَى وَلَدًا لَا يُعْرَفُ كَذِبُهُ فِيهِ لَحِقَ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَاَلَّذِي يَتَبَيَّنُ لَهُ كَذِبُهُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ أَوْ هُمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 249 مِنْ الْمَحْمُولِينَ مِنْ بَلْدَةٍ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ دَخَلَهَا كَالزِّنْجِ وَالصَّقَالِبَةِ أَوْ تَقُومُ بَيِّنَةٌ أَنَّ الْأُمَّ لَمْ تَزَلْ زَوْجَةً لِغَيْرِهِ حَتَّى مَاتَتْ، وَأَمَّا إنْ اسْتَلْحَقَ مُسْلِمٌ مَحْمُولًا مِنْ بَلْدَةٍ دَخَلَهَا لَحِقَ بِهِ. (إنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ الْعَقْلُ لِصِغَرِهِ أَوْ الْعَادَةُ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا ابْنِي لَحِقَ بِهِ مَا لَمْ يُكَذِّبْهُ الْحِسُّ بِأَنْ يَكُونَ أَكْبَرَ سِنًّا مِنْهُ أَوْ الْعُرْفُ بِأَنْ يَسْتَيْقِنَ النَّاسُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدِهِ كَمَا إذَا كَانَ الْغُلَامُ سِنْدِيًّا وَالرَّجُلُ فَارِسِيًّا. (وَلَمْ يَكُنْ رِقًّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 250 لِمُكَذِّبِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ اسْتَلْحَقَ صَبِيًّا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهُ غَيْرُهُ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا أَكْذَبَهُ الْحَائِزُ لِرِقِّهِ أَوْ لِوَلَائِهِ، وَلَا يَرِثُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تُثْبِتُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ ادَّعَاهُ بَعْدَ عِتْقِ الْمُبْتَاعِ الْأُمَّ مَضَى ذَلِكَ وَأَلْحَقْتُ بِهِ نَسَبَ الْوَلَدِ وَلَمْ أُزِلْ عَنْ الْمُبْتَاعِ مَا ثَبَتَ مِنْ وَلَائِهِمَا وَيَرُدُّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ أُمِّ وَلَدٍ وَقِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي بَابٍ آخَرَ: أَرَأَيْت مَنْ بَاعَ صَبِيًّا وُلِدَ عِنْدَهُ فَأَعْتَقَهُ الْمُبْتَاعُ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ الْبَائِعُ، أَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ فِيهِ وَلَا يُعْتَقُ؟ قَالَ: أَرَى إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. قَالَ سَحْنُونَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَعْدَلُ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْأَصْلِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ صَبِيًّا وُلِدَ عِنْدَهُ ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ ابْنُهُ لَحِقَ بِهِ وَرَدَّ الثَّمَنَ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ إلَى يَوْمِ اسْتِلْحَاقِهِ كَمَنْ تَعَمَّدَ طَرْحَ وَلَدِهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ رَجُلٌ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ فَكَذَلِكَ هَذَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ كَمَنْ وَلَدُهُ بَلْ هُوَ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتُحِقَّ بِحُرِّيَّةٍ لَا يَغْرَمُ أَجْرَ خِدْمَتِهِ، فَكَذَلِكَ هَذَا لَا يَرْجِعُ بِنَفَقَتِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: إنْ كَانَ صَغِيرًا لَا خِدْمَةَ فِيهِ رَجَعَ بِالنَّفَقَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِدْمَةٌ وَأَقَرَّ الْمُبْتَاعُ بِخِدْمَتِهِ أَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ خَدَمَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ وَالنَّفَقَةُ بِالْخِدْمَةِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَعْدَلُهَا. وَمِثْلُهُ عَنْ سَحْنُونٍ (أَوْ مَوْلًى) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: أَوْ بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهُ غَيْرُهُ (لَكِنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ ادَّعَاهُ بَعْدَ عِتْقِ الْمُبْتَاعِ مَضَى وَأَلْحَقْتُ بِهِ نَسَبَ الْوَلَدِ وَلَمْ أُزِلْ عَنْ الْمُبْتَاعِ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ وَلَائِهِ. (وَفِيهَا أَيْضًا يُصَدَّقُ وَإِنْ أَعْتَقَهُ مُشْتَرِيهِ إنْ لَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى كَذِبِهِ) تَقَدَّمَ النَّصُّ قَبْلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي بَابٍ آخَرَ: إنْ أَعْتَقَهُ الْمُبْتَاعُ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ الْبَائِعُ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 251 الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قَالَ سَحْنُونَ: وَهَذَا أَعْدَلُ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: لَوْ اسْتَلْحَقَهُ بَائِعُهُ بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهُ مُشْتَرِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَوَّلَ الْبَابِ: إنْ أَكْذَبَهُ مَنْ أَعْتَقَهُ لَمْ يُصَدَّقْ. وَقَالَ بَعْدَهُ: إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُ الْبَائِعِ قُبِلَ قَوْلُهُ، قَالَ سَحْنُونَ: وَهَذَا أَعْدَلُ. (وَإِنْ كَبِرَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إذَا أَقَرَّ بِابْنٍ لَحِقَ بِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 253 كَبِيرًا، أَنْكَرَ الِابْنُ أَوْ أَقَرَّ. (أَوْ مَاتَ وَوَرِثَهُ ابْنٌ) أَشْهَبُ: إذَا مَاتَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ وَتَرَكَ مَالًا وَمَوَالِيَ وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ الْأَبُ قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِجَرِّ الْوَلَاءِ وَالْمَالِ إلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ وَجَبَ لِأُمِّهِ وَمَوَالِيهِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ. وَإِنْ كَانَ تَرَكَ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ ذَكَرًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 254 أَوْ أُنْثَى صُدِّقَ وَلَحِقَ بِهِ وَوَرِثَ نَصِيبَهُ مَعَ بَنِيهِ أَوْ بَنَاتِهِ وَضُرِبَ الْحَدَّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا، لَحِقَ الْوَلَدُ أَوْ لَمْ يَلْحَقْ. قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ جَارِيَةً حَامِلًا ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ مَوْتِ الِابْنِ أَنَّهُ ابْنُهُ لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ نَفَى وَلَدًا بِلِعَانٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ بَعْدَ أَنْ مَاتَ الْوَلَدُ عَنْ مَالٍ، فَإِنْ كَانَ لِوَلَدِهِ وَلَدٌ ضُرِبَ الْحَدَّ وَلَحِقَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي مِيرَاثِهِ وَيُحَدُّ وَلَا يَرِثُهُ (أَوْ بَاعَهُ وَنُقِضَ وَرَجَعَ بِنَفَقَتِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ خِدْمَةٌ عَلَى الْأَرْجَحِ) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ مَوْلًى ". (وَإِنْ ادَّعَى اسْتِيلَادَهَا بِسَابِقٍ فَقَوْلَانِ فِيهَا) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا، وَهَلْ هُوَ يُشِيرُ إلَى مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الرَّجُلُ مُصَدَّقٌ فِي حَمْلِ أَمَتِهِ أَنَّهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرَقَ الذِّمَّةِ بِالدَّيْنِ، وَأَمَّا إنْ قَالَ وَلَدَتْ مِنِّي وَلَا وَلَدَ مَعَهَا فَلَا يُصَدَّقُ وَتُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْ سُمِعَ وَفَشَا أَوْ قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَدَايَنَ. وَمِنْ الِاسْتِغْنَاءِ: إنْ أَقَرَّ رَجُلٌ فِي جَارِيَةٍ بَاعَهَا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُبْتَاعُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَالنَّفَقَةِ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَكَانَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ عَلَى مِثْلِهَا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ يُسْمَعَ ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ الْبَيْعِ. (وَإِنْ بَاعَهَا فَوَلَدَتْ فَاسْتَلْحَقَهُ لَحِقَ وَلَمْ يُصَدَّقْ فِيهَا إنْ اُتُّهِمَ بِمَحَبَّةٍ أَوْ عَدَمِ ثَمَنٍ أَوْ وَجَاهَةٍ وَرَدَّ ثَمَنَهَا وَلَحِقَ الْوَلَدُ مُطْلَقًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ أَمَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ فَمَا لَا تُلْحَقُ فِيهِ الْأَنْسَابُ وَلَمْ يَدَّعِهِ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ وَيُرَدُّ الْبَيْعُ وَتَعُودُ هِيَ أُمَّ وَلَدٍ إنْ لَمْ يُتَّهَمْ فِيهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ اُتُّهِمَ فِيهَا وَهُوَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 256 مَلِيءٌ لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِ إلَّا الْوَلَدُ بِحِصَّتِهِ وَلَا تُرَدُّ هِيَ حَتَّى يَسْلَمَ مِنْ خَصْلَتَيْنِ مِنْ الْعُدْمِ وَالصَّبَابَةِ فِيهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَلْحَقُ عَدِيمًا لَحِقَ بِهِ وَاتُّبِعَ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُتَّهَمْ فِيهَا بِصَبَابَةٍ وَلَا بِمَا صَلَحَتْ فِي بَدَنِهَا وَفَرَّهَتْ وَهُوَ مَلِيءٌ فَلْتُرَدَّ إلَيْهِ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ فِي الْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ وَهُوَ عَدِيمٌ لَحِقَ بِهِ وَاتُّبِعَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ أَقَرَّ بِهِ يُرِيدُ عَلَى الصِّحَّةِ وَلَا تُرَدُّ الْأَمَةُ إلَيْهِ. اهـ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (وَإِنْ اشْتَرَى مُسْتَلْحَقَهُ وَالْمِلْكُ لِغَيْرِهِ عَتَقَ كَشَاهِدٍ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اسْتَلْحَقَ ابْنَ أَمَةٍ لِرَجُلٍ فَادَّعَى نِكَاحَهَا وَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ رَبِّهِ فَيَلْحَقَ بِهِ وَيَكُونَ حُرًّا كَمَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِعِتْقِ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ وَلَدُهُ بِنِكَاحٍ لَا بِحَرَامٍ وَإِنْ ابْتَاعَ الْأُمَّ لَمْ تَكُنْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ أَوْلَدَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا حَامِلًا وَادَّعَى أَنَّ حَمْلَهَا مِنْهُ بِنِكَاحٍ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِهِ وَتَكُونُ هِيَ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ. (وَإِنْ اسْتَلْحَقَ غَيْرَ وَلَدٍ لَمْ يَرِثْهُ إنْ كَانَ وَارِثٌ وَإِلَّا فَخِلَافٌ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 257 لَا شَكَّ أَنَّ الْعِبَارَةَ خَانَتْهُ هُنَا. ابْنُ عَرَفَةَ: إقْرَارُ مَنْ يُعْرَفُ لَهُ وَارِثٌ مُحِيطٌ بِإِرْثِهِ وَلَوْ بِوَلَاءٍ لِوَارِثٍ لَغْوٌ اتِّفَاقًا. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ سَحْنُونَ: مَا عَلِمْت بَيْنَ النَّاسِ اخْتِلَافًا أَنَّ إقْرَارَ الرَّجُلِ بِوَلَدِ الْوَلَدِ أَوْ الْأَجْدَادِ أَوْ الْإِخْوَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْقَرَابَاتِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ نَسَبٌ مَعَ وَارِثٍ. قَالَ هُوَ وَأَصْبَغُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ وَلَا مَوَالٍ غَيْرُ هَذَا الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَهُ وَيَسْتَوْجِبُ مِيرَاثَهُ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ نَسَبُهُ. وَقَالَ أَيْضًا سَحْنُونَ: لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَهُ وَلَا يَرِثُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَهُ فَذَلِكَ كَالْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ. قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَأَهْلُ الْعِرَاقِ فِي مِثْلِ هَذَا لِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِمَالِهِ كُلِّهِ لِمَنْ أَحَبَّ فَلِذَلِكَ جَوَّزُوا إقْرَارَهُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْقَرَابَاتِ، وَأَصْحَابُنَا لَا يُجِيزُونَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ لَهُ إلَّا بِالثُّلُثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ. وَمِنْ نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: أَجْمَعَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إقْرَارِ مَنْ لَهُ وَارِثٌ. قَالَ الْمَخْزُومِيُّ: وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ وَرَثَتُهُ، وَإِلَى هَذَا رَجَعَ سَحْنُونَ وَرَجَّحَهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ إجْمَاعَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنْ لَا تَجُوزَ وَصِيَّةُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ. وَحَكَى قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ قَالَ: وَبِهَذَا صَدَرَ الْحُكْمُ بِوَصِيَّةِ شَيْخِنَا ابْنِ عَرَفَةَ رُدَّتْ إلَى الثُّلُثِ قَالَ: وَوَافَقْت عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ الْإِمَامُ كَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَهُوَ كَالْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَأَبُو فَارِسٍ فِي وَقْتِهِ كَعُمَرَ فِي وَقْتِهِ عَلَى نِسْبَةِ كُلِّ زَمَانٍ وَأَهْلِهِ مُحْتَاجٌ لِإِقَامَةِ حَوْزَةِ الْإِسْلَامِ مِمَّنْ يُرِيدُ أَذَاهُمْ أَوْ انْتِهَاكَ حُرَمِهِمْ. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا كَانَ السُّلْطَانُ عَدْلًا فَهُوَ كَالْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ قَدْ قَالَ أَيْضًا: إنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ لَا يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مُشْتَهِرًا مِثْلَ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَوْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ. ابْنُ سَهْلٍ: قَوْلُ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ إلَّا مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّسَبَ هُوَ الْقِيَاسُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ. وَمِنْ الْمُتَيْطِيِّ قَالَ مَا نَصُّهُ: فَصْلٌ الْوَلَاءُ وَالنَّسَبُ كَالْحُدُودِ وَلَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ وَلَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ عَلَى عِلْمٍ أَوْ سَمَاعٍ. وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ هَذَا الْمَيِّتَ مَوْلَاهُ لَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ حَتَّى يَقُولُوا إنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ أَعْتَقَ أَبَاهُ. وَمِنْ الْمُفِيدِ مَا نَصُّهُ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي عَدْلٍ وَلَا فِي جَرِيحٍ وَلَا حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ وَلَا وَلَاءٍ وَلَا نَسَبٍ إلَّا إنْ كَانَ سَمَاعًا فَاشِيًّا ظَاهِرًا مُسْتَفِيضًا يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ، فَيَرْتَفِعُ عَنْ شَهَادَةِ السَّمَاعِ وَيَصِيرُ فِي بَابِ الِاسْتِفَاضَةِ وَالضَّرُورَةِ، وَذَلِكَ مِثْلُ الشَّهَادَةِ أَنَّ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَأَنَّ مَالِكًا ابْنَ أَنَسٍ فَإِنَّمَا قَصُرَ عَنْ هَذَا الْجُزْءِ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّهَادَةِ الْمَالَ دُونَ الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ وَذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ. وَمِنْ نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ مَا نَصُّهُ: مَذْهَبُ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ إلَّا مَنْ اسْتَحَقَّ النَّسَبَ وَثَبَتَ لَهُ بِمَا تَثْبُتُ بِهِ الْأَنْسَابُ وَبِهَذَا كَانَ يَقُولُ ابْنُ لُبَابَةَ. وَقَالَ: إذَا لَمْ يَثْبُتْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 258 النَّسَبُ فَكَيْفَ يُسْتَلْحَقُ الْمَالُ، وَمَذْهَبُ أَشْهَبَ هُوَ النَّظَرُ وَالْقِيَاسُ إلَّا أَنَّ الْعَمَلَ جَرَى عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الصَّوَابِ. اهـ. نَصُّ ابْنِ سَهْلٍ. قَالَ أَصْبَغُ: وَلَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ وَارِثُهُ وَلَهُ وَرَثَةٌ مَعْرُوفُونَ فَلَمْ يَمُتْ الْمُقِرُّ حَتَّى مَاتَ وَرَثَتُهُ الْمَعْرُوفُونَ فَإِنَّ مِيرَاثَهُ لِهَذَا الَّذِي كَانَ أَقَرَّ لَهُ أَنَّهُ وَارِثُهُ وَكَأَنَّهُ أَقَرَّ وَلَا إرْثَ لَهُ. وَلِابْنِ يُونُسَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِزَوْجٍ وَأَقَرَّ الرَّجُلُ بِزَوْجَةٍ وَصَدَّقَ الْآخَرُ صَاحِبَهُ فَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: إنْ كَانَا غَرِيبَيْنِ طَارِئَيْنِ قُبِلَ قَوْلُهُمَا. وَإِنْ أَقَرَّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ بِمَوْلًى فَقَالَ هَذَا مَوْلَايَ أَعْتَقَنِي، فَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ إقْرَارَهُ يَثْبُتُ وَهُوَ وَارِثُهُ بِالْوَلَاءِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ، فَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ الَّذِينَ يَجُوزُ الْإِقْرَارُ بِهِمْ وَيَرِثُونَ، فَإِنْ اسْتَلْحَقَ أَحَدُهُمْ غَيْرَ هَؤُلَاءِ مِثْلَ أَخٍ أَوْ ابْنٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقَارِبِ لَمْ يَجُزْ اسْتِلْحَاقُهُ، لَكِنْ إنْ مَاتَ الْمُقِرُّ أَوْ الْمُقِرُّ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ فَإِنَّ الْمَالَ لِبَيْتِ الْمَالِ إلَّا قَوْلَةً شَاذَّةً لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَالَ يَكُونُ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سَحْنُونٍ. وَقَالَ أَيْضًا سَحْنُونَ وَأَصْبَغُ: إنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ وَلَا مَوَالٍ غَيْرُ هَذَا الْمُقِرِّ بِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِهِ وَيَسْتَوْجِبُ بِذَلِكَ مِيرَاثَهُ وَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ نَسَبُهُ اهـ. وَهَذَا الَّذِي قَالَ ابْنُ يُونُسَ إنَّهُ قَوْلَةٌ شَاذَّةٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَحَدُ قَوْلَيْ سَحْنُونٍ وَقَالَهُ أَصْبَغُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ فِيهِ: إنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَعَ غَيْرِهَا. (وَخَصَّهُ الْمُخْتَارُ بِمَا إذَا لَمْ يَطُلْ الْإِقْرَارُ) اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ هَذَا أَخِي فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ ثَابِتٌ يَرِثُهُ. وَقِيلَ: إنَّ الْمَالَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَقِيلَ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْلَى وَهَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ لَهُ بِذَلِكَ شُبْهَةً. وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ وَطَالَتْ الْمُدَّةُ وَهُمَا عَلَى ذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 259 يَقُولُ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِلْآخَرِ أَخِي أَوْ يَقُولُ هَذَا عَمِّي وَيَقُولُ الْآخَرُ ابْنُ أَخِي وَمَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنُونَ وَلَا أَحَدَ يَدَّعِي بُطْلَانَ ذَلِكَ لَكَانَ حَوْزٌ. وَانْظُرْ فِي فَصْلِ التَّوَارُثِ مِنْ تَرْجَمَةِ السَّفِيهِ وَالْمَحْجُورِ مِنْ ابْنِ سَلْمُونَ: الْعُقُودُ فِي ذَلِكَ وَثُبُوتُ ذَلِكَ بِالِاسْتِرْعَاءِ، وَكَيْفَ لَوْ لَمْ يَرْفَعْ شُهُودُ الِاسْتِرْعَاءِ النَّسَبَ إلَى جَدٍّ وَاحِدٍ،. (وَإِنْ قَالَ لِأَوْلَادِ أَمَتِهِ أَحَدُهُمْ وَلَدِي عَتَقَ الْأَصْغَرُ وَثُلُثَا الْأَوْسَطِ وَثُلُثُ الْأَكْبَرِ) سَحْنُونَ: مَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 261 قَالَ فِي ثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ مِنْ أَمَتِهِ أَحَدَهُمْ وَلَدِي يُرِيدُ ثُمَّ مَاتَ قَالَ: فَالصَّغِيرُ مِنْهُمْ حُرٌّ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُسْتَلْحَقُ الْكَبِيرَ فَالْأَوْسَطُ وَالصَّغِيرُ حُرَّانِ بِحُرِّيَّةِ الْأُمِّ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَلْحَقُ الْأَوْسَطَ فَالصَّغِيرُ حُرٌّ، وَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ فَالْأَوْسَطُ وَالْكَبِيرُ عَبْدَانِ فَفِيهِمَا الشَّكُّ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: يَعْتِقُ الْأَصْغَرُ وَثُلُثَا الْأَوْسَطِ وَثُلُثُ الْأَكْبَرِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَرَادَ الْأَكْبَرَ فَكُلُّهُمْ أَحْرَارٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْأَوْسَطَ فَهُوَ وَالْأَصْغَرُ حُرَّانِ، وَإِنْ أَرَادَ الْأَصْغَرَ فَهُوَ حُرٌّ وَحْدَهُ، فَالْأَصْغَرُ لَا تَجِدُهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ إلَّا حُرًّا، وَالْأَوْسَطُ ثَابِتُ الْعِتْقِ فِي حَالَيْنِ وَيُرَقُّ فِي حَالٍ فَيَعْتِقُ ثُلُثَاهُ، وَالْأَكْبَرُ ثَابِتُ الْعِتْقِ فِي حَالٍ وَيُرَقُّ فِي حَالَيْنِ فَيَعْتِقُ ثُلُثُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يَعْتِقُونَ كُلُّهُمْ بِالشَّكِّ. اهـ. نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ. وَكَذَا نَقَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ النَّوَادِرِ وَنَقَلَ سَحْنُونَ فِي نَوَازِلِهِ مِثْلَ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ فَرَاجِعْهُ أَنْتَ. (وَإِنْ افْتَرَقَتْ أُمَّهَاتُهُمْ فَوَاحِدٌ بِالْقُرْعَةِ) هَذَا أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَخِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ. قَالَ سَحْنُونَ: مَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ لَيْسُوا بِإِخْوَةٍ لِأُمٍّ فَقَالَ فِي مَرَضِهِ أَحَدُهُمْ ابْنِي وَمَاتَ فَقَالَ الرُّوَاةُ: إنَّهُ كَقَوْلِهِ أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ. ابْنُ رُشْدٍ: فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ تَعْيِينِهِ فَفِي ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلُ مَالِكٍ إنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُمْ الْجُزْءُ الْمُسَمَّى بِعَدَدِهِمْ بِالْقُرْعَةِ. وَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَحَدُهَا أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ يَعْتِقُ بِالْقُرْعَةِ وَبَاقِي الْأَقْوَالِ لِغَيْرِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ. وَانْظُرْ ذِكْرَ خَلِيلٍ حُكْمَ الْعِتْقِ وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَتَرَكَ حُكْمَ النَّسَبِ الَّذِي هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ نَسَبٌ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي الْإِرْثِ فَقَالَ سَحْنُونَ: وَلَا مِيرَاثَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: عَلَى الْقَوْلِ بِعِتْقِهِمْ جَمِيعًا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُمْ حَظٌّ وَاحِدٌ مِنْ الْمِيرَاثِ لِصِحَّةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 262 الْمِيرَاثِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا بِعَيْنِهِ يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ. (وَإِذَا وَلَدَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ وَأَمَةُ آخَرَ وَاخْتَلَطَا عَيَّنَتْهُ الْقَافَةُ) أَشْهَبُ مَنْ نَزَلَ عَلَى رَجُلٍ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ هِيَ وَوَلَدَتْ امْرَأَةُ الضَّيْفِ فِي لَيْلَةٍ صَبِيَّيْنِ فَلَمْ تَعْرِفْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَدَهَا دُعِيَ لَهُمَا الْقَافَةُ. ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدًا بِعَيْنِهِ وَنَفَى الْآخَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَجَبَ أَنْ يُلْحَقَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا وَاحِدًا بِعَيْنِهِ وَنَفَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ نَفْسِهِ مَا سِوَاهُ فَالْوَاجِبُ عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ تُدْعَى لَهُ الْقَافَةُ كَالْأَمَةِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ يَطَآنِهَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَتَلِدُ وَلَدًا يَدَّعِيَانِهِ مَعًا. الْقَرَافِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ قَالَا بِالْقَافَةِ فِي لُحُوقِ الْأَنْسَابِ، وَخَصَّصَهُ مَالِكٌ فِي مَشْهُورِ مَذْهَبِهِ بِالْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ مَا نَقَلَ غَيْرَ هَذَا فِي أَسْرَارِ الْفُرُوقِ. (وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ وَجَدَتْ مَعَ بِنْتِهَا أُخْرَى لَا تَلْحَقُ بِهِ وَاحِدَةٌ) مِنْ كِتَابِ ابْنِ مُيَسَّرٍ: مَنْ حَلَفَ لِزَوْجَتِهِ إنْ وَلَدَتْ الْمَرَّةَ جَارِيَةً لَأَغِيبَنَّ عَنْكِ غَيْبَةً طَوِيلَةً فَوَلَدَتْ فِي سَفَرِهِ جَارِيَةً فَبَعَثَتْ بِهَا خَادِمَهَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ لِتَطْرَحَهَا عَلَى بَابِ قَوْمٍ فَفَعَلَتْ فَقَدِمَ زَوْجُهَا فَوَافَى الْخَادِمَ رَاجِعَةً فَأَنْكَرَ خُرُوجَهَا حِينَئِذٍ وَحَقَّقَ عَلَيْهَا فَأَخْبَرَتْهُ فَرَدَّهَا لِتَأْتِيَ بِالصَّبِيَّةِ فَوَجَدَتْ صَبِيَّتَيْنِ فَأَتَتْ بِهِمَا فَأَشْكَلَ الْأَمْرُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 263 عَلَى الْأُمِّ أَيَّتُهُمَا هِيَ مِنْهُمَا قَالَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَلْحَقُ بِهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا. وَقَالَهُ مُحَمَّدٌ. وَقَالَ سَحْنُونَ: تُدْعَى لَهُمَا الْقَافَةُ وَبِهِ أَقُولُ. (وَإِنَّمَا تَعْتَمِدُ الْقَافَةُ عَلَى أَبٍ لَمْ يُدْفَنْ) سَحْنُونَ وَعَبْدُ الْمَلِكِ: لَا تُلْحِقُ الْقَافَةُ الْوَلَدَ إلَّا بِأَبٍ حَيٍّ، فَإِنْ مَاتَ فَلَا قَوْلَ لِلْقَافَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ قَرَابَتِهِ إذْ لَا تَعْتَمِدُ عَلَى شَبَهِ غَيْرِ الْأَبِ. (وَإِنْ أَقَرَّ عَدْلَانِ بِثَالِثٍ ثَبَتَ النَّسَبُ) ابْنُ يُونُسَ: إذَا هَلَكَ وَتَرَكَ وَرَثَةً فَأَقَرَّ بَعْضُهُمْ بِوَارِثٍ، فَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ رَجُلَانِ عَدْلَانِ ثَبَتَ نَسَبُ الْمُقَرِّ بِهِ بِشَهَادَتِهِمَا وَأَخَذَ جَمِيعَ مَوْرُوثِهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ مِمَّنْ لَا تَثْبُتُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا؛ أَوْ لِأَنَّهُمْ جَمَاعَةٌ غَيْرُ عُدُولٍ أَوْ لِأَنَّهُمْ نِسَاءٌ وَلَيْسَ الْجَمِيعُ بِسُفَهَاءَ فَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِي يَغْرَمُونَهُ لِلْمُقَرِّ بِهِ، فَذَهَبَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ إلَى أَنَّ الْمُقِرَّ يَسْتَوْفِي جَمِيعَ مَا يَجِبُ لَهُ فِي حَالِ الْإِقْرَارِ، فَإِنْ بَقِيَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ أَخَذَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ دَفَعَهُ إلَى الْمُقِرِّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَفْضِلْ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ بِهِ. (وَعَدْلٌ يَحْلِفُ مَعَهُ وَيَرِثُ وَلَا نَسَبَ وَإِلَّا فَحِصَّةُ الْمُقِرِّ كَالْمَالِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 264 إنْ أَقَرَّ وَلَدَانِ عَدْلَانِ بِثَالِثٍ ثَبَتَ النَّسَبُ وَعَدْلٌ يَحْلِفُ وَيُشَارِكُهُمَا، وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَغَيْرُ عَدْلٍ يُؤْخَذُ لَهُ مِنْهُ مَا زَادَ عَلَى تَقْدِيرِ دُخُولِهِ مَعَهُمْ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ الْعَدْلَ وَغَيْرَ الْعَدْلِ سَوَاءٌ. وَقَدْ تَعَقَّبَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَكِنْ يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَلِيلٌ قَدْ اخْتَارَ نَقْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ لِتَرْشِيحِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَالْمَالِ كَالْمَرْأَةِ تُقِيمُ شَاهِدًا عَدْلًا بِنِكَاحِ مَيِّتٍ فَإِنَّهَا تَحْلِفُ وَتَرِثُ، ثُمَّ اطَّلَعْت عَلَى شَرْحِ ابْنِ عَلَاقٍ فَذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ مَعْزُوًّا لِلطُّرْطُوشِيِّ. (وَهَذَا أَخِي بَلْ هَذَا فَلِلْأَوَّلِ نِصْفُ إرْثِ أَبِيهِ وَلِلثَّانِي نِصْفُ مَا بَقِيَ) سَحْنُونَ: لَوْ تَرَكَ وَلَدًا وَاحِدًا فَقَالَ لِأَحَدِ شَخْصَيْنِ هَذَا أَخِي بَلْ هَذَا الْآخَرُ، فَلِلْأَوَّلِ نِصْفُ مَا وَرِثَ عَنْ أَبِيهِ وَلِلثَّانِي نِصْفُ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ، وَقِيلَ لَهُ جَمِيعُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا أَصَحُّ فِي النَّظَرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ: أَنْتَ أَتْلَفْت عَلَيَّ مُوَرِّثِي، وَعَلَيْهِ يَأْتِي قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى. وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْمُقِرَّ بِالْأَخِ ثَانِيًا إنَّمَا أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ حِينَ شَارَكَهُ غَيْرُهُ فِي الْإِرْثِ فَكَانَ إقْرَارَ وَارِثٍ مَعَهُ وَإِرْثٌ بِوَارِثٍ. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ السُّلَيْمَانِيَّةِ فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ ثُلُثَ النِّصْفِ. (وَإِنْ تَرَكَ أُمًّا وَأَخًا فَأَقَرَّتْ بِأَخٍ فَلَهُ مِنْهَا السُّدُسُ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ تَرَكَ أُمًّا وَأَخًا فَأَقَرَّتْ بِأَخٍ آخَرَ فَإِنَّهَا تُخْرِجُ نِصْفَ مَا فِي يَدَيْهَا وَهُوَ السُّدُسُ فَيَأْخُذُهُ الْأَخُ الْمُقَرُّ لَهُ وَحْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي مُوَطَّئِهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَعَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ مِنْ أَصْحَابِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ: هُوَ يَعْنِي نِصْفَ مَا فِي يَدِ الْأُمِّ بَيْنَ الْمُقَرِّ لَهُ وَالْأَخِ الْآخَرِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَظَاهِرُ نَقْلِ الشَّيْخِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَنْصُوصَةٌ فِي الْمُوَطَّأِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ شَاسٍ وَلَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي الْمُوَطَّأِ. وَعَزَا ابْنُ رُشْدٍ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِلْفَرَّاضِ وَلِمَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. قَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَاخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ. (وَإِنْ أَقَرَّ مَيِّتٌ بِأَنَّ فُلَانَةَ جَارِيَتُهُ وَلَدَتْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 265 مِنْهُ فُلَانَةَ وَلَهَا ابْنَتَانِ أَيْضًا وَنَسِيَتْهُمَا الْوَرَثَةُ وَالْبَيِّنَةُ فَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ الْوَرَثَةُ فَهُنَّ أَحْرَارٌ وَلَهُنَّ مِيرَاثُ بِنْتٍ وَإِلَّا لَمْ يَعْتِقْ شَيْءٌ) قَوْلُهُ: " وَلَهَا ابْنَتَانِ " يُرِيدُ غَيْرَهَا وَلَعَلَّ هَذَا سَقْطٌ لِنَاسِخِهِ. وَعِبَارَةُ سَحْنُونٍ: مَنْ أَقَرَّ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّ فُلَانَةَ جَارِيَتُهُ وَلَدَتْ مِنْهُ فُلَانَةَ وَلِلْأَمَةِ ابْنَتَانِ أُخْرَيَانِ سِوَى فُلَانَةَ الْمُقَرِّ بِهَا فَمَاتَ وَأُنْسِيَتْ الْبَيِّنَةُ وَالْوَرَثَةُ اسْمَهَا، فَإِنْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ بِذَلِكَ فَهُنَّ كُلُّهُنَّ أَحْرَارٌ وَلَهُنَّ مِيرَاثُ وَاحِدَةٍ يُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ وَلَا نَسَبَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ الْوَرَثَةُ بِذَلِكَ وَأُنْسِيَتْ الْبَيِّنَةُ اسْمَهَا فَلَا عِتْقَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ. ابْنُ رُشْدٍ: إقْرَارُ الْوَرَثَةِ بِذَلِكَ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى قَوْلِهِ إحْدَى هَذِهِ الثَّلَاثِ ابْنَتِي وَلَمْ يُسَمِّهَا فَلَا شَهَادَةَ جَائِزَةٌ اتِّفَاقًا. وَقَوْلُهُ " يَعْتِقْنَ كُلُّهُنَّ " خِلَافُ قَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا فِيمَنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ فِي عَبِيدٍ لَهُ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهُمَا ابْنِي وَقَوْلُهُ إنْ حَجَرَ حُجِرُوا فَلَا عِتْقَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إنْ لَمْ تَعْلَمْ الْبَيِّنَةُ أَيَّتَهنَّ هِيَ هُوَ الْمَشْهُورُ. (وَإِنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدًا ثُمَّ أَنْكَرَهُ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ فَلَا يَرِثُهُ وَوُقِفَ مَالُهُ فَإِنْ مَاتَ فَلِوَرَثَتِهِ وَقُضِيَ بِهِ دَيْنُهُ وَإِنْ قَامَ غُرَمَاؤُهُ وَهُوَ حَيٌّ أَخَذُوهُ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا اسْتَلْحَقَ وَلَدًا ثُمَّ أَنْكَرَهُ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ عَنْ مَالٍ فَلَا يَأْخُذُهُ الْمُسْتَلْحِقُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُوقَفُ ذَلِكَ الْمَالُ فَإِنْ مَاتَ هَذَا الْمُسْتَلْحِقُ صَارَ هَذَا الْمَالُ لِوَرَثَتِهِ وَقُضِيَ بِهِ دَيْنُهُ، وَإِنْ قَامَ غُرَمَاؤُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ حَيٌّ أَخَذُوا ذَلِكَ الْمَالَ فِي دُيُونِهِمْ. ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 266 [كِتَابُ الْوَدِيعَةِ] [الْوَدِيعَةُ ضَمَانٌ عِنْدَ التَّلَفِ وَرَدٌّ عِنْدَ الْبَقَاءِ] ِ وَحَقِيقَتُهَا اسْتِنَابَةٌ فِي حِفْظِ الْمَالِ وَهِيَ عَقْدُ أَمَانَةٍ. ثُمَّ لِلْوَدِيعَةِ عَاقِبَتَانِ: ضَمَانٌ عِنْدَ التَّلَفِ وَرَدٌّ عِنْدَ الْبَقَاءِ. فَأَمَّا الضَّمَانُ فَلَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ التَّقْصِيرِ وَلِلتَّقْصِيرِ سَبْعَةُ أَسْبَابٍ (الْإِيدَاعُ تَوْكِيلٌ بِحِفْظِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 268 مَالٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْوَدِيعَةُ بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ: نَقْلُ مُجَرَّدِ مِلْكٍ يُنْقَلُ فَيَدْخُلُ إيدَاعُ الْوَثَائِقِ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَيَخْرُجُ حِفْظُ الرُّبُعِ. وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ: " اسْتِنَابَةٌ فِي حِفْظِ الْمَالِ " يَبْطُلُ عَكْسُهُ مَا دَخَلَ وَطَرْدُهُ مَا خَرَجَ. (وَضَمِنَ بِسُقُوطٍ شَيْءٍ عَلَيْهَا لَا إنْ انْكَسَرَتْ فِي نَقْلِ مِثْلِهَا) أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ: مَنْ أَوْدَعَ جِرَارًا فِيهَا إدَامٌ أَوْ قَوَارِيرَ فِيهَا دُهْنٌ فَنَقَلَهَا مِنْ مَوْضِعٍ فِي بَيْتِهِ إلَى مَوْضِعٍ فَانْكَسَرَتْ فِي مَوْضِعِهَا ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَلَوْ سَقَطَ عَلَيْهَا مِنْ يَدِهِ شَيْءٌ فَانْكَسَرَتْ أَوْ رَمَى فِي بَيْتِهِ بِشَيْءٍ يُرِيدُ غَيْرَهَا فَأَصَابَهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 269 فَانْكَسَرَتْ ضَمِنَهَا انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي هَذَا النَّصِّ أَنَّهُ نَقَلَهَا نَقْلَ مِثْلِهَا، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَزَادَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ مُوَافِقَةٌ لِلْأُصُولِ كَالرَّاعِي يَضْرِبُ الشَّاةَ إنْ ضَرَبَهَا ضَرْبَ مِثْلِهَا لَمْ يَضْمَنْ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: وَإِنْ كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَذِنَ لَهُ فِي حَمْلِ عَيْنِ الْوَدِيعَةِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ صَاحِبُهَا فَالْإِذْنُ الْعَامُّ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ فِي الْإِذْنِ الْخَاصِّ، نَظِيرُهُ الِاضْطِرَارُ لِأَكْلِ طَعَامِ الْغَيْرِ أَوْجَبَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ تَنَاوُلَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ رَبِّهِ فَيَغْرَمُ لَهُ الْقِيمَةَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلِ، وَلِهَذَا كَانَ بَيْنَ الْمَيْتَةِ وَطَعَامِ الْغَيْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلشِّبَعِ فَرْقٌ. اُنْظُرْ الْفَرْقَ فِي ابْنِ الْحَاجِبِ. (وَبِخَلْطِهَا إلَّا كَقَمْحٍ بِمِثْلِهِ وَدَرَاهِمَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 271 بِدَنَانِيرَ لِلْإِحْرَازِ ثُمَّ إنْ تَلِفَ بَعْضُهُ فَبَيْنَكُمَا إلَّا أَنْ يَتَمَيَّزَ) ابْنُ عَرَفَةَ: خَلْطُ الْوَدِيعَةِ بِمِثْلِهَا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ بِغَيْرِ مُتَيَسِّرٍ مَيْزُهُ مُغْتَفَرٌ، وَبِغَيْرِهِ يُوجِبُ ضَمَانَهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْدَعْته دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا ثُمَّ ضَاعَ الْمَالُ كُلُّهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ ضَاعَ بَعْضُهُ كَانَ مَا ضَاعَ وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ دَرَاهِمَكَ لَا تُعْرَفُ مِنْ دَرَاهِمِهِ، وَلَوْ عُرِفَتْ بِعَيْنِهَا كَانَتْ مُصِيبَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ رَبِّهَا وَلَا يُغَيِّرُهَا الْخَلْطُ. وَإِنْ أَوْدَعْتَهُ حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلِهَا وَفَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْإِحْرَازِ وَالدَّفْعِ فَهَلَكَ الْجَمِيعُ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ دَخَلَ وَقَدْ يَشُقُّ عَلَى الْمُودَعِ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ مَا أَوْدَعَهُ عَلَى حِدَةٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى عَلَى الْوَدِيعَةِ فَأَكَلَهَا ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهَا ثُمَّ ضَاعَتْ بَعْدَ رَدِّهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، فَخَلْطُهُ بِمِثْلِهَا كَرَدِّ مِثْلِهَا لَمْ يَضْمَنْ إذَا ضَاعَتْ، وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً ضَمِنَ، وَكَذَلِكَ إنْ خَلَطْت حِنْطَتَكَ بِشَعِيرِهِ ثُمَّ ضَاعَ الْجَمِيعُ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَفَاتَهَا بِالْخَلْطِ قَبْلَ هَلَاكِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَيَّزُ وَلَيْسَ كَصِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ عَيْنٍ أَوْ طَعَامٍ اهـ. وَانْظُرْ قَوْلَهُ: " إنَّهُ يَضْمَنُ بِخَلْطِهَا " وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ. وَاَلَّذِي لِلَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَتَانِ قَمْحٌ وَشَعِيرٌ فَخَلَطَهُمَا ضَمِنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلَ مَا خَلَطَ لَهُ، فَإِنْ اخْتَارَا رَفْعَ الْعَدَاءِ عَنْهُ وَأَنْ يَأْخُذَاهُ مَخْلُوطًا وَيَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِيهِ جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَتَكُونُ شَرِكَتُهُمَا عَلَى الْقِيمَةِ يُرِيدُ قِيمَةَ الْقَمْحِ مَعِيبًا وَالشَّعِيرِ غَيْرَ مَعِيبٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 272 يَقْتَسِمَاهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَقْتَسِمَانِ الثَّمَنَ. اهـ مِنْ اللَّخْمِيِّ. وَاَلَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ: سَوَاءٌ خَلَطَهُمَا عَدَاءً أَوْ غَيْرَ عَدَاءٍ. قَالَ: وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ الْحُكْمُ أَنْ يَقْتَسِمَاهُ بَيْنَهُمَا مَخْلُوطًا عَلَى قِيمَةِ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ يَوْمَ الْخَلْطِ وَيُقَوَّمُ الْقَمْحُ غَيْرَ مَعِيبٍ خِلَافَ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْقَمْحَ يُقَوَّمُ مَعِيبًا وَالشَّعِيرَ غَيْرَ مَعِيبٍ. وَقَوْلُهُ: " يُبَاعُ وَيَقْتَسِمَانِ الثَّمَنَ " اسْتِحْسَانٌ إذْ لَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ اقْتِسَامِ الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ عَلَى الْقِيَمِ، وَلَوْ لَمْ يَجُزْ اقْتِسَامُهُ بِعَيْنِهِ عَلَى الْقِيَمِ لَمَا جَازَ اقْتِسَامُ ثَمَنِهِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُبَاعُ عَلَى مِلْكِهِمَا فَإِنَّمَا هُوَ يَأْخُذُ ثَمَنَ مَا كَانَ أَخَذَهُ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَقْتَسِمَاهُ عَلَى الْكَيْلِ. رَاجِعْ نَوَازِلَ ابْنِ رُشْدٍ، وَثَانِي تَرْجَمَةٍ مِنْ الْوَدِيعَةِ مِنْ اللَّخْمِيِّ، وَأَوَّلُ تَرْجَمَةٍ مِنْ الْوَدِيعَةِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَانْظُرْ إجَازَتَهُمْ بِبَيْعِ الْقَمْحِ الْمَخْلُوطِ مَعَ الشَّعِيرِ إنَّمَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِمَا. وَانْظُرْ اخْتِلَاطَ الزَّرْعِ عِنْدَ الْحَصَادِ أَوَّلَ تَرْجَمَةِ الْمُزَارَعَةِ مِنْ ابْنِ سَلْمُونَ. وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَهُ عَلَى حَسَبِ الزَّرِيعَةِ. وَمِنْ رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى: يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَا بَذَرُوا وَيَقْتَسِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى عَدَدِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ وَمَعْنَى هَذَا عِنْدِي بَعْدَ أَنْ يَتَرَاجَعُوا بِمَا لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْ فَضْلٍ فِي الْعَمَلِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي قِسْمَةِ الشَّعِيرِ وَالزَّيْتُونِ عِنْدَ الْخَلْطِ أَنْ يَتَقَارَرَ أَرْبَابُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ تَجَاهَلُوا فَلَيْسَ إلَّا الِاصْطِلَاحُ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: كَثِيرًا مَا يَقَعُ عِنْدَنَا بِتُونُسَ تَأْتِي السُّيُولُ بِالزَّيْتُونِ فِي تِلْكَ الْأَوْدِيَةِ، وَحُكِيَ هَكَذَا. وَكَذَلِكَ مَا اخْتَلَطَ عَلَى يَدِ اللُّصُوصِ مِنْ الزَّرْعِ وَالْأَطْعِمَةِ وَكَذَا مَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ فِي السُّفُنِ إذَا اخْتَلَطَ فِيهَا الطَّعَامُ. وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ: إذَا اخْتَلَطَ الْكَتَّانُ فِي الْوَادِي لِسَيْلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَعْرِفْ كُلُّ وَاحِدٍ مَالَهُ تَحَلَّلَ أَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ. وَانْظُرْ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّعَامِ الْمُسْتَهْلَكِ أَنَّهُ إنْ أَخَذَ مَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ طَعَامِهِ جَازَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ حَبِيبٍ مِنْ قِسْمَةِ الزَّرْعِ الْمَخْلُوطِ عَلَى حَسَبِ الزَّرِيعَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ مِنْ تَخْفِيفِ اقْتِسَامِ الطَّعَامِ الْمَخْلُوطِ بِالْقِيمَةِ. وَلَوْ خُلِطَ عَدَاءً هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ كُلُّهُ مُسَوِّغًا لِلَّذِينَ يَخْلِطُونَ أَلْبَانَهُمْ أَنْ يَأْخُذَ الْإِنْسَانُ مِنْ الْجُبْنِ الْقَدْرَ الَّذِي لَا يَشُكُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ لَهُ مِنْ لَبَنِ غَنَمِهِ لَوْ أَفْرَدَهَا؟ وَقَدْ بَسَطْت فِي سُنَنِ الْمُهْتَدِينَ أَنَّ إقْدَامَ الْمَرْءِ عَلَى شَيْءٍ بِتَأْوِيلٍ لَيْسَ كَمَنْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ مُجَاهِرًا، وَمَنْ أَكَلَ حَرَامًا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ حَلَالٌ أُثِيبَ عَلَى قَصْدِهِ وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا يُظْلِمُ بِهِ قَلْبُهُ، وَمَنْ أَقْدَمَ عَلَى حَلَالٍ صِرْفٍ يَعْتَقِدُ شُبْهَتَهُ قَسَا قَلْبُهُ بِهِ وَأَظْلَمَ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَقِدًا حُرْمَتَهُ كَانَ ذَلِكَ جُرْحَةً فِيهِ وَعَلَيْهِ دَرْكُ الْمُخَالَفَةِ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ حَلَالًا صِرْفًا. وَانْظُرْ الْخَلِيطَيْنِ جُعِلَا فِي الزَّكَاةِ كَمَالِكٍ وَاحِدٍ فِي الْغَالِبِ لَوْ كَانَ الرَّاعِي يَحْلُبُ غَنَمَ كُلِّ خَلِيطٍ عَلَى حِدَةٍ. (وَبِانْتِفَاعِهِ بِهَا أَوْ سَفَرِهِ إنْ قَدَرَ عَلَى أَمِينٍ إلَّا أَنْ تُرَدَّ سَالِمَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْدَعْته دَرَاهِمَ أَوْ حِنْطَةً أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَاسْتُهْلِكَ بَعْضُهَا ثُمَّ هَلَكَ بَقِيَّتُهَا لَمْ يَضْمَنْ إلَّا مَا اُسْتُهْلِكَ أَوَّلًا، وَلَوْ كَانَ رَدَّ مَا اُسْتُهْلِكَ لَمْ يَضْمَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 273 شَيْئًا إنْ ضَاعَتْ وَهُوَ مُصَدَّقٌ أَنَّهُ رَدَّ فِيهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا كَمَا يُصَدَّقُ فِي رَدِّهَا إلَيْكَ وَفِي تَلَفِهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ تَسَلَّفَ جَمِيعَهَا ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهَا مَكَانَهَا بَرِئَ كَانَ أَخَذَهَا عَلَى السَّلَفِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ هَلَكَتْ بَعْدَ أَنْ رَدَّهَا. وَلَوْ كَانَتْ ثِيَابًا فَلَبِسَهَا حَتَّى بَلِيَتْ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهَا لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَتْهُ قِيمَةٌ. وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: مَنْ اسْتَوْدَعَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا فَأَقَرَّ الْمُسْتَوْدَعُ بِرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلِبَاسِ الثَّوْبِ وَقَالَ هَلَكَ بَعْدَ أَنْ رَدَدْتُهُ وَهُوَ مُصَدَّقٌ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: هُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَكِبَهَا ضَمِنَ بِالتَّعَدِّي إلَّا إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ نَزَلَ عَنْهَا سَالِمَةً ثُمَّ تَلِفَتْ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هُوَ ضَامِنٌ حَتَّى يَرُدَّهَا لِحَالِهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ فِي مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ جَارِيَةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ فِي رَدِّهِ لِمَا تَسَلَّفَ مِنْ الْوَدِيعَةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَرَادَ سَفَرًا وَخَافَ عَوْرَةَ مَنْزِلِهِ فَيُودِعُهَا ثِقَةً. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ دُونَهُ فِي ثِقَتِهِ. ابْنُ شَاسٍ: إنْ سَافَرَ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إيدَاعِهَا عِنْدَ أَمِينٍ ضَمِنَ، فَإِنْ سَافَرَ بِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ مَثَلًا لَمْ يَضْمَنْ. ابْنُ شَاسٍ وَإِنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا لَمْ يَضْمَنْ بَعْدَ ذَلِكَ كَرَدِّهِ لِمَا تَسَلَّفَ مِنْهَا. وَانْظُرْ حُكْمَ الْبِضَاعَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ السَّفَرُ كَالْحَضَرِ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَإِنَّمَا دَفَعَ لَهُ الْمَالَ فِي السَّفَرِ لِيَكُونَ مَعَهُ فَيَضْمَنَ الْبِضَاعَةَ إنْ دَفَعَهَا لِغَيْرِهِ. وَانْظُرْ إذَا عَرَضَ لَهُ إقَامَةٌ أَثْنَاءَ طَرِيقِهِ، هَلْ يَضْمَنُ إنْ لَمْ يَبْعَثْهَا لِرَبِّهَا أَوْ الْعَكْسُ. اُنْظُرْ رَسْمَ شَكَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ. (وَحَرُمَ سَلَفُ مُقَوَّمٍ وَمُعْدِمٍ) اللَّخْمِيِّ: لَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يَتَسَلَّفَ الْوَدِيعَةَ إذَا كَانَ فَقِيرًا، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، فَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عُرُوضًا أَوْ مِمَّا يُقْضَى فِيهِ بِالْقِيمَةِ أَوْ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَكَانَ يَكْثُرُ اخْتِلَافُهُ وَلَا يَتَحَصَّلُ أَمْثَالُهُ كَالْكَتَّانِ فَلَيْسَ لِلْمُوسِرِ أَيْضًا أَنْ يَتَسَلَّفَهَا (وَكُرِهَ النَّقْدُ) الْبَاجِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ التَّسَلُّفِ مِنْ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا؛ فَفِي الْمَعُونَةِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ تَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَقَدْ أَجَازَهُ بَعْضُ النَّاسِ فَرُوجِعَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِيهِ وَفَاءٌ وَأَشْهَدَ فَأَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ. الْبَاجِيُّ: وَهَذَا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. وَوَجْهُ الْجَوَازِ إذَا قُلْنَا إنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 274 الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ كَأَنَّهُ لَا مَضَرَّةَ عَلَى الْمُودِعِ فِي انْتِفَاعِ الْمُودَعِ بِهَا إذَا رَدَّ مِثْلَهَا وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهَا وَيَتَمَسَّكَ بِهَا مَعَ بَقَاءِ أَعْيَانِهَا، وَلِأَنَّ الْمُودِعَ قَدْ تَرَكَ الِانْتِفَاعَ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ فَجَازَ لِلْمُودَعِ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَيَجْرِي فِي ذَلِكَ مَجْرَى الِانْتِفَاعِ بِظِلِّ حَائِطِهِ وَضَوْءِ سِرَاجِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ تَسَلُّفِ الْوَصِيِّ مَالَ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ آثِمٌ (وَالْمِثْلِيُّ) تَقَدَّمَ اللَّخْمِيِّ أَنَّ مِثْلَ الْكَتَّانِ لَا يَجُوزُ تَسَلُّفُهُ قَالَ: وَأَمَّا الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَنَحْوُهُ، فَهَلْ يَجُوزُ سَلَفُهُ كَالدَّرَاهِمِ؟ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مِثْلُهَا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ عِنْدِي الْمَنْعُ، وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَبْرَأُ بِرَدِّ مِثْلِهِ إبَاحَةُ ذَلِكَ لَهُمْ انْتَهَى. اُنْظُرْ عَزْوَ هَذَا لِلْقَاضِي وَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ. (كَالتِّجَارَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَتَّجِرُ بِاللُّقَطَةِ فِي السَّنَةِ وَلَا بَعْدَ السَّنَةِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ. (وَالرِّبْحُ لَهُ) مِنْ الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ مَالًا فَابْتَاعَ بِهِ لِنَفْسِهِ وَرَبِحَ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ الرِّبْحَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إلَى صَاحِبِهِ. أَبُو عِمْرَانَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَأَبِي سُفْيَانَ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّ الْمَالَ طَابَ الرِّبْحُ لَهُ غَاصِبًا كَانَ لِلْمَالِ أَوْ مُسْتَوْدَعًا عِنْدَهُ وَتَعَدَّى فِيهِ الْبَاجِيُّ. قَوْلُهُ: " فَإِنَّ ذَلِكَ الرِّبْحَ لَهُ " يُرِيدُ إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَيْنًا وَهَذَا عِنْدِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ وَلِذَلِكَ قَالَ: إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ طَعَامًا فَبَاعَهُ بِثَمَنٍ فَإِنَّ صَاحِبَهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَأَخْذِ الثَّمَنِ أَوْ يُضَمِّنَّهُ مِثْلَ طَعَامِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالصِّفَةِ. وَيَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُودِعَ لَمْ يُبْطِلْ عَلَى الْمُودَعِ غَرَضَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا. وَلَوْ كَانَتْ بِضَاعَةً أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا سِلْعَةً مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْبِضَاعَةِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ مِثْلَ بِضَاعَتِهِ أَوْ يَأْخُذَ مِثْلَ مَا اشْتَرَى بِهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ رَامَ أَنْ يُبْطِلَ عَلَيْهِ غَرَضَهُ مِنْ بِضَاعَتِهِ وَيَسْتَأْثِرَ بِرِبْحِهَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 275 ذَلِكَ انْتَهَى. وَانْظُرْ أَيْضًا بَيْنَ الرِّبْحِ وَالْخَسَارَةِ فَرْقًا، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ. رَاجِعْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَانْظُرْ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ مِنْ سَمَاعِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْمُبْضَعَ مَعَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ السِّلْعَةَ الَّتِي أَبْضَعَ مَعَهُ فِيهَا فَاشْتَرَى غَيْرَهَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَعَدِّي فِي الْوَدِيعَةِ. اُنْظُرْ أَيْضًا سَمَاعَ أَصْبَغَ مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ. (وَبَرِئَ إنْ رَدَّ غَيْرَ الْمُحَرَّمِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْدَعْته دَرَاهِمَ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَاسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ رَدَّهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا، سَوَاءٌ أَخَذَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إحْدَى ثَمَانِ مَسَائِلَ فِي خُرُوجِ الدَّيْنِ مِنْ الذِّمَّةِ لِلْأَمَانَةِ، وَإِذَا عَزَلَ عُشْرَ زَرْعِهِ فَضَاعَ، وَكَيْلَ طَعَامٍ سَلَّمَهُ فِي غِرَارِهِ وَأَنْفَقَ عَلَى مَرَمَّةِ الدَّارِ مِنْ الْكِرَاءِ وَإِذَا قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ بَلَّغْت الْكِتَابَ، وَإِذَا بِعْته سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ بِثَمَنِهَا، وَإِذَا قُلْتُ اشْتَرِ لِي بِالدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْكَ عَبْدًا فَقَالَ أَبَقَ بِخِلَافِ اعْمَلْ بِهِ قِرَاضًا فَقَالَ تَلِفَ. (إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ يَقُولُ إنْ احْتَجْت فَخُذْ فَلَا يَبْرَأُ) لِمَا ذَكَرَ الْبَاجِيُّ مَا تَقَدَّمَ قَالَ: وَهَذَا إذَا تَسَلَّفَ مِنْ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا، وَأَمَّا مَنْ أَوْدَعَ وَدِيعَةً وَقِيلَ لَهُ تَسَلَّفْ مِنْهَا إنْ شِئْت فَتَسَلَّفَ مِنْهَا وَقَالَ رَدَدْتهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: لَا يَبْرَأُ بِرَدِّهِ إيَّاهَا إلَّا إلَى رَبِّهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ صَارَ هُوَ الْمُتَسَلِّفَ فَلَا يَبْرَأُ الْمُتَسَلِّفُ إلَّا بِرَدِّ ذَلِكَ إلَيْهِ. وَعِنْدِي أَنَّهُ يَبْرَأُ إنْ رَدَّهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 276 إلَى الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ كَانَتْ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَسَلَّفَهَا، فَإِذَا رَدَّهَا إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ. (وَضَمِنَ الْمَأْخُوذَ فَقَطْ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اسْتَهْلَكَ بَعْضَهَا ثُمَّ اسْتَهْلَكَ بَقِيَّتَهَا لَمْ يَضْمَنْ إلَّا مَا اسْتَهْلَكَهُ أَوَّلًا. (وَبِقُفْلٍ بِنَهْيٍ) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: مَنْ قَالَ لِمَنْ أَوْدَعَهُ وَدِيعَةً اجْعَلْهَا فِي تَابُوتِكَ وَلَمْ يَقُلْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ إنْ قَفَلَ عَلَيْهَا، وَلَوْ قَالَ لَا تَقْفِلْ عَلَيْهَا ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّ السَّارِقَ بِرُؤْيَةِ الْقَفْلِ أَطْمَعُ. (أَوْ بِوَضْعٍ بِنُحَاسٍ فِي أَمْرِهِ بِفَخَّارٍ) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَوْ قَالَ لَهُ اجْعَلْهَا فِي سَطْلِ فَخَّارٍ فَجَعَلَهَا فِي سَطْلِ نُحَاسٍ ضَمِنَ وَفِي الْعَكْسِ الْعَكْسُ. (لَا إنْ زَادَ قُفْلًا) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَوْ قَالَ لَهُ اقْفِلْ عَلَيْهَا قُفْلًا وَاحِدًا فَقَفَلَ قُفْلَيْنِ لَمْ يَضْمَنْ. ابْنُ يُونُسَ: السَّارِقُ أَطْمَعُ إذَا كَانَتْ بِقُفْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعَادَةِ فَوَجَبَ الضَّمَانُ (أَوْ عَكَسَ فِي الْفَخَّارِ) تَقَدَّمَ نَصُّ هَذَا. (أَوْ أَمَرَ بِرَبْطٍ بِكُمٍّ فَأَخَذَهَا بِيَدِهِ كَجَيْبِهِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ وَقَالَ لَهُ ارْبِطْهَا فِي كُمِّكَ فَأَخَذَهَا فِي يَدِهِ فَأَخَذَهَا غَاصِبٌ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الْيَدَ أَحْرَزَهَا هُنَا، وَلَوْ جَعَلَهَا فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ فَضَاعَتْ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: يَضْمَنُ وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ. (عَلَى الْمُخْتَارِ) اللَّخْمِيِّ: لَوْ لَقِيَهُ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ وَقَالَ اجْعَلْهَا فِي وَسْطِكَ فَجَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ ضَمِنَ، وَلَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ جَيْبٌ فَجَعَلَهَا فِي كُمِّهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَفِي جَعْلِهَا فِي الْجَيْبِ نَظَرٌ. انْتَهَى مَا وَجَدْته لِلَّخْمِيِّ. وَافَتَى ابْنُ رُشْدٍ بِالضَّمَانِ قِيلَ لِحَدِيثِ: «فَانْجَابَتْ عَنْ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ» أَيْ خَرَجَتْ عَنْهَا كَمَا خَرَجَ الْجَيْبُ عَنْ الثَّوْبِ، وَمَا خَرَجَ عَنْ الثَّوْبِ فَلَيْسَ مِنْهُ. (وَبِنِسْيَانِهَا فِي مَوْضِعِ إيدَاعِهَا) أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ: مَنْ اُسْتُوْدِعَ وَدِيعَةً فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الْمَجْلِسِ فَجَعَلَهَا عَلَى نَعْلَيْهِ فَذَهَبَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قُلْت: أَلَمْ يُضَيِّعْ إذَا لَمْ يَرْبِطْهَا؟ قَالَ: يَقُولُ لَا خَيْطَ مَعِي. قُلْت: يَرْبِطُهَا فِي طَرَفِ رِدَائِهِ؟ قَالَ: يَقُولُ لَيْسَ عَلَيَّ رِدَاءٌ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ؟ قَالَ: لَا يَضْمَنُ، كَانَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَإِنْ نَسِيَهَا فِي مَوْضِعٍ دُفِعَتْ إلَيْهِ وَقَامَ ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جِنَايَةٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَسُقُوطِهَا مِنْ كُمِّهِ أَوْ يَدِهِ، فِي غَيْرِ نِسْيَانٍ لِأَخْذِهَا هَذَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: نِسْيَانُهُ حَتَّى سَقَطَتْ مِنْ كُمِّهِ أَوْ يَدِهِ كَنِسْيَانِهِ لِأَخْذِهَا، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَضْمَنَ. قَالَ: وَأَمَّا لَوْ أَوْدَعَهَا وَكَانَتْ فِي بَيْتِهِ فَأَخَذَهَا يَوْمًا فَأَدْخَلَهَا فِي كُمِّهِ وَخَرَجَ بِهَا يَظُنُّهَا دَرَاهِمَهُ فَسَقَطَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ. ابْنُ يُونُسَ: أَمَّا هَذِهِ فَصَوَابٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فَنِسْيَانُهُ فِي ذَلِكَ كَعَمْدِهِ؛ لِأَنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 277 الْخَطَأَ وَالْعَمْدَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ، وَأَمَّا فِي وَضْعِهَا عَلَى نَعْلَيْهِ أَوْ حَمْلِهَا مِنْ مَوْضِعِ أُودِعَهَا إلَى دَارِهِ فِي يَدِهِ أَوْ كُمِّهِ فَهُوَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ، فَنِسْيَانُهُ إيَّاهَا فِي مَوْضِعٍ أَوْ نِسْيَانُهُ إيَّاهَا فِي كُمِّهِ حَتَّى سَقَطَتْ أَمْرٌ يُعْذَرُ بِهِ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُ. (وَبِدُخُولِهِ الْحَمَّامَ بِهَا) سَحْنُونَ: مَنْ أُودِعَ وَدِيعَةً فَصَيَّرَهَا فِي كُمِّهِ مَعَ نَفَقَتِهِ ثُمَّ دَخَلَ الْحَمَّامَ فَضَاعَتْ ثِيَابُهُ بِمَا فِيهَا فَإِنَّهُ ضَامِنٌ. ابْنُ يُونُسَ: لَعَلَّهُ إنَّمَا ضَمِنَهُ لِدُخُولِهِ الْحَمَّامَ بِهَا (وَبِخُرُوجِهِ بِهَا يَظُنُّهَا لَهُ فَتَلِفَتْ لَا إنْ نَسِيَهَا فِي كُمِّهِ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَبِنِسْيَانِهَا ". (وَبِإِيدَاعِهَا وَإِنْ بِسَفَرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: مُوجِبُ ضَمَانِهِ الْوَدِيعَةَ تَصَرُّفُهُ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنٍ عَادِيٍّ أَوْ حَجْرُهَا فَمَا فَوْقَهَا فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا إيدَاعُهُ إيَّاهَا لَا لِعُذْرٍ فِي غَيْبَةِ رَبِّهَا يُوجِبُ ضَمَانَهُ إيَّاهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: وَإِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 278 أَوْدَعْت لِمُسَافِرٍ مَالًا فَأَوْدَعَهُ فِي سَفَرِهِ فَضَاعَ ضَمِنَ. (لِغَيْرِ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ اُعْتِيدَا بِذَلِكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْدَعْته مَالًا فَدَفَعَهُ إلَى زَوْجَتِهِ أَوْ خَادِمِهِ لِتَرْفَعَهُ لَهُ فِي بَيْتِهِ وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُرْفَعَ لَهُ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ مَا هَلَكَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعَهُ إلَى عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ أَوْ دَفَعَهُ فِي صُنْدُوقِهِ أَوْ بَيْتِهِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَضْمَنْ. قَالَ: وَيَصْدُقُ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى أَهْلِهِ أَوْ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَانَ الْمُودَعُ عَلَى ذَلِكَ أَوْدَعَهُ فَصَارَ كَالْإِذْنِ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ تَرْفَعَ لَهُ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَثِقُ بِمَالِهِ إلَيْهِمْ فَدَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ. ابْنُ يُونُسَ: وَظَاهِرُ الْكِتَابِ يُؤَيِّدُهُ. هَذَا وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَرَفَعَهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 279 عِنْدَ غَيْرِ مَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ مَالُهُ وَالْقِيَامُ لَهُ بِهِ ضَمِنَ. (إلَّا لِعَوْرَةٍ حَدَثَتْ) اللَّخْمِيِّ: إذَا خَافَ الْمُودَعُ عَوْرَةَ مَنْزِلِهِ أَوْ جَارَ سُوءٍ وَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا حَدَثَ بَعْدَ الْإِيدَاعِ جَازَ لَهُ أَنْ يُودِعَهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَوْفُ مُتَقَدِّمًا قَبْلَ الْإِيدَاعِ وَالْمُودِعُ عَالِمٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُودِعَهَا، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ. (أَوْ لِسَفَرٍ عِنْدَ عَجْزِ الرَّدِّ) ابْنُ عَرَفَةَ: سَفَرُهُ وَخَوْفُ عَوْرَةِ مَنْزِلِهِ عُذْرٌ. أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَضْمَنُهَا وَلَوْ دَفَعَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. ابْنُ يُونُسَ: كَدَفْعِهِ لِزَوْجَتِهِ وَخَادِمِهِ وَيَنْبَغِي عَلَى أُصُولِهِمْ إنْ لَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ أَنْ يَضْمَنَ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَى غَيْرِ مَنْ دَفَعَ إلَيْهِ لَكِنَّهُمْ لَمْ يُضَمِّنُوهُ لِلْعُذْرِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَرَادَ سَفَرًا أَوْ خَافَ عَوْرَةَ مَنْزِلِهِ وَرَبُّهَا غَائِبٌ فَلْيُودِعْهَا إلَى ثِقَةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ دُونَهُ فِي ثِقَتِهِ (وَإِنْ أَوْدَعَ بِسَفَرٍ وَوَجَبَ الْإِشْهَادُ بِالْعُذْرِ) اللَّخْمِيِّ: إذَا ثَبَتَ الْإِيدَاعُ وَالْوَجْهُ الَّذِي أَوْجَبَ ذَلِكَ وَهُوَ خَوْفُ مَوْضِعِهِ أَوْ السَّفَرُ بَرِئَ الْمُودَعُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُصَدَّقُ فِي إرَادَةِ السَّفَرِ أَوْ خَوْفِ عَوْرَةِ الْمَنْزِلِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. (وَبَرِئَ إنْ رَجَعَتْ سَالِمَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْدَعَ وَدِيعَةً عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا مِنْهُ فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ كَقَوْلِ مَالِكٍ إنْ أَنْفَقَ مِنْهَا ثُمَّ رَدَّ مَا أَنْفَقَ لَمْ يَضْمَنْ. (وَعَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهَا إنْ نَوَى الْإِيَابَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ حُدُوثِ السَّفَرِ ثُمَّ عَادَ مِنْ سَفَرِهِ؛ فَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ لِيَعُودَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَحْفَظَهَا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ حِفْظَهَا حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهَا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا الْقَدْرُ الَّذِي سَافَرَهُ، وَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ عَلَى وَجْهِ الِانْتِقَالِ ثُمَّ عَادَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ. اُنْظُرْ هَذَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ مَنْ بَعَثَ مِنْ رَجُلٍ بِضَاعَةً بِمِصْرٍ فَعَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلَى الْمَدِينَةِ فَبَعَثَ بِهَا مَعَ مَنْ يَثِقُ بِهِ، وَمَنْ بَعَثَ مَعَ رَجُلٍ بِنَفَقَةٍ يَشْتَرِي لَهُ بِهَا مَتَاعًا فَدَفَعَهَا الْمُرْسَلُ إلَيْهِ لِمَنْ يَشْتَرِي لَهُ. وَمِنْ نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: إنَّ الَّذِي وَقَعَتْ بِهِ الْفَتْوَى إذَا خَبَّأَ الْقِرَاضَ أَوْ غَيْرَهُ خَوْفَ مَغْرَمِ السُّلْطَانِ فَاطُّلِعَ عَلَيْهِ وَأُخِذَ كُلُّهُ أَنَّهُ ضَامِنٌ بِخِلَافِ مَا فِي الرِّوَايَةِ إذَا رَأَى الْعَدُوَّ فَأَلْقَى الْوَدِيعَةَ فِي شَجَرَةٍ فَضَاعَتْ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى أَمْرٌ مَدْخُولٌ عَلَيْهِ وَإِخْبَاؤُهُ يُؤَدِّي إلَى جَائِحَتِهِ. اُنْظُرْ رَسْمَ شَكَّ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ. وَمِثْلُ ذَلِكَ دَفْعُهَا لِفَارِسٍ يَنْجُو بِهَا أَوْ يَبْعَثُ بِالْبِضَاعَةِ مَعَ غَيْرِهِ لِإِقَامَتِهِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ لِسَفَرِهِ لِمَوْضِعٍ آخَرَ. (وَبِبَعْثِهِ بِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ قَالَ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْقِرَاضِ قَدْ رَدَدْت ذَلِكَ مَعَ رَسُولِي إلَى رَبِّهِ ضَمِنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ. قَالَ أَشْهَبُ: وَسَوَاءٌ أَوْدَعْتَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُودَعِ يَأْتِيهِ رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّ رَبَّهَا أَمَرَهُ بِأَخْذِهَا فَصَدَّقَهُ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَضَاعَتْ مِنْهُ: إنَّ الدَّافِعَ ضَامِنٌ لَهَا ثُمَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الَّذِي قَبَضَهَا فَيَأْخُذَهَا مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 280 وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: مَنْ أَبْضَعَ مَعَهُ بِضَاعَةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَهَا وَلَا أَنْ يَبْعَثَ بِهَا مَعَ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ تَحْدُثَ لَهُ إقَامَةٌ وَلَا يَجِدُ صَاحِبَهَا وَيَجِدُ مَنْ يَخْرُجُ إلَى حَيْثُ هُوَ صَاحِبُهَا فَلَهُ تَوْجِيهُهَا. (وَبِإِنْزَائِهِ عَلَيْهَا فَمُتْنَ وَإِنْ مِنْ الْوِلَادَةِ كَأَمَةٍ زَوَّجَهَا فَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْدَعْتَهُ بَقَرًا أَوْ أُتُنًا أَوْ نُوقًا فَأَنْزَى عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ فَمُتْنَ مِنْ الْوِلَادَةِ، أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَزَوَّجَهَا فَحَمَلَتْ فَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ، فَهُوَ ضَامِنٌ وَكَذَلِكَ لَوْ عَطِبَتْ تَحْتَ الْفَحْلِ. (وَبِجَحْدِهَا إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ ثُمَّ فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الرَّدِّ خِلَافٌ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا أَنْكَرَ الْإِيدَاعَ فَلَمَّا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ أَقَامَ بَيِّنَتَهُ أَنَّهُ رَدَّهَا، فَقِيلَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهَا بِقَوْلِهِ مَا أَوْدَعْتَنِي وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ مَا اشْتَرَيْت مِنْكَ فَلَمَّا أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِالشِّرَاءِ أَقَامَ هُوَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِالدَّفْعِ وَقِيلَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ أَرَدْت أَنْ لَا أَتَكَلَّفَ بَيِّنَةً. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ: مَنْ اُسْتُوْدِعَ وَدِيعَةً بِبَيِّنَةٍ فَجَحَدَهَا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ رَدَّهَا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِرَدِّهَا فَإِنَّهُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ بَيِّنَتَهُ إذْ قَالَ لَمْ أَجِدْهَا يُرِيدُ أَوْ قَالَ مَا أَوْدَعْتَنِي شَيْئًا. وَأَمَّا لَوْ قَالَ مَالَكَ عِنْدِي شَيْءٌ فَالْبَيِّنَةُ بِالْبَرَاءَةِ تَنْفَعُهُ، وَكَذَلِكَ فِي الْقِرَاضِ وَالْبِضَاعَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَمِنْ هَذَا الْأَصْلِ مَنْ مَلَكَ امْرَأَتَهُ بِكَلَامٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ فَقَضَتْ بِالثَّلَاثِ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت وَاحِدَةً. ثُمَّ قَالَ فِيمَنْ أَنْكَرَ دَعْوَى، فَلَمَّا أَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ جَاءَ بِالْمَخْرَجِ مِنْهَا مِمَّا لَوْ جَاءَ بِذَلِكَ قَبْلَ الْإِنْكَارِ لَقُبِلَتْ مِنْهُ؛ فَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ، وَقِيلَ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَقِيلَ إلَّا فِي اللِّعَانِ، وَقِيلَ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْأَمْوَالِ. اُنْظُرْ قَبْلَ رَسْمِ أَخَذَ يَشْرَبُ خَمْرًا مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ. وَقَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ: يَتَحَصَّلُ فِيمَنْ أَنْكَرَ أَمَانَةً ثُمَّ ادَّعَى ضَيَاعَهَا أَوْ رَدَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. الْمَشْهُورُ أَنَّهُ إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ضَيَاعِهَا أَوْ رَدِّهَا فَإِنَّ تِلْكَ الْبَيِّنَةَ تَنْفَعُهُ بَعْدَ إنْكَارِهِ. (وَبِمَوْتِهِ وَلَمْ يُوصِ بِهَا وَلَمْ تُوجَدْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ هَلَكَ وَقِبَلَهُ قِرَاضٌ وَوَدَائِعُ لَمْ تُوجَدْ وَلَمْ يُوصِ بِهَا فَذَلِكَ فِي مَالِهِ وَيُحَاصُّ بِذَلِكَ غُرَمَاؤُهُ، وَمِثْلُهُ سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ ابْنَ رُشْدٍ وَهَذَا صَحِيحٌ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. (إلَّا لِكَعَشْرِ سِنِينَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمَتَى مَاتَ وَلَمْ يُوصِ بِهَا وَلَمْ تُوجَدْ ضَمِنَ. قَالَ مَالِكٌ: مَا لَمْ تَتَقَادَمْ كَعَشْرِ سِنِينَ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَبِلَ هَذَا شَارِحَاهُ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْوَدِيعَةَ يُقِرُّ بِهَا الَّذِي هِيَ عِنْدَهُ دُونَ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 281 قَالَ مَالِكٌ: لِهَذِهِ الْأُمُورِ وُجُوهٌ. أَرَأَيْت لَوْ مَرَّ عَلَيْهَا عِشْرُونَ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ رَبُّهَا فَقَامَ يَطْلُبُهَا مَا رَأَيْت لَهُ شَيْئًا، وَكَأَنِّي رَأَيْته يَرَى إنْ كَانَ قَرِيبًا أَنَّ ذَلِكَ لَهُ وَهُوَ رَأْيٌ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا لِذَلِكَ السَّنَةَ وَشِبْهَهَا ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ طَلَبَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ لَرَأَيْته فِي مَالِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ مَنْ أَقَرَّ بِوَدِيعَةٍ دُونَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ بِهَا ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا وَادَّعَى رَدَّهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَقَالَ: الطُّولُ عِشْرُونَ سَنَةً وَكَذَا عَشْرُ سِنِينَ عَلَى مَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَيَقِلُّ ابْنُ الْحَاجِبِ قَوْلُ مَالِكٍ مَا لَمْ يَتَقَادَمْ دُونَ ثُبُوتِ تَقْيِيدِ الْوَدِيعَةِ بِإِقْرَارِهِ الْمُودَعِ غَفْلَةٌ أَوْ غَلَطٌ، وَالتَّعَقُّبُ عَلَى شَارِحَيْهِ أَشَدُّ. وَأَخَذَ ابْنُ سَهْلٍ مِنْ قَوْلِهَا فِي الْوَدِيعَةِ أَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِثِيَابٍ وَأَرَاهَا الشُّهُودَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ تُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ أَنَّهُ يُقْضَى لِابْنِهِ بِقِيمَتِهَا فِي تَرِكَتِهِ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَأَخَذَهَا إنْ ثَبَتَ بِكِتَابَةٍ عَلَيْهَا أَنَّهَا لَهُ أَنَّ ذَلِكَ خَطُّهُ أَوْ خَطُّ الْمَيِّتِ) سَمِعَ أَبُو زَيْدٍ ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ هَلَكَ وَتَرَكَ وَدَائِعَ وَلَمْ يُوصِ فَتُوجَدُ صُرَرٌ فِيهَا وَدِيعَةُ فُلَانٍ وَفِيهَا كَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَلَا بَيِّنَةَ أَنَّهُ اسْتَوْدَعَهَا إيَّاهُ إلَّا بِقَوْلِهِ وَوَجَدُوهَا عِنْدَ الْهَالِكِ كَمَا ادَّعَى، لَا شَيْءَ لَهُ فِيهَا. ابْنُ رُشْدٍ: لَا يُقْضَى لِمَنْ وَجَدَ عَلَيْهَا اسْمَهُ إنْ لَمْ تَكُنْ بِخَطِّهِ وَلَا بِخَطِّ الْمُودَعِ، فَإِنْ كَانَتْ بِخَطِّ الْمُتَوَفَّى الَّذِي وُجِدَتْ عِنْدَهُ فَهِيَ لِمَنْ وُجِدَ اسْمُهُ عَلَيْهَا اتِّفَاقًا إلَّا عَلَى مَنْ لَا يَرَى الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ. وَإِنْ كَانَ بِخَطِّ مُدَّعِي الْوَدِيعَةَ فَقَالَ أَصْبَغُ: إنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهَا مَعَ كَوْنِهَا فِي حَوْزِ الْمُسْتَوْدَعِ. قَالَ ابْنُ دَحُونَ: لَا يُقْضَى لَهُ بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَخْرَجَهَا لَهُ فَكَتَبَ عَلَيْهَا اسْمَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا. اُنْظُرْ فِي ابْنِ عَرَفَةَ هُنَا الْمَبْعُوثُ مَعَهُ بِمَالٍ يَقُولُ دَفَعْته لَهُ وَالْآخَرُ يُنْكِرُ (وَبِسَعْيِهِ بِهَا لِمُصَادِرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ " لَوْ سَعَى بِهَا لِمُصَادِرٍ ضَمِنَهَا " وَاضِحٌ لِتَسَبُّبِهِ فِي تَلَفِهَا وَلَا أَعْلَمُ نَصَّ الْمَسْأَلَةِ إلَّا لَلْغَزَالِيِّ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَضْمَنُ إذَا أَخْفَاهَا مِنْ ظَالِمٍ خَوْفَ الْمَغْرَمِ. (وَبِمَوْتِ الْمُرْسَلِ مَعَهُ بِبَلَدٍ إنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ بَعَثَ بِمَالٍ إلَى رَجُلٍ بِبَلَدٍ فَقَدِمَهَا الرَّسُولُ ثُمَّ مَاتَ بِهَا وَزَعَمَ الرَّجُلُ أَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا، فَلَا شَيْءَ لَكَ فِي تَرِكَةِ الرَّسُولِ وَلَكَ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ يَحُوزُ أَمْرَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ لَكَ شَيْئًا. وَلَوْ مَاتَ الرَّسُولُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْبَلَدَ فَلَمْ يُوجَدْ لِلْمَالِ أَثَرٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ. اللَّخْمِيِّ: وَجْهُ هَذَا أَنَّهُ فِي الطَّرِيقِ مُودَعٌ وَهُوَ يَقُولُ فِي الْوَدِيعَةِ إذَا مَاتَ الْمُودَعُ وَلَمْ تُوجَدْ الْوَدِيعَةُ أَنَّهَا فِي مَالِهِ وَبَعْدَ الْوُصُولِ وَكِيلٌ عَلَى الدَّفْعِ، وَمَحْصُولُهُ أَنَّهُ امْتَثَلَ مَا وُكِّلَ عَلَيْهِ وَقَدْ يَخْفَى عَلَى وَرَثَتِهِ مَنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى دَفْعِهَا فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَقْوَالُ فِي هَذَا خَمْسَةٌ. (وَبِكَلُبْسٍ الثَّوْبِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ هَلَكَ مَا لَبِسَهُ الْمُودَعُ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ رَكِبَهُ مِنْ دَابَّةٍ فَفِي تَصْدِيقِهِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ رَدِّهِ إنْ ثَبَتَ، وَإِنْ أَنْكَرَ وَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَتَضْمِينُهُ مُطْلَقًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ نَزَلَ عَنْهَا وَهِيَ سَالِمَةٌ ثَالِثُهَا يَضْمَنُ حَتَّى بِرَدِّهَا لِمُحَمَّدٍ قَائِلًا: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 282 هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَكِتَابُ ابْنِ سَحْنُونٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِ ابْنِ يُونُسَ. اُنْظُرْ نَصَّ ابْنِ يُونُسَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَبِانْتِفَاعِهِمَا ". (وَالْقَوْلُ لَهُ أَنَّهُ رَدَّهَا سَالِمَةً إنْ أَقَرَّ بِالْفِعْلِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ: إنْ أَقَرَّ الْمُسْتَوْدَعُ بِرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلِبَاسِ الثَّوْبِ وَقَالَ هَلَكَ بَعْدَ أَنْ رَدَدْته هُوَ مُصَدَّقٌ. (وَإِنْ أَكْرَاهَا لِمَكَّةَ وَرَجَعَتْ بِحَالِهَا إلَّا أَنَّهُ حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا فَلَكَ قِيمَتُهَا يَوْمَ كِرَائِهِ وَلَا كِرَاءَ أَوْ أَخْذُهُ وَأَخْذُهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَوْدَعْتَهُ إبِلًا فَأَكْرَاهَا إلَى مَكَّةَ وَرَجَعَتْ بِحَالِهَا إلَّا أَنَّهُ حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا، وَمَنَافِعُكَ بِهَا، فَأَنْتَ مُخَيَّرٌ فِي تَضْمِينِهِ قِيمَتَهَا يَوْمَ تَعَدِّيهِ وَلَا كِرَاءَ لَكَ، أَوْ تَأْخُذُهَا وَتَأْخُذُ كِرَاءَهَا، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَعِيرُ يَزِيدُ فِي الْمَسَافَةِ أَوْ الْمُكْتَرِي. (وَبِدَفْعِهَا مُدَّعِيًا أَنَّكَ أَمَرْته بِهِ وَحَلَفْتَ وَإِلَّا حَلَفَ وَبَرِئَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَوْدَعْته وَدِيعَةً فَادَّعَى أَنَّكَ أَمَرَتْهُ بِدَفْعِهَا إلَى فُلَانٍ فَفَعَلَ وَأَنْكَرْت أَنْتَ أَنْ تَكُونَ أَمَرْته، فَهُوَ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّكَ أَمَرْته بِذَلِكَ. قَالَ أَشْهَبُ: وَسَوَاءٌ أَوْدَعْته بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. قَالَ سَحْنُونَ: وَيَحْلِفُ رَبُّهَا فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُودَعُ وَبَرِئَ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْآمِرِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا فَهُوَ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّكَ أَمَرْته بِذَلِكَ (وَرَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: إنَّ الدَّافِعَ ضَامِنٌ لَهَا ثُمَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الَّذِي قَبَضَهَا فَيَأْخُذُهَا مِنْهُ. اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَبِبَعْثِهِ بِهَا ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 283 (وَإِنْ بَعَثْت إلَيْهِ بِمَالٍ فَقَالَ: تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَيَّ وَأَنْكَرْتَ حَلَفَ وَالرَّسُولُ شَاهِدٌ وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إنْ كَانَ الْمَالُ بِيَدِهِ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ بَعَثْتَ إلَى رَجُلٍ بِمَالٍ فَقَالَ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَيَّ وَصَدَّقَهُ الرَّسُولُ وَأَنْتَ مُنْكِرٌ لِلصَّدَقَةِ وَتَقُولُ بَلْ هُوَ إيدَاعٌ، فَالرَّسُولُ شَاهِدٌ يَحْلِفُ مَعَهُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ وَيَكُونُ الْمَالُ صَدَقَةً عَلَيْهِ. قِيلَ لِمَالِكٍ: كَيْفَ يَحْلِفُ وَلَمْ يَحْضُرْ؟ قَالَ: كَمَا يَحْلِفُ الصَّبِيُّ مَعَ شَاهِدِهِ فِي دَيْنِ أَبِيهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ الضَّمَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ أَشْهَبُ أَنَّ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ عَدِيمٌ قَدْ أَتْلَفَ الْمَالَ وَلَا بَيِّنَة لِلرَّسُولِ عَلَى الدَّفْعِ، فَأَمَّا وَهُوَ مَلِيءٌ حَاضِرٌ فَشَهَادَةُ الرَّسُولِ جَائِزَةٌ مَعَ يَمِينِ الْمَشْهُودِ لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَامَتْ لِلرَّسُولِ بَيِّنَةٌ بِالدَّفْعِ فِي عَدَمِ الْمَشْهُودِ لَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ قَوْلُ أَشْهَبَ وِفَاقًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَذَلِكَ عَلَّلَ مُحَمَّدٌ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَلَّلَ غَيْرُهُ قَوْلَ أَشْهَبَ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ دَفْعًا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْآمِرَ إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَلَى جِهَةِ الْإِيدَاعِ فَدَفَعَ هُوَ عَلَى جِهَةِ التَّمْلِيكِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا يُؤْخَذُ الْآمِرُ بِغَيْرِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الدَّفْعِ، وَابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا أَجَازَ شَهَادَتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الدَّفْعِ فَدَفَعَهُ وَالْمَأْمُورُ حَاضِرٌ فَلَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 285 يُسْتَهْلَكْ بِدَفْعِهِ عَلَى بَابِ التَّمْلِيكِ. رَاجِعْ ابْنَ يُونُسَ. (وَبِدَعْوَى الرَّدِّ عَلَى وَارِثِكَ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا دَعْوَاهُ الرَّدَّ عَلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ كَدَعْوَى الرَّدِّ عَلَى وَارِثِ الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَكَذَلِكَ دَعْوَى وَارِثِ الْمُودَعِ عَلَى الْمَالِكِ يَفْتَقِرُ إلَى الْبَيِّنَةِ أَيْضًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَبْضُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ قَالَ الْمُودَعُ أَوْ الْعَامِلُ رَدَدْنَا الْمَالَ لِوَصِيِّ الْوَارِثِ لِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ لَمْ يُصَدَّقَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ الْوَصِيِّ وَلَوْ كَانَ قَبَضَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا دَفَعَاهَا إلَى غَيْرِ مَنْ قَبَضَهَا مِنْهُمَا. (أَوْ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ الْمُنْكِرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ دَفَعْتَ إلَيْهِ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَى رَجُلٍ فَقَالَ دَفَعْتُهُ إلَيْهِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ الدَّافِعُ إلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ ضَمِنَ. قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ كَالْوَصِيِّ يَدَّعِي الدَّفْعَ إلَى الْأَيْتَامِ. وَلَوْ شَرَطَ الرَّسُولُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ إلَى مَنْ أَمَرْتَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِالدَّفْعِ إذَا ثَبَتَ هَذَا الشَّرْطُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . عَبْدُ الْحَقِّ: وَهَذَا بِخِلَافِ لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَمْ يُفِدْهُ شَرْطُ نَفْيِهَا " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " إلَّا إنْ شَرَطَ الدَّفْعَ " فَالْفَرْعَانِ مَعًا مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 286 تَمَامِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (كَعَلَيْكَ إنْ كَانَتْ لَكَ بَيِّنَةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بِيَدِهِ وَدِيعَةٌ أَوْ قِرَاضٌ لِرَجُلٍ فَقَالَ لَهُ: رَدَدْتُ ذَلِكَ إلَيْكَ، فَهُوَ مُصَدَّقٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَلَوْ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ فَقَالَ ضَاعَ مِنِّي أَوْ سُرِقَ صُدِّقَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْأَمَانَاتُ الَّتِي بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ أَمَرَهُمْ اللَّهُ فِيهَا بِالتَّقْوَى وَالْأَدَاءِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِشْهَادِ كَمَا فَعَلَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ مُؤْتَمَنُونَ فِي الرَّدِّ إلَى مَنْ ائْتَمَنَهُمْ دُونَ إشْهَادٍ، فَوَجَبَ أَنْ يُصَدَّقَ الْمُسْتَوْدَعُ فِي دَعْوَاهُ رَدَّ الْوَدِيعَةِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ كَذَّبَهُ الْمُودِعُ كَمَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِيمَا ائْتَمَنَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ مِمَّا خُلِقَ فِي رَحِمِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ وَالْحَمْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِإِشْهَادٍ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ إنَّمَا ائْتَمَنَهُ عَلَى حِفْظِهَا وَلَمْ يَأْتَمِنْهُ عَلَى رَدِّهَا فَيُصَدَّقُ فِي الضَّيَاعِ الَّذِي ائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ الَّذِي اُسْتُوْثِقَ مِنْهُ وَلَمْ يَأْتَمِنْهُ عَلَيْهِ. هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ. (مَقْصُودَةٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَيَّدَ اللَّخْمِيِّ وَعَبْدُ الْحَقِّ وَالصَّقَلِّيُّ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهُ قَصَدَ بِهَا التَّوَثُّقَ مِنْهُ. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: مَنْ أَخَذَ وَدِيعَةً بِحَضْرَةِ قَوْمٍ لَمْ يَقْصِدْ إشْهَادَهُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الرَّدِّ وَلَيْسَ كَمَنْ أَخَذَهَا بِبَيِّنَةٍ، وَكَذَا إنْ أَقَرَّ الْمُودَعُ عِنْدَ بَيِّنَةٍ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ فُلَانٍ وَدِيعَةً. (لَا بِدَعْوَى التَّلَفِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَبَضَ قِرَاضًا أَوْ وَدِيعَةً بِبَيِّنَةٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 289 لَا يَبْرَأُ بِقَوْلِهِ رَدَدْتُ وَيُصَدَّقُ إذَا قَالَ ضَاعَ مِنِّي. (أَوْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالرَّدِّ أَوْ الضَّيَاعِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ لَوْ قَالَ لِمُودِعِهَا مَا أَدْرِي أَرَدَدْتُهَا إلَيْكَ أَمْ تَلِفَتْ، لَمْ يَضْمَنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَوْدَعَهُ إيَّاهَا بِبَيِّنَةٍ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَيَحْلِفُ مَا هِيَ عِنْدَهُ وَلَقَدْ دَفَعْتُهَا إلَيْكَ أَوْ تَلِفَتْ (وَحَلَفَ الْمُتَّهَمُ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: لَوْ أَقْبَضَهُ الْوَدِيعَةَ أَوْ الْقِرَاضَ بِبَيِّنَةٍ فَقَالَ ضَاعَ مِنِّي صُدِّقَ، يُرِيدُ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ فَيَحْلِفَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَإِنْ نَكَلَ الْمُتَّهَمُ عَنْ الْيَمِينِ ضَمِنَ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ هُنَا. ابْنُ يُونُسَ: الْفَرْقُ بَيْنَ دَعْوَى الرَّدِّ وَدَعْوَى الضَّيَاعِ أَنَّ رَبَّ الْوَدِيعَةِ فِي دَعْوَاهُ الرَّدَّ يَدَّعِي يَقِينًا أَنَّهُ كَاذِبٌ فَيَحْلِفُ، كَانَ مُتَّهَمًا أَوْ غَيْرَ مُتَّهَمٍ. وَفِي دَعْوَى الضَّيَاعِ لَا عِلْمَ لَهُ بِحَقِيقَةِ دَعْوَاهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ جِهَةِ الْمُودَعِ، فَلَا يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ (وَلَمْ يُفِدْهُ شَرْطُ نَفْيِهَا) لَيْسَ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْفَرْعِ قَبْلَهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ دَفَعْتَ لَهُ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. عَبْدُ الْحَقِّ: فَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْفَعْهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهَا حِينَ تَعَلُّقِهَا فَكَأَنَّهُ شَرَطَ إسْقَاطَ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 290 بَعْدُ بِخِلَافِ لَوْ شَرَطَ دَفْعَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ. اُنْظُرْ تَصَوُّرَ هَذَا فِي الْخَارِجِ (فَإِنْ نَكَلَ حَلَفْت) مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ فِي الْمُتَّهَمِ إذَا نَكِلَ إلَّا عَدَمَ رَدِّ الْيَمِينِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْأَظْهَرُ أَنْ تُلْحَقَ الْيَمِينُ إذَا قَوِيَتْ التُّهْمَةُ وَتَسْقُطُ إذَا ضَعُفَتْ وَأَنْ لَا تَرْجِعَ إذَا لَحِقَتْ، فَيَبْقَى النَّظَرُ هَلْ يَكُونُ قَوْلُهُ: " فَإِنْ نَكِلَ حَلَفْت " رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ " وَلَمْ يُفِدْهُ شَرْطُ نَفْيِهَا " أَوْ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى دَعْوَى الرَّدِّ فَانْظُرْهُ أَنْتَ (وَلَا إنْ شَرَطَ الدَّفْعَ لِلْمُرْسَلِ إلَيْهِ بِلَا بَيِّنَةٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: لَوْ شَرَطَ الرَّسُولُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَمْ يَضْمَنْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . (وَبِقَوْلِهِ تَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ تَلْقَانِي بَعْدَ مَنْعِهِ دَفْعَهَا) رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ مَالُ وَدِيعَةٍ فَطَلَبَهُ مِنْهُ فَاعْتَذَرَ بِشَغْلٍ وَأَنَّهُ يَرْكَبُ إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَلَمْ يَقْبَلْ عُذْرَهُ فَتَصَايَحَا فَحَلَفَ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا كَانَ فِي غَدٍ قَالَ ذَهَبْتَ قَبْلَ أَنْ تَلْقَانِي، ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا. وَإِنْ قَالَ لَا أَدْرَى مَتَى ذَهَبَتْ حَلَفَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَالَ أَصْبَغُ: وَيَحْلِفُ مَا عَلِمَ بِذَهَابِهَا حِينَ مَنَعَهُ (كَقَوْلِهِ بَعْدَهُ بِلَا عُذْرٍ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ قَالَ ذَهَبَتْ بَعْدَمَا حَلَفْتُ وَفَارَقْتُكَ ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ مَنَعَهَا إيَّاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَانَ عَلَى أَمْرٍ لَا يَسْتَطِيعُ فِيهِ أَنْ يَرْجِعَ وَيَكُونَ عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرٌ فَلَا يَضْمَنُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إذَا قَالَ: أَنَا مَشْغُولٌ إلَى غَدٍ فَرَجَعَ إلَيْهِ فَقَالَ تَلِفَتْ قَبْلَ مَجِيئِكَ الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَهُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَا أَدْفَعُهَا إلَيْكَ إلَّا بِالسُّلْطَانِ فَتَرَافَعَا إلَيْهِ فَضَاعَتْ بَيْنَ سُؤَالِهِ إيَّاهُ وَبَيْنَ إتْيَانِهِ السُّلْطَانَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ عُذْرًا يَقُولُ خِفْتُ شَغَبَهُ وَأَذَاهُ (لَا إنْ قَالَ لَا أَدْرِي مَتَى تَلِفَتْ) اُنْظُرْهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: " بَعْدَهُ ". (وَبِمَنْعِهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمُ إنْ لَمْ تَكُنْ بِبَيِّنَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ أَبَى مِنْ دَفْعِهَا إلَّا بِالسُّلْطَانِ فَهَلَكَتْ فِي تَرَافُعِهِمَا فَفِي ضَمَانِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 291 فِيهَا وَفِي الرَّهْنِ وَإِنْ كَانَ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ وَنَفْيُهُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهَا ثَالِثُهَا إنْ كَانَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لِابْنِ دَحُونَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ إلَّا قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ خَاصَّةً حَسْبَمَا نَقَلْته قَبْلَ قَوْلِهِ " لَا إنْ قَالَ لَا أَدْرِي ". وَأَمَّا نَصُّ ابْنِ الْقَاسِمِ فَهُوَ سَمَاعُ أَبِي زَيْدٍ فِي رَبِّ الْوَدِيعَةِ يَطْلُبُهَا وَالرَّاهِنُ يَطْلُبُ فِكَاكَهُ فَيَأْبَى الَّذِي ذَلِكَ فِي يَدَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ حَتَّى يَأْتِيَ السُّلْطَانُ فَيَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالدَّفْعِ فَهَلَكَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضِيَّةِ وَبَعْدَ طَلَبِ أَرْبَابِهِ قَالَ: إنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ بِلَا بَيِّنَةٍ فَهُوَ ضَامِنٌ. (لَا إنْ قَالَ ضَاعَتْ مُنْذُ سِنِينَ وَكُنْت أَرْجُوهَا وَلَوْ حَضَرَ صَاحِبُهَا كَالْقِرَاضِ) . ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ طَلَبْتَ مِنْهُ وَدِيعَةً فَقَالَ ضَاعَتْ مُنْذُ سِنِينَ إلَّا أَنِّي كُنْت أَرْجُو أَنْ أَجِدَهَا وَأَطْلُبَهَا وَلَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ هَذَا قَبْلَ ذَلِكَ وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ قَالَ: هُوَ مُصَدَّقٌ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ: وَالْقِرَاضُ مِثْلُهُ. (وَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا لِمَنْ ظَلَمَهُ بِمِثْلِهَا) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي فَصْلِ الدَّعْوَى. وَلِابْنِ عَرَفَةَ هُنَا: مَنْ ظَفِرَ بِمَالٍ لِمَنْ جَحَدَهُ مِثْلَهُ فِيهِ اضْطِرَابٌ. وَقَالَ فِي فَصْلِ الدَّعْوَى: فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْمَنْعُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ وَالِاسْتِحْبَابُ. وَقَدْ قَالَ خَلِيلٌ بَعْدَ هَذَا: وَإِنْ قَدَرَ عَلَى شَيْئِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرَ عُقُوبَةٍ وَأَمْنَ فِتْنَةٍ وَرَذِيلَةٍ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَنْ غُصِبَ مِنْهُ شَيْءٌ وَقَدَرَ عَلَى اسْتِرْدَادِهِ مَعَ الْأَمْنِ مِنْ تَحْرِيكِ فِتْنَةٍ أَوْ سُوءِ عَاقِبَةٍ بِأَنْ يُعَدَّ سَارِقًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، جَازَ لَهُ أَخْذُهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ. وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَاكِمِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَأَمَّا إنْ قَدَرَ عَلَى غَيْرِ شَيْئِهِ فَثَالِثُهَا إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ جَازَ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ شَاسٍ: وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ جِنْسِ مَالِهِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً فَجَحَدَهُ إيَّاهَا ثُمَّ اسْتَوْدَعَهُ وَدِيعَةً أَوْ ائْتَمَنَهُ عَلَى شَيْءٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجْحَدُهُ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ لَهُ أَخْذُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنْ كَانَ فَبِقَدْرِ حِصَاصِهِ مِنْهُ. الْمَازِرِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَغُرَمَاؤُهُ عَالِمُونَ بِفَلَسِهِ أَوْ شَاكُّونَ وَتَرَكُوهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي جَازَ لَهُ حَبْسُ جَمِيعِهَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ عِنْدَهُمْ الْيُسْرَ وَلَوْ عَلِمُوا ضَرَبُوا عَلَى يَدَيْهِ جَازَ لَهُ أَخْذُ مَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 292 يَصِيرُ لَهُ فِي الْمُحَاصَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَرَضًا جَازَ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَحْسِبَ الثَّمَنَ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَلَا يَأْخُذُ الْعَرَضَ يَتَمَلَّكُهُ عِوَضَ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إلْزَامٌ لِلْمَانِعِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ أَنْ يُعَوَّضَ عَنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَسَامَحَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا لِلضَّرُورَةِ قَالَ: وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ إنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي كَلَّفَهُ إثْبَاتَ دَيْنِهِ؟ اخْتَارَ بَعْضُ أَشْيَاخِي هَذَا وَيَبِيعُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ الَّتِي نَبَّهْنَا عَلَيْهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ أَخْذُ قَدْرِ مَا يَنُوبُهُ وَإِنْ كَانَ لِلْغُرَمَاءِ الدُّخُولُ مَعَهُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي تَلْحَقُهُ لَوْ أَظْهَرَ ذَلِكَ، فَمَتَى لَمْ يَضُرَّ بِالْغُرَمَاءِ بِأَخْذِ مَا يَنُوبُهُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: فَإِنْ حُلِّفَ فَحَلَفَ مَا ضَرَّهُ ذَلِكَ كَالْمُكْرَهِ عَلَى الْيَمِينِ فِي أَخْذِ مَالِهِ فَيَحْلِفُ وَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْحَدَهُ إذَا أَمَرَ أَنْ يُحَلِّفَهُ كَاذِبًا يُرِيدُ أَنَّ الْمُودِعَ يَقُولُ لَهُ احْلِفْ لِي أَنِّي مَا أَوْدَعْتُكَ. وَقِيلَ: يَحْلِفُ مَا أَوْدَعْتنِي شَيْئًا يَنْوِي يَلْزَمُنِي رَدُّهُ. وَقِيلَ يَنْوِي مِثْلَهُ أَنْ يُحَرِّكَ بِهِ لِسَانَهُ وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ. وَالصَّوَابُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْحَدَ مَا أَوْدَعَهُ مَكَانَ حَقِّهِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} [النحل: 126] الْآيَةَ. وَلِحَدِيثِ هِنْدٍ " خُذِي مِنْ مَالِهِ ". وَقِيلَ: مَعْنَى: «وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» أَنْ تَأْخُذَ فَوْقَ حَقِّكَ انْتَهَى. وَقَدْ نَقَلْت مِنْ كَلَامِ كُلِّ إمَامٍ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ أَحْكَامِ هَذَا الْفَرْعِ. وَحَاصِلُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ تَرْجِيحُ الْأَخْذِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْحَجْرِ مِنْ حَبْسِ وَدِيعَةِ الظَّالِمِ وَقَدْ نَصُّوا فِي الْوَصِيِّ إذَا عَلِمَ بِالدَّيْنِ دُونَ غَيْرِهِ أَنَّهُ إنْ خَفِيَ لَهُ دَفْعُهُ دُونَ مُغَلِّبٍ فَعَلَ وَإِلَّا كَانَ شَاهِدًا. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ فِي مَيِّتٍ أَوْصَى لِصَغِيرٍ بِدَنَانِيرَ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا الْوَصِيُّ، فَإِنْ خَفِيَ لَهُ دَفْعُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يُتْبَعُ بِهِ فَلَهُ دَفْعُ ذَلِكَ دُونَ السُّلْطَانِ. وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ السُّلْطَانُ ثُمَّ خَفِيَ لَهُ دَفْعُ ذَلِكَ فَلَهُ ذَلِكَ. وَقَدْ كُنْت أَفْتَيْت زَمَنَ الْقَائِدِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ السِّرَاجِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَأْخُذَ الْمُجَاهِدُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَدْرَ حَقِّهِ لِقِلَّةِ الِاهْتِبَالِ بِجَمْعِ الْغَنَائِمِ وَقَسْمِهَا، وَمَا كَانَ أَحَدٌ وَقَفَنِي عَلَى ذَلِكَ إلَى أَنْ وَجَدْت النَّصَّ بِمَا أَفْتَيْتُ بِهِ فِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مُسْتَنَدِي مَعَ مَا تَقَدَّمَ مَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ أَجَازَ مَالِكًا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ، فَقِيلَ لِمَالِكٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ تَأْخُذُهَا مِنْ هَذَا كَأَنَّهُ يَسْتَكْثِرُهَا؟ فَقَالَ: إذَا كَانَ مِقْدَارَ مَا لَوْ كَانَ إمَامَ عَدْلٍ فَأَنْصَفَ أَهْلَ الْمُرُوءَةِ أَصَابَهُ سَيْبُهُ بِذَلِكَ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا. وَسَأَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ جَائِزَةِ السُّلْطَانِ فَقَالَ لَهُ: لَا تَأْخُذْهَا. فَقَالَ لَهُ: لَا بَلْ نَقْبَلُهَا. فَقَالَ مَالِكٌ: أَتُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَ مَالِكٍ هَذَا إنَّمَا هُوَ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْفِقْهِ لِمِثْلِ هَذَا السَّائِلِ مُوحِشٌ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ حِينَ مَنَعَ مِنْ قَبَالَةِ مِصْرَ وَقِيلَ لَهُ أَشْهَبُ يَقْبَلُهَا فَقَالَ لِلرَّجُلِ: قُمْ أَنْتَ بِبَعْضِ مَا يَقُومُ أَشْهَبُ وَحِينَئِذٍ خُذْ مَا يَأْخُذُ أَشْهَبُ أَوْ كَمَا قَالَ لَهُ. وَكَمَا حَكَى عَنْ زِيَادَةِ اللَّهِ عَامِلِ إفْرِيقِيَّةَ أَنَّهُ أَجَازَ الْعُلَمَاءُ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَ الْجَائِزَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّهَا، فَاسْتَنْقَصَ زِيَادَةُ اللَّهِ كُلَّ مَنْ قَبِلَ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَسَدَ بْنَ الْفُرَاتِ وَكَانَ مِمَّنْ قَبِلَ فَقَالَ: لَا عَلَيْهِ إنَّمَا أَوْصَلَنَا إلَى بَعْضِ حَقِّنَا وَاَللَّهُ حَسِيبُهُ فِيمَا يُمْسِكُهُ عَنَّا. وَقَدْ نَصُّوا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ أَنْ يَجْمَعَ النَّاسُ مَالًا لِيُرَتِّبُوا مِنْهُ الْجُنْدَ وَحَمَلَةَ الْعِلْمِ أَعْنِي عِلْمَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ الَّذِي سُئِلَ مَالِكٌ عَنْهُ أَهُوَ فَرْضٌ؟ فَقَالَ: أَمَّا عَلَى كُلِّ النَّاسِ فَلَا. قَالُوا: وَاَلَّذِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 293 يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ هَذَا الْعِلْمُ هُوَ مَنْ جَادَ حِفْظُهُ وَحَسَّ إدْرَاكُهُ وَطَابَتْ سَجِيَّتُهُ وَسَرِيرَتُهُ، فَمِثْلُ هَذَا هُوَ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ هَذِهِ الْجَائِزَةِ، وَمَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ هَذِهِ الْأَوْصَافُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ، وَرُبَّمَا كَانَ طَلَبُهُ الْعِلْمَ مِنْ بَابِ الْعَبَثِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَصْلَحَةِ الْمُجْتَلَبَةِ وَمِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ فِي حَقِّهِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ شَرْعًا، فَكَيْفَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ مُرَتَّبًا أَوْ أَجْرًا؟ . (وَلَا أُجْرَةَ حِفْظِهَا بِخِلَافِ مَحَلِّهَا) . ابْنُ رُشْدٍ: لَا أَجْرَ لِلْمُودَعِ عَلَى حِفْظِ الْوَدِيعَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَشْغَلُ مَنْزِلَهُ فَطَلَبَ أَجْرَ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى غَلْقٍ أَوْ قُفْلٍ فَذَلِكَ عَلَى رَبِّهَا. وَقَيَّدَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وُجُوبَ أُجْرَةِ الْمَحَلِّ بِكَوْنِ طَالِبِهَا مِمَّنْ يَقْتَضِي حَالُهُ ذَلِكَ وَعَدَمُ أُجْرَةِ حِفْظِهَا بِنَقِيضِهِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهَا: مَنْ رَكِبَ دَابَّةَ رَجُلٍ إلَى بَلَدٍ وَقَالَ إنَّمَا أَعَارَهُ إيَّاهَا وَقَالَ رَبُّهَا بَلْ بِكِرَاءٍ قُبِلَ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَيْسَ مِثْلُهُ يُكْرِي الدَّوَابَّ لِشَرَفِهِ وَقَدْرِهِ. (وَلِكُلٍّ تَرْكُهَا) . ابْنُ شَاسٍ: الْوَدِيعَةُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا لِلْفَاعِلِ وَالْقَابِلِ مُبَاحَةٌ، وَقَدْ يَعْرِضُ وُجُوبُهَا كَخَائِفٍ فَقْدَهَا الْمُوجِبُ هَلَاكَهُ أَوْ فَقْرَهُ إنْ لَمْ يُودِعْهَا مَعَ وُجُودِ قَابِلٍ لَهَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَعْرِضُ حُرْمَتُهَا كَإِيدَاعِ مَغْصُوبٍ لَا يَقْدِرُ الْقَابِلُ عَلَى جَحْدِهِ لِيَرُدَّهُ عَلَى رَبِّهِ كَنَقْلِ عِيَاضٍ: مَنْ قَبِلَ وَدِيعَةً مِنْ مُسْتَغْرَقِ ذِمَّةٍ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ ضَمِنَ لِلْفُقَرَاءِ قِيمَتَهَا. مِنْ الْبُرْزُلِيُّ قُلْتُ: لِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَأَظُنُّهُ الصَّائِغَ: إنْ خَفِيَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا فَعَلَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: مَنْ سُئِلَ قَبُولَ وَدِيعَةٍ لَيْسَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ قَبُولُهَا لِهَلَاكِهَا إنْ لَمْ يَقْبَلْهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى حِفْظِهَا كَرُفْقَةٍ فِيهَا مَنْ يَحْتَرِمُهُ مَنْ أَغَارَ عَلَيْهَا أَوْ ذِي حُرْمَةٍ بِحَاضِرَةِ يَعْرِضُ ظَالِمٌ لِبَعْضِ أَهْلِهَا انْتَهَى. وَنَحْوُ هَذَا لِابْنِ رُشْدٍ قَالَ: يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ فِيهِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ دُعِيَ إلَى أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مَنْ يَشْهَدُ غَيْرُهُ. (وَإِنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا أَوْ أَقْرَضَهُ أَوْ بَاعَهُ فَأَتْلَفَ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ بِإِذْنِ أَهْلِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا صَغِيرًا وَدِيعَةً بِإِذْنِ أَهْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ، يُرِيدُ وَكَذَلِكَ السَّفِيهُ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ ذَلِكَ سَلَّطُوا يَدَيْهِ عَلَى إتْلَافِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ بَاعَ مِنْهُ سِلْعَةً فَأَتْلَفَهَا فَلَيْسَ لَهُ إتْبَاعُهُ بِثَمَنٍ وَلَا قِيمَةٍ، وَلَا ابْتَاعَ مِنْ الصَّبِيِّ سِلْعَةً وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ فَأَتْلَفَهُ فَالْمُبْتَاعُ ضَامِنٌ لِلسِّلْعَةِ وَلَا شَيْءَ لَهُ قِبَلَ الصَّبِيِّ مِنْ الثَّمَنِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْجَوَابُ فِي إتْلَافِهِ صَوَابٌ وَالسُّؤَالُ فِي ضَيَاعِهَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ كَالرَّشِيدِ. اللَّخْمِيِّ: وَلَا تَبَاعَةَ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَا عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 294 السَّفِيهِ إلَّا أَنْ يُثْبِتَا أَنَّهُمَا أَنْفَقَا ذَلِكَ فِيمَا لَا غِنَى لَهُمَا عَنْهُ فَيُتْبَعَا فِي الْمَالِ الَّذِي صَرَفَاهُ، فَإِنْ أَذْهَبَا ذَلِكَ الْمَالَ وَأَفَادَا غَيْرَهُ لَمْ يُتْبَعَا فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: مَنْ أَوْدَعَ عِنْدَ صَبِيٍّ شَيْئًا بِإِذْنِ أَهْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَأَتْلَفَهُ الصَّبِيُّ أَوْ ضَيَّعَهُ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَقْرَضَهُ أَوْ بَاعَهُ، وَكَذَلِكَ السَّفِيهُ. وَمِنْ نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: أَفْتَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ بِضَمَانِ رَجُلٍ أَعْطَاهُ صَبِيٌّ مَالًا وَدِيعَةً ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رَدَّهُ لِمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطَاهُ. (وَتَعَلَّقَتْ بِذِمَّةِ الْمَأْذُونِ عَاجِلًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا أَتْلَفَ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ وَدِيعَةٍ فِي يَدِهِ فَذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ لَا فِي رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَوْدَعَهُ مُتَطَوِّعٌ بِالْإِيدَاعِ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَفْسَخَ ذَلِكَ مِنْهُ. (وَبِذِمَّةِ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُسْقِطَهُ السَّيِّدُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَوْدَعْت عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَدِيعَةً فَأَتْلَفَهَا فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ إنْ عَتَقَ يَوْمًا إلَّا أَنْ يَفْسَخَهُ عَنْهُ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ فِي الرِّقِّ فَذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَعِيبُهُ فَيَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْ الْعَبْدِ فِي رِقِّهِ وَبَعْدَ عِتْقِهِ. (وَإِنْ قَالَ هِيَ لِأَحَدِكُمَا وَنَسِيَتْهُ تَحَالَفَا وَقُسِمَتْ بَيْنَهُمَا) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: فِيمَنْ بِيَدِهِ وَدِيعَةٌ مِائَتَا دِينَارٍ فَأَتَى رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ يَدَّعِيهَا وَلَا يَدْرِي لِمَنْ هِيَ مِنْهُمَا قَالَ: تَكُونُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا، فَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَهِيَ كُلُّهَا لِمَنْ حَلَفَ، وَأَمَّا فِي الدَّيْنِ فَيَغْرَمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةً. (وَإِنْ أَوْدَعَ اثْنَيْنِ جُعِلَتْ بِيَدِ الْأَعْدَلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قُلْت: فَالرَّجُلُ يَسْتَوْدِعُ الرَّجُلَيْنِ أَوْ يُبْضِعُهُمَا عِنْدَ مَنْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْوَصِيَّيْنِ: إنَّ الْمَالَ يُجْعَلُ عِنْدَ أَعْدَلِهِمَا. قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلَيْنِ وَضَعَهُ السُّلْطَانُ عِنْدَ غَيْرِهِمَا وَتَبْطُلُ وَصِيَّتُهُمَا إذَا لَمْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْبِضَاعَةِ شَيْئًا وَأَرَاهُ مِثْلَهُ. قَالَ سَحْنُونَ: وَإِنْ اقْتَسَمَ الْمُودَعَانِ أَوْ الْعَامِلَانِ الْمَالَ فِي الْقِرَاضِ لَمْ يَضْمَنَا. قَالَ يَحْيَى: وَلَا يَضْمَنُ الْوَصِيَّانِ إذَا اقْتَسَمَاهُ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَضْمَنُ مَا سُلِّمَ وَمَا صَارَ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ مَا سُلِّمَ بِالتَّسْلِيمِ وَمَا صَارَ بِيَدِهِ بِرِضَاهُ بِرَفْعِ يَدِ الْآخَرِ عَنْهُ. اُنْظُرْ إيدَاعَ الْمُحْرِم. قَالَ اللَّخْمِيِّ: لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 295 بِامْرَأَةٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَحْرَمٌ» وَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ لِمَنْ ادَّعَى أَمَةً وَأَقَامَ شَاهِدًا وَضَعَ قِيمَتَهَا وَيُسَافِرُ بِهَا إنْ كَانَ مَأْمُونًا، وَمَنَعَهُ أَصْبَغُ. وَانْظُرْ مَسْأَلَةً نَزَلْت فِي كَافِرٍ حَمَلَ أَمَانَةً فَادَّعَى ضَيَاعَهَا. وَفِي الزَّاهِي: لَا يُؤْتَمَنُ الْكَافِرُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَظْهَرُ جَوَازُهُ إنْ كَانَ مَأْمُونًا. وَمِنْ الِاسْتِغْنَاءِ: الْمُسْلِمُ يَسْتَحْمِلُ النَّصْرَانِيَّ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَى مَنْ يَأْمُرُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أُحِبُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُبْضِعَ مَعَ كَافِرٍ وَلَا يَأْمَنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ بَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ. وَمِنْ الِاسْتِغْنَاءِ أَيْضًا: إنْ ادَّعَى تَلَفَ الْوَدِيعَةِ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ أَيْ مُتَّهَمًا بِالْخِيَانَةِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَا فَرَّطَ وَلَا ضَيَّعَ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ سَبَبِهَا شَيْءٌ وَبَرِئَ. وَأَمَّا إنْ كَانَ شِرِّيبًا أَوْ زَانِيًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْفِسْقِ غَيْرَ الْخِيَانَةِ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ادَّعَى رَبُّ الْوَدِيعَةِ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ أَمَانَتَهُ. ابْنُ شَاسٍ. [كِتَابُ الْعَارِيَّةِ] [فِي أَرْكَانِ الْعَارِيَّةِ وَأَحْكَامِهَا وَفَصْلِ الْخُصُومَةِ فِيهَا] كِتَابُ الْعَارِيَّةِ. وَالنَّظَرِ فِي أَرْكَانِهَا وَأَحْكَامِهَا وَفَصْلِ الْخُصُومَةِ فِيهَا. أَمَّا الْأَرْكَانُ فَالْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَعَارُ وَالصِّيغَةُ. وَأَمَّا أَحْكَامُهَا فَأَرْبَعَةٌ وَهِيَ: الضَّمَانُ وَالتَّسَلُّطُ عَلَى الِانْتِفَاعِ وَاللُّزُومُ وَالْحُكْمُ الدَّافِعُ لُزُومَ الْخُصُومَةِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْعَرِيَّةُ بِالتَّشْدِيدِ كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَنْكَرَ هَذَا عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ. قِيلَ: إنَّهَا مِنْ التَّعَاوُرِ الَّذِي هُوَ التَّدَاوُلُ وَزْنُهَا فَعِيلَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَرَاهُ يَعْرُوهُ إذَا قَصَدَهُ وَيَكُونُ وَزْنُهَا " فَاعُولَةٌ " أَوْ " فَعِيلَةٌ " عَلَى الْقَلْبِ وَهِيَ مَصْدَرًا: تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ لَا بِعِوَضٍ فَيَدْخُلُ الْعُمْرَى وَالْإِخْدَامُ لَا الْحَبْسُ. وَاسْمًا: مَالٌ ذُو مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ مُلِّكَتْ لَا بِعِوَضٍ. (وَصَحَّ وَنُدِبَ إعَارَةُ) سَيَأْتِي لِابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْعَارِيَّةَ تَصِحُّ مِنْ مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ بِلَا حَجْرٍ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 296 الْعَارِيَّةُ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» . ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَعْرِضُ وُجُوبُهَا كَغَنِيٍّ عَنْهَا لِمَنْ يَخْشَى بِعَدَمِهَا هَلَاكًا، وَحُرْمَتُهَا كَكَوْنِهَا عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَكَرَاهَتُهَا وَإِبَاحَتُهَا. (مَالِكٌ مَنْفَعَةً بِلَا حَجْرٍ وَإِنْ مُسْتَعِيرًا) ابْنُ عَرَفَةَ: مَا مُنِعَ فِي الْإِجَارَةِ فَأَحْرَى فِي الْعَارِيَّةِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اسْتَأْجَرْت ثَوْبًا لَا تُعْطِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 297 غَيْرَكَ وَإِنْ اكْتَرَيْت دَابَّةً لَا تُكْرِهَا غَيْرَكَ. وَفِي الزَّاهِي: مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَلَا يُرْكِبُهَا غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ فِي الْخِفَّةِ. وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ " الْمُعِيرُ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فَتَصِحُّ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ " يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمَا لِلرَّجُلِ أَنْ يُؤَاجِرَ مَا أُوصِيَ لَهُ بِهِ مِنْ سُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْعَبْدِ نَاحِيَةَ الْكَفَالَةِ وَالْحَضَانَةِ. (لَا مَالِكَ انْتِفَاعٍ) اُنْظُرْ فِي الشَّرِكَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَبُدِئَ فِي بِنَاءٍ بِطَرِيقٍ " أَنَّ أَصْحَابَ حَبْسِ الْمَدَارِسِ لَا تَجُوزُ لَهُمْ عَارِيَّةٌ. (مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ عَلَيْهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُسْتَعِيرُ قَابِلُ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا يُعَارُ كَافِرٌ عَبْدًا مُسْلِمًا وَلَا وَلَدٌ وَالِدَهُ. وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ " الْمُسْتَعِيرُ أَهْلٌ لِلتَّبَرُّعِ عَلَيْهِ " قَاصِرٌ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ وَالْوَلَدَ أَهْلٌ لِلتَّبَرُّعِ عَلَيْهِ. (عَيْنًا لِمَنْفَعَةٍ) اللَّخْمِيِّ: الْعَارِيَّةُ هِبَةُ الْمَنَافِعِ دُونَ الرِّقَابِ. ابْنُ شَاسٍ: فَلَا تُعَارُ الْمَكِيلَاتُ وَلَا الْمَوْزُونَاتُ وَإِنَّمَا يَكُونُ قَرْضًا؛ لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ إلَّا لِاسْتِهْلَاكِ أَعْيَانِهَا، وَكَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ إذَا أُخِذَتْ لِيَتَصَرَّفَ فِيهَا. اللَّخْمِيِّ: وَلَوْ اُسْتُعِيرَتْ لِتَبْقَى أَعْيَانُهَا كَالصَّيْرَفِيِّ يَجْعَلُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيُرَى أَنَّهُ ذُو مَالٍ فَيَقْصِدُهُ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي، فَهَذِهِ تُضْمَنُ إذَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى تَلَفِهَا وَلَا تُضْمَنُ مَعَ الشَّهَادَةِ عَلَى تَلَفِهَا. (مُبَاحَةٍ) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ شَرْطِ الْمُسْتَعَارِ أَنْ يَكُونَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مُبَاحًا فَلَا يُسْتَعَارُ الْجَوَارِي لِلِاسْتِمْتَاعِ، وَيُكْرَهُ اسْتِخْدَامُ الْإِمَاءِ إلَّا مِنْ الْمَحْرَمِ وَالنِّسْوَانِ أَوْ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْإِصَابَةَ مِنْ الصِّبْيَانِ. (لَا كَذِمِّيٍّ مُسْلِمًا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ: لَا يُعَارُ كَافِرٌ عَبْدًا مُسْلِمًا. (وَجَارِيَةً لِوَطْءٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ: لَا يُسْتَعَارُ الْجَوَارِي لِلِاسْتِمْتَاعِ. (أَوْ خِدْمَةٍ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ) وَاللَّخْمِيُّ شَرْطُ عَارِيَّةِ خِدْمَةِ الْإِمَاءِ كَوْنُهُ لِمَنْ لَا تُخْشَى مُتْعَتُهُ بِهِنَّ فَتَجُوزُ لِلنِّسَاءِ وَلِغَيْرِ بَالِغٍ وَلِذِي مَحْرَمٍ مِنْهُنَّ كَالِابْنِ وَالْأَبِ وَالْأَخِ وَابْنِ الْأَخِ وَالْجَدِّ وَالْعَمِّ، هَؤُلَاءِ بِالِانْتِفَاعِ بِالْخِدْمَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَصِحُّ مِنْهُ مِلْكُ رَقَبَةِ الْمَخْدُومِ جَازَ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ، وَمَنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَتَكُونُ مَنَافِعُ ذَلِكَ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ لَهُمَا دُونَ مَنْ وُهِبَتْ لَهُ. وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: إجَارَةُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: فَإِنْ كَانَ عَزَبًا لَمْ يَجُزْ مَأْمُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ وَهُوَ مَأْمُونٌ جَازَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ فِي هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً لَا أَرَبَ لِلرِّجَالِ فِيهَا جَازَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ شَابَّةً وَهُوَ شَيْخٌ فَانٍ (أَوْ لِمَنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ وَهِيَ لَهُمَا) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: مَنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ وَيَكُونُ مَنَافِعُ ذَلِكَ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ لَهُمَا دُونَ مَنْ وُهِبَتْ لَهُ (وَالْأَطْعِمَةُ وَالنُّقُودُ قَرْضٌ) هَذَا نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَتَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: " عَيْنًا ". (بِمَا يَدُلُّ) ابْنُ شَاسٍ: الصِّيغَةُ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى الْعَارِيَّةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: بِحَسَبِ اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ قَالَ أَسْرِجْ لِي دَابَّتَكَ لِأَرْكَبَهَا فِي حَاجَةٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 298 فَيَقُولُ ارْكَبْهَا حَيْثُ أَحْبَبْت، فَهَذَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُسْرِجْهَا لَهُ إلَى الشَّامِ. (وَجَازَ أَعِنِّي بِغُلَامِكَ لِأُعِينَكَ بِغُلَامِي إجَارَةً) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ أَعِنِّي بِغُلَامِكَ يَوْمًا وَأُعِينُكَ بِغُلَامِي يَوْمًا فَلَيْسَ بِعَارِيَّةٍ بَلْ تَرْجِعُ إلَى حُكْمِ الْإِجَارَةِ لَكِنْ أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَآهُ مِنْ الرِّفْقِ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَعِنِّي بِغُلَامِكَ أَوْ ثَوْرِكَ فِي حَرْثِي يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَأُعِينُكَ بِغُلَامِي أَوْ ثَوْرِي يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلرِّفْقِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا فِي الْخِيَارِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَأَجِيرٌ تَأَخَّرَ شَهْرًا ". (وَضَمِنَ الْمَغِيبُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُرُوضِ، فَإِنْ ادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ أَنَّ ذَلِكَ هَلَكَ أَوْ سُرِقَ أَوْ تَحَرَّقَ أَوْ انْكَسَرَ فَهُوَ ضَامِنٌ وَعَلَيْهِ فِيمَا أَفْسَدَ فَسَادًا يَسِيرًا مَا نَقَصَهُ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا ضَمِنَ قِيمَتَهُ كُلَّهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّ ذَلِكَ هَلَكَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ تَضْيِيعٌ أَوْ تَفْرِيطٌ بَيِّنٌ فَيَضْمَنُ. (وَهَلْ وَإِنْ شَرَطَ نَفْيَهُ تَرَدُّدٌ) ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ شَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَهُوَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَقَلَهُ الْجَلَّابُ عَنْ الْمَذْهَبِ وَفِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ اللَّخْمِيِّ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: إنْ شَرَطَ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِي تَلَفِ الثِّيَابِ وَشِبْهِهَا لَهُ شَرْطُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (لَا غَيْرَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ مَا عُلِمَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ هَلَكَ أَوْ نَقَصَ فِيمَا اُسْتُعِيرَ لَهُ فَلَا يَضْمَنُهُ، وَلَا يَضْمَنُ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي تَلَفِهِ، وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِمَّا أَصَابَهُ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِتَعَدِّيهِ. (وَلَوْ بِشَرْطٍ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ اشْتَرَطَ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الضَّمَانَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَقَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ حَاشَا مُطَرِّفٍ. (وَحَلَفَ فِيمَا عُلِمَ أَنَّهُ بِلَا سَبَبِهِ كَسُوسٍ أَنَّهُ مَا فَرَّطَ وَبَرِئَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مَا عُلِمَ أَنَّهُ بِغَيْرِ سَبَبِهِ كَالسُّوسِ فِي الثَّوْبِ يَحْلِفُ مَا أَرَادَ فَسَادًا وَيَبْرَأُ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ هُنَا فَإِنَّ فِي هَذَا كَلَامًا يَطُولُ. وَانْظُرْ أَوَّلَ تَرْجَمَةٍ مِنْ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ: وَكُلُّ مَا فِي الرُّهُونِ وَتَضْمِينِ الصُّنَّاعِ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي الْعَارِيَّةِ. (وَبَرِئَ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 299 كَسْرٍ كَسَيْفٍ إنْ شُهِدَ لَهُ أَنَّهُ مَعَهُ فِي اللِّقَاءِ أَوْ ضَرَبَ بِهِ ضَرْبَ مِثْلِهِ) فَضَمِنَهُ وَحَلَفَ فِيمَا عُلِمَ أَنَّهُ بِلَا سَبَبِهِ وَفِي كَسْرٍ كَسَيْفٍ إلَخْ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اسْتَعَارَ سَيْفًا لِيُقَاتِلَ بِهِ فَضَرَبَ بِهِ فَانْكَسَرَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ عُرِفَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ فِي اللِّقَاءِ وَإِلَّا ضَمِنَ. قَالَ سَحْنُونَ: وَلَعَلَّهُ ضَرَبَ بِهِ ضَرْبًا أَخْرَقَ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إذَا اسْتَعَارَ ثَوْبًا أَوْ مِنْشَارًا أَوْ فَأْسًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَيَأْتِي بِهِ مَكْسُورًا يَقُولُ نَابَهُ ذَلِكَ فِيمَا اسْتَعَرْتُهُ لَهُ إنَّهُ ضَامِنٌ وَلَا يُصَدَّقُ. وَقَالَ عِيسَى: وَلَا يَضْمَنُ إذَا ذَكَرَ مَا يُشْبِهُ وَيَرَى أَنَّهُ يُصِيبُهُ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ فَذَلِكَ لَا يَخْفَى. وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ مِثْلَ قَوْلِ عِيسَى. وَمِثْلُ الْفَأْسِ فِي ذَلِكَ السَّيْفُ وَالصَّحْفَةُ وَمَا يُغَابُ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذَا جَاءَ بِمَا يُشْبِهُ. وَابْنُ الْقَاسِمِ يَضْمَنُهُ وَبِمِثْلِ قَوْلِ مُطَرِّفٍ. ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ عِنْدِي أَبْيَنُ. ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ أَصْوَبُ الْأَقْوَالِ وَيَحْلِفُ. (وَفَعَلَ الْمَأْذُونَ وَمِثْلَهُ وَدُونَهُ لَا أَضَرَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَجَعَلَ عَلَيْهَا حِجَارَةً فَكُلُّ مَا حُمِلَ مِمَّا هُوَ أَضَرُّ بِهَا مِمَّا اسْتَعَارَهَا لَهُ فَعَطِبَتْ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ فِي الضَّرَرِ لَمْ يَضْمَنْ كَحَمْلِهِ عَدَسًا فِي مَكَانِ حِنْطَةٍ أَوْ كَتَّانًا أَوْ قُطْنًا فِي مَكَانِ بُرٍّ. وَكَذَلِكَ مَنْ اكْتَرَاهَا لِحَمْلٍ أَوْ رُكُوبٍ فَأَكْرَاهَا مِنْ غَيْرِهِ فِي مِثْلِ مَا اكْتَرَاهَا لَهُ فَعَطِبَتْ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِحَمْلِ حِنْطَةٍ فَرَكِبَهَا فَعَطِبَتْ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَضَرَّ وَأَثْقَلَ ضَمِنَ وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " مَالِكُ مَنْفَعَةٍ " (وَإِنْ زَادَ مَا تَعْطَبُ بِهِ فَلَهُ قِيمَتُهَا أَوْ كِرَاؤُهُ) ابْنُ يُونُسَ: وَإِذَا اسْتَعَارَهَا لِحَمْلِ شَيْءٍ فَحَمَلَ غَيْرَهُ أَضَرَّ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي زَادَهُ مِمَّا تَعْطَبُ فِي مِثْلِهِ فَعَطِبَتْ، خُيِّرَ رَبُّ الدَّابَّةِ فِي أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ تَعَدِّيهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ كِرَاءَ فَضْلِ الضَّرَرِ أَخَذَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ. وَمَعْرِفَتُهُ أَنْ يُقَالَ كَمْ يُسَاوِي كِرَاؤُهَا فِيمَا اسْتَعَارَهَا لَهُ؟ فَإِنْ قِيلَ: عَشْرَةً قِيلَ لَهُ: كَمْ يُسَاوِي كِرَاؤُهَا فِيمَا حُمِلَ عَلَيْهَا؟ فَإِنْ قِيلَ خَمْسَةَ عَشَرَ دَفَعَ إلَيْهِ الْخَمْسَةَ الزَّائِدَةَ عَلَى كِرَاءِ مَا اسْتَعَارَهَا لَهُ. وَإِنْ كَانَ مَا حَمَلَهَا بِهِ لَا تَعْطَبُ فِي مِثْلِهِ فَلَيْسَ لَهُ الْإِكْرَاءُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ عَطَبَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ لَيْسَ لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ. (كَرَدِيفٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اسْتَعَارَهَا الرَّدِيفُ لِيَرْكَبَ إلَى مَوْضِعٍ فَرَكِبَ وَأَرْدَفَ رَدِيفًا تَعْطَبُ فِي مِثْلِهِ فَعَطِبَتْ، فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِ كِرَاءٍ لِرَدِيفٍ فَقَطْ أَوْ تَضْمِينِهِ قِيمَةَ الدَّابَّةِ يَوْمَ أَرْدَفَهُ (وَاتُّبِعَ إنْ أَعْدَمَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِعَارَةِ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنْ عَلِمَ الرَّدِيفُ أَنَّهَا مُسْتَعَارَةٌ فَهُوَ كَالْمُسْتَعِيرِ لِرَبِّهَا أَنْ يُضَمِّنَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَعَنْ أَشْهَبَ لَا يَلْزَمُ الرَّدِيفَ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 300 عَدِيمًا. وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: هَذَا خِلَافٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ بَلْ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ فِي عَدَمِ الْمُسْتَعِيرِ كَمَنْ غَصَبَ سِلْعَةً فَوَهَبَهَا فَهَلَكَتْ أَنَّ الْمَوْهُوبَ يَضْمَنُ فِي عَدَمِ الْغَاصِبِ (وَإِلَّا فَكِرَاؤُهُ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " كَرَدِيفٍ " أَنَّهُ إنْ كَانَ مَا حَمَلَهَا بِهِ لَا تَعْطَبُ فِي مِثْلِهِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا كِرَاءُ الزِّيَادَةِ. (وَلَزِمَتْ الْمُقَيَّدَةُ بِعَمَلٍ أَوْ أَجَلٍ لَا بِقَضَائِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْوَفَاءُ بِالْعَارِيَّةِ لَازِمٌ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ مَعْرُوفًا لَزِمَهُ. وَمِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ: قَالَ مَالِكٌ فِي السَّائِلِ يَقِفُ بِالْبَابِ فَيُؤْمَرُ لَهُ بِالْكِسْرَةِ فَيُوجَدُ قَدْ ذَهَبَ: فَأَرَى أَنْ يُعْطَى لِغَيْرِهِ وَمَا هُوَ بِالْوَاجِبِ. وَمَنْ قَالَ لِمِدْيَانٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنَا أُعِيرُكَ أَنَا أَهَبُكَ فَلَا يَلْزَمُهُ وَقَدْ رَغِبَ عَنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ،. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا مَا أَدْخَلَهُ بِوَعْدِهِ فِي لَازِمٍ فَذَلِكَ الْوَعْدُ يَلْزَمُ. قَالَ مَالِكٌ: إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُعْطِي قَبْلَ الْقَبْضِ. وَمِنْ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ: مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ فِي الْمُشْتَرِي يَخَافُ الْوَضِيعَةَ فَيَقُولُ لَهُ الْبَائِعُ لَا تَأْسَ قَدْ حَطَّ اللَّهُ عَنْكَ مِنْ ثَمَنِهِ كَذَا، ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِي بَاعَ بِرِبْحٍ قَالَ: لَا تَلْزَمُ الْحَطِيطَةُ. ابْنُ رُشْدٍ: صَارَ السَّبَبُ شَرْطًا لَهَا فَوَجَبَ بُطْلَانُهَا بِارْتِفَاعِ الشَّرْطِ مِثْلُ مَا فِي سَمَاعِ يَحْيَى فِي الَّذِي أَرَادَ سَفَرًا فَيَنْتَظِرُ صَاحِبَهُ دَيْنَهُ فَيُنْظِرُهُ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ عَنْ السَّفَرِ قَالَ: تَسْقُطُ النَّظِرَةُ. اللَّخْمِيِّ: إنْ أُجِّلَتْ الْعَارِيَّةُ بِزَمَنٍ أَوْ انْقِضَاءِ عَمَلٍ لَزِمَتْ إلَيْهِ. (وَإِلَّا فَالْمُعْتَادُ) هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ لِيَبْنِيَ وَيَسْكُنَ وَلَمْ يَضْرِبَا أَجَلًا فَلَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُ حَتَّى يَبْلُغَ مَا يُعَارُ لِمِثْلِهِ مِنْ الْأَمَدِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا صَوَابٌ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ. (وَلَهُ الْإِخْرَاجُ فِي كَبِنَاءٍ إنْ دَفَعَ مَا أُنْفِقَ وَفِيهَا أَيْضًا قِيمَتُهُ وَهَلْ خِلَافٌ أَوْ قِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِهِ أَوْ إنْ طَالَ أَوْ إنْ اشْتَرَاهُ بِغَبْنٍ كَثِيرٍ تَأْوِيلَاتٌ) تَقَدَّمَ النَّقْلُ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَنُدِبَ إعَارَةُ دَارِهِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 301 إنْ دَفَعَ مَا أُنْفِقَ أَوْ قِيمَتَهُ " اُنْظُرْ هُنَاكَ. (وَإِنْ انْقَضَّتْ مُدَّةُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فَكَالْغَصْبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَرَدْت إخْرَاجَهُ بَعْدَ أَمَدٍ يُشْبِهُ أَنَّكَ أَعَرْتَهُ إلَى مِثْلِهِ، فَلَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ مَقْلُوعًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: بَعْدَ طَرْحِ أُجْرَةِ الْقَلْعِ وَإِلَّا أَمَرْتُهُ بِقَلْعِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ وَلَا نَفْعَ فِيهِ إذَا قُلِعَ مِثْلُ الْجِصِّ وَنَحْوِهِ فَلَا شَيْءَ لِلْبَانِي فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبْتَ لِعَارِيَّتِهِ أَجَلًا يَبْلُغُهُ فَلَيْسَ لَكَ هَاهُنَا إخْرَاجُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَإِنْ أَعْطَيْتَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ قَائِمًا. (وَإِنْ ادَّعَاهَا الْآخِذُ وَالْمَالِكُ الْكِرَاءَ فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَأْنَفَ مِثْلُهُ عَنْهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ رَكِبَ دَابَّةَ رَجُلٍ إلَى بَلَدٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 302 وَادَّعَى أَنَّهُ أَعَارَهُ إيَّاهَا وَقَالَ رَبُّهَا بَلْ: اكْتَرَيْتَهَا مِنِّي، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهَا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَيْسَ يُكْرِي الدَّوَابَّ لِشَرَفِهِ وَقَدْرِهِ. (كَزَائِدِ الْمَسَافَةِ إنْ لَمْ يَزِدْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَجَدْتُ فِي مَسَائِلِ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَرَكِبَهَا إلَى مَوْضِعِهِ فَلَمَّا رَجَعَ زَعَمَ رَبُّهَا أَنَّهُ أَعَارَهَا إيَّاهُ إلَى دُونِ مَا رَكِبَهَا إلَيْهِ أَوْ إلَى بَلَدٍ آخَرَ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ إنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَكَذَلِكَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ نَصًّا سَوَاءً قَالَ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ إذَا رَكِبَ وَرَجَعَ وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْ بَعْدُ فَالْمُعِيرُ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ. وَكَمَنْ أَسْكَنْتَهُ دَارًا أَوْ أَخَدَمْتَهُ عَبْدًا فَبَعْدَ سَنَةٍ قَالَ هُوَ: الْمُدَّةُ سَنَةً، وَقُلْت أَنْتَ: سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ عَلَيْكَ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْكَ مَا لَا يُشْبِهُ، وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ الْمَسْكَنَ وَلَا الْعَبْدَ فَأَنْتَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِكَ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ يُرِيدُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي رَفْعِ الضَّمَانِ وَالْكِرَاءِ؛ لِأَنَّ مُسْتَعِيرَ الدَّارِ لَوْ ثَبَتَ عَدَاؤُهُ بِمُجَاوَزَةِ الْمُدَّةِ الَّتِي اسْتَعَارَهَا إلَيْهَا فَانْهَدَمَتْ الدَّارُ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَدَّى عَلَى السُّكْنَى فَلَا يَكُونُ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ غَاصِبِ السُّكْنَى، فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ يَثْبُتْ عَدَاؤُهُ؟ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا لَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي السُّكْنَى وَدَفْعِ الْكِرَاءِ. (وَإِلَّا فَلِلْمُسْتَعِيرِ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ وَالْكِرَاءِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إذَا رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي رَفْعِ الضَّمَانِ وَالْكِرَاءِ. (وَإِنْ بِرَسُولٍ مُخَالِفٍ) لِأَشْهَبَ: مَنْ بَعَثَ رَسُولًا إلَى رَجُلٍ يُعِيرُهُ دَابَّةً إلَى بُرْقَةَ فَأَعَارَهُ فَرَكِبَهَا الْمُسْتَعِيرُ إلَى بُرْقَةَ فَعَطِبَتْ فَقَالَ الْمُعِيرُ إنَّمَا أَعَرْته إلَى فِلَسْطِينَ وَقَالَ الرَّسُولُ بَلْ إلَى بُرْقَةَ، فَشَهَادَةُ الرَّسُولِ هَاهُنَا لَا تَجُوزُ لِلْمُسْتَعِيرِ وَلَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْهَدُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَيَحْلِفُ الْمُسْتَعِيرُ أَنَّهُ مَا اسْتَعَارَهَا مِنْهُ إلَّا إلَى بُرْقَةَ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ. (كَدَعْوَاهُ رَدَّ مَا لَمْ يَضْمَنْ) مُطَرِّفٌ: يُصَدَّقُ الْمُسْتَعِيرُ مَعَ يَمِينِهِ إذَا ادَّعَى رَدَّ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يُصَدَّقُ انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا ادَّعَى رَدَّ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُعِيرِ مَعَ يَمِينِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 303 عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَسَوَاءٌ أَخَذَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ حَقِّ الْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الْمُعِيرِ فِي رَدِّ الْعَارِيَّةِ وَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِلَا إشْهَادٍ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ. (وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لِاسْتِعَارَةِ حُلِيٍّ وَتَلِفَ ضَمِنَهُ مُرْسِلُهُ إنْ صَدَّقَهُ) سَمِعَ يَحْيَى ابْنَ الْقَاسِمِ فِي الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ تَأْتِي قَوْمًا لِتَسْتَعِيرَ مِنْهُمْ حُلِيًّا لِأَهْلِهَا وَتَقُولُ: هُمْ بَعَثُونِي فَتَلِفَ، فَإِنْ صَدَّقَهَا أَهْلُهَا فَهُمْ ضَامِنُونَ وَبَرِئَ الرَّسُولُ، وَإِنْ جَحَدُوا حَلَفُوا وَبَرِئُوا وَيَحْلِفُ الرَّسُولُ لَقَدْ: بَعَثُونِي وَيَبْرَأُ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ صَدَّقُوهُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ. وَإِنْ أَقَرَّ الرَّسُولُ أَنَّهُ تَعَدَّى وَهُوَ حُرٌّ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ إنْ عَتَقَ يَوْمًا مَا. وَلَا يَلْزَمُ رَقَبَتَهُ بِإِقْرَارِهِ. وَلَوْ قَالَ الرَّسُولُ أَوْصَلْتُ ذَلِكَ إلَى مَنْ بَعَثَنِي لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ إلَّا الْيَمِينُ (وَإِلَّا حَلَفَ وَبَرِئَ ثُمَّ حَلَفَ الرَّسُولُ وَبَرِئَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ جَحَدَ الْمُرْسِلُ حَلَفَ وَبَرِئَ وَيَحْلِفُ الرَّسُولُ لَقَدْ بَعَثَنِي وَيَبْرَأُ (وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْعَدَاءِ ضَمِنَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي ذِمَّتِهِ إنْ أُعْتِقَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ أَقَرَّ الرَّسُولُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 304 أَنَّهُ تَعَدَّى وَهُوَ حُرٌّ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ إنْ عَتَقَ (وَإِنْ قَالَ أَوْصَلْته لَهُمْ فَعَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الْيَمِينُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَوْ قَالَ أَوْصَلْت ذَلِكَ إلَى مَنْ بَعَثْتنِي لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ إلَّا الْيَمِينُ. (وَمُؤْنَةُ أَخْذِهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَرَدِّهَا عَلَى الْأَظْهَرِ) ابْنُ رُشْدٍ: أُجْرَةُ حَمْلِ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَاخْتُلِفَ فِي أُجْرَةِ رَدِّهَا، فَقِيلَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. (وَفِي عَلَفِ الدَّابَّةِ قَوْلَانِ) جَمِيعُ مَا نُقِلَ فِي الِاسْتِغْنَاءِ مَا نَصُّهُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً أَوْ شَيْئًا لَهُ نَفَقَةٌ فَذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهَا وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَكَانَ كِرَاءً وَيَكُونُ الْعَلَفُ فِي الْغَلَاءِ أَكْثَرَ مِنْ الْكِرَاءِ وَيَخْرُجُ مِنْ عَارِيَّةٍ إلَى كِرَاءٍ. وَبَعْضُ الْمُفْتِينَ: إلَّا فِي اللَّيْلَةِ وَاللَّيْلَتَيْنِ فَذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. وَقِيلَ أَيْضًا فِي اللَّيْلَةِ وَاللَّيْلَتَيْنِ عَلَى رَبِّهَا، وَأَمَّا فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَالسَّفَرِ الْبَعِيدِ فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُخْدَمِ وَكَأَنَّهُ أَقْيَسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. فَانْظُرْ قَوْلَهُ " كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُخْدَمِ " وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَفَ الدَّابَّةِ وَذَكَرَ نَفَقَةَ الْمُخْدَمِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهُ عَلَى الْمُخْدَمِ وَرُوِيَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَبِكَسْرِهَا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُؤَدِّي الرَّجُلُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إلَّا عَلَى مَنْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهِ قَالَ: وَزَكَاةُ فِطْرِ الْمُخْدَمِ عَلَى سَيِّدِهِ. وَانْظُرْ ذِكْرَ ابْنِ يُونُسَ فِي هَذَا الْبَابِ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى وَالْإِخْدَامَ وَمَنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ بِأَرْضِ قَوْمٍ فَلَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ. وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ إذَا سَقَطَ ضَمَانُ الدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ هَلْ يَضْمَنُ كِسْوَةَ الْعَبْدِ وَسَرْجَ الدَّابَّةِ وَلِجَامَهَا لِكَوْنِ ذَلِكَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ؟ وَأَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ بَازًا لِلصَّيْدِ صُدِّقَ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ طَارَ أَوْ سُرِقَ. وَانْظُرْ فِي ابْنِ عَرَفَةَ أَيْضًا هَلْ ضَمَانُ مَا يُضْمَنُ مِنْ الْعَارِيَّةِ يَوْمَ ضَاعَتْ أَوْ يَوْمَ الْعَارِيَّةِ؟ وَكَيْفَ لَوْ ضَاعَتْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا فِيمَا اسْتَعَارَهَا لَهُ وَهِيَ قَدْ تَنْقُصُ بِسَبَبِ مَا اسْتَعَارَهَا إلَيْهِ كَمَا لَوْ أَهْلَكَهَا الْمُعِيرُ قَبْلَ قَبْضِهَا الْمُسْتَعِيرُ أَوْ أَوْلَدَ أَمَةً بَعْدَ أَنْ أَخْدَمَهَا رَجُلًا سَمَحَ لَهُ فِي طَرِيقٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ، أَوْ غَرَسَ عَلَى مَائِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ ثُمَّ أَرَادَ قَطْعَهُ أَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَرَدَّهَا مَعَ عَبْدِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَضَلَّتْ ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 305 [كِتَابُ الْغَصْبِ] [بَاب فِي ضَمَانِ الْمَغْصُوب وَمَا يَطْرَأ عَلَيْهِ مِنْ زِيَادَة أَوْ نقصان] وَفِيهِ بَابَانِ: الْأَوَّلُ فِي الضَّمَانِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: الْأَوَّلُ الْمُوجِبُ وَالْمُوجَبُ فِيهِ وَالْوَاجِبُ. الْبَابُ الثَّانِي فِي الطَّوَارِئِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْ نُقْصَانٍ أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ تَصَرُّفٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمُتَعَدِّي. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: التَّعَدِّي عَلَى رِقَابِ الْأَمْوَالِ يَنْقَسِمُ سَبْعَةَ أَقْسَامٍ، لِكُلِّ قِسْمٍ مِنْهَا حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِهِ. وَذَلِكَ كُلُّهُ يَحْرُمُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَهِيَ أَخْذُ الْأَمْوَالِ عَلَى وَجْهِ الْغَصْبِ مِنْ غَيْرِ حِرَابَةٍ، أَوْ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِلَاسِ، أَوْ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ، أَوْ عَلَى وَجْهِ الْخِيَانَةِ، أَوْ عَلَى وَجْهِ الْإِدْلَالِ، أَوْ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 306 وَجْهِ الْجَحْدِ وَالِاقْتِطَاعِ (الْغَصْبُ أَخْذُ مَالٍ قَهْرًا تَعَدِّيًا بِلَا حِرَابَةٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْغَصْبُ أَخْذُ الْمَالِ عُدْوَانًا قَهْرًا مِنْ غَيْرِ حِرَابَةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: يَبْطُلُ طَرْدُهُ بِأَخْذِ الْمَنَافِعِ. كَذَلِكَ كَسُكْنَى رَبْعٍ وَحَرْثٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ غَصْبًا بَلْ تَعَدِّيًا، وَإِنَّمَا الْغَصْبُ أَخْذُ مَالِ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ ظُلْمًا قَهْرًا لَا بِخَوْفٍ وَقِتَالٍ، فَخَرَجَ أَخْذُهُ غِيلَةً إذْ لَا قَهْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَمُوتُ مَالِكُهُ وَحِرَابَتُهُ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: أَحْسَنُ مَا قِيلَ: إنَّ مَنْ قَصَدَ إلَى التَّعَدِّي عَلَى مَنْفَعَةِ الشَّيْءِ كَعَبْدٍ يَسْتَخْدِمُهُ وَثَوْبٍ يَلْبَسُهُ وَلَمْ يَقْصِدْ إلَى الِاسْتِيلَاءِ عَلَى رَقَبَةِ الْعَيْنِ وَالثَّوْبِ وَلَا الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا فِي التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ عَلَى حَسَبِ مَا يَتَصَرَّفُ بِهِ الْمَالِكُ فِي الرِّقَابِ، فَإِنَّ هَذَا يُسَمَّى تَعَدِّيًا، وَكَذَلِكَ إذَا أَتْلَفَ بَعْضَ أَجْزَاءِ الشَّيْءِ قَاصِدًا ذَلِكَ الْبَعْضَ مُعْرِضًا عَنْ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 307 مَا سِوَاهُ مِنْ أَجْزَاءِ الشَّيْءِ كَرَجُلٍ قَطَعَ يَدَ عَبْدِ رَجُلٍ أَوْ قَطَعَ مِنْ ثَوْبِهِ بَعْضَهُ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: الْقَضَاءُ: إنَّ الْمُتَعَدِّيَ يُفَارِقُ الْغَاصِبَ فِي جِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ إنَّمَا جَنَى عَلَى بَعْضِ السِّلْعَةِ، وَالْغَاصِبُ كَانَ غَاصِبًا لِجَمِيعِهَا فَضَمِنَهَا يَوْمَئِذٍ بِالْغَصْبِ. (وَأُدِّبَ مُمَيِّزٌ) ابْنُ رُشْدٍ: يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ لِحَقِّ اللَّهِ الْأَدَبُ وَالسِّجْنُ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ لِيَتَنَاهَى النَّاسُ عَنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ فَإِنَّ الْأَدَبَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 308 يَسْقُطُ عَنْهُ لِحَدِيثِ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ ". وَقِيلَ: إنَّ الْإِمَامَ يُؤَدِّبُهُ كَمَا يُؤَدَّبُ الصَّبِيُّ فِي الْمَكْتَبِ، وَأَخَذَ بِحَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا لَا يَعْقِلُ فَقِيلَ: إنَّ مَا أَصَابَهُ هَدَرٌ كَالْبَهِيمَةِ الْعَجْمَاءِ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ. (كَمُدَّعِيهِ عَلَى صَالِحٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ غَصْبًا وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ بِذَلِكَ عُوقِبَ الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِذَلِكَ نَظَرَ فِيهِ الْإِمَامُ وَأَحْلَفَهُ، فَإِنْ نَكِلَ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ حَتَّى يَرِدَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (وَفِي حَلِفِ الْمَجْهُولِ قَوْلَانِ) الَّذِي لِابْنِ يُونُسَ: الْمُتَّهَمُ يَحْلِفُ وَاَلَّذِي هُوَ مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ لَا يَحْلِفُ وَلَا يُؤَدَّبُ رَامِيهِ وَالْخَيِّرُ يَلْزَمُ رَامِيَهُ الْأَدَبُ، وَأَشْهَبُ يَقُولُ: لَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 309 أَدَبَ عَلَى مُدَّعٍ. (وَضَمِنَ بِالِاسْتِيلَاءِ) ابْنُ عَرَفَةَ: مُجَرَّدُ الِاسْتِيلَاءِ هُوَ حَقِيقَةُ الْغَصْبِ يُوجِبُ الضَّمَانَ. وَقَالَ أَيْضًا: مُجَرَّدُ حُصُولِ الْمَغْصُوبِ فِي حَوْزِ الْغَاصِبِ يُوجِبُ ضَمَانَهُ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: يَضْمَنُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ. وَإِنْ هَلَكَ مِنْ سَاعَتِهِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ أَوْ بِجِنَايَتِهِ أَوْ جِنَايَةِ غَيْرِهِ أَوْ كَانَتْ دَارًا فَانْهَدَمَتْ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَمَاتَ مِنْ وَقْتِهِ بِغَيْرِ سَبَبِهِ ضَمِنَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ غَصَبَ دَارًا فَلَمْ يَسْكُنْهَا حَتَّى انْهَدَمَتْ: غَرِمَ قِيمَتَهَا. ابْنُ عَبْدُوسٍ: وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْعُرُوضِ وَغَيْرِهَا (وَإِلَّا فَتَرَدُّدٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: حَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَارِحِهِ أَنَّ غَيْرَ الْعَقَارِ لَا يَتَقَرَّرُ فِيهِ الضَّمَانُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ وَلَيْسَ الْمَذْهَبُ كَذَلِكَ. اُنْظُرْهُ أَنْتَ. (كَأَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَبْدٌ قِصَاصًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا مَاتَ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ انْهَدَمَ مِنْ الرَّبْعِ بِيَدِ غَاصِبِهِ بِقُرْبِ الْغَصْبِ أَوْ بِغَيْرِ قُرْبِهِ بِغَيْرِ سَبَبِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَمَوْتُ الْمَغْصُوبِ بِحَقٍّ قِصَاصٍ أَوْ حِرَابَةٍ كَمَوْتِهِ. (أَوْ رَكِبَ) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ مُوجِبَاتِ الضَّمَانِ إثْبَاتُ الْيَدِ فِي الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ إلَّا فِي الدَّابَّةِ فَيَكْفِي فِيهَا الرُّكُوبُ. ابْنُ عَرَفَةَ: مُجَرَّدُ الِاسْتِيلَاءِ هُوَ حَقِيقَةُ الْغَصْبِ. لَوْ غَصَبَ أَمَةً كَانَتْ بِبُقْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمُتَمَلَّكَاتِ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا دُونَ رَبِّهَا ضَمِنَهَا. وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ " يَكْفِي الرُّكُوبُ فِي الضَّمَانِ " يَقْتَضِي نَفْيَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَضْعُ الْيَدِ وَحْدَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. اُنْظُرْهُ فِيهِ. (أَوْ ذَبَحَ) الْجَلَّابُ: مَنْ غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَكَانَ لَهُ أَكْلُهَا. وَسَمِعَ يَحْيَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ ذَبَحَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 311 لِرَجُلٍ شَاةً فَيَلْزَمُهُ غُرْمُ قِيمَتِهَا لَا يَجُوزُ لِرَبِّهَا أَنْ يَأْخُذَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِلَحْمِهَا؛ لِأَنَّ رَبَّ الشَّاةِ مَا لَمْ يَفُتْ لَحْمُهَا مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهَا مَذْبُوحَةً وَفِي أَخْذِ قِيمَتِهَا حَيَّةً، فَيَدْخُلُهُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ، فَإِنْ فَاتَ لَحْمُهَا فَلَا بَأْسٍ بِذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَبِلَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فِي أَنَّ لِرَبِّهَا أَخْذَهَا مَذْبُوحَةً. اُنْظُرْ إنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُسْتَغْرَقَ الذِّمَّةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لِلْغَرِيمِ أَخْذَ عَيْنِ مَالِهِ إلَّا إنْ طُحِنَتْ الْحِنْطَةُ أَوْ ذُبِحَ كَبْشُهُ، فَغُرَمَاءُ الْغَاصِبِ يَكُونُونَ فِيهِ أُسْوَةً. وَانْظُرْ فِي الْبُيُوعِ قَبْلَ قَوْلِهِ: " فَلَا يَجُوزُ إنْ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ ". (أَوْ جَحَدَ وَدِيعَةً) ابْنُ شَاسٍ: جَحْدُ الْوَدِيعَةِ مِنْ مَالِكِهَا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ مُوجِبٌ لِضَمَانِهَا بِخِلَافِ جَحْدِهَا مِنْ غَيْرِهِ. (أَوْ أَكَلَ بِلَا عِلْمٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ غَصَبَ طَعَامًا أَوْ إدَامًا أَوْ ثِيَابًا ثُمَّ وَهَبَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ فَأَكَلَ الطَّعَامَ وَالْإِدَامَ وَلَبِسَ الثِّيَابَ حَتَّى أَبْلَاهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ رَجُلٌ، فَلْيَرْجِعْ بِذَلِكَ عَلَى الْوَاهِبِ إنْ كَانَ مَلِيًّا، وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَى الْمَوْهُوبِ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ الْمَوْهُوبُ عَلَى الْوَاهِبِ بِشَيْءٍ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقَالَ أَشْهَبُ: يُتْبِعُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُشْتَرِي يَأْكُلُ الطَّعَامَ أَوْ يَلْبَسُ الثِّيَابَ أَنْ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُتْبِعَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَيَبْتَدِئَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ غَيْرَ غَاصِبٍ لَمْ يُتْبِعْ إلَّا الْمَوْهُوبَ الْمُنْتَفَعَ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا خِلَافُ مَالِهِ فِي مُكْرِي الْأَرْضِ يُحَابِي فِي كِرَائِهَا ثُمَّ يَطْرَأُ لَهُ أَخٌ يُشْرِكُهُ وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِالْمُحَابَاةِ عَلَى أَخِيهِ إنْ كَانَ مَلِيًّا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ رَجَعَ عَلَى الْمُكْتَرِي، فَقَدْ سَاوَى فِي هَذَا بَيْنَ الْمُتَعَدِّي وَغَيْرِهِ، وَهَذَا أَصْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 312 أَوَّلًا عَلَى الْوَاهِبِ إلَّا أَنْ يُعْدِمَ فَيَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْغَصْبِ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ وَيَرْجِعُ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَوْلُ أَشْهَبَ أَقْيَسُ وَلَا يَكُونُ الْمَوْهُوبُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ الْمُشْتَرِي وَبِهِ أَقُولُ. اُنْظُرْ تَوْجِيهَهُ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَلِلْمَازِرِيِّ: إذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ الْمَغْصُوبِ فَمُشْتَرِيهِ كَغَاصِبِهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرَ الْمَغْصُوبِ فَفِيهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُسْتَحَقُّ مِنْهُ مَا اشْتَرَى، فَإِنْ أَرَادَ إبْرَاءَ ذِمَّتِهِ وَالِاحْتِيَاطَ بِنَفْسِهِ فَلْيَفْعَلْ بِقِيمَةِ مَا اشْتَرَى مَا يُحِبُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ إمَامٌ عَادِلٌ لَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ غَيْرَهُ، وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي لَحْمِ الشَّاةِ الْمَغْصُوبَةِ هَلْ تَفُوتُ بِالذَّبْحِ؟ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَا تَفُوتُ بِهِ. وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ. الْبُرْزُلِيِّ: وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ رَدِّ الشَّاةِ إذَا وَجَدَ جَوْفَهَا أَخْضَرَ بَعْدَ ذَبْحِهَا مَعَ مَا نَقَصَهَا، هَلْ هُوَ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ الْمَازِرِيُّ: وَأَمَّا إذَا طُبِخَ فَقَدْ فَاتَ. الْبُرْزُلِيِّ: هَذَا إنْ طُبِخَ بِأَبْزَارٍ. (أَوْ أَكْرَهَ غَيْرَهُ عَلَى التَّلَفِ) سُئِلَ سَحْنُونَ فِي نَوَازِلِهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْعُمَّالِ أَكْرَهَ رَجُلًا أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ رَجُلٍ يُخْرِجُ مِنْهُ مَتَاعًا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ فَأَخْرَجَهُ لَهُ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ ثُمَّ عُزِلَ ذَلِكَ الْعَامِلُ الْغَاصِبُ، فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ طَلَبُ مَالِهِ مِمَّنْ شَاءَ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُبَاشِرِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ، وَلِهَذَا الْمُبَاشِرِ أَنْ يَطْلُبَ الْعَامِلَ إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ غَائِبًا؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ أَنَا الْمَأْخُوذُ بِهِ إذَا جَاءَ صَاحِبُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: فِي هَذَا اُنْظُرْ، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّهُ يُوقَفُ لِصَاحِبِهِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ هَذَا الْمُبَاشِرُ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَظْهَرُ تَمْكِينُهُ مِنْهُ. وَلِسَحْنُونٍ أَيْضًا: مَنْ أُكْرِهَ عَلَى رَمْيِ مَالِ رَجُلٍ فِي مَهْلَكَةٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِإِذْنِ رَبِّهِ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ، وَإِنْ أَكْرَهَ رَبَّهُ عَلَى الْإِذْنِ فَالْفَاعِلُ ضَامِنٌ، فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْفَاعِلِ إذَا أَيْسَرَ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ كَانَ عَدِيمًا أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَى الْآمِرِ الْمُكْرَهِ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي نَوَازِلِهِ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَالَ الْمُكْرَهَ عَلَى أَخْذِهِ قَبَضَهُ الْآمِرُ الْمُكْرِهُ فِي مَسْأَلَتِهِ الْأُولَى فَنَاسَبَ كَوْنَهُ أَحَدَ الْغَرِيمَيْنِ عَلَى السَّوِيَّةِ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (أَوْ حَفَرَ بِئْرًا تَعَدِّيًا) ابْنُ عَرَفَةَ: فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا: مَنْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ غَيْرَهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَوْ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ لِمَا لَا يَجُوزُ لَهُ ضَمَّنَ مَالِكٌ بِذَلِكَ وَنَصُّهَا: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي دَارِ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَعَطِبَ فِيهِ إنْسَانٌ ضَمِنَهُ الْحَافِرُ، وَإِذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي دَارِهِ أَوْ جَعَلَ حِبَالَةً لِيَعْطَبَ بِهَا سَارِقًا فَعَطِبَ بِهَا السَّارِقُ أَوْ غَيْرُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِذَلِكَ. قَالَ أَشْهَبُ: لِأَنَّهُ احْتَفَرَهُ لِمَا لَا يَجِبُ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ جَعَلَ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 313 حَائِطِهِ حَفِيرًا لِلسِّبَاعِ أَوْ حِبَالَةً لَمْ يَضْمَنْ مَا عَطِبَ بِذَلِكَ مِنْ سَارِقٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ جَعَلَ بِبَابِ خِبَائِهِ قَصَبًا تَدْخُلُ فِي رِجْلِ مَنْ يَدْخُلُهُ، أَوْ اتَّخَذَ تَحْتَ عَتَبَتِهِ مَسَامِيرَ لِمَنْ يَدْخُلُ، أَوْ رَشَّ فِنَاءَهُ يُرِيدُ بِهِ زَلَقَ مَنْ يَسْلُكُهُ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ إنْسَانٍ، أَوْ اتَّخَذَ فِيهِ كَلْبًا عَقُورًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أُصِيبَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ رَشَّهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ مَا عَطِبَ بِهِ. (وَقُدِّمَ عَلَيْهِ الْمُرْدِي) ابْنُ شَاسٍ: يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَحَلِّ عُدْوَانٍ فَتَرَدَّتْ فِيهِ بَهِيمَةٌ أَوْ إنْسَانٌ، فَإِنْ رَدَاهُ غَيْرُهُ فَعَلَى الْمُرْدِي تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ عَلَى التَّسَبُّبِ. ابْنُ عَرَفَةَ: كَذَا نَقَلَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْقَفَصِ الْآتِيَةِ، وَعَارَضَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِتَسْوِيَةِ سَحْنُونٍ بَيْنَ الْمُكْرِهِ غَيْرَهُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ لَهُ مَالَ رَجُلٍ مِنْ بَيْتِهِ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ (إلَّا الْمُعَيَّنُ فَسِيَّانِ) هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ. وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ: يُقْتَلُ الْمُرْدِي دُونَ الْحَافِرِ تَغْلِيبًا لِلْمُبَاشَرَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَظْهَرُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقْتَلُ الْمُرْدِي إلَّا إنْ عُلِمَ بِقَصْدِ الْحَافِرِ وَيَتَقَدَّمُ فِعْلُهُ فَيُقْتَلَانِ مَعًا كَبَيِّنَةِ الزُّورِ مَعَ الْقَاضِي الْعَالِمِ بِزُورِهَا انْتَهَى. وَاسْتَظْهِرْ عَلَى هَذَا النَّقْلَ فَإِنِّي لَمْ أُصَادِفْهُ حِينَ رَاجَعْته. وَانْظُرْ هَذَا الْمَوْضِعَ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْغَاصِبِ الْعَالِمِ بِالْغَصْبِ غَاصِبٌ، وَمَنْ حَلَّ رِبَاطَ زِقٍّ مَمْلُوءٍ زَيْتًا لِرَجُلِ وَأَبْقَاهُ مُسْتَنِدًا كَمَا وَجَدَهُ فَأَسْقَطَهُ رَجُلٌ. (أَوْ فَتَحَ قَيْدَ عَبْدٍ لِئَلَّا يَأْبَقَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَّ عَبْدًا مِنْ قَيْدٍ قُيِّدَ بِهِ لِئَلَّا يَأْبَقَ فَذَهَبَ الْعَبْدُ ضَمِنَ. (أَوْ عَلَى غَيْرِ عَاقِلٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ فَتَحَ بَابَ قَفَصٍ فِيهِ طَيْرٌ فَذَهَبَ الطَّيْرُ ضَمِنَ، وَمَنْ حَلَّ دَوَابَّ مِنْ مَرَابِطِهَا فَذَهَبَتْ ضَمِنَهَا كَالسَّارِقِ يَدَعُ بَابَ الْحَانُوتِ مَفْتُوحًا وَلَيْسَ فِيهِ رَبُّهُ فَيَذْهَبُ مَا فِي الْحَانُوتِ فَالسَّارِقُ يَضْمَنُهُ. (إلَّا بِمُصَاحَبَةِ رَبِّهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ فَتَحَ بَابَ دَارٍ فِيهَا دَوَابُّ فَذَهَبَتْ، فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ مَسْكُونَةً فِيهَا أَهْلُهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَرْبَابُهَا ضَمِنَ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا رَبُّهَا نَائِمًا لَمْ يَضْمَنْ. وَكَذَلِكَ السَّارِقُ يَدَعُ الْبَابَ مَفْتُوحًا وَأَهْلُ الدَّارِ فِيهَا نِيَامٌ أَوْ غَيْرُ نِيَامٍ، فَلَا يَضْمَنُ مَا ذَهَبَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ إذَا تَرَكَ الْبَيْتَ مَفْتُوحًا وَلَيْسَ أَرْبَابُ الْبَيْتِ فِيهِ (أَوْ حِرْزًا) اُنْظُرْ إنْ كَانَ هَذَا مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: " غَيْرَ عَاقِلٍ " أَنْ يَضْمَنَ إنْ فَتَحَ عَلَى غَيْرِ عَاقِلٍ أَوْ فَتَحَ حِرْزًا إلَّا بِمُصَاحَبَةِ رَبِّ غَيْرِ الْعَاقِلِ وَرَبِّ الْحِرْزِ. (لِمِثْلِيٍّ وَلَوْ بِغَلَاءٍ بِمِثْلِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: الْمِثْلِيُّ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْمَعْدُودُ الَّذِي لَا تَخْتَلِفُ أَعْيَانُ عَدَدِهِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ فِي الْكِتَابِ اُنْظُرْهُ هُنَاكَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ غَصَبَ لِرَجُلٍ طَعَامًا أَوْ إدَامًا فَاسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ بِمَوْضِعِ غَصْبِهِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ هُنَاكَ مَثَلًا لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى أَمْرٍ جَائِزٍ. وَإِنْ لَقِيَهُ رَبُّهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 314 بِغَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي غُصِبَ فِيهِ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ فِيهِ هُنَاكَ بِمِثْلِهِ وَلَا قِيمَتِهِ، وَإِنَّمَا لَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ بِمَوْضِعِ عَطَبِهِ فِيهِ. اللَّخْمِيِّ: وَيَخْتَلِفُ إنْ غَصَبَهُ طَعَامًا فِي شِدَّةٍ ثُمَّ صَارَ إلَى رَخَاءٍ، هَلْ يَغْرَمُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ عَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ يَغْرَمُ أَغْلَى الْقِيَمِ؟ الْمَازِرِيُّ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَغَيَّرُ بِذَلِكَ وَيُقْضَى بِمِثْلِهِ (وَصَبَرَ لِوُجُودِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ فَقَدَ الْمِثْلَ حِينَ طَلَبَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا مِثْلُهُ. اللَّخْمِيِّ: يُرِيدُ أَنَّهُ يَصْبِرُ حَتَّى يُوجَدَ. أَشْهَبُ يُخَيَّرُ الطَّالِبُ فِي الصَّبْرِ أَوْ الْقِيمَةِ. (وَلِبَلَدِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ لَقِيَهُ رَبُّهُ بِغَيْرِ الْبَلَدِ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ هُنَاكَ بِمِثْلِهِ وَلَا قِيمَتِهِ. وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي الْوَكِيلِ عَلَى شِرَاءِ طَعَامٍ فَاشْتَرَاهُ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ ثُمَّ بَاعَهُ بِزَيْتٍ وَقَدِمَ بِالزَّيْتِ لِبَلَدِ الْمُوَكِّلِ، فَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يُضَمِّنَ الْوَكِيلَ مِثْلَ طَعَامِهِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَبَيْنَ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ فِيهِ بِالزَّيْتِ فَيَأْخُذَهُ بِمِثْلِهِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ إذْ قَدْ فَاتَ بِحَمْلِهِ لِبَلَدٍ الْمُوَكِّلِ. وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الزَّيْتِ هُنَاكَ إلَّا بِرِضَا الْوَكِيلِ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ أَنَّ لَهُ أَخْذَ الزَّيْتِ؛ لِأَنَّهُ زَيْتُهُ بِعَيْنِهِ. اُنْظُرْ رَسْمَ عَبْدِ الْقَادِرِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْبَضَائِعِ. (وَلَوْ صَاحِبُهُ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الطَّعَامِ يُسْرَقُ فَيَجِدُهُ رَبُّهُ بِغَيْرِ بَلَدِهِ، لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ السَّارِقَ وَالْغَاصِبَ بِمِثْلِهِ فِي مَوْضِعِ سَرِقَتِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ اتَّفَقَا أَنْ يَأْخُذَهُ بِعَيْنِهِ أَوْ مِثْلِهِ بِمَوْضِعِ نَقْلِهِ أَوْ يَأْخُذَ فِيهِ ثَمَنًا جَازَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الطَّعَامِ الْقَرْضِ قَبْلَ قَبْضِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ لَمْ يَكُنْ الطَّعَامُ مَعَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَصْبِرُ لِقُدُومِهِ بَلَدَ الْغَصْبِ لِيَغْرَمَ مِثْلَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي غَيْرِ الطَّعَامِ طَرِيقَانِ. ابْنُ رُشْدٍ: سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ نَقْلَهُ مِنْ بَلَدٍ لِآخَرَ فَوْتٌ فِي الْعُرُوضِ لَا الْحَيَوَانِ. (وَمُنِعَ مِنْهُ لِلتَّوَثُّقِ) الَّذِي لِابْنِ الْحَاجِبِ فِيمَنْ لَقِيَ مَنْ غَصَبَهُ بِغَيْرِ بَلَدِ غَصْبِهِ وَالطَّعَامُ مَعَهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ حَتَّى يَتَوَثَّقَ مِنْهُ (وَلَا رَدَّ لَهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّهِ جَبْرُ الْغَاصِبِ عَلَى رَدِّهِ لِبَلَدِ الْغَصْبِ. وَأَجَابَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ أَكْرَى مَلَّاحًا عَلَى حَمْلِ تِينٍ مِنْ إشْبِيلِيَّةَ إلَى سَبْتَةَ فَحَمَلَهُ إلَى سَلَأَ فَغَرِمَ الْمَلَّاحُ مِثْلَ التِّينِ بِإِشْبِيلِيَّةَ وَيَحْمِلُهُ إلَى سَبْتَةَ فَقِيلَ لَهُ: أَفْتَى غَيْرُكَ بِوُجُوبِ رَدِّ الْمَلَّاحِ إلَى سَبْتَةَ وَهُوَ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهَا. فَقَالَ: مَا أَجَبْت بِهِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَمِنْ الذَّخِيرَةِ: نَقْلُ الْغُصُوبِ تَشَعَّبَتْ فِيهِ الْمَذَاهِبُ وَاضْطَرَبَتْ الْآرَاءُ وَتَبَايَنَتْ بِنَاءً عَلَى مُلَاحَظَةِ أُصُولٍ وَقَوَاعِدَ مِنْهَا، أَنَّ الْغَاصِبَ أَنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْرَمَ كُلْفَةَ النَّقْلِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ مَعْصُومٌ كَمَالِ الْمَغْصُوبِ. (كَإِجَازَتِهِ بَيْعَهُ مَعِيبًا زَالَ وَقَالَ أَجَزْتُ لِظَنِّ بَقَائِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ غَصَبَ أَمَةً بِعَيْنِهَا بَيَاضٌ فَبَاعَهَا، ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ وَأَجَازَ رَبُّهَا الْبَيْعَ، ثُمَّ عَلِمَ بِذَهَابِ الْبَيَاضِ فَقَالَ إنَّمَا أَجَزْت الْبَيْعَ وَلَمْ أَعْلَمْ بِذَهَابِهِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 316 وَأَمَّا الْآنَ فَلَا أُجِيزُ، لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكْتَرِي يَتَعَدَّى الْمَسَافَةَ فَتَضِلُّ الدَّابَّةُ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا ثُمَّ تُوجَدُ: فَهِيَ لِلْمُكْتَرِي وَلَا شَيْءَ لِرَبِّهَا فِيهَا. (كَنُقْرَةٍ صِيغَتْ) ابْنُ يُونُسَ: لَوْ غَصَبَهُ سَوِيقًا فَلَتَّهُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مِثْلُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَرَاضَيَا أَنْ يَأْخُذَهُ وَيُعْطِيَهُ مَا لَتَّهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ التَّفَاضُلُ بَيْنَ الطَّعَامَيْنِ. وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَ الْفِضَّةَ دَرَاهِمَ أَوْ صَاغَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهَا وَيُعْطِيَهُ أُجْرَتَهُ لِلتَّفَاضُلِ بَيْنَهُمَا. (وَطِينٍ لُبِنَ وَقَمْحٍ طُحِنَ وَبَذْرٍ زُرِعَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ عَمِلَ الْغَاصِبُ مِنْ الْخَشَبَةِ بَابًا، أَوْ غَصَبَ تُرَابًا يَعْمَلُ مِنْهُ بَلَاطًا، أَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَزَرَعَهَا وَحَصَدَ مِنْهَا حَبًّا كَثِيرًا، أَوْ غَصَبَ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ، أَوْ غَصَبَ فِضَّةً فَصَاغَهَا حُلِيًّا، أَوْ ضَرَبَهَا دَرَاهِمَ فَعَلَيْهِ فِي هَذَا كُلِّهِ مِثْلُ مَا غَصَبَ فِي صِفَتِهِ وَوَزْنِهِ وَكَيْلِهِ أَوْ الْقِيمَةُ فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ، وَكَذَلِكَ فِي السَّرِقَةِ. الْمَازِرِيُّ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ غَصَبَ قَمْحًا فَطَحَنَهُ ضَمِنَ مِثْلَهُ وَلَا يُمَكِّنُ رَبَّ الْقَمْحِ مِنْ أَخْذِ الدَّقِيقِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ. وَاتَّفَقَا إنْ طَحَنَ الْقَمْحَ سَوِيقًا وَلَتَّهُ أَنْ لَيْسَ لِرَبِّ الْقَمْحِ أَخْذُهُ. (وَبَيْضٍ أَفْرَخَ) . أَشْهَبُ: مَنْ غَصَبَ بَيْضَةً فَحَضَنَهَا تَحْتَ دَجَاجَةٍ لَهُ فَخَرَجَ مِنْهَا دَجَاجَةٌ فَعَلَيْهِ بَيْضَةٌ مِثْلُهَا كَغَاصِبِ الْقَمْحِ يَزْرَعُهُ عَلَيْهِ مِثْلُ الْقَمْحِ وَالزَّرْعِ لَهُ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ، لَا مَا بَاضَ أَوْ حُضِنَ. أَشْهَبُ: لَوْ غَصَبَ دَجَاجَةً فَبَاضَتْ عِنْدَهُ فَحَضَنَتْ بَيْضَهَا، فَمَا خَرَجَ مِنْ الْفَرَارِيجِ فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا مَعَهَا كَالْوِلَادَةِ، وَأَمَّا لَوْ حَضَنَ تَحْتَهَا بَيْضًا لَهُ مِنْ غَيْرِهَا فَالْفَرَارِيجُ لِلْغَاصِبِ وَالدَّجَاجَةُ لِرَبِّهَا وَلَهُ فِيمَا حَضَنَتْ كِرَاءُ مِثْلِهَا. ابْنُ الْمَوَّازِ: مَعَ مَا نَقَصَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصًا بَيِّنًا فَيَكُونُ لِرَبِّهَا قِيمَتُهَا يَوْمَ غَصَبَهَا، وَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْ بَيْضِهَا وَلَا مِنْ فَرَارِيجِهَا شَيْءٌ. قَالَ: وَلَوْ غَصَبَ حَمَامَةً فَزَوَّجَهَا حَمَامًا لَهُ فَبَاضَتْ وَأَفْرَخَتْ، فَالْحَمَامَةُ وَالْفِرَاخُ لِلْمُسْتَحِقِّ وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِيمَا أَعَانَهَا ذَكَرَهُ مِنْ حَضَانَتِهِ، وَلِمُسْتَحِقِّ الْحَمَامَةِ فِيمَا حَضَنَتْ مِنْ بَيْضِ غَيْرِهَا قِيمَةُ حَضَانَتِهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا حَضَنَهُ غَيْرُهَا مِنْ بَيْضِهَا وَإِنَّمَا لَهُ بَيْضٌ مِثْلِ بَيْضِ حَمَامَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فِي أَخْذِ الْبَيْضِ ضَرَرٌ فِي تَكَلُّفِ حَمَامٍ يَحْضُنُهُمْ، فَلَهُ أَنْ يُغَرِّمَ الْغَاصِبَ قِيمَةَ ذَلِكَ الْبَيْضِ اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 317 اُنْظُرْ هَذَا كُلَّهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي الشَّرِكَةِ فِي اشْتِرَاكِ ذِي طَيْرٍ وَطَيْرَةٍ. (وَعَصِيرٍ تَخَمَّرَ) اللَّخْمِيِّ: مَنْ غَصَبَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَ فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ، وَإِنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ كُسِرَتْ عَلَيْهِ وَغَرِمَ مِثْلَهُ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إذَا غَصَبَ مُسْلِمٌ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا فَأَرَاقَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ الْوَاجِبَ مِنْ الْإِرَاقَةِ الَّتِي كَانَ مُخَاطَبًا بِهَا مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ، وَلَوْ أَمْسَكَهَا حَتَّى تَخَلَّلَتْ لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا لِمَنْ غَصَبَهَا مِنْهُ. وَقَدْ خَرَّجَ حُذَّاقُ شُيُوخِي فِي هَذَا خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى طَائِرٍ لَا يَحُوزُهُ أَحَدٌ. (وَإِنْ تَخَلَّلَ خُيِّرَ) اللَّخْمِيِّ: مَنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَلَّلَ خُيِّرَ رَبُّهُ فِي أَخْذِهِ مِثْلَهُ (كَتَخَلُّلِهَا لِذِمِّيٍّ) أَشْهَبُ: إنْ غَصَبَ مُسْلِمٌ خَمْرًا لِذِمِّيٍّ فَخَلَّلَهَا خُيِّرَ فِي أَخْذِهَا خَلًّا أَوْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْغَصْبِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ اسْتَهْلَكَ مُسْلِمٌ لِذِمِّيٍّ خَمْرًا غَرِمَ قِيمَتَهَا (وَتَعَيَّنَ لِغَيْرِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمَازِرِيِّ وَنَقْلُهُ عَنْ حُذَّاقِ شُيُوخِهِ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ تَخَلَّلَ ". (وَإِنْ صَنَعَ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ غَصَبَ خَمْرًا فَفِي كَوْنِهَا بِتَخْلِيلِهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ لَهُ أَوْ لِرَبِّهَا، ثَالِثُهَا إنْ تَسَبَّبَ لِتَخْرِيجِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ وَالْمَعْرُوفِ وَمَفْهُومِ تَعْلِيلِ أَبِي مُحَمَّدٍ. (كَغَزْلٍ وَحُلِيٍّ وَغَيْرِ مِثْلِيٍّ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ) لَا شَكَّ أَنَّ النَّاسِخَ قَدَّمَ هُنَا وَأَخَّرَ. وَإِنَّمَا مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ: وَضَمِنَ بِالِاسْتِيلَاءِ كَكَذَا وَكَذَا لِمِثْلِيٍّ وَلَوْ بِغَلَاءٍ وَغَيْرِ مِثْلِيٍّ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ كَغَزْلٍ أَوْ حُلِيٍّ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْعُرُوض وَالرَّقِيقُ وَالْحَيَوَانُ إذَا اسْتَهْلَكَهَا فَلَهُ قِيمَةُ ذَلِكَ بِبَلَدِ الْغَصْبِ يَوْمَ الْغَصْبِ يَأْخُذُهُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ أَيْنَمَا لَقِيَهُ مِنْ الْبُلْدَانِ، نَقَصَتْ الْقِيمَةُ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ أَوْ زَادَتْ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ غَصَبَ غَزْلًا فَنَسَجَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْغَزْلِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَاسْتَهْلَكَهُمَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا مَصُوغَيْنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ. ابْنُ يُونُسَ: وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ كَذَلِكَ إذَا كَسَرَهُمَا لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُمَا وَكَانَا لَهُ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ غَصَبَ حُلِيًّا فَكَسَرَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ لِهَيْئَتِهِ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ وَهَذَا هُوَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 318 الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَاغَةَ غَيْرُ تِلْكَ فَكَأَنَّهُ أَفَاتَ السِّوَارَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ أَفَاتَهُ، وَعَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ يَأْخُذُهُمَا. (وَإِنْ جِلْدَ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ أَوْ كَلْبًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَعَلَيْهِ إنْ أَتْلَفَهُ قِيمَتُهُ مَا بَلَغَتْ كَمَا لَا يُبَاعُ كَلْبُ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٌ أَوْ ضَرْعٌ وَعَلَى قَاتِلِهِ قِيمَتُهُ مَا بَلَغَتْ. اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ كَانَ كَلْبَ دَارٍ لَمْ يَغْرَمْ فِيهِ شَيْئًا. (وَلَوْ قَتَلَهُ تَعَدِّيًا وَخُيِّرَ فِي الْأَجْنَبِيِّ) كَذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ غَصَبَ أَمَةً ثُمَّ قَتَلَهَا. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: الْمُقَوَّمُ كَالْحَيَوَانِ يَتْلَفُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ خُيِّرَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ غَصَبَ أَمَةً فَزَادَتْ قِيمَتُهَا عِنْدَهُ أَوْ نَقَصَتْ ثُمَّ قَتَلَهَا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْغَصْبِ، فَقَطْ، وَلَوْ قَتَلَهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ أَجْنَبِيٌّ وَقِيمَتُهَا يَوْمَئِذٍ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْغَصْبِ فَلِرَبِّهَا أَخْذُ الْقَاتِلِ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ الْقَتْلِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ، فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ يَوْمَئِذٍ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْغَصْبِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِتَمَامِ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ كَانَ إنَّمَا أَخَذَ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْغَصْبِ مِنْ الْغَاصِبِ فَكَانَتْ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْقَتْلِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ بِشَيْءٍ وَلِلْغَاصِبِ طَلَبُ الْقَاتِلِ بِجَمِيعِ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْقَتْلِ (فَإِنْ تَبِعَهُ تَبِعَ هُوَ الْجَانِي) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لِرَبِّهَا أَخْذُ الْقَاتِلِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَلِلْغَاصِبِ طَلَبُ الْقَاتِلِ (فَإِنْ أَخَذَ رَبُّهُ أَقَلَّ فَلَهُ طَلَبُ الزَّائِدِ مِنْ الْغَاصِبِ فَقَطْ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِتَمَامِ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ. (وَلَهُ هَدْمُ بِنَاءٍ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ غَصَبَ خَشَبَةً أَوْ حَجَرًا فَبَنَى عَلَيْهَا فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا وَهَدْمُ الْبِنَاءِ، وَكَذَلِكَ إنْ غَصَبَ ثَوْبًا وَجَعَلَهُ ظِهَارَةً لِجُبَّةٍ فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ أَوْ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَهُ أَخْذُ عَيْنِ شَيْئِهِ وَيَفْتَقُ لَهُ الْجُبَّةَ وَيَهْدِمُ لَهُ الْبِنَاءَ، وَالْهَدْمُ وَالْفَتْقُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ لَهُ أَيْضًا أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْخَشَبَةِ وَكَانَ الْغَاصِبُ لَمَّا أَفَاتَهَا رَضِيَ مِنْهُ بِالْتِزَامِ قِيمَتِهَا. وَانْظُرْ لَوْ أَنْشَأَ سَفِينَةً عَلَى لَوْحٍ مَغْصُوبٍ أَوْ غَصَبَ خَيْطًا خَاطَ بِهِ جُرْحًا، هَلْ يَتَخَرَّجُ عَلَى تَهْوِينِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ؟ الْمَازِرِيُّ: وَمِنْ هَذَا الْأُسْلُوبِ الْكَبْشُ يُدْخِلُ رَأْسَهُ فِي قِدْرِ غَيْرِ رَبِّهِ، وَالدِّينَارُ يَقَعُ فِي إنَاءِ الْغَيْرِ لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِهِ إلَّا بِكَسْرِ الْإِنَاءِ، وَمِنْ دُرَّةِ الْغَوَّاصِ فِي ثَوْرٍ احْتَبَسَ رَأْسُهُ بَيْنَ أَغْصَانِ زَيْتُونَةٍ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَى صَاحِبِ الثَّوْرِ بِقِيمَةِ مَا يُقْطَعُ مِنْ أَغْصَانِ الزَّيْتُونَةِ حَتَّى يَتَخَلَّصَ رَأْسُهُ مِنْهَا. قَالَهُ الدَّاوُدِيِّ. وَانْظُرْ إذَا اُسْتُحِقَّتْ خَشَبَةٌ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِرَبِّهَا قَلْعُهَا إذَا كَانَ الْبَانِي غَيْرَ غَاصِبٍ. (وَغَلَّةُ مُسْتَعْمَلٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي غُرْمِ الْغَاصِبِ غَلَّةَ الْمَغْصُوبِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ. كُلُّ رَبْعٍ اغْتَصَبَهُ غَاصِبٌ فَسَكَنَهُ أَوْ اغْتَلَّهُ أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 319 أَرْضًا فَزَرَعَهَا، فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مَا سَكَنَ أَوْ زَرَعَ بِنَفْسِهِ وَغُرْمُ مَا أَكْرَاهَا بِهِ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَمْ يُحَابِ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا وَلَا انْتَفَعَ بِهَا وَلَا اغْتَلَّهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَا اغْتَصَبَهُ مِنْ دَوَابَّ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ سَرَقَهُ فَاسْتَعْمَلَهَا شَهْرًا وَطَالَ مُكْثُهَا بِيَدِهِ أَوْ أَكْرَاهَا وَقَبَضَ كِرَاءَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَهُ مَا قَبَضَ مِنْ كِرَائِهَا وَإِنَّمَا لِرَبِّهَا عَيْنُ شَيْئِهِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ قِيمَتَهَا إذَا كَانَتْ عَلَى حَالِهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ فِي يَدِكَ، وَلَا يَنْظُرُ إلَى تَغَيُّرِ سُوقٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا الْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرُ يَتَعَدَّى الْمَسَافَةَ تَعَدِّيًا بَعِيدًا أَوْ يَحْبِسُهَا أَيَّامًا كَثِيرَةً وَلَمْ يَرْكَبْهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا بِحَالِهَا، فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّعَدِّي، أَوْ يَأْخُذُهَا مَعَ كِرَاءِ حَبْسِهِ إيَّاهَا بَعْدَ الْمَسَافَةِ. وَلَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْمُكْتَرِي الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ وَالسَّارِقُ وَالْغَاصِبُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا قِيمَةٌ وَلَا كِرَاءٌ إذَا رَدَّهَا بِحَالِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْلَا مَا قَالَهُ مَالِكٌ لَجَعَلْت عَلَى السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ كِرَاءَ رُكُوبِهِ إيَّاهَا وَأُضَمِّنُهُ قِيمَتَهَا إذَا حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا كَالْمُكْتَرِي وَلَكِنِّي آخُذُ فِيهَا بِقَوْلِ مَالِكٍ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْفَرْقُ أَنَّ الْغَاصِبَ غَصَبَ الرَّقَبَةَ فَلَا يَضْمَنُ الْمَنَافِعَ لِضَمَانِهِ الرَّقَبَةَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ عَلَى الْمَنَافِعِ فَضَمِنَهَا انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا التَّعْلِيلَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّبْعِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَغْرَمُ غَلَّةَ مَا اسْتَغَلَّ. وَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ: " وَغَلَّةُ مُسْتَعْمَلٍ " وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّبْعَ بِخِلَافِ الدَّوَابِّ وَالرَّقِيقِ يَبْقَى صُوفُ الْغَنَمِ وَلَبَنُهَا وَنَسْلُ الْحَيَوَانِ وَثَمَرُ الشَّجَرِ سَيَأْتِي حُكْمُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَمَرْكَبٍ نَخِرٍ ". وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " لَا مَا بَاضَ ". (وَصَيْدُ عَبْدٍ وَجَارِحٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ عَبْدًا وَأَمَرَهُ بِالصَّيْدِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصَّيْدَ لِرَبِّ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ آلَةً كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصَّيْدَ لِلْغَاصِبِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا انْتَفَعَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فَرَسًا فَقَدْ أَلْحَقُوهُ بِالْآلَاتِ، وَإِنْ كَانَ جَارِحًا كَالْبَازِ وَالْكَلْبِ فَهُوَ يَلْحَقُ بِالْعَبْدِ؟ قَوْلَانِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ فِي الَّذِي يَتَعَدَّى عَلَى كَلْبِ رَجُلٍ أَوْ بَازِهِ فَيَصِيدُ بِهِ، وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَحْمَلَهُ مَحْمَلُ الَّذِي يَتَعَدَّى عَلَى الْعَبْدِ فَيُرْسِلُهُ فَيَصِيدُ لَهُ؛ لِأَنَّ جُلَّ الْعَمَلِ إنَّمَا هُوَ لِلْبَازِ وَالْكَلْبِ؛ لِأَنَّهُمَا هُمَا اتَّبَعَا الصَّيْدَ وَهُمَا أَخَذَاهُ، فَلَهُمَا سَبَبَانِ: الِاتِّبَاعُ وَالْأَخْذُ، وَلَيْسَ لِلْمُتَعَدِّي فِيهِ إلَّا التَّحْرِيضُ عَلَى ذَلِكَ مَا تُؤُوِّلَ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّ الزَّرْعَ يَكُونُ فِيهَا لِمَنْ أَخْرَجَ شَيْئَيْنِ انْتَهَى. فَانْظُرْ جَعْلَ ابْنُ رُشْدٍ مَوْضُوعَ مَسْأَلَةِ إذَا تَعَدَّى عَلَى عَبْدِ رَجُلٍ أَوْ كَلْبِهِ أَوْ بَازِهِ أَنَّ الصَّيْدَ لِرَبِّ الْعَبْدِ بِاتِّفَاقٍ وَلِرَبِّ الْكَلْبِ وَالْبَازِ عَلَى الْأَظْهَرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَفَرَضَهَا ابْنُ بَشِيرٍ فِي غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْكَلْبِ وَالْبَازِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَا اُغْتُصِبَ مِنْ دَوَابَّ أَوْ رَقِيقٍ فَاسْتَعْمَلَهَا أَوْ أَكْرَاهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَهُ مَا قَبَضَ مِنْ كِرَائِهَا وَإِنَّمَا لِرَبِّهَا عَيْنُ شَيْئِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: لَوْ أَنَّ الْغَاصِبَ نَفْسَهُ اسْتَغَلَّ الْعَبْدَ أَوْ أَخَذَ كِرَاءَ الدَّارِ لَلَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ الْغَلَّةَ وَالْكِرَاءَ لِلْمُسْتَحِقِّ. وَانْظُرْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِلَّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 320 بُدِئَ بِالْغَاصِبِ ". (وَكِرَاءُ أَرْضٍ بُنِيَتْ) اللَّخْمِيِّ: لَا أَعْلَمُهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَبَنَاهَا ثُمَّ سَكَنَ أَوْ اسْتَغَلَّ أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ سِوَى غَلَّةِ الْقَاعَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا غَصَبَ خَرَابًا لَا يُسْكَنُ إلَّا بِإِصْلَاحِهِ فَأَصْلَحَ وَسَقَفَ وَرَّمَ ثُمَّ اسْتَغَلَّ قَالَ: لِلْمُسْتَحِقِّ جَمِيعُ الْغَلَّةِ وَكِرَاءُ مَا سَكَنَ وَلِلْغَاصِبِ قِيمَةُ مَا لَوْ نُزِعَ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ. (كَمَرْكَبٍ نَخِرٍ) اللَّخْمِيِّ: إنْ غَصَبَ مَرْكَبًا نَخِرًا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ إلَّا بِإِصْلَاحِهِ فَعَمَّرَهُ وَرَجَّحَهُ بِجَوَانِحِهِ وَأَطْرَافِهِ ثُمَّ اغْتَلَّ غَلَّةً، كَانَ جَمِيعُ الْغَلَّةِ لِمُسْتَحِقِّهِ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَنْفَقَهُ إلَّا مِثْلُ طَيْرٍ أَوْ جَمَلٍ. ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَشْهَبَ وَرَجَّحَهُ اُنْظُرْهُ فِيهِ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَا أَثْمَرَ عِنْدَ الْغَاصِبِ مِنْ نَخْلٍ أَوْ مِنْ شَجَرٍ أَوْ تَنَاسُلٍ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ جَزَّ مِنْ الصُّوفِ أَوْ حَلَبَ مِنْ اللَّبَنِ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَعَ مَا اغْتَصَبَهُ لِمُسْتَحِقِّهِ، وَمَا أَكَلَ رَدَّ الْمِثْلَ مَا لَهُ مِثْلٌ، وَالْقِيمَةَ فِيمَا لَا يُقْضَى بِمِثْلِهِ. وَلَيْسَ لَهُ إتْبَاعُ الْمُسْتَحِقِّ بِمَا أَنْفَقَ فِي ذَلِكَ أَوْ سَقَى أَوْ عَالَجَ أَوْ رَعَى، وَلَكِنْ لَهُ الْمُقَاصَّةُ بِذَلِكَ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ غَلَّةٍ؛ لِأَنَّ عَنْ عَمَلِهِ تَكَوَّنَتْ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَجِيرَ أَحَقُّ بِهَا فِي الْفَلَسِ، وَإِنْ عَجَزَتْ الْغَلَّةُ عَنْهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ بِشَيْءٍ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا: لَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا سَقَى أَوْ عَالَجَ أَوْ أَنْفَقَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْغَلَّةِ. وَقَالَهُ مَالِكٌ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ: إذْ لَيْسَ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ وَلَا مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْقَلْعِ فَيُرَدُّ، وَهُوَ كَمَا لَوْ غَصَبَ مَرْكَبًا خَرِبًا فَأَنْفَقَ فِي قَلْفَطَتِهِ وَمَرَمَّتِهِ وَتَرْجِيحِهِ وَأَطْرَافِهِ وَجَوَانِحِهِ ثُمَّ اغْتَلَّ فِيهِ غَلَّةً كَثِيرَةً، فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ مُقَلْفَطًا مَصْلُوحًا بِجَمِيعِ غَلَبَتِهِ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِيمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ إلَّا مِثْلَ الصَّارِي وَالْأَرْجُلِ وَالْحِبَالِ. وَمَا يُؤْخَذُ لَهُ ثَمَنٌ إذَا أُخِذَ فَلِلْغَاصِبِ أَخْذُهُ وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا غِنَى عَنْهُ إذْ لَا يَجِدُ صَارِيًا وَلَا أَرْجُلًا وَلَا أَحْبُلًا إلَّا هَذِهِ، أَوْ لَا يَجِدُ ذَلِكَ بِمَوْضِعٍ لَا يُنَالُ حَمْلُهَا إلَيْهِ إلَّا بِالْمَشَقَّةِ وَالْمُؤْنَةِ الْعَظِيمَةِ وَهُوَ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِمَّا يَجْرِي بِهِ الْمَرْكَبُ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى مَوْضِعِهِ، فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ بِمَوْضِعِهِ كَيْفَمَا كَانَ أَوْ يُسْلِمَ ذَلِكَ إلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ أَيْضًا فِيمَا سَقَى أَوْ عَالَجَ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ كَالْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَأْخُذُهُ كَالْمُسْتَحِقِّ حَتَّى يَدْفَعَ قِيمَةَ السَّقْيِ وَالْعِلَاجِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْوَبُ. (وَأَخَذَ مَا لَا عَيْنَ لَهُ قَائِمَةٌ) اُنْظُرْ إنْ كَانَ يَعْنِي بِهَذَا أَنَّ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ أَرْضَهُ وَمَرْكَبَهُ وَيَأْخُذَ مَعَهُمَا مَا لَا قِيمَةَ لَهُ إنْ قُلِعَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ " كَمَرْكَبٍ " أَنَّ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ مَا لَوْ نُزِعَ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: كُلُّ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْغَاصِبِ بَعْدَ الْقَلْعِ كَالْجِصِّ وَالنَّقْشِ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ مَا حَفَرَ مِنْ بِئْرٍ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا أَحْدَثَهُ الْغَاصِبُ فِي الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ خَرَجَ مِمَّا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ كَالصَّبْغِ وَالنَّقْضِ فِي الْبُنْيَانِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ يُمْكِنُ إعَادَتُهُ عَلَى حَالِهِ كَالْبُقْعَةِ بَيْنَهُمَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالْمَغْصُوب مِنْهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْمُرَ الْغَاصِبَ بِإِعَادَةِ الْبُقْعَةِ عَلَى حَالِهَا وَإِزَالَةِ مَا لَهُ فِيهَا مِنْ نَقْضٍ إنْ كَانَ فِيهَا نَقْضٌ، وَبَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ الْغَاصِبَ قِيمَةَ مَا لَهُ فِيهَا مِنْ النَّقْضِ مَقْلُوعًا مَطْرُوحًا بِالْأَرْضِ، بَعْدَ أَجْرِ الْقَلْعِ. قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ وَابْنُ الْمَوَّازِ. وَهَذَا إذَا كَانَ الْغَاصِبُ مِمَّنْ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 321 بِنَفْسِهِ وَلَا بِعَبِيدِهِ وَإِنَّمَا يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إنَّهُ لَا يُحَطُّ مِنْ ذَلِكَ أَجْرُ الْقَلْعِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَاغْتُلَّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ هَدَمَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْقِيمَةِ بَعْدَ الْهَدْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبُنْيَانِ الَّذِي بَنَى الْغَاصِبُ مَا لَهُ قِيمَةٌ إذَا قَلَعَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْغَاصِبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ شَيْءٌ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» . (لَا صَيْدَ كَشَبَكَةٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ آلَةً كَالسَّيْفِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصَّيْدَ لِلْغَاصِبِ، وَمِثْلُ السَّيْفِ الشِّبَاكُ وَالْحَمَّالَاتُ. (وَمَا أُنْفِقَ فِي الْغَلَّةِ) تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ: إنَّ مَا أَنْفَقَ فِي الْغَلَّةِ مِنْ سَقْيٍ وَعِلَاجٍ لَهُ الْمُقَاصَّةُ بِهِ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ غَلَّةٍ. ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلًا آخَرَ مَشْهُورًا أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ كَمَا أَنْفَقَ فِي الْمَرْكَبِ النَّخِرِ مِنْ قَلْفَطَةٍ. وَانْظُرْ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ أَنَّ لَهُ مَا أَنْفَقَ إنَّمَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ فِي الْغَلَّةِ إنْ كَانَتْ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَاَلَّذِي لِابْنِ عَرَفَةَ: عَلَى غُرْمِ الْغَاصِبِ الْغَلَّةَ فِي رُجُوعِهِ بِالنَّفَقَةِ طَرِيقَانِ، كَمَنْ تَعَدَّى عَلَى رَجُلٍ فَسَقَى لَهُ شَجَرَةً أَوْ حَرَثَ أَرْضَهُ أَوْ حَصَدَ زَرْعَهُ ثُمَّ سَأَلَهُ أَجْرَ ذَلِكَ. رَاجِعْ اللَّخْمِيَّ وَابْنَ عَرَفَةَ. (وَهَلْ إنْ أَعْطَاهُ فِيهِ مُتَعَدِّدٌ عَطَاءً فَبِهِ أَوْ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ وَمِنْ الْقِيمَةِ؟ تَرَدُّدٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ تَسَوَّقَ سِلْعَةً فَيُعْطِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ بِهَا ثَمَنًا ثُمَّ يَسْتَهْلِكُهَا لَهُ رَجُلٌ، فَلْيَضْمَنْ مَا كَانَ أَعْطَى فِيهَا وَلَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهَا إذَا كَانَ عَطَاءً قَدْ تَوَاطَأَ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَبِيعَ بَاعَ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يَضْمَنُ إلَّا قِيمَتَهَا. وَقَالَ عِيسَى: يَضْمَنُ الْأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنَ اهـ نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ مَالِكٍ " لَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهَا " مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ، فَقَوْلُ عِيسَى مُفَسِّرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ. (وَإِنْ وَجَدَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 322 غَاصِبَهُ بِغَيْرِهِ وَغَيْرِ مَحَلِّهِ فَلَهُ تَضْمِينُهُ وَمَعَهُ أَخْذُهُ إنْ لَمْ يَحْتَجْ لِكَبِيرِ حَمْلٍ) اُنْظُرْ إنْ كَانَ مَعْنَاهُ بِغَيْرِ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: لَوْ وَجَدَ الْغَاصِبَ خَاصَّةً يَعْنِي دُونَ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَوْ صَاحِبُهُ " أَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّ الطَّعَامِ الْمَغْصُوبِ جَبْرُ الْغَاصِبِ عَلَى رَدِّهِ لِبَلَدِ الْغَصْبِ. وَقَالَ ابْنُ حَارِثٍ: اتَّفَقُوا إذَا غَصَبَهُ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً ثُمَّ لَقِيَهُ بِمَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ، وَلَا تَجِبُ لَهُ قِيمَتُهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ بِرَدِّهِ إلَى مَوْضِعِهِ. وَرَوَى الْبَاجِيُّ: وَيُخَيَّرُ فِي الْبَزِّ وَالْعُرُوضِ فِي أَخْذِ عَيْنِهَا أَوْ قِيمَتِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ رُشْدٍ سَمَاعَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ النَّقْلَ فَوَّتَ فِي الرَّقِيقِ وَالْعُرُوضِ لَا فِي الْحَيَوَانِ. وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي نَقْلِ غَيْرِ الطَّعَامِ طَرِيقَانِ. وَلَخَّصَ ابْنُ يُونُسَ سَمَاعَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ: الطَّعَامُ لَيْسَ لَهُ فِي الْحُكْمِ إلَّا مِثْلُهُ بِمَوْضِعِ غَصْبِهِ، وَالْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ وَالْحَيَوَانُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُمْ إلَّا حَيْثُ وَجَدَهُمْ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرُوا، وَأَمَّا الْبَزُّ وَالْعُرُوضُ فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهَا أَوْ أَخْذِ قِيمَتِهَا بِمَوْضِعِ غَصْبِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ أَشْهَبَ يُخَيِّرُهُ أَيْضًا فِي الْحَيَوَانِ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ قَالَ: إنْ نَقَلَ خَشَبَةً تَعَدِّيًا بِمَالٍ كَثِيرٍ جُبِرَ عَلَى رَدِّهَا لِمَحَلِّهَا اهـ. وَبِتَلْخِيصِ ابْنِ يُونُسَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ كُنْت اكْتَفَيْت فِي النَّقْلِ لَوْلَا لَفْظَةُ خَلِيلٍ فَانْظُرْهُ أَنْتَ مَعَ مَا تَقَرَّرَ. (لَا إنْ هَزَلَتْ جَارِيَةٌ أَوْ نَسِيَ عَبْدٌ صَنْعَةً ثُمَّ عَادَ) ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ هَزَلَتْ الْجَارِيَةُ ثُمَّ سَمِنَتْ أَوْ نَسِيَ الْعَبْدُ الصَّنْعَةَ ثُمَّ ذَكَرَهَا حَصَلَ الْجَبْرُ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا لِغَيْرِهِمَا وَهُوَ مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فِيمَا ابْتَاعَهُ فَلَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى زَالَ فَلَا رَدَّ لَهُ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمَا أَنَّ الْهُزَالَ فِي الْجَارِيَةِ يُوجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانَهَا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: هُزَالُ الْجَارِيَةِ لَغْوٌ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ. (أَوْ خَصَاهُ فَلَمْ يَنْقُصْ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا غَصَبَ عَبْدًا فَخَصَاهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَهُ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 323 فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْهُ ذَلِكَ أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا وَعُوقِبَ. ابْنُ عَرَفَةَ: سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ: مَنْ خَصَى عَبْدًا. اُنْظُرْهُ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ طَوِيلٌ. (أَوْ جَلَسَ عَلَى ثَوْبِ غَيْرِهِ فِي صَلَاةٍ) ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ: مَنْ جَلَسَ عَلَى ثَوْبِ رَجُلٍ فِي الصَّلَاةِ فَيَقُومُ صَاحِبُ الثَّوْبِ الْمَجْلُوسِ عَلَيْهِ وَهُوَ تَحْتَ الْجَالِسِ فَيَنْقَطِعُ فَلَا يَضْمَنُ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْهُ بُدًّا فِي صَلَوَاتِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ. (أَوْ دَلَّ لِصًّا) أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ أَخْبَرَ لُصُوصًا بِمَطْمُورِ رَجُلٍ أَوْ أَخْبَرَ بِهِ الْغَاصِبَ وَقَدْ بَحَثَ عَنْ مَطْمَرِهِ أَوْ مَالِهِ فَدَلَّهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَلَوْلَا دَلَالَتُهُ مَا عَرَفُوهُ، فَضَمَّنَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا، وَلَمْ يُضَمِّنْهُ بَعْضُهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَنَا أَقُولُ بِتَضْمِينِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وَجْهِ التَّغْرِيرِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا الرَّجُلُ يَأْتِي السُّلْطَانَ بِأَسْمَاءِ قَوْمٍ وَمَوْضِعِهِمْ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي يَطْلُبُهُمْ بِهِ السُّلْطَانُ ظُلْمٌ فَيَنَالُهُمْ بِسَبَبِ تَعْرِيفِهِ بِهِمْ غُرْمٌ أَوْ عُقُوبَةٌ، فَأَرَاهُ ضَامِنًا لِمَا غَرَّمَهُمْ مَعَ الْعُقُوبَةِ الْمُوجِعَةِ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ أَشْهَبُ: إذَا دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِمَا الْجَزَاءُ جَمِيعًا. وَابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ: لَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ. فَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَجْرِي مَسَائِلُ الدَّالِّ فِيمَا ذَكَرْنَا. الْمَازِرِيُّ: فِي ضَمَانِ الْمُتَسَبِّبِ بِقَوْلٍ كَصَيْرَفِيٍّ يَقُولُ فِيمَا عَلِمَهُ زَائِفًا: طَيِّبٌ، وَكَخَبَرِ مَنْ أَرَادَ صَبَّ زَيْتٍ فِي إنَاءٍ عَلِمَهُ مَكْسُورًا: صَحِيحٌ، وَكَدَالٍّ ظَالِمًا عَلَى مَالٍ أَخْفَاهُ رَبُّهُ عَنْهُ عَلَيْهِ قَوْلَانِ. الْمَازِرِيُّ كَقَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي لُزُومِ الْجَزَاءِ عَلَى مَنْ دَلَّ مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ بِدَلَالَتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فُتْيَا ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يَضْمَنُ إنْ أَفْتَى بِمَالٍ لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ إذْ هُوَ غُرُورٌ بِالْقَوْلِ، وَالصَّحِيحُ لَا يَضْمَنُ بِهِ. (أَوْ أَعَادَ مَصُوغًا عَلَى حَالِهِ وَعَلَى غَيْرِهَا فَقِيمَتُهُ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَحَكَى أَنَّ الصَّوَابَ غُرْمُ الْقِيمَةِ وَإِنْ أَعَادَهُ لِهَيْئَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَاغَةَ غَيْرُ تِلْكَ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يَأْخُذُهُ بِلَا غُرْمٍ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ صَاغَهُ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 324 غَيْرِ صِيَاغَتِهِ لَمْ يَأْخُذْهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصَبَهُ (كَكَسْرِهِ) تَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا كَسَرَ الْحُلِيَّ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ. (أَوْ غَصَبَ مَنْفَعَةً فَتَلِفَتْ الذَّاتُ) ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ سَكَنَ دَارًا غَاصِبًا لِلسُّكْنَى مِثْلُ مَا سَكَنَ السُّدَّةَ حِينَ دَخَلُوا فَانْهَدَمَتْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ، فَلَا يَضْمَنُ إلَّا قِيمَةَ السُّكْنَى إلَّا أَنْ تَنْهَدِمَ مِنْ فِعْلِهِ. وَأَمَّا لَوْ غَصَبَهُ رَقَبَةَ الدَّارِ ضَمِنَ مَا انْهَدَمَ وَكِرَاءَ مَا سَكَنَ. انْتَهَى وَانْظُرْ فِي. ابْنِ يُونُسَ هُنَا إذَا اكْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا فَاغْتَصَبَهَا مِنْهُ رَجُلٌ فَسَكَنَ أَوْ زَرَعَ أَنَّ الْكِرَاءَ عَلَى الْمُكْتَرِي إلَّا أَنْ يَكُونَ سُلْطَانًا. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا صَوَابٌ؛ لِأَنَّ مَنْعَ السُّلْطَانِ كَمَنْعِ مَا هُوَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ كَهَدْمِ الدَّارِ وَقَحْطِ الْأَرْضِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا نَزَلَ سُلْطَانٌ عَلَى مُكْتِرٍ فَأَخْرَجَهُ وَسَكَنَ الدَّارَ أَنَّ الْمُصِيبَةَ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُكْتَرِي مَا سَكَنَهُ السُّلْطَانُ. (أَوْ أَكَلَهُ مَالِكُهُ ضِيَافَةً) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَدَّمَ الْغَاصِبُ الطَّعَامَ إلَى الْمَالِكِ فَأَكَلَهُ مَعَ الْجَهْلِ بِحَالِهِ فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ، بَلْ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَكْلِهِ فَأَكَلَهُ لَبَرِئَ الْغَاصِبُ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ نَقَلَ هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ،. فَأَمَّا مَا أَكَلَهُ طَوْعًا فَالْجَارِي عَلَى الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يُحَاسَبَ الْمَغْصُوبُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِمَا يُقْضَى عَلَيْهِ أَوْ طَعِمَهُ مِنْ مَالِهِ مِمَّا لَيْسَ بِسَرَفٍ فِي حَقِّ الْآكِلِ، وَأَمَّا مَا أَكَلَهُ مُكْرَهًا فَهُوَ كَمَنْ أَكْرَهَ رَجُلًا عَلَى إتْلَافِ مَالٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ. (أَوْ نَقَصَتْ لِلسُّوقِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا اغْتَصَبَهُ غَاصِبٌ فَأَدْرَكَهُ رَبُّهُ بِعَيْنِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي بَدَنِهِ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَى نَقْصِ قِيمَتِهِ بِاخْتِلَافِ سُوقِهِ، طَالَ زَمَانُ ذَلِكَ سِنِينَ أَوْ كَانَ سَاعَةً وَاحِدَةً إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى تَغَيُّرِ بَدَنِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ بِخِلَافِ الْمُتَعَدِّي فِي حَبْسِ الدَّابَّةِ مِنْ مُكْتِرٍ أَوْ مُسْتَعِيرٍ يَأْتِي بِهَا أَحْسَنَ حَالًا، فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِ الْكِرَاءِ أَوْ يُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ يَوْمَ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّهُ حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا إلَّا فِي الْحَبْسِ الْيَسِيرِ لَا تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهِ فِي سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ مَا أَصْلُهُ أَمَانَةٌ فَتَعَدَّى فِيهِ بِإِكْرَاهٍ أَوْ رَكِبَهُ مِنْ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ كِرَاءٍ، فَهَذَا سَبِيلُهُ وَهُوَ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ. ابْنُ يُونُسَ: الْقِيَاسُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْوَجْهِ وَلَا يَكُونُ الْغَاصِبُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ الْمُتَعَدِّي، وَكَمَا كَانَ يَضْمَنُ فِي النَّقْصِ الْيَسِيرِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَضْمَنَ فِي نَقْصِ السُّوقِ. وَقَدْ نَحَا ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا لَوْلَا خَوْفُ مُخَالَفَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 325 الْإِمَامِ مَالِكٍ. (أَوْ رَجَعَ بِهَا مِنْ سَفَرٍ وَلَوْ بَعُدَ كَسَارِقٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَا اُغْتُصِبَ مِنْ دَوَابَّ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ سَرِقَةٍ وَطَالَ مُكْثُهَا بِيَدِهِ، فَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَنْ يُلْزِمَهُ قِيمَتَهَا إذَا كَانَتْ عَلَى حَالِهَا. وَلَا يَنْظُرُ إلَى تَغَيُّرِ سُوقٍ بِخِلَافِ الْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرِ يَتَعَدَّى الْمَسَافَةَ تَعَدِّيًا بَعِيدًا فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَغَلَّةُ مُسْتَعْمَلٍ ". وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ مِثْلَ هَذَا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ثُمَّ قَالَ: وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ: إنْ سَافَرَ غَاصِبُ الدَّابَّةِ سَفَرًا بَعِيدًا ثُمَّ رَدَّهَا بِحَالِهَا خُيِّرَ رَبُّهَا وَأَمْرُ الْمُكْتَرِي وَالْغَاصِبِ وَاحِدٌ. (وَلَهُ فِي تَعَدِّي كَمُسْتَأْجِرٍ كِرَاءُ الزَّائِدِ إنْ سَلِمَتْ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَغَلَّةُ مُسْتَعْمِلٌ " قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرِ يَتَعَدَّى ثُمَّ يَرُدُّهَا بِحَالِهَا أَنَّ رَبَّهَا مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا مَعَ كِرَاءِ حَبْسِهِ إيَّاهَا بَعْدَ الْمَسَافَةِ بِخِلَافِ السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ. اُنْظُرْهُ هُنَاكَ. (وَإِلَّا خُيِّرَ فِيهِ وَفِي قِيمَتِهَا وَقْتَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا زَادَ مُكْتَرِي الدَّابَّةِ أَوْ مُسْتَعِيرُهَا فِي الْمَسَافَةِ مِيلًا أَوْ أَكْثَرَ فَعَطِبَتْ، ضَمِنَ وَخُيِّرَ رَبُّهَا. فَإِمَّا ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ التَّعَدِّي وَلَا كِرَاءَ لَهُ فِي الزِّيَادَةِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ كِرَاءَ الزِّيَادَةِ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ، وَلَهُ عَلَى الْمُكْتَرِي - الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَوْ رَدَّهَا بِحَالِهَا، وَالزِّيَادَةُ يَسِيرَةٌ مِثْلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 326 الْبَرِيدِ وَالْيَوْمِ وَشِبْهِهِ لَمْ يَلْزَمْ قِيمَتُهَا وَإِنَّمَا لَهُ كِرَاءُ الزِّيَادَةِ انْتَهَى. (وَإِنْ تَعَيَّبَ وَإِنْ قَلَّ كَكَسْرِ نَهْدَيْهَا أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 327 جَنَى هُوَ أَوْ أَجْنَبِيٌّ خُيِّرَ فِيهِ كَصَبْغِهِ فِي قِيمَتِهِ وَأَخْذِ ثَوْبِهِ وَدَفْعِ قِيمَةِ الصَّبْغِ) . ابْنُ رُشْدٍ: يُفِيتُ الْمَغْصُوبُ النُّقْصَانَ وَالْعُيُوبَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُفْسِدَةً، كَانَتْ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ أَوْ بِجِنَايَةِ الْغَاصِبِ أَوْ جِنَايَةِ غَيْرِهِ غَيْرَ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ أَوْ يَأْخُذَهُ نَاقِصًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَتْ بِجِنَايَةِ الْغَاصِبِ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْغَصْبِ أَوْ يَسْقُطَ عَنْهُ حُكْمُ الْغَصْبِ، فَيَأْخُذَهُ وَمَا نَقَصَتْهُ جِنَايَتُهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ بِجِنَايَةِ غَيْرِ الْغَاصِبِ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ يَوْمَ الْغَصْبِ وَيَتَّبِعَ الْغَاصِبُ الْجَانِيَ، وَبَيْنَ أَنْ يُسْقِطَ عَنْ الْغَاصِبِ طَلَبَهُ وَيَتَّبِعَ الْجَانِيَ بِحُكْمِ الْجِنَايَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: مَنْ غَصَبَ شَابَّةً فَصَارَتْ إلَى تَغْيِيرٍ يَسِيرٍ كَانْكِسَارِ النَّهْدَيْنِ وَنَحْوِهِ لَهُ تَضْمِينُهُ قِيمَتَهَا إنْ شَاءَ انْتَهَى. فَقَدْ تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الْعَيْبِ السَّمَاوِيِّ بَيْنَ أَخْذِهِ بِنَقْصِهِ وَبَيْنَ أَخْذِهِ قِيمَتَهَا بِخِلَافِ الْعَيْبِ مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 328 الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ مَعَ مَا نَقَصَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهِ، وَكَذَا إنْ كَانَ الْعَيْبُ بِجِنَايَةٍ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ لَكِنْ إنْ أَخَذَهُ أَتْبَعَ الْجَانِيَ بِمَا نَقَصَهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَهُ " وَإِنْ قَلَّ " لَوْ قَالَ " وَلَوْ قَلَّ " لَكَانَ مُنَاسِبًا؛ لِأَنَّهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فَرَّقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَعَلَيْهِ عَوَّلَ فِي التَّفْرِيعِ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَهُوَ أَبْيَنُ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مِنْ الْعَيْبِ الْيَسِيرَ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الصَّبْغِ فَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، خُيِّرَ رَبُّهُ فِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْغَاصِبِ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصَبَهُ أَوْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ صَبْغِهِ وَيَأْخُذَ ثَوْبَهُ، وَلَا يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِي الْغَصْبِ. اُنْظُرْ لَوْ سَقَطَ ثَوْبٌ فِي قِدْرِ صَبَّاغٍ فَانْصَبَغَ الثَّوْبُ قَالُوا: يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِيهِ، هَذَا بِقِيمَةِ ثَوْبِهِ وَهَذَا بِقِيمَةِ صَبْغِهِ. (وَفِي بِنَاءٍ فِي أَخْذِهِ وَدَفْعِ قِيمَةِ نَقْضِهِ بَعْدَ سُقُوطِ كُلْفَةٍ لَمْ يَتَوَلَّهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا غَرْسًا أَوْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَبُّهَا قِيلَ لِلْغَاصِبِ: اقْلَعْ الْأُصُولَ وَالْبِنَاءَ إنْ كَانَ لَكَ مَنْفَعَةٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْأُصُولِ مَقْلُوعًا. ابْنُ الْمَوَّازِ: بَعْدَ طَرْحِ أُجْرَةِ الْقَلْعِ فَذَلِكَ لَهُ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَأَخَذَ مَا لَا عَيْنَ لَهُ قَائِمَةٌ " قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا إنْ كَانَ الْغَاصِبُ مِمَّنْ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. (وَمَنْفَعَةُ الْحُرِّ وَالْبُضْعِ بِالتَّفْوِيتِ) . ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ فَلَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْوِيتِ، فَعَلَيْهِ فِي الْحُرَّةِ صَدَاقُ الْمِثْلِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا، وَكَذَلِكَ مَنْفَعَةُ بَدَنِ الْحُرِّ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْوِيتِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ إنْ رَجَعَ شَاهِدُ الطَّلَاقِ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا، وَكَذَا فِي مُتَعَمِّدَةِ إرْضَاعِ مَنْ يُوجِبُ رَضَاعُهَا فَسْخَ نِكَاحِهَا. (كَحُرٍّ بَاعَهُ وَتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 329 سَحْنُونَ: وَإِذَا غَصَبَ أُمَّ وَلَدٍ فَمَاتَتْ عِنْدَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا كَالْحُرَّةِ يَغْتَصِبُهَا فَتَمُوتُ عِنْدَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ: إنَّ أُمَّ الْوَلَدِ أَحْكَامُهَا أَحْكَامُ أَمَةٍ حَتَّى يَمُوتَ سَيِّدُهَا أَصَحُّ فَلَا تُشْبِهُ الْحُرَّةَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّةَ لَا يَضْمَنُهَا بِالنَّقْلِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَمَنْ فِيهَا بَقِيَّةُ رِقٍّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ غَصَبَ حُرًّا فَبَاعَهُ أَنَّهُ يُكَلَّفُ طَلَبُهُ، فَإِنْ يَئِسَ مِنْهُ أَدَّى دِيَتَهُ إلَى أَهْلِهِ. وَقَدْ نَزَلَتْ بِطُلَيْطِلَةَ فَكَتَبَ قَاضِيهَا إلَى ابْنِ بَشِيرٍ بِقُرْطُبَةَ فَجَمَعَ ابْنُ بَشِيرٍ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَفْتَوْا بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ أَغْرِمْهُ دِيَةً كَامِلَةً فَقَضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ (وَغَيْرِهِمَا بِالْفَوَاتِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَضَمِنَ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَإِنْ تَعَيَّبَ وَإِنْ قَلَّ كَنُقْرَةٍ صِيغَتْ وَقَمْحٍ طُحِنَ ". (وَهَلْ يَضْمَنُ شَاكِيهِ لِمُغَرِّمٍ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ الرَّسُولِ إنْ ظَلَمَ أَوْ الْجَمِيعَ أَوْ لَا، أَقْوَالٌ) اُنْظُرْ مُقْتَضَى ابْنِ الْقَاسِمِ وَفَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ أَنْ لَا غُرْمَ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ دَلَّ لِصًّا " وَقَوْلُ ابْنِ يُونُسَ اُخْتُلِفَ فِي تَضْمِينِ مَنْ اعْتَدَى عَلَى رَجُلٍ فَقَدَّمَهُ إلَى السُّلْطَانِ وَالْمُتَعَدِّي يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَهُ إلَيْهِ تَجَاوَزَ فِي ظُلْمِهِ وَأَغْرَمَهُ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: عَلَيْهِ الْأَدَبُ وَقَدْ أَثِمَ. وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يُفْتِي فِي مِثْلِ هَذَا إنْ كَانَ هَذَا السَّاعِي إلَى السُّلْطَانِ الصَّالِحِ أَوْ الْعَالِمِ وَهُوَ ظَالِمٌ لَهُ فِي شَكْوَاهُ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا أَغْرَمَهُ الْوَالِي بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنْ كَانَ السَّاعِي مَظْلُومًا وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَنْتَصِفَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ إلَّا بِالسُّلْطَانِ فَشَكَاهُ فَأَغْرَمَهُ السُّلْطَانُ وَعَدَا عَلَيْهِ ظُلْمًا فَلَا شَيْءَ عَلَى الشَّاكِي؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَلْجَئُونَ مِنْ الظَّلَمَةِ إلَى السُّلْطَانِ، وَيَلْزَمُ السُّلْطَانَ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا أَغْرَمَ الشَّاكِي ظُلْمًا، وَكَذَلِكَ مَا أَغْرَمَ الرَّسُولُ إلَى الْمُشْكِي وَهُوَ مِثْلُ مَا أَغْرَمَهُ السُّلْطَانُ أَوْ الْوَالِي يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ ظُلْمِ الشَّاكِي وَبَيْنِ ظُلْمِ غَيْرِهِ. وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُفْتِي أَنْ يَنْظُرَ الْقَدْرَ الَّذِي لَوْ اسْتَأْجَرَ الشَّاكِي رَجُلًا فِي الْمَسِيرِ فِي إحْضَارِ الْمُشْكَى فَذَلِكَ عَلَى الشَّاكِي عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا أَغْرَمَهُ الرَّسُولُ فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الصَّالِحِ وَالْمَظْلُومِ حَسْبَمَا قَدَّمْنَاهُ انْتَهَى. وَفُتْيَا الْأَشْيَاخِ عِنْدَنَا أَنَّ الشَّاكِي لِجَائِرٍ يَغْرَمُ لِلْمَشْكُوِّ بِهِ مَا غَرِمَ. اُنْظُرْ نَوَازِلَ شَيْخِ الشُّيُوخِ ابْنِ لُبٍّ. وَمِنْ نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: جَرَتْ الْعَادَةُ فِيمَنْ رَفَعَ شِكَايَتَهُ لِقَائِدِ الْفَحْصِ وَنَحْوِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُؤَدِّبُهُ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَهُ لِظُلْمِهِ عِنْدَ هَذَا الْجَائِرِ لَا سِيَّمَا إذَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ إلَى الْقَاضِي فَيَدْعُوهُ هُوَ إلَى هَؤُلَاءِ الْحُكَّامِ، وَكَانَ بَعْضُ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ يَأْمُرُ مَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ أَنْ يَدْفَعَ إلَى هَؤُلَاءِ وَيَقُولُ: هُمْ أَهْيَبُ مِنْ الْقَاضِي وَأَجْهَزُ فِي الْقَضِيَّةِ، لَكِنْ إذَا عَلِمَ أَنَّ خَصْمَهُ لَا يَظْلِمُهُ هَذَا الْوَالِي وَإِنَّمَا يُوصِلُهُ بِسَطْوَتِهِ، إلَى حَقِّهِ. وَارْتَضَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 330 هَذَا شَيْخُنَا الْإِمَامُ وَرُبَّمَا فَعَلَهُ فِي بَعْضِ حُقُوقِهِ انْتَهَى (وَمِلْكُهُ إنْ اشْتَرَاهُ وَلَوْ غَابَ) اُنْظُرْ فِي الْبُيُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمَغْصُوبٌ إلَّا مِنْ غَاصِبِهِ ". (وَغَرِمَ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يُمَوِّهْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ قَضَيْتُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ ظَهَرَتْ الْأَمَةُ بَعْدَ الْحُكْمِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا وَرَدُّ مَا أَخَذَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يَأْخُذْهَا رَبُّهَا إلَّا أَنْ تَظْهَرَ أَفْضَلَ مِنْ الصِّفَةِ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِتَمَامِ الْقِيمَةِ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ. وَمَنْ قَالَ: إنَّ لَهُ أَخْذَهَا فَقَدْ أَخْطَأَ (وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِفَضْلَةٍ أَخْفَاهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ظَهَرَتْ أَفْضَلَ مِنْ الصِّفَةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِتَمَامِ الْقِيمَةِ قَالَ: وَكَانَ الْغَاصِبُ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ بِجَحْدِ بَعْضِهَا. (وَالْقَوْلُ لَهُ فِي تَلَفِهِ وَنَعْتِهِ وَقَدْرِهِ وَحَلَفَ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ غَصَبَ أَمَةً وَادَّعَى هَلَاكَهَا وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهَا صُدِّقَ الْغَاصِبُ فِي الصِّفَةِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ، فَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ صُدِّقَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي الصِّفَةِ مَعَ يَمِينِهِ. وَمَنْ انْتَهَبَ صُرَّةً بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ قَالَ كَانَ فِيهَا كَذَا وَالْمَغْصُوبُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 331 مِنْهُ يَدَّعِي أَكْثَرَ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ انْتَهَبَهَا وَطَرَحَهَا فِي مَتْلَفٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْتَهِبِ. ابْنُ يُونُسَ: أَمَّا إذَا طَرَحَهَا وَلَمْ يَفْتَحْهَا وَلَمْ يَدْرِ مَا فِيهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْتَهَبِ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ فِيمَا يُشْبِهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي حَقِيقَةً، وَأَمَّا إنْ غَابَ عَلَيْهَا وَقَالَ الَّذِي كَانَ فِيهَا كَذَا وَكَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْتَهِبِ مَعَ يَمِينِهِ. (كَمُشْتَرٍ مِنْهُ ثُمَّ غَرِمَ لِآخَرَ رُؤْيَةً) سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي سِلْعَةً فَيُقِيمُ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا اُغْتُصِبَتْ مِنْهُ فَيَزْعُمُ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ قَالَ: إنْ كَانَ حَيَوَانًا فَهُوَ مُصَدَّقٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَحَلَفَ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ. قِيلَ: فَإِنْ بَاعَهَا؟ قَالَ: لَا يَكُونُ عَلَيْهِ إلَّا ثَمَنُهَا. وَقَوْلُهُ مَقْبُولٌ فِي الثَّمَنِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ جَيِّدَةٌ. وَقَوْلُهُ " يَحْلِفُ إذَا ادَّعَى تَلَفَ السِّلْعَةِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ غَيَّبَهَا " وَمِثْلُ هَذَا يَجِبُ فِي الْمُرْتَهَنِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالصَّانِعِ يَدَّعُونَ تَلَفَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ. انْتَهَى مِنْ رَسْمِ اسْتَأْذَنَ. وَلَمَّا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ هَذَا قَالَ: فَإِنْ رُئِيَ الثَّوْبُ عِنْدَهُ بَعْدَ شَهْرٍ مِنْ يَوْمِ اشْتَرَاهُ وَادَّعَى ضَيَاعَهُ لِمَا اسْتَحَقَّ، فَالْأَشْبَهُ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ رُئِيَ عِنْدَهُ بَعْدَ الشَّهْرِ بِخِلَافِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 332 الصَّانِعِ وَالْمُرْتَهِنِ يَدَّعِي ضَيَاعَهُ بَعْدَ أَنْ رُئِيَ عِنْدَهُ بَعْدَ شَهْرٍ فَهَؤُلَاءِ لَا يَضْمَنُونَ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبَضُوهُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَبَضُوهُ عَلَى الضَّمَانِ فَلَمَّا غَيَّبُوهُ بَعْدَ شَهْرٍ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا قَبَضُوهُ لِيَسْتَهْلِكُوهُ فَأَشْبَهُوا الْمُتَعَدِّيَ، وَالْمُشْتَرِي إنَّمَا قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ لَكِنْ قَدْ قِيلَ: إنَّهُ إذَا لَبِسَهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ لَبِسَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي لُبْسِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا اُنْظُرْهُ فِي ثَالِثِ تَرْجَمَةٍ مِنْ الْغَصْبِ. وَانْظُرْ رُجُوعَ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ عَلَى الْبَائِعِ نَقَلَ ابْنُ سَلْمُونَ أَنَّهُ إنْ كَانَ عِنْدَ الْقِيَامِ عَلَيْهِ ادَّعَى مَدْفَعًا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ رُجُوعٌ عَلَى الْبَائِعِ. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ " لَا إنْ قَالَ: دَارِهِ ". وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى فِي الْبَضَائِعِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اسْتَحَقَّتْ مِنْ يَدِهِ دَابَّةٌ وَهُوَ مُقِرٌّ أَنَّهَا أُنْتِجَتْ عِنْدَ بَائِعِهَا: إنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَظْلُومٌ. وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ رَأْيَ أَشْهَبَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ بِسَبَبِكَ وَصَلَ إلَيَّ الْغُرْمُ. (وَلِرَبِّهِ إمْضَاءُ بَيْعِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ غَصَبَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً فَبَاعَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ وَهِيَ بِحَالِهَا، فَلَيْسَ لَهُ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ قِيمَتَهَا وَإِنْ حَالَتْ الْأَسْوَاقُ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا أَوْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ الْغَاصِبِ. قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ ثَوْبًا مِنْ غَاصِبٍ وَلَمْ يَعْلَمْ فَلَبِسَهُ حَتَّى أَبْلَاهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ، غَرِمَ الْمُبْتَاعُ الْقِيمَةَ لِرَبِّهِ يَوْمَ لَبِسَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ، أَوْ أَجَازَ بَيْعَهُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ. وَلَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ تَلِفَ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِأَمْرٍ مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 333 اللَّهِ ضَمِنَهُ. (وَنَقْضُ عِتْقِ الْمُشْتَرَى وَإِجَازَتُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: مَنْ غَصَبَ أَمَةً فَبَاعَهَا فَقَامَ رَبُّهَا وَقَدْ أَعْتَقَهَا الْمُبْتَاعُ فَلَهُ أَخْذُهَا وَنَقْضُ الْعِتْقِ، نَقَصَتْ أَمْ زَادَتْ. وَلَهُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ فَإِنْ أَجَازَهُ ثَمَّ الْعِتْقُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ (وَضَمِنَ مُشْتَرٍ لَمْ يَعْلَمْ فِي عَمْدٍ لَا سَمَاوِيٍّ) اُنْظُرْ قَبْلَ الْفَرْعِ قَبْلَ هَذَا. (وَلَا غَلَّةَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ ابْتَاعَ دَارًا أَوْ عَبِيدًا مِنْ غَاصِبٍ وَلَمْ يَعْلَمْ فَاسْتَغَلَّهُمْ زَمَانًا ثُمَّ اُسْتُحِقُّوا فَالْغَلَّةُ لِلْمُبْتَاعِ بِضَمَانِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا وَرِثَهُمْ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَدْرِ بِمَا كَانُوا لِأَبِيهِ فَاسْتَغَلَّهُمْ ثُمَّ اُسْتُحِقُّوا فَالْغَلَّةُ لِلْوَارِثِ. وَلَوْ وَهَبَ ذَلِكَ لِأَبِيهِ رَجُلٌ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْوَاهِبَ لِأَبِيهِ هُوَ الَّذِي غَصَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ مِنْ رَجُلٍ هَذَا الْمُسْتَحِقُّ وَارِثُهُ فَغَلَّةُ مَا مَضَى لِلْمُسْتَحِقِّ، فَإِنْ جَهِلَ أَمْرَ الْوَاهِبِ أَغَاصِبٌ هُوَ أَمْ لَا؟ فَهُوَ عَلَى الشِّرَاءِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ غَاصِبٌ انْتَهَى. وَانْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةَ مَنْ وَرِثَ مَالًا فَاسْتَحَقَّ حَبْسًا فِيهَا فِي نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا خَرَاجَ عَلَيْهِ، وَنَزَلَتْ بِقُرْطُبَةَ فَقَضَى فِيهَا بِهَذَا. قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى بِكْرًا فَوَطِئَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بِحُرِّيَّةٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَا صَدَاقَ وَلَا مَا نَقَصَهَا. (وَهَلْ الْخَطَأُ كَالْعَمْدِ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ قَتَلَ الْجَارِيَةَ مُبْتَاعُهَا مِنْ غَاصِبٍ لَمْ يَعْلَمْ بِغَصْبِهِ فَلِرَبِّهَا أَخْذُهُ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ الْقَتْلِ ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَا ابْتَاعَهُ أَيْ مِنْ طَعَامٍ فَأَكَلَهُ أَوْ ثِيَابٍ فَلَبِسَهَا حَتَّى أَبْلَاهَا فَلِمُسْتَحِقِّ ذَلِكَ أَخْذُهُ بِمِثْلِ الطَّعَامِ وَقِيمَةِ الثَّوْبِ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُبْتَاعِ كُلُّ مَا عُرِفَ هَلَاكُهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ هَلَاكُهُ مِنْ سَبَبِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ. قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ إذَا كَانَ عَمْدًا، وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَهُوَ كَمَا لَوْ ذَهَبَ ذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 334 بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: الْخَطَأُ كَالْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: تَفْرِقَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى تَفْسِيرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا لَمْ يُفَرَّقْ فِيهَا بَيْنَ عَمْدٍ وَخَطَأٍ. وَابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ قَوْلَ أَشْهَبَ وِفَاقٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ حَمَلَ بَعْضُهُمْ الْمُدَوَّنَةَ. اُنْظُرْ ثَالِثَ تَرْجَمَةٍ مِنْ ابْنِ يُونُسَ (وَوَارِثُهُ وَمَوْهُوبُهُ إنْ عَلِمَا كَهُوَ) . ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا: مَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا مِنْ غَاصِبٍ أَوْ قَبِلَهُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ غَاصِبٌ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ فِي الْغَلَّةِ وَالضَّمَانِ (وَإِلَّا بُدِئَ بِالْغَاصِبِ) أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُشْتَرِي يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَلْبَسُ الثِّيَابَ فَقَالَ مَالِكٌ: لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَبْتَدِئَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَوْهُوبِ فَلَا يَتْبَعُهُ الْمُسْتَحِقُّ إلَّا إنْ كَانَ الْغَاصِبُ عَدِيمًا أَوْ لَمْ يُوجَدْ أَوْ وُجِدَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ. وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا غَرِمَ أَتْبَعَ الْغَاصِبَ بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ إذَا أُغْرِمَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ إذْ لَا عُهْدَةَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَهُوَ يَقُولُ: لَمْ أَلْبَسْ عَلَى مُعَاوَضَةٍ، فَلَا يَجِبُ عَلَيَّ إذَا كَانَ ثَمَّ مَنْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يَبْتَدِئُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: بِهَذَا أَقُولُ وَلَا يَكُونُ الْمَوْهُوبُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَارِثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ غَصَبَ دَارًا أَوْ عَبِيدًا فَوَهَبَهُمْ لِرَجُلٍ فَاغْتَلَّهُمْ وَأَخَذَ كِرَاءَهُمْ ثُمَّ قَامَ مُسْتَحِقٌّ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَالِمًا بِالْغَصْبِ فَلِلْمُسْتَحِقِّ الرُّجُوعُ بِالْغَلَّةِ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَرْجِعَ أَوَّلًا بِالْغَلَّةِ عَلَى الْغَاصِبِ، فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا رَجَعَ بِهَا عَلَى الْمَوْهُوبِ. وَكَذَلِكَ مَنْ غَصَبَ ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا فَوَهَبَهُ لِرَجُلٍ فَأَكَلَهُ، أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى أَبْلَاهُ، أَوْ كَانَتْ دَابَّةً فَبَاعَهَا وَأَكَلَ ثَمَنَهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بَعْدَ فَوَاتِهَا بِيَدِ الْمَوْهُوبُ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ أَنَّ الْغَاصِبَ نَفْسَهُ اغْتَلَّ الْعَبْدَ وَأَخَذَ كِرَاءَ الدَّارِ لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ الْغَلَّةَ، وَالْكِرَاءَ وَلَوْ مَاتَ الْغَاصِبُ وَتَرَكَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَاسْتَغَلَّهَا وَلَدُهُ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَغَلَّتُهَا لِلْمُسْتَحِقِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْمَوْهُوبُ لَا يَكُونُ فِي عَدَمِ الْوَاهِبِ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ الْوَارِثِ. أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ قَمْحًا فَأَكَلَهُ أَوْ ثِيَابًا فَلَبِسَهَا حَتَّى أَبْلَاهَا أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا وَأَكَلَ لَحْمَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ رَجُلٌ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمُبْتَاعِ غُرْمَ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا يُوضَعُ ذَلِكَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ. وَإِنْ هَلَكَ ذَلِكَ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ بِغَيْرِ سَبَبِهِ وَانْتِفَاعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ وَقَامَتْ بِهَلَاكِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالرَّبْعِ لَوْ انْهَدَمَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ، فَكَمَا كَانَ الْمُشْتَرِي حِينَ أَكَلَ وَلَبِسَ لَمْ يَضَعْ عَنْهُ الِاشْتِرَاءُ الضَّمَانَ كَانَ مَنْ وَهَبَهُ الْغَاصِبُ فَاسْتُغِلَّ أَحْرَى أَنْ يَرُدَّ مَا اُسْتُغِلَّ فِي عَدَمِ الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ أَشْهَبُ: إنَّ مَنْ وَهَبَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 335 الْغَاصِبُ لَهُ الْغَلَّةَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ كَالْمُشْتَرِي قَالَ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ أَنَّ مَا اسْتَغَلَّ الْمُشْتَرِي مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ أَوْ سَكَنٍ أَوْ زَرْعٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّةٍ أَوْ كِرَاءٍ، وَلَا عَلَى الْغَاصِبِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ، وَيَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ عَلَى الْغَاصِبِ لَا يُحَاسِبُهُ بِشَيْءٍ مِنْ غَلَّةٍ أَوْ كِرَاءٍ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُشْتَرِي بِغَصْبِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَيَكُونَ كَالْغَاصِبِ. (وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِغَلَّةٍ مَوْهُوبَةٍ فَإِنْ أَعْسَرَ فَعَلَى الْمَوْهُوبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ابْتَاعَ مِنْ غَاصِبٍ وَلَمْ يَعْلَمْ دُورًا أَوْ أَرْضِينَ أَوْ حَيَوَانًا أَوْ ثِيَابًا أَوْ مَالَهُ غَلَّةً أَوْ نَخْلًا فَأَثْمَرَتْ عِنْدَهُ، فَالثَّمَرَةُ وَالْغَلَّةُ لِلْمُبْتَاعِ بِضَمَانِهِ إلَى يَوْمِ يَسْتَحِقُّهَا رَبُّهَا، وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ إنَّمَا وَهَبَهُ ذَلِكَ لَرَجَعَ الْمُسْتَحِقُّ بِالْغَلَّةِ عَلَى الْمَوْهُوبِ فِي عَدَمِ الْغَاصِبِ، وَيَكُونُ لِلْمَوْهُوبِ مِنْ الْغَلَّةِ قِيمَةُ عَمَلِهِ وَعِلَاجِهِ. (وَلُفِّقَ شَاهِدٌ بِالْغَصْبِ لِآخَرَ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَقَمْتَ شَاهِدًا أَنَّ فُلَانًا غَصَبَكَ هَذِهِ الْأَمَةَ وَشَاهِدًا آخَرَ عَلَى إقْرَارِ الْغَاصِبِ أَنَّهُ غَصَبَكَ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ. (كَشَاهِدٍ بِمِلْكِكَ لِثَانٍ بِغَصْبِكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَقَمْتَ شَاهِدًا أَنَّ فُلَانًا غَصَبَكَ هَذِهِ الْأَمَةَ وَشَاهِدًا آخَرَ أَنَّهَا لَكَ فَقَدْ اجْتَمَعَا عَلَى إيجَابِ مِلْكِكَ لَهَا، فَيَقْضِي لَكَ بِهَا بَعْدَ أَنْ تَحْلِفَ أَنَّكَ مَا بِعْتَ وَلَا وَهَبْتَ كَمَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا بِبَيِّنَةٍ، وَذَلِكَ إذَا ادَّعَاهَا الْغَاصِبُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى إيجَابِ الْغَصْبِ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ شَهَادَتُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ فَإِذَا لَمْ تَفُتْ حَلَفَ مَعَ أَيِّ الشَّاهِدَيْنِ شَاءَ، فَإِنْ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ حَلَفَ أَنَّ شَاهَدَهُ شَهِدَ بِحَقٍّ وَأَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ، وَإِنْ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِ الْغَصْبِ حَلَفَ لَقَدْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِحَقٍّ فَقَطْ وَرُدَّتْ إلَى يَدِهِ بِالْحِيَازَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْغَصْبِ لَمْ يُثْبِتْ لَهُ مِلْكًا وَشَاهِدَ الْمِلْكِ لَمْ يُثْبِتْ لَهُ غَصْبًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ بِبَيْعٍ إلَى الَّذِي هِيَ بِيَدِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى مِلْكٍ وَلَا غَصْبٍ حَلَفَ كَمَا قَدَّمْنَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ دَخَلَ الْجَارِيَةَ نَقْصٌ كَانَ لَكَ أَنْ تَحْلِفَ مَعَ الشَّاهِدِ بِالْغَصْبِ وَتُضَمِّنَ الْغَاصِبَ بِالْقِيمَةِ (وَجُعِلْتَ ذَا يَدٍ لَا مَالِكًا) لَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَانْظُرْ إتْيَانَ ابْنِ يُونُسَ بِهِ هَلْ هُوَ تَفْسِيرٌ لِلْمُدَوَّنَةِ، وَانْظُرْ قَوْلَهُ " وَجُعِلْتَ حَائِزًا " إنَّمَا قَالَ هَذَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إذَا حَلَفَ مَعَ شَاهِدِ الْغَصْبِ وَلَمْ يَذْكُرْ خَلِيلٌ أَنَّهُ يَحْلِفُ (إلَّا أَنْ تَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 336 الْمِلْكِ وَيَمِينِ الْقَضَاءِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ: إنْ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ حَلَفَ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ. (وَإِنْ ادَّعَتْ اسْتِكْرَاهًا عَلَى غَيْرِ لَائِقٍ بِلَا تَعَلُّقٍ حُدَّتْ لَهُ) نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا فِي النِّكَاحِ فِي فَصْلِ الطَّلَاقِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْغَصْبِ قَالَ: مَنْ اسْتَكْرَهَ أَمَةً أَوْ حُرَّةً فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِ فِي الْحُرَّةِ صَدَاقُ مِثْلِهَا، وَفِي الْأَمَةِ مَا نَقَصَهَا، بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا. وَهَذَا إذَا ثَبَتَ الْوَطْءُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِهِ وَادَّعَتْ هِيَ ذَلِكَ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى غَيْبَتِهِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا إنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا فَإِنْ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا لَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ وَلَمْ تَأْتِ مُتَعَلِّقَةً بِهِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الرَّجُلِ وَأَنَّهَا تُحَدُّ لَهُ حَدَّ الْقَذْفِ وَحَدَّ الزِّنَا إنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ فَتُحَدُّ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ تَرْجِعَ عَنْ قَوْلِهَا. وَإِنْ أَتَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ فَهَذَا يُسْقِطُ عَنْهَا حَدَّ الزِّنَا؛ لِمَا بَلَغَتْ مِنْ فَضِيحَةِ نَفْسِهَا وَتُحَدُّ لَهُ حَدَّ الْقَذْفِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ ادَّعَتْ ذَلِكَ عَلَى فَاسِقٍ وَلَا تَأْتِي مُتَعَلِّقَةً بِهِ فَهَذَا لَا تُحَدُّ لَهُ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا تُحَدُّ أَيْضًا حَدَّ الزِّنَا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلَا صَدَاقَ لَهَا، وَيَنْظُرُ الْإِمَامُ فِي أَمْرِهِ. وَإِنْ أَتَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهَذَا الْفَاسِقِ فَيَسْقُطُ عَنْهَا حَدُّ الْقَذْفِ وَحَدُّ الزِّنَا وَإِنْ ظَهَرَ حَمْلٌ. رَاجِعْ الْمُقَدِّمَاتِ فَفِيهِ طُولٌ. (وَالْمُتَعَدِّي جَانٍ عَلَى بَعْضٍ غَالِبًا) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ: الْمُتَعَدِّي إنَّمَا جَنَى عَلَى بَعْضِ السِّلْعَةِ وَالْغَاصِبُ غَصَبَ جَمِيعَهَا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَعَدِّي وَالْغَاصِبِ مُشْكِلٌ. فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَعَدِّي جَانٍ عَلَى بَعْضٍ لَا يَعُمُّ جَمِيعَ صُوَرِ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ إذَا زَادَ فِي الْمَسَافَةِ حُكِمَ لَهُ بِالتَّعَدِّي. ابْنُ عَرَفَةَ: التَّعَدِّي التَّصَرُّفُ فِي شَيْءٍ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ دُونَ قَصْدِ تَمَلُّكِهِ. (فَإِنْ أَفَاتَ الْمَغْصُوبَ كَقَطْعِ ذَنَبِ دَابَّةٍ ذِي هَيْئَةٍ أَوْ أُذُنِهَا أَوْ طَيْلَسَانِهِ أَوْ لَبَنِ شَاةٍ هُوَ الْمَقْصُودُ وَقَلْعِ عَيْنَيْ عَبْدٍ أَوْ يَدَيْهِ فَلَهُ أَخْذُهُ وَنَقْصُهُ أَوْ قِيمَتُهُ) اللَّخْمِيِّ: التَّعَدِّي عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: يَسِيرٌ لَمْ يُبْطِلْ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ، وَيَسِيرٌ يُبْطِلُ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ، وَكَثِيرٌ لَمْ يُبْطِلْ الْغَرَضَ مِنْهُ، وَكَثِيرٌ بَطَلَ ذَلِكَ مِنْهُ. فَالْيَسِيرُ الَّذِي يُبْطِلُ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فِيهِ خِلَافٌ. قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: يَضْمَنُ جَمِيعَهُ. قَالَ: فَإِنْ قَطَعَ ذَنَبَ دَابَّةِ الْقَاضِي أَوْ أُذُنَهَا ضَمِنَهَا، وَكَذَا مَرْكُوبُ كُلِّ مَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَرْكَبُ مِثْلَ ذَلِكَ فَذَلِكَ سَوَاءٌ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الدَّابَّةُ حِمَارًا أَوْ بَغْلًا أَوْ غَيْرَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَرْكُوبِ وَالْمَلْبُوسِ كَقَلَنْسُوَةِ الْقَاضِي وَطَيْلَسَانِهِ وَعِمَامَتِهِ، وَكَذَا مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَلْبَسُ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَعْمِلُهُ فِيمَا قَصَدَ إلَيْهِ، وَهَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 337 ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَوْ تَعَدَّى عَلَى شَاةٍ بِأَمْرٍ قَلَّ لَبَنُهَا بِهِ، فَإِنْ كَانَ عَظُمَ مَا تَرَادَّ لَهُ اللَّبَنُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا إنْ شَاءَ رَبُّهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَزِيرَةَ اللَّبَنِ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ مَا نَقَصَهَا. وَأَمَّا النَّاقَةُ وَالْبَقَرَةُ فَإِنَّمَا فِيهِمَا مَا نَقَصَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ غَزِيرَةَ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَنَافِعَ غَيْرِ ذَلِكَ بَاقِيَةً. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدِ رَجُلٍ أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ جَمِيعًا فَقَدْ أَبْطَلَهُ وَيَضْمَنُ الْجَارِحُ قِيمَتَهُ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُبْطِلْهُ مِثْلَ أَنْ يَفْقَأَ عَيْنًا وَاحِدَةً أَوْ جَدَعَ أَنْفَهُ وَشِبْهَهُ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ قَطَعَ الْيَدَ الْوَاحِدَةَ مِنْ صَانِعٍ ضَمِنَ اتِّفَاقًا قِيمَتَهُ. (وَإِنْ لَمْ يُفِتْهُ قَبَضَهُ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ التَّعَدِّي يَسِيرًا وَلَمْ يُبْطِلْ الْغَرَضَ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ بِذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ كَانَ ثَوْبًا رَفَاهُ أَوْ قَصْعَةً أَصْلَحَهَا وَغَرِمَ مَا نَقَصَهَا بَعْدَ الْإِصْلَاحِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ إصْلَاحُهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ إلَّا بَعْدَ إصْلَاحِهِ وَقَدْ كَانَ فِي مَنْدُوحَةٍ عَنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْقَضَاءِ بِالْمِثْلِ فِيمَا قَلَّ قَدْرُهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَا غَرِمَ النَّقْصَ بَعْدَ الْإِصْلَاحِ؛ لِأَنَّ مَنْ غَرِمَ مِثْلَ مَا تَعَدَّى عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُرْمٌ آخَرُ. وَقَدْ تَكُونُ قِيمَةُ الثَّوْبِ سَالِمًا مِائَةً وَمَعِيبًا تِسْعِينَ وَيَغْرَمُ فِي رَفْوِهِ عَشَرَةً، ثُمَّ تَكُونُ قِيمَتُهُ خَمْسَةً وَتِسْعِينَ فَيَخْسَرُ الْمُتَعَدِّي خَمْسَةً. وَقَدْ لَا يُرِيدُ الْإِصْلَاحَ. وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْأَصْلِ هَلْ يَغْرَمُ الْجَارِحُ أَجْرَ الطَّبِيبِ؟ فَقِيلَ: ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِنْ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ غَرِمَهُ أَيْضًا، وَهَذَا قَوْلٌ مُوَافِقٌ لِلرَّفْوِ أَنَّهُ عَلَى الْمُتَعَدِّي. وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ عَلَى الْمَجْرُوحِ فَإِنْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْجَارِحِ شَيْءٌ وَفِي هَذَا ظُلْمٌ عَلَى الْمَجْرُوحِ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ أَنَّ عَلَى الْجَانِي الرَّفْوَ وَأُجْرَةَ الطَّبِيبِ. قَالَ: وَأَمَّا إنْ كَانَ التَّعَدِّي كَثِيرًا وَلَمْ يُبْطِلْ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْيَسِيرِ (كَلَبَنِ بَقَرَةٍ) تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ النَّاقَةَ وَالْبَقَرَةَ فَإِنَّمَا فِيهِمَا مَا نَقَصَهُمَا (وَيَدِ عَبْدٍ أَوْ عَيْنِهِ) تَقَدَّمَ النَّصُّ لِهَذَا وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إلَّا يَدَ الصَّانِعِ (وَعَتَقَ عَلَيْهِ إنْ قُوِّمَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ غَرِمَ قِيمَةَ الْعَبْدِ عَتَقَ عَلَيْهِ. (وَلَا مَنْعَ لِصَاحِبِهِ فِي الْفَاحِشِ عَلَى الْأَرْجَحِ) . ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ: مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْجَانِي عَلَى الْعَبْدِ جِنَايَةً مُفْسِدَةً يَغْرَمُ الْقِيمَةَ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ إنَّمَا هَذَا إذَا طَلَبَ ذَلِكَ سَيِّدُهُ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ أَخْذَ عَبْدِهِ وَمَا نَقَصَهُ فَلَهُ ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 338 خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالصَّوَابُ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ أَنَّهُ إذَا أَفْسَدَهُ هَكَذَا أَنْ يَغْرَمَ الْجَانِي قِيمَتَهُ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ عَلَى مَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ عِوَضُهُ فَهُوَ مُضَارٌّ فِي تَرْكِ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَأَخْذِ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَإِحْرَامُ الْعَبْدِ الْعِتْقُ، وَإِنْ لَمْ يُفْسِدْهُ مِثْلُ أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَهُ الْوَاحِدَةَ أَوْ يَقْطَعَ يَدَهُ الْوَاحِدَةَ وَلَمْ تَذْهَبْ بِهَا أَكْثَرُ مَنَافِعِهِ، فَالسَّيِّدُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ وَمَا نَقَصَهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ أَوْ يَغْرَمُ الْجَانِي قِيمَتَهُ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ أَدَبًا لَهُ لِتَعَدِّيهِ وَظُلْمِهِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ يَسِيرَةً مِثْلَ أَنْ يَجْدَعَ أَنْفَهُ أَوْ يَقْطَعَ أُذُنَهُ أَوْ يَقْطَعَ أُصْبُعَهُ وَلَمْ يُفْسِدْهُ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا غُرْمُ مَا نَقَصَهُ. (وَرَفَا الثَّوْبَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ تَعَدَّى عَلَى صَحْفَةٍ أَوْ عَصًا لِرَجُلٍ فَكَسَرَهَا أَوْ خَرَقَ لَهُ ثَوْبًا فَإِنْ أَفْسَدَ ذَلِكَ فَسَادًا كَثِيرًا خُيِّرَ رَبُّهُ فِي أَخْذِ قِيمَتِهِ جَمِيعِهِ أَوْ أَخْذِهِ بِعَيْنِهِ أَوْ أَخْذِ مَا نَقَصَهُ مِنْ الْمُتَعَدِّي، وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ يَسِيرًا فَلَا خِيَارَ لِرَبِّهِ وَإِنَّمَا لَهُ مَا نَقَصَهُ بَعْدَ رَفْوِ الثَّوْبِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إذَا أَفْسَدَ الثَّوْبَ فَسَادًا كَثِيرًا وَاخْتَارَ رَبُّهُ أَخْذَهُ وَمَا نَقَصَهُ فَإِنَّمَا يَعْنِي بَعْدَ أَنْ يُرْفَأَ الثَّوْبُ أَوْ يُخَاطَ وَتُشَعَّبَ لَهُ الْقَصْعَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ فِي الْفَسَادِ الْيَسِيرِ إنَّهُ يَأْخُذُ الثَّوْبَ وَمَا نَقَصَهُ بَعْدَ الرَّفْوِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ هَذَا لَيْسَ عَلَى الْجَانِي أَنْ يَغْرَمَ مَا نَقَصَ بَعْدَ أَنْ يُدَاوِيَ لَهُ الدَّابَّةَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا يُنْفَقُ عَلَى الْمُدَاوَاةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا يُعْلَمُ هَلْ تَرْجِعُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ أَمْ لَا، وَالرَّفْوُ وَالْخِيَاطَةُ مَعْلُومٌ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِمَا وَيَرْجِعَانِ إلَى مَا كَانَا. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ فِي الْفَسَادِ الْكَثِيرِ فِي الثَّوْبِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ وَمَا نَقَصَهُ بَعْدَ الرَّفْوِ خِلَافٌ ظَاهِرٌ وَجْهُ فَسَادِهِ أَنَّهُ قَدْ يَغْرَمُ فِي رَفْوِ الثَّوْبِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ (مُطْلَقًا) تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي النُّكَتِ لَا أَنَّ ابْنَ يُونُسَ قَالَ إنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِمْ خِلَافُهُ. (وَفِي أُجْرَةِ الطَّبِيبِ قَوْلَانِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 339 ابْنِ يُونُسَ: لَيْسَ عَلَى الْجَانِي أَنْ يُدَاوِيَ وَمَا نُقِلَ غَيْرُ هَذَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اللَّخْمِيَّ حَكَى الْخِلَافَ قَالَ: إنَّ الْأَحْسَنَ أَنَّ عَلَى الْجَانِي أَجْرَ الطَّبِيبِ وَالرَّفْوِ. [فَصْلٌ فِي الِاسْتِحْقَاقُ] (فَصْلٌ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الِاسْتِحْقَاقُ تَرْجَمَةٌ مِنْ تَرَاجُمِ كُتُبِ الْمُدَوَّنَةِ وَهِيَ: رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ بِثُبُوتِ مِلْكٍ قَبْلَهُ أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 340 حُرِّيَّةٍ كَذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ (وَإِنْ زَرَعَ فَاسْتُحِقَّتْ فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالزَّرْعِ أُخِذَ بِلَا شَيْءٍ) اُنْظُرْ آخِرَ صَفْحَةٍ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ تَعَدَّى عَلَى أَرْضِ رَجُلٍ فَزَرَعَهَا فَقَامَ رَبُّهَا وَقَدْ نَبَتَ الزَّرْعُ، فَإِنْ قَامَ فِي إبَّانٍ يُدْرِكُهُ فِيهِ الْحَرْثُ فَلَهُ قَلْعُهُ تُرِيدُ فِي قَلْعِهِ الْمُتَعَدِّيَ، وَإِنْ فَاتَ الْإِبَّانُ فَلَهُ كِرَاءُ أَرْضِهِ. أَشْهَبُ: وَكَذَلِكَ غَاصِبُ الْأَرْضِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ صَغِيرًا إذَا قُلِعَ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْغَاصِبِ قَضَى بِهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ بِلَا ثَمَنٍ وَلَا زَرِيعَةٍ وَلَا شَيْءٍ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ كَانَ صَغِيرًا جِدًّا فِي الْإِبَّانِ فَأَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ تَرْكَهُ وَيَأْخُذُ الْكِرَاءَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْكُمُ بِهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَكَأَنَّهُ يَبِيعُ زَرْعًا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مَعَ كِرَاءِ الْأَرْضِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا كَانَ فِي الْإِبَّانِ وَهُوَ إذَا قَلَعَ انْتَفَعَ بِهِ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْكِرَاءَ أَوْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى أَمْرٍ يَجُوزُ، وَإِنْ رَضِيَ الزَّارِعُ أَنْ يَتْرُكَهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ جَازَ إذَا رَضِيَ رَبُّ الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْعِهِ نَفْعٌ تُرِكَ لِرَبِّ الْأَرْضِ إلَّا أَنْ يَأْبَاهُ فَيَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ قَلْعُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 341 لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» وَهَذَا عِرْقٌ ظَالِمٌ، وَلِأَنَّ مَنَافِعَهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لَهُ وَلَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهَا فَلَيْسَ لَهُ إشْغَالُهَا عَلَى رَبِّهَا قَالَ: فَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ وَقَدْ فَاتَ إبَّانُ الزِّرَاعَةِ وَلَا يَنْتَفِعُ الْمَالِكُ بِأَرْضِهِ إنْ قَلَعَ الزَّرْعَ فَقِيلَ لَهُ أَنْ يَقْلَعَهُ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ قَلْعُهُ وَإِنَّمَا لَهُ كِرَاءُ أَرْضِهِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّ الزَّرْعَ إذَا أَسْبَلَ لَا يُقْلَعُ؛ لِأَنَّ قَلْعَهُ مِنْ الْفَسَادِ الْعَامِّ لِلنَّاسِ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ ذَبْحِ الْفَتِيِّ مِنْ الْإِبِلِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَمُولَةِ وَذَبْحِ ذَوَاتِ الدَّرِّ مِنْ الْغَنَمِ. قَالَ غَيْرُهُ: قَالَ مَالِكٌ: وَكَمَا نَهَى عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَاحْتِكَارِ الطَّعَامِ لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فَمَنَعَ الْخَاصَّ مِنْ بَعْضِ مَنَافِعِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْعَامَّةِ انْتَهَى. قَالَ رَبِيعَةُ: الْعِرْقُ أَرْبَعَةٌ: عِرْقَانِ فَوْقَ الْأَرْضِ الْغَرْسُ وَالْبِنَاءُ، وَعِرْقَانِ فِي جَوْفِهَا الْمِيَاهُ وَالْمَعْدِنُ (وَإِلَّا فَلَهُ قَلْعُهُ إنْ لَمْ يَفُتْ وَقْتُ مَا تُرَادُ لَهُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ قَامَ وَقَدْ نَبَتَ الزَّرْعُ وَهُوَ فِي إبَّانٍ يُدْرَكُ فِيهِ الْحَرْثُ فَلَهُ قَلْعُهُ. (وَلَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ الْغَاصِبُ هُوَ الزَّارِعَ كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ قَبْلَ الْحَرْثِ وَبَعْدَهُ وَلَا عِوَضَ عَلَيْهِ عَنْ الْحَرْثِ بِانْفِرَادِهِ وَلَا عَنْ الزَّرْعِ إذَا لَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 342 يَبْرُزْ أَوْ بَرَزَ وَلَمْ يَبْلُغْ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ إنْ قُلِعَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَانَ لِلْغَاصِبِ. وَاخْتُلِفَ إذَا أَحَبَّ الْمَغْصُوبُ أَنْ يَدْفَعَ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا وَيُقِرَّهُ، هَلْ لَهُ ذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْوَبُ؟ انْتَهَى؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عَلَى الْبَقَاءِ فَيَزِيدُ لِلْبَقَاءِ ثَمَنًا وَلَا يَدْرِي هَلْ يُسْلِمُ وَهَذَا يَدْفَعُ قِيمَتَهُ مَطْرُوحًا. (وَإِلَّا فَكِرَاءُ السَّنَةِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَإِنْ فَاتَ الْإِبَّانُ فَلَهُ كِرَاءُ أَرْضِهِ (كَذِي شُبْهَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا سِنِينَ لِلْبِنَاءِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ الْغَرْسِ فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ أَوْ زَرَعَ وَكَانَتْ تُزْرَعُ السَّنَةَ كُلَّهَا ثُمَّ قَامَ مُسْتَحِقٌّ قَبْلَ تَمَامِ الْأَمَدِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَكْرَاهَا مُبْتَاعًا فَالْغَلَّةُ لَهُ بِالضَّمَانِ إلَى يَوْمِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُجِيزَ كِرَاءَ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ أَوْ يَفْسَخَ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْضًا تُزْرَعُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً فَاسْتَحَقَّهَا وَهِيَ مَزْرُوعَةٌ قَبْلَ فَوَاتِ إبَّانِ الزَّرْعِ فَكِرَاءُ تِلْكَ السَّنَةِ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَلَيْسَ لَهُ قَلْعُ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ زَرَعَ فِيهِ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ. وَانْظُرْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْأَرْضِ يَغْرِسُهَا أَوْ يَبْنِيهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ هَلْ هُوَ كَالْغَاصِبِ وَآخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ الشَّرِكَةِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (أَوْ جُهِلَ حَالُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ اسْتَحَقَّهَا بَعْدَ إبَّانِ الزِّرَاعَةِ وَقَدْ زَرَعَهَا مُشْتَرِيهَا أَوْ مُكْتَرٍ مِنْهُ فَلَا كِرَاءَ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 343 وَكِرَاؤُهَا لِلَّذِي أَكْرَاهَا إنْ لَمْ يَكُنْ غَاصِبًا وَكَانَتْ فِي يَدَيْهِ بِشِرَاءٍ أَوْ مِيرَاثٍ. وَكَذَلِكَ إنْ سَكَنَ الدَّارَ مُشْتَرِيهَا أَوْ أَكْرَاهَا أَمَدًا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بَعْدَ الْأَمَدِ، فَلَا كِرَاءَ لَهُ وَكِرَاؤُهَا لِلْمُبْتَاعِ، وَإِذَا كَانَ مُكْرِي الْأَرْضَ لَا يَعْلَمُ أَغَاصِبٌ هُوَ أَوْ مُبْتَاعٌ فَزَرَعَهَا الْمُكْتَرِي مِنْهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بَعْدَ إبَّانِ الْحَرْثِ فَمُكْتَرِيهَا كَالْمُشْتَرِي يَعْنِي فِي الْغَلَّةِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ غَاصِبٌ. (وَفَاتَتْ بِحَرْثِهَا فِيهَا بَيْنَ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَاسْتُحِقَّ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ أَوْ يَحْرُثَ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا أَحْدَثَ فِيهَا عَمَلًا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ كِرَاءِ الْأَرْضِ. ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ قَالَ مُسْتَحِقُّ ذَلِكَ أَنَا أُجِيزُ بَيْعَهُ وَآخُذُ الْأَرْضَ مَحْرُوثَةً فَذَلِكَ لَهُ بَعْدَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْحَارِثِ قِيمَةَ حَرْثِهِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ. وَقَدْ قَالُوا فِيمَنْ اسْتَحَقَّ أَرْضًا بَعْدَ أَنْ حُرِثَتْ أَنَّهُ يَدْفَعُ قِيمَةَ الْحَرْثِ وَيَأْخُذَهَا، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْآخَرِ: أَعْطِهِ كِرَاءَ سَنَةٍ، فَإِنْ أَبَى أَسْلَمَهَا بِحَرْثِهَا. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَأُجْرَةُ دَلَّالٍ فِي الشُّفْعَةِ " وَانْظُرْ عَلَى مَا يَتَخَرَّجُ التَّمْتِيعُ. (وَلِلْمُسْتَحِقِّ أَخْذُهَا وَدَفْعُ كِرَاءِ الْحَرْثِ فَإِنْ أَبَى قِيلَ لَهُ: أَعْطِ كِرَاءَ سَنَةٍ وَإِلَّا أَسْلِمْهَا بِلَا شَيْءٍ) قَالَ يَحْيَى: سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ اسْتَحَقَّ أَرْضًا وَقَدْ قَلَعَهَا الَّذِي كَانَتْ فِي يَدِهِ يَعْنِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 344 بِوَجْهِ شُبْهَةٍ وَأَنْعَمَ حَرْثَهَا لِيَزْرَعَهَا قَالَ: الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ قِيمَةَ عَمَلِهِ وَأَخَذَهَا، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلَّذِي اُسْتُحِقَّتْ فِي يَدِهِ إنْ شِئْتَ فَاغْرَمْ كِرَاءَهَا، وَإِنْ شِئْتَ أَسْلِمْهَا بِمَا فِيهَا مِنْ الْعَمَلِ وَلَا شَيْءَ لَكَ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ زَبَّلَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَهْلَكٌ فِيهَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصَحُّ إذْ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ، وَإِنَّمَا عَمِلَ عَلَى وَجْهِ شُبْهَةٍ فَلَا يُظْلَمُ عَمَلَهُ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْفِقْهُ بِعَيْنِهِ لِابْنِ يُونُسَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُسْتَحِقِّ الشَّيْءِ الْمُكْتَرَى بِهِ إذَا أَجَازَ الْكِرَاءَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَلِيلٌ قَصَدَهُ وَتَدْخُلُ لَهُ مَسْأَلَةُ يَحْيَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ " وَإِنْ شِئْتَ فَأَسْلِمْهَا وَلَا شَيْءَ لَكَ " عَلَى غَيْرِ أَصْلِ قَوْلِهِ بَلْ يَنْبَغِي إذَا أَبَى أَنْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِي كِرَائِهَا ذَلِكَ الْعَامَ، رَبُّ الْأَرْضِ بِقِيمَةِ كِرَائِهَا غَيْرَ مَحْرُوثَةٍ وَرَبُّ الْحَرْثِ بِقِيمَتِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ أَحْيَا أَرْضًا وَهُوَ يَظُنُّهَا مَوَاتًا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ: إنَّهُ يُقَالُ لَهُ ادْفَعْ قِيمَةَ الْعِمَارَةِ وَخُذْهَا، فَإِنْ أَبَى قِيلَ أَعْطِهِ قِيمَةَ الْأَرْضِ، فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الْأَرْضِ وَالْعِمَارَةِ، هَذَا بِقِيمَةِ أَرْضِهِ وَهَذَا بِقِيمَةِ عِمَارَتِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَوِّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ شَيْئَهُ عَلَى حِدَتِهِ، وَأَمَّا بِمَا زَادَتْ الْعِمَارَةُ فَقَدْ لَا تَزِيدُ الْعِمَارَةُ فِي مِثْلِ هَذَا. (وَفِي سِنِينَ يَفْسَخُ أَوْ يَمْضِي إنْ عَرَفَ النِّسْبَةَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا سِنِينَ لِلْبِنَاءِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ الْغَرْسِ فَبَنَى فِيهَا أَوْ زَرَعَ أَوْ غَرَسَ وَكَانَتْ تُزْرَعُ السَّنَةَ كُلَّهَا ثُمَّ قَامَ مُسْتَحِقٌّ قَبْلَ تَمَامِ الْأَمَدِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَكْرَاهَا مُبْتَاعًا فَالْغَلَّةُ لَهُ بِالضَّمَانِ إلَى يَوْمِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُجِيزَ بَقِيَّةَ كِرَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ يَفْسَخَ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَا يُجِيزُ الْكِرَاءَ فِيمَا بَقِيَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يُجِيزُ جَمْعَ السِّلْعَتَيْنِ لِلرَّجُلَيْنِ فِي الْبَيْعِ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَنُوبُ مَا بَقِيَ لِيُجِيزَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ قَالَ: فَإِنْ أَجَازَهُ فَلَهُ حِصَّةُ الْكِرَاءِ مِنْ يَوْمِئِذٍ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ بَنَى ". (وَلَا خِيَارَ لِلْمُكْتَرِي لِلْعُهْدَةِ وَانْتَقَدَ إنْ انْتَقَدَ الْأَوَّلُ وَأَمِنَ هُوَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا سَنَةً مِنْ غَيْرِ غَاصِبٍ فَلَمْ يَنْقُدْهُ الْكِرَاءَ حَتَّى اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ فِي نِصْفِ السَّنَةِ، فَكِرَاءُ مَا مَضَى لِلْأَوَّلِ وَلِلْمُسْتَحِقِّ فَسْخُ مَا بَقِيَ أَوْ الرِّضَا بِهِ فَيَكُونُ لَهُ كِرَاءُ بَقِيَّةِ السَّنَةِ، فَإِنْ أَجَازَ الْكِرَاءَ فَلَيْسَ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يَفْسَخَ الْكِرَاءَ فِرَارًا مِنْ عُهْدَتِهِ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْكُنُ، فَإِنْ عَطِبَتْ الدَّارُ أَدَّى بِحِسَابِ مَا سَكَنَ. وَلَوْ انْتَقَدَ الْأَوَّلُ كِرَاءَ السَّنَةِ كُلِّهَا لَدَفَعَ إلَى الْمُسْتَحِقِّ كِرَاءَ بَاقِي الْمُدَّةِ إنْ كَانَ مَأْمُونًا وَلَمْ يَخَفْ مِنْ دَيْنٍ أَحَاطَ بِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 345 وَنَحْوُهُ لَا يَرُدُّ بَاقِيَ الْكِرَاءِ عَلَى الْمُكْتَرِي. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ: فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ غَيْرَ مَأْمُونٍ قِيلَ لِلْمُكْتَرِي إنْ شِئْتَ أَنْ تَدْفَعَ إلَى الْمُسْتَحِقِّ كِرَاءَ بَقِيَّةِ السَّنَةِ وَتَسْكُنَ، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْمُسْتَحِقِّ إنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ الْكِرَاءَ عَلَى أَنَّكَ لَا تَأْخُذُ مِنْهُ إلَّا كِرَاءَ مَا سَكَنَ كُلَّمَا سَكَنَ شَيْئًا أَخَذْتَ بِحِسَابِهِ وَإِلَّا فَلَكَ أَنْ تَفْسَخَ كِرَاءَ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ. ابْنُ يُونُسَ: لَعَلَّهُ يُرِيدُ فِي دَارٍ يَخَافُ عَلَيْهَا الْهَدْمَ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ صَحِيحَةَ الْبِنَاءِ فَلَهُ أَنْ يَنْتَقِدَ وَلَا حُجَّةَ لِلْمُكْتَرِي مِنْ خَوْفِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالدَّارِ مِنْ جَمِيعِ الْغُرَمَاءِ. (وَالْغَلَّةُ لِذِي الشُّبْهَةِ أَوْ الْمَجْهُولِ لِلْحُكْمِ) فِي الْحَدِيثِ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الَّذِي اغْتَلَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدَيْهِ كَانَ مِنْهُ وَذَهَبَ الثَّمَنُ الَّذِي نَقَدَ فِيهِ فَالْغَلَّةُ لَهُ بِضَمَانِهِ اهـ. وَانْظُرْ الْغَاصِبَ هُوَ فِي الرِّبَاعِ ضَامِنٌ وَيَضْمَنُ الْخَرَاجَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ ابْتَاعَ دَارًا أَوْ عَبِيدًا مِنْ غَاصِبٍ وَلَمْ يَعْلَمْ فَاسْتَغَلَّهُمْ زَمَانًا ثُمَّ اُسْتُحِقُّوا فَالْغَلَّةُ لِلْمُبْتَاعِ بِضَمَانِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا وَرِثَهُمْ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَدْرِ بِمَا كَانُوا لِأَبِيهِ فَاسْتَغَلَّهُمْ زَمَانًا ثُمَّ اُسْتُحِقُّوا فَالْغَلَّةُ لِلْوَارِثِ. وَلَوْ وَهَبَ ذَلِكَ لِأَبِيهِ رَجُلٌ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْوَاهِبَ لِأَبِيهِ هُوَ غَصَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ مِنْ رَجُلٍ هَذَا الْمُسْتَحِقُّ وَارِثُهُ فَغَلَّةُ مَا مَضَى لِلْمُسْتَحِقِّ، فَإِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 346 جَهِلَ أَمْرَ الْوَاهِبِ أَغَاصِبٌ هُوَ أَمْ لَا، فَهُوَ عَلَى الشِّرَاءِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ غَاصِبٌ. (كَوَارِثٍ وَمَوْهُوبٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 347 وَمُشْتَرٍ لَمْ يَعْلَمُوا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا وَرِثَهُمْ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَدْرِ فَالْغَلَّةُ لَهُ، وَلَوْ وَهَبَ ذَلِكَ لِأَبِيهِ رَجُلٌ وَجَهِلَ أَمْرَ الْوَاهِبِ فَهُوَ عَلَى الشِّرَاءِ. وَتَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: مَنْ ابْتَاعَ مِنْ غَاصِبٍ وَلَمْ يَعْلَمْ فَالْغَلَّةُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 348 لِلْمُبْتَاعِ. وَانْظُرْ قَوْلَهُ " وَمَوْهُوبٌ " مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَرَجَعَ بِغَلَّةِ مَوْهُوبِهِ ". (بِخِلَافِ ذِي دَيْنٍ عَلَى وَارِثٍ كَوَارِثٍ طَرَأَ عَلَى مِثْلِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ طَرَأَ عَلَى الْوَارِثِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُ بِالْوِرَاثَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَرُدُّ مَا اغْتَلَّ وَسَكَنَ لِانْتِفَاءِ وُجُوهِ الضَّمَانِ عَنْهُ، فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ شَرِيكُهُ فِي الْمِيرَاثِ فَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ إذَا سَكَنَ وَلَمْ يُكْرِ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْكِرَاءِ عَلَيْهِ فِي حِصَّةِ الْوَارِثِ الطَّارِئِ عَلَيْهِ. وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا طَرَأَ ذُو دَيْنٍ عَلَى وَرَثَةٍ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَضْمَنُونَ التَّلَفَ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ مَا أَكَلُوهُ وَاسْتَهْلَكُوهُ وَاسْتَنْفَقُوهُ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ بَعْدَ إبَّانِ الزِّرَاعَةِ وَقَدْ زَرَعَهَا مُشْتَرِيهَا أَوْ مُكْتَرٍ مِنْهُ فَلَا كِرَاءَ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَكِرَاؤُهَا لِلَّذِي أَكْرَاهَا لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ غَاصِبًا، وَكَانَتْ فِي يَدَيْهِ بِشِرَاءٍ أَوْ مِيرَاثٍ. وَكَذَلِكَ إنْ سَكَنَ الدَّارَ مُشْتَرِيهَا أَوْ أَكْرَاهَا أَمَدًا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بَعْدَ الْأَمَدِ فَلَا كِرَاءَ لَهُ وَكِرَاؤُهَا لِلْمُبْتَاعِ، وَإِذَا كَانَ مُكْرِي الْأَرْضَ وَارِثًا ثُمَّ طَرَأَ لَهُ أَخٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَوْ عَلِمَ بِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى أَخِيهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ، وَأَمَّا إنْ سَكَنَهَا هَذَا الْوَارِثُ أَوْ زَرَعَ فِيهَا لِنَفْسِهِ ثُمَّ طَرَأَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 349 أَخٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَا كِرَاءَ لَهُ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ وَرِثَ دَارًا فَسَكَنَهَا ثُمَّ قَدِمَ لَهُ أَخٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي السُّكْنَى. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْكِرَاءُ فِي هَذَا بِخِلَافِ السُّكْنَى اهـ وَانْظُرْ إذَا كَانَ عَالِمًا بِهِ وَسَكَنَ أَوْ زَرَعَ قَدْرَ حَظِّهِ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ سَافَرَ بِالْمَرْكَبِ. اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي آخِرِ فَصْلِ الْمُزَارَعَةِ (إلَّا أَنْ يَنْتَفِعَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: الْكِرَاءُ خِلَافُ السُّكْنَى وَالزِّرَاعَةِ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: الْأَصَحُّ خِلَافُهُ. (وَإِنْ غَرَسَ أَوْ بَنَى قِيلَ لِلْمَالِكِ أَعْطِهِ قِيمَتَهُ قَائِمًا فَإِنْ أَبَى فَلَهُ دَفْعُ قِيمَةَ الْأَرْضِ فَإِنْ أَبَى فَشَرِيكَانِ بِالْقِيمَةِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ اُسْتُحِقَّتْ وَقَدْ غَرَسَ أَوْ بَنَى قِيلَ لِلْمَالِكِ ادْفَعْ قِيمَتَهُ قَائِمًا، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ الْمُكْتَرِي أَعْطِهِ قِيمَةَ أَرْضِهِ، فَإِنْ أَبَى فَشَرِيكَانِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا سِنِينَ لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ فَبَنَى أَوْ غَرَسَ ثُمَّ قَامَ مُسْتَحِقٌّ قَبْلَ تَمَامِ الْأَمَدِ فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُجِيزَ كِرَاءَ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ أَوْ يَفْسَخُ، فَإِنْ أَجَازَ فَلَهُ حِصَّةُ الْكِرَاءِ مِنْ يَوْمِئِذٍ ثُمَّ لَهُ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْمُكْتَرِي قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: بَعْدَ طَرْحِ أَجْرِ الْقَلْعِ إذْ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ الْمُكْتَرِي. وَإِنْ فَسَخَ الْكِرَاءَ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَلْعُ ذَلِكَ وَلَا أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ: ادْفَعْ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ قَائِمًا، يُرِيدُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 350 عَلَى أَنْ يُقْلَعَ إلَى وَقْتِهِ، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْمُكْتَرِي أَعْطِهِ قِيمَةَ أَرْضِهِ فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ (يَوْمَ الْحُكْمِ) الْمَازِرِيُّ: فِي كَوْنِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ يَوْمَ بَنَاهُ أَوْ يَوْمَ الْمُحَاكَمَةِ قَوْلَانِ، وَلَمْ يُشْهِرْ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْهُمَا قَوْلًا. اُنْظُرْ الْمَازِرِيَّ فِي السُّؤَالِ الرَّابِعِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ. (إلَّا الْمُحَبَّسَةَ فَالنَّقْضُ) قَالَ سَحْنُونَ: مَنْ اشْتَرَى قَاعَةً فَبَنَاهَا ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهَا حَبْسٌ فَإِنَّهُ بِخِلَافِ مَنْ بَنَى بِشُبْهَةٍ هَذَا يَقْلَعُ نَقْضَهُ إذْ لَيْسَ ثَمَّ مَنْ يُعْطِيهِ قِيمَةَ بِنَائِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَنَى دَارِهِ مَسْجِدًا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ فَلَهُ هَدْمُهُ. قَالَ سَحْنُونَ: كَأَنَّهُ نَحَا إلَى أَنَّ النَّقْضَ لَمَّا كَانَ لَهُ لَا يَأْخُذُ قِيمَتَهُ وَلَكِنْ يَأْخُذُهُ وَيَجْعَلُهُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ. (وَضَمِنَ قِيمَةَ الْمُسْتَحَقَّةِ وَوَلَدِهَا يَوْمَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 351 الْحُكْمِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ أَمَةً فَأَوْلَدَهَا فَلِمُسْتَحِقِّهَا أَخْذُهَا إنْ شَاءَ مَعَ قِيمَةِ وَلَدِهَا يَوْمَ الْحُكْمِ عَبِيدًا، وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ النَّاسِ وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ: يَأْخُذُ قِيمَتَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا يَوْمَ يَسْتَحِقُّهَا. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ فِي أَخْذِهَا ضَرَرًا عَلَى الْمُبْتَاعِ إذَا أُخِذَتْ مِنْهُ كَانَ عَارًا عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُبْتَاعِ إلَّا قِيمَتُهَا يَوْمَ وَطِئَهَا وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ فِي وَلَدِهَا، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَغَيْرُهُ وَبِهِ أَقُولُ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْقَضَاءُ إنْ كَانَ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ فَالْوَلَدُ فِيهِ لَاحِقٌ، وَلَا يَلْحَقُ فِي الْوَطْءِ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ وَإِنَّ الْوَلَدَ بِخِلَافِ الْغَلَّةِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ. قَالَ أَشْهَبُ فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالنِّكَاحِ: إنَّمَا يَلْزَمُ الْأَبَ قِيمَتُهُمْ إذْ لَيْسُوا بِغَلَّةٍ فَيَكُونُ لَهُمْ حُكْمُ الْغَلَّةِ وَلَا يُرَقُّونَ فَيَأْخُذَهُمْ سَيِّدُ الْأَمَةِ، وَجُعِلَتْ قِيمَتُهُمْ يَوْمَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ فِي الرَّحِمِ وَلَا قِيمَةَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ اهـ. مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَعَلُّقِ حَقِّ مُسْتَحِقِّهَا بِقِيمَتِهَا أَوْ عَيْنِهَا اضْطِرَابٌ. (وَالْأَقَلُّ إنْ أَخَذَ دِيَةً) ابْنُ يُونُسَ: لَوْ قُتِلَ الْوَلَدُ خَطَأً فَدِيَتُهُ لِأَبِيهِ مُنَجَّمَةٌ، وَلِلْمُسْتَحِقِّ مِنْهَا قِيمَتُهُ يَأْخُذُ فِيهَا أَوْ نُجِّمَ، فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ أَخَذَ تَمَامَهُ مِنْ الثَّانِي ثُمَّ مِمَّا يَلِيهِ حَتَّى يَتِمَّ ثُمَّ يُورَثُ عَنْ الِابْنِ مَا فَضَلَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ قُتِلَ الْوَلَدُ عَمْدًا فَصَالَحَ الْأَبُ فِيهِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَتْلِ، فَإِنْ كَانَ مَا أَخَذَ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ رَجَعَ عَلَى الْقَاتِلِ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 352 بَاقِي الدِّيَةِ. (لَا صَدَاقَ حُرَّةٍ أَوْ غَلَّتَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ أَمَةً فَوَطِئَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ أَوْ بِكْرٌ فَافْتَضَّهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بِمِلْكٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْوَطْءِ، لَا صَدَاقَ وَلَا مَا نَقَصَهَا. ابْنُ يُونُسَ: كَأَنَّهُ رَأَى لَمَّا وُطِئَتْ عَلَى الْمِلْكِ لَمْ يَكُنْ لَهَا صَدَاقٌ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ لَوْ اغْتَلَّهَا أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْمُشْتَرِي، وَالْأَشْبَهُ أَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 353 لَا غَلَّةَ لَهُ إذْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ لَرَجَعَ بِثَمَنِهَا. (وَإِنْ هَدَمَ مُكْتَرٍ تَعَدِّيًا فَلِلْمُسْتَحِقِّ النَّقْضُ وَقِيمَةُ الْهَدْمِ وَإِنْ أَبْرَأَهُ مُكْرٍ بِهِ كَسَارِقِ عَبْدٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى دَارًا فَهَدَمَهَا مُتَعَدِّيًا ثُمَّ قَامَ مُسْتَحِقُّ الدَّارِ فَلَهُ أَخْذُ النَّقْضِ إنْ وَجَدَهُ قَائِمًا وَقِيمَةُ الْهَدْمِ مِنْ الْهَادِمِ. وَلَوْ كَانَ الْمُكْرِي قَدْ تَرَكَ لِلْمُكْتَرِي قِيمَةَ الْهَدْمِ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ لَرَجَعَ بِهَا الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الْهَادِمِ كَانَ مَلِيًّا أَوْ مُعْدِمًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَزِمَ ذِمَّتَهُ بِالتَّعَدِّي وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْتَرِي إذْ لَمْ يَتَعَدَّ وَفَعَلَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 354 مَا يَجُوزُ لَهُ، وَهُوَ كَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا فَسَرَقَهُ مِنْهُ رَجُلٌ فَتَرَكَ لَهُ قِيمَتَهُ ثُمَّ قَامَ رَبُّهُ فَإِنَّمَا يَتَّبِعُ السَّارِقَ خَاصَّةً. (بِخِلَافِ مُسْتَحَقِّ مُدَّعِي حُرِّيَّةٍ إلَّا الْقَلِيلَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ نَزَلَ عَبْدٌ بِبَلَدٍ فَادَّعَى الْحُرِّيَّةَ فَاسْتَعَانَهُ رَجُلٌ فَعَمِلَ لَهُ عَمَلًا لَهُ بَالٌ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْ وَهَبَهُ مَالًا يَلْزَمُهُ إذَا اسْتَحَقَّهُ، أَخَذَ قِيمَةَ عَمَلِهِ مِمَّنْ اسْتَعْمَلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَمَلًا لَا بَالَ لَهُ كَسَقْيِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِهِ (وَلَهُ هَدْمُ مَسْجِدٍ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ " إلَّا الْمُحَبَّسَةَ فَالنَّقْضُ ". قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَذَلِكَ كَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ فَلِرَبِّهِ رَدُّ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ، وَانْظُرْ إذَا اُسْتُحِقَّتْ الْبُقْعَةُ الْمُحَبَّسَةُ وَرَجَعَ مُحَبِّسُهَا بِالثَّمَنِ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنْهُ مَا يَفْعَلُ بِالثَّمَنِ. اُنْظُرْهُ فِي أَوَاخِرِ نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ قَبْلَ تَرْجَمَةِ بَيْعِ نَقْضِ الْحَبْسِ إذَا انْهَدَمَ. (وَإِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 355 اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ فَكَالْعَيْبِ) لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا هُوَ " فَكَالْمَبِيعِ "؛ لِأَنَّ بَابَ الْبَيْعِ وَبَابَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي هَذَا وَاحِدٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعُيُوبِ قَوْلُهُ " وَرَدَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ بِحِصَّتِهِ " ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِأَقَلَّ اُسْتُحِقَّ أَكْثَرُهُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ صَوَابَ هَذَا أَيْضًا أَنْ يَقُولَ عَيْبًا أَكْثَرُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَالَ عَلَيْهِ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى ثِيَابًا كَثِيرَةً فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا أَوْ وُجِدَ بِهِ عَيْبٌ قَبْلَ قَبْضِهَا أَوْ بَعْدَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَقَلَّهَا رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ وَجْهَ الصَّفْقَةِ. مُحَمَّدٌ: مِثْلُ أَنْ يَقَعَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ انْتَقَضَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَرَدَّ مَا بَقِيَ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَمَاسَكَ بِمَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ إذْ لَا يُعْرَفُ حَتَّى يُقَوَّمَ، وَقَدْ وَجَبَ الرَّدُّ فَصَارَ بَيْعًا مُؤْتَنَفًا بِثَمَنِ مَجْهُولٍ. وَأَجَازَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَلَوْ كَانَ مَا ابْتَاعَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، فَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْقَلِيلُ مِنْهُ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَزِمَهُ مَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يَحْبِسَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدَّهُ. وَكَذَلِكَ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ قَبْلَ الرِّضَا بِهِ. انْتَهَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 356 وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا. وَمُخْتَارُ ابْنِ يُونُسَ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْعُيُوبِ وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِأَقَلَّ. (وَرَجَعَ لِلتَّقْوِيمِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ سِلَعًا كَثِيرَةً صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّمَا يَقَعُ لِكُلِّ سِلْعَةٍ مِنْهَا حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ يَوْمَ وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ، وَمَنْ ابْتَاعَ صُبْرَةَ قَمْحٍ وَصُبْرَةَ شَعِيرٍ جُزَافًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ صُبْرَةٍ خَمْسِينَ دِينَارًا، أَوْ ثِيَابًا أَوْ رَقِيقًا عَلَى أَنَّ لِكُلِّ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا وَكَذَا، فَاسْتُحِقَّ أَحَدُ الصُّبْرَتَيْنِ أَوْ أَحَدُ الْعَبِيدِ أَوْ أَحَدُ الثِّيَابِ، فَإِنَّ الثَّمَنَ يُقْسَمُ عَلَى جَمِيعِ الصَّفْقَةِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا سَمَّيَا مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ هَذِهِ بِكَذَا إلَّا عَلَى أَنَّ الْأُخْرَى بِكَذَا فَبَعْضُهَا يَحْمِلُ بَعْضًا. مُحَمَّدٌ: وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْحِصَّةِ الَّتِي قَابَلَتْ مِنْهُ الْمُسْتَحَقَّ، يُرِيدُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ عَبْدًا وَقَدْ اُسْتُحِقَّ رُبُعُ الصَّفْقَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِرُبُعِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَلَا يَرْجِعُ فِي عَيْنِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ وَجَدَ بِبَعْضِ الصَّفْقَةِ عَيْبًا. وَانْظُرْ إذَا اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مُشَاعٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا فَرْقٌ. (وَلَهُ رَدُّ أَحَدِ عَبْدَيْنِ اُسْتُحِقَّ أَفْضَلُهُمَا بِحُرِّيَّةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فِي صَفْقَةٍ فَاسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا بِحُرِّيَّةٍ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ أَوْ قَبْلُ، فَإِنْ كَانَ وَجَّهَ الصَّفْقَةَ فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجَّهَهَا لَزِمَهُ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا يَغْرَمُ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ لَوْ كَانَ عَبْدًا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ مُكَاتِبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا النَّصَّ هُنَا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ التَّمَسُّكَ بِالْبَاقِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجَّهَ الصَّفْقَةَ بِخِلَافِ الْفَرْعِ بَعْدَ هَذَا وَبِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَرَجَعَ لِلتَّقْوِيمِ ". (كَأَنْ صَالَحَ عَنْ عَيْبٍ بِآخَرَ وَهَلْ يُقَوَّمُ الْأَوَّلُ يَوْمَ الصُّلْحِ أَوْ يَوْمَ الْبَيْعِ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَصَابَ بِهِ عَيْبًا فَصَالَحَهُ الْبَائِعُ مِنْ الْعَيْبِ عَلَى عَبْدٍ آخَرَ دَفَعَهُ لَهُ جَازَ، وَكَأَنَّهُمَا فِي صَفْقَةٍ، فَإِنْ اُسْتُحِقَّ أَحَدَهُمَا فَلْيُفِضْ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا وَيَنْظُرْ، هَلْ هُوَ وَجَّهَ الصَّفْقَةِ أَمْ لَا كَمَا وَصَفْنَا فِيمَنْ ابْتَاعَ عَبْدَيْنِ فِي صَفْقَةٍ فَاسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا. انْتَهَى نَصُّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 357 ابْنِ يُونُسَ. وَمِنْ النُّكَتِ: يُفِضْ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ الْأَوَّلِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ الْآخَرِ يَوْمَ أَخَذَهُ يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ كُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمَا يَوْمَ وَجَبَ. اُنْظُرْ التَّأْوِيلَ الْآخَرَ فِي التَّنْبِيهَاتِ. (وَإِنْ صَالَحَ فَاسْتُحِقَّ مَا بِيَدِ مُدَّعِيهِ رَجَعَ فِي مُقِرٍّ بِهِ لَمْ يَفُتْ وَإِلَّا فَفِي عِوَضِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ ادَّعَى شَيْئًا بِيَدِ رَجُلٍ ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى الْإِقْرَارِ عَلَى عِوَضٍ فَاسْتَحَقَّ مَا أَخَذَ الْمُدَّعِي فَلْيَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ فَلْيَأْخُذْ مِنْهُ مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ إنْ لَمْ يَفُتْ، فَإِنْ فَاتَ بِتَغَيُّرِ سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ وَهُوَ عَرَضٌ أَوْ حَيَوَانٌ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيْعِ ابْنُ يُونُسَ: تَحْصِيلُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ وَقَالَ: إنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّ مَا بِيَدِ الْمُدَّعِي وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِقْرَارِ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي شَيْئِهِ أَوْ قِيمَتِهِ أَوْ مِثْلِهِ إنْ فَاتَ كَالْبَيْعِ انْتَهَى. فَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ خَلِيلٍ: " وَإِلَّا فَفِي عِوَضِهِ " (كَإِنْكَارٍ عَلَى الْأَرْجَحِ لَا إلَى الْخُصُومَةِ) . سَحْنُونَ: إنْ اُسْتُحِقَّ مَا قَبَضَ الْمُدَّعِي فِي الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَلْيَرْجِعْ بِقِيمَةِ مَا قَبَضَ، وَمِثْلُهُ إنْ كَانَ يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ لَا الرُّجُوعُ إلَى الْخُصُومَةِ، وَيَكُونُ كَمَنْ صَالَحَ مِنْ دَمِ عَمْدٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى عَبْدٍ فَاسْتُحِقَّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ إذْ لَا ثَمَنَ مَعْلُومٌ لِعِوَضِهِ فَكَذَلِكَ هَذَا. (وَمَا بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَفِي الْإِنْكَارِ يَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ إنْ لَمْ يَفُتْ وَإِلَّا فَبِقِيمَتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ فَاسْتُحِقَّ مَا بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ بِمَا دَفَعَ إنْ لَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 358 يَفُتْ، فَإِنْ فَاتَ بِتَغَيُّرِ سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ وَهُوَ عَرَضٌ أَوْ حَيَوَانٌ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ (وَفِي الْإِقْرَارِ لَا يَرْجِعُ) . أَشْهَبُ: إنْ اصْطَلَحَا عَلَى الْإِقْرَارِ فَاسْتُحِقَّ مَا بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمِ فَلْيَرْجِعْ عَلَى الْمُدَّعِي بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ الطَّحَاوِيُّ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ لِلْمُدَّعِي وَإِنَّمَا أَخَذَ مِنْهُ ظُلْمًا وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 359 أَهْلِ الْمَدِينَةِ. (كَعِلْمِهِ صِحَّةَ مِلْكِ بَائِعِهِ) الْمُتَيْطِيُّ: مَنْ ابْتَاعَ مِلْكًا عَلَى صِحَّةِ تَمَلُّكِ الْبَائِعِ لَهُ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ، فَلَا يَلْزَمُ تَحْوِيزُهُ وَلَا إنْزَالُهُ فِيهِ، فَإِنْ دَفَعَهُ عَنْهُ دَافِعٌ كَانَتْ الْمُصِيبَةُ مِنْ الْمُبْتَاعِ. قَالَهُ سَحْنُونَ. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونَ: غَيْرُ الْأُصُولِ مِنْ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالْعُرُوضِ يَكْتُبُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ يُعَرِّفُ شُهُودَهُ أَنَّهُ مَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى الْآنَ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ أَنَّهُ مَا خَرَجَ ذَلِكَ عَنْ مِلْكِهِ، فَإِذَا ثَبَتَ الِاسْتِدْعَاءُ وَالْيَمِينُ أَعْذَرَ إلَى الَّذِي أَلْفَى ذَلِكَ بِيَدِهِ، فَإِنْ ادَّعَى مَدْفَعًا أَجَّلَهُ ثُمَّ لَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَاعَ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَلِّ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَكْذَبَ مَا ثَبَتَ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ مَدْفَعًا رَجَعَ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنْهُ وَتُكْتَبُ أَعْذَرَ إلَيَّ فُلَانٌ فِيمَا ثَبَتَ فَقَالَ إنَّهُ لَا مَقَالَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا مَدْفَعَ إلَّا الرُّجُوعُ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنْهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 360 انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا هَلْ هُوَ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَيْسَ بِهَا الْقَضَاءُ وَسَتَأْتِي الرِّوَايَتَانِ. (إلَّا إنْ قَالَ دَارِهِ) . الْمُتَيْطِيُّ: وَقَوْلُنَا ابْتَاعَ مِنْهُ جَمِيعَ الدَّارِ أَوْلَى مِنْ إضَافَتِهَا إلَى الْبَائِعِ فَيَقُولُ جَمِيعُ دَارِهِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَبْتَاعُ مِنْ مِلْكِهِ أَوْ سِلَعِهِ لِمَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ، فَقَدْ قِيلَ: إذَا أُضِيفَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَى الْبَائِعِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْ الْمُبْتَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ إلَّا فِي إضَافَةِ ذَلِكَ إقْرَارًا مِنْ الْمُبْتَاعِ بِتَحْقِيقِ تَمَلُّكِ الْبَائِعِ لِمَا بَاعَ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْأُصُولُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ أَضَافَ الْمَبِيعَ إلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا مَضَى عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي عَقْدِ الْوَثَائِقِ يَفْتَتِحُونَهَا فَاشْتَرَى مِنْ فُلَانٍ مَا حَوَتْ أَمْلَاكُهُ. قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. لَوْ أَنَّ الْمُبْتَاعَ صَرَّحَ بِتَمَلُّكِ الْبَائِعِ لِلْمَبِيعِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ فَإِنَّ فِي رُجُوعِهِ عَلَى الْبَائِعِ رِوَايَتَيْنِ، وَاَلَّذِي بِهِ الْقَضَاءُ أَنَّهُ يَرْجِعُ. هَذَا فِي صَحِيحِ الْإِقْرَارِ فَكَيْفَ فِي هَذَا، ابْنُ رُشْدٍ: شِرَاءُ الرَّجُلِ دَارًا لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَنْ يُقِرَّ لِلْبَائِعِ بِالْيَدِ، وَالْمِلْكِ، أَوْ بِالْمِلْكِ لَا بِالْيَدِ، أَوْ بِالْيَدِ لَا بِالْمِلْكِ، أَوْ لَا يُقِرُّ لَهُ بِيَدٍ وَلَا مِلْكٍ. مِنْ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ. (وَفِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 361 عَرَضٍ بِعَرَضٍ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ أَوْ قِيمَتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدٍ فَاسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 362 يَدِ مُبْتَاعِهِ أَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي عَبْدِهِ الَّذِي أَعْطَاهُ فَيَأْخُذُهُ إنْ وَجَدَهُ، وَإِنْ مَاتَ بِتَغَيُّرِ سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ لَمْ يَكُنْ إلَّا قِيمَتُهُ يَوْمَ الصَّفْقَةِ وَلَا يُجْمَعُ لِأَحَدٍ فِي هَذَا خِيَارٌ فِي أَخْذِ السِّلْعَةِ أَوْ تَضْمِينِهَا. (إلَّا نِكَاحًا وَخُلْعًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ بِشِقْصٍ مِنْ دَارٍ فَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَهُ فَلْيَأْخُذْهُ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ لَا بِصَدَاقِ مِثْلِهَا. وَمَنْ نَكَحَ بِعَبْدٍ فَاسْتُحِقَّ أَوْ وَجَدَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ عَيْبًا فَإِنَّهَا تَرُدُّهُ وَتَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَتَبْقَى لَهُ زَوْجَةً وَالْخُلْعُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ. قَالَ أَشْهَبُ: وَسَوَاءٌ اُسْتُحِقَّ بِمِلْكٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ فَإِنَّمَا تَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ. (وَصُلْحِ عَمْدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ صَالَحَ مِنْ دَمِ عَمْدٍ عَلَى عَبْدٍ جَازَ ذَلِكَ، فَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ إذْ لَا ثَمَنَ مَعْلُومٌ لِعِوَضِهِ وَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَتْلِ. (أَوْ مُقَاطَعًا بِهِ عَنْ عَبْدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَالْعِتْقُ مَاضٍ لَا يُرَدُّ، وَهَذَا بَيِّنٌ لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ مَالٌ انْتَزَعَهُ مِنْهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ انْتَهَى. فَإِنْ كَانَ خَلِيلٌ عَنَى هَذَا فَانْظُرْ مَا الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ هَذَا الْفَرْعِ وَالْفَرْعَيْنِ قَبْلَهُ فَإِنَّ حُكْمَ هَذَا الْفَرْعِ غَيْرُ حُكْمِ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ. (أَوْ مُكَاتَبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى عَرَضٍ مَوْصُوفٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ طَعَامٍ فَقَبَضَهُ وَأَعْتَقَ الْعَبْدَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مَا دَفَعَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَرُدَّ الْعِتْقَ وَلَكِنْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ: فَإِنْ قَاطَعَهُ عَلَى عَبْدٍ فَاعْتَرَفَ مَسْرُوقًا فَلْيَرْجِعْ السَّيِّدُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 363 (أَوْ عُمْرَى وَإِنْ أُنْفِذَتْ وَصِيَّةُ مُسْتَحِقٍّ بِرِقٍّ لَمْ يَضْمَنْ وَصِيٌّ وَحَاجٌّ إنْ عُرِفَ بِالْحُرِّيَّةِ وَأَخَذَ السَّيِّدُ مَا بِيعَ وَلَمْ يَفُتْ بِالثَّمَنِ كَمَشْهُودٍ بِمَوْتِهِ إنْ عُذِرَتْ بَيِّنَتُهُ وَإِلَّا فَكَالْغَاصِبِ وَمَا فَاتَ فَالثَّمَنُ كَمَا لَوْ دَبَّرَ أَوْ كَبِرَ صَغِيرٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَوْصَى بِحَجٍّ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ فَبِيعَتْ تَرِكَتُهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 364 وَأُنْفِذَتْ وَصِيَّتُهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَقَبَتُهُ، فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحُرِّيَّةِ لَمْ يَضْمَنْ الْوَصِيُّ وَلَا مُتَوَلِّي الْحَجِّ شَيْئًا وَيَأْخُذُ السَّيِّدُ مَا كَانَ قَائِمًا مِنْ التَّرِكَةِ لَمْ يُبَعْ، وَمَا بِيعَ وَهُوَ قَائِمٌ بِيَدِ مُبْتَاعِهِ فَلَا يَأْخُذُهُ السَّيِّدُ إلَّا بِالثَّمَنِ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ. وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِمَوْتِهِ فَبِيعَتْ تَرِكَتُهُ وَتَزَوَّجَتْ زَوْجَتُهُ ثُمَّ قَدِمَ حَيًّا، فَإِنْ ذَكَرَ الشُّهُودُ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فِي دَفْعِ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ مِثْلَ أَنْ يَرَوْهُ فِي مَعْرَكَةِ الْقَتْلَى فَيَظُنُّوا أَنَّهُ مَيِّتٌ أَوْ طُعِنَ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ بِهِ حَيَاةٌ بِأَنْ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ فَهَذَا تُرَدُّ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ مَتَاعِهِ إلَّا مَا وَجَدَهُ لَمْ يُبَعْ، وَمَا بِيعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ إنْ وَجَدَهُ قَائِمًا. وَأَمَّا إنْ فَاتَتْ عَيْنُهُ بِيَدِ مُبْتَاعِهِ أَوْ تَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ فِي بَدَنِهِ أَوْ فَاتَ بِعِتْقٍ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ أَمَةٍ بِحَمْلٍ مِنْ السَّيِّدِ أَوْ صَغِيرٍ يَكْبَرُ فَإِنَّمَا لَهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى مَنْ بَاعَ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَإِنْ لَمْ تَأْتِ الْبَيِّنَةُ بِمَا تُعْذَرُ بِهِ مِنْ شُبْهَةٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ كَتَعَمُّدِهِمْ الزُّورَ فَلْيَأْخُذْ مَتَاعَهُ حَيْثُ وَجَدَهُ، وَإِنْ شَاءَ الثَّمَنَ الَّذِي بِيعَ بِهِ وَتُرَدُّ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ، وَلَهُ أَخْذُ مَا أُعْتِقَ مِنْ عَبْدٍ أَوْ كُوتِبَ أَوْ دُبِّرَ أَوْ صَغِيرٍ كَبِرَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 365 أَوْ أَمَةٍ اُتُّخِذَتْ أُمَّ وَلَدٍ فَلْيَأْخُذْهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ يَوْمَ الْحُكْمِ كَالْمَغْصُوبَةِ يَجِدُهَا بِيَدِ مُشْتَرٍ. ابْنُ يُونُسَ: وَشَبَهُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَسْأَلَةُ الَّذِي بَاعَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ مَتَاعَهُ فِي دَيْنٍ ثَبَتَ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ فَيَأْتِي فَتَثْبُتُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ قَضَاهُ فَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِمَّا بِيعَ عَلَيْهِ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي. ابْنُ يُونُسَ: اعْرِفْ أَنَّ كُلَّ مَا بَاعَهُ يَظُنُّهُ لِرَجُلٍ فَإِذَا هُوَ لِغَيْرِهِ فَرَبُّهُ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ أَصْلُهُ مَا بِيعَ فِي الْمَغَانِمِ انْتَهَى. اُنْظُرْ مَسْأَلَةً كَثِيرَةَ الْوُقُوعِ مَنْ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ بِدَرَاهِمَ فَيَدْفَعُ فِيهَا دَنَانِيرَ أَوْ عَرَضًا مِنْ الْعُرُوضِ ثُمَّ تُسْتَحَقُّ السِّلْعَةُ ثُمَّ يَرْجِعُ، هَلْ بِمَا عَقَدَ أَوْ بِمَا دَفَعَ؟ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ فَرْقٌ. وَقَدْ تَرَجَّحَ عَلَى هَذَا ابْنُ يُونُسَ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَقَالَ فِيمَنْ ابْتَاعَ بِشَيْءٍ فَنَقَدَ خِلَافَهُ فَاسْتُحِقَّ الثَّمَنُ أَوْ الْمَثْمُونُ فِي ذَلِكَ رَاجِعْهُ فِيهِ. ابْنُ شَاسٍ. [كِتَابُ الشُّفْعَةِ] [بَابٌ فِي أَرْكَانِ الشُّفْعَة وَكَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ] (كِتَابُ الشُّفْعَةِ) وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ: فِي أَرْكَانِهَا وَهُوَ: الْمَأْخُوذُ وَالْآخِذُ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ. الْبَابُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ. الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَسْقُطُ فِيهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ (الشُّفْعَةُ أَخْذُ شَرِيكٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الشُّفْعَةُ اسْتِحْقَاقُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 366 شَرِيكٍ أَخْذَ مَبِيعِ شَرِيكِهِ بِثَمَنِهِ. (وَلَوْ ذِمِّيًّا بَاعَ الْمُسْلِمُ لِذِمِّيٍّ كَذِمِّيِّينَ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فَبَاعَ الْمُسْلِمُ حِصَّتَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَلِشَرِيكِهِ الذِّمِّيِّ الشُّفْعَةُ كَمَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا. ابْنُ يُونُسَ:؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَلَى الْمَالِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إذَا بَاعَ الْمُسْلِمُ شِقْصَهُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ وَالشَّفِيعُ نَصْرَانِيٌّ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَيْنِ نَصْرَانِيَّانِ، وَلَوْ بَاعَ نَصْرَانِيٌّ نَصِيبَهُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ فَلِلْمُسْلِمِ الشُّفْعَةُ يُرِيدُ بِلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 367 خِلَافٍ، وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَ ذِمِّيَّيْنِ لَمْ أَقْضِ بَيْنَهُمَا بِالشُّفْعَةِ إلَّا أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلَيْنَا. (أَوْ مُحَبِّسًا لِيُحَبِّسَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَبَّسَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حَظَّهُ فِي دَارٍ عَلَى رَجُلٍ وَوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ فَبَاعَ شَرِيكُهُ فِي حَظِّهِ، فَلَيْسَ لِلَّذِي حَبَسَ وَلَا لِلْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْمُحَبَّسَ فَيَجْعَلَهُ فِيمَا جَعَلَ نَصِيبَهُ الْأَوَّلَ. (كَسُلْطَانٍ) قَالَ سَحْنُونَ فِي الْمُرْتَدِّ يُقْتَلُ وَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ أَنَّ السُّلْطَانَ يَأْخُذُهُ إنْ شَاءَ لِبَيْتِ الْمَالِ. وَحَكَى ابْنُ زَرْبٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ لِلنَّاظِرِ فِي بَيْتِ الْمَالِ إذَا وَقَعَتْ حِصَّةٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ مِنْ مِلْكٍ فِي الْمَوَارِيثِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ قَالَ: وَهُوَ خَطَأٌ. قَالَ: وَلَا تَجِبُ لَهُ شُفْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَتَّجِرُ لِلْمُسْلِمِينَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 368 إنَّمَا هُوَ يَجْمَعُ لَهُمْ مَا يَجِبُ لَهُمْ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَيْسَ هَذَا خِلَافًا لِقَوْلِ سَحْنُونٍ فِي الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّ سَحْنُونًا قَالَ: ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى السُّلْطَانِ. وَقَوْلُ ابْنِ زَرْبٍ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى صَاحِبِ الْمَوَارِيثِ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ ذَلِكَ، فَلَوْ جَعَلَ لَهُ السُّلْطَانُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ مَسْأَلَةِ ابْنِ زَرْبٍ أَنَّ الْمَوْرُوثَ إنَّمَا هُوَ الشِّقْصُ الَّذِي يَجِبُ الشُّفْعَةُ بِهِ، وَظَاهِرُ مَسْأَلَةِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْمَوْرُوثَ فِيهَا الشُّفْعَةُ نَفْسُهَا. (لِلْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ وَلَوْ لِيُحَبِّسَ) سَاوَى ابْنُ رُشْدٍ بَيْنَ الْمُحَبِّسِ وَالْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا أَرَادَ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ إلْحَاقَهَا بِالْحَبْسِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَبِهَذَا يَنْبَغِي الْفَتْوَى. (وَجَارٍ وَإِنْ مَلَكَ تَطَرُّقًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ وَالْمُلَاصَقَةِ فِي سِكَّةٍ لَا تَنْفُذُ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَا شُفْعَةَ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ وَمَنْ لَهُ طَرِيقٌ فِي دَارِ رَجُلٍ فَبِيعَتْ الدَّارُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ إنَّمَا لَهُ حَقُّ جِوَارٍ لَا حَقٌّ فِي نَفْسِ الْمِلْكِ. (وَنَاظِرِ وَقْفٍ) الَّذِي قَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمْ إنْ أَرَادَ الْمُحَبِّسُ أَوْ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِمْ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لِيُلْحِقُوهَا بِالْحَبْسِ فَذَلِكَ لَهُمْ، وَإِنْ أَرَادَ أَجْنَبِيٌّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لِلْحَبْسِ كَانَ لَهُ. (وَكِرَاءٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَكْرَى رَجُلَانِ دَارًا بَيْنَهُمَا فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يُكْرِيَ حِصَّتَهُ مِنْهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ لِشَرِيكِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. (وَفِي نَاظِرِ الْمِيرَاثِ قَوْلَانِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إنْ جَعَلَ لَهُ السُّلْطَانُ ذَلِكَ جَازَ. وَلِابْنِ عَرَفَةَ مَعَهُ بَحْثٌ اُنْظُرْهُ فِيهِ. وَانْظُرْ هُنَا فَرْعًا غَرِيبًا أَنَّ الْمَرْءَ قَدْ يَبِيعُ شِقْصَهُ ثُمَّ يَشْفَعُ فِيهِ وَذَلِكَ إذَا وَرِثَ شِقْصَ شَرِيكِهِ قَبْلَ سُقُوطِ شُفْعَتِهِ، وَهَذِهِ إحْدَى سِتِّ الْمَسَائِلِ الَّتِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 369 تَتَرَتَّبُ عَلَى الْمِيرَاثِ. (مَنْ تَجَدَّدَ مِلْكُهُ اللَّازِمُ اخْتِيَارًا) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ أَرْكَانِ الشُّفْعَةِ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ وَهُوَ كُلُّ مَنْ تَجَدَّدَ مِلْكُهُ اللَّازِمُ اخْتِيَارًا احْتَرَزْنَا بِالْمُتَجَدِّدِ مِنْ رَجُلَيْنِ اشْتَرَيَا دَارًا مَعًا فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَاحْتَرَزْنَا بِاللَّازِمِ عَنْ الشِّرَاءِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا شُفْعَةَ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ إلَّا بَعْدَ بَتِّهِ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِرْثٌ وَهِبَةٌ ". (بِمُعَاوَضَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَعْرُوفُ لَا شُفْعَةَ فِيمَا حَدَثَ مِلْكُهُ بِهِبَةٍ لَا ثَوَابَ فِيهَا وَلَا فِي صَدَقَةٍ، وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى نَفْيِ الشُّفْعَةِ فِي الْمِيرَاثِ. ابْنُ شَاسٍ: وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْمُعَاوَضَاتِ بِأَيِّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ التَّمْلِيكَاتِ مِنْ مَهْرٍ وَخُلْعٍ وَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَصُلْحٍ مِنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ أَوْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 373 مَالِكٌ: لَا شُفْعَةَ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ إلَّا بَعْدَ الْعِوَضِ. قِيلَ: فَلِمَ أَجَازَ مَالِكٌ الْهِبَةَ بِغَيْرِ ثَوَابٍ مُسَمًّى؟ قَالَ: لِأَنَّهُ عَلَى وَجْهِ التَّفْوِيضِ فِي النِّكَاحِ. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ وَلَكِنْ قَدْ أَجَازَهُ النَّاسُ. (وَلَوْ مُوصًى بِبَيْعِهِ لِلْمَسَاكِينِ عَلَى الْأَصَحِّ) الْبَاجِيُّ: لَوْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِالثُّلُثِ فَبَاعَ السُّلْطَانُ ثُلُثَ دَارِهِ فَلَا شُفْعَةَ لِلْوَرَثَةِ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ بَاعَ. قَالَهُ سَحْنُونَ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُمْ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُعَيَّنِينَ فَهُمْ أَشْرَاكٌ بَائِعُونَ بَعْدَ مِلْكِ الْوَرَثَةِ بَقِيَّةَ الدَّارِ، وَقَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ. (وَالْمُخْتَارُ لَا مُوصًى لَهُ بِبَيْعٍ) اللَّخْمِيِّ: إذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ أَنْ يُبَاعَ نَصِيبٌ مِنْ دَارِهِ مِنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ شُفْعَةٌ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْمَيِّتِ أَنْ يُمَلِّكُهُ إيَّاهُ فَالشُّفْعَةُ رَدٌّ لِوَصِيَّتِهِ. وَحَمَلَ سَحْنُونَ إذَا أَوْصَى بِبَيْعِ نَصِيبِهِ لِيَصْرِفَ ثَمَنَهُ فِي الْمَسَاكِينِ كَذَلِكَ أَنْ لَا شُفْعَةَ فِيهِ لِلْوَرَثَةِ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ بَاعَهُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُشْفَعَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَخَّرَ الْبَيْعَ لِبَعْدِ الْمَوْتِ وَلِوَقْتٍ لَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ إلَّا بَعْدَ الشُّفْعَةِ. (عَقَارًا) . ابْنُ عَرَفَةَ: تَتَعَلَّقُ الشُّفْعَةُ بِمَبِيعِ الشَّرِيكِ مُشَاعًا مِنْ رَبْعٍ يَنْقَسِمُ اتِّفَاقًا، وَلَا تَتَعَلَّقُ بِعَرَضٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ عَرَضٌ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ فَأَرَادَ بَيْعَ حِصَّتِهِ قِيلَ لِشَرِيكِهِ: بِعْ مَعَهُ أَوْ خُذْ بِمَا يُعْطَى، فَإِنْ رَضِيَ وَبَاعَ حِصَّةً مُشَاعَةً فَلَا شُفْعَةَ لِشَرِيكِهِ. وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ مَا كَانَ لَا يَنْقَسِمُ مِنْ عُرُوضٍ وَغَيْرِهَا إلَّا بِضَرَرٍ بِيعَ وَاقْتَسَمَ الشُّرَكَاءُ ثَمَنَهُ، وَمَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ أَخْذَهُ فَمَا بَلَغَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ تَشَاحُّوا فِيهِ تَزَايَدُوا حَتَّى يَقِفَ عَلَى أَخْذِ الزَّائِدِ فَيَأْخُذُهُ وَيُؤَدِّي إلَيْهِمْ أَنْصِبَاءَهُمْ. (وَلَوْ مُنَاقَلًا بِهِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُنَاقَلَةُ بَيْعُ الشِّقْصِ بِعَقَارٍ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ بَاعَ الرَّجُلُ شِقْصَهُ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِأَصْلٍ أَوْ بِشِقْصٍ مِنْ أَصْلٍ لَهُ فِيهِ شِرْكٌ أَوْ لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهِ، فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الشُّفْعَةَ. (إنْ انْقَسَمَ وَفِيهَا الْإِطْلَاقُ وَعُمِلَ بِهِ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الشُّفْعَةُ إنَّمَا تَكُونُ فِيمَا يَنْقَسِمُ مِنْ الْأُصُولِ دُونَ مَا لَا يَنْقَسِمُ، وَهَذَا أَمْرٌ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَتْ نَخْلَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْهَا فَلَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِهِ فِيهَا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْحَمَّامِ الشُّفْعَةُ وَهُوَ أَحَقُّ فِي أَنْ تَكُونَ فِيهِ الشُّفْعَةُ مِنْ الْأَرْضِ لِمَا فِي قَسْمِ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ. وَقَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَجْمَعُ. ابْنُ حَارِثٍ: أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ الْعَمَلَ عِنْدَ أَهْلِ الشُّورَى بِقُرْطُبَةَ عَلَى الشُّفْعَةِ فِي الْحَمَّامِ. وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى إذَا أَرَادَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ الْبَيْعَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يُحْكَمُ بِبَيْعِ مَا لَا يَنْقَسِمُ إذَا دَعَا إلَى ذَلِكَ أَحَدٌ الْأَشْرَاكِ إلَّا فِيمَا التَّشَارُكُ فِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ كَالدَّارِ وَالْحَائِطِ، وَأَمَّا مِثْلُ الْحَمَّامِ وَالرَّحَا وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ لِلْغَلَّةِ فَلَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ (بِمِثْلِ الثَّمَنِ) اُنْظُرْهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 374 بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ بِقِيمَتِهِ ". (وَلَوْ دَيْنًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ شِقْصًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالثَّمَنِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ إنْ كَانَ مَلِيًّا أَوْ أَتَى بِضَامِنٍ ثِقَةٍ مَلِيءٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُبْتَاعِ: أَنَا أَرْضَى أَنْ يَكُونَ مَالِي عَلَى الشَّفِيعِ إلَى الْأَجَلِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ مَا لَمْ يَحِلَّ مِنْ دَيْنِهِ فِي دَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ. وَانْظُرْ إنْ لَمْ يَقُمْ الشَّفِيعُ حَتَّى حَالَ أَجَلُ الدَّيْنِ وَأَدَّى الثَّمَنَ. نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ لِلشَّفِيعِ مِنْ الْأَجَلِ مُسْتَأْنَفًا مِثْلَ أَجَلِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَإِنْ كَانَ إنَّمَا اشْتَرَى الشِّقْصَ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ إلَى سَنَةٍ فَلَا يَأْخُذُ الشَّفِيعُ إلَّا بِقِيمَةِ الدَّيْنِ عَرَضًا يَدْفَعُهُ الْآنَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَرَضٌ مِنْ الْعُرُوضِ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَقُمْ الشَّفِيعُ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ انْتَهَى. يَبْقَى النَّظَرُ إنْ أَخَذَ الشِّقْصَ عَنْ دَيْنٍ قَدْ حَلَّ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: فَإِنْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَمْ يَأْخُذْهَا الشَّفِيعُ إلَّا بِالْعَدَدِ بِعَيْنِهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 375 (أَوْ قِيمَتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا اُشْتُرِيَ بِعَيْنٍ أَوْ مِثْلِيٍّ فَالشُّفْعَةُ فِيهِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ، وَمَا اُشْتُرِيَ بِمُقَوَّمٍ فَبِقِيمَتِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: مَا اُشْتُرِيَ بِعَبْدٍ شَفَعَ فِيهِ بِقِيمَتِهِ وَمَا اُشْتُرِيَ بِعِوَضٍ فَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الصَّفْقَةِ. (بِرَهْنِهِ وَضَامِنِهِ) أَشْهَبُ: إذَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ بِحَمِيلٍ أَوْ رَهْنٍ فَقَامَ الشَّفِيعُ وَهُوَ أَمْلَأُ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَمِيلًا أَوْ رَهْنًا مِثْلَهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَلَوْ جَاءَ بِرَهْنٍ لَا شَكَّ أَنَّ فِيهِ وَفَاءً لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا مِثْلُ الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ بِرَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ فَجَاءَ بِرَهْنٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَمِيلٍ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ. (وَأُجْرَةُ دَلَّالٍ وَعَقْدُ شِرَاءٍ) الْمُتَيْطِيُّ: وَعَلَى الشَّفِيعِ أُجْرَةُ الدَّلَّالِ وَأُجْرَةُ كَاتِبِ الْوَثِيقَةِ وَثَمَنُ مَا كَتَبَ بِهِ يَدْفَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ وَصَلَ الْمُبْتَاعُ إلَى الِابْتِيَاعِ، فَإِنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ أَدَّى مِنْ الْأُجْرَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْمَعْهُودِ بَيْنَ النَّاسِ لَمْ يَلْزَمْ الشَّفِيعَ سِوَى الْمَعْهُودِ. قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَلَا مُخَالِفَ فِي هَذَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلُ مَا عَمَّرَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الشَّفِيعَ لَا يَغْرَمُ لَهُ فِي الْعِمَارَةِ شَيْئًا بِمَنْزِلَةِ أُجْرَةِ السِّمْسَارِ فِي الْمُرَابَحَةِ لَا تُحْسَبُ وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهَا رِبْحٌ، وَانْظُرْ فِي نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا إذَا قَامَ الشَّفِيعُ بَعْدَ أَنْ أَكْرَى الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ وَقَبَضَ مِنْ الْكِرَاءِ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْأَرْضِ وَهِيَ مَزْرُوعَةٌ وَأَخَذَ النِّصْفَ الْآخَرَ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ نِصْفَ الْكِرَاءِ. (وَفِي الْمَكْسِ تَرَدُّدٌ) ابْنُ يُونُسَ: اُنْظُرْ لَوْ غَرِمَ عَلَى الشِّقْصِ غُرْمًا هَلْ يَغْرَمُهُ لَهُ الشَّفِيعُ؟ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ أَيْدِي اللُّصُوصِ هَلْ يَأْخُذُهُ رَبُّهُ بِغُرْمٍ أَوْ بِغَيْرِ غُرْمٍ. انْتَهَى نَقْلُهُ. اُنْظُرْ هَذِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 376 الْمَسْأَلَةَ فِي الْجِهَادِ. (أَوْ قِيمَةِ الشِّقْصِ فِي كَخُلْعٍ وَصُلْحِ عَمْدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ نَكَحَ أَوْ خَالَعَ أَوْ صَالَحَ مِنْ دَمِ عَمْدٍ عَلَى شِقْصٍ فَبِهِ الشُّفْعَةُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْعَقْدِ إذْ لَا ثَمَنَ مَعْلُومٌ لِعِوَضِهِ، يُرِيدُ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِشْفَاعُ إلَّا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِقِيمَتِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَخَذَ الشِّقْصَ عَنْ دَمِ خَطَأٍ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ بِالدِّيَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْعَاقِلَةُ أَهْلَ إبِلٍ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الْإِبِلِ، وَإِنْ كَانَتْ أَهْلَ ذَهَبٍ أَخَذَهُ بِذَهَبٍ، يُنَجَّمُ ذَلِكَ عَلَى الشَّفِيعِ كَالتَّنْجِيمِ عَلَى الْعَاقِلَةِ. (وَجُزَافِ نَقْدٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمَأْخُوذُ بِهِ مِثْلُ الثَّمَنِ أَوْ قِيمَتُهُ فِي الْمُقَوَّمِ، فَإِنْ لَمْ يُقَوَّمْ كَالْمَهْرِ وَصُلْحِ الْعَمْدِ وَدَرَاهِمَ جُزَافًا بِقِيمَةِ الشِّقْصِ يَوْمَ الْعَقْدِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فِي صِحَّةِ فَرْضِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا جُزَافًا انْتَهَى. وَمُقْتَضَى هَذَا لَوْ جَازَتْ لَكَانَتْ الشُّفْعَةُ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ. وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ نَصُّوا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى بِحُلِيٍّ جُزَافٍ أَنَّهُ يَشْفَعُ بِقِيمَتِهِ، وَكَذَا السَّبَائِكُ وَالطَّعَامُ الْمُصَبَّرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ شِقْصًا فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ إلَى أَجَلٍ أَنَّ الشُّفْعَةَ فِيهِ بِقِيمَةِ الدَّيْنِ. (وَبِمَا يَخُصُّهُ إنْ صَاحَبَ غَيْرَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ شِقْصًا مِنْ دَارٍ وَعَرَضًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ بِثَمَنٍ، فَالشُّفْعَةُ بِالشِّقْصِ خَاصَّةً فَحِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ بِقِيمَتِهِ مِنْ قِيمَةِ الْعَرَضِ يَوْمَ الصَّفْقَةِ، تَغَيَّرَتْ الدَّارُ بِسُكْنَاهُ أَوْ لَمْ تَتَغَيَّرْ. (وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْبَاقِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ الْعَرَضِ وَلَا ذَلِكَ عَلَيْهِ إنْ أَبَاهُ. ابْنُ يُونُسَ: عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الشُّفْعَةَ كَالِاسْتِحْقَاقِ فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الشِّقْصِ الْجُلَّ فَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّ الْعَرَضِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ جُلَّ صَفْقَتِهِ، وَعَلَى قَوْلِهِمْ إنَّهُ كَبَيْعٍ مُبْتَدَأٍ فَلَا رَدَّ لَهُ بِحَالٍ (وَإِلَى أَجَلِهِ إنْ أَيْسَرَ أَوْ ضَمِنَهُ مَلِيءٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ الثَّمَنُ لِأَجَلٍ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِالثَّمَنِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، كَانَ مَلِيًّا أَوْ أَتَى بِضَامِنٍ ثِقَةٍ مَلِيءٍ. (وَإِلَّا عُجِّلَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عَجَّلَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ فَلِلْمُبْتَاعِ قَبْضُهُ ثُمَّ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعَجِّلَ الْبَائِعُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 377 (إلَّا أَنْ يَتَسَاوَيَا عُدْمًا عَلَى الْمُخْتَارِ) اللَّخْمِيِّ: اخْتَلَفَ إذَا كَانَا فَقِيرَيْنِ. الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ. وَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ فِي الْفَقْرِ وَأَنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ النِّصْفِ الَّذِي يَسْتَشْفِعُ بِهِ وَالنِّصْفُ الَّذِي اسْتَشْفَعَهُ. (وَلَا تَجُوزُ إحَالَةُ الْبَائِعِ بِهِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ قَالَ الْبَائِعُ أَنَا أَرْضَى أَنْ يَبْقَى مَالِي عَلَى الشَّفِيعِ إلَى الْأَجَلِ لَمْ يَجُزْ. (كَأَنْ أَخَذَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ مَالًا لِيَأْخُذَهُ وَيَرْبَحَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَجَبَتْ لَهُ شُفْعَةٌ فَأَتَاهُ أَجْنَبِيٌّ فَقَالَ خُذْ بِشُفْعَتِكَ وَلَكَ مِائَةُ دِينَارٍ أُرْبِحُكَ فِيهَا لَمْ يَجُزْ وَيُرَدُّ ذَلِكَ إنْ وَقَعَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ بِشُفْعَتِهِ لِغَيْرِهِ. (ثُمَّ لَا أَخْذَ لَهُ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: مَنْ بَاعَ حَظَّهُ وَشَرِيكُهُ مُفْلِسٌ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: اشْفَعْ وَأُرْبِحُكَ فَأَخَذَ وَأَرْبَحَهُ إنْ عَلِمَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ لَا بِإِقْرَارِ الشَّفِيعِ رَدَّ الشِّقْصَ لِمُبْتَاعِهِ. ابْنُ سَهْلٍ: فَإِنْ أَرَادَ الْأَخْذَ لِنَفْسِهِ بَعْدَ فَسْخٍ أَخَذَهُ لِغَيْرِهِ. لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. (أَوْ بَاعَ قَبْلَ أَخْذِهِ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: الشَّفِيعُ إذَا بَاعَ شِقْصَهُ قَبْلَ أَنْ يَشْفَعَ لَا شُفْعَةَ لَهُ إنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ بِبَيْعِ شَرِيكِهِ وَإِلَّا فَلَهُ الشُّفْعَةُ. اُنْظُرْهُ فِي تَرْجَمَةِ الشُّفْعَةِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّفِيعِ لِلشِّقْصِ قَبْلَ أَخْذِهِ إيَّاهُ بِشُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ تَسْلِيمِهَا لِلْمُشْتَرِي عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ فَذَلِكَ لَهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ مِنْهُ شِقْصًا إنَّمَا بَاعَ حَقًّا وَجَبَ لَهُ. (بِخِلَافِ أَخْذِ مَالٍ بَعْدَهُ لِيَسْقُطَ) قَالَ مَالِكٌ: إذَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ بَعْدَ الشِّرَاءِ عَلَى مَالٍ أَخَذَهُ جَازَ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الشِّرَاءِ بَطَلَ وَرَدَّ الْمَالَ وَكَانَ عَلَى شُفْعَتِهِ. (كَشَجَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يَنْقَسِمْ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ مِنْ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وَالنَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ ثَمَرَةٍ. (وَبِنَاءٍ بِأَرْضِ حَبْسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا بَنَى قَوْمٌ فِي دَارٍ حُبِسَتْ عَلَيْهِمْ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ فَأَرَادَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ بَيْعَ نَصِيبِهِ مِنْ الْبِنَاءِ فَلِإِخْوَتِهِ فِيهِ الشُّفْعَةُ. اسْتَحْسَنَهُ مَالِكٌ قَائِلًا: مَا سَمِعْت فِيهِ بِشَيْءٍ. بَهْرَامَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إحْدَى مَسَائِلِ الِاسْتِحْقَاقِ الْأَرْبَعِ. وَالشُّفْعَةُ فِي الثِّمَارِ وَالْقِصَاصِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَفِي الْأُنْمُلَةِ مِنْ الْإِبْهَامِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ. قَالَ مَالِكٌ: فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِشَيْءٍ اسْتَحْسَنَهُ وَمَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلِي. (أَوْ مُعِيرٍ وَقُدِّمَ الْمُعِيرُ بِنَقْضِهِ أَوْ ثَمَنِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَنَى فِي عَرْصَةِ رَجُلٍ بِإِذْنِهِ ثُمَّ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهَا فَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ النَّقْضِ، يُرِيدُ مَقْلُوعًا أَوْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ. وَإِذَا بَنَى رَجُلَانِ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 378 عَرْصَةِ رَجُلٍ بِإِذْنِهِ ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ النَّقْضِ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، يُرِيدُ مَقْلُوعًا أَوْ بِالثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ. فَإِنْ أَبَى فَلِشَرِيكِهِ الشُّفْعَةُ بِالضَّرَرِ إذْ الضَّرَرُ أَصْلُ الشُّفْعَةِ يُرِيدُ بِالثَّمَنِ. (إنْ مَضَى مَا يُعَارُ لَهُ وَإِلَّا فَقَائِمًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَذِنْت لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِي أَرْضِكَ أَوْ يَغْرِسَ فَلَمَّا فَعَلَ أَرَدْت إخْرَاجَهُ بِقُرْبِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُشْبِهُ أَنْ تُعَيِّرَهُ إلَى مِثْلِهِ، فَلَيْسَ لَكَ إخْرَاجُهُ إلَّا أَنْ تُعْطِيَهُ مَا أَنْفَقَ. وَقَالَ فِي بَابٍ بَعْدَ هَذَا: قِيمَةَ مَا أَنْفَقَ وَإِلَّا تَرَكْته إلَى مِثْلِ مَا يَرَى النَّاسُ أَنَّكَ أَعَرْتَهُ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْأَمْرِ. اُنْظُرْ تَمَامَ هَذَا قَبْلُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَهُ الْإِخْرَاجُ فِي كَبِنَاءٍ ". (وَكَثَمَرَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا كَانَ بَيْنَ قَوْمٍ ثَمَرٌ فِي شَجَرٍ قَدْ أَزْهَى فَبَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ مِنْهُ قَبْلَ قِسْمَتِهِ وَالْأَصْلُ لَهُمْ أَوْ بِأَيْدِيهِمْ فِي مُسَاقَاةٍ أَوْ حَبْسٍ، فَاسْتَحْسَنَ مَالِكٌ لِشُرَكَائِهِ فِيهِ الشُّفْعَةَ مَا لَمْ يَيْبَسْ قَبْلَ قِيَامِ الشَّفِيعِ، أَوْ تُبَاعُ وَهِيَ يَابِسَةٌ وَقَالَ: مَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلِي. وَرَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحَدِيثُ. (وَمَقَاثِئٍ وَبَاذِنْجَانٍ) الْبَاجِيُّ: إذَا قُلْنَا بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: الشُّفْعَةُ فِي الْعِنَبِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْمَقَاثِئُ عِنْدِي فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهَا ثَمَرَةٌ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبُقُولِ. وَجْهُ ذَلِكَ مَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ تُجْنَى ثَمَرَتُهُ مَعَ بَقَائِهِ فَالشُّفْعَةُ فِيهِ كَالشَّجَرِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ نَبْتٌ لَا تُجْنَى ثَمَرَتُهُ مَعَ بَقَائِهِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَصْلٍ ثَابِتٍ، أَصْلُ ذَلِكَ مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا. لَا شُفْعَةَ فِي الزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ حَتَّى يَيْبَسَ. (وَلَوْ مُفْرَدَةً) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ. قَالَ أَشْهَبُ: لَوْ بَاعَا حَائِطَهُمَا وَبَقِيَتْ لَهُمَا الثَّمَرَةُ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا مُصَابَتَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ فَلَا شُفْعَةَ لِشَرِيكِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَصْلِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ لَمْ يَبِيعَا الْأَصْلَ وَبَاعَا الثَّمَرَةَ مِنْ رَجُلَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ فَفِيهَا الشُّفْعَةُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: لِأَنَّهُمَا يَقُومَانِ مَقَامَ صَاحِبَيْ الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ الْأَصْلَ لِرَجُلٍ فَيُبَاعُ الثَّمَرَةُ مِنْ رَجُلَيْنِ لَكَانَتْ الشُّفْعَةُ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ دُونَ صَاحِبِ الْأَصْلِ. (إلَّا أَنْ تَيْبَسَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الزَّرْعُ يَبِيعُ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ مِنْهُ بَعْدَ يُبْسِهِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَلَا يُبَاعُ حَتَّى يَيْبَسَ، وَكُلُّ مَا بِيعَ مِنْ سَائِرِ الثِّمَارِ مِمَّا فِيهِ الشُّفْعَةُ مِثْلُ الثَّمَرِ وَالْعِنَبِ وَمَا يَيْبَسُ فِي شَجَرِهِ يُبَاعُ بَعْدَ الْيُبْسِ فِي شَجَرِهِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ كَالزَّرْعِ كَمَا لَا جَائِحَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ. (وَحُطَّ حِصَّتُهَا إنْ أَزْهَتْ أَوْ أُبِّرَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا بَاعَ النَّخْلَ، وَالثَّمَرَةُ مَأْبُورَةٌ أَوْ مُزْهِيَةٌ فَاشْتَرَطَهَا الْمُبْتَاعُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ نِصْفَهَا، فَلَهُ نِصْفُ النَّخْلِ وَنِصْفُ الثَّمَرَةِ بِاسْتِحْقَاقِهِ إنْ شَاءَ الْمُسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فَذَلِكَ لَهُ، وَيَكُونُ لَهُ أَخْذُ الثَّمَرَةِ بِالشُّفْعَةِ مَعَ الْأَصْلِ مَا لَمْ تُجَدَّ أَوْ تَيْبَسْ وَيَغْرَمُ قِيمَةَ الْعِلَاجِ. وَإِنْ قَامَ بَعْدَ الْيُبْسِ أَوْ الْجِدَادِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِي الثَّمَرَةِ كَمَا لَوْ بِيعَتْ حِينَئِذٍ وَيَأْخُذُ الْأَصْلَ بِشُفْعَتِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِقِيمَتِهِ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ يَوْمَ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ وَقَعَ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ. (وَفِيهَا أَخْذُهَا مَا لَمْ تَيْبَسْ أَوْ تُجَذَّ وَهَلْ هُوَ خِلَافٌ تَأْوِيلَانِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 379 ابْنُ يُونُسَ مَا نَصُّهُ: وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا بَاعَ النَّخْلَ، وَالثَّمَرَةُ مَأْبُورَةٌ أَوْ مُزْهِيَةٌ فَاشْتَرَطَهَا الْمُبْتَاعُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ نِصْفَهَا وَاسْتَشْفَعَ فَلَهُ نِصْفُ النَّخْلِ وَنِصْفُ الثَّمَرَةِ بِاسْتِحْقَاقِهِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: جُذَّتْ أَوْ لَمْ تُجَذَّ، يَبِسَتْ أَوْ لَمْ تَيْبَسْ اهـ. نَصُّهُ رَاجِعْ أَنْتَ التَّنْبِيهَاتِ. (وَإِنْ اشْتَرَى أَصْلَهَا فَقَطْ أُخِذَتْ وَإِنْ أُبِّرَتْ وَرَجَعَ بِالْمُؤْنَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا لَا ثَمَرَ فِيهَا أَوْ فِيهَا لَمْ يُؤَبَّرْ ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ نِصْفَهَا وَاسْتَشْفَعَ، فَإِنْ قَامَ يَوْمَ الْبَيْعِ أَخَذَ النِّصْفَ بِمِلْكِهِ وَالنِّصْفَ بِشُفْعَتِهِ بِنِصْفِ الثَّمَرِ وَيَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ عَلَى بَائِعِهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى عَمِلَ وَأُبِّرَتْ وَفِيهَا الْآنَ بَلَحٌ أَوْ فِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ أَزْهَتْ وَلَمْ تَيْبَسْ فَكَمَا ذَكَرْنَا وَيَأْخُذُ الْأَصْلَ بِثَمَرِهِ. وَعَلَيْهِ لِلْمُبْتَاعِ قِيمَةُ مَا سَقَى وَعَالَجَ فِيمَا اسْتَحَقَّ وَاسْتَشْفَعَ. فَإِنْ قَامَ بَعْدَ يُبْسِ الثَّمَرَةِ أَوْ جِدَادِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الثَّمَرَةِ شُفْعَةٌ كَمَا لَوْ بِيعَتْ الثَّمَرَةُ حِينَئِذٍ وَيَأْخُذُ نِصْفَ الْأُصُولِ بِالشُّفْعَةِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَلَا يُحَطُّ عَنْهُ لِلثَّمَرِ شَيْءٌ إذْ لَمْ يَقَعْ لَهَا يَوْمَ الْبَيْعِ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةٌ. (وَكَبِئْرٍ لَمْ تُقْسَمْ أَرْضُهَا وَإِلَّا فَلَا وَأُوِّلَتْ بِالْمُتَّحِدَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ وَنَخْلٌ وَلَهَا عَيْنٌ فَاقْتَسَمَا النَّخْلَ وَالْأَرْضَ خَاصَّةً ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْعَيْنِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي جَاءَ فِيهِ مَا جَاءَ لَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ، قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَقْتَسِمُوا وَلَكِنْ بَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ الْبِئْرِ خَاصَّةً أَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَالْعَيْنِ جَمِيعًا، فَفِي ذَلِكَ الشُّفْعَةُ قَالَ: وَيُقْسَمُ شِرْبُ الْعَيْنِ بِالْقِلْدِ وَهِيَ الْقِدْرِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إنَّ الشُّفْعَةَ فِي الْمَاءِ الَّذِي يَقْسِمُهُ الْوَرَثَةُ بَيْنَهُمْ بِالْأَقْلَادِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا شُرَكَاءَ فِي الْأَرَضِينَ الَّتِي تُسْقَى بِتِلْكَ الْعُيُونِ وَالْحَوَائِطِ. قَالَ مَالِكٌ: وَأَهْلُ كُلِّ قِلْدٍ يَتَشَافَعُونَ بَيْنَهُمْ دُونَ إشْرَاكِهِمْ اهـ. جَمِيعُ مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ بِيعَ شِقْصٌ مِنْ الْبِئْرِ مَعَ الْأَصْلِ أَوْ دُونَهُ وَلَمْ تُقْسَمْ الْأَرْضُ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ بِيعَ قَبْلَ قَسْمِ الْأَرْضِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا شُفْعَةَ. وَقَالَ يَحْيَى: فِيهِ الشُّفْعَةُ. قَالَ سَحْنُونَ: لَيْسَ هَذَا بِاخْتِلَافٍ، وَمَعْنَى الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا بِئْرٌ وَاحِدَةٌ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْسَمُ، وَمَعْنَى سَمَاعِ يَحْيَى أَنَّهَا آبَارٌ كَثِيرَةٌ تُقْسَمُ. (لَا عَرَضٍ) ابْنُ حَارِثٍ: اتَّفَقُوا فِي إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ فِي الْعُرُوضِ وَالْأَمْتِعَةِ وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ. (وَكِتَابَةٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَى ابْنِ شَاسٍ إنْ كَاتَبَا عَبْدًا فَبَاعَ أَحَدُهُمَا حَظَّهُ مِنْ الْكِتَابَةِ أَنَّ ثَمَّ قَوْلًا إنَّ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَشْفَعَ وَلَا أَعْرِفُهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ كَوْنُ الْمُكَاتَبِ أَحَقَّ بِمَا بِيعَ مِنْ كِتَابَتِهِ. قَالَ فِي الْمُوَطَّأِ: الْمُكَاتَبُ أَحَقُّ بِكِتَابَتِهِ مِمَّنْ اشْتَرَاهَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَيْ بِمَا يُعْطَى فِيهَا مَا لَمْ يَنْفُذْ الْبَيْعُ فِيهَا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ نَفَذَ بَيْعُهَا وَمِثْلُهُ رَوَى مُطَرِّفٌ وَغَيْرُهُ. (وَدَيْنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا شُفْعَةَ فِي دَيْنٍ. ابْنُ رُشْدٍ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الشُّفْعَةِ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ الدَّيْنِ يُبَاعَانِ هَلْ يَكُونُ لِلْمُكَاتَبِ وَالْمَدِينِ شُفْعَةٌ فِي ذَلِكَ. أَبُو عُمَرَ: جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ السَّلَفِ أَنَّ الْمِدْيَانَ أَحَقُّ مِنْ مُشْتَرِي الدَّيْنِ، وَاخْتَلَفَ فِي هَذَا أَصْحَابُ مَالِكٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 380 وَإِطْلَاقُ الشُّفْعَةِ فِي هَذَا مَجَازٌ. (وَعُلُوٍّ عَلَى سُفْلٍ وَعَكْسُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ لَهُ عُلْوُ دَارٍ وَلِآخَرَ سُفْلُهَا فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا فِيمَا بَاعَ الْآخَرُ مِنْهَا. (وَزَرْعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا الزَّرْعُ يَبِيعُ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ مِنْهُ بَعْدَ يُبْسِهِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا لَا يُبَاعُ حَتَّى يَيْبَسَ. (وَلَوْ بِأَرْضِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ أَرْضًا بِزَرْعِهَا الْأَخْضَرِ ثُمَّ قَامَ شَفِيعٌ بَعْدَ طِيبِهِ فَإِنَّمَا لَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْأَرْضِ دُونَ الزَّرْعِ بِمَا يَنُوبُهَا مِنْ الثَّمَنِ بِقِيمَتِهَا مِنْ قِيمَةِ الزَّرْعِ عَلَى عُرُوشِهِ يَوْمَ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ وَقَعَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي الصَّفْقَةِ. (وَبَقْلٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: " لَا شُفْعَةَ فِي الْبُقُولِ ". (وَعَرْصَةٍ وَمَمَرٍّ قَدْ قُسِمَ مَتْبُوعُهُ) الرِّسَالَةُ: لَا شُفْعَةَ فِي عَرْصَةٍ قَدْ قُسِمَتْ بُيُوتُهَا. اللَّخْمِيِّ إنْ قُسِمَتْ بُيُوتُ الدَّارِ دُونَ مَرَافِقِهَا مِنْ سَاحَةٍ وَطَرِيقٍ وَمَاجِلٍ ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمْ حَظَّهُ مِنْ بُيُوتِهَا بِمَرَافِقِهَا الَّتِي لَمْ تُقْسَمْ، لَمْ يَسْتَشْفِعْ فِيمَا قُسِمَ بِالشِّرْكِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ وَلَا يَسْتَشْفِعُ فِي السَّاحَةِ وَالطَّرِيقِ وَالْبِئْرِ وَالْمَاجِلِ لِأَجْلِ بَقَاءِ الشِّرْكِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَنْفَعَةِ مَا قُسِمَ وَمَصْلَحَتِهِ. فَإِنْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ السَّاحَةِ وَالْبِئْرِ وَالْمَاجِلِ خَاصَّةً كَانَ لِلشُّرَكَاءِ أَنْ يَرُدُّوا بَيْعَهُ إذَا كَانَ الْبَائِعُ يَتَصَرَّفُ إلَى الْبُيُوتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ بِهِمْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَسْقَطَ تَصَرُّفَهُ فِيهَا وَصَرَفَ بُيُوتَهُ إلَى مَرَافِقَ أَخَذَ، فَإِنْ بَاعَهَا مِنْ أَهْلِ الدَّارِ جَازَ لِبَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ الشُّفْعَةُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الشُّفْعَةِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ، وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ كَانَ لَهُمْ رَدُّ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ السَّاكِنِ أَحَقُّ مِنْ ضَرَرِ مَنْ لَيْسَ بِسَاكِنٍ، وَلَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا بَيْعَهُ وَيَأْخُذُوا بِالشُّفْعَةِ إنْ أَحَبُّوا. (وَحَيَوَانٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا شُفْعَةَ فِي حَيَوَانٍ. (إلَّا فِي كَحَائِطٍ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 381 سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ حَائِطٍ بِهِ رَقِيقٌ يَعْمَلُونَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ فِيهِ الشُّفْعَةُ إلَّا فِي الشِّقْصِ وَرَقِيقِهِ لَا فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ. (وَبِإِرْثٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى نَفْيِ الشُّفْعَةِ فِي الْمِيرَاثِ. (وَهِبَةٍ بِلَا ثَوَابٍ) تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: لَا شُفْعَةَ فِيمَا حَدَثَ مِلْكُهُ بِهِبَةٍ لَا ثَوَابَ فِيهَا وَلَا فِي صَدَقَةٍ (وَإِلَّا فَبِهِ بَعْدَهُ) . اللَّخْمِيِّ: مَنْ وَهَبَ شِقْصًا لِلثَّوَابِ كَانَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ، وَلَا شُفْعَةَ إلَّا بَعْدَ الثَّوَابِ فَاتَتْ الْهِبَةُ أَوْ لَمْ تَفُتْ، وَلَا تَجِبُ قَبْلَ الثَّوَابِ وَقَبْلَ الْفَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّمَسُّكِ وَالرَّدِّ. وَاخْتُلِفَ فِي الشُّفْعَةِ بَعْدَ الْفَوْتِ وَقَبْلَ الثَّوَابِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا شُفْعَةَ لَهُ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّوَابَ أَوْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ وَيُعْرَفَ. وَانْظُرْ قَدْ نَصُّوا أَنَّ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِالثَّمَنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الشُّفْعَةَ بِمَا لَا يَعْلَمُ مِنْ الثَّمَنِ. اُنْظُرْ نَوَازِلَ الشَّعْبِيِّ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا ابْتَاعَ شِقْصًا وَعُرُوضًا صَفْقَةً لَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَا يَخُصُّ الشِّقْصَ مِنْ الثَّمَنِ. وَانْظُرْ الْجِدَارَ بَيْنَ الْجَارَيْنِ إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا دَارِهِ فَلِلْآخَرِ أَنْ يَشْفَعَ فِي الْحَائِطِ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ. (وَخِيَارٍ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: لَا شُفْعَةَ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ إلَّا بَعْدَ بَتِّهِ. (وَوَجَبَتْ لِمُشْتَرِيهِ إنْ بَاعَ نِصْفَيْنِ خِيَارًا ثُمَّ بَتْلًا مَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 382 مَضَى) . اللَّخْمِيِّ: إذَا كَانَتْ دَارٌ لِرَجُلٍ فَبَاعَ نِصْفَهَا مِنْ رَجُلٍ بِالْخِيَارِ ثُمَّ بَاعَ النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ آخَرَ بَتْلًا ثُمَّ قَبِلَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ كَانَتْ الشُّفْعَةُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِمُشْتَرِي الْخِيَارِ عَلَى مُشْتَرِي الْبَتِّ. (وَبَيْعٍ فَاسِدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: يُفْسَخُ الْفَاسِدُ إذَا لَمْ يَفُتْ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَلَوْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ فُسِخَ بَيْعُ الشُّفْعَةِ وَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ دَخَلَ مَدْخَلَ الْمُشْتَرِي (إلَّا أَنْ يَفُوتَ فَبِالْقِيمَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا لَمْ يُفْسَخْ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ حَتَّى فَاتَ وَلَزِمَتْ الْمُبْتَاعَ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبَضَهُ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِالْقِيمَةِ الَّتِي لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ (إلَّا بِبَيْعٍ صَحَّ فَالثَّمَنُ فِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي فِي شِرَاءٍ فَاسِدًا مِنْ غَيْرِهِ بَيْعًا صَحِيحًا فَذَلِكَ فَوْتٌ، وَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِثَمَنِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَيَتَرَادُّ الْأَوَّلَانِ الْقِيمَةَ وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ الْفَاسِدِ. (وَتَنَازُعٍ فِي سَبْقِ مِلْكٍ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ أَحَدُهُمَا) ابْنُ شَاسٍ: إذَا تَسَاوَقَ الشَّرِيكَانِ لِحَاكِمٍ وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّ شِرَاءَ الْآخَرِ مُتَأَخِّرٌ وَلَهُ الشُّفْعَةُ عَلَيْهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي عِصْمَةِ مِلْكِهِ عَنْ الشُّفْعَةِ إنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِمَنْ حَلَفَ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا إلَّا لِلْغَزَالِيِّ وَأُصُولُ مَذْهَبِنَا تُوَافِقُهُ. [بَاب فِيمَا يَسْقُط فِيهِ حَقّ الشُّفْعَة] (وَسَقَطَتْ إنْ قَاسَمَ) . اللَّخْمِيِّ: الشُّفْعَةُ تَسْقُطُ بِسَبْعَةٍ: أَحَدُهَا إسْقَاطُ الشَّفِيعِ حَقَّهُ بِالْقَوْلِ فَيَقُولُ تَرَكْت. الثَّانِي أَنْ يُقَاسِمَ بِمَا فِيهِ الشُّفْعَةُ. الثَّالِثُ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ طُولِ الْأَمَدِ مَا يُرَى أَنَّهُ تَارِكٌ لَهَا. الرَّابِعُ مَا يُحْدِثُهُ الْمُشْتَرِي مِنْ هَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ. الْخَامِسُ خُرُوجُهُ عَنْ الْيَدِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ الرَّهْنِ. السَّادِسُ مَا يَكُونُ مِنْ الشُّفْعَةِ مِنْ مُسَاوَمَةٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ أَوْ كِرَاءٍ. السَّابِعُ إذَا بَاعَ الشَّفِيعُ النَّصِيبَ الَّذِي يَسْتَشْفِعُ بِهِ انْتَهَى. اُنْظُرْ وَجْهًا ثَامِنًا أَيْضًا تَسْقُطُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَهُوَ إذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ وَادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَقُولَ لِلْبَائِعِ أَنْتَ مُعْتَرِفٌ بِالْبَيْعِ فَأَشْفَعُ أَنَا إذْ لَا تَكُونُ عُهْدَةُ شَفِيعٍ إلَّا عَلَى مُشْتَرٍ، وَاخْتَارَ اللَّخْمِيِّ الْقَوْلَ الْآخَرَ أَنَّ لَهُ الْأَخْذَ. (أَوْ اشْتَرَى أَوْ سَاوَمَ أَوْ سَاقَى) ابْنُ شَاسٍ: إنْ اشْتَرَى الشَّفِيعُ الشِّقْصَ مِنْ الْمُبْتَاعِ أَوْ سَاوَمَهُ فِيهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَوْ سَاقَاهُ مِنْهُ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ. (أَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ) تَقَدَّمَ هَذَا فِي الْوَجْهِ السَّابِعِ. وَسَمِعَ عِيسَى: قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ غَابَ شَرِيكُهُ فِي أَرْضٍ فَبَاعَ حَظَّهُ مِنْهَا ثُمَّ بَاعَ الْغَائِبُ غَيْرَ عَالِمٍ بِبَيْعِ شَرِيكِهِ أَيَشْفَعُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا يَدُلُّ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِبَيْعِ شَرِيكِهِ لَمْ تَكُنْ لَهُ شُفْعَةٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ؛ لِأَنَّهُ فِي السُّؤَالِ لَا فِي الْجَوَابِ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 383 أَقْوَالٍ وَأَظْهَرُهَا مَا تَقَدَّمَ (أَوْ سَكَتَ بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ) تَقَدَّمَ هَذَا فِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ، وَرَاجِعْ فِيهِ أَيْضًا الْفِقْهَ، وَكَيْفَ لَوْ غَابَ الْمُبْتَاعُ وَتَرَكَ وَكِيلَهُ يَبْنِي فِي الشِّقْصِ وَالشَّفِيعُ حَاضِرٌ؟ . (أَوْ شَهْرَيْنِ إنْ حَضَرَ الْعَقْدَ وَإِلَّا سَنَةً) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الشَّفِيعُ عَلَى شُفْعَتِهِ حَتَّى يَتْرُكَ أَوْ يَأْتِيَ مِنْ طُولِ الزَّمَانِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ تَارِكٌ لِشُفْعَتِهِ، وَإِذَا عَلِمَ الشِّرَاءَ فَلَمْ يَطْلُبْ شُفْعَتَهُ سَنَةً فَلَا يَقْطَعُ ذَلِكَ شُفْعَتَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ كَتَبَ شَهَادَتَهُ فِي الشِّرَاءِ، وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ التِّسْعَةَ أَشْهُرٍ وَلَا السَّنَةَ بِكَثِيرٍ إنْ تَبَاعَدَ هَكَذَا يَحْلِفُ مَا كَانَ وُقُوفُهُ تَرْكًا لِشُفْعَتِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: يَحْلِفُ فِي خَمْسَةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، وَلَا يَحْلِفُ فِي شَهْرَيْنِ. وَأَمَّا إذَا حَضَرَ الشِّرَاءَ وَكَتَبَ شَهَادَتَهُ ثُمَّ قَامَ بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ فَأَشَدُّ مَا عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ مَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ تَرْكًا لِشُفْعَتِهِ وَيَأْخُذُهَا. قَالَ مَالِكٌ: إذَا جَاوَزَ السَّنَةَ بِمَا يُعَدُّ تَارِكًا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. (كَأَنْ عَلِمَ فَغَابَ إلَّا أَنْ يَظُنَّ الْأَوْبَةَ قَبْلَهَا فَعِيقَ وَحَلَفَ إنْ بَعُدَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى دَارًا وَشَفِيعُهَا حَاضِرٌ ثُمَّ فَرَّ الشَّفِيعُ بِحَدَثَانِ الشِّرَاءِ فَأَقَامَ سِنِينَ كَثِيرَةً ثُمَّ قَدِمَ فَطَلَبَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 384 الشُّفْعَةَ، فَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَئُوبُ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ أَمَدٍ تُقْطَعُ فِي مِثْلِهِ شُفْعَةُ الْحَاضِرِ فَجَاوَزَهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ سَفَرًا يَئُوبُ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَعَاقَهُ أَمْرٌ يُعْذَرُ فَتَخَلَّفَ لَهُ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا كَانَ تَارِكًا لِشُفْعَتِهِ، أَشْهَدَ عِنْدَ خُرُوجِهِ أَنَّهُ عَلَى شُفْعَتِهِ أَمْ لَا (وَصُدِّقَ إنْ أَنْكَرَ عِلْمَهُ) . الْمُتَيْطِيُّ: وَأَمَّا الْحَاضِرُ الَّذِي لَا يَعْلَمُ بِالِابْتِيَاعِ فَلَا تَنْقَطِعُ شُفْعَتُهُ إلَّا بَعْدَ عَامٍ مِنْ عِلْمِهِ، فَإِنْ قَامَ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ يَطْلُبُ شُفْعَتَهُ وَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ بِالْبَيْعِ فَإِنَّ قَوْلَهُ يُقْبَلُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلِمَ بِذَلِكَ (لَا إنْ غَابَ أَوَّلًا) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 385 مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَالْغَائِبُ عَلَى شُفْعَتِهِ وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِالشِّرَاءِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَذَلِكَ أَحْرَى. (أَوْ أَسْقَطَ لِكَذِبٍ فِي الثَّمَنِ وَحَلَفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا أُخْبِرَ الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ فَسَلَّمَ فَظَهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ دُونَ ذَلِكَ فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا سَلَّمَ إلَّا لِكَثْرَةِ الثَّمَنِ. (أَوْ فِي الْمُشْتَرِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ قِيلَ لَهُ: قَدْ ابْتَاعَ فُلَانٌ نِصْفَ نَصِيبِ شَرِيكِكَ فَسَلَّمَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ ابْتَاعَ جَمِيعَ النَّصِيبِ فَلَهُ الْقِيَامُ أَيْضًا بِشُفْعَتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ النِّصْفِ الَّذِي إنْ أَرَادَهُ الْمُبْتَاعُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ لِي غَرَضٌ فِي أَخْذِ النِّصْفِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بَعْدُ قَائِمَةٌ، فَلَمَّا عَلِمْت أَنَّهُ ابْتَاعَ الْكُلَّ أَخَذْتُ لِارْتِفَاعِ الشَّرِكَةِ وَزَوَالِ الضَّرَرِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: قُلْت: فَإِنْ سَمَّى لِي الْمُشْتَرِيَ فَسَلَّمْت فَإِذَا هُوَ غَيْرُ مَنْ سَمَّى لِي فَبَدَا لِي فَرَجَعْت فِي أَخْذِ شُفْعَتِي قَالَ: ذَلِكَ لَكَ كَائِنًا مَنْ كَانَ الرَّجُلُ. (أَوْ انْفِرَادِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ قِيلَ لَهُ ابْتَاعَهُ فُلَانٌ فَسَلَّمَ فَظَهَرَ أَنَّهُ ابْتَاعَهُ مَعَ آخَرَ، فَلَهُ الْقِيَامُ وَأَخْذُ حِصَّتَيْهِمَا وَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ لِلْوَاحِدِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: لِأَنَّهُ يَقُولُ: إنِّي إنْ أَخَذْتُ مُصَابَ مَنْ لَمْ أُسَلِّمْ لَهُ فَقَطْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 386 تَبَعَّضَ الشِّقْصُ عَلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَهُ يَضِيقُ لِقِلَّتِهِ. (أَوْ أَسْقَطَ وَصِيٌّ أَوْ أَبٌ بِلَا نَظَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلِلصَّغِيرِ الشُّفْعَةُ يَقُومُ بِهَا أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا فَالْإِمَامُ يَنْظُرُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَا وَصِيَّ وَهُوَ بِمَوْضِعٍ لَا سُلْطَانَ فِيهِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا بَلَغَ، وَلَوْ سَلَّمَ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ سُلْطَانٍ شُفْعَةَ الصَّبِيِّ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَا قِيَامَ لَهُ إنْ كَبِرَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ فَلَمْ يَأْخُذْ لَهُ بِالشُّفْعَةِ وَلَمْ يَتْرُكْ حَتَّى بَلَغَ الصَّبِيُّ وَقَدْ مَضَى لِذَلِكَ عَشْرُ سِنِينَ فَلَا شُفْعَةَ لِلصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ وَالِدَهُ بِمَنْزِلَتِهِ. ابْنُ عَاتٍ: وَاخْتَلَفَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي سُكُوتِ الْوَصِيِّ مُدَّةً تَنْقَطِعُ فِي مِثْلِهَا الشُّفْعَةُ. اللَّخْمِيِّ: فَإِذَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِلصَّغِيرِ كَانَ الْأَمْرُ فِيهَا لِوَلِيِّهِ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ مِنْ أَخْذٍ وَتَرْكٍ، فَإِنْ رَشَدَ الصَّبِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ مَا تَرَكَ وَلَا تَرْكُ مَا أَخَذَ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَخْذَ لَمْ يَكُنْ مِنْ حُسْنِ النَّظَرِ لِغَلَائِهِ، أَوْ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْمُحَابَاةَ لِمَنْ كَانَ اشْتَرَى فَلِلصَّبِيِّ إذَا رَشَدَ نَقْضُ ذَلِكَ. (وَشَفَعَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِيَتِيمٍ آخَرَ) . عَبْدُ الْمَلِكِ: إنْ بَاعَ الْوَصِيُّ شِقْصًا لِأَحَدِ أَيْتَامِهِ فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لِبَاقِيهِمْ لَا يَدْخُلُ فِيهِمْ مَنْ بِيعَ عَلَيْهِمْ، وَلَا حُجَّةَ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 388 الْوَصِيِّ بِأَنَّهُ بَائِعٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ عَلَى غَيْرِهِ. مُحَمَّدٌ: وَلَوْ كَانَ لَهُ مَعَهُمْ شِقْصٌ لَدَخَلَ فِي تِلْكَ الشُّفْعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ وَيَنْظُرُ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ أَمْضَى. (أَوْ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ وَحَلَفَ وَأَقَرَّ بِهِ بَائِعُهُ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا وَجْهٌ ثَامِنٌ مَنْ تَسْقُطُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، إذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ وَادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَتَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ عُهْدَتَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُشْتَرِي شِرَاءٌ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ. (وَهِيَ عَلَى الْأَنْصِبَاءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْقَضَاءُ إذَا وَجَبَتْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 389 الشُّفْعَةُ لِلشُّرَكَاءِ قُسِمَتْ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ لَا عَلَى عَدَدِهِمْ. قَالَ أَشْهَبُ: لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِشَرِكَتِهِمْ لَا بِعَدَدِهِمْ فَيَجِبُ تَفَاضُلُهُمْ فِيهَا بِتَفَاضُلِ أَصْلِ الشَّرِكَةِ (وَتُرِكَ لِلشَّفِيعِ حِصَّتُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ لِلشَّفِيعِ مِنْهُمْ سَهْمٌ مُتَقَدِّمٌ حَاصَّهُمْ بِهِ فَقَطْ. (وَطُولِبَ بِالْأَخْذِ بَعْدَ اشْتِرَائِهِ) . اللَّخْمِيِّ: لِلْمُشْتَرِي وَقْفُ الشَّفِيعِ عَلَى الْأَخْذِ أَوْ التَّرْكِ فَإِنْ أَبَى جَبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قُلْتُمْ: فَلَهُ مَنْ أَرَادَ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ وَلَمْ يُحْضِرْهُ الثَّمَنَ أَيُتَلَوَّمُ لَهُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: رَأَيْت الْقُضَاةَ عِنْدَنَا يُؤَخِّرُونَ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فِي النَّقْدِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَاسْتَحْسَنَهُ مَالِكٌ وَأَخَذَ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّمَا يُؤَخَّرُ هَكَذَا إذَا أَخَذَ شُفْعَتَهُ فَأَمَّا إذَا أَوْقَفَهُ الْإِمَامُ لِيَأْخُذَ شُفْعَتَهُ فَقَالَ أَخِّرُونِي الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ لِأَنْظُرَ فِي ذَلِكَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَيُقَالُ لَهُ بَلْ خُذْ شُفْعَتَكَ الْآنَ فِي مَقَامِكَ وَإِلَّا فَلَا شُفْعَةَ لَكَ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَمُطَرِّفٌ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: يُؤَخِّرُهُ السُّلْطَانُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ لِيَسْتَشِيرَ وَيَنْظُرَ. (لَا قَبْلَهُ وَلَمْ يَلْزَمْ إسْقَاطٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ الشَّفِيعُ لِلْمُبْتَاعِ قَبْلَ الشِّرَاءِ اشْتَرِ فَقَدْ سَلَّمْت لَكَ الشُّفْعَةَ وَأَشْهَدَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 390 بِذَلِكَ فَلَهُ الْقِيَامُ بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ مَنْ وَهَبَ مَا لَا يَمْلِكُهُ لَمْ تَصِحَّ هِبَتُهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَهَا نَظَائِرُ إسْقَاطُ الْجَائِحَةِ وَالْيَمِينِ فِي دَعْوَى الْقَضَاءِ وَإِذْنُ الزَّوْجَةِ فِي التَّزْوِيجِ عَلَيْهَا وَحَظُّهَا فِي الْمَبِيتِ وَهِبَةُ دَمِهِ وَقَوْلُهُ لَا أَقْبَلُ وَصِيَّةَ مَنْ أَوْصَى لِي وَالْقَذْفُ قَبْلَ أَنْ يَقْذِفَ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ وُجُوبِهِ. (وَلَهُ نَقْصُ وَقْفٍ كَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ دَارٍ وَلَهُ شَفِيعٌ غَائِبٌ فَقَاسَمَ الشَّرِيكَ ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ فَلَهُ نَقْضُ الْقَسْمِ وَأَخْذُهُ، وَلَوْ بَنَى فِيهِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَسْمِ مَسْجِدًا فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ وَهَدْمُ الْمَسْجِدِ، وَلَوْ وَهَبَ الْمُبْتَاعُ مَا اشْتَرَى مِنْ الدَّارِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ لِلشَّفِيعِ إذَا قَدِمَ نَقْضُ ذَلِكَ وَالثَّمَنُ لِلْمَوْهُوبِ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ عَلِمَ أَنَّ لَهُ شَفِيعًا فَكَأَنَّهُ وَهَبَهُ الثَّمَنَ بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقَالَ أَشْهَبُ: الثَّمَنُ لِلْوَاهِبِ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ كَالِاسْتِحْقَاقِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ يَأْخُذُ فَهُوَ يَفْسَخُ مَا بَعْدَهُ. وَقَالَهُ سَحْنُونَ. وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا فَوَهَبَهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ نِصْفَهَا وَأَخَذَ بَاقِيهَا بِالشُّفْعَةِ فَثَمَنُ النِّصْفِ الْمُسْتَشْفَعِ لِلْوَاهِبِ بِخِلَافِ مَنْ وَهَبَ شِقْصًا ابْتَاعَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ شَفِيعًا هَذَا وَهَبَ ثَمَنَهُ لِلْمَوْهُوبِ إذَا أَخَذَهُ الشَّفِيعُ (وَالثَّمَنُ لِمُعْطَاهُ إنْ عَلِمَ شَفِيعُهُ) اُنْظُرْ هَذَا الشَّرْطَ وَالْمَسْأَلَةُ إنَّمَا هِيَ مَفْرُوضَةٌ فِي شِقْصٍ وَتَقَدَّمَ نَصُّهَا: " الثَّمَنُ لِلْمَوْهُوبِ أَوْ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ "؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ عَلِمَ أَنَّ لَهُ شَفِيعًا خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 391 وَمُخْتَارِ ابْنِ الْمَوَّازِ (لَا إنْ وَهَبَ دَارًا فَاسْتُحِقَّ نِصْفُهَا) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: إذَا اُسْتُحِقَّ نِصْفُهَا وَشَفَعَ بِثَمَنِ النِّصْفِ الْمُسْتَشْفَعِ لِلْوَاهِبِ. (وَمُلِكَ بِحُكْمٍ أَوْ دَفْعِ ثَمَنٍ أَوْ إشْهَادٍ) ابْنُ شَاسٍ: يَمْلِكُ الْأَخْذَ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمُشْتَرِي وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ عِنْدَ الطَّلَبِ وَبِمُجَرَّدِ الْإِشْهَادِ. ابْنُ عَرَفَةَ: تَبِعَ فِي هَذَا الْغَزَالِيَّ لِظَنِّهِ مُوَافَقَتَهُ لِلْمَذْهَبِ وَهَذَا دُونَ بَيَانٍ لَا يَنْبَغِي. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَاسْتُعْجِلَ إنْ قَصَدَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 392 ارْتِيَاءً أَوْ نَظَرًا لِلْمُشْتَرِي إلَّا كَسَاعَةٍ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: مَنْ بَاعَ شِقْصًا فِي حَائِطٍ فَقَالَ الشَّفِيعُ حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ أَيْنَ شُفْعَتِي فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَرَاجَعَهُ السَّائِلُ فَقَالَ: إنْ كَانَ الْحَائِطُ عَلَى سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ فَذَلِكَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا. ابْنُ رُشْدٍ: نَحْوُ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ذَكَرَ الْقَوْلَ بِالتَّأْخِيرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اللَّخْمِيِّ وَالصَّقَلِّيِّ وَالْبَاجِيُّ رِوَايَةً لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ انْتَهَى. اُنْظُرْ نَصَّ الرِّوَايَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَطُولِبَ بِالْأَخْذِ ". (وَلَزِمَ إنْ أَخَذَ وَعَرَفَ الثَّمَنَ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ لُزُومِ أَخْذِ الشَّفِيعِ عِلْمُهُ بِالثَّمَنِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ بَعْدَ الشِّرَاءِ اشْهَدُوا أَنِّي أَخَذْت بِشُفْعَتِي ثُمَّ رَجَعَ، فَإِنْ عَلِمَ الثَّمَنَ قَبْلَ أَخْذِهِ لَزِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ. اللَّخْمِيِّ: قَوْلُهُ " لَهُ أَنْ يَرْجِعَ " ظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُ الْأَخْذَ قَبْلَ مَعْرِفَتِهِ بِالثَّمَنِ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: إنَّهُ فَاسِدٌ وَيُجْبِرُهُ عَلَى رَدِّهِ. (فَبِيعَ عَلَيْهِ لِلثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي إنْ سَلَّمَ بِأَنْ سَكَتَ فَلَهُ نَقْضُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ وَقَفَهُ الْحَاكِمُ فَقَالَ أَخَذْت وَقَالَ الْمُشْتَرِي سَلَّمْتُ فَعَجَزَ عَنْ الثَّمَنِ بِيعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَالِهِ وَالثَّمَنُ وَلَا رَدَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْأَخْذِ وَالتَّسْلِيمِ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا، وَإِنْ سَكَتَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقُلْ سَلَّمْتُ فَأَجَّلَهُ الْحَاكِمُ فِي الثَّمَنِ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ إلَى الْأَجَلِ فَلِلْمُشْتَرِي بَيْعُ مَالِ الشَّفِيعِ أَوْ أَخْذُ شِقْصِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 393 (وَإِنْ قَالَ آخُذُ أُجِّلَ ثَلَاثًا لِلنَّقْدِ وَإِلَّا سَقَطَتْ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا: " وَطُولِبَ بِالْأَخْذِ بَعْدَ اشْتِرَائِهِ ". (وَإِنْ اتَّحَدَتْ الصَّفْقَةُ وَتَعَدَّدَتْ الْحِصَصُ وَالْبَائِعُ لَمْ تُبَعَّضْ كَتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ ثَلَاثَةَ أَشْقَاصٍ مِنْ دَارٍ أَوْ دُورٍ فِي بَلَدٍ أَوْ بُلْدَانٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ رِجَالٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ وَاحِدٌ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا الْجَمِيعَ أَوْ يُسَلِّمَ. وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَى مِنْ أَحَدِهِمْ حِصَّتَهُ فِي نَخْلٍ وَمِنْ آخَرَ حِصَّتَهُ فِي قَرْيَةٍ وَمِنْ آخَرَ حِصَّتَهُ فِي دَارٍ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ كَانَ بَائِعُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدًا وَشَفِيعُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدًا، فَإِمَّا أَخَذَ الْجَمِيعَ أَوْ سَلَّمَ. وَلَوْ ابْتَاعَ ثَلَاثَةٌ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ ثَلَاثَةٍ صَفْقَةً وَالشَّفِيعُ وَاحِدٌ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَحَدِهِمْ دُونَ الْآخَرِ وَلْيَأْخُذْ الْجَمِيعَ أَوْ يَدَعْ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَحَدِهِمْ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: الصَّحِيحُ كَلَامُ أَشْهَبَ انْتَهَى. فَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ عَلَى الْأَصَحِّ إنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَوْ لَمْ يَخْتَصِرْ عَلَى نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ وَحِينَئِذٍ كَانَ يُشِيرُ بِالْأَصَحِّ لِقَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الصَّحِيحُ. وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ اشْتَرَى مِنْ أَحَدِهِمْ حِصَّتَهُ فِي نَخْلٍ وَمِنْ آخَرَ حِصَّتَهُ فِي قَرْيَةٍ إلَخْ. مَعَ قَوْلِهِ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 394 لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلَانِ سِلْعَتَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ ". (وَكَأَنْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ ابْتَاعَ شِقْصًا لَهُ شَفِيعَانِ فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا، فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ إذَا أَبَى عَلَيْهِ الْمُبْتَاعُ. فَإِمَّا أَخَذَ الْجَمِيعَ أَوْ تَرَكَ، وَإِنْ شَاءَ هَذَا الْقَائِمُ أَخَذَ الْجَمِيعَ فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَقُولَ لَا تَأْخُذْ إلَّا بِقَدْرِ حِصَّتِكَ. (أَوْ غَابَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ شِقْصًا مِنْ دَارٍ لَهُ شُفَعَاءُ غُيَّبٌ إلَّا وَاحِدًا حَاضِرًا فَأَرَادَ أَخْذَ الْجَمِيعِ وَمَنَعَهُ الْمُبْتَاعُ، أَخَذَ حُظُوظَ الْغُيَّبِ أَوْ قَالَ لَهُ الْمُبْتَاعُ خُذْ الْجَمِيعَ وَقَالَ الشَّفِيعُ: لَا آخُذُ إلَّا حِصَّتِي فَإِنَّمَا لِلشَّفِيعِ فِي الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ أَوْ يَتْرُكَ. وَإِنْ قَالَ الشَّفِيعُ أَنَا آخُذُ حِصَّتِي فَإِذَا قَدِمَ أَصْحَابِي فَإِنْ أَخَذُوا شُفْعَتَهُمْ وَإِلَّا أَخَذْت، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. أَمَّا أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ أَوْ يَدَعَ فَإِنْ سَلَّمَ فَلَا أَخْذَ لَهُ مَعَ أَصْحَابِهِ إنْ قَدِمُوا وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الْجَمِيعَ أَوْ يَدَعُوا، فَإِنْ سَلَّمُوا إلَّا وَاحِدًا قِيلَ لَهُ خُذْ الْجَمِيعَ أَوْ دَعْ، وَلَوْ أَخَذَ الْحَاضِرُ الْجَمِيعَ ثُمَّ قَدِمُوا فَلَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا كُلُّهُمْ مَعَهُ إنْ أَحَبُّوا، وَالصَّغِيرُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَأْخُذُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ كَالْغَائِبِ وَبُلُوغُهُ كَقُدُومِ الْغَائِبِ. (أَوْ أَرَادَهُ الْمُشْتَرِي) اُنْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى هَذَا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهُ الْمُبْتَاعُ خُذْ الْجَمِيعَ وَقَالَ الشَّفِيعُ لَا آخُذُ إلَّا حِصَّتِي فَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ أَوْ يَتْرُكَ، فَيَبْقَى النَّظَرُ إنْ وَافَقَ الْمُبْتَاعُ الشَّفِيعَ عَلَى أَخْذِ حِصَّتِهِ خَاصَّةً هَلْ يَمْنَعُ أَحَدٌ هَذَا (وَلَمِنْ حَضَرَ حِصَّتُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ أَخَذَ الْحَاضِرُ الْجَمِيعَ ثُمَّ قَدِمُوا فَلَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا كُلُّهُمْ مَعَهُ إنْ أَحَبُّوا فَيَأْخُذُوا بِقَدْرِ مَا كَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 395 لَهُمْ مِنْ شُفْعَتِهِمْ (وَهَلْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي فَقَطْ كَغَيْرِهِ وَلَوْ أَقَالَهُ وَأَنْ يُسَلِّمَ قَبْلَهَا تَأْوِيلَانِ) أَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَاضِرِ إذَا أَخَذَ الْجَمِيعَ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ أَشْهَبُ: إذَا غَابَ الشُّفَعَاءُ إلَّا وَاحِدًا فَأَخَذَ جَمِيعَ الشُّفْعَةِ ثُمَّ جَاءَ أَحَدُ الْغُيَّبِ كَانَ مُخَيَّرًا فِي كَتْبِ عُهْدَتِهِ إنْ شَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ شَاءَ عَلَى الشَّفِيعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْأَخْذِ فَهُوَ كَمُشْتَرٍ مِنْ الْمُشْتَرِي. فَقِيلَ: إنَّ قَوْلَ أَشْهَبَ هَذَا هُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنَّهُ لَا يَكْتُبُ عُهْدَةً عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي بِصَحِيحٍ، وَالصَّوَابُ أَنَّ قَوْلَ أَشْهَبَ مُفَسِّرٌ لِمَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ غَيْرِهِ أَنَّ عُهْدَتَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَوْلًا وَاحِدًا، فَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ عُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ سَوَاءٌ أَخَذَهَا مِنْ يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ. هَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ. وَإِذَا بَاعَ الْمُبْتَاعُ الشِّقْصَ أَخَذَ الشَّفِيعُ مِمَّنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَكَتَبَ عُهْدَتَهُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ إذَا أَقَالَهُ هَلْ تَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ؟ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى شِقْصًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 396 ثُمَّ اسْتَقَالَ مِنْهُ فَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ بِعُهْدَةِ الْبَيْعِ وَتَبْطُلُ الْإِقَالَةُ، وَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ بِعُهْدَةِ الْإِقَالَةِ وَالْإِقَالَةُ عِنْدَ مَالِكٍ بَيْعٌ حَادِثٌ إلَّا فِي هَذَا. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَجَعَلَهُ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هَرَبَ مِنْ الْعُهْدَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: وَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَلَوْ قَالَهُ قَائِلٌ لَمْ أَعِبْهُ وَلَكِنَّ الِاسْتِحْسَانَ أَنْ لَا تَكُونَ لَهُ شُفْعَةٌ إلَّا عَلَى الْمُشْتَرِي لِفِرَارِهِ مِنْ الْعُهْدَةِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَسْلَمَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْمُسَلَّمُ قَبْلَ الْإِقَالَةِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَأَمَّا إنْ سَلَّمَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الْإِقَالَةِ ثُمَّ تَقَايَلَ الْمُتَبَايِعَانِ فَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ بِعُهْدَةِ الْإِقَالَةِ مِنْ الْبَائِعِ وَيَصِيرُ بَيْعًا حَادِثًا لِزَوَالِ التُّهْمَةِ. (وَقُدِّمَ مُشَارِكُهُ فِي السَّهْمِ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ كَانَ فِي الشُّرَكَاءِ مَنْ لَهُ شِرْكٌ أَخَصُّ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْإِشْرَاكِ فَهُوَ أَشْفَعُ وَأَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَهُ شِرْكٌ أَعَمُّ، وَذَلِكَ كَأَهْلِ الْمُوَرِّثِ الْوَاحِدِ يَتَشَافَعُونَ بَيْنَهُمْ دُونَ الشُّرَكَاءِ الْأَجَانِبِ، ثُمَّ أَهْلُ السَّهْمِ الْوَاحِدِ أَوْلَى مِنْ بَقِيَّةِ أَهْلِ الْمِيرَاثِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ صَاحِبِ شِرْكٍ أَخَصُّ فَهُوَ أَشْفَعُ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ فَيَشْفَعَ صَاحِبُ الشِّرْكِ الَّذِي يَلِيهِ أَعْنِي الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ، فَإِنْ سَلَّمَ الْآخَرُ شَفَعَ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ. وَانْظُرْ لَوْ بَاعَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ مِنْ الْمُبْتَاعِ أَوْ وَهَبَهَا لَهُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ التَّسْلِيمِ فِي كُلِّ الْأَوْجُهِ الشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ لِلْأَبْعَدِ. الْبُرْزُلِيِّ: وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نُظَرَاءُ مِنْهَا مَنْ خَالَعَتْهُ عَلَى إسْقَاطِ الْحَضَانَةِ وَلَهَا أُمٌّ، مَفْهُومُ، إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ حَقَّ الْأُمِّ لَا يَسْقُطُ. وَمِنْهَا إذَا زَوَّجَهَا أَجْنَبِيٌّ وَتَعَذَّرَ الْأَقْرَبُ هَلْ يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ لِلْأَبْعَدِ أَوْ لِلسُّلْطَانِ؟ وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَمِنْهَا إذَا جَعَلَ الْخِيَارَ لِلْأُمِّ فِي ابْنَتِهَا فَرَدَّتْهُ لِلْبِنْتِ هَلْ يَمْضِي عَلَى الزَّوْجِ؟ وَمِنْهَا الْعَدْلُ فِي الرَّهْنِ هَلْ يُوصِي بِهِ لِغَيْرِهِ؟ وَكَذَا وَكِيلُ الطَّلَاقِ. (وَإِنْ كَانَتْ لِأَبٍ أَخَذَتْ سُدُسًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ تَرَكَ دَارًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَرِثَتْهُ عَصَبَةٌ فَبَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَبَقِيَّتُهُمْ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الشَّرِيكِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ مُوَرِّثٍ، فَإِنْ سَلَّمُوا فَلِلشَّرِيكِ الْأَخْذُ، وَإِنْ تَرَكَ أُخْتًا شَقِيقَةً وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ فَأَخَذَتْ الشَّقِيقَةُ النِّصْفَ وَأَخَذَتْ الْأُخْتَانِ لِلْأَبِ السُّدُسَ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ فَبَاعَهُ إحْدَى الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ، فَالشُّفْعَةُ بَيْنَ الْأُخْتِ الْأُخْرَى لِلْأَبِ وَبَيْنَ الشَّقِيقَةِ إذْ هُمْ أَهْلُ سَهْمٍ، وَإِنْ بَاعَتْ الشَّقِيقَةُ فَاَللَّوَاتِي لِلْأَبِ أَحَقُّ مِنْ الْعَصَبَةِ، وَإِنْ بَاعَ الْعَصَبَةُ فَهُنَّ كُلُّهُنَّ فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَإِنْ بَاعَ جَمِيعُ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ فَالشَّقِيقَةُ أَحَقُّ مِنْ الْعَصَبَةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا وَرِثَ الْجَدَّتَانِ السُّدُسَ فَبَاعَتْ إحْدَاهُمَا بِالشُّفْعَةِ لِصَاحِبَتِهَا دُونَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 397 وَرَثَةِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُمَا أَهْلُ سَهْمٍ وَاحِدٍ. (وَدَخَلَ عَلَى غَيْرِهِ كَذِي سَهْمٍ عَلَى وَارِثٍ) اُنْظُرْ إنْ كَانَ يَعْنِي بِهَذَا أَنَّ ذَا السَّهْمِ يَدْخُلُ عَلَى الْعَصَبِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا بَاعَ ذُو سَهْمٍ وَلَا شَرِيكَ لَهُ فِي ذَلِكَ السَّهْمِ أَوْ سَلَّمَ شَرِيكُهُ، فَإِنَّ الْعَصَبَةَ وَبَقِيَّةَ ذَوِي السِّهَامِ يَدْخُلُونَ فِي الشُّفْعَةِ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ تَرَكَ ابْنَتَيْنِ وَعَصَبَةً فَبَاعَتْ إحْدَى الِابْنَتَيْنِ فَأُخْتُهَا أَشْفَعُ مِنْ الْعَصَبَةِ؛ لِأَنَّهُمَا أَهْلُ سَهْمٍ، فَإِنْ سَلَّمْت فَالْعَصَبَةُ أَحَقُّ مِمَّنْ شَرِكَهُمْ بِمِلْكٍ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ مُوَرِّثٍ. وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الْعَصَبَةِ فَالشُّفْعَةُ لِبَقِيَّةِ الْعَصَبَةِ وَلِلْبَنَاتِ؛ لِأَنَّ الْعَصَبَةَ لَيْسَ لَهُمْ فَرْضٌ مُسَمًّى. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ: لَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ زَوْجَاتٍ وَجَدَّاتٍ وَإِخْوَةٍ لِأُمٍّ وَعَصَبَةٍ فَبَاعَ إحْدَى الْجَدَّاتِ أَوْ بَعْضُ أَهْلِ السِّهَامِ الْمَفْرُوضَةِ نَصِيبَهُ، فَالشُّفْعَةُ لِبَقِيَّةِ أَشْرَاكِهِ فِي ذَلِكَ السَّهْمِ دُونَ غَيْرِهِمْ. فَإِنْ سَلَّمَ بَقِيَّةُ أَهْلِ السَّهْمِ كَانَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ وَالْعَصَبَةِ سَوَاءً فِي تَحَاصُصِهِمْ فِي هَذَا الْحَقِّ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَنْتَسِبُونَ إلَيْهِ بِالْمَيِّتِ فَلَا فَضْلَ لِأَهْلِ السِّهَامِ عَلَى الْعَصَبَةِ، فَإِنْ سَلَّمَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ فَالشُّرَكَاءُ بَعْدَهُمْ. (وَوَارِثٌ عَلَى مُوصًى لَهُمْ) رَوَى أَشْهَبُ: مَنْ أَوْصَى لِقَوْمٍ بِثُلُثِ حَائِطِهِ أَوْ سَهْمٍ مَعْلُومٍ فَيَبِيعُ بَعْضُهُمْ، أَنَّ شُرَكَاءَهُ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا بَاعَ مِنْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِلْوَرَثَةِ الدُّخُولُ مَعَهُمْ كَالْعَصَبَةِ مَعَ أَهْلِ السِّهَامِ (ثُمَّ الْوَارِثُ) اُنْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى هَذَا (ثُمَّ الْأَجْنَبِيُّ) تَقَدَّمَ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ إنْ سَلَّمَ بَقِيَّةُ أَهْلِ السَّهْمِ كَانَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ وَالْعَصَبَةِ سَوَاءً فَإِنْ سَلَّمُوا فَالشُّرَكَاءُ بَعْدَهُمْ. (وَأَخَذَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 398 بِأَيِّ بَيْعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ شِقْصًا ثُمَّ بَاعَهُ فَتَدَاوَلَتْهُ الْأَمْلَاكُ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِأَيِّ صِفَةٍ شَاءَ وَيُنْقَضُ مَا بَعْدَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالْبَيْعِ الْأَخِيرِ وَثَبَتَتْ الْبُيُوعُ كُلُّهَا (وَعُهْدَتُهُ عَلَيْهِ) . أَشْهَبُ: إنْ تَبَايَعَهُ ثَلَاثَةٌ فَأَخَذَهَا مِنْ الْأَوَّلِ كُتِبَتْ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِ وَدَفَعَ مِنْ ثَمَنِ الشِّقْصِ إلَى الثَّالِثِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا أَدْفَعُ الشِّقْصَ حَتَّى أَقْبِضَ مَا دَفَعْتَ، وَيَدْفَعُ فَضْلًا إنْ كَانَ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ فَضَلَ لِلثَّالِثِ شَيْءٌ مِمَّا اشْتَرَاهُ بِهِ رَجَعَ بِهِ عَلَى الثَّانِي، وَلَيْسَ لِلثَّالِثِ حَبْسُهُ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ بَقِيَّةَ ثَمَنِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِتَمَامِ مَا اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ مِنْهُ. وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الثَّانِي بِعُهْدَتِهِ عَلَيْهِ وَيَثْبُتُ بَيْعُ الْأَوَّلِ وَيُدْفَعُ إلَى الثَّالِثِ مِنْ ثَمَنِ الشِّقْصِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا أَدْفَعُ الشِّقْصَ حَتَّى أَقْبِضَ مَا دَفَعْت وَيَدْفَعُ فَضْلًا إنْ كَانَ لِلثَّانِي، وَإِنْ فَضَلَ لِلثَّالِثِ مِمَّا اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ شَيْءٌ رَجَعَ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ لِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِأَيِّ صَفْقَةٍ شَاءَ وَيُنْقَضُ مَا بَعْدَهَا. (وَلَهُ غَلَّتُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ أَرْضٍ فَزَرَعَهَا فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهَا بِالشُّفْعَةِ وَلَا كِرَاءَ لَهُ وَالزَّرْعُ لِلزَّارِعِ، وَمَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا لَا ثَمَرَ فِيهَا فَاغْتَلَّهَا سِنِينَ فَلَا شَيْءَ لِلشَّفِيعِ مِنْ الْغَلَّةِ. (وَفِي فَسْخِ عَقْدِ كِرَائِهِ تَرَدُّدٌ) . ابْنُ سَهْلٍ: إنْ أَكْرَى الشِّقْصَ مُشْتَرِيهِ ثُمَّ قَامَ الشَّفِيعُ فَأَخَذَهُ، هَلْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ ذَلِكَ الْكِرَاءَ؟ أَفْتَى ابْنُ مُغِيثٍ وَغَيْرُهُ بِعَدَمِ الْفَسْخِ، وَأَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ وَغَيْرُهُ بِالْفَسْخِ. (وَلَا يَضْمَنُ نَقْصَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ غَيْرِهَا: لَا يَضْمَنُ الْمُبْتَاعُ لِلشَّفِيعِ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ فِي الشِّقْصِ مِنْ هَدْمٍ أَوْ حَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ مَا غَارَ مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ وَلَا يَحُطُّ لِلشَّفِيعِ لِذَلِكَ شَيْءٌ إمَّا أَخَذَهُ وَإِمَّا تَرَكَهُ. (وَإِنْ هَدَمَ وَبَنَى فَلَهُ قِيمَتُهُ قَائِمًا وَلِلشَّفِيعِ النَّقْضُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ هَدَمَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ بَنَى قِيلَ لِلشَّفِيعِ خُذْ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَقِيمَةِ مَا عَمَّرَ فِيهَا. قَالَ أَشْهَبُ: يَوْمَ الْقِيَامِ وَلَهُ قِيمَةُ النَّقْضِ الْأَوَّلِ مَنْقُوضًا يَوْمَ الشِّرَاءِ يُحْسَبُ كَمْ قِيمَةُ الْعَرْصَةِ بِلَا بِنَاءٍ وَكَمْ قِيمَةُ النَّقْضِ مَهْدُومًا، ثُمَّ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ وَقَعَ مِنْهُ لِلنَّقْضِ نِصْفُهُ أَوْ ثُلُثُهُ فَهُوَ الَّذِي يُحْسَبُ لِلشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيُحَطُّ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ وَيُقَوَّمُ مَا بَقِيَ مَعَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ قَائِمًا. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَهُوَ قَوْلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 399 مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ (أَمَّا لِغَيْبَةِ شَفِيعِهِ فَقَاسَمَ وَكِيلُهُ أَوْ قَاضٍ عَنْهُ أَوْ تَرَكَ لِكَذِبٍ فِي الثَّمَنِ أَوْ اسْتَحَقَّ نِصْفَهَا) أَمَّا الْغَيْبَةُ وَالِاسْتِحْقَاقُ فَقِيلَ لِابْنِ الْمَوَّازِ: كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُحْدَثَ بِنَاءٌ فِي مُشَاعٍ؟ قَالَ: يَكُونُ قَدْ اشْتَرَى الْجَمِيعَ فَأَنْفَقَ وَبَنَى وَغَرَسَ ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ نِصْفَ ذَلِكَ مُشَاعًا أَوْ يَكُونُ شَرِيكُ الْبَائِعِ غَائِبًا فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي إلَى السُّلْطَانِ يَطْلُبُ الْقَسْمَ، وَالْقَسْمُ عَلَى الْغَائِبِ جَائِزٌ، ثُمَّ لَا يُبْطِلُ ذَلِكَ شُفْعَةَ الْغَائِبِ. وَأَمَّا الْكَذِبُ فِي الثَّمَنِ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي تُتَصَوَّرُ فِي بِنَاءِ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ قَبْلَ قِيَامِ الشَّفِيعِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي كَذَبَ فِي الثَّمَنِ فَتَرَكَ الشَّفِيعُ الْأَخْذَ لِكَثْرَةِ الثَّمَنِ ثُمَّ قَاسَمَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ كَذِبَ الْمُشْتَرِي فِي دَعْوَى الثَّمَنِ يُصَيِّرُهُ مُتَعَدِّيًا فِي بِنَائِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ بِنَاءِ الْغَاصِبِ. (أَوْ حَطَّ مَا حُطَّ لِعَيْبٍ) . ابْنُ شَاسٍ: لَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالشِّقْصِ عَيْبًا بَعْدَ أَخْذِهِ الشَّفِيعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَلَبُ أَرْشٍ، فَإِنْ رَدَّ الشَّفِيعُ عَلَيْهِ رَدَّ هُوَ حِينَئِذٍ عَلَى الْبَائِعِ. وَلَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ، إلَّا أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ مِنْهُ مِنْ الرَّدِّ فَأَخَذَ أَرْشَهُ، فَذَلِكَ الْأَرْشُ مَحْطُوطٌ عَنْ الشَّفِيعِ قَوْلًا وَاحِدًا. (أَوْ هِبَةٍ إنْ حُطَّ عَادَةً أَوْ أَشْبَهَ الثَّمَنَ عَادَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى شِقْصًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ وَضَعَ عَنْهُ الْبَائِعُ تِسْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ أَوْ قَبْلَ نُظِرَ، فَإِنْ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الشِّقْصِ عِنْدَ النَّاسِ مِائَةَ دِرْهَمٍ إذَا تَغَابَنُوا بَيْنَهُمْ أَوْ اشْتَرَوْا بِغَيْرِ تَغَابُنٍ وُضِعَ ذَلِكَ عَنْ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ مَا أَظْهَرَا مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إنَّمَا كَانَ سَبَبًا لِقَطْعِ الشُّفْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ مِائَةً. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ ثَلَاثَمِائَةٍ أَوْ أَرْبَعَمِائَةٍ لَمْ يَحُطَّ الشَّفِيعُ شَيْئًا وَكَانَتْ الْوَضِيعَةُ هِبَةً لِلْمُبْتَاعِ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ حَطَّ عَنْ الْمُبْتَاعِ مَا يُشْبِهُ أَنْ يُحَطَّ فِي الْبُيُوعِ وُضِعَ ذَلِكَ عَنْ الشَّفِيعِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحَطُّ مِثْلُهُ فَهِيَ هِبَةٌ وَلَا يَحُطُّ عَنْ الشَّفِيعِ شَيْئًا. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ. (وَإِنْ اسْتَحَقَّ الثَّمَنَ أَوْ رَدَّ بِعَيْبٍ بَعْدَهَا رَجَعَ الْبَائِعُ بِقِيمَةِ شِقْصِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ شِقْصًا مِنْ دَارٍ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ بِيَدِهِ فَمُصِيبَتُهُ مِنْ بَائِعِ الشِّقْصِ وَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَعُهْدَتِهِ عَلَى الْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ وَجَبَتْ لَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ. قَالَ: فَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ثُمَّ وَجَدَ بَائِعُ الشِّقْصِ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَيَأْخُذُ مِنْ الْمُبْتَاعِ قِيمَةَ الشِّقْصِ وَقَدْ مَضَى الشِّقْصُ لِلشَّفِيعِ بِشُفْعَتِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الَّذِي تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فَسَدَ لِعَيْنِهِ وَالْعَيْبُ لَوْ رَضِيَهُ الْبَائِعُ لَتَمَّ. وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ قَبْلَ قِيَامِ الشَّفِيعِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَلَا شُفْعَةَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ فَقَدْ مَضَتْ الدَّارُ لِلشَّفِيعِ وَرَجَعَ بَائِعُ الشِّقْصِ عَلَى مُبْتَاعِهِ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ كَامِلًا، كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ فِيهِ مِنْ الشَّفِيعِ أَوْ أَقَلَّ، ثُمَّ لَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّفِيعِ إذْ الشُّفْعَةُ كَبَيْعٍ ثَانٍ. (وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مِثْلِيًّا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ شِقْصًا بِحِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا فَاسْتُحِقَّتْ الْحِنْطَةُ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ فُسِخَ الْبَيْعُ وَلَا شُفْعَةَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَنْ ابْتَاعَ الْحِنْطَةَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 400 بِثَمَنٍ فَاسْتُحِقَّتْ بَطَلَ الْبَيْعُ وَرَجَعَ بِالثَّمَنِ وَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهَا. قَالَ فِي رِوَايَةِ الدَّبَّاغِ: وَإِنْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ مَضَى ذَلِكَ وَرَجَعَ بَائِعُ الشِّقْصِ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِمِثْلِ الْحِنْطَةِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَهَذَا غَلَطٌ، بَلْ يَرْجِعُ بَائِعُ الشِّقْصِ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ. وَقَالَهُ سَحْنُونَ. (إلَّا النَّقْدَ بِمِثْلِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ غَصَبَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِهَا شِقْصًا كَانَتْ الشُّفْعَةُ فِيهِ لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ غَرِمَ مِثْلَهَا وَلَمْ يُنْقَضْ الْبَيْعُ. (وَلَمْ يُنْتَقَضْ مَا بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْمُشْتَرِي) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا وَجَدَ الْبَائِعُ عَيْبًا رَدَّهُ وَأَخَذَ قِيمَةَ الشِّقْصِ لِلشَّفِيعِ. وَتَقَدَّمَ نَصُّهَا: مَضَتْ الدَّارُ لِلشَّفِيعِ وَلَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي (وَإِنْ وَقَعَ قَبْلَهَا بَطَلَتْ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ قَبْلَ قِيَامِ الشَّفِيعِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَلَا شُفْعَةَ فِي ذَلِكَ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُبْتَاعُ فِي الثَّمَنِ صُدِّقَ الْمُبْتَاعُ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَا لَا يُشْبِهُ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكِ يَرْغَبُ أَحَدُهُمْ فِي الدَّارِ اللَّاصِقَةِ بِدَارِهِ فَيُثَمِّنَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ. ابْنُ يُونُسَ: لَمْ يَذْكُرْ هُنَا فِي اخْتِلَافِ الشَّفِيعِ وَالْمُبْتَاعِ يَمِينًا. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ ادَّعَى الشَّفِيعُ أَنَّهُ حَضَرَ الْمُبَايَعَةَ فَعَلِمَ أَنَّ الثَّمَنَ أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى الْمُشْتَرِي حَلَفَ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ لَا حَقِيقَةَ عِنْدَهُ لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي يَمِينٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا صَوَابٌ؛ لِأَنَّ إحْلَافَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ ضَرْبٌ مِنْ التُّهَمِ لَا يَلْزَمُ الْيَمِينُ فِيهَا إلَّا لِمَنْ تَلِيقُ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ (بِيَمِينٍ فِيمَا يُشْبِهُ) اُنْظُرْهُ مَعَ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ الْمُتَقَدِّمِ (وَإِلَّا فَالشَّفِيعُ) . ابْنُ رُشْدٍ: إنْ ادَّعَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 401 الْمُشْتَرِي مَا لَا يُشْبِهُ وَأَتَى الشَّفِيعُ بِمَا يُشْبِهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الشَّفِيعِ (وَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَ وَرُدَّ إلَى الْوَسَطِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ أَتَيَا مَعًا بِمَا لَا يُشْبِهُ حَلَفَا وَرُدَّ إلَى الْوَسَطِ فَيَأْخُذُ بِهِ أَوْ يَدَعُ. وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ: حَلَفَ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالْقِيمَةِ (وَإِنْ نَكِلَ مُشْتَرٍ فَفِي الْأَخْذِ بِمَا ادَّعَى أَوْ أَتَى قَوْلَانِ) الَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ: إنْ أَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ وَحَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَالِفِ، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ أَمْكَنَهُ مِنْ دَعْوَاهُ بِنُكُولِهِ فَاسْتَظْهِرْ أَنْتَ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. (وَإِنْ ابْتَاعَ أَرْضًا بِزَرْعِهَا الْأَخْضَرِ فَاسْتَحَقَّ نِصْفَهَا فَقَطْ وَاسْتَشْفَعَ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الزَّرْعِ لِبَقَائِهِ بِلَا أَرْضٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ أَرْضًا بِزَرْعِهَا الْأَخْضَرِ فَاسْتَحَقَّ رَجُلٌ نِصْفَ الْأَرْضِ خَاصَّةً وَاسْتَشْفَعَ فَالْبَيْعُ فِي النِّصْفِ الْمُسْتَحَقِّ بَاطِلٌ وَيَبْطُلُ فِي نِصْفِ الزَّرْعِ لِانْفِرَادِهِ بِلَا أَرْضٍ، وَيَرُدُّ الْبَائِعُ نِصْفَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 402 الثَّمَنِ وَيَصِيرُ لَهُ نِصْفُ الزَّرْعِ وَلِلْمُسْتَحِقِّ نِصْفُ الْأَرْضِ، ثُمَّ بُدِئَ الشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ فِي نِصْفِ الْأَرْضِ الْبَاقِي، فَإِنْ أَحَبَّ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي نِصْفِ الزَّرْعِ شُفْعَةٌ فَذَلِكَ لَهُ، فَإِذَا أَخَذَ رَجَعَ الزَّرْعُ كُلُّهُ إلَى بَائِعِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيَأْخُذُ نِصْفَ الْأَرْضِ بِمَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ بِقِيمَتِهَا مِنْ قِيمَةِ نِصْفِ الزَّرْعِ عَلَى غَرَرِهِ يَوْمَ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ أَخَذَ نِصْفَ الْأَرْضِ بِالشُّفْعَةِ كَمَا وَصَفْنَا رَجَعَ الزَّرْعُ كُلُّهُ لِلْبَائِعِ الَّذِي زَرَعَهُ؛ لِأَنَّهُ صَغِيرٌ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ بِلَا أَرْضٍ وَيَرُدُّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ كُلَّهُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا مَا أَخَذَ الْمُشْتَرِي مِنْ الشَّفِيعِ فِي نِصْفِ الْأَرْضِ، وَعَلَى الْبَائِعِ لِلْمُسْتَحِقِّ كِرَاءُ نِصْفِ الْأَرْضِ الْمُسْتَحَقِّ دُونَ مَا أُخِذَ بِالشُّفْعَةِ إذَا اُسْتُحِقَّ فِي إبَّانِ الزِّرَاعَةِ. ابْنُ يُونُسَ: وَأَنْكَرَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ قَوْلَهُ: " وَرَجَعَ الزَّرْعُ كُلُّهُ لِلْبَائِعِ " وَقَالَ: لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَمَسَّكَ بِنِصْفِ الزَّرْعِ الَّذِي قَابَلَ النِّصْفَ الْمَأْخُوذَ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِضْ فِيهِ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ كَبَيْعٍ مُبْتَدَأٍ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَصْوَبُ. (كَمُشْتَرِي قِطْعَةٍ مِنْ جِنَانٍ بِإِزَاءِ جِنَانِهِ لِيَتَوَصَّلَ لَهُ مِنْ جِنَانِ مُشْتَرِيهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ جِنَانَ الْمُشْتَرِي) قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: سَأَلَنِي ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ رَجُلٍ ابْتَاعَ قَطِيعًا مِنْ جَنَّةِ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى دَارِهِ وَلَا يَكُونَ لَهُ مَدْخَلٌ عَلَى جِنَانِ الْبَائِعِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ جِنَانُ الْمُبْتَاعِ فَجَاوَبْته فِيهَا أَنَّهُ يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَنَا بِالْقَيْرَوَانِ فَأَفْتَيْت فِيهَا بِهَذَا. وَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ: الْبَيْعُ نَافِذٌ وَهِيَ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِالْمُبْتَاعِ (وَرَدَّ الْبَائِعُ نِصْفَ الثَّمَنِ وَلَهُ نِصْفُ الزَّرْعِ وَيُخَيَّرُ الشَّفِيعُ أَوَّلًا بَيْنَ أَنْ يَشْفَعَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: وَيَرُدُّ الْبَائِعُ نِصْفَ الثَّمَنِ وَيَصِيرُ لَهُ نِصْفُ الزَّرْعِ ثُمَّ بُدِئَ الشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ فِي نِصْفِ الْأَرْضِ، فَإِنْ أَحَبَّ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَذَلِكَ لَهُ (أَوْ لَا فَيُخَيَّرُ الْمُبْتَاعُ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ يَسْتَشْفِعْ خُيِّرَ الْمُبْتَاعُ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ فِي يَدَيْهِ مِنْ الصَّفْقَةِ وَأَخْذِ جَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ مِنْ صَفْقَتِهِ مَا لَهُ بَالٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الضَّرَرِ بَيْنَ أَنْ يَتَمَالَكَ بِنِصْفِ الْأَرْضِ وَنِصْفِ الزَّرْعِ وَيَرْجِعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ انْتَهَى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 403 وَانْظُرْ مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَذَا الْبَابِ، الْأَمَةُ الْمُتَزَوِّجَةُ لِحُرٍّ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ فَأَرَادَ السَّيِّدُ بَيْعَ الْأُمِّ وَأَوْلَادِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: زَوْجُهَا أَحَقُّ بِمَا أَعْطَى فِيهِمْ مِنْ غَيْرِهِ. وَانْظُرْ فِي ابْنِ عَرَفَةَ فِي هَذَا الْبَابِ مَنْ بَاعَ عَقَارًا لَهُ فِيهِ شَرِيكٌ بِحَضْرَتِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَنَّ لَهُ ثَمَنَ حَظِّهِ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ بَعْدَ سِنِينَ لَا ثَمَنَ لَهُ، وَإِنَّ مَنْ بَاعَ نِصْفَ شَيْءٍ هُوَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ وَمَعَ الْبَيْعِ عَلَى حَظِّهِ وَحَظِّ شَرِيكٍ. وَانْظُرْ أَيْضًا مَا بِيعَ بِعَيْنٍ فَدُفِعَ عَنْهُ عَرَضٌ وَعَكْسُهُ هَلْ يَشْفَعُ بِمَا دَفَعَ أَوْ بِمَا عَقَدَ كَأَنْ دَفَعَ ذَهَبًا عَنْ وَرِقٍ. ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 404 [كِتَابُ الْقِسْمَةِ] [بَابٌ فِي الْقِسَامِ وَكَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ وَتَمَيُّزِ مَا يُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ] [قِسْمَةُ الْمُهَانَاةِ] وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ: الْأَوَّلُ فِي الْقِسَامِ. الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ. الثَّالِثُ فِي إجْبَارِ مَنْ أَبَى الْقِسْمَةَ وَتَمَيُّزِ مَا يُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ (الْقِسْمَةُ تَهَايُؤٌ فِي زَمَنٍ) . ابْنُ عَرَفَة َ: قِسْمَةُ الْمُهَانَاةِ بِالنُّونِ وَالْيَاءِ هِيَ اخْتِصَاصُ كُلِّ شَرِيكٍ بِمُشْتَرَكٍ فِيهِ عَنْ شَرِيكِهِ زَمَانًا مُعَيَّنًا مِنْ مُتَّحِدٍ أَوْ مُتَعَدِّدٍ يَجُوزُ فِي نَفْسِ مَنْفَعَتِهِ لَا فِي غَلَّتِهِ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: قِسْمَةُ بَيْعٍ وَقِسْمَةُ قِيمَةٍ وَتَعْدِيلٍ وَقِسْمَةُ مُهَايَأَةٍ وَهَذِهِ ضَرْبَانِ: مُهَايَأَةٌ فِي الْأَعْيَانِ وَمُهَايَأَةٌ فِي الْأَزْمَانِ (كَخِدْمَةِ عَبْدٍ) . ابْنُ رُشْدٍ: وَقِسْمَةُ الْمَنَافِعِ لَا تَجُوزُ بِالصَّفْقَةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ أَبَاهَا وَلَا تَكُونُ إلَّا عَلَى الْمُرَاضَاةِ. وَالْمُهَايَأَةِ وَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ: بِالْأَزْمَانِ مِثْلُ أَنْ يَتَّفِقَا أَنْ يَسْتَغِلَّ أَحَدُهُمَا الْعَبْدَ، أَوْ الدَّابَّةَ أَوْ يَسْتَخْدِمَهَا، أَوْ يَسْكُنَ الدَّارَ، أَوْ يَحْرُثَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 405 الْأَرْضَ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ وَالْآخَرُ مِثْلَهَا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَهَذَا يَفْتَرِقُ فِيهِ الِاسْتِغْلَالُ وَالِاسْتِخْدَامُ. الْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ التَّهَايُؤُ فِي الْأَعْيَانِ بِأَنْ يَسْتَخْدِمَ هَذَا عَبْدًا وَهَذَا عَبْدًا أَوْ يَزْرَعَ هَذَا أَرْضًا وَهَذَا أَرْضًا أَوْ يَسْكُنَ هَذَا دَارًا وَهَذَا دَارًا. (شَهْرًا وَسُكْنَى دَارٍ سِنِينَ) . ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا التَّهَايُؤُ فِي الِاسْتِخْدَامِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ فِي الشَّهْرِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَكْثَرُ مِنْ الشَّهْرِ قَلِيلًا. أَمَّا التَّهَايُؤُ فِي الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ فَيَجُوزُ فِيهَا السِّنِينُ الْمَعْلُومَةُ وَالْأَجَلُ الْبَعِيدُ كَكِرَاءٍ لَهُمَا. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا مَأْمُونَةٌ إلَّا أَنَّ التَّهَايُؤَ إذَا كَانَ فِي أَرْضِ الزِّرَاعَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَأْمُونَةً مِمَّا يَجُوزُ فِيهَا النَّقْدُ (كَالْإِجَارَةِ) اُنْظُرْ إنْ كَانَ عَنَى بِهَذَا أَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْأَرْضِ يَكُونُ كَكِرَائِهَا وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّ التَّهَايُؤَ فِيهَا لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِي كِرَائِهِ فَانْظُرْ أَنْتَ مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: " كَالْإِجَارَةِ "، وَانْظُرْ أَيْضًا قَوْلَهُمْ: " إنَّهُ يَجُوزُ التَّهَايُؤُ فِي الِاسْتِخْدَامِ شَهْرًا " وَقَالُوا: إنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مُعَيَّنًا يَعْمَلُ لَهُ بَعْدَ شَهْرٍ لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ خُذْ حِمَارِي اعْمَلْ عَلَيْهِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَتَعْمَلُ لِي عَلَيْهِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَلَوْ قَالَ اعْمَلْ عَلَيْهِ شَهْرًا لِنَفْسِك وَشَهْرًا لِي لَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ إنْ بَدَأَ بِالشَّهْرِ الَّذِي لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ نَقَدَ كِرَاءَ دَابَّةٍ يَرْكَبُهَا إلَى شَهْرٍ، فَإِنْ بَدَأَ بِالشَّهْرِ الَّذِي لِنَفْسِهِ جَازَ. اُنْظُرْ سَمَاعَ أَبِي زَيْدٍ فِي الْأَكْرِيَةِ. (لَا فِي غَلَّةٍ وَلَوْ يَوْمًا) . ابْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ بَيْنَكُمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَقُولَ لَهُ مَا كَسَبَتْ الْيَوْمَ فَلِي وَمَا كَسَبَتْ غَدًا فَلَكَ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ بَيْنَكُمَا. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قَالَ اسْتَخْدِمْهُ أَنْتَ الْيَوْمَ وَأَنَا غَدًا فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ شَهْرًا وَأَنَا شَهْرًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ فِي الْكَسْبِ وَلَا يَوْمٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ سَهَّلَهُ مَالِكٌ فِي الْيَوْمِ وَكَرِهَهُ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ الشَّرِيكَيْنِ فِي الرَّحَا بِمِلْكٍ أَوْ كِرَاءٍ عَادَتُهُمْ أَنْ يَخْدُمَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 406 هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا وَيَسْتَبْدِلُ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا اسْتَغَلَّ فِي يَوْمِهِ. (وَمُرَاضَاةٌ فَكَالْبَيْعِ) . ابْنُ رُشْدٍ: قِسْمَةُ الرِّقَابِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: قِسْمَةُ مُرَاضَاةٍ بِغَيْرِ تَعْدِيلٍ وَلَا تَقْوِيمٍ لَا خِلَافَ أَنَّهَا بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ، وَقِسْمَةُ مُرَاضَاةٍ بَعْدَ تَعْدِيلٍ وَتَقْوِيمٍ الْأَظْهَرُ أَنَّهَا بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ، وَقِسْمَةُ قُرْعَةٍ الْأَظْهَرُ أَنَّهَا حَقٌّ. أَمَّا الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ فَيَصِحَّانِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَفِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمُتَبَايِنَةِ وَفِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إلَّا فِيمَا كَانَ مِنْهُ صِنْفًا وَاحِدًا مُدَّخَرًا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ إلَّا فِي الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ. ابْنُ سَهْلٍ: قِسْمَةُ الْمُرَاضَاةِ وَالْمُهَايَأَةِ دُونَ تَقْوِيمٍ لَا يُقَامُ فِيهَا بِالْغَبْنِ، وَأَمَّا إذَا قِيلَ فِي الْقِسْمَةِ كِتَابُ قِسْمَةٍ وَمُرَاضَاةٍ قِسْمَةٌ وَمُهَايَأَةٌ وَاتِّفَاقٌ بَعْدَ تَقْوِيمٍ وَتَعْدِيلٍ فَلِمَنْ وَجَدَ غَبْنًا أَنْ يَقُومَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْغَبْنَ وَقَعَ فِي التَّقْوِيمِ. (وَقُرْعَةٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 407 وَهِيَ تَمَيُّزُ حَقٍّ) . ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا الْقِسْمَةُ بِالْقُرْعَةِ فَهِيَ الَّتِي يُوجِبُهَا الْحُكْمُ وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ أَبَاهَا جُعِلَتْ تَطْيِيبًا لِأَنْفُسِ الْمُتَقَاسِمَيْنِ، وَلَا تَصِحُّ إلَّا فِيمَا تَمَاثَلَ أَوْ تَجَانَسَ مِنْ الْأُصُولِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ لَا فِيمَا اخْتَلَفَ وَتَبَايَنَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَلَا يُجْمَعُ فِيهَا حَظُّ اثْنَيْنِ فِي الْقَسْمِ. (وَكَفَى قَاسِمٌ لَا مُقَوِّمٌ) اُنْظُرْ هَذَا وَلِلْقَرَافِيِّ مَا نَصُّهُ: لِخَبَرِ ثَلَاثَةٍ: رِوَايَةٌ مَحْضَةٌ، وَشَهَادَةٌ مَحْضَةٌ. وَمُرَكَّبٌ مِنْهُمَا، وَلِهَذَا الْأَخِيرِ صُوَرٌ رَابِعُهَا الْمُقَوِّمُ لِلسِّلَعِ فِي أَرْشِ الْجِنَايَاتِ وَالسَّرِقَاتِ وَالْغُصُوبِ. قَالَ مَالِكٌ: يَكْفِي الْوَاحِدُ فِي الْمُقَوِّمِ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْقِيمَةِ حُكْمُ السَّرِقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ، وَرُوِيَ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُ هَذَا الْقَوْلَ لِأَحَدٍ ثُمَّ قَالَ: وَخَامِسُهَا الْقَاسِمُ قَالَ مَالِكٌ: يَكْفِي الْوَاحِدُ وَالْأَحْسَنُ اثْنَانِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونِسِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ انْتَهَى. ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَأْمُرُ الْقَاضِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 408 بِالْقَسْمِ إلَّا الْمَأْمُونَ الْمَرَضِيَّ وَإِنْ كَانَ اثْنَيْنِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا وَاحِدًا كَفَى. (وَأُجْرَةٌ بِالْعَدَدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَهْلُ مُورَثٍ أَوْ مَغْنَمٍ قَاسِمًا بِرِضَاهُمْ وَأَجْرُ الْقَاسِمِ عَلَى جَمِيعِهِمْ مِمَّنْ طَلَبَ الْقَسْمَ أَوْ أَبَاهُ، وَكَذَلِكَ أَجْرُ كَاتِبِ الْوَثِيقَةِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَكُونُ الْأَجْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى عَدَدِهِمْ لَا عَلَى أَنْصِبَائِهِمْ. الْبَاجِيُّ: وَوَجْهُهُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَقَادِيرِ لَا يُوجِبُ زِيَادَةً فِي فِعْلِ الْقَاسِمِ، بَلْ رُبَّمَا أَثَّرَ قَلِيلُ الْأَنْصِبَاءِ زِيَادَةً فِي الْعَمَلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِثَلَاثَةٍ أَشْرَاكُ أَرْضٍ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهَا وَلِلثَّالِثِ ثُمُنُهَا لَأَثَّرَ الثُّمُنُ لِصِغَرِهِ زِيَادَةً فِي الْعَمَلِ وَلَاحْتَاجَ بِسَبَبِهِ أَنْ يَقْسِمَ الْأَرْضَ كُلَّهَا أَثْمَانًا. وَلَوْ انْقَسَمَتْ عَلَى النِّصْفِ بِأَنْ يَكُونَ لِاثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهَا لَكَانَ الْعَمَلُ وَالْقِسْمَةُ فِيهَا أَقَلَّ، فَإِنْ كَانَ قَلِيلُ الْجُزْءِ يُؤَثِّرُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُؤَثِّرُ كَثِيرُهُ بَطَلَ، أَنْ يَجِبَ عَلَى صَاحِبِ الْجُزْءِ الْكَبِيرِ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ إلَّا عَمَلٌ يَسِيرٌ أَكْثَرُ مِمَّا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْجُزْءِ الْيَسِيرِ وَقَدْ أَثَّرَ عَمَلًا كَثِيرًا فَوَجَبَ اطِّرَاحُ ذَلِكَ وَالِاعْتِبَارُ بِعَدَدِ الرُّءُوسِ وَنَظِيرُ أُجْرَةِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ أُجْرَةُ كَاتِبِ الْوَثِيقَةِ، وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ وَكَنْسُ الْمَرَاحِيضِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالزُّبُولِ وَالْبِئْرِ وَالسَّوَّاقِي بِخِلَافِ التَّقْوِيمِ فِي الْعَبِيدِ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ، وَكَذَلِكَ الْفِطْرَةُ وَالشُّفْعَةُ وَنَفَقَةُ الْعَامِلِ فِي قِرَاضِ مَالَيْنِ وَمَا طُرِحَ خَوْفَ الْغَرَقِ وَالصَّيْدِ يُقْسَمُ عَلَى رُءُوسِ الصَّيَّادِينَ لَا عَلَى رُءُوسِ الْكِلَابِ، وَالْمَشْهُورُ فِي تَعَدُّدِ السَّاعِي. (وَكُرِهَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ لِقَاسِمِ الْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ عَلَى الْقَسْمِ أَجْرًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ قَسَّامُ الْمَغَانِمِ عِنْدِي وَلَوْ كَانَتْ أَرْزَاقُ الْقَسَّامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ جَازَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا إنْ اسْتَأْجَرَ الْقَوْمُ قَاسِمًا لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى جُعْلُ الشُّرَطِ. قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا رِزْقُ الشُّرَطِ عَلَى السُّلْطَانِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ عَلَى الطَّالِبِ فِي إحْضَارِ خَصْمِهِ إلَّا أَنْ يَجِدَ الْمَطْلُوبَ وَيَخْتَفِيَ فَيَكُونَ الْجُعْلُ فِي إحْضَارِهِ عَلَيْهِ. (وَقُسِمَ الْعَقَارُ وَغَيْرُهُ بِالْقِيمَةِ) . ابْنُ رُشْدٍ: يَجُوزُ أَنْ تُقْسَمَ الرِّبَاعُ وَالْأُصُولُ بِالسُّهْمَةِ إذَا عُدِّلَتْ بِالْقِيمَةِ. اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الدَّارَيْنِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا يَسِيرًا مِثْلَ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِائَةً وَالْأُخْرَى تِسْعِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَرِعَا عَلَى أَنَّ مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ الَّتِي قِيمَتُهَا مِائَةٌ أَعْطَى صَاحِبَهُ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا يُتَّفَقُ فِي الْغَالِبِ أَنْ يَكُونَ قِيَمُهُ الدَّارَيْنِ سَوَاءً، اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ فَلَهُ هُنَا كَلَامٌ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 409 (وَأُفْرِدَ كُلُّ نَوْعٍ) . ابْنُ رُشْدٍ: لَا يُجْمَعُ فِي الْقِسْمَةِ بِالسُّهْمَةِ الدُّورُ مَعَ الْحَوَائِطِ وَلَا مَعَ الْأَرْضِينَ وَلَا الْحَوَائِطِ مَعَ الْأَرْضِينَ، وَإِنَّمَا يُقْسَمُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حِدَتِهِ (وَجُمِعَ دُورٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ مَوَاضِعُ الدُّورِ مُخْتَلِفَةً مِمَّا يَتَشَاحُّ النَّاسُ فِيهَا لِعُمْرَانٍ أَوْ غَيْرِهِ قُسِمَتْ كُلُّ دَارٍ عَلَى حِدَتِهَا إلَّا أَنْ يُتَّفَقَ مِنْهَا دَارَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فِي الصِّفَةِ وَالنَّفَاقِ فِي مَوَاضِعِهَا فَتُجْمَعُ الْمُتَّفِقَةُ فِي الْقَسْمِ وَيُقْسَمُ بَاقِيهَا كُلُّ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ. (وَأَقْرِحَةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْأَقْرِحَةُ وَهِيَ الْفَدَادِين إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَوْمٍ فَطَلَبَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُجْمَعَ لَهُ نَصِيبُهُ فِي الْقَسْمِ مِنْهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَتْ بَعْضُهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 410 قَرِيبًا مِنْ بَعْضٍ وَكَانَتْ فِي الْكَرْمِ سَوَاءٌ جُمِعَتْ فِي الْقَسْمِ وَجُعِلَ نَصِيبُ مَحَلِّ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعِ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَحُدَّ لَنَا مَالِكٌ فِي قُرْبِ الْأَرْضِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ حَدًّا، وَأَرَى الْمِيلَ وَشِبْهَهُ قَرِيبًا فِي الْحَوَائِطِ وَالْأَرْضِينَ. وَإِنْ كَانَتْ الْأَقْرِحَةُ مُخْتَلِفَةً وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ أَوْ كَانَتْ فِي الْكَرْمِ سَوَاءً وَبَيْنَهَا تَبَاعُدٌ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ قُسِمَ كُلُّ قَرِيحٍ عَلَى حِدَتِهِ. (وَلَوْ بِوَصْفٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَسِمَا دَارًا غَائِبَةً عَلَى مَا يُوصَفُ لَهُمَا مِنْ بُيُوتِهَا وَسَاحَتِهَا وَيُمَيِّزَا حِصَّتَيْهِمَا مِنْهَا بِالصِّفَةِ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِأَنْصِفَةٍ. (إنْ تَسَاوَتْ قِيمَةً وَرَغْبَةً) تَقَدَّمَ أَنَّ الدُّورَ لَا تُجْمَعُ فِي الْقَسَمِ إلَّا إذَا اتَّفَقَتْ فِي الصِّفَةِ وَالنَّفَاقِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْفَدَادِينِ أَنْ تَكُونَ فِي الْكَرْمِ سَوَاءً وَلَمْ تَبْعُدْ مَسَافَةُ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ. وَفِي الْمُوَطَّأِ: لَا يُقْسَمُ مَا يُسْقَى بِالنَّضْحِ وَالسَّوَّاقِي مَعَ مَا يُسْقَى بِالْعُيُونِ، وَلَا يُقْسَمُ الْبَعْلُ مَعَ السَّقْيِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا أَنْ يَجْمَعُوهُ فِي الْقَسْمِ فَذَلِكَ لَهُمْ. قَالَ سَحْنُونَ: وَذَلِكَ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ وَلَا يَصْلُحُ بِالْقُرْعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ وَيَصِيرُ كَمَنْ جَمَعَ حِمَارًا أَوْ فَرَسًا فِي الْقَسْمِ. (وَتَقَارَبَتْ كَالْمِيلِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: أَرَى الْمِيلَ وَشِبْهَهُ قَرِيبًا فِي الْحَوَائِطِ وَالْأَرْضِينَ. (وَإِنْ دَعَا إلَيْهِ أَحَدُهُمْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا دَعَا أَحَدُ الْأَشْرَاكِ إلَى قَسْمِ مَا يُقْسَمُ مِنْ رَبْعٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ عُرُوضٍ أَوْ غَيْرِهَا وَشَرِكَتُهُمْ بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ جُبِرَ عَلَى الْقَسْمِ مَنْ أَبَاهُ. اُنْظُرْ مَا اُشْتُرِيَ لِلتِّجَارَةِ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: لَا يُقْسَمُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا جُزْءًا وَالْآخَرُ كَذَلِكَ أَوْ بَعْضُهُمْ بَعْدَ بَعْضٍ لَمْ يُجْبَرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْبَيْعِ مَعَ صَاحِبِهِ. وَقَدْ ذَهَبَ ابْنُ رُشْدٍ لِهَذَا فِي رِبَاعِ الْغَلَّاتِ أَنَّ الشَّرِيكَ فِيهَا لَا يُجْبَرُ عَلَى مُقَاوَاتٍ وَلَا عَلَى بَيْعٍ. (وَلَا بَعْلًا وَسَيْحًا) جَوَّزَ فِي الْمُوَطَّأِ قَسْمَ الْبَعْلِ مَعَ مَا يُسْقَى بِالْعُيُونِ سَيْحًا دُونَ نَضْحٍ. الْبَاجِيُّ: هَذَا مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُمَا يُزَكَّيَانِ بِالْعُشْرِ بِخِلَافِ النَّضْحِ الْمُزَكَّى بِنِصْفِ الْعَشْرِ. (إلَّا مَعْرُوفَةً بِالسُّكْنَى فَالْقَوْلُ لِمُفْرَدِهَا وَتُؤُوِّلَتْ بِخِلَافِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَخْبَرَنِي أَهْلُ الْعِلْمِ وَأُرَاهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ دُورًا وَكَانَ وَرَثَتُهُ يَسْكُنُونَ فِي دَارٍ مِنْ دُورِهِ، وَدُورُهُ كُلُّهَا سَوَاءٌ فِي مَوَاضِعِهَا وَتَشَاحَّ النَّاسُ فِيهَا فَتَشَاحَّ الْوَرَثَةُ فِي الدَّارِ الَّتِي يَسْكُنُونَهَا، أَنَّ تِلْكَ الدَّارَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ فِيهَا إذَا كَانَتْ الدُّورُ الَّتِي تَرَكَ الْمَيِّتُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي يَسْكُنُونَهَا، ثُمَّ تُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ بَقِيَّةُ الدُّورُ فَيُجْعَلُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعِ كُلِّ وَاحِدٍ إذَا كَانَتْ مُتَّفِقَةً مُتَقَارِبَةً وَهُوَ رَأْيٌ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَانَتْ الدُّورُ الَّتِي تَرَكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي يَسْكُنُونَهَا لَيْسَ مَعَهَا غَيْرُهَا فِي رَبْضِ كُلِّ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 411 لَجُمِعَتْ فِي الْقَسْمِ وَلَا كَلَامَ لِلْوَارِثِ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا خِلَافُ مَا لِابْنِ حَبِيبٍ. (وَفِي الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا اقْتَسَمَ رَجُلَانِ دَارًا بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الْعُلْوَ وَالْآخَرُ السُّفْلَ جَازَ ذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهَا قَسْمُ الْعُلْوِ مَعَ السُّفْلِ بِالْقُرْعَةِ. وَحَمَلَهَا أَبُو عِمْرَانَ مَرَّةً عَلَى التَّرَاضِي. وَهُوَ نَصُّ ابْنِ الْمَاجِشُونِ. وَمَرَّةً عَلَى الْقُرْعَةِ. (وَأُفْرِدَ كُلُّ صِنْفٍ كَتُفَّاحٍ إنْ احْتَمَلَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ التُّفَّاحُ جِنَانًا عَلَى حِدَةٍ وَالرُّمَّانُ جِنَانًا عَلَى حِدَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَحْمِلُ الْقَسْمَ، فَلْيُقْسَمْ بَيْنَهُمْ كُلُّ جِنَانٍ بِالْقِيمَةِ. (إلَّا كَحَائِطٍ فِيهِ شَجَرٌ مُخْتَلِفَةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَمَّا الْأَشْجَارُ فَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً مِثْلَ تُفَّاحٍ وَرُمَّانٍ وَخَوْخٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَاكِهَةِ وَكُلُّهَا فِي جِنَانٍ وَاحِدٍ مُخْتَلِطَةً، فَإِنَّهُ يُقْسَمُ كُلُّهُ مُجْتَمِعًا بِالْقِيمَةِ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي النَّخْلِ تَكُونُ فِي حَائِطٍ مِنْهُ الْبَرْنِيُّ وَالصَّيْحَانِيُّ وَالْجُعْرُورُ وَأَنْوَاعُ التَّمْرِ، أَنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى الْقِيمَةِ وَيُجْمَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَظُّهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْحَائِطِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا يَصِيرُ فِي حَظِّ أَحَدِهِمْ مِنْ أَلْوَانِ التَّمْرِ. قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: وَالْعَمَلُ فِي هَذَا أَنْ يَبْدَأَ الْقَاسِمُ فَيُقَوِّمَ النَّخْلَ كُلَّهُ بِقِيمَةِ عَدْلٍ، أَوْ يَسْأَلَ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ النَّخْلِ عَمَّا عَرَفَ مِنْ حَمْلِ كُلِّ نَخْلَةٍ، ثُمَّ يَجْمَعُ الْقِيَمَ وَيَقْسِمَهَا عَلَى السِّهَامِ وَيَعْرِفَ مَا يَنُوبُ كُلَّ سَهْمٍ، ثُمَّ يَضْرِبُ بِالسَّهْمِ عَلَى أَيِّ الطَّرَفَيْنِ يَبْدَأُ، فَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ كَتَبَ اسْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشْرَاكِ فِي رُقْعَةٍ وَخَلَّلَهَا فِي دَاخِلِ كُمِّهِ ثُمَّ يُخْرِجُ أَوَّلَ سَهْمٍ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُمْ، ثُمَّ يَبْدَأَ بِالْأَوَّلِ فَيُعْطِيَهُ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا السَّهْمُ شَجَرَةً شَجَرَةً حَتَّى يُكْمِلَ لَهُ قِيمَةَ مَا صَارَ لَهُ، فَإِنْ وَقَعَ بَقِيَّةُ حَقِّهِ فِي بَعْضِ شَجَرَةٍ كَانَ شَرِيكًا فِيهَا بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لَهُ مَعَ الَّذِي يَلِيهِ، ثُمَّ يَصْنَعُ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ كَذَلِكَ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 412 وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ فِي الْأَرْضِ. (أَوْ أَرْضٍ بِشَجَرٍ مُفْتَرِقَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ وَرِثَ قَوْمٌ أَرْضًا فِيهَا شَجَرٌ مُفْتَرِقَةٌ هَاهُنَا شَجَرَةٌ فَأَرَادُوا قِسْمَتَهَا فَلْيَقْتَسِمُوا الْأَرْضَ وَالشَّجَرَ جَمِيعًا إذْ لَوْ قَسَمُوا الْأَرْضَ عَلَى حِدَةٍ وَالشَّجَرَ عَلَى حِدَةٍ صَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ شَجَرَةٌ فِي أَرْضِ صَاحِبِهِ. (وَجَازَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ إنْ جُزَّ وَإِنْ لِكَنِصْفِ شَهْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِقِسْمَةِ الصُّوفِ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ إنْ جَزَّهُ الْآنَ أَوْ إلَى أَيَّامٍ قَرِيبَةٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَيْهَا، وَلَا يَجُوزُ فِيمَا بَعْدُ انْتَهَى نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ. وَفِيهَا: لَا بَأْسَ أَنْ تَشْتَرِيَ زَرْعًا قَدْ اُسْتُحْصِدَ كُلُّ قَفِيزٍ بِكَذَا وَإِنْ كَانَ يَتَأَخَّرُ حَصَادُهُ وَذَرَوْهُ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهَذَا قَرِيبٌ وَانْظُرْ. (وَأَخَذَ وَارِثٌ عَرَضًا وَآخَرُ دَيْنًا إنْ جَازَ بَيْعُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ هَلَكَ وَتَرَكَ عُرُوضًا حَاضِرَةً، وَدُيُونًا عَلَى رِجَالٍ شَتَّى فَاقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ فَأَخَذَ أَحَدُهُمْ الْعُرُوضَ وَأَخَذَ الْآخَرُ الدُّيُونَ عَلَى أَنْ يَتَّبِع الْغُرَمَاءَ، فَإِنْ كَانَ الْغُرَمَاءُ حُضُورًا مُقِرِّينَ وَجَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ جَازَ، وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يُشْتَرَى دَيْنٌ عَلَى غَرِيمٍ غَائِبٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ تَرَكَ دُيُونًا عَلَى رِجَالٍ لَمْ يَجُزْ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَقْتَسِمُوا الرِّجَالَ فَتَصِيرَ ذِمَّةٌ بِذِمَّةٍ، وَلْيَقْتَسِمُوا مَا كَانَ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَسَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: الذِّمَّةُ بِالذِّمَّةِ مِنْ وَجْهِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. (وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا قُطْنِيَّةً وَالْآخَرُ قَمْحًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ اقْتَسَمَا قَمْحًا وَقُطْنِيَّةً فَأَخَذَ هَذَا الْحِنْطَةَ وَأَخَذَ هَذَا الْقُطْنِيَّةَ يَدًا بِيَدٍ جَازَ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْقَمْحُ وَهَذِهِ الْقُطْنِيَّةُ زَرْعًا قَدْ بَلَغَ وَطَابَ لِلْحَصَادِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَحْصُدَاهُ مَكَانَهُمَا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَإِنْ وَقَعَ فِي حَصَادِهِ تَأْخِيرٌ دَخَلَهُ بَيْعُ طَعَامٍ بِطَعَامٍ غَيْرِ يَدٍ بِيَدٍ. (وَخِيَارُ أَحَدِهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ اقْتَسَمَا دَارًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ عُرُوضًا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الْخِيَارَ أَيَّامًا يَجُوزُ مِثْلُهَا فِي الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ فَجَائِزٌ (كَالْبَيْعِ) تَقَدَّمَ فِي أَخْذِ أَحَدِهِمَا عَرَضًا وَآخَرُ دَيْنًا أَنَّهُ كَبَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ عَلَى الْغَرِيمِ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ وَإِقْرَارِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَخْذِ أَحَدِهِمَا قُطْنِيَّةً وَالْآخَرُ قَمْحًا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ تَأْخِيرٌ كَالْبَيْعِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْخِيَارِ لِأَحَدِهِمَا أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ. (وَغَرْسُ أُخْرَى إنْ انْقَلَعَتْ شَجَرَتُكَ مِنْ أَرْضِ غَيْرِك إنْ لَمْ تَكُنْ أَضَرَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا انْقَلَعَتْ نَخْلَةٌ لَكَ فِي أَرْضِ رَجُلٍ مِنْ الرِّيحِ أَوْ قَلَعْتهَا أَنْتَ، فَلَكَ أَنْ تَغْرِسَ مَكَانَهَا أُخْرَى. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَكَ أَنْ تَغْرِسَ مَكَانَهَا شَجَرَةً مِنْ سَائِرِ الشَّجَرِ يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَكُونَ أَكْثَرَ انْتِشَارًا وَلَا أَكْثَرَ ضَرَرًا بِالْأَرْضِ مِنْ النَّخْلَةِ وَلَا يَغْرِسُ مَكَانَهَا نَخْلَتَيْنِ. وَسَأَلَ ابْنُ غَانِمٍ مَالِكًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 413 عَنْ حَرِيمِ النَّخْلَةِ فَقَالَ: قَدْرُ مَا يُرَى أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَتَهَا وَيُتْرَكُ مَا أَضَرَّ بِهَا. قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ وَقَدْ قَالُوا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا مِنْ نَوَاحِيهَا كُلِّهَا إلَى عَشَرَةِ أَذْرُعٍ وَذَلِكَ حَسَنٌ. وَسُئِلَ عَنْ الْكَرْمِ أَيْضًا وَعَنْ كُلِّ شَجَرَةٍ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ فَيَكُونُ لِكُلِّ شَجَرَةٍ بِقَدْرِ مَصْلَحَتِهَا. وَسُئِلَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ شَجَرَةٍ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ مَالَتْ فَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْعَمَهَا إلَّا فِي حَرِيمِهَا. (كَغَرْسِهِ بِجَانِبِ نَهَرِكَ الْجَارِي فِي أَرْضِهِ وَحُمِلَتْ فِي طَرْحِ كُنَاسَتِهِ عَلَى الْعُرْفِ وَلَمْ تُطْرَحْ عَلَى حَافَّتَيْهِ أَوْ وَجَدْت سَعَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا كَانَ لَكَ نَهْرٌ مَمَرُّهُ فِي أَرْضِ قَوْمٍ، فَلَيْسَ لَكَ مَنْعُهُمْ أَنْ يَغْرِسُوا بِحَافَّتَيْهِ شَجَرًا، فَإِذَا كَنَسْت نَهَرَكَ حَمَلْت عَلَى سُنَّةِ الْبَلَدِ فِي طَرْحِ الْكُنَاسَةِ، فَإِنْ كَانَ الطَّرْحُ بِضِفَّتَيْهِ لَمْ تَطْرَحْ ذَلِكَ عَلَى أَشْجَارِهِمْ، وَإِنْ أَصَبْت دُونَهَا مِنْ ضِفَّتَيْهِ مُتَّسَعًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبَيْنَ الشَّجَرِ، فَإِنْ ضَاقَ عَنْ ذَلِكَ طَرَحْت فَوْقَ شَجَرِهِمْ إذَا كَانَتْ سُنَّةُ بَلَدِهِمْ طَرْحُ طِينِ النَّهْرِ عَلَى حَافَّتَيْهِ (وَجَازَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 414 ارْتِزَاقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا. (لَا شَهَادَتُهُ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ سَمِعَ الْقَرِينَانِ: إذَا قَدَّمَ الْقَاضِي عَدْلًا لِلْقَسْمِ بَيْنَ قَوْمٍ فَأَخْبَرَهُ بِمَا صَارَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ قَضَى بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يُبَاشِرُهُ الْقَاضِي مِنْ أُمُورِ نَفْسِهِ قَوْلُ مَأْمُورِهِ فِيهِ مَقْبُولٌ عِنْدَهُ. وَلَوْ اخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ بَعْدَ أَنَّ نَفَّذَ بَيْنَهُمْ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ الْقَاسِمُ وَلَمْ يُوجَدْ رَسْمُ أَصْلِ الْقِسْمَةِ الَّتِي قَضَى بِهَا، فَقَوْلُ الْقَاسِمِ وَحْدَهُ فِي ذَلِكَ مَقْبُولٌ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي قَدَّمَهُ لَا عِنْدَ غَيْرِهِ كَمَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَاضِي بَعْدَ عَزْلِهِ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 415 مَا مَضَى مِنْ حُكْمِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهَا: " لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقُسَّامِ فِيمَا قَسَمُوا ". ابْنُ عَرَفَةَ: فِيمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَفَسَّرَ بِهِ الْمُدَوَّنَةَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَلِكَ الْعَاقِدُ وَالْمُحَلِّفُ وَالْكَاتِبُ وَالنَّاظِرُ لِلْعَيْبِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ أَمَرَهُمْ لَا وَحْدَهُمْ وَلَا مَعَ غَيْرِهِمْ كَمَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَعْزُولِ فِيمَا يُذْكَرُ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ وَهُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِ مَالِكٍ. (وَفِي قَفِيزٍ أَخَذَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَيْهِ) . ابْنُ رُشْدٍ: الصُّبْرَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا خِلَافَ فِي قَسْمِهَا عَلَى الِاعْتِدَالِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَعَلَى التَّفْضِيلِ الْبَيِّنِ، كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ أَوْ مِنْ الطَّعَامِ الْمُدَّخَرِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ. وَيَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِالْكَيْلِ الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ وَبِالصَّنْجَةِ الْمَعْلُومَةِ وَالْمَجْهُولَةِ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا إنْ قَسَمَهُ جُزَافًا بِغَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا تَحَرٍّ، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الطَّعَامِ الْمُدَّخَرِ دَخَلَهُ أَيْضًا عَدَمُ الْمُمَاثَلَةِ. وَأَمَّا قَسْمُهُ تَحَرِّيًا فَلَا يَجُوزُ فِي الْمَكِيلِ، وَيَجُوزُ فِي الْمَوْزُونِ. انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ: " يَدْخُلُهُ عَدَمُ الْمُمَاثَلَةِ " إنْ كَانَ يَعْنِي الْمُزَابَنَةَ إذْ قَالَ إنَّهُ يَجُوزُ الْقَسْمُ عَلَى التَّفْضِيلِ الْبَيِّنِ وَقَدْ نَصَّ اللَّخْمِيِّ عَلَى هَذَا أَيْضًا فَقَالَ: إنَّ التَّفَاضُلَ يَجُوزُ فِي الْمُقَاسَمَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَلَوْ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي قَفِيزِ طَعَامٍ فَاقْتَسَمَاهُ الثُّلُثَ وَالثُّلُثَيْنِ جَازَ. قَالَ: وَالتَّرَاخِي أَيْضًا جَائِزٌ. فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ مَا يَقَعُ الْيَوْمَ بَيْنَ الْمُتَزَارِعِينَ أَنْ يَحْمِلَ أَحَدُهُمَا مَا تَصَفَّى مِنْ الزَّرْعِ إلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى لِيَوْمٍ آخَرَ يَحْمِلُ شَرِيكُهُ مِمَّا يَتَصَفَّى بَعْدَ ذَلِكَ إلَى دَارِهِ. وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابَةِ أَيْضًا أَنَّ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا أَنْ يَأْخُذَ النَّجْمَ الْأَوَّلَ بِرِضَا شَرِيكِهِ حَتَّى يَأْخُذَ الشَّرِيكُ النَّجْمَ الْآخَرَ. (لَا إنْ زَادَ كَيْلًا أَوْ عَيْنًا لِدَنَاءَةٍ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهَا تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى بِالنِّسْبَةِ إلَى تَوْزِيعِ اللَّحْمِ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى قِسْمَةِ كَرْمِ الْمُسَاقَاةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ فِي قِسْمَةِ تَمْرِ الْحَائِطِ تَفْضِيلُ أَحَدٍ فِي الْكَيْلِ لِرَدَاءَةِ حَظِّهِ وَلَا التَّسَاوِي فِي الْمِقْدَارِ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ آخِذُ الْجَيِّدِ ثَمَنًا لِصَاحِبِهِ. اللَّخْمِيِّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الْعَفِنَةَ وَيَأْخُذَ الْآخَرُ الصَّحِيحَةَ يَعْنِي بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْعَفِنَةُ دُونَ الصَّحِيحَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِنْ دَارَ فَضْلٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُنِعَ. وَيَبْقَى النَّظَرُ إنْ كَانَ الْأَفْضَلُ الْأَكْثَرَ فَمُنِعَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا صُبْرَةُ قَمْحٍ وَصُبْرَةُ شَعِيرٍ، وَالْقَمْحُ أَكْثَرُ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الْقَمْحَ وَالْآخَرُ الشَّعِيرَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ تَرَكَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ صُبْرَةِ الْقَمْحِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 416 وَاقْتَسَمَا صُبْرَةَ الشَّعِيرِ سَوِيَّةً بَيْنَهُمَا بِالْكَيْلِ جَازَ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ جُزَافًا وَكَأَنَّهُ فِي الْجُزَافِ خَاطَرَهُ فِيهِ بِمَا تَرَكَ لَهُ مِنْ الْقَمْحِ. (وَفِي ثَلَاثِينَ قَفِيزًا وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا أَخَذَ أَحَدُهُمَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَعِشْرِينَ قَفِيزًا إنْ اتَّفَقَ الْقَمْحُ صِفَةً) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي أَخَوَيْنِ وَرِثَا ثَلَاثِينَ إرْدَبَّ قَمْحٍ وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا عَشَرَةَ أَرَادِبَّ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَأَخَذَ الْآخَرُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَعِشْرِينَ إرْدَبًّا: فَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ الْقَمْحُ صُبْرَةً وَاحِدَةً. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ قَاسَمَا ثَلَاثِينَ قَفِيزًا مِنْ قَمْحٍ وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فَأَخَذَ وَاحِدٌ الدَّرَاهِمَ وَعَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ وَأَخَذَ الْآخَرُ عِشْرِينَ قَفِيزًا جَازَ إنْ تَسَاوَى الْقَمْحُ فِي النَّفَاقِ وَالْجُودَةِ وَالْجِنْسِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَأْتِ أَحَدُهُمَا بِطَعَامٍ وَأَتَى الْآخَرُ بِطَعَامٍ وَدَرَاهِمَ فَيَكُونُ فَاسِدًا. وَلَوْ اقْتَسَمَا مِائَةَ قَفِيزِ قَمْحٍ وَمِائَةً شَعِيرًا فَأَخَذَ هَذَا سِتِّينَ قَمْحًا وَأَرْبَعِينَ شَعِيرًا وَأَخَذَ الْآخَرُ سِتِّينَ شَعِيرًا وَأَرْبَعِينَ قَمْحًا فَذَلِكَ جَائِزٌ. اللَّخْمِيِّ: وَلَا يَجُوزُ مِثْلُ هَذَا فِي الْبَيْعِ. وَانْظُرْ إنْ اقْتَسَمَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ قَالَ سَحْنُونَ: قُلْت لَهُ: فَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً هَلَكَتْ وَتَرَكَتْ أَخَاهَا وَزَوْجَهَا وَتَرَكَتْ حُلِيًّا كَثِيرًا وَمَتَاعًا فَكَيْفَ يَقْسِمُهُ؟ قَالَ: أَمَّا الْحُلِيُّ فَلَا يُقْسَمُ إلَّا وَزْنًا. وَقَدْ سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الْقَوْمِ يَرِثُونَ حُلِيًّا فِيهِ الذَّهَبُ فَتَقُولُ أُخْتُهُمْ اُتْرُكُوا لِي هَذَا الْحُلِيَّ وَأَنَا أُعْطِيكُمْ وَزْنَ حَقِّكُمْ ذَهَبًا فَقَالَ: إذَا وَزَنْت ذَلِكَ لَهُمْ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (وَوَجَبَتْ غَرْبَلَةُ قَمْحٍ) الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَعَامٌ مَغْلُوثٌ وَهُوَ صُبْرَةٌ وَاحِدَةٌ جَازَ أَنْ يَقْتَسِمَاهُ. وَانْظُرْ الْكِتَابَ هَلْ يُقْسَمُ قَبْلَ نَفْضِهِ؟ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ جَائِزٌ. قَالُوا: وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَجُوزُ قَسْمُهُ قَبْلَ الدِّبَاغِ. وَانْظُرْ لَوْزَ الْحَرِيرِ الْمَنْقُولُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَسْمُهَا إلَّا بِالْوَزْنِ (كَبَيْعٍ إنْ زَادَ غَلَثُهُ عَلَى الثُّلُثِ وَإِلَّا نُدِبَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُغَرْبِلُ الْقَمْحَ لِلْبَيْعِ وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ. وَنَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ مَا نَصُّهُ: أَمَّا غَرْبَلَةُ الْقَمْحِ مِنْ التِّبْنِ وَالْغَلَثِ فَذَلِكَ عِنْدَ الْبَيْعِ وَاجِبٌ إنْ كَانَ التِّبْنُ وَالْغَلَثُ فِيهِ كَثِيرًا يَقَعُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَيُسْتَحَبُّ إنْ كَانَ التِّبْنُ وَالْغَلَثُ فِيهِ يَسِيرًا. (وَجَمْعُ بَزٍّ وَلَوْ كَانَ كَصُوفٍ وَحَرِيرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَنْ مَاتَ وَتَرَكَ ثِيَابَ خَزٍّ وَحَرِيرٍ وَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَجِبَابًا وَأَكْسِيَةً، أَيُقْسَمُ كُلُّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ أَمْ يُجْعَلُ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْقَسْمِ كَنَوْعٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يُجْمَعَ الْبَزُّ كُلُّهُ فِي الْقَسْمِ فَيُجْعَلَ نَوْعًا وَاحِدًا فَيُقْسَمَ عَلَى الْقِيمَةِ مِثْلُ الرَّقِيقِ عِنْدَ مَالِكٍ نَوْعٌ وَاحِدٌ وَفِيهِمْ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْهَرِمَةُ وَالْجَارِيَةُ الْفَارِهَةُ وَثَمَنُهُمْ مُتَفَاوِتٌ بِمَنْزِلَةِ الْبَزِّ أَوْ أَشَدُّ، فَالْبَزُّ عِنْدِي بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ. وَكَذَلِكَ تُقْسَمُ الْإِبِلُ وَفِيهَا أَصْنَافٌ وَالْبَقَرُ وَفِيهَا أَصْنَافٌ فَتُجْمَعُ كُلُّهَا فِي الْقَسْمِ عَلَى الْقِيمَةِ (لَا كَبَعْلٍ وَذَاتِ بِئْرٍ أَوْ غَرْبٍ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَوْ بَعْلًا ". وَقَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ: لَا يُجْمَعُ الْبَعْلُ مَعَ النَّضْحِ وَلَا مَعَ السَّيْحِ اتِّفَاقًا إلَّا عَلَى رِوَايَةِ النَّخْلَةِ مَعَ الزَّيْتُونَةِ. (وَثَمَرٍ وَزَرْعٍ إنْ لَمْ يَجِدَّهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِقِسْمَةِ الزَّرْعِ قَبْلَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 417 بُدُوِّ صَلَاحِهِ بِالتَّحَرِّي عَلَى أَنْ يَجِدَّاهُ مَكَانَهُمَا إنْ كَانَ يُسْتَطَاعُ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمْ فِي قِسْمَتِهِ تَحَرِّيًا. (كَقَسْمِهِ بِأَصْلِهِ أَوْ قَتًّا أَوْ زَرْعًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا وَرِثَ قَوْمٌ شَجَرًا أَوْ نَخْلًا وَفِيهَا ثَمَرٌ فَلَا يَقْسِمُوا الثِّمَارَ مَعَ الْأَصْلِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ التَّمْرُ طَلْعًا أَوْ بَلَحًا إلَّا أَنْ يَجِدُّوهُ مَكَانَهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ لَا يُقْسَمُ مَعَ الْأَرْضِ وَلَكِنْ تُقْسَمُ الْأَرْضُ وَالْأُصُولُ وَتُتْرَكُ الثَّمَرُ وَالزَّرْعُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَيَحِلَّ بَيْعُهُ فَيَقْسِمُوا حِينَئِذٍ كَيْلًا أَوْ يَبِيعُوهُ وَيَقْسِمُوا ثَمَنَهُ، وَلَا يُقْسَمُ الزَّرْعُ فَدَادِينَ وَلَا مُزَارَعَةً وَلَا قَتًّا وَلَكِنْ كَيْلًا انْتَهَى. الْبَاجِيُّ: مُنِعَ قِسْمَتُهَا مَعَ الطَّلْعِ؛ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا، وَلَا يَجُوزُ قِسْمَتُهَا دُونَ الطَّلْعِ؛ لِأَنَّهَا ثَمَرَةٌ لَمْ تُؤَبَّرْ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَرُ لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ طَلْعًا أَوْ بَلَحًا حُلْوًا فَيَجُوزُ قِسْمَتُهُ مَعَ النَّخْلِ. وَاَلَّذِي لِلْمُتَيْطِيِّ: لَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْأَرْضِ إذَا كَانَ فِيهَا زَرْعٌ مُسْتَكِنٌّ وَلَا وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَكِنٍّ وَكَذَا الثَّمَرَةُ الْمَأْبُورَةُ. (أَوْ فِيهِ فَسَادٌ كَيَاقُوتَةٍ أَوْ كَخُفَّيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: فِي الْجِذْعِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ أَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهُ وَأَبَى ذَلِكَ صَاحِبُهُ: لَا يُقْسَمُ. قَالَ أَشْهَبُ: إنَّمَا الْقَسْمُ فِي غَيْرِ الرِّبَاعِ وَالْأَرْضِينَ فِيمَا لَا يُحَالُ عَنْ حَالِهِ وَلَا يَحْدُثُ بِالْقَسَمِ فِيهِ قَطْعٌ وَلَا زِيَادَةُ دَرَاهِمَ قَالَ مَالِكٌ: وَالثَّوْبُ لَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ الْخُفَّانِ وَالْمِصْرَاعَانِ وَالنَّعْلُ وَالْحَبْلُ وَالْخُرْجُ لَا يُقْسَمُ إذَا أَبَى ذَلِكَ أَحَدُهُمْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْفَصُّ وَالْيَاقُوتَةُ وَاللُّؤْلُؤَةُ وَالْخَاتَمُ هَذَا كُلُّهُ لَا يُقْسَمُ عِنْدَ مَالِكٍ. (أَوْ فِي أَصْلِهِ بِالْخَرْصِ كَالْبَقْلِ إلَّا الثَّمَرَ وَالْعِنَبَ إذَا اخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا ثَمَرُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ فَإِنَّهُ إذَا طَابَ وَحَلَّ بَيْعُهُ وَاحْتَاجَ أَهْلُهُ إلَى قَسْمِهِ، فَإِنْ كَانَ حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ وَاحِدَةً مِثْلَ أَنْ يُرِيدُوا كُلُّهُمْ أَكْلَهُ أَوْ بَيْعَهُ رُطَبًا فَلَا يُقْسَمُ بِالْخَرْصِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ وَاحِدَةً كَانَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ الْمَوْضُوعِ بَيْنَهُمْ فَلَا يُقْسَمُ إلَّا كَيْلًا. قَالَ: وَإِذَا وَرِثَ قَوْمٌ شَجَرًا غَيْرَ النَّخْلِ فَلَا يَقْسِمُوا مَا فِي رُءُوسِهَا إذَا طَابَ بِالْخَرْصِ قَالَ: وَالْفَوَاكِهُ مِنْ الرُّمَّانِ وَالْخَوْخِ وَالْفِرْسِكِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَا يُقْسَمُ بِالْخَرْصِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ أَهْلُهُ، وَإِنَّمَا يُقْسَمُ بِالْخَرْصِ النَّخْلُ وَالْعِنَبُ إنْ اخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِ إلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا وَرِثَ قَوْمٌ بَقْلًا قَائِمًا لَمْ يُعْجِبْنِي أَنْ يَقْتَسِمُوهُ بِالْخَرْصِ وَلْيَبِيعُوهُ وَيَقْسِمُوا ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا كَرِهَ قَسْمَ مَا فِيهِ التَّفَاضُلُ مِنْ الثِّمَارِ بِالْخَرْصِ فَكَذَلِكَ الْبَقْلُ. (إلَّا الثَّمَرَ وَالْعِنَبَ إذَا اخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا ثَمَرُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ فَإِنَّهُ إذَا طَابَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 418 وَحَلَّ بَيْعُهُ، وَاخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِ إلَيْهِ فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَبِيعَ وَآخَرُ يُرِيدُ أَنْ يُثَمِّرَ وَآخَرُ يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ رُطَبًا، فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْخَرْصِ إذَا وَجَدُوا عَالِمًا بِالْخَرْصِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا لَمْ يَطِبْ ثَمَرُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ فَلَا يُقْسَمُ بِالْخَرْصِ وَلَكِنْ يَجُدُّونَهُ إنْ أَرَادُوا ثُمَّ يَقْسِمُونَهُ كَيْلًا (وَإِنْ بِكَثْرَةِ أَكْلٍ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ لَمْ يَبِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَاخْتَلَفَتْ حَاجَتُهُمَا لِفَضْلِ عِيَالِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ جَازَ أَنْ يَقْتَسِمَا بِالْخَرْصِ الْقَدْرَ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَكْثَرُهُمَا عِيَالًا (وَقَلَّ) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَرَاهَةِ الْخَرْصِ فِي الْكَثِيرِ رِوَايَتَا الْبَاجِيِّ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ (وَحَلَّ بَيْعُهُ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: لَا يُقْسَمُ إلَّا إذَا طَابَ وَحَلَّ بَيْعُهُ. (وَاتَّحَدَ مِنْ بُسْرٍ أَوْ رُطَبٍ) . أَشْهَبُ: إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا بُسْرٌ وَرُطَبٌ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ أَحَدِهِمَا الْبُسْرَ وَالْآخَرُ الرُّطَبَ بِالْخَرْصِ وَلْيَقْتَسِمَا كُلًّا مِنْهُمَا بِهِ (لَا ثَمَرٍ) اللَّخْمِيِّ: نَحْوُ هَذَا. وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ إذَا كَانَتْ حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ وَاحِدَةً لَا يُقْسَمُ بِالْخَرْصِ. (وَقُسِمَ بِالْقُرْعَةِ بِالتَّحَرِّي) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَقُرْعَةٌ ". وَقَالَ الْبَاجِيُّ: عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْقُرْعَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهَا تَمْيِيزُ حَقٍّ؛ لِأَنَّ الْمُرَاضَاةَ بَيْعٌ مَحْضٌ لَا تَجُوزُ فِي الْمَطْعُومِ إلَّا بِقَبْضٍ نَاجِزٍ، وَشَرْطُ هَذَا الْقَسْمِ تَسَاوِي الْكَيْلِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ أَفْضَلَ كَالْعِنَبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ يُجْمَعُ عَلَى التَّسَاوِي. انْتَهَى نَصُّ الْبَاجِيِّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّفَاضُلَ جَائِزٌ مَا لَمْ يُدْرَ الْفَضْلُ يَبْقَى النَّظَرُ فِي هَذَا هَلْ يَكُونُ مَمْنُوعًا مِنْ أَجْلِ عَدَمِ تَنَاجُزِ الْقَبْضِ أَوْ يَكُونُ مِثْلَ لَبَنٍ فِي ضَرْعٍ؟ . (كَالْبَلَحِ الْكَبِيرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ قَسْمُ الْبَلَحِ الْكَبِيرِ إذَا اخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِ وَهُوَ كَالْبُسْرِ فِي حُرْمَةِ التَّفَاضُلِ وَمَنْ عَرَفَ حَظَّهُ فَهُوَ قَبْضٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَجُدُّهُ، فَإِنْ جَذَّهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ مَا لَمْ يَتْرُكْهُ حَتَّى يُزْهِي فَإِنْ أَزْهَى بَطَلَ قَسْمُهُ. (وَسَقَى ذُو الْأَصْلِ كَبَائِعِهِ الْمُسْتَثْنِي ثَمَرَتَهُ حَتَّى يُسَلِّمَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا اقْتَسَمَا الثَّمَرَةَ كَمَا وَصَفْنَا بَعْدَ قِسْمَةِ الْأُصُولِ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَقْيُ نَخْلَةٍ وَإِنْ كَانَ ثَمَرُهَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ سَقْيُهُ إذَا بَاعَ ثَمَرَتَهُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: السَّقْيُ هَاهُنَا عَلَى صَاحِبِ الثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ تَمْيِيزُ حَقٍّ. ابْنُ يُونُسَ: مَا قَالَ سَحْنُونَ هُوَ الصَّوَابُ، وَأَمَّا مَنْ بَاعَ أَصْلَ حَائِطِهِ دُونَ ثَمَرَتِهِ فَالسَّقْيُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ لَا يُسَلَّمُ لَهُ الْأَصْلُ حَتَّى يَجُدَّ الْبَائِعُ ثَمَرَتَهُ. وَقَالَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 419 مَالِكٌ (أَوْ فِيهِ تَرَاجُعٌ إلَّا أَنْ يَقِلَّ) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقَسْمُ الْعَقَارِ ". (أَوْ لَبَنٍ فِي ضُرُوعٍ إلَّا لِفَضْلٍ بَيِّنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ اللَّبَنِ فِي الضُّرُوعِ؛ لِأَنَّ هَذَا مُخَاطَرَةٌ، وَأَمَّا إنْ فَضَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَكَانَ إنْ هَلَكَ مَا بِيَدِ هَذَا مِنْ الْغَنَمِ وَرَجَعَ رَجَعَ فِيمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا تَرَكَ لِلْآخَرِ فَضْلًا بِغَيْرِ مَعْنَى الْقَسْمِ. (أَوْ قَسَمُوا بِلَا مَخْرَجٍ مُطْلَقًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اقْتَسَمَا دَارًا يُرِيدُ بِتَرَاضٍ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا دُبُرَ الدَّارِ وَأَعْطَى الْآخَرَ مُقَدَّمَهَا عَلَى أَنْ لَا طَرِيقَ لِصَاحِبِ الْمُؤَخَّرِ عَلَى الْخَارِجِ، جَازَ ذَلِكَ عَلَى مَا شَرَطَا وَرَضِيَا إنْ كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ يُصْرَفُ إلَيْهِ بَابُهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. وَكَذَلِكَ إذَا اقْتَسَمَا عَلَى أَنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا الْغُرَفَ عَلَى أَنْ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي السُّفْلِ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ اقْتَسَمَا أَرْضًا عَلَى أَنْ لَا طَرِيقَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ لَا يَجِدُ طَرِيقًا إلَّا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَسْمِ الْمُسْلِمِينَ. (وَصَحَّتْ إنْ سَكَتَ عَنْهُ وَلِشَرِيكِهِ الِانْتِفَاعُ بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اقْتَسَمُوا السَّاحَةَ وَلَمْ يَذْكُرُوا رَفْعَ الطَّرِيقِ فَوَقَعَ بَابُ الدَّارِ فِي حَظِّ أَحَدِهِمْ وَرَضِيَ بِذَلِكَ صَاحِبُهُ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي أَصْلِ الْقَسْمِ أَنَّ طَرِيقَ كُلِّ حِصَّةٍ وَمَدْخَلَهَا فِيهَا خَاصَّةً فَإِنَّ الطَّرِيقَ بَيْنَهُمَا عَلَى حَالِهَا، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 420 وَمِلْكُ بَابِ الدَّارِ لِمَنْ وَقَعَ فِي حَظِّهِ وَلِبَاقِيهِمْ فِيهِ الْمَمَرُّ. (وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَسْمِ مَجْرَى الْمَاءِ وَقُسِمَ بِالْقِلْدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُقْسَمُ أَصْلُ الْعَيْنِ وَالْآبَارِ وَلَكِنْ يُقْسَمُ شِرْبُهَا بِالْقِلْدِ، وَلَا يُقْسَمُ مَجْرَى الْمَاءِ وَمَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا أَجَازَهُ. ابْنُ حَبِيبٍ: تَفْسِيرُ قِسْمَةِ الْمَاءِ بِالْقِلْدِ إنْ تَحَاكَمُوا فِيهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَسْمِهِ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ رَجُلَيْنِ مَأْمُونَيْنِ أَوْ يَجْتَمِعَ الْوَرَثَةُ عَلَى الرِّضَا بِهِمَا فَيَأْخُذَانِ قِدْرًا مِنْ فَخَّارٍ وَشِبْهِهَا فَيَثْقُبَانِ فِي أَسْفَلِهَا بِمِثْقَبٍ يُمْسِكَانِهِ عِنْدَهُمَا ثُمَّ يُعَلِّقَانِهَا وَيَجْعَلَانِ تَحْتَهَا قَصْرِيَّةً وَيَعُدَّانِ الْمَاءَ فِي جِرَارٍ، ثُمَّ إذَا انْصَدَعَ الْفَجْرُ صَبَّا الْمَاءَ فِي الْقِدْرِ فَسَالَ الْمَاءُ مِنْ الثُّقْبِ فَكُلَّمَا هَمَّ الْمَاءُ أَنْ يَفْرُغَ صَبَّا حَتَّى يَكُونَ سَيْلُ الْمَاءِ مِنْ الثُّقْبِ مُعْتَدِلًا النَّهَارَ كُلَّهُ وَاللَّيْلَ كُلَّهُ إلَى انْصِدَاعِ الْفَجْرِ، فَيُنَحِّيَانِهَا وَيَقْتَسِمَانِ مَا اجْتَمَعَ مِنْ الْمَاءِ عَلَى أَقَلِّهِمْ سَهْمًا كَيْلًا أَوْ وَزْنًا، ثُمَّ يَجْعَلَانِ لِكُلِّ وَارِثٍ قِدْرًا يَحْمِلُ سَهْمَهُ مِنْ الْمَاءِ وَيَثْقُبَانِ كُلَّ قِدْرٍ مِنْهَا بِالْمِثْقَبِ الَّذِي ثَقَبَا بِهِ الْقِدْرَ الْأُولَى، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ السَّقْيَ عَلَى قِدْرِهِ بِمَائِهِ وَصَرَفَ الْمَاءَ كُلَّهُ إلَى أَرْضِهِ فَسَقَى مَا سَالَ الْمَاءُ مِنْ قِدْرِهِ، ثُمَّ كَذَلِكَ بَقِيَّتُهُمْ، ثُمَّ إنْ تَشَاحُّوا فِي التَّبْدِئَةِ اسْتَهَمُوا. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُهُ: " ثُمَّ يُجْعَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ قِدْرًا يَحْمِلُ سَهْمَهُ " فَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ إنْ تَسَاوَتْ أَنْصِبَاؤُهُمْ؛ لِأَنَّ الْقِدْرَ كُلَّمَا كَبُرَتْ ثَقُلَ الْمَاءُ فِيهَا وَقَوِيَ جَرْيُهُ مِنْ الثَّقْبِ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَيْ مَا يَجْرِي مِنْ الصَّغِيرَةِ أَوْ أَكْثَرَ. وَاَلَّذِي أَرَى أَنْ يُقْسَمَ الْمَاءُ بِقَدْرِ أَقَلِّهِمْ سَهْمًا فَيَأْخُذُ صَاحِبُ السَّهْمِ قِدْرًا وَيَأْخُذُ صَاحِبُ الْعَشَرَةِ الْأَسْهُمِ عَشْرَ قُدُورٍ وَهَذَا بَيِّنٌ. وَفِي نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ: لَيْسَ لِلَّذِي تَبْعُدُ أَرْضُهُ عَنْ الْقِلْدِ أَنْ يَقُولَ: لَا تَحْسِبُوا عَلَيَّ الْمَاءَ حَتَّى يَدْخُلَ أَرْضِي؛ لِأَنَّ أَرْضَهُ قَدْ قُوِّمَتْ فِي الْقَسْمِ بِدُونِ مَا قُوِّمَتْ بِهِ الْأَرْضُ الْقَرِيبَةُ مِنْ الْمَاءِ. (كَسُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا) مِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْجِدَارِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يَسْقُطُ: فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى بِنَائِهِ وَيُقَالُ لِلْآخَرِ اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ إنْ شِئْت، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أُمِرَ الْآبِي أَنْ يَبْنِيَ مَعَ صَاحِبِهِ إنْ طَلَبَ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا فَهَدَمَهُ أَوْ انْهَدَمَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى رَدِّهِ فَيَتْرُكُ ذَلِكَ ضَرَرًا جُبِرَ عَلَى رَدِّهِ، وَإِنْ كَانَ يَضْعُفُ عَنْ إعَادَتِهِ عُذِرَ وَقِيلَ لِلْآخَرِ: اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ إنْ شِئْت. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ انْهَدَمَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى إعَادَتِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ هَدَمَهُ هُوَ لِوَجْهِ مَنْفَعَةٍ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ اسْتَغْنَى عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى رَدِّهِ، وَلَوْ هَدَمَهُ لِلضَّرَرِ جُبِرَ عَلَى أَنْ يُعِيدَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: يَتَحَصَّلُ فِي بِنَائِهِ إنْ انْهَدَمَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ فِي الشَّرِكَةِ وَابْنَ يُونُسَ فِي تَرْجَمَةِ جَامِعٍ فِي الْأَبْنِيَةِ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ. وَانْظُرْ ذَلِكَ مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ، وَانْظُرْ مُنْتَخَبَ الْأَحْكَامِ فِي انْتِفَاعِ كِلَيْهِمَا مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 421 جِهَتِهِ مِمَّا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَنْتَفِعَ الْآخَرُ. كَذَلِكَ اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعَرْصَةٌ ". (وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ عَاصِبَيْنِ إلَّا بِرِضَاهُمْ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُجْمَعُ حَظُّ اثْنَيْنِ فِي الْقَسْمِ. ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَعْنَاهُ إنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ سَهْمٍ وَاحِدٍ. اللَّخْمِيِّ: يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ نَصِيبَانِ فِي الْقَسْمِ بِالتَّرَاضِي، وَمَنَعَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْقُرْعَةِ. وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ: الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ يَرِثُونَ الثُّلُثَ يَقُولُ أَحَدُهُمْ اقْسِمُوا حِصَّتِي عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَيُقْسَمُ لَهُ وَلِإِخْوَتِهِ جَمِيعًا الثُّلُثُ ثُمَّ يُقَاسِمُهُمْ بَعْدُ إنْ شَاءَ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي أَهْلِ السَّهْمِ الْوَاحِدِ كَالْبَنَاتِ أَوْ الزَّوْجَاتِ وَنَحْوِهِمْ، وَأَمَّا الْعَصَبَةُ فَثَالِثُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا نَصِيبَهُمْ إنْ أَرَادُوا. (إلَّا مَعَ كَزَوْجَةٍ فَيَجْمَعُوا أَوَّلًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُجْمَعُ حَظُّ رَجُلَيْنِ فِي الْقَسْمِ إلَّا إنْ تَرَكَ زَوْجَةً وَوَلَدًا عَدَدًا أَوْ عَصَبَةً كَذَلِكَ عَدَدًا فَيُقْسَمُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَكَانَ الْبَاقِي لِلْوَلَدِ أَوْ الْعَصَبَةِ (كَذِي سَهْمٍ وَوَرَثَةٍ) قَدْ أَدْخَلَ الْكَافَ عَلَى زَوْجَةٍ فَانْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى هَذَا. (وَكَتَبَ الشُّرَكَاءَ ثُمَّ رَمَى) . ابْنُ عَرَفَةَ: صِفَةُ الْقِسْمَةِ بِالْقُرْعَةِ أَنْ يَحُدَّ الْمَقْسُومَ بِالْقِيمَةِ عَلَى عَدَدِ مَقَامِ أَقَلِّهِمْ جُزْءًا. الْبَاجِيُّ: صِفَتُهَا أَنْ تُقْسَمَ الْعَرْصَةُ عَلَى أَقَلِّ سِهَامِ الْفَرِيضَةِ مَا هُوَ مُقْتَسِمًا وَقُسِمَ بِالذِّرَاعِ وَمَا اخْتَلَفَ قُسِمَ بِالْقِيمَةِ. الْقَاضِي: رُبَّ جَرِيبٍ يَعْدِلُ جَرِيبَيْنِ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى. ابْنُ شَاسٍ: رُبَّمَا كَانَ مِقْدَارٌ مِنْ الْمِسَاحَةِ مِنْ مَوْضِعٍ بِإِزَاءِ ثَلَاثَةِ أَمْثَالِهِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى حَسَبِ قِيَمِ الْأَرْضِ وَمَوَاضِعِهَا، فَمَنْ حَصَلَ لَهُ سَهْمٌ مِنْ طَرَفٍ فَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ حَقِّهِ فَقَدْ اسْتَوْفَاهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ ضَمَّ إلَيْهِ مِمَّا يَلِيهِ تَمَامَ حَقِّهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِيمَةَ إذَا عُرِفَتْ وَعُدِلَتْ عَلَى أَقَلِّ السِّهَامِ نُظِرَ، فَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَى أَنْ يَحْصُلَ لِأَحَدِهِمْ مِنْ طَرَفٍ وَالْبَاقِينَ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ جَازَ، وَإِنْ تَشَاجَرُوا ضُرِبَ بِالسَّهْمِ بَيْنَهُمْ فَمَنْ حَصَلَ لَهُ سَهْمٌ مِنْ جِهَةٍ كَانَتْ لَهُ، فَإِنْ اخْتَلَفُوا بِأَيِّ الْجِهَاتِ يُبْدَأُ فِي الْإِسْهَامِ عَلَيْهِ أَسْهَمَ عَلَى الْجِهَتَيْنِ فَأَيَّتُهَا خَرَجَ سَهْمُهَا أَسْهَمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَصِفَةُ الْقُرْعَةِ أَنْ يَكْتُبَ أَسْمَاءَ الشُّرَكَاءِ فِي رِقَاعٍ وَتُجْعَلَ فِي طِينٍ أَوْ شَمْعٍ ثُمَّ تُرْمَى كُلُّ بُنْدُقَةٍ فِي جِهَةٍ، فَمَنْ حَصَلَ لَهُ اسْمُهُ فِي جِهَةٍ أَخَذَ حَقَّهُ مُتَّصِلًا فِي تِلْكَ الْجِهَةِ (أَوْ كَتَبَ الْمَقْسُومَ وَأَعْطَى كُلًّا لِكُلٍّ) . ابْنُ شَاسٍ: وَقِيلَ: تُكْتَبُ الْأَسْمَاءُ وَالْجِهَاتُ ثُمَّ تُخْرَجُ أَوَّلُ بُنْدُقَةٍ مِنْ الْأَسْمَاءِ ثُمَّ أَوَّلُ بُنْدُقَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ، فَيُعْطَى مَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 422 خَرَجَ اسْمُهُ نَصِيبُهُ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ. (وَمُنِعَ اشْتِرَاءُ الْخَارِجِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ لِأَجْنَبِيٍّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ أَحَدِهِمْ مَا يَخْرُجُ لَهُ بِالسَّهْمِ مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ إذْ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِيهَا، وَإِنَّمَا جَازَ مَا أَخْرَجَ السَّهْمُ فِي تَمْيِيزِ حَظِّ الشَّرِيكِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ عِنْدَ مَالِكٍ بِالْقُرْعَةِ لَيْسَ مِنْ الْبُيُوعِ. (وَلَزِمَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا قَسَمَ الْقَاضِي بَيْنَ قَوْمٍ دُورًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ عُرُوضًا فَلَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمْ مَا أَخْرَجَ السَّهْمُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ قَالَ لَمْ أَظُنَّ أَنَّ هَذَا يَخْرُجُ لِي، فَقَدْ لَزِمَهُ وَقَسْمُ الْقَاسِمِ مَاضٍ كَانَ فِي رَبْعٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَنُظِرَ فِي دَعْوَى جَوْرٍ أَوْ غَلَطٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا قَالُوا لِلْقَاسِمِ غَلِطْت أَوْ لَمْ تَعْدِلْ أَتَمَّ قَسْمَهُ وَنَظَرَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ عَدَلَ أَمْضَاهُ وَإِلَّا رَدَّهُ. وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ قَسْمَ الْقَاسِمِ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْقَاضِي. وَانْظُرْ إذَا قَسَمُوا دَارًا أَوْ أَرْضًا بِقُرْعَةٍ أَوْ بِتَرَاضٍ فَوَجَدَ أَحَدُهُمْ فِي نَصِيبِهِ الْبِئْرَ الْعَادِيَةَ أَوْ الصَّخْرَ أَوْ الْعَدَدَ، نَقَلَ ابْنُ سَهْلٍ فِي الْقِسْمَةِ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ وَحْدَهُ كَمَا لَوْ وَجَدَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا فِي الْوَاضِحَةِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْعُتْبِيَّةِ خِلَافُ ذَلِكَ. (وَحَلَفَ الْمُنْكِرُ فَإِنْ تَفَاحَشَ أَوْ ثَبَتَ نُقِضَ) ابْنُ عَرَفَةَ: دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقَسَمِ دُونَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 423 بَيِّنَةٍ وَلَا تَفَاحُشٍ يُوجِبُ حَلِفَ الْمُنْكِرِ، وَبِأَحَدِهِمَا يُوجَبُ نَقْضُهُ (كَالْمُرَاضَاةِ إنْ أَدْخَلَا مُقَوَّمًا) تَقَدَّمَ هَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 424 عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقُرْعَةٌ وَمُرَاضَاةٌ فَكَالْبَيْعِ ". (وَأُجْبِرَ لَهَا كُلٌّ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقُرْعَةٌ وَهِيَ تَمْيِيزُ حَقٍّ ". (إنْ انْتَفَعَ كُلٌّ) ابْنُ رُشْدٍ: الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا أَنَّ الدَّارَ لَا تُقْسَمُ حَتَّى يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ مِنْ السَّاحَةِ وَالْبُيُوتِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَيَسْتَتِرُ فِيهِ عَنْ صَاحِبِهِ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ فِيهِ فَسَادٌ ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 425 (وَلِلْمَبِيعِ إنْ نَقَصَتْ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مُنْفَرِدًا) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَعْرُوفُ الْحُكْمُ بِبَيْعِ مَا لَا يَنْقَسِمُ بِدَعْوَى شَرِيكٍ فِيهِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَقَيَّدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِنَقْضِ ثَمَنِ حَظِّهِ مُفْرَدًا مِنْ ثَمَنِهِ فِي بَيْعِ كُلِّهِ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا دَعَا أَحَدُ الْأَشْرَاكِ إلَى بَيْعِ مَا لَا يَنْقَسِمُ جُبِرَ عَلَيْهِ مَنْ أَبَاهُ ثُمَّ لِلْآبِي أَخْذُ الْجَمِيعِ بِمَا يُعْطَى فِيهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ شَرِكَتُهُمْ بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ. (لَا كَرَبْعِ غَلَّةٍ) الَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ رِبَاعَ الْغَلَّاتِ لَا يُحْكَمُ بِبَيْعِ حَظِّ مَنْ أَبَى الْبَيْعَ. اُنْظُرْ نَوَازِلَ ابْنَ رُشْدٍ فِي حَمَّامٍ بَيْنَ أَيْتَامٍ وَانْظُرْ التَّنْبِيهَاتِ. (أَوْ اشْتَرَى بَعْضًا) . عِيَاضٌ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ بِالْبَيْعِ فِيمَا وَرِثَ أَوْ اشْتَرَاهُ الْأَشْرَاكُ جُمْلَةً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 426 فِي صَفْقَةٍ، وَمَنْ دَخَلَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَلَا جَبْرَ لَهُ. اُنْظُرْ أَوَّلَ الْبُيُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَتَوَلَّاهُ الْمُشْتَرِي " وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَوْ بَعْلًا ". (وَإِنْ وَجَدَ عَيْبًا بِالْأَكْثَرِ فَلَهُ رَدُّهَا فَإِنْ فَاتَ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ كَهَدْمٍ رَدَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 427 نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبَضَهُ وَمَا سَلِمَ بَيْنَهُمَا وَمَا بِيَدِهِ رَدَّ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَمَا سَلِمَ بَيْنَهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا اقْتَسَمَ شَرِيكَانِ دُورًا أَوْ أَرْضِينَ أَوْ رَقِيقًا أَوْ عُرُوضًا فَوَجَدَ أَحَدُهُمْ بِبَعْضِ مَا أَخَذَ عَيْبًا، فَإِنْ كَانَ وَجْهُ مَا نَابَهُ أَوْ أَكْثَرَهُ رَدَّ الْجَمِيعَ وَابْتَدَأَ بِالْقَسْمِ، فَإِنْ فَاتَ مَا بِيَدِ صَاحِبٍ بِهَدْمٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بِنَاءٍ، الرَّدُّ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ فَيَقْتَسِمَانِ تِلْكَ الْقِيمَةَ مَعَ الْحَاضِرِ الْمَرْدُودِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنْ فَاتَ بَعْضُهُ رَدَّ قِيمَةَ مَا فَاتَ فَكَانَ ذَلِكَ مَعَ مَا لَمْ يَفُتْ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ بَعْضُ النَّصِيبِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْعَيْبُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: لَوْ بَنَى أَحَدُهُمَا فِي حَظِّهِ أَوْ هَدَمَ بَعْدَ الْقَسْمِ ثُمَّ وَجَدَ عَيْبًا فَذَلِكَ فَوْتٌ يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْمَعِيبِ ثَمَنًا عَلَى مَا فَسَّرْنَا (وَإِلَّا رَجَعَ بِنِصْفِ الْمَعِيبِ مِمَّا فِي يَدِهِ ثَمَنًا وَالْمَعِيبُ بَيْنَهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ الْأَقَلَّ رَدَّهُ وَلَمْ يَرْجِعْ فِيمَا بِيَدِ شَرِيكِهِ وَإِنْ لَمْ يَفُتْ إذْ لَمْ يُنْتَقَضْ الْقَسْمُ وَلَكِنْ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ قَدْرَ سُبُعِ مَا بِيَدِهِ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِقِيمَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 428 نِصْفِ سُبُعِ مَا أَخَذَ ثَمَنًا ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ هَذَا الْمَعِيبَ. (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ نِصْفٌ أَوْ ثُلُثٌ خُيِّرَ لَا رُبُعٌ وَفُسِخَتْ فِي الْأَكْثَرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اقْتَسَمَا عَبْدَيْنِ فَأَخَذَ هَذَا عَبْدًا وَهَذَا عَبْدًا فَاسْتَحَقَّ نِصْفَ عَبْدِ أَحَدِهِمَا فَلِلَّذِي اسْتَحَقَّ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبُعِ الْعَبْدِ الَّذِي فِي يَدَيْهِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ فَاتَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبُعِ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبَضَهُ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمَّا اسْتَحَقَّ نِصْفَ مَا صَارَ إلَيْكَ لَمْ يَكُنْ لَك رَدُّ بَاقِيهِ بِخِلَافِ مُبْتَاعِ عَبْدِ يَرُدُّهُ بِاسْتِحْقَاقِ يَسِيرِهِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: لَا يُنْتَقَضُ الْقَسْمُ إلَّا بِاسْتِحْقَاقِ جُلِّ نَصِيبِهِ، فَإِنْ اُسْتُحِقَّ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا لَمْ يُنْتَقَضْ الْقَسْمُ وَرَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبُعِ قِيمَةِ مَا بِيَدِهِ وَلَا يُنْتَقَضُ الْقَسْمُ فِي مِثْلِ هَذَا. ابْنُ يُونُسَ: وَبَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ فُقَهَائِنَا الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ الَّذِي يَتَحَصَّلُ فِي وُجُودِ الْعَيْبِ أَوْ الِاسْتِحْقَاقِ يَطْرَأُ بَعْدَ الْقَسْمِ أَنْ يَنْظُرَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَالرُّبُعِ فَأَقَلَّ رَجَعَ بِحِصَّةِ ذَلِكَ ثَمَنًا، وَإِنْ كَانَ نَحْوَ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ فَيَكُونُ بِحِصَّةِ ذَلِكَ شَرِيكًا فِيمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ وَلَا يُنْقَضُ الْقَسْمُ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ النِّصْفِ اُنْتُقِضَ الْقَسْمُ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 429 التَّحْصِيلُ حَسَنٌ لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يُخَالِفُهُ إلَّا مَسْأَلَةَ الدَّارِ يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا رُبُعَهَا وَالْآخَرُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهَا. اُنْظُرْهُ فِيهِ. (كَطُرُوِّ غَرِيمٍ أَوْ مُوصًى لَهُ بِعَدَدٍ عَلَى وَرَثَةٍ) مُقْتَضَى مَا يَتَقَرَّرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَقٍّ لِلَّهِ. وَقَدْ قَالَ اللَّخْمِيِّ: الْقَوْلُ بِفَسَادِ الْقِسْمَةِ لِطُرُوِّ الدَّيْنِ خَارِجٌ عَنْ الْأُصُولِ، إنَّمَا يُذْكَرُ لِلْمُذَاكَرَةِ وَالْأَصْلُ الْمَعْرُوفُ صِحَّةُ الْقَسَمِ لَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لَا دَيْنٌ وَهُوَ الْغَرِيمُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ الْغَرِيمُ كَوْنَهُ فِي ذِمَّتِهِمْ وَيَقْتَسِمُونَ لَجَازَ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ النَّهْيُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَجُزْ بِرِضَا الْغَرِيمِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَجُوزُ التَّرَاضِي مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ فَلَا يُقَالُ فِيهِ فَاسِدٌ، وَالْفَاسِدُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. فَالرِّبَا حَقٌّ لِلَّهِ لَا يَجُوزُ التَّرَاضِي عَلَيْهِ، وَالتَّدْلِيسُ بِالْعَيْبِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَلَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي لَجَازَ وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ فَاسِدٌ انْتَهَى. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا قَسَمَ الْقَاضِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمْ كَفِيلًا بِالْحَقِّ مِنْ دَيْنٍ، فَإِنْ طَرَأَ دَيْنٌ اُنْتُقِضَتْ الْقِسْمَةُ كَقِسْمَتِهِمْ بِغَيْرِ أَمْرِ قَاضٍ وَهُمْ رِجَالٌ. اللَّخْمِيِّ: وَالْمُوصَى لَهُ بِتَسْمِيَةٍ مِنْ الْعَيْنِ مِثْلُ أَنْ يُوصَى لَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهَا إذَا طَرَأَ عَلَى الْوَرَثَةِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ غَرِيمٍ طَرَأَ عَلَى وَرَثَةٍ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ قَدِمَ مُوصًى لَهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ يَحْمِلُهَا الثُّلُثُ كَانَ كَلُحُوقِ الدَّيْنِ، أَمَّا وَحْدَهُ أَوْ نُقِضَ الْقَسْمُ وَلَا يُجْبَرُوا عَلَى أَدَائِهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَمَالُ الْمَيِّتِ قَائِمٌ، وَمَا هَلَكَ بِأَيْدِيهِمْ مِمَّا أَخَذُوهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ سَبَبِهِمْ لَمْ يَضْمَنُوهُ. (أَوْ عَلَى وَارِثٍ أَوْ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ وَالْمَقْسُومُ كَدَارٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ دُورًا وَلَيْسَ فِيهَا عَيْنٌ فَاقْتَسَمَهَا الْوَرَثَةُ ثُمَّ قَدِمَ وَارِثٌ أَوْ مُوصًى لَهُ بِثُلُثٍ نُقِضَ الْقَسْمُ انْتَهَى. مَا أَظُنُّ أَنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 430 الْمُؤَلِّفَ عَنَى إلَّا هَذَا فَلَوْ قَالَ: " أَوْ وَارِثٌ أَوْ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ عَلَى وَارِثٍ وَالْمَقْسُومُ كَدَارٍ " لَتَنَزَّلَ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ. (وَإِنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا رَجَعَ عَلَى كُلٍّ وَمَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا طَرَأَ وَارِثٌ أَوْ مُوصًى لَهُ بِثُلُثٍ بَعْدَ الْقَسْمِ وَالتَّرِكَةُ عَيْنٌ أَوْ عَرَضٌ فَإِنَّمَا يُتْبِعُ كُلَّ وَارِثٍ بِقَدْرِ مَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ إنْ قَدَرَ عَلَى قَسْمِ مَا بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُتْبِعُ الْمَلِيءَ بِمَا عَلَى الْمُعْدِمِ. وَلَيْسَ كَغَرِيمٍ طَرَأَ عَلَى وَرَثَةٍ وَلَكِنْ كَغَرِيمٍ طَرَأَ عَلَى غُرَمَاءَ، وَقَدْ قَسَمُوا مَالَ الْمَيِّتِ أَجْمَعَ وَأَعْدَمَ بَعْضُهُمْ فَلَا يَتَّبِعُ الْمَلِيءَ إلَّا بِمَا عِنْدَهُ مِنْ حِصَّةٍ فِي الْحِصَاصِ. (إنْ لَمْ يَعْلَمُوا) نَحْوَ هَذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَاللَّخْمِيُّ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ جَهِلَ الْوَرَثَةُ أَنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا بِالدَّيْنِ فَاقْتَسَمُوا فَالْقِسْمَةُ تُرَدُّ إنْ كَانَ مَا اقْتَسَمُوهُ قَائِمًا، وَإِنْ أَتْلَفَ أَحَدُهُمْ حَظَّهُ يُرِيدُ وَأَعْدَمَ فَلِرَبِّ الدَّيْنِ إتْبَاعُ الَّذِي بَقِيَ حَظَّهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ دَيْنَهُ وَبَقِيَ بِيَدِهِ زِيَادَةٌ رُدَّتْ إلَى مَا أَتْلَفَهُ الْوَارِثُ الْآخَرُ وَكَانَ هُوَ التَّرِكَةَ وَيَضْمَنُ كُلُّ وَارِثٍ مَا اُسْتُهْلِكَ، وَلَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ، وَضَمَانُهُ مِنْ جَمِيعِهِمْ. رَاجِعْ ابْنَ يُونُسَ (وَإِذَا دَفَعَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ مَضَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ أَنْ يَفْتَكَّ مَا يُبَاعُ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ بِأَدَاءِ مَا يَنُوبُهُ. وَإِنْ قَالَ وَاحِدٌ: أَنَا أُؤَدِّي جَمِيعَ الدَّيْنِ أَوْ الْوَصِيَّةِ عَيْنًا كَانَتْ أَوْ طَعَامًا وَلَا أُتْبِعُكُمْ بِشَيْءٍ وَلَا تَنْقُضُوا الْقَسْمَ لِرَغْبَتِهِ فِي حَظِّهِ وَقَدْ قَسَمُوا رَبْعًا أَوْ حَيَوَانًا فَذَلِكَ لَهُ (كَبَيْعِهِمْ بِلَا غَبْنٍ) فِي الْمُقَدَّمَاتِ: طُرُوُّ الْغَرِيمِ أَوْ الْمُوصَى لَهُ أَوْ الْوَارِثِ عَلَى التَّرِكَةِ بَعْدَ اقْتِسَامِهَا فِيهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً ثُمَّ قَالَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَضْمَنُونَ بِالْقِسْمَةِ التَّلَفَ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ، وَأَمَّا مَا أَكَلُوهُ وَاسْتَهْلَكُوهُ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَهُ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَضْمَنُونَ بِالْإِحْدَاثِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ؟ فَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَرُدُّوا وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِشَيْءٍ. وَذَهَبَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ إلَى أَنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الدَّيْنِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُحَابَاةٌ فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْهِبَةِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا. وَأَمَّا الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ فَاخْتُلِفَ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِتَلَفِهِ، رَاجِعْ الْمُقَدَّمَاتِ. وَانْظُرْ إنْ كَانَ خَلِيلٌ أَشَارَ إلَى هَذَا (وَاسْتَوْفَى مِمَّا وَجَدَ ثُمَّ تَرَاجَعُوا وَإِنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا) الْمُنَاسِبُ أَنْ أَنْقُلَ هُنَا مَا نَقَلْتُهُ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " إنْ لَمْ يَعْلَمُوا " فَانْظُرْ أَنْتَ ذَلِكَ مَعَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 431 هَذَا وَرَاجِعْ الْفِقْهَ. (وَإِنْ طَرَأَ غَرِيمٌ أَوْ وَارِثٌ أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ مُوصًى لَهُ بِجُزْءٍ لَهُ عَلَى وَارِثٍ أَتْبَعَ كُلًّا بِحِصَّتِهِ) أَمَّا مَسْأَلَةُ طُرُوُّ الْغَرِيمِ أَوْ الْوَارِثِ أَوْ الْمُوصَى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مِنْ الْإِحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: طُرُوُّ الْغَرِيمِ عَلَى الْغُرَمَاءِ. الثَّانِيَةُ: طُرُوُّ الْوَارِثِ عَلَى الْوَرَثَةِ. الثَّالِثَةُ: طُرُوُّ الْمُوصَى لَهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ. حُكْمُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ سَوَاءٌ، وَهُوَ أَنْ يُتْبِعَ الطَّارِئُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا يَنُوبُهُ وَلَا يَأْخُذَ الْمَلِيءَ مِنْهُمْ بِالْمُعْدِمِ، فَإِنْ وَجَدَ بِأَيْدِيهِمْ مَا قَبَضُوا قَائِمًا لَمْ يَفُتْ أَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَجِبُ وَلَمْ تُنْتَقَضْ الْقِسْمَةُ إنْ كَانَ ذَلِكَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عُرُوضًا أَوْ حَيَوَانًا انْتَقَضَتْ الْقِسْمَةُ لِمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ فِي تَبْعِيضِ حَقِّهِ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِلطَّارِئِ مَا يَنُوبُهُ مِمَّا قَبَضَ إنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ؟ رَاجِعْ الْمُقَدَّمَاتِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ ثُلُثٌ خُيِّرَ لَا رُبُعٌ ". وَأَمَّا مَسْأَلَةُ طُرُوُّ الْمُوصَى لَهُ بِجُزْءٍ عَلَى وَارِثٍ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ طُرُوُّ الْمُوصَى لَهُ بِجُزْءٍ عَلَى الْوَرَثَةِ، ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ طُرُوُّ الْوَارِثِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 434 عَلَى الْوَرَثَةِ. (وَأُخِّرَتْ لِحَمْلٍ لَا دَيْنٍ وَفِي الْوَصِيَّةِ قَوْلَانِ) أَمَّا مَسْأَلَةُ الْإِرْثِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ مَاتَ وَتَرَكَ امْرَأَةً وَجَبَ أَنْ لَا يُعَجَّلَ إرْثُهُ حَتَّى تُسْأَلَ، فَإِنْ قَالَتْ: إنَّهَا حَامِلٌ وُقِفَتْ التَّرِكَةُ حَتَّى تَضَعَ أَوْ يَظْهَرَ عَدَمُ حَمْلِهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَلَيْسَ بِهَا حَمْلٌ ظَاهِرٌ، وَإِنْ قَالَتْ: لَا أَدْرِي أُخِّرَ الْإِرْثُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنْ لَا حَمْلَ فِيهَا بِأَنْ تَحِيضَ حَيْضَةً أَوْ يَمْضِيَ أَمَدُ الْعِدَّةِ وَلَا رِيبَةَ حَمْلٍ بِهَا. وَكَذَا إنْ كَانَ وَلَدٌ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ: عَجِّلُوا لِي ثُمُنِي لِتَحَقُّقِهِ لِي لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ انْتَهَى. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الدَّيْنِ فَقَالَ الْبَاجِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ الدَّيْنَ يُؤَدَّى وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ الْوَضْعُ خِلَافًا لِابْنِ أَيْمَنَ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْوَصِيَّةِ فَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهَا لَا تَنْفُذُ حَتَّى تَلِدَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ أَيْضًا وَقَالَهُ ابْنُ مَسْلَمَةَ. قَالَ: لِأَنَّ مَا يَهْلِكُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَمَا يَزِيدُ فَهُوَ مِنْهُ يُرِيدُ فَيَكُونُ الْمُوصَى لَهُ قَدْ اسْتَوْفَى وَصِيَّتَهُ عَلَى غَيْرِ مَا وَرِثَ الْوَرَثَةُ. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 435 تُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ وَيُؤَخَّرُ قَسْمُ الْإِرْثِ حَتَّى تَلِدَ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ. (وَقَسَمَ عَنْ صَغِيرٍ أَبٌ أَوْ وَصِيُّهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ أَنْ يُقَاسِمَ عَنْ الصَّغِيرِ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ الدُّورَ وَالْعَقَارَ أَوْ غَيْرَهَا، مَلَكَ ذَلِكَ بِإِرْثٍ عَنْ أُمِّهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَهُ مَالِكٌ. وَلَا يَقْسِمُ الْوَصِيُّ عَلَى الْأَصَاغِرِ حَتَّى يَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ فَيَقْسِمَ بَيْنَهُمْ إذَا رَآهُ نَظَرًا. وَإِذَا قَاسَمَ لِلصَّغِيرِ أَبُوهُ فَحَابَى لَمْ تَجُزْ مُحَابَاتُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ فِي مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَيَرُدُّ ذَلِكَ إنْ وُجِدَ وَلَمْ تَفُتْ عَيْنُهُ. وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا فَإِنْ فَاتَ ذَلِكَ ضَمِنَهُ الْأَبُ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: الْقِسْمَةُ بِالتَّعْدِيلِ بَيْنَ الْأَيْتَامِ جَائِزَةٌ إذَا ثَبَتَ السَّدَادُ وَلَوْ كَانَتْ بِالْقُرْعَةِ كَانَتْ أَحْسَنَ. (وَمُلْتَقَطٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ قَسْمُ مُلْتَقَطِ اللَّقِيطِ عَلَيْهِ. (كَقَاضٍ عَنْ غَائِبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا وَرِثَ قَوْمٌ دَارًا وَالشَّرِيكُ غَائِبٌ فَأَحَبُّوا الْقَسْمَ فَالْقَاضِي يَلِي ذَلِكَ عَلَى الْغَائِبِ وَيَعْزِلُ حَظَّهُ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الرَّقِيقِ وَجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ. وَانْظُرْ قَدْ نَصُّوا أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَقْسِمَ الْقَاضِي دَارًا هِيَ بِيَدِ اثْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ مِلْكِهَا لَهُمَا، وَيَشْهَدُ الْقَاضِي فِي الْقَضِيَّةِ أَنَّهُ قَسَمَهَا بَيْنَهُمَا عَلَى أَقْدَارِهِمَا. (لَا ذِي شُرْطَةٍ أَوْ كَفَلَ أَخًا) تَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ قَوْلُ ابْنِ سَهْلٍ: كَثِيرٌ مِنْ جُهَّالِ الْمُفْتِينَ يَتَوَهَّمُ أَنْ لَا يَبِيعَ عَلَى الْمَحْجُورِ إلَّا الْقَاضِي ثُمَّ رَشَّحَ أَنَّ مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لِقَرَابَةٍ أَوْ لِحِسْبَةٍ هُوَ كَالْوَصِيِّ يَقْسِمُ لَهُ وَيَبِيعُ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي مَوْلَى اللَّقِيطِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ صَاحِبَ الشُّرْطَةِ الْعَدْلَ فِي أَحْكَامِهِ يَقْسِمُ عَلَى الصِّغَارِ كَالْقَاضِي. رَاجِعْ ابْنَ سَهْلٍ فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ فِي تَرْجَمَةِ الْقَسْمِ بَيْنَ الصِّغَارِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ رَفَعُوا لِصَاحِبِ الشُّرَطِ فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا بِأَمْرِ قَاضٍ. وَمَنْ تَكَفَّلَ أَخًا لَهُ صَغِيرًا أَوْ ابْنَ أَخٍ احْتِسَابًا فَأَوْصَى لَهُ أَحَدٌ بِمَالٍ فَقَامَ فِيهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لَهُ وَلَا قَسْمُهُ. (أَوْ أَبٌ عَنْ كَبِيرٍ وَإِنْ غَابَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ قَسْمُ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ الْكَبِيرِ وَإِنْ غَابَ وَلَا الْأُمِّ عَلَى ابْنِهَا الصَّغِيرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً. (وَفِيهَا قَسْمُ نَخْلَةٍ وَزَيْتُونَةٍ إنْ اعْتَدَلَا وَهَلْ هِيَ قُرْعَةٌ لِلْغَلَّةِ أَوْ مُرَاضَاةٌ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ نَخْلَةٌ وَزَيْتُونَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَهَلْ يَقْتَسِمَانِهِمَا؟ قَالَ: إنْ اعْتَدَلَتَا فِي الْقَسْمِ وَتَرَاضَيَا بِذَلِكَ قَسَمْتُهُمَا بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَرِهَا لَمْ يُجْبَرَا. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُهُ: " تَرَاضَيَا " أَيْ تَرَاضَيَا بَيْنَهُمَا عَلَيْهِمَا فَلِذَلِكَ شَرَطَ الِاعْتِدَالَ. قَالَ سَحْنُونَ: تَرَكَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَهُ: " وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الْقَسْمِ " انْتَهَى مَا لِابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ عِيَاضٌ: وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ مَسْأَلَةَ النَّخْلَةِ وَالزَّيْتُونَةِ عَلَى قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: الْمُرَادُ بِهَا قِسْمَةُ الْمُرَاضَاةِ. انْتَهَى. وَانْظُرْ هَذَا كُلَّهُ مَعَ قَوْلِ خَلِيلٍ: " وَهَلْ هِيَ قُرْعَةٌ لِلْغَلَّةِ " مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " لَا كَحَائِطٍ فِيهِ شَجَرٌ مُخْتَلِفَةٌ ". وَمِنْ نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ: سُئِلَ أَبُو إبْرَاهِيمَ عَنْ تُوتَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ اقْتَسَمَاهَا وَحَبَسَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 437 أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ عَلَى مَسْجِدٍ فَانْدَقَّ غُصْنٌ وَاحِدٌ فَأَجَابَ: هَذِهِ قِسْمَةٌ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَمَا انْدَقَّ بَيْنَهُمَا مُشْتَرَكٌ أَيْضًا بَيْنَ الْمَسْجِدِ، وَبَيْنَ الَّذِي لَهُ فِيهَا. ابْنُ شَاسٍ. [كِتَابُ الْقِرَاضِ] [بَاب فِي أَرْكَان الْقِرَاض وَحُكْمه وَشُرُوطه وَالتَّفَاسُخ وَالتَّنَازُع فِيهِ] (كِتَابُ الْقِرَاضِ) وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ: فِي أَرْكَانِ صِحَّتِهِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: رَأْسُ الْمَالِ وَالْعَمَلِ وَالرِّبْحِ وَالْعَاقِدَانِ. الْبَابُ الثَّانِي: فِي حُكْمِ الْقِرَاضِ وَشُرُوطِهِ. الْبَابُ الثَّالِثُ: فِي التَّفَاسُخِ وَالتَّنَازُعِ (الْقِرَاضُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 438 تَوْكِيلٌ عَلَى تَجْرٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْقِرَاضُ تَمْكِينُ مَالٍ لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ لَا بِلَفْظِ إجَارَةٍ (فِي نَقْدٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 439 مَضْرُوبٍ) . ابْنُ شَاسٍ: الْقِرَاضُ جَائِزٌ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَكَذَلِكَ النَّقْدُ وَالْإِتْبَارُ أَعْنِي تِبْرَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 442 فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَجْرِي ذَلِكَ فِيهِ وَلَا يَتَعَامَلُ عِنْدَهُمْ بِالْمَسْكُوكِ. اللَّخْمِيِّ: يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِالنَّقْدِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَتَبَايَعُونَ بِهِ فِيهِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. . (مُسَلَّمٌ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ) . ابْنُ رُشْدٍ: سُنَّةُ الْقِرَاضِ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ الْمَالَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ عَلَى جُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ. (إنْ عُلِمَ قَدْرُهُمَا) . ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ الْمَالِ كَوْنُهُ مَعْلُومًا مَحُوزًا وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَظُّ الْعَامِلِ جُزْءًا مِنْ الرِّبْحِ مَعْلُومَ النِّسْبَةِ مِنْهُ. (وَلَوْ مَغْشُوشًا) . الْبَاجِيُّ: الْمَغْشُوشُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِهِ مَضْرُوبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ الْغِشُّ النِّصْفَ فَأَقَلَّ جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لَمْ يَجُزْ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ السِّكَّةِ الَّتِي يَتَعَامَلُ بِهَا، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ سِكَّةَ التَّعَامُلِ فَيَجُوزُ الْقِرَاضُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُصُولَ الْإِثْمَارِ وَقِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ، وَقَدْ جُوِّزَ الْقِرَاضُ بِالْفُلُوسِ فَكَيْفَ بِهَذِهِ؟ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهَا وَلَوْ كَانَتْ عُرُوضًا لَمْ تَتَعَلَّقْ الزَّكَاةُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 443 بِأَعْيَانِهَا، وَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّهَا يَجُوزُ أَنْ تُقْطَعَ فَتَسْتَحِيلَ أَسْوَاقُهَا فَمِثْلُ ذَلِكَ يُفْرَضُ فِي الدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ. (لَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ لَكَ عِنْدَ رَجُلٍ دَيْنٌ فَقُلْت: اعْمَلْ بِهِ قِرَاضًا لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْضَرَهُ فَقَالَ لَهُ خُذْهُ قِرَاضًا لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ ثُمَّ يُعِيدَهُ إلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: خَوْفَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا اعْتَرَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِالدَّيْنِ وَيَزِيدَهُ الْوَدِيعَةُ مِثْلُهُ لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَنْفَقَ الْوَدِيعَةَ فَصَارَتْ عَلَيْهِ دَيْنًا (وَاسْتَمَرَّ) . ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا: مَنَعَهُ بِدَيْنٍ عَلَى الْعَامِلِ فَإِنْ نَزَلَ فَالرِّبْحُ وَالْوَضِيعَةُ لِلْعَامِلِ. (مَا لَمْ يُقْبَضْ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ ثُمَّ يُعِيدَهُ (أَوْ يُحْضِرْهُ وَيُشْهِدْ) . اللَّخْمِيِّ: الْقِرَاضُ بِالدَّيْنِ إنْ كَانَ عَلَى الْعَامِلِ لَمْ يَجُزْ ابْتِدَاءً، فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ وَأَحْضَرَ الْعَامِلُ الْمَالَ وَأَشْهَدَ عَلَى وَزْنِهِ وَزَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 444 عَنْ ضَمَانِهِ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا دَخَلَا عَلَيْهِ وَالْخَسَارَةُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ. (وَلَا بِرَهْنٍ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ أَعَرْتُهُ دَنَانِيرَ فَلَا تَدْفَعْهَا إلَيْهِ قِرَاضًا حَتَّى تَقْبِضَهَا وَلَوْ كَانَ عَرَضًا لَمْ يَجُزْ. وَمَنْ لَكَ عِنْدَهُ دَنَانِيرُ رَهْنًا فَقَارَضْته بِهَا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَرُدَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ أَمِينٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُعْطِيَهَا لِلْأَمِينِ قِرَاضًا حَتَّى تُؤَدِّيَ الْحَقَّ إلَى رَبِّهِ. (أَوْ بِوَدِيعَةٍ وَإِنْ بِيَدِهِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ تَضَمَّنَتْ صُورَتَيْنِ: أَمَّا الْوَاحِدَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: " الْوَدِيعَةُ مِثْلُ الدَّيْنِ خَوْفَ أَنْ يَكُونَ أَنْفَقَهَا " فَانْظُرْ أَنْتَ الصُّورَةَ الْأُخْرَى إنْ كَانَ الرَّهْنُ بِيَدِ أَمِينٍ فَلَا تُعْطِهِ لِلْأَمِينِ قِرَاضًا حَتَّى يُؤَدِّيَ الْحَقَّ لِرَبِّهِ (وَلَا بِتِبْرٍ لَمْ يَتَعَامَلْ بِهِ بِبَلَدِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: تَجُوزُ بِالنَّقْدِ وَالْأَتْبَارِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي لَا يُتَعَامَلُ فِيهِ بِالْمَسْكُوكِ. (كَفُلُوسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِالْفُلُوسِ؛ لِأَنَّهَا تَحُولُ إلَى الْفَسَادِ وَالْكَسَادِ. ابْنُ حَبِيبٍ: فَإِنْ نَزَلَ مَضَى وَرَدَّ فُلُوسًا مِثْلَهَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 445 (وَعَرَضٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا خَيْرَ فِي الْقِرَاضِ بِطَعَامٍ أَوْ عَرَضٍ كَانَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ لَا لِلْغَرَرِ بِتَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ وَيُفْسَخُ ذَلِكَ. وَإِنْ بِيعَ مَا لَمْ يَعْمَلْ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ عَمِلَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي بَيْعِهِ وَقِرَاضُ مِثْلِهِ فِي الثَّمَنِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ (إنْ تَوَلَّى بَيْعَهُ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ وَمَعَ مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ مَنْعُ الْقِرَاضِ بِعَرَضٍ وَلَوْ مِثْلِيًّا. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ لَا خَطْبَ لِبَيْعٍ الْعَرَضِ أَوْ عَلِمَ أَنْ يَبِيعَهُ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ قِرَاضًا أَوْ قَالَ لَهُ كَلِّفْ مَنْ يَبِيعَهُ وَيَأْتِيكَ بِالثَّمَنِ اجْعَلْهُ قِرَاضًا جَازَ، فَإِنْ دَخَلَا عَلَى رَدِّ مِثْلِ الْعَرَضِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَوْ قِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ. (كَأَنْ وَكَّلَهُ عَلَى دَيْنٍ أَوْ لِيَصْرِفَ ثُمَّ يَعْمَلَ بِأَجْرِ مِثْلِهِ فِي تَوْلِيَةٍ ثُمَّ قِرَاضُ مِثْلِهِ فِي رِبْحِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَارِضَهُ بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِهِ يَقْتَضِيهِ، وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعْت إلَيْهِ دَنَانِيرَ لِيَصْرِفَهَا ثُمَّ يَعْمَلَ بِهَا وَلَهُ أَجْرُ التَّقَاضِي وَأَجْرُ الصَّرْفِ وَقِرَاضُ مِثْلِهِ إنْ عَمِلَ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى حَاضِرٍ مُوسِرٍ غَيْرِ مُعْسِرٍ جَازَ. (كَكُلِّ شِرْكٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَلَمْ يُسَمِّ مَالَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَتَصَادَقَا عَلَى ذَلِكَ فَلَهُ قِرَاضُ الْمِثْلِ إنْ عَمِلَ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: لَهُ شِرْكٌ فِي الْمَالِ وَلَمْ يُسَمَّ كَانَ عَلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ إنْ عَمِلَ (وَلَا عَادَةَ) . ابْنُ شَاسٍ: إنْ كَانَ لَهُمْ عَادَةٌ أَنْ يَكُونَ عَلَى النِّصْفِ أَوْ عَلَى الثُّلُثِ فَهُوَ عَلَى مَا اعْتَادُوهُ (أَوْ مُبْهَمٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَمْ يُسَمِّ مَالَهُ مِنْ الرِّبْحِ. (أَوْ أُجِّلَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 446 أَخَذَ قِرَاضًا إلَى أَجَلٍ رُدَّ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ. الْأَبْهَرِيُّ: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْقِرَاضِ أَنْ يَكُونَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ لَازِمٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ تَرْكُهُ لَوْ شَاءَ، فَإِذَا شَرَطَ الْأَجَلَ فَكَأَنَّهُ قَدْ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ تَرْكِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَوَجَبَ رَدُّهُ لِقِرَاضِ مِثْلِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ رَدِّ كُلِّ أَصْلٍ فَاسِدٍ إلَى حُكْمِ صَحِيحِ ذَلِكَ الْأَصْلِ. (أَوْ ضَمِنَ) . اللَّخْمِيِّ: إذَا شَرَطَ الْعَامِلُ ضَمَانَ الْقِرَاضِ إنْ هَلَكَ أَوْ أَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ إنْ ادَّعَى هَلَاكَهُ أَوْ ضَيَاعَهُ كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلًا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ قَالَ هَلَكَ أَوْ خَسِرْت. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَكُونُ فِيهِ عَلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ. (أَوْ اشْتَرِ سِلْعَةَ فُلَانٍ ثُمَّ اتَّجِرْ فِي ثَمَنِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ دَفَعْت إلَيْهِ مَالًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ عَبْدَ فُلَانٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ بَعْدَمَا يَبِيعُهُ مَا شَاءَ، فَهُوَ أَجِيرٌ فِي شِرَائِهِ وَبَيْعِهِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ لَهُ قِرَاضُ مِثْلِهِ. (أَوْ بِدَيْنٍ) . عِيَاضٌ: مَذْهَبُنَا رَدُّهُ لِقِرَاضِ مِثْلِهِ فِي تِسْعِ مَسَائِلَ: مِنْهَا الْقِرَاضُ بِدَيْنٍ يَقْتَضِيهِ انْتَهَى. إلَّا أَنَّ هَذَا قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ خَلِيلٌ، وَهُوَ الْفَرْعُ الَّذِي عَطَفَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْفُرُوعَ فَيَبْقَى النَّظَرُ هَلْ أَرَادَ بِهَذَا، إذَا دَفَعَ لَهُ الْقِرَاضَ عَلَى أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا بِالدَّيْنِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِدَيْنٍ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ قِرَاضًا عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ إلَّا بِالنَّسِيئَةِ فَبَاعَ بِالنَّقْدِ لَمْ يَجُزْ هَذَا الْقِرَاضُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: فَإِنْ نَزَلَ كَانَ أَجِيرًا. ابْنُ يُونُسَ: قِيلَ: لَمْ يَجِبْ. ابْنُ الْقَاسِمِ: مَاذَا يَكُونُ عَلَيْهِ إنْ نَزَلَ وَمِنْ مَذْهَبِهِ فِي التَّحْجِيرِ أَنْ يُرَدَّ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ. انْتَهَى فَانْظُرْ أَنْتَ هَذَا. (أَوْ مَا يَقِلُّ) عَدَّ عِيَاضٌ مِنْ تِسْعِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُرَدُّ فِيهَا لِقِرَاضِ مِثْلِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَارِضَ فُلَانًا عَلَى أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا الْبَزَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَيَجُوزُ ثُمَّ لَا يُعَاوِدُهُ إلَى غَيْرِهِ. الْبَاجِيُّ: فَإِنْ كَانَ يَتَعَذَّرُ لِقِلَّتِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ نَزَلَ فُسِخَ. (كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الرِّبْحِ وَادِّعَاءِ مَا لَا يُشْبِهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَقَارِضَانِ فِي أَجْزَاءِ الرِّبْحِ قَبْلَ الْعَمَلِ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: دَفَعْتُهُ عَلَى أَنَّ الثُّلُثَ لِلْعَامِلِ: وَقَالَ الْعَامِلُ بَلْ عَلَى أَنَّ لِي الثُّلُثَيْنِ، فَيَرُدُّ الْمَالَ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْعَامِلُ بِقَوْلِ رَبِّ الْمَالِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَمَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ كَالصَّانِعِ إذَا جَاءَ بِمَا يُشْبِهُ وَإِلَّا رُدَّ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ، وَكَذَا الْمُسَاقَاةُ. (وَفِيمَا فَسَدَ غَيْرُهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي الذِّمَّةِ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: النَّظَرُ يَقْتَضِي أَنْ يُرَدَّ الْقِرَاضُ الْفَاسِدُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَإِلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ اسْتِحْسَانٌ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ، قَالَ: وَالْفَصْلُ بَيْنَ إجَارَةِ الْمِثْلِ أَوْ قِرَاضِ الْمِثْلِ أَنَّ أُجْرَةَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 447 الْمِثْلِ تَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ. سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَمْ لَا. وَقِرَاضُ الْمِثْلِ يَتَعَلَّقُ بِرِبْحٍ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، فَيَنْظُرُ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَظُّ هَذَا الْعَامِلِ مِنْهُ إذَا نُزِعَ هَذَا الشَّرْطَ دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ كَانَ وَضِيعَةً فَلَا شَيْءَ لَهُ. (كَاشْتِرَاطِ يَدِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَخَذَ قِرَاضًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي الْمَالِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ نَزَلَ كَانَ الْعَامِلُ أَجِيرًا وَإِنْ عَمِلَ لِرَبِّ الْمَالِ بِغَيْرِ شَرْطٍ كَرِهْته إلَّا الْعَمَلَ الْيَسِيرَ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَا إنْ أَسْلَفَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ قَعَدَ الْعَامِلُ فَالْمَالُ أَوْ عَمِلَ بِعَبْدِهِ أَوْ دَابَّتِهِ أَوْ كَانَ صَانِعًا يَعْمَلُ بِيَدِهِ أَوْ صَنَعَ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ شَيْئًا مِنْ الرِّفْقِ مِمَّا لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً أَنْ يُشْتَرَطَ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يُفْسِدُ الْقِرَاضَ وَلَا يُغَيِّرُ الرِّبْحَ غَيْرَ أَنَّ الصَّانِعَ إنْ عَمِلَ بِيَدِهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَلَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ. انْتَهَى مِنْ تَرْجَمَةِ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ " بِغَيْرِ شَرْطٍ " قَالَ فِي الِاسْتِغْنَاءِ: إنْ أَعْطَى صَانِعًا بِيَدِهِ مَالًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ جُلُودًا وَيَعْمَلَهَا فَمَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَجُزْ. قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: فَإِنْ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَازَ وَلَا إجَارَةَ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ: لَهُ إجَارَةُ عَمَلِهِ وَهُوَ عَلَى قِرَاضِهِ كَمَا هُوَ وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ انْتَهَى. وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ: يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَالًا يَعْمَلُهُ حُلِيًّا أَوْ يَبِيعُهُ وَالْفَضْلُ بَيْنَهُمَا إذَا أَخَذَ الصَّانِعُ أُجْرَةَ صِنَاعَتِهِ. (أَوْ مُرَاجَعَتِهِ أَوْ أَمِينًا عَلَيْهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ يَدَهُ أَوْ مُرَاجَعَتَهُ أَوْ أَمِينًا عَلَيْهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ تُقَارِضَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ هُوَ وَتَنْقُدَ أَنْتَ وَتَقْبِضَ أَنْتَ ثَمَنَ مَا بَاعَ أَوْ تَجْعَلَ مَعَهُ غَيْرَكَ لِمِثْلِ ذَلِكَ أَمِينًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْقِرَاضُ أَنْ تُسَلِّمَ إلَيْهِ الْمَالَ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ كَانَ أَجِيرًا. (بِخِلَافِ غُلَامٍ عُيِّنَ بِنَصِيبٍ لَهُ) رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ وَإِلَى عَبْدِهِ مَالًا قِرَاضًا لِيَكُونَ عَيْنًا عَلَيْهِ أَوْ لِيُعَلِّمَهُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَا أَمِينَيْنِ تَاجِرَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. ابْنُ يُونُسَ: صَوَابٌ وَلَيْسَ بِخِلَافٍ لِلْأَوَّلِ انْتَهَى. وَكَانَ نَقَلَ قَبْلَ هَذَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يُعِينَهُ بِعَبْدِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ فِي الْمَالِ خَاصَّةً لَا فِي غَيْرِهِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُمَا جَمِيعًا فَلَيْسَتْ بِزِيَادَةٍ انْفَرَدَ بِهَا. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ عَوْنِ غُلَامِ رَبِّ الْمَالِ، وَأَجَازَهُ اللَّيْثُ وَمَنَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدِي. (وَكَأَنْ يَخِيطَ أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 448 يَخْرِزَ) تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَبْلَ قَوْلِهِ أَوْ مُرَاجَعَتِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ عَمَلِ يَدِ الْعَامِلِ لِخِفَافٍ أَوْ صِيَاغَةٍ، فَإِنْ نَزَلَ كَانَ أَجِيرًا وَالرِّبْحُ وَالْوَضِيعَةُ لِرَبِّ الْمَالِ وَعَلَيْهِ. (أَوْ يُشَارِكَ) الْبَاجِيُّ: مَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي حَالِ الْعَقْدِ أَنْ يُشَارِكَهُ الْعَامِلُ بِمَالٍ مِنْ عِنْدِهِ وَأَجَازَهُ فِي الْوَاضِحَةِ. اللَّخْمِيِّ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْلِطَ الْعَامِلُ الْقِرَاضَ بِمَالِهِ أَوْ بِقِرَاضٍ فِي يَدِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِشَرْطٍ، فَإِنْ كَانَ بِشَرْطٍ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا خَيْرَ فِيهِ. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لَا بَأْسَ بِهِ. اللَّخْمِيِّ: وَأَنْ يَجُوزَ أَحْسَنُ. وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ وَفَاتَ بِالْعَمَلِ فَقِيلَ: فِيهِ قِرَاضُ مِثْلِهِ، وَقِيلَ: أَجْرُ مِثْلِهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَصْلُحُ أَنْ يُقَارِضَ رَجُلًا وَيَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يُبْضِعَ الْمَالَ أَوْ يُقَارِضَ بِهِ أَوْ يُشَارِكَ بِهِ أَحَدًا أَوْ يَجْلِسَ بِهِ فِي حَانُوتٍ وَشِبْهِ ذَلِكَ، فَأَمَّا إنْ قَالَ: إنْ شِئْت فَافْعَلْ وَإِنْ شِئْت فَدَعْ فَهُوَ إذْنٌ وَلَا بَأْسَ بِالْإِذْنِ فِي الْعَقْدِ مَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا. (أَوْ يَخْلِطَ) اُنْظُرْ أَنْتَ مَنْ صَرَّحَ أَنَّ لِهَذَا إجَارَةَ مِثْلِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ قِرَاضًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ قِرَاضًا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ شَغَلَهُ الثَّانِي عَنْهُ فَلَا يَأْخُذُ حِينَئِذٍ مِنْ غَيْرِهِ شَيْئًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أَخَذَ وَهُوَ يَحْمِلُ الْعَمَلَ بِهِمَا فَلَهُ أَنْ يَخْلِطَهُمَا وَلَا يَضْمَنَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ دَفَعْت إلَيْهِ مِائَتَيْنِ قِرَاضًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بِكُلِّ مِائَةٍ عَلَى حِدَةٍ، وَرِبْحُ مِائَةٍ لِأَحَدِكُمَا وَرِبْحُ الْآخَرِ بَيْنَكُمَا أَوْ رِبْحُ مِائَةٍ بِعَيْنِهَا لَكَ وَرِبْحُ الْأُخْرَى لِلْعَامِلِ لَمْ يَجُزْ، وَيَكُونُ الْعَامِلُ أَجِيرًا فِي الْمَالَيْنِ. وَكَذَلِكَ عَلَى أَنَّ مِائَةً عَلَى النِّصْفِ وَمِائَةً عَلَى الثُّلُثِ وَيَعْمَلُ بِكُلِّ مِائَةٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا خَيْرَ فِيهِ إذَا كَانَ لَا يَخْلِطُهُمَا، وَكَذَلِكَ فِي مُسَاقَاةِ الْحَائِطَيْنِ حَتَّى يَكُونَا عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ. (أَوْ يُبْضِعَ) اُنْظُرْ أَنْتَ مَنْ صَرَّحَ أَنَّ لِهَذَا إجَارَةَ مِثْلِهِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَبْضَعَ الْعَامِلُ ضَمِنَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ لَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ عَلَى ذَلِكَ. (أَوْ يَزْرَعَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَجْلِسَ بِالْمَالِ هَاهُنَا فِي حَانُوتٍ مِنْ الْبَزَّازِينَ أَوْ السَّقَّاطِينَ يَعْمَلُ فِيهِ وَلَا يَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ، أَوْ عَلَى أَنْ يَجْلِسَ فِي الْقَيْسَارِيَّةِ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا مِنْ فُلَانٍ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَّجِرَ إلَّا فِي سِلْعَةِ كَذَا وَلَيْسَ وُجُودُهَا بِمَأْمُونٍ، أَوْ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ كُلُّهُ، فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ كَانَ الْعَامِلُ أَجِيرًا، وَمَا كَانَ مِنْ زَرْعٍ أَوْ فَضْلٍ أَوْ خَسَارَةٍ فَلِرَبِّ الْمَالِ وَعَلَيْهِ. وَلَوْ عَلِمَ رَبُّ الْمَالِ أَنَّهُ يَجْلِسُ فِي حَانُوتٍ فَهُوَ جَائِزٌ مَا لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ، وَلَوْ زَرَعَ الْعَامِلُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي أَرْضٍ اشْتَرَاهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ أَوْ اكْتَرَاهَا جَازَ ذَلِكَ إذَا كَانَ بِمَوْضِعِ أَمْنٍ وَعَدْلٍ وَلَا يَضْمَنُ، وَأَمَّا إنْ خَاطَرَ بِهِ فِي مَوْضِعِ ظُلْمٍ وَغَرَرٍ يَرَى أَنَّهُ خَطَرٌ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ، وَلَوْ أَخَذَ الْعَامِلُ نَخْلًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 449 مُسَاقَاةً فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ كَانَ كَالزَّرْعِ وَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا. (أَوْ لَا يَشْتَرِي إلَى بَلَدٍ أَوْ بَعْدَ اشْتِرَائِهِ) اُنْظُرْ أَنْتَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ هَذَا يَرْجِعُ لِإِجَارَةِ مِثْلِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَخَذَ قِرَاضًا عَلَى أَنْ يَخْرُجَ بِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ يَشْتَرِي مَتَاعًا فَلَا خَيْرَ فِيهِ. قَالَ مَالِكٌ: يُعْطِيهِ الْمَالَ وَيَقُودُهُ كَمَا يُقَادُ الْبَعِيرُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ. وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَارَضَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمَكَانِ الْبَعِيدِ مِثْلُ إفْرِيقِيَّةَ يَشْتَرِي طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ: إنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَعَجَزَ عَنْ بَعْضِ ثَمَنِهَا فَأَتَى إلَى رَجُلٍ فَأَخَذَ مِنْهُ قِرَاضًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَدْفَعَهُ فِي بَقِيَّةِ ثَمَنِهَا وَيَكُونَ قِرَاضًا لَمْ أُحِبَّ ذَلِكَ، وَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَغْلَى وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَجَازَ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا لَمْ يُخْبِرْ رَبَّ الْمَالِ وَلَمْ يَكُنْ لِغَلَاءٍ جَازَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ اُنْظُرْ نَصَّ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " فَقَدْ وُجِدَتْ " (وَإِنْ أَخْبَرَهُ فَقَرْضٌ) اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " فَقَدْ وَجَدْت رَخِيصًا ". (أَوْ عَيَّنَ شَخْصًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا مِنْ فُلَانٍ فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ كَانَ أَجِيرًا. (أَوْ زَمَنًا) هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إنْ وَقَعَ الْقِرَاضُ إلَى أَجَلٍ وَعَثَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَمَلِ فَهُوَ أَجِيرٌ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ أُجِّلَ " (أَوْ مَحَلًّا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْلِسَ فِي الْقَيْسَارِيَّةِ أَوْ فِي حَانُوتٍ فَإِنْ نَزَلَ كَانَ أَجِيرًا (كَأَنْ أَخَذَ الْمَالَ لِيَخْرُجَ إلَى بَلَدٍ فَيَشْتَرِيَ) قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: " لَا يَشْتَرِي إلَى بَلَدٍ " فَانْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى هَذَا، فَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَهُوَ فَرْعٌ غَرِيبٌ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: نَاقِلُ الْفَرْعِ الْغَرِيبِ يَجِبُ عَلَيْهِ عَزْوُهُ لِقَائِلِهِ. (وَعَلَيْهِ كَالنَّشْرِ وَالطَّيِّ الْخَفِيفَيْنِ وَالْأَجْرِ إنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 450 اسْتَأْجَرَ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّانِي الْعَمَلُ وَهُوَ عِوَضُ الرِّبْحِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ نَشْرٍ وَطَيٍّ وَنَقْلٍ خَفِيفٍ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ. ابْنُ فَتُّوحٍ: لِلْعَامِلِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ الْمَالِ إذَا كَانَ كَثِيرًا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ مَنْ يَكْفِيهِ بَعْضَ مُؤْنَتِهِ. مِنْ الْأَعْمَالِ أَعْمَالٌ لَا يَعْمَلُهَا الْعَامِلُ وَلَيْسَ مِثْلُهُ يَعْمَلُهَا. (وَجَازَ جُزْءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَجُوزُ الْمُقَارَضَةُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى النِّصْفِ وَالْخُمُسِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ. قُلْت: فَإِنْ أَعْطَيْته مَالًا قِرَاضًا عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلْعَامِلِ؟ قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَعْطَى لِرَجُلٍ مَالًا يَعْمَلُ بِهِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلْعَامِلِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ: إنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ أَعْطَاهُ نَخْلًا مُسَاقَاةً عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الشَّجَرَةِ لِلْعَامِلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (وَرِضَاهُمَا بَعْدُ عَلَى ذَلِكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَعْطَيْتَهُ قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ ثُمَّ تَرَاضَيْتُمَا بَعْدَ الْعَمَلِ عَلَى أَنْ تَجْعَلَاهُ عَلَى أَنَّ الثُّلُثَيْنِ لَهُ أَوْ لَكَ جَازَ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ كَانَ الْمَالُ حِينَ تَرَاضَيَا عَيْنًا لَا زِيَادَةَ فِيهِ وَلَا نَقْصَ حَرَّكَهُ أَوْ لَمْ يُحَرِّكْهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ زِيَادَةٌ أَوْ نَقْصٌ أَوْ كَانَ فِي سِلَعٍ لَمْ يَجُزْ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنْ كَانَ عَيْنًا فَكَأَنَّهُمَا الْآنَ ابْتَدَآ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ لَا يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَلَمِنْ شَاءَ حَلُّهُ مَا لَمْ يَشْغَلْهُ فِي سِلَعٍ أَوْ يَظْعَنْ بِهِ لِسَفَرٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ فِي سِلَعٍ فَهِيَ هِبَةٌ تَطَوَّعَ بِهَا أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ وَهِبَةُ الْمَجْهُولِ جَائِزَةٌ. وَانْظُرْ إنْ وَقَعَ مَوْتٌ قَبْلَ الْمُفَاصَلَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ لِرَبِّ الْمَالِ أَوْ لِلْعَامِلِ فَرْقٌ. رَاجِعْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ. (وَزَكَاتُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا) ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ زَكَاةِ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ. وَاخْتُلِفَ إذَا اشْتَرَطَ أَحَدُ الْمُتَقَارِضَيْنِ زَكَاةَ رِبْحِ الْمَالِ عَلَى صَاحِبِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى جُزْءٍ مُسَمًّى فَإِنْ اُشْتُرِطَتْ الزَّكَاةُ عَلَى الْعَامِلِ صَارَ عَمَلُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَعْشَارِ الرِّبْحِ وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ عُشْرِهِ، وَإِنْ اُشْتُرِطَتْ الزَّكَاةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ صَارَ عَمَلُهُ عَلَى نِصْفِ الرِّبْحِ كَامِلًا (وَهِيَ لِلْمُشْتَرِطِ إنْ لَمْ تَجِبْ) ابْنُ عَرَفَةَ: عَلَى جَوَازِ شَرْطِ زَكَاةِ الرِّبْحِ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 451 أَحَدِهِمَا لَوْ تَفَاصَلَا قَبْلَ وُجُوبِهَا فَفِي كَوْنِ جُزْئِهَا لِمُشْتَرِطِهَا عَلَى غَيْرِهِ أَوْ لَهُ أَوْ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا، أَوْ يَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى تِسْعَةِ أَجْزَاءٍ أَقْوَالٌ (وَالرِّبْحُ لِأَحَدِهِمَا) الْبَاجِيُّ: يَجُوزُ شَرْطُ كُلِّ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا فِي مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ. (أَوْ لِغَيْرِهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا اشْتَرَطَ الْمُتَقَارِضَانِ عِنْدَ مُعَامَلَتِهِمَا ثُلُثَ الرِّبْحِ لِلْمَسَاكِينِ جَازَ ذَلِكَ، وَلَا أُحِبُّ لَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا فِيهِ وَلَا يُقْضَى بِذَلِكَ عَلَيْهِمَا. (وَضَمِنَهُ فِي الرِّبْحِ لَهُ إنْ لَمْ يَنْفِهِ وَلَمْ يُسَمِّ قِرَاضًا) قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ حِينَ دَفَعَ لَهُ الْمَالَ خُذْهُ قِرَاضًا وَالرِّبْحُ لَكَ جَازَ، وَكَانَ الرِّبْحُ لِلْعَامِلِ، وَلَا يَضْمَنُ الْمَالَ إنْ خَسِرَهُ أَوْ تَلِفَ وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْعَامِلِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِرَاضًا وَإِنَّمَا قَالَ: خُذْهُ وَاعْمَلْ بِهِ وَالرِّبْحُ لَكَ جَازَ أَيْضًا، وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا خَسِرَ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَلَا يَضْمَنُ (وَشَرْطُهُ: عَمَلُ غُلَامِ رَبِّهِ أَوْ دَابَّتِهِ فِي الْكَثِيرِ) اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَكَانَ يَخِيطُ ". (وَخَلْطُهُ وَإِنْ بِمَالِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ خَافَ بِتَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا رُخْصًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا خَافَ الْعَامِلُ إنْ قَدَّمَ مَالَهُ عَلَى مَالِ الْقِرَاضِ أَوْ أَخَّرَهُ وَقَعَ الرُّخْصُ فِي مَالِهِ، فَالصَّوَابُ أَنْ يَخْلِطَهُمَا وَيَكُونَ مَا اشْتَرَى بِهِمَا مِنْ السِّلَعِ عَلَى الْقِرَاضِ وَعَلَى مَا نَقَدَ فِيهَا بِحِصَّةِ الْقِرَاضِ رَأْسَ مَالِ الْقِرَاضِ وَحِصَّةُ الْعَامِلِ عَلَى مَا نَقَدَ فِيهَا، وَلَا يَضْمَنُ الْعَامِلُ إنْ خَلَطَهُمَا بِغَيْرِ شَرْطٍ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَا يَنْبَغِي شَرْطُ الْخَلْطِ وَلَا عَلَى إنْ شَاءَ خَلَطَهُ. قَالَ أَصْبَغُ: وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَكِنَّهُ مِنْ الذَّرَائِعِ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ أَفْسَخْهُ اهـ. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ يُشَارِكُ ". (وَشَارَكَ إنْ زَادَ مُؤَجَّلًا بِقِيمَتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا أَخَذَ الْعَامِلُ مِائَةً قِرَاضًا فَاشْتَرَى سِلْعَةً بِمِائَتَيْنِ نَقْدًا كَانَ شَرِيكًا فِيهَا، لِرَبِّ الْمَالِ يَكُونُ نِصْفُهَا عَلَى الْقِرَاضِ وَنِصْفُهَا لِلْعَامِلِ. وَإِنْ كَانَتْ الْمِائَةُ الثَّانِيَةُ مُؤَجَّلَةً عَلَى الْعَامِلِ قُوِّمَتْ الْمِائَةُ الْمُؤَجَّلَةُ بِالنَّقْدِ، فَإِنْ سَاوَتْ خَمْسِينَ كَانَ شَرِيكًا بِالثُّلُثِ. هَكَذَا أَصْلَحَهَا سَحْنُونَ. (وَسَفَرُهُ إنْ لَمْ يُحْجَرْ قَبْلَ شَغْلِهِ) قَالَ سَحْنُونَ: لَيْسَ لِلْمُقَارِضِ أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَالِ الْقَلِيلِ سَفَرًا بَعِيدًا إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِلْعَامِلِ أَنْ يَتَّجِرَ بِالْمَالِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَحَيْثُ شَاءَ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ حِينَ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِالْفُسْطَاطِ لَا تَخْرُجْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ أَوْ مِنْ الْفُسْطَاطِ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْرُجَ. قَالَ مَالِكٌ: وَلِرَبِّ الْمَالِ رَدُّ الْمَالِ مَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ الْعَامِلُ أَوْ يَظْعَنْ بِهِ لِسَفَرٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ لَوْ تَجَهَّزَ وَاشْتَرَى مَتَاعًا يُرِيدُ بِهِ بَعْضَ الْبُلْدَانِ فَهَلَكَ رَبُّ الْمَالِ، فَلِلْعَامِلِ النُّفُوذُ بِهِ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ مَنْعُهُ وَهُمْ فِي هَذَا كَمَوْرُوثِهِمْ. وَانْظُرْ إنْ فَلِسَ رَبُّ الْمَالِ هَلْ الْغُرَمَاءُ كَالْوَرَثَةِ؟ رَاجِعْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ. (وَادْفَعْ لِي فَقَدْ وَجَدْتُ رَخِيصًا أَشْتَرِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ ابْتَاعَ سِلْعَةً ثُمَّ سَأَلَ رَجُلًا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَالًا يَنْقُدَهُ فِيهَا وَيَكُونَ قِرَاضًا بَيْنَهُمَا، فَلَا خَيْرَ فِيهِ، فَإِنْ نَزَلَ لَزِمَهُ رَدُّ الْمَالِ إلَى رَبِّهِ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ رِبْحٍ أَوْ وَضِيعَةٍ فَلَهُ وَعَلَيْهِ، وَهُوَ كَمَنْ أَسْلَفَهُ رَجُلٌ ثَمَنَ سِلْعَةٍ عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ رِبْحِهَا. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ كَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 452 ذَلِكَ قِيلَ: يَسْتَوْجِبُهَا، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا لَجَازَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُسَمِّ السِّلْعَةَ وَلَا بَائِعَهَا. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: وَجَدْت سِلْعَةً مَرْجُوَّةً فَأَعْطِنِي قِرَاضًا أَبْتَاعُهَا بِهِ، فَفَعَلَ. (وَبَيْعُهُ بِعَرَضٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَى قَوْلِهَا مَعَ غَيْرِهَا بِجَوَازِ كَوْنِ الْعَامِلِ مُدِيرًا، وَقَوْلُهَا بِجَوَازِ زِرَاعَتِهَا حَيْثُ الْأَمْنُ جَوَازُ بَيْعِهِ الْعُرُوضَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَلَا أَذْكُرُهُ نَصًّا إلَّا لِابْنِ شَاسٍ. (وَرَدُّهُ بِعَيْبٍ) ابْنُ شَاسٍ: لِلْعَامِلِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ. (وَلِلْمَالِكِ قَبُولُهُ إنْ كَانَ الْجَمِيعَ وَالثَّمَنُ عَيْنٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَة قَالَ مَالِكٌ: إذَا اشْتَرَى الْعَامِلُ بِجَمِيعِ الْمَالِ عَبْدًا ثُمَّ رَدَّهُ بِعَيْبٍ فَرَضِيَهُ رَبُّ الْمَالِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ إنْ أَخَذَهُ كَذَلِكَ جَبَرَ مَا خَسِرَ فِيهِ بِرِبْحِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ: إنْ أَبَيْت فَاتْرُكْ الْقِرَاضَ وَاخْرُجْ؛ لِأَنَّكَ إنَّمَا تُرِيدُ رَدَّهُ وَتَأْخُذُ الثَّمَنَ فَكَانَ الْقِرَاضُ عَيْنًا بَعْدُ، فَإِمَّا أَنْ تَرْضَى بِذَلِكَ وَإِلَّا فَاتْرُكْ الْقِرَاضَ وَأَنَا أَقْبَلُهُ. قَالَ: وَلَوْ رَضِيَ الْعَامِلُ بِالْعَيْبِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ جَازَ، وَإِنْ حَابَى فَهُوَ مُتَعَدٍّ. (وَمُقَارَضَةُ عَبْدِهِ وَأَجِيرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُقَارِضَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ لِلْخِدْمَةِ إنْ كَانَ مِثْلَ الْعَبْدِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَيْسَ الْأَجِيرُ مِثْلَ الْعَبْدِ وَيَدْخُلُهُ فِي الْأَجِيرِ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ. ابْنُ يُونُسَ: مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ إذَا كَانَ الْأَجِيرُ مِثْلَ الْعَبْدِ، يُرِيدُ إذَا مَلَكَ جَمِيعَ خِدْمَتِهِ كَالْعَبْدِ وَيَكُونُ مَا اسْتَأْجَرَهُ فِيهِ يُشْبِهُ عَمَلَ الْقِرَاضِ مِثْلُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِيَتَّجِرَ لَهُ فِي السُّوقِ وَيَخْدُمَ فِي التِّجَارَةِ بِمِثْلِ هَذَا إذَا قَارَضَهُ لَمْ يَنْقُلْهُ مِنْ عَمَلٍ إلَى خِلَافِهِ، وَلَوْ كَانَ إنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ بِعَيْنِهِ مِثْلِ الْبِنَاءِ وَالْقِصَارَةِ فَنَقَلَهُ إلَى التِّجَارَةِ لَدَخَلَهُ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ كَمَا قَالَ سَحْنُونَ (وَدَفَعَ مَالَيْنِ أَوْ مُتَعَاقِبَيْنِ قَبْلَ شَغْلِ الْأَوَّلِ) سَيَأْتِي أَنَّ هَذَا جَائِزٌ، وَسَوَاءٌ شَرَطَا كُلَّ مَالٍ عَلَى حِدَةٍ أَوْ شَرَطَا خَلْطًا أَمْ لَا، أَعْنِي إذَا كَانَا عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ. (وَإِنْ بِمُخْتَلِفَيْنِ وَإِنْ شَرَطَا خَلْطًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَارَضْتَ رَجُلًا عَلَى النِّصْفِ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ حَتَّى زِدْتَهُ مَالًا آخَرَ عَلَى النِّصْفِ عَلَى أَنْ يَخْلِطَهُمَا فَذَلِكَ جَائِزٌ. وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَى النِّصْفِ وَالْآخَرُ عَلَى الثُّلُثِ عَلَى أَنْ يَخْلِطَهُمَا لَمْ يَجُزْ. قَالَ سَحْنُونَ: وَيَجُوزُ عَلَى أَنْ يَخْلِطَهُمَا لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ مَعْلُومٍ. وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِ الْخَلْطِ وَإِنْ كَانَ عَلَى نِصْفٍ وَنِصْفٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ كَانَا عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ جَازَ إنْ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ بِكُلِّ مَالٍ عَلَى حِدَةٍ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِذَا شَرَطَ أَنْ يَخْلِطَهُمَا جَازَ، كَانَا عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ أَوْ جُزْأَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ مُسَمًّى مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مِائَتَيْنِ مِائَةً عَلَى الثُّلُثِ لِلْعَامِلِ وَمِائَةً عَلَى النِّصْفِ عَلَى أَنْ يَخْلِطَهُمَا، فَحِسَابُهُ أَنْ تَنْظُرَ أَقَلَّ عَدَدٍ لَهُ نِصْفٌ وَثُلُثٌ صَحِيحٌ تَجِدُ ذَلِكَ سِتَّةً، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ لِلْعُمَّالِ مِنْ رِبْحِ إحْدَى الْمِائَتَيْنِ نِصْفَهُ وَمِنْ الْأُخْرَى ثُلُثَهُ، فَخُذْ نِصْفَ السِّتَّةِ وَثُلُثَهَا وَذَلِكَ خَمْسَةٌ، وَلِرَبِّ الْمَالِ نِصْفُ رِبْحِ الْمِائَةِ الْوَاحِدَةِ وَثُلُثَيْ رِبْحِ الْأُخَرِ فَخُذْ لَهُ نِصْفَ السِّتَّةِ وَثُلُثَيْهَا وَذَلِكَ سَبْعَةٌ، فَيُجْمَعُ ذَلِكَ مَعَ الْخَمْسَةِ الَّتِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 453 صَحَّتْ لِلْعَامِلِ فَيَكُونُ ذَلِكَ اثْنَيْ عَشَرَ، فَيَقْسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا، لِلْعَامِلِ خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ وَذَلِكَ رُبُعُ الرِّبْحِ وَسُدُسُهُ، وَلِرَبِّ الْمَالِ سَبْعَةُ أَجْزَاءِ وَذَلِكَ ثُلُثُ الرِّبْحِ وَرُبُعُهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْعَامِلِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَلْطَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قِرَاضُ مِثْلِهِ. (أَوْ شَغْلَهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَخَذَ الْأَوَّلُ عَلَى النِّصْفِ فَابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً ثُمَّ أَخَذَ الثَّانِي عَلَى مِثْلِ جُزْءِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى أَنْ يَخْلِطَهُ فَجَائِزٌ، فَإِنْ خَسِرَ فِي الْأَوَّلِ وَرَبِحَ فِي الْآخَرِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجْبِرَ هَذَا بِهَذَا. (كَنُضُوضِ الْأَوَّلِ إنْ سَاوَى وَاتَّفَقَ جُزْؤُهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ تَجَرَ فِي الْأَوَّلِ فَبَاعَ وَنَضَّ فِي يَدَيْهِ ثُمَّ أَخَذَ الثَّانِيَ، فَإِنْ كَانَ بَاعَ بِرَأْسِ الْمَالِ سَوَاءً جَازَ أَخْذُهُ لِلثَّانِي مِثْلَ جُزْءِ الْأَوَّلِ لَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ عَلَى أَنْ يَخْلِطَهُمَا وَلَوْ كَانَ عَلَى الْخَلْطِ جَازَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. (وَاشْتِرَاءُ رَبِّهِ مِنْهُ إنْ صَحَّ) مِنْ الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ رَبُّ الْمَالِ مِمَّنْ قَارَضَهُ بَعْضَ مَا يَشْتَرِي مِنْ السِّلَعِ إذَا كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ. الْبَاجِيُّ: وَسَوَاءٌ اشْتَرَاهُ بِنَقْدٍ أَوْ بِأَجَلٍ مَا لَمْ يَتَوَصَّلْ بِذَلِكَ إلَى أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ الْمُقَاسَمَةِ. (وَاشْتِرَاطُهُ أَنْ لَا يَنْزِلَ وَادِيًا أَوْ يَمْشِيَ بِلَيْلٍ أَوْ بِبَحْرٍ أَوْ يَبْتَاعَ سِلْعَةً وَضَمِنَ إنْ خَالَفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ مَعَ مَشْيَخَةٍ سِوَاهُمْ مِنْ نُظَرَائِهِمْ أَهْلِ فِقْهٍ وَفَضْلٍ: يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ لَا يَنْزِلَ بِبَطْنِ وَادٍ لَا يَسْرِيَ بِهِ بِلَيْلٍ وَلَا يَحْمِلَهُ بِبَحْرٍ وَلَا يَبْتَاعَ بِهِ سِلْعَةَ كَذَا، فَإِنْ فَعَلَ بِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَ الْمَالَ (كَأَنْ زَرَعَ أَوْ سَاقَى بِمَوْضِعِ جَوْرٍ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا إنْ خَاطَرَ بِالزَّرْعِ فِي مَوْضِعِ ظُلْمٍ ضَمِنَ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ يَزْرَعُ ". (أَوْ حَرَّكَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَيْنًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا عَلِمَ الْعَامِلُ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ، وَالْمَالُ بِيَدِهِ عَيْنًا. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَهُوَ فِي بَلَدِ رَبِّ الْمَالِ لَمْ يَظْعَنْ مِنْهَا لِتِجَارَةٍ. قَالَ مَالِكٌ: لَا يَعْمَلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ حَتَّى ابْتَاعَ بِهِ سِلَعًا مَضَى ذَلِكَ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 454 الْقِرَاضِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَكَذَا إذَا ظَعَنَ بِهِ لِسَفَرِهِ فَلْيَمْضِ عَلَى قَرْضِهِ شَغَلَ الْمَالَ أَوْ لَمْ يَشْغَلْهُ. (أَوْ شَارَكَ وَإِنْ عَامِلًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُشَارِكَ بِمَالِ الْقِرَاضِ أَحَدًا وَإِنْ عَمِلَا جَمِيعًا، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشَارِكَ عَامِلًا آخَرَ لِرَبِّ الْمَالِ كَمَا لَا يَسْتَوْدِعُ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ مَنْ لِرَبِّهَا عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَلَا عِنْدَ غَيْرِهِ، فَهَذَا إنْ شَارَكَ فَكَأَنَّهُ أَوْدَعَ غَيْرَهُ. (أَوْ بَاعَ بِدَيْنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، فَإِنْ فَعَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَ وَهَذَا مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ. (أَوْ قَارَضَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُبْضِعُ الْعَامِلُ مِنْ الْمَالِ بِضَاعَةً، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ جَازَ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ وَلَا يُشَارِكُ بِالْمَالِ أَوْ يُقَارِضُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، فَإِنْ قَارَضَ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ ضَمِنَ. (وَغَرِمَ لِلْعَامِلِ الثَّانِي إنْ دَخَلَ عَلَى أَكْثَرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَخَذَ قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ فَتَعَدَّى بِدَفْعِهِ إلَى غَيْرِهِ قِرَاضًا عَلَى الثُّلُثَيْنِ ضَمِنَ عِنْدَ مَالِكٍ، فَإِنْ عَمِلَ بِهِ الثَّانِي فَرَبِحَ كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ نِصْفُ الرِّبْحِ، وَلِلْعَامِلِ الثَّانِي نِصْفُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ الثَّانِي بِبَقِيَّةِ شَرْطِهِ وَهُوَ السُّدُسُ عَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ فِي الْمُسَاقَاةِ. قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: الصَّوَابُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْمُسَاقَاةِ بِرُبُعِ قِيمَةِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ عَمَلَهُ بِثَمَرَةٍ وَاسْتَحَقَّ رُبُعَهَا. (كَخُسْرِهِ وَإِنْ قَلَّ عَمَلُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَخَذَ الْمُقَارِضُ الْمَالَ عَلَى النِّصْفِ فَدَفَعَهُ إلَى آخَرَ عَلَى الثُّلُثِ فَالسُّدُسُ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَارِضِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ جُعْلٌ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالْعَمَلِ. وَلَوْ كَانَتْ ثَمَانُونَ دِينَارًا فَخَسِرَ الْأَوَّلُ أَرْبَعِينَ ثُمَّ دَفَعَ أَرْبَعِينَ إلَى الثَّانِي عَلَى النِّصْفِ فَصَارَتْ مِائَةً وَلَمْ يَكُنْ الثَّانِي عَلِمَ ذَلِكَ. فَرَبُّ الْمَالِ أَحَقُّ بِأَخْذِ الثَّمَانِينَ رَأْسِ مَالِهِ وَنِصْفِ مَا بَقِيَ وَهُوَ عَشَرَةٌ، وَيَأْخُذُ الثَّانِي عَشَرَةً وَيَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَهِيَ تَمَامُ نِصْفِ رِبْحِهِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ. (وَالرِّبْحُ لَهُمَا كَكُلِّ آخِذِ مَالٍ لِلتَّنْمِيَةِ فَتَعَدَّى) قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْمُقَارِضُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي حَرَكَةِ الْمَالِ إلَى مَا يُنَمِّيهِ، فَإِذَا حَرَّكَهُ لِغَيْرِ مَا لَهُ أَخْذُهُ ضَمِنَ هَلَاكَهُ وَنَقْصَهُ، وَإِنْ حَرَّكَهُ بِالتَّعَدِّي إلَى مَا أَنَمَاهُ دَخَلَ رَبُّهُ فِي نَمَائِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 455 وَلَمْ يَكُنْ الْعَامِلُ أَوْلَى بِهِ بِتَعَدِّيهِ وَفَارَقَ تَعَدِّي الْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ إذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمَا فِي حَرَكَةِ الْمَالِ، فَتَعَدِّي الْعَامِلِ يُشْبِهُ تَعَدِّيَ الْوَكِيلِ وَالْمُبْضَعِ مَعَهُ. (لَا إنْ نَهَاهُ عَنْ الْعَمَلِ قَبْلَهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: أَمَّا لَوْ نَهَاهُ عَنْ الْعَمَلِ قَبْلَ الْعَمَلِ فَاشْتَرَى فَكَالْوَدِيعَةِ لَهُ رِبْحُهَا وَعَلَيْهِ غُرْمُهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ سِلْعَةٍ فَاشْتَرَاهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا لَمْ يَشْغَلْ الْعَامِلُ الْمَالَ حَتَّى نَهَاهُ رَبُّهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِهِ فَتَعَدَّى فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً لَمْ يَكُنْ فَارًّا وَضَمِنَ الْمَالَ، وَالرِّبْحُ لَهُ كَمَنْ تَعَدَّى عَلَى وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْوَدِيعَةِ وَالرِّبْحُ لَهُ بِخِلَافِ الَّذِي نَهَاهُ رَبُّ الْمَالِ عَنْ شِرَاءِ سِلْعَةٍ. وَإِنْ نَهَيْتَهُ عَنْ شِرَاءِ سِلْعَةٍ فِي عَقْدِ الْقِرَاضِ الصَّحِيحِ أَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ يَضْمَنُ، وَلَك تَرْكُهَا عَلَى الْقِرَاضِ أَوْ تَضْمِينُهُ الْمَالَ. وَلَوْ كَانَ قَدْ بَاعَهَا كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَكُمَا عَلَى شَرْطِكُمَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ فَرَّ بِالْمَالِ مِنْ الْقِرَاضِ حَتَّى تَعَدَّى لِيَكُونَ لَهُ رِبْحُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ تَسَلَّفَ مِنْ الْمَالِ مَا ابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ ضَمِنَ مَا خَسِرَ، وَمَا رَبِحَ كَانَ بَيْنَكُمَا. (أَوْ جَنَى كُلٌّ أَوْ أَخَذَ شَيْئًا فَكَأَجْنَبِيٍّ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " أَوْ جَنَى كُلٌّ " وَلَعَلَّهُ " وَلَوْ جَنَى كُلٌّ ". قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ جَنَى الْعَامِلُ أَوْ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْمَالِ جِنَايَةً أَوْ أَخَذَ شَيْئًا كَانَ عَلَيْهِمَا كَأَجْنَبِيٍّ وَالْبَاقِي عَلَى الْقِرَاضِ حَتَّى يَتَفَاصَلَا. اُنْظُرْ لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِائَةً فَأَخَذَ الْعَامِلُ خَمْسِينَ وَتَجَرَ بِخَمْسِينَ وَصَارَتْ مِائَةً ثُمَّ فَلِسَ. (وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاؤُهُ مِنْ رَبِّهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَامِلُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ سِلْعَةً وَإِنْ صَحَّ مِنْهُمَا لَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِهِمَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا كَرِهَهُ خَوْفَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ قَدْ رَجَعَ إلَى رَبِّهِ فَصَارَ الْقِرَاضُ بِهَذَا الْعَرْضِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي شِرَاءِ الْعَامِلِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ؛ فَرَوَى عَبْدُ الرَّحِيمِ أَنَّهُ خَفَّفَهُ إنْ صَحَّ، وَكَرِهَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَكَذَلِكَ إنْ صَرَفَ مِنْهُ، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَى مِنْهُ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ لَا لِلتِّجَارَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ اهـ. فَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: " لَا يَجُوزُ " وَانْظُرْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ الْقِرَاضِ. (أَوْ نَسِيئَةً وَإِنْ أَذِنَ) ابْنُ الْمَوَّازِ: شِرَاؤُهُ بِالدَّيْنِ عَلَى الْقِرَاضِ أَوْ يَتَسَلَّفُ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ، أَذِنَ فِيهِ رَبُّ الْمَالِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ، وَكَيْفَ يَأْخُذُ رِبْحَ مَا يَضْمَنُهُ الْعَامِلُ فِي ذِمَّتِهِ. (أَوْ بِأَكْثَرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: فِي الْعَامِلِ يَشْتَرِي سِلْعَةً بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِيَضْمَنَ مَا زَادَ دَيْنًا وَيَكُونَ فِي الْقِرَاضِ لَا خَيْرَ فِيهِ. (وَلَا أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ الثَّانِي يَشْغَلُهُ عَنْ الْأَوَّلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 456 أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ قِرَاضًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ قِرَاضًا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ كَثِيرًا يَشْغَلُهُ الثَّانِي عَنْهُ فَلَا يَأْخُذُ حِينَئِذٍ مِنْ غَيْرِهِ شَيْئًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَلَهُ أَخْذُهُ وَهُوَ يَحْمِلُ الْعَمَلَ بِهِمَا فَلَهُ أَنْ يَخْلِطَهُمَا وَلَا يَضْمَنَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي. (وَلَا بَيْعُ رَبِّهِ سِلْعَةً بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَبِيعُ رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا مِنْ الْقِرَاضِ بِغَيْرِ إذْنِ الْعَامِلِ وَلِلْعَامِلِ رَدُّهُ أَوْ إجَازَتُهُ. (وَجُبِرَ خُسْرُهُ وَمَا تَلِفَ وَإِنْ قَبْلَ عَمَلِهِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ) نَقَصَ هُنَا بِالرِّبْحِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُجْبَرُ الْخُسْرَانُ وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ قَبْلَ الْعَمَلِ بِالرِّبْحِ مَا لَمْ يَتَفَاصَلَا. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ: الْقَضَاءُ فِي الْقِرَاضِ أَنْ لَا يُقْسَمَ فِيهِ رِبْحٌ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ رَأْسِ الْمَالِ، وَأَنَّ الْمُقَارِضَ مُؤْتَمَنٌ لَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى فِيهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا ضَاعَ بَعْضُ الْمَالِ بِيَدِ الْعَامِلُ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ خَسِرَهُ أَوْ أَخَذَهُ لِصٌّ أَوْ الْعَاشِرُ ظُلْمًا لَمْ يَضْمَنْهُ الْعَامِلُ إلَّا أَنَّهُ إنْ عَمِلَ بِبَقِيَّةِ الْمَالِ جُبِرَ بِمَا رَبِحَ فِيهِ أَصْلُ الْمَالِ، فَمَا بَقِيَ بَعْدَ تَمَامِ رَأْسِ الْمَالِ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا. وَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ قَدْ قَالَ لِرَبِّ الْمَالِ لَا أَعْمَلُ حَتَّى تَجْعَلَ مَا بَقِيَ رَأْسَ الْمَالِ فَفَعَلَ وَأَسْقَطَا الْخَسَارَةَ فَهُوَ أَبَدًا عَلَى الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ وَإِنْ حَاسَبَهُ وَأَحْضَرَهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ مِنْهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُ مِنْهُ عَلَى بَابِ الصِّحَّةِ وَالْبَرَاءَةِ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " إنْ بَيَّنَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَالَ ثُمَّ يَرُدَّهُ إلَيْهِ " فَرْقٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ نَحْوُ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ: مَنْ تَسَلَّفَ دِينَارًا ثُمَّ رَدَّهُ لِشَيْءٍ وَكَرِهَهُ فَقَالَ: اذْهَبْ لِفُلَانٍ يُبَدِّلُهُ لَك فَتَلِفَ، بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبَضَهُ مِنْهُ ثُمَّ رَدَّهُ فَرْقٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَمِثْلُهُ الَّذِي سَلَّمَ ثَوْبًا فِي طَعَامٍ فَحَرَقَهُ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلِابْنِ رُشْدٍ هُنَا كَلَامٌ رَاجِعْهُ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ. (وَلَهُ الْخَلَفُ، وَإِنْ تَلِفَ جَمِيعُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْخَلَفُ) نُقِصَ هُنَا شَيْءٌ فَانْظُرْهُ. وَالْمَعْنَى لَوْ ضَاعَ الْمَالُ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِهِ وَقَبْلَ نَقْدِهِ فَلَهُ الْخَلَفُ وَلَا يَلْزَمُهُ، فَإِنْ أَخْلَفَهُ لَمْ يُجْبَرْ بِرِبْحِهِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ أَبَى فَرِبْحُ السِّلْعَةِ وَنَقْصُهَا لِلْعَامِلِ، وَعَلَيْهِ، نَحْوُ هَذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ أَخَذَ مِائَةً قِرَاضًا فَأَخَذَ لَهُ اللُّصُوصُ خَمْسِينَ فَأَرَاهُ مَا بَقِيَ فَأَتَمَّ لَهُ الْمِائَةَ فَتَكُونُ هِيَ رَأْسَ الْمَالِ فِي هَذَا خَمْسُونَ وَمِائَةٌ حَتَّى يَقْبِضَ مَا بَقِيَ عَلَى الْمُفَاصَلَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَضِيَ أَنْ يَبْقَى مَا بَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ لَمْ يَنْفَعْ. وَأَمَّا لَوْ أَخَذَ اللُّصُوصُ جُمْلَةَ رَأْسِ الْمَالِ فَأَعْطَاهُ رَبُّ الْمَالِ مَالًا آخَرَ فَلَا جَبْرَ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ رَأْسُ الْمَالِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْجَبْرُ إذَا بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ شَيْءٌ. (وَلَزِمَتْهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا اشْتَرَى الْعَامِلُ سِلْعَةً ثُمَّ ضَاعَ الْمَالُ جُبِرَ رَبُّهُ فِي دَفْعِ ثَمَنِهَا عَلَى الْقِرَاضِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 457 فَإِنْ أَبَى لَزِمَ الْعَامِلَ الثَّمَنُ وَكَانَتْ لَهُ خَاصَّةً. (وَإِنْ تَعَدَّدَ فَالرِّبْحُ كَالْعَمَلِ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِجْمَالَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَارَضْتَ رَجُلَيْنِ عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ الرِّبْحِ وَلِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَ وَلِلْآخَرِ السُّدُسَ لَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ الْعَامِلَانِ عَلَى مِثْلِ هَذَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَأْخُذُ بَعْضَ رِبْحِ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ. قَالَ أَصْبَغُ: وَيُفْسَخُ، فَإِنْ فَاتَ بِالْعَمَلِ كَانَ نِصْفُ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ وَالنِّصْفُ بَيْنَ الْعَامِلِينَ عَلَى مَا شَرَطَا وَيَرْجِعُ صَاحِبُ السُّدُسِ عَلَى صَاحِبِهِ بِإِجَارَةٍ فِي فَضْلِ جُزْئِهِ. وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَى قَدْرِ أَجْزَائِهِمَا مِنْ الرِّبْحِ لَكَانَ مَكْرُوهًا إلَّا أَنَّ ذَلِكَ إذَا نَزَلَ مَضَى قَالَ فَضْلٌ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَمِلَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَجْزَائِهِمَا مِنْ الرِّبْحِ جَازَ. عِيَاضٌ: وَنَحْوُ هَذَا لِحَمْدِيسٍ. (وَأَنْفَقَ إنْ سَافَرَ) . ابْنُ يُونُسَ: وَالْقَضَاءُ أَنَّ لِلْعَامِلِ النَّفَقَةَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ إذَا شَخَصَ لِلسَّفَرِ بِهِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ الْعَامِلُ مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنْ الْمَالِ وَلَا كِسْوَةَ وَلَا يُنْفِقُ مِنْهُ فِي تَجْهِيزِهِ إلَى سَفَرِهِ حَتَّى يَظْعَنَ، فَإِذَا شَخَصَ بِهِ مِنْ بَلَدِهِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي سَفَرِهِ مِنْ الْمَالِ فِي ظِعَانِهِ فِيمَا يُصْلِحُهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي غَيْرِ سَرَفٍ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا إنْ كَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ ذَلِكَ وَلَا يُحَاسَبُ فِي رِبْحِهِ وَلَكِنْ يُلْغَى، وَسَوَاءٌ قَرُبَ السَّفَرُ أَوْ بَعُدَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ شَيْئًا، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ بَعْدَ النَّفَقَةِ إلَى صَاحِبِهِ، فَإِذَا وَصَلَ إلَى مِصْرِهِ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 458 (وَلَمْ يَبْنِ بِزَوْجَتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ خَرَجَ بِالْمَالِ إلَى بَلَدٍ فَنَكَحَ بِهَا فَإِذَا دَخَلَ وَطَنَهَا فَمِنْ يَوْمِئِذٍ تَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ. (وَاحْتَمَلَ الْمَالُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ ذَلِكَ. (لِغَيْرِ أَهْلٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا بِالْفُسْطَاطِ وَلَهُ بِهَا أَهْلٌ فَخَرَجَ بِهِ إلَى بَلَدٍ لَهُ فِيهَا أَهْلٌ، فَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي ذَهَابِهِ وَلَا فِي رُجُوعِهِ لِأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَهْلِهِ وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ. (وَحَجٍّ وَغَزْوٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قِيلَ لِمَالِكٍ: عِنْدَنَا تُجَّارٌ يَأْخُذُونَ الْمَالَ قِرَاضًا يَشْتَرُونَ بِهِ مَتَاعًا يَشْهَدُونَ بِهِ الْمَوْسِمَ، لَوْلَا ذَلِكَ مَا خَرَجُوا، هَلْ لَهُمْ فِي الْمَالِ نَفَقَةٌ؟ فَقَالَ: لَا نَفَقَةَ لِحَاجٍّ وَلَا لِغَازٍ فِي مَالِ الْقِرَاضِ فِي ذَهَابٍ وَلَا رُجُوعٍ (بِالْمَعْرُوفِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا بِالْمَعْرُوفِ (فِي الْمَالِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: كَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي سَفَرِهِ مِنْ الْمَالِ انْتَهَى. وَانْظُرْ إنْ بَعَثَ مَعَهُ بِضَاعَةً قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَافَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَالِكًا أَنَّهَا إنْ كَانَتْ كَثِيرَةً لَهَا بَالٌ أَنَّ لِلْمُبْضَعِ مَعَهُ. أَنْ يُفِضْ نَفَقَتَهُ عَلَى الْبِضَاعَةِ وَعَلَى مَالِهِ قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاضِ. اُنْظُرْ ثَالِثَ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ. (وَاسْتِخْدَامٍ إنْ تَأَهَّلَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لِلْعَامِلِ أَنْ يُؤَاجِرَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ مَنْ يَخْدُمُهُ فِي سَفَرِهِ إنْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا وَكَانَ مِثْلُهُ لَا يَخْدُمُ نَفْسَهُ. (لَا دَوَاءً) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: أَيَشْرَبُ الدَّوَاءَ وَيَدْخُلُ الْحَمَّامَ مِنْ الْقِرَاضِ؟ قَالَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ يَوْمَ كَانَ الْقِرَاضُ إنْ قَلَّمَ ظُفُرَهُ أَوْ أَخَذَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 459 مِنْ شَعْرِهِ كَانَ مِنْ الْقِرَاضِ، وَأَمَّا الْحِجَامَةُ وَالْحَمَّامُ فَخَفِيفٌ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: " مَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ يَوْمَ كَانَ الْقِرَاضُ " يُرِيدُ مَا كَانَ يُؤْخَذُ عَلَيْهَا فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ أَعْوَاضٌ، وَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِلْعُرْفِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَفِي كُلِّ بَلَدٍ مَا الْعَادَةُ أَنْ لَا يُؤْخَذَ عَلَيْهِ عِوَضٌ لَمْ يُعْطَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَمَا الْعَادَةُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ وَقَدْرُهُ يَسِيرٌ يَتَكَرَّرُ جَازَ أَنْ يُعْطَى مِنْهُ لِدُخُولِ رَبِّ الْمَالِ عَلَيْهِ لِتَكَرُّرِهِ بِخِلَافِ الدَّوَاءِ. (وَاكْتَسَى إنْ بَعُدَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لِلْعَامِلِ أَنْ يَكْتَسِيَ مِنْ الْقِرَاضِ فِي بَعِيدِ السَّفَرِ إنْ كَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ ذَلِكَ، وَلَا يَكْتَسِي فِي قَرِيبِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُقِيمًا بِمَوْضِعِ إقَامَةٍ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى الْكِسْوَةِ. (وَوُزِّعَ إنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ وَإِنْ بَعُدَ اكْتَرَى وَتَزَوَّدَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ تَجَهَّزَ لِلسَّفَرِ بِمَالٍ أَخَذَهُ قِرَاضًا مِنْ رَجُلٍ اكْتَرَى وَتَزَوَّدَ ثُمَّ أَخَذَ قِرَاضًا ثَانِيًا مِنْ غَيْرِهِ فَلْيَحْسِبْ نَفَقَتَهُ وَرُكُوبَهُ عَلَى الْمَالَيْنِ بِالْحِصَصِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا فَسَافَرَ بِهِ وَبِمَالِ نَفْسِهِ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمَالَيْنِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ خَرَجَ فِي حَاجَةٍ لِنَفْسِهِ فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ قِرَاضًا، فَلَهُ أَنْ يُفِضْ النَّفَقَةَ عَلَى مَبْلَغِ قِيمَةِ نَفَقَتِهِ فِي سَفَرِهِ وَمَبْلَغِ الْقِرَاضِ فَيَأْخُذُ مِنْ الْقِرَاضِ حِصَّتَهُ وَيَكُونُ بَاقِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يَنْظُرُ قَدْرَ نَفَقَتِهِ فَإِنْ كَانَتْ مِائَةً وَالْقِرَاضُ سَبْعُمِائَةٍ فَعَلَى الْمَالِ سَبْعَةُ أَثْمَانِ النَّفَقَةِ. (وَإِنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّهِ عَالِمًا عَتَقَ عَلَيْهِ إنْ أَيْسَرَ وَإِلَّا بِيعَ بِقَدْرِ ثَمَنِهِ وَرِبْحِهِ قَبْلَهُ وَعَتَقَ بَاقِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا اشْتَرَى الْعَامِلُ أَبَا رَبِّ الْمَالِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ مَلِيئًا عَتَقَ عَلَيْهِ لِضَمَانِهِ بِالتَّعَمُّدِ وَالْوَلَاءُ لِلِابْنِ وَيَغْرَمُ الْعَامِلُ ثَمَنَهُ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ تَلَفَ ذَلِكَ الْمَالِ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَغْرَمَهُ لَهُ وَهُوَ حُرٌّ بِعَقْدِ الشِّرَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَامِلِ مَالٌ بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ رَأْسِ مَالِ الِابْنِ وَحِصَّةِ رِبْحِهِ، وَعَتَقَ عَلَى الْعَامِلِ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْهُ. وَمَعْنَى حِصَّةِ رِبْحِهِ أَيْ حِصَّةِ رِبْحِهِ فِي الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ لَا رِبْحِهِ فِي الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْبَحُ فِي أَبِيهِ فَكَأَنَّهُ مَلَّكَهُ تِلْكَ الْحِصَّةَ. (وَغَيْرَ عَالِمٍ فَعَلَى رَبِّهِ وَالْعَامِلُ رِبْحُهُ فِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا اشْتَرَى الْعَامِلُ أَبَا رَبِّ الْمَالِ وَلَمْ يَعْلَمْ عَتَقَ عَلَى الِابْنِ وَكَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ حِصَّةُ رِبْحِهِ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ. (وَمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَعَلِمَ عَتَقَ بِالْأَكْثَرِ مِنْ قِيمَتِهِ وَثَمَنِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ فَضْلٌ وَإِلَّا فَبِقِيمَتِهِ إنْ أَيْسَرَ فِيهِمَا وَإِلَّا بِيعَ بِمَا وَجَبَ) . ابْنُ رُشْدٍ: إذَا اشْتَرَى الْعَامِلُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَهُوَ عَالِمٌ مُوسِرٌ وَفِيهِ رِبْحٌ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَيُؤَدِّي إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، وَحِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ يَوْمَ الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ فَيُؤَدِّيَ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَحِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَقَدْ رَضِيَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ فِي رَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، فَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ أَخْذُهُ بِالْأَكْثَرِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَعْتِقُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 460 عَلَيْهِ وَيُؤَدِّي إلَى رَبِّ الْمَالِ الْأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ، أَوْ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَقَدْ رَضِيَ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَيْهِ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَيْضًا مُوسِرٌ وَفِيهِ رِبْحٌ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ سَائِرُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ كَحُكْمِ الْعَبْدِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ يُعْتِقُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْهُ وَهُوَ مُوسِرٌ. وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ وَكَانَ أَيْضًا مُوسِرًا وَلَا رِبْحَ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيَدْفَعُ إلَى رَبِّ الْمَالِ مَالَهُ انْتَهَى. وَهَذِهِ صُوَرٌ أَرْبَعٌ وَهِيَ كُلُّهَا فِي حَالِ يُسْرِ الْعَامِلِ. صُورَةٌ خَامِسَةٌ: اشْتَرَى الْعَامِلُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَهُوَ عَالِمٌ مُعْسِرٌ وَفِيهِ رِبْحٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ فِي الْكِتَابِ إنَّهُ يُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَرِبْحِ رَبِّ الْمَالِ، يُرِيدُ يَوْمَ الْحُكْمِ فَيَدْفَعُ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَيَعْتِقُ مَا بَقِيَ. رَاجِعْ الْمُقَدِّمَاتِ فَفِيهَا طُولٌ وَتَمْثِيلٌ. صُورَةٌ سَادِسَةٌ: اشْتَرَاهُ وَهُوَ عَالِمٌ مُعْسِرٌ وَلَيْسَ فِيهِ رِبْحٌ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَيُتْبَعُ بِقِيمَتِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ. صُورَةٌ سَابِعَةٌ: اشْتَرَاهُ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَفِيهِ فَضْلٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنَّهُ يُبَاعُ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ يَوْمَ الْحُكْمِ وَيَعْتِقُ الْبَاقِي. صُورَةٌ ثَامِنَةٌ: اشْتَرَاهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَيْضًا مُعْسِرٌ وَلَا فَضْلَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: حُكْمُ هَذَا حُكْمُ مَنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَهُوَ عَالِمٌ مُوسِرٌ وَلَا رِبْحَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيَدْفَعُ إلَى رَبِّ الْمَالِ مَالَهُ، لَا فَرْقَ فِي هَذَا الْوَجْهِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ انْتَهَى بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ. رُمْتُ بِذَلِكَ أَنْ أُسَايِرَ خَلِيلًا وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُتَّجَهْ لِي مَا رُمْتُ فَانْظُرْ أَنْتَ فِي ذَلِكَ. (وَإِنْ أَعْتَقَ مُشْتَرًى لِلْعِتْقِ غَرِمَ الثَّمَنَ وَرِبْحَهُ وَلِلْقِرَاضِ قِيمَتَهُ يَوْمَئِذٍ وَرِبْحَهُ فَإِنْ أَعْسَرَ بِيعَ مِنْهُ بِمَا لِرَبِّهِ) . ابْنُ رُشْدٍ: إذَا أَعْتَقَ الْعَامِلُ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا اشْتَرَاهُ لِلْعِتْقِ عَتَقَ عَلَيْهِ وَغَرِمَ لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ أَوْ رَأْسَ مَالِهِ وَرِبْحَهُ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَاشْتَرَاهُ لِلْقِرَاضِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَغَرِمَ لِرَبِّ الْمَالِ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْعِتْقِ إلَّا قَدْرَ حَظِّهِ مِنْهُ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ فَضْلٌ فَيُبَاعُ مِنْهُ لِرَبِّ الْمَالِ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَرِبْحِهِ وَيَعْتِقُ الْبَاقِي عَلَى الْعَامِلِ. (وَإِنْ وَطِئَ أَمَةً قُوِّمَ بِهَا أَوْ أَبْقَى إنْ لَمْ تَحْمِلْ) . ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ وَطِئَ الْعَامِلُ أَمَةً مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَلَمْ تَحْمِلْ فَلِلصَّقَلِّيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا، وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا بِيعَتْ فِيهَا. ابْنُ شَاسٍ: لِرَبِّ الْمَالِ تَضْمِينُهُ قِيمَتَهَا أَوْ ثَمَنَهَا. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (فَإِنْ أَعْسَرَ أَتْبَعَهُ بِهَا وَبِحِصَّةِ الْوَلَدِ أَوْ بَاعَ لَهُ بِقَدْرِ مَالِهِ) اُنْظُرْ هَلْ نَقَصَ هُنَا شَيْءٌ؟ قَالَ ابْنُ رُشْدٌ: إنْ وَطِئَ الْعَامِلُ أَمَةً مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَحَمَلَتْ وَلَهُ مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ وَطِئَهَا فَيُجْبَرُ بِهِ الْقِرَاضُ وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا كَانَ فِيهَا فَضْلٌ بِيعَتْ وَأُتْبِعَ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ دَيْنًا، وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ فَقِيلَ: إنَّهُ يُبَاعُ مِنْهَا لِرَبِّ الْمَالِ بِقَدْرِ رَأْسِ مَالِهِ وَرِبْحِهِ وَيَكُونُ مَا بَقِيَ بِحِسَابِ أُمِّ وَلَدٍ، وَقِيلَ يَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْأَمَةِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ يَطَؤُهَا أَحَدُهُمَا فَتَحْمِلُ وَلَا مَالَ لَهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَعْلُومِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ اشْتَرَاهَا لِلْوَطْءِ فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَلَا تُبَاعُ وَيُتْبَعُ بِالثَّمَنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 461 الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ فِي ذِمَّتِهِ قَوْلًا وَاحِدًا انْتَهَى. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ: رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إذَا تَسَلَّفَ الْعَامِلُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ مَا ابْتَاعَ بِهِ أَمَةً فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ فَقَدْ عَرَّفْتُكَ بِقَوْلِ مَالِكٍ، وَهُوَ رَأَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا اشْتَرَاهَا بِهِ فِي مِلْكِهِ وَيُتْبَعَ بِهِ فِي عُدْمِهِ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَاهَا لِلْقِرَاضِ، يُرِيدُ وَيَثْبُتُ ذَلِكَ، ثُمَّ تَعَدَّى. فَهَذِهِ تُبَاعُ فِي عُدْمِهِ. قَالَ عِيسَى: وَيُتْبَعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ دَيْنًا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْقِرَاضِ فَضْلٌ فَيَكُونَ كَمَنْ وَطِئَ أَمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ (وَإِنْ أَحْبَلَ مُشْتَرَاةً لِلْوَطْءِ فَالثَّمَنُ وَأُتْبِعَ بِهِ إنْ أَعْسَرَ) تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ قَوْلًا وَاحِدًا فَانْظُرْهُ (وَلِكُلٍّ فَسْخُهُ قَبْلَ عَمَلِهِ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَزَكَاتُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا " إنَّ الْقِرَاضَ لَا يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَلِمَنْ شَاءَ حِلُّهُ. (كَرَبِّهِ وَإِنْ تَزَوَّدَ لِسَفَرٍ وَلَمْ يَظْعَنْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لِرَبِّ الْمَالِ رَدُّ الْمَالِ مَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ الْعَامِلُ أَوْ يَظْعَنْ بِهِ لِسَفَرٍ. وَإِنْ ابْتَاعَ بِهِ سِلَعًا وَتَجَهَّزَ يُرِيدُ بَعْضَ الْبُلْدَانِ فَنَهَاهُ رَبُّهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ بَعْدَ شِرَائِهِ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ عَلَيْهِ عَمَلَهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى سِلَعًا فَأَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ مَكَانَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ السُّلْطَانُ فَيُؤَخِّرُ مِنْهَا مَا يُرْجَى لَهُ سُوقٌ لِئَلَّا يَذْهَبَ عَمَلُ الْعَامِلِ بَاطِلًا. مُحَمَّدٌ: لَوْ اشْتَرَى مِثْلَ الزَّادِ وَالسُّفْرَةِ. فَإِنْ رَضِيَ رَبُّ الْمَالِ بِأَخْذِ ذَلِكَ بِمَا اشْتَرَاهُ فَذَلِكَ لَهُ. (وَإِلَّا فَلِنُضُوضِهِ وَإِنْ اسْتَنَضَّهُ فَالْحَاكِمُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ جَبْرُ الْعَامِلِ عَلَى بَيْعِ سِلَعِ قِرَاضِهِ لِأَخْذِ رَأْسِ مَالِهِ وَيَنْظُرُ الْإِمَامُ فِيهَا، إنْ رَأَى وَجْهَ بَيْعِهَا عَجَّلَهُ وَإِلَّا أَخَّرَهُ إلَى إبَّانِ سُوقِهَا كَالْحُبُوبِ تُشْتَرَى فِي الْحَصَادِ تُرْفَعُ لِإِبَّانِ نَفَاقِهَا، وَالضَّأْنُ تُشْتَرَى قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ تُرْفَعُ لِيَوْمِهِ. اللَّخْمِيِّ: وَكَذَا الْعَامِلُ إنْ أَرَادَ تَعْجِيلَ بَيْعِهَا وَأَبَى رَبُّهَا. (وَإِنْ مَاتَ فَلِوَارِثِهِ الْأَمِينِ أَنْ يُكَمِّلَهُ وَإِلَّا أَتَى بِأَمِينٍ كَالْأَوَّلِ وَإِلَّا سَلَّمُوا هَدَرًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَخَذَ قِرَاضًا فَعَمِلَ بِهِ ثُمَّ مَاتَ الْعَامِلُ، فَإِنْ كَانَ وَرَثَتُهُ مَأْمُونِينَ قِيلَ لَهُمْ: تَقَاضَوْا الدَّيْنَ وَبِيعُوا السِّلَعَ وَأَنْتُمْ عَلَى سَهْمِ وَلِيِّكُمْ، فَإِنْ لَمْ يُؤْمَنُوا وَأَتَوْا بِأَمِينٍ ثِقَةٍ كَانَ ذَلِكَ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَأْتُوا بِأَمِينٍ وَلَمْ يَكُونُوا مَأْمُونِينَ سَلَّمُوا ذَلِكَ إلَى رَبِّهِ وَلَا رِبْح لَهُمْ. (وَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ فِي تَلَفِهِ وَخُسْرِهِ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْعَامِلُ أَمِينٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ضَيَاعِهِ وَخُسْرَانِهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 462 وَاللَّخْمِيُّ: إنْ اخْتَلَفَا فِي تَلَفِهِ فَقَالَ الْعَامِلُ: ضَاعَ أَوْ سَقَطَ مِنِّي أَوْ سُرِقَ أَوْ غَرِقَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَالْأَمِينُ مُصَدَّقٌ فِي أَمَانَتِهِ مَأْمُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ رَضِيَهُ أَمِينًا وَاخْتُلِفَ فِي يَمِينِهِ. (وَرَدَّهُ إنْ قَبَضَ بِلَا بَيِّنَةٍ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهِ وَكَانَ أَخْذُهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّحْقِيقَ، وَإِنْ أَخَذَهُ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي رَدِّهِ. هَذَا قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (أَوْ قَالَ قِرَاضٌ وَرَبُّهُ بِضَاعَةٌ بِأَجْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ الْعَامِلُ قِرَاضٌ وَقَالَ رَبُّهُ: بَلْ أَبْضَعْتُكَهُ لِتَعْمَلَ بِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ مَعَ يَمِينِهِ. قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْقَرَوِيِّينَ: إنْ كَانَ أَمَرَهُمْ أَنَّ لِلْبِضَاعَةِ أَجْرًا فَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ. رَاجِعْ الْمُقَدِّمَاتِ. (وَعَكْسُهُ) اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ الْعَامِلُ بِضَاعَةٌ بِأُجْرَةٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ قِرَاضًا، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ مَعَ يَمِينِهِ. (أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْغَصْبَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ قَالَ الصَّانِعُ قِرَاضٌ وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ غَصَبْتنِيهِ لَمْ يُصَدَّقْ، وَقِيلَ إلَّا أَنْ يُشْبِهَ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ نَصَّ هَذَا الْفَرْعِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُهَا: إنْ قَالَ الصَّانِعُ اسْتَعْمَلْتَنِي هَذَا الْمَتَاعَ وَقَالَ رَبُّهُ سَرَقْتَهُ مِنِّي، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّانِعِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُشَارُ إلَيْهِ بِذَلِكَ عُوقِبَ رَبُّ الثَّوْبِ وَإِلَّا لَمْ يُعَاقَبْ. (أَوْ قَالَ أَنْفَقْتُ مِنْ غَيْرِهِ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ أَنْفَقْتُ فِي سَفَرِي مِنْ مَالِي مِائَةَ دِرْهَمٍ لِأَرْجِعَ بِهَا فِي مَالِ الْقِرَاضِ صُدِّقَ وَلَوْ خَسِرَ، وَرَجَعَ بِهَا فِي الْمَالِ إنْ أَشْبَهَ نَفَقَةَ مِثْلِهِ، وَإِنْ ادَّعَى ذَلِكَ بَعْدَ الْمُقَاسَمَةِ لَمْ يُصَدَّقْ. (وَفِي جُزْءِ الرِّبْحِ إنْ ادَّعَى مُشْبِهًا وَالْمَالُ بِيَدِهِ أَوْ وَدِيعَةٌ وَإِنْ لِرَبِّهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ فِي جُزْءِ الرِّبْحِ إنْ أَتَى بِمَا يُشْبِهُ وَالْمَالُ بِيَدِهِ أَوْ وَدِيعَةٌ وَلَوْ عِنْدَ رَبِّهِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ اخْتَلَفَا فِي الْجُزْءِ فَقَالَ الْعَامِلُ: أَخَذْتُهُ عَلَى النِّصْفِ وَقَالَ الْآخَرُ عَلَى الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْمَلْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ، وَإِنْ أَحَبَّ الْآخَرُ أَنْ يَعْمَلَهُ عَلَى الثُّلُثِ عَمِلَ أَوْ رَدَّهُ، فَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَمَلِ وَفِي الْمَالِ رِبْحٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدَيْهِ أَوْ سَلَّمَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِيدَاعِ حَتَّى يَتَفَاصَلَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَسْلِيمُهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ. وَإِنْ أَسْلَمَهُ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ رَبُّ الْمَالِ وَيَكُونَ جُزْءُ الْعَامِلِ سَلَفًا عِنْدَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ أَنَّهُ عَلَى الثُّلُثِ. (وَلِرَبِّهِ إنْ ادَّعَى الشَّبَهَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الرِّبْحِ بَعْدَ الْعَمَلِ وَلَمْ يُشْبِهْ قَوْلُ الْعَامِلِ رُدَّ الْقِرَاضُ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهِ إنْ أَشْبَهَ وَإِلَّا رُدَّ الْقِرَاضُ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّهِ إنْ أَشْبَهَ وَلَمْ يُشْبِهْ قَوْلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 463 الْعَامِلِ بِهِ فَسَّرَ الْبَاجِيُّ الْمَذْهَبَ غَيْرَ مَعْزُوٍّ لِابْنِ حَبِيبٍ (فَقَطْ) اُنْظُرْ إنْ كَانَ يُشِيرُ بِهَذَا إلَى أَنَّهُ إذَا أَشْبَهَ قَوْلَاهُمَا رُدَّ لِقِرَاضِ الْمِثْلِ كَمَا إذَا لَمْ يُشْبِهْ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. (أَوْ قَالَ قِرَاضٌ فِي قِرَاضٍ أَوْ وَدِيعَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَخَذَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ مَالًا وَقَالَ: هُوَ بِيَدِي وَدِيعَةٌ أَوْ قِرَاضٌ وَقَالَ رَبُّهُ بَلْ أَسْلَفْتُكَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ قِبَلَهُ مَالًا وَيَدَّعِي أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ. وَلَوْ قَالَ رَبُّهُ أَعْطَيْتُهُ قِرَاضًا وَقَالَ الْعَامِلُ: بَلْ سَلَفًا صُدِّقَ الْعَامِلُ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ هَاهُنَا مُدَّعٍ فِي الرِّبْحِ فَلَا يُصَدَّقُ (أَوْ فِي جُزْءٍ قَبْلَ الْعَمَلِ مُطْلَقًا) هَذَا هُوَ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ لِلَّخْمِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَزِعَهُ. (وَإِنْ قَالَ: وَدِيعَةٌ ضَمِنَهُ الْعَامِلُ إنْ عَمِلَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ وَدِيعَةٌ ضَمِنَهُ الْعَامِلُ بَعْدَ الْعَمَلِ لَا قَبْلَهُ. (وَلِمُدَّعِي الصِّحَّةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا مَا لَا يَجُوزُ كَدَعْوَى أَنَّ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَنِصْفَ مَا بَقِيَ، صُدِّقَ مُدَّعِي الْحَلَالِ مِنْهُمَا إنْ أَتَى بِمَا يُشْبِهُ. (وَمَنْ هَلَكَ وَقِبَلُهُ كَقِرَاضٍ أُخِذَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ وَحَاصَّ غُرَمَاءَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ هَلَكَ وَقِبَلَهُ قِرَاضٌ وَوَدَائِعُ لَمْ تُوجَدْ وَلَمْ يُوصِ بِشَيْءٍ فَذَلِكَ فِي مَالِهِ وَيُحَاصُّ بِهِ غُرَمَاءَهُ. وَانْظُرْ حَكَمُوا فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِرَأْسِ مَالِ الْقِرَاضِ مَعَ احْتِمَالِ الضَّيَاعِ وَالْخَسَارَةِ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَلَا يُفِضْ عَلَى التَّرِكَةِ بِالرِّبْحِ إلَّا أَنْ يُحَقِّقَ. (وَتَعَيَّنَ بِوَصِيَّةٍ وَقُدِّمَ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَقَرَّ بِوَدِيعَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ فِي قِرَاضٍ بِعَيْنِهِ فِي مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ فِي صِحَّتِهِ أَوْ بِإِقْرَارِهِ فِي مَرَضِهِ هَذَا قَبْلَ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ أَوْ بَعْدُ، فَلِرَبِّ الْوَدِيعَةِ وَالْقِرَاضِ أَخْذُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ دُونَ غُرَمَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا وَجَبَ التَّحَاصُصُ بِهَا مَعَ غُرَمَائِهِ. (وَلَا يَنْبَغِي لِعَامِلٍ هِبَةٌ أَوْ تَوْلِيَةٌ وَوَسِعَ أَنْ يَأْتِيَ بِطَعَامٍ كَغَيْرِهِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّفَضُّلَ وَإِلَّا فَلْيَتَحَلَّلْهُ وَإِنْ أَبَى فَلْيُكَافِئْهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَهَبَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ شَيْئًا وَلَا يُوَلِّيَ وَلَا يُعْطِيَ عَطِيَّةً وَلَا يُكَافِئَ مِنْهَا أَحَدًا، فَأَمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِطَعَامٍ إلَى قَوْمٍ وَيَأْتُونَ بِمِثْلِهِ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ وَاسِعًا إذَا لَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 464 يَتَعَمَّدْ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَلْيَتَحَلَّلْ صَاحِبَهُ، فَإِنْ حَلَّلَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ أَبَى فَلْيُكَافِئْهُ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ شَيْئًا لَهُ مُكَافَأَةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: مِثْلُ هَذَا فِي الْمُوَطَّأِ وَقَرَّرَهُ الْبَاجِيُّ بِقَوْلِهِ: إنْ اجْتَمَعَ مَعَ رُفَقَائِهِ فَجَاءُوا بِطَعَامٍ عَلَى مَا يَتَخَارَجُهُ الرُّفَقَاءُ فِي السَّفَرِ فَذَلِكَ وَاسِعٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِأَمْرٍ مُسْتَنْكَرٍ. وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَأْكُلُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَكْثَرَ مِنْ صَاحِبِهِ وَمَنْ يَصُومُ فِي يَوْمٍ دُونَ رُفَقَائِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ إذَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا يَتَسَاوَى فِيهِ ثُمَّ يُنْفِقُونَ مِنْهُ فِي طَعَامِهِمْ وَغَيْرِهِ مِمَّا مَسَّتْهُمْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ انْفِرَادَ كُلِّ إنْسَانٍ بِتَوَلِّي طَعَامِهِ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيَشْغَلُهُ عَمَّا هُوَ بِسَبَبِهِ مِنْ أَمْرِ تِجَارَتِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْمُسَافِرِينَ. قَالَهُ بَعْضُ مَنْ لَقِيت وَهُوَ وَاضِحٌ اهـ. اُنْظُرْ هَلْ يَكُونُ مِنْ هَذَا مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى بَيْنَ الْأَصْهَارِ وَالْقَرَابَاتِ يَشْتَرُونَ الْكَرْمَ عَصِيرًا وَيَسْكَرُ الْجَمِيعُ؟ وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقَرِّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَيُمَثِّلُ بِالطَّلَبَةِ بِالْمَدْرَسَةِ وَكَوْنِهِمْ يَطْحَنُ أَحَدُهُمْ دَقِيقَهُ، فَإِذَا فَنِيَ دَقِيقُهُ طَحَنَ الْآخَرُ مِنْ قَمْحِهِ وَهَكَذَا، وَلَكِنْ لِقِلَّةِ الِامْتِحَانِ لَا أَدْرِي عَلَى مَا كَانَ يُخَرِّجُ ذَلِكَ. وَرَأَيْت فِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ أَجَازَ أَنْ يُغَدِّيَ أَحَدُهُمْ الْحَصَّادَةَ وَيُعَشِّيَهُمْ الْآخَرُ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا نَجْمًا حَتَّى يَأْخُذَ صَاحِبُهُ النَّجْمَ الْآخَرَ. وَفِي جَامِعِ الْمُوَطَّأِ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ جَمَعَ أَزْوَادَ الْجَيْشِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْجَيْشِ، وَرِضَاهُمْ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ زَادًا مِنْ بَعْضٍ وَيَكُونَ فِيهِمْ مَنْ فَنِيَ زَادُهُ جُمْلَةً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 465 إلَّا أَنَّهُمْ أَرَادُوا التَّوَاسِي وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إذَا أَرْمَلُوا جَمَعُوا زَادَهُمْ فَتَوَاسَوْا فِيهِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ» . وَانْظُرْ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى إلْغَاءَ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ نَفَقَتَهُمَا. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ عَلَى عَامِلِ الْقِرَاضِ فِي إعْطَاءِ السَّائِلِ الْكِسْرَةَ وَكَذَلِكَ التَّمَرَاتِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ مِنْ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يُتَشَاحُّ فِي مِثْلِهِ. وَكَذَا الْوَصِيُّ يُعْطِي السَّائِلَ مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} [النور: 61] الْآيَةَ وَانْظُرْ فِي ابْنِ عَرَفَةَ قَوْلَ مَالِكٍ إنْ دَفَعَ الْعَامِلُ لِرَبِّ الْمَالِ حَظَّ رِبْحِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ جَازَ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا جَائِزٌ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ، وَمَنَعَ سَحْنُونَ ذَلِكَ إنْ كَانَ أَعْطَاهُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ رِبْحَهُ لَيْسَ فِي ذِمَّةِ الْعَامِلِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَالِ بِعَيْنِهِ اهـ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ عَيْنًا وَيَقْسِمَانِ مَا بَقِيَ مِنْ سِلَعٍ أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ يَأْخُذَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ سِلَعًا وَيَقْسِمَانِ مَا بَقِيَ مِنْ عَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِمَّا يَجُوزُ تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِيهِ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ سَلَّفَ الْعَامِلُ فِي طَعَامٍ ثُمَّ كَرِهَ التَّقَاضِي فَأَسْلَمَ ذَلِكَ فَرَضِيَ رَبُّ الْمَالِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: رَأَيْت فَتْوَى لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ الدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ وَعَكْسُهُ بِصَرْفِ وَقْتِهِ. وَسُئِلَ عَنْهَا الْغُبْرِينِيُّ فَقَالَ كَذَلِكَ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: بِدَلِيلِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ قِرَاضِ الْعُتْبِيَّةِ مَفْهُومُ قَوْلِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَعْدَ الْعَمَلِ. وَمِنْ رَسْمِ الْعَرِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى قَارَضَهُ بِعَشْرَةٍ تَنْقُصُ خَرُّوبَةً. وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا فِي الْوَكَالَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَحَنِثَ بِفِعْلِهِ " نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ. وَانْظُرْ فِيهِ أَيْضًا مَا يَفْضُلُ عِنْدَ الْمُقَارِضِ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ كَالْجُبَّةِ قَالَ مَالِكٌ: تُتْرَكُ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا قَدْرٌ كَكِسْوَةِ الْمَرْأَةِ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ السَّنَةِ لَا تُتْبَعُ الْمَرْأَةُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَهَا فِي السَّنَةِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ. وَانْظُرْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: " إنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ عَالِمًا " هَلْ الْعِلْمُ الْمَشْرُوطُ فِي هَذَا الْفَصْلِ عِلْمُهُ بِالْأُبُوَّةِ أَوْ الْأُخُوَّةِ لَا عِلْمُهُ بِوُجُوبِ عِتْقِهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا هُوَ أَصْلُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْحُكْمِ أَوْ بِالْجَهْلِ بِهِ لَا أَثَرَ لَهُ هُنَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ أَوْ الْجَهْلُ فِي أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ. [كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ] [بَابٌ فِي أَرْكَانِ الْمُسَاقَاة وَمَا بِهِ تَنْعَقِدُ وَحُكْمِهَا فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ] (كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ) ابْنُ شَاسٍ: فِي الْمُسَاقَاةِ بَابَانِ: الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: مُتَعَلِّقُ الْعَقْدِ وَالْمَشْرُوطُ لِلْعَامِلِ وَالْعَمَلُ وَمَا بِهِ تَنْعَقِدُ. الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِهَا فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ. عِيَاضٌ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ سَقْيِ الثَّمَرَةِ إذْ هِيَ مُعْظَمُ عَمَلِهَا وَأَصْلُ مَنْفَعَتِهَا. وَانْظُرْ قَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا دَخَلَ الْحَائِطَ سَيْلٌ أَقَامَ فِيهِ حَتَّى اسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ فَلَا يُحَاسِبُهُ رَبُّ الْحَائِطِ بِذَلِكَ. وَانْظُرْ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى سَقْيِهِ قَبْلَ الْمَطَرِ فَإِنَّهُ يَحُطُّ مِنْ الْأَجْرِ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: الْمُسَاقَاةُ سُنَّةً عَلَى حِيَالِهَا مُسْتَثْنًى مِنْ الْمُخَابَرَةِ وَكِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 466 وَبِالْجُزْءِ وَمِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَالْإِجَارَةِ قَبْلَ طِيبِهَا وَقَبْلَ وُجُوبِهَا وَمِنْ الْإِجَارَةِ بِالْمَجْهُولِ وَالْغَرَرِ (إنَّمَا تَصِحُّ مُسَاقَاةُ شَجَرٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُسَاقَاةُ عَقْدٌ عَلَى مُؤْنَةِ النَّبَاتِ بِقَدْرٍ لَا مِنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ لَا بِلَفْظِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ جُعْلٍ فَيَدْخُلُ قَوْلُهَا لَا بَأْسَ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ الثَّمَرَةِ لِلْعَامِلِ وَمُسَاقَاةُ الْبَعْلِ. ابْنُ رُشْدٍ: تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي كُلِّ أَصْلٍ لَهُ ثَمَرَةٌ مَا لَمْ يَحِلَّ بَيْعُ الثَّمَرَةِ، كَانَ الْأَصْلُ ثَابِتًا، أَوْ غَيْرَ ثَابِتٍ إلَّا أَنَّ غَيْرَ الثَّابِتِ لَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَنْبُتَ وَيَسْتَقِلَّ، وَلَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْبُقُولِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهَا يَحِلُّ إذَا نَبَتَتْ وَاسْتَقَلَّتْ (وَإِنْ بَعْلًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ النَّخْلِ وَفِيهَا مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى سَقْيِهِ كَمُسَاقَاةِ شَجَرِ الْبَعْلِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى عَمَلِ الْمُؤْنَةِ. (ذِي ثَمَرٍ) . عِيَاضٌ: مِنْ شُرُوطِ الْمُسَاقَاةِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 467 إلَّا فِي أَصْلٍ يُثْمِرُ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَزْهَارِ وَالْأَوْرَاقِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا كَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ. (لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْمُسَاقَاةُ فِي كُلِّ ذِي أَصْلٍ مِنْ الشَّجَرِ جَائِزَةٌ مَا لَمْ يَحِلَّ بَيْعُ ثَمَرِهَا عَلَى مَا يُشْتَرَطُ مِنْ ثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَيَجُوزُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ كَالرِّبْحِ فِي الْقِرَاضِ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَذَا فَإِنَّ مَا حَلَّ بَيْعُهُ هُوَ أَيْضًا جَائِزٌ إعْطَاؤُهُ بِجُزْءٍ لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ. فِي الْمُوَطَّأِ: مُسَاقَاةُ مَا حَلَّ بَيْعُهُ كَالْإِجَارَةِ. قَالَ سَحْنُونَ: مُسَاقَاةُ مَا حَلَّ بَيْعُهُ هِيَ إجَارَةٌ جَائِزَةٌ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: كَجَوَازِ بَيْعِ نِصْفِهِ وَلِأَنَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ. [شُرُوطُ الْأُصُولِ الَّتِي تَجُوزُ مُسَاقَاتُهَا] (وَلَمْ يُخْلِفْ) . ابْنُ شَاسٍ: لِلْأُصُولِ الَّتِي تَجُوزُ مُسَاقَاتُهَا شُرُوطٌ. الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا تُجْنَى ثَمَرَتُهُ وَلَا تُخْلِفُ، وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا: " وَلَا تُخْلِفُ " مِنْ الْمَوْزِ وَالْقَضْبِ وَالْقُرْطِ وَالْبَقْلِ؛ لِأَنَّهُ بَطْنٌ بَعْدَ بَطْنٍ وَجُزْءٌ بَعْدَ جُزْءٍ. ابْنُ رُشْدٍ: كَانَ ابْنُ الْقَطَّانِ يَحْمِلُ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْجَوَازِ فِي الْقُطْنِ وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ رَبُّهُ بِخِلَافِ الْمَقَاثِئِ وَالزَّرْعِ وَهُوَ بَعِيدٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقُطْنِ وَالزَّرْعِ وَالْمَقَاثِئِ، وَلَا يُخْتَلَفُ فِي الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْعَجْزُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْعُهَا فِي الْقُرْطِ وَالْقَضْبِ وَالْمَوْزِ. ابْنُ يُونُسَ: وَمِثْلُ الْقَضْبِ الْبَقْلُ وَالْكُرَّاثُ، وَاخْتُلِفَ فِي الرَّيْحَانِ وَالْقَصَبِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 468 الْحُلْوِ. ابْنِ رُشْدٍ: قَصَبُ السُّكَّرِ مِثْلُ الزَّرْعِ وَالْكَمُّونِ. (إلَّا تَبَعًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يُسَاقِيَ الْحَائِطَ وَفِيهِ مِنْ الْمَوْزِ مَا هُوَ تَبَعٌ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا، وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى سِقَاءٍ وَاحِدٍ مِثْلَ الزَّرْعِ الَّذِي مَعَ النَّخْلِ وَهُوَ تَبَعٌ لَهَا كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ. (بِجُزْءٍ) . عِيَاضٌ: مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ تَكُونَ الْمُسَاقَاةُ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مُقَدَّرٍ (قَلَّ أَوْ كَثُرَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: تَجُوزُ عَلَى مَا يُشْتَرَطُ مِنْ ثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 469 وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ (شَاعَ وَعُلِمَ) تَقَدَّمَ نَصُّ عِيَاضٍ: مُشَاعٌ مُقَدَّرٌ. (بِسَاقَيْتُ) . عِيَاضٌ: لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 470 الْمُسَاقَاةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَلَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُكَ عَلَى عَمَلِ حَائِطِي أَوْ سَقْيِهِ بِنِصْفِ ثَمَرَتِهَا أَوْ رُبُعِهَا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُسَمِّيَهَا مُسَاقَاةً. (وَلَا نَقْصِ مَنْ فِي الْحَائِطِ وَلَا تَجْدِيدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لِرَبِّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 471 الْحَائِطِ أَنْ يُسَاقِيَهُ عَلَى أَنْ يَتْرُكَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ غِلْمَانٍ أَوْ دَوَابَّ فَيَصِيرَ كَزِيَادَةٍ شَرَطَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَعَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ: وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إلَّا مَا قَلَّ كَغُلَامٍ أَوْ دَابَّةٍ فِي حَائِطٍ كَبِيرٍ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي حَائِطٍ صَغِيرٍ. (لَا زِيَادَةٍ لِأَحَدِهِمَا) . عِيَاضٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا مِنْ الثَّمَرَةِ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا شَيْئًا مُعَيَّنًا خَاصًّا لِنَفْسِهِ. (وَعَمِلَ الْعَامِلُ جَمِيعَ مَا يُفْتَقَرُ إلَيْهِ) . عِيَاضٌ: مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: جَمِيعُ الْعَمَلِ وَالنَّفَقَةِ وَجَمِيعُ الْمُؤْنَةِ عَلَى الْعَامِلِ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ عَلَيْهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَيَلْزَمُهُ نَفَقَةُ نَفْسِهِ وَنَفَقَةُ دَوَابِّ الْحَائِطِ وَرَقِيقِهِ كَانُوا لَهُ أَوْ لِرَبِّ الْحَائِطِ. (عُرْفًا) . ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُشْتَرَطُ تَفْصِيلُ الْعَمَلِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَعَلَّ مُرَادَهُ إنْ كَانَ الْعُرْفُ مُنْضَبِطًا وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 472 الْبَيَانِ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ. (كَإِبَارٍ وَتَنْقِيَةٍ) . عِيَاضٌ: الْإِبَارُ وَالتَّنْقِيَةُ وَالتَّذْكِيرُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ مَا تَقِلُّ مُؤْنَتُهُ مِثْلُ سَرْوِ الشَّرَبِ وَهُوَ تَنْقِيَةُ مَا حَوْلَ النَّخْلِ مِنْ مَنَاقِعِ الْمَاءِ، وَخَمُّ الْعَيْنِ وَهُوَ كَنْسُهَا، وَقَطْعِ الْجَرِيدِ وَإِبَارِ النَّخْلِ وَسَدِّ الْحِظَارِ وَالْيَسِيرِ مِنْ إصْلَاحِ الضَّفِيرَةِ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقِلُّ مُؤْنَتُهُ، فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْعَامِلِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. ابْنُ حَبِيبٍ: سَدُّ الْحِظَارِ هُوَ تَحْصِينُ الْجُدُرِ وَتَزْرِيبُهَا، وَالضَّفِيرَةُ هِيَ مَحْبِسُ الْمَاءِ وَمُجْتَمَعُهُ كَالصِّهْرِيجِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْعَامِلِ فَهِيَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إلَّا الْجِدَادَ وَالتَّذْكِيرَ وَسَرْوَ الشَّرَبِ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ. عِيَاضٌ: الشَّرَبُ الْحُفْرَةُ حَوْلَ النَّخْلَةِ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ لِسَقْيِهَا وَالشَّرَبُ عُرُوقُ النَّخْلَةِ مِنْهَا، وَسَرْوُهَا كَنْسُهَا وَتَنْقِيَتُهَا مِمَّا يَقَعُ فِيهَا وَتَوْسِعَتُهَا لِيُكْثِرَ فِيهَا الْمَاءُ، وَخَمُّ الْعَيْنِ كَنْسُهَا مِمَّا لَعَلَّهُ يَسْقُطُ فِيهَا أَوْ يَنْهَارُ مِنْ التُّرَابِ، وَسَدُّ الْحِظَارِ - بِالسِّينِ وَالشِّينِ - وَقِيلَ: مَا حُظِرَ بِزَرْبٍ فَبِالشِّينِ، وَمَا كَانَ بِجِدَارٍ فَبِالْمُهْمَلَةِ. وَالضَّفِيرَةُ عِيدَانٌ تُنْسَجُ وَتُضْفَرُ وَتُطَيَّنُ فَيَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ كَالصِّهْرِيجِ. وَقِيلَ: هِيَ مِثْلُ الْمُنْسَاةِ الطَّوِيلَةِ فِي الْأَرْضِ تُجْعَلُ يَجْرِي الْمَاءُ فِيهَا بِخَشَبٍ وَحِجَارَةٍ يُضْفَرُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ تَمْنَعُ مِنْ انْشِقَاقِ الْمَاءِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْحَائِطِ. (وَدَوَابَّ وَأُجَرَاءَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْوَاضِحَةِ: السُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ أَنَّ عَلَى الْعَامِلِ جَمِيعَ الْمُؤْنَةِ وَالنَّفَقَةِ وَالْأُجَرَاءِ وَالدَّوَابِّ وَالدِّلَاءِ وَالْحِبَالِ وَالْأَدَوَاتِ مِنْ حَدِيدٍ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ فَإِنَّ لِلْعَامِلِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 473 وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ (وَأَنْفَقَ وَكَسَا لَا أُجْرَةَ مَنْ كَانَ فِيهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ دَوَابِّ الْحَائِطِ وَرَقِيقِهِ كَانُوا لَهُ أَوْ لِرَبِّ الْحَائِطِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: مَا اسْتَأْنَفَ الْعَامِلُ مِنْ اسْتِئْجَارِ الْأُجَرَاءِ بِأُجْرَتِهِمْ عَلَى الْعَامِلِ، وَمَنْ كَانَ فِيهِمْ يَوْمَ الْمُسَاقَاةِ فَأُجْرَتُهُمْ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ أُجْرَتِهِمْ عَلَى الْعَامِلِ بِخِلَافِ نَفَقَتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ. (أَوْ خَلَفَ مَنْ مَاتَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ خَلَفَ مَا أَدْخَلَ الْعَامِلُ فِيهِ مِنْ رَقِيقٍ أَوْ دَوَابَّ إنْ هَلَكَ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا كَانَ لِلْحَائِطِ يَوْمَ التَّعَاقُدِ مِنْ دَوَابَّ أَوْ رَقِيقٍ فَخَلَفُ مَا مَاتَ مِنْهُمْ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَامِلُ ذَلِكَ إذْ عَلَيْهِمْ عَمَلُ الْعَامِلِ، وَلَوْ شَرَطَ خَلَفَهُمْ عَلَى الْعَامِلِ لَمْ يَجُزْ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَإِنْ شَرَطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ خَلَفَ مَا أَدْخَلَ الْعَامِلُ فِيهِ أَوْ شَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ خَلَفَ مَا هَلَكَ مِمَّا كَانَ لِرَبِّ الْحَائِطِ فِيهِ رُدَّ الْعَامِلُ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ. (أَوْ مَرِضَ) . الْبَاجِيُّ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 474 مَنْ مَاتَ مِنْ الرَّقِيقِ وَالْأُجَرَاءِ وَالدَّوَابِّ أَوْ أَبَقُوا أَوْ مَرِضُوا أَوْ مَنَعَهُمْ مَانِعٌ مِنْ الْعَمَلِ مِمَّنْ هُوَ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ فَعَلَيْهِ خَلَفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ عَلَى عَمَلٍ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِ الْحَائِطِ لَكِنَّهُ تَعَيَّنَ بِهَؤُلَاءِ بِالتَّسْلِيمِ وَالْيَدِ. (كَمَا رَثَّ عَلَى الْأَصَحِّ) الْبَاجِيُّ: لَوْ اسْتَعْمَلَ مَا فِي الْحَائِطِ مِنْ الْحِبَالِ وَالْآلَةِ حَتَّى خَلَقَ، فَعَلَى الْعَامِلِ خَلَفُهُ. وَلَوْ سُرِقَ فَعَلَى رَبِّ الْحَائِطِ خَلَفُهُ. قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا. وَقِيلَ: عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. (كَزَرْعٍ وَقَصَبٍ وَبَصَلٍ وَمَقْثَأَةٍ إنْ عَجَزَ رَبُّهُ) ابْنُ رُشْدٍ: وَمَا كَانَ غَيْرَ ثَابِتِ الْأَصْلِ كَالْمَقْثَأَةِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالزَّرْعِ وَالْمَوْزِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ فَلَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ حَتَّى يَعْجِزَ عَنْهُ صَاحِبُهُ. هَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ. ابْنُ يُونُسَ: رَأَى مَالِكٌ أَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي الثِّمَارِ فَفِعْلُ الزَّرْعِ وَمَا أَشْبَهَهُ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الثِّمَارِ فَلَمْ يُجِزْهُ إلَّا عِنْدَ شِدَّةِ الضَّرُورَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ إجَازَةِ الْمُسَاقَاةِ، وَهُوَ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الْقِيَامِ بِهِ وَبَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْأَرْضِ فَيَصِيرُ نَبْتًا كَالشَّجَرِ. (وَخَفِيفُ مُؤْنَةٍ بَرَزَ وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا تَجُوزُ مُسَاقَاةُ الزَّرْعِ إذَا اسْتَقَلَّ مِنْ الْأَرْضِ وَإِنْ أَسْبَلَ إذَا احْتَاجَ إلَى الْمَاءِ وَإِنْ تُرِكَ مَاتَ، فَأَمَّا بَعْدَ جَوَازِ بَيْعِهِ فَلَا يَجُوزُ سِقَاؤُهُ. (وَهَلْ كَذَلِكَ الْوَرْدُ وَنَحْوُهُ وَالْقُطْنُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 475 أَوْ كَالْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ تَأْوِيلَانِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْوَرْدَ وَالْيَاسَمِينَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْعَجْزُ بِاتِّفَاقٍ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقُطْنِ وَالزَّرْعِ خِلَافًا لِمَنْ تَأَوَّلَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى أَنَّ الْقُطْنَ كَالْوَرْدِ. وَقَوْلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 476 ابْنِ يُونُسَ اُخْتُلِفَ فِي الْوَرْدِ وَقَصَبِ الْحُلْوِ. اُنْظُرْهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: " إلَّا تَبَعًا ". (وَأَقْتَتْ بِالْجِدَادِ وَحُمِلَتْ عَلَى أَوَّلَ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ثَانٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الشَّأْنُ فِي الْمُسَاقَاةِ إلَى الْجِدَادِ لَا تَجُوزُ شَهْرًا وَلَا سَنَةً مَحْدُودَةً وَهِيَ إلَى الْجِدَادِ إذَا لَمْ يُؤَجِّلَاهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَتْ تُطْعِمُ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ فَهِيَ إلَى الْجِدَادِ الْأَوَّلِ حَتَّى يُشْتَرَطَ الثَّانِي. (وَكَبَيَاضِ نَخْلٍ أَوْ زَرْعٍ إنْ وَافَقَ الْجُزْءَ وَبَذَرَهُ الْعَامِلُ وَكَانَ ثُلُثًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْبَيَاضِ التَّبَعُ مِثْلُ الثُّلُثِ فَأَدْنَى لَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْمُسَاقَاةِ عَلَى مِثْلِ مَا أَخَذَ الْأُصُولَ. قَالَ مَالِكٌ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُلْغَى إلَى الْعَامِلِ وَهُوَ أَحَلُّهُ فَإِنْ شُرِطَ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا فَجَائِزٌ إنْ كَانَ الْبَذْرُ وَالْمُؤْنَةُ مِنْ عِنْدِ الْعَامِلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ رَبُّ الْحَائِطِ لِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْعَامِلُ يَسْقِيهِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَإِنْ كَانَ بَعْلًا أَوْ كَانَ لَا يُسْقَى بِمَاءِ الْحَائِطِ فَجَائِزٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا بَيَاضُ الزَّرْعِ كَبَيَاضِ النَّخْلِ وَعَزَاهُ اللَّخْمِيِّ لِلْمَوَّازِيَّةِ (بِإِسْقَاطِ كُلَفِ الثَّمَرَةِ) ابْنُ عَبْدُوسٍ: صِفَةُ اعْتِبَارِ التَّبَعِيَّةِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ كَأَنَّهُ خَمْسَةٌ وَإِلَى غَلَّةِ النَّخْلِ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْهَا بَعْدَ إسْقَاطِ قَدْرِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، فَإِنْ بَقِيَ عَشَرَةٌ كَانَ كِرَاءُ الْأَرْضِ الثُّلُثَ فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ ثَمَانِيَةً لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ الْجُمْلَةِ (وَإِلَّا فَسَدَ) . الْبَاجِيُّ. إنْ كَانَ الْبَيَاضُ أَكْثَرَ مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 477 الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَاقَى مَعَ النَّخْلِ قَوْلًا وَاحِدًا (كَاشْتِرَاطِ رَبِّهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ رَبُّ الْحَائِطِ لِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْعَامِلُ يَسْقِيهِ. (وَأُلْغِيَ لِلْعَامِلِ إنْ سَكَتَا عَنْهُ أَوْ اشْتَرَطَهُ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ سَكَتَا عَنْ الْبَيَاضِ فِي الْعَقْدِ فَمَا زَرَعَ فِيهِ الْعَامِلُ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً، وَكَذَلِكَ لَوْ سَكَتَا عَنْهُ ثُمَّ تَشَاحَّا فِيهِ عِنْدَ الزِّرَاعَةِ فَهُوَ لِلْعَامِلِ. وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ: ابْنُ عَبْدُوسٍ: وَإِذَا أُلْغِيَ لِلْعَامِلِ فَإِنَّمَا يُرَاعَى فِيهِ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِحِصَّةِ الْعَامِلِ خَاصَّةً. وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ يُونُسَ خِلَافَ هَذَا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُرَاعَى فِي الْبَيَاضِ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِثَمَرَةِ جَمِيعِ الْحَائِطِ فِيمَا يُلْغَى لِلْعَامِلِ وَفِيمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَدْخُلَ فِي مُسَاقَاةِ النَّخْلِ. (وَدَخَلَ شَجَرٌ تَبِعَ زَرْعًا) مِنْ الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمُدَوَّنَةِ: إذَا سَاقَى زَرْعًا فِيهِ شَجَرٌ مُفْتَرِقَةٌ هِيَ تَبَعٌ لَهُ جَازَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى مَا شُرِطَ فِي الزَّرْعِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ وَإِنْ قَلَّتْ بِخِلَافِ الْبَيَاضِ. وَلَا يَجُوزُ عَلَى أَنَّ ثَمَرَهَا لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى أَنَّ ثَمَرَهَا بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا فِي الزَّرْعِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا سَاقَاهُ زَرْعًا وَفِيهِ شَجَرٌ تَبَعٌ لَهُ وَكَانَ الزَّرْعُ تَبَعًا لِلشَّجَرِ، فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ بِخِلَافِ الْبَيَاضِ وَكِرَاءِ الْأَرْضِ. وَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُلْغَى لِلْعَامِلِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى سِقَاءٍ وَاحِدٍ كَحَائِطٍ فِيهِ أَصْنَافٌ. (وَجَازَ زَرْعٌ وَشَجَرٌ وَإِنْ غَيْرَ تَبَعٍ وَحَوَائِطُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِجُزْءٍ) أَمَّا مَسْأَلَةُ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ سَاقَى رَجُلًا زَرْعًا عَلَى الثُّلُثَيْنِ وَنَخْلًا عَلَى النِّصْفِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَكُونَا عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ جَمِيعًا وَيَعْجِزُ عَنْ الزَّرْعِ رَبُّهُ، وَإِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 478 كَانَا فِي نَاحِيَتَيْنِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَوَائِطِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ أَنْ تَدْفَعَ إلَى رَجُلٍ حَائِطَيْنِ مُسَاقَاةً أَحَدُهُمَا عَلَى النِّصْفِ وَالْآخَرُ عَلَى الثُّلُثِ فِي صَفْقَةٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَا عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ مِنْ الْآخَرِ مِمَّا لَوْ أُفْرِدَ لَسُوقِيَ هَذَا عَلَى الثُّلُثِ، وَهَذَا عَلَى الثُّلُثَيْنِ، «وَقَدْ كَانَ فِي خَيْبَرَ الْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ حِينَ سَاقَاهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الشَّطْرِ كُلِّهَا» (إلَّا فِي صَفَقَاتٍ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: وَتَجُوزُ حَوَائِطُ مُخْتَلِفَةٌ فِي صَفْقَةٍ أَوْ مُتَّفِقَةٌ بِشَرْطِ جُزْءٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا فِي صَفَقَاتٍ فَلَا شَرْطَ. (وَغَائِبٍ إنْ وُصِفَ وَوَصَلَهُ قَبْلَ طِيبِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ حَائِطٍ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ إذَا وُصِفَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 479 كَالْبَيْعِ، يُرِيدُ إذَا كَانَ يَصِلُ إلَيْهِ قَبْلَ طِيبِهِ. (وَاشْتِرَاطُ جُزْءِ الزَّكَاةِ) . ابْنُ رُشْدٍ: إنْ بَلَغَتْ ثَمَرَةُ الْحَائِطِ الْمُسَاقَى نِصَابًا أَوْ كَانَ لِرَبِّ الْحَائِطِ مَا إنْ ضَمَّهُ إلَيْهَا بَلَغَتْهُ فَإِنَّ الزَّكَاةَ مِنْ جُمْلَةِ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ أَنْ تُشْتَرَطَ الزَّكَاةُ فِي حَظِّ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ سَاقَى عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا فَشَأْنُ الزَّكَاةِ أَنْ يُبْدَأَ بِهَا ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ. اللَّخْمِيِّ: وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّ الْمُسَاقَاةَ مُزَكَّاةٌ عَلَى مِلْكِ رَبِّ الْحَائِطِ فَيَجِبُ ضَمُّهَا لِمَا لَهُ مِنْ ثَمَرِ غَيْرِهَا وَيُزَكَّى جَمِيعُهَا وَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَتَسْقُطُ إنْ كَانَ الْحَائِطُ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَالْعَامِلُ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ. وَانْظُرْ إنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا الزَّكَاةَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَائِطِ نِصَابٌ. ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ فِي ذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 480 ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ لَمْ يَعْزُهَا وَلَمْ يُشْهِرْ مِنْهَا قَوْلًا. (وَسِنِينَ مَا لَمْ تَكْثُرْ جِدًّا بِلَا حَدٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ أَنْ يُسَاقِيَهُ سِنِينَ مَا لَمْ تَكْثُرْ جِدًّا. قِيلَ: فَعَشْرُ سِنِينَ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي تَحْدِيدَ عَشْرِ سِنِينَ وَلَا ثَلَاثِينَ وَخَمْسِينَ (وَعَامِلَ دَابَّةٍ أَوْ غُلَامًا فِي الْكَبِيرِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 481 الْعَقْدِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ إلَّا مَا قَلَّ كَغُلَامٍ أَوْ دَابَّةٍ فِي الْحَائِطِ الْكَبِيرِ. (وَقَسْمُ الزَّيْتُونِ حَبًّا كَعَصْرِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْجِذَاذُ وَالْحَصَادُ وَالدِّرَاسُ عَلَى الْعَامِلِ. وَقَالَ فِي الزَّيْتُونِ: وَإِنْ شَرَطَا قَسْمَهُ حَبًّا جَازَ، وَإِنْ شَرَطَا عَصْرَهُ عَلَى الْعَامِلِ جَازَ ذَلِكَ لِيَسَارَتِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ فَعَصْرُهُ بَيْنَهُمَا. انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ. اللَّخْمِيِّ: عَصْرُ الزَّيْتُونِ عَلَى مَنْ شَرَطَاهُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. اُنْظُرْ الْخِلَافَ فِيهِ. ابْنُ فَتُّوحٍ: لَا يَنْعَقِدُ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ الْغَلَّةَ إلَى دَارِ الْمُسَاقِي. الْبُرْزُلِيِّ: لَعَلَّ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ سَحْنُونٍ، وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ. قَالَهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى فِيمَنْ أَعْطَى لِرَجُلٍ أَرْضَهُ حِينَ الْقَلِيبِ، فَإِنْ كَانَ أَوَانَ الزَّرْعِ فَالْبَذْرُ عَلَيْهِمَا وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا وَالْعَمَلُ عَلَى الدَّاخِلِ وَالْحَصَادُ وَالدِّرَاسُ وَنَقْلُ نَصِيبِ رَبِّ الْأَرْضِ جَازَ. (وَإِصْلَاحُ جِدَارٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: سَدُّ الْحِظَارِ هُوَ تَحْصِينُ الْجِدَارِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ (وَكَنْسُ عَيْنٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: وَخَمُّ الْعَيْنِ (وَسَدُّ حَظِيرَةٍ) تَقَدَّمَ أَنَّ سَدَّ الْحِظَارِ هُوَ تَحْصِينُ الْجُدُرِ وَتَزْرِيبِهَا (وَإِصْلَاحُ ضَفِيرِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: وَالْيَسِيرُ مِنْ إصْلَاحِ الضَّفِيرَةِ (أَوْ مَا قَلَّ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: يُشْتَرَطُ عَلَى الْعَامِلِ مَا تَقِلُّ مُؤْنَتُهُ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ. وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ إنْ كَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 482 يَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِهَا أَوْ يَبْقَى بَعْدَهَا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ فَهُوَ جَائِزٌ مِثْلُ التَّذْكِيرِ وَالتَّلْقِيحِ وَالسَّقْيِ وَإِصْلَاحِ مَوَاضِعِهِ وَجَلْبِ الْمَاءِ وَالْجِدَادِ وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ، فَهَذَا وَشِبْهُهُ لَازِمٌ وَعَلَيْهِ أَخْذُ الْعِوَضِ، وَإِنْ كَانَ يَبْقَى بَعْدَ انْقِطَاعِهَا وَيَنْتَفِعُ بِهِ رَبُّهَا مِثْلَ حَفْرِ بِئْرٍ لَهَا أَوْ بِنَاءِ بَيْتٍ يُجْنَى فِيهِ كَالْجَرِينِ أَوْ إنْشَاءِ غَرْسٍ، فَهَذَا لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ يَنْفَرِدُ بِهَا رَبُّ الْحَائِطِ فَهِيَ كَالْوَجْهِ الْأَوَّلِ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ. (وَتَقَايُلُهُمَا هَدَرًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ سَاقَيْته حَائِطَكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقِيلَكَ عَلَى شَيْءٍ تُعْطِيهِ إيَّاهُ، كَانَ قَدْ شَرَعَ فِي الْعَمَلِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ إنْ أَثْمَرَ النَّخْلُ فَإِنَّهُ بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 483 زَهْوِهِ، وَإِنْ لَمْ يُثْمِرْ فَهُوَ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. (وَمُسَاقَاةُ الْعَامِلِ آخَرَ وَلَوْ أَقَلَّ أَمَانَةً وَحُمِلَ عَلَى ضِدِّهَا وَضَمِنَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: فَمَنْ سَاقَى فِي أَصْلٍ أَوْ زَرْعٍ مُسَاقَاةَ غَيْرِهِ فِي مِثْلِ أَمَانَتِهِ، فَإِنْ سَاقَى غَيْرَ أَمِينٍ ضَمِنَ. اللَّخْمِيِّ: يَجُوزُ دَفْعُهُ لِأَمِينٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ فِي الْأَمَانَةِ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (فَإِنْ عَجَزَ وَلَمْ يَجِدْ سَلَّمَهُ هَدَرًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عَجَزَ عَنْ السَّقْيِ قِيلَ لَهُ سَاقِ مَنْ شِئْت أَمِينًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَلَّمَ الْحَائِطَ لِرَبِّهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ. (وَلَمْ يَنْفَسِخْ بِفَلَسِ رَبِّهِ وَبِيعَ مُسَاقًى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ فَلَّسَ رَبُّ الْحَائِطِ لَمْ تَنْفَسِخْ الْمُسَاقَاةُ كَانَ قَدْ عَمِلَ أَمْ لَا، وَيَقُولُ لِلْغُرَمَاءِ بِيعُوا الْحَائِطَ عَلَى أَنَّ هَذَا فِيهِ مُسَاقًى كَمَا هُوَ. قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: لِمَ أَجَزْته وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ حَائِطَهُ يُرِيدُ قَبْلَ الْإِبَارِ وَاسْتَثْنَى ثَمَرَتَهُ لَمْ يَجُزْ؟ قَالَ: هَذَا وَجْهُ الشَّأْنِ فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي اسْتِثْنَاءَ ثَمَرَةٍ. (وَمُسَاقَاةُ وَصِيٍّ وَمِدْيَانٍ بِلَا حَجْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لِلْوَصِيِّ دَفْعُ حَائِطِ الْأَيْتَامِ مُسَاقَاةً؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ لَهُمْ جَائِزٌ، وَلِلْمَأْذُونِ دَفْعُ الْمُسَاقَاةِ أَوْ أَخْذُهَا وَلِلْمِدْيَانِ دَفْعُ الْمُسَاقَاةِ كَكِرَائِهِ أَرْضَهُ أَوْ دَارِهِ، ثُمَّ لَيْسَ لِغُرَمَائِهِ فَسْخُ ذَلِكَ، وَلَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 484 سَاقَى أَوْ أَكْرَى بَعْدَ قِيَامِهِمْ فَلَهُمْ فَسْخُ ذَلِكَ. (وَدَفْعُهُ لِذِمِّيٍّ لَمْ يَعْصِرْ حِصَّتَهُ خَمْرًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ أَخْذَكَ مِنْ نَصْرَانِيٍّ مُسَاقَاةً أَوْ قِرَاضًا وَلَسْت أَرَاهُ حَرَامًا، وَلَا بَأْسَ أَنْ تَدْفَعَ نَخْلَك إلَى نَصْرَانِيٍّ مُسَاقَاةً إنْ أَمِنْت أَنْ يَعْصِرَ حِصَّتَهُ خَمْرًا. (لَا مُشَارَكَةُ رَبِّهِ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: اسْقِ أَنْتَ وَأَنَا حَائِطِي وَلَكَ نِصْفُ ثَمَرِهِ لَمْ يَصْلُحْ إنَّمَا السِّقَاءُ أَنْ يُسْلِمَ الْحَائِطَ إلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ وَقَعَ وَفَاتَ فَالْعَامِلُ أَجِيرٌ؛ لِأَنَّ رَبَّهُ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْهُ إلَيْهِ إنَّمَا أَعْطَاهُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَرَةِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ بِخِلَافِ إنْ اشْتَرَطَ الْعَامِلُ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ رَبُّ الْحَائِطِ لِنَفْسِهِ فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ فَلَهُ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ. (أَوْ إعْطَاءُ أَرْضٍ لِتُغْرَسَ فَإِذَا بَلَغَتْ كَانَتْ مُسَاقَاةً أَوْ شَجَرٍ لَمْ تَبْلُغْ خَمْسَ سِنِينَ وَهِيَ تَبْلُغُ أَثْنَاءَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَعْطَى لِرَجُلٍ أَرْضًا يَغْرِسُهَا شَجَرَ كَذَا وَيَقُومُ عَلَيْهَا حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الشَّجَرُ كَانَتْ بِيَدِهِ مُسَاقَاةً سِنِينَ سَمَّاهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ. قَالَ: وَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاةُ نَخْلٍ أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 485 شَجَرٍ لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الْإِطْعَامِ خَمْسَ سِنِينَ وَهِيَ تَبْلُغُهُ فِي عَامَيْنِ. (وَفُسِخَتْ فَاسِدَةً بِلَا عَمَلٍ) . ابْنُ رُشْدٍ: إنْ وَقَعَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي جَوَّزَهُ الشَّرْعُ فَإِنَّهَا تُفْسَخُ مَا لَمْ تَفُتْ بِالْعَمَلِ وَرُدَّ الْحَائِطُ إلَى رَبِّهِ (أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ أَكْثَرَ إنْ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) . ابْنُ رُشْدٍ: مَا يُرَدُّ الْعَامِلُ فِيهِ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ يُفْسَخُ مَتَى عُثِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ. عِيَاضٌ: وَلَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ عَمَلِهِ، وَأَمَّا مَا يُرَدُّ فِيهِ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ إنَّمَا يُفْسَخُ مَتَى عُثِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْ، فَإِذَا فَاتَ بِابْتِدَاءِ الْعَمَلِ بِمَا لَهُ بَالٌ لَمْ تُفْسَخْ الْمُسَاقَاةُ إلَى انْقِضَاءِ أَمَدِهَا وَكَانَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْأَعْوَامِ عَلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهَا (وَبَعْدَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إنْ خَرَجَا عَنْهَا) . عِيَاضٌ: الْخِلَافُ الْجَارِي فِي الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ كُلُّهُ جَارٍ فِي الْمُسَاقَاةِ الْفَاسِدَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: إذَا فَاتَ بِالْعَمَلِ فَاصِلٌ: ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّهُمَا إذَا خَرَجَا فِي الْمُسَاقَاةِ عَنْ حُكْمِهَا إلَى حُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَوْ إلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَمَا اشْتَرَطَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ زِيَادَةٍ يَزِيدُهُ إيَّاهَا خَارِجَةً عَنْهَا فَإِنَّهُ يُرَدُّ فِيهَا إلَى إجَارَةِ الْمِثْلِ إذَا لَمْ يُعْثَرْ عَلَيْهَا حَتَّى فَاتَتْ بِالْعَمَلِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُسَاقِيَهُ فِي حَائِطِهِ عَلَى أَنْ يَزِيدَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عَرَضًا مِنْ الْعُرُوضِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَاقَاهُ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ دَنَانِيرَ أَوْ عُرُوضًا فَقَدْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى عَمَلِ حَائِطِهِ بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْعُرُوضِ وَبِجُزْءٍ مِنْ ثَمَرَتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُرَدَّ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ، وَلِأَنَّهُ إذَا سَاقَاهُ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ الْعَامِلُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عُرُوضًا مِنْ الْعُرُوضِ فَقَدْ اشْتَرَى مِنْهُ الثَّمَرَةَ بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْعُرُوضِ وَبِعَمَلِهِ مِنْ الْحَائِطِ، فَوَجَبَ أَنْ يُرَدَّ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ أَيْضًا (وَإِلَّا فَمُسَاقَاةُ الْمِثْلِ) . ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا إذَا لَمْ يَخْرُجَا عَنْ حُكْمِهَا فَإِنَّهُ يُرَدُّ فِي ذَلِكَ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ. وَاَلَّذِي يُوجَدُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ رَدَّهُ فِيهِ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ، اثْنَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاثْنَانِ فِي الْعُتْبِيَّةِ. الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا سَاقَاهُ عَلَى حَائِطٍ وَفِيهِ ثَمَرٌ قَدْ أَطْعَمَ، وَإِذَا اشْتَرَطَ الْمُسَاقِي عَلَى الْمُسَاقَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ فِي الْحَائِطِ. وَاَلَّذِي فِي الْعُتْبِيَّةِ: الْبَيْعُ وَالْمُسَاقَاةُ فِي السَّنَةِ وَالْمُسَاقَاةُ سَنَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا عَلَى الثُّلُثِ وَالْأُخْرَى عَلَى النِّصْفِ كُلُّ هَذَا فِيهِ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ. عِيَاضٌ: وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةٌ خَامِسَةٌ وَهِيَ مُسَاقَاةُ حَائِطِهِ عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ آخَرَ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 486 مُسَاقَاةِ حَائِطَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَجْزَاءِ، وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ دَابَّةً أَوْ غُلَامًا لَيْسَ فِي الْحَائِطِ وَهُوَ صَغِيرٌ تَكْفِيهِ الدَّابَّةُ، وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ حَمْلَ حَظِّهِ لِمَنْزِلِهِ كُلُّ هَذَا يُرَدُّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ عَصْرَ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّيْتُونِ (كَمُسَاقَاةٍ مَعَ ثَمَرٍ أَطْعَمَ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (أَوْ مَعَ بَيْعٍ) هَذِهِ هِيَ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الْعُتْبِيَّةِ (أَوْ اشْتَرَطَ عَمَلَ رَبِّهِ) هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (أَوْ دَابَّةٍ أَوْ غُلَامٍ وَهُوَ صَغِيرٌ) هَذِهِ أَلْحَقَهَا عِيَاضٌ كَمَا تَقَدَّمَ (أَوْ حَمْلَهُ لِمَنْزِلِهِ) هَذِهِ أَلْحَقَهَا عِيَاضٌ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا (أَوْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةَ آخَرَ) هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ الَّتِي قَالَ عِيَاضٌ كَمَا تَقَدَّمَ (أَوْ اخْتَلَفَ الْجُزْءُ سِنِينَ) هَذِهِ إحْدَى مَسْأَلَتَيْ الْعُتْبِيَّةِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ (أَوْ حَوَائِطَ) هَذِهِ هِيَ الَّتِي الْتَزَمَهَا عِيَاضٌ كَمَا تَقَدَّمَ (كَاخْتِلَافِهِمَا وَلَمْ يُشْبِهَا) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الرِّبْحِ " الْمُدَوَّنَةُ: وَإِلَّا رُدَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 487 إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ وَكَذَا الْمُسَاقَاةُ. (وَإِنْ سَاقَيْتَهُ أَوْ أَكْرَيْتَهُ فَأَلْفَيْتَهُ سَارِقًا لَمْ يُفْسَخْ وَلْيُتَحَفَّظْ مِنْهُ كَبَيْعِهِ مِنْهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِفَلَسِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ سَاقَيْتَهُ حَائِطَكَ أَوْ اكْتَرَيْتَ مِنْهُ دَارَكَ ثُمَّ أَلْفَيْتَهُ سَارِقًا لَمْ يُفْسَخْ لِذَلِكَ سِقَاءٌ وَلَا كِرَاءٌ وَلْيُتَحَفَّظْ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ ابْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ فَإِذَا هُوَ مُفْلِسٌ وَلَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ بِذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ لَزِمَهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ حَقَّكَ فِي السِّقَاءِ وَالْكِرَاءِ فِي غَيْرِ عَيْنِ الْمُسَاقَى وَالْمُكْتَرَى فَهُوَ بِخِلَافِ مَا لَوْ اكْتَرَيْتَ عَبْدًا فَوَجَدْتَهُ سَارِقًا، هَذَا لَكَ أَنْ تَرُدَّ، وَلِأَنَّ الْكِرَاءَ وَقَعَ عَلَى مَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ وَالْمُكْتَرِي وَالْمُفْلِسُ إنَّمَا وَقَعَ شِرَاؤُكَ عَلَى الذِّمَّةِ، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 491 التَّحَفُّظِ مِنْهُ اُكْتُرِيَ عَلَيْهِ وَسُوقِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُفْسَخْ الْعَقْدُ. (وَسَاقِطُ النَّخْلِ كَلِيفٍ كَالثَّمَرَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَا كَانَ مِنْ سَوَاقِطِ النَّخْلِ أَوْ مَا يَسْقُطُ مِنْ بَلَحٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْجَرِيدُ وَاللِّيفُ وَتِبْنُ الزَّرْعِ فَبَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا مِنْ الْأَجْزَاءِ. (وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُسَاقِيَيْنِ فَسَادًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ. (وَإِنْ قَصَّرَ عَامِلٌ عَمَّا شَرَطَ حُطَّ بِنِسْبَتِهِ) قَالَ سَحْنُونَ: مَنْ أَعْطَى كَرْمَهُ أَوْ زَيْتُونَهُ مُسَاقَاةً عَلَى أَنْ يَسْقِيَ وَيَقْطَعَ وَيَجْنِيَ وَعَلَى أَنْ يَحْرُثَهُ ثَلَاثَ حَرْثَاتٍ فَعَمِلَ مَا شَرَطَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْرُثْ إلَّا حَرْثَتَيْنِ. قَالَ: يُنْظَرُ عَمَلُ جَمِيعِ الْحَائِطِ لِلْمُشْتَرَطِ عَلَيْهِ مِنْ سِقَاءٍ وَحَرْثٍ وَقَطْعٍ وَإِجْنَاءٍ فَلْيَنْظُرْ مَا عَمِلَ مَعَ مَا تَرَكَ مَا هُوَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ مَا تَرَكَ يَكُونُ مِنْهُ الثُّلُثُ حُطَّ مِنْ النِّصْفِ لِلَّذِي هُوَ لَهُ ثُلُثُهُ إنْ سَاقَاهُ عَلَى الثُّلُثِ، أَوْ الرُّبُعُ حُطَّ مِنْ حِصَّتِهِ الثُّلُثُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا اهـ. وَانْظُرْ بَعْضَ كُتُبِ أَهْلِ الْأَحْكَامِ يَذْكُرُونَ بَعْدَ هَذَا الْبَابِ كِتَابَ الْمُغَارَسَةِ وَهُوَ تَرْجَمَةٌ مِنْ تَرَاجِمِ الْعُتْبِيَّةِ وَذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَكْرِيَةِ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 492 [كِتَابُ الْإِجَارَةِ] [بَابٌ فِي أَرْكَانِ الْإِجَارَة وَحُكْمِهَا وَفِي الطَّوَارِئِ الْمُوجِبَةِ لِلْفَسْخِ] ابْنُ شَاسٍ: فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهَا وَهِيَ: الْعَاقِدَانِ وَالْأُجْرَةُ وَالْمَنْفَعَةُ وَهِيَ كُلُّ مَنْفَعَةٍ يُسْتَبَاحُ تَنَاوُلُهَا. الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ. الثَّالِثُ فِي الطَّوَارِئِ الْمُوجِبَةِ لِلْفَسْخِ. عِيَاضٌ: يُقَالُ آجَرْت فُلَانًا وَأَجَّرْته بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَكَذَلِكَ آجَرَهُ اللَّهُ. وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ الْمَدَّ فِي الْإِجَارَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَأَصْلُهَا الثَّوَابُ وَهِيَ بَيْعُ مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ وَهِيَ مُعَاوَضَةٌ صَحِيحَةٌ يَجْرِي فِيهَا مَا يَجْرِي فِي الْبُيُوعِ مِنْ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِجَارَةُ بَيْعُ مَنْفَعَةِ مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ غَيْرَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 493 سَفِينَةٍ وَلَا حَيَوَانٍ لَا يُعْقَلُ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْهَا بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا. (صِحَّةُ الْإِجَارَةِ بِعَاقِدٍ وَأَجْرٍ كَالْبَيْعِ) ابْنُ شَاسٍ: أَرْكَانُ الْإِجَارَةِ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: الْعَاقِدَانِ وَلَا يَخْفَى. ابْنُ الْحَاجِبِ: هُمَا كالمتبايعان. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. الرُّكْنُ الثَّانِي: الْأَجْرُ وَهُوَ كَالثَّمَنِ يُطْلَبُ كَوْنُهُ مَعْرُوفًا قَدْرًا وَصِفَةً. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَطَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى جَوَازِ الْمَجْهُولَاتِ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ الْبَدَلِ، وَأَجَازُوا أَنْ يُعْطِيَ حِمَارَهُ لِمَنْ يُسْقِي عَلَيْهِ أَوْ يَعْمَلُ بِنِصْفِ مَا يُرْزَقُ بِسَعْيِهِ عَلَى ظَهْرِهِ، وَيُعْطِيَ الْحَمَّامَ لِمَنْ يَنْظُرُ فِيهِ بِجُزْءٍ مِنْهُ مِمَّا يُحَصِّلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ. قَالُوا: وَأَبَاحَ اللَّهُ إجَارَةَ الْمُرْضِعِ وَمَا يَأْخُذُهُ الصَّبِيُّ مِنْ لَبَنِهَا مَعَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الصِّبْيَانِ فِي الرَّضَاعِ وَاخْتِلَافِ أَلْبَانِ النِّسَاءِ وَوَرَدَ الْقُرْآنُ بِجَوَازِهِ اهـ. مِنْ الِاسْتِنْكَارِ. اُنْظُرْ هَلْ يَنْتَظِمُ فِي هَذَا السِّلْكِ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى بِالنِّسْبَةِ إلَى أَرْبَابِ الْبَهَائِمِ يَحْسُنُ إلَيْهِمْ أَنْ يَبِيتُوا بِالْبَهَائِمِ فِي فَدَّانِ إنْسَانٍ. وَمِنْ هَذَا مَا سُئِلْتُ عَنْهُ فِي قُرَى السَّاحِلِ لَا بُدَّ لِصَاحِبِ الْبَهَائِمِ الَّذِي يُشَتِّي بِالسَّاحِلِ بَهَائِمَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى بَعْضِ دُورِ تِلْكَ الْقُرَى فَيُنْفِقَ صَاحِبُ الدَّارِ عَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 494 وَيُعْطِيَهُ بَهَائِمَ نَفْسِهِ وَكِلَاهُمَا يَنْتَفِعُ بِصَاحِبِهِ، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كُلُّهُ قَرِيبٌ. وَقَدْ أَلْفَيْتُ الْقَوْمَ وَقَدْ شَدَّدُوا عَلَيْهِمْ فِي هَذَا وَهُمْ لَا بُدَّ فَاعِلُوهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَيَخْلِطُهُمَا إلَّا كَقَمْحٍ بِمِثْلِهِ " مَا فِي مِثْلِ هَذَا التَّشْدِيدِ مِنْ الْحَرَجِ فِي الدِّينِ. وَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ أَنْ يُؤَاجِرَ الْخَيَّاطَ عَلَى خِيَاطَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْ الثِّيَابِ فِي السَّنَةِ، وَالْفَرَّانَ عَلَى خَبْزِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْخُبْزِ سَنَةً أَوْ أَشْهُرًا إذَا عَرَفَ عِيَالَ الرَّجُلِ وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ أَجَازَ ابْنُ حَبِيبٍ مِثْلَ هَذَا فِي الْحَمَّامِ إلَّا أَنَّ ابْنَ يُونُسَ رَجَّحَ قَوْلَ مَالِكٍ فِي الْخُبْزِ وَالْخِيَاطَةِ بِأَنَّ أَكْلَ النَّاسِ مَعْرُوفٌ وَالْخِيَاطَةُ قَرِيبٌ مِنْهُ قَالَ: بِخِلَافِ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ فِي الشَّهْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَدْ يَدْخُلُ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: فَالْمَنْعُ فِي الْحَمَّامِ هُوَ الصَّوَابُ. وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ قَالَ سَحْنُونَ: لَوْ حُمِلَتْ أَكْثَرُ الْإِجَارَاتِ عَلَى الْقِيَاسِ لَبَطَلَتْ، وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ عَنْ الْغَنَمِ الْمُؤَلَّفَةِ لِلتَّزْلِيلِ تَنْفَتِقُ الشَّبَكَةُ فَتَرْعَى الْغَنَمُ مَا حَوْلَهَا قَالَ: الضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ لَا عَلَى أَصْحَابِ الْغَنَمِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَهَا وَبَيَّتَهَا فِي أَرْضِهِ فَمَا جَنَتْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ. وَانْظُرْ الْأَوْلَى فِي هَذَا الْبَابِ الدُّخُولُ عَلَى وَجْهِ الْمُكَارَمَةِ وَمَا تَقَدَّمَ فِي الشُّفْعَةِ لِمَ أَجَازَ مَالِكٌ الْهِبَةَ لِغَيْرِ ثَوَابٍ مُسَمًّى؟ قَالَ: لِأَنَّهُ عَلَى وَجْهِ التَّفْوِيضِ فِي النِّكَاحِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الْخَيَّاطِ الْمُخَالِطِ الَّذِي لَا يَكَادُ يُخَالِفُ مُسْتَعْمِلَهُ دُونَ تَسْمِيَةِ أَجْرٍ إذَا فَرَغَ رَاضَاهُ بِشَيْءٍ يُعْطِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ النَّاسَ اسْتَجَازُوا هَذَا كَمَا يُعْطِي الْحَجَّامَ وَفِي الْحَمَّامِ وَفِي الْمَنْعِ مِنْهُ حَرَجٌ وَغُلُوٌّ فِي الدِّينِ اهـ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ. وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ بَابَ الْإِجَارَةِ وَأَخَذَ عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ فَرَسًا عَلَى النِّصْفِ، وَأَجَازَ ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ اهـ. وَنَقَلَ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْ يُقَالَ بِعْ هَذَا الثَّوْبَ فَمَا زَادَ عَلَى كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَكَ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إذَا قَالَ بِعْهُ بِكَذَا فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَلَكَ أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 495 بَأْسَ بِهِ اهـ. وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا هُوَ جَارٍ عَلَى هَذَا لَا يُفْتِي بِفِعْلِهِ ابْتِدَاءً وَلَا يُشَنِّعُ عَلَى مُرْتَكِبِهِ، قُصَارَى أَمْرِ مُرْتَكِبِهِ أَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَرَعِ وَمَا الْخِلَافُ فِيهِ شَهِيرٌ لَا حِسْبَةَ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ دَعَتْ لِذَلِكَ حَاجَةٌ، وَمِنْ أُصُولِ مَالِكٍ أَنْ يُرَاعَى الْحَاجِيَّاتُ كَمَا يُرَاعَى الضَّرُورِيَّاتُ. فَأَجَازَ الرَّدَّ عَلَى الدِّرْهَمِ مَعَ كَوْنِهِ يَجْعَلُ مُدَّ عَجْوَةٍ مِنْ بَابِ الرِّبَا، وَأَجَازَ تَأْخِيرَ النَّقْدِ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَمْرَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ أَخَفُّ؛ لِأَنَّ بِالتَّحَلُّلِ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُمْ بِخِلَافِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَبَابُ الرِّبَا، وَيُبَاحُ الْغَرَرُ الْيَسِيرُ بِخِلَافِ بَابِ الرِّبَا. وَمِنْ نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ: وَسُئِلَ أَصْبَغُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ يَسْتَأْجِرُ الْأَجِيرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ فِي كَرْمٍ عَلَى النِّصْفِ مِمَّا يُخْرِجُ الْكَرْمُ أَوْ جُزْءٍ. قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قِيلَ: وَكَذَلِكَ مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ مِثْلُ الرَّجُلِ يَسْتَأْجِرُ الْأَجِيرَ يَحْرُسُ لَهُ الزَّرْعَ وَلَهُ بَعْضُهُ؟ قَالَ: يَنْظُرُ إلَى أَمْرِ النَّاسِ إذَا اُضْطُرُّوا إلَيْهِ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ وَلَا يَجِدُونَ الْعَمَلَ لَهُ إلَّا بِهِ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ إذَا عَمَّ مَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ مِمَّا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى أَعْمَالِ النَّاسِ وَلَا يَجِدُونَ مِنْهُ بُدًّا مِثْلُ كِرَاءِ السُّفُنِ فِي حَمْلِ الطَّعَامِ. وَسُئِلَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَلْ تَجُوزُ الْمُشَارَكَةُ فِي الْمَعْلُوفَةِ أَنْ يَكُونَ الْوَرِقُ عَلَى وَاحِدٍ وَعَلَى الْآخَرِ الْخِدْمَةُ وَتَكُونُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 496 الزَّرِيعَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى نِسْبَةِ الْحَظِّ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ؟ فَأَجَابَ: قَدْ أَجَازَ مَا ذُكِرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، فَمَنْ عَمِلَ بِذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لِلضَّرُورَةِ وَتَعَذَّرَ الْوَجْهُ الْآخَرُ فَيُرْجَى أَنْ يَجُوزَ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَرَأَيْتُ لَهُ فُتْيَا أُخْرَى قَالَ فِيهَا: وَيَجْرِي ذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي إجَارَةِ الْآخَرِ الْكُلِّيِّ الْحَاجِيِّ. وَسُئِلَ عَنْ إعْطَاءِ الْجِبَاحِ لِمَنْ يَخْدُمُهَا بِجُزْءٍ مِنْ غَلَّتِهَا قَالَ: هِيَ إجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ وَكَذَلِكَ فِي الْأَفْرَانِ والأرحي. وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَسْتَبِيحُ الْقِيَاسَ عَلَى الْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ. وَحُكِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَجَمَاعَةٍ وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ الْيَوْمَ عَمَلُ النَّاسِ فِي أُجْرَةِ الدَّلَّالِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ لِقِلَّةِ الْأَمَانَةِ وَكَثْرَةِ الْخِيَانَةِ كَمَا اعْتَذَرَ مَالِكٌ بِمِثْلِ هَذَا فِي إبَاحَةِ تَأْخِيرِ الْأُجْرَةِ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْأَكْرِيَاءَ رُبَّمَا لَا يُوَفُّونَ، فَعِنْدَ مَالِكٍ هَذَا ضَرُورَةُ إبَاحَةِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَالنَّاسُ مُضْطَرُّونَ لِهَذَا وَاَللَّهُ الْمُخَلِّصُ. (وَعُجِّلَ إنْ عُيِّنَ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْعِوَضُ الْمُعَيَّنُ أَجْرًا كَشِرَائِهِ يَجِبُ تَعْجِيلُهُ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ أَوْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ طَعَامٍ فَتَشَاحَّا فِي النَّقْدِ وَلَمْ يَشْتَرِطَا شَيْئًا، فَإِنْ كَانَتْ سُنَّةُ الْكِرَاءِ بِالْبَلَدِ بِالنَّقْدِ جَازَ وَقَضَى بِنَقْدِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُنَّتُهُمْ بِالنَّقْدِ لَمْ يَجُزْ الْكِرَاءُ وَلَوْ عُجِّلَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِ النَّقْدَ. فِي الْعَقْدِ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ أَوْ حَيَوَانٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ يُقْبَضَ إلَى شَهْرٍ، وَيُفْسَخُ ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ وَكَانُوا يَكْرُونَ بِالنَّقْدِ وَبِالنَّسِيئَةِ وَأَبْهَمُوا الْكِرَاءَ، فَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ عَلَى التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ لَا يُوجِبُ نَقْدَ ثَمَنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عُرْفًا أَوْ شَرْطًا وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَنْقُدَ إنْ بِقَدْرِ مَا رَكِبَ أَوْ سَكَنَ بِخِلَافِ شِرَاءِ السِّلَعِ الْمُعَيَّنَةِ، هَذِهِ بِتَمَامِ عَقْدِ شِرَائِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَقْدُ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِدُهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ نَقْدُ ثَمَنِهَا، وَالرُّكُوبُ وَالسُّكْنَى لَمْ يَنْقُدْهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْقُدَ إلَّا ثَمَنَ مَا قَبَضَ مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَ عَقْدُ الْكِرَاءِ لَا يُوجِبُ انْتِقَادَ ثَمَنِهِ فَكَأَنَّهُمَا دَخَلَا فِي الْكِرَاءِ بِهَذِهِ الْمُعَيَّنَاتِ عَلَى التَّأْخِيرِ فَوَجَبَ فَسَادُ الْكِرَاءِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ اكْتَرَى مَا ذَكَرْنَا بِدَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ تَشَاحَّا فِي النَّقْدِ، فَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ بِالنَّقْدِ قَضَى بِنَقْدِهَا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ الْكِرَاءُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ تَعْجِيلَهَا فِي الْعَقْدِ. (أَوْ بِشَرْطٍ) قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اسْتَأْجَرَ صَانِعًا عَلَى عَمَلٍ عُرِفَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ فَسَأَلَهُ تَقْدِيمَ الْأُجْرَةِ وَهُوَ يَقُولُ: لَا أَعْمَلُهُ إلَّا إلَى شَهْرٍ لَا يَصْلُحُ تَقْدِيمُ أَجْرِهِ لَهُ حَتَّى يَبْدَأَ فِي عَمَلِهِ، فَإِنْ بَدَأَهُ قَدَّمَهُ لَهُ إنْ شَاءَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 499 لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْأُجْرَةِ إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ (أَوْ عَادَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَرَادَ الصُّنَّاعُ وَالْأُجَرَاءُ تَقْدِيمَ الْأَجْرِ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَامْتَنَعَ رَبُّ الْعَمَلِ حُمِلُوا عَلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ سُنَّةٌ لَمْ يَقْضِ لَهُمْ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ أَعْمَالِهِمْ، وَأَمَّا الْأَكْرِيَةُ فِي دَارٍ أَوْ رَاحِلَةٍ أَوْ إجَارَةِ بَيْعِ السِّلَعِ وَنَحْوِهَا فَبِقَدْرِ مَا مَضَى، وَلَيْسَ لِلْخَيَّاطِ إذَا خَاطَ نِصْفَ الثَّوْبِ أَخْذُ نِصْفِ الْأَجْرِ حَتَّى يَتِمَّ إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: وَلِأَنَّهُ لَوْ خَاطَهُ كُلَّهُ ثُمَّ ضَاعَ الثَّوْبُ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَكَذَلِكَ إذَا خَاطَ بَعْضَهُ. (أَوْ فِي مَضْمُونَةٍ لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا) . ابْنُ رُشْدٍ: الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ كَنَسْجِ الْغَزْلِ إنْ كَانَ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِتَعْجِيلِ الْأَجْرِ أَوْ الشُّرُوعِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ كَانَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ الطَّرَفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا. (إلَّا كِرَاءَ حَجٍّ فَالْيَسِيرُ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَكَارَى كِرَاءً مَضْمُونًا إلَى أَجَلٍ مِثْلِ الْحَجِّ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ النَّقْدُ وَلَكِنْ يُعَجَّلُ مِثْلُ الدِّينَارَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَقَدْ كَانَ يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي إلَّا أَنْ يَنْتَقِدَ مِثْلَ ثُلُثَيْ الْكِرَاءِ إلَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَضْمُونِ إلَى أَجَلٍ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: قَدْ اقْتَطَعَ الْأَكْرِيَاءُ أَمْوَالَ النَّاسِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرُوهُمْ بِالنَّقْدِ وَيُعَرْبِنُوهُمْ الدِّينَارَ وَشِبْهَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ وَلَوْ كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِ أَجَلٍ وَشَرَعَ فِي الرُّكُوبِ جَازَ بِغَيْرِ نَقْدٍ؛ لِأَنَّ نَقْدَ أَوَائِلِ الرُّكُوبِ كَقَبْضِ جَمِيعِهِ إذْ هُوَ أَكْثَرُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ فِي قَبْضِهِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ أَنَّهُ اكْتَرَى كِرَاءً مَضْمُونًا لَا يَرْكَبُ فِيهِ إلَّا إلَى أَجَلٍ فَالنَّقْدُ فِيهِ جَائِزٌ، بَلْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ النَّقْدِ كُلِّهِ بِشَرْطٍ فِي هَذَا الْمَضْمُونِ كَتَأْخِيرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَإِنَّمَا أَجَازَهُ مَالِكٌ إذَا أُخِّرَ بَعْضُ النَّقْدِ؛ لِأَنَّ الْأَكْرِيَاءَ اقْتَطَعُوا أَمْوَالَ النَّاسِ فَأَجَازَ فِيهِ تَأْخِيرَ بَعْضِ الثَّمَنِ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ تَأْخِيرِ بَعْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ. (وَإِلَّا فَمُيَاوَمَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 500 أَمَّا فِي الْأَكْرِيَةِ فِي دَارٍ أَوْ رَاحِلَةٍ أَوْ إجَارَةِ بَيْعِ السِّلَعِ وَنَحْوِهِ فَبِقَدْرِ مَا مَضَى ابْنُ الْقَصَّارِ كُلَّمَا مَضَى يَوْمٌ اسْتَحَقَّ أَجْرَهُ (وَفَسَدَتْ إنْ انْتَفَى عُرْفُ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ) . ابْنُ يُونُسَ: أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ، فَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ عَلَى التَّأْخِيرِ، وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَبْلَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ: " أَوْ بِشَرْطٍ ". اُنْظُرْ آخَرَ تَرْجَمَةِ مَا يَحِلُّ أَوْ يَحْرُمُ فِي الْجُعْلِ وَجُعِلَ مِنْ ذَلِكَ النِّكَاحُ مَعَ الْبَيْعِ وَالْجُزَافُ مَعَ الْمَكِيلِ وَحُكِيَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 501 الْخِلَافُ فِي الْجَمِيعِ. (كَمَعَ جُعْلٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْجُعْلُ وَالْبَيْعُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجْتَمِعُ الْجُعْلُ وَالْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا فِي مَعْلُومٍ وَالْجُعْلُ يَجُوزُ فِيهِ الْمَجْهُولُ، فَهُمَا مُخْتَلِفَا الْأَحْكَامِ مَتَى جُمِعَا فَسَدَا. وَعَنْ سَحْنُونٍ: إجَارَةُ الْمُغَارَسَةِ مَعَ الْبَيْعِ وَهُوَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى (لَا بَيْعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِاجْتِمَاعِ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ. وَقَالَ سَحْنُونَ: كَذَلِكَ إلَّا فِي الْمَبِيعِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ جَائِزٌ فِي الْمَبِيعِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ كَالثَّوْبِ عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ خِيَاطَتَهُ وَفِيهَا لَا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ إذَا أَمْكَنْت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 503 إعَادَتُهُ كَالصُّفْرِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَهُ الْبَائِعُ قَدَحًا. (وَكَجِلْدٍ لِسَلَّاخٍ وَنُخَالَةٍ لِطَحَّانٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى سَلْخِ شَاةٍ بِشَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا. ابْنُ شَاسٍ: لَوْ اسْتَأْجَرَ السَّلَّاخَ بِالْجِلْدِ وَالطَّحَّانَ بِالنُّخَالَةِ لَمْ يَجُزْ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْجِلْدُ جَازَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيْعُهُ وَالنُّخَالَةُ تَجْرِي عَلَى حُكْمِ الدَّقِيقِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى طَحْنِ إرْدَبِّ حِنْطَةٍ بِدِرْهَمٍ وَقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 505 الْإِجَارَةُ بِهِ. الْبُرْزُلِيِّ: وَنَظِيرُ ذَلِكَ دُخُولُ الْمَعْصَرَةِ بِالْفِيتُورِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا مَعْلُومًا. (وَجُزْءِ ثَوْبٍ لِنَسَّاجٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ آجَرْته عَلَى دَبْغِ جُلُودٍ أَوْ عَمَلِهَا أَوْ نَسْجِ ثَوْبٍ عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ ذَلِكَ إذَا فَرَغَ لَمْ يَجُزْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَخْرُجُ؛ وَلِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 506 أَنْ يُسْتَأْجَرَ بِهِ. ثُمَّ نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ: وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ الْجِلْدِ قَبْلَ الدِّبَاغِ عَلَى أَنْ يَدْبُغَهَا مُجْتَمِعَةً فَأَفَاتَهَا بِالدِّبَاغِ فَإِنَّ لَهُ نِصْفَهَا بِالْقِيمَةِ يَوْمَ قَبَضَهَا وَلَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ فِي نِصْفِهَا، مِنْ تَرْجَمَتِهِ فِي الْإِجَارَةِ وَالسَّلَفِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: إلَّا إنْ قَالَ لَكَ نِصْفُ الْغَزْلِ عَلَى أَنْ تَنْسِجَ لِي نِصْفَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَشْتَرِي ثَوْبًا بَقِيَ مِنْهُ ذِرَاعٌ عَلَى أَنْ يُتِمَّهُ لَكَ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ شَرَطَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ صِفَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ بِضَمَانٍ، وَإِنْ دَفَعَ إلَيْكَ نِصْفَ هَذَا الْغَزْلِ عَلَى أَنْ تَنْسِجَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ ثَوْبًا وَانْعَقَدَ ذَلِكَ ثُمَّ تَشَارَكَا فِيهِ فَنَسَجَهُ كُلَّهُ مُشَاعًا فَذَلِكَ جَائِزٌ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ ذَلِكَ زِيَادَةُ دَرَاهِمَ أَوْ شَيْءٍ فَيَصِيرُ شَرِكَةً وَإِجَارَةً، وَلَا يَجُوزُ مَعَ الشَّرِكَةِ بَيْعٌ أَوْ شَرْطُ زِيَادَةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الشَّرِكَةِ بِغَزْلَيْنِ عَلَى نَسْجِهِمَا مَعَهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ نِصْفِ غَزْلِهِ بِشَرْطِ نَسْجِهِ. وَحَكَى الصَّقَلِّيُّ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ بِإِجَازَتِهِ مَا لَمْ يَزِدْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ شَيْئًا. وَمِنْ ابْنِ سَلْمُونَ: أَشْهَدَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ عَلَى السَّوَاءِ فِي كَذَا وَكَذَا رَأْسًا مِنْ الْغَنَمِ، مَا أَفَادَ اللَّهُ فِيهَا مِنْ فَائِدَةٍ بَيْنَهُمَا وَهِيَ عَلَى يَدِ فُلَانٍ مِنْهُمَا يَرْعَاهَا وَأَجْرُهُ فِي ذَلِكَ كَذَا. ابْنُ حَبِيبٍ. وَإِذَا قَالَ لَهُ: اطْحَنْ لِي هَذَا الْقَمْحَ وَلَكَ نِصْفُهُ أَوْ حِكْ لِي هَذَا الْغَزْلَ وَلَكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 507 نِصْفُهُ، فَإِنْ قَالَ بَعْدَ فَرَاغِهِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ قَالَ: فَلَكَ نِصْفُهُ قَمْحًا أَوْ غَزْلًا فَجَائِزٌ، وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ مُبْهَمًا فَهُوَ عَلَى الْأَمْرِ الْجَائِزِ حَتَّى يُصَرِّحَ بِقَوْلِهِ دَقِيقًا أَوْ ثَوْبًا. وَكَذَلِكَ فِي عَصْرِ الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ وَحَصَادِ الزَّرْعِ بِنِصْفِهِ فَحَمْلُهُ عَلَى الْجَائِزِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالْحَصَادِ حَتَّى يُصَرِّحَ فَيَقُولَ بَعْدَ عَصْرِهِ أَوْ حَصَادِهِ فَلَا يَجُوزُ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَوْ قُلْت احْمِلْ طَعَامِي إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَلَكَ نِصْفُهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ تَنْقُدَهُ الْآنَ مَكَانَكَ، وَإِنْ أَخَّرْتَهُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تَحْمِلُهُ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ يَتَأَخَّرَ قَبْضُهُ إلَى أَجَلٍ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِذَا وَقَعَ الْأَمْرُ مُبْهَمًا فَهُوَ فَاسِدٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَجَائِزٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَشْهَبَ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْجُلُودِ ادْبَغْ هَذِهِ الْجُلُودَ بِنِصْفِهَا وَشَرَطَا نَقْدَ النِّصْفِ، نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ ذَلِكَ مِثْلُ نَسْجِ الْغَزْلِ بِجُزْءٍ مِنْهُ قَالَ: فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِ الثَّوْبِ مِنْ النَّسْجِ وَلَا وَجْهُ خُرُوجِ الْجِلْدِ مِنْ الدِّبَاغِ قَالَ: وَأَصْلُ هَذَا. أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ اشْتِرَاطُهُ فِي الشَّيْءِ الْمَبِيعِ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ بِالْجُزْءِ مِنْهُ. انْتَهَى مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 508 رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ. اللَّخْمِيِّ: إنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْجُلُودُ تَعْتَدِلُ فِي الْقَسْمِ وَالْعَدَدِ أَوْ تَتَقَارَبُ، وَإِنْ تَبَايَنَ اخْتِلَافُهَا لَمْ يَجُزْ انْتَهَى. فَانْظُرْ عَلَى هَذَا بِالنِّسْبَةِ إذَا قَالَ لَهُ اعْمَلْ لِي فَحْمًا بِنِصْفِ الْمَعْمُولِ مِنْهُ وَشَرَطَا النَّقْدَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَحْمَ يَعْتَدِلُ فِي الْقَسْمِ وَبَيْعُ نِصْفِ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ الْفَحْمُ جَائِزٌ، وَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ. فَانْظُرْ أَنْتَ فِي ذَلِكَ، وَانْظُرْهُ مَعَ مَا يَأْتِي قَبْلَ قَوْلِهِ وَكَإِنْ خِطْته الْيَوْمَ فَمُقْتَضَاهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُجِيزَ حِصَّتَهُ قَبْلَ الْعَمَلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، هَكَذَا هُوَ فِي الْفَحْمِ لَا يَقْدِرُ عَلَى حِصَّتِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ. وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ أَجَازَ فِي الْمُوَطَّأِ مُسَاقَاةَ مَا حَلَّ بَيْعُهُ. قَالَ سَحْنُونَ: فَهِيَ إجَارَةٌ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " كَاحْصُدُوا دَرْسَ " وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ نِصْفَ ثَوْبٍ أَوْ نِصْفَ دَابَّةٍ أَوْ غَيْرَهُمَا عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ بِالْبَلَدِ جَازَ إنْ ضَرَبَا لِبَيْعِ ذَلِكَ أَجَلًا مَا خَلَا الطَّعَامَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ فَلَهُ الْأَجَلُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى بَيْعِ ذَلِكَ فَلَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا. (أَوْ رَضِيعٍ وَإِنْ مِنْ الْآنِ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَرْضَعَتْ بِجُزْءٍ مِنْ الرَّضِيعِ الرَّقِيقِ بَعْدَ الْفِطَامِ لَمْ يَجُزْ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِشَخْصِهَا إلَّا لِلْغَزَالِيِّ وَهِيَ مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اسْتَأْجَرْته عَلَى تَعْلِيمِ عَبْدِكَ الْكِتَابَ سَنَةً وَلَهُ نِصْفُهُ لَمْ يَجُزْ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَبْضِ مَالَهُ فِيهِ قَبْلَ السَّنَةِ وَقَدْ يَمُوتُ الْعَبْدُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 509 فِيهَا فَيَذْهَبُ عَمَلُهُ بَاطِلًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الشَّرْطُ فِيهِ أَنْ يَقْبِضَ الْمُعَلِّمُ نِصْفَهُ الْآنَ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ سَنَةً لَمْ يَجُزْ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ تَعْلِيمُ الْعَبْدِ صَنْعَةً سَنَةً بِنِصْفِهِ. (وَبِمَا سَقَطَ أَوْ خَرَجَ فِي نَفْضِ زَيْتُونٍ أَوْ عَصْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اُحْصُدْ زَرْعِي هَذَا وَلَكَ نِصْفُهُ، أَوْ جُدَّ نَخْلَتِي هَذِهِ وَلَكَ نِصْفُهَا، جَازَ وَلَيْسَ لَهُ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ. وَكَذَلِكَ لَقْطُ الزَّيْتُونِ وَهُوَ كَبَيْعِ نِصْفِهِ. وَإِنْ قَالَ: فَمَا حَصَدْت أَوْ لَقَطْت فَلَكَ نِصْفُهُ جَازَ، وَلَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهَا جُعْلٌ. وَإِنْ قَالَ: اُحْصُدْ الْيَوْمَ وَالْتَقِطْ الْيَوْمَ فَمَا اجْتَمَعَ فَلَكَ نِصْفُهُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا يَحْصُدُ الْيَوْمَ فَلَا أُجِيزُهُ ثَمَنًا مَعَ ضَرْبِ الْأَجَلِ فِي الْجُعْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَطَ أَنْ يَتْرُكَ مَتَى شَاءَ فَيَجُوزُ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ قَالَ: اُنْفُضْهُ كُلَّهُ وَلَكَ نِصْفُهُ لَجَازَ، وَإِنْ قَالَ لَهُ: اُنْفُضْ شَجَرِي أَوْ حَرِّكْهَا فَمَا نَفَضْت أَوْ لَقَطْت فَلَكَ نِصْفُهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَهِيَ إجَارَةٌ فَكَأَنَّهُ عَمِلَ بِمَا لَا يَدْرِي مَا هُوَ بِخِلَافِ اللَّقْطِ لَوْ قَالَ فِيمَا لَقَطْت أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 510 حَصَدْت فَلَكَ نِصْفُهُ لَجَازَ وَلَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ. وَإِنْ قَالَ: اعْصِرْ زَيْتُونِي أَوْ جُلْجُلَانِي فَمَا عَصَرْت فَلَكَ نِصْفُهُ لَمْ يَجُزْ إذْ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَخْرُجُ وَإِذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّرْكِ إذَا شَرَعَ، وَلَيْسَ هَكَذَا الْجُعْلُ وَالْحَصَادُ يَدْعُهُ مَتَى شَاءَ إذَا قَالَ فَمَا حَصَدْت مِنْ شَيْءٍ فَلَكَ نِصْفُهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " اُحْصُدْهُ وَلَكَ نِصْفُهُ " فَتِلْكَ أُجْرَةٌ لَازِمَةٌ. وَإِنْ قَالَ: اُحْصُدْهُ وَادْرُسْهُ وَلَكَ نِصْفُهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَبِّ فَهُوَ لَا يَدْرِي كَمْ يَخْرُجُ وَلَا كَيْفَ يَخْرُجُ، وَلِأَنَّكَ بِعْتَهُ زَرْعًا جُزَافًا قَدْ يَبِسَ عَلَى أَنَّ عَلَيْكَ حَصَادَهُ وَدَرْسَهُ وَذَرْيَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى حَبًّا جُزَافًا لَمْ يُعَايِنْ جُمْلَتَهُ. وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ لِكُلِّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْكَيْلِ وَهُوَ يَصِلُ إلَى صِفَةِ الْقَمْحِ بِفَرْكِ سُنْبُلِهِ. وَإِنْ تَأَخَّرَ فِي دَرْسِهِ إلَى نِصْفِ شَهْرٍ فَهُوَ قَرِيبٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَحِنْطَةٍ فِي بَيْتِكَ، تِلْكَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ صِفَةٍ أَوْ عِيَانٍ، وَهَذَا مُعَيَّنٌ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " فَمَا لَقَطْتَ فَرَضَهَا " ابْنُ رُشْدٍ قَالَ: لِكَوْنِ أَوَّلِهَا أَسْهَلَ مِنْ آخِرِهَا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ إلَّا مَا جَدَدْت مِنْ نَخْلِي فَلَكَ نِصْفُهُ وَمَا قَبَضْت مِنْ دَيْنِي فَلَكَ نِصْفُهُ وَمَا حَصَدْت مِنْ زَرْعِي فَلَكَ نِصْفُهُ، فَذَكَرَ هَذَا مُسَلَّمًا ثُمَّ رَدَّدَ النَّظَرَ فِي مَسْأَلَةِ اللَّقْطِ ثَالِثِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. (كَاحْصُدْ وَادْرُسْ وَلَكَ نِصْفُهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: " اُحْصُدْهُ وَلَكَ نِصْفُهُ جَائِزٌ ". فَإِنْ قَالَ: اُحْصُدْهُ وَادْرُسْهُ وَلَكَ نِصْفُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. قَالَ عِيَاضٌ: وَالْآتِي عَلَى أُصُولِهِمْ فِي: " اُحْصُدْهُ وَلَكَ نِصْفُهُ " أَنَّهُ وَجَبَ لَهُ بِالْعَقْدِ قَالَ: أَلَا تَرَاهُمْ كَيْفَ جَعَلُوا مَا هَلَكَ قَبْلَ حَصَادِهِ وَبَعْدَ حَصَادِهِ مِنْ الْأَجِيرِ فَهُوَ يَحْصُدُ النِّصْفَ لَهُ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِنَفْسِهِ وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ: إنْ قَالَ مَنْ حَلَّ بَيْعُ زَرْعِهِ لِرَجُلٍ: اُحْصُدْهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 511 وَادْرُسْهُ عَلَى النِّصْفِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. الصَّقَلِّيُّ: هَذَا نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ، وَجَوَازُ ذَلِكَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الزَّرْعِ يَجِبُ لَهُ بِالْعَقْدِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى ذَلِكَ بِعَيْنٍ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الرَّجُلِ لَهُ شَجَرَةُ تِينٍ طَابَتْ فَيُعْطِيهَا لِمَنْ يَحْرُسُهَا وَيَجْنِيهَا وَلَهُ جُزْءٌ مِنْهَا نِصْفٌ أَوْ ثُلُثٌ: إنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذْ لَا بَأْسَ أَنْ يُكْرِيَ نَفْسَهُ بِمَا يَحِلُّ بَيْعُهُ. وَفِي الْمُوَطَّأِ: مُسَاقَاةُ مَا حَلَّ بَيْعُهُ كَالْإِجَارَةِ. سَحْنُونَ: وَهِيَ جَائِزَةٌ. ابْنُ يُونُسَ: كَجَوَازِ بَيْعِ نِصْفِهِ؛ وَلِأَنَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ. (وَكِرَاءُ الْأَرْضِ بِطَعَامٍ أَوْ بِمَا تُنْبِتُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ مِمَّا تُنْبِتُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَا بِطَعَامٍ تُنْبِتُ مِثْلَهُ أَوْ لَا تُنْبِتُهُ وَلَا بِمَا تُنْبِتُهُ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ مِنْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ أُصْطُبَّةً إذْ قَدْ يَزْرَعُ فِيهَا ذَلِكَ فَتَصِيرُ مُحَاقَلَةً، وَلَا بِقَصَبٍ أَوْ قُرْطٍ أَوْ تِينٍ أَوْ عَلَفٍ، وَلَا بِلَبَنٍ مَحْلُوبٍ أَوْ فِي ضُرُوعِهِ، وَلَا بِجُبْنٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ سَمْنٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ خُبْزٍ أَوْ مِلْحٍ، وَلَا بِسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ وَالْأَنْبِذَةِ، وَإِذَا خِيفَ فِي اكْتِرَائِهَا بِبَعْضِ مَا تَنْبُتُ مِنْ الطَّعَامِ أَنْ يَدْخُلَهُ طَعَامٌ بِمِثْلِهِ إلَى أَجَلٍ خِيفَ فِي اكْتِرَائِهَا بِطَعَامٍ لَا تُنْبِتُهُ أَنْ يَكُونَ طَعَامًا بِطَعَامٍ خِلَافُهُ إلَى أَجَلٍ، وَلَا تُكْرَى بِالْفُلْفُلِ وَلَا بِزَيْتِ زَرِيعَةِ الْكَتَّانِ وَلَا بِزَيْتِ الْجُلْجُلَانِ وَلَا بِالسَّمَكِ، وَلَا بِطَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ لِلسِّكِّينِ، وَلَا بِشَاةِ لَحْمٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الطَّعَامِ، وَلَا بِزَعْفَرَانٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تُنْبِتُ، وَلَا بِطِيبٍ يُشْبِهُ الزَّعْفَرَانَ يُرِيدُ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ، وَلَا بِعُصْفُرٍ، وَعَلَى مَنْعِهَا بِالْكَتَّانِ قَالَ مُحَمَّدٌ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 512 قَدْ تَجُوزُ بِثِيَابِهِ (إلَّا كَخَشَبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ بِكِرَاءِ الْأَرْضِ يُرِيدُ بِالْعُودِ يُرِيدُ الْهِنْدِيَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 513 وَبِالسَّنْدَلِ وَالْحَطَبِ وَالْخَشَبِ وَالْجُذُوعِ قَالَ سَحْنُونَ: لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَطُولُ مُكْثُهَا وَوَقْتُهَا؛ فَلِذَلِكَ سَهُلَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ تُنْبِتُهَا الْأَرْضُ. اللَّخْمِيِّ: وَيَجُوزُ بِالْحَلْفَاءِ وَالْحَشِيشِ وَالْمَصْطَكَى. (وَحَمْلِ طَعَامٍ لِبَلَدٍ بِنِصْفِهِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ الْآنَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ قُلْت: احْمِلْ طَعَامًا إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَلَكَ نِصْفُهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ تَنْقُدَهُ الْآنَ مَكَانَك. اُنْظُرْهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: " أَوْ رَضِيعٌ "، وَانْظُرْ مَسْأَلَةً أُخْرَى فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَجَّرْت فُلَانًا عَلَى حَمْلِ طَعَامٍ بَيْنَكُمَا إلَى بَلَدٍ يَبِيعُهُ بِهَا عَلَى أَنَّ عَلَيْك كِرَاءَ حِصَّتِكَ وَسَمَّيْت ذَلِكَ، فَإِنْ شَرَطْت أَنْ لَا تُمَيِّزَ حِصَّتَهُ مِنْهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْبَلَدِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 514 مَتَى شَاءَ مَيَّزَهَا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ أَوْ يَخْرُجَ جَازَ إنْ ضَرَبَ لِلْبَيْعِ أَجَلًا يُرِيدُ ضَرَبَ أَجَلًا بَعْدَ الْوُصُولِ إلَى الْبَلَدِ وَلَا يَنْقُدُهُ إجَارَةَ الْبَيْعِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ آجَرْتَهُ عَلَى طَحْنِهِ فَإِنْ كَانَ إذَا شَاءَ أَفْرَدَهُ وَطَحَنَ حِصَّتَهُ جَازَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنْ لَا يَطْحَنَهُ إلَّا مُجْتَمِعًا لَمْ يَجُزْ. وَكَذَلِكَ إنْ آجَرْتَهُ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ بَيْنَكُمَا جَازَ وَلَزِمَتْهُ الْإِجَارَةُ إذْ كَانَ لَهُ أَنْ يُقَاسِمَكَ حِصَّتَهُ وَيَبِيعَهَا مَتَى شَاءَ وَضَرَبْت لِلرِّعَايَةِ أَجَلًا وَشَرَطْت خَلَفَ مَا هَلَكَ مِنْ حِصَّتِكَ، اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيَّ فِيمَنْ بَاعَ نِصْفَ غَنَمِهِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إلَى مُدَّةٍ عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهُ الْمُبْتَاعُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ عَلَى مِلْكِهِ طُولَ الْمُدَّةِ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ إذَا شَرَطَ خَلَفَ مَا نَقَصَ مِنْ نِصْفِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَرْكَ الْمُقَاسَمَةِ. (وَكَإِنْ خِطْتَهُ الْيَوْمَ بِكَذَا وَإِلَّا فَبِكَذَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 515 آجَرْتَ رَجُلًا يَخِيطُ لَكَ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ إنْ خَاطَهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ وَإِنْ خَاطَهُ غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ آجَرَ نَفْسَهُ بِمَا لَا يَعْرِفُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ آجَرَ مَنْ يُبَلِّغُ لَهُ كِتَابًا إلَى ذِي الْمَرْوَةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ وَإِنْ بَلَّغْتَهُ فِي يَوْمَيْنِ فَلَكَ زِيَادَةُ كَذَا، فَكَرِهَهُ وَاسْتَخَفَّهُ فِي الْخِيَاطَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَإِجَازَةُ ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيْنَا وَبِهِ أَخَذَ سَحْنُونَ. (أَوْ اعْمَلْ عَلَى دَابَّتِي فَمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 516 حَصَلَ فَلَكَ نِصْفُهُ وَهُوَ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا عَكْسُ لِتُكْرِيهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ دَفَعْت إلَيْهِ دَابَّةً أَوْ إبِلًا أَوْ دَارًا أَوْ سَفِينَةً أَوْ حَمَّامًا عَلَى أَنْ يُكْرِيَ ذَلِكَ وَلَهُ نِصْفُ الْكِرَاءِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ نَزَلَ كَانَ لَكَ جَمِيعُ الْكِرَاءِ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ كَمَا لَوْ قُلْت لَهُ: بِعْ سِلْعَتِي فَبِعْتهَا بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، أَوْ قُلْت لَهُ فَمَا زَادَ عَلَى مِائَةٍ فَبَيْنَنَا فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَالثَّمَنُ لَكَ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. ابْنُ يُونُسَ: سَاوَى بَيْنَ الدَّوَابِّ وَالدُّورِ وَالسُّفُنِ إذَا قَالَ لَهُ: أَكْرِهَا وَلَكَ نِصْفُ الْكِرَاءِ أَنَّ الْكِرَاءَ لِرَبِّهَا وَعَلَيْهِ إجَارَةُ الْمِثْلِ لِلرَّجُلِ وَهُوَ أَصْوَبُ. وَلَوْ أَعْطَيْتَهُ الدَّابَّةَ أَوْ السَّفِينَةَ أَوْ الْإِبِلَ لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا فَمَا أَصَابَ بَيْنَكُمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، فَإِنْ عَمِلَ عَلَيْهَا فَالْكَسْبُ هَاهُنَا لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِي ذَلِكَ مَا بَلَغَ وَكَأَنَّهُ اكْتَرَى لَكَ كِرَاءً فَاسِدًا وَالْأَوَّلُ أَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْكَ إجَارَةً فَاسِدَةً فَافْتَرَقَا. (وَكَبَيْعِهِ نِصْفًا بِأَنْ يَبِيعَ نِصْفًا إلَّا بِالْبَلَدِ إنْ أَجَلًا وَلَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مِثْلِيًّا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ نِصْفَ ثَوْبٍ أَوْ نِصْفَ دَابَّةٍ أَوْ غَيْرَهَا عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ بِالْبَلَدِ جَازَ إنْ ضَرَبَ لِبَيْعِ ذَلِكَ أَجَلًا مَا خَلَا الطَّعَامَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. قَالَ سَحْنُونَ: لِأَنَّهُ قَبَضَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 517 إجَارَتَهُ وَهِيَ طَعَامٌ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَقَدْ بِيعَ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ فَيَرُدُّ حِصَّةَ ذَلِكَ فَتَصِيرُ إجَارَةً وَسَلَفًا، يُرِيدُ وَكَذَلِكَ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، وَأَجَازَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ لِبَيْعِهِ أَجَلًا لَمْ يَجُزْ شَرَطَ بَيْعَهُ فِي الْبَلَدِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ نِصْفَ الثَّوْبِ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ، فَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَهُوَ كَأَمْرٍ طَرَأَ. ابْنُ يُونُسَ: وَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ فَيَجُوزُ فِي الْمِثْلِيِّ وَالصَّوَابُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ إذَا اشْتَرَيْتَ ثَوْبًا بَقِيَ مِنْهُ ذِرَاعٌ عَلَى أَنْ يُتِمَّهُ لَك إنَّمَا مَنَعَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ تَأَخَّرَ قَبْضُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُ الْمَجْهُولِ عَلَى هَذَا. (وَجَازَ بِنِصْفِ مَا يَحْتَطِبُ بِهِمَا) ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِي أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ دَابَّتَهُ لِمَنْ يَحْتَطِبُ عَلَيْهَا عَلَى النِّصْفِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُرِيدُ نِصْفَ ثَمَنِ الْحَطَبِ وَلَوْ جَعَلَ لَهُ نِصْفَ النَّقْلَةِ كَانَ جَائِزًا. وَكَذَلِكَ عَلَى نَقَلَاتٍ مَعْرُوفَاتٍ أَوْ قَالَ: لِي نَقْلَةٌ وَلَك نَقْلَةٌ فَذَلِكَ جَائِزٌ كُلُّهُ. قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: إذَا قَالَ مَا حَطِبْت عَلَيْهَا مِنْ الْحَطَبِ فَلِي نِصْفُهُ وَلَكَ نِصْفُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ تُعْطِيَهُ دَابَّتَك أَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ لِنَفْسِهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ غَدًا لِرَبِّهَا. قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 518 ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ قَالَ خُذْ دَابَّتِي فَاعْمَلْ عَلَيْهَا شَهْرًا لِنَفْسِكَ وَتَعْمَلُ عَلَيْهَا شَهْرًا لِنَفْسِي لَمْ يَجُزْ إلَّا فِي مِثْلِ الْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ وَشِبْهِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنِ الْقَاسِم: لَا يَصْلُحُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ وَيَنْقُدَهُ الْإِجَارَةَ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ إلَى عَشْرَةِ أَيَّامٍ قَالَ: وَجَائِزٌ النَّقْدُ فِيهِ إذَا كَانَ يَقْبِضُهُ إلَى خَمْسَةِ أَيَّامٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: فَمَسْأَلَتُكَ إنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ لَهُ بَعْدَ شَهْرٍ وَيَنْقُدَهُ كِرَاءَهُ الْآنَ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ دَابَّتَهُ هَذَا الشَّهْرَ هُوَ أُجْرَتُهُ، وَأَمَّا فِي الْخَمْسَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا فَهُوَ مِثْلُ الَّذِي أَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا أَجَازَ أَنْ يَكْتَرِيَ الرَّجُلُ دَارًا يَسْكُنُهَا سَنَةً بِسُكْنَى دَارٍ لَهُ السَّنَةَ الْمُقْبِلَةَ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ. ابْنُ يُونُسَ: لِقِلَّةِ أَمْنِ الْحَيَوَانِ فَصَارَ النَّقْدُ فِيهِ إذَا لَمْ يُقْبَضْ عَمْدًا وَلَا غَرَرَ فِيمَا قَرُبَ اهـ. مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الْأَكْرِيَةِ: إذَا قَالَ: خُذْ حِمَارِي اعْمَلْ عَلَيْهِ شَهْرًا لِنَفْسِكَ وَشَهْرًا لِي لَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ إنْ بَدَأَ بِالشَّهْرِ الَّذِي لِنَفْسِهِ، وَأَنْ لَا يَجُوزَ إنْ بَدَأَ بِالشَّهْرِ الَّذِي لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِكِرَاءٍ نَقَدَهُ عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا بَعْدَ شَهْرٍ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ. وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَعْمَلَ لَهُ عَلَى دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ لِيَرْعَى لَهُ غَنَمًا بِأَعْيَانِهَا لَا تُنْتَقَضُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ أَوْ الْغَنَمِ. رَاجِعْهُ فِيهِ. (وَصَاعِ دَقِيقٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ زَيْتٍ لَمْ يَخْتَلِفْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ أَنْ تُؤَاجِرَهُ عَلَى طَحْنِ إرْدَبٍّ بِدِرْهَمٍ وَقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهِ إذْ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ. وَلَوْ أَجَّرْته يَطْحَنُهُ لَكَ بِدِرْهَمٍ وَبِقِسْطٍ مِنْ زَيْتِ زَيْتُونٍ قَبْلَ أَنْ يَعْصِرَهَا جَازَ ذَلِكَ، وَلَوْ بِعْت مِنْهُ دَقِيقَ هَذِهِ الْحِنْطَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ قَبْلَ أَنْ يَطْحَنَهَا جَازَ؛ لِأَنَّ الدَّقِيقَ لَا يَخْتَلِفُ، فَإِنْ تَلِفَتْ هَذِهِ الْحِنْطَةُ كَانَ ضَمَانُهَا مِنْ الْبَائِعِ. وَإِنْ كَانَ الزَّيْتُ وَالدَّقِيقُ مُخْتَلِفًا خُرُوجُهُ إذَا عُصِرَ وَطُحِنَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِيهِ حَتَّى يُطْحَنَ أَوْ يُعْصَرَ. وَقَدْ خَفَّفَ مَالِكٌ أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ حِنْطَةً عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعَ طَحْنَهَا إذْ لَا يَكَادُ الدَّقِيقُ يَخْتَلِفُ، وَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ مُخْتَلِفًا مَا جَازَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 519 (وَاسْتِئْجَارُ الْمَالِكِ مِنْهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمَالِكِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَيَقُومُ الْوَارِثُونَ مَقَامَ الْمُسْتَأْجِرِينَ. (وَتَعْلِيمُهُ بِعَمَلِهِ سَنَةً مِنْ أَخْذِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ دَفَعْت غُلَامَكَ إلَى خَيَّاطٍ أَوْ قَصَّارٍ لِيُعَلِّمَهُ ذَلِكَ الْعَمَلَ بِعَمَلِهِ سَنَةً جَازَ. قَالَ عِيسَى: وَالسَّنَةُ مِنْ يَوْمِ أَخْذِهِ. (وَاحْصُدْ هَذَا وَلَكَ نِصْفُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اُحْصُدْ زَرْعِي هَذَا وَلَكَ نِصْفُهُ أَوْ جُدَّ نَخْلِي هَذِهِ وَلَكَ نِصْفُهَا جَازَ، وَلَيْسَ لَهُ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ وَكَذَلِكَ لَقْطُهُ الزَّيْتُونَ هُوَ كَبَيْعِ نِصْفِهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْعَمَلُ فِي تَهْذِيبِهِ بَيْنَهُمَا يُرِيدُ وَلَوْ شَرَطَ فِي الزَّرْعِ قَسْمَهُ حَبًّا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَجِبُ لَهُ بِالْحَصَادِ فَجَائِزٌ. (وَمَا حَصَدْت فَلَكَ نِصْفُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ فَمَا حَصَدْت أَوْ لَقَطْت فَلَكَ نِصْفُهُ جَازَ، وَلَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّ هَذَا جُعْلٌ. (وَإِجَارَةُ دَابَّةٍ لِكَذَا عَلَى إنْ اسْتَغْنَى فِيهَا حَاسَبَ) مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَكَارَى دَابَّتَهُ بِدِينَارٍ إلَى بَلَدِ كَذَا عَلَى أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ مِنْهَا فَبِحِسَابِ مَا تَكَارَى مِنْهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا سَمَّى مَوْضِعَ التَّقَدُّمِ أَوْ عَرَفَ نَحْوَهُ وَقَدْرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ عَبْدِي الْآبِقُ بِذِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 520 الْمَرْوَةِ فَأَكْتَرِي مِنْكَ إلَيْهَا بِدِينَارٍ، فَإِنْ تَقَدَّمْت فَبِحِسَابِ ذَلِكَ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ عُرِفَ وَجْهُهُ فَهُوَ كَتَسْمِيَةِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَقَدَّمُ إلَيْهِ، فَأَمَّا إنْ تَكَارَى مِنْهُ إلَى مَوْضِعٍ بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّهُ أَيْنَمَا بَلَغَ مِنْ الْأَرْضِ كُلِّهَا فَبِحِسَابِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، مَرَّةً يَذْهَبُ إلَى الْعِرَاقِ وَمَرَّةً إلَى الْغَرْبِ، فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ مَوْضِعُ التَّقَدُّمِ مَعْلُومًا مُسَمًّى أَوْ أَمَدٌ لَهُ وَجْهٌ يُعْرَفُ قَدْرُهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: ثُمَّ لَا يَنْقُدُهُ إلَّا كِرَاءَ الْغَايَةِ الْأُولَى فَإِنْ نَقَدَهُ الْكِرَاءَيْنِ دَخَلَهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً فِي طَلَبِ ضَالَّةٍ أَوْ آبِقٍ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يُسَمِّي مَوْضِعًا، فَإِنْ سَمَّاهُ وَقَالَ: إنْ وَجَدْت حَاجَتِي دُونَ ذَلِكَ رَجَعْت وَكَانَ عَلَيَّ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إنْ لَمْ يَنْقُدْ. اهـ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: " لَا بَأْسَ بِهِ إنْ لَمْ يَنْقُدْ " هُوَ نَحْوُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي اكْتِرَاءِ الدَّارِ سَنَةً عَلَى أَنَّهُ إنْ خَرَجَ مِنْهَا قَبْلَهَا حَاسَبَهُ بِمَا سَكَنَ. وَمِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي إجَارَةِ الرَّجُلِ شَهْرًا عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ ثَوْبًا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ مَتَى شَاءَ تَرَكَ أَنَّهُ جَائِزٌ إنْ لَمْ يَنْقُدْ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ بِخِيَارٍ. قَالَ فَضْلٌ: مَنَعَ ذَلِكَ سَحْنُونَ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ إلَى أَمَدٍ بَعِيدٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَيْسَ كَمَا قَالَ إنَّمَا هُوَ بِالْخِيَارِ فِي الْجَمِيعِ الْآنَ وَكُلَّمَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ شَيْءٌ كَانَ بِالْخِيَارِ فِيمَا بَقِيَ. (وَاسْتِئْجَارُ مُؤَجَّرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لِمُكْتَرِي الدَّابَّةِ لِلْحُمُولَةِ وَالدَّارِ وَالسَّفِينَةِ كِرَاؤُهَا مِنْ مِثْلِهِ فِي مِثْلِ مَا اكْتَرَاهَا لَهُ، وَكَذَلِكَ الْفُسْطَاطُ لَهُ كِرَاؤُهُ مِنْ مِثْلِهِ فِي حَالِهِ وَأَمَانَتِهِ وَصَنْعَتِهِ، وَمَنْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ لَمْ يُعْطِهِ غَيْرَهُ لِاخْتِلَافِ اللُّبْسِ وَالْأَمَانَةِ، فَإِنْ دَفَعَهُ لِغَيْرِهِ ضَمِنَ إنْ تَلِفَ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 521 ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا فَلَهُ أَنْ يَكْرِيَهَا مِنْ مِثْلِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْكِرَاءِ أَوْ أَقَلَّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِعَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُرْسِلَهُ يَعْمَلُ لِلنَّاسِ وَيَأْتِيهِ بِمَا عَمِلَ أَوْ يُكْرِيَهُ فِي مِثْلِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَلْزَمُ الْأَجِيرَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ لَهُ وَيَأْتِيهِ بِالْأُجْرَةِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِذَلِكَ، وَهَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ فِي عَمَلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَالْقِصَارَةِ فَيَنْقُلُهُ لِقِصَارَةٍ. (أَوْ مُسْتَثْنَى مَنْفَعَةٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: تَصِحُّ إجَارَةُ الرَّقَبَةِ وَهِيَ مُسْتَأْجَرَةٌ أَوْ مُسْتَثْنًى مَنْفَعَتُهَا مُدَّةً تَبْقَى فِيهَا غَالِبًا وَالنَّقْدُ فِيهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 522 قَوْلُهُ: " الرَّقَبَةُ " يَشْمَلُ الْحَيَوَانَ وَغَيْرَهُ. (وَالنَّقْدُ فِيهِ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ غَالِبًا أَوْ عَدَمُ التَّسْمِيَةِ لِكُلِّ سَنَةٍ) ابْنُ شَاسٍ: لَهُ أَنْ يُكْرِيَ الدَّارَ إلَى حَدٍّ لَا تَتَغَيَّرُ فِيهِ غَالِبًا وَيَنْتَقِدُ، فَأَمَّا مَا لَا يُؤْمَنُ تَغَيُّرُهَا فِيهِ لِطُولِ الْمُدَّةِ أَوْ لِضَعْفِ الْبِنَاءِ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ دُونَ النَّقْدِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا لَا تَبْقَى إلَى الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا إلَيْهَا. وَلَوْ أَجَّرَ سِنِينَ وَلَمْ يُقَدِّرْ حِصَّةَ كُلِّ سَنَةٍ مِنْ الْأُجْرَةِ صَحَّ كَمَا فِي الْأَشْهُرِ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِإِجَارَةِ الْعَبْدِ عَشْرَ سِنِينَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، وَالدَّوَرَانُ بَيْنَ ذَلِكَ فِيهَا جَائِزٌ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْإِجَارَةِ فِيهِ بِشَرْطٍ. ابْنُ يُونُسَ: تَجُوزُ إجَارَةُ الدُّورِ ثَلَاثِينَ سَنَةً بِالنَّقْدِ وَالْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُونَةٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اكْتَرَيْت أَرْضًا ثَلَاثَ سِنِينَ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا لِكُلِّ سَنَةٍ عَشَرَةٌ؟ قَالَ: لَا، بَلْ تُحْسَبُ عَلَى قَدْرِ نَفَاقِهَا كُلَّ سَنَةٍ. (وَكِرَاءُ أَرْضٍ تُتَّخَذُ مَسْجِدًا مُدَّةً وَالنَّقْضُ لِرَبِّهِ إذَا انْقَضَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ عَلَى أَنْ تُتَّخَذَ مَسْجِدًا عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ رَجَعَتْ الْأَرْضُ إلَى رَبِّهَا وَكَانَ النَّقْضُ لِمَنْ بَنَاهُ. قَالَ سَحْنُونَ: وَيَجْعَلُهُ فِي غَيْرِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَبْيَنُ وَلَيْسَ مِثْلُ الْأَرْضِ تُسْتَحَقُّ وَقَدْ بَنَيْت مَسْجِدًا يُرِيدُ فَهَذَا يَجْعَلُهُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ لِلَّهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَالْآخَرُ إنَّمَا جَعَلَهُ لِلَّهِ عَلَى الْمُدَّةِ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ بَعْدَ تَمَامِهَا. ابْنُ يُونُسَ: كَمَنْ دَفَعَ فَرَسَهُ لِمَنْ يَغْزُو بِهِ غَزْوَةً ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 524 (وَعَلَى طَرْحٍ كَمَيْتَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ عَلَى طَرْحِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْعَذِرَةِ. (وَالْقِصَاصِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَتَلَ رَجُلًا ظُلْمًا بِأَجْرٍ فَلَا أَجْرَ لَهُ، وَمَنْ وَجَبَ لَهُمْ الدَّمُ قِبَلَ رَجُلٍ فَقَتَلُوهُ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهُوا بِهِ إلَى الْإِمَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ غَيْرُ الْأَدَبِ لِئَلَّا يَجْتَرِئَ عَلَى الدِّمَاءِ وَلَا يُمَكَّنُ الَّذِي لَهُ الْقَوَدُ فِي الْجِرَاحِ أَنْ يَقْتَصَّ لِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يَقْتَصُّ لَهُ مَنْ يَعْرِفُ الْقِصَاصَ بِأَرْفَقِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَأُجْرَةُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يُقْتَصُّ لَهُ. وَأَمَّا فِي الْقَتْلِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ فَيَقْتُلُهُ وَيُنْهَى عَنْ الْعَبَثِ فِيهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: لَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ عَلَى قَتْلِ قِصَاصٍ يُرِيدُ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِحُكْمِ قَاضٍ عَدْلٍ وَالْأَدَبِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: لَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ عَلَى ضَرْبِ عَبْدِكَ أَوْ وَلَدِكَ لِلْأَدَبِ، وَأَمَّا عَلَى غَيْرِ مَا لَا يَنْبَغِي مِنْ الْأَدَبِ فَلَا يَنْبَغِي (وَعَبْدٍ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا. وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي حُكْمِ النَّقْدِ، وَاَلَّذِي لِابْنِ الْحَاجِبِ اُسْتُخِفَّ النَّقْدُ فِي الْعَقَارِ سِنِينَ وَاسْتُكْثِرَ فِي الْحَيَوَانِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 525 وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ أَوْ لِكَمُؤَجِّرٍ نَفْسَهُ. (وَيَوْمًا أَوْ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ مَثَلًا وَهَلْ تَفْسُدُ إنْ جَمَعَهُمَا وَتَسَاوَيَا أَوْ مُطْلَقًا خِلَافٌ) ابْنُ شَاسٍ: اسْتِصْنَاعُ الْآدَمِيِّ يُعْرَفُ إمَّا بِالزَّمَانِ أَوْ بِمَحَلِّ الْعَمَلِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الْخَيَّاطَ مَثَلًا يَوْمًا أَوْ بِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ: اسْتَأْجَرَكَ لِتَخِيطَ هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَمْ يَصِحَّ اهـ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ أَوْ نَسْجِ غَزْلٍ أَوْ طَحْنِ قَمْحٍ وَشِبْهِهِ مِمَّا الْفَرَاغُ مِنْهُ مَعْلُومٌ وَلَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ بِوَقْتٍ يُشَكُّ فِي سَعَتِهِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا إشْكَالَ فِي سَعَتِهِ فَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ ظَاهِرُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَوْلُهُ وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي اسْتَأْجَرَ ثَوْرًا عَلَى أَنْ يَطْحَنَ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ إرْدَبَّيْنِ فَوَجَدَهُ لَا يَطْحَنُ إلَّا إرْدَبًّا، أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَلَمْ يَفْسَخْ الْإِجَارَةَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ، أَجَازَ أَنْ يُشَارِطَ الْمُعَلِّمَ فِي تَعْلِيمِ الْغُلَامِ الْقُرْآنَ عَلَى الْحِذْقِ نَظَرًا أَوْ ظَاهِرًا سِيَّمَا إنْ جَعَلَا فِي ذَلِكَ أَجَلًا وَلَمْ يُسَمِّيَاهُ، وَعَزَاهُ لِمَالِكٍ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 526 ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. اللَّخْمِيِّ: أَرَى أَنْ يَمْضِيَ إنْ وَقَعَ. (وَبَيْعُ دَارٍ لِتُقْبَضَ بَعْدَ عَامٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا: يَجُوزُ بَيْعُ الدَّارِ وَاسْتِثْنَاءُ سُكْنَاهَا مُدَّةً لَا تَتَغَيَّرُ فِيهَا غَالِبًا، وَفِي حَدِّهَا بِسَنَةٍ أَوْ لَا: سِتَّةُ أَقْوَالٍ، الْأَوَّلُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ سَمَاعِ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ قَائِلًا: وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا. (أَوْ أَرْضٍ لِعُشْرٍ) ابْنُ رُشْدٍ: بَيْعُ الْأَرْضِ وَاسْتِثْنَاؤُهَا أَعْوَامًا أَخَفُّ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ فِيهَا عَشَرَةُ أَعْوَامٍ. اُنْظُرْ فِي السَّلَمِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ: مِنْ الْغَرَرِ شِرَاءُ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ لَا يَقْبِضَهُ الْمُبْتَاعُ إلَّا لِأَجَلٍ إلَّا مَا لَهُ وَجْهٌ كَبَيْعِ دَارٍ وَاسْتِثْنَاءِ سُكْنَاهَا شَهْرًا، أَوْ دَابَّةٍ يُسْتَثْنَى رُكُوبُهَا يَوْمَيْنِ، أَوْ زَرْعٍ يَبِسَ عَلَى كَيْلٍ يَتَأَخَّرُ حَصَادُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ ثَمَرًا كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ. وَمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِعَيْنِهِ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكْتَالَهُ إلَى يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ السِّلَعُ كُلُّهَا عِنْدِي هُوَ فِيهَا أَبْيَنُ. (وَاسْتِرْضَاعٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِإِجَارَةِ الظِّئْرِ عَلَى رَضَاعِ الصَّبِيِّ حَوْلًا أَوْ حَوْلَيْنِ بِكَذَا، وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطْت عَلَيْهِمْ طَعَامَهَا وَكِسْوَتَهَا فَهُوَ جَائِزٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ عَلَى قَدْرِهَا وَقَدْرِ هَيْئَتِهَا وَقَدْرِ أَبِي الصَّبِيِّ فِي غِنَاهُ وَفَقْرِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ طَعَامٌ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْأَطْعِمَةِ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ أَنْ يَقْتَاتُوهَا وَيَأْتَدِمُوهَا، وَأَمَّا الرَّضَاعُ فَقَدْ جَرَى الْعَمَلُ عَلَى جَوَازِهِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَلِأَنَّ اللَّبَنَ الَّذِي يَرْضِعُهُ الصَّبِيُّ لَا قَدْرَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا أَكْثَرُ الْإِجَارَةِ لِقِيَامِهَا بِالصَّبِيِّ وَتَكَلُّفِهَا جَمِيعِ مُؤَنِهِ فَكَانَ اللَّبَنُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَا قَدْرَ لَهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 527 (وَالْعُرْفُ فِي كَغَسْلِ خِرَقِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَيَحْمِلُونَ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الصَّبِيُّ مِنْ الْمُؤْنَةِ فِي كَغَسْلِ خِرَقِهِ وَحَمِيمِهِ وَدُهْنِهِ وَدَقِّ رَيْحَانِهِ وَطِيبِهِ عَلَى مَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ (وَلِزَوْجِهَا فَسْخُهُ إنْ لَمْ يَأْذَنْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا إنْ آجَرَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ إجَارَتَهَا. (كَأَهْلِ الطِّفْلِ إذَا حَمَلَتْ) نَحْوُ هَذَا لِلَّخْمِيِّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا حَمَلَتْ الظِّئْرُ فَخِيفَ عَلَى الصَّبِيِّ فَلَهُمْ فَسْخُ الْإِجَارَةِ وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَأْتِيَ بِغَيْرِهَا تُرْضِعُهُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا اُكْتُرِيَتْ عَلَى رَضَاعِهِ بِعَيْنِهَا، وَإِنْ سَافَرَ الْأَبَوَانِ فَلَيْسَ لَهُمَا أَخْذُ الصَّبِيِّ إلَّا أَنْ يَدْفَعَا إلَى الظِّئْرِ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ. (وَمَوْتِ إحْدَى الظِّئْرَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ آجَرَ ظِئْرَيْنِ فَمَاتَتْ وَاحِدَةٌ فَلِلْبَاقِيَةِ أَنْ لَا تُرْضِعَ وَحْدَهَا. قَالَ سَحْنُونَ: تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ. وَانْظُرْ إذَا قَالَ الْأَبُ: أَرْضِعِيهِ النَّوْبَةَ الَّتِي كُنْت تُرْضِعِيهِ أَوْ قَالَتْ هِيَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 528 (وَمَوْتِ أَبِيهِ وَلَمْ تَقْبِضْ أُجْرَةً وَإِلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهَا مُتَطَوِّعٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ هَلَكَ الْأَبُ فَحِصَّةُ بَاقِي الْمُدَّةِ فِي مَالِ الْوَلَدِ، قَدَّمَهُ الْأَبُ أَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُ، وَتَرْجِعُ حِصَّةُ بَاقِي الْمُدَّةِ إنْ قَدَّمَهُ الْأَبُ مِيرَاثًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَفَقَةُ الصَّبِيِّ قَدَّمَهَا الْأَبُ لَمْ تَكُنْ تَلْزَمُهُ إلَّا مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ انْقَطَعَ عَنْهُ مَا كَانَ يَلْزَمُهُ مِنْ أَجْرِ الرَّضَاعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَطِيَّةٍ وَجَبَتْ إذْ لَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ وَكَانَ ذَلِكَ لِلْأَبِ خَاصَّةً دُونَ أُمِّهِ، فَفَارَقَ الضَّمَانَ فِي الَّذِي يَقُولُ لِرَجُلٍ: اعْمَلْ لِفُلَانٍ عَمَلًا أَوْ بِعْهُ سِلْعَتَكَ وَالثَّمَنُ لَكَ عَلَيَّ فَالثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ إنْ مَاتَ، فَلَا طَلَبَ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَلَا عَلَى الَّذِي عَمِلَ لَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 529 أَجْرَ الرَّضَاعِ لَمْ يَلْزَمْ الْأَبَ فَإِذَا قَدَّمَهُ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الصَّبِيَّ يَحْيَا وَأَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ، فَلَمَّا مَاتَ الصَّبِيُّ بَانَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَلْزَمُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ. وَاَلَّذِي قَالَ: بِعْ مِنْ فُلَانٍ سِلْعَتَكَ وَالثَّمَنُ لَكَ عَلَيَّ هُوَ مُتَطَوِّعٌ بِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ يَلْزَمْهُ، فَلَمَّا تَطَوَّعَ بِهِ وَضَمِنَ لِلْبَائِعِ ثَمَنَ سِلْعَتِهِ لَزِمَهُ مَا تَطَوَّعَ بِهِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَدَعْ مَالًا وَلَمْ تَأْخُذْ الظِّئْرُ مِنْ إجَارَتِهَا شَيْئًا فَلَهَا فَسْخُ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ تَطَوَّعَ رَجُلٌ بِأَدَائِهَا لَمْ تُفْسَخْ، يُرِيدُ وَلَوْ قَبَضَتْ أُجْرَتَهَا ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ وَيَأْخُذُ مِنْهَا حِصَّةَ بَاقِي الْمُدَّةِ، وَلَكِنْ يُتْبَعُ الصَّبِيُّ بِمَا يَنُوبُهُمْ مِنْ أُجْرَةِ بَاقِي الْمُدَّةِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَيْضًا اسْتِحْسَانٌ وَتَوَسُّطٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، ثُمَّ نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ لِابْنِهِ مُعَلِّمًا فَمَاتَ الْأَبُ فَإِنَّ ذَلِكَ لِلِابْنِ بِخِلَافِ أَجْرِ الرَّضَاعِ. وَانْظُرْ إذَا مَاتَ الصَّبِيُّ هَلْ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ. (وَكَظُهُورِ مُؤَجَّرٍ أُوجِرَ بِأَكْلِهِ أَكُولًا) ابْنُ يُونُسَ: إنْ وَجَدَ الْأَجِيرَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ بِطَعَامٍ أَكُولًا خَارِجًا عَنْ عَادَةِ النَّاسِ فِي الْأَكْلِ فَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَهُ أَنْ يَفْسَخَ إجَارَتَهُ: ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ كَعَيْبٍ وَجَدَهُ بِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْأَجِيرُ بِطَعَامٍ وَسَطٍ، وَأَمَّا إنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَجَدَهَا أَكُولَةً خَارِجَةً عَنْ النَّاسِ فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُ نِكَاحِهَا، فَإِمَّا أَشْبَعَهَا أَوْ طَلَّقَ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُرَدُّ إلَّا مِنْ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَهَا عَوْرَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ وَلَوْ شَاءَ لَاسْتَثْبَتَ. (وَمُنِعَ زَوْجٌ رَضِيَ مِنْ وَطْءٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 530 أَنَّهُ لَيْسَ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا إنْ آجَرَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِهِ، أَخَذَ الشُّيُوخُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ اخْتَلَعَتْ لِزَوْجِهَا عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى تُتِمَّ رَضَاعَهُ. (وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ) أَصْبَغُ: إنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا عَلَيْهِ تَرْكَ الْوَطْءِ لَمْ يُمْنَعْ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ ضَرَرَ ذَلِكَ عَلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَمَّ أَنْ يَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ فَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا» . ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيَّ، اشْتَرَطَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَكُونُ مُولِيًا بِالْيَمِينِ لِتَرْكِهِ. (وَسَفَرٍ) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَكَذَا إنْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا فَإِنْ آجَرَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ. (كَأَنْ تُرْضِعَ مَعَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ آجَرَهَا عَلَى رَضَاعِ صَبِيٍّ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُرْضِعَ مَعَهُ غَيْرَهُ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. وَكِرَاؤُهُ هَذَا مِنْ نَحْوِ أَجِيرٍ عَلَى مِائَةٍ مِنْ الْغَنَمِ إنْ عَدَّ غَيْرَهَا مَعَهَا إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْأُولَى إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْعَى مَعَهَا غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ. (وَلَا يَسْتَتْبِعُ حَضَانَةً كَعَكْسِهِ) ابْنُ شَاسٍ: الْأُجْرَةُ عَلَى الِاسْتِرْضَاعِ لَا تُوجِبُ الْحَضَانَةَ وَالْعَكْسُ. ابْنُ عَرَفَةَ: لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْآخَرِ كَالْخِيَاطَةِ وَالطَّرْزِ. (وَبَيْعُهُ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ بِثَمَنِهَا سَنَةً إنْ شَرَطَ الْخَلَفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ لِرَجُلٍ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ لَهُ بِثَمَنِهَا سَنَةً، فَإِنْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ إنْ تَلِفَ الْمَالُ أَخْلَفَهُ لَهُ الْبَائِعُ حَتَّى يَتِمَّ عَمَلُهُ بِهَا سَنَةً جَازَ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَضَاعَتْ الدَّنَانِيرُ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَخْلُفَهَا حَتَّى تَتِمَّ السَّنَةُ، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْأَجِيرِ: اذْهَبْ بِسَلَامٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرْت رَجُلًا يَعْمَلُ لَكَ بِهَذِهِ الْمِائَةِ دِينَارٍ سَنَةً جَازَ ذَلِكَ إذَا شَرَطْت عَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 531 إنْ ضَاعَتْ أَخْلَفْتهَا لَهُ، فَإِنْ ضَاعَتْ كَانَ لَكَ أَنْ تُخْلِفَهَا أَوْ تَدَعَ وَقَدْ لَزِمَتْكَ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَجُزْ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ إنْ آجَرَهُ يَرْعَى لَهُ غَنَمًا بِعَيْنِهَا سَنَةً وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ أَنَّ مَا هَلَكَ مِنْهَا أَوْ بَاعَهُ أَوْ ضَاعَ ذَلِكَ أَخْلَفَهُ جَازَ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَضَاعَ مِنْهَا شَيْءٌ قِيلَ لِلْأَجِيرِ: أَوْفِ الْإِجَارَةَ وَخُيِّرَ رَبُّ الْغَنَمِ فِي خَلَفِ مَا ضَاعَ أَوْ تَرْكِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ آجَرَهُ عَلَى رِعَايَةِ مِائَةِ شَاةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ خَلَفَ مَا مَاتَ مِنْهَا وَلَهُ خَلَفُ مَا مَاتَ بِالْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَلَا بُدَّ مِنْ الشَّرْطِ فِيهَا. وَقَالَ سَحْنُونَ: يَجُوزُ فِي الْمُعَيَّنَةِ مِنْ غَنَمٍ أَوْ دَنَانِيرَ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ خَلَفُ مَا هَلَكَ وَالْحُكْمُ يُوجِبُ خَلَفَ مَا هَلَكَ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَبِهِ أَقُولُ. ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ عِنْدِي أَصْوَبُ؛ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمُسْتَأْجَرَ عَلَيْهَا لَا تَتَعَيَّنُ لَوْ اسْتَأْجَرَ عَلَى حَمْلِ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ مَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطٍ خَلَفَهُ إنْ هَلَكَ وَالْحُكْمُ يُوجِبُ خَلَفَهُ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ. الْبَاجِيُّ: لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى حَصْدِ زَرْعٍ مُعَيَّنٍ فَهَلَكَ فَقَالَ أَشْهَبُ: تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَنْفَسِخُ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافٌ لِقَوْلِهِ إنْ تَعَذَّرَ الْحَرْثُ بِنُزُولِ الْمَطَرِ سَقَطَ الْأَجْرُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ تَعَذَّرَ الْحَرْثُ بِكَسْرِ الْمِحْرَاثِ أَوْ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ لَمْ يَسْقُطْ أَجْرُهُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: إنْ مَنَعَ أَجِيرَ الْبِنَاءِ أَوْ الْحَصَادِ أَوْ عَمَلٍ مَا مَطَرٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا بِحِسَابِ مَا عَمِلَ مِنْ النَّهَارِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَهُ كُلُّ الْأَجْرِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا يَدْخُلُ هَذَا الْخِلَافُ فِي نَوَازِلِ يُونُسَ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ تَقَدَّرَ عِنْدَهُمْ بِفَسْخِ الْإِجَارَةِ بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ وَنُزُولِ الْخَوْفِ اهـ. اُنْظُرْ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ إنَّهُ يُحْكَمُ بِالْعُرْفِ هَلْ يَكُونُ؟ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا صَدَّرْت بِهِ فَتْوَى شَيْخِي ابْنِ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُكْتَرِيَ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يَغْرَمَ كِرَاءً إنْ أَفْسَدَتْ النَّصَارَى الْغَلَّةَ أَنَّ لَهُ شَرْطَهُ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ: مَنْ بَعَثَ مَعَهُ بِخَادِمٍ يُبَلِّغُهَا مَوْضِعَهَا بِأَجْرٍ فَمَاتَتْ فَلَهُ الْإِجَارَةُ كُلُّهَا وَيَسْتَعْمِلُهَا فِي مِثْلِ هَذَا (كَغَنَمٍ عُيِّنَتْ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ: وَكَذَلِكَ مَنْ آجَرَهُ يَرْعَى لَهُ غَنَمًا بِعَيْنِهَا (وَإِلَّا فَلَهُ الْخَلَفُ عَلَى آجِرِهِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَوْ آجَرَهُ عَلَى رِعَايَةِ مِائَةٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 532 غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَلَفَ، وَلَهُ خَلَفُ مَا مَاتَ بِالْقَضَاءِ. (كَرَاكِبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا تَكَارَى قَوْمٌ دَابَّةً لِيَزِفُّوا عَلَيْهَا عَرُوسًا لَيْلَتَهُمْ فَلَمْ يَزُفُّوهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَعَلَيْهِمْ الْكِرَاءُ، وَإِنْ أَكْرَى دَابَّةً لِيُشَيِّعَ عَلَيْهَا رَجُلًا إلَى مَوْضِعٍ سَمَّاهُ مَعْلُومٍ أَوْ لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعِهِ سَمَّاهُ فَبَدَا لَهُ أَوْ لِلرَّجُلِ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ، وَلْيُكْرِ الدَّابَّةَ إلَى مَوْضِعٍ فِي مِثْلِ مَا اكْتَرَى. وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِيَرْكَبَ يَوْمَهُ بِدِرْهَمٍ فَأُمْكِنَ مِنْهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ، وَإِنْ اكْتَرَاهَا إلَى الْحَجِّ أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ إلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَاقَهُ مَرَضٌ أَوْ سَقَطَ أَوْ مَاتَ أَوْ عَرَضَ لَهُ غَرِيمٌ حَبَسَهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَالْكِرَاءُ لَهُ لَازِمٌ، وَلَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ كِرَاءُ الدَّابَّةِ فِي مِثْلِ مَا اكْتَرَى مِنْ مِثْلِهِ وَيَكُونُ صَاحِبُ الْإِبِلِ أَوْلَى بِمَا عَلَى إبِلِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ. . (وَحَافَّتَيْ نَهَرِكَ لِيَبْنِيَ بَيْتًا وَطَرِيقٌ فِي دَارٍ أَوْ مَسِيلُ مَصَبِّ مِرْحَاضٍ لَا مِيزَابٍ إلَّا لِمَنْزِلِكَ فِي أَرْضِهِ) لَوْ قَالَ: " وَطَرِيقٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 533 فِي دَارِ رَجُلٍ أَوْ مَسِيلِ مَصَبِّ مَاءِ مِيزَابٍ لَا مَاءَ مِيزَابٍ فِي أَرْضِهِ " لَنَاسَبَ مَا يَتَقَرَّرُ فَانْظُرْهُ أَنْتَ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ تُؤَاجِرَ حَافَّتَيْ نَهَرِكَ لِمَنْ يَبْنِي عَلَيْهِ بَيْتًا أَوْ يَنْصِبَ عَلَيْهِ رَحًى قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ طَرِيقًا فِي دَارِ رَجُلٍ. قَالَ: وَجَائِزٌ أَنْ تَسْتَأْجِرَ مَصَبَّ مِرْحَاضٍ مِنْ دَارِ رَجُلٍ، وَأَمَّا مَسِيلُ مَاءِ مِيزَابِ الْمَطَرِ مِنْ دَارِ رَجُلٍ فَلَا يُعْجِبُنِي لِأَنَّ الْمَطَرَ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَكُونُ وَلَا يَكُونُ. ابْنُ يُونُسَ: وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا افْتَرَقَ جَوَابُهُ فِي مَسْأَلَةِ مَسِيلِ الْمِرْحَاضِ وَمَسِيلِ الْمَيَازِيبِ لِافْتِرَاقِ السُّؤَالِ، وَأَمَّا إذَا اتَّفَقَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الَّذِي اسْتَأْجَرَ مَسِيلَ الْمِرْحَاضِ إنَّمَا اسْتَأْجَرَ مَسِيلَ الْمِرْحَاضِ مِنْ دَارِكَ عَلَى دَارِ صَاحِبِهِ فَذَلِكَ كَطَرِيقٍ اسْتَأْجَرَهَا، وَأَمَّا مَسِيلُ مَاءِ الْمِيزَابِ فَإِنَّمَا اكْتَرَى الْمَاءَ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهَا، وَأَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ جَوَازَ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ جَوَازِ مَصَبِّ مِرْحَاضٍ. (وَكِرَاءُ رَحَى مَاءٍ بِطَعَامٍ وَغَيْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ بِإِجَارَةِ رَحَى الْمَاءِ بِطَعَامٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ انْقَطَعَ عَنْهَا الْمَاءُ فَهُوَ غَرَرٌ تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ رَجَعَ الْمَاءُ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ لَزِمَهُ بَاقِيهَا كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ يَمْرَضُ ثُمَّ يَصِحُّ. (وَعَلَى تَعْلِيمِ قُرْآنٍ مُشَاهَرَةً أَوْ عَلَى الْحُذَّاقِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ قُرْآنٍ كُلَّ سَنَةٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا، أَوْ عَلَى الْحُذَّاقِ لِلْقُرْآنِ بِكَذَا، أَوْ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ أَوْ سُدُسَهُ بِكَذَا. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ مَعَ أَجْرِهِ شَيْئًا مَعْلُومًا كُلَّ فِطْرٍ وَأَضْحَى. (وَأَخَذَهَا وَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ) سُئِلَ سَحْنُونَ عَنْ الْمُعَلِّمِ يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَيُجْرِي لَهُمْ الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ كُلَّ شَهْرٍ ثُمَّ يَحْذِقُهُ الْمُعَلَّمُ فَيَطْلُبُ الْحَذْقَةَ وَيَأْبَى الْأَبُ وَيَقُولُ: حَقُّكَ فِيمَا قَبَضْت فَقَالَ: يَنْظُرُ إلَى سُنَّةِ الْبَلَدِ فَيُحْمَلُونَ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ فِي الْحَذْقَةِ حَدٌّ مَعْرُوفٌ إلَّا عَلَى قَدْرِ الرَّجُلِ وَحَالِهِ. قَالَ: وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ عِنْدَ الْمُعَلِّمِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْقُرْآنِ فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْحَذْقَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمُدَبَّرِ وَأَمِّ الْوَلَدِ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُ أَمْوَالِهِمَا مَا لَمْ يَتَقَارَبْ عِتْقُهُمَا بِمَرَضِ السَّيِّدِ فَلَا يَنْتَزِعُ مِنْهُمَا شَيْئًا اهـ اُنْظُرْ إذَا شَرَطَ الْإِمَامُ أُضْحِيَّةً فَعُزِلَ قَبْلَ يَوْمِ الْعِيدِ. ابْنُ حَبِيبٍ: نَحْنُ نُوجِبُ حَقَّ الْحَذْقَةِ وَنَقْضِي بِهَا لِلْمُعَلِّمِ. (وَإِجَارَةُ مَاعُونٍ كَقَصْعَةِ وَقِدْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تَجُوزُ إجَارَةُ الْآنِيَةِ وَالْقِدْرِ وَالصِّحَافِ. ابْنُ الْعَطَّارِ: وَلَا يَجُوزُ كِرَاءُ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِثْلُ قِدْرُ الْفَخَّارِ. ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا قُصُورٌ ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ قَرَأَ يَسِيرًا مِنْ الْفِقْهِ تَيَقَّنَ أَنْ لَا مُنَاقَضَةَ بَيْنَ قَوْلِهَا الْقُدُورُ وَالصِّحَافُ تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا وَبَيْنَ مُقْتَضَى قَوْلِهَا بَعْضُ مَا لَا يُعْرَفُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 534 بِعَيْنِهِ. رَاجِعْهُ فِيهِ. (وَعَلَى حَفْرِ بِئْرٍ إجَارَةً وَجِعَالَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ آجَرْتَهُ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ مِنْ صِفَتِهَا كَذَا ثُمَّ انْهَدَمَتْ فَلَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ، وَلَوْ انْهَدَمَتْ بَعْدَ فَرَاغِهَا فَلَهُ جَمِيعُ الْأَجْرِ، حَفَرَهَا فِي مِلْكِكَ أَوْ فِي غَيْرِ مِلْكِك. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهَا إجَارَةٌ وَالْإِجَارَةُ تَجُوزُ فِي مِلْكِكَ أَوْ فِي غَيْرِ مِلْكِكَ مِنْ الْفَلَوَاتِ إلَّا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْجُعْلِ تُجْعَلُ لَهُ دَرَاهِمُ مَعْلُومَةٌ عَلَى أَنْ يَحْفِرَ لَكَ بِئْرًا مِنْ صِفَتِهَا كَذَا وَكَذَا فَحَفَرَ نِصْفَهَا ثُمَّ انْهَدَمَتْ قَبْلَ فَرَاغِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ انْهَدَمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذِهِ الْأُجْرَةُ فِيمَا لَا يُمْلَكُ مِنْ الْأَرْضِينَ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ أَنَّهُ جُعْلٌ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يَكُونُ الْجُعْلُ فِي شَيْءٍ إذَا أَرَادَ الْمَجْعُولُ لَهُ تَرْكَ الْعَمَلِ بَعْدَ أَنْ يَشْرَعَ يَبْقَى مِنْ عَمَلِهِ شَيْءٌ يُتْبَعُ بِهِ الْجَاعِلُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا أَبْيَنُ فَرْقٍ بَيْنَ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: فَأَمَّا الْبِنَاءُ وَالْحَفْرُ فِيمَا يَمْلِكُ مِنْ الْأَرْضِينَ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا الْإِجَارَةُ. (وَيُكْرَهُ حَلْيٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِإِجَارَةِ حَلْيِ الذَّهَبِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَاسْتَثْقَلَهُ مَالِكٌ مَرَّةً وَخَفَّفَهُ مَرَّةً أُخْرَى. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ، كِرَاءُ الْحَلْيِ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ زَكَاةَ الْحَلْيِ أَنْ يُعَارَ فَلِذَلِكَ كَرِهُوا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 535 أَنْ يُكْرَى. (كَإِيجَارِ مُسْتَأْجِرٍ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا لِمِثْلِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ اسْتَأْجَرْت ثَوْبًا تَلْبَسُهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَلَا تُعْطِهِ لِغَيْرِكَ يَلْبَسُهُ لِاخْتِلَافِ اللُّبْسِ وَالْأَمَانَةِ، فَإِنْ هَلَكَ بِيَدِكَ لَمْ تَضْمَنْهُ، وَإِنْ دَفَعْتَهُ إلَى غَيْرِكَ ضَمِنْته إنْ تَلِفَ. وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ لِمُكْتَرِي الدَّابَّةِ لِرُكُوبِهِ كِرَاءَهَا مِنْ غَيْرِهِ كَانَ أَخَفَّ مِنْهُ أَوْ مِثْلَهُ، فَإِنْ أَكْرَاهَا لَمْ أَفْسَخْهُ، وَإِنْ تَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ إذَا كَانَ، أَكْرَاهَا فِيمَا اكْتَرَاهَا فِيهِ مِنْ مِثْلِهِ فِي حَالَتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَخِفَّتِهِ. وَلَوْ بَدَا لَهُ عَنْ السَّفَرِ أَوْ مَاتَ أُكْرِيَتْ مِنْ مِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ الثِّيَابُ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَمَاتِ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَكِرَاءِ الْحَمُولَةِ وَالسَّفِينَةِ وَالدَّارِ. هَذَا لَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِنْ مِثْلِهِ فِي مِثْلِ مَا اكْتَرَاهَا لَهُ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ فِي هَذَا أَنَّ ذَلِكَ لَهُ بِغَيْرِ كَرَاهِيَةٍ وَفِي الثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ، فَإِنْ أَكْرَى ذَلِكَ مِنْ مِثْلِهِ لَمْ يُفْسَخْ وَلَمْ يَضْمَنْ اهـ. وَانْظُرْ فِي سَمَاعِ عِيسَى أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا يَعْمَلُ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ مَنَافِعَهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 536 (وَتَعْلِيمِ فِقْهٍ وَفَرَائِضَ كَبَيْعِ كُتُبِهِ وَقِرَاءَةٍ بِلَحْنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَكْرَهُ الْإِجَارَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ وَالْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا كَرِهَ بَيْعَ كُتُبِ الْفِقْهِ وَالشَّرْطُ عَلَى تَعْلِيمِهَا أَشَدُّ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَدْ أَجَازَ غَيْرُهُ بَيْعَ كُتُبِ الْفِقْهِ فَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِهَا جَائِزٌ عَلَى هَذَا. ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ جَوَازُ الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَكْرَهُ الْإِجَارَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الشِّعْرِ وَالنَّوْحِ. ابْنُ يُونُسَ: يَعْنِي التَّغَنِّيَ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ الْقِرَاءَةَ بِالْأَلْحَانِ فَكَيْفَ بِالْغِنَاءِ وَكَرِهَ مَالِكٌ بَيْعَ الْأَمَةِ بِشَرْطِ أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَ الْبَيْعُ. قَالَ سَحْنُونَ: وَيَنْبَغِي أَنْ تُبَاعَ وَلَا يُذْكَرَ غِنَاؤُهَا فَإِذَا تَمَّ الْبَيْعُ ذُكِرَ ذَلِكَ فَإِمَّا رَضِيَهَا الْمُبْتَاعُ أَوْ رَدَّهَا. وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: لَا تُرَدُّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ فَيُفْسَخُ. (وَكِرَاءُ دُفٍّ وَمِعْزَفٍ لِعُرْسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَنْبَغِي إجَارَةُ الدُّفِّ وَالْمَعَازِفِ كُلِّهَا فِي الْعُرْسِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَضَعَّفَهُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ ضَعْفَ قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: وَأَمَّا الدُّفُّ الَّذِي أُبِيحَ ضَرْبُهُ فِي الْعُرْسِ وَنَحْوِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ إجَارَتُهُ. وَقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 539 عِيَاضٌ: قَوْلُهُ: " أَكْرَهُ الْإِجَارَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الشِّعْرِ وَالنَّوْحِ " كَذَا هُوَ وَمَعْنَاهُ نَوْحُ الْمُتَصَوِّفَةِ وَأَنَاشِيدُهُمْ عَلَى طَرِيقِ النَّوْحِ وَالْبُكَاءِ الْمُسَمَّى بِالتَّعْفِيرِ وَالْمَعَازِفُ عِيدَانُ الْغِنَاءِ لَا يَجُوزُ ضَرْبُهَا وَلَا اسْتِئْجَارُهَا وَهِيَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَرَابِطِ وَالْعِيدَانِ. (وَكِرَاءٌ كَعَبْدٍ كَافِرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُكْرِي مُسْلِمٌ دَابَّتَهُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَرْكَبُونَهَا إلَّا لِأَعْيَادِهِمْ أَوْ لِكَنَائِسِهِمْ، أَوْ يَبِيعُ مِنْهُمْ شَاةً يَعْلَمُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَذْبَحُونَهَا لِذَلِكَ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ أَعْيَادِ الْكَنَائِسِ فَيَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ يَحْمِلُونَ إلَيْهَا الثِّيَابَ وَالْأَمْتِعَةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ يَبِيعُونَ يَبْتَغُونَ الْفَضْلَ فِيهَا. قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ تُبَاعَ مِنْهُمْ الْجَزَرَةُ لِأَعْيَادِهِمْ وَهُوَ خِلَافُ مَا هُنَا إذْ لَا فَرْقَ، وَاخْتِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذَا جَارٍ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُمْ مُتَعَبَّدُونَ بِالشَّرِيعَةِ، فَعَلَى الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ يُكْرَهُ مُعَاوَنَتُهُمْ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 540 الْعِصْيَانِ وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاصٍ فِي ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَعَلَى هَذَا أَجَازَ فِي سَمَاعِ زُونَانَ أَنْ يَسِيرَ بِأُمِّهِ إلَى الْكَنِيسَةِ. (وَبِنَاءُ مَسْجِدٍ لِلْكِرَاءِ وَسُكْنَى فَوْقَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَصْلُحُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ، وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَبْنِيَ الرَّجُلُ مَسْجِدًا ثُمَّ يَبْنِيَ فَوْقَهُ بَيْتًا يَسْكُنُهُ بِأَهْلِهِ، يُرِيدُ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَعَهُ صَارَ يَطَؤُهَا عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ آجَرَ بَيْتَهُ مِنْ قَوْمٍ يُصَلُّونَ فِيهِ رَمَضَانَ لَمْ يُعْجِبْنِي ذَلِكَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا صَوَابٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّمَا أَرَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِمْ الْبَيْتَ وَقْتَ الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَسْلَمَهُ إلَيْهِمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ كَاَلَّذِي أَجَّرَ أَرْضَهُ عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَنْ يَبْنِيَهَا مُكْتَرِيهَا مَسْجِدًا أَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 541 (بِمَنْفَعَةٍ تَتَقَوَّمُ) . ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِجَارَةِ الْمَنْفَعَةُ، وَمِنْ شُرُوطِهَا أَنْ تَكُونَ مُتَقَوِّمَةً، فَمَا لَا تَتَقَوَّمُ مَنْفَعَتُهُ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَسَّرُوا الْمُتَقَوِّمَةَ بِمَا لَهَا قِيمَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ، لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ تُفَّاحَةٍ لِلشَّمِّ، وَالطَّعَامِ لِتَزْيِينِ الْحَانُوتِ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ انْتَهَى. وَقَدْ نَصَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 544 ابْنُ يُونُسَ أَنَّ مَنْ قَالَ: ارْقَ هَذَا الْجَبَلَ وَلَكَ كَذَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ. (قُدِرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا) . ابْنُ شَاسٍ: مِنْ شُرُوطِ الْمَنْفَعَةِ أَنْ تَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهَا حِسًّا وَشَرْعًا، فَيُمْنَعُ اسْتِئْجَارُ الْأَخْرَسِ لِلتَّعْلِيمِ وَالْأَعْمَى لِلْخَطِّ وَنَحْوِهِ، وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى قَطْعِ عُضْوٍ مُحْتَرَمٍ أَوْ حَائِضٍ عَلَى كَنْسِ مَسْجِدٍ. (بِلَا اسْتِيفَاءِ عَيْنٍ قَصْدًا) هَكَذَا عَبَّرَ ابْنُ شَاسٍ قَائِلًا: لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْأَشْجَارِ لِثِمَارِهَا، وَالشَّاةِ لِنِتَاجِهَا وَلَبَنِهَا وَصُوفِهَا؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ عَيْنٍ قَبْلَ الْوُجُودِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا وَاضِحٌ حُكْمُهُ مِنْ الْبِيَاعَاتِ، وَتَبِعَ فِيهِ ابْنُ شَاسٍ الْغَزَالِيَّ. وَلَوْ رَسَمَ الْمَنْفَعَةَ بِأَنَّ شَرْطَهَا إمْكَانُ اسْتِيفَائِهَا دُونَ إذْهَابِ عَيْنِ مَا احْتَاجَ إلَى ذِكْرِ هَذَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَيَجُوزُ شِرَاءُ لَبَنِ غَنَمٍ مُعَيَّنَةٍ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ إذَا عُرِفَ وَجْهُ حِلَابِهَا بِخِلَافِ ثَمَرَةِ الْمَقْثَأَةِ، وَيُكْرَهُ بَيْعُ شَاةٍ أَوْ شَاتَيْنِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُعَارَضُ هَذَا بِإِجَازَتِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَكْتَرِيَ الْبَقَرَةَ وَيَشْتَرِطَ حِلَابَهَا؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ خَفَّ بِمَا انْضَافَ إلَيْهَا مِنْ الْكِرَاءِ كَمَا خَفَّ فِي الْغَنَمِ إذَا كَثُرَتْ. (وَلَا حَظْرَ) . ابْنُ عَرَفَةَ: تَبِعَ ابْنُ شَاسٍ الْغَزَالِيَّ فِي قَوْلِهِ الْغَرَرُ الشَّرْعِيُّ كَالْحِسِّ فِي الْإِبْطَالِ لَوْ اسْتَأْجَرَ عَلَى قَلْعِ سِنٍّ صَحِيحَةٍ أَوْ قَطْعِ يَدٍ صَحِيحَةٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ كَانَتْ الْيَدُ مُتَآكِلَةً وَالسِّنُّ مُتَوَجِّعَةً جَازَتْ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ: مَنْ ذَهَبَ بَعْضُ كَفِّهِ فَخَافَ عَلَى بَاقِي يَدِهِ لَا بَأْسَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ مِنْ الْمَفْصِلِ إنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ الْمَوْتُ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ خَوْفُ الْمَوْتِ مِنْ بَقَاءِ يَدِهِ كَذَلِكَ أَشَدَّ مِنْ خَوْفِ الْمَوْتِ بِقَطْعِهِ فَلَهُ الْقَطْعُ. وَمِنْ الْإِكْمَالِ يَأْتِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ مَنْ خُلِقَ بِأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ أَوْ عُضْوٍ زَائِدَةٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَطْعُهُ وَلَا نَزْعُهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الزَّائِدُ مِمَّا يُؤْذِيهِ مِنْ أُصْبُعٍ أَوْ ضِرْسٍ وَيُؤْلِمُهُ، فَلَا بَأْسَ عَلَى كُلِّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 545 حَالٍ بِنَزْعِهِ عِنْدَ هَذَا وَغَيْرِهِ وَتَعَيَّنَ. ابْنُ يُونُسَ: لَا جُعْلَ لِمَنْ وَجَدَ ضَالَّةً وَأَتَى بِهَا إذْ لَا جُعْلَ فِي أَدَاءِ الْأَمَانَاتِ إلَى رَبِّهَا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْجُعْلُ لَا يَجُوزُ فِيمَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يَفْعَلَهُ إنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ. قَالَ مَالِكٌ: لَوْ قَالَ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا وَلَكَ كَذَا فَلَا شَيْءَ لَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَاهُ أَشِرْ عَلَيَّ وَانْصَحْ لِي فِي ذَلِكَ، وَهَذَا لَوْ سَأَلَهُ إيَّاهُ دُونَ جُعْلٍ لَلَزِمَهُ أَنْ يَفْعَلَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» . وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: دُلَّنِي عَلَى مَنْ أَبْتَاعُ مِنْهُ أَوْ يَبْتَاعُ مِنِّي وَلَكَ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ جَائِزٌ لَازِمٌ لَهُمَا. قَالَ أَصْبَغُ: لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا بَيْعَ فِيهِ. وَمِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ: وَقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 546 ابْنُ شَاسٍ: مِنْ شَرْطِ الْمَنْفَعَةِ أَنْ تَكُونَ حَاصِلَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَا تُجْزِئُ النِّيَابَةُ فِيهَا كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَنَحْوِهِمَا. (وَلَوْ مُصْحَفًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَجُوزُ إجَارَةُ الْمُصْحَفِ لِمَنْ يَقْرَأُ فِيهِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ، وَمَنَعَ ابْنُ حَبِيبٍ إجَارَتَهُ. (وَأَرْضًا غَمَرَ مَاؤُهَا وَنَدَرَ انْكِشَافُهُ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ وَمَاؤُهَا غَامِرٌ وَانْكِشَافُهُ نَادِرٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ جَوَازُهُ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ الْغَيْرُ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَكْرَى أَرْضَهُ الْغَرِقَةَ بِكَذَا إنْ انْكَشَفَ مَاؤُهَا وَإِلَّا فَلَا كِرَاءَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا يَنْكَشِفَ عَنْهَا جَازَ إنْ لَمْ يَنْقُدْ، وَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ إلَّا أَنْ يُوقِنَ بِانْكِشَافِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إنْ خِيفَ أَنْ لَا يَنْكَشِفَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ. (وَشَجَرًا لِتَجْفِيفِ الثِّيَابِ عَلَيْهَا عَلَى الْأَحْسَنِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: تَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ ابْنَ شَاسٍ فِي قَوْلِهِ فِي إجَارَةِ الْأَشْجَارِ لِتَجْفِيفِ الثِّيَابِ قَوْلَانِ، وَلَا أَعْرِفُ الْمَنْعَ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ كَإِجَارَةِ مَصَبِّ مِرْحَاضٍ وَحَائِطٍ لِحَمْلِ خَشَبٍ (لَا لِأَخْذِ ثَمَرَتِهِ أَوْ شَاةٍ لِلَبَنِهَا) تَقَدَّمَ هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " بِلَا اسْتِيفَاءِ عَيْنٍ ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 547 (وَاغْتُفِرَ مَا فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ بِالتَّقْوِيمِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا فِيهَا سِدْرَةٌ أَوْ دَالِيَةٌ أَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ نَبْتٌ مِنْ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ وَلَا ثَمَرَةَ فِيهَا حِينَئِذٍ أَوْ فِيهَا ثَمَرَةٌ لَمْ تَزْهُ، فَالثَّمَرَةُ لِلْمُكْرِي إلَّا أَنَّهُ إنْ اشْتَرَطَ الْمُكْتَرِي ثَمَرَةَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ تَبَعًا مِثْلَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ فَذَلِكَ جَائِزٌ. وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يُقَوَّمَ كِرَاءُ الْأَرْضِ أَوْ الدَّارِ بِغَيْرِ شَرْطِ الثَّمَرَةِ؛ فَإِنْ قِيلَ عَشَرَةٌ قِيلَ: مَا قِيمَةُ الثَّمَرَةِ فِيمَا عُرِفَ مِمَّا تُطْعِمُ كُلَّ عَامٍ بَعْدَ طَرْحِ قِيمَةِ الْمُؤْنَةِ وَالْعَمَلِ؟ فَيُعْلَمُ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ خَمْسَةٌ فَأَقَلَّ جَازَ. قَالَ أَصْبَغُ: وَهَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الثَّمَرَةَ تَطِيبُ قَبْلَ مُدَّةِ الْكِرَاءِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَاهُ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا أُجِيزَ لِلضَّرَرِ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَى الْمُكْتَرِي فِي دُخُولِ رَبِّ الدَّارِ لِإِصْلَاحِ الثَّمَرَةِ وَجِدَادِهَا كَمَا أُجِيزَ شِرَاءُ الْعَرِيَّةِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ يُونُسَ لِلضَّرَرِ بِالدُّخُولِ عَلَى الْمُكْتَرِي، هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ بَعْضَ الشَّجَرِ؟ أَجَازَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَمَنَعَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: أَجَازَ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَإِذَا كَانَ الْكِرَاءُ سِنِينَ وَاشْتُرِطَتْ الثَّمَرَةُ وَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَبِالشَّجَرِ ثَمَرٌ لَمْ يَزْهُ فَهُوَ لِلْمُكْتَرِي. (وَلَا تَعْلِيمِ غِنَاءٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: أَكْرَهُ الْإِجَارَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 548 النَّوْحِ وَأَنَّهُ نَوْحُ الصُّوفِيَّةِ. (أَوْ دُخُولِ حَائِضٍ لِمَسْجِدٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ: بِمَنْعِ اسْتِئْجَارِ حَائِضٍ لِكَنْسِ مَسْجِدٍ (أَوْ دَارٍ لِتُتَّخَذَ كَنِيسَةً كَبَيْعِهَا لِذَلِكَ وَتَصَدَّقَ بِالْكِرَاءِ وَبِفَضْلَةِ الثَّمَنِ عَلَى الْأَرْجَحِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ دَارِهِ أَوْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَتَّخِذُهَا كَنِيسَةً. ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: يَتَصَدَّق بِالثَّمَنِ وَبِالْكِرَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَصَدَّقُ بِفَضْلَةِ الثَّمَنِ وَبِفَضْلَةِ الْكِرَاءِ؛ تُقَوَّمُ الدَّارَانِ لَوْ بِيعَتْ أَوْ أُكْرِيَتْ عَلَى أَنْ تُتَّخَذَ كَنِيسَةً، وَتُقَوَّمُ أَنْ لَوْ بِيعَتْ أَوْ أُكْرِيَتْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ فَيُعْلَمُ الزَّائِدُ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ الْكِرَاءِ أَوْ رُبُعَهُ تَصَدَّقَ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ هُوَ ثَمَنُ مَا لَا يَحِلُّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا فِي الْكِرَاءِ فَيَتَصَدَّقُ بِالْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ أَجَّرَ دَارِهِ لِمَا لَا يَحِلُّ كَمَنْ أَكْرَى دَارِهِ لِبَيْعِ الْخَمْرِ أَوْ دَابَّتَهُ لِحَمْلِ الْخَمْرِ. ابْنُ يُونُسَ: وَبِهَذَا أَقُولُ. (وَلَا مُتَعَيِّنٍ كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ) قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا تَتَعَيَّنُ ". وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ عَلَى عِبَادَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ وَتَقَدَّمَ الْحَجُّ بِخِلَافِ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِ الْجِنَازَةِ وَحَفْرِ الْقَبْرِ وَفِي الْإِمَامَةِ ثَلَاثَةٌ. (وَعُيِّنَ مُتَعَلِّمٌ وَرَضِيعٌ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: يَجِبُ تَعْيِينُ الرَّضِيعِ وَالْمُتَعَلِّمِ بِخِلَافِ غَنَمٍ وَنَحْوِهَا. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: تَجُوزُ إجَارَةُ الظِّئْرِ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ حَاضِرًا يُرَى، فَلَوْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ سِنَّهُ. وَإِنْ جُرِّبَ رَضَاعُهُ لِيُعْلَمَ قُوَّةُ رَضَاعِهِ مِنْ ضَعْفِهِ كَانَ أَحْسَنَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا جَازَ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ مُتَقَارِبٌ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ رَضَاعِهِ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي الظِّئْرِ تُسْتَأْجَرُ لِرَضَاعِ صَبِيَّيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ لِاخْتِلَافِ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهَا إنْ آجَرَتْ نَفْسَهَا لِتُرْضِعَ آخَرَ مَكَانَ الْمَيِّتِ لَمْ يُدْرَ هَلْ رَضَاعُهُ مِثْلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 549 الْمَيِّتِ أَمْ لَا. (وَدَارٌ وَحَانُوتٌ وَبِنَاءٌ عَلَى جِدَارٍ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: تَعَيَّنَ الْحَانُوتُ وَالدَّارُ وَالْحَمَّامُ وَشِبْهُهُ وَلَا يَلْزَمُ تَعْرِيفُ قَدْرِ الْبِنَاءِ وَصِفَتِهِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ عَلَى الْجِدَارِ. (وَمَحْمِلٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَكْرَى مَحْمِلًا لِمَكَّةَ وَلَمْ يَذْكُرْ وِطَاءَهُ أَوْ زَامِلَتَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ مَا يَحْمِلُ مِنْ أَرْطَالٍ جَازَ وَحُمِلَ عَلَى فِعْلِ النَّاسِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الزَّوَامِلَ عُرِفَتْ عِنْدَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يُعَيَّنُ الْمَحْمِلُ أَوْ يُوصَفُ. (إنْ لَمْ يُوصَفْ) تَقَدَّمَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ فِي الرَّضِيعِ إلَّا أَنْ يُذْكَرَ سِنُّهُ. وَقَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ: لَهُ أَنْ يُكْرِيَ دَارًا بِإِفْرِيقِيَةَ وَهُوَ بِمِصْرَ كَالْبَيْعِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يُعَيَّنُ الْمَحْمِلُ أَوْ يُوصَفُ. (وَدَابَّةٌ لِرُكُوبٍ وَإِنْ ضُمِنَتْ فَجِنْسٌ وَنَوْعٌ وَذُكُورَةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كِرَاءُ الدَّوَابِّ عَلَى وَجْهَيْنِ: دَابَّةٌ بِعَيْنِهَا أَوْ مَضْمُونَةٌ. وَفِي الْمَعُونَةِ الْمَرْكُوبُ الْمُعَيَّنُ لَا بُدَّ أَنْ يُعْرَفَ بِتَعْيِينٍ بِإِشَارَةٍ إلَيْهِ كَهَذِهِ الدَّابَّةِ أَوْ النَّاقَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لِيُحِيطَ بِهَا الْمُكْتَرِي كَالْمُشْتَرِي. قَالَ: وَالْمَضْمُونَةُ يُذْكَرُ جِنْسُهَا وَنَوْعُهَا وَالذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ. وَتَبِعَهُ ابْنُ شَاسٍ وَالْمُتَيْطِيُّ. زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا بِتَعْيِينِ الرَّاكِبِ وَإِنْ عُيِّنَ لَمْ يَلْزَمْ تَعْيِينُهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: كِرَاءُ الرَّوَاحِلِ وَالدَّوَابِّ عَلَى وَجْهَيْنِ: مُعَيَّنًا وَمَضْمُونًا، فَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَيَجُوزُ فِي النَّقْدِ وَالْأَجَلِ إذَا شَرَعَ فِي الرُّكُوبِ أَوْ كَانَ إنَّمَا يَرْكَبُ الْأَيَّامَ الْقَلَائِلَ الْعَشَرَةَ وَنَحْوَهَا قَالَهُ مَالِكٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُعْجِبُنِي إلَّا عَشَرَةُ أَيَّامٍ يُرِيدُ إذَا نَقَدَ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ أَوْ الرَّاحِلَةُ حَاضِرَةً، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ غَائِبَةً فَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ النَّقْدِ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ لَا يَصْلُحُ فِي شِرَاءِ الْغَائِبِ، وَأَمَّا إنْ اكْتَرَى الرَّاحِلَةَ بِعَيْنِهَا عَلَى أَنْ لَا يَرْكَبَهَا إلَّا ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَنَحْوَهَا فَلَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ بِالنَّقْدِ وَيَجُوزُ بِغَيْرِ النَّقْدِ. قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَهَذَا الْكِرَاءُ الْمُعَيَّنُ يَنْفَسِخُ فِيهِ الْكِرَاءُ بِمَوْتِ الرَّاحِلَةِ أَوْ الدَّابَّةِ، فَإِنْ مَاتَتْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ دَابَّةً أُخْرَى بِعَيْنِهَا يَبْلُغُ عَلَيْهَا إلَى مُنْتَهَى غَايَتِهِ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْقُدْ جَازَ؛ لِأَنَّهُ كِرَاءٌ مُبْتَدَأٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نَقَدَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 550 فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَفَازَةٍ فَيَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ عِنْدَهُ كَقَبْضِ الْأَوَاخِرِ. عِيَاضٌ: الرَّاحِلَةُ هِيَ النَّاقَةُ الْمُعَدَّةُ لِلرُّكُوبِ الْمُذَلَّلَةُ لَهُ وَتُسْتَعْمَلُ فِي ذُكُورِ الْإِبِلِ وَإِنَاثِهَا، وَأَصْلُهَا مِنْ الرَّحْلِ الْمَوْضُوعِ عَلَيْهَا وَهِيَ الرَّاحِلَةُ أَيْضًا وَهُوَ مَرْكَبُ يُشَدُّ لِلْبِغَالِ، وَيُسَمَّى السَّرْجُ أَيْضًا رَحْلًا تَشْبِيهًا بِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا كِرَاءُ الدَّابَّةِ الْمَضْمُونَةِ أَوْ الرَّاحِلَةِ الْمَضْمُونَةِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أُكْرِيَ مِنْكَ دَابَّةً أَوْ رَاحِلَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا بِالنَّقْدِ وَإِلَى أَجَلٍ إذَا شَرَعَ فِي الرُّكُوبِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الرُّكُوبِ وَإِنَّمَا تَكَارَى كِرَاءً مَضْمُونًا إلَى أَجَلٍ كَالْمُكْتَرِي إلَى الْحَجِّ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ كَالسَّلَمِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا خَفَّفَ أَنْ يَغْرَمَ الدَّلِيلُ؛ لِأَنَّ الْأَكْرِيَاءَ أَقْطَعُوا بِالنَّاسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ إلَّا أَنَّ الْكَرِيَّ إذَا قَدَّمَ لِلْمُكْتَرِي دَابَّةً فَرَكِبَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزِيلَهَا مِنْ تَحْتِهِ إلَّا بِرِضَاهُ. (وَلَيْسَ لِرَاعٍ رَعْيُ الْأُخْرَى إنْ لَمْ يَقُولَا بِمُشَارِكٍ، أَوْ نَقَدَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ خِلَافَهُ وَإِلَّا فَأَجْرُهُ لِمُسْتَأْجِرٍ كَأَجِيرٍ لِخِدْمَةٍ آجَرَ نَفْسَهُ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ كَثِيرَةٍ لَا يَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْعَى مَعَهَا غَيْرَهَا إلَّا أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ رَاعٍ يَقْوَى بِهِ، وَإِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 551 كَانَتْ غَنَمًا يَسِيرَةً فَذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ رَبُّهَا أَنْ لَا يَرْعَى مَعَهَا غَيْرَهَا، فَإِنْ رَعَى الرَّاعِي مَعَهَا غَيْرَهَا بَعْدَ هَذَا الشَّرْطِ فَالْأَجْرُ لِرَبِّ الْأُولَى. وَكَذَلِكَ أَجِيرُكَ لِخِدْمَةٍ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ لِغَيْرِكَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ فَلَكَ أَخْذُ الْأَجْرِ أَوْ تَرْكُهُ وَإِسْقَاطُ حِصَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْأَجْرِ عَنْكَ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا فِيمَا يُشَابِهُ بِمَا آجَرْتَهُ بِهِ أَوْ يُقَارِبُهُ، وَأَمَّا أَنْ تُؤَاجِرَهُ فِي الرِّعَايَةِ شَهْرًا بِدِينَارٍ فَيَذْهَبُ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ فِي الْحَصَادِ، أَوْ تُؤَاجِرُهُ يَخْدُمُكَ فِي الْغَزْوِ فَيَذْهَبُ يُقَاتِلُ فَيَقَعُ فِي سُهْمَانِهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، فَهَذَا وَشِبْهُهُ لَا يَكُونُ لَكَ إلَّا إسْقَاطُ حِصَّةِ مَا عَطَّلَ مِنْ عَمَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ. (وَلَمْ يَلْزَمْهُ رَعْيُ الْوَلَدِ إلَّا لِعُرْفٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا وَشَرَطَ رَبُّهَا أَنَّ مَا مَاتَ مِنْهَا أَخْلَفَهُ فَتَوَالَدَتْ الْغَنَمُ حُمِلَا فِي رِعَايَةِ الْوَلَدِ عَلَى عُرْفِ النَّاسِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ سُنَّةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ رِعَايَتُهَا. (وَعُمِلَ بِهِ فِي الْخَيْطِ) . ابْنُ شَاسٍ: مَنْ اسْتَأْجَرَ الْخَيَّاطَ لَا يُوجَبُ عَلَيْهِ الْخَيْطُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ خِلَافَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: كَقَوْلِهِ فِي آلَةِ الْبِنَاءِ وَعَرَفْنَا فِي الْأَجِيرِ أَنْ لَا خَيْطَ عَلَيْهِ وَفِي الصَّانِعِ الْخَيْطُ عَلَيْهِ. (وَنَقْشِ الرَّحَا) ابْنُ عَرَفَةَ: حَفِيُّ الرَّحَا يُوجِبُ نَقْشَهَا. ابْنُ الْعَطَّارِ: وَهُوَ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ عُرْفًا فَإِنْ عُدِمَ الْعُرْفُ فَعَلَى رَبِّهَا. ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: عُرْفُنَا عَلَى الْمُكْتَرِي. (وَآلَةِ بِنَاءٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ آجَرْتَهُ عَلَى بِنَاءِ دَارٍ فَالْأَدَاةُ وَالْفُؤُوسُ وَالْقِفَافُ وَالْمَاءُ وَالدِّلَاءُ عَلَى مَا تَعَارَفَ النَّاسُ أَنَّهَا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ حَثَيَانُ التُّرَابِ عَلَى حَافَّةِ الْقَبْرِ وَنَقْشُ الرَّحَا وَشِبْهُهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ سُنَّةٌ فَآلَةُ الْبِنَاءِ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَنَقْشُ الرَّحَا عَلَى رَبِّهِ (وَإِلَّا فَعَلَى رَبِّهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ بَشِيرٍ فِي الْخَيْطِ، وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي آلَةِ الْبِنَاءِ وَنَقْشُ الرَّحَا. (عَكْسُ إكَافٍ وَشِبْهِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: عَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ تَسْلِيمُ مَا الْعَادَةُ تَسْلِيمُهُ مَعَهَا مِنْ إكَافٍ وَبَرْذَعَةٍ وَحِزَامٍ وَسَرْجٍ فِي الْفَرَسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُعْتَادٍ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي إعَانَةِ الرَّاكِبِ فِي النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ فِي الْمُهِمَّاتِ الْمُكَرَّرَةِ وَكَذَا رَفْعُ الْحَمْلِ. (وَفِي السَّيْرِ وَالْمَنَازِلِ) ابْنُ شَاسٍ: كَيْفِيَّةُ السَّيْرِ وَتَفْصِيلُهُ وَقَدْرُ الْمَنَازِلِ وَمَحَلُّ النُّزُولِ فِي مَعْمُورٍ أَوْ صَحْرَاءَ مُعْتَبَرٌ بِالْعُرْفِ. (وَالْمَعَالِيقِ) ابْنُ شَاسٍ: يَصِفُ الْمَحْمِلَ بِالسَّعَةِ وَالضِّيقِ وَيَعْرِفُ تَفَاصِيلَ الْمَعَالِيقِ، فَإِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 552 أُطْلِقَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ مَعْلُومًا فِي الْعَادَةِ صَحَّ الْعَقْدُ. (وَالزَّامِلَةِ وَوِطَائِهِ بِمَحْمِلٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَكْرَى مَحْمِلًا لِمَكَّةَ وَلَمْ يَذْكُرْ وِطَاءً أَوْ زَامِلَةً إنْ لَمْ يَذْكُرْ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا مِنْ أَرْطَالٍ جَازَ، وَحُمِلَا عَلَى فِعْلِ النَّاسِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الزَّوَامِلَ عُرِفَتْ عِنْدَهُمْ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ لَهُ الْمَعَالِيقَ وَكُلَّمَا عَرَفَهُ النَّاسُ مِنْ الْكِرَاءِ لَازِمُ لِلْمُكْرِي. عِيَاضٌ: الزَّامِلَةُ مَا عُمِلَ فِي مِثْلِ الْأَخْرَاجِ وَشِبْهِهَا وَتُشَدُّ عَلَى الدَّوَابِّ وَنَحْوٌ مِنْهَا الرَّاحِلَةُ. (وَبُدِّلَ الطَّعَامُ الْمَحْمُولُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ انْتَقَصَتْ زَامِلَةُ الْحَاجِّ أَوْ نَفِدَتْ فَأَرَادَ تَمَامَهَا وَأَبَى الْحَمَّالُ حُمِلَا عَلَى عُرْفِ النَّاسِ. (أَوْ تَوْفِيرِهِ) سَحْنُونَ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً عَلَى حِمْلٍ فِيهِ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ فَأَصَابَهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ مَطَرٌ فَزَادَ وَزْنُهُ فَامْتَنَعَ الْحَمَّالُ مِنْ حَمْلِ الزِّيَادَةِ وَقَالَ رَبُّهُ هُوَ الْمَتَاعُ بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْحَمَّالِ حَمْلُ الزِّيَادَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَى قَوْلِهَا بِلُزُومِ حَمْلِ وَلَدِ الْمَرْأَةِ مَعَهَا حَمْلُ زِيَادَةِ الْبَلَلِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ سَوَاءٌ كَانَ عُرْفٌ أَمْ لَا، وَمُقْتَضَى قَوْلِهَا فِي زَامِلَةِ الْحَاجِّ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ. (كَنَزْعِ الطَّيْلَسَانِ قَائِلَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُّبْسِ نَزَعَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي الْعَادَةُ نَزْعُهُ فِيهَا كَاللَّيْلِ وَالْقَائِلَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَقَوْلِهَا مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِلْخِدْمَةِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى عُرْفِ النَّاسِ مِنْ خِدْمَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. (وَهُوَ أَمِينٌ فَلَا ضَمَانَ) ابْنُ يُونُسَ: الْقَضَاءُ أَنَّ الْأَكْرِيَاءَ وَالْأُجَرَاءَ فِيمَا أُسْلِمَ إلَيْهِمْ كَالْأُمَنَاءِ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُونَهُ إلَّا الصُّنَّاعُ وَالْأَكْرِيَاءُ عَلَى حَمْلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْإِدَامِ خَاصَّةً إذْ لَا غِنَى عَنْهُ، فَضَمِنَا لِصَلَاحِ الْعَامِلَةِ كَالصُّنَّاعِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِهَلَاكِهِ بِغَيْرِ سَبَبِهِمْ أَوْ يَكُونُ مَعَهُمْ أَرْبَابُهُ لَمْ يُسَلِّمُوهُ إلَيْهِمْ فَلَا يَضْمَنُوا، وَسَوَاءٌ حَمَلُوهُ عَلَى سَفِينَةٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 553 رَحْلٍ. قَالَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ: وَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ ضَمَانَ الْعُرُوضِ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا أَنْ يُخَالِفُوا فِي شَرْطٍ يَجُوزُ. وَمِنْ الِاسْتِغْنَاءِ: الْمُكْتَرِي مُصَدَّقٌ فِيمَا ادَّعَى إبَاقَهُ مِنْ الْعَبِيدِ وَتَلَفَهُ مِنْ الدَّوَابِّ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً إلَى مَوْضِعٍ فَضَيَّعَ فَذَهَبَتْ ضَمِنَهَا فَإِنْ وَجَدَهَا وَقَدْ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ أَوْ كَانَتْ عَلَى حَالِهَا فَهِيَ لَهُ بِمَا غَرِمَ فِيهَا، وَلَوْ لَمْ يُضَيِّعْهَا فَذَهَبَتْ لَمْ يَضْمَنْ. (وَلَوْ شَرَطَ إثْبَاتَهُ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا شَرَطَ الْحَامِلُونَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِي الطَّعَامِ أَوْ أَنَّ عَلَيْهِمْ ضَمَانَ الْعُرُوضِ، وَمَا لَا يُضْمَنُ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْعَقْدُ فَاسِدٌ. (إنْ لَمْ يَأْتِ بِسِمَةِ الْمَيِّتِ) لَوْ قَالَ " وَلَوْ لَمْ يَأْتِ " لَكَانَ أَوْلَى. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرُّعَاةِ إلَّا فِيمَا تَعَدَّوْا فِيهِ أَوْ فَرَّطُوا فِي جَمِيعِ مَا رَعَوْا مِنْ الْغَنَمِ وَالدَّوَابِّ وَلِأُنَاسٍ شَتَّى أَوْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا اُشْتُرِطَ عَلَى الرَّاعِي الضَّمَانُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا هَلَكَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطُوا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِسِمَةِ مَا مَاتَ مِنْهَا ضَمِنَ فَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا. (أَوْ عَثَرَ بِدُهْنٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ آنِيَةٍ فَانْكَسَرَتْ وَلَمْ يَتَعَدَّ أَوْ انْقَطَعَ الْحَبْلُ وَلَمْ يَغُرَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا قَالَ الْمُكْرِي فِي كُلِّ عَرَضٍ إنَّهُ هَلَكَ أَوْ سُرِقَ أَوْ عَثَرَتْ الدَّابَّةُ فَانْكَسَرَتْ الْقَوَارِيرُ فَذَهَبَ الدُّهْنُ صُدِّقَ إلَّا أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَى كَذِبِهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الطَّعَامِ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ اسْتَأْجَرْتَهُ يَحْمِلُ لَكَ عَلَى دَوَابِّهِ دُهْنًا أَوْ طَعَامًا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَعَثَرَتْ الدَّابَّةُ فَسَقَطَتْ فَانْكَسَرَتْ الْقَوَارِيرُ فَذَهَبَ الدُّهْنُ أَوْ هَلَكَ الطَّعَامُ أَوْ انْقَطَعَتْ الْحِبَالُ فَسَقَطَ الْمَتَاعُ فَفَسَدَ، لَمْ يَضْمَنْ الْمُكْرِي قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا إلَّا أَنْ يَغُرَّ مِنْ عِثَارٍ أَوْ ضَعْفِ الْأَحْبَالِ عَنْ حَمْلِ ذَلِكَ فَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ. اللَّخْمِيِّ: إنْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ أَوْ ذَكَرَ أَنَّ ذَهَابَهُ كَانَ عَلَى صِفَةٍ أَتَى فِيهَا بِمَا لَا يُشْبِهُ ضَمِنَ. (بِفِعْلٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَا تَلِفَ بِسَبَبِ عَيْبٍ دَلَّسَهُ الْمُكْرِي ضَمِنَ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 554 اكْتَرَى دَابَّةً أَوْ ثَوْرًا لِلطَّحْنِ فَرَبَطَهُ فِي الْمِطْحَنَةِ فَكَسَرَهَا أَوْ أَفْسَدَ آلَتَهَا لَمْ يَضْمَنْ ذَلِكَ مُكْرِيهَا إلَّا أَنْ يَغُرَّ وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا لِقَوْلِ مَالِكٍ: مَنْ أَكْرَى دَابَّتَهُ عَالِمًا أَنَّهَا عَثُورٌ وَلَمْ يُعْلِمْهُ ذَلِكَ فَعَثَرَتْ فَانْكَسَرَ مَا عَلَيْهَا فَهُوَ ضَامِنٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: أَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ مَسْأَلَةِ كَسْرِ الثَّوْرِ التَّضْمِينَ بِالْغُرُورِ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ إنَّمَا هُوَ بِاللَّفْظِ يُرَدُّ بِأَنَّ إيجَابَهُ لُزُومَ الْعَقْدِ يُصَيِّرُهُ كَالْفِعْلِ، فَالْقَوْلُ إنْ تَضَمَّنَ عَقْدًا كَانَ غُرُورًا بِالْفِعْلِ لَا بِالْقَوْلِ. (كَحَارِسٍ وَلَوْ حَمَّامِيًّا) . ابْنُ الْحَاجِبِ: أَجِيرُ الْحِرَاسَةِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ جَلَسَ يَحْفَظُ ثِيَابَ مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ فَضَاعَ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اُسْتُؤْجِرَ يَحْرُسُ بَيْتًا فَنَامَ فَسُرِقَ مَا فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ غَابَ عَلَيْهِ وَجَمِيعُ الْأَجْرِ لَهُ، وَكَذَلِكَ حَارِسُ النَّخْلِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يَضْمَنُ جَمِيعُ الْحُرَّاسِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّوْا إنْ كَانَ مَا يَحْرُسُونَهُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا، طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ يُعْطَى مَتَاعًا لِيَبِيعَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 555 فَيَضِيعُ أَوْ يَضِيعُ ثَمَنُهُ إلَّا أَنَّ هَذَا الْأَجْرَ لَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. (وَأَجِيرٌ لِصَانِعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَضْمَنُ الْقَصَّارُ مَا أَفْسَدَهُ أَجِيرُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَجِيرِ. وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ فِي الْغَسَّالِ يَكْثُرُ عَلَيْهِ الْمَتَاعُ فَيَسْتَأْجِرُ الْأُجَرَاءَ يَبْعَثُهُمْ إلَى الْبَحْرِ بِالثِّيَابِ إنَّهُمْ ضَامِنُونَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَيْسَ هَذَا بِخِلَافٍ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا ضَمَانَ عَلَى أَجِيرِ الْقَصَّارِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا انْقَلَبُوا بِهَا يَعْمَلُونَ وَغَابُوا عَلَيْهَا فَهُمْ كَالصُّنَّاعِ، سَوَاءٌ أُخِذَ ذَلِكَ مِنْ التُّجَّارِ أَوْ مِنْ الصُّنَّاعِ مِثْلُهُمْ. (وَسِمْسَارٍ إنْ ظَهَرَ خَيْرُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ) تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ يُعْطِي مَتَاعًا يَبِيعَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَذَا وَاضِحٌ إنْ كَانَ لَمْ يُنَصِّبْ نَفْسَهُ لِذَلِكَ، وَإِنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَالصَّانِعِ، وَأَظُنُّ أَنِّي وَقَفْت عَلَى ذَلِكَ لِبَعْضِهِمْ فِي الْجَلِيسِ وَهُوَ مَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ فِي حَانُوتِهِ لِشِرَاءِ الْأَمْتِعَةِ قَالَ عِيَاضٌ: كَثِيرٌ مِنْ الْبِلَادِ يَنْتَصِبُونَ لِذَلِكَ. وَأَمَّا مُسَمًّى السِّمْسَارِ فَفِي ضَمَانِهِ مَا دُفِعَ لَهُ لِيَبِيعَهُ وَمَا طَلَبُهُ رَبُّهُ لِمُشْتَرٍ أَمَرَهُ بِشِرَائِهِ ثَالِثُهَا مَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا. الْأَوَّلُ لِسَحْنُونٍ، وَالثَّانِي لِلْعُتْبِيَّةِ، وَالثَّالِثُ هُوَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ. (وَنُوتِيٍّ غَرِقَتْ سَفِينَتُهُ بِفِعْلٍ سَائِغٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا غَرِقَتْ السَّفِينَةُ مِنْ أَمْرِ النَّوَاتِيَّةِ، فَإِنْ صَنَعُوا مَا يَجُوزُ لَهُمْ مِنْ الْمَدِّ وَالْعَمَلِ فِيهَا لَمْ يَضْمَنُوا، وَإِنْ تَعَدَّوْا فَأُغْرِقُوا فِي مَدٍّ أَوْ عِلَاجٍ ضَمِنُوا مَا هَلَكَ فِيهِ مِنْ النَّاسِ وَالْحُمُولَةِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 556 ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ فِي أَمْوَالِهِمْ. وَقِيلَ إنَّ الدِّيَاتِ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ. (لَا إنْ خَالَفَ مَرْعًى شُرِطَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ شُرِطَ رَعْيُهُ فِي مَوْضِعٍ فَرَعَى فِي غَيْرِهِ ضَمِنَ يَوْمَ التَّعَدِّي وَلَهُ أَجْرُهُ إلَى يَوْمِهِ. (أَوْ أَنْزَى بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَنْزَى الرَّاعِي عَلَى الْغَنَمِ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا ضَمِنَ. (أَوْ غَرَّ بِفِعْلٍ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ أَنَّ مَا فِيهِ تَغْرِيرٌ مِنْ الْأَعْمَالِ كَثَقْبِ اللُّؤْلُؤِ وَاحْتِرَاقِ الْخُبْزِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُفَرِّطَ أَوْ يَتَعَدَّى أَوْ يَأْخُذَهُ مِنْ غَيْرِ مَأْخَذِهِ بِعَمْدٍ أَوْ جَهْلٍ أَوْ خَطَأٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ سَأَلْت خَيَّاطًا قَيْسَ ثَوْبٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ يَقْطَعُ قَمِيصًا فَابْتَعْته بِقَوْلِهِ فَلَمْ يَقْطَعْهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى بَائِعِهِ. وَكَذَلِكَ الصَّيْرَفِيُّ يَقُولُ فِي دِرْهَمٍ تُرِيهِ إيَّاهُ إنَّهُ جَيِّدٌ فَيُلْفَى رَدِيئًا، فَإِنْ غَرَّا مِنْ أَنْفُسِهِمَا عُوقِبَا وَلَا أَجْرَ لَهُمَا. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ قَالَ لِلْخَيَّاطِ إنْ جَاءَ مِنْ هَذَا الثَّوْبِ قَمِيصٌ فَاقْطَعْهُ لِي وَلَكَ كَذَا فَقَطَعَهُ فَلَمْ يَجِئْ مِنْهُ قَمِيصٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ، وَأَمَّا مَا فِيهِ تَغْرِيرٌ كَثَقْبِ اللُّؤْلُؤِ وَاحْتِرَاقِ الْخُبْزِ فِي الْفُرْنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا إنْ لَمْ يُخْطِئْ فِي فِعْلِهِ، فَإِنْ أَخْطَأَ كَأَنْ تَزِلَّ يَدُ الْخَاتِنِ أَوْ يَقْلَعَ غَيْرَ الضِّرْسِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا فَهِيَ مِنْ جِنَايَةِ الْخَطَأِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَإِنْ غَرَّ مِنْ نَفْسِهِ عُوقِبَ وَيُخْتَلَفُ عَلَى مَنْ الدِّيَةُ. وَفِي رَسْمِ طَلَّقَ مِنْ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ إنَّمَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْ الْفَرَّانِ إذَا بَقِيَ مِنْ الْخُبْزِ مَا يَعْرِفُ بِهِ أَنَّهُ خُبْزُ صَاحِبِهِ، وَأَمَّا إنْ ادَّعَى أَنَّهُ احْتَرَقَ وَلَمْ يَأْتِ مِنْهُ بِشَيْءٍ يُعْرَفُ أَنَّهُ الْخُبْزُ بِعَيْنِهِ لَضَمِنَ، وَمِثْلُ هَذَا سَوَاءٌ الْغَزْلُ يَحْتَرِقُ فِي الْفُرْنِ. وَانْظُرْ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْهُ فِي ثَقْبِ اللُّؤْلُؤِ بَيْنَ أَنْ يَتَّخِذَ فِي مَوْضِعِ الثَّقْبِ أَمْ لَا فَرْقَ. وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ دُونَ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَهُ يَقُومُ لَهُ مَقَامَ شَاهِدٍ. وَمِثْلُ احْتِرَاقِ الْخُبْزِ الثَّوْبُ فِي قِدْرِ الصَّبَّاغِ، وَالْحَجَّامُ يَقْلَعُ ضِرْسَ الرَّجُلِ فَيَمُوتُ بِخِلَافِ إذَا قَلَعَ غَيْرَ الضِّرْسِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا فَإِنَّهَا مِنْ جِنَايَةِ الْخَطَأِ. (فَقِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَكْرَى دَابَّةً وَهِيَ عَثُورٌ أَوْ رَبُوضٌ وَلَمْ يُعْلِمْ الْمُكْتَرِيَ بِذَلِكَ فَحَمَلَ عَلَيْهَا دُهْنًا مِنْ مِصْرَ إلَى فِلَسْطِينَ فَعَثَرَتْ بِالْعَرِيشِ ضَمِنَ قِيمَةَ الدُّهْنِ بِالْعَرِيشِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بِمِصْرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْهَا تَعَدَّى. (أَوْ صَانِعٌ فِي مَصْنُوعِهِ) . ابْنُ رُشْدٍ: وَالْأَصْلُ فِي الصُّنَّاعِ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُمْ مُؤْتَمَنُونَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 557 لِأَنَّهُمْ أُجَرَاءُ، «وَقَدْ أَسْقَطَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الضَّمَانَ عَنْ الْأَجِيرِ» . وَخَصَّصَ الْعُلَمَاءُ مِنْ ذَلِكَ الصُّنَّاعَ وَضَمَّنُوهُمْ نَظَرًا وَاجْتِهَادًا لِضَرُورَةِ النَّاسِ. وَكَانَ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ الْغَالِبَةِ الَّتِي تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا. وَقَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُمْ ضَامِنُونَ لِمَا غَابُوا عَلَيْهِ وَادَّعَى تَلَفَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِمْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا ثَبَتَ ضَيَاعُهُ بِالْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ تَضْيِيعٍ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ إلَّا أَشْهَبَ فَإِنَّهُ ضَمَّنَهُمْ وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى التَّلَفِ. وَلِقَوْلِهِ حَظٌّ مِنْ النَّظَرِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا وَجَبَ أَنْ يَضْمَنُوا لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ عَنْهُمْ بِالْبَيِّنَةِ حَسْمًا لِلذَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ مَا طَرِيقُهُ الْمَصَالِحُ وَقَطْعُ الذَّرَائِعِ لَا يُخَصَّصُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ. أَصْلُ ذَلِكَ شَهَادَةُ الِابْنِ لِأَبِيهِ وَلِأَنَّ مَنْ ضَمِنَ بِلَا بَيِّنَةٍ ضَمِنَ وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ. أَصْلُهُ الْغَاصِبُ، وَلِأَنَّ مَنْ قَبَضَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَضَمِنَ بِلَا بَيِّنَةٍ ضَمِنَ وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ. أَصْلُهُ الْقَرْضُ وَقَوْلُ مَالِكٍ أَصَحُّ (لَا غَيْرُهُ وَلَوْ مُحْتَاجًا لَهُ) . ابْنُ شَاسٍ: قَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُ الصَّانِعُ مَا لَا صَنْعَةَ لَهُ فِيهِ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ حُضُورِهِ عِنْدَ الصَّانِعِ مِثْلَ الْكِتَابِ الْمُنْتَسَخِ مِنْهُ وَالْمِثَالُ الَّذِي يُعْمَلُ عَلَيْهِ وَجَفِيرُ السَّيْفِ الَّذِي يُصَاغُ عَلَى نَصْلِهِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ سُلِّمَ لِلصَّانِعِ بِغَيْرِ جَفِيرٍ فَسَدَ، وَمِثْلُهُ ظَرْفُ الْقَمْحِ وَالْعَجِينِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. اللَّخْمِيِّ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا إذَا كَانَ الثَّوْبُ غَلِيظًا لَا يَحْتَاجُ لِوِقَايَةٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصَّانِعَ لَا يَضْمَنُ الْمِنْدِيلَ وَإِلَّا فَفِي طَرْحِ ضَمَانِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ لِسَحْنُونٍ، وَالثَّانِي لِابْنِ حَبِيبٍ، وَالثَّالِثُ لِابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. اُنْظُرْ آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ فَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 558 عَلَيْهِ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي عَمَلِهِ كَالْآتِي لِلْخَرَّازِ بِزَوْجِي خُفٌّ لِيَعْمَلَ لَهُ فِي أَحَدِهِمَا وَأَنَّهُ مَقْبُولٌ قَوْلُهُ فِي تَلَفِ أَحَدِهِمَا، لَكِنْ الشُّيُوخُ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ تَقْوِيمِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ مِنْهُمَا، هَلْ يُقَوَّمُ وَحْدَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا صَاحِبَ لَهُ أَوْ يُقَوَّمَا مَعًا ثُمَّ يُقَوَّمُ الْبَاقِي وَحْدَهُ؟ (وَإِنْ عَمِلَ بِبَيِّنَةٍ) سَمِعَ عِيسَى: لَا ضَمَانَ عَلَى الصَّانِعِ حَتَّى يَكُونَ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ. اللَّخْمِيِّ: وَسَوَاءٌ كَانَ بِسُوقِهَا أَوْ دَارِهِ (أَوْ بِلَا أَجْرٍ) . ابْنُ رُشْدٍ: وَسَوَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ اسْتَعْمَلَ الصَّانِعَ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَا قَبَضُوهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ أَوْ عَمِلُوهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ كَغَيْرِهِ (أَوْ نَصَّبَ نَفْسَهُ) . ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا فِي الصَّانِعِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ، وَأَمَّا الصَّانِعُ الْخَاصُّ الَّذِي لَمْ يُنَصِّبْ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ لِلنَّاسِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا اسْتَعْمَلَ إيَّاهُ أَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ أَوْ عَمِلَهُ فِي مَنْزِلِ رَبِّ الْمَتَاعِ (وَغَابَ عَلَيْهَا) ابْنُ رُشْدٍ: يَضْمَنُ الصُّنَّاعُ كُلَّمَا أَتَى عَلَى أَيْدِيهمْ مِنْ خَرْقٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ قَطْعٍ إذَا عَمِلُوهُ فِي حَوَانِيتِهِمْ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ قَاعِدًا مَعَهُ إلَّا فِيمَا كَانَ فِيهِ تَغْرِيرٌ مِنْ الْأَعْمَالِ مِثْلُ ثَقْبِ اللُّؤْلُؤِ وَنَقْشِ الْفُصُوصِ وَتَقْوِيمِ السُّيُوفِ وَاحْتِرَاقِ الْخُبْزِ عِنْدَ الْفَرَّانِ وَالثَّوْبِ فِي قِدْرِ الصَّبَّاغِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَتَى عَلَى أَيْدِيهمْ فِيهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ تَعَدَّى فِيهَا أَوْ أَخَذَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ مَأْخَذِهَا فَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ. وَمِثْلُ ذَلِكَ الْبَيْطَارُ يَطْرَحُ الدَّابَّةَ فَتَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ الْخَاتِنُ يَخْتِنُ الصَّبِيَّ فَيَمُوتُ مِنْ خِتَانِهِ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 559 أَوْ الطَّبِيبُ يَسْقِي الْمَرِيضَ فَيَمُوتُ مِنْ سَقْيِهِ، أَوْ يَكْوِيهِ فَيَمُوتُ مِنْ كيه، أَوْ يَقْطَعُ مِنْهُ شَيْئًا فَيَمُوتُ مِنْ قَطْعِهِ، أَوْ الْحَجَّامُ يَقْلَعُ ضِرْسَ الرَّجُلِ فَيَمُوتُ الْمَقْلُوعَةُ ضِرْسُهُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي مَالِهِ وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي جَمِيعِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا فِيهِ التَّغْرِيرُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ فَكَانَ صَاحِبُهُ هُوَ الَّذِي عَرَّضَهُ لِمَا أَصَابَهُ. وَهَذَا إذَا لَمْ يُخْطِئْ فِي فِعْلِهِ، وَأَمَّا إذَا أَخْطَأَ مِثْلَ أَنْ يَسْقِيَ الطَّبِيبُ الْمَرِيضَ مَا لَا يُوَافِقُ مَرَضَهُ، أَوْ تَزِلَّ يَدُ الْخَاتِنِ أَوْ الْقَاطِعِ فَيَتَجَاوَزَ فِي الْقَطْعِ، أَوْ الْكَاوِي فَيَتَجَاوَزَ فِي الْكَيِّ، أَوْ يَدُ الْحَجَّامِ فَيَقْطَعَ غَيْرَ الضِّرْسِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَلَمْ يَغُرَّ مِنْ نَفْسِهِ فَذَلِكَ خَطَأٌ يَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَيَكُونُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُحْسِنُ وَغَرَّ مِنْ نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ. وَاخْتُلِفَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدِّيَةُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا عَلَيْهِ. وَانْظُرْ ابْنَ رُشْدٍ إذَا عَمِلُوهُ فِي حَوَانِيتِهِمْ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ قَاعِدًا مَعَهُ. وَلَهُ فِي رَسْمِ جَعَلَ مِنْ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّ الصَّانِعَ ضَامِنٌ لِمَا أَفْسَدَ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَعْمَلُهَا فِي دَارِهِ أَوْ فِي حَانُوتِهِ مَنْ غَرَّ نَفْسَهُ أَوْ لَمْ يَغُرَّ صَحِيحٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْفَسَادُ مِنْ أَمْرٍ غَرِيبٍ كَالنَّارِ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ تَفْرِيطٌ. قَالَ: وَأَمَّا إذَا أَتَى الرَّجُلُ بِالصَّانِعِ إلَى دَارِهِ فَعَمِلَ عِنْدَهُ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ فِيمَا أَفْسَدَ فِي عَمَلِهِ إلَّا أَنْ يَغُرَّ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَدَّى فِي عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ وَمُؤْتَمَنٌ. وَلَهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ خَالِدٍ: وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِمْ مِنْ قَرْضِ فَأْرٍ أَوْ نَخْسِ سُوسٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيهِ أَنْ يُضَيِّعُوا. وَمِثْلُ قَرْضِ الْفَأْرِ اُخْتُلِفَ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْفَأْرِ سَبَبٌ. قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ: وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ بَيْنَ أَنْ يَتْلَفَ بِسَيْلٍ أَوْ صَاعِقَةٍ أَوْ يَكُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ سَبَبٌ فَرْقٌ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا احْتَرَقَ بَيْتُهُ أَوْ سُرِقَ أَوْ ذَهَبَ بِهِ سَيْلٌ فَادَّعَى أَنَّ الْمَطَرَ تَلِفَ فِي جُمْلَةِ مَتَاعِ بَيْتِهِ اهـ. اُنْظُرْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الرَّهْنِ: " بِكَحَرْقِهِ ". (فَبِقِيمَتِهِ يَوْمَ دَفْعِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: إذَا ادَّعَى الصَّانِعُ ضَيَاعَ الْمَتَاعِ الَّذِي اسْتَعْمَلَ إيَّاهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ دُفِعَ إلَيْهِ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ صِفَتِهِ حِينَئِذٍ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ ضَاعَ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ دَفَعَهُ إلَيْهِ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ أَقَرَّ أَنَّهُ تَلِفَ عِنْدَهُ أَوْ يَظْهَرُ عِنْدَ الصَّانِعِ بَعْدَ دَفْعِهِ إلَيْهِ بِمُدَّةٍ فَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ ظَهَرَ عِنْدَهُ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَئِذٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ وَالْعَارِيَّةُ. (وَلَوْ شُرِطَ نَفْيُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ اشْتَرَطَ الصَّانِعُ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْفَعْهُ شَرْطُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ. هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالْأَجْرِ الْمُسَمَّى لِإِسْقَاطِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ. (أَوْ دَعَا لِأَخْذِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا دَعَاكَ الصَّانِعُ لِأَخْذِ الثَّوْبِ وَقَدْ فَرَغَ مِنْهُ وَلَمْ تَأْخُذْهُ فَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ حَتَّى يَصِلَ إلَى يَدِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا إنْ لَمْ يَقْبِضْ أَجْرَهُ. (إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ ضَاعَ أَوْ سُرِقَ أَوْ احْتَرَقَ بِمُعَايَنَةِ بَيِّنَةٍ بِغَيْرِ سَبَبِ الصَّانِعِ لَمْ يَضْمَنْهُ. (فَتَسْقُطُ الْأُجْرَةُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِكُلِّ صَانِعٍ أَوْ حَمَّالٍ عَلَى ظَهْرٍ أَوْ سَفِينَةٍ مَنْعُ مَا حَمَلَ أَوْ عَمِلَ حَتَّى يَأْخُذَ أَجْرَهُ، فَإِنْ هَلَكَ ذَلِكَ بِأَيْدِيهِمْ فِي مَنْعِهِمْ فَالصُّنَّاعُ ضَامِنُونَ وَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 560 أَجْرَ لَهُمْ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى الضَّيَاعِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَلَا أَجْرَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُسَلِّمُوا مَا عَمِلُوا إلَى أَرْبَابِهِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ احْتَرَقَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْقَصَّارِ أَوْ أَفْسَدَهُ أَوْ ضَاعَ عِنْدَهُ بَعْدَ الْقِصَارَةِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبْضِهِ أَبْيَضَ، وَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَنْ يُغَرِّمَهُ قِيمَتَهُ مَصْنُوعًا أَوْ يُعْطِيَهُ أَجْرَهُ. (إلَّا أَنْ يُحْضِرَهُ لِرَبِّهِ بِشَرْطِهِ) اللَّخْمِيِّ: لَوْ أَحْضَرَ الصَّانِعُ الثَّوْبَ وَرَآهُ صَاحِبُهُ مَصْبُوغًا عَلَى صِفَةِ مَا شَارَطَهُ عَلَيْهِ وَكَانَ قَدْ دَفَعَ الْأُجْرَةَ ثُمَّ تَرَكَهُ عِنْدَهُ فَادَّعَى ضَيَاعَهُ لَصُدِّقَ وَلِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَقَدْ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْإِجَارَةِ وَصَارَ إلَى الْإِيدَاعِ. (وَصُدِّقَ إنْ ادَّعَى خَوْفَ مَوْتٍ فَنَحَرَ أَوْ سَرِقَةَ مَنْحُورِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالرَّاعِي مُصَدَّقٌ فِيمَا هَلَكَ أَوْ سُرِقَ، وَلَوْ قَالَ: ذَبَحْتهَا ثُمَّ سُرِقَتْ صُدِّقَ، وَلَوْ خَافَ مَوْتَ الشَّاةِ فَأَتَى بِهَا مَذْبُوحَةً صُدِّقَ وَلَمْ يَضْمَنْ. (أَوْ قَلْعَ ضِرْسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا قَلَعَ الْحَجَّامُ ضِرْسَ رَجُلٍ بِأَجْرٍ فَقَالَ لَهُ: لَمْ آمُرْكَ إلَّا بِقَلْعِ الَّذِي يَلِيهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ بِهِ حِين قَلَعَهُ فَتَرَكَهُ وَلَهُ أَجْرُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْحَجَّامُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَجْرٌ، يُرِيدُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْعَقْلُ فِي الْخَطَأِ وَالْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ. (أَوْ صَبَغَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ وَقَالَ بِذَلِكَ أَمَرَنِي رَبُّهُ وَقَالَ رَبُّهُ أَخْضَرَ، صُدِّقَ الصَّانِعُ إلَّا أَنْ يَصْنَعَهُ صَبْغًا لَا يُشْبِهُ مِثْلُهُ (فَنُوزِعَ فِيهِ) اُنْظُرْ هَذَا الضَّمِيرَ هَلْ يَعُودُ عَلَى مَا ذُكِرَ. (وَفُسِخَتْ بِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ لَا بِهِ إلَّا صَبِيَّ تَعْلِيمٍ وَرَضَاعٍ وَفَرَسَ نَزْوٍ وَرَوْضٍ) لَوْ قَالَ: " لَا لَهُ " لِتَنْزِلَ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ. وَعِبَارَتُهُ أَعْنِي ابْنَ رُشْدٍ: إنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى عَمَلٍ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا غَايَةَ لَهُ إلَّا بِضَرْبِ الْأَجَلِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهُ غَنَمًا بِأَعْيَانِهَا أَوْ يَتَّجِرَ لَهُ فِي مَالٍ شَهْرًا أَوْ سَنَةً، فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْخَلَفِ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 561 فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ فِيهَا بِمَوْتِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ، وَمَوْتِ الصَّبِيِّ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى تَعْلِيمِهِ، وَمَوْتِ الصَّبِيِّ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى رَضَاعِهِ، وَمَوْتِ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى رِيَاضَتِهَا، وَعُقُوقِ الرَّمَكَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْأَكْوَامِ الْمُشْتَرَطَةِ اهـ. وَانْظُرْ أَيْضًا قَوْلَ الشُّيُوخِ: الْحَقُّ الْمُتَعَلِّقُ بِمُعَيَّنٍ يَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ كَمَوْتِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ وَانْهِدَامِ الدَّارِ، وَأَمَّا مَحَلُّ الْمَنْفَعَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَلْزَمُ تَعْيِينُهُ كَالرَّضِيعِ وَالْمُتَعَلِّمِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ تَنْفَسِخْ عَلَى الْأَصَحِّ كَثَوْبِ الْخِيَاطَةِ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ: الْأَشْيَاءُ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَيْهَا لَا تَتَعَيَّنُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى حَمْلِ مَتَاعٍ أَوْ طَعَامٍ مَا احْتَاجَ إلَى شَرْطِ خَلَفِهِ إنْ هَلَكَ وَالْحُكْمُ يُوجِبُ خَلَفَهُ ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَقُولُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ إنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ خَلَفٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُ الْخَلَفَ، وَمِنْ الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ اُسْتُؤْجِرَ فِيهِ عَلَى عَمَلِهِ أَوْ حَمْلِهِ أَوْ رِعَايَتِهِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُشْتَرَطَ أَنَّهُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ لَا غَيْرُهُ، فَيَصِيرُ رَبُّ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَأْتِيَ بِغَيْرِهَا قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ هَلَكَتْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِهَا. وَلَوْ أَرَاهُ حِينَ الْعَقْدِ مَا يَعْمَلُهُ أَوْ يَحْمِلُهُ أَوْ يَرْعَاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ كَالصِّفَةِ بِمَا يَعْمَلُ أَوْ يَحْمِلُ أَوْ يَرْعَى، فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ بِعَيْنِهِ لَا يَعْدُوهُ لَمْ يَجُزْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَدَابَّةٌ لِرُكُوبِهَا " أَنَّ الرَّاكِبَ إنْ عَيَّنَ لَمْ يَلْزَمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِلَّا فَلَهُ الْخَلَفُ عَلَى آخَرَ كَرَاكِبٍ " قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّهُمْ لَمْ يَزِفُّوا عَرُوسًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ عَلَيْهِمْ الْكِرَاءَ. وَسَيَأْتِي أَيْضًا إذَا عَيَّنَ الْيَوْمَ فَتَأَخَّرَ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ وَلِذَهَابِ الْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ. وَيُرَدُّ الْكِرَاءُ وَلَا يَسْتَعْمِلُهُ بِهِ فِي يَوْمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَإِنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَزِفَّ عَلَيْهَا عَرُوسًا لَيْلَةً مُعَيَّنَةً فَتَأَخَّرَ الزِّفَافُ لِمَرَضٍ أَوْ عُذْرٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كِرَاؤُهَا، وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ اخْتِيَارًا لَزِمَهُ الْكِرَاءُ وَلَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا فِي مِثْلِهِ اهـ. فَانْظُرْ أَنْتَ هَذَا كُلَّهُ وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ: اُخْتُلِفَ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ عَلَى حَصَادِ زَرْعٍ فَهَلَكَ الزَّرْعُ قَبْلَ الْحَصَادِ فَقَالَ: يَحْصُدُ لَهُ زَرْعًا آخَرَ، وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَيَغْرَمُ الْأَجِيرُ ثَمَنَ الْجُزْءِ الَّذِي لَهُ إنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ بِجُزْءٍ مِنْهُ. (وَسِنٍّ لِقَلْعٍ فَسَكَنَتْ كَعَفْوِ الْقِصَاصِ) ابْنُ شَاسٍ: تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَنْعِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ شَرْعًا كَسُكُونِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 562 أَلَمِ السِّنِّ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى قَلْعِهَا، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى اسْتِيفَائِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا إنْ كَانَ الْعَفْوُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَأْجَرِ وَانْظُرْ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجَرِ فِي سُكُونِ أَلَمِهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ. (وَبِغَصْبِ الدَّارِ) فِي الْوَاضِحَةِ: مَنْ اكْتَرَى دَارًا سَنَةً أَوْ شَهْرًا فَقَبَضَهَا ثُمَّ غَصَبَهَا إيَّاهُ السُّلْطَانُ فَمُصِيبَةُ ذَلِكَ عَلَى رَبِّهَا وَلَا كِرَاءَ لَهُ فِيمَا بَقِيَ. وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُسَوَّدَةِ حِينَ أَخْرَجُوا الْمُتَكَارِيَيْنِ وَسَكَنُوا، وَكَذَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَغَصْبِ مَنْفَعَتِهَا) ابْنُ حَبِيبٍ: وَسَوَاءٌ غَصَبُوا الدُّورَ مِنْ أَصْلِهَا وَأَخْرَجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا وَسَكَنُوهَا لَا يُرِيدُونَ إلَّا السُّكْنَى حَتَّى يَرْتَحِلُوا. (وَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِإِغْلَاقِ الْحَوَانِيتِ) ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَلِكَ الْحَوَانِيتُ يَأْمُرُ السُّلْطَانُ بِغَلْقِهَا الْأَكْرَاءُ عَلَى مُكْتَرِيهَا مِنْ رَبِّهَا. وَقَالَ سَحْنُونَ: الْجَائِحَةُ مِنْ الْمُكْتَرِي. وَلِابْنِ حَبِيبٍ فِي ذَلِكَ تَفْرِيقٌ. ابْنُ يُونُسَ: لَيْسَ هَذَا كُلُّهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا مَنَعَ الْمُكْتَرِيَ مِنْ السُّكْنَى مِنْ أَمْرٍ غَالِبٍ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَاصِبٍ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَنَعَهُ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ كَانْهِدَامِ الدَّارِ أَوْ امْتِنَاعِ مَاءِ السَّمَاءِ حَتَّى مَنَعَهُ حَرْثَ الْأَرْضِ، فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى مَا اكْتَرَى. وَقَالَ أَصْبَغُ: مَنْ أَكْتَرَى رَحًا سَنَةً فَأَصَابَ أَهْلَ ذَلِكَ الْمَكَانِ فِتْنَةٌ جَلَوْا بِهَا مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَجَلَا مَعَهُمْ الْمُكْتَرِي أَوْ بَقِيَ آمِنًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَأْتِيهِ الطَّعَامُ لِجَلَاءِ النَّاسِ، فَهُوَ كَبُطْلَانِ الرَّحَا بِنَقْصِ الْمَاءِ أَوْ كَثْرَتِهِ، وَيُوضَعُ عَنْهُ قَدْرُ الْمُدَّةِ الَّتِي جَلَوْا فِيهَا. وَكَذَلِكَ الْفَنَادِقُ الَّتِي تُكْرَى لِأَيَّامِ الْمَوْسِمِ إذَا أَخْطَأَهَا ذَلِكَ لِفِتْنَةٍ نَزَلَتْ أَوْ غَيْرِهَا بِخِلَافِ الدَّارِ تُكْرَى ثُمَّ تَنْجَلِي الْفِتْنَةُ وَأَقَامَ الْمُكْتَرِي آمِنًا أَوْ رَحَلَ لِلْوَحْشَةِ وَهُوَ آمِنٌ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ، وَلَوْ انْجَلَى لِلْخَوْفِ سَقَطَ عَنْهُ كِرَاءُ مُدَّةِ الْجَلَاءِ. اهـ. قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ. (وَحَمْلِ ظِئْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ حَمَلَتْ الْمُرْضِعُ فَخَافُوا عَلَى الصَّبِيِّ أَلَهُمْ فَسْخُ الْإِجَارَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَا أَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ. وَنَقَلَ اللَّخْمِيِّ فَسْخَهُ بِمُجَرَّدِ الْحَمْلِ لَا بِقَيْدِ الْخَوْفِ عَلَى الْوَلَدِ قَائِلًا: لِأَنَّ رَضَاعَ الْحَامِلِ يَضُرُّ الْوَلَدَ. (أَوْ مَرَضٍ لَا تَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى رَضَاعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ مَرِضَتْ الظِّئْرُ بِحَيْثُ لَا تَقْدِرُ عَلَى رَضَاعِ الصَّبِيِّ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ، فَإِنْ صَحَّتْ فِي بَقِيَّةٍ مِنْهَا جَرَتْ عَلَى رَضَاعِهِ بَقِيَّتَهَا وَلَهَا مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا أَرْضَعَتْ وَلَا عَلَيْهَا إرْضَاعُ مَا مَرِضَتْ. قَالَ غَيْرُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَا تَفَاسَخَا. (وَمَرَضِ عَبْدٍ وَهَرَبِهِ لِكَعَدُوٍّ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ فِي بَقِيَّتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ آجَرَ عَبْدَهُ ثُمَّ هَرَبَ السَّيِّدُ إلَى بَلَدِ الْحَرْبِ فَالْإِجَارَةُ بِحَالِهَا لَا تُنْتَقَضُ، وَأَمَّا إنْ هَرَبَ الْعَبْدُ لِبَلَدِ الْحَرْبِ أَوْ أَبَقَ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَرْجِعَ الْعَبْدُ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَيَلْزَمُهُ تَمَامُهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ مَرِضَ الْعَبْدُ الْمُسْتَأْجَرُ مَرَضًا بَيِّنًا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْعَبْدُ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَيَلْزَمُهُ تَمَامُهَا. قَالَ غَيْرُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَا تَفَاسَخَا أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 563 فُسِخَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ تَمَامُهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَلِكَ الدَّارُ يَنْهَدِمُ بَعْضُهَا ثُمَّ يُصْلِحُهَا رَبُّهَا قَبْلَ الْفَسْخِ وَقَدْ بَقِيَ بَعْضُ الْمُدَّةِ فَيَلْزَمُهُ تَمَامُهَا، وَأَمَّا لَوْ انْهَدَمَ جَمِيعُهَا ثُمَّ بَنَاهَا فَلَا يَلْزَمُ الْمُكْتَرِيَ سُكْنَى بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ. وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَإِنْ تَرَاوَغَ الْعَبْدُ الْمُسْتَأْجَرُ حَتَّى تَمَّتْ الْمُدَّةُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ عَمِلَ شَيْئًا فَلَهُ بِحِسَابِهِ وَهَذَا فِي شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ. وَإِنَّمَا الَّذِي يَلْزَمُهُ عَمَلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: اطْحَنْ لِي فِي هَذَا الشَّهْرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَيْبَةً فَهَذَا لَا يَضُرُّ ذِكْرُ الْوَقْتِ، وَيَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِوَاقِعٍ عَلَى وَقْتٍ وَلَكِنْ عَلَى عَمَلٍ مُسَمًّى، وَكَمَنْ قَالَ لِلسَّقَّاءِ: اُسْكُبْ لِي فِي هَذَا الشَّهْرِ ثَلَاثِينَ قُلَّةً فَتَرَاوَغَ فِيهِ فَذَلِكَ بَاقٍ عَلَيْهِ. (بِخِلَافِ مَرَضِ دَابَّةٍ بِسَفَرٍ ثُمَّ تَصِحُّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا اعْتَلَّتْ الدَّابَّةُ الْمُكْتَرَاةُ فِي الطَّرِيقِ، يُرِيدُ وَهُوَ بِعَيْنِهَا فُسِخَ الْكِرَاءُ، وَإِنْ صَحَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ كِرَاؤُهَا بَقِيَّةَ الطَّرِيقِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ لِلضَّرُورَةِ فِي صَبْرِ الْمُسَافِرِ عَلَيْهَا وَهِيَ إنْ صَحَّتْ بَعْدَهُ لَمْ تَلْحَقْهُ وَإِنْ لَحِقَتْهُ فَلَعَلَّهُ قَدْ اكْتَرَى غَيْرَهَا. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ كِرَاؤُهُ لِلْعَبْدِ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ فِيهِ مِنْ الضَّرُورَةِ مَا يَلْحَقُهُ فِي الدَّابَّةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا.؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْعَبْدِ فِي الْحَضَرِ. قَالَهُ بَعْضُ فُقَهَائِنَا. (وَخُيِّرَ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ سَارِقٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَأَلْفَاهُ سَارِقًا فَهُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ التَّحَفُّظَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَلْفَيْت الْمُسَاقِي سَارِقًا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ أَجِيرَ الْخِدْمَةِ قَدْ مَلَكْت جَمِيعَ مَنَافِعِهِ فَهُوَ كَالشِّرَاءِ، وَالْمُسَاقِي إنَّمَا هُوَ أَجِيرٌ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى التَّحَفُّظِ مِنْهُ. (وَبِرُشْدِ صَغِيرٍ عَقَدَ عَلَيْهِ أَوْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 564 عَلَى سِلَعِهِ وَلِيٌّ إلَّا لِظَنِّ عَدَمِ بُلُوغِهِ وَبَقِيَ كَالشَّهْرِ كَسَفِيهٍ ثَلَاثَ سِنِينَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَجَّرَ يَتِيمًا فِي حِجْرِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ فَاحْتَلَمَ بَعْدَ سَنَةٍ وَلَمْ يَظُنَّ ذَلِكَ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بَاقِيَ الْمُدَّةِ إلَّا أَنْ يَبْقَى كَالشَّهْرِ وَيَسِيرِ الْأَيَّامِ، وَلَا يُؤَاجِرُ وَصِيٌّ يَتِيمَهُ وَلَا أَبٌ وَلَدَهُ بَعْدَ احْتِلَامِهِ. قَالَ يَحْيَى: وَرُشْدِهِ وَإِنْ أَكْرَى الْوَصِيُّ رُبُعَ يَتِيمِهِ وَدَوَابِّهِ وَرَقِيقِهِ سِنِينَ وَاحْتَلَمَ الصَّبِيُّ بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ، فَإِنْ كَانَ يُظَنُّ بِمِثْلِهِ أَنَّهُ لَا يَحْتَلِمُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَعَجِلَ عَلَيْهِ الِاحْتِلَامُ وَأُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ فَلَا فَسْخَ لَهُ وَيَلْزَمُهُ بَاقِيهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ صَنَعَ مَا يَجُوزُ لَهُ، وَأَمَّا إنْ عَقَدَ عَلَيْهِ أَمَدًا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي نَفْسِهِ وَلَا فِيمَا يَمْلِكُ مِنْ رَبْعٍ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ. وَأَمَّا سَفِيهٌ بَالِغٌ وَآجَرَ عَلَيْهِ وَلِيٌّ أَوْ سُلْطَانٌ رُبُعَهُ وَرَقِيقَهُ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى حَالِ الرُّشْدِ فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ عَقَدَ يَوْمَئِذٍ مَا يَجُوزُ لَهُ. (وَبِمَوْتِ مُسْتَحِقِّ وَقْفٍ آجَرَ وَمَاتَ قَبْلَ تَقَضِّيهَا عَلَى الْأَصَحِّ) . ابْنُ رُشْدٍ: إنْ مَاتَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ مِنْ ذَوِي الْوَقْفِ بَعْدَ الْإِجَارَةِ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّتِهَا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِي بَاقِي الْمُدَّةِ لِتَنَاوُلِهَا مَا لَا حَقَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهِ. وَقِيلَ: إنْ أَكْرَى مُدَّةً يَجُوزُ الْكِرَاءُ إلَيْهَا لَزِمَ بَاقِيهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ لِغَيْرِ ابْنِ شَاسٍ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَعْمَرَكَ رَجُلٌ حَيَاتَكَ خِدْمَةَ عَبْدٍ لَمْ تُؤَاجِرْهُ إلَّا لِمُدَّةٍ قَلِيلَةٍ كَسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَمَدًا مَأْمُونًا، وَلَوْ أَوْصَى لَكَ بِخِدْمَةٍ عَشْرَ سِنِينَ وَأَكْرَيْتُهُ فِيهَا جَازَ. وَهَذَا خِلَافُ الْمُخْدَمِ حَيَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ الْمُخْدَمُ سَقَطَتْ الْخِدْمَةُ وَالْمُؤَجَّلُ يَلْزَمُ بَاقِيهَا لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ. (لَا بِإِقْرَارِ الْمَالِكِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِإِقْرَارِ الْمُكْرِي بِغَصْبِ الْمُكْرَى وَاضِحٌ كَقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي لَغْوِ إقْرَارِ الرَّاهِنِ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ الرَّهْنِ بَعْدَ رَهْنِهِ لَا يُقْبَلُ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 565 الْمُرْتَهِنِ. (أَوْ بِتَخَلُّفِ رَبِّ الدَّابَّةِ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَحَجٍّ وَإِنْ فَاتَ مَقْصِدُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اكْتَرَيْت مِنْ رَجُلٍ إبِلَهُ إلَى بَلَدٍ فَهَرَبَ بِهَا، وَالْكِرَاءُ إلَى مَكَّةَ وَغَيْرِهَا، تَكَارَى عَلَيْكَ الْإِمَامُ وَرَجَعْت عَلَيْهِ بِمَا اكْتَرَيْت بِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّمَا يُكْرَى عَلَيْهِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ مَعْرُوفٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا تَغَيَّبَ الْجَمَّالُ يَوْمَ خُرُوجِكَ فَلَيْسَ لَكَ عَلَيْهِ إنْ لَقِيَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الرُّكُوبُ أَوْ الْحَمْلُ وَلَهُ كِرَاؤُهُ، وَهَذَا فِي كُلِّ سَفَرٍ فِي كِرَاءٍ مَضْمُونٍ إلَّا الْحَاجَّ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَإِنْ قَبَضَ الْكِرَاءَ وَرَدَّهُ لِزَوَالِ إبَّانِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: لِأَنَّ أَيَّامَ الْحَجِّ مُعَيَّنَةٌ فَإِذَا فَاتَتْ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا اكْتَرَى أَيَّامًا بِعَيْنِهَا وَلَا يَتَمَادَى وَإِنْ رَضِيَا. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا إذَا نَقَدَهُ الْكِرَاءَ؛ لِأَنَّ بِذَهَابِ الْأَيَّامِ الْمُعَيَّنَةِ يَجِبُ فَسْخُ الْكِرَاءِ وَرَدُّ مَا انْتَقَدَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ فِي ذَلِكَ رُكُوبًا؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الدَّابَّةِ بِعَيْنِهَا يَكْتَرِيهَا لِيَرْكَبَهَا إلَى غَدٍ فَيَغِيبُ رَبُّهَا ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رُكُوبُهَا. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ تَعْيِينَ الْيَوْمِ وَإِنَّمَا قَصَدَ الرُّكُوبَ، قَالَ غَيْرُهُ: وَلَوْ رَفَعَ إلَى الْإِمَامِ النَّظَرَ وَفَسْخَ مَا آلَ إلَى الضَّرَرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَكْرَاهَا أَيَّامًا مُعَيَّنَةً انْتَقَضَ الْكِرَاءُ فِيمَا غَابَ مِنْهَا كَالْعَبْدِ يَسْتَأْجِرُهُ شَهْرًا بِعَيْنِهِ يَمْرَضُ أَوْ يَأْبَقُ فَإِنَّهُ تُنْتَقَضُ الْإِجَارَةُ، وَكَذَلِكَ شَهْرًا بِعَيْنِهِ فِي الرَّاحِلَةِ بِعَيْنِهَا لِرُكُوبٍ أَوْ طَحْنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَضْمُونِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا اكْتَرَى عَلَى الْحَجِّ فَلَمْ يَأْتِ الْكَرِيُّ حَتَّى فَاتَ الْإِبَّانُ فَإِنَّ الْمُكْتَرِيَ يُخَيَّرُ، فَإِنْ شَاءَ بَقِيَ لِقَابِلٍ بِخِلَافِ الْأَيَّامِ الْمُعَيَّنَةِ إذَا فَاتَتْ لَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعَدَمُ بَيَانِ الِابْتِدَاءِ ". (أَوْ فِسْقِ مُسْتَأْجِرٍ وَآجَرَ الْحَاكِمُ إنْ لَمْ يَكُفَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا ظَهَرَتْ مِنْ مُكْتَرِي الدَّارِ خَلَاعَةٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 566 وَفِسْقٌ وَشُرْبُ خَمْرٍ لَمْ يُنْتَقَضْ الْكِرَاءُ وَلَكِنَّ الْإِمَامَ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَكُفُّ أَذَاهُ عَنْ الْجِيرَانِ وَعَنْ رَبِّ الدَّارِ، وَإِنْ رَأَى إخْرَاجَهُ أَخْرَجَهُ وَأَكْرَاهَا عَلَيْهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَلِكَ إذَا ظَهَرَ فِيهَا الدَّعَارَةُ وَالطَّنَابِيرُ وَالزَّمْرُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَبَيْعُهَا فَلْيَمْنَعْهُ الْإِمَامُ وَلْيُعَاقِبْهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ أَخْرَجَهُ عَنْ جِيرَانِهِ وَأَكْرَاهَا عَلَيْهِ وَلَا يُفْسَخُ الْكِرَاءُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْفَاسِقِ يُعْلِنُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي دَارِ نَفْسِهِ إنَّهُ يُعَاقِبُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ بَاعَ الدَّارَ عَلَيْهِ. (أَوْ بِعِتْقِ عَبْدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ آجَرَ عَبْدَهُ سَنَةً أَوْ أَخْدَمَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ قَبْلَ السَّنَةِ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى تَتِمَّ، وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ السَّنَةِ لَمْ تُنْتَقَضْ الْإِجَارَةُ وَلَا الْخِدْمَةُ، وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ لِتَمَامِ السَّنَةِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إلَّا أَنْ يَتْرُكَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ الْمُخْدَمُ. قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى: وَالْكِرَاءُ لِلسَّيِّدِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَثْنِ مَالَهُ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لَمْ يَطَأْهَا. ابْنُ حَبِيبٍ: الْإِجَارَةُ أَمْلَكُ بِهِ وَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ عَبْدٍ فَاخْتُلِفَ فِي إجَارَتِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: يُسْأَلُ السَّيِّدُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ حُرٌّ بِتَمَامِ الْأُجْرَةِ صُدِّقَ وَالْأُجْرَةُ لَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهَا، وَإِنْ أَرَادَ تَعْجِيلَ عِتْقِهِ فَهَلْ لِلْعَبْدِ قَبْضُهَا أَمْ لَا؟ (وَحُكْمُهُ عَلَى الرِّقِّ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ: أَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْعَبْدِ (وَأُجْرَتُهُ لِسَيِّدِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ حُرٌّ بَعْدَهَا) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: يُسْأَلُ السَّيِّدُ. وَتَقَدَّمَ مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى فَانْظُرْهُ أَنْتَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 567 [فَصْلٌ فِي اسْتِئْجَارِ الدَّوَابِّ] (فَصْلٌ) ابْنُ شَاسٍ: الْقِسْمُ الثَّالِثُ فِي اسْتِئْجَارِ الدَّوَابِّ وَهِيَ تُسْتَأْجَرُ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ: لِلرُّكُوبِ وَلِلْحَمْلِ وَلِلِاسْتِقَاءِ وَلِلْحِرَاثَةِ (وَكِرَاءُ الدَّابَّةِ كَذَلِكَ) . ابْنُ شَاسٍ: أَقْسَامُ الْإِجَارَةِ فِي الْآدَمِيِّ وَالْأَرَاضِيِ وَالدَّوَابِّ، وَجَعَلَ أَرْكَانَ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ وَاحِدَةً (وَجَازَ عَلَى أَنَّ عَلَيْكَ عَلَفَهَا أَوْ طَعَامَ رَبِّهَا أَوْ عَلَيْهِ طَعَامُكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ أَنْ تَكْتَرِيَ إبِلًا مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّ عَلَيْكَ رِحْلَتَهَا، أَوْ تَكْتَرِيَ دَابَّةً بِعَلَفِهَا أَوْ أَجِيرًا بِطَعَامِهِ أَوْ إبِلًا عَلَى أَنَّ عَلَيْكَ عَلَفَهَا، أَوْ طَعَامَ رَبِّهَا أَوْ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ هُوَ طَعَامَكَ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا، فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ تُوصَفْ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَاجِرَ الْحُرُّ الْعَبْدَ أَجَلًا مَعْلُومًا بِطَعَامٍ فِي الْأَجَلِ أَوْ بِكِسْوَتِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَ الْكِسْوَةِ أَوْ الطَّعَامِ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ أَوْ عُرُوضٌ بِعَيْنِهَا مُعَجَّلَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عُرُوضًا مَضْمُونَةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا جَازَ تَأْخِيرُهَا إنْ ضَرَبَا لِذَلِكَ أَجَلًا كَأَجَلِ السَّلَمِ. (أَوْ لِيَرْكَبَهَا فِي حَوَائِجِهِ أَوْ لِيَطْحَنَ بِهَا شَهْرًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فِي حَوَائِجِهِ شَهْرًا مَتَى شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَا يَرْكَبُ النَّاسُ الدَّوَابَّ جَازَ. وَكَذَلِكَ إنْ اكْتَرَاهَا لِطَحِينِ قَمْحٍ شَهْرًا بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَمْ يَطْحَنُ كُلَّ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ طَحِينَ النَّاسِ مَعْرُوفٌ. (أَوْ لِيَحْمِلَ عَلَى دَوَابِّهِ مِائَةً وَلَمْ يُسَمِّ مَا لِكُلٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَوَابَّ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فِي صَفْقَةٍ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةَ إرْدَبِّ قَمْحٍ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ جَازَ. وَلْيَحْمِلْ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ بِقَدْرِ قُوَّتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الدَّوَابُّ لِرِجَالٍ شَتَّى وَحَمْلُهَا مُخْتَلِفٌ لَمْ يَجُزْ إذْ لَا يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا اكْتَرَى كَالْبُيُوعِ. (وَعَلَى حَمْلِ آدَمِيٍّ لَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْفَادِحُ بِخِلَافِ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَكْرَى مِنْ رَجُلٍ عَلَى حَمْلِ رَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ لَمْ يَرَهُمَا جَازَ لِتَسَاوِي الْأَجْسَامِ إلَّا الْخَاصَّ، فَإِنْ أَتَاهُ بِفَادِحَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ يُرِيدُ لَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهُمَا وَالْكِرَاءُ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا وَيَأْتِي بِالْوَسَطِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ يُكْرِي الْإِبِلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. وَأَجَازَ مَالِكٌ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يَحْمِلَ فِي غَيْبَتِهِ ثَوْبًا أَوْ ثَوْبَيْنِ لِغَيْرِهِ وَلَا يُخْبِرُ بِذَلِكَ الْجَمَّالَ وَهُوَ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ، وَلَوْ بَيَّنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَوَزْنَهَا كَانَ أَحْسَنَ. وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكْتَرِيَةُ فِي الطَّرِيقِ أُجْبِرَ الْحَمَّالُ عَلَى حَمْلِ الْوَلَدِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 568 ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ. (وَبَيْعُهَا وَاسْتِثْنَاءُ رُكُوبِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ دَابَّةً وَاسْتَثْنَى رُكُوبَهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ يُسَافِرُ عَلَيْهَا الْيَوْمَ أَوْ إلَى الْمَكَانِ الْقَرِيبِ جَازَ ذَلِكَ، وَلَا يَنْبَغِي فِيمَا بَعُدَ وَضَمَانُهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ فِيمَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَمِنْ الْبَائِعِ فِيمَا لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ. (الثَّلَاثَةَ لَا جُمُعَةً وَكُرِهَ الْمُتَوَسِّطُ) . اللَّخْمِيِّ: مَنْ بَاعَ رَاحِلَةً وَاسْتَثْنَى رُكُوبَهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَهِيَ فِي الْحَضَرِ أَوْ فِي السَّفَرِ جَازَ، وَيُكْرَهُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَيُمْنَعُ مَا كَثُرَ كَالْجُمُعَةِ. (وَكِرَاءُ دَابَّةٍ شَهْرًا إنْ لَمْ يَنْقُدْ) لَعَلَّهُ إلَى شَهْرٍ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ اكْتَرَى رَاحِلَةً بِعَيْنِهَا عَلَى أَنْ يَرْكَبَ عَلَيْهَا إلَى الْيَوْمَيْنِ وَمَا قَرُبَ جَازَ ذَلِكَ، وَجَازَ النَّقْدُ، وَإِنْ كَانَ الرُّكُوبُ إلَى شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ جَازَ مَا لَمْ يَنْقُدْ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ رَبِّهَا فَفَارَقَتْ بَيْعَ الْمُعَيَّنِ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ. (وَالرِّضَا بِغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ الْهَالِكَةِ إنْ لَمْ يَنْقُدْ أَوْ نَقَدَ وَاضْطُرَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ هَلَكَتْ الدَّابَّةُ الْمُعَيَّنَةُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ يُرِيدُ وَقَدْ نَقَدَهُ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْطِيَهُ دَابَّةً أُخْرَى يَرْكَبُهَا بَقِيَّةَ سَفَرِهِ إلَّا أَنْ يُصِيبَهُ ذَلِكَ بِفَلَاةٍ وَمَوْضِعٍ لَا يُوجَدُ فِيهِ كِرَاءٌ، فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الضَّرُورَةِ إلَى مَوْضِعٍ مُسْتَعْتَبٍ فَقَطْ، وَسَوَاءٌ تَحَوَّلَ فِي كِرَاءٍ مَضْمُونٍ أَوْ مُعَيَّنٍ إذَا كَانَ الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ مُعَيَّنًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: إنْ لَمْ يَنْقُدْ جَازَ لَهُ كِرَاءٌ مُبْتَدَأٌ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَدَابَّةٌ لِرُكُوبٍ ". (وَفَعَلَ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ وَدُونَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِحَمْلِ مَحْمِلٍ فَحَمَلَ زَامِلَةً فَعَطِبَتْ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَقَلَّ ضَرَرًا مِنْ الْمَحْمِلِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ غَيْرَ مَا سَمَّى إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَضَرَّ وَلَا أَثْقَلَ، وَرُبَّ زَامِلَةٍ أَثْقَلُ مِنْ مَحْمِلٍ. (وَحَمْلٌ بِرُؤْيَتِهِ أَوْ كَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ أَوْ عَدَدِهِ إنْ لَمْ يَتَفَاوَتْ) . ابْنُ شَاسٍ: الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ اسْتِئْجَارُ الدَّابَّةِ لِلْحَمْلِ وَيُعْرَفُ قَدْرُ الْمَحْمُولِ بِالرُّؤْيَةِ إنْ كَانَ حَاضِرًا، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَيَذْكُرُ الْكَيْلَ أَوْ الْوَزْنَ أَوْ الْعَدَدَ فِيمَا لَا كَبِيرَ تَفَاوُتٍ بَيْنَ آحَادِهِ. (وَإِقَالَةٌ بِزِيَادَةٍ قَبْلَ النَّقْدِ وَبَعْدَهُ إنْ لَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَكْرَى إلَى الْحَجِّ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ تَقَايَلَا بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِزِيَادَةٍ وَقَدْ نَقَدَهُ أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الرُّكُوبِ وَقَبْلَ النَّقْدِ أَوْ بَعْدَ النَّقْدِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 569 وَقَبْلَ غَيْبَتِهِ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ مِمَّنْ كَانَتْ (وَإِلَّا فَلَا إلَّا الزِّيَادَةَ مِنْ الْمُكْتَرِي فَقَطْ إنْ اقْتَصَّا أَوْ بَعْدَ سَيْرٍ كَثِيرٍ) لَوْ قَالَ: " أَوْ مِنْ الْمُكْرِي بَعْدَ سَيْرٍ كَثِيرٍ " لَكَانَ وَاضِحًا أَوْ يَكُونُ " بَعْدَ سَيْرٍ " مَعْطُوفًا عَلَى " مِنْ الْمُكْتَرِي " كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} [هود: 99] قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ نَقَدَهُ وَتَفَرَّقَا جَازَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْمُكْتَرِي قِصَاصًا لَأَنْ يَأْخُذَ أَقَلَّ مِمَّا دَفَعَ فَلَا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ تَجُزْ مِنْ الْمُكْتَرِي؛ لِأَنَّهُ رَدَّ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ فَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَصَارَ الْكِرَاءُ مُحَلِّلًا. وَكَذَلِكَ بَعْدَ سَيْرِهِمَا يَسِيرًا مِنْ الْمَسَافَةِ لِلتُّهْمَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُحَلِّلًا. قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا بَعْدَ السَّيْرِ الْكَثِيرِ مِنْ الطَّرِيقِ مِمَّا لَا يُتَّهَمَانِ فِيهِ فَجَائِزٌ أَنْ يَزِيدَهُ الْكِرَاءَ إذَا عَجَّلَ الزِّيَادَةَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْبُيُوعِ وَأَكْرِيَةِ الدُّورِ. (وَاشْتِرَاطُ هَدِيَّةِ مَكَّةَ إنْ عُرِفَ وَعَقَبَةِ الْأَجِيرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ حَمْلَ هَدَايَا مَكَّةَ فَإِنْ كَانَ أَمْرًا عُرِفَ وَجْهُهُ جَازَ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَرِيَ مَحْمِلًا وَيَشْتَرِطَ عَقَبَةُ الْأَجِيرِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ. (لَا حَمْلِ مَنْ مَرِضَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ تَكَارَى مِنْ رَجُلٍ إلَى مَكَّةَ بِمِثْلِ مَا يَتَكَارَى النَّاسُ لَمْ يَجُزْ قَالَ: وَإِنْ أَكْرَى مُشَاةٌ عَلَى أَزْوَادِهِمْ عَلَى أَنَّ لَهُمْ حَمْلَ مَنْ مَرِضَ مِنْهُمْ لَمْ يَجُزْ. (وَلَا اشْتِرَاطُ إنْ مَاتَتْ مُعَيَّنَةٌ أَتَاهُ بِغَيْرِهَا) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا إلَى بَلَدٍ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى دَابَّةٍ أَوْطَأَ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ، لَا بِزِيَادَةٍ وَلَا غَيْرِهَا. قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: وَلَوْ شَرَطَ فِي أَوَّلِ كِرَائِهِ أَنَّهُ إنْ مَاتَتْ فَدَابَّتُهُ الْأُخْرَى بِعَيْنِهَا مَكَانَهَا إلَى غَايَةِ سَفَرِهِ، أَوْ شَرَطَ إنْ بَقِيَ كِرَاؤُهُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ. (كَدَوَابَّ لِرِجَالٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَتْ الدَّوَابُّ لِرِجَالٍ لَمْ يَجُزْ (أَوْ لِأَمْكِنَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّتَيْنِ وَاحِدَةً إلَى بُرْقَةَ وَأُخْرَى إلَى إفْرِيقِيَةَ وَهُمَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُعَيِّنَ الَّتِي إلَى بُرْقَةَ وَاَلَّتِي إلَى إفْرِيقِيَةَ. (أَوْ لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ نَقْدٌ مُعَيَّنٌ وَإِنْ نَقَدَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً أَوْ دَارًا أَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَإِنْ كَانَتْ سُنَّةُ الْكِرَاءِ بِالْبَلَدِ بِالنَّقْدِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُنَّتُهُمْ بِالنَّقْدِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ عُجِّلَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ النَّقْدَ فِي الْعَقْدِ. (أَوْ بِدَنَانِيرَ عُيِّنَتْ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْخَلَفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ اكْتَرَى مَا ذَكَرْنَا بِدَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ تَشَاحَّا فِي النَّقْدِ قَضَى بِنَقْدِهَا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ الْكِرَاءُ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ تَعْجِيلُهَا فِي الْعَقْدِ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 570 بِدَنَانِيرَ فِي بَلَدٍ آخَرَ عِنْدَ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ: فَإِنْ شَرَطَ ضَمَانَهَا إنْ تَلِفَتْ جَازَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ. فَأَرَى إنْ كَانَ الْكِرَاءُ لَا يُنْقَدُ فِي مِثْلِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ فِي الدَّنَانِيرِ إنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا. (أَوْ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا شَاءَ أَوْ لِمَكَانِ شَاءَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ اكْتَرَى دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا مِنْ قَوْمٍ قَدْ عُرِفَ حَمْلُهُمْ فَذَلِكَ لَازِمٌ عَلَى مَا عُرِفُوا بِهِ مِنْ الْحَمْلِ. وَلَوْ قَالَ: احْمِلْ عَلَيْهَا مِمَّا شِئْت لَمْ يَجُزْ لِاخْتِلَافِ ضَرَرِ الْأَشْيَاءِ فِي الْحَمْلِ، وَكَذَلِكَ لِيَرْكَبَهَا إلَى أَيِّ بَلَدٍ شَاءَ لَمْ يَجُزْ لِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ بِالسُّهُولَةِ وَالْوُعُورَةِ، وَكَذَلِكَ الْحَوَانِيتُ وَالدُّورُ وَكُلُّ مَا تَبَاعَدَ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ أَضَرُّ بِالْجَدَرَاتِ. (أَوْ لِيُشَيِّعَ رَجُلًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ كِرَاءُ دَابَّةٍ لِيُشَيِّعَ عَلَيْهَا رَجُلًا حَتَّى يُسَمِّيَ مُنْتَهَى التَّشْيِيعِ. قَالَ غَيْرُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مَبْلَغُ التَّشْيِيعِ بِالْبَلَدِ قَدْ عُرِفَ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (أَوْ بِمِثْلِ كِرَاءِ النَّاسِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ تَكَارَى مِنْ رَجُلٍ إلَى مَكَّةَ بِمِثْلِ مَا يَتَكَارَى بِهِ النَّاسُ لَمْ يَجُزْ. (أَوْ إنْ وَصَلْت فِي كَذَا فَبِكَذَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ اكْتَرَى مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً عَلَى أَنَّهُ إنْ بَلَغَ مَوْضِعَ كَذَا يَوْمَ كَذَا وَإِلَّا فَلَا كِرَاءَ لَهُ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنْ بَلَغَهُ إلَى مَكَّةَ فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ فَلَهُ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ، وَإِنْ أَدْخَلَهُ فِي أَكْثَرَ فَلَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ لَمْ يَجُزْ وَيُفْسَخُ. (أَوْ يَنْقُلَ إلَى بَلَدٍ وَإِنْ سَاوَتْ إلَّا بِإِذْنِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اكْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَلَى حُمُولَةٍ إلَى بَلَدٍ فَلَيْسَ لَهُ صَرْفُهَا إلَى غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي اكْتَرَى إلَيْهِ وَإِنْ سَاوَاهُ فِي الْمَسَافَةِ وَالصُّعُوبَةِ وَالسُّهُولَةِ إلَّا بِإِذْنِ الْكَرِيِّ، وَلَمْ يُجِزْهُ غَيْرُهُ وَإِنْ رَضِيَا؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ. (كَإِرْدَافِهِ خَلْفَكَ أَوْ حَمْلٍ مَعَكَ وَالْكِرَاءُ لَكَ إنْ لَمْ تَحْمِلْ زِنَةً كَالسَّفِينَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اُكْتُرِيَتْ دَابَّةٌ بِعَيْنِهَا فَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَنْ يَحْمِلَ تَحْتَكَ مَتَاعًا وَلَا يُرْدِفَ رَدِيفًا وَكَأَنَّكَ مَلَكْت ظَهْرَهَا، وَكَذَلِكَ السَّفِينَةُ. وَإِنْ حَمَلَ فِي مَتَاعِكَ عَلَى الدَّابَّةِ مَتَاعًا بِكِرَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ كِرَاءٍ فَلَكَ كِرَاؤُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ اكْتَرَيْت مِنْهُ عَلَى حَمْلٍ إنْ طَالَ مُسَمَّاهُ فَالزِّيَادَةُ لَهُ. قَالَ أَشْهَبُ: إنْ أَكْرَاهُ لِيَحْمِلَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ مَتَاعِهِ فَكِرَاءُ الزِّيَادَةِ لِلْمُكْتَرِي. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: قَوْلُ أَشْهَبَ وِفَاقٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ. (وَضَمِنَ إنْ اكْتَرَى لِغَيْرِ أَمِينٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فَحَمَلَ مَكَانَهُ مِثْلَهُ فِي الْخِفَّةِ وَالْأَمَانَةِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ أَكْرَى مِمَّنْ هُوَ أَثْقَلُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْمُونٍ ضَمِنَ. (أَوْ عَطِبَتْ بِزِيَادَةِ مَسَافَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا بَلَغَ الْمُكْتَرِي الْغَايَةَ الَّذِي اكْتَرَى إلَيْهَا ثُمَّ زَادَ مِيلًا أَوْ نَحْوَهُ فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ فَلِرَبِّهَا كِرَاؤُهُ الْأَوَّلُ وَالْخِيَارُ فِي أَخْذِ قِيمَةِ كِرَاءِ الزِّيَادَةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، أَوْ قِيمَةُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 571 الدَّابَّةِ يَوْمَ التَّعَدِّي. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: يَضْمَنُ فِي زِيَادَةِ الْمِيلِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا مِثْلُ مَا يَعْدِلُ النَّاسُ إلَيْهِ فِي الْمَرْحَلَةِ فَلَا يَضْمَنُ. (أَوْ حَمْلٍ تَعْطُبُ بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا زَادَ الْمُكْتَرِي عَلَى الدَّابَّةِ فِي الْحَمْلِ الَّذِي شُرِطَ فَعَطِبَتْ، فَإِنْ زَادَ مَا تَعْطُبُ بِمِثْلِهِ خُيِّرَ رَبُّهَا بَيْنَ أَخْذِ الْمُكْتَرِي بِقِيمَةِ كِرَاءِ مَا زَادَ عَلَى الدَّابَّةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ، أَوْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ يَوْمَ التَّعَدِّي وَلَا كِرَاءَ لَهُ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إذَا زَادَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْحَمْلِ، وَإِنْ زَادَ بَعْدَ أَنْ سَارَ نِصْفَ الطَّرِيقِ وَاخْتَارَ أَخْذَ قِيمَةِ الدَّابَّةِ فَلَهُ أَخْذُ قِيمَةِ الدَّابَّةِ يَوْمَ التَّعَدِّي وَنِصْفُ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ فِي ثُلُثِ الطَّرِيقِ أَوْ رُبُعِهَا لَهُ ثُلُثُ الْكِرَاءِ أَوْ رُبُعُهُ مَعَ قِيمَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 572 الدَّابَّةِ (وَإِلَّا فَالْكِرَاءُ) قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ زَادَ مَا لَا تَعْطَبُ بِمِثْلِهِ فَعَطِبَتْ فَلَهُ كِرَاءُ الزِّيَادَةِ فَقَطْ مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ عَطَبَهَا لَيْسَ مِنْ أَجْلِ الزِّيَادَةِ وَذَلِكَ بِخِلَافِ مُجَاوَزَةِ الْمَسَافَةِ؛ لِأَنَّ مُجَاوَزَةَ الْمَسَافَةِ تَعَدٍّ كُلُّهُ فَيَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْحَمْلِ الْمُشْتَرَطِ اجْتَمَعَ فِيهِ إذْنٌ وَتَعَدٍّ، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَا تَعْطَبُ فِي مِثْلِهَا عُلِمَ أَنَّ هَلَاكَهَا فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَصِفَةُ كِرَاءِ الزِّيَادَةِ فِي الْحَمْلِ الَّذِي وَجَبَ لِرَبِّهَا وَاخْتَارَهُ فِيمَا تَعْطَبُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ؛ كَمْ يُسَاوِي كِرَاءُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ الْمُحَمَّلَةِ حَسْبَمَا تَعَدَّى عَلَيْهِ الْمُكْتَرِي؟ فَيَكُونُ ذَلِكَ لِرَبِّهَا مَعَ كِرَاءِ الْأَوَّلِ (كَأَنْ لَمْ تَعْطَبْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ رَدَّهَا بِحَالِهَا بَعْدَ أَنْ زَادَهَا الْمِيلَ وَالْأَمْيَالَ أَوْ بَعْدَ أَنْ حَبَسَهَا الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ: أَوْ أَيَّامًا يَسِيرَةً لَمْ يَضْمَنْ إلَّا كِرَاءَ الزِّيَادَةِ (إلَّا أَنْ يَحْبِسَهَا كَثِيرًا فَلَهُ كِرَاءُ الزَّائِدِ أَوْ قِيمَتُهَا) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا إنْ كَثُرَتْ الزِّيَادَةُ أَوْ حَبَسَهَا أَيَّامًا أَوْ شَهْرًا وَرَدَّهَا بِحَالِهَا فَلِرَبِّهَا كِرَاؤُهُ الْأَوَّلُ وَالْخِيَارُ فِي أَخْذِ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّعَدِّي، أَوْ كِرَاؤُهَا فِيمَا حَبَسَهُ فِيهِ مِنْ عَمَلٍ أَوْ حَبْسِهِ إيَّاهَا بِغَيْرِ عَمَلٍ مَا بَلَغَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ. وَانْظُرْ مَسْأَلَةً نَزَلَتْ: اكْتَرَى مَا يَدْرُسُ بِهِ حَبًّا لِيَوْمٍ وَاحِدٍ بِدِرْهَمٍ فَحَبَسَهُ سِنِينَ وَهُوَ لَا يُسَاوِي ثَلَاثَهُ دَرَاهِمَ. (وَلَكَ فَسْخُ عَضُوضٍ أَوْ جَمُوحٍ أَوْ أَعْشَى أَوْ دَبِرَةٍ فَاحِشًا) مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 573 الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ اكْتَرَيْت دَابَّةً أَوْ بَعِيرًا بِعَيْنِهِ فَإِذَا هُوَ عَضُوضٌ أَوْ جَمُوحٌ أَوْ لَا يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ أَوْ دَبِرَتْ تَحْتَكَ دَبْرَةً فَاحِشَةً يُؤْذِيكَ رِيحُهَا، فَمَا أَضَرَّ مِنْ ذَلِكَ بِرَاكِبِهَا فَلَكَ فِيهَا الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهَا عُيُوبٌ وَالْكِرَاءُ غَيْرُ مَضْمُونٍ (كَأَنْ يَطْحَنَ لَكَ كُلَّ يَوْمٍ إرْدَبَّيْنِ بِدِرْهَمٍ فَوُجِدَ لَا يَطْحَنُ إلَّا إرْدَبًّا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا بِحَسَبِ الِانْجِرَارِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَهَلْ تَفْسُدُ إنْ جَمَعَهُمَا ". (وَإِنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ مَا يُشْبِهُ الْكَيْلَ فَلَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا حَمَلَ لَكَ رَجُلٌ طَعَامًا فَزَادَ أَوْ نَقَصَ مَا يُشْبِهُ زِيَادَةَ الْكَيْلِ وَنَقْصَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ مِنْ ضَمَانٍ وَلَا حِصَّةِ كِرَاءٍ. [فَصْلٌ فِي كِرَاءِ الْحَمَّامِ] (فَصْلٌ) (جَازَ كِرَاءُ حَمَّامٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِكِرَاءِ الْحَمَّامَاتِ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانُوا يَدْخُلُونَ مُسْتَتِرِينَ. اُنْظُرْ فِي الْإِمَامَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ فَاسِقًا بِجَارِحَةٍ ". (وَدَارٍ غَائِبَةٍ كَبَيْعِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 574 اكْتَرَى دَارًا بِإِفْرِيقِيَةَ وَهُوَ بِمِصْرَ جَازَ ذَلِكَ كَالشِّرَاءِ، وَلَا بَأْسَ بِالنَّقْدِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مَأْمُونَةٌ، فَإِنْ قَدِمَ فَلَمْ يَرْضَهَا حِينَ رَآهَا. وَقَالَ: هِيَ بَعِيدَةٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَالْكِرَاءُ لَا يَصْلُحُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ رَأَى الدَّارَ وَعَرَفَ مَوْضِعَهَا أَوْ عَلَى صِفَةٍ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. (أَوْ نِصْفِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِكِرَاءِ نِصْفِ دَارٍ أَوْ سُدُسِهَا أَوْ جُزْءٍ شَائِعٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِنْهَا كَالشِّرَاءِ. وَانْظُرْ عَلَى هَذَا الْفَرَّانَ يَكْتَرِي مِنْ رَبِّ الْفُرْنِ نِصْفَ فُرْنٍ شَهْرًا بِدِينَارٍ بِمَا يَمْنَعُ رَبَّ الْفُرْنِ أَوْ يُكْرِي بِذَلِكَ الدِّينَارِ وَقَّافًا يَخْدُمُ عَنْهُ بِالْفُرْنِ ذَلِكَ الشَّهْرَ وَمَا يَمْنَعُ الْمُكْتَرِي أَنْ يُوَلِّيَ الْفُرْنَ لِهَذَا الْوَقَّافِ. (أَوْ نِصْفِ عَبْدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تَجُوزُ إجَارَةُ نِصْفِ دَابَّةٍ أَوْ نِصْفِ عَبْدٍ يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ يَوْمًا وَلِلَّذِي لَهُ النِّصْفُ الْآخَرُ يَوْمًا كَالْبَيْعِ، وَمَا جَازَ لَكَ بَيْعُهُ مِنْ ثَمَرِكَ جَازَ لَكَ الْإِجَارَةُ بِهِ. (وَشَهْرًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ يَوْمًا لَزِمَ إنْ مَلَكَ الْبَقِيَّةَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا شَهْرًا بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ سَكَنَ مِنْهُ يَوْمًا وَاحِدًا فَالْكِرَاءُ لَهُ لَازِمٌ، جَازَ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ أَوْ يُكْرِيَهُ إذَا خَرَجَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا الْقَرَوِيِّينَ: ظَاهِرُ هَذَا الْعَقْدِ أَنَّهُ جَائِزٌ وَأَنَّهُ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَسْكُنْ، فَإِذَا سَكَنَ انْعَقَدَ الْكِرَاءُ فِي شَهْرٍ، فَإِنْ أَرَادَ إنْ سَكَنْت فَالْكِرَاءُ لِي لَازِمٌ فَلَيْسَ لِي إنْ أَكْرِيَ مِنْ غَيْرِي كَانَ هَذَا مِنْ بَيْعِ الشُّرُوطِ الَّتِي يَبِيعُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ، فَهَذَا إذَا أَسْقَطُوا الشَّرْطَ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 575 أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ تَمَّ الْكِرَاءُ، وَأَمَّا إنْ شُرِطَ فَإِنْ خَرَجَتْ عَادَ الْمَسْكَنُ إلَى الْمُكْرِي وَعَلَيْهِ جُمْلَةُ الْكِرَاءِ فَهَذَا فَاسِدٌ لَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ. (وَعَدَمُ بَيَانِ الِابْتِدَاءِ وَحُمِلَ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى دَارًا سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يُسَمِّ مَتَى يَسْكُنُ جَازَ، وَيَسْكُنُ أَوْ يُسْكِنُ غَيْرَهُ مَتَى شَاءَ مَا لَمْ يَأْتِ مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ بَيِّنٌ عَلَى الدَّارِ، يُرِيدُ ضَرَرًا فِي السُّكْنَى. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ: وَإِنْ أَغْلَقَهَا الْمُكْتَرِي وَخَرَجَ فَذَلِكَ لَهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّارِ أَنْ يَقُولَ: يُخَرِّبُهَا عَلَيَّ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالسَّنَةُ مَحْسُوبَةٌ مِنْ يَوْمِ التَّعَاقُدِ كَمَا لَوْ قَالَ هَذِهِ السَّنَةُ بِعَيْنِهَا. (أَوْ مُشَاهَرَةً وَلَمْ يَلْزَمْ لَهُمَا إلَّا بِنَقْدٍ فَبِقَدْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَكْتَرِي مِنْكَ دَارَكَ أَوْ حَانُوتَكَ أَوْ أَرْضَكَ أَوْ غُلَامَكَ أَوْ دَابَّتَكَ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِكَذَا أَوْ كُلِّ سَنَةٍ بِكَذَا أَوْ قَالَ فِي الشَّهْرِ أَوْ فِي السَّنَةِ أَوْ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ، فَلَا يَقَعُ الْكِرَاءُ عَلَى تَعْيِينٍ وَلَيْسَ بِعَقْدٍ لَازِمٍ، وَلِرَبِّ الدَّارِ أَنْ يُخْرِجَهُ مَتَى شَاءَ، وَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يَخْرُجَ مَتَى شَاءَ وَيَلْزَمُهُ فِيمَا سَكَنَ حِصَّتُهُ مِنْ الْكِرَاءِ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَأَنَّهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ لَهُ: أُكْرِيكَ مِنْ حِسَابِ الشَّهْرِ أَوْ مِنْ حِسَابِ السَّنَةِ بِكَذَا. هَذَا هُوَ مَوْضُوعُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إلَّا أَنْ يَنْقُدَهُ فِي ذَلِكَ كِرَاءَ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ فَيَلْزَمُهُ تَمَامُ ذَلِكَ (كَوَجِيبَةٍ بِشَهْرِ كَذَا وَهَذَا الشَّهْرُ أَوْ شَهْرًا أَوْ إلَى كَذَا) عِيَاضٌ: كِرَاءُ الدُّورِ مُشَاهَرَةً وَمُسَانَاةً لَا خِلَافَ إذَا نَصَّ عَلَى تَعْيِينِ السَّنَةِ أَوْ الشَّهْرِ أَوْ جَاءَ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ التَّعْيِينِ أَنَّهُ لَازِمٌ لَهُمَا وَذَلِكَ فِي خَمْسِ صُوَرٍ: إذَا قَالَ شَهْرَ كَذَا وَهَذَا الشَّهْرَ، أَوْ سَمَّى الْعَدَدَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ فَقَالَ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، أَوْ ذَكَرَ الْأَجَلَ فَقَالَ أُكْرِيكَ إلَى شَهْرِ كَذَا، أَوْ أَنْقُدُ كِرَاءَ كَذَا شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ إنَّ هَذَا كُلَّهُ لَازِمٌ لَهُمَا الْمُدَّةَ الَّتِي ذَكَرَاهَا لَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ. فَانْظُرْ قَوْلَ عِيَاضٍ: " وَسَمَّى الْعَدَدَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ " فَلَعَلَّ لَفْظَ خَلِيلٍ كَانَ " أَوْ أَشْهُرٌ " فَأَسْقَطَ النَّاسِخُ الْأَلْفَ. وَانْظُرْ قَوْلَهُمْ: " شَهْرُ كَذَا " قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: لَا يُضَافُ شَهْرٌ إلَّا إلَى رَمَضَانَ وَالرَّبِيعَيْنِ قَالَ: وَالشُّهُورُ كُلُّهَا تُذَكَّرُ إلَّا جُمَادَى. وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ: وَإِنْ اكْتَرَى مِنْهُ سَنَةً بِعَيْنِهَا أَوْ شَهْرًا بِعَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ جَمِيعًا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَا لَوْ قَالَ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ هَذِهِ السَّنَةَ أَوْ إلَى سَنَةِ كَذَا، فَهَذَا كُلُّهُ وَجِيبَةٌ لَازِمَةٌ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْخُرُوجَ لِمَنْ شَاءَ فَيَلْزَمُهُمَا ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ حِينَئِذٍ النَّقْدُ، وَيَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ النَّقْدُ وَالتَّأْخِيرُ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي هَذَا مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْخُرُوجَ إنْ شَاءَ " هَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ كِرَاءُ الْأَحْبَاسِ عَلَى قَبُولِ الزِّيَادَةِ وَأَظُنُّ سَيِّدِي ابْنَ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ هَذَا. (وَفِي سَنَةٍ بِكَذَا تَأْوِيلَانِ) . عِيَاضٌ: وَإِذَا قَالَ أُكْرِيَ مِنْكَ سَنَةً بِدِرْهَمٍ أَوْ شَهْرًا بِدِرْهَمٍ فَحَمَلَ أَكْثَرُهُمْ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مِثْلُ قَوْلِهِ هَذِهِ السَّنَةُ تَلْزَمُهُمَا السَّنَةَ أَوْ الشَّهْرَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ كِرَاءِ الدَّارِ مُشَاهَرَةً مُنْحَلًّا مُطْلَقًا فِيمَا لَمْ يُسْكَنْ وَلُزُومُهُ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ فَقَطْ ثَالِثُهَا لُزُومُ الشَّهْرِ بِسُكْنَى بَعْضِهِ أَوَّلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 576 لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَرِوَايَةُ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ. (وَأَرْضِ مَطَرٍ عَشْرًا إنْ لَمْ يَنْقُدْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا بَأْسَ بِكِرَاءِ أَرْضِ الْمُكْرِي عَشْرَ سِنِينَ إنْ لَمْ يَنْقُدْ، فَإِنْ شَرَطَ النَّقْدَ فَسَدَ الْكِرَاءُ، وَإِنْ اكْتَرَاهَا سِنِينَ وَقَدْ أَمْكَنَتْ لِلْحَرْثِ جَازَ نَقْدُ حِصَّةِ عَامِهِ هَذَا (وَإِنْ سَنَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اكْتَرَى أَرْضَ الْمَطَرِ سَنَةً قُرْبَ الْحَرْثِ أَوْ حِينَ تَوَقُّعِ الْغَيْثَ لَمْ يَجُزْ النَّقْدُ حَتَّى تُرْوَى وَتَمَكُّنَ مِنْ الْحَرْثِ. (إلَّا الْمَأْمُونَةَ كَالنِّيلِ وَالْمُعَيَّنَةَ فَيَجُوزُ) . ابْنُ رُشْدٍ: عَقْدُ الْكِرَاءِ جَائِزٌ فِي الْأَرْضِينَ كُلِّهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ السِّنِينَ الْكَثِيرَةِ، وَسَوَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَانَتْ مَأْمُونَةً أَوْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ. وَتَنْقَسِمُ فِي جَوَازِ النَّقْدِ فِيهَا عَلَى قِسْمَيْنِ، فَمَا كَانَ مِنْهَا مَأْمُونًا كَأَرْضِ النِّيلِ وَأَرْضِ الْمَطَرِ الْمَأْمُونَةِ وَأَرْضِ السَّقْيِ بِالْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ الثَّابِتَةِ وَالْآبَارِ الْمُعَيَّنَةِ فَالنَّقْدُ فِيهَا لِلْأَعْوَامِ الْكَثِيرَةِ جَائِزٌ، وَمَا كَانَ مِنْهَا غَيْرَ مَأْمُونٍ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يُرْوَى وَيُمَكِّنَ مِنْ الْحَرْثِ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ النِّيلِ أَوْ مِنْ أَرْضِ الْمَطَرِ أَوْ السَّقْيِ بِالْعُيُونِ وَالْآبَارِ (وَيَجِبُ فِي مَأْمُونَةِ النِّيلِ إذَا رُوِيَتْ) ابْنُ رُشْدٍ: وَتَنْقَسِمُ فِي وُجُوبِ النَّقْدِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَرْضِ النِّيلِ وَأَرْضِ السَّقْيِ وَالْمَطَرِ. فَأَمَّا أَرْضُ النِّيلِ فَيَجِبُ النَّقْدُ فِيهَا إذَا رُوِيَتْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى السَّقْيِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَبِالرَّيِّ يَكُونُ الْمُكْتَرِي قَابِضًا لِمَا اكْتَرَى، وَأَمَّا أَرْضُ السَّقْيِ وَالْمَطَرِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكْتَرِي فِيهَا دَفْعُ الْكِرَاءِ حَتَّى يَتِمَّ الزَّرْعُ وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ الْمَاءِ. (وَقَدْرٍ مِنْ أَرْضِكَ إنْ عُيِّنَ أَوْ تَسَاوَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اكْتَرَى مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ أَرْضٍ مُعَيَّنَةٍ جَازَ إنْ تَسَاوَتْ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ حَتَّى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 577 يُعَيِّنَ مَوْضِعَهَا. (وَعَلَى أَنْ يَحْرُثَهَا ثَلَاثًا أَوْ يُزَبِّلَهَا إنْ عُرِفَ) . ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ مَنْفَعَةٍ فِي الْأَرْضِ كَشَرْطِ نَقْدِ بَعْضِ كِرَائِهَا. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا عَلَى أَنْ يُحَرِّكَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَزْرَعَهَا فِي التَّحْرِيكِ الرَّابِعِ جَازَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ عَلَى أَنْ يُزَبِّلَهَا إنْ كَانَ الَّذِي يُزَبِّلَهَا بِهِ شَيْئًا مَعْرُوفًا. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إذَا كَانَتْ مَأْمُونَةً لِأَنَّ زِيَادَةَ الْحِرَاثَاتِ وَالتَّزْبِيلِ مَنْفَعَةٌ تَبْقَى فِي الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ زَرْعُهَا فَيَصِيرُ كَالنَّقْدِ اشْتَرَطَهُ فِي غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ. (وَأَرْضٍ سِنِينَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: إنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ فِي الْأَرْضِينَ لِلسِّنِينَ الْكَثِيرَةِ جَائِزٌ مَأْمُونَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ (لِذِي شَجَرٍ بِهَا مُسْتَقْبَلَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اكْتَرَيْت أَرْضًا سِنِينَ مُسَمَّاةً فَغَرَسْت فِيهَا شَجَرًا فَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَفِيهَا شَجَرُكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَكْتَرِيَهَا مِنْ رَبِّهَا سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً. (وَإِنْ لِغَيْرِكَ) . اللَّخْمِيِّ: وَيَجُوزُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُكْرِيَهَا مِنْ غَيْرِ الْمُكْتَرِي الْأَوَّلِ وَيُقَالُ لِلْمُكْتَرِي أَرْضِ الْمُكْتَرِي الْآخَرَ أَوْ اقْلَعْ شَجَرَكَ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ اكْتَرَيْتهَا ثُمَّ أَكْرَيْتَهَا مِنْ غَيْرِك فَغَرَسَهَا ثُمَّ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْكِرَاءِ وَفِيهَا غَرْسُهُ فَلَكَ أَنْ تَكْتَرِيَهَا مِنْ رَبِّهَا سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً، فَإِنْ أَرْضَاكَ الْغَارِسُ وَإِلَّا قَلَعَ غَرْسَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنَّمَا جَازَ كِرَاؤُهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُجْبِرَ الْغَارِسَ عَلَى قَلْعِ غَرْسِهِ بَعْدَ تَمَامِ كِرَائِهِ فَكَانَ الْمُكْتَرِي إنَّمَا دَخَلَ عَلَى أَنْ يَقْلَعَ عَنْهُ الْغَارِسُ غَرْسَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ مِنْ الْأَرْضِ مَا كَانَ رَبُّهَا يَمْلِكُهُ، وَلَا يَسْتَطِيعُ الْغَارِسُ مُخَالَفَتَهُ فَقَدْ دَخَلَ عَلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ. (لَا زَرْعٍ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكْتَرِي الْأَوَّلِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يَكْتَرِيَ إلَّا مَا بَعْدَ هَذَا الزَّرْعِ بِخِلَافِ الْغَرْسِ، وَثَالِثُ الْأَقْوَالِ الزَّرْعُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَغْرَمُ فِيهِ كِرَاءَ الْمِثْلِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ كَانَ مَوْضِعُ الشَّجَرِ زَرْعًا أَخْضَرَ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُكْرِيَهَا مَا دَامَ زَرْعُ هَذَا فِيهَا؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ إذَا انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُهُ وَإِنَّمَا لَهُ كِرَاءُ أَرْضِهِ وَلَهُ أَنْ يَقْلَعَ الشَّجَرَ فَافْتَرَقَا إلَّا أَنْ يُكْرِيَهَا مِنْكَ إلَى تَمَامِ الزَّرْعِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قَالَ سَحْنُونَ: وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَأْمُونَةً يُرِيدُ فِي جَوَازِ النَّقْدِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِذَا انْقَضَتْ السُّنُونَ وَلِلْمُكْتَرِي فِي الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ لَمْ يَجُزْ لِرَبِّ الْأَرْضِ شِرَاؤُهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ زَرْعٍ أَخْضَرَ يُشْتَرَطُ مَعَ الْأَرْضِ فِي صَفْقَةٍ، وَكَذَلِكَ الْأُصُولُ بِثَمَرِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُبْتَاعُ كَانَ مَا أَبَّرَ مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ مَا ظَهَرَ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ لِلْبَائِعِ، وَإِذَا لَمْ تُؤَبَّرْ الثَّمَرَةُ وَلَمْ يَظْهَرْ الزَّرْعُ مِنْ الْأَرْضِ فَذَلِكَ لِلْمُبْتَاعِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: الْأَشْبَهُ أَنْ يَجُوزَ لِرَبِّ الْأَرْضِ شِرَاءُ مَا فِيهَا مِنْ زَرْعٍ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ مِلْكٌ لَهُ فَصَارَ مَقْبُوضًا بِالْعَقْدِ، وَمَا يَحْدُثُ فِيهِ مِنْ نَمَاءٍ إنَّمَا هُوَ فِي ضَمَانِ مُشْتَرِيهِ لِكَوْنِهِ فِي أَرْضِهِ وَإِنَّمَا مُنِعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لِكَوْنِ ضَمَانِهَا مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أُصُولِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 578 أَخِيهِ» . وَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَجَازَ عَبْدُ الْمَلِكِ شِرَاءَ جِنَانٍ فِيهِ ثَمَرَةٌ بِقَمْحٍ أَوْ بِجِنَانٍ فِيهِ ثَمَرَةٌ تُخَالِفُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ ثَمَرَةٍ مَقْبُوضَةٌ فَكَانَا مُتَنَاجِزَيْنِ. (وَشَرْطُ كَنْسِ مِرْحَاضٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ حَمَّامًا وَاشْتَرَطَ كَنْسَ الْمَرَاحِيضِ وَالتُّرَابِ، وَغُسَالَةُ الْحَمَّامِ عَلَى الْمُكْتَرِي جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ. ابْنُ يُونُسَ: قِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ فِي كَنْسِ مَا يَكُونُ بَعْدَ عَقْدِ الْكِرَاءِ، وَأَمَّا مَا كَانَ يَوْمَ الْعَقْدِ فِي الْمَرَاحِيضِ فَهُوَ عَلَى الْمُكْتَرِي شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَمْ لَا كَمَا لَوْ كَانَ فِي أَحَدِ الْبُيُوتِ الْمُكْتَرَاةِ شَيْءٌ فَإِنَّ عَلَيْهِ إزَالَتَهُ وَتَفْرِيغَ الْبَيْتِ لِلْمُكْتَرِي لِذَلِكَ الْمِرْحَاضِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا فَعَلَى رَبِّهَا مَرَمَّتُهَا وَكَنْسُ مَرَاحِيضِهَا وَإِصْلَاحُ مَا وَهِيَ مِنْ الْجِدَارَاتِ وَالْبُيُوتِ. ابْنُ يُونُسَ: لَعَلَّهُ يُرِيدُ فِي الْمَرَمَّةِ وَالْإِصْلَاحِ الْخَفِيفَ أَوْ يُرِيدُ أَنَّهُ عَلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ هَذَا: إذَا تَعَطَّلَ الْبَيْتُ لَمْ يُجْبَرْ رَبُّ الدَّارِ عَلَى الطُّرُوِّ وَلِلْمُكْتَرِي الْخُرُوجُ فِي الضَّرَرِ الْبَيِّنِ إلَّا أَنْ يَطُرَّهَا رَبُّهَا فَكَذَلِكَ هَذَا. وَقَوْلُهُ هَاهُنَا: " وَعَلَى رَبِّهَا كَنْسُ الْمِرْحَاضِ " لَعَلَّهُ يُرِيدُ مَا كَانَ فِيهِ قَدِيمًا لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ الْكَنْسَ عَلَى الْمُكْتَرِي إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ أَوْ شَرْطٌ فَيُحْمَلَانِ عَلَيْهِ. (وَمَرَمَّتِهِ وَتَطْيِينٍ مِنْ كِرَاءٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ حَمَّامًا عَلَى أَنَّ مَا احْتَاجَا إلَيْهِ مِنْ مَرَمَّةٍ رَمَّهَا الْمُكْتَرِي، فَإِنْ شَرَطَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْكِرَاءِ جَازَ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ مَا عَجَزَ عَنْ الْكِرَاءِ أَنْفَقَهُ السَّاكِنُ مِنْ عِنْدِهِ لَمْ يَجُزْ (وَجَبَ) لَا إنْ لَمْ يَجِبْ. (أَوْ مِنْ عِنْدِ الْمُكْتَرِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اكْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّ مَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ مِنْ يَسِيرِ مَرَمَّةٍ رَمَّهَا الْمُكْتَرِي لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ كِرَائِهَا. (أَوْ حَمِيمِ أَهْلِ ذِي الْحَمَّامِ أَوْ نُورَتِهِمْ مُطْلَقًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى حَمَّامًا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ لِرَبِّهِ مَا احْتَاجَ أَهْلُهُ مِنْ نُورَةٍ أَوْ حَمِيمٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَشْتَرِطَ شَيْئًا مَعْرُوفًا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا عَرَفَ نَاحِيَةَ عِيَالِ الرَّجُلِ مِنْ قِلَّةٍ وَكَثْرَةٍ وَعَلِمَ عِدَّتَهُمْ، وَقَدْ أَجَازَهُ مَالِكٌ وَأَجَازَ اسْتِئْجَارَ الْخَيَّاطِ عَلَى خِيَاطَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْ الثِّيَابِ فِي السَّنَةِ، أَوْ الْفَرَّانِ عَلَى خَبْزِ مَا يَحْتَاجُ لَهُ مِنْ الْخُبْزِ سَنَةً أَوْ شَهْرًا إذَا عَرَفَ عِيَالَ الرَّجُلِ وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا مَعْرُوفٌ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَمِقْدَارُ أَكْلِ النَّاسِ مَعْرُوفٌ وَالْخِيَاطَةُ قَرِيبٌ مِنْهُ، وَأَمَّا دُخُولُ الْحَمَّامِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَدْخُلَ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ فِي الشَّهْرِ مَرَّةً، وَالنُّورَةُ يُمْكِنُ أَنْ تُعْمَلَ فِي الشَّهْرِ مَرَّةً أَوْ فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْأَرْضِ بِنَاءً أَوْ غَرْسًا وَبَعْضُهُ أَضَرُّ وَلَا عُرْفَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْأَرْضِ بِنَاءً وَلَا غَرْسًا وَلَا زِرَاعَةً وَلَا غَيْرَهُ وَبَعْضُهُ أَضَرُّ فَلَهُ مَا يُشْبِهُ، فَإِنْ أَشْبَهَ الْجَمِيعُ فَسَدَ وَلَوْ سَمَّى صِنْفًا يَزْرَعُهُ جَازَ مِثْلُهُ وَدُونَهُ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَشْرَ سِنِينَ فَزَرَعَهَا فَأَرَادَ أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا شَجَرًا فَذَلِكَ لَهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ الْأَرْضَ. اللَّخْمِيِّ: وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْرَعَهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 579 شَعِيرًا وَأَحَبَّ أَنْ يَزْرَعَهَا حِنْطَةً لَمْ يُمْنَعْ إذَا لَمْ يَضُرَّ. (وَكِرَاءٌ وَكَيْلٌ بِمُحَابَاةٍ أَوْ بِعَرْضٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا يُكْرِي دَارِهِ فَأَكْرَاهَا بِغَيْرِ الْعَيْنِ أَوْ حَابَى فِي الْكِرَاءِ فَهُوَ كَالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَهُ فَسْخُ الْكِرَاءِ أَوْ إجَازَتُهُ إنْ لَمْ يَفُتْ، فَإِنْ فَاتَ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْمُحَابَاةِ قَالَ: وَلَوْ أَعَارَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ أَسْكَنَهَا أَوْ حَابَى فِي كِرَائِهَا رَجَعَ بِهَا عَلَى الْوَكِيلِ بِالْكِرَاءِ فِي مَالِهِ، ثُمَّ لَا رُجُوعَ عَلَى الْوَكِيلِ لِلسَّاكِنِ، وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ عَدِيمًا رَجَعَ رَبُّهَا عَلَى السَّاكِنِ بِالْكِرَاءِ ثُمَّ لَا رُجُوعَ لِلسَّاكِنِ عَلَى الْوَكِيلِ. (أَوْ أَرْضٍ مُدَّةً لِغَرْسٍ فَإِذَا انْقَضَتْ فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلَهُ نِصْفُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَكْرَى أَرْضًا عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَنْ يَغْرِسَهَا الْمُكْتَرِي شَجَرًا سَمَّاهَا عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لِلْغَارِسِ فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَالشَّجَرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ أَكْرَاهَا بِشَجَرٍ لَا يَدْرِي أَيُسْلَمُ الشَّجَرُ إلَيْهِ أَمْ لَا. اللَّخْمِيِّ: وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: أُكْرِيكَ عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَنَّ نِصْفَ الشَّجَرِ لِي وَنِصْفَهُ لَكَ بَعْدَ الْعَشْرِ سِنِينَ، فَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنَّ لَكَ نِصْفَهَا مِنْ الْآنِ جَازَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ اهـ اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " وَقَالَ غَيْرُهُ " وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ كِتَابِ الْمُغَارَسَةِ وَلَمْ يَعْقِدْ لَهَا خَلِيلٌ فَصْلًا، وَعَقَدَ الْمُتَيْطِيُّ عَلَيْهَا كِتَابًا فَقَالَ: كِتَابُ الْمُغَارَسَةِ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ الْغُرُوسُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْأَرْضِ فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِهِ، سَمَّى لَهُ عَدَدَ مَا يَغْرِسُ فِي الْأَرْضِ أَوْ لَمْ يُسَمِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ. أَمَّا إنْ كَانَتْ الْغُرُوسُ مِنْ عِنْدِ الْغَارِسِ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كَمَا دَخَلَ مَسْأَلَةُ الَّذِي اسْتَأْجَرَ الْأَجِيرَ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ لَهُ دَارًا عَلَى أَنَّ الْآجُرَّ وَالْجِصَّ مِنْ عِنْدِ الْبَنَّاءِ. رَاجِعْهُ فِيهِ. (وَالسَّنَةُ فِي الْمَطَرِ بِالْحَصَادِ) وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا فَحَصَدَ زَرْعَهُ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ، فَأَمَّا أَرْضُ الْمَطَرِ فَمُجْمَلُ السَّنَةِ فِيهَا الْحَصَادُ وَيُقْضَى بِذَلِكَ فِيهَا (وَفِي السَّقْيِ بِالشُّهُورِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا ذَاتُ السَّقْيِ الَّتِي تُكْرَى عَلَى أَمَدِ الشُّهُورِ وَالسِّنِينَ فَلِلْمُكْتَرِي الْعَمَلُ إلَى تَمَامِ سَنَةٍ، فَإِنْ تَمَّتْ وَلَهُ فِيهَا زَرْعٌ أَخْضَرُ أَوْ بَقْلٌ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُهُ وَعَلَيْهِ تَرْكُهُ إلَى تَمَامِهِ وَلَهُ فِيمَا بَقِيَ كِرَاءُ مِثْلِهَا عَلَى حِسَابِ مَا اكْتَرَاهَا مِنْهُ. وَطَرَحَ سَحْنُونَ عَلَى حَسَبِ مَا أَكْرَى وَأَبْقَى كِرَاءَ الْمِثْلِ. وَنَقَلَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَهُ فِيمَا بَقِيَ كِرَاءُ مِثْلِهِ لَا عَلَى مَا أَكْرَاهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ جَيِّدٌ. اُنْظُرْ تَوْجِيهَهُ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا. (وَفِي السَّقْيِ فَبِالشُّهُورِ فَإِنْ تَمَّتْ وَلَهُ زَرْعٌ أَخْضَرُ فَكِرَاءُ مِثْلِ الزَّائِدِ وَإِنْ انْتَثَرَ لِلْمُكْتَرِي حَبٌّ فَنَبَتَ قَابِلًا فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ كَمَنْ جَرَّهُ السَّيْلُ إلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا انْتَثَرَ لِلْمُكْتَرِي حَبٌّ فِي الْأَرْضِ فِي حَصَادِهِ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 580 الْأَرْضِ فَنَبَتَ قَابِلًا فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ مَنْ زَرَعَ زَرْعًا فَحَمَلَ السَّيْلُ زَرْعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْبُتَ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَنَبَتَ فِيهَا قَالَ مَالِكٌ: وَالزَّرْعُ لِمَنْ جَرَّهُ السَّيْلُ إلَى أَرْضِهِ وَلَا شَيْءَ لِلزَّارِعِ اهـ. وَانْظُرْ الْأَشْجَارَ هِيَ بِخِلَافِ هَذَا قَالَ سَحْنُونَ: لَوْ قَلَعَ السَّيْلُ مِنْ أَرْضٍ شَجَرَاتٍ فَصَيَّرَهَا إلَى أَرْضِ رَجُلٍ فَنَبَتَتْ فِيهَا فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ كَانَ إنْ قُلِعَتْ وَرُدَّتْ إلَى أَرْضِهِ نَبَتَتْ فَلَهُ قَلْعُهَا، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَقْلَعُهَا لِلْحَطَبِ لَا لِيَغْرِسَهَا فِي أَرْضِهِ فَهَذَا مُضَارٌّ وَلَهُ الْقِيمَةُ، وَإِنْ كَانَتْ الشَّجَرُ لَوْ قُلِعَتْ لَمْ تَنْبُتْ فِي أَرْضِ رَبِّهَا وَإِنَّمَا تَصِيرُ حَطَبًا فَهَذَا الَّذِي جَرَتْ فِي أَرْضِهِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْذَنَ لِرَبِّهَا فِي قَلْعِهَا أَوْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهَا مَقْلُوعَةً. وَلَوْ نَقَلَ السَّيْلُ تُرَابَ أَرْضٍ إلَى أُخْرَى فَإِنْ أَرَادَ رَبُّهُ نَقْلَهُ إلَى أَرْضِهِ وَكَانَ مَعْرُوفًا فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَبَى يَنْقُلُهُ فَطَلَبَهُ مَنْ صَارَ فِي أَرْضِهِ بِتَنْحِيَتِهِ عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحُزْ شَيْئًا. (وَلَزِمَ الْكِرَاءُ بِالتَّمَكُّنِ) ابْنُ شَاسٍ: لَا يُسْتَحَقُّ تَقْدِيمُ جُزْءٍ مِنْ الْإِجَارَةِ إلَّا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ اهـ. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَنْقُدَ إلَّا بِقَدْرِ مَا رَكِبَ أَوْ سَكَنَ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ حَبَسَ الدَّابَّةَ أَوْ الثَّوْبَ الْمُدَّةَ الْمُعَيَّنَةَ تَثْبُتُ الْأُجْرَةُ إذْ التَّمَكُّنُ كَالِاسْتِيفَاءِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُدَّةِ رَاجَعَهُ فِيهِ. (وَإِنْ فَسَدَتْ بِجَائِحَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ هَلَكَ الزَّرْعُ بِبَرْدِ أَوْ جَلِيدٍ أَوْ جَائِحَةٍ فَالْكِرَاءُ عَلَيْهِ. (أَوْ غَرِقَ بَعْدَ وَقْتِ الْحَرْثِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَتَى مَطَرٌ فَغَرِقَ زَرْعُهُ فِي إبَّانٍ لَوْ انْكَشَفَ الْمَاءُ عَنْ الْأَرْضِ أَدْرَكَ زَرْعَهَا ثَانِيَةً فَلَمْ يَنْكَشِفْ حَتَّى فَاتَ الْإِبَّانُ فَذَلِكَ كَغَرَقِهَا فِي الْإِبَّانِ قَبْلَ أَنْ تُزْرَعَ حَتَّى فَاتَ الْحَرْثُ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ انْكَشَفَ الْمَاءُ فِي إبَّانٍ يُدْرَكُ فِيهِ الْحَرْثُ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا. إنْ أَتَى مَطَرٌ بَعْدَ الزَّرْعِ وَفَاتَ إبَّانُ الزِّرَاعَةِ فَغَرِقَ زَرْعُهُ حَتَّى هَلَكَ بِذَلِكَ فَهِيَ جَائِحَةٌ عَلَى الزَّارِعِ وَعَلَيْهِ جَمِيعُ الْكِرَاءِ بِخِلَافِ هَلَاكِهِ مِنْ الْقَحْطِ. (أَوْ عَدَمِهِ بَذْرًا أَوْ سِجْنِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُنْقَضُ الْكِرَاءُ بِمَوْتِ الْمُتَكَارِيَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَكَذَلِكَ مَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا فَلَمْ يَجِدْ بَذْرًا أَوْ سَجَنَهُ السُّلْطَانُ بَاقِيَ الْمُدَّةِ فَالْكِرَاءُ يَلْزَمُهُ وَلَا يُعْذَرُ بِهَذَا وَلَكِنْ يُكْرِيهَا هُوَ إنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَزْرَعَهَا أَوْ يَسْكُنَ الدَّارَ. . (أَوْ انْهَدَمَتْ شُرُفَاتُ الْبَيْتِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا لَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 581 يَكُنْ فِيمَا انْهَدَمَ ضَرَرٌ عَلَى الْمُكْتَرِي وَلَمْ يُبَيِّنْهُ رَبُّ الدَّارِ، لَزِمَ الْمُكْتَرِيَ السُّكْنَى بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ وَلَا يُوضَعُ عَنْهُ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ لِذَلِكَ، وَانْهِدَامُ الشُّرُفَاتِ لَا يَضُرُّ بِسُكْنَى الْمُكْتَرِي. وَإِنْ اتَّفَقَ فِيهَا كَانَ مُتَطَوِّعًا وَلَا شَيْءَ لَهُ يُرِيدُ إلَّا أَخْذَ النَّقْضِ فَلَهُ أَخْذُهُ إنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ. (أَوْ سَكَنَ أَجْنَبِيٌّ بَعْضَهُ) الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اكْتَرَيْت مِنْ رَجُلٍ دَارًا هُوَ فِيهَا فَبَقِيَ فِي طَائِفَةٍ مِنْهَا لَمْ يَخْرُجْ وَسَكَنْت أَنْتَ طَائِفَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْكَ إلَّا حِصَّةُ مَا سَكَنْت، وَكَذَلِكَ لَوْ سَكَنَ أَجْنَبِيٌّ طَائِفَةً مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ عَلِمْت بِهِ فَلَمْ تُخْرِجْهُ لَزِمَهُ كِرَاءُ مَا سَكَنَ. (لَا إنْ نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ وَإِنْ قَلَّ أَوْ انْهَدَمَ بَيْتٌ مِنْهَا أَوْ سَكَنَهُ مُكْرِيهِ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِسُلَّمِ لِلْأَعْلَى أَوْ عَطِشَ بَعْضُ الْأَرْضِ أَوْ غَرِقَ فَبِحِصَّتِهِ) أَمَّا مَسْأَلَةُ الرُّجُوعِ بِالْحِصَّةِ إذَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ وَإِنْ قَلَّ أَوْ انْهَدَمَ بَيْتٌ مِنْهَا فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْهَدْمُ فِي الدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ إنْ كَانَ يَسِيرًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ: مَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ عَلَى السَّاكِنِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ قِيمَةِ كِرَاءِ الدَّارِ شَيْئًا كَالشُّرُفَاتِ وَنَحْوِهَا، فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْكِرَاءَ لِلْمُكْتَرِي لَازِمٌ وَلَا يُحَطُّ عَنْهُ مِنْهُ شَيْءٌ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ عَلَى السَّاكِنِ إلَّا أَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ قِيمَةِ كِرَاءِ الدَّارِ، فَهَذَا يَلْزَمُهُ السُّكْنَى وَيُحَطُّ عَنْهُ مَا حَطَّ ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ إنْ لَمْ يُصْلِحْهُ رَبُّ الدَّارِ وَلَا يَلْزَمُهُ إصْلَاحُهُ، فَإِنْ سَكَتَ وَسَكَنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَى السَّاكِنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبْطِلَ مِنْ مَنَافِعِ الدَّارِ شَيْئًا كَالْهَطْلِ وَشِبْهِهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّ رَبَّ الدَّارِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِصْلَاحُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ، فَإِنْ أَبَى كَانَ الْمُكْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْكُنَ بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ أَوْ يَخْرُجَ، فَإِنْ سَكَتَ وَسَكَنَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 582 وَأَمَّا إنْ كَانَ الْهَدْمُ. كَثِيرًا فَلَا يَلْزَمُ رَبَّ الدَّارِ الْإِصْلَاحُ بِإِجْمَاعٍ وَهُوَ أَيْضًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَعِيبَ السُّكْنَى وَيَنْقُصَ مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ وَلَا يُبْطِلَ شَيْئًا مِنْ الْمَنَافِعِ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ مُبَلَّطَةً مُجَصَّصَةً فَيَذْهَبُ تَبْلِيطُهَا وَتَجْصِيصُهَا، فَهَذَا يَكُونُ الْمُكْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْكُنَ بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ أَوْ يَخْرُجَ إلَّا أَنْ يُصْلِحَ ذَلِكَ رَبُّ الدَّارِ، فَإِنْ سَكَتَ وَسَكَنَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. الثَّانِي أَنْ يُبْطِلَ الْيَسِيرَ مِنْ مَنَافِعِ الدَّارِ كَالْبَيْتِ يَنْهَدِمُ مِنْهَا وَهِيَ ذَاتُ بُيُوتٍ فَهَذَا يَلْزَمُهُ السُّكْنَى يُحَطُّ مَا نَابَ الْبَيْتَ الْمُنْهَدِمَ مِنْ الْكِرَاءِ. الثَّالِثُ أَنْ يُبْطِلَ أَكْثَرَ مَنَافِعِ الدَّارِ أَوْ مَنْفَعَةَ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ وَجْهُهَا أَوْ يَكْشِفُهَا بِانْهِدَامِ حَائِطِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَهَذَا يَكُونُ الْمُكْتَرِي فِيهِ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَسْكُنَ بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ أَوْ يَخْرُجَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْكُنَ عَلَى أَنْ يُحَطَّ عَنْهُ مَا يَنُوبُ مَا انْهَدَمَ مِنْ الْكِرَاءِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِذَلِكَ رَبُّ الدَّارِ فَيَجْرِي جَوَازُهُ عَلَى جَوَازِ جَمْعِ الرَّجُلَيْنِ سِلْعَتَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ انْتَهَى. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرُّجُوعِ بِالْحِصَّةِ إذَا سَكَنَهُ مُكْرِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا سَكَنَ صَاحِبُ طَائِفَةٍ مِنْهَا فَقَالَ الْمُكْتَرِي: إنَّمَا أُعْطِيك حِصَّةً أَنَّ ذَلِكَ لَهُ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرُّجُوعِ بِالْحِصَّةِ إذَا لَمْ يَأْتِ بِسُلَّمٍ لِلْأَعْلَى سَكَنَهُ مُكْرِيهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا سَكَنَ صَاحِبُ الدَّارِ طَائِفَةً مِنْهَا فَقَالَ الْمُكْتَرِي إنَّمَا أُعْطِيكَ حِصَّةً أَنَّ ذَلِكَ لَهُ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرُّجُوعِ بِالْحِصَّةِ لِعَطَشِ بَعْضِ الْأَرْضِ أَوْ غَرَقٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا فَغَرِقَ بَعْضُهَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ أَوْ عَطِشَ، فَإِنْ كَانَ اكْتَرَاهَا رَدَّ جَمِيعَهَا، وَإِنْ كَانَ تَافِهًا حُطَّ عَنْهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ. (وَخُيِّرَ فِي مُضِرٍّ كَهَطْلٍ فَإِنْ بَقِيَ فَالْكِرَاءُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ كَالْهَطْلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ سَكَنَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ. (كَعَطَشِ أَرْضِ صُلْحٍ وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إلَّا أَنْ يُصَالِحُوا عَلَى الْأَرْضِ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ بِكِرَاءٍ، مِثْلُ أَرْضِ مِصْرَ فَغَرِقَتْ أَوْ عَطِشَتْ قَبْلَ الْحَرْثِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَتِمَّ زَرْعُهَا مِنْ الْعَطَشِ. وَأَمَّا أَرْضُ الصُّلْحِ الَّتِي صَالَحُوا عَلَيْهَا إذَا زَرَعُوا فَعَطِشَ زَرْعُهُمْ فَعَلَيْهِمْ خَرَاجُ أَرْضِهِمْ. قَالَ غَيْرُهُ: هَذَا إنْ كَانَ الصُّلْحُ وَظِيفَةً عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا إنْ صَالَحُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ خَرَاجًا مَعْرُوفًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ. ابْنُ يُونُسَ: وَأَمَّا أَرْضُ مِصْرَ إذَا عَطِشَتْ وُضِعَ الْكِرَاءُ عَنْ الْمُكْتَرِي؛ لِأَنَّهَا أَرْضُ عَنْوَةٍ أَكْرَاهَا السُّلْطَانُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا أَرْضُ الصُّلْحِ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا صَالَحَهُمْ عَلَى أَنَّ عَلَى أَرْضِهِمْ خَرَاجًا فَالْأَمْرُ كَمَا لَوْ قَالَ الْغَيْرُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُخَالِفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي هَذَا، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا صَالَحَهُمْ كَانَ عَلَى الْمُصَالَحِينَ خَرَاجًا لِمِلْكِهِمْ الْأَرْضَ كَمَا يُوصَفُ بِقَدْرِ أَكْسَابِهِمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 583 وَأَمْلَاكِهِمْ صَحَّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ. (عَكْسُ تَلَفِ الزَّرْعِ لِكَثْرَةِ دُودِهَا أَوْ فَأْرِهَا أَوْ عَطَشٍ) اللَّخْمِيِّ: هَلَاكُ الزَّرْعِ إنْ كَانَ لِقَحْطِ الْمَطَرِ أَوْ تَعَذُّرِ مَاءِ الْبِئْرِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ لِكَثْرَةِ نُبُوعِ مَاءِ الْأَرْضِ أَوْ الدُّودِ أَوْ فَأْرٍ سَقَطَ كِرَاءُ الْأَرْضِ، كَانَ هَلَاكُهُ فِي الْإِبَّانِ أَوْ بَعْدَهُ. وَإِنْ هَلَكَ لِطَيْرٍ أَوْ جَرَادٍ أَوْ جَلِيدٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ جَيْشٍ؛ أَوْ لِأَنَّ الزَّرِيعَةَ لَمْ تَنْبُتْ لَزِمَ الْكِرَاءُ هَلَكَ فِي الْإِبَّانِ أَوْ بَعْدَهُ. الْمُتَيْطِيُّ: وَمِثْلُ قَحْطِ الْمَطَرِ تَوَالِي الْأَمْطَارِ، وَكَذَلِكَ إذَا مَنَعَهُ مِنْ الِازْدِرَاعِ فِتْنَةٌ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ غَرِقَ " اُنْظُرْ إنْ أَذْهَبَ السَّيْلُ وَجْهَ الْأَرْضِ. الرِّوَايَةُ: لُزُومُ الْكِرَاءِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: لَا كِرَاءَ وَعُدَّ قَوْلُهُ قَوْلًا. (أَوْ بَقِيَ الْقَلِيلُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ جَاءَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا كَفَى بَعْضَهُ وَهَلَكَ بَعْضُهُ فَإِنْ حَصَلَ مَا لَهُ بَالٌ وَلَهُ فِيهِ نَفْعٌ فَعَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ حَصَدَ مَا لَا بَالَ لَهُ وَلَا نَفْعَ لَهُ فِيهِ. قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: مِثْلُ الْخَمْسَةِ فَدَادِينَ أَوْ السِّتَّةِ مِنْ الْمِائَةِ. (وَلَمْ يُجْبَرْ آجِرٌ عَلَى إصْلَاحٍ مُطْلَقًا بِخِلَافِ سَاكِنٍ أَصْلَحَ لَهُ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ قَبْلَ خُرُوجِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى بَيْتًا فَهَطَلَ عَلَيْهِ لَمْ يُجْبَرْ رَبُّ الدَّارِ عَلَى الطُّرُوِّ وَلَا لِلْمُكْتَرِي أَنْ يَطُرَّ مِنْ كِرَائِهَا وَيَسْكُنَ، وَلَهُ الْخُرُوجُ فِي الضَّرَرِ الْبَيِّنِ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَطُرَّهَا رَبُّهَا فَلَا خُرُوجَ لَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا فَانْهَدَمَتْ كُلُّهَا أَوْ بَيْتٌ مِنْهَا أَوْ حَائِطٌ لَمْ يُجْبَرْ رَبُّهَا عَلَى الْبُنْيَانِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ، فَإِنْ انْهَدَمَ مِنْهَا مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُكْتَرِي قِيلَ لَهُ: إنْ شِئْت فَاسْكُنْ يُرِيدُ بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ نَقْدٌ، أَوْ فَأُخْرِجَ وَنَاقَضَهُ الْكِرَاءُ. وَلَيْسَ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يُصْلِحَ مِنْ كِرَائِهِ وَيَسْكُنَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ بِذَلِكَ رَبُّهَا، فَإِنْ بَنَاهَا رَبُّهَا فِي بَقِيَّةٍ مِنْ وَقْتِ الْكِرَاءِ لَزِمَ الْمُكْتَرِيَ أَنْ يَسْكُنَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْكِرَاءَ هَذَا إنْ بَنَاهَا رَبُّهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْمُكْتَرِي. (وَإِنْ اكْتَرَيَا حَانُوتًا فَأَرَادَ كُلٌّ مُقَدَّمَهُ قُسِمَ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا أُكْرِيَ عَلَيْهِمَا) وَضَعَ اللَّخْمِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَابًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي قَصَّارٍ وَاحِدٍ إذَا اكْتَرَيَا حَانُوتًا ثُمَّ تَنَازَعَا فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا أَكُونُ فِي الْمُقَدَّمِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ: فَإِنْ حَمَلَ الْقَسْمَ وَإِلَّا أُكْرِيَ عَلَيْهِمَا. قَالَ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَفْضَلُ لَعَدَلَا فِي الْقِيمَةِ وَاقْتَرَعَا عَلَيْهَا. اُنْظُرْ أَنْتَ مُخْتَارَهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي جَمْعِ السِّلْعَتَيْنِ فِي الْبَيْعِ مِنْ أَنَّ الشِّرَاءَ كَذَلِكَ. (وَإِنْ غَارَتْ عَيْنُ مُكْتَرٍ سِنِينَ بَعْدَ زَرْعِهِ أُنْفِقَتْ حِصَّةُ سَنَةٍ فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 584 مَالِكٌ: مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا ثَلَاثَ سِنِينَ فَزَرَعَهَا سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ تَهَوَّرَ بِئْرُهَا أَوْ انْقَطَعَتْ عَيْنُهَا فَأَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ صَاحِبَهَا، فَلَا يَقْسِمُ الْكِرَاءَ عَلَى السِّنِينَ سَوَاءً، وَلَكِنْ يَقْسِمُ عَلَى قَدْرِ نَفَاقِهَا وَتَشَاحِّ النَّاسِ فِيهَا، وَلَيْسَ كِرَاءُ الْأَرْضِ فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَاحِدًا، وَمَا لَا يَنْقُدُ فِيهِ كَاَلَّذِي يَسْتَأْخِرُ نَقْدُهُ، وَكَذَلِكَ يَحْسِبُ كِرَاءَ الدُّورِ فِي الْهَدْمِ وَلَا يَحْسِبُ عَلَى عَدَدِ الشُّهُورِ وَالْأَعْوَامِ، وَقَدْ تُكْتَرَى سَنَةً لَا شَهْرَ فِيهَا كَدُورٍ بِمِصْرَ وَبِمَكَّةَ تَكْثُرُ عِمَارَتُهَا فِي الْمَوْسِمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا ثَلَاثَ سِنِينَ فَزَرَعَهَا ثُمَّ غَارَتْ عَيْنُهَا أَوْ انْهَدَمَ بِئْرُهَا وَأَبَى رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا أَنَّ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا حِصَّةَ تِلْكَ السَّنَةِ خَاصَّةً مِنْ الْكِرَاءِ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ رَبَّهَا، وَإِنْ زَادَ عَلَى كِرَاءِ سَنَةٍ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ مَتَى تَرَكَ ذَلِكَ فَسَدَ زَرْعُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ كَلَامٌ، إذْ لَوْ بَطَلَ زَرْعُ هَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كِرَاءٌ فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ أَمْرٍ يَنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ هُوَ فِيهِ. (وَإِنْ تَزَوَّجَ ذَاتَ بَيْتٍ وَإِنْ بِكِرَاءٍ فَلَا كِرَاءَ، إلَّا أَنْ تُبَيِّنَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً وَهِيَ فِي بَيْتٍ اكْتَرَتْهُ سَنَةً فَدَخَلَ بِهَا فِيهِ وَسَكَنَ بَاقِيَ السَّنَةِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ لَهَا وَلَا لِرَبِّ الْبَيْتِ، وَهِيَ كَدَارٍ تَمْلِكُهَا هِيَ إلَّا أَنْ تُبَيِّنَ لَهُ أَنِّي بِالْكِرَاءِ فَإِمَّا أَدَّيْت أَوْ خَرَجْت. قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: يَنْبَغِي لَوْ كَانَتْ الدَّارُ لَهَا فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَقَامَتْ عَلَيْهِ بِكِرَاءِ الْعِدَّةِ أَنَّ ذَلِكَ لَهَا. اللَّخْمِيِّ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَنَى بِزَوْجَتِهِ فِي دَارِهَا ثُمَّ طَلَبَتْهُ بِالْكِرَاءِ عَلَى سُكْنَاهَا لَا شَيْءَ لَهَا، يُرِيدُ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُكَارَمَةِ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ فِيهِ بِكِرَاءٍ ثُمَّ قَالَ: وَكُلُّ هَذَا مِمَّا كَانَتْ الْعِصْمَةُ بَاقِيَةً، فَإِنْ طَلَّقَهَا زَالَ مَوْضِعُ الْمُكَارَمَةِ وَكَانَ لَهَا طَلَبُهُ بِكِرَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَسُكْنَاهُ بِهَا فِي مَسْكَنِ أَبِيهَا أَوْ أُمِّهَا كَسُكْنَاهُ بِمَسْكَنِهَا. وَأَمَّا الْأَخُ وَالْعَمُّ اُنْظُرْهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَانْظُرْ الِاضْطِرَابَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ وَنَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا كَانَتْ مَحْجُورَةً. (وَالْقَوْلُ لِلْأَجِيرِ أَنَّهُ وَصَّلَ كِتَابًا) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 585 مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ آجَرْت رَجُلًا عَلَى تَبْلِيغِ كِتَابٍ مِنْ مِصْرَ إلَى إفْرِيقِيَةَ بِكَذَا فَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْصَلْته وَأَكْذَبْته أَنْتَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي أَمَدٍ يَبْلُغُ فِي مِثْلِهِ؛ لِأَنَّكَ ائْتَمَنْته عَلَيْهِ وَعَلَيْكَ دَفْعُ كِرَائِهِ إلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الْحُمُولَةُ كُلُّهَا يَكْتَرِيهِ عَلَى تَوْصِيلِهِ إلَى بَلَدِ كَذَا فَيَدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْصَلَهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَمَدٍ يَبْلُغُ فِي مِثْلِهِ. (وَأَنَّهُ اُسْتُصْنِعَ وَقَالَ رَبُّهُ وَدِيعَةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ ادَّعَى عَلَى صَبَّاغٍ أَوْ صَانِعٍ مَا قَدْ عَمِلَهُ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ وَقَالَ الصَّانِعُ: بَلْ اسْتَعْمَلْتَنِي فِيهِ، فَالصَّانِعُ مُصَدَّقٌ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ فِي هَذَا وَلَوْ جَازَ هَذَا لَذَهَبَتْ أَعْمَالُهُمْ. (أَوْ خُولِفَ فِي الصِّفَةِ وَفِي الْأُجْرَةِ إنْ أَشْبَهَ وَجَازَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ: أَلَسْت أَمَرْتنِي أَنْ أَلُتَّهُ بِعَشْرَةٍ فَفَعَلَتْ وَقَالَ رَبُّهُ: بَلْ أَمَرْتُكَ بِخَمْسَةٍ، فَاللَّاتُّ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ إنْ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ سَمْنٌ بِعَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ عَلَيْهِ الضَّمَانَ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي الصَّبَّاغِ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عُصْفُرًا وَقَالَ لِرَبِّهِ بِذَلِكَ أَمَرَتْنِي وَقَالَ رَبُّهُ: مَا أَمَرْتُك تَجْعَلُ فِيهِ إلَّا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ عُصْفُرًا أَنَّ الصَّبَّاغَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ إنْ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ بِعَشَرَةٍ، وَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 586 صُدِّقَ رَبُّ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ أَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَاللَّاتُّ مِثْلُهُ سَوَاءٌ. وَلَوْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ كَانَ لِي فِيهِ صَبْغٌ مُتَقَدِّمٌ أَوْ فِي السَّوِيقِ لُتَاتٌ مُتَقَدِّمٌ لَمْ يُصَدَّقْ. وَهَذَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ السَّوِيقَ وَالثَّوْبَ، فَإِمَّا إنْ لَمْ يُسْلِمْ إلَيْهِ وَلَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ فَرَبُّ السَّوِيقِ مُصَدَّقٌ إذَا لَمْ يَأْتَمِنْهُ. (لَا كَبِنَاءٍ وَلَا فِي رَدِّهِ فَلِرَبِّهِ وَإِنْ بِلَا بَيِّنَةٍ) أَمَّا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْبِنَاءِ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَاخْتَلَفَ الصَّانِعُ وَرَبُّ الثَّوْبِ فِي قَدْرِ الْأَجْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّانِعِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ يَقُولُ: بَنَيْت هَذَا الْبِنَاءَ بِدِينَارٍ وَيَقُولُ رَبُّهُ بِأَقَلَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ مَا لَا يُشْبِهُ. اُنْظُرْ بَحْثَ ابْنِ عَرَفَةَ فِي هَذَا. وَأَمَّا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْمَتَاعِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ. وَإِذَا أَقَرَّ الصَّانِعُ بِقَبْضِ مَتَاعٍ وَقَالَ عَمِلْته وَرَدَدْته ضَمِنَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً يَرُدُّهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنَّ الصُّنَّاعَ مُصَدَّقُونَ فِي رَدِّ الْمَتَاعِ إلَى أَهْلِهِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ إلَّا أَنْ يَأْخُذُوهُ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يَبْرَءُوا إلَّا بِبَيِّنَةٍ. (وَإِنْ ادَّعَاهُ وَقَالَ سُرِقَ مِنِّي وَأَرَادَ أَخْذَهُ دَفَعَ قِيمَةَ الصَّبْغِ بِيَمِينٍ إنْ زَادَتْ دَعْوَى الصَّانِعِ عَلَيْهَا وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَهُ فَإِنْ دَفَعَ الصَّانِعُ قِيمَتَهُ أَبْيَضَ فَلَا يَمِينَ وَإِلَّا حَلَفَا وَاشْتَرَكَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا قَالَ الصَّانِعُ: اسْتَعْمَلْتَنِي هَذَا الْمَتَاعَ وَقَالَ رَبُّهُ: بَلْ سَرَقْتَهُ مِنِّي تَحَالَفَا وَقِيلَ لِرَبِّهِ: ادْفَعْ إلَيْهِ أَجْرَ عَمَلِهِ وَخُذْهُ، فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ هَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 587 بِقِيمَةِ ثَوْبِهِ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَهَذَا بِقِيمَةِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ. قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْقَرَوِيِّينَ: إذَا قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: سُرِقَ مِنِّي وَقَالَ الصَّانِعُ: وَقَدْ صَبَغَهُ بَلْ اسْتَعْمَلْتنِي، لَا يَتَحَالَفَانِ حَتَّى يُقَالَ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ مَا تُرِيدُ، فَإِنْ قَالَ أُرِيدُ أَخْذَ ثَوْبِي نُظِرَ إلَى قِيمَةِ الصَّبْغِ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ دَعْوَى الصَّانِعِ فَأَكْثَرَ فَلَا أَيْمَانَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِرَبِّ الثَّوْبِ هَبْكَ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قُلْت إنَّهُ سُرِقَ لَكَ وَإِنْ أَرَدْت أَخْذَهُ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا بِدَفْعِ الْإِجَارَةِ الَّتِي قَالَ الصَّانِعُ إذَا كَانَتْ مِثْلَ قِيمَةِ الْإِجَارَةِ أَوْ أَقَلَّ وَلَا يَمِينَ هَاهُنَا. وَإِنْ كَانَ مَا ادَّعَاهُ الصَّانِعُ أَكْثَرَ، حَلَفَ الْمُسْتَحِقُّ وَحْدَهُ لِيَحُطَّ عَنْ نَفْسِهِ الزَّائِدَ عَلَى قِيمَةِ الْإِجَارَةِ مِنْ التَّسْمِيَةِ الَّتِي ادَّعَاهَا الصَّانِعُ. وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَوَّلًا أُرِيدُ تَضْمِينَ الصَّانِعِ قِيلَ لَهُ: احْلِفْ أَنَّكَ مَا اسْتَعْمَلْته، فَإِنْ حَلَفَ قِيلَ لِلْآخَرِ: احْلِفْ لَقَدْ اسْتَعْمَلْتُكَ لِتَبْرَأَ مِنْ الضَّمَانِ، ثُمَّ قِيلَ لِرَبِّ الثَّوْبِ: ادْفَعْ إلَيْهِ قِيمَةَ الصَّبْغِ؛ لِأَنَّهُ بَرِئَ مِنْ الْمُسَمَّى بِيَمِينِهِ أَوَّلًا، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْآخَرِ: ادْفَعْ إلَيْهِ قِيمَةَ ثَوْبِهِ، فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الْجَوَابُ فِي قَوْلِهِ: " سُرِقَ مِنِّي ". وَأَمَّا قَوْلُهُ: " سَرَقْت أَنْتَ " فَهُوَ مُدَّعٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ الثَّوْبَ بِتَعَدِّيهِ فَالْيَمِينُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا بَيْنَ فَيُوجِبُ أَحَدُهُمَا الضَّمَانَ وَيَبْرَأُ مِنْهُ الْآخَرُ. (لَا إنْ تَخَالَفَا فِي لَتِّ السَّوِيقِ وَأَبَى مَنْ دَفَعَ مَا قَالَهُ اللَّاتُّ فَمِثْلُ سَوِيقِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ لَتَّ سَوِيقًا بِسَمْنٍ وَقَالَ لِرَبِّهِ: أَمَرْتنِي أَنْ أَلُتَّهُ لَكَ بِعَشْرَةٍ وَقَالَ رَبُّهُ: لَمْ آمُرْكَ أَنْ تَلُتَّهُ بِشَيْءٍ، قِيلَ لِصَاحِبِ السَّوِيقِ: إنْ شِئْت فَاغْرَمْ لَهُ مَا قَالَ وَخُذْ السَّوِيقَ مَلْتُوتًا، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلَّاتِّ: اغْرَمْ لَهُ مِثْلَ سَوِيقِهِ غَيْرَ مَلْتُوتٍ وَإِلَّا فَأَسْلِمْهُ إلَيْهِ بِلُتَاتِهِ وَلَا شَيْءَ لَكَ وَيَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِي الطَّعَامِ لِوُجُودِ مِثْلِهِ. (وَلَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 588 وَلِلْجَمَّالِ بِيَمِينٍ فِي عَدَمِ قَبْضِ الْأُجْرَةِ وَإِنْ بَلَغَ الْغَايَةَ إلَّا لِطُولٍ فَلِمُكْرِيهِ بِيَمِينٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا قَالَ الْمُكْتَرِي دَفَعْت الْكِرَاءَ وَأَكْذَبَهُ الْجَمَّالُ وَقَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَمَّالِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ كَانَتْ الْحُمُولَةُ بِيَدِهِ أَوْ بَعْدَهُ إنْ أَسْلَمَهَا بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَمَا قَرُبَ وَعَلَى الْمُكْتَرِي الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَالْمُكْتَرِي مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ قِيَامُ الصُّنَّاعِ بِالْأَجْرِ بِحَدَثَانِ رَدِّ الْمَتَاعِ وَإِنْ قَبَضَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 589 الْمَتَاعَ رَبُّهُ وَتَطَاوَلَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَتَاعِ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ. (وَإِنْ قَالَ بِمِائَةٍ لِبُرْقَةِ وَقَالَ بَلْ لِإِفْرِيقِيَةَ حَلَفَا وَفُسِخَ إنْ عُدِمَ السَّيْرُ أَوْ قَلَّ وَإِنْ نَقَدَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَكَارِيَانِ قَبْلَ الرُّكُوبِ أَوْ بَعْدَ سَيْرٍ لَا ضَرَرَ فِي رُجُوعِهِ فَقَالَ الْمُكْرِي: اكْتَرَيْت إلَى بُرْقَةَ بِمِائَةٍ، وَقَالَ الْمُكْتَرِي بَلْ لِإِفْرِيقِيَةَ بِمِائَةٍ، تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا، نَقَدَ الْكِرَاءَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ. وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ أَنْ بَلَغَا بَرْقَةَ فَقَالَ الْمُكْتَرِي: إنَّمَا أَكْرَيْتُكَ إلَى بُرْقَةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ الْمُكْتَرِي إلَى إفْرِيقِيَّةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ انْتَقَدَ الْكَرِيُّ فَهُوَ مُصَدَّقٌ إنْ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ كِرَاءُ النَّاسِ إلَى بُرْقَةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيَحْلِفُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ إلَّا قَوْلَ الْمُكْتَرِي كَانَ لِلْجَمَّالِ حِصَّةُ مَسَافَةِ بُرْقَةَ عَلَى دَعْوَى الْمُكْتَرِي بَعْدَ أَنْ يَتَحَالَفَا، وَلَا يَلْزَمُهُ التَّمَادِي وَلَوْ لَمْ يَنْتَقِدْ وَأَشْبَهَ مَا قَالَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ تَحَالَفَا وَفُضَّ الْكِرَاءُ بِأَخْذِ الْجَمَّالِ حِصَّةَ مَسَافَةِ بُرْقَةَ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَادَوْا، وَأَيُّهُمَا نَكَلَ قُضِيَ لِمَنْ حَلَفَ. وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً قَبْلَ الرُّكُوبِ أَوْ بَعْدَ أَنْ بَلَغَا بُرْقَةَ قُضِيَ بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ، فَإِنْ رَكِبَ تَكَافَآ وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْ فُسِخَ الْكِرَاءُ كُلُّهُ. ابْنُ يُونُسَ: تَلْخِيصُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيَانُهَا عَلَى أُصُولِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ تَنْظُرَ؛ فَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُ الْكَرِيِّ خَاصَّةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، انْتَقَدَ أَوْ لَمْ يَنْتَقِدْ. وَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْتَرِي خَاصَّةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، نَقَدَ الْكِرَاءَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْ. وَإِنْ أَشْبَهَا مَا قَالَا جَمِيعًا نَظَرْت؛ فَإِنْ انْتَقَدَ الْكِرَاءَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَرِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُكْتَرِي فَيَحْلِفُ وَيَكُونُ لَهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ، وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُكْتَرِي حَلَفَ وَلَزِمَ الْجَمَّالَ مَا قَالَ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا ادَّعَى فَيَكُونَ لَهُ حِصَّةَ مَسَافَةِ بُرْقَةَ عَلَى دَعْوَى الْمُكْتَرِي وَيُفْسَخُ عَنْهُ الْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا وَكَانَ لَهُ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِيمَا مَشَى دَائِمًا وَأَيُّهُمَا نَكَلَ قَضَى لِمَنْ حَلَفَ (وَإِلَّا كَفَوْتِ الْمَبِيعِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ طُولِ السَّفَرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْرِي فِي الْمَسَافَةِ وَقَوْلُ الْمُكْرِي فِي الثَّمَنِ إنْ لَمْ يَنْقُدْ وَكَأَنَّهُمَا فِي الْقُرْبِ سِلْعَتُهُمَا بِأَيْدِيهِمَا لَمْ تَفُتْ، وَإِذَا فَاتَ ذَلِكَ لِبُعْدِ السَّفَرِ فَهُوَ كَقَبْضِ الْمُشْتَرِي وَفَوْتِ مَا بِيَدِهِ وَفَاتَ رَدُّ الْبَيْعِ وَصَارَ يُطْلَبُ بِالثَّمَنِ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ (وَلِلْمُكْرِي فِي الْمَسَافَةِ فَقَطْ إنْ أَشْبَهَ قَوْلُهُ فَقَطْ) . ابْنُ يُونُسَ: إنْ أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْرِي خَاصَّةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا (أَوْ أَشْبَهَا وَانْتُقِدَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ إنْ أَشْبَهَ مَا قَالَا جَمِيعًا نَظَرْت فَإِذَا اُنْتُقِدَ الْكِرَاءُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْرِي (وَإِنْ لَمْ يُنْتَقَدْ حَلَفَ الْمُكْتَرِي وَلَزِمَ الْجَمَّالَ مَا قَالَ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَلَهُ حِصَّةُ الْمَسَافَةِ عَلَى دَعْوَى الْمُكْتَرِي وَفُسِخَ الْبَاقِي وَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَ وَفُسِخَ بِكِرَاءِ الْمِثْلِ فِيمَا مَشَى) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ إنْ أَشْبَهَ مَا قَالَا جَمِيعًا نَظَرْت. فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْتَرِي وَحَلَفَ وَلَزِمَ الْجَمَّالَ مَا قَالَ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَتَكُونُ لَهُ حِصَّةُ مَسَافَةِ بُرْقَةَ عَلَى دَعْوَى الْمُكْتَرِي وَيُفْسَخُ عَنْهُ الْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ قَوْلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 590 وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا وَكَانَ لَهُ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِيمَا مَشَى. (وَإِنْ قَالَ أَكْرَيْتُكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِائَةٍ وَبَلَغَاهَا وَقَالَ بَلْ لِمَكَّةَ بِأَقَلَّ فَإِنْ نَقَدَهُ فَالْقَوْلُ لِجَمَّالٍ فِيمَا يُشْبِهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ قَالَ لِلْمُكْتَرِي أَكْرَيْتُكَ إلَى الْمَدِينَةِ بِمِائَتَيْنِ وَقَدْ بَلَغَاهَا وَقَالَ الْمُكْتَرِي بَلْ إلَى مَكَّةَ بِمِائَةٍ، فَإِنْ نَقَدَهُ الْمِائَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَمَّالِ فِيمَا يُشْبِهُ. ابْنُ يُونُسَ: مَعْنَاهُ إذَا أَشْبَهَ مَا قَالَا جَمِيعًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَحْلِفُ لَهُ الْمُكْتَرِي فِي الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ وَيَحْلِفُ الْجَمَّالُ أَنَّهُ لَمْ يُكْرِ إلَى مَكَّةَ بِمِائَةٍ وَيَتَفَاسَخَانِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْهُ صُدِّقَ الْجَمَّالُ فِي الْمَسَافَةِ وَصُدِّقَ الْمُكْتَرِي فِي حِصَّتِهَا مِنْ الْكِرَاءِ الَّذِي يُذْكَرُ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَيُفَضُّ الْكِرَاءُ عَلَى مَا يَدَّعِي الْمُكْتَرِي، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا، وَإِنْ تَكَافَأَتَا سَقَطَا (وَحَلَفَا وَفُسِخَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَحْلِفُ لَهُ الْمُكْتَرِي وَيَحْلِفُ الْجَمَّالُ وَيُتَفَاسَخَانِ (وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْهُ فَلِلْجَمَّالِ فِي الْمَسَافَةِ وَلِلْمُكْتَرِي فِي حِصَّتِهَا مِمَّا ذُكِرَ بَعْدَ يَمِينِهِمَا) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ يَنْقُدْهُ صُدِّقَ الْجَمَّالُ فِي الْمَسَافَةِ وَصُدِّقَ الْمُكْتَرِي فِي حِصَّتِهَا مِنْ الْكِرَاءِ الَّذِي يُذْكَرُ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا (وَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْرِي فَقَطْ فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ) . ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ: أَمَّا إنْ أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْرِي خَاصَّةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيَحْلِفُ عَلَى دَعْوَى الْمُكْرِي وَيَأْخُذُ الْمِائَتَيْنِ (وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا وَإِلَّا سَقَطَتَا) تَقَدَّمَ قَوْلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 591 ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ أَقَامَا بَيِّنَةً قُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا وَإِنْ تَكَافَأَتَا سَقَطَتَا. (وَإِنْ قَالَ أَكْرَيْتُ عَشْرًا بِخَمْسِينَ وَقَالَ قَائِلٌ خَمْسًا بِمِائَةٍ حَلَفَا وَفُسِخَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا قَالَ الْمُكْتَرِي اكْتَرَيْت الْأَرْضَ عَشْر سِنِينَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَقَالَ رَبُّهَا: بَلْ خَمْسَ سِنِينَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْكِرَاءِ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا (وَإِنْ زَرَعَ بَعْضًا وَلَمْ يَنْقُدْ فَلِرَبِّهَا مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُكْتَرِي إنْ أَشْبَهَ وَحَلَفَ) . ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ كَانَ قَدْ زَرَعَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يَنْقُدْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَلِرَبِّهَا مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُكْتَرِي. ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ خَمْسَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ إنْ أَشْبَهَ أَنْ يَتَغَابَنَ النَّاسُ بِمِثْلِهِ وَيَحْلِفُ (وَإِلَّا فَقَوْلُ رَبِّهَا إنْ أَشْبَهَ) . ابْنُ يُونُسَ: إنْ لَمْ يُشْبِهْ قَوْلُ الزَّارِعِ قُبِلَ قَوْلُ رَبِّهَا مَعَ يَمِينِهِ إنْ أَشْبَهَ وَهُوَ عِشْرُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ إذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 593 تَسَاوَتْ الشُّهُورُ (وَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَا وَوَجَبَ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِيمَا مَضَى وَفُسِخَ الْبَاقِي مُطْلَقًا وَإِنْ نَقَدَ فَتَرَدُّدٌ) . ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ قَوْلُ وَاحِدٍ فَلَهُ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِيمَا مَضَى وَفُسِخَ بَاقِي الْمُدَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنَّمَا فُسِخَتْ بَقِيَّةُ الْخَمْسِ سِنِينَ وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا رَبُّ الْأَرْضِ لِدَعْوَاهُ فِي كِرَائِهَا أَكْثَرَ مِنْ دَعْوَى الْمُكْتَرِي، وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْقُدْ. وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ رَبَّ الْأَرْضِ وَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ مُصَدَّقٌ فِي الْغَايَةِ فِيمَا يُشْبِهُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدْ قَالَ غَيْرُهُ: وَإِنْ انْتَقَدَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهَا مَعَ يَمِينِهِ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَ الْغَيْرُ مُوَافِقٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ. اُنْظُرْهُ فِيهِ. ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 594 [كِتَابُ الْجِعَالَةِ] [فِي أَحْكَامِ الْجِعَالَةِ وَأَرْكَانِهَا] (كِتَابُ الْجِعَالَةِ) وَالنَّظَرِ فِي أَحْكَامِهَا وَأَرْكَانِهَا. أَمَّا الْأَرْكَانُ فَالْمُتَعَاقِدَانِ وَالْعَمَلُ وَالْجُعْلُ. وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَأَرْبَعَةٌ. (صِحَّةُ الْجُعْلِ بِالْتِزَامِ أَهْلِ الْإِجَارَةِ) . ابْنُ شَاسٍ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي مُتَعَاقِدَيْ الْجُعْلِ إلَّا أَهْلِيَّةُ الِاسْتِئْجَارِ وَالْعَمَلِ. (جُعْلًا عُلِمَ) . ابْنُ شَاسٍ: شَرْطُ الْجُعْلِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مُقَدَّرًا كَالْإِجَارَةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لِإِجَارَةٍ أَوْ جُعْلٍ. وَذَكَرَ ابْنُ لُبَابَةَ هَذَا فَقَالَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ الِاسْتِئْجَارُ بِهِ وَأَنْ يُجْعَلَ جُعْلًا. وَمَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِئْجَارُ بِهِ وَلَا جَعْلُهُ جُعْلًا إلَّا خَصْلَتَانِ فِي الَّذِي يَجْعَلُ لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يَغْرِسَ لَهُ أُصُولًا حَتَّى تَبْلُغَ حَدَّ كَذَا ثُمَّ هِيَ وَالْأَصْلُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ نِصْفَ هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَفِي الَّذِي يَقُولُ: اُلْقُطْ زَيْتُونِي فَمَا لَقَطْت مِنْ شَيْءٍ فَلَكَ نِصْفُهُ فَإِنَّ هَذَا يَجُوزُ. ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ وَبَيْعُهُ لَا يَجُوزُ. قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مِائَةُ دِينَارٍ فَيَقُولُ: مَا اقْتَضَيْت مِنْ شَيْءٍ مِنْ دَيْنِي فَلَكَ نِصْفُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُمَا سَوَاءٌ. ابْنُ رُشْدٍ: مَا هُمَا سَوَاءٌ وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُجَاعَلَةُ عَلَى لَقْطِ الزَّيْتُونِ بِالْجُزْءِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَوَّلَهُ أَهْوَنُ مِنْ آخِرِهِ وَالْمُجَاعَلَةُ عَلَى اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ بِالْجُزْءِ مِمَّا يَقْتَضِي، فَأَشْهَبُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 595 لَا يُجِيزُهُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ جَائِزٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فِي الْعَنَاءِ فِي اقْتِضَائِهِ. وَأَمَّا الْحَصَادُ وَالْجِدَادُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي جَوَازِ الْمُجَاعَلَةِ فِيهِ عَلَى الْجُزْءِ مِنْهُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: جُدَّ مِنْ نَخْلِي مَا شِئْت أَوْ اُحْصُدْ مِنْ زَرْعِي مَا شِئْت عَلَى أَنَّ لَكَ مِنْ كُلِّ مَا تَحْصُدُ أَوْ تَجُدُّ جُزْءَ كَذَا لِجُزْءٍ يُسَمِّيهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا. (يَسْتَحِقُّهُ السَّامِعُ) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ جَعَلَ فِي عَبْدٍ لَهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ لِمَنْ جَاءَ بِهِ فَجَاءَ بِهِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ بِالْجُعْلِ، فَإِنْ كَانَ يَأْتِي بِالْآبِقِ فَلَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا نَفَقَتُهُ. وَإِنْ جَاءَ بِهِ مَنْ سَمِعَهُ فَلَهُ الْعَشَرَةُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَأْخُذُ الْآبِقَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ: إنَّ لَهُ الْجُعْلَ الْمُسَمَّى وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْجَاعِلَ إنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ تَحْرِيضَ مَنْ سَمِعَ قَوْلَهُ عَلَى طَلَبِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ مَا سَمَّى مِنْ الْجُعْلِ إلَّا لِمَنْ سَمِعَهُ فَطَلَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ: جَعَلَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ هُوَ الْمَذْهَبَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا تَعَيَّنَ " أَنَّهُ لَا جُعْلَ فِي أَدَاءِ الْأَمَانَاتِ فَمَنْ وَجَدَ ضَالَّةً لَا جُعْلَ لَهُ. (بِالتَّمَامِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ بِعْ ثَمَرَ حَائِطِي وَلَكَ كَذَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُ الْحَائِطِ قُوِّمَ فَسَاوَمُوهُ حَتَّى بَاعَ مِنْهُمْ فَطَلَبَ الرَّجُلُ حَقَّهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ، إنَّمَا جُعِلَ لَهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ وَيُمَاكِسَ فَهَذَا بَايَعَهُمْ وَمَاكِسُهُمْ لَيْسَ هُوَ. (كَكِرَاءِ السُّفُنِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِي حُكْمِ كِرَاءِ السُّفُنِ اضْطِرَابٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ أَنَّهُ عَلَى الْبَلَاغِ كَالْجُعْلِ الَّذِي لَا يَتِمُّ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ كَانَ عَلَى قَطْعِ الْمُوَسَّطَةِ أَوْ الرِّيفِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اكْتَرَى سَفِينَةً فَغَرِقَتْ فِي ثُلُثَيْ الطَّرِيقِ وَغَرِقَ مَا فِيهَا مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 596 طَعَامٍ وَغَيْرِهِ فَلَا كِرَاءَ لِرَبِّهَا، وَأَرَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْبَلَاغِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عِمْرَانَ: كَانَ كِرَاؤُهُمْ عَلَى قَطْعِ الْبَحْرِ مِثْلَ السَّفَرِ مِنْ صِقِلِّيَةَ إلَى إفْرِيقِيَّةَ إلَى الْأَنْدَلُسِ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ مِنْ الْكِرَاءِ، وَإِنْ كَانَ كِرَاؤُهُمْ مِنْ الرِّيفِ مِثْلَ الْكِرَاءِ مِنْ مِصْرَ إلَى إفْرِيقِيَةَ وَشِبْهِهِ فَلَهُمْ بِحِسَابِ مَا سَارُوا، وَبِهَذَا كَانَ أَصْبَغُ يَقُولُ. وَتَرْجَمَ اللَّخْمِيِّ عَلَى كِرَاءِ السُّفُنِ فَقَالَ: إنَّهُ جُعْلٌ وَإِجَارَةٌ. اُنْظُرْهُ فِيهِ وَيَسْقُطُ بِتَرْكِهِ. (إلَّا أَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَى التَّمَامِ فَبِنَسَبِهِ الثَّانِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَالْجُعْلُ يَدَّعِيهِ الْعَامِلُ مَتَى شَاءَ وَلَا شَيْءَ لَهُ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَنْتَفِعَ الْجَاعِلُ بِمَا عَمِلَ لَهُ الْمَجْعُولُ لَهُ مِثْلُ أَنْ يَجْعَلَ جُعْلًا عَلَى حَمْلِ خَشَبَةٍ إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَيَتْرُكُهَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَيَسْتَأْجِرُ رَبُّهَا مَنْ يَأْتِيهِ بِهَا، أَوْ يَعْجِزُ عَنْ حَفْرِ الْبِئْرِ بَعْدَ أَنْ ابْتَدَأَ فِيهَا ثُمَّ جَعَلَ صَاحِبُهُ الْآخَرَ فَأَتَمَّهَا، فَهَذَا يَكُونُ لِلثَّانِي جَمِيعُ إجَارَتِهِ الَّتِي عَاقَدَهُ عَلَيْهَا وَيَكُونُ لِلْأَوَّلِ بِقَدْرِ مَا انْتَفَعَ بِهِ الْجَاعِلُ مِمَّا حُطَّ عَلَيْهِ مِنْ جُعْلِ الثَّانِي أَوْ إجَارَتِهِ. وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ لَوْ كَانَ جُعْلُ الْأَوَّلِ خَمْسَةً وَجُعْلُ الثَّانِي عَشَرَةً بَعْدَ أَنْ أَبْلَغَهَا الْأَوَّلُ نِصْفَ الطَّرِيقِ أَوْ نِصْفَ الْحَفْرِ فِي الْبِئْرِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَأْخُذُ عَشَرَةً؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَنُوبُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ إجَارَةِ الثَّانِي لَمَّا اُسْتُؤْجِرَ نِصْفَ الطَّرِيقِ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنَّ قِيمَةَ إجَارَتِهِ يَوْمَ اُسْتُؤْجِرَ عِشْرُونَ، فَيَسْقُطُ عَنْ الْجَاعِلِ عَشَرَةٌ هِيَ الَّتِي يَغْرَمُهَا لِلْأَوَّلِ. ابْنُ يُونُسَ: اُنْظُرْ فِي الْأَوَّلِ قَدْ رَضِيَ أَنْ يَحْمِلَهَا جَمِيعَ الطَّرِيقِ بِخَمْسَةٍ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُعْطِيَ لَهُ نِصْفَهَا؛ لِأَنَّهُ حَمَلَهَا نِصْفَ الطَّرِيقِ، وَلِأَنَّ الْمُغَابَنَةَ جَائِزَةٌ فِي الْجُعْلِ وَغَيْرِهِ. (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ وَلَوْ بِحُرِّيَّةِ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: وَمَنْ جَعَلَ لِرَجُلٍ فِي عَبْدٍ آبِقٍ لَهُ جُعْلًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ فُقِئَتْ عَيْنُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ بِهِ إلَى رَبِّهِ فَصَارَ لَا يَسْوَى الْجُعْلَ أَوْ نَزَلَ بِهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَجِدَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ، فَلَهُ جُعْلُهُ كَامِلًا وَلَا يُنْظَرُ أَزَادَ الْعَبْدُ أَوْ نَقَصَ، وَقَالَهُ مَالِكٌ. قَالَ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 597 وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بِهِ إلَى رَبِّهِ حَتَّى اسْتَحَقَّهُ مُسْتَحِقٌّ فَالْجُعْلُ عَلَى الْجَاعِلِ لَيْسَ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ اُسْتُحِقَّ بِالْحُرِّيَّةِ فَالْجَعْلُ عَلَى الْجَاعِلِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ. قَالَ أَصْبَغُ: وَلَا عَلَى أَحَدٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرْجِعَ الْجَاعِلُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ بِالْأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ مِنْ جُعْلِ مِثْلِهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 598 (بِخِلَافِ مَوْتِهِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: مَوْتُ الْآبِقِ قَبْلَ إيصَالِهِ يُسْقِطُ جُعْلَهُ لِعَدَمِ تَمَامِ عَمَلِهِ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَنْ جَعَلَ عَلَى آبِقٍ جُعْلًا ثُمَّ أَعْتَقَ فَلَا شَيْءَ لِمَنْ وَجَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعِتْقِهِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ أَنْ وَجَدَهُ فَلَهُ جُعْلُهُ، فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا فَذَلِكَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ وَجَبَ لَهُ الْجُعْلُ. (بِلَا تَقْدِيرِ زَمَنٍ إلَّا بِشَرْطِ تَرْكٍ مَتَى شَاءَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْإِجَارَةُ تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَلَا تَجُوزُ إلَّا بِأَجَلٍ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا التَّرْكُ حَتَّى يَتِمَّ الْأَجَلُ بِخِلَافِ ذَلِكَ الْعَامِلِ مَتَى شَاءَ وَلَا يَكُونُ مُؤَجَّلًا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ قَالَ: بِعْ هَذَا الثَّوْبَ وَلَكَ دِرْهَمٌ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَقَّتَ لَهُ فِي الثَّوْبِ ثَمَنًا أَمْ لَا، وَهُوَ جُعْلٌ. فَإِنْ قَالَ: الْيَوْمَ لَمْ يَصْلُحْ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَتْرُكَ مَتَى شَاءَ. (وَلَا نَقْدٍ) ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَصْلُحُ الْأَجَلُ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 599 الْجُعْلِ وَلَا النَّقْدُ فِيهِ (مُشْتَرَطٍ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَنَقْدُهُ كَالْخِيَارِ. (فِي كُلِّ مَا جَازَ فِيهِ الْإِجَارَةُ بِلَا عَكْسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَكِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: كُلُّ مَا جَازَ فِيهِ الْجُعْلُ جَازَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ، وَلَيْسَ كُلَّمَا جَازَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ يَجُوزُ فِيهِ الْجُعْلُ. اُنْظُرْ بَسْطَ هَذِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " جُعْلًا عُلِمَ ". (وَلَوْ فِي الْكَثِيرِ إلَّا كَبَيْعِ سِلَعٍ) سَيَأْتِي مَعْنَى الْكَافِ عِنْدَ النَّصِّ بَعْدَ هَذَا. ابْنُ الْمَوَّازِ: يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ الْجُعْلُ عَلَى الشِّرَاءِ فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ الْجُعْلُ فِي شِرَاءِ كَثِيرِ الثِّيَابِ بِخِلَافِ بَيْعِهَا (لَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا بِالْجَمْعِ) . ابْنُ يُونُسَ: حُكِيَ لَنَا عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ فِي مَنْعِ الْجُعْلِ عَلَى بَيْعِ كَثِيرِ السِّلَعِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَبِيعَ الْجَمِيعَ هَكَذَا الْعُرْفُ عِنْدَهُمْ. وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى أَنَّ مَا بَاعَ فَلَهُ قَدْرُهُ مِنْ الْإِجَارَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَعَلَى أَنَّهُ إنْ شَاءَ تَرَكَ بَقِيَّةَ الثِّيَابِ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ الثِّيَابَ إلَيْهِ فَيَجُوزُ. قَالَ: وَقَوْلُهُ فِي الْجُعْلِ عَلَى شِرَاءِ كَثِيرِ السِّلَعِ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا اشْتَرَى أُخِذَ بِحِسَابِهِ هَكَذَا الْعُرْفُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا. وَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا بِشِرَاءِ الْجَمِيعِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَالْجُعْلُ عَلَى الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. (وَفِي شَرْطِ مَنْفَعَةٍ لِلْجَاعِلِ قَوْلَانِ) . ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ هَلْ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْجُعْلِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْجَاعِلِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ انْتَهَى. وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ يُونُسَ إلَّا مَا نَصُّهُ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَنْ جَعَلَ لِرَجُلٍ جُعْلًا عَلَى أَنْ يَرْقَى إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْجَبَلِ سَمَّاهُ لَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ الْجُعْلُ إلَّا فِيمَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْجَاعِلُ، يُرِيدُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. وَمِنْ ابْنِ عَاتٍ: لَا يَجُوزُ الْجُعْلُ عَلَى إخْرَاجِ الْجَانِّ مِنْ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ حَقِيقَتُهُ وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْوَرَعِ الدُّخُولُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْجُعْلُ عَلَى حَلِّ الْمَرْبُوطِ وَالْمَسْحُورِ. اُنْظُرْ الْإِكْمَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» . وَانْظُرْ ابْنَ الْعَرَبِيِّ عِنْدَ تَكَلُّمِهِ عَلَى (وَلِمَنْ لَمْ يَسْمَعْ جُعْلُ مِثْلِهِ إنْ اعْتَادَهُ) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ. (كَحَلِفِهَا بَعْدَ تَخَالُفِهِمَا) . ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ تَنَازَعَا فِي قَدْرِ الْجُعْلِ تَحَالَفَا وَوَجَبَ جُعْلُ الْمِثْلِ. ابْنُ عَرَفَةَ: تَبِعَ فِي هَذَا ابْنَ شَاسٍ وَالْأَظْهَرُ تَخْرِيجُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِهَا فِي الْقِرَاضِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ إنْ أَتَى بِمَا يُشْبِهُ. (وَلِرَبِّهِ تَرْكُهُ وَإِلَّا فَالنَّفَقَةُ) لَوْ قَالَ: " وَلِمَنْ لَمْ يَسْمَعْ جُعْلُ مِثْلِهِ إنْ اعْتَادَهُ وَإِلَّا فَالنَّفَقَةُ وَلِرَبِّهِ تَرْكُهُ " لَتَنَزَّلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَمَنْ وَجَدَ آبِقًا فَطَلَبَ جُعْلًا عَلَى أَخْذِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: إنْ لَمْ يَكُنْ شَأْنُهُ يَطْلُبُ الضَّوَالَّ فَلَا جُعْلَ لَهُ وَلَهُ نَفَقَتُهُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إلَّا أَنْ يَتْرُكَهُ رَبُّهُ فَلَا يُلْزِمَهُ أَنْ يُعْطِيَ نَفَقَتَهُ. (فَإِنْ أَفْلَتَ فَجَاءَ بِهِ آخَرُ فَلِكُلٍّ نِسْبَتُهُ) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ جَعَلَ جُعْلًا لِرَجُلٍ عَلَى آبِقٍ فَانْقَلَبَ بِهِ فَأَفْلَتَ فَأَخَذَهُ آخَرُ فَأَتَى بِهِ: إنْ أَفْلَتَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 600 بَعِيدًا مِنْ مَكَانِ سَيِّدِهِ فَكُلُّ الْجُعْلِ لِلثَّانِي وَلَا شَيْءَ فِيهِ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ أَفْلَتَ قَرِيبًا مِنْهُ فَالْجُعْلُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ شُخُوصِ كُلٍّ مِنْهُمَا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا أَبْيَنُ؛ لِأَنَّ الْمَجْعُولَ لَهُ الثَّانِي هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِعَمَلِ الْأَوَّلِ إذَا أَفْلَتَ بِالْقُرْبِ بِخِلَافِ الْمُجَاعَلَةِ عَلَى حَفْرِ الْآبَارِ. وَانْظُرْ قَبْلُ قَوْلَهُ: " وَإِنْ اسْتَحَقَّ ". (وَإِنْ جَاءَ بِهِ ذُو دِرْهَمٍ وَذُو أَقَلَّ اشْتَرَكَا فِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ جَعَلَ لِرَجُلَيْنِ فِي عَبْدٍ أَبَقَ مِنْهُ جُعْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِوَاحِدٍ إنْ أَتَى بِهِ عَشَرَةٌ، وَلِلْآخَرِ إنْ أَتَى بِهِ خَمْسَةٌ، فَأَتَيَا جَمِيعًا بِهِ فَالْعَشَرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ جُعْلَ أَحَدِهِمَا مِثْلُ جُعْلِ الْآخَرِ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ مَا جُعِلَ لَهُ. (وَلِكِلَيْهِمَا الْفَسْخُ وَلَزِمَتْ الْجَاعِلَ بِالشُّرُوعِ) ابْنُ يُونُسَ: لِلْجَاعِلِ أَنْ يَفْسَخَ الْجِعَالَةَ إذَا لَمْ يَشْرَعْ الْمَجْعُولُ لَهُ فِي الْعَمَلِ. وَأَمَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْعَامِلُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَهُ أَنْ يَدَعَ الْجِعَالَةَ مَتَى شَاءَ وَلَا شَيْءَ لَهُ. (وَفِي الْفَاسِدِ جُعْلُ الْمِثْلِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ مُطْلَقًا فَأُجْرَتُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: فِي رَدِّ فَاسِدِ الْجُعْلِ لِحُكْمِ نَفْسِهِ فَيَجِبُ جُعْلُ مِثْلِهِ، إنْ تَمَّ عَمَلُهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ أَوْ لِلْإِجَارَةِ فَيَجِبُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ ثَالِثُهَا لِلْأَوَّلِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، وَلِلثَّانِي فِي بَعْضٍ كَالْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي الْقِرَاضِ. [كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ] [بَابٌ مِلْكِ الْأَرْضِ بِالْإِحْيَاءِ] [فَصْلٌ فِيمَا يُمْلَكُ مِنْ الْأَرْضِينَ] (كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) ابْنُ شَاسٍ: وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ فِي مِلْكِ الْأَرْضِ بِالْإِحْيَاءِ وَفِيهِ فَصْلَانِ: مَا يُمْلَكُ مِنْ الْأَرْضِينَ وَكَيْفِيَّةُ الْإِحْيَاءِ. الْبَابُ الثَّانِي: فِي الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي الْبِقَاعِ كَالشَّوَارِعِ وَالْمَسَاجِدِ. الْبَابُ الثَّالِثُ: فِي الْأَعْيَانِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ الْأَرْضِ كَالْمَعْدِنِ وَالْمِيَاهِ (مَوَاتُ الْأَرْضِ مَا سَلِمَ مِنْ الِاخْتِصَاصِ) رَوَى ابْنُ غَانِمٍ: مَوَاتُ الْأَرْضِ هِيَ الَّتِي لَا نَبَاتَ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [فاطر: 9] فَلَا يَصِحُّ الْإِحْيَاءُ إلَّا فِي الْبُورِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمَوَاتُ الْأَرْضُ الْمُنْفَكَّةُ عَنْ الِاخْتِصَاصِ اهـ وَانْظُرْ جَرْيَةَ الْوَادِي إذَا انْصَرَفَ الْوَادِي عَنْهَا إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى أَوْ جَفَّ الْوَادِي أَوْ انْقَطَعَ هَلْ يَكُونُ مَوْضِعُ جَرْيَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوَاتِ؟ وَكَيْفَ لَوْ كَانَتْ فِي عُدْوَتَيْ النَّهْرِ أَرْضٌ لِقَوْمٍ. اُنْظُرْهُ فِي آخِرِ الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 601 وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّهُ لِلَّذِينَ يَلُونَهُ مِنْ جِهَتِهِ وَلَا يَكُونُ مَوَاتًا. وَانْظُرْ سَمَاعَ عِيسَى مِنْ كِتَابِ السِّدَادِ وَالْأَنْهَارِ (بِعِمَارَةِ) ابْنُ شَاسٍ: الِاخْتِصَاصُ أَنْوَاعٌ: الْأَوَّلُ الْعِمَارَةُ فَلَا يَتَمَلَّكُ بِلَا إحْيَاءِ الْمَعْمُورِ (وَلَوْ انْدَرَسَتْ) الْبَاجِيُّ: مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا لَمْ يَرْتَفِعْ مِلْكُهُ بِانْدِرَاسِهَا اتِّفَاقًا. (إلَّا لِإِحْيَاءٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى دَثَرَتْ وَطَالَ زَمَانُهَا وَهَلَكَتْ أَشْجَارُهَا وَتَهَدَّمَتْ آبَارُهَا وَعَادَتْ كَأَوَّلِ مَرَّةٍ ثُمَّ أَحْيَاهَا غَيْرُهُ فَهِيَ لِمُحْيِيهَا آخِرًا. ابْنُ يُونُسَ: قِيَاسًا عَلَى الصَّيْدِ إذَا أَفْلَتَ وَلَحِقَ بِالْوَحْشِ وَطَالَ زَمَانُهُ فَهُوَ لِلثَّانِي. قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا إذَا أَحْيَا فِي غَيْرِ أَصْلٍ كَانَ لَهُ، فَأَمَّا مَنْ مَلَكَ أَرْضًا بِهِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ ثُمَّ أَسْلَمَهَا فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَهَا. وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: مَنْ اشْتَرَى صَيْدًا ثُمَّ نَدَّ وَاسْتَوْحَشَ وَلَحِقَ بِالْوَحْشِ أَنَّهُ لِمَنْ صَادَهُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ اشْتَرَاهُ لِمَنْ صَادَهُ لِمَا وُجِدَ فِيهِ مِنْ التَّوَحُّشِ. (وَبِحَرِيمِهَا) ابْنُ شَاسٍ: النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الِاخْتِصَاصِ أَنْ يَكُونَ حَرِيمَ عِمَارَةٍ فَيَخْتَصُّ بِهِ صَاحِبُ الْعِمَارَةِ وَلَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ (كَمُحْتَطَبٍ وَمَرْعًى يَلْحَقُ غُدُوًّا وَرَوَاحًا لِبَلَدٍ) ابْنُ شَاسٍ: حَرِيمُ الْبَلْدَةِ مَا كَانَ قَرِيبًا مِنْهَا تَلْحَقُهُ مَوَاشِيهَا فِي الرَّعْيِ فِي غُدُوِّهَا وَرَوَاحِهَا وَهُوَ لَهُمْ مَسْرَحٌ وَمُحْتَطَبٌ فَهُوَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 602 حَرِيمُهَا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ إحْيَاؤُهُ. . (وَمَا لَا يُضَيِّقُ عَلَى وَارِدٍ وَلَا يَضُرُّ بِمَاءِ بِئْرٍ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا الْبِئْرُ فَلَيْسَ لَهَا حَرِيمٌ مَحْدُودٌ لِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ بِالرَّخَاوَةِ وَالصَّلَابَةِ، وَلَكِنْ حَرِيمُهَا مَا لَا ضَرَرَ مَعَهُ عَلَيْهَا وَهُوَ مِقْدَارُ مَا لَا يَضُرُّ بِمَائِهَا وَلَا يُضَيِّقُ مُنَاخَ إبِلِهَا وَلَا مَرَابِضَ مَوَاشِيهَا عِنْدَ الْوُرُودِ، وَلِأَهْلِ الْبِئْرِ مَنْعُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ أَوْ يَبْنِيَ بِئْرًا فِي ذَلِكَ الْحَرِيمِ. (وَمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِكَنَخْلَةٍ) سَأَلَ ابْنُ غَانِمٍ مَالِكًا عَنْ حَرِيمِ النَّخْلَةِ فَقَالَ: قَدْرُ مَا يُرَى أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَتَهَا وَيَتْرُكُ مَا أَضَرَّ بِهَا وَيُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ، وَقَدْ قَالُوا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا مِنْ نَوَاحِيهَا كُلِّهَا إلَى عَشْرَةِ أَذْرُعٍ وَذَلِكَ حَسَنٌ، وَيُسْأَلُ عَنْ الْكَرْمِ أَيْضًا وَعَنْ كُلِّ شَجَرَةٍ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ فَيَكُونُ لِكُلِّ شَجَرَةٍ بِقَدْرِ مَصْلَحَتِهَا. (وَمَطْرَحِ تُرَابٍ وَمَصَبِّ مِيزَابٍ لِدَارٍ) ابْنُ شَاسٍ: حَرِيمُ الدَّارِ الْمَحْفُوفَةِ بِالْمَوَاتِ مَا يُرْتَفَقُ بِهِ مِنْ مَطْرَحِ تُرَابٍ أَوْ مَصَبِّ مِيزَابٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَسَائِلُ الْمَذْهَبِ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَلَا تَخْتَصُّ مَحْفُوفَةٌ بِأَمْلَاكٍ وَلِكُلٍّ الِانْتِفَاعُ مَا لَمْ يَضُرَّ. ابْنُ شَاسٍ: الْمَحْفُوفَةُ بِأَمْلَاكٍ لَا تَخْتَصُّ وَلِكُلٍّ الِانْتِفَاعُ بِمِلْكِهِ وَحَرِيمِهِ. (وَبِإِقْطَاعٍ) ابْنُ شَاسٍ: النَّوْعُ الْآخَرُ مِنْ أَنْوَاعِ الِاخْتِصَاصِ إذَا أَقْطَعَ الْإِمَامُ رَجُلًا أَرْضًا كَانَتْ مِلْكًا وَإِنْ لَمْ يَعْمُرْهَا وَلَا عَمِلَ فِيهَا شَيْئًا يَبِيعُ وَيَهَبُ وَيَتَصَرَّفُ وَتُورَثُ عَنْهُ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْإِحْيَاءِ بِسَبِيلٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَمْلِيكٌ مُجَرَّدٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْمَهَامِهِ أَوْ الْفَيَافِيِ أَوْ قَرِيبَةً مِنْ الْعُمْرَانِ. (وَلَا بِقَطْعِ مَعْمُورِ الْعَنْوَةِ مِلْكًا) سَحْنُونَ: مَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ مِنْ مَوَاتٍ وَشَعَارِي لَمْ يُعْمَلْ وَلَا جَرَى فِيهَا مِلْكٌ لِأَحَدٍ فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا. الْبَاجِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ مَوَاتِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ وَغَيْرِهَا هِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ شِرَاءُ أَرْضِ مِصْرَ وَلَا تُقْطَعُ لِأَحَدٍ. قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: لِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً. ابْنُ رُشْدٍ: الْإِقْطَاعُ يَكُونُ فِي الْبَرَارِي وَالْمَعْمُورِ إلَّا مَعْمُورَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ الَّتِي حُكْمُهَا أَنْ تَكُونَ مَوْقُوفَةً. ابْنُ عَرَفَةَ: يُرِيدُ إقْطَاعَ تَمْلِيكٍ، وَأَمَّا إقْطَاعُهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا مُدَّةً فَجَائِزٌ. قَالَهُ الطُّرْطُوشِيُّ وَغَيْرُهُ. (وَبِحِمَى إمَامٍ مُحْتَاجًا إلَيْهِ قَلَّ مِنْ بَلَدٍ عَفَا لِكَغَزْوٍ) ابْنُ شَاسٍ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 603 النَّوْعُ الْآخَرُ مِنْ أَنْوَاعِ الِاخْتِصَاصِ الْحِمَى. الْبَاجِيُّ: هُوَ أَنْ يَحْمِيَ مَوْضِعًا لَا يَقَعُ فِيهِ التَّضْيِيقُ عَلَى النَّاسِ لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ لِذَلِكَ لِمَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ وَالْخَيْلِ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: يَقُومُ مِنْ هَذَا طُولُ تَأْخِيرِ صَرْفِ الزَّكَاةِ لِمَصْلَحَةٍ. (وَافْتَقَرَ لِإِذْنٍ وَإِنْ مُسْلِمًا إنْ قَرُبَ) ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ فِي الْقُرْبِ الَّذِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 613 لَا ضَرَرَ فِي إحْيَائِهِ عَلَى أَحَدٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ. اُنْظُرْ حُكْمَ الذِّمِّيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَوْ ذِمِّيًّا ". (وَإِلَّا فَلِلْإِمَامِ إمْضَاؤُهُ أَوْ جَعْلُهُ مُتَعَدِّيًا) الْبَاجِيُّ: إذَا قُلْنَا لَا يُحْيِي مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَأَحْيَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَالَ مَالِكٌ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ، فَإِنْ رَأَى إنْفَاذَهُ فَعَلَ وَإِلَّا أَزَالَهُ وَأَعْطَاهُ غَيْرَهُ أَوْ بَاعَهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ. (بِخِلَافِ الْبَعِيدِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِحْيَاءُ فِي بَعِيدِ الْمَوَاتِ فِي افْتِقَارِهِ لِإِذْنِ الْإِمَامِ طَرِيقَانِ. اللَّخْمِيِّ وَابْنُ رُشْدٍ: لَا يَفْتَقِرُ. (وَلَوْ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) الْبَاجِيُّ: إنْ أَحْيَا ذِمِّيٌّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هِيَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَإِنَّمَا يُحْيِي الذِّمِّيُّ ذَلِكَ فِيمَا بَعُدَ، وَأَمَّا مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ فَيُخْرَجُ عَنْهُ وَيُعْطَى قِيمَةَ مَا عَمَّرَ؛ لِأَنَّ مَا قَرُبَ بِمَنْزِلَةِ الْفَيْءِ وَلَا حَقَّ لِلذِّمِّيِّ فِي الْفَيْءِ، وَكَذَلِكَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَالْحِجَازَ كُلَّهُ وَالنُّجُودَ وَالْيَمَنَ. قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَلَوْ قِيلَ إنَّ حُكْمَهُمْ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَبْعُدْ كَمَا كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ فِيمَا بَعُدَ. رَاجِعْ الْمُنْتَقَى. [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ] (وَالْإِحْيَاءُ بِتَفْجِيرِ مَاءٍ وَبِإِخْرَاجِهِ وَبِبِنَاءٍ وَبِغَرْسٍ وَبِحَرْثٍ وَتَحْرِيكِ أَرْضٍ وَبِقَطْعِ شَجَرٍ وَبِكَسْرِ حَجَرِهَا وَتَسْوِيَتِهَا) الْبَاجِيُّ: أَمَّا صِفَةُ الْإِحْيَاءِ فَقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 615 مَالِكٌ: إحْيَاءُ الْأَرْضِ أَنْ يَحْفِرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ يُجْرِيَ عَيْنًا أَوْ يَغْرِسَ شَجَرًا أَوْ يَبْنِيَ أَوْ يَحْرُثَ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ إحْيَاءٌ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ. عِيَاضٌ: اُتُّفِقَ عَلَى سَبْعَةٍ: تَفْجِيرِ الْمَاءِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْ غَامِرٍ هَابَهُ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالْحَرْثِ وَمِثْلُهُ تَحْرِيكُ الْأَرْضِ بِالْحَفْرِ وَقَطْعِ شَجَرِهَا وَسَابِعُهَا كَسْرُ حَجَرِهَا وَتَسْوِيَةُ حُفَرِهَا وَتَعْدِيلُ أَرْضِهَا. (لَا بِتَحْوِيطٍ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ التَّحْجِيرُ إحْيَاءً. قَالَ أَشْهَبُ: فَمَنْ حَجَّرَ أَرْضًا مَوَاتًا بَعِيدَةً فَلَا يَكُونُ أَوْلَى بِهَا حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ حَجَّرَهَا لِيَعْمَلَ فِيهَا إلَى أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ لَا يُمْكِنُهُ الْعَمَلُ لِيُبْسِ الْأَرْضِ وَإِخْلَاءِ الْأُجَرَاءِ وَنَحْوِهِ، فَأَمَّا مَنْ حَجَّرَ مَا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ فَلَهُ مِنْهُ مَا عَمَّرَ. (وَرَعْيِ كَلَإٍ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: لَا يَكُونُ الرَّعْيُ إحْيَاءً. الْبَاجِيُّ: وَجْهُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَثَرٌ بَاقٍ فِي الْأَرْضِ. (وَحَفْرُ بِئْرِ مَاشِيَةٍ) الْبَاجِيُّ: لَيْسَ حَفْرُ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ إحْيَاءً. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. [بَاب الْمَنَافِع الْمُشْتَرَكَة فِي الْبِقَاع كَالشَّوَارِعِ وَالْمَسَاجِد] (وَجَازَ بِمَسْجِدٍ سُكْنَى لِرَجُلٍ تَجَرَّدَ لِلْعِبَادَةِ) ابْنُ شَاسٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَّخَذَ الْمَسْجِدُ مَسْكَنًا إلَّا رَجُلٌ تَجَرَّدَ لِلْعِبَادَةِ فِيهِ بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَإِحْيَائِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ فِيهِ دَائِمًا دَهْرَهُ إنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ. (وَعَقْدُ نِكَاحٍ) تَقَدَّمَ فِي الِاعْتِكَافِ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَنْكِحَ بِمَجْلِسِهِ. (وَقَضَاءُ دَيْنٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ خِفَّةَ كُتُبِ ذِكْرِ الْحَقِّ بِالْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَطُلْ وَجَوَازَ قَضَاءِ الْحَقِّ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّجْرِ وَالصَّرْفِ. (وَقَتْلُ عَقْرَبٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ كَرَاهَةَ قَتْلِ الْقَمْلَةِ أَوْ دَفْنِهَا فِي الْمَسْجِدِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَتْلُ الْبُرْغُوثِ أَخَفُّ عِنْدَهُ. اللَّخْمِيِّ: الْبُرْغُوثُ مِنْ دَوَابِّ الْأَرْضِ لَا بَأْسَ بِطَرْحِهِ بِهِ وَتُقْتَلُ بِالْمَسْجِدِ الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ. (وَنَوْمٌ بِقَائِلَةٍ) ابْنُ شَاسٍ: خُفِّفَ فِي الْقَائِلَةِ النَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ نَهَارًا لِلْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ. (وَتَضْيِيفٌ بِمَسْجِدِ بَادِيَةٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْأَقْتَابِ بِكُلِّ مَسْجِدٍ لِضِيَافَةِ مَنْ أَتَى يُرِيدُ الْإِسْلَامَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ بَأْسًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 616 بِأَكْلِ الرُّطَبِ الَّتِي تُجْعَلُ فِي الْمَسَاجِدِ. ابْنُ رُشْدٍ: فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغُرَبَاءَ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَأْوًى يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَأْوُوا إلَى الْمَسَاجِدِ وَيَبِيتُوا فِيهَا وَيَأْكُلُوا فِيهَا مَا أَشْبَهَ التَّمْرَ مِنْ الطَّعَامِ الْجَافِّ، وَقَدْ خَفَّفَ مَالِكٌ أَيْضًا لِلضِّيفَانِ الْمَبِيتَ وَالْأَكْلَ فِي مَسَاجِدِ الْقُرَى بِمَعْنَى أَنَّ الْبَانِيَ لَهَا لِلصَّلَاةِ فِيهَا يَعْلَمُ أَنَّ الضِّيفَانَ يَبِيتُونَ فِيهَا لِضَرُورَتِهِمْ إلَى ذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَدْ بَنَاهَا لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ بِنَائِهِ لَهَا إنَّمَا هُوَ لِلصَّلَاةِ فِيهَا لَا لِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ مَبِيتِ الضِّيفَانِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْزِلٌ أَنْ يَبِيتَ فِي الْمَسْجِدِ. (وَإِنَاءٌ لِبَوْلٍ إنْ خَافَ سَبُعًا) ابْنُ عَرَفَةَ: فَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ بِسَعَةِ إدْخَالِ مَنْ لَا غِنَى لَهُ عَنْ مَبِيتِهِ بِالْمَسْجِدِ مِنْ سَدَنَتِهَا لِحِرَاسَتِهَا وَمَنْ اُضْطُرَّ لِلْمَبِيتِ بِهَا مِنْ شَيْخٍ ضَعِيفٍ وَزَمِنٍ وَمَرِيضٍ وَرَجُلٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ لَيْلًا لِلْمَطَرِ وَالرِّيحِ وَالظُّلْمَةِ ظُرُوفٍ بِهَا لِلْبَوْلِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا يُحْرَسُ بِهَا اتِّخَاذُهُ بِهَا غَيْرُ وَاجِبٍ وَصَوْنُهَا عَنْ ظُرُوفِ الْبَوْلِ وَاجِبٌ، وَلَا يُدْخَلُ فِي نَفْلٍ بِمَعْصِيَةٍ. رَوَى الْخَطَّابِيُّ جَوَازَ دُخُولِ الْجُنُبِ الْمَسْجِدَ عَابِرًا وَأَجَازَهُ ابْنُ مَسْلَمَةَ فَأَلْزَمهُ اللَّخْمِيِّ الْحَائِضَ. عِيَاضٌ: بَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِلدَّمِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَعَلَّ ابْنَ مَسْلَمَةَ يُجِيزُهُ مَسْتُورًا دَمُهُ بَعْضُهُ. ذَكَرَ اللَّخْمِيِّ عَنْ أَحَدِ نَقْلَيْ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصِرِ. (كَمَنْزِلٍ تَحْتَهُ وَمُنِعَ عَكْسُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَنَى مَسْجِدًا وَبَنَى فَوْقَهَا بَيْتًا فَلَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَسْكَنًا يُجَامِعُ فِيهِ وَيَأْكُلُ. قَالَ مَالِكٌ: وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ تَحْتَ الْمَسْجِدِ وَيُورَثُ الْبُنْيَانُ الَّتِي تَحْتَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 617 الْمَسْجِدِ وَلَا يُورَثُ الْمَسْجِدُ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ قَدْ أَبَاحَهُ لِلنَّاسِ. (كَإِخْرَاجِ رِيحٍ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ بِالْمَسْجِدِ إحْدَاثُ الرِّيحِ. (وَمُكْثٍ بِنَجِسٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي خُرُوجِ مَنْ رَأَى بِثَوْبِهِ كَثِيرَ دَمٍ سَاتِرَ نَجَاسَتِهِ بِبَعْضِهِ نَقْلًا اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ وَغَيْرِهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِوُضُوءٍ طَاهِرٍ بِصَحْنِ الْمَسْجِدِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ سَحْنُونٍ لَا يَجُوزُ أَحْسَنُ لِمَا يَسْقُطُ مِنْ غُسَالَةِ الْأَعْضَاءِ، وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ الْوُضُوءَ بِالْمَسْجِدِ وَإِنْ جَعَلَهُ فِي طَسْتٍ. عِيَاضٌ: قَرَأَ لُقْمَانُ بْنُ يُوسُفَ عَلَى أَصْحَابِ سَحْنُونٍ وَكَانَ حَافِظًا لِمَذْهَبِ مَالِكٍ مُفْتِيًا ثِقَةً صَالِحًا غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي يَوْمِ مَطَرٍ بِجَامِعِ تُونِسَ فَأَنْكَرَ إنْسَانٌ عَلَيْهِ فَقَالَ لُقْمَانُ: عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ يَتَوَضَّأُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهَذَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَغْسِلَ رِجْلِي فِي جَامِعِ تُونِسَ. وَرَوَى الشَّيْخُ: يُكْرَهُ السِّوَاكُ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَأْخُذُ الْمُعْتَكِفُ بِالْمَسْجِدِ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ وَإِنْ جَمَعَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 618 وَأَلْقَاهُ. (وَكُرِهَ أَنْ يَبْصُقَ بِأَرْضِهِ وَيَحُكَّهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَبْصُقُ أَحَدٌ بِحَصِيرِ الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الصَّلَاةِ وَيُدَلِّكَ بِرِجْلِهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْصُقَ تَحْتَ الْحَصِيرِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ غَيْرَ مُحَصَّبٍ فَلَا يَبْصُقُ تَحْتَ قَدِمَهُ وَيَحُكَّهُ بِرَجُلِهِ لِمَنْزِلَةِ الْحَصِيرِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مُحَصَّبًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْصُقَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَتَحْتَ قَدَمِهِ وَيَدْفِنَهُ، وَيُكْرَهَ أَنْ يَبْصُقَ أَمَامَهُ فِي حَائِطِ الْقِبْلَةِ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ رَجُلٌ وَعَنْ يَسَارِهِ رَجُلٌ فِي الصَّلَاةِ بَصَقَ أَمَامَهُ وَدَفَنَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْنِهِ فَلَا يَبْصُقُ فِي الْمَسْجِدِ بِحَالٍ كَانَ مَعَ النَّاسِ أَوْ وَحْدَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْصُقْ فِي الْقِبْلَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ عَنْ شِمَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَبْصُقْ فِي ثَوْبِهِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَامَ يُصَلِّي فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ وَإِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِبْلَتِهِ فَلْيَبْصُقْ إذَا بَصَقَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ» أَبُو عُمَرَ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَبْصُقَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ. (وَتَعْلِيمُ صَبِيٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: أَمَّا تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسْجِدِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ مَبْلَغَ الْأَدَبِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْتَى بِهِ الْمَسْجِدَ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَقِرُّ فِيهِ وَيَعْبَثُ فَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ. وَرَوَى سَحْنُونَ: لَا يَجُوزُ تَعْلِيمُهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَحَفَّظُونَ مِنْ النَّجَاسَةِ. (وَبَيْعٌ وَشِرَاءٌ) أَبُو عُمَرَ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلُ يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ» وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي الْمَسْجِدِ ذَهَبًا. الْبَاجِيُّ: لَعَلَّهُ يُرِيدُ قَضَاءَ الْيَسِيرِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُظْهِرَ سِلْعَتَهُ بِالْمَسْجِدِ لِلْبَيْعِ، فَأَمَّا أَنْ يُسَاوِمَ رَجُلًا بِثَوْبٍ عَلَيْهِ أَوْ سِلْعَةٍ تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ لَهَا فَيُرَاجِيهِ الْبَيْعَ فِيهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَيُنْهَى الْمَسَاكِينُ عَنْ السُّؤَالِ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَإِذَا سَأَلُوا فَلَا يُعْطَوْا شَيْئًا. (وَسَلُّ سَيْفٍ) ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا تُسَلُّ بِالْمَسْجِدِ سُيُوفٌ. رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: لَا تَمُرُّ بِالْمَسْجِدِ بِلَحْمٍ وَلَا تُنْفِذُ فِيهِ النَّبْلَ وَلَا تَمْنَعُ فِيهِ الْقَائِلَةَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُرِيدُ تَنْفِيذَ النَّبْلِ إذَا رَدَّتْهَا عَلَى الظُّفْرِ فَيُعْلَمُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 619 مُسْتَقِيمُهَا مِنْ مُعْوَجِّهَا. ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنَّا لَنَكْرَهُ الْفَوَّارَةَ الَّتِي اُتُّخِذَتْ فِي مَسْجِدِنَا بِقُرْطُبَةَ كَرَاهَةً شَدِيدَةً. (وَإِنْشَادُ ضَالَّةٍ وَهَتْفٌ بِمَيِّتٍ) اُنْظُرْ فِي الْجَنَائِزِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَنِدَاءٌ بِهِ بِمَسْجِدٍ " (وَرَفْعُ صَوْتٍ) قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: رَفْعُ الصَّوْتِ مَمْنُوعٌ فِي الْمَسَاجِدِ إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَالْخُصُومَةِ تَكُونُ مِنْ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مِثْلِ هَذَا، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى وَجْهٍ كَالْإِمَامِ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ التَّنَفُّلِ بِاللَّيْلِ وَحْدَهُ، وَأَمَّا جَهْرُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ فَمَمْنُوعٌ (كَرَفْعِهِ بِعِلْمٍ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: رَأَيْت مَالِكًا يَعِيبُ عَلَى أَصْحَابِهِ رَفْعَ أَصْوَاتِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ ابْنُ حَبِيبٍ: يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْمَسْجِدِ وَالْهَتْفُ بِالْجَنَائِزِ بِهِ وَكُلُّ مَا يُرْفَعُ فِيهِ الصَّوْتُ حَتَّى بِالْعِلْمِ، فَقَدْ كُنْت أَرَى بِالْمَدِينَةِ رَسُولَ أَمِيرِهَا يَقِفُ بِابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي مَجْلِسِهِ إذَا اسْتَعْلَى كَلَامُهُ وَكَلَامُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ فِي الْعِلْمِ فَيَقُولُ: أَبَا مَرْوَانَ اخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ وَأْمُرْ جُلَسَاءَكَ يَخْفِضُونَ أَصْوَاتَهُمْ. (وَوَقِيدُ نَارٍ) ابْنُ وَهْبٍ: لَا تُوقَدُ نَارٌ بِمَسْجِدٍ. (وَدُخُولُ كَخَيْلٍ لِنَقْلٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: رَوَى الشَّيْخُ: أَكْرَهُ إدْخَالَ الْمَسْجِدِ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ لِنَقْلِ مَا يُحْتَاجُ إلَى مَصَالِحِهِ وَلْيُنْقَلْ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ. وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّ مَالِكًا وَسَّعَ فِي دُخُولِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 620 النَّصَارَى الْمَسْجِدَ لِيَبْنُوا بِهِ قَالَ: وَلْيَدْخُلُوا مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي تَلِي عَمَلَهُمْ. (وَفَرْشٌ أَوْ مُتَّكَأٌ) رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَقَّى بَرْدَ الْأَرْضِ وَالْحَصْبِ بِالْحُصْرِ وَالْمُصَلَّيَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَكُرِهَ أَنْ يَجْلِسَ فِيهَا عَلَى فِرَاشٍ أَوْ يَتَّكِئَ عَلَى وِسَادٍ. الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي التَّوَاضُعَ الْمَشْرُوعَ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 621 الْمَسَاجِدِ. [بَاب فِي الْأَعْيَان الْمُسْتَفَادَة مِنْ الْأَرْض كَالْمَعْدِنِ وَالْمِيَاه] (وَلِذِي مَاجِلٍ وَبِئْرٍ وَمِرْسَالِ مَطَرٍ كَمَاءٍ يَمْلِكُهُ مَنْعُهُ وَبَيْعُهُ إلَّا مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ) ابْن رُشْد: مَا كَانَ مِنْ الْمَاءِ بِأَرْضٍ مُتَمَلَّكَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً مِثْلَ بِئْرٍ يَحْفِرُهَا وَعَيْنٍ يَسْتَخْرِجُهَا أَوْ مَوَاجِلَ يَتَّخِذُهَا أَوْ غَيْرَ مُسْتَنْبَطَةٍ، مِثْلَ عَيْنٍ فِي أَرْضِهِ لَمْ يَسْتَخْرِجْهَا أَوْ غَدِيرٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، هُوَ أَحَقُّ بِهِ وَيَحِلُّ لَهُ بَيْعُهُ وَمَنْعُ النَّاسِ مِنْهُ إلَّا بِثَمَنٍ إلَّا أَنْ يَرِدَ عَلَيْهِ قَوْمٌ لَا ثَمَنَ مَعَهُمْ وَيَخَافُ عَلَيْهِمْ الْهَلَاكَ إنْ مَنَعَهُمْ، وَيَحِقُّ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَمْنَعَهُمْ، فَإِنْ مَنَعَهُمْ كَانَ عَلَيْهِمْ مُجَاهَدَتُهُ، هَذَا قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْ نَهْيَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ مَنْعِ نَفْعِ الْبِئْرِ عَلَى عُمُومِهِ، بَلْ تَأَوَّلَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَمْنَعَ الشُّرْبَ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ الْغَدِيرِ يَكُونُ فِي أَرْضِهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَهُ فِي وَاجِبِ الْحُكْمِ أَنْ يَمْنَعَ مَاءَهُ إذَا شَاءَ وَيُبِيحَهُ إذَا شَاءَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَاءُ فِي آنِيَةٍ لِرَبِّهِ يَخْتَصُّ بِهِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْمُؤَاسَاةِ. (وَالْأَرْجَحُ بِالثَّمَنِ كَفَضْلِ بِئْرِ زَرْعٍ خِيفَ عَلَى زَرْعِ جَارِهِ بِهَدْمِ بِئْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا حَرَثَ جَارُكَ عَلَى غَيْرِ أَصْلِ مَاءٍ فَلَكَ مَنْعُهُ أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ بِفَضْلِ مَاءِ بِئْرِكَ الَّذِي فِي أَرْضِهِ إلَّا بِثَمَنٍ إنْ شِئْت، وَأَمَّا إنْ حَرَثَ وَلِأَرْضِهِ بِئْرٌ فَانْهَارَتْ فَخَافَ عَلَى زَرْعِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ عَلَيْكَ بِفَضْلِ مَاءِ بِئْرِكَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَائِهِ فَضْلٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ. ابْنُ يُونُسَ: وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ خَافَ عَلَى مُسْلِمٍ الْمَوْتَ أَنْ يُحْيِيَهُ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، فَيَجِبُ عَلَى أَصْحَابِ الْمَاءِ بَيْعُهُ مِنْ الْمُسَافِرِ بِمَا يَسْوَى وَلَا يَشْتَطُّوا عَلَيْهِمْ فِي ثَمَنِهِ، وَلَمْ يَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَأْخُذُوهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَقَالَ فِي الَّذِي انْهَارَتْ بِئْرُهُ أَنَّهُ يَسْقِي بِمَاءِ جَارِهِ لِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَإِحْيَاءُ نَفْسِهِ أَعْظَمُ مِنْ إحْيَاءِ زَرْعِهِ، وَالْأَوْلَى فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ كَمَا لَوْ مَاتَ جَمَلُهُ فِي الصَّحْرَاءِ لَكَانَ عَلَى بَقِيَّةِ الرُّفْقَةِ أَنْ يَكْرُوا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُسَافِرُونَ لَا ثَمَنَ مَعَهُمْ وَجَبَ مُوَاسَاتُهُمْ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِمْ وَلَا يُتْبَعُوا بِالثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ أَمْوَالٌ بِبَلَدِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ الْيَوْمَ أَبْنَاءُ سَبِيلٍ يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ الزَّكَاةِ لِوُجُوبِ مُوَاسَاتِهِمْ. (وَأَخَذَ يُصْلِحُ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنْ تَرَكَ التَّشَاغُلَ بِإِصْلَاحِ بِئْرِهِ اتِّكَالًا عَلَى بِئْرِ جَارِهِ لَمْ يَلْزَمْ جَارَهُ بَذْلُ الْمَاءِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ زَرَعَ ابْتِدَاءً عَلَى غَيْرِ مَاءٍ (وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: إنْ مَنَعَهُمْ كَانَ عَلَيْهِمْ مُجَاهَدَتُهُ، وَتَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ يَقْضِي عَلَيْكَ بِفَضْلِ مَاءِ بِئْرِكَ. (كَفَضْلِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَفَرَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ بِئْرَ الْمَاشِيَةِ أَوْ شِبْهَهَا فَلَا يَمْنَعُ فَضْلَهَا مِنْ أَحَدٍ، وَإِنْ مَنَعَهَا حَلَّ قِتَالُهُ وَغَرِمَ دِيَةَ مَنْ مَنَعَهُ وَمَاتَ عَطَشًا. (بِصَحْرَاءَ هَدَرًا إنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمِلْكِيَّةَ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: لَا تُبَاعُ مِيَاهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 622 الْمَوَاشِي وَلَا تُمْنَعُ مِنْ أَحَدٍ وَلَا يَصْلُحُ فِيهَا إعْطَاءٌ. ابْنُ رُشْدٍ: مِيَاهُ الْمَوَاشِي هِيَ الْآبَارُ وَالْمَوَاجِلُ وَالْجِبَابُ يَصْنَعُهَا الرَّجُلُ فِي الْبَرَارِي لِلْمَاشِيَةِ هُوَ أَحَقُّ بِمَا يَحْتَاجُ لِمَاشِيَتِهِ وَيَدَعُ الْفَضْلَ لِلنَّاسِ، وَالْبِئْرُ وَالْمَاجِلُ وَالْجُبَبُ عِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءٌ، فَلَوْ أَشْهَدَ عِنْدَ حَفْرِهَا أَنَّهُ يَحْفِرُهَا لِنَفْسِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ بَيْعِ مَائِهَا وَاسْتَخَفَّهَا مَالِكٌ بِالْإِحْيَاءِ. (وَبُدِئَ بِمُسَافِرٍ) ابْنُ رُشْدٍ: وَجْهُ التَّبْدِئَةِ بِالشُّرْبِ فِي مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ إذَا كَانَ الْمَاءُ يَقُومُ بِالْجَمِيعِ أَنْ يَبْدَأَ أَوَّلًا أَهْلُ الْمَاءِ فَيَأْخُذُوا لِأَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَرْوُوا، ثُمَّ دَوَابُّ الْمَارَّةِ حَتَّى يَرْوُوا، ثُمَّ دَوَابُّ أَهْلِ الْمَاءِ حَتَّى يَرْوُوا، ثُمَّ مَوَاشِي أَهْلِ الْمَاءِ حَتَّى يَرْوُوا، ثُمَّ الْفَضْلُ لِسَائِرِ مَوَاشِي النَّاسِ. (وَلَهُ عَارِيَّةُ آلَةٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: لِابْنِ السَّبِيلِ عَارِيَّةُ الدَّلْوِ وَالرَّشَا وَالْحَوْضِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَدَاةً تُعِينُهُ، وَيُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّكِيَّةِ فَيَسْقِي. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُ إطْلَاقَاتِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ عَارِيَّةِ هَذِهِ الْآلَةِ لِلْمَلِيءِ وَالْفَقِيرِ، وَلَعَلَّ هَذَا؛ لِأَنَّ مَالِكَهَا لَمْ يَتَّخِذْهَا لِكِرَاءٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَاهُ لَوْ اتَّخَذَهَا مَالِكُهَا لِلْكِرَاءِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ عَارِيَّتُهَا لِلْمُسَافِرِ وَمُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ خِلَافُهُ (ثُمَّ حَاضِرٍ ثُمَّ دَابَّةِ رَبِّهَا بِجَمِيعِ الرِّيِّ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ بِهَذَا (وَإِلَّا فَنَفْسُ الْمَجْهُودِ) ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ يَقُومُ بِالْجَمِيعِ وَتَبْدِئَةُ أَحَدِهِمْ تُجْهِدُ الْآخَرِينَ بُدِئَ بِمَنْ الْجَهْدُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ تَبْدِئَةِ صَاحِبِهِ. فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْجَهْدِ فَقِيلَ يَتَسَاوُونَ، وَقِيلَ يَبْدَأُ أَهْلُ الْمَاءِ بِأَنْفُسِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ. رَاجِعْ الْمُقَدِّمَاتِ. (وَإِنْ سَالَ مَطَرٌ بِمُبَاحٍ سَقَى الْأَعْلَى إنْ تَقَدَّمَ لِلْكَعْبِ) رَوَى مَالِكٌ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي سَيْلِ مَهْزُوزٍ وَمُذَيْنِبٍ: يُمْسِكُ الْأَعْلَى إلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسِلُ الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ» . أَبُو عُمَرَ: هُمَا وَادِيَانِ بِالْمَدِينَةِ يَسِيلَانِ بِالْمَطَرِ يَتَنَافَسُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي سَيْلِهِمَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَاءٍ غَيْرِ مُتَمَلَّكٍ يَجْرِي عَلَى قَوْمٍ إلَى قَوْمٍ دُونَهُمْ أَنَّ مَنْ دَخَلَ الْمَاءُ أَرْضَهُ أَوَّلًا فَهُوَ أَحَقُّ بِالسَّقْيِ بِهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ فِي أَرْضِهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ، وَاخْتُلِفَ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ إلَى الْكَعْبَيْنِ، هَلْ يُرْسِلُ جَمِيعَ الْمَاءِ إلَى الْأَسْفَلِ أَوْ لَا يُرْسِلُ عَلَيْهِ إلَّا مَا زَادَ عَلَى الْكَعْبَيْنِ؟ فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ وَهْبٍ: يُرْسِلُ عَلَى الْأَسْفَلِ مَا زَادَ عَلَى الْكَعْبَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بَلْ يُرْسِلُ جَمِيعَ الْمَاءِ وَلَا يُحْبَسُ مِنْهُ شَيْءٌ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: مَا لَا يُمْلَكُ كَالسُّيُولِ وَالْأَمْطَارِ إنْ كَانَ طَرِيقُهُ فِي أَرْضٍ لَا تُمْلَكُ كَشِعَابِ الْجِبَالِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ مِثْلُ مَهْزُوزٍ وَمُذَيْنِبٍ يَأْتِي حَتَّى يُحَاذِيَ مَجْرَى الْمَاءِ فِي جَانِبَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَزَارِعَ وَحَدَائِقَ يَسْقُونَ بِهَا، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 623 فَحُكْمُهُ أَنْ يُسْقَى بِهِ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى. وَهَذَا إذَا كَانَ إحْيَاؤُهُمْ مَعًا أَوْ إحْيَاءُ الْأَعْلَى قَبْلُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَهَذَا حُكْمُ النِّيلِ فَإِنْ أَحْيَا رَجُلٌ بِمَاءِ سَيْلٍ ثُمَّ أَتَى غَيْرُهُ فَأَحْيَا فَوْقَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْمَاءِ وَيَسْقِيَ قَبْلَ الْأَسْفَلِ الَّذِي أَحْيَا قَبْلَهُ وَذَلِكَ يُبْطِلُ عَمَلَ الثَّانِي وَيُتْلِفُ زَرْعَهُ فَقَالَ سَحْنُونَ: الْقَدِيمُ أَوْلَى بِالْمَاءِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بَدَأَ الْمَاءَ فِي أَرْضِ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَاءَهُ وَيَحْبِسَهُ فِي أَرْضِهِ. وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ: اُنْظُرْ الْمَاءَ الْخَارِجَ مِنْ جَبَلِ شُلَيْرَ، نَصُّ الْأَشْيَاخِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَهْزُوزٍ وَمُذَيْنِبٍ، وَوَقَعَ لِابْنِ لُبٍّ فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ أَنَّ اتِّفَاقَ مَنْ اتَّفَقَ مِمَّنْ دَرَجَ عَلَى مَا يُخَالِفُ هَذَا الْأَصْلَ لَا يَلْزَمُ مَنْ بَعْدَهُمْ. وَوَقَعَ لَهُ أَيْضًا: السَّوَاقِي الْقَدِيمَةُ تَتَعَلَّقُ بِهَا حُقُوقُ الْمُنْتَفَعِينَ بِمَائِهَا وَتَصِيرُ الْحُقُوقُ مُمَلَّكَةً لَهُمْ بِطُولِ الْحِيَازَةِ، فَلَا يُسْمَحُ لِقَوْمٍ أَنْ يَرْفَعُوا سَاقِيَتَهُ فَوْقَ هَذِهِ السَّاقِيَةِ اهـ. وَانْظُرْ إنْ كَانَ هَذَا هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ سَحْنُونٍ الْقَدِيمِ أَوْ لَا (وَأُمِرَ بِالتَّسْوِيَةِ) الْبَاجِيُّ: فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْحَائِطِ أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ فَقَالَ سَحْنُونَ: يُؤْمَرُ أَنْ يُعَدِّلَ أَرْضَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ عَلَى أَرْضِهِ كُلِّهَا إلَى الْكَعْبَيْنِ (وَإِلَّا فَكَحَائِطَيْنِ) الْبَاجِيُّ: فَإِنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ سَقَى كُلَّ مَا كَانَ عَلَى حِدَتِهِ (وَقُسِمَ لِلْمُتَقَابَلَيْنِ) سَحْنُونَ: فَإِنْ كَانَ الْجِنَانَانِ مُتَقَابِلَيْنِ فِيمَا حُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ لِلْأَعْلَى فَلِلْأَعْلَى قَسْمُ الْمَاءِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْأَسْفَلُ مُقَابِلًا لِبَعْضِ الْأَعْلَى حُكِمَ لِمَا كَانَ أَعْلَى بِحُكْمِ الْأَعْلَى وَلِمَا كَانَ مُتَقَابِلًا بِحُكْمِ الْمُتَقَابِلِ (كَالنِّيلِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ نَافِعٍ بِهَذَا (وَإِنْ مُلِكَ أَوَّلًا قُسِمَ بِقِلْدٍ أَوْ غَيْرِهِ) الْبَاجِيُّ: أَمَّا مَا يُمْلَكُ أَصْلُهُ كَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ فَقَالَ سَحْنُونَ: يَقْتَسِمُونَ مَاءَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ بِالْقِلْدِ (وَأُقْرِعَ لِلتَّشَاحِّ فِي السَّبْقِ) الْبَاجِيُّ: وَلَا يُقَدَّمُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَيَأْخُذُ كُلُّ أَحَدٍ مَاءَهُ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ، فَإِنْ تَشَاحُّوا فِي التَّبْدِئَةِ اسْتَهَمُوا عَلَى ذَلِكَ. (وَلَا يُمْنَعُ صَيْدُ سَمَكٍ وَإِنْ مِنْ مِلْكِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا كَانَ غَدِيرٌ أَوْ بِرْكَةٌ أَوْ بُحَيْرَةٌ فِي أَرْضِكَ وَفِيهَا سَمَكٌ، فَلَا يُمْنَعُ مَنْ يَصِيدُ فِيهَا مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَهُ مَنْعُ مَنْ يَصِيدُ فِيهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا كَاخْتِلَافِهِمْ فِي الْمَعْدِنِ يَخْرُجُ فِي أَرْضِهِ. فَقَالَ سَحْنُونَ: هُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَمْرُهُ لِلْإِمَامِ كَاَلَّذِي يُوجَدُ فِي الْفَيَافِيِ فَهَذَا عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ طَرَحَهَا هُوَ فَوَلَدَتْ فَلَهُ مَنْعُهَا وَإِنْ كَانَ الْغَيْثُ أَجْرَاهَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا اهـ. جَمِيعُ مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ. وَعَزَا قَوْلَ اللَّخْمِيِّ وَقَوْلَ سَحْنُونٍ لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَخَذَ بِهِ اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 624 (وَهَلْ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَقَطْ أَوْ إلَّا أَنْ يَصِيدَ الْمَالِكُ تَأْوِيلَانِ) لَمْ يَنْقُلْ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ يُونُسَ إلَّا مَا تَقَدَّمَ. (وَالْكَلَأُ بِفَحْصٍ) عِيَاضٌ: الْكَلَأُ مَقْصُورٌ مَهْمُوزٌ الْعُشْبُ وَمَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ مِمَّا تَأْكُلُ الْمَوَاشِي. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْكَلَأُ بِأَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ النَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ اتِّفَاقًا لَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ وَلَا بَيْعُهُ، فَإِنْ جَاءَ رَجُلَانِ لِكَلَأِ مَوْضِعٍ كَانَا فِيهِ أُسْوَةً (وَعُفِيَ لَمْ يَكْتَنِفْهُ زَرْعُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: مَا بِالْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ أَقْسَامٌ الْمُحَظَّرَةُ بِالْحِيطَانِ كَالْحَوَائِطِ وَالْجَنَّاتِ، رَبُّهَا أَحَقُّ بِمَا بِهَا مِنْ الْكَلَأِ، وَلَهُ بَيْعُهُ وَمَنْعُهُ مِمَّنْ يَرْعَى وَيَحْتَشُّ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ. وَأَمَّا الْعَفَاءُ وَالْمَسْرَحُ مِنْ أَرْضٍ قَرِيبَةٍ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ مَا بِهَا مِنْ كَلَأٍ وَلَا يَمْنَعُ أَحَدًا مِنْ فَضْلِ حَاجَتِهِ اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ يَضُرَّهُ بِدَابَّةٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فِي زَرْعٍ يَكُونُ لَهُ حَدٌّ إلَيْهِ، وَأَمَّا الْأَرْضُ الَّتِي بَوَّرَهَا لِلرَّعْيِ وَتَرَكَ زِرَاعَتَهَا لِذَلِكَ، فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ صِحَّةُ مَنْعِهِ غَيْرَهُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ أَوْ وَجَدَ مَنْ يَشْتَرِيهِ وَإِلَّا أُجْبِرَ عَلَى تَرْكِهِ لِلنَّاسِ. وَأَمَّا فُحُوصُ أَرْضِهِ وَفَدَادِينِهِ الَّتِي يُبَوِّرُهَا لِلرَّعْيِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. ابْنُ يُونُسَ: اُخْتُلِفَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَمْ يُوقِفْهَا لِلْكَلَأِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ خَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ لَمْ يَزْرَعْهُ وَإِنَّمَا اللَّهُ أَنْبَتَهُ، وَأَمَّا إذَا أَوْقَفَ الْأَرْضَ لِلْكَلَأِ فَلَهُ مَنْعُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَنَعَ مَنَافِعَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَأَوْقَفَهَا لِهَذَا. (بِخِلَافِ مَرْجِهِ وَحِمَاهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَ خِصْبًا فِي أَرْضِكَ مِمَّنْ يَرْعَاهُ عَامَّةً، وَإِنَّمَا جَوَّزَ مَالِكٌ بَيْعَهُ بَعْدَمَا يَنْبُتُ. قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: الْخِصْبُ الَّذِي يَبِيعُهُ وَيَمْنَعُ النَّاسَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ مَا فِي مُرُوجِهِ وَحِمَاهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 625 [كِتَابُ الْوَقْفِ] [بَابٌ فِي أَرْكَانِ الْوَقْفِ وَحُكْمِ الْوَقْفِ الصَّحِيحِ] ابْنُ شَاسٍ: وَفِيهِ بَابَانِ: الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ وَهِيَ الْوَقْفُ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَالصِّيغَةُ وَشَرْطُهُ. الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْوَقْفِ الصَّحِيحِ. (صَحَّ وَقْفُ مَمْلُوكٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْوَقْفُ مَصْدَرًا: إعْطَاءُ مَنْفَعَةِ شَيْءٍ مُدَّةَ وُجُودِهِ، وَهُوَ اسْمًا: مَا أَعْطَيْت مَنْفَعَتَهُ مُدَّةَ وُجُودِهِ. وَقَالَ شُرَيْحٌ: لَا حَبْسَ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ أَنَّهُ يُورَثُ. قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا تَكَلَّمَ شُرَيْحٌ بِبَلَدِهِ وَلَمْ يُرِدْ الْمَدِينَةَ فَيَرَى أَحْبَاسَ الصَّحَابَةِ وَيَنْبَغِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 626 لِلْمَرْءِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِيمَا لَمْ يُحِطْ بِهِ خُبْرًا (وَإِنْ بِأُجْرَةٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَصِحُّ فِي الْعَقَارِ الْمَمْلُوكِ لَا الْمُسْتَأْجَرِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا اخْتِصَارٌ لِقَوْلِ ابْنِ شَاسٍ " لَا يَجُوزُ وَقْفُ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ " وَفِي كَوْنِ مُرَادِ ابْنِ شَاسٍ نَفْيَ وَقْفِ مَالِكٍ مَنْفَعَتَهَا أَوْ بَيْعَهَا نَظَرٌ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَلَوْ حَيَوَانًا أَوْ رَقِيقًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَبَسَ رَقِيقًا أَوْ دَوَابَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اُسْتُعْمِلُوا فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُبَاعُوا، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْبِسَ الرَّجُلُ الثِّيَابَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 629 وَالسُّرُوجَ وَالدَّوَابَّ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَا ضَعُفَ مِنْ الدَّوَابِّ الْمُحَبَّسَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى لَا تَكُونَ فِيهِ قُوَّةٌ عَلَى الْغَزْوِ بِيعَتْ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهَا مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ الْخَيْلِ فَتُجْعَلُ فِي السَّبِيلِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنُ فَرَسٍ أَوْ هَجِينٍ أَوْ بِرْذَوْنٍ فَلْيُعِنْ بِذَلِكَ فِي ثَمَنِ فَرَسٍ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: وَكَذَلِكَ الْغَرْسُ يَكْلَبُ وَيَخْبُثُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَا بَلِيَ مِنْ الثِّيَابِ الْمُحَبَّسَةِ وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ بِيعَتْ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 630 ثِيَابٌ يُنْتَفَعُ بِهَا فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ تَصَدَّقَ بِهِ فِي السَّبِيلِ. (كَعَبْدٍ عَلَى مَرْضَى لَمْ يَقْصِدْ ضَرَرَهُ) الْمُتَيْطِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَحْبِسَ الرَّجُلُ مَمْلُوكَهُ عَلَى الْمَرْضَى إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ السَّيِّدِ عَلَى غَيْرِ الضَّرَرِ بِمَمْلُوكِهِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُكْرَهُ تَحْبِيسُ الرَّقِيقِ لِرَجَاءِ الْعِتْقِ فِيهِ، فَإِنْ وَقَعَ وَفَاتَ مَضَى، وَمَا لَمْ يَفُتْ يُسْتَحَبُّ لِمُحَبِّسِهِ صَرْفُهُ لِمَا هُوَ أَفْضَلُ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُرِيدُ بِفَوْتِهِ بِالْحَوْزِ لَا بِالْمَوْتِ. (وَفِي وَقْفِ كَطَعَامٍ تَرَدُّدٌ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يَصِحُّ وَقْفُ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ ابْنُ شَاسٍ: لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ بِاسْتِهْلَاكِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَبَسَ عَلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِينَارٍ يَتَّجِرُ بِهَا أَمَدًا مَعْلُومًا ضَمِنَ نَقْصَهَا وَهِيَ كَسَلَفٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَمَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَتَحْبِيسُهُ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ وَقَعَ كَانَ لِآخِرِ الْعَقِبِ مِلْكًا إنْ كَانَ مُعَقَّبًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَقَّبًا وَكَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ. ابْنُ عَرَفَةَ: رُجُوعُهُ مِلْكًا إنْ كَانَ مُعَقَّبًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَقَّبًا ظَاهِرٌ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ اخْتِيَارًا بَعْدَ رُجُوعِهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ كَوْنَهُ حَبْسًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ خَاصِّيَّةَ الْحَبْسِ مَنْعُ بَيْعِهِ اخْتِيَارًا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا مَرْجِعًا، فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَتَرْجِعُ بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ حَبْسًا عَلَى أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُحَبَّسِ يَوْمَ الْمَرْجِعِ وَإِنْ كَانَ الْمُحَبِّسُ حَيًّا اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ " وَزُكِّيَتْ عَيْنٌ وُقِفَتْ لِلسَّلَفِ ". (عَلَى أَهْلٍ لِلتَّمَلُّكِ) الَّذِي لِابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ مِنْ أَرْكَانِ الْوَقْفِ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ قَالَ: وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ إلَّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 631 إنْ كَانَ مُعَيَّنًا وَأَهْلًا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ مَا جَازَ صَرْفُ مَنْفَعَةِ الْمُحَبِّسِ، لَهُ أَوْ فِيهِ. (كَمَنْ سَيُولَدُ لَهُ) الْمُتَيْطِيُّ: الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى الْحَمْلِ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: وَالرِّوَايَاتُ وَاضِحَةٌ بِصِحَّتِهِ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لَهُ، وَبِهِ اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى الْحَمْلِ وَفِي لُزُومِهِ بِعَقْدِهِ عَلَى مَنْ يُولَدُ قَبْلَ وِلَادَتِهِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ لِنَقْلِ الشَّيْخِ: رَوَى مُحَمَّدٌ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ بِيعَ مَا حَبَسَهُ مَا لَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 632 يُولَدْ لَهُ، وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَائِلًا: لَوْ جَازَ لَجَازَ بَعْدَ وُجُودِ الْوَلَدِ وَمَوْتِهِ، رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَذِمِّيٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: تَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ ابْنَ شَاسٍ فِي قَوْلِهِ " يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الذِّمِّيِّ " وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصًّا، وَالْأَظْهَرُ جَرْيُهَا عَلَى حُكْمِ الْوَصِيَّةِ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: مَنْ حَبَسَ عَلَى مَسَاكِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى جَازَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ} [الإنسان: 8] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] وَلَا يَكُونُ الْأَسِيرُ إلَّا مُشْرِكًا، وَإِنْ حَبَسَ عَلَى كَنَائِسِهِمْ رُدَّ ذَلِكَ وَفُسِخَ. وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ: إنْ أَوْصَى نَصْرَانِيٌّ بِمَالِهِ لِلْكَنِيسَةِ وَلَا وَارِثَ لَهُ دُفِعَ الثُّلُثُ إلَى الْأُسْقُفِ يَجْعَلُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ وَالثُّلُثَانِ لِلْمُسْلِمِينَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 633 (وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ قُرْبَةٌ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُشْتَرَطُ ظُهُورُ الْقُرْبَةِ. (أَوْ يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ غَلَّتِهِ مِنْ نَاظِرِهِ لِيَصْرِفَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَبَسَ فِي صِحَّتِهِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ مِنْ حَائِطٍ أَوْ دَارٍ أَوْ شَيْءٍ وَلَهُ غَلَّةٌ فَكَانَ يُكْرِيهِ وَيُفَرِّقُ غَلَّتَهُ كُلَّ عَامٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ وَصِيَّةٍ إلَّا أَنْ يُخْرِجَ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ يُوصِيَ بِإِنْفَاذِهِ فِي مَرَضِهِ لِغَيْرِ وَارِثٍ فَيَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ تَفْرِقَةُ الْغَلَّةِ كَالسِّلَاحِ وَشِبْهِهِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ يَدِهِ فِي وَجْهِهِ وَيَرْجِعُ إلَيْهِ، يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ انْتَقَلَتْ مِنْ يَدِهِ وَأَخْرَجَ جَمِيعَهَا، وَفِي الْغَلَّةِ لَمْ يُخْرِجْ الْأَصْلَ مِنْ يَدِهِ فَذَلِكَ مُفْتَرِقٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ: وَإِنْ جَعَلَهَا بِيَدِ غَيْرِهِ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ يَحُوزُهَا وَيَجْمَعُ غَلَّتَهَا وَيَدْفَعُهَا لِلَّذِي حَبَسَهَا يَلِي تَفْرِقَتَهَا وَعَلَى ذَلِكَ حُبِسَ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَأَبَى ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ. (أَوْ كَكِتَابٍ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ صَرْفِهِ فِي مَصْرِفِهِ) نَصُّ اللَّخْمِيِّ أَنَّ حُكْمَ الْكُتُبِ تُحْبَسُ لِيُقْرَأَ فِيهَا كَحُكْمِ الْخَيْلِ تُحْبَسُ لِيُغْزَى عَلَيْهَا وَالسِّلَاحِ يُقَاتَلُ بِهَا. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ حَبَسَ فِي صِحَّتِهِ مَا لَا غَلَّةَ لَهُ مِثْلَ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ وَشِبْهِ ذَلِكَ وَلَمْ يُنَفِّذْهَا وَلَا أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ حَتَّى مَاتَ فَهِيَ مِيرَاثٌ، وَإِنْ كَانَ يُخْرِجُهُ فِي وَجْهِهِ وَيَرْجِعُ إلَيْهِ فَهُوَ نَافِذٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ فِي وَجْهِهِ، وَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضَهُ وَبَقِيَ بَعْضُهُ فَمَا أَخْرَجَ فَهُوَ نَافِذٌ، وَمَا لَمْ يَخْرُجْ فَهُوَ مِيرَاثٌ اهـ. اُنْظُرْ إذَا وُجِدَ كِتَابٌ وَفِي ظَهْرِهِ مَكْتُوبٌ أَنَّهُ حَبْسٌ قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: رَأَيْت مُدَوِّنَةً مِنْ رِقٍّ وَعَلَيْهَا مَكْتُوبٌ حَبْسٌ وَبِيعَتْ وَلَمْ يَعْمَلْ ذَلِكَ الْكَتْبُ شَيْئًا قَالَ: وَالْخِلَافُ مَذْكُورٌ إذَا وُجِدَ فِي فَخِذِ فَرَسٍ حَبْسٌ. (وَبَطَلَ عَلَى مَعْصِيَةٍ) الْبَاجِيُّ: لَوْ حَبَسَ مُسْلِمٌ عَلَى كَنِيسَةٍ فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي رَدُّهُ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ كَمَا لَوْ صَرَفَهَا إلَى أَهْلِ الْفِسْقِ. ابْنُ عَرَفَةَ: عَادَةُ الشُّيُوخِ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي إلَّا فِيمَا فِيهِ نَظَرٌ مَا لَا فِي الْأَمْرِ الضَّرُورِيِّ، وَرَدُّ هَذَا الْحَبْسِ ضَرُورِيٌّ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَوْصَى أَنْ يُقَامَ لَهُ مَلْهًى فِي عُرْسٍ أَوْ مَنَاحَةُ مَيِّتٍ لَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ وَقَوْلُهُ بَاطِلٌ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ فِي رَدِّهَا بِنِيَاحَةِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ. (وَحَرْبِيٍّ) أَصْبَغُ: لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 634 قُوَّةٌ عَلَى حَرْبِهِمْ وَالْوَقْفُ كَالْوَصِيَّةِ. (وَكَافِرٍ لِكَمَسْجِدٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ حَبَسَ ذِمِّيٌّ دَارًا عَلَى مَسْجِدٍ رُدَّتْ. رَوَاهُ مَعْنُ فِي نَصْرَانِيَّةٍ بَعَثَتْ بِدِينَارٍ إلَى الْكَعْبَةِ رُدَّ عَلَيْهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا يَصِحُّ الْحَبْسُ مِنْ كَافِرٍ فِي قُرْبَةٍ دِينِيَّةٍ، وَلَوْ كَانَتْ فِي مَنْفَعَةٍ عَامَّةٍ دُنْيَوِيَّةٍ كَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ فَفِي رَدِّهِ نَظَرٌ، وَالْأَظْهَرُ إنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ رُدَّتْ. (وَعَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ وَأَخْرَجَ الْبَنَاتِ مِنْهُ إنْ تَزَوَّجْنَ فَالشَّأْنُ أَنْ يَبْطُلَ ذَلِكَ. وَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا فَاتَ ذَلِكَ أَنْ يَمْضِيَ عَلَى مَا حُبِسَ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا وَلَمْ يُحَزْ عَنْهُ الْحَبْسُ فَلْيَرُدَّهُ وَيُدْخِلَ فِيهِ الْبَنَاتِ، وَإِنْ حِيزَ عَنْهُ أَوْ مَاتَ مَضَى عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 635 شَرْطِهِ وَلَمْ يَفْسَخْهُ الْقَاضِي. (أَوْ عَادَ لِسُكْنَى مَسْكَنِهِ قَبْلَ عَامٍ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَبَسَ حَبْسًا فَسَكَنَهُ زَمَانًا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا أَرَاهُ إلَّا وَقَدْ أَفْسَدَ حَبْسَهُ وَهُوَ مِيرَاثٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ حِيزَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ نَافِذٌ فَإِنْ رَجَعَ وَسَكَنَ فِيهِ بِكِرَاءٍ بَعْدَمَا حِيزَ عَنْهُ، فَإِنْ جَاءَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ بَيِّنٌ مِنْ الْحِيَازَةِ فَذَلِكَ نَافِذٌ. قَالَهُ مَالِكٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا إذَا حَازَ ذَلِكَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ نَفْسُهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ صَغِيرٌ وَلَا مَنْ لَمْ يُولَدْ بَعْدُ، فَأَمَّا مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ بِيَدِ مَنْ يَحُوزُهُ عَلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْدَمَ أَوْ يَكْبَرَ أَوْ يُولَدَ أَوْ كَانَ بِيَدِهِ هُوَ يَحُوزُهُ لِمَنْ يَجُوزُ لَهُ حَوْزُهُ عَلَيْهِ ثُمَّ سَكَنَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ الصَّغِيرُ نَفْسَهُ وَقَبْلَ أَنْ يَحُوزَهُ مَنْ ذَكَرْنَا مِمَّنْ حَبَسَهُ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ يُبْطِلُهُ. قُلْت: وَكَمْ حَدُّ تِلْكَ الْحِيَازَةِ؟ قَالَ: السَّنَةُ أَقَلُّ ذَلِكَ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِحِيَازَةِ الْعَامِ فِي الْمَالِكِينَ أُمُورَهُمْ. فَقَوْلُ مَالِكٍ وَالْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ رَجَعَ بِعُمْرَى أَوْ كِرَاءٍ أَوْ إرْفَاقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ حَازَهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ سَنَةً أَنَّ الْوَقْفَ نَافِذٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا الصِّغَارُ فَمَتَى سَكَنَ أَوْ عَمَّرَ وَلَوْ بَعْدَ عَامٍ بَطَلَ. انْتَهَى مَا لِابْنِ رُشْدٍ. وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ عَاتٍ وَلَا ابْنُ سَلْمُونَ إلَّا هَذَا خَاصَّةً. وَرَأَيْت فُتْيَا لِابْنِ لُبٍّ: إنْ أُخْلَى مَا حَبَسَهُ عَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ عَامًا كَامِلًا فَلَا يَضُرُّ رُجُوعُهُ إلَيْهِ انْتَهَى. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ أَنَّ بِهَذَا جَرَى الْعَمَلُ يَعْنِي إذَا أَخْلَاهَا مِنْهُ إنَّمَا حِيَازَتُهُ فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَعَلَى هَذَا عَوَّلَ الْمُتَيْطِيُّ. وَانْظُرْ بَعْدَ وَرَقَةٍ مِنْ بَابِ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ مِنْ ابْنِ سَهْلٍ فِيهِ نَحْوُ فُتْيَا ابْنِ لُبٍّ. وَانْظُرْ أَوَّلَ الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ الْمُفِيدِ، وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَهُ بِقُرْبٍ ". (أَوْ جُهِلَ سَبْقُهُ لِدَيْنٍ وَإِنْ كَانَ عَلَى مَحْجُورِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَبَسَ حَبْسًا عَلَى وَلَدٍ لَهُ صِغَارٍ فَمَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يُدْرَى الدَّيْنُ كَانَ قَبْلُ أَمْ الْحَبْسُ وَقَامَ الْغُرَمَاءُ، فَعَلَى الْوَلَدِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الْحَبْسَ كَانَ قَبْلَ الدَّيْنِ وَإِلَّا بَطَلَ الْحَبْسُ. وَنَحْوُهُ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ. قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ مَالِكٍ لَأَمَرَهُ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَحَازَ وَقَبَضَ كَانَتْ الصَّدَقَةُ أَوْلَى. (أَوْ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ بِشَرِيكٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْحَبْسُ عَلَى نَفْسِ الْمُحَبَّسِ وَحْدَهُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ مَعَ غَيْرِهِ عَلَى الْمَعْرُوفِ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ كُلِّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 636 حَبْسِ مَنْ حَبَسَ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ إنْ لَمْ يُحَزْ عَنْهُ، فَإِنْ حِيزَ صَحَّ عَلَى غَيْرِهِ فَقَطْ. (أَوْ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ لَهُ) ابْنُ شَاسٍ: قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ: لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْبِسَ وَيَكُونَ هُوَ وَلِيَّ الْحَبْسِ. وَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَبَسَ غَلَّةَ دَارِهِ فِي صِحَّتِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَكَانَ يَلِي عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ وَهِيَ بِيَدِهِ أَنَّهَا مِيرَاثٌ قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ فِي حَبْسِهِ أَنَّهُ يَلِي ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ. ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ " أَوْ كَكِتَابٍ ". (أَوْ لَمْ يَحُزْهُ قَبْلَ فَلَسِهِ وَمَوْتِهِ وَمَرَضِهِ) أَمَّا إذَا لَمْ يُحَزْ الْكَبِيرُ حَتَّى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 637 مَاتَ الْمُحَبِّسُ أَوْ مَرِضَ أَوْ فَلِسَ فَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: كُلُّ صَدَقَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ نِحْلَةٍ أَوْ عُمْرَى أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ لِغَيْرِ ثَوَابٍ فِي الصِّحَّةِ يَمُوتُ الْمُعْطِي أَوْ يُفْلِسُ وَيَمْرَضُ قَبْلَ حَوْزِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ فَتُحَازُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُقْضَى لِلْمُعْطِي بِالْقَبْضِ إنْ مَنَعَهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: أَمَّا مَا بَتَلَ فِي الْمَرَضِ فَلَا تُرَادُ فِيهِ الْحِيَازَةُ وَهُوَ نَافِذٌ مِنْ الثُّلُثِ إنْ مَاتَ، وَإِنْ صَحَّ نَفَذَ الْبَتْلُ كُلُّهُ إنْ كَانَ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ فِي السَّبِيلِ أُمِرَ بِإِنْفَاذِ ذَلِكَ، رَاجِعْ أَوَّلَ تَرْجَمَةٍ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَةِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَأَمَّا حَوْزُ السَّفِيهِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بُطْلَانِ قَبْضِ السَّفِيهِ مَا حُبِسَ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ وَصِحَّتُهُ: نَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ الْبُطْلَانَ عَنْ وَثَائِقِ الْبَاجِيِّ، وَنَقَلَ صِحَّتَهُ عَنْ سَحْنُونٍ مَعَ الْأَخَوَيْنِ قَالَ: وَنَزَلْت أَيَّامَ الْقَاضِي مُنْذَرِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَلُّوطِيِّ فَشَاوَرَ فِيهَا فَأَجْمَعَ لَهُ الْجَمِيعُ مِنْ فُقَهَاءِ بَلَدِهِ بِصِحَّتِهِ إلَّا إِسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ أَفْتَى بِبُطْلَانِهِ فَحَكَمَ بِقَوْلِ الْجَمِيعِ. وَأَمَّا حَوْزُ وَلِيِّ الصَّغِيرِ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ مَنْ وَهَبَ لِصَغِيرٍ هِبَةً وَجَعَلَ مَنْ يَحُوزُهَا لَهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ وَتُرْضَى حَالُهُ فَتُدْفَعُ إلَيْهِ وَيُشْهِدُ لَهُ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ حَوْزٌ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ حَاضِرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، بِخِلَافِ غَيْرِ الصَّغِيرِ. قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ؟ قَالَ: إنَّمَا جَازَتْ لِلصَّغِيرِ خَوْفًا أَنْ يَأْكُلَهَا الْأَبُ وَيُفْسِدَهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: مَنْ وَهَبَ عَبْدًا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَلِأَجْنَبِيٍّ فَلَمْ يَقْبِضْ الْأَجْنَبِيُّ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَذَلِكَ كُلُّهُ بَاطِلٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ فَلَمْ يَقْبِضْ الْكِبَارُ الْحَبْسَ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ أَنَّهُ يَبْطُلُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ الْكِبَارَ لَمْ يَقْبِضُوا الْحَبْسَ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُعْرَفُ إنْفَاذُ الْحَبْسِ لِلصِّغَارِ هَاهُنَا إلَّا بِحِيَازَةِ الْكِبَارِ بِخِلَافِ مَا حُبِسَ عَلَى وَلَدِهِ وَهُمْ صِغَارٌ كُلُّهُمْ، هَذَا إنْ مَاتَ كَانَ الْحَبْسُ لَهُمْ جَائِزًا. وَأَمَّا حَوْزُ كَمَسْجِدٍ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: الْحَبْسُ أَصْنَافٌ: صِنْفٌ لَا يَصِحُّ بَقَاءُ يَدِ الْمُحَبِّسِ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى حَائِزٍ مَخْصُوصٍ وَهِيَ الْمَسَاجِدُ وَالْقَنَاطِرُ وَالْمَآجِلُ وَالْآبَارُ وَإِذَا خَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا صَحَّ حَبْسُهُ (إلَّا لِمَحْجُورِهِ إذَا أَشْهَدَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تَكُونُ الْأُمُّ حَائِزَةً لِمَا تَصَدَّقَتْ أَوْ وَهَبَتْ لِصِغَارِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 638 بَنِيهَا وَإِنْ أَشْهَدَتْ بِخِلَافِ الْأَبِ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةَ الْوَلَدِ أَوْ وَصِيَّةَ الْوَالِدِ فَيَتِمُّ حَوْزُهَا لَهُمْ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: الْأَبُ يَحُوزُ لِصِغَارِ وَلَدِهِ وَمَنْ بَلَغَ مِنْ أَبْكَارِ بَنَاتِهِ مَا وَهَبَهُمْ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَلَا يُحَوَّلُ حَتَّى يُؤْنَسَ رُشْدُهُمْ. (وَصَرَفَ الْغَلَّةَ لَهُ) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ أَعْمَرَ الْمُحَبِّسُ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ الْحَبْسَ لِنَفْسِهِ وَأَدْخَلَ غَلَّتَهُ فِي مَصَالِحِهِ فَإِنَّ بِمَوْتِهِ يَبْطُلُ الْحَبْسُ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ مَا نَصُّهُ: الْعُمْرَى نَافِذَةٌ لِلِابْنَةِ لَا يُوهِنُهَا مَا ثَبَتَ مِنْ اسْتِغْلَالِ الْمُعَمِّرِ لَهَا لِنَفْسِهِ وَإِدْخَالُهُ الْغَلَّةَ فِي مَصَالِحِهِ، وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ تَرِكَةِ الْمُعَمِّرِ مَا اغْتَلَّهُ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَانْظُرْ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ. قَالَ: فَرَّقَ أَبُو زَيْدٍ بَيْنَ نَفْسِ الْغَلَّةِ وَثَمَنِهَا قَالَ: إنْ أَكَلَ ثَمَنَ الْغَلَّةِ بَعْدَ بَيْعِهَا فَالصَّدَقَةُ مَاضِيَةٌ لِلِابْنِ. (وَلَمْ تَكُنْ دَارَ سُكْنَاهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَبَسَ عَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ دَارًا أَوْ وَهَبَهَا لَهُمْ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ حَوْزَهُ لَهُمْ حَوْزٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَاكِنًا فِيهَا، كُلِّهَا أَوْ جُلِّهَا حَتَّى مَاتَ فَيَبْطُلُ جَمِيعُهَا. وَأَمَّا الدَّارُ الْكَبِيرَةُ يَسْكُنُ أَقَلَّهَا وَيُكْرِي لَهُمْ بَاقِيَهَا فَذَلِكَ نَافِذٌ فِيمَا سَكَنَ وَفِيمَا لَمْ يَسْكُنْ. (أَوْ عَلَى وَارِثٍ بِمَرَضِ مَوْتِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْحَبْسُ عَلَى وَارِثٍ وَحْدَهُ فِي الْمَرَضِ مَرْدُودٌ كَهِبَتِهِ فِيهِ. (إلَّا مُعَقَّبًا خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ فَكَمِيرَاثٍ لِلْوَارِثِ كَثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ وَأَرْبَعَةِ أَوْلَادِ أَوْلَادٍ وَعَقِبِهِ وَتَرَكَ أُمًّا وَزَوْجَةً فَتَدْخُلَانِ فِي مَالِ الْأَوْلَادِ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهِ لِوَلَدِ الْوَلَدِ وَقْفٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ حَبَسَ عَلَى وَارِثٍ وَغَيْرُهُ مَعَهُ فِي مَرَضِ مَوْتٍ فَهِيَ الْمَشْهُورَةُ بِمَسْأَلَةِ وَلَدِ الْأَعْيَانِ وَهِيَ دَارٌ حَبَسَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَحَمَلَهَا ثُلُثُهُ وَتَرَكَ مَعَهُمْ أُمًّا وَزَوْجَةً. وَصَوَّرَهَا ابْنُ يُونُسَ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ ثَلَاثَةٌ وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْوَلَدِ، وَصَوَّرَهَا ابْنُ شَاسٍ وَلَدُ الْوَلَدِ أَرْبَعَةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَتَّسِعُ فِيهَا الْمَقَالُ وَيَتَفَرَّعُ فِيهَا السُّؤَالُ وَيَدِقُّ فِيهَا الْفِقْهُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: مِنْ حِسَانِ الْمَسَائِلِ وَقَلَّ مَنْ يَعْرِفُهَا وَهِيَ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ خَطَأٌ لِدِقَّةِ مَعَانِيهَا وَغَامِضِ تَفْرِيعِهَا. فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، وَالثُّلُثُ يَحْمِلُ ذَلِكَ كَانَ فِي ذَلِكَ حَبْسٌ عَلَى غَيْرِ وَارِثٍ وَهُمْ وَلَدُ الْوَلَدِ وَعَلَى وَارِثٍ وَهُمْ الْوَلَدُ، فَنَحْنُ لَا نَقْدِرُ أَنْ نُبْطِلَ مَا كَانَ لِلْوَلَدِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ شُرَكَاءَ لِغَيْرِ وَارِثٍ مِنْ وَلَدِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 639 الْوَلَدِ وَمَا تَنَاسَلَ مِنْ الْأَعْقَابِ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إيقَافِ ذَلِكَ عَلَى مَعَانِي الْأَحْبَاسِ إلَّا أَنَّ مَا صَارَ مِنْ ذَلِكَ بِيَدِ وَلَدِ الْأَعْيَانِ قَامَ فِيهَا بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ مِنْ أُمٍّ وَزَوْجَةٍ وَغَيْرِهِمْ إنْ لَمْ يَجُورُوا فَيَدْخُلُونَ فِي تِلْكَ الْمَنَافِعِ إذْ لَيْسَ لِوَارِثٍ أَنْ يَنْتَفِعَ دُونَ وَارِثٍ مَعَهُ إذْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَمَا صَارَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ تَنْفُذُ لَهُمْ بِالْحَبْسِ. قَالَ سَحْنُونَ وَابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا كَانَتْ حَالَتُهُمْ وَاحِدَةً وَإِلَّا فَعَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ فِيهِ سَوَاءٌ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إذَا قَالَ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ عَلَى عَقِبِهِ فَلَا شَيْءَ لِلْعَقِبِ حَتَّى يَمُوتَ الْوَلَدُ بِخِلَافِ لَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي وَعَقِبِهِ قَالَ الْبَاجِيُّ: لِأَنَّ " ثُمَّ " لِلتَّرْتِيبِ. وَأَمَّا الْوَاوُ فَهِيَ لِلْجَمْعِ فَاقْتَضَتْ التَّشْرِيكَ. (وَانْتُقِضَ الْقَسْمُ بِحُدُوثِ وَلَدِهِمَا كَمَوْتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ) ابْنُ يُونُسَ: اُخْتُلِفَ إنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَوَّازِ وَسَحْنُونٌ: يُنْتَقَضُ الْقَسْمُ كَمَا يُنْتَقَضُ بِحُدُوثِ وَلَدِ وَلَدِ الْأَعْيَانِ أَوْ وَلَدِ الْوَلَدِ، وَيُقْسَمُ جَمِيعُ الْحَبْسِ عَلَى عَدَدِ بَقِيَّةِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ، فَمَا صَارَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ نَفَذَ لَهُمْ بِالْحَبْسِ. وَمَا صَارَ لِوَلَدِ الْأَعْيَانِ أَخَذَتْ الْأُمُّ سُدُسَهُ وَالزَّوْجَةُ ثُمُنَهُ وَقُسِمَ مَا بَقِيَ عَلَى ثَلَاثَةٍ عَدَدِ أَهْلٍ لِوَلَدِ الْأَعْيَانِ، فَيَأْخُذُ الْخِيَارُ سَهْمَيْنِ وَوَرَثَةُ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ سَهْمًا تَدْخُلُ فِيهِ أُمُّهُ وَزَوْجَتُهُ إنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ وَوَلَدُهُ وَهُوَ أَحَدُ وَلَدِ الْوَلَدِ، فَيَصِيرُ فِيهِ وَلَدَ هَذَا الْمَيِّتِ نَصِيبٌ بِمَعْنَى الْحَبْسِ مِنْ جَدِّهِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي مِنْ نَصِيبٍ بِمَعْنَى الْمِيرَاثِ، وَرَوَى عِيسَى: لَا يُنْتَقَضُ الْقَسْمُ. (لَا الزَّوْجَةُ وَالْأُمُّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْأُمُّ كَانَ مَا بِيَدِهَا لِوَرَثَتِهَا مَوْقُوفًا، وَكَذَلِكَ يُوقَفُ نَفْعُ ذَلِكَ عَنْ وَارِثِهِمَا أَبَدًا مَا بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ (فَيَتَدَاخَلَانِ وَدَخَلَتْ فِيمَا زِيدَ لِلْوَلَدِ) اُنْظُرْ أَنْتَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا صَارَ لِوَلَدِ الْأَعْيَانِ تَأْخُذُ مِنْهُ الْأُمُّ سُدُسَهُ وَالزَّوْجَةُ ثُمُنَهُ. (بِحَبَسْتُ وَوَقَفْت وَتَصَدَّقْت إنْ قَارَنَهُ قَيْدٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَفْظُ " تَصَدَّقْت " إنْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَدُلُّ مِنْ قَيْدٍ أَوْ جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ تَأَبَّدَ وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: التَّحْبِيسُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ: حَبْسٌ وَوَقْفٌ وَصَدَقَةٌ. فَأَمَّا الْحَبْسُ وَالْوَقْفُ فَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ لَا يَفْتَرِقَانِ فِي وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَإِنْ قَالَ دَارِي أَوْ عَقَارِي صَدَقَةٌ أَوْ فِي السَّبِيلِ أَوْ عَلَى بَنِي زُهْرَةَ فَإِنَّهَا تُبَاعُ وَيُتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ عَلَى قَدْرِ الِاجْتِهَادِ إلَّا إنْ قَالَ صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ يَسْكُنُونَهَا أَوْ يَسْتَغِلُّونَهَا فَتَكُونُ حَبْسًا عَلَى الْمَسَاكِينِ لِلسُّكْنَى وَالِاسْتِغْلَالِ وَلَا تُبَاعُ. (أَوْ جِهَةٌ لَا تَنْقَطِعُ أَوْ لِمَجْهُولٍ وَإِنْ حُصِرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَصَدَّقَ بِدَارٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ وَوَلَدِهِ مَا عَاشُوا وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا مَرْجِعًا إلَّا صَدَقَةً هَكَذَا لَا شَرْطَ فِيهَا، فَهَلَكَ الرَّجُلُ وَوَلَدُهُ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ حَبْسًا عَلَى فُقَرَاءِ أَقَارِبِ الَّذِي حَبَسَ وَلَا تُورَثُ. قَالَ عِيَاضٌ: إنْ قَالَ مَالِكٌ هُوَ حَبْسٌ أَوْ وَقْفٌ هُوَ صَدَقَةٌ فَإِنْ عَيَّنَهَا لِمَجْهُولِينَ مَحْصُورِينَ مِمَّا يُتَوَقَّعُ انْقِطَاعُهُ كَقَوْلِهِ عَلَى وَلَدِ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ وَوَلَدِهِ، فَاخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ: وَقَالَهُ فِي الْكِتَابِ هِيَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 640 حَبْسٌ مُؤَبَّدٌ يَرْجِعُ بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ مَرْجِعَ الْأَحْبَاسِ، سَوَاءٌ قَالَ مَا عَاشُوا أَوْ لَا. قَالَ: وَإِنْ جَعَلَهَا لِمَجْهُولِينَ غَيْرِ مَحْصُورِينَ كَالْمَسَاكِينِ فَهِيَ مِلْكٌ لَهُمْ تُقْسَمُ عَلَيْهِمْ إنْ كَانَتْ مِمَّا يَنْقَسِمُ، أَوْ بِيعَتْ وَقُسِمَتْ وَأُنْفِقَتْ فِيمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ ذَلِكَ الْوَجْهُ الْمَجْهُولُ. وَتَعْيِينُ الْمَجْهُولِ لَيْسَ هُنَا بِاجْتِهَادِ النَّاظِرِ فِي مَوْضِعِ الْحُكْمِ وَوَقْتِهِ، وَلَا يَلْزَمُ عُمُومَهُمْ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا هُوَ مَقْصِدُ الْمُحَبِّسِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْجِنْسَ انْتَهَى. وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا " وَاوَ " قَبْلَ " إنْ " فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ حُصِرَ " (وَرَجَعَ إنْ انْقَطَعَ لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا لَمْ يَتَأَبَّدْ رَجَعَ بَعْدَ انْقِطَاعِ جِهَتِهِ مِلْكًا لِمَالِكِهِ أَوْ وَارِثِهِ، وَإِذَا تَأَبَّدَ رَجَعَ إلَى عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ مِنْ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ لِلْفُقَرَاءِ. (وَامْرَأَةٌ لَوْ رُجِّلَتْ عَصَبَتْ) ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْهِبَاتِ مِنْهَا: لَوْ قَالَ حَبْسٌ عَلَيْكَ وَعَلَى عَقِبِكَ قَالَ مَعَ ذَلِكَ صَدَقَةٌ أَوْ لَا، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ لِأَوْلَى النَّاسِ بِالْمُحَبِّسِ يَوْمَ الْمَرْجِعِ مِنْ وَلَدٍ أَوْ عَصَبَةٍ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ سَوَاءٌ يَدْخُلُونَ فِي ذَلِكَ حَبْسًا. وَلَوْ لَمْ تَكُنْ إلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ كَانَتْ لَهَا حَبْسًا لَا يَرْجِعُ إلَى الْمُحَبِّسِ. وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَهِيَ لِذَوِي الْحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَرْجِعِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ، فَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَغْنِيَاءَ فَهِيَ لِأَقْرَبِ النَّاسِ بِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ. وَنَصُّهَا عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 643 مَالِكٌ: مَنْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ أَوْ قَالَ حَبْسٌ عَلَى وَلَدِي وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا مَرْجِعًا، فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَتَرْجِعُ بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ حَبْسًا عَلَى أَوْلَى النَّاسِ بِالتَّحْبِيسِ يَوْمَ الرَّجْعِ وَإِنْ كَانَ الْمُحَبِّسُ، فَقِيلَ لِابْنِ الْمَوَّازِ: مَنْ أَقْرَبُ النَّاسِ بِالْمُحَبِّسِ الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِمْ الْحَبْسُ بَعْدَ انْقِرَاضِ مَنْ حَبَّسَ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَى الْأَقْرَبِ مِنْ الْعَصَبَةِ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ لَوْ كَانَتْ رَجُلًا كَانَتْ عَصَبَةً لِلْمُحَبِّسِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَبْسًا. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ وَلَدُ الْبَنَاتِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَلَا بَنُو الْأَخَوَاتِ وَلَا زَوْجٌ وَلَا زَوْجَةٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا يَدْخُلُ مِنْ النِّسَاءِ مِثْلُ الْعَمَّاتِ وَالْجَدَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَخِ وَالْأَخَوَاتُ أَنْفُسُهُنَّ، شَقَائِقَ كُنَّ أَمْ لِأَبٍ، وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأُمٍّ مُحَمَّدٌ: وَاخْتُلِفَ فِي الْأُمِّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَدْخُلُ فِي مَرْجِعِ الْحَبْسِ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ سَمَّيْت مِنْ النِّسَاءِ وَثَمَّ عَصَبَةٌ مَعَهُنَّ وَالنِّسَاءُ أَقْرَبُ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: يَدْخُلُونَ كُلُّهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَعَةً فَلْيَبْدَأْ بِإِنَاثِ ذُكُورِ وَلَدِهِ عَلَى الْعَصَبَةِ ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِمَّنْ سَمَّيْت، وَكَذَلِكَ الْعَصَبَةُ الرِّجَالُ يُبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا النِّسَاءُ كَانَ لَهُنَّ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْهُنَّ. مُحَمَّدٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْت أَنْ يُنْظَرَ إلَى حَبْسِهِ أَوَّلَ مَا حَبَسَ، فَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَرَادَ الْمَسْكَنَةَ وَأَهْلَ الْحَاجَةِ جُعِلَ مَرْجِعُهُ كَذَلِكَ عَلَى مَنْ يَرْجِعُ، فَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَرَادَ مَعَ ذَلِكَ الْقَرَابَةَ وَأَثَرْتُهُمْ رَجَعَ عَلَيْهِمْ وَأُوثِرَ أَهْلُ الْحَاجَةِ إنْ كَانَ فِيهِمْ أَغْنِيَاءُ، قَالَهُ مَالِكٌ. وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَغْنِيَاءَ فَهِيَ لِأَقْرَبِ النَّاسِ. فَهَؤُلَاءِ الْأَغْنِيَاءُ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ. مُحَمَّدٌ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ فَقِيرٌ رُدَّتْ إلَيْهِمْ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْغَنَاءِ وَكَانَ أَوْلَاهُمْ فِيهَا الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ فِي الْمَرْجِعِ. فَإِنْ اشْتَرَطَ أَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَى فَلَا شَرْطَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ عَلَيْهِمْ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَقْعَدَ بِهِ يَوْمَ الْمَرْجِعِ إلَّا أُخْتٌ أَوْ بِنْتُ الِابْنِ ذَلِكَ لَهَا وَحْدَهَا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهَا ذَكَرٌ كَانَ بَيْنَهُمَا شَرْطَيْنِ (فَإِنْ ضَاقَ قَدَّمَ الْبَنَاتِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَعَةً فَلْيَبْدَأْ بِإِنَاثِ ذُكُورِ وَلَدِهِ عَلَى الْعَصَبَةِ. (وَعَلَى اثْنَيْنِ وَبَعْدَهُمَا عَلَى الْفُقَرَاءِ نَصِيبُ مَنْ مَاتَ لَهُمْ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ حَبَسَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَحِصَّتُهُ لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ كَانَتْ غَلَّةً وَإِنْ كَانَتْ كَرُكُوبِ دَابَّةٍ وَشِبْهِهِ فَرِوَايَتَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُؤْخَذَانِ مِنْ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِيهَا: مَنْ حَبَسَ حَائِطًا عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ فَكَانُوا يَلُونَهُ وَيَسْقُونَهُ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ طِيبِ الثَّمَرَةِ، فَجَمِيعُهَا لِبَقِيَّةِ أَصْحَابِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَلُوا عَمَلَهَا. وَإِنَّمَا تُقْسَمُ عَلَيْهِمْ الْغَلَّةُ فَنَصِيبُ الْمَيِّتِ لِرَبِّ النَّخْلِ. ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ إلَى رَدِّ ذَلِكَ لِمَنْ بَقِيَ، وَبِهَذَا أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَفِي نَقْلِ حَظٍّ مُعَيَّنٍ مِنْ طَبَقَةٍ بِمَوْتِهِ لِمَنْ بَقِيَ فِيهَا أَوْ لِمَا بَعْدَهَا قَوْلَانِ، بِالْأَوَّلِ أَفْتَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 644 ابْنُ الْحَاجِّ، وَبِالثَّانِي أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ، وَأَلَّفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْ الْكَافِي: مَنْ حَبَسَ سَيْفًا أَوْ دَابَّةً أَوْ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا عَلَى رَجُلَيْنِ حَيَاتَهُمَا ثُمَّ جَعَلَهُمَا فِي وَجْهٍ آخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِمَا فَمَاتَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ رَجَعَ نَصِيبُهُ عَلَى الْآخَرِ، فَإِذَا مَاتَ الْآخَرُ رَجَعَ فِي الْوَجْهِ الَّذِي جَعَلَهُ فِيهِ بَعْدَهُمَا. وَقَدْ قِيلَ: يَرْجِعُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي جُعِلَ فِيهِ بَعْدَهُمَا وَلَا يَرْجِعُ نَصِيبُهُ عَلَى الْآخَرِ. وَلَوْ كَانَ الشَّيْءُ يَنْقَسِمُ وَلَهُ غَلَّةٌ أَوْ ثَمَرَةٌ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَرْجِعْ نَصِيبُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَرَجَعَ فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ، وَإِنْ حَبَسَ عَلَيْهِمَا مَسْكَنًا فَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ حَبَسَهُ عَلَيْهِمَا لِلسُّكْنَى كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَالسَّيِّدِ، وَإِنْ كَانَ حَبَسَهُ عَلَيْهِمَا لِيَسْتَغِلَّاهُ كَانَ كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا يَتَجَزَّأُ وَيَنْقَسِمُ. (إلَّا كَعَلَى عَشَرَةٍ حَيَاتَهُمْ فَيَمْلِكُهُ بَعْدَهُمْ) اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ حَبْسٌ عَلَى هَؤُلَاءِ النَّفَرِ وَضَرَبَ أَجَلًا أَوْ قَالَ حَيَاتَهُمْ رَجَعَ مِلْكًا اتِّفَاقًا. وَاخْتُلِفَ إنْ لَمْ يُسَمِّ أَجَلًا وَلَا حَيَاةً. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: مَنْ حَبَسَ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا جَعَلَ لَهُ مَرْجِعًا فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ. قَالَ أَصْحَابُهُ الْمَدَنِيُّونَ: يُصْرَفُ لِرَبِّهِ. وَقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 645 الْمِصْرِيُّونَ: يَرْجِعُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ حَبْسًا. (وَفِي كَقَنْطَرَةٍ لَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا فِي مِثْلِهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: شِبْهُ الْمَصْرِفِ مِثْلُهُ إنْ تَعَذَّرَ. قَالَ ابْنُ الْمَكْوِيِّ: مَنْ حَبَسَ أَرْضًا عَلَى مَسْجِدٍ فَخَرِبَ وَذَهَبَ أَهْلُهُ يَجْتَهِدُ الْقَاضِي فِي حَبْسِهِ بِمَا يَرَاهُ الْبَاجِيُّ: لَوْ كَانَتْ أَرْضٌ مُحَبَّسَةٌ لَهُ مِنْ الْمَوْتَى فَضَاقَتْ بِأَهْلِهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُدْفَنُوا فِي الْمَسْجِدِ بِجَانِبِهَا وَذَلِكَ حَبْسٌ كُلُّهُ. قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَلَأَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَقْبَرَةٍ عَفَتْ: لَا بَأْسَ بِبُنْيَانِهَا مَسْجِدًا وَكُلَّمَا كَانَ لِلَّهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِبَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ. وَمِنْ نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: بَلْ الْفَتِيلَةُ مِنْ قِنْدِيلِ الْمَسْجِدِ وَأَخْذُ زَيْتِهِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِمَسْجِدٍ آخَرَ لَجَرَى عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَالْقَرَوِيِّينَ فِي صَرْفِ الْأَحْبَاسِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ، وَعَلَى الْجَوَازِ الْعَمَلُ الْيَوْمُ مِثْلُ صَرْفِ أَحْبَاسِ جَامِعِ الزَّيْتُونَةِ لِجَامِعِ الْمُوَحِّدِينَ وَأَخْذِ حُصْرِهِ السَّنَةَ بَعْدَ السَّنَةَ وَزَيْتِهِ كَذَلِكَ. وَسُئِلَ ابْنُ عَلَاقٍ عَنْ حَبْسٍ عَلَى طُلَّابِ الْعِلْمِ لِلْغُرَبَاءِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ غُرَبَاءُ دُفِعَ لِغَيْرِ الْغُرَبَاءِ قَالَ: وَيَشْهَدُ لِهَذَا فُتْيَا سَحْنُونٍ فِي فَضْلِ الزَّيْتِ عَلَى الْمَسْجِدِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ، وَفُتْيَا ابْنِ دَحُونَ فِي حَبْسٍ عَلَى حِصْنِ تَغْلِبَ عَلَيْهِ يُدْفَعُ فِي حِصْنٍ آخَرَ. قَالَ: وَمَا كَانَ لِلَّهِ وَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ فَجَائِزٌ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ مَا هُوَ لِلَّهِ. وَمِنْهَا فُتْيَا ابْنِ رُشْدٍ فِي فَضْلِ غَلَّاتِ مَسْجِدٍ زَائِدَةٍ عَلَى حَاجَةٍ أَنْ يُبْنَى بِهَا مَسْجِدٌ تَهَدَّمَ. وَقَالَ عِيَاضٌ: إنْ جَعَلَ حَبْسَهُ عَلَى وَجْهٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ كَقَوْلِهِ حَبْسٌ فِي السَّبِيلِ أَوْ فِي وَقَيَّدَ مَسْجِدَ كَذَا أَوْ إصْلَاحِ قَنْطَرَةِ كَذَا. فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَبْسِ الْمُبْهَمِ يُوقَفُ عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَا يَرْجِعُ مِلْكًا فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ الْوَجْهُ بِجَلَاءِ الْبَلَدِ أَوْ فَسَادِ مَوْضِعِ الْقَنْطَرَةِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُبْنَى وُقِفَ إنْ طُمِعَ بِعَوْدِهِ إلَى حَالِهِ أَوْ صُرِفَ فِي مِثْلِهِ. اُنْظُرْ الْبَابَ السَّابِعَ مِنْ الْعُمْرَى مِنْ الْمُنْتَقَى. (وَلَا وُقِفَ لَهَا وَصَدَقَةٌ لِفُلَانٍ فَلَهُ) عِيَاضٌ: إنْ قَالَ مَكَانَ هُوَ حَبْسٌ أَوْ وَقْفٌ هِيَ صَدَقَةٌ، فَإِنْ عَيَّنَهَا لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ فَهِيَ مِلْكٌ لَهُ. وَإِنْ قَالَ دَارِي حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَعَيَّنَ شَخْصًا فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ، هَلْ يَكُونُ مُؤَبَّدًا لَا يَرْجِعُ مِلْكًا فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ رَجَعَتْ حَبْسًا لِأَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحَبِّسِ عَلَى سُنَّةِ مَرَاجِعِ الْأَحْبَاسِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرَابَةٌ رَجَعَتْ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهَا تَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحَبِّسِ عَلَيْهِ مِلْكًا لِلْمُحَبِّسِ أَوْ وَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ كَالْعُمْرَى. (أَوْ لِلْمَسَاكِينِ فُرِّقَ ثَمَنُهَا بِالِاجْتِهَادِ) تَقَدَّمَ نَصُّ عِيَاضٍ: إنْ قَالَ صَدَقَةٌ وَجَعَلَهَا لِمَجْهُولِينَ غَيْرِ مَحْصُورِينَ كَالْمَسَاكِينِ فَهِيَ مِلْكٌ لَهُمْ وَيَجْتَهِدُ النَّاظِرُ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَعْمِيمِهِمْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 647 (وَلَا يُشْتَرَطُ التَّنْجِيزُ) ابْنُ شَاسٍ: لَا يُشْتَرَطُ التَّنْجِيزُ كَمَا إذَا قَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَهُوَ وَقْفٌ، اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا قِيلَ قَوْلُهُ " وَلِلْأَبِ اعْتِصَارُهَا ". (وَحُمِلَ فِي الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: حُكْمُ مُطْلَقِهِ التَّنْجِيزُ مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِاسْتِقْبَالٍ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ حَبَسَ أَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ إنْ كَانَ لِمُعَيَّنٍ اتِّفَاقًا وَلِغَيْرِ مُعَيَّنٍ بِاخْتِلَافٍ انْتَهَى. اُنْظُرْ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ إذَا اشْتَرَطَ الْمُتَقَارِضَانِ ثُلُثَ الرِّبْحِ لِلْمَسَاكِينِ أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمَا بِهِ، وَسَيَأْتِي هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ ". (كَتَسْوِيَةِ أُنْثَى بِذَكَرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: صَوَّرَ الشَّيْخُ وَأَصْبَغُ مَسْأَلَةَ وَلَدِ الْأَعْيَانِ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ ثَلَاثَةٌ، وَكَذَلِكَ وَلَدِ الْوَلَدِ فَتَنْقَسِمُ غَلَّتُهَا عَلَى عَدَدِ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ وَالذَّكَرُ كَالْأُنْثَى، وَتُقْسَمُ بِالسَّوِيَّةِ إنْ اسْتَوَتْ حَالَتُهُمْ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مَسْأَلَةِ وَلَدِ الْأَعْيَانِ: إنَّهُ لَا يُفَضَّلُ الْوَلَدُ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ قَالَ: هُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي جَوَازِ التَّحْبِيسِ عَلَى الْبَنِينَ دُونَ الْبَنَاتِ وَإِنْ تَزَوَّجْنَ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ. (وَلَا التَّأْبِيدُ) ابْنُ شَاسٍ: لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَبْسِ التَّأْبِيدُ بَلْ لَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ مَنْ احْتَاجَ مِنْهُمْ بَاعَ أَوْ أَنَّ الْعَيْنَ الْمُحَبَّسَةَ تَصِيرُ لِآخِرِهِمْ مِلْكًا صَحَّ وَاتُّبِعَ الشَّرْطُ. مُحَمَّدٌ: إذَا قَالَ دَارِي حَبْسٌ عَلَى عَقِبِي وَهِيَ لِلْآخِرِ مِنْهُمْ، فَإِنَّهَا تَكُونُ لِلْآخِرِ مِنْهُمْ بَتْلًا وَهِيَ قَبْلَ ذَلِكَ مُحَبَّسَةٌ، فَإِنْ كَانَ آخِرُهُمْ رَجُلًا يُرْجَى لَهُ عَقِبٌ وُقِفَتْ عَلَيْهِ فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يُعَقِّبْ وَرِثَهَا عَنْهُ وَرَثَتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِمَوْتِهِ أَنَّهَا قَدْ صَارَتْ لَهُ. (وَلَا تَعْيِينُ مَصْرِفِهِ وَصُرِفَ فِي غَالِبٍ وَإِلَّا فَالْفُقَرَاءُ) عِيَاضٌ: أَمَّا لَفْظَةُ الْحَبْسِ الْمُبْهَمِ كَقَوْلِهِ دَارِي حَبْسٌ، فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا وَقْفٌ مُؤَبَّدٌ وَلَا تَرْجِعُ مِلْكًا وَتُصْرَفُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ عُرْفٌ لِلْوُجُوهِ الَّتِي تُوضَعُ فِيهَا الْأَحْبَاسُ وَتُجْعَلُ لَهَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ. (وَلَا قَبُولُ مُسْتَحِقِّهِ إلَّا الْمُعَيَّنَ الْأَهْلَ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ مَا جَازَ صَرْفُ مَنْفَعَةِ الْحَبِيسِ لَهُ أَوْ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا يَصِحُّ رَدُّهُ اُعْتُبِرَ قَبُولُهُ، وَعِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ: لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قَبُولُهُ إلَّا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ أَهْلًا لِلرَّدِّ وَالْقَبُولِ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ هَلْ قَبُولُهُ شَرْطٌ فِي اخْتِصَاصِهِ بِهِ خَاصَّةً أَوْ فِي أَصْلِ الْوَقْفِيَّةِ؟ فَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: مَنْ قَالَ أَعْطُوا فَرَسِي فُلَانًا فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ حَبْسًا أُعْطِيَ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَبْسًا رُدَّ إلَى وَرَثَتِهِ. وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ رَجُلٍ حَبَسَ فَرَسًا عَلَى رَجُلٍ يُجَاهِدُ عَلَيْهِ عَلَى مَنْ يَكُونُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 648 عَلَفُهُ؟ قَالَ: لَا يَلْزَمُ الْمُحَبِّسَ عَلَفُ الْفَرَسِ الَّذِي حَبَسَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ، فَإِنْ أَبَى الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْلِفَهُ رَجَعَ إلَى صَاحِبِهِ مِلْكًا إنْ كَانَ حَبَّسَهُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يُبَتِّلْهُ فِي السَّبِيلِ، فَإِنْ كَانَ بَتَّلَهُ فِي السَّبِيلِ أُخِذَ مِنْهُ إنْ أَبَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَدُفِعَ إلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يُلْزَمُ عَلَفُهُ وَيُجَاهِدُ عَلَيْهِ (فَإِنْ رُدَّ فَكَالْمُنْقَطِعِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَ مُعَيَّنًا وَأَهْلًا، فَإِذَا رُدَّ بِذَلِكَ فَقِيلَ يَرْجِعُ مِلْكًا، وَقِيلَ يَكُونُ لِغَيْرِهِ وَذَلِكَ مِنْ نَصِّ ابْنِ رُشْدٍ إنْ حَبَسَهُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ فَأَبَى أَنْ يَنْفِيَ رَجَعَ إلَى صَاحِبِهِ وَإِلَّا دُفِعَ لِغَيْرِهِ. وَلِلشَّيْخِ: مَنْ أَمَرَ بِشَيْءٍ لِسَائِلٍ فَلَمْ يَقْبَلْهُ دُفِعَ لِغَيْرِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ جُمِعَ لَهُ ثَمَنُ كَفَنٍ ثُمَّ كَفَّنَهُ رَجُلٌ مِنْ عِنْدِهِ رُدَّ مَا جُمِعَ لِأَهْلِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مُوَافِقٌ لِلْمُدَوِّنَةِ إنْ فَضَلَتْ لِلْمُكَاتَبِ فَضْلَةٌ رُدَّتْ عَلَى الَّذِينَ أَعَانُوهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ نَحْوَ هَذَا فِي أَوَّلِ نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ فِيمَنْ طَاعَ بِمَالٍ لِأَسِيرٍ فَهَرَبَ ذَلِكَ الْأَسِيرُ وَأَتَى قَوْمَهُ بِلَا فِدَاءٍ. قَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ كَاَلَّذِي أَخْرَجَ كِسْرَةً لِمِسْكِينٍ فَلَمْ يَجِدْهُ. وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ: بَلْ يُرَدُّ إلَى صَاحِبِهِ كَمَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ فِي الْجَنَائِزِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي قَوْمٍ جَمَعُوا دَرَاهِمَ يُكَفِّنُونَ بِهَا مَيِّتًا فَكَفَّنَهُ رَجُلٌ مِنْ عِنْدِهِ: أَنَّ الدَّرَاهِمَ تُرَدُّ إلَى أَهْلِهَا. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَفِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِيمَنْ أَوْصَى بِدَنَانِيرَ تُنْفَقُ فِي بِنَاءِ دَارٍ مُحَبَّسَةٍ فَاسْتُحِقَّتْ أَنَّ الدَّنَانِيرَ تُرَدُّ إلَى الْوَرَثَةِ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ فِي قَبْرٍ. اُنْظُرْ فَصْلَ الْوَصِيَّةِ مِنْ ابْنِ سَلْمُونَ. (وَاتُّبِعَ شَرْطُهُ إنْ جَازَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مَهْمَا شَرَطَ الْوَاقِفُ مَا يَجُوزُ لَهُ اُتُّبِعَ كَتَخْصِيصِ مَدْرَسَةٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ أَصْحَابِ مَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ. الزَّاهِي: لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ مَا يَجُوزُ أَنْ يُبْدَأَ مِنْ غَلَّتِهَا بِمَنَافِعِ أَهْلِهِ وَيُتْرَكُ إصْلَاحُ مَا يَتَخَرَّمُ مِنْهُ بَطَلَ شَرْطُهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ كَثِيرًا مَا يُتَّفَقُ أَنْ يُتْرَكَ الْحَبْسُ بِلَا إصْلَاحٍ وَالْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ يَسْتَغِلُّهُ، هَلْ يَلْزَمُهُ فِي مَالِهِ إصْلَاحُ مَا وَهِيَ مِنْهُ؟ اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " لَا يُشْتَرَطُ إصْلَاحُهُ ". وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ: إنْ تَرَكَ الْوَكِيلُ جَنَّاتِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَكُرُومَهُ وَأَهْمَلَ عِمَارَتَهَا حَتَّى تَبَوَّرَتْ وَيَبِسَتْ، فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا نَقَصَ مِنْهَا لِتَضْيِيعِهِ إيَّاهَا. وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْحَبْسِ. وَإِنَّ مَنْ كَسَرَ خَشَبَةً أَعَادَ الْبُنْيَانَ كَمَا كَانَ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَتُهُ. وَمِنْ ابْنِ عَرَفَةَ إنْ كَانَ عُلْوٌ وَسُفْلٌ لِرَجُلَيْنِ فَلِرَبِّ الْعُلْوِ رَدُّ تَحْبِيسِ ذِي السُّفْلِ سُفْلَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ فَسَدَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُصْلِحُهُ لَهُ وَكَذَا الْعَكْسُ. (لِتَخْصِيصِ مَذْهَبٍ أَوْ نَاظِرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: النَّظَرُ فِي الْحَبْسِ لِمَنْ جَعَلَهُ إلَيْهِ مُحَبِّسُهُ. الْمُتَيْطِيُّ: يَجْعَلُهُ لِمَنْ يُوثَقُ بِهِ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ، فَإِنْ غَفَلَ الْمُحَبِّسُ عَنْ ذَلِكَ كَانَ النَّظَرُ فِيهِ لِلْقَاضِي يُقَدِّمُ لَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 649 مَنْ يَقْتَضِيهِ وَيَجْعَلُ لِلْقَائِمِ بِهِ مِنْ كِرَائِهِ مَا يَرَاهُ سَدَادًا عَلَى حَسَبِ اجْتِهَادِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَلَوْ قَدَّمَ الْمُحَبِّسُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 658 مَنْ رَآهُ لِذَلِكَ أَهْلًا فَلَهُ عَزْلُهُ وَاسْتِبْدَالُهُ. (أَوْ تَبْدِئَةِ فُلَانٍ بِكَذَا وَإِنْ مِنْ غَلَّةِ ثَانِي عَامٍ إنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ) الْمُتَيْطِيُّ: إذَا شَرَطَ الْمُحَبِّسُ فِي حَبْسِهِ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ غَلَّتِهِ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فِي كُلِّ عَامٍ أَوْ يُخْرِجَ مِنْهُ كَذَا رُبُعًا مِنْ زَيْتٍ لِمَسْجِدِ كَذَا، أَوْ شَرَطَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ حَيَاتَهُ جَازَ إنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا بَطَلَ الْحَبْسُ إنْ كَانَ هُوَ الْحَائِزَ عَلَى مَنْ يَلِي، وَإِنْ كَانَ الْحَائِزُ مَنْ قَبَضَ لِنَفْسِهِ بَطَلَ مَا وَقَعَ فِيهِ الشَّرْطُ انْتَهَى. وَانْظُرْ: فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ يَجْرِي مِنْ غَلَّةِ حَبْسِي عَلَى فُلَانٍ كُلَّ عَامٍ كَذَا وَكَذَا، وَبَيْنَ أَنْ يَجْرِي عَلَى فُلَانٍ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ كَذَا وَكَذَا، فَفِي الْوَجْهِ الْوَاحِدِ يَقُولُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْعَامِ غَلَّةٌ أَخَذَ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الْعَامِ الْآخَرِ، وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ لَا شَيْءَ لَهُ. (أَوْ أَنَّ مَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ مِنْ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ بَاعَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا التَّأْبِيدُ ". وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 659 مَنْ حَبَسَ دَارِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَقَالَ فِي حَبْسِهِ: إنْ احْتَاجُوا أَوْ اجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ عَلَى بَيْعِهَا بَاعُوهَا وَاقْتَسَمُوا الثَّمَنَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ فَهَلَكُوا جَمِيعًا إلَّا وَاحِدًا فَأَرَادَ بَيْعَهَا فَقَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ لَهُ وَلَا حَقَّ فِيهَا لِأَحَدٍ مِنْ وَلَدِ بَنَاتِ الْمُحَبِّسِ إنْ طَلَبُوا مِيرَاثَهُمْ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ بَتَّلَهَا خَاصَّةً فِي صِحَّتِهِ فَلَيْسَ لِسِوَاهُمْ مِنْ وَرَثَةِ أَبِيهِمْ فِيهَا حَقٌّ. (وَإِنْ تَسَوَّرَ عَلَيْهِ قَاضٍ أَوْ غَيْرُهُ رَجَعَ لَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ شَرَطَ الْمُحَبِّسُ فِي حَبْسِهِ أَنَّهُ إنْ نَظَرَ قَاضٍ أَوْ غَيْرُهُ فِي حَبْسِهِ هَذَا فَجَمِيعُهُ رَاجِعٌ إلَيْهِ إنْ كَانَ حَيًّا، أَوْ لِوَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا، أَوْ صَدَقَةً بَتْلَةً عَلَى فُلَانٍ فَلَهُ شَرْطُهُ. (كَعَلَى وَلَدِي وَلَا وَلَدَ لَهُ) ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَبَّسَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ، فَإِنْ وُلِدَ لَهُ فَلَا بَيْعَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤَيِّسَ لَهُ مِنْ الْوَلَدِ، وَأَمَّا إنْ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لَهُ فَلَا حَبْسَ وَيَصِيرُ مِيرَاثًا. (لَا بِشَرْطِ إصْلَاحِهِ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَبَسَ دَارًا عَلَى رَجُلٍ وَوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، وَاشْتَرَطَ عَلَى الَّذِي حَبَسَ عَلَيْهِ إصْلَاحَ مَا يَرِثُّ مِنْهَا مِنْ مَالِهِ لَمْ يَجُزْ وَهَذَا كِرَاءٌ مَجْهُولٌ، وَلَكِنْ يَمْضِي ذَلِكَ وَتَكُونُ مَرَمَّتُهَا مِنْ غَلَّتِهَا؛ لِأَنَّهَا فَاتَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَا يُشْبِهُ الْبُيُوعَ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَبَّسَ عَلَى رَجُلٍ فَرَسًا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ هُوَ لَهُ مِلْكٌ بَعْدَ الْأَجَلِ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ إذْ قَدْ يَهْلِكُ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَتَيْنِ فَيَذْهَبُ عَلَفُهُ بَاطِلًا. (كَأَرْضٍ مُوَظَّفَةٍ إلَّا مِنْ غَلَّتِهَا عَلَى الْأَصَحِّ) لِلْمُتَيْطِيِّ فِي هَذَا كَلَامٌ طَوِيلٌ وَمِنْهُ: إذَا تَصَدَّقَ عَلَى مَسَاكِينَ أَوْ مَسْجِدٍ بِمِلْكٍ مُوَظَّفٍ نَظَرَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ قَبُولُهُ بِوَظِيفَةٍ نَظَرًا لِلْمَسْجِدِ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ قَبْلَهُ وَأَمْضَى الْحَبْسَ أَوْ الصَّدَقَةَ وَإِلَّا فَسَخَ ذَلِكَ وَرَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ فِيمَا تُصُدِّقَ بِهِ كَذَلِكَ عَلَى وَلَدِهِ. رَاجِعْ كِتَابَ الصَّدَقَةِ مِنْ الْمُتَيْطِيِّ. (أَوْ عَدَمِ بَدْءٍ بِإِصْلَاحِهِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ: شَرْطُ الْوَاقِفِ الْبُدَاءَةَ بِمَنَافِعِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عَلَى إصْلَاحِهِ بَاطِلٌ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَاتُّبِعَ شَرْطُهُ " (وَنَفَقَةٍ) اُنْظُرْ أَنْتَ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا؟ هَلْ هُوَ يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَبْلُ قَوْلَهُ " فَإِنْ رُدَّ فَكَمُنْقَطِعٍ " وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ دَفَعَ فَرَسًا لِمَنْ يَغْزُو عَلَيْهِ سَنَتَيْنِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ فِيهِمَا ثُمَّ هُوَ لَهُ مِلْكٌ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ. (وَأُخْرِجَ السَّاكِنُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 660 الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لِلسُّكْنَى إنْ لَمْ يَصْلُحْ لِتُكْرَى لَهُ) اللَّخْمِيِّ: النَّفَقَةُ عَلَى الْحَبْسِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ نَفَقَتُهُ مِنْ غَلَّتِهِ إنْ كَانَ عَلَى مَجْهُولٍ أَوْ عَلَى الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَذَلِكَ دِيَارُ الْغَلَّةِ وَالْحَوَائِطِ وَالْفَنَادِقِ وَنَفَقَتُهَا إنْ احْتَاجَتْ إلَى إصْلَاحٍ مِنْ غَلَّتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الدِّيَارُ لِلسُّكْنَى خُيِّرَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ بَيْنَ أَنْ يُصْلِحَ أَوْ يَخْرُجَ فَتُكْرَى بِمَا تُصْلَحُ بِهِ ثُمَّ يَعُودُ (وَأُنْفِقَ فِي كَفَرَسٍ لِغَزْوِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ عَدِمَ بِيعَ وَعُوِّضَ بِهِ سِلَاحٌ) اللَّخْمِيِّ: وَقِسْمٌ لَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّتِهِ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ مَجْهُولٍ وَذَلِكَ الْخَيْلُ لَا تُؤَاجَرُ فِي النَّفَقَةِ، فَإِنْ كَانَتْ حَبْسًا فِي السَّبِيلِ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُبْعَثُ وَيُشْتَرَى بِالثَّمَنِ مَا لَا يُحْتَاجُ إلَى نَفَقَتِهِ كَالسِّلَاحِ وَالدُّرُوعِ، وَإِنْ كَانَتْ حَبْسًا عَلَى مُعَيَّنٍ أُنْفِقَ عَلَيْهَا فَإِنْ قَبِلَهَا عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ. (كَمَا لَوْ كَلِبَ) مَنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا ضَعُفَ مِنْ الدَّوَابِّ الْمُحَبَّسَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِ قُوَّةٌ عَلَى الْغَزْوِ بِيعَتْ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهَا مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ الْخَيْلِ فَيُجْعَلُ فِي السَّبِيلِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ فَرَسٍ أَوْ هَجِينٍ أَوْ بِرْذَوْنٍ فَلْيُعِنْ بِذَلِكَ فِي ثَمَنِ فَرَسٍ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ يَكْلَبُ وَيَخْبُثُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَا بَلِيَ مِنْ الثِّيَابِ الْمُحَبَّسَةِ وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ بِيعَتْ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهَا ثِيَابٌ يُنْتَفَعُ بِهَا فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ تُصُدِّقَ بِهِ فِي السَّبِيلِ. (وَبِيعَ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ عَقَارٍ فِي مِثْلِهِ أَوْ شِقْصِهِ) ابْنُ شَاسٍ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا سِوَى الْعَقَارِ إذَا ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ الَّتِي وُقِفَ لَهَا كَالْفَرَسِ يَكْلَبُ أَوْ يَهْرَمُ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِيهَا. وَقَوْلُهُ " أَوْ الثَّوْبُ يَخْلَقُ " بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي وُقِفَ لَهُ وَشِبْهِ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ وَيُجْعَلُ مَكَانَهُ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى كَامِلٍ مِنْ جِنْسِهِ جُعِلَ فِي شِقْصٍ مِنْ مِثْلِهِ اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " كَمَا لَوْ كَلِبَ ". (كَأَنْ أَتْلَفَ) ابْنُ شَاسٍ: مَنْ هَدَمَ حَبْسًا مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْبُنْيَانَ كَمَا كَانَ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْقِيمَةُ، وَأَمَّا إنْ قَتَلَ حَيَوَانًا وُقِفَ كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ أُخِذَتْ مِنْهُ الْقِيمَةُ فَاشْتُرِيَ بِهَا مِثْلُهُ وَجُعِلَ وَقْفًا مَكَانَهُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فَشِقْصٌ مِنْ مِثْلِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْهَدْمِ الْقِيمَةُ مُطْلَقًا. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَاتُّبِعَ شَرْطُهُ ". (وَفَضْلُ الذُّكُورِ وَمَا كَبُرَ مِنْ الْإِنَاثِ فِي إنَاثٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَدُ الْحَيَوَانِ الْمُحَبَّسِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 661 مِثْلُهُ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا وَلَدَتْ بَقَرَاتٌ حُبِسَتْ يُقْسَمُ لَبَنُهَا فِي الْمَسَاكِينِ مِنْ أُنْثَى حُبِسَتْ مَعَهَا وَيُحْبَسُ وَلَدُهَا الذَّكَرُ لِنَزْوِهَا، وَمَا فَضَلَ مِنْ ذُكُورِهَا وَمَا كَبُرَتْ مِنْ أُنْثَى فَذَهَبَ لَبَنُهَا بِيعَا وَرُدَّ ثَمَنُهُمَا فِي إنَاثٍ أَوْ فِي عُلُوفَتِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ مَا ضَعُفَ مِنْ دَوَابِّ حَبْسِ السَّبِيلِ أَوْ بَلِيَ مِنْ ثِيَابِهِ فَذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ بِيعَ وَرُدَّ مِنْ ثَمَنِ الدَّوَابِّ فِي خَيْلٍ، فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ ثَمَنَ فَرَسٍ أَوْ هَجِينٍ أَوْ بِرْذَوْنٍ أُعِينَ بِهِ فِي ثَمَنِ فَرَسٍ وَرُدَّ ثَمَنُ الثِّيَابِ فِي ثِيَابٍ، فَإِنْ قَصُرَ مِنْ ثَمَنِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ فُرِّقَ فِي السَّبِيلِ. (لَا عَقَارٌ وَإِنْ خَرِبَ) ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا: يُمْنَعُ بَيْعُ مَا خَرِبَ مِنْ رَبْعِ الْحَبْسِ مُطْلَقًا. قَالَ ابْنُ الْجَهْمِ: إنَّمَا لَمْ يُبَعْ الرَّبْعُ الْمُحَبَّسُ إذَا خَرِبَ؛ لِأَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يُصْلِحُهُ بِإِجَارَتِهِ سِنِينَ فَيَعُودُ كَمَا كَانَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَفِيهَا لِرَبِيعَةَ أَنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُ الرَّبْعَ إذَا رَأَى ذَلِكَ لِخَرَابِهِ وَهُوَ إحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ اهـ. مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ ثُمَّ قَالَ: فِي جَوَازِ الْمُنَاقَلَةِ لِرَبْعٍ غَيْرِ خَرِبٍ قَوْلَا الشَّيْخِ فِي رِسَالَتِهِ وَابْنِ شَعْبَانَ. وَعِبَارَةُ الرِّسَالَةِ: وَلَا يُبَاعُ الْحَبْسُ وَإِنْ خَرِبَ ثُمَّ قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي الْمُعَاوَضَةِ بِالرَّبْعِ الْخَرِبِ بِرَبْعٍ غَيْرِ خَرِبٍ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْقِطْعَةُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُحَبَّسَةِ انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهَا جُمْلَةً وَعَجَزَ عَنْ عِمَارَتِهَا وَكِرَائِهَا، فَلَا بَأْسَ بِالْمُعَاوَضَةِ فِيهَا بِمَكَانٍ يَكُونُ حَبْسًا مَكَانَهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ بِحُكْمٍ مِنْ الْقَاضِي بَعْدَ ثُبُوتِ ذَلِكَ السَّبَبِ وَالْغِبْطَةُ فِي ذَلِكَ لِلْعِوَضِ عَنْهُ وَيُسَجَّلُ ذَلِكَ وَيُشْهَدُ بِهِ اهـ. وَانْظُرْ مَنْ عَهِدَ بِمَالٍ لِيُشْتَرَى بِهِ مِلْكٌ فَيُحْبَسُ لَيْسَ هَذَا الْحَبْسُ كَمَنْ يَشْتَرِي مِلْكًا لِنَفْسِهِ فَحَبَسَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا اشْتَرَى الْحَبْسَ لِلْإِيصَاءِ إلَيْهِ بِذَلِكَ فَلَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَتَحْبِيسُهُ إنَّمَا هُوَ إعْلَامٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى مِنْ مَالِ الْمُوصِي عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ إلَيْهِ، هَكَذَا فِي نَوَازِلِ عِيَاضٍ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ. وَانْظُرْ أَيْضًا مِنْ بَابِ بَيْعِ مَا اشْتَرَى مِنْ وَفْرِ فَوَائِدِ أَحْبَاسِ الْمَسَاجِدِ إذَا اُحْتِيجَ لِبَيْعِهِ، وَانْظُرْ فِي النَّوَازِلِ الْمَذْكُورَةِ قَدْ ذُكِرَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ مَا يُعَارِضُ هَذَا. (وَنَقْضٌ) الزَّاهِي: لَا يُبَاعُ نَقْضُ الْمُحَبَّسِ، وَأَجَازَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بَيْعَهُ وَلَا أَقُولُهُ. وَفِي الطُّرَرِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْغَفُورِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَوَاضِعِ الْمَسَاجِدِ الْخَرِبَةِ؛ لِأَنَّهَا وَقْفٌ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ نَقْضِهَا إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ لِلضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ، وَتَوْقِيفُهُ لَهَا إنْ رُجِيَ عِمَارَتُهَا أَمْثَلُ، وَإِنْ لَمْ يُرْجَ عِمَارَتُهَا بِيعَ وَأُعِينَ بِثَمَنِهَا فِي غَيْرِهِ أَوْ صُرِفَ النَّقْضُ إلَى غَيْرِهِ وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إنْ فُقِدَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَلَمْ تُرْجَ لَهُ عِمَارَةٌ أَنَّهُ يُبَاعُ أَصْلُهُ وَيُنْفَقُ فِي أَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِمَا قِيلَ فِي الْفَرَسِ الْمُحَبَّسِ يَكْلَبُ، وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ مُزَيْنٍ أَنَّهُ يُؤْخَذُ نَقْضُهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَيُتْرَكُ مَا يَكُونُ عَلَمًا لَهُ لِئَلَّا يُدْرَسَ أَثَرُهُ. وَنَحْوُهُ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ الْمُوَثَّقُ: جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا بِبَيْعِ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْمُشَاوِرُ فِي شِقْصٍ مُحَبَّسٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ يُبَاعُ الْجَمِيعُ وَيُشْتَرَى مَا يَقَعُ مِنْهُ لِلْحَبْسِ مِثْلُ مَا بِيعَ فِيهِ فَيَكُونُ صَدَقَةً مُحَبَّسَةً مُسَبَّلَةً كَمَا سَبَّلَهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 662 صَاحِبُهَا. قَالَ: وَبِهِ الْعَمَلُ. قَالَ: وَهِيَ فِي الْوَاضِحَةِ مَنْصُوصَةٌ. وَأَفْتَى ابْنُ عَرَفَةَ فِي جَوَامِعَ خَرِبَتْ وَأَيِسَ مِنْ عِمَارَتِهَا بِرَفْعِ أَنْقَاضِهَا إلَى مَسَاجِدَ عَامِرَةٍ احْتَاجَتْ إلَيْهَا. (وَلَوْ بِغَيْرِ خَرِبٍ) قَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُبَاعُ الْحَبْسُ وَإِنْ خَرِبَ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُعَاوَضَةِ بِهِ وَكَذَلِكَ نَقَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ مَسْأَلَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ خَلِيلٌ. (إلَّا لِتَوْسِيعِ كَمَسْجِدٍ) سَحْنُونَ: لَمْ يُجِزْ أَصْحَابُنَا بَيْعَ الْحَبْسِ بِحَالٍ إلَّا دَارًا بِجِوَارِ مَسْجِدٍ اُحْتِيجَ أَنْ يُضَافَ إلَيْهَا لِيَتَوَسَّعَ بِهَا فَأَجَازُوا بَيْعَ ذَلِكَ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهَا دَارٌ تَكُونُ حَبْسًا، وَقَدْ أُدْخِلَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُورٌ مُحَبَّسَةٌ كَانَتْ تَلِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ كَقَوْلِ سَحْنُونٍ. وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مَالِكٍ وَالْأَخَوَيْنِ وَأَصْبَغَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجُوزُ فِي مَسَاجِدِ الْجَوَامِعِ إنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ وَلَا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ إذْ لَيْسَتْ الضَّرُورَةُ فِيهَا كَالْجَوَامِعِ. وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الدَّارِ الْمُحَبَّسَةِ وَغَيْرِهَا، وَيُكْرِهُ النَّاسُ السُّلْطَانَ عَلَى بَيْعِهَا إذَا احْتَاجَ النَّاسُ إلَيْهَا لِجَامِعِهِمْ الَّذِي فِيهِ الْخُطْبَةُ، وَكَذَلِكَ الطَّرِيقُ إلَيْهَا لَا إلَى الْمَسَاجِدِ الَّتِي لَا خُطْبَةَ فِيهَا وَالطُّرُقُ الَّتِي فِي الْقَبَائِلِ لِأَقْوَامٍ. قَالَ مُطَرِّفٌ: وَإِذَا كَانَ النَّهْرُ بِجَانِبِ طَرِيقٍ عُظْمَى مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَسْلُكُ عَلَيْهَا الْعَامَّةُ فَحَفَرَهَا حَتَّى قَطَعَهَا، فَإِنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْأَرْضِ الَّتِي حَوْلَهَا يُجْبَرُونَ عَلَى بَيْعِ مَا يُوَسَّعُ بِهِ الطَّرِيقُ. (وَلَوْ جَبْرًا) ابْنُ رُشْدٍ: وَاخْتَلَفَ مُتَأَخِّرُو الشُّيُوخِ إنْ امْتَنَعُوا مِنْ الْبَيْعِ لِلْمَسْجِدِ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: تُؤْخَذُ مِنْهُمْ بِالْقِيمَةِ جَبْرًا وَهُوَ الْآتِي عَلَى سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ بِجَعْلِ الثَّمَنِ فِي دَارٍ أُخْرَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 663 ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذَا نَظَرٌ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَدْ ذَكَرُوا نَظَائِرَ لِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَنْ انْهَارَتْ بِئْرُهُ وَالْمَاءُ لِمَنْ بِهِ عَطَشٌ وَالْمُحْتَكِرُ، وَمِثْلُ جَارِ الطَّرِيقِ جَارُ السَّاقِيَةِ، وَكَذَلِكَ الْعِلْجُ لِفِدَاءِ مُسْلِمٍ، وَالْفَرَسُ يَطْلُبُهُ السُّلْطَانُ إنْ لَمْ يُدْفَعْ لَهُ جَبَرَ النَّاسَ، وَالْفَدَّانُ فِي قُرْبِ الْجَبَلِ إذَا احْتَاجَ النَّاسُ إلَيْهِ لِتَخَلُّصِهِمْ لِأَجْلِ وَعَرِهِ. (وَأُمِرُوا بِجَعْلِ ثَمَنِهِ فِي غَيْرِهِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ " فِي قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ نَظَرٌ " وَتَقَدَّمَ نَصُّ سَحْنُونٍ " وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهَا دَارًا تَكُونُ حَبْسًا " (وَمَنْ هَدَمَ وَقْفًا فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " كَأَنْ أَتْلَفَ ". (وَتَنَاوَلَ الذُّرِّيَّةُ وَوَلَدُ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ أَوْ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ وَأَوْلَادُهُمْ الْحَفِيدَ) أَمَّا الذُّرِّيَّةُ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي الذُّرِّيَّةِ وَالنَّسْلِ؛ فَقِيلَ إنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْعَقِبِ، وَالْوَلَدُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَقِيلَ: إنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِيهَا. وَفَرَّقَ ابْنُ الْعَطَّارِ فَقَالَ: النَّسْلُ كَالْوَلَدِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 664 وَالْعَقِبُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ بِخِلَافِ الذُّرِّيَّةِ فَتَشْمَلُ وَلَدَ الْبَنَاتِ اتِّفَاقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ} [الأنعام: 84] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَعِيسَى} وَهُوَ وَلَدُ بِنْتٍ. ابْنُ رُشْدٍ: صَحِيحٌ فِي أَنَّ وَلَدَ بِنْتِ الرَّجُلِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَكَذَا نَقُولُ فِي نَسْلِهِ وَعَقِبِهِ انْتَهَى. وَأَمَّا وَلَدَيْ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ وَأَوْلَادُهُمْ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا إذَا قَالَ حَبَسْت عَلَى وَلَدِي وَيُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ ثُمَّ يُقَالُ وَعَلَى أَوْلَادِهِمْ، فَإِنَّ وَلَدَ الْبَنَاتِ يَدْخُلُونَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ زَرْبٍ فَهُوَ خَطَأٌ. وَأَمَّا لَفْظُ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَأَوْلَادِهِمْ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا قَالَ حَبَسْت عَلَى أَوْلَادِي ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ وَلَمْ يُسَمِّهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى أَعْقَابِهِمْ، فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ يَدْخُلُونَ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ سَمَّى بِخِلَافِ إذَا قَالَ أَوْلَادِي وَلَمْ يَقُلْ ذُكُورَهُمْ وَإِنَاثَهُمْ لِلْعِلَّةِ الَّتِي قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ لَفْظَ الْأَوْلَادِ لَا يُوقِعُهُ النَّاسُ إلَّا عَلَى الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ (لَا نَسْلِي) قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ النَّسْلُ كَالْوَلَدِ وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِيهِ وَفِي الذُّرِّيَّةِ وَاحِدًا فَانْظُرْ أَنْتَ هَذَا. (وَعَقِبِي وَوَلَدِي) ابْنُ رُشْدٍ: لَا فَرْقَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ لَفْظِ الْعَقِبِ وَالْوَلَدِ فِي الْمَعْنَى. فَإِذَا قَالَ الْمُحَبِّسُ حَبَسْت عَلَى وَلَدِي أَوْ عَلَى أَوْلَادِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ الْحَبْسُ عَلَى أَوْلَادِهِ بَنِيهِ الذُّكْرَانِ وَالْإِنَاثِ وَعَلَى أَوْلَادِ بَنِيهِ الذُّكْرَانِ دُونَ الْإِنَاثِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الْبَنَاتِ لَا مِيرَاثَ لَهُمْ. (وَوَلَدُ وَلَدِي وَأَوْلَادِي وَأَوْلَادُ أَوْلَادِي وَبَنِي وَبَنِي بَنِيَّ) ابْنُ رُشْدٍ: إذَا قَالَ حَبَسْت عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي أَوْ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّيُوخِ إلَى أَنَّ وَلَدَ الْبَنَاتِ يَدْخُلُونَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 665 لِوَلَدِ الْبَنَاتِ. اُنْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ فَكَأَنَّهُ رَشَّحَ أَنْ لَا شَيْءَ لِوَلَدِ الْبَنَاتِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا لَفْظُ " الْبَنِينَ " فِي قَوْلِهِ حَبَسْت عَلَى بَنِيَّ أَوْ عَلَى بَنِيَّ وَبَنِيهِمْ فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَالْحُكْمِ فِي لَفْظِ الْوَلَدِ وَالْعَقِبِ. (وَفِي وَلَدِي وَوَلَدِهِمْ قَوْلَانِ) ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا إذَا قَالَ حَبَسْت عَلَى وَلَدِي وَأَوْلَادِهِمْ، فَرَوَى ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ لَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ فِي هَذَا الْحَبْسِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَدُخُولُهُمْ بِهِ أَبْيَنُ وَبِهِ قَضَى ابْنُ الْقَاسِمِ. (وَالْإِخْوَةُ الْأُنْثَى) ابْنُ شَعْبَانَ: لَفْظُ " إخْوَتِي " يَشْمَلُ إخْوَتَهُ وَلَوْ لِأُمٍّ فَقَطْ ذُكُورَهُمْ وَإِنَاثَهُمْ. (وَرِجَالُ إخْوَتِي وَنِسَاؤُهُمْ الصِّغَارُ) ابْنُ شَعْبَانَ: لَفْظُ رِجَالِ إخْوَتِي وَنِسَائِهِمْ يَشْمَلُ أَطْفَالَ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ. (وَبَنُو أَبِي إخْوَتَهُ الذُّكُورَ وَأَوْلَادَهُمْ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَتَنَاوَلُ بَنُو أَبِي إخْوَتَهُ الذُّكُورَ وَأَوْلَادَهُمْ الذُّكُورَ. ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ: لَفْظُ بَنُو أَبِي يَشْمَلُ إخْوَتَهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَإِخْوَتَهُ لِأَبِيهِ فَقَطْ وَمَنْ كَانَ ذَكَرًا مِنْ أَوْلَادِهِمْ خَاصَّةً مَعَ ذُكُورِ وَلَدِهِ ابْنُ شَاسٍ: هَذَا يُشْعِرُ أَنَّهُ لَا يَرَى دُخُولَ الْإِنَاثِ تَحْتَ قَوْلِهِ " بَنِي " وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَةِ فِي لَفْظِ الْبَنِينَ. (وَآلِي وَأَهْلِي الْعَصَبَةَ وَمَنْ لَوْ رُجِّلَتْ لَعَصَّبَتْ) ابْنُ الْقَاسِمِ: الْآلُ الْأَهْلُ سَوَاءٌ وَهُمْ الْعَصَبَةُ وَالْبَنَاتُ وَالْعَمَّاتُ لَا الْخَالَةُ. الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ الْعَصَبَةَ وَمَنْ فِي عَقْدِهِمْ مِنْ النِّسَاءِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَتَدْخُلُ بَنَاتُ الْعَمِّ. (وَأَقَارِبِي أَقَارِبَ جِهَتَيْهِ مُطْلَقًا وَإِنْ قَصَوْا) مَالِكٌ: مَنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ قُسِمَ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ بِالِاجْتِهَادِ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ وَلَدُ الْبَنَاتِ. قَالَ عِيسَى: وَيُنْظَرُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ مَا يُرَى وَيُنْزَلُ فَرُبَّمَا لَمْ يَدَعْ غَيْرَ وَلَدِ الْبَنَاتِ وَوَلَدِ الْخَالَاتِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ فَيُعْطَوْا حِينَئِذٍ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يَدْخُلُ الْخَالُ وَلَا الْخَالَةُ وَلَا قَرَابَتُهُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ. (وَمَوَالِيهِ الْمُعْتَقَ وَوَلَدَهُ وَمُعْتَقَ أَبِيهِ وَابْنَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِمَوَالِي فُلَانٍ وَلَهُ مَوَالٍ أَنْعَمُوا عَلَيْهِ وَمَوَالٍ أَنْعَمَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 666 عَلَيْهِمْ كَانَ لِمَوَالِيهِ الْأَسْفَلِينَ دُونَ الْأَعْلَيْنَ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ لَهُ مَوَالٍ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَمَوَالٍ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ وَمَوَالٍ مِنْ قِبَلِ قَرَابَةٍ يُوَارِثُونَهُ، فَلْيُبْدَأْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ دَنِيَّةً، وَيُعْطَى الْآخَرُونَ مِنْهُ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ سَعَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْأَبْعَدِ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ مِنْ الْأَقَارِبِ فَيُؤْثَرُونَ عَلَيْهِ وَيُبْدَأُ أَهْلُ الْحَاجَةِ أَبَاعِدُ وَغَيْرُهُمْ وَمَا فِي ذَلِكَ أَمْرٌ بَيِّنٌ غَيْرَ مَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ وَيُرَى أَنَّهُ أَرَادَهُ. ابْنُ شَاسٍ: لَفْظُ " الْمَوَالِي " يَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَدْخُلُ مَعَهُمْ فِي الْحَبْسِ، فَرَوَى أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهُمْ مَوَالِي أَبِيهِ وَمَوَالِي ابْنِهِ وَمَوَالِي الْمَوَالِي. (وَقَوْمُهُ عَصَبَتُهُ فَقَطْ) ابْنُ شَعْبَانَ: لَفْظُ الْقَوْمِ هُوَ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ الْعَصَبَةِ دُونَ النِّسَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ} [الحجرات: 11] وَقَالَ زُهَيْرٌ: أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَبِلَ هَذَا الْبَاجِيُّ. (وَطِفْلٌ وَصَبِيٌّ وَصَغِيرٌ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهُمْ وَشَابٌّ وَحَدَثٌ لِأَرْبَعَيْنِ وَإِلَّا فَكَهْلٌ لِلسِّتَّيْنِ وَإِلَّا فَشَيْخٌ وَشَمَلَ الْأُنْثَى كَالْأَرْمَلِ) أَمَّا طِفْلٌ وَصَبِيٌّ وَصَغِيرٌ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى فَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: لَوْ قَالَ كُلُّ أَطْفَالِ أَهْلِي تَنَاوَلَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ وَلَا الْمَحِيضَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَى صِبْيَانِهِمْ أَوْ صِغَارِهِمْ. وَأَمَّا شَابٌّ وَحَدَثٌ لِأَرْبَعَيْنِ لِمَنْ بَلَغَا مِنْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرٍ فَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: لَوْ قَالَ عَلَى شَبَابِهِمْ أَوْ عَلَى أَحْدَاثِهِمْ كَانَ ذَلِكَ لِمَنْ بَلَغَ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ إلَى أَنْ يُكْمِلَ أَرْبَعِينَ عَامًا. وَأَمَّا كَهْلٌ وَشَيْخٌ فَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: لَوْ قَالَ عَلَى كُهُولِهِمْ كَانَ لِمَنْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ إلَى أَنْ يُكْمِلَ السِّتِّينَ. وَلَوْ قَالَ عَلَى شُيُوخِهِمْ كَانَ لِمَنْ جَاوَزَ السِّتِّينَ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ. وَأَمَّا الْأَرْمَلُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: لَوْ قَالَ لِأَرْمَلِهِمْ لَكَانَ لِلرَّجُلِ الْأَرْمَلِ كَالْمَرْأَةِ الْأَرْمَلَةِ لِقَوْلِهِ: فَمَنْ لِحَاجَةِ هَذَا الْأَرْمَلِ الذَّكَرِ ؟ اُنْظُرْ هَلْ يَكُونُ هَذَا الْقَائِلُ قَدْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ قَوْلِ الْآخَرِ: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 667 اُطْبُخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصًا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ قَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ: كَمْ بِالْيَمَامَةِ مِنْ شَعْثَاءَ أَرْمَلَةٍ ... وَمِنْ يَتِيمٍ ضَعِيفِ الصَّوْتِ وَالنَّظَرِ ثُمَّ قَالَ: كُلُّ الْأَرَامِلِ قَدْ قُضِيَتْ حَاجَتُهَا ... فَمَنْ لِحَاجَةِ هَذَا الْأَرْمَلِ الذَّكَرِ إلَّا أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَدْ قَالُوا: إنَّ الْأَرَامِلَ يَنْطَلِقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ. (وَالْمِلْكُ لِلْوَاقِفِ) ابْنُ عَرَفَةَ: صَرَّحَ الْبَاجِيُّ بِبَقَاءِ مِلْكِ الْمُحَبِّسِ عَلَى حَبْسِهِ وَهُوَ لَازِمُ تَزْكِيَةِ الْأَحْبَاسِ عَلَى مِلْكِ مُحَبِّسِهَا، فَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ الْحَبْسُ يُسْقِطُ مِلْكَ الْمُحَبِّسِ غَلَطٌ. (لَا الْغَلَّةُ) ابْنُ شَاسٍ: الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ يَمْلِكُ الْغَلَّةَ وَالثَّمَرَةَ وَاللَّبَنَ وَالصُّوفَ وَالْوَبَرَ مِنْ الْحَيَوَانِ. (فَلَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ مَنْعُ مَنْ يُرِيدُ إصْلَاحَهُ) ابْنُ شَعْبَانَ: لَوْ خَرِبَ الْوَقْفُ فَأَرَادَ غَيْرُ الْوَاقِفِ إعَادَتَهُ فَلِلْوَاقِفِ أَوْ وَارِثِهِ مَنْعُهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لِأَنَّ الْحَبْسَ مَمْلُوكٌ لِمُحَبِّسِهِ وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِشَخْصٍ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ غَيْرِهِ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِوَجْهٍ ابْنُ عَرَفَةَ: عِنْدِي عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ؛ إنْ كَانَ خَرَابُ الْحَبْسِ لِحَادِثٍ نَزَلَ دَفْعَةً كَوَابِلِ مَطَرٍ أَوْ شِدَّةِ رِيحٍ أَوْ صَاعِقَةٍ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالُوهُ، وَإِنْ كَانَ بِتَوَالِي عَدَمِ إصْلَاحِ مَا يَنْزِلُ بِهِ مَنْ هَدَمَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ أَوْ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ يَسْتَقِلُّ مَا بَقِيَ مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ تَوَالِي الْهَدْمِ عَلَيْهِ كَحَالِ بَعْضِ أَهْلِ وَقْتِنَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ يَأْخُذُونَ غَلَّتَهُ وَيَدَعُونَ بِنَاءَهُ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ الْخَرَابُ الْمُذْهِبُ كُلَّ الْمَنْفَعَةِ أَوْ جُلَّهَا، فَهَذَا الْوَاجِبُ قَبُولُ مَنْ تَطَوَّعَ بِإِصْلَاحِهِ وَلَا مَقَالَ بِمَنْعِهِ لِمُحَبِّسِهِ وَلَا لِوَارِثِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 668 لِأَنَّ مُصْلِحَهُ قَامَ بِأَدَاءِ حَقٍّ عَنْ ذِي حَقٍّ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ عَنْ أَدَائِهِ أَوْ لَدَدِهِ. (وَلَا يُفْسَخُ كِرَاؤُهُ لِزِيَادَةٍ) الْمُشَاوِرُ: إنْ أَكْرَى نَاظِرُ الْحَبْسِ رَبْعَ الْحَبْسِ بَعْدَ النِّدَاءِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِقْصَاءِ ثُمَّ جَاءَتْ زِيَادَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُ الْكِرَاءِ وَلَا قَبُولُ الزِّيَادَةِ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ بِالْكِرَاءِ الْأَوَّلِ غَبْنًا عَلَى الْحَبْسِ فَتُقْبَلُ الزِّيَادَةُ وَلَوْ مِمَّنْ كَانَ حَاضِرًا، وَكَذَا الْوَصِيُّ فِي كِرَائِهِ رَبْعَ يَتِيمِهِ أَوْ إجَارَتِهِ ثُمَّ يَجِدُ زِيَادَةً لَمْ تُنْقَضْ الْإِجَارَةُ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَكِرَاءُ وَكِيلٍ بِمُحَابَاةٍ " أَنَّ لِلْمُوَكَّلِ أَنْ يَفْسَخَ الْكِرَاءَ أَوْ يُجِيزَ، وَقَبْلَ قَوْلِهِ " وَشَاةٌ وَاسْتِثْنَاءُ أَرْبَعَةِ أَرْطَالٍ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ " كَوَجِيبَةٍ بِشَهْرِ كَذَا " وَعِنْدَ قَوْلِهِ " فَمَا حَصَدْت فَلَكَ نِصْفُهُ ". وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: اسْتَمَرَّ الْعَمَلُ فِي كِرَاءِ النَّاظِرِ فِي حَبْسِ تُونُسَ أَنَّهُ عَلَى قَبُولِ الزِّيَادَةِ. (وَلَا يُقْسَمُ إلَّا مَاضٍ زَمَنُهُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّدَقَةِ أَنْ يُكْرِيَهَا بِنَقْدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَضَعُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ لَا يَقْسِمُ الْكِرَاءَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ كَمَالِ سُكْنَى الْمُكْتَرِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْسِمُ عَلَى مَنْ يَحْضُرُ يَوْمَ الْقَسْمِ، فَمَنْ وُلِدَ يَوْمَ الْقَسْمِ ثَبَتَ حَقُّهُ، وَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ سَقَطَ. وَإِذَا قَسَمَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ بِالسُّكْنَى فَقَدْ يَمُوتُ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُ وَيُحْرَمُ مَنْ جَاءَ قَبْلَ الْوُجُوبِ مِمَّنْ يُولَدُ بَعْدَ الْقَسْمِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِيمَا يَجِبُ بِهِ بَعْدَ الثَّمَرَةِ لِمَنْ حُبِسَتْ عَلَيْهِ اضْطِرَابٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ الطِّيبِ فَحَظُّهُ لِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِبَارِ لَا شَيْءَ لِوَارِثِهِ اتِّفَاقًا فِيهِمَا، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ الْإِبَارِ وَقَبْلَ الطِّيبِ فَخَامِسُ الْأَقْوَالِ رَاجِعْهُ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَوْ وُلِدَ لِأَحَدِهِمْ وَلَدٌ بَعْدَ الْإِبَارِ أَوْ قَبْلَهُ كَانَ حَقُّهُ فِي الثَّمَرَةِ، وَإِنْ وُلِدَ بَعْدَ طِيبِهَا فَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 669 شَيْءَ لَهُ مِنْ ثَمَرَةِ الْعَامِ وَلَهُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ طِيبِ الثَّمَرَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ فِيهَا نَفَقَةٌ أَنَّ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ الرُّجُوعَ بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَهُ انْتَفَعُوا بِنَفَقَتِهِ وَهُوَ قَدْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُ حَقٌّ فِي الثَّمَرَةِ، وَيُسْتَأْنَى بِهِ حَتَّى تَطِيبَ الثَّمَرَةُ فَيَرْجِعُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهِمْ بِالْأَقَلِّ مِنْ نَفَقَةِ الْمَيِّتِ الَّتِي أَنْفَقَ أَوْ مَا يَنُوبُهُ مِنْ الثَّمَرَةِ بَعْدَ مُحَاسَبَتِهِمْ لِوَرَثَتِهِ بِمَا أَنْفَقُوا هُمْ أَيْضًا، وَلَوْ أُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ شَيْءٌ وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: إذَا نُقِدَتْ لِمَيِّتٍ نَفَقَةٌ فَعَلَى أَصْحَابِهِ غُرْمُهَا مُعَجَّلًا؛ لِأَنَّهُ كَالِاسْتِحْقَاقِ إذَا اُسْتُحِقَّ الْأَصْلُ أَنَّ عَلَيْهِ غُرْمَ السَّقْيِ وَالْعِلَاجِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَبْيَنُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَأَنْ يُبْقُوهُ عَلَى نَصِيبِ الْمَيِّتِ فِي هَذِهِ الثَّمَرَةِ فَلَا تَلْزَمُهُمْ نَفَقَتُهُ. ثُمَّ نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْبَاجِيِّ: لَوْ كَانَتْ أَرْضًا فَحَرَثَهَا مَنْ حُبِسَتْ عَلَيْهِ وَهُمْ مُعَيَّنُونَ ثُمَّ مَاتُوا، خُيِّرَ رَبُّهَا فِي إعْطَاءِ الْوَارِثِ كِرَاءَ الْحَرْثِ أَوْ يُسْلِمُهَا لَهُمْ بِكِرَائِهَا تِلْكَ السَّنَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُعَيَّنِينَ كَالْحَبْسِ عَلَى رَجُلٍ وَعَقِبِهِ. وَقَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ: ثَالِثُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ أَنَّهَا تَجِبُ لَهُمْ بِالطِّيبِ لَا بِالْقَسْمِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَأَمَّا الْحَبْسُ عَلَى بَنِي زُهْرَةَ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِالْقَسْمِ مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ سَقَطَ حَظُّهُ، وَمَنْ وُلِدَ قَبْلَهُ ثَبَتَ حَظُّهُ. وَفِي الِاسْتِغْنَاءِ: إنَّ مِثْلَ بَنِي زُهْرَةَ بَنُو تَمِيمٍ وَالْمَسَاكِينُ وَالْفُقَرَاءُ قَالَ: وَالتَّفْرِيقُ فِي ذَلِكَ كَالتَّفْرِيقِ فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ. قَالَ: وَإِنْ رَأَى النَّاظِرُ قَسْمَ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ قَسَمَهَا، وَإِنْ رَأَى بَيْعَهَا وَقَسْمَ ثَمَنِهَا فَذَلِكَ لَهُ. وَمِنْ مُقَرِّبِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ: مَنْ حُبِسَتْ عَلَيْهِ دَارٌ وَعَلَى عَقِبِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَجُعِلَ لَهُ فِيهَا سُكْنَى حَيَاتَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُكْرِيَهَا بِالنَّقْدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُكْرِيَهَا سِنِينَ كَثِيرَةً بِكِرَاءٍ مُنَجَّمٍ كُلَّمَا انْقَضَى نَجْمٌ دَفَعَ كِرَاءَهُ. هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَرِوَايَتُهُمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " بِمَوْتِ مُسْتَحِقٍّ " إنْ مَاتَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ مِنْ ذَوِي الْوَقْفِ بَعْدَ الْإِجَارَةِ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّتِهَا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِي بَاقِي الْمُدَّةِ. وَمِنْ الْمُنْتَقَى: الْعُمْرَى وَالْحَبْسُ عَلَى مُعَيَّنِينَ يُقْسَمُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِالسَّوَاءِ، وَعَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ كَمَنْ حَبَسَ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ فَإِنَّهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 670 يُفَضَّلُ أَهْلُ الْحَاجَةِ. (وَأَكْرَى نَاظِرُهُ إنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ كَالسَّنَتَيْنِ) الْمُتَيْطِيُّ: يَجُوزُ كِرَاءُ مَنْ حُبِسَ عَلَيْهِ رَبْعٌ مِنْ الْأَعْيَانِ أَوْ الْأَعْقَابِ لِعَامَيْنِ لَا أَكْثَرَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَبِهَا الْقَضَاءُ وَالْحَبْسُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَرْضَى وَالْمَسَاكِينِ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ قَنْطَرَةٍ يَجُوزُ لِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَاسْتَحْسَنَ قُضَاةُ قُرْطُبَةَ كَوْنَهُ لِأَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ خَوْفَ انْدِرَاسِهِ بِطُولِ مُكْثِهِ بِيَدِ مُكْتَرِيهِ. (وَلِمَنْ مَرْجِعُهَا لَهُ كَالْعَشْرِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ أَكْرَى الْمُتَوَلِّي مِمَّنْ يَرْجِعُ الْحَبْسُ إلَيْهِ جَازَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ عَامَيْنِ، وَقَدْ اكْتَرَى مَالِكٌ مَنْزِلَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ عَشْرَ سِنِينَ وَاسْتُكْثِرَتْ. (وَإِنْ بَنَى مُحَبَّسٌ عَلَيْهِ فَمَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَهُوَ وَقْفٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَبَسَ دَارًا عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ فَبَنَى بِهَا أَحَدُ الْبَنِينَ وَأَدْخَلَ خَشَبَهُ أَوْ أَصْلَحَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَذْكُرْ لِمَا أَدْخَلَ فِي ذَلِكَ ذِكْرًا فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهِ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ قَدْ أَوْصَى أَوْ قَالَ هُوَ لِوَرَثَتِهِ فَذَلِكَ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ قَلَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 671 أَوْ كَثُرَ. (وَعَلَى مَنْ لَا يُحَاطُ بِهِ أَوْ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ أَوْ عَلَى كَوَلَدِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُمْ، فَضَّلَ الْمُتَوَلِّي أَهْلَ الْحَاجَةِ وَالْعِيَالِ فِي غَلَّةٍ وَسُكْنَى) أَمَّا مَسْأَلَةُ الْقَسْمِ عَلَى مَنْ لَا يُحَاطُ بِهِ أَوْ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَسْمُ مَا عَلَى غَيْرِ مُنْحَصِرٍ بِالِاجْتِهَادِ اتِّفَاقًا. وَرَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ: مَنْ حَبَسَ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ فَهَذَا كَالصَّدَقَةِ يُوصِي وَإِنْ تَفَرَّقَ عَلَى الْمَسَاكِينِ لِمَنْ وَلِيَهَا أَوْ يُفَضِّلُ أَهْلَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 672 الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالْمُؤْنَةِ وَالْعِيَالِ وَلِلزَّمَانَةِ وَكَذَا غَلَّةُ الْحَبْسِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّ قَسْمَ الْحَبْسِ لِمُعَقَّبٍ بَيْنَ آحَادِهِمْ بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ وَمَا عَلَى مُعَيَّنِينَ هُمْ فِيهِ بِالسَّوَاءِ، وَأَمَّا الْقَسْمُ عَلَى كَوَلَدِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُمْ، فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَعْلُومُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْآبَاءَ يُؤْثَرُونَ عَلَى الْأَبْنَاءِ وَلَا يَكُونُ لِلْأَبْنَاءِ مَعَهُمْ فِي السُّكْنَى إلَّا مَا فَضَلَ عَنْهُمْ، وَسَوَاءٌ عَلَى قَوْلَيْهِمَا قَالَ حَبْسٌ عَلَى وَلَدِي وَلَمْ يَزِدْ فَدَخَلَ مَعَهُمْ فِي السُّكْنَى إلَّا مَا فَضَلَ عَنْهُمْ، وَسَوَاءٌ عَلَى قَوْلِهِمَا قَالَ حَبْسٌ عَلَى وَلَدِي وَلَمْ يَزِدْ فَدَخَلَ مَعَهُمْ الْأَبْنَاءُ بِالْمَعْنَى، أَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ فَدَخَلُوا مَعَهُمْ بِالنَّصِّ. (وَلَمْ يُخْرَجْ سَاكِنٌ لِغَيْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَبَسَ دَارًا عَلَى وَلَدِهِ فَسَكَنَهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 673 بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَجِدْ بَعْضُهُمْ فِيهَا مَسْكَنًا فَقَالَ الَّذِي لَمْ يَجِدْ: أَعْطُونِي مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِ حَقِّي، فَلَا كِرَاءَ لَهُ وَلَا أَرَى أَنْ يُخْرَجَ أَحَدٌ لِأَحَدٍ، وَلَكِنْ مَنْ مَاتَ أَوْ غَابَ غَيْبَةً يُرِيدُ الْمُقَامَ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ اسْتَحَقَّ الْحَاضِرُ مَكَانَهُ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ السَّفَرَ إلَى مَوْضِعٍ ثُمَّ يَرْجِعُ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ. قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَلَهُ أَنْ يُكْرِيَ مَنْزِلَهُ إلَى أَنْ يَرْجِعَ وَسَمِعَ عِيسَى: مَنْ حَبَسَ عَلَى قَوْمٍ وَهُمْ مُتَكَافِئُونَ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ اجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ لَيُسْكِنَ فِيهَا مَنْ رَأَى أَوْ يُكْرِيَهَا فَيَقْسِمُ كِرَاءَهَا عَلَيْهِمْ، وَمَنْ سَبَقَ وَسَكَنَ فَهُوَ أَوْلَى وَلَا يُخْرَجُ مِنْهَا. ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَاهُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَتَحْبِيسِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ أَوْ أَوْلَادِ فُلَانٍ وَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ مُسَمَّيْنَ لَمْ يَسْتَحِقَّ السُّكْنَى مَنْ سَبَقَ إلَيْهِ وَهُمْ فِيهِ بِالسَّوِيَّةِ حَاضِرُهُمْ وَغَائِبُهُمْ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. مُحَمَّدٌ: وَغَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ سَوَاءٌ. (إلَّا بِشَرْطٍ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ حَائِطًا وَسَمَّى لِبَعْضِهِمْ مَا يُعْطَى كُلَّ عَامٍ مِنْ الْكَيْلِ وَلَمْ يُسَمِّ لِلْآخَرِينَ، فَيَبْدَأُ بِاَلَّذِي سَمَّى لَهُ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ فِي ذَلِكَ عَامِلٌ فَيَكُونُ أَوْلَى بِحَقِّهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ فِي غَلَّةِ الدُّورِ (أَوْ سَفَرِ انْقِطَاعٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ غَابَ يُرِيدُ الْمُقَامَ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ اسْتَحَقَّ الْحَاضِرُ مَكَانَهُ (أَوْ بَعِيدٍ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ سَافَرَ لِيَعُودَ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ لِسَفَرٍ بَعِيدٍ يُشْبِهُ الِانْقِطَاعَ أَوْ يُرِيدُ الْمُقَامَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 674 [كِتَابُ الْهِبَةِ] [بَابٌ فِي أَرْكَانِ الْهِبَةِ وَحُكْمِهَا] ِ ابْنُ شَاسٍ: فِيهِ بَابَانِ: الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهَا الثَّانِي فِي حُكْمِهَا (الْهِبَةُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْهِبَةُ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْعَطِيَّةِ وَهِيَ تَمْلِيكُ شُمُولٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ إنْشَائِيٍّ (وَلِثَوَابِ الْآخِرَةِ صَدَقَةٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْهِبَةُ لَا لِثَوَابٍ تَمْلِيكُ ذِي مَنْفَعَةٍ لِوَجْهِ الْمُعْطِي بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَالصَّدَقَةُ كَذَلِكَ لِوَجْهِ اللَّهِ بَدَلَ لِوَجْهِ الْمُعْطِي. قَالَ الْأَكْثَرُ: وَالْهِبَةُ كَذَلِكَ مَعَ إرَادَةِ الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ صَدَقَةٌ (وَصَحَّتْ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ يُنْقَلُ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّانِي الْمَوْهُوبُ وَهُوَ كُلُّ مَمْلُوكٍ يَقْبَلُ النَّقْلَ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: كَالدَّارِ وَالثَّوْبِ وَمَنَافِعِهِمَا لَا مَا لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3 يَقْبَلُ كَالِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ وَأَمِّ الْوَلَدِ. زَادَ ابْنُ هَارُونَ. كَالشُّفْعَةِ وَرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذِهِ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ (مِمَّنْ لَهُ تَبَرُّعٌ بِهَا) ابْنُ شَاسٍ: الْوَاهِبُ مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ ابْنُ عَرَفَةَ: الْعَامِّيُّ يَعْرِفُ الْهِبَةَ وَلَا يَعْرِفُ التَّبَرُّعَ فَهِيَ أَعْرَفُ مِنْ التَّبَرُّعِ، وَالْأَوْلَى الْوَاهِبُ مَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ فَيَخْرُجُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ. (وَإِنْ مَجْهُولًا) حَكَى مُحَمَّدٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَهَبَ مُوَرَّثَهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي كَمْ هُوَ جَازَ وَالْغَرَرُ فِي الْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ يَجُوزُ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ فَإِنَّ هُنَا تَفْصِيلًا. (أَوْ كَلْبًا) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 6 ابْنُ شَاسٍ: تَصِحُّ هِبَةُ الْكَلْبِ. (وَدَيْنًا وَهُوَ إبْرَاءٌ إنْ وُهِبَ لِمَنْ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَهَبَكَ دَيْنًا لَهُ عَلَيْكَ فَقَوْلُكَ قَدْ قَبِلْتُ قَبْضٌ، وَإِذَا قَبِلْتَ سَقَطَ الدَّيْنُ. وَإِنْ قُلْتَ لَا أَقْبَلُ بَقِيَ الدَّيْنُ بِحَالِهِ. وَلَوْ كَانَ دَيْنُهُ عَلَى غَيْرِكَ فَوَهَبَهُ لَكَ فَإِنْ أَشْهَدَ بِذَلِكَ وَجَمَعَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَرِيمِهِ وَدَفَعَ إلَيْكَ ذِكْرَ الْحَقِّ إنْ كَانَ عِنْدَهُ فَهُوَ قَبْضٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَتَبَ عَلَيْكَ ذِكْرَ الْحَقِّ وَأَشْهَدَ لَكَ وَأَحَالَكَ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا، وَكَذَلِكَ إنْ أَحَالَكَ بِهِ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ وَأَشْهَدَ لَكَ وَقَبَضْتَ ذِكْرَ الْحَقِّ كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا لِأَنَّ الدَّيْنَ هَكَذَا يُقْبَضُ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ. رَاجِعْ مَا تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ وَهَبَتْ الصَّدَاقَ " (وَإِلَّا فَكَالرَّهْنِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ عَلَى غَيْرِك إلَخْ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: هِبَةُ الدَّيْنِ تَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ رَهْنُهُ ثُمَّ قَبْضُك قَبْضُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 7 فِي الرَّهْنِ مَعَ إعْلَامِ الْمِدْيَانِ بِالْهِبَةِ. (وَرَهْنًا لَمْ يُقْبَضْ وَأَيْسَرَ رَاهِنُهُ أَوْ رَضِيَ مُرْتَهِنُهُ وَإِلَّا قُضِيَ عَلَيْهِ بِفَكِّهِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ يُعَجَّلُ وَإِلَّا بَقِيَ لِبَعْدِ الْأَجَلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ رَهْنَ عَبْدَهُ ثُمَّ وَهَبَهُ جَازَتْ الْهِبَةُ وَيُقْضَى عَلَى الْوَاهِبِ بِافْتِكَاكِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَتَّى افْتَكَّهُ الْوَاهِبُ فَلَهُ أَخْذُهُ مَا لَمْ يَمُتْ الْوَاهِبُ فَتَبْطُلُ الْهِبَةُ وَلَيْسَ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ قَبْضًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إنْ مَاتَ الْوَاهِبُ لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ حَقًّا فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ. قَالَ أَشْهَبُ: إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ الْمَوْهُوبُ قَبْلَ أَنْ يَحُوزَهُ الْمُرْتَهِنُ فَهُوَ أَحَقُّ إنْ كَانَ مَلِيًّا، وَيُعَجَّلُ لَهُ حَقُّهُ إلَّا فِي هِبَةِ الثَّوَابِ فَتَنْفُذُ الْهِبَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيُعَجَّلُ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّهُ مِنْ الثَّوَابِ كَالْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ فَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ قَبْلَ حَوْزِ الْمُرْتَهِنِ وَالْوَاهِبُ مَلِيءٌ ثُمَّ أَعْدَمَ فَلْيُتْبَعْ بِالدَّيْنِ وَتَمْضِ الْهِبَةُ. اهـ. نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ: وَزَادَ اللَّخْمِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ: وَإِنْ وَهَبَهُ ثُمَّ قَامَا قَبْلَ أَنْ يَحُوزَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا جَازَتْ الْهِبَةُ وَكَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَحُكِمَ لِلْمُرْتَهِنِ بِتَعْجِيلِ حَقِّهِ، فَإِنْ أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ اتَّبَعَهُ بِحَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَهَبَ ثُمَّ وَهَبَ فَحَازَهُ الثَّانِي أَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ الْأَوَّلِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي هَذَا الْأَصْلُ الْأَوَّلُ أَحَقُّ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الرَّهْنُ شَرْطًا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ. قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ: قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ " يُقْضَى عَلَى الرَّاهِنِ بِافْتِكَاكِ الرَّهْنِ " يُرِيدُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ قَرْضٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 9 كَانَ الدَّيْنُ عَرْضًا مِنْ بَيْعٍ لَمْ يُجْبَرْ الْمُرْتَهِنُ عَلَى قَبْضِهِ وَلَا أَخْذِ رَهْنِ غَيْرِهِ يَعْنِي وَيَبْقَى تَحْوِيزُ الْهِبَةِ لِبَعْدِ الْأَجَلِ. وَانْظُرْ فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ الذَّخِيرَةِ هِبَةُ الْوَدِيعَةِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ لَهُ. (بِصِيغَةٍ أَوْ مُفْهِمِهَا وَإِنْ بِفِعْلٍ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الْأَوَّلُ السَّبَبُ النَّاقِلُ لِلْمِلْكِ وَهِيَ صِيغَةُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّمْلِيكِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَيَتَّصِلُ بِالصِّيغَةِ حُكْمُ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الصِّيغَةُ مَا دَلَّ عَلَى التَّمْلِيكِ وَلَوْ جُعْلًا كَالْمُعَاطَاةِ. اُنْظُرْ هُنَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ هَلْ يَتَنَاوَلُ الشَّجَرُ الْمَوْهُوبُ مَأْبُورَهَا وَشِرْبَهَا إنْ كَانَ لَهَا شِرْبٌ. (كَتَحْلِيَةِ وَلَدِهِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ حَلَّى ابْنَهُ الصَّغِيرَ حُلِيًّا فَهُوَ لَهُ لَا مِيرَاثٌ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مَا حَلَّاهُ بِهِ مِثْلَ مَا كَسَاهُ مِنْ ثَوْبٍ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ الْأَبُ أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْإِمْتَاعِ. وَعَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا: وَكَذَلِكَ فِيمَا يَكْسِبُ لِلْبِكْرِ مِنْ الشُّورَةِ فِي بَيْتِ أَبِيهَا تَصْنَعُهُ بِيَدِهَا أَوْ يَدِ أُمِّهَا أَوْ يَشْتَرِي ذَلِكَ لَهَا أَبُوهَا ثُمَّ يَمُوتُ فَيُرِيدُ الْوَرَثَةُ الدُّخُولَ مَعَ الِابْنَةِ أَنَّهُ لَا دُخُولَ لَهُمْ، وَحَوْزُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِيَدِ الِابْنَةِ أَوْ بِيَدِ الْأُمِّ لِأَنَّهَا لَوْ وُهِبَتْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 10 كُلَّ مَا عَمِلَتْهُ أَوْ حَمَلَتْهُ لَهَا أُمُّهَا أَوْ كَسَبَهُ لَهَا أَبُوهَا وَكُلِّفَ أَنْ يُشْهِدَ لَهَا بِهِ لَمْ يَسْتَطِعْ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِمَّا يُسْتَفَادُ الشَّيْءُ بَعْدَ الشَّيْءِ عَلَى أَنْوَاعٍ (لَا بِابْنٍ مَعَ قَوْلِهِ دَارِهِ) ابْنُ مُزَيْنٍ: مَنْ قَالَ لِابْنِهِ اعْمَلْ فِي هَذَا الْمَكَانِ كَرْمًا وَجِنَانًا أَوْ ابْنِ فِيهِ دَارًا فَفَعَلَ الْوَلَدُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ وَالْأَبُ يَقُولُ كَرْمُ ابْنِي وَجِنَانُ ابْنِي، أَنَّ الْقَاعَةَ لَا تُسْتَحَقُّ بِذَلِكَ وَهُوَ مَوْرُوثٌ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ إلَّا قِيمَةُ عَمَلِهِ مَنْقُوضًا. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ الرَّجُلِ فِي شَيْءٍ يُعْرَفُ لَهُ هَذَا كَرْمُ وَلَدِي أَوْ دَابَّةُ وَلَدِي، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ الِابْنُ مِنْهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا إلَّا بِالْإِشْهَادِ بِصَدَقَةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ بَيْعٍ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ. وَقَدْ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا كَثِيرًا فِي النَّاسِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فِي الْوَلَدِ وَلَا فِي الزَّوْجِ. (وَحِيزَ وَإِنْ بِلَا إذْنٍ وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ لَغْوُ التَّحْوِيزُ فِي الْحَوْزِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ثَوَابٍ فَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَاهِبِ جَازَ قَبْضُهُ إذْ يُقْضَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 11 بِذَلِكَ عَلَى الْوَاهِبِ إنْ مَنَعَهُ إيَّاهَا. (وَبَطَلَتْ إنْ تَأَخَّرَ لِدَيْنٍ مُحِيطٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: إحَاطَةُ الدَّيْنِ بِمَالِهِ قَبْلَ الْعَطِيَّةِ تُبْطِلُهَا اتِّفَاقًا، وَفِي كَوْنِ إحَاطَتِهِ بَعْدَهَا قَبْلَ حَوْزِهَا كَذَلِكَ قَوْلَانِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: إذَا ادَّانَ الْمُعْطِي مَا أَحَاطَ بِمَالِهِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ فَالدَّيْنُ أَوْلَى وَالْعَطِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَالصَّدَقَةُ بِيَوْمِ تُقْبَضُ لَا بِيَوْمِ يُتَصَدَّقُ بِهَا خِلَافًا لِأَصْبَغَ. (أَوْ وَهَبَ لِثَانٍ وَحَازَ أَوْ أَعْتَقَ الْوَاهِبُ أَوْ اسْتَوْلَدَ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ أَعْطَى مَا وَهَبَ قَبْلَ حَوْزِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَحَازَهُ الثَّانِي فَفِي رَدِّهِ لِلْأَوَّلِ أَوْ مُضِيِّهِ لِلثَّانِيَّ، ثَالِثُهَا إنْ فَرَّطَ فِي الْحَوْزِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَالْغَيْرُ مَعَ مُحَمَّدٍ وَأَصْبَغَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَهَبَ عَبْدًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى رَجُلٍ أَوْ أَخَدَمَهُ إيَّاهُ حَيَاتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمُعْطِي قَبْلَ حَوْزِ الْمُعْطَى، جَازَ الْعِتْقُ وَبَطَلَ مَا سِوَاهُ عَلِمَ الْمُعْطَى بِالْهِبَةِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. مُحَمَّدٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَأَحْبَلَهَا قَبْلَ الْحِيَازَةِ وَكَذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ (وَلَا قِيمَةَ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ أَعْتَقَ الْأَمَةَ أَوْ أَوْلَدَهَا مُعْطِيهَا قَبْلَ حَوْزِهَا الْمُعْطَى فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَمْضِي فِعْلُهُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يُرَدُّ عِتْقُهُ وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ فِي الْإِيلَادِ. (أَوْ اسْتَصْحَبَ هَدِيَّةً أَوْ أَرْسَلَهَا ثُمَّ مَاتَ أَوْ الْمُعَيَّنَةُ لَهُ إنْ لَمْ يُشْهِدْ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا اشْتَرَى مِنْ هَدَايَا الْحَجِّ لِأَهْلِهِ لَا يَنْفَعُ الشَّهَادَةُ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ أَشْهَدَهُمْ. قَالَ: لَوْ قَالُوا سَمِعْنَاهُ يَقُولُ هَذَا لِامْرَأَتِي وَهَذَا لِابْنِي لَمْ يَنْفَعْهُ حَتَّى يَقُولُوا أَشْهَدَنَا عَلَى ذَلِكَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَعَثَ بِهَدِيَّةٍ أَوْ صِلَةٍ لِرَجُلٍ غَائِبٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُعْطِي أَوْ الْمُعْطَى قَبْلَ وُصُولِهَا، فَإِنْ كَانَ الْمُعْطِي أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ حِينَ بَعَثَ بِهَا فَهِيَ لِلْمُعْطَى أَوْ لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا حِينَ بَعَثَهَا فَأَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ فَهِيَ تَرْجِعُ إلَى الْبَاعِثِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا أَوَّلًا رَجَعَ ذَلِكَ إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا أَبْيَنُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إنَّمَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُتَصَدِّقِ لَا بِمَوْتِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 14 وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابٍ آخَرَ: إنَّ كُلَّ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِرَجُلٍ فَمَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ هِبَتَهُ فَوَرَثَتُهُ مَكَانَهُ يَقْبِضُونَ هِبَتَهُ، وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَشْهَدَ الْبَاعِثُ أَنَّهَا هَدِيَّةٌ لِفُلَانٍ ثُمَّ طَلَبَ اسْتِرْجَاعَهَا مِنْ الرَّسُولِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ. (كَأَنْ دَفَعْتَ لِمَنْ يَتَصَدَّقُ عَنْكَ بِمَالٍ وَلَمْ تُشْهِدْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ دَفَعَ فِي صِحَّتِهِ مَالًا لِمَنْ يُفَرِّقُهُ فِي الْفُقَرَاءِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ إنْفَاذِهِ، فَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ حِينَ دَفَعَهُ إلَى مَنْ يُفَرِّقُهُ نَفَذَ مَا فَاتَ مِنْهُ وَمَا بَقِيَ وَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ حِينَ دَفَعَهُ إلَى الْمَأْمُورِ فَلْيَرُدَّ مَا بَقِيَ مِنْهُ إلَى وَرَثَةِ الْمُعْطِي وَلَا يَنْفَعُهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَإِنْ فَرَّقَ مَا بَقِيَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْطِي ضَمِنَ الْبَقِيَّةَ لِلْوَرَثَةِ. (لَا إنْ بَاعَ وَاهِبٌ قَبْلَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ وَإِلَّا فَالثَّمَنُ لِلْمُعْطِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِدَارٍ فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُعْطَى حَتَّى مَاتَ أَوْ بَاعَهَا الْمُعْطِي، فَإِنْ عَلِمَ الْمُعْطَى بِالصَّدَقَةِ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى بِيعَتْ تَمَّ الْبَيْعُ وَكَانَ الثَّمَنُ لِلْمُعْطِي، فَإِنْ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يُفَرِّطْ حَتَّى غَافَصَهُ بِالْبَيْعِ فَلَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ فِي حَيَاةِ الْوَاهِبِ وَأَخْذُهَا. فَأَمَّا إنْ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُعْطَى فَلَا شَيْءَ لَهُ بِيعَتْ أَوْ لَمْ تُبَعْ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ الْمُعْطِي بِوَجْهٍ مَا فَلَيْسَ لِلْمُعْطِي شَيْءٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْبَيْعُ أَوْلَى وَلَا شَيْءَ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَحُزْ عَنْهُ، انْتَهَى. نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ. وَعَزَا ابْنُ شَاسٍ لِلْمُدَوِّنَةِ أَنَّ الثَّمَنَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ. وَقَالَ فِي الرُّهُونِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَوْهُوبُ نُقِضَ الْبَيْعُ، وَإِنْ عَلِمَ مَضَى الْبَيْعُ وَعُوِّضَ الْمَوْهُوبُ بِالثَّمَنِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: بَطَلَتْ الْهِبَةُ كَبُطْلَانِ الرَّهْنِ إذَا بِيعَ قَبْلَ الْحَوْزِ وَالثَّمَنُ لِلْوَاهِبِ. (أَوْ جُنَّ أَوْ مَرِضَ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ الْحَوْزِ كَوْنُهُ فِي صِحَّةِ الْمُعْطِي وَعَقْلِهِ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كُلُّ صَدَقَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ نِحْلَةٍ أَوْ عُمْرَى أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ لِغَيْرِ ثَوَابٍ فِي الصِّحَّةِ يَمُوتُ الْمُعْطِي أَوْ يُفْلِسُ أَوْ يَمْرَضُ قَبْلَ حَوْزِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ فَتُحَازُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُقْضَى بِالْقَبْضِ لِلْمُعْطِي إنْ مَنَعَهُ. وَانْظُرْ حَوْزَهَا فِي مَرَضِهِ اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا. (وَاتَّصَلَا بِمَوْتِهِ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 15 هَذَا نَصُّ ابْنِ شَاسٍ: وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ تَصَدَّقَتْ بِعَبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي صِحَّتِهَا فَذَهَبَ عَقْلُهَا قَبْلَ حَوْزِهِ فَحَوْزُهُ بَاطِلٌ كَمَوْتِهَا. ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ كَالْمَرَضِ وَرُجُوعُ عَقْلِهَا كَصِحَّتِهَا. (أَوْ وَهَبَ لِمُودَعٍ وَلَمْ يَقْبَلْ لِمَوْتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا وَهَبَك وَدِيعَةً لَهُ فِي يَدِك فَلَمْ تَقْبَلْ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ (وَصَحَّ إنْ قَبَضَ لِيَتَرَوَّى) الْبَاجِيُّ: لَوْ وُهِبَ الْمُسْتَوْدَعُ مَا بِيَدِهِ فَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ. وَقَالَ أَشْهَبُ: بَلْ هِيَ حِيَازَةٌ جَائِزَةٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَا أَقْبَلُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَطِيَّةَ بِيَدِ الْمُعْطَى لَهُ فَتَأَخُّرُ الْقَبُولِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا قَالَ: وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَهَبْتَهُ هِبَةً فَلَمْ يَقُلْ قَبِلْتُ وَقَبَضَهَا لِيَنْظُرَ رَأْيَهُ فَمَاتَ الْمُعْطِي فَهِيَ مَاضِيَةٌ إنْ رَضِيَهَا وَلَهُ رَدُّهَا. (أَوْ جَدَّ فِيهِ أَوْ فِي تَزْكِيَةِ شَاهِدِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ثَوَابٍ فَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا قُضِيَ بِهَا عَلَيْهِ لِلْمَوْهُوبِ. وَلَوْ خَاصَمَهُ فِيهَا الْمَوْهُوبُ فِي صِحَّةِ الْوَاهِبِ وَرُفِعَتْ الْهِبَةُ إلَى السُّلْطَانِ يَنْظُرُ فِيهَا فَمَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ، فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهَا لِلْمَوْهُوبِ إنْ عُدِّلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ لَمْ يُقِمْ الْمَوْهُوبُ فِيهَا حَتَّى مَرِضَ الْوَاهِبُ فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَصِحَّ. ابْنُ شَاسٍ: إذَا كَانَ الطَّالِبُ جَادًّا فِي الطَّلَبِ غَيْرَ تَارِكٍ كَمَا إذَا وَقَعَتْ الْهِبَةُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِشَاهِدَيْنِ حَتَّى يُزَكِّيَ فَمَاتَ الْوَاهِبُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ: هُوَ حَوْزٌ وَقَدْ صَحَّتْ الْهِبَةُ انْتَهَى. وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي نَوَازِلَ إذَا وَهَبَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ التَّحْوِيزِ خُوِّفَ. (أَوْ أَعْتَقَ أَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ إذَا أَشْهَدَ وَأَعْلَنَ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ بَاعَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ، فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ الْبَيْعَ حِيَازَةٌ. وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: لَيْسَ الْبَيْعُ حِيَازَةً وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ إلَّا الْعِتْقُ وَحْدَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَفِي الْمُدَوَّنَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. ابْنُ شَاسٍ: وَلَوْ وَهَبَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ، فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَمُطَرِّفٍ أَنَّ الْهِبَةَ حَوْزٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: الْهِبَةُ لَا تَكُونُ حَوْزًا لِأَنَّهَا مُحْتَاجَةٌ إلَى حِيَازَةٍ. الْمُتَيْطِيُّ: وَيَصِحُّ حَوْزُ الْحَبْسِ بِعَقْدِ كِرَائِهِ أَوْ مُزَارَعَتِهِ إنْ كَانَ بَيَاضًا أَوْ فِيهِ سَوَادٌ تَبَعٌ لَهُ، وَإِنْ تَبِعَ بَيَاضُهُ سَوَادَهُ فَبِمُسَاقَاةٍ وَيُغْنِي عَنْ حَوْزِهِ بِالْوُقُوفِ عَلَى مُعَايَنَةِ نُزُولِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ فِيهَا. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ وَغَيْرُهُ. وَالْكِرَاءُ فِي الْأَرْضِ لِعَامَيْنِ وَزِيَادَةٍ أَقْوَى. (وَلَمْ يُعْلَمْ بِهَا إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ) اُنْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى هَذَا. وَإِذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِالْهِبَةِ أَوْ لَا فَرْقَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ وَهَبْتَ لِحُرٍّ أَوْ عَبْدٍ فَلَمْ يَقْبِضْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ، فَلِوَارِثِهِ الْحُرِّ وَسَيِّدِ الْعَبْدِ قَبْضُهَا، وَلَيْسَ لَك أَنْ تَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ الْحَوْزِ بَطَلَتْ الْهِبَةُ، وَكَذَلِكَ إنْ حَازَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يَصِحُّ لَهُ ثُلُثُهَا. (وَحَوْزُ مُخْدَمٍ وَمُسْتَعِيرٍ مُطْلَقًا وَمُودَعٍ إنْ عَلِمَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَخْدَمَ عَبْدَهُ رَجُلًا سِنِينَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ هِبَةٌ لِفُلَانٍ بَعْدَ الْخِدْمَةِ فَقَبْضُ الْمُخْدَمِ، قَبْضُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنْ مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُخْدَمَ لَمْ يَجِبْ لَهُ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 16 رِقْبَةِ الْعَبْدِ حَقٌّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ آجَرَ عَبْدَهُ أَوْ دَابَّتَهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ وَهَبَهَا لِآخَرَ فَلَيْسَ حَوْزُ الْمُسْتَأْجِرِ حَوْزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ إجَارَةَ ذَلِكَ مَعَهُ لِيَتِمَّ الْحَوْزُ وَإِلَّا الْعَبْدُ الْمُخْدَمُ أَوْ الْمُعَارُ إلَى أَجَلٍ فَقَبْضُ الْمُسْتَعَارِ وَالْمُخْدَمِ قَبْضٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ إذْ لَيْسَ لِلْمُخْدَمِ وَالْمُعَارِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ حَقٌّ، وَلَا يَكُونُ قَبْضُ الْمُخْدَمِ وَالْمُعَارِ قَبْضًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ حَتَّى يَعْلَمَ وَيَرْضَى أَنْ يَكُونَ حَائِزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ كَمَا قَالَ إذَا رَهَنَ فَضْلَةَ الرَّهْنِ لَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ حَائِزًا حَتَّى يَعْلَمَ وَيَرْضَى بِذَلِكَ. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ لِلْمُدَوَّنَةِ صِحَّةَ حَوْزِ الْمُخْدَمِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الرَّقَبَةَ مُطْلَقًا لَا بِشَرْطِ كَوْنِ الْإِخْدَامِ وَالْهِبَةِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. قَالَ سَحْنُونَ فِيمَنْ أَعْطَى غَلَّةَ كَرْمِهِ أَوْ سُكْنَى دَارِهِ لِرَجُلٍ حَيَاتَهُ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ: فَذَلِكَ جَائِزٌ وَحَوْزٌ لِلِابْنِ وَأَنَّهُ لَحَسَنٌ إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ جَعَلَ الْمُكْرَى لِابْنِهِ قَابِضًا، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَذَلِكَ لِلِابْنِ حَوْزٌ. وَأَمَّا صِحَّةُ حَوْزِ الْمُودَعِ إنْ عَلِمَ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ وَهَبَ الْوَدِيعَةَ رَبُّهَا لِغَيْرِ الْمُسْتَوْدَعِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا وَأَشْهَدَ كَانَتْ حِيَازَةً. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إنَّ رَبَّ الْوَدِيعَةِ إذَا أَشْهَدَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى رَجُلٍ وَلَمْ يَأْمُرْ بِقَبْضِهَا حَتَّى مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَلِمَ الَّذِي هِيَ عِنْدَهُ فَتِلْكَ حِيَازَةٌ تَامَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ صَارَ حَائِزًا لِلْمُعْطَى ثُمَّ لَيْسَ لِلْمُعْطِي أَخْذُهَا، وَلَوْ دَفَعَهَا الْمُودِعُ إلَى الْمُعْطَى قَبْلَ عِلْمِهِ ضَمِنَهَا. (لَا غَاصِبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اغْتَصَبَهُ رَجُلٌ عَبْدًا فَوَهَبَهُ سَيِّدُهُ لِرَجُلٍ آخَرَ وَالْعَبْدُ بِيَدِ الْغَاصِبِ جَازَتْ الْهِبَةُ إنْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ قَبْلَ مَوْتِ الْوَاهِبِ، وَلَيْسَ قَبْضُ الْغَاصِبِ قَبْضًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ (وَمُرْتَهِنٍ) تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَرَهْنًا لَمْ يُقْبَضْ أَنَّ قَبْضَ الْمُرْتَهِنِ لَيْسَ قَبْضًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ". (وَمُسْتَأْجِرٍ إلَّا أَنْ يَهَبَ الْإِجَارَةَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ الْإِجَارَةَ فَيَتِمُّ الْحَوْزُ (وَلَا إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَهُ إلَّا لِحَوْزٍ بِقُرْبٍ كَانَ آجَرَهَا أَوْ أَرْفَقَ بِهَا) ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا مَاتَ الْمُعْطِي فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ وَلِوَرَثَتِهِ الْقِيَامُ بِطَلَبِهَا، وَلَوْ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ الْحِيَازَةِ فَالْعَطِيَّةُ تَبْطُلُ إلَّا فِيمَا أَعْطَى لِصِغَارِ بَنِيهِ، أَوْ مَنْ يَلِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَيْنًا. وَهَذَا فِي الْأَبِ وَالْوَصِيِّ فَقَطْ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أُمٍّ وَلَا جَدٍّ وَلَا أَخٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَصِيًّا وَشَيْءٌ آخَرُ عِنْدَ رَبِّهِ مِثْلُ الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ بِالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ فِي سَفَرِهِ، وَمِثْلُ الْحَاجِّ يَشْتَرِيه لِأَهْلِهِ فَيُشْهِدُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 17 عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَمُوتُ فِي سَفَرِهِ فَيَجُوزُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا يَنْفَعُ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهِ إشْهَادَ شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ الْحَبْسِ مِمَّا لَا غَلَّةٌ لَهُ مِثْلُ السِّلَاحِ وَالْمُصْحَفِ. وَإِذَا أَخْرَجَ مُدَّةً فِيمَا جَعَلَهُ فِيهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى يَدِهِ فَهُوَ نَافِذٌ، وَإِنْ مَاتَ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَهُوَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَشَيْءٌ آخَرُ الَّذِي تُحَازُ عَنْهُ الدَّارُ الَّتِي يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى قَوْمٍ فَيَحُوزُونَهَا مِثْلَ السَّنَةِ فَأَكْثَرَ ثُمَّ يَكْتَرِيهَا الْمُتَصَدِّقُ بِهَا مِنْهُمْ فَيَسْكُنُهَا فَيَمُوتُ فِيهَا فَهِيَ نَافِذَةٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. وَأَمَّا عَلَى مَنْ لَمْ يُولَدْ بَعْدُ فَلَا، وَلَا عَلَى أَصَاغِرِ وَلَدِهِ. وَإِنْ حَازَ ذَلِكَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ حَتَّى يَكْبُرَ الْأَصَاغِرُ وَيَحُوزُوا مِثْلَ السَّنَةِ فَأَكْثَرَ ثُمَّ يَكْتَرِيهَا مِنْهُمْ ثُمَّ يَمُوتُ فِيهَا فَيَجُوزُ وَإِنْ كُنَّا نَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ. قَالَ: وَإِذَا حَازَ الْمُعْطَى الدَّارَ وَسَكَنَ ثُمَّ اسْتَضَافَهُ الْمُعْطِي فَأَضَافَهُ أَوْ مَرِضَ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ أَوْ اخْتَفَى عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ الْعَطِيَّةُ. ابْنُ حَبِيبٍ: ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ إلَى أَنَّهُ إذَا حَازَهَا الْمُعْطَى سَنَةً ثُمَّ سَكَنَهَا الْمُعْطِي بِكِرَاءٍ أَوْ مِنْحَةٍ أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُهَا وَهِيَ نَافِذَةٌ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ فِي الْمُتَصَدِّقِ عَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ أَنَّهُ إنْ عَادَ إلَيْهَا بَعْدَ سَنَةٍ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ حَتَّى يَكْبَرُوا وَيَحُوزُوا مِثْلَ السَّنَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ عَادَ لِسُكْنَى مَسْكَنِهِ بَعْدَ عَامٍ ". وَأَذْكُرُ لِسَيِّدِي ابْنِ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمُذَاكَرَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: هَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَصْعُبُ عَلَيَّ كَثِيرًا يَعْظُمُ عَلَيَّ مُخَالَفَةُ الرِّوَايَةِ وَيَعْظُمُ عَلَيَّ مُخَالَفَةُ مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ. (بِخِلَافِ سَنَةٍ) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَهُ غَلَّةٌ وَعَلَى غَيْرِ صِغَارِ وَلَدِهِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ. وَمِنْ الْمُتَيْطِيِّ: إذَا تَصَدَّقَ عَلَى مَنْ فِي حِجْرِهِ بِدَارِ سُكْنَاهُ فَلَا بُدَّ أَنْ تُعَايِنَهَا الْبَيِّنَةُ خَالِيَةً وَيُكْرِيَهَا الْأَبُ لِابْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا مَضَتْ سَنَةٌ فَلَا بَأْسَ بِعَوْدَةِ الْأَبِ إلَى سُكْنَاهَا وَيُكْرِيهَا مِنْ نَفْسِهِ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ. كَذَا فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ حَدَّ ذَلِكَ السَّنَةُ وَمَا أَشْبَهَهَا، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي هَذَا. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَا بَنَى إلَّا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَعَلَى هَذَا عَوَّلَ شَيْخُ الشُّيُوخِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 18 ابْنُ لُبٍّ وَبِهِ الْعَمَلُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَنَحْوُهُ فِي وَثَائِقِ الْغَرْنَاطِيِّ خِلَافُ مَا لِابْنِ رُشْدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ عَادَ لِسُكْنَى مَسْكَنِهِ " (أَوْ رَجَعَ مُخْتَفِيًا أَوْ ضَيْفًا فَمَاتَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ بِهَذَا أَيْضًا. (وَهِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَتَاعًا لِلْآخَرِ وَهِبَةُ زَوْجَةٍ دَارَ سُكْنَاهَا لِزَوْجِهَا لَا الْعَكْسُ) مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَالْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى امْرَأَتِهِ بِخَادِمِهِ وَهِيَ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ فَكَانَتْ تَخْدُمُهَا بِحَالٍ مَا كَانَتْ فَذَلِكَ جَائِزٌ. قَالَ سَحْنُونَ: وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَهَا إيَّاهَا فَهُوَ حَوْزٌ. قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: إذَا أَشْهَدَ لَهَا بِهَذِهِ الْخَادِمَ فَتَكُونُ عِنْدَهُمَا كَمَا كَانَتْ فِي خِدْمَتِهِمَا أَوْ وَهَبَتْ هِيَ لَهُ خَادِمَهَا فَكَانَتْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ مَتَاعًا فِي الْبَيْتِ فَأَقَامَ ذَلِكَ عَلَى حَالِهِ بِأَيْدِيهِمَا فَهِيَ ضَعِيفَةٌ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقَالَ لِي ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ: إنَّ ذَلِكَ فِيمَا تَوَاهَبَا جَائِزٌ وَهِيَ حِيَازَةٌ، وَكَذَلِكَ مَتَاعُ الْبَيْتِ وَبِهِ أَقُولُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْكَنُ الَّذِي هُمَا بِهِ يَتَصَدَّقُ وَهُوَ بِهِ عَلَيْهِمَا فَأَقَامَا فِيهِ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِيرَاثٌ، وَلَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ فِي صِحَّتِهِ قَضَى لَهَا أَصْبَغُ: يَعْنِي أَنْ يُسْكِنَهَا غَيْرَهُ حَتَّى تَحُوزَ الْمَسْكَنَ. قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 19 ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا لَوْ تَصَدَّقَتْ هِيَ عَلَيْهِ بِالْمَنْزِلِ وَهُمَا فِيهِ فَذَلِكَ حَوْزٌ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَ زَوْجَتَهُ فَسُكْنَاهَا فِيهِ حَوْزٌ. أَصْبَغُ: وَكَذَا إذَا تَصَدَّقَتْ بِدَارِهَا عَلَى وَلَدِهَا الصَّغِيرِ وَالْأَبُ سَاكِنٌ مَعَهَا فِيهَا فَالصَّدَقَةُ جَائِزَةٌ إذَا أَسْكَنَتْ الْأَبَ مِنْ الدَّارِ حَتَّى أَنْ لَوْ شَاءَ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ الدَّارِ فَعَلَ. (وَلَا إنْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ إلَّا لِمَحْجُورَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَزَوَّجَ جَارِيَةً بِكْرًا قَدْ طَمَثَتْ أَوْ لَمْ تَطْمِثْ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ أَوْ وَهَبَهُ لَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَهِيَ سَفِيهَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ جُنُونًا مُطْبِقًا وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ، فَلَا يَكُونُ الزَّوْجُ حَائِزًا لَهَا إلَّا أَنْ يُخْرِجَ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ وَيَجْعَلَهُ عَلَى يَدِ مَنْ يَحُوزُهُ لَهَا، وَلَا يَكُونُ مُتَصَدِّقٌ حَائِزًا إلَّا أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ لِمَنْ فِي وِلَايَتِهِ، وَالزَّوْجُ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَلَا بَيْعُهُ لِمَالِهَا وَأَبُوهَا الْحَائِزُ لَهَا وَإِنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا مَا دَامَتْ سَفِيهَةً أَوْ فِي حَالٍ لَا يَجُوزُ لَهَا أَمْرًا. وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ ". وَانْظُرْ قَوْلَهُ " إلَّا أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ " قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: ثَالِثُ الْأَقْوَالِ اُنْظُرْ رَسْمَ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ الثَّانِي (إلَّا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَلَوْ خَتَمَ) ابْنُ عَرَفَةَ: حَوْزُ الْأَبِ لِصِغَارِ وَلَدِهِ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ صَحِيحٌ. ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا. الْبَاجِيُّ: وَأَمَّا مَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَإِنَّهَا إنْ بَقِيَتْ بِيَدِ الْأَبِ غَيْرَ مَخْتُومٍ عَلَيْهَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهَا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ. فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّهُ إنْ مَاتَ الْأَبُ وَهِيَ عَلَى ذَلِكَ فَالْعَطِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ مِنْ دَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ وَإِنْ طُبِعَ عَلَيْهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ وَيَخْرُجَهَا عَنْ مِلْكِهِ وَذَلِكَ أَنَّهَا غَيْرُ مَعْرُوفَةِ الْعَيْنِ وَلَا مُتَعَيِّنَةٌ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تُعْرَفَ بِعَيْنِهَا إذَا أُفْرِدَتْ مِنْ غَيْرِهَا. وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 20 فِي ذَلِكَ إذَا وَهَبَهُ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ دَنَانِيرِهِ. وَأَمَّا إذَا خُتِمَ عَلَيْهَا أَوْ أَمْسَكَهَا عِنْدَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَبْطُلُ. زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ خَتَمَ عَلَيْهَا الشُّهُودُ وَالْأَبُ. وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمِصْرِيُّونَ، وَوَجْهُهُ أَنَّهَا مَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ فِيهَا حِيَازَةٌ مَعَ بَقَائِهَا بِيَدِ الْمُعْطِي كَاَلَّتِي لَمْ يُخْتَمْ عَلَيْهَا. وَفِي الْمُوَازِيَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ وَحَازَهَا غَيْرُهُ ثُمَّ تَسَلَّفَهَا ثُمَّ مَاتَ فَذَلِكَ بَاطِلٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَهُ دِينَارًا ثُمَّ قَبَضَهُ أَوْ عَبْدًا ثُمَّ بَاعَهُ وَهُوَ بِيَدِهِ هَذَا نَافِذٌ. (وَدَارَ سُكْنَاهُ إلَّا أَنْ يَسْكُنَ أَقَلَّهَا وَيُكْرِيَ لَهُ الْأَكْثَرَ وَإِنْ سَكَنَ النِّصْفَ بَطَلَ فَقَطْ وَالْأَكْثَرُ بَطَلَ الْجَمِيعُ) الْمُتَيْطِيُّ: شَرْطُ صَدَقَةِ الْأَبِ عَلَى صِغَارِ بَنِيهِ بِدَارِ سُكْنَاهُ إخْلَاؤُهَا مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَثِقَلِهِ وَمُعَايَنَتُهَا الْبَيِّنَةَ فَارِغَةً مِنْ ذَلِكَ وَيُكْرِيهَا لَهُمْ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَبَسَ عَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ دَارًا أَوْ وَهَبَهَا لَهُمْ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِمْ فَحَوْزُهُ لَهُمْ حَوْزٌ إلَّا أَنْ يَسْكُنَهَا أَوْ جُلَّهَا حَتَّى مَاتَ فَيَبْطُلُ جَمِيعُهَا. وَإِنْ سَكَنَ مِنْ الدَّارِ الْكَبِيرَةِ ذَاتِ الْمَسَاكِنِ أَقَلَّهَا وَأَكْرَى لَهُمْ بَاقِيهَا نَفَذَ لَهُمْ ذَلِكَ فِيمَا سَكَنَ وَفِيمَا لَمْ يَسْكُنْ، وَلَوْ سَكَنَ الْجُلُّ وَأَكْرَى لَهُمْ الْأَقَلَّ بَطَلَ الْجَمِيعُ. وَقَالَ فِي النُّكَتِ: أَحْفَظُ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا: إذَا سَكَنَ أَبُو الْأَصَاغِرِ شَيْئًا أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ سَكَنَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ بَطَلَ الْجَمِيعُ، وَلَوْ سَكَنَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ صَحَّ لَهُمْ مَا سَكَنَ وَمَا لَمْ يَسْكُنْ. وَإِذَا سَكَنَ الْقَلِيلَ وَأَبْقَى الْكَثِيرَ خَالِيًا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يُكْرِيَهَا لِلْأَصَاغِرِ لِأَنَّ تَرْكَهُ لِكِرَائِهِ مَنْعٌ لَهُ فَكَأَنَّهُ أَبْقَاهُ لِنَفْسِهِ فَذَلِكَ كَانْتِقَالِهِ إيَّاهُ لِسُكْنَاهُ. عِيَاضٌ: وَهَذَا صَحِيحٌ مِنْ النَّظَرِ ظَاهِرٌ مِنْ لَفْظِ الْكِتَابِ. اُنْظُرْ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِنِصْفِ دَارِهِ أَوْ بِنِصْفِ غَنَمِهِ وَتَرَكَ بَقِيَّةَ ذَلِكَ مِلْكًا لِنَفْسِهِ شَرِيكًا لَهُ بِهِ جَازَ وَهُوَ حَوْزٌ لَهُ. ابْنُ سَهْلٍ: فِي هَذَا السَّمَاعِ جَوَازُ هِبَةِ الْمُشَاعِ وَإِنْ بَقِيَ لِلْوَاهِبِ سَائِرُ الْمَوْهُوبِ مِنْهُ. وَمِثْلُهُ لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَكَذَلِكَ فِي صَدَقَةِ الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي آخِرِ الشُّفْعَةِ أَيْضًا. وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: جَرَى الْعَمَلُ بِجَوَازِ الصَّدَقَةِ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعَ الْمُتَصَدِّقِ قَالَ: وَيَكْتُبُ فِي ذَلِكَ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الْمَالِكِ أَمْرَهُ وَتَوَلَّى الِابْنُ الْمَذْكُورُ قَبْضَ الصَّدَقَةِ مِنْ أَبِيهِ وَنَزَلَ فِيهَا مَعَ أَبِيهِ عَلَى الْإِشَاعَةِ مَنْزِلَةَ أَبِيهِ، وَعَزَا هَذَا لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَعْنِي جَوَازَ هِبَةِ الْمُشَاعِ إذَا عَمَّرَ مَعَ الْمُتَصَدِّقِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا وَهَبَ الرَّجُلُ جُزْءًا مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ عَلَى الْإِشَاعَةِ لِمَحْجُورِهِ، جَازَ حَاشَى مَا سَكَنَ مِنْ الدَّارِ أَوْ لَبِسَ مِنْ الثِّيَابِ إلَّا الطَّعَامَ وَمَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْ يَدِهِ. قَالَ ابْنُ زَرْبٍ: إنْ كَانَ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ تَبَعًا لِمَا جَازَ فَالْجَمِيعُ نَافِذٌ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا عِنْدِي لِأَنَّهَا أَنْوَاعٌ، وَلَا يُجْعَلُ الْأَقَلُّ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ إلَّا فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ، وَمِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ: إذَا حَالَ الْخَوْفُ قَبْلَ إمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهَا. (وَجَازَتْ الْعُمْرَى) ابْنُ عَرَفَةَ: الْعُمْرَى تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ حَيَاةَ الْمُعْطَى بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَحُكْمُهَا النَّدْبُ وَيَتَعَذَّرُ عُرُوضُ وُجُوبِهَا (كَأَعْمَرْتُكَ) الْبَاجِيُّ: صِيغَةُ الْعُمْرَى مَا دَلَّ عَلَى هِبَةِ الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ كَأَسْكَنْتُكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 21 هَذِهِ الدَّارَ وَوَهَبْتُكَ سُكْنَاهَا عُمُرَكَ (أَوْ وَارِثَكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهُ قَدْ أَسْكَنْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ وَعَقِبَك رَجَعَتْ إلَيْهِ مِلْكًا بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ، فَإِنْ مَاتَ فَلِأَقْرَبِ النَّاسِ بِهِ يَوْمَ مَاتَ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِمْ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَاتٍ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَرَدَّ عَلَى ابْنِ الْهِنْدِيِّ وَلَمْ يَحْكِ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ إلَّا ابْنُ الْهِنْدِيِّ مَا قَالَ وَكَذَلِكَ الْجَزِيرِيُّ (وَرَجَعَتْ لِلْمُعْمَرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ قَدْ أَعَمَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ حَيَاتَك أَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةَ جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ، وَتَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى الَّذِي أَعْمَرَهَا أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ. قُلْتُ: فَإِنْ أَعْمَرَ ثَوْبًا قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ عَنْ مَالِكٍ فِي الثِّيَابِ شَيْئًا، وَأَمَّا الْحُلِيُّ فَأَرَاهُ بِمَنْزِلَةِ الدُّورِ. قَالَ فِي كِتَابِ الْعَرِيَّةِ: وَالثِّيَابُ عِنْدِي عَلَى مَا أَعْرَاهَا عَلَيْهِ مِنْ الشَّرْطِ (كَحَبْسٍ عَلَيْكُمَا وَهُوَ لِآخِرِكُمَا مِلْكًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ عَبْدِي هَذَا حَبْسٌ عَلَيْكُمَا وَهُوَ لِآخِرِكُمَا جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ، وَهُوَ لِلْآخَرِ مِنْهُمَا يَبِيعُهُ وَيَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ (لَا الرُّقْبَى كَذَوِي دَارَيْنِ قَالَا إنْ مِتَّ قَبْلِي فَهُمَا لِي وَإِلَّا فَلَكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ يَعْرِفْ مَالِكٌ الرُّقْبَى فَفُسِّرَتْ لَهُ فَلَمْ يُجِزْهَا وَهِيَ أَنْ يَكُونَ دَارَانِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَيَحْبِسَانِهَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ أَوَّلًا فَنَصِيبُهُ حَبْسٌ عَلَى الْآخَرِ. (كَهِبَةِ نَخْلٍ وَاسْتِثْنَاءِ ثَمَرَتِهَا سِنِينَ وَالسَّقْيُ عَلَى الْمَوْهُوبِ أَوْ فَرَسٍ لِمَنْ يَغْزُو سِنِينَ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ الْمَدْفُوعُ لَهُ وَلَا يَبِيعُهُ لِبَعْدِ الْأَجَلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِحَائِطٍ وَفِيهِ ثَمَرٌ فَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِالثَّمَرَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ يَوْمَ الصَّدَقَةِ لَمْ تُؤَبَّرْ فَهِيَ لِلْمُعْطَى، وَإِنْ كَانَتْ مَأْبُورَةً فَهِيَ لِلْمُعْطِي كَالْبَيْعِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَرَبُّ الْحَائِطِ مُصَدَّقٌ مِنْ حِينِ تُؤَبَّرُ الثَّمَرَةُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. قُلْتُ: وَكَيْفَ حِيَازَةُ النَّخْلِ وَرَبُّهَا يَسْقِيهَا لِمَكَانِ ثَمَرَتِهِ؟ فَقَالَ: إنْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَرَةِ يَسْقِيهَا كَانَتْ حِيَازَةً. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيَقْبِضُ الْمَوْهُوبُ النَّخْلَ وَيَكُونُ سَقْيُهَا عَلَى الْوَاهِبِ فِي مَالِهِ لِمَكَانِ ثَمَرَتِهِ وَيَتَوَلَّى الْمَوْهُوبُ سَقْيَهَا لِمَكَانِ حِيَازَتِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَثْنَى الْوَاهِبُ ثَمَرَتَهَا لِنَفْسِهِ عَشْرَ سِنِينَ فَإِنْ أَسْلَمَ النَّخْلَ إلَى الْمَوْهُوبِ يَسْقِيهَا بِمَاءِ الْوَاهِبِ وَيَدْفَعُ إلَيْهِ ثَمَرَهَا كُلَّ سَنَةٍ فَذَلِكَ حَوْزٌ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 22 وَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ يَسْقِيهَا بِمَائِهِ وَالثَّمَرَةُ لِلْوَاهِبِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ اسْقِهَا لِي عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ هِيَ لَك وَلَا يَدْرِي أَيَسْلَمُ النَّخْلُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ أَمْ لَا؟ وَأَنَّهُ قَدْ قَالَ لِي مَالِكٌ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ فَرَسَهُ يَغْزُو عَلَيْهِ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ الْفَرَسَ مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ هُوَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ بَعْدَ الْأَجَلِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ. وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ مَاتَ الْفَرَسُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَتَذْهَبُ نَفَقَتُهُ بَاطِلًا أَهَذَا غَرَرٌ؟ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مَسْأَلَتِكَ فِي النَّخْلِ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ النَّخْلُ بِيَدِ الْوَاهِبِ يَسْقِيهَا وَيَقُومُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ يَدِهِ فَهَذَا إنَّمَا وَهَبَ نَخْلَهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إنْ سَلِمَتْ النَّخْلُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ وَلَمْ يَمُتْ رَبُّهَا وَلَا لَحِقَهُ دَيْنٌ وَلَهُ أَخْذُهَا بَعْدَ الْأَجَلِ، وَإِنْ مَاتَ رَبُّهَا أَوْ لَحِقَهُ دَيْنٌ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا. وَمَعْنَى مَسْأَلَةِ الْفَرَسِ أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ الْفَرَسَ يَغْزُو عَلَيْهِ (وَثَوَابُ غَزْوِهِ فِي الْأَجَلِ لِدَافِعِهِ) اُنْظُرْ رَسْمَ حَلِفٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 23 (وَلِلْأَبِ اعْتِصَارُهَا مِنْ وَلَدِهِ) ابْنُ يُونُسَ: رُوِيَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَهَبَ هِبَةً ثُمَّ يَعُودَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 24 قَالَ مَالِكٌ: فَكُلُّ صَدَقَةٍ فَلَا اعْتِصَارَ فِيهَا لِلْأَبَوَيْنِ، وَأَمَّا الْهِبَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَالنِّحَلُ وَالْعُمْرَى فَلَهُمَا الِاعْتِصَارُ فِي ذَلِكَ. (كَأُمٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لِلْأُمِّ أَنْ تَعْتَصِرَ مَا وَهَبَتْ أَوْ نَحَلَتْ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ مَا لَمْ يَسْتَحْدِثُوا دَيْنًا أَوْ يُحْدِثُوا فِيهَا حَدَثًا. . وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ صِحَّةُ اعْتِصَارِ الْأَبِ مَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ صَغِيرًا كَانَ الِابْنُ أَوْ كَبِيرًا وَمَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ الْأُمُّ مِثْلُهُ (فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ رَبِيعَةُ: لَا يَعْتَصِرُ الْوَلَدُ مِنْ الْوَالِدِ. قُلْتُ: فَهَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَبَوَيْنِ مِنْ جَدٍّ أَوْ جَدَّةٍ أَوْ عَمٍّ أَوْ عَمَّةٍ أَوْ خَالٍ أَوْ خَالَةٍ مِنْ غَيْرِهِمْ اعْتِصَارُ هِبَتِهِمْ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ الِاعْتِصَارُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إلَّا لِلْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِمَا (وَهَبَتْ ذَا أَبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا وَهَبَتْ الْأُمُّ أَوْ نَحَلَتْ لِوَلَدِهَا الصِّغَارِ وَلَا أَبِ لَهُمْ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَ لِأَنَّهُ يَتِيمٌ، وَلَا يُعْتَصَرُ مِنْ يَتِيمٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ كَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِ (وَإِنْ مَجْنُونًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ وَهَبَتْ الْأُمُّ وَلَدَهَا وَالْأَبُ مَجْنُونٌ جُنُونًا مُطْبَقًا فَهُوَ كَالصَّحِيحِ فِي وُجُوبِ الِاعْتِصَارِ لَهَا (وَلَوْ يَتِيمًا عَلَى الْمُخْتَارِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ لَهُ أَبٌ يَوْمَ الْعَطِيَّةِ فَلَمْ تَعْتَصِرْ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ كَانَ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ اهـ. وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ وَهَبَتْ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ فَبَلَغَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ كَانَ لِلْأُمِّ أَنْ تَعْتَصِرَ مَا وَهَبَتْهُ، فَأَمَّا إنْ مَاتَ قَبْلَ بُلُوغِ الْوَلَدِ فَلَيْسَ لِلْأُمِّ أَنْ تَعْتَصِرَ مَا وَهَبَتْهُ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْأَبِ قَبْلَ الْبُلُوغِ انْقَطَعَ الِاعْتِصَارُ فَلَا يَعُودُ اهـ. فَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ (إلَّا فِيمَا أُرِيدَ بِهِ الْآخِرَةُ) فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ: هِبَتُهُ لِابْنِهِ لِلصِّلَةِ لَا يَجُوزُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 26 اعْتِصَارُهَا، وَكَذَا هِبَتُهُ لِضَعْفِهِ وَخَوْفِ الْخَصَاصَةِ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: كُلُّ هِبَةٍ لِوَلَدِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ أَوْ لِطَلَبِ الْأَجْرِ أَوْ لِصِلَةِ الرَّحِمِ لَا تُعْتَصَرُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَحْوُهُ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ مُطَرِّفٍ. (كَصَدَقَةٍ بِلَا شَرْطٍ) الْبَاجِيُّ: إنْ أَطْلَقَ لَفْظَ الْهِبَةِ أَوْ الْعَطِيَّةِ أَوْ النِّحْلَةِ وَلَمْ يَقُلْ سَلَّطْتُ عَلَيْهَا حُكْمَ الِاعْتِصَارِ. فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ: لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ لَمْ يَقْرِنْ بِهَا مَا يُخَلِّصُهَا لِلْقُرْبَةِ فَجَازَ فِيهَا الِاعْتِصَارُ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِيهَا الِاعْتِصَارَ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: كُلُّ صَدَقَةٍ فَلَا اعْتِصَارَ فِيهَا لِلْوَالِدَيْنِ. (إنْ لَمْ تَفُتْ بِحَوَالَةِ سُوقٍ أَوْ زَيْدٍ أَوْ نَقْصٍ) لَوْ قَالَ: وَإِنْ فَاتَتْ بِحَوَالَةِ سُوقٍ لَا زَيْدٍ أَوْ نَقْصٍ " لَوَافَقَ مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ الْبَاجِيُّ: إذَا تَغَيَّرَتْ الْهِبَةُ فِي قِيمَتِهَا بِتَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ إنْ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الِاعْتِصَارَ. قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ. لِأَنَّ الْهِبَةَ عَلَى حَالِهَا وَزِيَادَةُ الْقِيمَةِ وَنَقْصُهَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي صِفَتِهَا فَلَمْ يَمْنَعْ الِاعْتِصَارَ كَنَقْلِهَا مِنْ مَوْضِعٍ لِآخَرَ، وَأَمَّا إذَا تَغَيَّرَتْ الْهِبَةُ فِي عَيْنِهَا فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: زِيَادَتُهَا فِي عَيْنِهَا وَنَقْصِهَا لَا يَمْنَعُ اعْتِصَارَهَا. وَقَالَ أَصْبَغُ: بِمَنْعِ اعْتِصَارِهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، لِأَنَّ تَغَيُّرَ حَالَةِ ذِمَّةِ الْمُعْطِي تَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ فَإِنَّ بِمَنْعِهِ تَغَيُّرَ الْهِبَةِ فِي نَفْسِهَا أَوْلَى وَأَحْرَى. (وَلَمْ يُنْكَحْ وَلَمْ يُدَايَنْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلِلْأَبِ أَنْ يَعْتَصِرَ مَا وَهَبَ أَوْ نَحَلَ لِبَنِيهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصِّغَارِ أُمٌّ، لِأَنَّ الْيَتِيمَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ مَا لَمْ يُنْكَحُوا أَوْ يَسْتَحْدِثُوا دَيْنًا لِأَنَّهُ إنَّمَا أُنْكِحَ لِغِنَاهُ وَلِمَا أُعْطِيَ وَعَلَيْهِ دَايَنَهُ النَّاسُ. وَكَذَلِكَ يَرْغَبُ فِي الِابْنَةِ وَيَرْفَعُ فِي صَدَاقِهَا فَلِذَلِكَ مُنِعَ الِاعْتِصَارُ، وَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْهِبَةُ كَثِيرَةً مِمَّا يُزَادُ فِي الصَّدَاقِ مِنْ أَجْلِهَا، فَأَمَّا الثَّوْبُ وَنَحْوُهُ فَلَا. وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ نَحَلَ ابْنَتَهُ غَلَّةً فَتَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ رَجُلٌ ثُمَّ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ فَقَدْ انْقَطَعَ الِاعْتِصَارُ بِالنِّكَاحِ فَلَا يَعُودُ دَيْنًا لَهَا أَوْ لَمْ يَبْقَ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَكَحَ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ أَوْ دَايَنَ ثُمَّ زَالَ الدَّيْنُ أَوْ زَالَتْ الْعِصْمَةُ فَلَا اعْتِصَارَ لَهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيمَنْ نَحَلَ ابْنَهُ أَوْ ابْنَتَهُ ثُمَّ نَكَحَا عَلَى ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَإِنْ نَحَلَهَا بَعْدَ النِّكَاحِ فَذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يَتَدَايَنَا أَوْ يَمُوتَا. (أَوْ يَطَأْ وَلَوْ ثَيِّبًا) مُحَمَّدٌ: إذَا وَهَبَهُ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ بَعْدَ تَزْوِيجِهِ فَلَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ مَا لَمْ يَتَدَايَنْ الْوَلَدُ أَوْ تُنَمَّى الْهِبَةُ أَوْ يَطَأْهَا إنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَيَفُوتُ الِاعْتِصَارُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِكْرًا وَلَمْ تَحْمِلْ. قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ. (أَوْ يَمْرَضُ كَوَاهِبٍ) قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: إنْ مَرِضَ الْأَبُ وَالِابْنُ فَلَا اعْتِصَارَ فِي مَرَضِ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ زَالَ الْمَرَضُ فَلَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَامَلْ عَلَيْهِ فِي الْمَرَضِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: مِثْلُهُ فِي الْأَبِ. قَالَ: وَلَا يُشْبِهُ الْمُعْتَصَرَ مِنْهُ الْمُعْتَصِرُ فِي ذَلِكَ. قَالَ أَصْبَغُ: إذَا امْتَنَعَ الِاعْتِصَارُ بِمَرْضِ أَحَدِهِمَا أَوْ بِنِكَاحِ الْوَلَدِ أَوْ بِدَيْنٍ ثُمَّ زَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 27 الْمَرَضُ وَالدَّيْنُ وَالنِّكَاحُ فَلَا اعْتِصَارَ، وَإِذَا زَالَتْ الْعَصْرَةُ يَوْمًا مَا فَلَا تَعُودُ. وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ: إذَا صَحَّ الْمُعْطِي أَوْ الْمُعْطَى لَهُ رَجَعَتْ الْعَصْرَةُ كَمَا تَنْطَلِقُ يَدُهُ فِي مَالِهِ فِيمَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ. انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ اُخْتُلِفَ إذَا امْتَنَعَ الِاعْتِصَارُ لِمَرَضِ الْأَبِ أَوْ الِابْنِ ثُمَّ بَرِئَا فَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: يَعْتَصِرُ وَهُوَ أَبْيَنُ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَرَضُ مَوْتٍ، فَإِذَا صَحَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا وَأَنَّهُ مَرَضٌ لَا يَمُوتُ مِنْهُ. وَلَوْ اعْتَصَرَ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ ثُمَّ صَحَّ مِنْهُ كَانَ الِاعْتِصَارُ صَحِيحًا لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ (إلَّا أَنْ يَهَبَ عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ وَهَبَ عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَفِي إفَاتَتِهَا الرُّجُوعُ قَوْلَانِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَقْرَبُ صِحَّةُ الِاعْتِصَارِ (أَوْ يَزُولُ الْمَرَضُ عَلَى الْمُخْتَارِ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ بِهَذَا وَتَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ قَبْله فَانْظُرْهُ مَعَهُ. (وَكُرِهَ تَمَلُّكُ صَدَقَةٍ بِغَيْرِ مِيرَاثٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَشْتَرِي الرَّجُلُ صَدَقَتَهُ مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ. مُحَمَّدٌ: وَلَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِاخْتِيَارٍ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ أَمْلَاكٌ وَمَوَارِيثُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ النَّهْيُ عَلَى النَّدْبِ أَوْ الْوُجُوبِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا. وَقَالَ: يُكْرَهُ. وَظَاهِرُ الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. اللَّخْمِيِّ: وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْمَثَلَ ضُرِبَ لَنَا بِمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى ذَمِّ الْفَاعِلِ بِتَشْبِيهِهِ بِالْكَلْبِ الْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ وَالذَّمُّ عَلَى الْفِعْلِ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَتِهِ. وَقَالَهُ عِزُّ الدِّينِ وَلِبُعْدِ اللَّخْمِيِّ عَنْ ذِكْرِ قَوَاعِدِ أُصُولِ الْفِقْهِ قَالَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَرُجُوعُهَا بِالْإِرْثِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ جَبْرٌ. (وَلَا يَرْكَبُهَا وَلَا يَأْكُلُ غَلَّتَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِصَدَقَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَلَا يَرْكَبَهَا إنْ كَانَتْ دَابَّةً وَلَا يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَا مِنْ ثَمَنِهَا، وَأَمَّا الْأُمُّ وَالْأَبُ إذَا احْتَاجَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِمَا مِمَّا تَصَدَّقَا بِهِ عَلَى الْوَلَدِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا يَسْتَعِيرُ مَا تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 28 أَعْطَاهُ لِرَجُلٍ فِي السَّبِيلِ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَإِنْ لَمْ يُبْتَلَ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا تَصَدَّقَ بِالْغَلَّةِ عُمْرَى أَوْ أَجَلًا فَلَهُ شِرَاءُ ذَلِكَ. قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إلَّا عَبْدَ الْمَلِكِ (وَهَلْ إلَّا أَنْ يَرْضَى الِابْنُ الْكَبِيرُ بِشُرْبِ اللَّبَنِ تَأْوِيلَانِ) قَالَ مُحَمَّدٌ: لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ غَنَمٍ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى ابْنِهِ وَيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا وَيَكْتَسِيَ مِنْ صُوفِهَا إذَا رَضِيَ الْوَلَدُ، وَكَذَلِكَ الْأُمُّ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا فِي الْوَلَدِ الْكَبِيرِ، وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَلَا يَفْعَلُ وَقَالَهُ مَالِكٌ انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْ لِابْنِ يُونُسَ غَيْرَ هَذَا. وَفِي الرِّسَالَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ لَبَنِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ (وَيُنْفِقُ عَلَى أَبٍ افْتَقَرَ مِنْهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: الْأَبُ وَالْأُمُّ إذَا احْتَاجَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا مِمَّا تَصَدَّقَا بِهِ عَلَى الْوَلَدِ (وَتَقْوِيمُ جَارِيَةٍ أَوْ عَبْدٍ لِلضَّرُورَةِ وَيُسْتَقْصَى مِنْ نَفْسِهِ لِوَلَدِهِ) إنَّمَا جَعَلَ الْمُتَيْطِيُّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَمَةِ خَاصَّةً لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ خَاصَّةً. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِجَارِيَةٍ فَتَمَنَّتْهَا نَفْسُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَوِّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَيُسْتَقْصَى الِابْنُ. قَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّمَا رَخَّصَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ مِنْ أَبِيهِ، وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا أَوْ أَجْنَبِيًّا مَا حَلَّ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَهُ مَالِكٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: مِثْلُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَوْهُوبُ عَبْدًا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْجَارِيَةِ أَعْذَرُ مِنْهُ فِي الْعَبْدِ لِتَعَلُّقِ نَفْسِهِ بِهَا. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَجَازَ شَرْطُ الثَّوَابِ) ابْنُ يُونُسَ: الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ كَالْبَيْعِ فِي هَذَا فِي أَكْثَرِ الْحَالَاتِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْعِوَضَ عِنْدَ الْهِبَةِ أَجَازَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ خَالَفَتْ الْبَيْعَ فِي هَذَا كَخِلَافِ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ لِنِكَاحِ التَّسْمِيَةِ، وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 29 بَأْسَ بِاشْتِرَاطِ الثَّوَابِ عِنْدَ الْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ (وَلَزِمَ بِتَعْيِينِهِ) . ابْنُ رُشْدٍ: وَهِبَةُ الثَّوَابِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَهَبَ عَلَى ثَوَابٍ يَرْجُوهُ وَلَا يُسَمِّيه وَلَا يَشْتَرِطُهُ، فَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَنِكَاحِ التَّفْوِيضِ. وَالثَّانِي أَنْ يَهَبَ عَلَى ثَوَابٍ يَشْتَرِطُهُ وَلَا يُسَمِّيهِ فَقِيلَ إنَّهُ كَالْهِبَةِ الَّتِي يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ. قَالَهُ أَصْبَغُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: هَذَا غَرَرٌ لِأَنَّهُ بَاعَ سِلْعَةً بِقِيمَتِهَا. الثَّالِثُ: أَنْ يَهَبَ عَلَى ثَوَابٍ يَشْتَرِطُهُ وَيُسَمِّيهِ فَهُوَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ وَيُسَمِّيه فِيهَا، وَلَوْ قَالَ فَهُوَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ يُحِلُّهُ مَا يُحِلُّ الْبَيْعَ وَيُحَرِّمُهُ مَا يُحَرِّمُ الْبَيْعَ كَانَ أَوْلَى. الْبَاجِيُّ: مِنْ الْجَهَالَةِ فِي الثَّمَنِ أَنْ يَبِيعَهُ السِّلْعَةَ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِمَا يُعْطَى فِيهَا، وَلَوْ قَالَ بِعْتُكهَا بِمَا شِئْتَ ثُمَّ سَخِطَ مَا أَعْطَاهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَعْطَاهُ الْقِيمَةَ لَزِمَهُ. الْبَاجِيُّ: حَمَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ هَذَا عَلَى الْمُكَارَمَةِ كَهِبَةِ الثَّوَابِ، وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ لَفْظَ الْبَيْعِ فَمَنَعَهُ وَلَمْ يَجْعَلْهُ كَهِبَةِ الثَّوَابِ فَجَعَلَ لِلَّفْظِ تَأْثِيرًا. الْمُتَيْطِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَهَبَ الْأَبُ دَارَ ابْنِهِ الْمَحْجُورِ لِلثَّوَابِ وَيَكْتُبَ فِي ذَلِكَ " وَهَبَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ دَارَ ابْنِهِ لِمَا رَجَاهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ لَهُ عَلَى سُنَّةِ الْهِبَةِ لِلثَّوَابِ وَرَضِيَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِهَذِهِ الْهِبَةِ وَقَبِلَهَا وَالْتَزَمَ الثَّوَابَ فِيهَا وَصَارَتْ بِيَدِهِ ". وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ بِالْخِيَارِ بَعْدَ الْقَبْضِ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ أَوْ يَرُدُّ مَا لَمْ تُفْتِ (وَصُدِّقَ وَاهِبٌ فِيهِ إنْ لَمْ يَشْهَدْ عُرْفٌ بِضِدِّهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَا وَهَبْتَ لِقَرَابَتِكَ أَوْ ذَوِي رَحِمِكَ وَعَلَى أَنَّكَ أَرَدْتَ ثَوَابًا فَذَلِكَ لَكَ إنْ أَثَابُوكَ وَإِلَّا رَجَعْتَ فِيهَا، وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِثَوَابٍ كَصِلَتِكَ لِفَقْرِهِمْ وَأَنْتَ غَنِيٌّ فَلَا ثَوَابَ لَك وَلَا تُصَدَّقُ أَنَّكَ أَرَدْتَهُ وَلَا رُجُوعَ لَكَ فِي هِبَتِكَ، وَكَذَلِكَ هِبَةُ غَنِيٍّ لِأَجْنَبِيٍّ فَقِيرٍ أَوْ فَقِيرٍ لِفَقِيرٍ ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّهُ أَرَادَ الثَّوَابَ وَلَا يُصَدَّقُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي أَصْلِ هِبَتِهِ ثَوَابًا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ فِي هِبَتِهِ (وَإِنْ لِعُرْسٍ) الْبَاجِيُّ: مَا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِبَلَدِنَا مِنْ إهْدَاءِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ الْكِبَاشَ وَغَيْرَهَا عِنْدَ النِّكَاحِ. فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: إنَّ ذَلِكَ عَلَى الثَّوَابِ وَبِذَلِكَ رَأَيْتَ الْقَضَاءَ بِبَلَدِنَا. قَالَ: لِأَنَّ ضَمَائِرَ الْمُهْدِي وَالْمُهْدَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 30 إلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ، يُرِيدُ أَنَّهُ الْعُرْفُ. قَالَ: وَذَلِكَ كَالشَّرْطِ فَيُقْضَى لِلْمُهْدِي بِقِيمَةِ الْكِبَاشِ حِينَ قَبَضَهَا الْمُهْدَى إلَيْهِ إنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ الْوَزْنِ، فَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الْوَزْنِ قُضِيَ بِوَزْنِهَا. وَإِنْ كَانَ الْمُهْدَى إلَيْهِ بَعَثَ إلَى الْمُهْدِي قَدْرًا مِنْ لَحْمٍ مَطْبُوخٍ أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُ فِي الْعُرْسِ حُوسِبَ فِي قِيمَةِ هَدِيَّتِهِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي بَلَدٍ لَا يُعْرَفُ فِيهِ هَذَا لَمْ يُقْضَ فِيهِ بِثَوَابٍ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ. رَاجِعْ الْمُنْتَقَى وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ لَا يُقْضَى فِي الثَّوَابِ إلَّا بِمَا يُقْضَى عَنْهُ بِبَيْعٍ (وَهَلْ يُحَلَّفُ أَوْ إنْ أَشْكَلَ تَأْوِيلَانِ) عِيَاضٌ: قَوْلُهُ فِي هِبَةِ الْفَقِيرِ إنْ قَالَ: إنَّمَا وَهِبَتُهُ لِلثَّوَابِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ إنَّمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ يَمِينِهِ وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْجَلَّابِ. وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ: لَا يَمِينَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: أَمَّا إذَا أَشْكَلَ فَإِحْلَافُهُ صَوَابٌ، وَإِنْ لَمْ يُشْكِلْ وَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الثَّوَابَ فَلَا يُحَلَّفُ (فِي غَيْرِ الْمَسْكُوكِ إلَّا بِشَرْطٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا ثَوَابَ فِي هِبَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَإِنْ وَهَبَهَا فَقِيرٌ لِغَنِيٍّ وَمَا عَلِمْتُهُ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الثَّوَابَ فَيُثَابُ عَرْضًا أَوْ طَعَامًا، وَأَجَازَ مَالِكٌ هِبَةَ الْحُلِيِّ الْمَصُوغِ لِلثَّوَابِ وَلَا يُعَوَّضُ مِنْ ذَلِكَ عَيْنًا لَا ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً. قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَيَجُوزُ قَبْلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ بِحَضْرَةِ الْحُلِيِّ. (وَهِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُقْضَى بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِالثَّوَابِ فِي الْهِبَةِ وَلَا بَيْنَ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ ابْتِغَاءُ الثَّوَابِ بَيْنَهُمْ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ لِلْمَرْأَةِ جَارِيَةٌ فَارِهَةٌ فَطَلَبَهَا مِنْهَا زَوْجُهَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَأَعْطَتْهُ إيَّاهَا تُرِيدُ بِذَلِكَ اسْتِغْزَارَ صِلَتِهِ، وَالرَّجُلُ كَذَلِكَ يَهَبُ لِامْرَأَتِهِ وَالِابْنُ لِأَبِيهِ مِمَّا يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ اسْتِغْزَارَ مَا عِنْدَ أَبِيهِ، فَإِنْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ مِمَّا يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ وَجْهُ مَا طَلَبَ فِي هِبَتِهِ فَفِي ذَلِكَ الثَّوَابُ، فَإِنْ أَثَابَهُ وَإِلَّا رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي هِبَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجْهُ مَا ذَكَرْنَا فَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 31 ثَوَابَ بَيْنَهُمَا. (وَلِقَادِمٍ عِنْدَ قُدُومِهِ وَإِنْ فَقِيرًا لِغَنِيٍّ وَلَا يَأْخُذُ هِبَتَهُ وَإِنْ قَائِمَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا قَدِمَ غَنِيٌّ مِنْ سَفَرِهِ فَأَهْدَى إلَيْهِ جَارُهُ الْفَقِيرُ الْفَوَاكِهَ وَالرُّطَبَ وَشِبْهَهُ ثُمَّ قَامَ يَطْلُبُ الثَّوَابَ وَقَالَ إنَّمَا أَهْدَيْتُ إلَيْهِ رَجَاءَ أَنْ يَكْسُوَنِي أَوْ يَصْنَعَ بِي خَيْرًا، فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِغَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا لَهُ أَخْذُ هَدِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا. (وَلَزِمَ وَاهِبَهَا لَا الْمَوْهُوبَ لَهُ الْقِيمَةُ) هِبَةُ الثَّوَابِ يَكُونُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُخَيَّرًا مَا كَانَتْ الْهِبَةُ قَائِمَةً لَمْ تَفُتْ بَيْنَ أَنْ يُثِيبَهُ مَا يَكُونُ فِيهِ وَفَاءٌ بِقِيمَةِ الْهِبَةِ أَوْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ إلَّا بِالْفَوْتِ. وَعَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَلْزَمُ الْوَاهِبَ الرِّضَا بِقِيمَةِ الْهِبَةِ إلَّا بَعْدَ فَوْتِهَا بِذَهَابِ عَيْنِهَا كَقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ عَلَى حُكْمِهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الرِّضَا بِصَدَاقِ الْمِثْلِ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ، خِلَافُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُ يَلْزَمُهُمَا الرِّضَا بِالصَّدَاقِ الْمِثْلِيِّ إذَا فَوَّضَهُ لَهَا كَالتَّفْوِيضِ (وَإِلَّا لِفَوْتٍ بِزَيْدٍ أَوْ نَقْصٍ) ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ فِي الْفَوْتِ الَّذِي يَلْزَمُ بِهِ الْمَوْهُوبَ لَهُ الْقِيمَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهَا فَوْتٌ إلَّا بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ (وَلَهُ مَنْعُهَا حَتَّى يَقْبِضَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا هِبَةُ الثَّوَابِ فَلِلْوَاهِبِ مَنْعُهَا حَتَّى يَقْبِضَ الْعِوَضَ كَالْبَيْعِ (وَأُثِيبَ بِمَا يُقْضَى عَنْهُ بِبَيْعٍ) قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمَّا كَانَتْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 32 الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ كَالْبَيْعِ فِي أَكْثَرِ الْحَالَاتِ كَانَ لَهَا حُكْمُهُ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ عِوَضِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ وَهَبَك حِنْطَةً فَلَا خَيْرَ فِي أَنْ تُعَاوِضَهُ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ حِنْطَةً أَوْ تَمْرًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ مَكِيلِ الطَّعَامِ أَوْ مَوْزُونِهِ إلَّا أَنْ تُعَاوِضَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ طَعَامًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ، لِأَنَّ هِبَةَ الثَّوَابِ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 33 تُعَاوِضَهُ مِثْلَ طَعَامِهِ فِي صِفَتِهِ وَجَوْدَتِهِ وَكَيْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِنْ افْتَرَقَا. (وَإِنْ مُعَيَّنًا) لَوْ قَالَ " وَلَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ " لَكَانَ أَبْيَنَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: إنْ سَمَّى الثَّوَابَ فَهُوَ بَيْعٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ فَالثَّوَابُ فَفِيهِ الْخِلَافُ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْهِبَةُ بِشَرْطِ عِوَضِ عَيْنَاهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ: هِيَ بَيْعٌ. وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُ شَرْطِ الثَّوَابِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ (وَإِلَّا كَحَطَبٍ فَلَا يَلْزَمُ أَخْذُهُ) ابْنُ شَاسٍ: نَوْعُ الثَّوَابِ الَّذِي يَلْزَمُ قَبُولُهُ بِاتِّفَاقِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. وَرَوَى أَشْهَبُ: الْخَسَارَةُ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى غَيْرِهِمَا. وَرَأَى سَحْنُونَ أَنَّ كُلَّ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ثَوَابًا وَيَلْزَمَ الْوَاهِبَ قَبُولُهُ إذَا كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِقِيمَةِ هِبَتِهِ. وَوَافَقَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي عَدَمِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْعَيْنِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْهَا الْحَطَبَ وَالتِّبْنَ وَشِبْهَهُ مِمَّا لَا يُثَابُ فِي الْعَادَةِ بِمِثْلِهِ. (وَلِلْمَأْذُونِ وَلِلْأَبِ فِي مَالِ وَلَدِهِ الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُقْضَى عَلَيْهِ أَنْ يُعَوِّضَ مَنْ يَهَبُهُ قَالَ: وَلِلْأَبِ أَنْ يَهَبَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِلثَّوَابِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِلْمَأْذُونِ أَنْ يَهَبَ لِلثَّوَابِ كَالْبَيْعِ وَيُعَوِّضَ عَنْهُ وَاهِبَهُ لِلثَّوَابِ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ بَيْعٌ وَبَيْعُ الْأَبِ جَائِزٌ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ. (وَإِنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا أَوْ بِغَيْرِهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فِي يَمِينٍ فَحَنِثَ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ يَمِينٍ وَإِنَّمَا بَتَلَهُ لِلَّهِ أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ إنْ كَانَ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ. عِيَاضٌ: عَلَى هَذَا اخْتَصَرَهَا أَكْثَرُ الْمُخْتَصِرِينَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهَا إلَّا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: إنْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ بِغَيْرِ يَمِينٍ لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ كَالْمَرْضَى وَالْمَسَاكِينِ فَفِيهَا قَوْلَانِ فِي حَبْسِ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْهِبَاتِ مِنْهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِمِدْيَانٍ أَنَا أَهَبُك فَلَا يَلْزَمُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا مَا أَدْخَلَهُ فِي وَعْدِهِ فَلَازِمٌ كَقَوْلِهِ زَوِّجْ بِنْتَك وَالصَّدَاقُ عَلَيَّ، فَهَذَا الْوَعْدُ يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُعْطِي قَبْلَ الْقَبْضِ. (وَفِي مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ قَوْلَانِ) سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَصَدَّقَ أَوْ وَهَبَ لِمَسْجِدٍ بِعَيْنِهِ، هَلْ يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهَا وَإِنْفَاذِهَا؟ فَقَالَ: يُجْبَرُ كَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: يُؤْمَرُ وَلَا يُجْبَرُ وَتُوقَفُ غَيْرُهُمَا وَقَالَ: لَا أَدْرِي. (وَقُضِيَ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فِيهَا بِحُكْمِنَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُقْضَى بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِي الْهِبَاتِ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا كَانَا ذِمِّيَّيْنِ فَامْتَنَعَ الْوَاهِبُ مِنْ دَفْعِ الْهِبَةِ لَمْ أَعْرِضْ لَهُمَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّظَالُمِ الَّذِي أَمْنَعُهُمْ مِنْهُ لِأَنَّ كُلَّ أَمْرٍ يَكُونُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ فَإِنَّمَا يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 34 [كِتَابُ اللُّقَطَةِ] [فَصْلٌ فِي الِالْتِقَاطِ وَذَاتِ اللُّقَطَةِ وَأَحْكَامِهَا] ِ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: فِي هَذَا الْكِتَابِ فُصُولٌ: الْأَوَّلُ فِي الِالْتِقَاطِ. الثَّانِي فِي ذَاتِ اللُّقَطَةِ. الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ اللُّقَطَةِ. (اللُّقَطَةُ مَالٌ مَعْصُومٌ عُرِّضَ لِلضَّيَاعِ) ابْنُ شَاسٍ: اللُّقَطَةُ عِبَارَةٌ عَنْ مَالٍ مَعْصُومٍ عُرِّضَ لِلضَّيَاعِ كَانَ فِي عَامِرِ الْبَلَدِ أَوْ غَامِرِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ اللُّقَطَةُ هِيَ مَالٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ مُحْتَرَمٍ لَيْسَ حَيَوَانًا نَاطِقًا وَلَا نَعَمًا فَيَخْرُجُ الرِّكَازُ وَمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَتَدْخُلُ الدَّجَاجَةُ وَحَمَامُ الدُّورِ وَنَحْوُ ذَلِكَ إلَّا السَّمَكَةُ تَقَعُ فِي سَفِينَةٍ هِيَ لِمَنْ وَقَعَتْ إلَيْهِ، وَالضَّالَّةُ نَعَمٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ مُحْتَرَمٍ، وَالْآبِقُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ (وَإِنْ كَلْبًا) ابْنُ شَاسٍ: مَنْ وَجَدَ كَلْبًا الْتَقَطَهُ إنْ كَانَ بِمَكَانٍ يُخَافُ عَلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُخَصُّ هَذَا بِالْمَأْذُونِ فِيهِ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَتَلَ كَلْبًا مِنْ كِلَابِ الدُّورِ مِمَّا لَا يُؤْذِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُتْرَكُ، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا فِي اتِّخَاذِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ. هَذَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ شَاسٍ وَفِيهِ مَعَ هَذَا نَظَرٌ لِقَوْلِهَا مَنْ سَرَقَ كَلْبًا صَائِدًا أَوْ غَيْرَ صَائِدٍ لَمْ يُقْطَعْ إلَّا أَنْ يُرَاعَى دَرْءُ الْحَدِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 35 بِالشُّبَهِ. (وَفَرَسًا وَحِمَارًا) اللَّخْمِيِّ: الْبَقَرُ وَالْخَيْلُ وَسَائِرُ الدَّوَابِّ بِحَيْثُ لَا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ سَبُعٍ وَلَا غَيْرِهِ لَمْ تُؤْخَذْ وَإِلَّا أُخِذَتْ وَعُرِّفَتْ عَامًا. اُنْظُرْ هَذَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ مَنْ أَسْلَمَ دَابَّتَهُ فِي سَفَرٍ آيِسًا مِنْهَا فَأَخَذَهَا مَنْ عَاشَتْ عِنْدَهُ وَمَنْ مَاتَتْ رَاحِلَتُهُ بِفَلَاةٍ فَأَسْلَمَ مَتَاعَهُ فَحَمَلَهُ رَجُلٌ وَمَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ مِنْ مَتَاعِ الْمُسْلِمِينَ. (وَرُدَّ بِمَعْرِفَةِ مَشْدُودٍ فِيهِ وَبِهِ وَبِعَدَدِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَأَتَى رَجُلٌ فَوَصَفَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعِدَّتَهَا لَزِمَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَيُجْبِرَهُ السُّلْطَانُ عَلَى ذَلِكَ. أَبُو عُمَرَ: أَجْمَعُوا أَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 36 الْعِفَاصَ الْخِرْقَةُ الْمَرْبُوطُ فِيهَا وَهِيَ لُغَةً مَا يُسَدُّ بِهِ فَمُ الْقَارُورَةِ، وَالْوِكَاءُ الْخَيْطُ الَّذِي تُرْبَطُ بِهِ (بِلَا يَمِينٍ) الْبَاجِيُّ: هَلْ يَلْزَمُهُ يَمِينٌ إذَا وَصَفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَالْعَدَدَ؟ الْمَشْهُورُ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُنَازِعُهُ فِيهَا وَلَا مَنْ يُنَازِعُ عَنْهُ (وَقُضِيَ لَهُ عَلَى ذِي الْعَدَدِ وَالْوَزْنِ) أَصْبَغُ: لَوْ عَرَّفَ وَاحِدٌ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَوَصَفَ آخَرُ عَدَدَ الدَّنَانِيرِ وَوَزْنَهَا كَانَتْ لِمَنْ عَرَّفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ. وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُعَرِّفْ إلَّا الْعِفَاصَ وَحْدَهُ (وَإِنْ وَصَفَ ثَانٍ وَصْفَ أَوَّلٍ وَلَمْ يَبِنْ بِهَا حَلَفَا وَقُسِمَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ دَفَعَهَا لِمَنْ عَرَّفَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَوَصَفَ مِثْلَ مَا وَصَفَ الْأَوَّلُ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ تِلْكَ اللُّقَطَةَ كَانَتْ لَهُ، لَمْ يَضْمَنْهَا لِأَنَّهُ دَفَعَهَا بِأَمْرٍ يَجُوزُ لَهُ. اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَاتَّفَقَتْ صِفَتُهُمَا اقْتَسَمَاهَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا، فَإِنْ أَخَذَهَا أَحَدُهُمَا بِالصِّفَةِ ثُمَّ أَتَى الْآخَرُ فَوَصَفَ مِثْلَ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَبِينَ بِهَا وَيَظْهَرَ أَمْرُهَا قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ ظَهَرَ أَمْرُهَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الثَّانِي (كَبَيِّنَتَيْنِ لَمْ تُؤَرَّخَا وَإِلَّا فَلِلْأَقْدَمِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ أَقَامَ الثَّانِي بَيِّنَةً اُنْتُزِعَتْ مِنْ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً فَيُقْضَى بِأَعْدَلِهِمَا، فَإِنْ تَكَافَأَتَا بَقِيَتْ لِلْأَوَّلِ بِالصِّفَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا فِي النَّوَادِرِ لِأَشْهَبَ وَزَادَ: هَذَا إنْ لَمْ تُؤَرَّخْ الْبَيِّنَتَانِ وَإِنْ أُرِّخَتَا كَانَتْ لِأَوَّلِهِمَا مِلْكًا بِالتَّارِيخِ (وَلَا ضَمَانَ عَلَى دَافِعٍ بِوَصْفٍ وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِغَيْرِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا بِأَمْرٍ يَجُوزُ لَهُ. (وَاسْتُؤْنِيَ فِي الْوَاحِدَةِ إنْ جَهِلَ غَيْرَهَا) أَصْبَغُ: لَوْ عَرَّفَ الْعِفَاصَ وَحْدَهُ وَادَّعَى الْجَهَالَةَ فِيمَا سِوَاهُ فَلْيَسْتَبْرِئْ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أُعْطِيَهَا هَذَا كَمَا فِي شَرْطِ الْخَلِيطَيْنِ أَوْصَافًا تُجْزِئُ وَإِنْ انْخَرَمَ بَعْضُهَا (لَا غَلِطَ عَلَى الْأَظْهَرِ) ابْنُ رُشْدٍ: الْعِفَاصُ وَالْوِكَاءُ إذَا وَصَفَ أَحَدَهُمَا وَجَهِلَ الْآخَرَ أَوْ غَلِطَ فِيهِ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، أَعْدَلُ الْأَقَاوِيلِ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ ادَّعَى الْجَهَالَةَ اسْتَبْرَأَ أَمْرَهُ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 37 وَإِنْ ادَّعَى الْغَلَطَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ (وَلَمْ يَضُرَّ جَهْلُهُ بِقَدْرِهَا) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا جَهْلُهُ بِالْعَدَدِ فَلَا يَضُرُّهُ إذَا عَرَّفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ، وَكَذَلِكَ غَلَطُهُ فِيهِ بِالزِّيَادَةِ لَا يَضُرُّهُ، وَاخْتُلِفَ فِي غَلَطِهِ بِالنُّقْصَانِ. (وَوَجَبَ أَخْذُهُ لِخَوْفِ خَائِنٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي حُكْمِ أَخْذِ اللُّقَطَةِ اضْطِرَابٌ. ابْنُ رُشْدٍ: يَلْزَمُ أَنْ يُؤْخَذَ اللَّقِيطُ وَلَا يُتْرَكُ لِأَنَّهُ إنْ تُرِكَ ضَاعَ وَهَلَكَ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي لُقَطَةِ الْمَالِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ بَيْنَ قَوْمٍ مَأْمُونِينَ وَالْإِمَامُ عَدْلٌ لَا يُخْشَى أَنْ يَأْخُذَهَا إنْ عَلِمَ بِهَا بَعْدَ تَعْرِيفِهِ إيَّاهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ بَيْنَ قَوْمٍ غَيْرِ مَأْمُونِينَ وَالْإِمَامُ عَدْلٌ فَأَخْذُهَا عَلَيْهِ وَاجِبٌ قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَ قَوْمٍ مَأْمُونِينَ وَالْإِمَامُ غَيْرُ عَدْلٍ لَكَانَ الِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يَأْخُذَهَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَ قَوْمٍ غَيْرِ مَأْمُونِينَ وَالْإِمَامُ غَيْرُ عَدْلٍ لَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَخْذِهَا وَتَرْكِهَا، وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ مِنْ أَكْثَرِ الْخَوْفَيْنِ وَهُوَ أَيْضًا أَعْنِي هَذَا الِاخْتِلَافَ فِيمَا عَدَا لُقَطَةَ الْحَاجِّ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا مَخَافَةَ أَنْ لَا يَجِدَ رَبَّهَا لِتَفَرُّقِ الْحَاجِّ إلَى بُلْدَانِهِمْ، فَإِنْ الْتَقَطَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي تَعْرِيفِهَا مَا يَجِبُ فِي سِوَاهَا. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ بَيْنَ قَوْمٍ غَيْرِ مَأْمُونِينَ كَانَ حِفْظُهَا وَاجِبًا لِأَنَّ حِفْظَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 38 أَمْوَالِ النَّاسِ وَأَلَّا تَضِيعَ وَاجِبٌ (لَا إنْ عَلِمَ خِيَانَتَهُ هُوَ فَيَحْرُمُ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ السُّلْطَانُ غَيْرَ مَأْمُونٍ وَمَتَى أُنْشِدَتْ وَعُرِّفَتْ أَخَذَهَا مُنِعَ مَنْ وَجَدَهَا أَنْ يَعْرِضَ لَهَا، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَفْتَى عَنْ ذَلِكَ مَنْ لَيْسَ بِمَأْمُونٍ وَيُخْشَى إنْ صَارَتْ إلَيْهِ أَنْ يَسْتَفِزَّهُ الشَّيْطَانُ بَعْدَ أَخْذِهَا فَيُقَالُ لَهُ لَا تَقْرَبْهَا (وَإِلَّا كُرِهَ عَلَى الْأَحْسَنِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ الْوَاجِدُ لَهَا مَأْمُونًا وَلَا يَخْشَى سُلْطَانَ الْمَوْضِعِ إنْ أَنْشَدَهَا أَنْ يَأْخُذَهَا وَهِيَ بَيْنَ نَاسٍ لَا بَأْسَ بِحَالِهِمْ وَلَهَا قَدْرٌ، كَانَ أَخْذُهَا وَتَعْرِيفُهَا مُسْتَحَبًّا، وَإِنْ كَانَتْ حَقِيرَةً كُرِهَ لَهُ أَخْذُهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 39 مُطْلَقًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: لَوْ كَانَتْ بَيْنَ قَوْمٍ مَأْمُونِينَ وَالْإِمَامُ غَيْرُ عَدْلٍ لَكَانَ الِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يَأْخُذَهَا قَوْلًا وَاحِدًا. (وَتَعْرِيفُهُ سَنَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ الْتَقَطَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ حُلِيًّا مَصُوغًا أَوْ عَرْضًا أَوْ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلْيُعَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا وَإِلَّا تَمَّ أَمْرُهُ بِأَكْلِهَا، كَثُرَتْ أَوْ قَلَّتْ، دِرْهَمٌ فَصَاعِدًا إلَّا أَنْ يُحِبَّ بَعْدَ السَّنَةِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا وَيُخَيَّرُ صَاحِبُهَا إنْ جَاءَ فِي أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَوَابُهَا أَوْ يَغْرَمَهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَكْرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا قَبْلَ السَّنَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءَ التَّافِهَ الْيَسِيرَ (وَلَوْ كَالدَّلْوِ لَا تَافِهًا) سُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لُقَطَةُ مِثْلِ الدَّلْوِ وَالْحَبْلِ وَالْمِخْلَاةِ وَشِبْهَ ذَلِكَ إنْ وُجِدَ بِطَرِيقٍ وَقَعَ بِأَقْرَبِ مَوْضِعٍ إلَيْهِ وَإِنْ بِمَدِينَةٍ عُرِّفَ وَانْتُفِعَ بِهِ، وَالصَّدَقَةُ بِهِ أَحَبُّ إلَيَّ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَقْسَامِ اللُّقَطَةِ هُوَ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ إنْ تُرِكَ، وَيَبْقَى فِي يَدِ مُلْتَقِطِهِ إنْ الْتَقَطَهُ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا جِدًّا لَا بَالَ لَهُ وَلَا قَدْرَ لَقِيمَتِهِ وَيُعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَطْلُبُهُ لِتَفَاهَتِهِ فَإِنَّ هَذَا لَا يُعَرَّفُ وَهُوَ لِوَاجِدِهِ إنْ شَاءَ أَكَلَهُ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ. أَصْلُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا» . وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا تَعْرِيفًا. وَقَدْ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الَّذِي يَجِدُ السَّوْطَ وَالْعَصَا أَنَّهُ يُعَرِّفَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا إلَّا أَنَّ لَهُ قَدْرًا وَمَنْفَعَةً وَقَدْ يَشِحُّ بِهِ صَاحِبُهُ فَيَطْلُبُهُ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ تَعْرِيفِهِ. وَظَاهِرُ مَا حَكَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 40 الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُعَرِّفُهُ سَنَةً. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إنَّمَا يُعَرِّفُهُ أَيَّامًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ الْتَقَطَ مَا لَا يَبْقَى مِنْ الطَّعَامِ فَأُحِبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ كَثُرَ أَوْ قَلَّ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ أَكَلَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ لِرَبِّهِ كَالشَّاةِ يَجِدُهَا فِي الْفَلَاةِ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ فِي غَيْرِ فَيْفَاءَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ وَيُعَرِّفُ بِهِ، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ (بِمَظَانِّ طَلَبِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُعَرِّفُ اللُّقَطَةَ حَيْثُ وَجَدَهَا وَعَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُعَرِّفُ حَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا هُنَاكَ أَوْ خَبَرُهُ وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى أَمْرِ الْإِمَامِ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَنْدُوبٌ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَالْعَوْنِ عَلَيْهِ فَهَذَا مِنْهُ. (كَبَابِ الْمَسْجِدِ) سُمِعَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 41 الْقَرِينَانِ: يُعَرِّفُ اللُّقَطَةَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ: لَا أُحِبُّ رَفْعَ الصَّوْتِ فِي الْمَسَاجِدِ وَإِنَّمَا أَمَرَ عُمَرُ أَنْ تُعَرَّفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ. وَلَوْ مَشَى هَذَا الَّذِي وَجَدَهَا إلَى الْحِلَقِ فِي الْمَسْجِدِ يُخْبِرُهُمْ وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا (فِي كُلِّ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ) رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ: يَنْبَغِي لِلَّذِي يُعَرِّفُ اللُّقَطَةَ أَنْ لَا يُرِيَهَا أَحَدًا وَلَا يُسَمِّيَهَا بِعَيْنِهَا لِكَيْ يُعَمِّيَ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَأْتِيَ مُتَخَيِّلٌ فَيَصِفَهَا بِذَلِكَ بِصِفَةِ الْعُرْفِ فَيَأْخُذُهَا وَلَيْسَتْ لَهُ، وَيُعَرِّفُهَا فِي الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدَعَ صَنْعَتَهُ وَيُعَرِّفَهَا (بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ بِأُجْرَةٍ مِنْهَا إنْ لَمْ يُعَرِّفْ مِثْلُهُ) اللَّخْمِيِّ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَرْبَعٍ: بَيْنَ أَنْ يُعَرِّفَهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ يَدْفَعَهَا إلَى السُّلْطَانِ إذَا كَانَ عَدْلًا وَكَانَ لَا يَتَشَاغَلُ عَنْ تَعْرِيفِهَا، أَوْ إلَى مَأْمُونٍ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهَا، أَوْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهَا مَنْ يُعَرِّفُهَا. وَأَجَازَ ابْنُ شَعْبَانَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْهَا عَلَيْهَا يُرِيدُ إذَا لَمْ يَلْتَزِمْ تَعْرِيفَهَا وَكَانَ مِثْلُهُ لَا يَلِي مِثْلَ ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا دَفَعَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ إلَى غَيْرِهِ لِيُعَرِّفَ بِهَا فَضَاعَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ. وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ لِيَعْمَلَ بِهَا مَا شَاءَ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ الَّتِي لَمْ يَرْضَ رَبُّهَا إلَّا أَمَانَتَهُ فَلَا يَدْفَعُهَا لِغَيْرِهِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَذَكَرَ هَذَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ مَالِكٍ فِي فَرْقِهِ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ هَلَاكَ لُقَطَةٍ بَعْدَ السَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: هِيَ فِي ذِمَّتِهِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا. وَأَمَّا قَبْلَ السَّنَةِ فَبَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَرْقٌ، هَذَا فِي ذِمَّتِهِ وَهَذَا فِي رَقَبَتِهِ وَالْجَمِيعُ اسْتِهْلَاكٌ (وَبِالْبَلَدَيْنِ إنْ وُجِدَتْ بَيْنَهُمَا) اللَّخْمِيِّ: إنْ وُجِدَتْ فِي طَرِيقٍ بَيْنَ مَدِينَتَيْنِ عَرَّفَهَا فِي تِينِك الْمَدِينَتَيْنِ وَكَذَلِكَ الْقَرْيَتَيْنِ أَوْ الْمَدِينَةِ وَالْقَرْيَةِ (وَلَا يُذْكَرُ جِنْسُهَا عَلَى الْمُخْتَارِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ هَلْ يُسَمِّي جِنْسَ اللُّقَطَةِ إذَا أَنْشَدَهَا وَأَنْ لَا يُسَمِّيَ أَحْسَنُ. اُنْظُرْ نَقْلَ ابْنِ يُونُسَ عِنْدِ قَوْلِهِ " فِي كُلِّ يَوْمَيْنِ ". (وَدُفِعَتْ لِحَبْرٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 42 إنْ وُجِدَتْ بِقَرْيَةِ ذِمَّةٍ) ابْنُ يُونُسَ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي اللُّقَطَةِ تُوجَدُ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ قَالَ: تُدْفَعُ إلَى أَحْبَارِهِمْ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَمَالُ الْكِتَابِيِّ لِأَهْلِ دِينِهِ ". وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا فِي الْجِزْيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يَمُوتَ بِلَا وَارِثٍ فَلِلْمُسْلِمِينَ " وَرَأَيْت فُتْيَا لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ غَصَبَ يَهُودِيًّا ثُمَّ تَابَ وَجَهِلَهُ: إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ وَهُمْ مَعْرُوفُونَ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَلِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَهُ هُوَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ. وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: إذَا كَانَتْ الْفِدْيَةُ عَلَى الْجَمَاجِمِ فَالْعَاصِبُ بَيْتُ الْمَالِ اُنْظُرْهُ فِي الْوَصَايَا. (وَلَهُ حَبْسُهَا بَعْدَهَا أَوْ التَّصَدُّقُ أَوْ التَّمَلُّكُ) الْجَلَّابُ: إنْ مَضَتْ السَّنَةُ وَلَمْ يَأْتِ طَالِبُهَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَنْفَقَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا وَضَمِنَهَا أَوْ حَبَسَهَا لِيَأْتِيَ رَبُّهَا. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ «عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا» . وَفِي الصَّحِيحِ «فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا» وَفِي النَّسَائِيّ «فَإِنْ لَمْ يَأْتِ صَاحِبُهَا فَهُوَ مَالٌ لِلَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا بَعْدَ الْحَوْلِ خِلَافُهُ قَبْلَهُ، وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا لِنَفْسِهِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا، غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي اشْتَرَى كُبَّةَ الْخُيُوطِ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 43 الْمَغْنَمِ بِدِرْهَمٍ فَوَجَدَ فِيهَا صَلِيبَ ذَهَبٍ فِيهِ سَبْعُونَ مِثْقَالًا أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِنَفْسِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْهُ قِسْمَةُ ذَلِكَ عَلَى الْجَيْشِ لِافْتِرَاقِهِ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَالْيَأْسِ مِنْ وُجُودِ صَاحِبِهَا فِي جَوَازِ أَكْلِهَا لِمُلْتَقِطِهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَشَأْنُك بِهَا» لِأَنَّ مَالِكًا اإنَّمَا كَرِهَ لَهُ أَكْلَهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ مَخَافَةَ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبُهَا فَيَجِدَهُ عَدِيمًا لَا شَيْءَ لَهُ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ صَاحِبَهَا أَبَدًا لَمَا كَرِهَ لَهُ أَكْلَهَا، وَافْتِرَاقُ الْجَيْشِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالْيَأْسِ مِنْ وُجُودِ صَاحِبِهَا، وَهَذَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ الْوَاجِبَةِ لِلْجَيْشِ، وَأَمَّا الْخُمُسُ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَضَعَهُ فِي مَوَاضِعِ الْخُمُسِ. وَقَاسَ فِي نَوَازِلِهِ عَلَى هَذَا حُكْمَ مُسْتَغْرِقِ الذِّمَّةِ بِالْحَرَامِ يَتُوبُ وَمَا بِيَدِهِ لَيْسَ غَيْرَ الْمَغْصُوبِ وَأَرْبَابُ مَتَاعِهِ مَجْهُولُونَ قَالَ: حُكْمُ مَا بِيَدِهِ حُكْمُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَحُكْمُ كُبَّةِ الْخُيُوطِ قَالَ: بَلْ هَذَا فِي الْجَوَازِ أَحْرَى لِأَنَّ أَهْلَ تَبَاعَتِهِ حَقُّهُمْ فِي ذِمَّتِهِ لَا فِي عَيْنِ مَا بِيَدِهِ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ وَهَذَا الصَّوَابُ. رَاجِعْ النَّوَازِلَ (وَلَوْ بِمَكَّةَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَلَا إنْ عَلِمَ خِيَانَتَهُ " وَقَالَ عِيَاضٌ: قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ لُقَطَةَ مَكَّةَ كَغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 44 الْمَازِرِيُّ وَابْنُ الْقَصَّارِ. (ضَامِنًا فِيهِمَا كَنِيَّةِ أَخْذِهَا قَبْلَهَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: هِيَ أَمَانَةٌ مَا لَمْ يَنْوِ اخْتِزَالَهَا فَتَصِيرُ كَالْمَغْصُوبِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا ضَاعَتْ اللُّقَطَةُ مِنْ الْمُلْتَقِطِ لَمْ يَضْمَنْ. قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ: وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَالَ لَهُ رَبُّهَا أَخَذْتهَا لِتَذْهَبَ بِهَا وَقَالَ هُوَ بَلْ لِأُعَرِّفَهَا صُدِّقَ الْمُلْتَقِطُ. قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 45 أَشْهَبُ: بِلَا يَمِينٍ. (وَرَدِّهَا بَعْدَ أَخْذِهَا لِلْحِفْظِ إلَّا بِقُرْبٍ فَتَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً بَعْدَ أَنْ حَازَهَا وَبَانَ بِهَا رَدَّهَا لِمَوْضِعِهَا أَوْ لِغَيْرِهِ ضَمِنَهَا، وَأَمَّا إنْ رَدَّهَا فِي مَوْضِعِهَا مَكَانَهُ فِي سَاعَتِهِ كَمَنْ مَرَّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ فَوَجَدَ شَيْئًا وَأَخَذَهُ وَصَاحَ بِهِ أَهَذَا لَك فَيَقُولُ لَا فَيَتْرُكُهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي وَاجِدِ الْكِسَاءِ فِي أَثَرِ رُفْقَةٍ فَأَخَذَهُ وَصَاحَ بِهِ أَهَذَا لَكُمْ فَقَالُوا لَا فَرَدَّهُ قَالَ: قَدْ أَحْسَنَ فِي رَدِّهِ وَلَا يَضْمَنُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إنْ رَدَّهُ بِالْقُرْبِ، وَأَمَّا إنْ رَدَّهُ بَعْدَ طُولٍ فَهُوَ ضَامِنٌ. وَقَالَ عِيَاضٌ فِي مَسْأَلَةِ الْكِسَاءِ: إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ نِيَّةِ التَّعْرِيفِ. قَالَ: وَاخْتُلِفَ إذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَدَّهَا بِالْقُرْبِ، وَاخْتَلَفَ تَأْوِيلُ الشُّيُوخِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ فَقِيلَ إنَّهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَإِنَّهُ ضَامِنٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهَا بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ فَلَزِمَهُ حِفْظُهَا، وَتَأَوَّلَ آخَرُونَ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا رَدَّهَا بِالْقُرْبِ. (وَذُو الرِّقِّ كَذَلِكَ وَقَبْلَ السَّنَةِ فِي رَقَبَتِهِ) اللَّخْمِيِّ: إذَا الْتَقَطَ الْعَبْدُ اللُّقَطَةَ عَرَّفَهَا وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا قَبْلَ السَّنَةِ كَانَتْ فِي رَقَبَتِهِ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا بَعْدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 48 السَّنَةِ لَمْ تَكُنْ إلَّا فِي ذِمَّتِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَمْ يَكُنْ لِمَوْلَاهُ أَنْ يُسْقِطَهَا عَنْهُ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يُسَلِّطْ يَدَهُ عَلَيْهَا وَلَوْلَا الشُّبْهَةُ لَكَانَتْ فِي رَقَبَتِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا جَعَلَهَا بَعْدَ السَّنَةِ فِي ذِمَّتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَرَّفَهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا» فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ " فَشَأْنُك بِهَا ". (وَلَهُ أَكْلُ مَا يَفْسُدُ وَلَوْ بِقَرْيَةٍ وَشَاةٍ بِفَيْفَاءَ) تَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: " لَا تَافِهًا " وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَجَدَ ضَالَّةً بِقُرْبِ الْعُمْرَانِ عَرَّفَ بِهَا فِي أَقْرَبِ الْقُرَى إلَيْهِ وَلَا يَأْكُلُهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي فَلَوَاتِ الْأَرْضِ وَالْمَهَامِهِ أَكَلَهَا وَلَا يُعَرِّفُ بِهَا وَلَا يَضْمَنُ لِرَبِّهَا شَيْئًا. وَقَالَ سَحْنُونَ فِيمَنْ وَجَدَ شَاةً اخْتَلَطَتْ بِغَنَمِهِ فَهِيَ كَاللُّقَطَةِ يَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا، يُرِيدُ بَعْدَ السَّنَةِ، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا ضَمِنَهَا لَهُ وَلَهُ شُرْبُ لَبَنِهَا وَهَذَا خَفِيفٌ لِأَنَّهُ يَرْعَاهَا وَيَتَفَقَّدُهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا وَجَدَ الْغَنَمَ فِي أَقْرَبِ الْعُمْرَانِ فَعَرَّفَهَا فَلَمْ يَأْتِ رَبُّهَا فَالصَّدَقَةُ بِثَمَنِهَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الصَّدَقَةِ بِهَا، وَكَذَلِكَ الِاسْتِينَاءُ بِثَمَنِهَا وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَنَسْلُهَا مِثْلُهَا. وَأَمَّا اللَّبَنُ وَالزُّبْدُ فَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لِذَلِكَ ثَمَنٌ فَلْيَبِعْ وَيَصْنَعْ بِثَمَنِهِ مَا يَصْنَعُ بِثَمَنِهَا، وَإِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 49 كَانَ لَهُ قِيَامٌ وَعُلُوفَةٌ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا بِمَوْضِعٍ لَا ثَمَنَ لَهُ فَلْيَأْكُلْهُ. وَأَمَّا الصُّوفُ وَالسَّمْنُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ أَوْ بِثَمَنِهِ. قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا ثُمَّ جَاءَ رَبُّهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ بِخِلَافِ الْمَالِ. اهـ. نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ. وَلِابْنِ رُشْدٍ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَ سَحْنُونٍ مَا نَصُّهُ: لَهُ شُرْبُ لَبَنِهَا قَدْرَ قِيَامِهِ بِهَا وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كَلُقَطَةِ طَعَامٍ يُفَرَّقُ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ نِتَاجِهَا. وَلِابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا: خَفَّفَ مَالِكٌ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ لَبَنِهَا بِقَدْرِ قِيَامِهِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ كَالْوَصِيِّ فِي مَالِ يَتِيمِهِ وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ مَالَهُ قَدْرٌ يَشِحُّ بِهِ رَبُّهُ كَلُقَطَةٍ وَمَا لَا يَشِحُّ بِهِ لَهُ أَكْلُهُ. (كَبَقَرٍ بِمَحَلِّ خَوْفٍ وَإِلَّا تُرِكَتْ كَإِبِلٍ فَإِنْ أُخِذَتْ عُرِّفَتْ ثُمَّ تُرِكَتْ بِمَحَلِّهَا) وَمِنْ الْمُخْتَلِطَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَضَالَّةُ الْبَقَرِ إنْ كَانَتْ بِمَوْضِعٍ يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ السِّبَاعِ وَالذِّئَابِ فَهِيَ كَالْغَنَمِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ السِّبَاعِ وَالذِّئَابِ فَهِيَ كَالْإِبِلِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ وَجَدَ ضَالَّةَ الْإِبِلِ فِي الْفَلَاةِ تَرَكَهَا، فَإِنْ أَخَذَهَا عَرَّفَهَا سَنَةً وَلَيْسَ لَهُ أَكْلُهَا وَلَا بَيْعُهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ رَبَّهَا فَلْيُخَلِّهَا بِالْمَوْضِعِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ. (وَكِرَاءُ بَقَرٍ وَنَحْوِهَا فِي عَلَفِهَا كِرَاءً مَأْمُونًا) اللَّخْمِيِّ: ضَالَّةُ الْبَقَرَةِ وَالْخَيْلِ وَغَيْرِهَا مِنْ الدَّوَابِّ يُمْنَعُ مِنْ أَخْذِهَا إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ رَعْيٍ وَمَاءٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 50 لَا يُخَافُ عَلَيْهَا سِبَاعٌ وَلَا نَاسٌ، فَإِنْ انْخَرَمَ أَحَدُ هَذِهِ الْوُجُوهِ أُخِذَتْ، وَلَيْسَ لِهَذِهِ صَبْرٌ عَنْ الْمَاءِ كَالْإِبِلِ، فَإِنْ أُخِذَتْ عُرِّفَتْ حَوْلًا وَإِذَا تَكَلَّفَ ذَلِكَ وَاجِدُهَا وَلَمْ يَلْحَقْ صَاحِبَهَا فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا تِلْكَ الْمُدَّةِ مَضَرَّةٌ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى رَعْيِهَا فِي أَمْنٍ وَحِفْظٍ أَوْ يُؤَاجِرُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بِقَدْرِ مَا تَحْتَاجُ مِنْ النَّفَقَةِ فَعَلَ ذَلِكَ، فَإِنْ خِيفَ خُرُوجُهَا إلَى الرَّعْيِ اُسْتُؤْجِرَتْ فِي مَأْمُونٍ مِنْ الْأَعْمَالِ بِقَدْرِ مَا تَحْتَاجُهُ مِنْ النَّفَقَةِ، فَإِنْ لَمْ تُوَفِّ الْإِجَارَةُ بِعَلَفِهَا أَوْ قَالَ وَاجِدُهَا لَا أَتَكَلَّفُ الصَّبْرَ عَلَيْهَا بِيعَتْ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ، رَاجِعْ اللَّخْمِيِّ. (وَرُكُوبُ دَابَّةٍ لِمَوْضِعِهِ وَإِلَّا ضَمِنَ) مُطَرِّفٌ: لَوْ أَجَّرَ ضَالَّةَ الدَّوَابِّ لِرُكُوبِهَا إلَى مَوْضِعِهِ لَا فِي حَوَائِجِهِ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَهَا. (وَغَلَّتُهَا دُونَ نَسْلِهَا) الَّذِي لِمَالِكٍ: نِتَاجُ الضَّالَّةِ مِثْلُهَا وَلَبَنُهَا عَلَى أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ. وَقَيَّدَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِقَدْرِ قِيَامِهِ عَلَيْهَا وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ لُقَطَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ " كَبَقَرٍ " فَانْظُرْهُ مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ. (وَخُيِّرَ رَبُّهَا بَيْنَ فَكِّهَا بِالنَّفَقَةِ أَوْ إسْلَامِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَجَدَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ فَلْيُعَرِّفْهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا أَخَذَهَا. وَمَا أَنْفَقَ عَلَى هَذِهِ الدَّوَابِّ أَوْ أَنْفَقَ عَلَى مَا الْتَقَطَ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 51 عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ عَلَى إبِلٍ قَدْ كَانَ رَبُّهَا أَسْلَمَهَا أَوْ عَلَى بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ مَتَاعٍ أُكْرِيَ فَحَمَلَهُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ بِأَمْرِ سُلْطَانٍ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَيْسَ لِرَبِّ ذَلِكَ أَخْذُهُ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا أَنْفَقَ فَيَأْخُذَهُ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي رُهُونِهَا الْمُنْفِقُ عَلَى الضَّالَّةِ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ نَفَقَتَهُ. (وَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَهَا فَمَا لِرَبِّهَا إلَّا الثَّمَنُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ بِيعَتْ اللُّقَطَةُ بَعْدَ السَّنَةِ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إنْ جَاءَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَإِنْ بِيعَتْ دُونَ أَمْرِ الْإِمَامِ، وَلِرَبِّهَا أَخْذُ الثَّمَنِ مِمَّنْ قَبَضَهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الدَّوَابِّ إذَا بِيعَتْ. ابْنُ يُونُسَ: وَجَعَلَ أَشْهَبُ بَيْعَ الثِّيَابِ بَعْدَ السَّنَةِ دُونَ أَمْرِ الْإِمَامِ تَعَدِّيًا وَجَعَلَهُ يَنْقُضُ الْبَيْعَ فِي الدَّوَابِّ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَشَأْنُك بِهَا» فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا أَبْيَنُ. (بِخِلَافِ لَوْ وَجَدَهَا بِيَدِ الْمِسْكِينِ أَوْ مُبْتَاعٍ مِنْهُ فَلَهُ أَخْذُهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا تَصَدَّقَ بِاللُّقَطَةِ بَعْدَ السَّنَةِ ثُمَّ جَاءَ رَبُّهَا، فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِيَدِ الْمِسْكِينِ فَلَهُ أَخْذُهَا، فَإِنْ أَكَلَهَا الْمَسَاكِينُ فَلَيْسَ لَهُ تَضْمِينُهُمْ لِأَنَّهُ قِيلَ فِي اللُّقَطَةِ يُعَرِّفُهَا سَنَةً ثُمَّ شَأْنُهُ بِهَا بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ يَأْكُلُ الْهِبَةَ ثُمَّ تُسْتَحَقُّ هَذَا لِرَبِّهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ؛ ابْنُ يُونُسَ: إنْ تَصَدَّقَ بِهَا بَعْدَ أَنْ الْتَزَمَ قِيمَتَهَا لِرَبِّهَا فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ. أَنْ يُلْزِمَهُ مَا الْتَزَمَ أَوْ يَأْخُذَهَا مِنْ يَدِ الْمَسَاكِينِ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا تَعَدِّيًا أَوْ عَنْ رَبِّهَا فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إلَّا أَخْذُهَا، وَإِنْ فَاتَتْ فِي الْوَجْهَيْنِ لَزِمَ مُلْتَقِطَهَا قِيمَتُهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ وُجِدَتْ بِيَدِ مَنْ ابْتَاعَهَا مِنْ الْمَسَاكِينِ فَلَهُ أَخْذُهَا ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ. ابْنُ يُونُسَ: جَعَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ لِرَبِّهَا نَقْضَ الْبَيْعِ الَّذِي بَاعَهُ الْمَسَاكِينُ لَهَا وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ بَيْعِ الْمُلْتَقِطِ لَهَا. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ بَاعَهَا خَوْفًا مِنْ ضَيَاعِهَا وَأَوْقَفَ لَهُ ثَمَنَهَا فَلَمْ يُنْقَضْ بَيْعُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَشَأْنُك بِهَا» وَالْمَسَاكِينُ إنَّمَا بَاعُوهَا عَلَى أَنَّهَا مِلْكٌ لَهُمْ فَلِمُسْتَحِقِّهَا نَقْضُ بَيْعِهِمْ كَنَقْضِهِ بَيْعَ الْمُشْتَرِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ، ابْنُ يُونُسَ: فَإِذَا أَخَذَهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ رَجَعَ الْمُبْتَاعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمَسَاكِينِ إنْ كَانَ قَائِمًا بِأَيْدِيهِمْ كَمَا كَانَ لِرَبِّهَا أَنْ يَأْخُذَ عَيْنَهَا مِنْهُمْ، وَإِنْ أَكَلُوهُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ الَّذِي سَلَّطَ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ أَكَلُوهَا، وَانْظُرْ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ أَعْنِي فِي رُجُوعِ الْإِنْسَانِ فِي عَيْنِ مَالِهِ فَإِنْ فَاتَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ: مَنْ أَثَابَ مِنْ صَدَقَةٍ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ، وَمَنْ رَدَّ مَا تَسَلَّفَهُ بِأَرْضِ الْحَرْبِ، وَمَنْ اشْتَرَى حَاجَةً لِغَيْرِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ، أَوْ دَفَعَ ثَوْبًا أَرْفَعَ مِمَّا بَاعَ غَلَطًا أَوْ بَاعَ مُرَابَحَةً ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ غَلِطَ، وَمَا أَصَابَ الْخَوَارِجُ مِنْ الْأَمْوَالِ ثُمَّ تَابُوا، وَمَنْ دَفَعَ كَفَّارَةً أَوْ زَكَاةً لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا، وَمَنْ عَلَيْهِ نِصْفُ عُشْرٍ فَأَخْرَجَ الْعُشْرَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي عَيْنِ ذَلِكَ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ إنْ تَلِفَ. قَالَ الصَّائِغُ: وَإِنْ كَانَ لَهُ زَرْعٌ آخَرُ فَلَا يُحَاسِبُ بِقَدْرِ مَا زَادَ جَهْلًا (وَلِلْمُلْتَقِطِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ إنْ أَخَذَ مِنْهُ قِيمَتَهَا إلَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لِلْمُلْتَقِطِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَسَاكِينِ فِي عَيْنِهَا إنْ أَخَذَ مِنْهُ قِيمَتَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ تَصَدَّقَ عَنْ نَفْسِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَشْهَبَ: إنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا مِنْ الْمَسَاكِينِ أَوْ قِيمَتِهَا مِنْ الْمُلْتَقِطِ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْمَسَاكِينِ بِشَيْءٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 52 (وَإِنْ نَقَصَتْ بَعْدَ نِيَّةِ تَمَلُّكِهَا فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا أَوْ قِيمَتُهَا) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ وَجَدَهَا رَبُّهَا بِيَدِ مُلْتَقِطِهَا وَقَدْ نَقَصَهَا بِاسْتِعْمَالٍ فَلَهُ أَخْذُهَا وَمَا نَقَصَهَا، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا فَفِي تَخْيِيرِهِ فِي أَخْذِ قِيمَتِهَا أَوْ أَخْذِهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي نَقْصِهَا. ابْنُ شَاسٍ. [كِتَابُ اللَّقِيطِ] [بَابٌ فِي الِالْتِقَاطِ وَأَحْكَامِ اللَّقِيطِ] كِتَابُ اللَّقِيطِ وَفِيهِ بَابَانِ: الْأَوَّلُ فِي الِالْتِقَاطِ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ اللَّقِيطِ (وَوَجَبَ لَقْطُ طِفْلٍ نُبِذَ كِفَايَةً) . ابْنُ شَاسٍ: كُلُّ صَبِيٍّ ضَائِعٍ لَا كَافِلَ لَهُ فَالْتِقَاطُهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ (وَحَضَانَتُهُ) . ابْنُ عَرَفَةَ: حَضَانَةُ اللَّقِيطِ عَلَى مُلْتَقِطِهِ اتِّفَاقًا. (وَنَفَقَتُهُ إنْ لَمْ يُعْطَ مِنْ الْفَيْءِ إلَّا أَنْ يَمْلِكَ كَهِبَةٍ أَوْ يُوجَدَ مَعَهُ مَالٌ أَوْ مَدْفُونٌ تَحْتَهُ إنْ كَانَتْ مَعَهُ رُقْعَةٌ) . ابْنُ شَاسٍ نَفَقَةُ اللَّقِيطِ فِي مَالِهِ وَهُوَ مَا وُقِفَ عَلَى اللُّقَطَاءِ أَوْ وُهِبَ لَهُمْ أَوْ أُوصِيَ لَهُمْ بِهِ أَوْ مَا وُجِدَ تَحْتَ يَدِ اللَّقِيطِ عِنْدَ الْتِقَاطِهِ لِكَوْنِهِ مَلْفُوفًا عَلَيْهِ. وَفِي الزَّاهِي: إنْ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ مَعَهُ مَالٌ مَشْدُودٌ أَوْ حُزِمَ عَلَى مَالٍ مَوْضُوعٍ مَشْدُودٍ فَهُوَ لَهُ. ابْنُ شَاسٍ: وَأَمَّا مَا هُوَ مَدْفُونٌ فِي الْأَرْضِ تَحْتَهُ فَلَيْسَ هُوَ لَهُ إلَّا أَنْ تُوجَدَ مَعَهُ رُقْعَةٌ مَكْتُوبَةٌ بِأَنَّهَا لَهُ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ لَهُ ابْنُ عَرَفَةَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَقَالَ الْبَاجِيُّ: مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ، فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَلَى مُلْتَقِطِهِ حَتَّى يَبْلُغَ وَيَسْتَغْنِيَ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ اسْتَأْذَنَ الْإِمَامَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: اللَّقِيطُ حُرٌّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 53 وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَكَذَلِكَ أَجْرُ رَضَاعِهِ وَرَضَاعُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ مِنْ الْيَتَامَى (وَرُجُوعُهُ عَلَى أَبِيهِ إنْ طَرَحَهُ عَمْدًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُتْبَعُ اللَّقِيطُ بِشَيْءٍ مِمَّا أُنْفِقَ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الْيَتَامَى الَّذِينَ لَا مَالَ لَهُمْ. قَالَ: وَمَنْ كَفَلَ يَتِيمًا فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ وَلِلْيَتِيمِ مَالٌ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ إذَا قَالَ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ لَا رَجَعَ فِي مَالِهِ. وَقَالَ: وَلَوْ قَالَ مَنْ فِي حِجْرِهِ يَتِيمٌ أَنَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَفَادَ مَالًا أَخَذْته مِنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ فِي حِلٍّ فَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَلَا يُتْبَعُ الْيَتِيمُ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ أَمْوَالُ عُرُوضٍ فَيُسَلِّفُهُ حَتَّى يَبِيعَ عُرُوضَهُ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ قَصَّرَ الْمَالُ عَمَّا أَسْلَفَهُ لَمْ يُتْبِعْهُ بِالزَّائِدِ، وَكَذَلِكَ اللَّقِيطُ. وَأَمَّا الْأَبُ إذَا أَنْفَقَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَهُ مَالُ عَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ ثُمَّ قَالَ حَاسِبُوهُ حُوسِبَ بِذَلِكَ وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَإِنْ كَانَ مَالُهُ عَرْضًا حُوسِبَ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى بَقَاءَهُ إلَّا أَنْ يُبَاعَ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ عَيْنًا حَاضِرًا فَلَا يُحَاسَبُ لِأَنَّ تَرْكَ الْإِنْفَاقِ مِنْهُ وَذَلِكَ يُمْكِنُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ فَأَتَى رَجُلٌ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ فَلْيُتْبِعْهُ بِمَا أَنْفَقَ إنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا حِينَ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. هَذَا إنْ تَعَمَّدَ الْأَبُ طَرْحَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ طَرَحَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا شَيْءَ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 54 الْأَبِ بِحَالٍ لِأَنَّ الْمُنْفِقَ مُحْتَسِبٌ. اللَّخْمِيِّ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَبْيَنُ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ عَلِمْت لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَمْ أُنْفِقْ عَلَيْهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي صَبِيٍّ ضَلَّ مِنْ وَالِدِهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ رَجُلٌ: فَلَا يَتَّبِعُ أَبَاهُ بِشَيْءٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ اللَّقِيطُ الَّذِي لَمْ يَتَعَمَّدْ الْأَبُ طَرْحَهُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ. وَمَنْ أَنْفَقَ عَلَى وَلَدِ غَائِبٍ وَهُمْ صِغَارٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ أَنْفَقَتْ زَوْجَتُهُ عَلَى نَفْسِهَا فِي غِيبَتِهِ ثُمَّ قَدِمَ، فَلَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَا إنْ كَانَ مُوسِرًا فِي غِيبَتِهِ وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ غَابَ وَهُوَ مُوسِرٌ فَأَمَرَ الْإِمَامُ رَجُلًا بِالنَّفَقَةِ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا أَنْفَقَ هُوَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْإِمَامِ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ لَهُ لَاتَّبَعَهُ بِذَلِكَ إذَا حَلَفَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ بِمَعْنَى السَّلَفِ وَكَانَتْ لَهُ عَلَى النَّفَقَةِ بَيِّنَةٌ وَكَانَ الْأَبُ فِي حَالِ النَّفَقَةِ مُوسِرًا وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ نَفَقَةَ مِثْلِهِ، فَإِنْ زَادَ لَمْ يَتَّبِعْهُ بِالزَّائِدِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا فِي ذَلِكَ لَمْ يَتَّبِعْهُ بِشَيْءٍ، وَلَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ عُسْرِهِ فَمَاتَ لَمْ يَتَّبِعْ بِشَيْءٍ (وَالْقَوْلُ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ حِسْبَةً) هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمُقْتَضَى الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَتَرْشِيحُ اللَّخْمِيِّ بِقَوْلِهِ إنَّهُ يَقُولُ: لَوْ عَلِمْت لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مَا أَنْفَقْت عَلَيْهِ. (وَهُوَ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: اللَّقِيطُ حُرٌّ. قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَعَقْلُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ (وَحُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فِي قُرَى الْمُسْلِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا بَيْتَانِ إنْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ وَفِي قُرَى الشِّرْكِ مُشْرِكٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قُلْت: مَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 55 الْتَقَطَ لَقِيطًا فِي مَدِينَةِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي قَرْيَةِ الشِّرْكِ فِي أَرْضٍ أَوْ كَنِيسَةٍ أَوْ بِيعَةٍ وَعَلَيْهِ زِيُّ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ وَكَيْفَ إنْ كَانَ الَّذِي الْتَقَطَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ مَا حَالُهُ؟ قَالَ: إنْ الْتَقَطَهُ نَصْرَانِيٌّ فِي قُرَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَمَوَاضِعِهِمْ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَإِنْ كَانَ فِي قُرَى الشِّرْكِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَمَوَاضِعِهِمْ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَإِنْ وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ لِلنَّصَارَى، وَلَا يُعْرَضُ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَلْتَقِطَهُ هُنَاكَ مُسْلِمٌ فَيَجْعَلَهُ عَلَى دِينِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ فِي قُرَى الْإِسْلَامِ وَمَوَاضِعِهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِي قُرَى الشِّرْكِ فَمُشْرِكٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إلَّا أَنْ يَلْتَقِطَهُ مُسْلِمٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا غَيْرُ بَيْتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَمُشْرِكٌ إلَّا أَنْ يَلْتَقِطَهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ كَحُرِّيَّتِهِ لِلِاحْتِمَالِ. (وَلَمْ يُلْحَقْ بِمُلْتَقَطِهِ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِوَجْهٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَأَتَى رَجُلٌ فَادَّعَى أَنَّهُ وَلَدُهُ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِدَعْوَاهُ وَجْهٌ كَرَجُلٍ عُرِفَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ لَهُ وَلَدٌ فَزَعَمَ أَنَّهُ رَمَاهُ لِقَوْلِ النَّاسِ إذَا طُرِحَ عَاشَ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُلْتَقِطُ؟ قَالَ: أَرَاهُ شَاهِدًا وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ مَعَ الْيَمِينِ فِي النَّسَبِ. ابْنُ يُونُسَ: خَالَفَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَصْلَهُ فِي الِاسْتِلْحَاقِ. (وَلَا يَرُدُّهُ بَعْدَ أَخْذِهِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ لِيَدْفَعَهُ لِلْحَاكِمِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ وَالْمَوْضِعُ مَطْرُوقٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ أَشْهَبُ: مَنْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَلَيْسَ لَهُ تَرْكُهُ إنْ أَخَذَهُ لِيُرَبِّيَهُ، وَإِنْ أَخَذَهُ لِيَرْفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ فَلَا ضِيقَ عَلَيْهِ فِي رَدِّهِ لِمَوْضِعِ أَخْذِهِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ أَخَذَ لَقِيطًا أَنْفَقَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لَمْ أُرِدْ ذَلِكَ قُبِلَ قَوْلُهُ. زَادَ ابْنُ شَاسٍ إثْرَ قَوْلِ أَشْهَبَ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَوْضِعًا لَا يُخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ الْهَلَاكُ لِكَثْرَةِ النَّاسِ فِيهِ وَيُوقِنُ أَنَّهُ سَيُسَارِعُ النَّاسُ إلَى أَخْذِهِ. (وَقُدِّمَ الْأَسْبَقُ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ ازْدَحَمَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 56 اثْنَانِ عَلَى اللَّقِيطِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَهْلٌ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا قَدَّمَ الْإِمَامُ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِلصَّبِيِّ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا (ثُمَّ الْأَوْلَى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَكَابَرَهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَنَزَعَهُ مِنْهُ فَرَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ، نَظَرَ الْإِمَامُ إلَى الصَّبِيِّ فَأَيُّهُمْ كَانَ أَقْوَى عَلَى مُؤْنَتِهِ وَكَفَالَتِهِ وَكَانَ مُؤْمِنًا دَفَعَهُ إلَيْهِ (وَإِلَّا فَالْقُرْعَةُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ اسْتَوَيَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا. ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَهُ الْغَزَالِيُّ. (وَيَنْبَغِي الْإِشْهَادُ) . ابْنُ شَاسٍ: مَنْ أَخَذَ لَقِيطًا فَلْيُشْهِدْ عَلَيْهِ خَوْفَ الِاسْتِرْقَاقِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَهُ الْغَزَالِيُّ. (وَلَيْسَ لِمُكَاتَبٍ وَنَحْوِهِ الْتِقَاطٌ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ الْتَقَطَ الْعَبْدُ وَالْمُكَاتَبُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ اُنْتُزِعَ مِنْ أَيْدِيهِمَا فَإِنَّ الْحَضَانَةَ تَبَرُّعٌ وَلَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ، فَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ فَهُوَ لِلْمُلْتَقِطِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَهُ الْغَزَالِيُّ. وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُنَا يَقْتَضِيهِ لَكِنَّ الْحَقَّ أَنْ لَا يُنْقَلَ عَلَى أَنَّهُ نَصٌّ فِيهِ بَلْ عَلَى أَنَّهُ مُقْتَضَاهُ. (وَنُزِعَ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ مِنْ غَيْرِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا: اللَّقِيطُ فِي قُرَى الْإِسْلَامِ مُسْلِمٌ وَلَوْ الْتَقَطَهُ كَافِرٌ. مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ: إنْ الْتَقَطَهُ نَصْرَانِيٌّ نُزِعَ مِنْهُ لِئَلَّا يُنَصِّرَهُ أَوْ يَسْتَرِقَّهُ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: إنْ الْتَقَطَتْ نَصْرَانِيَّةٌ صَبِيَّةً فَرَبَّتْهَا حَتَّى بَلَغَتْ عَلَى دِينِهَا رُدَّتْ لِلْإِسْلَامِ وَهِيَ حُرَّةٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ الْتَقَطَ كَافِرٌ لَقِيطًا بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ فَرَبَّاهُ عَلَى دَيْنِهِ لَمْ يُتْرَكْ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ عَلَى ذَلِكَ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ، هَلْ يُقَرُّ عَلَيْهِ. (وَنُدِبَ أَخْذُ آبِقٍ لِمَنْ يَعْرِفُ وَإِلَّا فَلَا يَأْخُذُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَجَدَ آبِقًا فَلَا يَأْخُذُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَرِيبِهِ أَوْ جَارِهِ أَوْ لِمَنْ يَعْرِفُهُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَأْخُذَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ أَيْضًا فَهُوَ فِي سَعَةٍ (فَإِنْ أَخَذَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 57 رُفِعَ لِلْإِمَامِ وَوُقِفَ سَنَةً ثُمَّ بِيعَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَخَذَ آبِقًا رَفَعَهُ لِلْإِمَامِ فَوَقَفَهُ سَنَةً وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ فِيمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ وَإِلَّا بَاعَهُ وَأَخَذَ مِنْ ثَمَنِهِ مَا أَنْفَقَ وَحَبَسَ بَقِيَّةَ الثَّمَنِ لِرَبِّهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ سَحْنُونَ: لَا أَرَى أَنْ يُوقَفَ سَنَةً وَلَكِنْ بِقَدْرِ مَا يَتَبَيَّنُ أَمْرُهُ ثُمَّ يُبَاعُ وَيَكْتُبُ الْحَاكِمُ صِفَتَهُ عِنْدَهُ حَتَّى يَأْتِيَ طَالِبُهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ (وَلَا يُهْمَلُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَمَرَ مَالِكٌ بِبَيْعِ الْإِبَاقِ بَعْدَ السَّنَةِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِإِطْلَاقِهِمْ يَعْمَلُونَ وَيَأْكُلُونَ وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ كَضَوَالِّ الْإِبِلِ لِأَنَّهُمْ يَأْبَقُونَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 58 ثَانِيَةً (وَأَخَذَ نَفَقَتَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: أَخَذَ مِنْ ثَمَنِهِ مَا أَنْفَقَ (وَمَضَى بَيْعُهُ وَإِنْ قَالَ رَبُّهُ كُنْت أَعْتَقْتُهُ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 59 مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا جَاءَ رَبُّ الْآبِقِ بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ السَّنَةِ وَالْعَبْدُ قَائِمٌ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ، وَلَا يُرَدُّ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْإِمَامَ بَاعَهُ وَبَيْعُهُ جَائِزٌ، وَلَوْ قَالَ رَبُّهُ كُنْت أَعْتَقْتُهُ أَوْ دَبَّرْتُهُ بَعْدَ أَنْ أَبْقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَأْبِقَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى نَقْضِ الْبَيْعِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. (وَلَهُ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ وَتُقَامُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ لِسَيِّدِ الْآبِقِ عِتْقُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَهِبَتُهُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ لِثَوَابٍ، وَإِذَا زَنَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 60 الْآبِقُ أَوْ سَرَقَ أَوْ قَذَفَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. (وَضَمِنَهُ إنْ أَرْسَلَهُ لَا لِخَوْفٍ مِنْهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَخَذَ آبِقًا فَأَبْقَ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ بَعْدَ أَخْذِهِ ضَمِنَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَلَوْ خَلَّاهُ بَعْدَ أَنْ أَخَذَهُ لِعُذْرٍ خَافَ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يَضْرِبَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ لِشِدَّةِ النَّفَقَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ (كَمَنْ اسْتَأْجَرَهُ فِيمَا يَعْطَبُ فِيهِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اسْتَأْجَرَ آبِقًا فَعَطِبَ فِي عَمَلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ آبِقٌ ضَمِنَهُ لِرَبِّهِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ آجَرَ عَبْدًا عَلَى تَبْلِيغِ كِتَابٍ إلَى بَلَدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَبْدٌ فَعَطِبَ فِي الطَّرِيقِ: إنَّهُ يَضْمَنُهُ (لَا إنْ أَبَقَ مِنْهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَخَذَ آبِقًا فَأَبَقَ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَإِنْ مُرْتَهِنًا وَحَلَفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُرْتَهِنُ فِي إبَاقٍ وَصَدَّقَهُ وَلَا يَحْلِفُ وَكَانَ عَلَى حَقِّهِ. وَفِي رِوَايَةِ الدَّبَّاغِ يَحْلِفُ. (وَاسْتَحَقَّهُ سَيِّدُهُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اعْتَرَفَ آبِقًا عِنْدَ السُّلْطَانِ أَشْهَدَ شَاهِدًا حَلَفَ مَعَهُ وَأَخَذَ الْعَبْدَ. (وَأَخَذَهُ إنْ لَمْ تَكُنْ إلَّا دَعْوَاهُ إنْ صَدَّقَهُ) مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 61 الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا الِابْنَ عَبْدُهُ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْعَبْدُ دُفِعَ إلَيْهِ، يُرِيدُ بَعْدَ التَّلَوُّمِ وَتَضْمِينِهِ إيَّاهُ. قَالَ مَالِكٌ فِي مَتَاعٍ وُجِدَ مَعَ لُصُوصٍ يَدَّعِيه قَوْمٌ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِمْ: إنَّ الْإِمَامَ يَتَلَوَّمُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ سِوَاهُمْ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ الْآبِقُ. قَالَ أَشْهَبُ: لِأَنَّ هَذَا أَكْثَرُ مَا يُوجَدُ. (وَلْيُرْفَعْ لِلْإِمَامِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ مُسْتَحِقَّهُ إنْ لَمْ يَخَفْ ظُلْمَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَالْآبِقُ إذَا اعْتَرَفَهُ رَبُّهُ فِي يَدِك وَلَمْ تَعْرِفْهُ فَأَرَى أَنْ تَدْفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ إنْ لَمْ تَخَفْ ظُلْمَهُ. (وَإِنْ أَتَى رَجُلٌ بِكِتَابِ قَاضٍ أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ عِنْدِي إنَّ صَاحِبَ كِتَابِي هَذَا فُلَانٌ هَرَبَ مِنْهُ عَبْدُهُ وَوَصَفَهُ فَلْيُدْفَعْ إلَيْهِ بِذَلِكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَتَى رَجُلٌ إلَى قَاضٍ بِكِتَابٍ مِنْ قَاضٍ يَذْكُرُ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ عِنْدِي قَوْمٌ أَنَّ فُلَانًا صَاحِبُ كِتَابٍ إلَيْك قَدْ هَرَبَ مِنْهُ عَبْدٌ صِفَتُهُ كَذَا، فَحَلَّاهُ وَوَصَفَهُ فِي الْكِتَابِ وَعِنْدَ هَذَا الْقَاضِي آبِقٌ مَحْبُوسٌ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، فَلْيَقْبَلْ كِتَابَ الْقَاضِي وَالْبَيِّنَةَ الَّتِي شَهِدَتْ فِيهِ عَلَى الصِّفَةِ وَيَدْفَعْ إلَيْهِ الْعَبْدَ قَالَ ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 62 [كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ] [بَابٌ فِي تَوْلِيَةِ الْقَاضِي وَعَزْلِهِ] وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ فِي التَّوْلِيَةِ وَالْعَزْلِ. الْبَابُ الثَّانِي فِي جَامِعِ آدَابِ الْقَضَاءِ. الثَّالِثُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَيَتَعَلَّقُ بِالدَّعْوَى وَالْمُدَّعِي وَالْحَاكِمِ إلَى قَاضٍ آخَرَ وَالْمَحْكُومِ بِهِ وَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ (أَهْلُ الْقَضَاءِ عَدْلٌ ذَكَرٌ) ابْنُ رُشْدٍ: لِلْقَضَاءِ خِصَالٌ مُشْتَرَطَةٌ فِي صِحَّةِ الْوِلَايَةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا حُرًّا مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا وَاحِدًا، فَهَذِهِ سِتَّةُ خِصَالٍ لَا يَصِحُّ أَنْ يُوَلَّى الْقَضَاءَ إلَّا مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ، فَأَوْلَى مَنْ لَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ لَمْ تَنْعَقِدْ لَهُ الْوِلَايَةُ، وَإِنْ انْخَرَمَ شَيْءٌ مِنْهَا بَعْدَ انْعِقَادِ الْوِلَايَةِ سَقَطَتْ الْوِلَايَةُ. ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ أَيْضًا الْعَدَالَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَا مَضَى مِنْ أَحْكَامِ الْفَاسِقِ مَرْدُودَةٌ. قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى الْخِصَالَ تَجْتَمِعُ الْيَوْمَ فِي أَحَدٍ فَإِنْ اجْتَمَعَ فِيهِ خَصْلَتَانِ الْعِلْمُ وَالْوَرَعُ رَأَيْتُ أَنْ يُوَلَّى. قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 63 ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ وَرِعًا عَالِمًا فَوَرِعٌ عَاقِلٌ فَبِالْعَقْلِ يَسْأَلُ وَبِالْوَرَعِ يَقِفُ. وَأَحْضَرَ الرَّشِيدُ رَجُلًا لِيُوَلِّيَهُ فَقَالَ: لَا أُحْسِنُ الْقَضَاءَ وَلَا أَنَا فَقِيهٌ. فَقَالَ الرَّشِيدُ: إنَّ فِيكَ ثَلَاثَ خِصَالٍ: لَكَ شَرَفٌ وَالشَّرَفُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ الدَّنَاءَاتِ، وَلَكَ حِلْمٌ وَالْحِلْمُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ الْعَجَلَةِ وَمَنْ لَمْ يَعْجَلْ قَلَّ خَطَؤُهُ، وَأَنْتَ رَجُلٌ تُشَاوِرُ فِي أُمُورِكَ وَمَنْ شَاوَرَ كَثُرَ صَوَابُهُ. وَأَمَّا الْفِقْهُ فَتَضُمُّ إلَيْكَ مَنْ يَفْقَهُ. اهـ مِنْ الطُّرْطُوشِيِّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 64 (فَطِنٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: عَدَّ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ هَذَا الْقَسَمِ كَوْنَ الْقَاضِي فَطِنًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الطُّرْطُوشِيِّ: لَا يُكْتَفَى بِالْعَقْلِ التَّكْلِيفِيِّ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيِّنَ الْفِطْنَةِ بَعِيدًا مِنْ الْغَفْلَةِ. وَعَدَّهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ رُشْدٍ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ، وَالْحَقُّ أَنَّ مُطْلَقَ الْفِطْنَةِ الْمَانِعَ مِنْ كَثْرَةِ التَّغَفُّلِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، أَوْ الْفِطْنَةَ الْمُوجِبَةَ لِلشُّهْرَةِ بِهَا غَيْرِ النَّادِرَةِ يَنْبَغِي كَوْنُهَا مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ، فَعَلَى هَذَا طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ أَنْسَبُ لِأَنَّ فَطِنًا مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ كَحَذِرٍ، وَالْمُبَالَغَةُ فِيهَا مُسْتَحَبَّةٌ لَا لَازِمَةٌ، فَطِنْتُ الشَّيْءَ، وَرَجُلٌ فَطِنٌ وَفَطُنٌ مِنْ الصِّحَاحِ، فَأَتَى بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ عَلَى فَعَلٌ وَفَعُلٍ مِنْهَا فَهِمْتُ الشَّيْءَ وَفُلَانٌ فَهِمَ الشَّيْءَ (مُجْتَهِدٌ إنْ وُجِدَ) الْبَاجِيُّ: لَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ كَوْنِ الْقَاضِي عَالِمًا مَعَ وُجُودِهِ، وَاَلَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا. عِيَاضٌ وَالْمَازِرِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ: يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ عَالِمًا مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا إنْ فُقِدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 66 الْمُجْتَهِدُ كَشَرْطِ كَوْنِهِ حُرًّا مُسْلِمًا. الْمَازِرِيُّ: وَزَمَانُنَا عَارٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي إقْلِيمِ الْمَغْرِبِ فَضْلًا عَنْ قُضَاتِهِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَوَادُّ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَانِنَا أَيْسَرُ مِنْهَا فِي زَمَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ بِنَا الْهِدَايَةَ (وَإِلَّا فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدٌ فَمُقَلِّدٌ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَارَ أَعْلَمُ الْمُقَلِّدِينَ. وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُقَلِّدَ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِ إمَامِهِ أَمْ لَا؟ الْأَصْلُ عَدَمُ اللُّزُومِ وَلِأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ لَمْ يَكُونُوا يَحْجُرُونَ عَلَى الْعَوَامّ اتِّبَاعَ عَالِمٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَأْمُرُونَ مَنْ سَأَلَ وَاحِدًا مِنْهُمْ عَنْ مَسْأَلَةٍ أَنْ لَا يَسْأَلَ غَيْرَهُ، لَكِنْ الْأَوْلَى فِي حَقِّ الْقَاضِي لُزُومُ طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَّهُ فَطِنٌ قَلَّدَ إمَامًا لَا يَعْدِلُ عَنْهُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي لِتُهْمَتِهِ بِالْمَيْلِ، وَلِمَا جَاءَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْحُكْمِ فِي قَضِيَّةٍ بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ (وَزِيدَ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ قُرَشِيٌّ) مَوْضُوعُ هَذَا الْفَرْعِ فِي كُتُبِ أُصُولِ الدِّينِ، اُنْظُرْهُ آخِرَ مَسْأَلَتَيْنِ مِنْ اللُّمَعِ وَالْإِرْشَادِ لِأَبِي الْمَعَالِي، وَانْظُرْ حُكْمَ الْمُتَغَلِّبِينَ فِي آخِرِ تَرْجَمَةٍ مِنْ تَرَاجِمِ كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَانْظُرْ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ الْإِكْمَالِ، وَانْظُرْ مِنْهَاجَ الْمُحَدِّثِينَ لِلنَّوَوِيِّ عِنْدَ تَكَلُّمِهِ عَلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَلَوْ كَانَ عَبْدًا» . وَانْظُرْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 67 الْقَبَسَ عِنْدَ تَكَلُّمِهِ عَلَى حَدِيثِ «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ» . وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ مَا نَصُّهُ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ مَنْ وَلِيَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ رِضًا أَوْ غَلَبَةٍ فَاشْتَدَّتْ وَطْأَتُهُ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ فَلَا يُخْرَجُ عَلَيْهِ جَارَ أَوْ عَدَلَ وَيُغْزَى مَعَهُ الْعَدُوُّ وَيُحَجُّ الْبَيْتُ وَتُدْفَعُ إلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَهِيَ مُجْزِئَةٌ إذَا طَلَبُوهَا وَتُصَلَّى خَلْفَهُ الْجُمُعَةُ. قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَدْفَعُ زَكَاةَ مَالِهِ إلَى كُلِّ مَنْ غَلَبَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَقَدْ صَلَّى خَلْفَ الْحَجَّاجِ. (فَحَكَمَ بِقَوْلِ مُقَلَّدِهِ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: يَلْزَمُهُ الْمَصِيرُ إلَى قَوْلِ مُقَلَّدِهِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 70 (وَنَفَذَ حُكْمُ أَعْمَى وَأَبْكَمَ وَأَصَمَّ وَوَجَبَ عَزْلُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: الْخِصَالُ الَّتِي لَيْسَتْ مُشْتَرَطَةً فِي صِحَّةِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ إلَّا أَنَّ عَدَمَهَا يُوجِبُ فَسْخَ الْوِلَايَةِ هِيَ: أَنْ يَكُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا، فَإِنْ وَلِيَ مَنْ لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 81 تَجْتَمِعْ فِيهِ وَجَبَ عَزْلُهُ مَتَى عُثِرَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ مَا مَضَى مِنْ أَحْكَامِهِ جَائِزًا. (وَلَزِمَ الْمُتَعَيِّنَ أَوْ الْخَائِفَ فِتْنَةً إنْ لَمْ يَتَوَلَّ أَوْ ضَيَاعَ الْحَقِّ الْقَبُولُ وَالطَّلَبُ) . ابْنُ رُشْدٍ: يَجِبُ أَنْ لَا يُوَلَّى الْقَضَاءَ مَنْ أَرَادَهُ وَطَلَبَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَبُولُ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ إنْ كَانَ بِالْبَلَدِ عَدَدٌ يَصْلُحُونَ لِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ إلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَأُجْبِرَ عَلَى الدُّخُولِ فِيهِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ أَهْلُهُ السَّعْيُ فِي طَلَبِهِ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَلِهِ ضَاعَتْ الْحُقُوقُ أَوْ وَلِيَهُ مَنْ لَا يَحِلُّ أَنْ يُوَلَّى، وَكَذَا إنْ وَلِيَهُ مَنْ لَا تَحِلُّ وِلَايَتُهُ وَلَا سَبِيلَ لِعَزْلِهِ إلَّا بِطَلَبِهِ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ طَلَبُهُ لِمُجْتَهِدٍ خَفِيَ عِلْمُهُ وَأَرَادَ إظْهَارَهُ لِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ أَوْ لِعَاجِزٍ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ إلَّا بِرِزْقِ الْقَضَاءِ (وَأُجْبِرَ وَإِنْ بِضَرْبٍ) أَبُو عُمَرَ: إنَّمَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَضَاءِ مَنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ يُجْبَرُ بِالسِّجْنِ وَالضَّرْبِ عَرَّفَ عِيَاضٌ وَابْنُ مِسْكِينٍ: فَقَالَ: وَالْقَضَاءُ بَعْدَ إجْمَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ عَلَى اخْتِلَافِ مَذْهَبِهِمْ. قَالَ ابْنُ الْأَغْلَبِ: أَتَدْرِي لِمَ بَعَثْتُهُ إلَيْكَ؟ قَالَ: لِأُشَاوِرَك فِي رَجُلٍ قَدْ أَجْمَعَ الْخَيْرَ قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَوَّلِيهِ الْقَضَاءَ فَامْتَنَعَ. قَالَ ابْنُ مِسْكِينٍ: تُجْبِرُهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ: تَمَنَّعَ. قَالَ: يُحْبَسُ. قَالَ: قُمْ أَنْتَ هُوَ. قَالَ: إنَّنِي رَجُلٌ طَوِيلُ الصَّمْتِ قَلِيلُ الْكَلَامِ غَيْرُ نَشِيطٍ فِي أُمُورِي وَلَا أَعْرِفُ أَهْلَ الْبَلَدِ. فَقَالَ الْأَمِيرُ: عِنْدِي مَوْلًى نَشِيطٌ تَدَرَّبَ فِي الْأَحْكَامِ أَنَا أَضُمُّهُ إلَيْكَ يَكُونُ لَكَ كَاتِبًا يُصْدِرُ عَنْكَ فِي الْقَوْلِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، فَمَا رَضِيتَ مِنْ قَوْلِهِ أَمْضَيْتَ وَمَا سَخِطْتَ رَدَدْتَ فَضَمَّ إلَيْهِ ابْنَ الْبَنَّاءِ، قَالَ الْمُخْبِرُ: فَكَثِيرًا مَا كُنْتُ آتِي مَجْلِسَهُ وَهُوَ صَامِتٌ لَا يَنْطِقُ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ يَقْضِي فَقَالَ الْأَمِيرُ لِابْنِ الْبَنَّاءِ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَفْصِلُ بَيْنَ الْخُصُومِ وَهُوَ سَاكِتٌ مَا أَرَى إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ الْقَضَاءَ، فَقَالَ ابْنُ الْبَنَّاءِ: قَدْ قَبِلَ إلَّا أَنِّي أَكْفِيهِ. فَقَالَ: امْضِ لَا تُعْلِمْ أَحَدًا بِمَا بَيْنِي وَبَيْنِكَ وَافْصِلْ بَيْنَ خَصْمَيْنِ بِغَيْرِ مَذْهَبِهِ. قَالَ ابْنُ الْبَنَّاءِ: فَفَعَلْتُ فَأَمَرَهُمَا ابْنُ مِسْكِينٍ فَدَارَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَفَصَلَ بِمَذْهَبِهِ فَأَخْبَرْتُ الْأَمِيرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَشَكَرَهُ وَأَمَرَهُ (وَإِلَّا فَلَهُ الْهَرَبُ) ابْنُ رُشْدٍ: الْهُرُوبُ عَنْ الْقَضَاءِ وَاجِبٌ وَطَلَبُ السَّلَامَةِ مِنْهُ لَازِمٌ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْوَقْتِ (وَإِنْ عُيِّنَ) ابْنُ شَاسٍ: لِلْإِمَامِ إجْبَارُهُ وَلَهُ هُوَ أَنْ يَهْرُبَ بِنَفْسِهِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 83 (وَحَرُمَ لِجَاهِلٍ) الْمَازِرِيُّ: يَحْرُمُ الطَّلَبُ لِلْقَضَاءِ عَلَى فَاقِدِ أَهْلِيَّتِهِ (أَوْ قَاصِدِ دُنْيَا) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: يَجِبُ أَنْ لَا يُوَلَّى الْقَضَاءَ مَنْ أَرَادَهُ. [بَاب آدَاب الْقَضَاء] (وَنُدِبَ لِيُشْهَرَ عِلْمُهُ) الْمَازِرِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ طَلَبُهُ لِمَنْ أَرَادَ إظْهَارَ عِلْمِهِ. اُنْظُرْ أَوَّلَ سِرَاجِ الْمَرِيدِينَ. (كَوَرَعٍ غَنِيٍّ حَلِيمٍ نَزْهٍ نَسِيبٍ مُسْتَشِيرٍ بِلَا دَيْنٍ وَحُرٍّ) ابْنُ رُشْدٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 86 لِلْقَضَاءِ خِصَالٌ مُسْتَحَبَّةٌ وَيُسْتَحَبُّ لِعَدَمِهَا زِيَادَةُ عَزْلِهِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَرِعًا، غَنِيًّا، لَيْسَ بِمُحْتَاجٍ وَلَا مِدْيَانٍ، مَعْرُوفَ النَّسَبِ، جَزْلًا نَافِذًا فَطِنًا غَيْرَ مَخْدُوعٍ لِغَفْلَةٍ وَلَا مَحْدُودٍ فِي زِنًا وَلَا قَذْفٍ وَلَا مَقْطُوعٍ فِي سَرِقَةٍ. قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَأَنْ يَكُونَ ذَا نَزَاهَةٍ عَنْ الطَّمَعِ مُسْتَخِفًّا بِالْأَئِمَّةِ، يُرِيدُ أَنَّهُ يُدِيرُ الْحَقَّ عَلَى مَنْ دَارَ عَلَيْهِ وَلَا يُبَالِي بِمَنْ لَامَهُ عَلَى ذَلِكَ، حَلِيمًا عَنْ الْخَصْمِ مُسْتَشِيرًا لِأُولِي الْعِلْمِ (وَزَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ) الطُّرْطُوشِيُّ: لَيْسَ بِحَسَنٍ الزِّيَادَةُ فِي عَقْلِهِ الْمُفْضِيَةُ إلَى الدَّهَاءِ وَالْمَكْرِ فَإِنَّ هَذَا مَذْمُومٌ، وَقَدْ عَزَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - زِيَادًا وَقَالَ: كَرِهْتُ أَنْ أَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 87 فَضْلِ عَقْلِكَ وَكَانَ مِنْ الدُّهَاةِ (وَبِطَانَةِ سُوءٍ) نَحْوَ هَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَاَلَّذِي فِي الْمَعُونَةِ أَخُصُّ مِنْ هَذَا. (وَمَنْعُ الرَّاكِبِينَ مَعَهُ وَالْمُصَاحِبِينَ وَتَخْفِيفُ الْأَعْوَانِ) قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُكْثِرَ الدِّخَالَ عَلَيْهِ وَلَا الرَّاكِبَ مَعَهُ إلَّا أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ أَمَانَةٍ وَنَصِيحَةٍ وَفَضْلٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَيُمْنَعُ أَهْلُ الرُّكُوبِ مَعَهُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا دَفْعِ مَظْلِمَةٍ وَلَا خُصُومَةٍ وَلَا يَتَقَدَّمُ إلَى أَعْوَانِهِ وَلَوْ اسْتَغْنَى عَنْهُمْ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا لِعُمَرَ أَعْوَانٌ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَى الْأَعْوَانِ فَيُخَفِّفَ مِنْهُمْ مَا اسْتَطَاعَ. (وَاِتِّخَاذُ مَنْ يُخْبِرُهُ بِمَا يُقَالُ فِي سِيرَتِهِ وَحُكْمِهِ وَشُهُودِهِ) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ رَجُلًا مِمَّنْ يَثِقُ بِهِمْ يَنْقُلُونَ إلَيْهِ مَا يَنْقِمُ النَّاسُ عَلَيْهِ مِنْ خُلُقٍ أَوْ حُكْمٍ أَوْ قَبُولِ شَاهِدٍ وَيَفْحَصُ عَنْ ذَلِكَ وَيَرْجِعُ عَمَّا يَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ، فَإِنَّ لَهُ فِي الْفَحْصِ عَنْ ذَلِكَ مَنْفَعَةً لِنَفْسِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ. (وَتَأْدِيبُ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ) ابْنُ شَاسٍ: لِلْقَاضِي الْفَاضِلِ الْعَدْلِ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ وَيُعَاقِبَ مَنْ تَنَاوَلَهُ بِالْقَوْلِ وَآذَاهُ بِأَنْ يَنْسُبَ إلَيْهِ الظُّلْمَ أَوْ الْجَوْرَ مُوَاجَهَةً بِحَضْرَةِ أَهْلِ مَجْلِسِهِ بِخِلَافِ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ آذَاهُ وَهُوَ غَائِبٌ لِأَنَّ مُوَاجَهَتَهُ مِنْ قِبَلِ الْإِقْرَارِ (إلَّا فِي مِثْلِ اتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِي فَلْيَرْفُقْ بِهِ) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنْ قَالَ لِلْقَاضِي اتَّقِ اللَّهَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَضِيقَ لِذَلِكَ وَلَا يَكْتَرِثَ عَلَيْهِ وَلْيَثْبُتْ وَيُجِيبُهُ جَوَابًا لَيِّنًا يَقُولُ لَهُ رَزَقَنِي اللَّهُ تَقْوَاهُ وَمَا أَمَرْتُ إلَّا بِخَيْرٍ وَمِنْ تَقْوَى اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ مِنْكَ الْحَقَّ إذَا بَانَ وَلَا يُظْهِرُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 88 بِذَلِكَ غَضَبًا. (وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ إلَّا لِوُسْعِ عَمَلِهِ) الْمُتَيْطِيُّ: لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ قَاضِيًا مَكَانَهُ يَنْظُرَ لِلنَّاسِ وَيُرِيحَ نَفْسَهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا، وَلَا إنْ عَاقَهُ شُغْلٌ إلَّا بَعْدَ اسْتِئْذَانِ الْإِمَامِ أَوْ يَكُونَ تَقْدِيمُهُ أَوَّلًا انْعَقَدَ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا إنْ سَافَرَ أَوْ مَرِضَ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَيُنَفِّذُ أُمُورَهُ، ثُمَّ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا عَلَى مَنْ اسْتَقْضَاهُ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْخَلِيفَةِ فَلَا يُبَالِي كَانَ الْقَاضِي حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، وَكَانَ الْإِمَامُ وَلَّى قَاضِيَيْنِ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ. وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يَسْتَخْلِفُ إنْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ إلَّا بِإِذْنِ الْخَلِيفَةِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ عَجَزَ عَنْ الِانْفِرَادِ بِالنَّظَرِ وَكَثُرَ التَّشْغِيبُ عَلَيْهِ فَلَا يُقَدِّمُ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ. (فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ) الْمُتَيْطِيُّ. إذَا كَانَ نَظَرُ الْقَاضِي وَاسِعًا وَأَقْطَارُ مِصْرِهِ مُتَبَايِنَةً فَلَا يَرْجِعُ الْخُصُومُ إلَى الْمِصْرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 89 إلَّا فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْأَمْيَالِ الْقَرِيبَةِ لِأَنَّ مَا بَعُدَ يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ وَيُقَدِّمُ فِي الْجِهَاتِ الْبَعِيدَةِ حُكَّامًا يَنْظُرُونَ لِلنَّاسِ فِي أَحْكَامِهِمْ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَنَعَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَلْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ إمَامٍ؟ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُبَارِزَ الْعَدُوَّ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَلْيُبَارَزْ وَلْيُقَاتَلْ بِغَيْرِ إذْنِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْإِمَامَ إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ لَمْ يَلْزَمْ اسْتِئْذَانُهُ فِي مُبَارِزَةٍ وَلَا قِتَالٍ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْعَدْلُ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ فِي الِاسْتِئْذَانِ لَهُ لَا فِي طَاعَتِهِ إذَا أَمَرَ بِشَيْءٍ أَوْ نَهَى عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ: فَوَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِمَعْصِيَةٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ دَعَاكَ إمَامٌ جَائِرٌ إلَى قَطْعِ يَدِ رَجُلٍ فِي سَرِقَةٍ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ صِحَّةَ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ فَلَا تَجِبُ، إلَّا أَنْ تَعْلَمَ عَدَالَةَ الْبَيِّنَةِ فَعَلَيْك طَاعَتُهُ لِئَلَّا تَضِيعَ الْحُدُودُ. وَحَكَى الْبُرْزُلِيِّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ شَيْءٌ فِي ضَرْبِ مَنْ قِيلَ لَهُ إنْ لَمْ تَضْرِبْهُ خَمْسِينَ سَوْطًا ضَرَبْتُ عُنُقَكَ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَمِنْ هَذَا فُتْيَا ابْنِ عَرَفَةَ بِجَوَازِ الرَّفْعِ لِحُكَّامِ الْفَحْصِ فِي الرَّعْيِ لِأَنَّهُمْ أَشَدُّ فِي الزَّجْرِ مِنْ الْقُضَاةِ، لَكِنَّ هَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَصِلُ إلَى حَقِّهِ بِسَطْوَةِ الْحَاكِمِ وَلَا يَظْلِمُ خَصْمَهُ. اُنْظُرْ فِي الْمَدَارِكِ فِي رَسْمِ أَسَدِ بْنِ الْفُرَاتِ، وَانْظُرْ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِئَلَّا تَضِيعَ الْحُدُودُ فَهُوَ فَرْعٌ إنْ أَتَى الْإِنْسَانُ لِإِمَامٍ غَيْرِ عَدْلٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 91 فَانْظُرْهُ هُوَ مَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ قَاضِي مِصْرٍ ". (إنْ عَلِمَ مَا اسْتَخْلَفَ فِيهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يُشْتَرَطُ عِلْمَهُ بِمَا يَسْتَخْلِفُ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: يُشْتَرَطُ فِي خَلِيفَةِ الْقَاضِي صِفَاتُ الْقُضَاةِ إلَّا إذَا لَمْ يُفَوَّضْ لَهُ إلَّا سَمَاعُ الشَّهَادَةِ وَالنَّقْلِ فَلَا يُشْتَرَطُ مِنْ الْعِلْمِ إلَّا مَعْرِفَةُ ذَلِكَ الْقَدْرِ. (وَانْعَزَلَ بِمَوْتِهِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ مَاتَ الْقَاضِي وَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَكَانَهُ رَجُلًا وَقَالَ لَهُ سِرْ مَكَانِي وَنَفِّذْ مَا كُنْتُ صُدِّرْتُ فِيهِ لِلْقَضَاءِ وَاقْضِ، فَلَا قَضَاءَ لَهُ وَلَا سُلْطَانَ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ بَعْدَ مَوْتِهِ. (هُوَ بِمَوْتِ الْأَمِيرِ وَلَوْ الْخَلِيفَةَ) قَالَ أَصْبَغُ: لَا يُعْزَلُ الْقَاضِي بِمَوْتِ مُوَلِّيهِ الْإِمَامِ أَوْ أَمِيرِهِ. الْمُتَيْطِيُّ: وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ قَاضِيًا مَكَانَهُ وَيُرِيحُ نَفْسَهُ إلَّا إنْ سَافَرَ أَوْ مَرِضَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَلَا نُبَالِي كَانَ الْقَاضِي غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا، وَكَانَ الْإِمَامُ وَلَّى قَاضِيَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَوْقَ صَاحِبِهِ ثُمَّ قَالَ: لِلْقَاضِي تَقْدِيمُ مُقَدَّمٍ عَلَى الْأَحْبَاسِ لِلنَّظَرِ فِيهَا وَإِصْلَاحِ مَا وَهِيَ مِنْهَا وَكِرَائِهَا وَقَبْضِ غَلَّاتِهَا وَتَصَرُّفِهِ فِي مَصَالِحِهَا، وَيَجُوزُ إفْعَالُ الْمُقَدَّمِ لِذَلِكَ مِمَّا يُوَافِقُ السَّدَادَ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، وَإِذَا تُوُفِّيَ الْقَاضِي الْمُقَدِّمُ لَهُ أَوْ عُزِلَ فَتَقْدِيمُهُ تَامٌّ إذْ لَيْسَ يَنْفَسِخُ تَقْدِيمُ قَاضٍ بِمَوْتِهِ وَلَا عَزْلِهِ حَتَّى يَنْقُضَهُ الْوَالِي بَعْدَهُ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ الْإِمَامُ الَّذِي تُؤَدَّى إلَيْهِ الطَّاعَةُ وَقَدْ قَدَّمَ قُضَاةً وَحُكَّامًا وَوَلِيَ الْأَمْرَ غَيْرُهُ وَقَضَاءُ الْحُكَّامِ الَّذِينَ قَدَّمَهُمْ الْإِمَامُ الْمَيِّتُ وَالْقَاضِي يَقْضِيه بَيْنَ مَوْتِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَقِيَامِ الثَّانِي أَوْ بَعْدَ قِيَامِهِ وَقَبْلَ أَنْ تَنْفُذَ إلَيْهِمْ الْوِلَايَةُ وَيَمْضِي لَهُمْ الْحُكُومَةُ فِيمَا قَضَوْا بِهِ فِي الْفَتْرَةِ وَحَكَمُوا فِيهِ، فَأَقْضِيَتُهُمْ نَافِذَةٌ وَأَحْكَامُهُمْ جَائِزَةٌ وَسِجِلَّاتُهُمْ مَاضِيَةٌ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ وُلَاةِ الْأَيْتَامِ يُقَدِّمُهُمْ الْقَاضِي عَلَى النَّظَرِ لِلْأَيْتَامِ ثُمَّ يَمُوتُ الْقَاضِي أَوْ يُعْزَلُ، فَتَقْدِيمُهُ لَهُمْ مَاضٍ وَفِعْلُهُمْ جَائِزٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُمْضِيَهُ الْقَاضِي الَّذِي وَلِيَ بَعْدَهُ اهـ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ " وَإِنْ عُزِلَ بِمَوْتِهِ ". (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَهُ أَنَّهُ قَضَى بِكَذَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ قَالَ بَعْدَ الْعَزْلِ قَضَيْتُ بِكَذَا أَوْ أَشْهَدُ أَنَّهُ قَضَى بِكَذَا لَمْ يُقْبَلْ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ بَعْدَ الْعَزْلِ أَنَّهُ قَبْلَ الْعَزْلِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. سَمِعَ أَصْبَغُ: ابْنَ الْقَاسِمِ: شَهَادَةُ الْقَاضِي بِقَضَاءٍ قَضَى بِهِ وَهُوَ مَعْزُولٌ أَوْ غَيْرَ مَعْزُولٍ لَا يُقْبَلُ. ابْنُ رُشْدٍ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْنًى خَفِيٌّ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي قَبْلَ عَزْلِهِ قَضَيْتُ بِكَذَا لَا يُقْبَلُ إنْ كَانَ بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ كَتَخَاصُمِ رَجُلَيْنِ عِنْدَ قَاضٍ فَيَحْتَجُّ أَحَدُهُمَا بِأَنَّ قَاضِي بَلَدِ كَذَا قَضَى لِي بِكَذَا أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ كَذَا فَيَسْأَلُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَيَأْتِيهِ بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَنِّي حَكَمْتُ لِفُلَانٍ أَوْ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدِي لِفُلَانٍ كَذَا فَهُوَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ، وَلَوْ أَتَى الرَّجُلُ ابْتِدَاءً لِلْقَاضِي فَقَالَ لَهُ خَاطِبْ لِي قَاضِي بَلَدِ كَذَا بِمَا ثَبَتَ لِي عِنْدَكَ عَلَى فُلَانٍ أَوْ فِيمَا حَكَمْتَ لِي بِهِ عَلَيْهِ فَخَاطَبَهُ بِذَلِكَ قُبِلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُخْبِرٌ لَا شَاهِدٌ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَيَنْفُذُ فِيمَا يُسَجِّلُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَيَشْهَدُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا دَامَ فِي قَضَائِهِ. اُنْظُرْ هَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 97 بَعْدَ قَوْلِهِ " أَوْ شُهُودًا ". (وَجَازَ تَعَدُّدُ مُسْتَقِلٍّ أَوْ خَاصٍّ بِنَاحِيَةٍ أَوْ نَوْعٍ وَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَجُوزُ تَوْلِيَةُ قَاضِيَيْنِ بِبَلَدٍ عَلَى أَنْ يُخَصَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنَاحِيَةٍ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ نَوْعٍ مِنْ الْمَحْكُومِ فِيهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ يَصِحُّ فِيهَا التَّخْصِيصُ وَالتَّحْجِيرُ، وَلَوْ اسْتَثْنَى فِي وِلَايَتِهِ أَنْ لَا يَحْكُمَ عَلَى رَجُلٍ مُعَيَّنٍ صَحَّ ذَلِكَ اهـ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَكَذَا فَعَلَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ حِينَ قَدِمَ الْقُسْطَنْطِينِيَّة جَعَلَ لَهُ أَنْ لَا يَحْكُمَ عَلَيْهِ فِي مَدْرَسَتِهِ وَإِمَامَتِهِ وَمَا تَحْتَ يَدِهِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: إنْ مَنَعَ الْإِمَامُ قَاضِيهِ الْحُكْمَ بَيْنَ خَصْمَيْنِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ أَطَاعَهُ وَإِلَّا أَنْفَذَهُ إلَّا أَنْ يَعْزِلَهُ رَأْسًا. قَالَ ابْنُ فَتْحُونَ: وَقَدْ تَنْفَرِدُ الْقُضَاةُ بِبَعْضِ الْبَلَدِ بِخُطَّةِ الْمُنَاكِحِ فَيُوَلَّاهَا عَلَى حِدَةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: كَمَا فِي بَلَدِنَا تُونِسَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنْ تَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا بِأَحْكَامِ النِّكَاحِ وَمُتَعَلِّقَاتِهِ، وَالْآخَرُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ. قَالَ: وَكَذَا عَلَى عَدَمِ التَّخْصِيصِ مَعَ اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِنُفُوذِ حُكْمِهِ، وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ خَوْفَ تَنَازُعِ الْخُصُومِ فِيمَنْ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ، وَمُقْتَضَى أُصُولِ الشَّرْعِ جَوَازُهُ وَالتَّنَازُعُ يَرْتَفِعُ شَغَبُهُ بِاعْتِبَارِ قَوْلِ الطَّالِبِ (ثُمَّ مَنْ سَبَقَ رَسُولُهُ وَإِلَّا أُقْرِعَ) الْمَازِرِيُّ: لَوْ فَرَضْنَا الْخَصْمَيْنِ جَمِيعًا طَالِبَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا يَطْلُبُ صَاحِبَهُ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَطْلُبَ حَقَّهُ عِنْدَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْقُضَاةِ، وَيَطْلُبُ الْآخَرُ حَقَّهُ عِنْدَ مَنْ شَاءَ. وَإِنْ أَخْتَلَفَا فِيمَنْ يَبْدَأُ بِالطَّلَبِ وَفِيمَنْ يَذْهَبَانِ إلَيْهِ مِنْ الْقَاضِيَيْنِ أُوجِبَتْ لِلسَّابِقِ مِنْ رُسُلِ الْقَاضِيَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا تَرْجِيحٌ بِسَبَقِ الطَّلَبِ عَلَى الْآخَرِ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا (كَالِادِّعَاءِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ نُصِّبَ فِي بَلَدٍ قَاضِيَانِ ثُمَّ تَنَازَعَ الْخَصْمَانِ فِي الِاخْتِيَارِ أَوْ ازْدَحَمَ مُتَدَاعِيَانِ فَالْقُرْعَةُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 98 (وَتَحْكِيمُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ حَكَّمَا بَيْنَهُمَا رَجُلًا فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 99 أَمْضَاهُ الْقَاضِي وَلَا يَرُدُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوْرًا بَيِّنًا. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا عِنْدَ الْقَاضِي. ابْنُ الْحَارِثِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ لَهُ فَسْخُهُ إنْ خَالَفَ رَأْيَهُ. اللَّخْمِيِّ: إنَّمَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ بِعَدْلٍ مُجْتَهِدٍ أَوْ عَامِّيٍّ يَحْكُمُ بِاسْتِرْشَادِ الْعُلَمَاءِ وَتَحْكِيمُ غَيْرِهِمَا خَطَرٌ وَالْعُذْرُ فِي الْحُكْمِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْبَيْعِ. الْمَازِرِيُّ: وَتَحْكِيمُ الْخَصْمَيْنِ غَيْرَهُمَا جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَفْتِيَا فَقِيهًا يَعْمَلَانِ بِفَتْوَاهُ فِي قَضِيَّتِهِمَا. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ قَوْلِهِمَا جَوَازُهُ ابْتِدَاءً وَلَفْظُ الرِّوَايَاتِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْوُقُوعِ. وَانْظُرْ هَلْ لِأَحَدِهِمَا الرُّجُوعُ؟ قَالَ مَالِكٌ: لَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَضَيَا بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ فَلِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ. (غَيْرِ خَصْمٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ حَكَّمَ خَصْمَهُ فَثَالِثُهَا يَمْضِي مَا لَمْ يَكُنْ خَصْمُهُ الْقَاضِيَ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْقَوْلُ بِعَدَمِ مُضِيِّهِ مُطْلَقًا لَا أَعْرِفُهُ. وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ جَوَازَ تَحْكِيمِ الْخَصْمِ خَصْمَهُ مُطْلَقًا. وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا أُحِبُّ لِخَصْمِ الْقَاضِي أَنْ يُحَكِّمَهُ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَإِنْ نَزَلَ مَضَى. وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ حَكَّمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ صَاحِبَهُ مَضَى مَا لَمْ يَكُنْ جَوْرًا. ابْنُ عَرَفَةَ: يَنْبَغِي إنْ كَانَ جَوْرًا عَلَيْهِ مَالِيًّا إمْضَاؤُهُ لِأَنَّهُ مِنْهُ مَعْرُوفٌ لِخَصْمِهِ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَجَاهِلٍ وَكَافِرٍ وَغَيْرِ مُمَيِّزٍ) اللَّخْمِيِّ: اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ مَنْ يُذْكَرُ بَعْدُ عَلَى أَنْ لَا يَحْكُمَ جَاهِلٌ بِالْحُكْمِ لِأَنَّهُ تَخَاطُرٌ، وَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ كَافِرٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا مُوَسْوَسٍ اتِّفَاقًا (فِي مَالٍ وَجُرْحٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ إنَّمَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيمَا يَصِحُّ لِأَحَدِهِمَا تَرْكُ حَقِّهِ فِيهِ. اللَّخْمِيِّ وَغَيْرُهُ: إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا. سَحْنُونَ: وَلَا يَنْبَغِي فِي حَدٍّ وَلَا لِعَانٍ إنَّمَا هُمَا لِقُضَاةِ الْأَمْصَارِ الْعِظَامِ. أَصْبَغُ: وَلَا فِي قِصَاصٍ وَلَا حَدٍّ وَلَا قَذْفٍ وَلَا طَلَاقٍ وَلَا عِتْقٍ وَلَا نَسَبٍ وَلَا وَلَاءٍ لِأَنَّهَا لِلْإِمَامِ. زَادَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَصْبَغَ: فَإِنْ حَكَّمَاهُ فِي ذَلِكَ نَفَذَ حُكْمُهُ وَنَفَاهُ السُّلْطَانُ عَنْ الْعَوْدَةِ. وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلَ سَحْنُونٍ وَلَا يَنْبَغِي لِلَّذِي حَكَّمَهُ رَجُلَانِ أَنْ يُقِيمَ حَدًّا قَالَ: وَأَمَّا الْجِرَاحُ فَإِذَا أَقَادَهُ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَقِيدَ إذَا كَانَ بَعِيدًا عَنْ السُّلْطَانِ (لَا حَدٍّ وَلِعَانٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 100 وَقَتْلٍ وَوَلَاءٍ وَنَسَبٍ وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا كُلِّهِ. (وَمَضَى إنْ حَكَمَ صَوَابًا وَأُدِّبَ) أَصْبَغُ: إنْ حَكَّمَاهُ فِيمَا ذَكَرنَا أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ فِيهِ أَنْفَذَ السُّلْطَانُ حُكْمَهُ فِي الْقَوَدِ وَالْحَدِّ وَنَهَاهُ عَنْ الْعَوْدَةِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ أَقَامَ ذَلِكَ فَقَتَلَ وَاقْتُصَّ وَضُرِبَ الْحَدَّ زَجَرَهُ الْإِمَامُ وَأَدَّبَهُ وَأَمْضَى صَوَابَ حُكْمِهِ. (وَفِي صَبِيٍّ وَعَبْدٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 101 وَامْرَأَةٍ وَفَاسِقٍ ثَالِثُهَا إلَّا الصَّبِيَّ وَرَابِعُهَا وَفَاسِقٍ) أَشْهَبُ: تَحْكِيمُ الصَّبِيِّ وَالْمَسْخُوطِ لَغْوٌ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ. وَكَذَا قَالَ أَصْبَغُ: إنْ حَكَّمَا امْرَأَةً فَحُكْمُهَا مَاضٍ وَإِنْ كَانَ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَكَذَا الْعَبْدُ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَبِهِ آخُذُ، قَالَ أَصْبَغُ: وَكَذَلِكَ الْمَسْخُوطُ إذَا أَصَابَ وَالْمَحْدُودُ وَالصَّبِيُّ إذَا عَقَلَ وَعَلِمَ، رُبَّ غُلَامٍ لَمْ يَبْلُغْ لَهُ عِلْمٌ بِالسُّنَّةِ وَالْقَضَاءِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَوْ حَكَّمَا مَسْخُوطًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ. وَفِي الْوَاضِحَةِ: وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ مِنْ الْمُنْتَقَى. (وَضَرْبُ خَصْمٍ لَدَّ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ لَدَّ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ بِصَاحِبِهِ وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُعَاقِبَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ لَدَدَهُ إذَايَةٌ وَإِضْرَارٌ فَوَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَكُفَّهُ وَيُعَاقِبَهُ عَلَيْهِ بِمَا يَرَاهُ. وَفِي حِفْظِي عَنْ بَعْضِهِمْ: إنْ قَالَ لِخَصْمِهِ ظَلَمْتنِي أَوْ غَصَبْتنِي وَنَحْوَهُ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي أَوْ تَظْلِمُنِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ يَا ظَالِمُ وَنَحْوَهُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ أُدِّبَ. (وَعَزْلُهُ لِمُصْلِحَةٍ وَلَمْ يَنْبَغِ إنْ شُهِرَ عَدْلًا بِمُجَرَّدِ شَكِيَّةٍ) الْمُتَيْطِيُّ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ قُضَاتِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 102 وَأُمُورَ حُكَّامِهِ وَوُلَاتِهِ وَيَتَطَلَّعَ أَحْكَامَهُمْ وَيَتَفَقَّدَ قَضَايَاهُمْ فَإِنَّهُمْ سَنَامُ أُمُورِهِ وَرَأْسُ سُلْطَانِهِ، وَيَسْأَلَ عَنْهُمْ أَهْلَ الصَّلَاحِ وَالْفَضْلِ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى مَا يَجِبُ أَقَرَّهُمْ، وَإِنْ تُشَكَّى بِهِمْ عَزَلَهُمْ. وَإِنْ كَانُوا مَشْهُورِينَ بِالْعَدْلِ وَالصَّلَاحِ، وَقَدْ عَزَلَ عُمَرُ سَعْدًا وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا يَسْأَلُنِي قَوْمٌ عَزْلَ أَمِيرِهِمْ وَيَشْكُونَهُ إلَّا عَزَلْتُهُ عَنْهُمْ مَعَ عِلْمِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِبَرَاءَةِ سَعْدٍ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ: لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَعْزِلَ قَاضِيه بِالشَّكِيَّةِ إذَا كَانَ عَدْلًا وَإِنْ وَجَدَ مِنْهُ بَدَلًا. ابْنُ عَرَفَةَ: يَجِبُ تَفَقُّدُ الْإِمَامِ حَالَ قُضَاتِهِ فَيَعْزِلُ مَنْ فِي بَقَائِهِ مَفْسَدَةٌ وُجُوبًا فَوْرِيًّا وَمَنْ تُخْشَى مَفْسَدَتُهُ اسْتِحْبَابًا، وَمَنْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ عَزْلُهُ أَرْجَحُ (وَلْيُبَرَّأْ عَنْ غَيْرِ سَخَطٍ) أَصْبَغُ: لَا بَأْسَ إذَا عَزَلَهُ أَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ بِبَرَاءَتِهِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِشُرَحْبِيلَ إذْ عَزَلَهُ فَقَالَ لَهُ: أَعَنْ سَخْطَةٍ عَزَلْتنِي؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ وَجَدْتُ مَنْ هُوَ مِثْلُك فِي الصَّلَاحِ وَأَقْوَى عَلَى عَمَلِنَا مِنْك، فَلَمْ أَرَ أَنْ يَحِلَّ لِي إلَّا ذَلِكَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ عَزْلَك عَيْبٌ فَأَخْبِرْ النَّاسَ بِأَمْرِي فَفَعَلَ. فَإِنْ عَمَّ التَّشَكِّي بِالْقَاضِي عَزَلَهُ وَأَوْقَفَهُ لِلنَّاسِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَأْتِي كُلُّ رَجُلٍ بِمَظْلِمَتِهِ وَشَكَوَاهُ. (وَخَفِيفُ تَعْزِيرٍ بِمَسْجِدٍ لَا حَدٌّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِيَسِيرِ الْأَسْوَاطِ أَدَبًا فِي الْمَسْجِدِ وَأَمَّا الْحُدُودُ وَشَبَهُهَا فَلَا. (وَجُلُوسٌ بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْقَضَاءُ بِالْمَسْجِدِ مِنْ الْحَقِّ وَهُوَ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ لِأَنَّهُ يَرْضَى فِيهِ بِالدُّونِ مِنْ الْمَجْلِسِ وَتَصِلُ إلَيْهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 103 الْمَرْأَةُ وَالضَّعِيفُ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: يَجْلِسُ بِرِحَابِ الْمَسْجِدِ وَهَذَا أَحْسَنُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ رَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ» (بِغَيْرِ عِيدٍ وَقُدُومِ حَاجٍّ وَخُرُوجِهِ وَمَطَرٍ وَنَحْوِهِ) اللَّخْمِيِّ: يَلْتَزِمُ وَقْتًا مِنْ النَّهَارِ لِيَعْلَمَهُ أَهْلُ الْخُصُومَاتِ لِأَنَّهُ إنْ اخْتَلَفَ أَضَرَّ بِالنَّاسِ وَلَا يَجْلِسُ أَيَّامَ الْأَعْيَادِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَلَا قَبْلَهَا كَيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَعَرَفَةَ يُرِيدُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي حَجٍّ وَلَا يَوْمَ خُرُوجِ الْحَاجِّ بِمِصْرَ لِكَثْرَةِ مَنْ يَشْتَغِلُ يَوْمَئِذٍ بِمَنْ يُسَافِرُ. وَكَذَا فِي الطِّينِ وَالْوَحْلِ وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً مِمَّنْ يَنْزِلُ بِهِ أَمْرٌ. (وَاِتِّخَاذُ حَاجِبٍ وَبَوَّابٍ) أَصْبَغُ: حَقٌّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى الْقَاضِي فِي رِزْقِهِ وَيَجْعَلَ لَهُ قَوْمًا يَقُومُونَ بِأَمْرِهِ وَيَدْفَعُونَ النَّاسَ عَنْهُ إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَعْوَانٍ يَكُونُونَ حَوْلَهُ يَزْجُرُونَ مَنْ يَنْبَغِي زَجْرُهُ مِنْ الْمُتَخَاصِمِينَ، فَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ يُنْكِرُ عَلَى الْقُضَاةِ اتِّخَاذَ الْأَعْوَانِ فَلَمَّا وَلِيَ الْقَضَاءَ قَالَ: لَا بُدَّ لِلسُّلْطَانِ مِنْ وَزَعَةٍ. وَمِنْ ابْنِ عَرَفَةَ: وَيَسُوغُ لَهُ اتِّخَاذُ مَنْ يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِصَرْفِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَكَفِّ أَذَى النَّاسِ عَنْهُ وَعَنْ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَلَا يَتَّخِذُ لِذَلِكَ إلَّا ثِقَةً مَأْمُونًا. (وَبَدَأَ بِمَحْبُوسٍ ثُمَّ وَصِيٍّ وَمَالِ طِفْلٍ وَمُقَدَّمٍ ثُمَّ ضَالٍّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 104 وَنَادَى بِمَنْعِ مُعَامَلَةِ يَتِيمٍ وَسَفِيهٍ وَرَفْعِ أَمْرِهِمَا ثُمَّ فِي الْخُصُومِ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ " وَمُقَدَّمٍ " وَاَلَّذِي لِلْمَازِرِيِّ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: يَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ الْقَاضِي بِالنَّظَرِ فِي الْمَحْبُوسِينَ لِيَعْلَمَ مَنْ يَجِبُ إخْرَاجُهُ وَمَنْ لَا يَجِبُ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَشَدُّ مِنْ الضَّرَرِ فِي الْأَمْوَالِ. ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْأَوْصِيَاءِ ثُمَّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ لِكَوْنِ مَنْ تَكُونُ لَهُ مُطَالَبَةٌ عَلَيْهِمْ قَدْ لَا يُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ اللَّقِيطِ وَالضَّوَالِّ، ثُمَّ بَيْنَ الْخُصُومِ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُ: أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ الْقَاضِي النِّدَاءَ عَنْ إذْنِهِ أَنَّهُ حُجِرَ عَلَى كُلِّ يَتِيمٍ لَا وَلِيَّ لَهُ وَعَلَى كُلِّ سَفِيهٍ مُسْتَوْجِبٍ لِلْوِلَايَةِ عَلَيْهِ، وَإِنَّ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْ هَذَيْنِ فَلْيَرْفَعْهُ لَنَا لِنُوَلِّيَ عَلَيْهِ، وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمَا بَعْدَ النِّدَاءِ فَهُوَ مَرْدُودٌ. (وَرَتَّبَ كَاتِبًا عَدْلًا شَرْطًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَتَّخِذُ الْقَاضِي كَاتِبًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا قَاسِمًا وَلَا يَتَّخِذُ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 105 شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا الْمُسْلِمِينَ الْعُدُولَ. (كَمُزَكٍّ) ابْنُ بَطَّالٍ: الشَّأْنُ عِنْدَنَا أَنْ يَتَّخِذَ الْقَاضِي رَجُلًا رِضًا مُجْمَعًا عَلَى أَنَّهُ رَجُلُ عَدْلٍ يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ وَلَا يُشْهِدُ الْقَاضِي هَذَا السَّائِلَ. سَحْنُونَ: لَيْسَ كُلُّ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ نَحْوَ تَزْكِيَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ فِي التَّزْكِيَةِ إلَّا الْمُبَرَّزُ النَّافِذُ الْفَطِنُ الَّذِي لَا يُخْدَعُ (وَاخْتَارَهُمَا) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ بَطَّالٍ: يَتَّخِذُ رَجُلًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: لَا يَسْتَكْتِبُ الْقَاضِي إلَّا أَهْلَ الْعَدَالَةِ وَالرِّضَا. وَالْمُتَرْجِمُ مُخْبِرٌ كَالْمُحَلَّفِ فَسُمِعَ الْقَرِينَانِ: إنْ احْتَكَمَ لِلْقَاضِي خُصُومٌ يَتَكَلَّمُونَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا يَفْقَهُ كَلَامَهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يُتَرْجِمَ عَنْهُمْ رَجُلٌ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ مُسْلِمٌ وَاثْنَانِ أَحَبُّ إلَيَّ وَيُجْزِئُ الْوَاحِدُ، وَلَا تُقْبَلُ تَرْجَمَةُ كَافِرٍ وَلَا عَبْدٍ وَلَا مَسْخُوطٍ، وَلَا بَأْسَ بِتَرْجَمَةِ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْعَفَافِ وَالْحَقِّ مِمَّا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَامْرَأَتَانِ وَالرَّجُلُ أَحَبُّ إلَيَّ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ شَهَادَاتٍ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَبْتَدِئُ الْقَاضِي فِيهِ بِالْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ كَقِيَاسَاتِ الْجِرَاحَاتِ وَالنَّظَرِ لِلْعُيُوبِ وَالِاسْتِخْلَافِ وَالْقَسَمِ وَاسْتِنْكَاهِ مَنْ يُنْكِرُ سُكْرَهُ وَشَبَهِ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرِ يَجُوزُ فِيهِ الْوَاحِدُ. قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 106 يُحْلِفُ الْمَرْأَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ رَسُولٌ وَاحِدٌ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَلَا خِيَارَ فِي ذَلِكَ عَدْلَانِ وَيُجْزِئُ فِيهِ الْعَدْلُ الْوَاحِدُ. وَقَوْلُهُ " لَا تُقْبَلُ تَرْجَمَةُ عَبْدٍ وَلَا مَسْخُوطٍ وَلَا كَافِرٍ " مَعْنَاهُ مَعَ وُجُودِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ اُضْطُرَّ إلَى تَرْجَمَةِ كَافِرٍ أَوْ مَسْخُوطٍ لَقَبِلَ فِعْلَهُ وَحَكَمَ بِهِ كَمَا يَحْكُمُ بِقَوْلِ الطَّبِيبِ النَّصْرَانِيِّ وَغَيْرِ الْعَدْلِ فِيمَا اُضْطُرَّ فِيهِ لِقَوْلِهِ مِنْ جِهَةِ مَعْرِفَتِهِ بِالطِّبِّ. وَسُمِعَ الْقَرِينَانِ: أَتَرَى الْمَسْأَلَةَ عَنْ الشُّهُودِ سِرًّا؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَا سَبِيلَ إلَّا لِلْعُدُولِ. ابْنُ رُشْدٍ: الْمَسْأَلَةُ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ هُوَ تَعْدِيلُ السِّرِّ وَتَفْتَرِقُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ فِي أَنَّهُ لَا إعْذَارَ فِي السِّرِّ وَفِي أَنَّهُ يُجْزِئُ فِيهِ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ بِخِلَافِ الْعَلَانِيَةِ فِي الْوَجْهَيْنِ (وَالْمُتَرْجِمُ مُخْبِرٌ عَنْ الْمُحَلَّفِ وَأَحْضَرَ الْعُلَمَاءَ وَشَاوَرَهُمْ) الْمُتَيْطِيُّ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُشَاوِرَ فِيمَا يَنْزِلُ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ مَنْ تَجِبُ مُشَاوِرَتُهُ وَيَثِقُ بِهِ فِي عِلْمِهِ وَدَيْنِهِ وَنَظَرِهِ وَفَهْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِأَحْكَامِ مَنْ مَضَى وَآثَارِهِمْ، وَقَدْ شَاوَرَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ مَالِكٌ: كَانَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا جَلَسَ لِلْقَضَاءِ أَحْضَرَ أَرْبَعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ، فَإِذَا رَأَوْا مَا رَآهُ أَمْضَاهُ وَقَالَ: هَؤُلَاءِ قَضَوْا لَسْتُ أَنَا قَضَيْت. وَقَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 107 مُحَمَّدٌ: لَا يَدَعُ الْقَاضِي مَشُورَةَ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَمَا يَتَوَجَّهُ لِلْحُكْمِ وَلَا يَجْلِسُ لِلْقَضَاءِ إلَّا بِحَضْرَةِ الْعَدْلِ، وَلْيَحْفَظُوا إقْرَارَ الْخُصُومِ خَوْفَ رُجُوعِ بَعْضِهِمْ عَمَّا يُقِرُّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَقْضِي بِعِلْمِهِ، فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ بِمَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَحْسَنَ لَهُ. وَاخْتُلِفَ فِي جُلُوسِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعَهُ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَقْضِيَ إلَّا بِحَضْرَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمُشَاوِرَتِهِمْ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ إلَّا أَنْ يَخَافَ الْحَصْرَ مِنْ جُلُوسِهِمْ عِنْدَهُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي مَجْلِسِهِ مَنْ يَشْغَلُهُ عَنْ النَّظَرِ، كَانُوا أَهْلَ فِقْهٍ أَوْ غَيْرَهُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُدْخِلُ عَلَيْهِ الْحَصْرَ. وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَا: وَلَكِنْ إذَا ارْتَفَعَ مِنْ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ شَاوَرَهُ وَعُرِفَ عِيَاضٌ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ وَذَكَرَ دِينَهُ وَعِلْمَهُ قَالَ: وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى أَحْكَامِهِ: حَكَمْت بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، حَكَمْت بِقَوْلِ أَشْهَبَ وَيَقُولُ: فِي الْبَلَدِ عُلَمَاءُ وَفُقَهَاءُ اذْهَبْ إلَيْهِمْ، فَمَا أَنْكَرُوا عَلَيْك فَارْجِعْ إلَيَّ وَكَانَ يَكْتُبُ الْقَضِيَّةَ وَيَقُولُ لِصَاحِبِهَا اذْهَبْ وَطُفْ بِهَا عَلَى كُلِّ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالْقُرْآنِ ثُمَّ ارْجِعْ إلَيَّ بِمَا يَقُولُونَ لَك. وَكَانَ إذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ أَمْرٌ وَقَفَ وَقَالَ: لَأَنْ يَسْأَلَنِي اللَّهُ عَمَّا وَقَفْتَ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْأَلَنِي لِمَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 108 جَسَرْتَ. (وَشُهُودًا) الْجَلَّابُ وَاللَّخْمِيُّ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ لِيَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمْ لَا بِعِلْمِهِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: إذَا جَحَدَ الْمُقِرُّ إقْرَارَهُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَلَمْ تَحْضُرْهُ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ. قَالَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ: يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِمُوجِبِ إقْرَارِهِ. وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يَحْضُرَهُ شَاهِدَانِ وَلَا يُعْذَرُ فِيهِمَا. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ عَلَى إقْرَارِهِ بَيِّنَةٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَقَرَّ الْخَصْمُ عِنْدَهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ ثُمَّ عَادَ فَجَحَدَهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 109 سِوَاهُ وَإِلَّا شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عِنْدَ مَنْ فَوْقَهُ. (وَلَمْ يُفْتِ فِي خُصُومَةٍ) ابْنُ شَاسٍ: لَا يُجِيبُ الْحَاكِمُ مَنْ سَأَلَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْخُصُومَاتِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُجِيبَ بِالْفُتْيَا فِي كُلِّ مَا سُئِلَ عَنْهُ لِمَا عِنْدَهُ فِيهِ عِلْمٌ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ كَانُوا يُفْتُونَ النَّاسَ فِي نَوَازِلِهِمْ ابْنُ عَرَفَةَ: عَزَا ابْنُ الْمُنَاصِفِ الْأَوَّلَ إلَى مَالِكٍ وَالْبَرْزَلِيِّ. وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْفَتْوَى فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ تُعْرَضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَوْ جَاءَتْهُ مِنْ خَارِجِ بَلَدِهِ أَوْ مِنْ بَعْضِ الْكُوَرِ أَوْ عَلَى يَدَيْ عُمَّالِهِ فَلْيُجِبْهُمْ عَنْهَا. وَمِنْ مَسَالِكِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: الْمَصْلَحَةُ أَنْ تَكُونَ الْفَتْوَى مُرْسَلَةً وَلَا تَكُونَ الشَّهَادَةُ إلَّا لِمَنْ وَلَّاهُ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْمُفْتِي إذَا زَاغَ فَضَحَهُ الْعِلْمُ وَالشَّاهِدُ لَا يَعْلَمُ زَيْغَهُ إلَّا اللَّهُ. وَفِي الْوَاضِحَةِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهِ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ دُونَ صَاحِبِهِ لَا وَحْدَهُ وَلَا فِي جَمَاعَةٍ انْتَهَى. اُنْظُرْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُفْتِي. أَمَّا إنْ كَانَ الْقُضَاةُ مُوَلَّيْنَ بِالْجَاهِ لَا بِالْمُرَجَّحَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَفُتْيَا الْمُفْتِي حِينَئِذٍ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّقَ الْحُكْمَ بِثُبُوتِ مَا سُئِلَ عَنْهُ لِحَدِيثِ هِنْدٍ «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . وَهَذَا أَيْضًا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 110 تَتَضَمَّنْ الْفَتْوَى تَعْلِيمَ خُصُومَةٍ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلِلْحَاكِمِ تَنْبِيهُهُ عَلَيْهِ ". وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ عَلْوَانَ مُفْتِي تُونُسَ أَنَّهُ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَهَا أَنْدَلُسِيٌّ وَأَسَاءَ عِشْرَتَهَا وَعَسُرَ عَلَيْهَا التَّخَلُّصُ مِنْهُ فَقَالَ لَهَا: ادَّعِي عَلَيْهِ أَنَّ بِدَاخِلِ دُبُرِهِ بَرَصًا، فَادَّعَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَحَكَمَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الزَّوْجُ طَلَّقَهَا، وَنَحْوُ هَذَا وَقَعَ لَهُ فِي وَصِيَّةٍ عَلَى أَوْلَادِهَا ثَبَتَ أَنَّهَا سَفِيهَةٌ فَقَالَ لَهَا: قَوْلِي لَهُمْ أَتْلَفْت مَا أَتْلَفْت فِي سَفَهِي فَسَرَّحَهَا الْقَاضِي. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَهَذَا التَّحَيُّلُ إنْ كَانَ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهَا مَظْلُومَةٌ فَالْفَتْوَى سَائِغَةٌ مِنْ قَبِيلِ الْإِنْقَاذِ مِنْ الظُّلْمِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ بَابِ تَلْقِينِ الْخَصْمِ الْقَادِحَ فِي الْعَدَالَةِ. (وَلَمْ يَشْتَرِ بِمَجْلِسِ قَضَائِهِ) قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يَشْتَغِلُ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ بِبَيْعٍ وَلَا بِابْتِيَاعٍ لِنَفْسِهِ. أَشْهَبُ: وَلَا لِغَيْرِهِ إلَّا مَا خَفَّ شَأْنُهُ وَقَلَّ شُغْلُهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ. سَحْنُونَ: وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ، وَمَا بَاعَ وَابْتَاعَ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ لَا يُرَدُّ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ إكْرَاهٌ أَوْ هَضِيمَةٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إذَا اشْتَرَى الْإِمَامُ الْعَدْلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا أَوْ بَاعَ ثُمَّ عُزِلَ أَوْ مَاتَ أَنَّ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ مُخَيَّرٌ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ أَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 111 التَّرْكِ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: تِجَارَةُ الْوُلَاةِ لَهُمْ مُفْسِدَةٌ وَلِلرَّعِيَّةِ مُهْلِكَةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَظَاهِرُ أَقْوَالِ الْمَذْهَبِ وَرِوَايَتِهِ جَوَازُ شِرَائِهِ وَبَيْعِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ قَضَائِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ لَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِ. (كَسَلَفٍ وَقِرَاضٍ وَإِبْضَاعٍ) الْمُتَيْطِيُّ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْ الْعَوَارِيِّ وَطَلَبِ الْحَوَائِجِ مِنْ مَاعُونٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَعَنْ السَّلَفِ أَوْ يُقَارِضَ أَوْ يُبْضِعَ إلَّا مَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا، فَإِنْ وَاقَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَخَفِيفٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ مَنْ يُخَاصَمُ عِنْدَهُ فَلَا يَفْعَلُ. (وَحُضُورِ وَلِيمَةٍ إلَّا لِنِكَاحٍ) الْمُتَيْطِيُّ: لَا بَأْسَ لِلْقَاضِي بِحُضُورِ الْجَنَائِزِ وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَتَسْلِيمِهِ عَلَى أَهْلِ الْمَجْلِسِ وَرَدِّهِ عَلَى مَنْ سَلَّمَ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ إلَّا ذَلِكَ، وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 112 يُجِيبُ إلَى صَنِيعٍ إلَّا فِي الْوَلِيمَةِ، قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُجِيبَ الدَّعْوَةَ الْعَامَّةَ كَانَتْ لِوَلِيمَةٍ أَوْ صَنِيعٍ عَامٍّ مِنْ الْفَرَحِ، فَأَمَّا لِغَيْرِ فَرَحٍ فَلَا، وَكَأَنَّهُ هُوَ الْمَدْعُوُّ خَاصَّةً وَغَيْرُهُ وَسِيلَةٌ لَهُ. (وَقَبُولِ هَدِيَّةٍ وَلَوْ كَافَأَ عَلَيْهَا إلَّا مِنْ قَرِيبٍ) الْمُتَيْطِيُّ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ أَحَدٍ وَلَا مِمَّنْ كَانَتْ عَادَتُهُ بِذَلِكَ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَلَا مِنْ قَرِيبٍ وَلَا مِنْ صَدِيقٍ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كَافَأَ عَلَيْهَا بِأَضْعَافِهَا إلَّا مِثْلَ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَأَشْبَاهِهِمْ مِنْ خَاصَّةِ الْقَرَابَةِ الَّتِي تَجْمَعُ مِنْ حُرْمَةِ الْخَاصَّةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ حُرْمَةِ الْهَدِيَّةِ. قَالَ رَبِيعَةُ: إيَّاكَ وَالْهَدِيَّةُ فَإِنَّهَا ذَرِيعَةُ الرِّشْوَةِ (وَفِي هَدِيَّةِ مَنْ اعْتَادَهَا قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَكَرَاهَةِ حُكْمِهِ فِي مَشْيِهِ أَوْ مُتَّكِئًا وَإِلْزَامِ يَهُودِيٍّ حُكْمًا بِسَبْتِهِ وَتَحْدِيثِهِ بِمَجْلِسِهِ لِضَجَرٍ وَدَوَامِ الرِّضَا فِي التَّحْكِيمِ لِلْحُكْمِ قَوْلَانِ) أَمَّا مَسْأَلَةُ هَدِيَّةِ مَنْ اعْتَادَهَا فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ إخْوَانِهِ الَّذِينَ كَانَ يُعْرَفُ لَهُ قَبُولُهَا مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقْضِيَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 113 وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْمُتَيْطِيِّ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ قَضَائِهِ وَهُوَ مَاشٍ فَقَالَ أَشْهَبُ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَشْغَلْهُ ذَلِكَ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يَقْضِي وَهُوَ مَاشٍ. وَنَصُّ اللَّخْمِيِّ لَا بَأْسَ أَنْ يَحْكُمَ وَهُوَ مَاشٍ وَأَمَّا حُكْمُهُ وَهُوَ مُتَّكِئٌ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: لَا يَحْكُمُ مُتَّكِئًا لِأَنَّ فِيهِ اسْتِخْفَافًا وَلِلْعِلْمِ حُرْمَةٌ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ وَهُوَ مُتَّكِئٌ. وَعَزَاهُ الْبَاجِيُّ لِأَشْهَبَ. قِيلَ لِإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي: هَلْ أَلَّفْت كِتَابًا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ؟ قَالَ: إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْحَقِّ فَلْيَقْعُدْ فِي مَجْلِسِهِ كَيْفَ شَاءَ وَيَمُدَّ رِجْلَيْهِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ إلْزَامِ يَهُودِيٍّ حُكْمًا بِسَبْتِهِ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي تَمْكِينِ الْمُسْلِمِ مِنْ اسْتِحْلَافِ الْيَهُودِيِّ يَوْمَ السَّبْتِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِلْقَابِسِيِّ وَخَصَّ بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ بِالْيَهُودِيِّ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ لَا يُعَظِّمُ يَوْمًا. وَعَمَّمَهُ ابْنُ عَاتٍ فِيهِمَا قَالَ: لِأَنَّ يَوْمَ الْأَحَدِ لَهُ كَالسَّبْتِ لِلْيَهُودِيِّ. وَأَمَّا تَحْدِيثُهُ بِمَجْلِسِهِ لِضَجَرٍ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إنْ دَخَلَهُ ضَجَرٌ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُحَدِّثَ جُلَسَاءَهُ إذَا مَلَّ يُرَوِّحُ قَلْبَهُ ثُمَّ يَعُودُ لِلْحُكْمِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 114 يَقُومُ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرِّضَا فِي التَّحْكِيمِ لِلْحُكْمِ فَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَوْ حَكَّمَا بَيْنَهُمَا رَجُلًا فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عِنْدَهُ ثُمَّ بَدَا لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَى أَنْ يَقْضِيَ وَيَجُوزَ حُكْمُهُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طُرُقٌ وَالْأَقْوَالُ فِيهَا أَرْبَعَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَزْوُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِمَالِكٍ. (وَلَا يَحْكُمُ مَعَ مَا يُدْهِشُ عَنْ الْفِكْرِ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَا يَجْلِسُ لِلْقَضَاءِ وَهُوَ عَلَى صِفَةٍ يَخَافُ بِهَا أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالْقَضِيَّةِ صَوَابًا وَإِنْ نَزَلَ بِهِ فِي قَضَائِهِ تُرِكَ كَالْغَضَبِ وَالضَّجِرِ وَالْهَمِّ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْحَقْنِ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ الطَّعَامِ فَوْقَ مَا يَكْفِيه لَمْ يَجْلِسْ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُرِيدُ إنْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ تَغَيُّرًا قَالَ: وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» ابْنُ عَرَفَةَ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى إنَاطَةِ الْحُكْمِ بِأَعَمَّ مِنْ الْغَضَبِ وَهُوَ الْأَمْرُ الشَّاغِلُ وَإِلْغَاءُ خُصُوصِ الْغَضَبِ وَسَمُّوا هَذَا الْإِلْغَاءَ وَالِاعْتِبَارُ بِتَنْقِيحِ الْمَنَاطِ (وَمَضَى) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ حَكَمَ وَهُوَ غَضْبَانُ جَازَ حُكْمُهُ خِلَافًا لِلدَّاوُدِيِّ، وَفَرَّقَ ابْنُ حَبِيبٍ بَيْنَ الْغَضَبِ الْكَثِيرِ وَالْيَسِيرِ. (وَعَزَّرَ شَاهِدَ الزُّورِ فِي الْمَلَأِ بِنِدَاءٍ وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ وَلَا يُسَخِّمُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا ظَهَرَ الْإِمَامُ عَلَى شَاهِدِ الزُّورِ ضَرَبَهُ بِقَدْرِ رَأْيِهِ وَيُطَافُ بِهِ فِي الْمَجَالِسِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: يُرِيدُ فِي الْمَجْلِسِ الْأَعْظَمِ. ابْنُ وَهْبٍ: كَتَبَ مُحَمَّدٌ إلَى عُمَّالِهِ بِالشَّامِ: إنْ أَخَذْتُمْ شَاهِدَ زُورٍ فَاجْلِدُوهُ أَرْبَعِينَ وَسَخَّمُوا وَجْهَهُ وَطُوفُوا بِهِ حَتَّى يَعْرِفَهُ النَّاسُ وَيُطَالُ حَبْسُهُ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي إتْيَانِ سَحْنُونَ بِرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عُمَرَ مَيْلٌ مِنْهُ إلَيْهِ. وَرَوَى مُطَرِّفٌ: لَا أَرَى الْحَلْقَ وَالتَّسْخِيمَ. (ثُمَّ فِي قَبُولِهِ تَرَدُّدٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ إنْ تَابَ عِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ: ظَاهِرُ سَمَاعِ. أَبِي زَيْدٍ. إنْ عُرِفَتْ مِنْهُ تَوْبَةٌ وَإِقْبَالٌ وَتَزَيُّدٌ فِي الْخَيْرِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ خِلَافَ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ وَحَسُنَتْ حَالُهُ. وَقِيلَ: مَعْنَى السَّمَاعِ إنْ أَتَى تَائِبًا مُقِرًّا عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 116 نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ. وَمَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ اللَّخْمِيِّ سَمَاعَ. أَبِي زَيْدٍ. غَيْرَ مُعْزٍ وَكَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ. الْمُتَيْطِيُّ: لَمْ يَصْحَبْ سَمَاعَ. أَبِي زَيْدٍ. عَمَلٌ. (وَإِنْ أُدِّبَ التَّائِبُ فَأَهْلٌ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي عُقُوبَتِهِ إنْ أَتَى تَائِبًا وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ أُدِّبَ لَكَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا. وَقَالَ سَحْنُونَ: وَلَوْ عُوقِبَ لَمْ يَرْجِعْ أَحَدٌ عَنْ شَهَادَتِهِ خَوْفَ الْعُقُوبَةِ كَالْمُرْتَدِّ، يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ إنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ. وَلِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ: مَنْ سَأَلَ عَنْ إصَابَةِ أَهْلِهِ فِي رَمَضَانَ لَا يُعَاقِبُهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَاقِبْهُ. (وَمَنْ أَسَاءَ عَلَى خَصْمِهِ) ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ: إنْ شَتَمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ صَاحِبَهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ أَسْرَعَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ كَقَوْلِهِ يَا ظَالِمُ يَا فَاجِرُ فَعَلَيْهِ زَجْرُهُ وَضَرْبُهُ إلَّا ذَا مُرُوءَةٍ فِي فَلْتَةٍ مِنْهُ فَلَا يَضْرِبُهُ. (أَوْ مُفْتٍ أَوْ شَاهِدٍ) أَفْتَى ابْنُ لُبَابَةَ وَابْنُ وَلِيَدٍ وَابْنُ غَالِبٍ بِأَدَبِ مَنْ قَالَ لِلشُّهُودِ وَلِأَهْلِ الْفُتْيَا تَشْهَدُونَ عَلَيَّ وَتَفْتَرُونَ عَلَيَّ لَا أَدْرِي مَنْ أُكَلِّمُ مِنْكُمْ. وَقَالَ سَحْنُونَ: إنْ قَالَ الْخَصْمُ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَهِدْت عَلَيَّ بِزُورٍ أَوْ بِمَا يَسْأَلُك اللَّهُ عَنْهُ أَوْ مَا أَنْتَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ، لَمْ يُمَكِّنْ قَائِلُ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْفَضْلِ وَيُؤَدَّبُ الْمَعْرُوفُ بِالْإِذَايَةِ بِقَدْرِ جُرْمِهِ وَقَدْرِ الرَّجُلِ الْمُنْتَهَكِ حُرْمَتُهُ وَقَدْرِ الشَّاتِمِ فِي إذَايَةِ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَذَلِكَ مِنْهُ فَلْتَةٌ تَجَافَى عَنْهُ. (لَا بِشَهِدَتْ عَلَيَّ بِبَاطِلٍ) ابْنُ كِنَانَةَ: إنْ قَالَ شَهِدْت عَلَيَّ بِزُورٍ، إنْ عَنَى أَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِ بِبَاطِلٍ لَمْ يُعَاقَبْ، وَإِنْ قَصَدَ أَذَاهُ وَالشُّهْرَةَ بِهِ نُكِّلَ بِقَدْرِ حَالِ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. (كَلِخَصْمِهِ كَذَبْت) ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْفُقَهَاءُ لَا يَعُدُّونَ تَكْذِيبَ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ لِلْآخَرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 117 مِنْ السِّبَابِ وَلَوْ كَانَ بِصِيغَةِ كَذَبَ وَغَيْرِهَا مِنْ الصَّرِيحِ. (وَلِيُسَوِّ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ) ابْنُ عَرَفَةَ: رِوَايَاتُ الْأُمَّهَاتِ وَاضِحَةٌ فِي وُجُوبِ تَسْوِيَةِ الْقَاضِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي مَجْلِسِهِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَالنَّظَرِ إلَيْهِمَا وَالسَّمَاعِ مِنْهُمَا وَرَفْعِ صَوْتِهِ عَلَيْهِمَا (وَإِنْ مُسْلِمًا مَعَ ذِمِّيٍّ) الْمَازِرِيُّ: لَوْ كَانَ الْخَصْمَانِ مُسْلِمًا وَذِمِّيًّا فَفِي تَسْوِيَتِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ كَمُسْلِمَيْنِ وَجُعِلَ الْمُسْلِمُ أَرْفَعَ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلَانِ لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ غَيْرَ الْأَوَّلِ مَعْزُوًّا لِأَصْبَغَ. (وَقُدِّمَ الْمُسَافِرُ وَمَا يُخْشَى فَوَاتُهُ ثُمَّ السَّابِقُ) اللَّخْمِيِّ: يُقَدِّمُ الْقَاضِي الْخُصُومَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ إلَّا الْمُسَافِرَ وَمَا يُخْشَى فَوَاتُهُ (قَالَ وَإِنْ مَالَ بِحَقَّيْنِ بِلَا طُولٍ) الْمَازِرِيُّ: إذَا وَجَبَ تَقْدِيمُ الْأَسْبَقِ فَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنَّمَا يُقَدِّمُ الْأَسْبَقَ فِي خِصَامٍ وَاحِدٍ لَا فِي سَائِرِ مَطَالِبِهِ، وَهَذَا مِمَّا يَنْظُرُ فِيهِ إنْ سَبَقَ بِخَصْمَيْنِ قَدَّمَ فِي خُصُومَتِهِ فِيهِمَا مَعًا إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَطُولُ وَلَا يَضُرُّ بِالْجَمَاعَةِ الَّذِينَ بَعْدَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا غَيْرَ مَنْصُوصٍ لِأَصْحَابِنَا وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ: إذَا قُضِيَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي أَمْرٍ اخْتَصَمَا فِيهِ ثُمَّ أَخَذَ فِي حُجَّةٍ أُخْرَى فِي خُصُومَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ غَيْرُهُمَا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمَا حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّنْ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ لَا ضَرَرَ لِمَنْ حَضَرَهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا (ثُمَّ أَقْرَعَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ الْأَوَّلِ مِنْ الْخُصُومِ كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 118 بَطَائِقَ وَخُلِطَتْ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ بَدَأَ بِهِ وَذَلِكَ كَالْقُرْعَةِ بَيْنَهُمْ. (وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْرِدَ وَقْتًا أَوْ يَوْمًا لِلنِّسَاءِ) أَشْهَبُ: إنْ رَأَى أَنْ يَبْدَأَ بِالنِّسَاءِ فَذَلِكَ لَهُ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَلَا يُقَدِّمُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ مُخْتَلَطِينَ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَ لِلنِّسَاءِ يَوْمًا مَعْلُومًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَعَلَ. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُفْرِدَ لِلنِّسَاءِ يَوْمًا وَيُفَرِّقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْمَجَالِسِ. الْمَازِرِيُّ: إنْ كَانَ الْحُكْمُ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أَبْعَدَ عَنْ الْمَرْأَةِ مِنْ الْأَخْصَامِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِنْ الرِّجَالِ (كَالْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسِ) ابْنُ شَاسٍ: وَيَفْعَلُ الْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسُ عِنْدَ التَّزَاحُمِ كَذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا نَصًّا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ، إنَّمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ: وَتَخْرِيجُهَا عَلَى حُكْمِ تَزَاحُمِ الْخُصُومِ وَاضِحٌ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يُقَدِّمُ صَاحِبُ الرَّحَى أَحَدًا عَلَى غَيْرِهِ إذَا كَانَتْ سُنَّةً لِلْبَلَدِ. الْبُرْزُلِيِّ: وَعَلَى هَذَا يَأْتِي التَّقْدِيمُ فِي طَبْخِ الْخُبْزِ وَالْعَنَاءِ وَسَائِرِ الصِّنَاعِ إنْ كَانَ عُرْفًا عُمِلَ عَلَيْهِ وَإِلَّا قَدَّمَ الْآكِدَ فَالْآكِدَ. وَيُقَدِّمُ فِي الْقِرَاءَةِ مَنْ فِيهِ قَابِلِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ لِتَحْصِيلِ كَثْرَةِ الْمَنَافِعِ عَلَى قِلَّتِهَا، وَكَانَ الشَّيْخُ الْأَبِيُّ يَقُولُ: الطَّالِبُ الَّذِي لَا قَابِلِيَّةَ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ اهـ. وَفِي الْمُوَافَقَاتِ فِي الطَّالِبِ الَّذِي لَا قَابِلِيَّةَ لَهُ أَنَّ تَعَلُّقَهُ بِالتَّعْلِيمِ مِنْ بَابِ الْعَبَثِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَصْلَحَةِ الْمُجْتَلَبَةِ وَمِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ فِي حَقِّهِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ شَرْعًا، وَاَلَّذِي فِيهِ قَابِلِيَّةٌ قَدْ يَكُونُ التَّعَلُّمُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْهِ. (وَأَمَرَ مُدَّعٍ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَنْ مُصَدِّقٍ بِالْكَلَامِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُدَّعِي مَنْ عَرِيَتْ دَعْوَاهُ مِنْ مُرَجِّحٍ غَيْرِ شَهَادَةٍ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ اقْتَرَنَتْ دَعْوَاهُ بِهِ. فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ " الْمُدَّعِي مَنْ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَنْ مُصَدِّقٍ " يَبْطُلُ عَكْسُهُ بِالْمُدَّعِي وَحْدَهُ وَمَعَهُ بَيِّنَةٌ. أَشْهَبُ: إذَا جَلَسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ مَا لَكُمَا وَمَا خُصُومَتُكُمَا أَوْ يَسْكُتَ لِيَبْتَدِئَاهُ، فَإِنْ تَكَلَّمَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 119 الْمُدَّعِي أَسْكَتَ الْآخَرَ حَتَّى يَسْمَعَ حُجَّةَ الْمُدَّعِي، ثُمَّ يُسْكِتُهُ وَيَسْتَنْطِقُ الْآخَرَ وَيَتَرَبَّصُ بِهِ حَتَّى يَفْهَمَ عَنْهُ وَلَا يَبْتَدِئُ أَحَدَهُمَا فَيَقُولُ مَا تَقُولُ أَوْ مَالَك إلَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ الْمُدَّعِي. وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ أَيُّكُمَا الْمُدَّعِي. فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا وَسَكَتَ الْآخَرُ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ دَعْوَاهُ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ حَتَّى يُقِرَّ خَصْمُهُ بِذَلِكَ (وَإِلَّا فَالْجَالِبُ) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الْمُدَّعِي، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا جَلَبَ الْآخَرَ فَالْجَالِبُ الْمُدَّعِي (وَإِلَّا أَقْرَعَ) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَإِنْ لَمْ يَدْرِ الْجَالِبَ بَدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ضَعِيفًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ، وَإِنْ بَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقًا بِالْآخَرِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا. (فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ قَالَ وَكَذَا شَيْءٌ وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ كَأَنْ ظَنَّ أَوْ شَكَّ) ابْنُ شَاسٍ: فِي الدَّعْوَى الْمَسْمُوعَةِ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً صَحِيحَةً، فَلَوْ قَالَ مِمَّا عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يَقْبَلْ دَعْوَاهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا نَقْلُ الشَّيْخِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ قَالَ: وَعِنْدِي لَوْ قَالَ الطَّالِبُ أَتَيَقَّنُ عِمَارَةَ ذِمَّةِ الْمَطْلُوبِ بِشَيْءٍ أَجْهَلُ مَبْلَغَهُ وَأُرِيدُ جَوَابَهُ بِذِكْرِهِ مُفَصَّلًا أَوْ إنْكَارِهِ جُمْلَةً لَزِمَهُ الْجَوَابُ. ابْنُ شَاسٍ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَظُنُّ أَنَّ لِي عَلَيْك شَيْئًا يَعْنِي فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ أَيْضًا. ابْنُ عَرَفَةَ: فَاخْتَصَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ " وَشَرْطُ الْمُدَّعِي أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مُحَقَّقًا " فَقَبِلَهُ شَارِحَاهُ وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ خِلَافًا. وَسُمِعَ الْقَرِينَانِ: مَنْ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَطَلَبَتْ صَدَاقَهَا حَلَفَ الْوَرَثَةُ مَا نَعْلَمُ بَقِيَ عَلَيْهِ صَدَاقٌ. ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ نَكَلُوا عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ صَدَاقَهَا وَاسْتَوْجَبَتْهُ لَا عَلَى أَنَّ الْوَرَثَةَ عَلِمُوا أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْهُ فَرَجَعَتْ هَذِهِ الْيَمِينُ عَلَى غَيْرِ مَا نَكَلَ عَنْهُ الْوَرَثَةُ وَلَهَا نَظَائِرُ. وَيُخْتَلَفُ فِي تَوَجُّهِ هَذِهِ الْيَمِينِ إذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ عَلَى الْوَرَثَةِ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ، وَانْظُرْ فِي الصُّلْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يَحِلُّ لِظَالِمٍ ". (وَكَفَاهُ بِعْتُ وَتَزَوَّجْتُ وَحُمِلَ عَلَى الصَّحِيحِ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا ادَّعَى فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا صَحِيحًا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ بِوَلِيٍّ وَبِرِضَاهَا بَلْ وَلَوْ أَطْلَقَ سُمِعَ أَيْضًا. وَكَذَا فِي الْبَيْعِ بَلْ وَلَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 120 قَالَ هَذِهِ زَوْجَتِي لَكَفَاهُ الْإِطْلَاقُ. (وَإِلَّا فَلْيَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنْ السَّبَبِ) الْمَازِرِيُّ: إذَا نَظَرَ الْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ وَادَّعَى أَمْرًا مَجْهُولًا فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِفْسَارِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَارِثٍ: يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلطَّالِبِ مِنْ أَيْنَ وَجَبَ لَك مَا ادَّعَيْت، فَإِنْ قَالَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ سَلَفٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ تَعَدٍّ وَشَبَهِهِ لَمْ يُكَلِّفْهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكْشِفْ الْقَاضِي عَنْ وَجْهِ ذَلِكَ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ وَجَبَ صَارَ كَالْخَابِطِ عَشْوَاءَ إذْ لَا يُؤْمَنُ أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 121 يَكُونَ الْحَقُّ إنَّمَا يَدَّعِيه مُدَّعِيه مِنْ وَجْهٍ لَا يَجِبُ بِهِ حَقٌّ إذَا فَسَّرَهُ. (ثُمَّ مُدَّعًى عَلَيْهِ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِمَعْهُودٍ أَوْ أَصْلٍ) ابْنُ شَاسٍ: الْمُدَّعِي مَنْ تَجَرَّدَتْ دَعْوَاهُ عَنْ أَمْرٍ يُصَدِّقُهُ أَوْ كَانَ أَضْعَفَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ أَمْرًا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الصِّدْقِ وَاقْتَرَنَ بِهَا مَا يُوهِنُهَا عَادَةً، وَذَلِكَ كَالْخَارِجِ عَنْ مَعْهُودٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الصِّدْقِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 122 وَالْمُخَالِفُ لِأَصْلٍ وَشَبَهُ ذَلِكَ، وَمَنْ تَرَجَّحَ جَانِبُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِجَوَابِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: إذَا ذَكَرَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَمَرَ الْقَاضِي خَصْمَهُ بِجَوَابِهِ إنْ اسْتَحَقَّتْ الدَّعْوَى جَوَابًا وَإِلَّا فَلَا، رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (إنْ خَالَطَهُ) اللَّخْمِيِّ: مِنْ ادَّعَى قَبْلَ رَجُلٍ دَعْوَى فَأَنْكَرَهُ لَمْ يَحْلِفْ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى إلَّا بِمَا يَنْضَافُ إلَيْهَا مِنْ خُلْطَةٍ وَشَبَهِهِ أَوْ دَلِيلٍ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُدَّعَى فِيهِ. (بِدَيْنٍ) الْبَاجِيُّ: الدَّعَاوَى الَّتِي تُعْتَبَرُ فِيهَا الْخُلْطَةُ هِيَ الْمُدَايَنَةُ، وَمَنْ ادَّعَى ثَوْبًا بِيَدِ إنْسَانٍ إنَّهُ لَهُ فَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. ابْنُ زَرْقُونٍ: لِأَنَّهَا دَعْوَى فِي مُعَيَّنٍ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: لَا يُحْلَفُ عَلَى دَعْوَى الْمُعَيَّنَاتِ إلَّا بِلَطْخٍ أَوْ شُبْهَةٍ. الْمُتَيْطِيُّ: ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ، وَقَضَى بِذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْمَشْيَخَةُ السَّبْعَةُ. (أَوْ تَكَرُّرِ بَيْعٍ) الْمَازِرِيُّ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَغَيْرُ الْخُلْطَةِ أَنْ يَبِيعَ إنْسَانٌ إنْسَانًا بِالدَّيْنِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِالْعَقْدِ مِرَارًا. قَالَ ابْنُ سَلْمُونَ: وَإِذَا لَمْ تَقَعْ مُفَاصَلَةٌ بَيْنَ الْمُتَعَامِلَيْنِ وَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ غَابَ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَقِيَ قِبَلَهُ مِنْ سَبَبِ تَعَامُلِهِمَا وَأَشْبَهَ مَا ادَّعَاهُ، فَرَأَى الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ يَثْبُتُ ذَلِكَ وَيَحْلِفُ عَلَى مَا يَدَّعِيه وَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ. اُنْظُرْ فِي فَصْلِ الصُّلْحِ مِنْهُ. وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا قَالَ كُنْت أُعَامِلُ فُلَانًا فَمَا ادَّعَى عَلَيَّ فَأَعْطَوْهُ قَالَ: يُصَدَّقُ فِي مُعَامَلَةِ مِثْلِهِ وَأَرَاهُ ذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَإِنْ ادَّعَى مَا لَا يُشْبِهُ بَطَلَتْ دَعْوَاهُ مِنْ الْوَصَايَا مِنْ ابْنِ سَلْمُونَ. (وَإِنْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ) ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي بِالْخُلْطَةِ شَاهِدًا حَلَفَ وَثَبَتَتْ الْخُلْطَةُ ثُمَّ يَحْلِفُ حِينَئِذٍ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تُوجِبُ الْيَمِينَ أَنَّهُ خُلْطَةٌ. (لَا بِبَيِّنَةٍ جُرِّحَتْ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَقَامَ شُهُودًا عُدُولًا عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ فَأَقَامَ الرَّجُلُ بَيِّنَةً أَنَّهُمْ مُعَادُونَ لَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 124 فَسَقَطَتْ شَهَادَتُهُمْ فَهُمْ كَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنْ لَا يَحْلِفَ، وَكَذَلِكَ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ. (إلَّا الصَّانِعَ وَالْمُتَّهَمَ) أَصْبَغُ: سَبْعَةٌ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْيَمِينُ دُونَ خُلْطَةٍ: الصَّانِعُ، وَالْمُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ عِنْدَ مَوْتِهِ لِي عِنْدَ فُلَانٍ دَيْنٌ، وَالرَّجُلُ يَمْرَضُ فِي الرُّفْقَةِ فَيَدَّعِي أَنَّهُ دَفَعَ مَالَهُ لِرَجُلٍ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَدْلًا وَكَذَلِكَ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ غَرِيبٌ نَزَلَ فِي مَدِينَةٍ أَنَّهُ اسْتَوْدَعَهُ مَالًا. ابْنُ عَرَفَةَ: نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ الْخَمْسَةَ غَيْرَ مَعْزُوَّةٍ كَأَنَّهَا الْمَذْهَبُ. الْبَاجِيُّ: وَمِثْلُ الصَّانِعِ تُجَّارُ السُّوقِ لِأَنَّهُمْ نَصَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِلنَّاسِ. مِنْ عَدَمِ الْمُسَامَحَةِ وَالتَّشَاحِّ مَا لَا يُتْرَكُ فِيهِ الْحَقُّ هَذِهِ الْمُدَّةَ فَيَكُونُ لِذَلِكَ الزَّمَانِ الْإِسْقَاطُ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا لِلْمَازِرِيِّ فِيمَنْ طَلَبَ رَهْنًا زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ فِي حَقٍّ قِبَلَهُ مُنْذُ عَشْرَةِ أَعْوَامٍ. فَأَجَابَ: إنْ كَانَ مِثْلُ هَذَا لَا يَسْكُتُ عَنْ طَلَبِ مَا ذَكَرَ طُولَ هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَسْقُطُ، وَأَجَابَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ ادَّعَى عَقَارًا بِيَدِ غَيْرِهِ لَا يَسْأَلُ الْمَطْلُوبُ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ. قَالَ ابْنُ لُبٍّ: عُقُودُ الْأُصُولِ لَا تُوجِبُ اسْتِحْقَاقًا مِنْ يَدِ مِنْ الشَّيْءِ بِيَدِهِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ. (وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ الدُّورُ مِنْ غَيْرِهَا فِي الْأَجْنَبِيِّ فَفِي الدَّابَّةِ وَأَمَةِ الْخِدْمَةِ السَّنَتَانِ وَيُزَادُ فِي عَبْدٍ وَعَرْضٍ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا فَرْقَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 125 فِي مُدَّةِ حِيَازَةِ الْوَارِثِ لِوَرَثَتِهِ بَيْنَ الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ وَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ ذَلِكَ فِي حِيَازَةِ الْأَجْنَبِيِّ مَالَ الْأَجْنَبِيِّ بِالِاعْتِمَارِ وَالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ فِي الْأُصُولِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالرُّكُوبِ وَاللِّبَاسِ فِي الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ. فَقَالَ أَصْبَغُ: إنَّ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فِي الثِّيَابِ حِيَازَةٌ إذَا كَانَتْ نَفْعَ هَاتِ قِرْطَاسَك أَكْتُبُ لَك فِيهِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُ ذَلِكَ. (وَإِنَّ أَنْكَرَ قَالَ أَلَكَ بَيِّنَةٌ فَإِنْ نَفَاهَا وَاسْتَخْلَفَهُ فَلَا بَيِّنَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 127 إلَّا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ) الْمَازِرِيُّ: الْأَصْلُ أَنَّ الْقَاضِي لَا يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ الْمُدَّعِي. ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ ثَلَاثِينَ دِينَارًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَاسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي فَقَالَ الطَّالِبُ: لَمْ آذَنْ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ وَلَمْ أَرْضَ بِهَا، فَلَا بُدَّ أَنْ تُعَادَ هَذِهِ الْيَمِينُ. فَأَمَرَ الْقَاضِي غُلَامَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ الْمَطْلُوبِ مِنْ مَالِهِ الثَّلَاثِينَ دِينَارًا كَرَاهَةَ أَنْ يُكَلِّفَهُ إعَادَةَ يَمِينٍ قَضَى عَلَيْهِ بِهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: فَإِذَا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ وَجَدَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهَا قَضَى لَهُ بِهَا. قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِهَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ اسْتَحْلَفَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِبَيِّنَةٍ تَارِكًا لَهَا وَهِيَ حَاضِرَةٌ أَوْ غَائِبَةٌ، فَلَا حَقَّ لَهُ وَإِنْ قُدِّمَتْ بَيِّنَةٌ. وَقِيلَ: إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى بِهَا لِيَهُودِيٍّ وَقَالَ: الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ اسْتَحْلَفَهُ وَلَهُ بَيِّنَةٌ يَعْلَمُهَا لَمْ تُسْمَعْ ". (أَوْ وَجَدَ ثَانِيًا أَوْ مَعَ يَمِينٍ لَمْ يَرَهُ الْأَوَّلُ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَإِنَّمَا هُوَ فَرْعٌ وَاحِدٌ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَجْهُ الْحُكْمِ فِي الْقَضَاءِ إذَا أَدْلَى الْخَصْمَانِ بِحُجَّتِهِمَا فَفَهِمَ الْقَاضِي عَنْهُمَا وَأَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا أَنْ يَقُولَ لَهُمَا أَبْقَيْت لَكُمَا حُجَّةً، فَإِنْ قَالَا لَا حُكْمَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ حُجَّةٌ بَعْدَ إنْفَاذِ حُكْمِهِ. وَلَوْ قَالَ لَهُ بَقِيَتْ لِي حُجَّةٌ أَمْهَلَهُ؛ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ حَكَمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَتَيَا بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّ نَقْضَ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَأْتِيَا بِأَمْرٍ يَرَى أَنَّ لِذَلِكَ وَجْهًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مِثْلُ أَنْ يَأْتِيَ بِشَاهِدٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَقْضِي بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَقَالَ الْخَصْمُ لَا أَعْلَمُ لِي شَاهِدًا آخَرَ فَحَكَمَ عَلَيْهِ الْقَاضِي ثُمَّ وَجَدَ شَاهِدًا آخَرَ بَعْدَ الْحُكْمِ فَلْيَقْضِ بِهَذَا الْآخَرِ. وَمِثْلُ أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ. (وَلَهُ يَمِينُهُ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ أَوَّلًا وَكَذَا أَنَّهُ عَالِمٌ بِفِسْقِ شُهُودِهِ) الْمَازِرِيُّ: وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الْمُدَّعِي إذَا طَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَالَ قَدْ كُنْت اسْتَحْلَفْتنِي فَاحْلِفْ لِي عَلَى ذَلِكَ؛ فَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ وَجَبَ أَنْ يَحْلِفَ مَنْ قَامَ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ عُدُولٍ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِفِسْقِهِمْ وَلَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ إذَا قَالَ لَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ إنَّمَا أَعْلَمُ بِعِلْمِك بِفِسْقِ شُهُودِك، وَكَذَا إنْ قَالَ لَهُ احْلِفْ لِي عَلَى أَنَّك لَمْ تَسْتَحْلِفْنِي عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى فِيمَا مَضَى لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ يَمِينًا ثَانِيَةً، وَبِهَذَا مَضَى الْقَضَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَالْفُتْيَا عِنْدَنَا أَنْ يَلْزَمَ الْمُدَّعِي الْيَمِينُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ مَا اسْتَحْلَفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ أَنَّهُ قَدْ اسْتَحْلَفَهُ عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى، ثُمَّ لَا يَحْلِفُ مَرَّةً أُخْرَى. (وَأَعْذَرَ بِأَبْقَيْتُ لَك حُجَّةٌ) الْمُتَيْطِيُّ: الْإِعْذَارُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْعُذْرِ. يُقَالُ أَعْذَرَ الرَّجُلُ أَيْ أَتَى بِعُذْرٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 130 صَحِيحٍ، وَمِنْهُ الْمَثَلُ " مَنْ أَنْذَرَ فَقَدْ أَعْذَرَ " أَيْ بَالَغَ فِي الْعُذْرِ مَنْ تَقَدَّمَ إلَيْك فَأَنْذَرَك، وَمِنْهُ أَعْذَرَ الْقَاضِي إلَى مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي الشُّهُودِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ وَجَدَ ثَانِيًا " قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ " يَقُولُ لَهُمَا أَبَقِيَتْ لَكُمَا حُجَّةٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 131 (وَنُدِبَ تَوْجِيهُ مُتَعَدِّدٍ فِيهِ) الْمُتَيْطِيُّ: لَا يُنَفِّذُ الْقَاضِي حُكْمَهُ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يَعْذِرَ إلَيْهِ بِرَجُلَيْنِ، وَإِنْ أَعْذَرَ بِوَاحِدٍ أَخْبَرَاهُ عَلَى مَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُنَيْسُ إذْ قَالَ لَهُ: «اُغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» (إلَّا لِشَاهِدٍ بِمَا فِي الْمَجْلِسِ وَمُوَجِّهُهُ وَمُزَكِّي السِّرِّ وَالْمُبْرِزِ بِغَيْرِ عَدَاوَةٍ وَمَنْ يُخْشَى مِنْهُ) أَمَّا الْفَرْعُ الْأَوَّلُ فَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ: مَا انْعَقَدَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي بِمَا أَقَرَّ لَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا إعْذَارَ فِيهِ. وَقَدْ أَسْقَطَ مَالِكٌ الْإِعْذَارَ فِيمَنْ عَدَلَ عِنْدَ الْقَاضِي، فَكَيْفَ بِهِ فِيمَنْ هُوَ عِنْدَهُ عَدْلٌ وَشَهِدَ عِنْدَهُ بِمَا سَمِعَ فِي مَجْلِسِهِ. وَأَمَّا أَنَّهُ لَا إعْذَارَ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي فَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: لَا إعْذَارَ فِيمَنْ يُوَجِّهُهُ الْحَاكِمُ قِبَلَ نَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَاتٍ: لَا إعْذَارَ فِيمَنْ يُوَجِّهُهُ الْحَاكِمُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَاتٍ: لَا إعْذَارَ فِيمَنْ وُجِّهَ لِلْإِعْذَارِ. قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ: لَا إعْذَارَ فِيمَنْ أَعْذَرَ بِهِ إلَى مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مِنْ امْرَأَةٍ لَا تَخْرُجُ أَوْ مَرِيضٍ كَذَلِكَ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَا إعْذَارَ فِي مُزَكِّي السِّرِّ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ تَعْدِيلُ السِّرِّ يَفْتَرِقُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ أَنَّهُ لَا إعْذَارَ فِيهِ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَا إعْذَارَ فِي الْمُبْرِزِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: يُسْمَعُ الْجَرْحُ فِي الْمُتَوَسِّطِ الْعَدَالَةِ مُطْلَقًا. وَفِي الْمُبْرِزِ: تَجْرِيحُ الْعَدَاوَةِ أَوْ الْقَرَابَةِ وَشَبَهِهَا. وَأَمَّا أَنَّهُ لَا إعْذَارَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يُخْشَى مِنْهُ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: مِنْ حَقِّ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ لَهُ أَنْ يَعْلَمَا بِالْجَرْحِ إذْ قَدْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَرَابَةٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ التَّجْرِيحَ وَيَخْتَلِفُ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ لَهُ مِمَّنْ يَتَّقِي شَرَّهُ. (وَأَنْظَرَهُ لَهَا بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ حَكَمَ كَنَفْيِهَا) ابْنُ رُشْدٍ: ضَرْبُ الْأَجَلِ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فِيمَا يَدَّعِيه مِنْ بَيِّنَةٍ مَصْرُوفٌ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُ، وَتَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: يَقُولُ لَهُمَا أَبَقِيَتْ لَكُمَا حُجَّةٌ فَإِنْ قَالَا لَا حَكَمَ بَيْنَهُمَا. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ وَجَدَ ثَانِيًا ". (وَلْيُجِبْ عَنْ الْمُجَرِّحِ) اللَّخْمِيِّ: يُسْتَحَبُّ كَوْنُ التَّجْرِيحِ سِرًّا لِأَنَّ فِي إعْلَانِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 132 أَذًى لِلشَّاهِدِ، وَمِنْ حَدِّ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ لَهُ أَنْ يَعْلَمَا بِالْمُجَرِّحِ. اُنْظُرْ فِي الْفَرْعِ قَبْلَ هَذَا. (وَيُعَجِّزُهُ إلَّا فِي دَمٍ وَحَبْسٍ وَعِتْقٍ وَنَسَبٍ وَطَلَاقٍ) الْجَزِيرِيُّ: إذَا انْصَرَمَتْ الْآجَالُ وَعَجَزَ الطَّالِبُ عَجَّزَهُ الْقَاضِي وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ وَيَصِحُّ التَّعْجِيزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَدَّعِي فِيهِ إلَّا فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الدِّمَاءِ وَالْأَحْبَاسِ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ، فَإِنْ قَضَى عَلَى الْقَائِمِ بِإِسْقَاطِ دَعْوَاهُ حِينَ لَمْ يَجِدْ بَيِّنَةً مِنْ غَيْرِ تَعْجِيزِهِ ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا وَيَجِبُ الْقَضَاءُ لَهُ (وَكَتَبَهُ) مِنْ الْمُفِيدِ: حَقٌّ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ التَّعْجِيزَ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا يَنْظُرُ لَهُ هُوَ وَلَا مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ إنْ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ تُثْبِتُ مَا عَجَزَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْعِتْقَ وَمَا ذَكَرَ مَعَهُ. (وَإِنْ لَمْ يَجِبْ حُبِسَ وَأُدِّبَ ثُمَّ حَكَمَ بِلَا يَمِينٍ) اللَّخْمِيِّ: إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ دَعْوَى فَلَمْ يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرْ فَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ دَارٌ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا لِابْنِهِ وَلِجَدِّهِ فَسُئِلَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ حَكَمَ عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي بِلَا يَمِينٍ. (وَلِمُدَّعًى عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ وَقَبْلَ نِسْيَانِهِ بِلَا يَمِينٍ) أَشْهَبُ: لَوْ سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ طَالِبَهُ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ يَدَّعِي عَلَيْهِ هَذَا الْمَالَ فَقَالَ: تَقَدَّمَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُخَالَطَةٌ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ حَتَّى يُسَمِّيَ الْمُدَّعِي السَّبَبَ الَّذِي كَانَ لَهُ الْحَقُّ. وَمِثْلُ هَذَا فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ. وَزَادَ ابْنُ أَبِي الطَّالِبِ: أَنْ يُخْبَرَ بِالسَّبَبِ، فَإِنْ قَالَ لِأَنِّي لَمْ أَذْكُرْ وَجْهَ ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَلَا يُقْضَى عَلَى دَعْوَاهُ. وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ بِلَفْظِ أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبَ دَعْوَاهُ وَادَّعَى نِسْيَانَهُ قُبِلَ مِنْهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَأُلْزِمَ الْمَطْلُوبُ أَنْ يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي هَذَا نَظَرٌ رَاجِعْهُ فِيهِ. (وَإِنْ أَنْكَرَ الْمَطْلُوبُ الْمُعَامَلَةَ فَالْبَيِّنَةُ ثُمَّ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةٌ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 133 اُنْظُرْ فِي الْوَدِيعَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَجْحَدُهَا " ثُمَّ فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الرَّدِّ خِلَافٌ. وَمِنْ الْمُتَيْطِيِّ: إذَا تَرَافَعَا إلَيْهِ عُقِدَتْ فِي ذَلِكَ أَشْهَدَ الْقَاضِي عَلَيْهِ إلَيَّ فَادَّعَى مُدَفِّعًا أَجَلَهُ بِسَبَبِهِ فَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ يُعْجِزُهُ وَشَاوَرَ أَهْلَ الْعِلْمِ وَقَالَ إنْ نَوَى أَنْ تَشْهَدَ عَلَى تَعْجِيزِك لِفُلَانٍ وَعَلَى الْمُوَكِّلِينَ لَهُ وَأَنْ تَعُودَ الدَّارُ مِيرَاثًا لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ، وَلَيْسَ إنْكَارُ خَصْمِهِمْ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ الْمَذْكُورَةُ صَارَتْ إلَيْهِمْ بِسَبَبِ الْمُتَوَفَّى تُخْرِجُهُمْ عَنْ حِصَصِهِمْ مِنْهَا بِالْمِيرَاثِ لِأَنَّ الطَّالِبَ لَهُمْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ بِاشْتِرَاكِهِمْ أَجْمَعِينَ فِيهَا بِسَبَبِ الْمِيرَاثِ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ إنْكَارُهُمْ عَلَى التَّعْنِيتِ لِلطَّالِبِ. ثُمَّ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَقَوْلُنَا يَعْنِي فِي هَذَا التَّسْجِيلِ حِكَايَةً عَنْ الْمُفْتِينَ وَلَيْسَ إنْكَارُ خَصْمِهِمْ إلَخْ. هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: وَعَلَى ذَلِكَ جَرَتْ الْأَحْكَامُ. وَرَوَى حُسَيْنٌ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُمْ إذَا أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَارَ إلَيْهِمْ بِسَبَبِ الْمُتَوَفَّى، فَلَمَّا ثَبَتَ الْأَصْلُ لِلْمُتَوَفَّى اسْتَظْهَرُوا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَارَ إلَيْهِمْ بِسَبَبٍ إمَّا بِصَدَقَةٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُمْ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَكَذَبُوا بَيِّنَتَهُمْ. قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: وَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّ مَنْ أَكْذَبَ بَيِّنَةً فَقَدْ أَسْقَطَهَا وَمَنْ أَوْجَبَ لَهُ السَّمَاعَ مِنْهَا بَعْدَ تَكْذِيبِهِ إيَّاهَا فَقَدْ فَتَحَ بَابَ التَّعْنِيتِ وَالتَّشْغِيبِ وَأَعَانَ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَأَمَّا لَوْ أَنْكَرَ الْمُعَامَلَةَ فَأَثْبَتهَا الطَّالِبُ فَاسْتَظْهَرَ الْمَطْلُوبَ بِالْبَرَاءَةِ بِدَفْعِهِ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ بَيِّنَةٌ بَعْدَ إنْكَارِ الْمُعَامَلَةِ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ. وَرَوَى حُسَيْنٌ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ تَنْفَعُهُ الْبَرَاءَةُ وَلَا يَضُرُّهُ إنْكَارُ الْمُعَامَلَةِ، وَأَمَّا إنْ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ فَلَمَّا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِسَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ جَاءَ بِالْبَرَاءَةِ أَوْ شُهُودٍ عَلَى الدَّفْعِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ ذَلِكَ الْحَقُّ عَنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا. (وَكُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا وَلَا تُرَدُّ كَنِكَاحٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: كُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا وَلَا تُرَدُّ كَقَتْلِ الْعَمْدِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَالرَّجْعَةِ. (وَأَمَرَ بِالصُّلْحِ ذَوِي الْفَضْلِ وَالرَّحِمِ كَأَنْ خَشِيَ تَفَاقُمَ الْأَمْرِ) اللَّخْمِيِّ: لَا يَدْعُو إلَى الصُّلْحِ إذَا تَبَيَّنَ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَرَى لِذَلِكَ وَجْهًا قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا أَشْكَلَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقِفُ وَلَا يَحْكُمُ، وَكَذَلِكَ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ مَتَى أَوْقَع الْحُكْمَ تَفَاقَمَ الْأَمْرُ بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ وَعَظُمَ الْأَمْرُ وَخُشِيَتْ الْفِتْنَةُ وَيَنْدُبُ أَهْلَ الْفَضْلِ إلَى تَرْكِ الْخُصُومَاتِ. قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: كَانَ أَبِي رُبَّمَا رَدَّ الْخَصْمَيْنِ إلَّا مَنْ عُرِفَ بِالصِّحَّةِ وَالْأَمَانَةِ فَيَقُولُ لَهُمَا اذْهَبَا إلَى فُلَانٍ يُصْلِحُ بَيْنَكُمَا، فَإِنْ اصْطَلَحْتُمَا وَإِلَّا رَجَعْتُمَا إلَيَّ وَتَرَافَعَ إلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَبَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 134 أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا وَقَالَ لَهُمَا اُسْتُرَا عَلَى أَنْفُسِكُمَا وَلَا تُطْلِعَانِي مِنْ أَمْرِكُمَا عَلَى مَا قَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمَا، وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رَدِّدُوا الْحُكْمَ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ حَتَّى يَصْطَلِحُوا فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُورِثُ الضَّغَائِنَ: اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا بَيْنَ الْأَقَارِبِ حَسَنٌ. وَإِنْ تَبَيَّنَ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا قَالَ سَحْنُونَ: وَإِذَا كَانَتْ شُبْهَةٌ وَأَشْكَلَ الْأَمْرُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِالصُّلْحِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ: لَوْ اصْطَلَحَا. (وَلَا يَحْكُمُ لِمَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي صِحَّةِ حُكْمِهِ لِمَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ وَنَحْوُهُ لِمُطَرِّفٍ. اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 135 أَحْسَنُ لِأَنَّ الظِّنَّةَ تَلْحَقُ فِي ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ وَهَذَا فِي الْمَالِ. قَالَ أَشْهَبُ: فَإِنْ أَخَذَ الْقَاضِي مَنْ سَرَقَهُ فَلَهُ قَطْعُهُ وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِالْإِقْرَارِ عَلَى مَنْ انْتَهَبَ مَالَهُ وَيُعَاقِبَهُ لِقَطْعِ أَبِي بَكْرٍ يَدَ الْأَقْطَعِ الَّذِي سَرَقَ عَقْدَ زَوْجَتِهِ أَسْمَاءَ لَمَّا اعْتَرَفَ بِسَرِقَتِهِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: فَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي فَأَقَامَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْقَاضِي عَدُوٌّ لَهُ فَلَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ. (وَنُبِذَ حُكْمُ جَائِرٍ) ابْنُ رُشْدٍ: الْقَاضِي الْجَائِرُ تُرَدُّ أَحْكَامُهُ دُونَ تَصَفُّحٍ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَقِيمَةً فِي ظَاهِرِهَا إلَّا أَنْ يُثْبِتَ صِحَّةَ بَاطِنِهَا. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالْحَدْسِ وَالتَّخْمِينِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهُوَ فِسْقٌ يُرِيدُ وَإِنْ صَادَفَ الْحَقَّ فَالْمَشْهُورُ الْفَسْخُ اهـ. وَانْظُرْ فِي الِاجْتِهَادِ عِنْدَ قَوْلِهِ " إلَّا لِتَأَوُّلٍ عَلَى الْأَحْسَنِ " أَنَّ الْجَاهِلَ لَا يُعْذَرُ بِمُوَافَقَتِهِ لِلْفِقْهِ. وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: إنْ حَكَمَ بِالظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى الِاجْتِهَادِ فِي الْأَدِلَّةِ فَذَلِكَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالتَّخْمِينِ فِسْقٌ وَظُلْمٌ وَخِلَافُ الْحَقِّ، وَيُفْسَخُ هَذَا الْحُكْمُ وَغَيْرُهُ إذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْغَيْرِ أَنَّهُ عَلَى هَذَا حَكَمَ. (أَوْ جَاهِلٍ لَمْ يُشَاوِرْ) الْمُتَيْطِيُّ: الْقَاضِي الْعَدْلُ الْجَاهِلُ الَّذِي عُرِفَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشَاوِرُ فَلِلْقَاضِي الْوَالِي بَعْدَهُ أَنْ يَتَصَفَّحَ أَحْكَامَهُ؛ فَمَا أَلْفَى مِنْهَا مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ نَفَّذَهُ، وَمَا أَلْفَى مِنْهَا مُخَالِفًا لِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي بَلَدِهِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ وَافَقَ حُكْمَهُ قَوْلَ قَائِلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ لَا يُعْمَلُ بِهِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ بِذَلِكَ وَلَا يَفْسَخُهُ، وَمَا لَمْ يُصَادِفْ فِيهِ قَوْلَ قَائِلٍ نَقَضَهُ وَلَمْ يُنَفِّذْهُ (وَإِلَّا تُعُقِّبَ وَمَضَى غَيْرُ الْجَوْرِ) ابْنُ رُشْدٍ: الْقَاضِي الْعَدْلُ تُتَصَفَّحُ أَحْكَامُهُ؛ فَمَا هُوَ صَوَابٌ أَوْ خَطَأٌ فِيهِ خِلَافٌ أُنْفِذَ، وَمَا هُوَ خَطَأٌ لَا خِلَافَ فِيهِ رُدَّ. ابْنُ رُشْدٍ: وَيُخْتَلَفُ فِي أَحْكَامِ الْقُضَاةِ الَّذِينَ لَا تُرْضَى أَحْوَالُهُمْ وَلَمْ يَعْلَمُوا بِالْجَوْرِ فِي أَحْكَامِهِمْ وَفِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْبِدَعِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ: هِيَ كَأَحْكَامِ الْجَائِرِ لَا يَمْضِي إلَّا مَا عُلِمَ صِحَّةُ بَاطِنِهِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: كَأَحْكَامِ الْعَدْلِ الْجَاهِلِ يَمْضِي مِنْهَا مَا كَانَ صَحِيحًا فِي الظَّاهِرِ. (وَلَا يُتَعَقَّبُ حُكْمُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ) ابْنُ رُشْدٍ: الْقَاضِي الْعَدْلُ الْعَالِمُ لَا تُتَصَفَّحُ أَحْكَامُهُ وَلَا يُنْظَرُ فِيهَا إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيرِ لَهَا إنْ اُحْتِيجَ إلَى النَّظَرِ إلَيْهَا لِعَارِضِ خُصُومَةٍ أَوْ اخْتِلَافٍ فِي حَدٍّ لَا عَلَى وَجْهِ الْكَشْفِ وَالتَّعَقُّبِ لَهَا إنْ سَأَلَ ذَلِكَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فَتُنَفَّذُ كُلُّهَا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ شَيْءٌ مِنْهَا عِنْدَ النَّظَرِ إلَيْهَا عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ أَنَّهُ خَطَأٌ ظَاهِرٌ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ فَلْيُرَدَّ ذَلِكَ. (وَنَقَضَ وَبَيَّنَ السَّبَبَ مُطْلَقًا) أَمَّا حُكْمُ نَفْسِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ، هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ السَّبَبَ بِخِلَافِ حُكْمِ غَيْرِهِ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ ضَرَرَ فَسْخِهِ؟ قَالَ مُطَرِّفٌ: فَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِفَسْخِ قَضِيَّةِ نَفْسِهِ وَلَا فَسَّرَ وَجْهَ فَسْخِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِفَسْخٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إشْهَادُهُ عَلَى الْفَسْخِ يَكْفِيه. قَالَ أَصْبَغُ: وَإِنَّمَا الْفَسْخُ الَّذِي لَا يَكُونُ شَيْئًا حَتَّى يُخَلِّصَ مَا رَدَّ بِهِ الْقَضِيَّةَ إذَا فَسَخَ حُكْمَ غَيْرِهِ. (مَا خَالَفَ قَاطِعًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 137 أَوْ جَلِيَّ قِيَاسٍ) اُنْظُرْ مَا تَقَدَّمَ لِلْمُتَيْطِيِّ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَإِلَّا تُعُقِّبَ " قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا تُتَعَقَّبُ أَحْكَامُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ وَلَا يُنْقَضُ مِنْهَا إلَّا مَا خَالَفَ قَاطِعًا، الْمَازِرِيُّ: وَيُحْمَلُ رَدُّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَاءَ شُرَيْحٍ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا حَفِظَ خَبَرَ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا. (كَاسْتِسْعَاءِ مُعْتَقٍ بَعْضُهُ وَشُفْعَةِ جَارٍ) ابْنُ الْمَاجِشُونِ: مِنْ الْخَطَأِ الَّذِي يُنْقَضُ بِهِ حُكْمُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ بِاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ لِعِتْقِ بَعْضِهِ وَبِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَتَوْرِيثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَالْمَوْلَى الْأَسْفَلِ وَشَبَهِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لِمَا ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ هَذِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يُرَى النَّقْضُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَطْعِيٍّ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ بَعِيدٌ لِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ ثَبَتَ بِهِ حَدِيثٌ. وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ: إذَا قَضَى بِخِلَافِ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا نُقِضَ قَضَاؤُهُ مِثْلُ الْقَضَاءِ لِذَوِي الْأَرْحَامِ بِالْمِيرَاثِ وَالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ. أَبُو عُمَرَ: مَا قَالَ هَذَا غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ (وَحُكْمٍ عَلَى عَدُوٍّ) ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا أَقَامَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بَيِّنَةَ أَنَّ الْقَاضِي عَدُوٌّ لَهُ فَلَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ (أَوْ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ وَمِيرَاثِ ذِي رَحِمٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ أَبِي عِمْرَانَ " هَذَا لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ " (أَوْ مَوْلَى أَسْفَلَ) تَقَدَّمَ هَذَا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ (أَوْ بِعِلْمٍ سَبَقَ مَجْلِسَهُ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ. اللَّخْمِيِّ: لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يَلِي الْقَضَاءَ وَلَا بَعْدَ أَنْ وَلِيَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَقَبْلَ أَنْ يَتَحَاكَمَا إلَيْهِ أَوْ يَجْلِسَا لِلْحُكُومَةِ مِثْلُ أَنْ يَسْمَعَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا يُقِرُّ لِلْآخَرِ، فَلَمَّا تَقَدَّمَا لِلْحُكُومَةِ أَنْكَرَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ شَاهِدٌ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ إذَا أَقَرَّ بَعْدَ أَنْ جَلَسَا لِلْخُصُومَةِ ثُمَّ أَنْكَرَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٌ: ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَحْكُمُ. وَرَأَيَا أَنَّهُمَا إذَا جَلَسَا لِلْمُحَاكَمَةِ فَقَدْ رَضِيَا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِمَا يَقُولَانِهِ وَلِذَلِكَ قَصْدًا، وَإِنْ لَمْ يُنْكِرْ حَتَّى حَكَمَ ثُمَّ أَنْكَرَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَالَ مَا كُنْت أَقْرَرْت بِشَيْءٍ لَمْ يُنْظَرْ إلَى إنْكَارِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ (أَوْ جَعْلِ بَتَّةٍ وَاحِدَةٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَرُفِعَ لِمَنْ يَرَاهَا وَاحِدَةً فَجَعَلَهَا وَاحِدَةً فَتَزَوَّجَهَا الْبَاتُّ قَبْلَ زَوْجٍ، فَلِمَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الِاخْتِلَافِ الَّذِي يُقَرُّ الْحُكْمُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يَنْقُضُ ذَلِكَ كَائِنًا مَا كَانَ مَا لَمْ يَكُنْ خَطَأً مَحْضًا (أَوْ أَنَّهُ قَصَدَ كَذَا فَأَخْطَأَ بِبَيِّنَةٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي الْعَدْلِ فِيمَا حَكَمَ فِيهِ رَأْيًا فَحَكَمَ بِغَيْرِهِ سَهْوًا نُقِضَ حُكْمُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: ذَكَرَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ. اُنْظُرْ نَصَّهُ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ رَأَى مُقَلِّدَهُ " (أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ قَضَى بِعَبْدَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ صَبِيَّيْنِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ قَضَى بِعَبْدَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ صَبِيَّيْنِ نُقِضَ الْحُكْمُ بِخِلَافِ رُجُوعِ الْبَيِّنَةِ (أَوْ فَاسِقَيْنِ كَأَحَدِهِمَا) اللَّخْمِيِّ: إنْ ثَبَتَ تَقَدُّمُ جَرْحِ الْبَيِّنَةِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: يُنْقَضُ الْحُكْمُ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ: يَمْضِي وَعَلَى هَذَا يَجْرِي إنْ ثَبَتَ أَنَّ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُمْ عَدَاوَةً أَوْ تُهْمَةً (كَأَحَدِهِمَا) اللَّخْمِيِّ: إنْ ثَبَتَ أَنَّ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ عَبْدٌ نُقِضَ الْحُكْمُ. قَالَهُ مَالِكٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 138 وَأَصْحَابُهُ. وَلَوْ قِيلَ يَمْضِي كَانَ لَهُ وَجْهٌ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ إمْضَائِهِ إنْ ثَبَتَتْ جُرْحَتُهُ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَاسِقِ مَرْدُودَةٌ اتِّفَاقًا، وَالْعَبْدُ أَجَازَ شَهَادَتَهُ عَلِيٌّ وَأَنَسٌ وَشُرَيْحٌ وَغَيْرُهُمْ، وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَصْرَانِيٌّ رُدَّ الْحُكْمُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا مُوَلًّى عَلَيْهِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ يُنْقَضُ وَالنَّقْضُ فِي هَذَا أَبْعَدُ مِنْهُ فِي الْعَبْدِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: إنَّ شَهَادَةَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ تَجُوزُ ابْتِدَاءً وَهُوَ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَدْلٌ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِجَهْلِهِ بِتَدْبِيرِ مَالِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّوَايَاتُ وَاضِحَةٌ بِأَنَّ كَوْنَهُمَا صَبِيَّيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا كَكَوْنِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا كَافِرًا (إلَّا بِمَالٍ فَلَا يُرَدُّ إنْ حَلَفَ وَإِلَّا أُخِذَ مِنْهُ إنْ حَلَفَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ حَكَمَ بِمَالٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَهُمَا عَبْدٌ أَوْ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ حَلَفَ الطَّالِبُ مَعَ الْبَاقِي، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَاسْتَرْجَعَ الْمَالَ، وَإِنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِقَطْعِ يَدِ رَجُلٍ عَمْدًا فَاقْتُصَّ مِنْهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَهُمَا عَبْدٌ أَوْ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى مُتَوَلِّي الْقَطْعِ شَيْءٌ وَهَذَا مِنْ خَطَأِ الْإِمَامِ اهـ. نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: يُرِيدُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحُرُّ أَنَّ الَّذِي مَعَهُ عَبْدٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: اسْتَشْكَلَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مِنْ خَطَأِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقُلْ يَحْلِفُ الْمُقْتَصُّ لَهُ مَعَ الشَّاهِدِ الْبَاقِي كَمَا قَالَ فِي الْمَالِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ فِيهَا إنَّ جِرَاحَ الْعَمْدِ تَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كَالْمَالِ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْمَالَ يُمْكِنُ رَدُّهُ فَكَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ مُنْتَفِعٌ بِيَمِينِهِ فَصَحَّ حَلِفُهُ وَالْقَطْعُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ وَلَا نَفْعَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ. اهـ. مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى. (وَحَلَفَ فِي الْقِصَاصِ خَمْسِينَ مَعَ عَاصِبِهِ وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ وَغَرِمَ شُهُودٌ عَلِمُوا وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ) ابْنُ سَحْنُونٍ: إنْ بَانَ أَنَّ أَحَدَهُمَا عَبْدٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ مُوَلًّى عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ الْمَقْضِيُّ لَهُ بِالْقَتْلِ مَعَ رَجُلٍ مِنْ عَصَبَتِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا تَمَّ الْحُكْمُ وَنَفَذَ، وَإِنْ نَكَلَ الْمَحْكُومُ لَهُ بِالْقَتْلِ عَنْ الْقَسَامَةِ انْتَقَضَ الْحُكْمُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ. ابْنُ شَاسٍ: إذَا نَكَلَ الْمَقْضِيُّ لَهُ بِالْقَتْلِ عَنْ الْقَسَامَةِ فَالنُّكُولُ فِي مِثْلِ هَذَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ، وَيُنْقَضُ بِهِ الْحُكْمُ. اللَّخْمِيِّ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا غُرْمَ عَلَى الشَّاهِدِ إنْ جَهِلَ رَدَّ شَهَادَةِ الْعَبْدِ أَوْ الذِّمِّيِّ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ. ابْنُ شَاسٍ: وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ هَدَرٌ لَا عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْطِئْ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ وَقَدْ فَعَلَ الَّذِي عَلَيْهِ، وَلَا تِبَاعَةَ أَيْضًا عَلَى الشَّاهِدِ وَلَا عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ. (وَفِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 139 الْقَطْعِ حَلَفَ الْمَقْطُوعُ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ) تَقَدَّمَ قَبْلُ قَوْلُهُ " وَحَلَفَ فِي الْقِصَاصِ إنَّ الْمُقْتَصَّ لَهُ لَا يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ لَهُ، وَهَذَا فَرْعُ أَنَّ الْمَقْطُوعَ لَا يَحْلِفُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَقْوَالُ فِي هَذَا الْفَرْعِ سِتَّةٌ وَفِيمَا تَقَدَّمَ قَبْلُ قَوْلُهُ " وَحَلَفَ فِي الْقِصَاصِ " كِفَايَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَقْصِدِي. (وَنَقَضَهُ هُوَ فَقَطْ إنْ ظَهَرَ أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُرَى لِلْقَاضِي بِقَضِيَّةٍ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ مَا قَضَى بِهِ أَصْوَبُ أَنْ يَرُدَّ قَضِيَّتَهُ وَيَقْضِي بِمَا رَأَى بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مَا قَضَى بِهِ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ. قَالَ: إنَّمَا قَالَ إنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ مَا قَضَى بِهِ رَجَعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا لَا يَرْجِعُ فِيمَا قَضَتْ بِهِ الْقُضَاةُ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إذَا قَضَى الْقَاضِي بِقَضِيَّةٍ جَائِزٌ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهَا، وَأَمَّا رَدُّ غَيْرِهِ لِحُكْمِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوْرًا بَيِّنًا أَوْ بِخِلَافٍ شَاذٍّ (أَوْ خَرَجَ عَنْ رَأْيِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ رَأَى خِلَافَ مَا قَضَى بِهِ بِاجْتِهَادِهِ فَالْمَشْهُورُ إنْ رَأَى مَا هُوَ أَحْسَنُ نَقَضَهُ وَرَجَعَ إلَى مَا رَأَى مَا دَامَ فِي وِلَايَتِهِ وَلَوْ كَانَ قَضَاؤُهُ أَوَّلًا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَهَذَا إذَا قَضَى وَهُوَ يَرَاهُ بِاجْتِهَادِهِ يَوْمَ قَضَائِهِ، وَأَمَّا لَوْ قَضَى بِهِ جَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا فَلَا يُسْمَعُ خِلَافٌ فِي وُجُوبِ الرُّجُوعِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 141 عَنْهُ إلَى مَا رَأَى. وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنَّهُ قَصَدَ كَذَا فَأَخْطَأَ " فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَهُ يَنْقُضُهُ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى هُوَ (أَوْ رَأْيِ مُقَلَّدِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا وَقَضَى بِهِ تَقْلِيدًا فَلَا يَسَعُ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ إلَى تَقْلِيدٍ آخَرَ. ابْنُ مُحْرِزٍ: وَإِنْ قَصَدَ إلَى الْحُكْمِ بِمَذْهَبٍ فَصَادَفَ غَيْرَهُ سَهْوًا فَهَذَا يَفْسَخُهُ هُوَ دُونَ غَيْرِهِ إذَا كَانَ ظَاهِرُهُ الصِّحَّةَ لِجَرَيَانِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ، وَوَجْهُ غَلَطِهِ لَا يُعْرَفُ، إلَّا مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا عَلِمَتْ قَصْدَهُ إلَى الْحُكْمِ بِغَيْرِهِ فَوَقَعَ فِيهِ فَيَنْقُضُهُ مَنْ بَعْدَهُ كَمَا يَنْقُضُهُ هُوَ (وَرَفَعَ الْخِلَافَ) اُنْظُرْ الْفَرْقَ السَّابِعَ وَالسَّبْعِينَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْخِلَافِ يَتَقَرَّرُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَيَتَعَيَّنُ الْحُكْمُ الْوَاحِدُ، إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ مِنْ قَوَاعِدِ الْقَرَافِيُّ. (لَا أَحَلَّ حَرَامًا) ابْنُ رُشْدٍ: حُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ حَرَامًا وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ إنَّمَا يَحْكُمُ بِمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 142 ظَهَرَ وَهُوَ الَّذِي يُتَعَبَّدُ بِهِ وَلَا يُنْقَلُ الْبَاطِلُ عِنْدَ مَنْ عَلِمَهُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ تَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة: 188] وَفِي الْحَدِيثِ «لَعَلَّ بَعْضَهُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ» وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي حَلِّ عِصْمَةِ النِّكَاحِ أَوْ عَقْدِهَا بِظَاهِرِ مَا يَقْضِي بِهِ الْحُكْمُ، وَهَذَا خِلَافُ الْبَاطِنِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّ الْأَمْوَالَ وَالْفُرُوجَ سَوَاءٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: إنَّ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً، فَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَعَمَّدَا الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَقَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمَا لِظَاهِرِ عَدَالَتِهِمَا عِنْدَهُ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِي شَهَادَتِهِ وَاحْتَجُّوا بِحُكْمِ اللِّعَانِ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: إنَّمَا الْقَضَاءُ إظْهَارُهُ لِحُكْمِ الشَّرْعِ لَا اخْتِرَاعٌ لَهُ، فَلَا يَحِلُّ لِلْمَالِكِيِّينَ شُفْعَةُ الْجَارِ إنْ قَضَى لَهُ بِهَا الْحَنَفِيُّ. وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هَكَذَا قَالُوا. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " هَكَذَا قَالُوا " أَنَّ الْمَذْهَبَ هُوَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ رَاجِعْهُ فِيهِ. (وَنَقْلُ مِلْكٍ أَوْ فَسْخُ عَقْدٍ أَوْ تَقَرُّرُ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ حُكْمٌ) ابْنُ شَاسٍ: مَا قَضَى بِهِ الْحَاكِمُ مِنْ نَقْلِ الْأَمْلَاكِ وَفَسْخِ الْعُقُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ حُكْمًا، فَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ تَأْثِيرُ الْقَاضِي فِي الْحَوَادِثِ أَكْثَرَ مِنْ إقْرَارِهَا لِمَا رُفِعَتْ إلَيْهِ مِثْلُ أَنْ يُرْفَعَ إلَيْهِ نِكَاحُ امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَأَقَرَّهُ وَأَجَازَهُ ثُمَّ عُزِلَ وَجَاءَ غَيْرُهُ، فَهَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْحُكْمِ وَإِمْضَاؤُهُ وَالْإِقْرَارُ عَلَيْهِ كَالْحُكْمِ بِإِجَازَتِهِ وَلَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ. اللَّخْمِيِّ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 143 أَحْسَنُ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إنْ تَرَكَ الْقَاضِي الْحُكْمَ بِمَسْأَلَةٍ فَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ بِفِقْهِهِ أَنْ يَمْضِيَ حُكْمُهُ بِالتَّرْكِ، فَإِنَّهُ حُكْمٌ صَحِيحٌ كَتَرْكِهِ فَسْخَ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَنِكَاحِ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ قَبْلَ الْمِلْكِ وَنَحْوِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ جَارٍ عَلَى الْقَوْلِ بِبَقَاءِ الِاعْتِرَاضِ وَجُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى خِلَافِهِ (لَا أُجِيزُهُ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا لَوْ رُفِعَ هَذَا النِّكَاحُ إلَى قَاضٍ فَقَالَ لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْكُمَ بِفَسْخِ هَذَا النِّكَاحِ بِعَيْنِهِ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ وَلَكِنَّهُ فَتْوَى وَيَكُونُ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّظَرَ فِيهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَى جَعْلِهِ فَتْوَى لِمَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ نَقَضَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلثَّانِي نَقْضُهُ لِأَنَّ قَوْلَ الْأَوَّلِ " لَا أُجِيزُهُ وَلَا أَفْسَخُهُ " حُكْمٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالْكَرَاهَةُ أَحَدُ أَقْسَامِ الشَّرْعِ الْخَمْسِ يَجِبُ رَعْيُ كُلِّ حُكْمٍ مِنْهَا وَلَازِمِهِ، وَحُكْمُ الْمَكْرُوهِ عَدَمُ نَقْضِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ، اُنْظُرْ الشَّيْءَ يُذْكَرُ بِالشَّيْءِ كَثِيرًا مَا يَعْرِضُ تَرْكُ الْإِشْهَادِ عَلَى الْوَلِيِّ فِي الْمُرَاجَعَةِ. قَالَ شَيْخُ الشُّيُوخِ ابْنُ لُبٍّ: قَدْ رَوَى أَبُو قُرَّةَ عَنْ مَالِكٍ صِحَّتَهَا وَثُبُوتَهَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ ابْتِدَاءً يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَلَا يَصِحُّ. قَالَ وَالْفَرْقُ أَنَّ طَلَبَ الْوِلَايَةِ إنَّمَا هُوَ لِتَحْصِيلِ الْكَفَاءَةِ فَيَنْظُرُ الْوَلِيُّ فِيهَا، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ قَبْلُ: الْمُرَاجَعَةُ فِي النِّكَاحِ الْمُنْعَقِدِ وَيَنْضَمُّ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَاضِدًا لَهَا مُرَاعَاةَ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ. (أَوْ أَفْتَى) ابْنُ الْحَاجِبِ: فَتْوَاهُ فِي وَاقِعَةٍ وَاضِحَةٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: جَزْمُ الْقَاضِي بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى وَجْهِ مُجَرَّدِ إعْلَامِهِ بِهِ فَتْوَى لَا حُكْمٌ وَجَزْمُهُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ بِهِ حُكْمٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 144 (وَلَمْ يَتَعَدَّ لِمُمَاثِلِ بَلْ إنْ تَجَدَّدَ بِالِاجْتِهَادِ كَفَسْخٍ بِرَضَاعِ كَبِيرٍ وَتَأْبِيدِ مَنْكُوحَةِ عِدَّةٍ وَهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ كَانَ حُكْمُ الْأَوَّلِ بِاجْتِهَادٍ فِيمَا طَرِيقُهُ التَّحْرِيمُ وَالتَّحْلِيلُ لَيْسَ نَقْلُ مِلْكَ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ إلَى الْآخَرِ، وَلَا فَصْلُ حُكُومَةٍ بَيْنَهُمَا، وَلَا إثْبَاتُ عَقْدٍ بَيْنَهُمَا، وَلَا فَسْخُهُ، مِثْلُ أَنْ يُرْفَعَ إلَى قَاضٍ رَضَاعُ كَبِيرٍ فَيَحْكُمُ بِأَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ يَحْرُمُ وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ مِنْ أَجْلِهِ، فَالْقَدْرُ الَّذِي ثَبَتَ مِنْ حُكْمِهِ هُوَ فَسْخُ النِّكَاحِ فَحَسْبُ، وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِحُكْمِهِ بَلْ يَبْقَى ذَلِكَ مَعْرِضًا لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ رُفِعَ إلَيْهِ حَالُ امْرَأَةٍ نُكِحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَفَسَخَ نِكَاحَهَا وَحَرَّمَهَا عَلَى زَوْجِهَا. لَكَانَ الْقَدْرُ الَّذِي ثَبَتَ مِنْ حُكْمِهِ فَسْخَ النِّكَاحِ فَحَسْبُ، وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَمَعْرِضٌ لِلِاجْتِهَادِ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَحْكُمَ بِنَجَاسَةِ مَاءٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ تَحْرِيمِ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ إجَارَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمٌ فِي ذَلِكَ الْحَبْسِ مِنْ الْعُقُودِ وَلَا الْبَيَّاعَاتِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاهَدَهُ، وَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَعْرِضٌ لِمَنْ يَأْتِي مِنْ الْحُكَّامِ وَالْفُقَهَاءِ. (وَلَا يَدْعُو لِصُلْحٍ إنْ ظَهَرَ وَجْهُهُ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَأَمَرَ بِالصُّلْحِ ذَوِي الْفَضْلِ " (وَلَا يَسْتَنِدُ لِعِلْمِهِ) هَذَا تَوْطِئَةٌ لِمَا بَعْدَهُ إذَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ " أَوْ بِعِلْمٍ سَبَقَ مَجْلِسَهُ " (إلَّا فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ) أَبُو عُمَرَ: أَجْمَعُوا أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ أَوْ يَجْرَحَ بِعِلْمِهِ وَأَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ عَلَى غَيْرِ مَا شَهِدُوا أَنَّهُ يُنَفِّذُ عِلْمَهُ وَيَرُدُّ شَهَادَتَهُمْ بِعِلْمِهِ. سَحْنُونَ: وَلَوْ شَهِدَ عِنْدِي عَدْلَانِ مَشْهُورَانِ بِالْعَدَالَةِ وَأَنَا أَعْلَمُ خِلَافَ مَا شَهِدُوا بِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ أَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمَا وَلَا أَنْ أَرُدَّهُمَا لِعَدَالَتِهِمَا، وَلَكِنْ أَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْأَمِيرِ الَّذِي فَوْقِي وَأَشْهَدُ بِمَا عَلِمْتَ وَغَيْرِي بِمَا عَلِمَ، وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ لَيْسَا بِعَدْلَيْنِ عَلَى مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ لَمْ أَقْضِ بِشَهَادَتِهِمَا (كَالشُّهْرَةِ بِذَلِكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 145 قَالَ مَالِكٌ: مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُسْأَلُ عَنْهُ وَلَا تُطْلَبُ فِيهِ تَزْكِيَةٌ لِعَدَالَتِهِمْ عِنْدَ الْقَاضِي. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ لِاشْتِهَارِ عَدَالَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُسْأَلُ عَنْهُ لِشُهْرَتِهِ بِغَيْرِ الْعَدَالَةِ، وَإِنَّمَا يَكْشِفُ عَمَّنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ. وَقَدْ شَهِدَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عِنْدَ قَاضِي الْمَدِينَةِ فَقَالَ: أَمَّا الْإِسْلَامُ فَاسْمُهُ عَدْلٌ وَلَكِنْ مَنْ يَعْرِفُ أَنَّك ابْنُ أَبِي حَازِمٍ فَأَعْجَبَ ذَلِكَ مَشَايِخَنَا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَذَكَرَ لِي بَعْضُ شُيُوخِي أَنَّ الْبَرْقِيَّ فَقِيهَ الْمَهْدِيَّةِ شَهِدَ فِي مَسِيرِهِ إلَى الْحَجِّ عِنْدَ قَاضِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة، فَلَمَّا قَرَأَ اسْمَهُ قَالَ: أَنْتَ الْبَرْقِيُّ فَقِيهُ الْمَهْدِيَّةِ؟ فَقِيلَ لَهُ: نَعَمْ. فَطَلَبَ الْمَشْهُودُ لَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ هُوَ وَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِ دُونَ طَلَبِ تَعْدِيلِهِ. (أَوْ إقْرَارِ الْخَصْمِ بِالْعَدَالَةِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَقَرَّ الْخَصْمُ بِالْعَدَالَةِ حَكَمَ عَلَيْهِ خَاصَّةً. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا الْفَرْعَ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْلِ الْمَذْهَبِ، وَفِي جَرْيِهِ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مُتَنَاقِضٌ فَيَجِبُ طَرْحُهُ. فَإِنْ قُلْتُ: فَقَدْ قَالَ فِي الْكَافِي إنْ لَمْ يَعْرِفْ الْقَاضِي الشُّهُودَ وَاعْتَرَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِعَدَالَتِهِمْ قَضَى بِهِمْ إنْ لَمْ يُكَذِّبْهُمْ وَلَا يَقْضِي بِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ. قُلْت: قَوْلُهُ " إنْ لَمْ يُكَذِّبْهُمْ " صَيَّرَ الْمَسْأَلَةَ إلَى بَابِ الْإِقْرَارِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: إذَا رَضِيَ الْخَصْمَانِ بِشَهَادَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي لَمْ يَحْكُمْ بِهَا. وَانْظُرْ مِنْ نَوْعِ هَذَا عَدَّلَ قَاضٍ شُهُودًا فَشَهِدُوا عَلَيْهِ أَنَّ فِيهِ جُرْحَةً أَوْ شَهِدَ أَيْضًا عَلَى مُزَكِّيهِ أَنَّ فِيهِ جُرْحَةً قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ الْقَدَحَ فِي الْأَصْلِ قَدَحٌ فِي الْفَرْعِ (وَإِنْ أَنْكَرَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ إقْرَارَهُ بَعْدَهُ لَمْ يُفِدْهُ) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ بِعِلْمٍ سَبَقَ مَجْلِسَهُ ". (وَإِنْ شَهِدَ بِحُكْمٍ نَسِيَهُ أَوْ أَنْكَرَهُ أَمْضَاهُ) اللَّخْمِيِّ: لَوْ أَنْكَرَ الْحَاكِمُ وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ الْحُكْمَ وَقَالَ مَا حَكَمْتُ بِهَذَا فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِحُكْمِهِ لَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 146 وَجَبَ تَنْفِيذُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ. وَفِي التَّلْقِينِ: إنْ نَسِيَ الْحَاكِمُ حُكْمًا حَكَمَ بِهِ فَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ بِهِ أَنْفَذَ شَهَادَتَهُمَا. قَالَ فِي فُرُوقِهِ: بِخِلَافِ إذَا شَهِدَ شُهُودُ الْفَرْعِ وَنَسِيَ الشَّهَادَةَ شَاهِدُ الْأَصْلِ قَالَ: وَفِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ فَهُوَ نَقْلٌ عَنْ الْغَيْرِ الْمَازِرِيُّ: هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (وَأَنْهَى لِغَيْرِهِ بِمُشَافَهَةٍ إنْ كَانَ كُلٌّ بِوِلَايَتِهِ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّالِثُ يَعْنِي فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فِي إنْهَاءِ الْحُكْمِ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ وَذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ وَالْكِتَابَةِ وَالْمُشَافَهَةِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 147 فَلَوْ شَافَهَ الْقَاضِي قَاضِيًا آخَرَ لَمْ يَكْفِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَلَا يَنْفَعُ سَمَاعُهُ أَوْ إسْمَاعُهُ إلَّا إذَا كَانَا قَاضِيَيْنِ بِبَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَتَنَادَيَا مِنْ طَرَفَيْ وِلَايَتِهِمَا فَذَلِكَ أَقْوَى مِنْ الشَّهَادَةِ فَيُعْتَمَدُ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ: رَأَيْت فُقَهَاءَ طُلَيْطِلَةَ يُجِيزُونَ إخْبَارَ الْقَاضِي الْمُحْتَلِّ بِغَيْرِ بَلَدِهِ لِقَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي اُحْتُلَّ فِيهِ وَيَنْفُذُ وَيَرَوْنَهُ كَمُخَاطَبَتِهِ إيَّاهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَيْسَ لِلْقَاضِي إذَا حَلَّ بِغَيْرِ عِمَالَتِهِ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ يَشْهَدَ عَلَى كِتَابِهِ أَوْ يَكْتُبَ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْقُضَاةِ. رَاجِعْ الْمُتَيْطِيَّ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ أَصْبَغَ وَابْنِ عَاتٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى (وَبِشَاهِدَيْنِ مُطْلَقًا) فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ: لَا يَثْبُتُ كِتَابُ قَاضٍ لِلْقَاضِي فِي الزِّنَا إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ عَلَى أَنَّهُ كِتَابُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالنَّظَرُ، وَأَمَّا بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِمَا كِتَابُ الْقَاضِي اتِّفَاقًا. (وَاعْتَمَدَا عَلَيْهَا وَإِنْ خَالَفَا كِتَابَهُ وَنُدِبَ خَتْمُهُ) ابْنُ شَاسٍ: يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي إذَا أَشْهَدَ عَلَى كِتَابِهِ وَخَاتَمِهِ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ مَخْتُومٍ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَلَوْ شَهِدَا بِخِلَافِ مَا فِي الْكِتَابِ جَازَ إذَا طَابَقَ الدَّعْوَى. (وَلَمْ يُفِدْ وَحْدَهُ) ابْنُ شَاسٍ: الْكِتَابُ الْمُجَرَّدُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ عَلَى الْقَاضِي لَا أَثَرَ لَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ مَالِكٍ الَّذِي لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ فِي كِتَابِ قَاضٍ إلَى قَاضٍ بِالْحُكْمِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْقَاضِي أَقْوَى مِنْ ثُبُوتِهِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْبَيِّنَةِ بِشَهَادَتِهِمَا عَلَى الْقَاضِي، لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْقَاضِي مِمَّا لَهُ تَوَقُّفٌ عَلَى مُجَرَّدِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فَقَطْ، وَثُبُوتُهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْبَيِّنَةِ مِمَّا لَهُ تَوَقُّفُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ مَعَ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْقَاضِي، وَمَا تَوَقَّفَ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ فَقَطْ أَقْوَى مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مَعَ غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ: اتَّفَقَ أَهْلُ عَصْرِنَا عَلَى قَبُولِ كُتُبِ الْقُضَاةِ فِي الْأَحْكَامِ وَالْحُقُوقِ بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ خَطِّ الْقَاضِي، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ فِيمَا أَظُنُّ عَلَى صَرْفِهِمْ عَنْهُ انْتَهَى. رَاجِعْ أَنْتَ الْمُطَوَّلَاتِ فِي هَذَا كُلِّهِ، فَإِنَّمَا قَصْدِي أَنْ أُشِيرَ إلَى بَعْضِ مَا قِيلَ تَنْشِيطًا لِمُرَاجَعَةِ الْفِقْهِ فِي أَمَاكِنِهِ، وَلِابْنِ عَاصِمٍ فِي أُرْجُوزَتِهِ: وَالْعَمَلُ الْيَوْمَ عَلَى قَبُولِ مَا خَاطَبَهُ قَاضٍ بِمِثْلِ " اعْلَمَا " قَالَ ابْنُهُ: تَقْيِيدُ الْعَمَلِ بِالْيَوْمِ يُؤْذِنُ بِخِلَافِ ذَلِكَ قَبْلُ وَذَلِكَ صَحِيحٌ فَقَدْ كَانَ الْعَمَلُ بِاسْتِصْحَابِ شَاهِدَيْ عَدْلٍ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْمَكْتُوبِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْعَمَلُ قَبْلَ ذَلِكَ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْكِتَابِ الْمَخْتُومِ. (وَأَدَّيَا وَإِنْ عِنْدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 148 غَيْرِهِ) ابْنُ شَاسٍ: لِلشَّاهِدِ عَلَى الْحُكْمِ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ الْقَاضِي فِي كِتَابِهِ إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْقُضَاةِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ مَاتَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ كِتَابًا مِنْ قَاضٍ آخَرَ فَعَلَى مَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ إنْفَاذُ الْكِتَابِ. ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا إذَا ثَبَتَ الْكِتَابُ عِنْدَهُ بِشَاهِدَيْنِ أَنَّهُ كِتَابُهُ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. (وَأَفَادَ إنْ أَشْهَدَهُمَا أَنَّ مَا فِيهِ حُكْمُهُ أَوْ خَطُّهُ كَالْإِقْرَارِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ الْقَاضِي أُشْهِدُكُمَا عَلَى أَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ خَطِّي كَفَى ذَلِكَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ مَا فِي كِتَابِي حُكْمِي، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ فِي الْإِقْرَارِ أُشْهِدُك عَلَى مَا فِي الْقَبَالَةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِهِ كَفَى حَتَّى إذَا حَفِظَ الشَّاهِدُ الْقَبَالَةَ وَمَا فِيهَا وَشَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ جَازَ أَيْضًا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ صَحِيحٌ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى شُهُودٍ كِتَابًا مَطْوِيًّا وَقَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ أَوْ كَتَبَ الْحَاكِمُ كِتَابًا إلَى حَاكِمٍ وَخَتَمَهُ وَأَشْهَدَ الشُّهُودَ بِهِ وَلَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ. وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَشْهَدُوا بِهِ إلَّا أَنْ يَقْرَؤُهُ عِنْدَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ. (وَمَيَّزَ فِيهِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ مِنْ اسْمٍ وَحِرْفَةٍ وَغَيْرِهِمَا) ابْنُ شَاسٍ: وَلْيَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ اسْمَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَاسْمَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَحِلْيَتِهِ وَمَسْكَنِهِ وَصِنَاعَتِهِ أَوْ تِجَارَتِهِ أَوْ شُهْرَةٍ لَهُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ رِجَالٌ يُلَائِمُونَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ يَحْكُمْ لَهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ تُعْرَفُ أَنَّهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْمُلَائِمِينَ قَدْ مَاتَ لَمْ يُسْتَحَقَّ عَلَى الْحَيِّ مِنْهُمَا مَا فِي الْكِتَابِ حَتَّى تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ الَّذِي اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَطُولَ زَمَنُ الْمَيِّتِ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادَ بِالشَّهَادَةِ لِبُعْدِهِ فَيَلْزَمُ الْحَيَّ (فَنَفَّذَهُ الثَّانِي وَبَنَى) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ اقْتَصَرَ الْأَوَّلُ عَلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْمَنْهِيِّ إلَيْهِ الْإِتْمَامُ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا نَقْلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. (كَأَنْ نُقِلَ لِخِطَّةٍ أُخْرَى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ مَاتَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوْ عُزِلَ وَوَصَلَ الْكِتَابُ لِمَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ أَنْفَذَهُ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 149 كَتَبَ لِغَيْرِهِ. الْمَازِرِيُّ: اخْتِيَارُ بَعْضِ الشُّيُوخِ عَدَمُ تَسْمِيَةِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ. ابْنُ سَهْلٍ: سَأَلْت ابْنَ عَاتٍ عَنْ الْحَاكِمِ يُرْفَعُ إلَى خِطَّةُ الْقَضَاءِ هَلْ يَسْتَأْنِفُ مَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ لَمْ يُكْمِلْهَا أَوْ يَصِلُ نَظَرَهُ فِيهَا؟ قَالَ: بَلْ يَبْنِي عَلَى مَا قَدْ مَضَى بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْحُكُومَةِ وَبِذَلِكَ أَفْتَيْت. ابْنُ ذَكْوَانَ: حِينَ ارْتَفَعَ مِنْ أَحْكَامِ الشُّرْطَةِ وَالسَّوْقِ إلَى أَحْكَامِ الْقَضَاءِ. (وَإِنْ حَدًّا) لَوْ قَالَ " وَلَوْ زِنًا " لَكَانَ أَبْيَنَ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ سَحْنُونٍ: لَا يَثْبُتُ كِتَابُ قَاضٍ بِالزِّنَا إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ كَتْبُ الْقُضَاةِ إلَى الْقُضَاةِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَغَيْرِهَا لِجَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى ذَلِكَ. (إنْ كَانَ أَهْلًا أَوْ قَاضِي مِصْرٍ وَإِلَّا فَلَا) ابْنُ شَاسٍ: إذَا وَرَدَ كِتَابُ قَاضٍ عَلَى قَاضٍ فَإِنْ عَرَفَهُ فَإِنَّهُ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ قَبِلَهُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَإِنْ عَرَفَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ لَمْ يَقْبَلْهُ. قَالَ أَصْبَغُ: وَإِنْ جَاءَهُ بِكِتَابِ قَاضٍ لَا يَعْرِفُهُ بِعَدَالَةٍ وَلَا سَخَطَةٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ قُضَاةِ الْأَمْصَارِ الْجَامِعَةِ مِثْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْقَيْرَوَانَ وَالْأَنْدَلُسَ فَلْيُنَفِّذْهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ وَلِيَحْمِلَ مِثْلَ هَؤُلَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَأَمَّا قُضَاةُ الْكُوَرِ الصِّغَارِ فَلَا يُنَفِّذُهُ حَتَّى يَعْرِفَ وَيَسْأَلَ عَنْهُ الْعُدُولَ الدَّجْنَ وَعَنْ حَالِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ شَرْطُ قَبُولِ خِطَابِ الْقَاضِي صِحَّةُ وِلَايَتِهِ مِمَّنْ تَصِحُّ وِلَايَتُهُ بِوَجْهٍ احْتِرَازًا مِنْ مُخَاطَبَةِ قُضَاةِ أَهْلِ الدَّجْنِ كَقَاضِي مُسْلِمِي بَلَنْسِيَةَ، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: لَمْ يَجْعَلُوا قَبُولَ الْعَدْلِ الْوِلَايَةَ لِلْمُتَغَلِّبِ جُرْحَةً لِخَوْفِ تَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ. قَالَ سَيِّدِي ابْنُ عَلَاقِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى إقْلِيمٍ فَقَدَّمُوا قَاضِيًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَا أَذْكُرُ نَصًّا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إذَا وَلَّوْا قَاضِيًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ إنْفَاذُ ذَلِكَ جَلْبًا لِلْمَصَالِحِ وَدَرْءًا لِلْمَفَاسِدِ الشَّامِلَةِ إذْ لَمْ يَبْعُدْ مِنْ رَحْمَةِ الشَّرْعِ وَرِعَايَةً لِمَصَالِحِ عِبَادِهِ وَتُحْمَلُ الْمَفَاسِدُ الشَّامِلَةُ بِفَوَاتِ كَمَالٍ، فَمَنْ يَتَعَاطَى تَوْلِيَتَهُ بَاطِنًا هُوَ أَهْلٌ لَهَا، اُنْظُرْ فِي الْمَدَارِكِ اسْمَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَرُّوخَ وَابْنِ التَّبَّانِ وَاسْمَ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْكُرَابَةِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَزْرَةَ وَالدَّاوُدِيِّ (كَأَنْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ وَإِنْ مَيِّتًا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمَيَّزَ فِيهِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ ". (وَإِنْ لَمْ يُمَيِّزْ فَفِي إعْدَائِهِ أَوْ لَا حَتَّى يُثْبِتَ أُحْدِيَّتَهُ قَوْلَانِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ وُجِدَ بِالْبَلَدِ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ كَشَفَ الْقَاضِي عَنْ الْأَمْرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ غَيْرُهُ عَلَى تِلْكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 150 الصِّفَةِ أَعْدَاهُ إلَيْهِ وَإِنْ تَرَكَ الْقَاضِي مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الْكَشْفِ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَا يُؤْخَذُ بِالْحَقِّ حَتَّى يُثْبِتَ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْبَلَدِ مَنْ هُوَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ الْعَامَّةِ غَيْرُهُ وَهُوَ دَلِيلُ زُونَانَ. ابْنُ وَهْبٍ: وَقِيلَ: يُؤْخَذُ بِهِ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ هَذَا أَنَّ بِالْبَلَدِ مَنْ هُوَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَشْهَبَ وَرِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. [بَاب الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ] (وَالْقَرِيبُ جِدًّا كَالْحَاضِرِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ سُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ. قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الْمَدِينُ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ وَأَمَّا كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ حُجَجٌ فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ. قَالَ سَحْنُونَ: وَاَلَّذِي تَكُونُ فِيهِ الْحُجَجُ. ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ مَالِكٍ إنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ كَمَنْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ كَتَبَ إلَيْهِ وَأَعْذَرَ إلَيْهِ فِي كُلِّ حَقٍّ إمَّا وَكَّلَ أَوْ قَدِمَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَكَمَ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ وَبِيعَ عَلَيْهِ مَا لَهُ مِنْ أَصْلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي اسْتِحْقَاقِ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْأُصُولِ وَكُلِّ الْأَشْيَاءِ مِنْ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ تُرْجَ لَهُ حُجَّةٌ فِي شَيْءٍ وَإِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ عَلَى عَشْرَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا حَكَمَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَرُجِيَتْ حُجَّتُهُ فِيهِ (وَالْبَعِيدُ جِدًّا كَإِفْرِيقِيَّةَ قَضَى عَلَيْهِ) ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ وَانْقَطَعَتْ كَالْعُدْوَةِ مِنْ الْأَنْدَلُسِ وَمَكَّةَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ حَكَمَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ حَيَوَانٍ وَعُرُوضٍ وَدَيْنٍ وَالرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ وَرُجِئَتْ حُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ. زَادَ فِي أَجْوِبَتِهِ هَذَا التَّحْدِيدَ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ إنَّمَا هُوَ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَكَوْنِهَا مَسْلُوكَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ حَكَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ وَمِنْ خَلْفِ الْبَحْرِ فِي الْجَوَازِ الْقَرِيبِ الْمَأْمُونِ كَالْبَرِّ الْوَاحِدِ الْمُتَّصِلِ إلَّا فِي الْأَمْرِ الَّذِي يَمْتَنِعُ فِيهِ رُكُوبُهُ، فَالْقَرِيبُ فِيهِ حُكْمُ الْبَعِيدِ، وَلِابْنِ عَاتٍ: إذَا قَامَتْ الْمَرْأَةُ بِشَرْطِهَا فِي الْمَغِيبِ لَا يُقْضَى بِهَا فِي الْقُرْبِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 151 وَإِنَّمَا يَكْتُبُ لَهَا الْقَاضِي إلَى الزَّوْجِ بِأَنْ يَقْدُمُوا أَوْ يُوَصَّى عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ فِي عَمَلِ سُلْطَانٍ آخَرَ قَضَتْ بِشَرْطِهَا وَإِنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهَا (بِيَمِينِ الْقَضَاءِ) ابْنُ شَاسٍ: الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ نَافِذٌ وَيَحْلِفُ لِلْقَاضِي الْمُدَّعِي بَعْدَ الْبَيِّنَةِ عَلَى عَدَمِ الْإِبْرَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَالِاعْتِيَاضِ وَالْإِحَالَةِ وَالِاحْتِيَالِ وَالتَّوْكِيلِ عَلَى الِاقْتِضَاءِ فِي جَمِيعِ الْحَقِّ (وَسَمَّى الشُّهُودَ وَإِلَّا نَقَضَ) ابْنُ رُشْدٍ: الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الشُّهُودِ فِيهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الطَّعْنِ فِيهِمْ، وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ، فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فِيهِ الْبَيِّنَةَ فُسِخَتْ الْقَضِيَّةُ. قَالَهُ أَصْبَغُ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ تُرْجَى لَهُ، وَالْحُكْمُ عَلَى الْحَاضِرِ لَا يَفْتَقِرُ لِتَسْمِيَةِ الْبَيِّنَةِ فِيهِ إذْ قَدْ أَعْذَرَ فِيهَا لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَتَسْمِيَتُهُمْ أَحْسَنُ. قَالَهُ أَصْبَغُ وَبِهِ الْعَمَلُ. ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: وَمِثْلُ الْغَائِبِ الصَّغِيرُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الشُّهُودِ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافٌ لِسَحْنُونٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَإِذَا أَشْهَدَ الْقَاضِي بِثُبُوتِ عَقْدٍ عِنْدَهُ وَلَمْ يُسَمِّ بِمَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ ثُمَّ عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ، فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَيُحْمَلُ الْجَمِيعُ عَلَى الْعَدَالَةِ اهـ. وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ يَتَّفِقُ أَنْ يَمُوتَ بَعْضُ شُهُودِ الِاسْتِرْعَاءِ (وَالْعَشَرَةُ وَالْيَوْمَانِ مَعَ الْخَوْفِ يُقْضَى عَلَيْهِ مَعَهَا فِي غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ) تَقَدَّمَ مَا لِابْنِ رُشْدٍ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَالْقَرِيبُ كَالْحَاضِرِ وَالْبَعِيدِ جِدًّا " وَزَادَ فِي نَوَازِلِهِ: وَهَذَا التَّحْدِيدُ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ هُوَ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَكَوْنِهَا مَسْلُوكَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ حَكَمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ. (وَحَكَمَ بِمَا يَتَمَيَّزُ غَائِبًا بِالصِّفَةِ كَدَيْنٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَحْكُمُ بِالدِّينِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَتَمَيَّزُ غَائِبًا بِالصِّفَةِ كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ. وَقِيلَ: مَا لَمْ يَدَّعِ الْحُرِّيَّةَ أَوْ يَدَّعِيه ذُوَيْدُ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ هَارُونَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ إذَا كَانَ غَائِبًا هَلْ يُعْتَمَدُ عَلَى الصِّفَةِ فِي الْقَضَاءِ بِهِ أَمْ لَا؟ فَمِنْ ذَلِكَ الدَّيْنُ وَالْأَمْرُ فِيهِ وَاضِحٌ إذْ لَا يَتَأَتَّى إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا وَمِنْهَا الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ وَالْفَرَسُ وَنَحْوُهَا مِمَّا يَتَمَيَّزُ بِالصِّفَةِ، فَهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ يَحْكُمُ فِيهِ بِالصِّفَةِ إنْ كَانَ غَائِبًا وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. الْمَازِرِيُّ: إنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ مِمَّا لَا يَتَمَيَّزُ أَصْلًا ذَكَرَتْ الْبَيِّنَةُ قِيمَتَهُ تَقُولُ غَصَبَهُ حَرِيرًا قِيمَتُهُ كَذَا أَوْ طَعَامًا قِيمَتُهُ كَذَا. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ ادَّعَى عَبْدًا غَائِبًا بِيَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ ذَلِكَ الْعَبْدَ عَبْدُهُ، فَإِنْ عَرَفَتْهُ الْبَيِّنَةُ وَوَصَفَتْهُ وَحِلْيَتِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَقُضِيَ لَهُ بِهِ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْحَيَوَانِ وَالْمَتَاعِ إذَا كَانَ بِعَيْنِهِ. ابْنُ يُونُسَ: أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَبْدٍ غَائِبٍ وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ ابْنُ كِنَانَةَ. (وَجَلَبَ الْخَصْمَ بِخَاتَمٍ) أَمَرَ سَحْنُونَ: النَّاسَ بِكَتْبِ أَسْمَائِهِمْ فِي بَطَائِقَ ثُمَّ تُخْلَطُ الْبَطَائِقُ ثُمَّ دَعَا الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَمَنْ دَعَا بِاسْمِهِ وَخَصْمُهُ حَاضِرٌ أَدْخَلَهُمَا وَأَجْلَسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الِاعْتِدَالِ فِي مَجْلِسِهِمَا، فَإِنْ اسْتَعْدَى الَّذِي خَرَجَ اسْمُهُ عَلَى رَجُلٍ بِحَاضِرَةِ مَدِينَةِ الْقَيْرَوَانِ أَوْ بِقَصْرِ ابْنِ الْأَغْلَبِ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ أَعْدَاهُ عَلَى خَصْمِهِ بِطَابَعٍ يُعْطِيه إيَّاهُ، فَإِذَا أَتَى صَاحِبُهُ أُمِرَ بِأَخْذِ الطَّابَعِ مِنْهُ وَكَانَ لَا يُعْطَى كِتَابَ عَدْوَى يَجْلِبُ الْخَصْمَ إلَّا بِلَطْخٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 152 مِنْ شَاهِدِ عَدْلٍ فَيَأْمُرُ كَاتِبَهُ فَيَكْتُبُ لَهُ كِتَابَ عَدْوَى إلَى أَمِينِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ الْخَصْمُ إلَّا مِنْ الْأَمْيَالِ الْيَسِيرَةِ (أَوْ رَسُولٍ) ابْنٌ فَتُّوحٍ: إرْسَالُ الطَّالِبِ لِلْقَاضِي أَنْ يَرْفَعَ مَطْلُوبَهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إنْ كَانَ قَرِيبًا أَنْ يَأْمُرَ غُلَامَهُ الَّذِي لَهُ الْإِجَارَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِالْمَسِيرِ مَعَهُ. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالْقَرِيبُ مِنْ الْمَدِينَةِ كَمَنْ يَأْتِي ثُمَّ يَرْجِعُ يَبِيتُ بِمَنْزِلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ الْمَطْلُوبُ بِالطَّابَعِ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِعِصْيَانِهِ وَتَأَبِّيه عَلَى الْمَجِيءِ، ثُمَّ يُرْسِلُ الْقَاضِي إلَيْهِ أَحَدَ أَعْوَانِهِ وَيَجْعَلُ لَهُ مِنْ رِزْقِهِ جُعْلًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رِزْقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذَا رَفَعَ الْمَطْلُوبَ عَلَيْهِ وَهُوَ مِمَّا يَلْزَمُهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْقَاضِي ذَلِكَ فَأَحْسَنُ الْوُجُوهِ أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ يَسْتَأْجِرُهُ عَلَى النُّهُوضِ فِي الْمَطْلُوبِ وَرَفْعِهِ وَيُعْطَى الْعَوْنَ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ الَّذِي طَلَبَهُ وَدَعَاهُ إلَى الِارْتِفَاعِ إلَى الْقَاضِي فَأَبَى عَلَيْهِ، فَيَكُونُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أُجْرَةُ شُخُوصِ الْعَوْنِ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ عَلَى الطَّالِبِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. قَالَ هَذَا ابْنُ الْعَطَّارِ. وَانْتَقَدَ ابْنُ الْفَخَارِ هَذَا عَلَيْهِ وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ ذَنْبًا يُوجِبُ اسْتِبَاحَةَ مَالِ الْإِنْسَانِ إلَّا الْكُفْرَ وَحْدَهُ وَلَيْسَ مَطْلُوبُهُ يُوجِبُ اسْتِبَاحَةَ مَالِهِ. الْمُتَيْطِيُّ: وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ ابْنِ الْعَطَّارِ (إنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى) ابْنُ شَاسٍ: إذَا غَابَ وَلَمْ يَكُنْ مَوْضِعُهُ يَزِيدُ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى أَحْضَرَهُ الْقَاضِي. الْعَدْوَى طَلَبُك إلَى وَالٍ لِيُعْدِيَك عَلَى مَنْ ظَلَمَك أَنْ يَنْتَقِمَ مِنْهُ تَقُولُ اسْتَعْدَيْت عَلَى فُلَانٍ الْأَمِيرِ فَأَعْدَانِي وَاسْتَعَنْتُ بِهِ فَأَعَانَنِي عَلَيْهِ وَالِاسْمُ مِنْهُ الْعَدْوَى وَهُوَ الْمَعُونَةُ (لَا أَكْثَرَ كَسِتِّينَ مِيلًا إلَّا بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يُجْلَبُ الْخَصْمُ مَعَ مُدَّعِيه بِخَاتَمٍ أَوْ رَسُولٍ إنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى، فَإِنْ زَادَ لَمْ يَجْلِبْهُ مَا لَمْ يَشْهَدْ شَاهِدٌ. قَالَ سَحْنُونَ: لَا يَشْخُصُ مِنْ الْبَعْدِ خَصْمٌ وَلَا شَاهِدٌ وَالْبَعْدُ سِتُّونَ مِيلًا. ابْنُ سَلْمُونَ: فَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ فِي مِصْرِ الْحَاكِمِ أَوْ عَلَى الْأَمْيَالِ الْيَسِيرَةِ وَنَفَرَ كَتَبَ بِرَفْعِهِ. قَالَ أَصْبَغُ: لَا يَكْتُبُ إلَّا لِأَهْلِ الْعَدْلِ اجْمَعُوا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 153 فُلَانًا وَفُلَانًا لِلتَّنَاصُفِ، فَإِنْ أَبَى فَانْظُرُوا فَإِنْ رَأَيْتُمْ لِلْمُدَّعِي وَجْهُ مَطْلَبٍ وَلَمْ يُرِدْ الْمَطْلُوبُ تَعْنِيتَهُ فَارْفَعُوهُ إلَيَّ وَإِلَّا فَلَا. (وَلَا يُزَوِّجُ امْرَأَةً لَيْسَتْ بِوِلَايَتِهِ) ابْنُ شَاسٍ: لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُزَوِّجَ امْرَأَةً خَارِجَةً عَنْ وِلَايَتِهِ. (وَهَلْ يُدَّعَى حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِهِ عَمَلٌ أَوْ الْمُدَّعِي فِيهِ وَأُقِيمَ مِنْهَا وَفِي تَمْكِينِ الدَّعْوَى لِغَائِبٍ بِلَا وَكَالَةٍ تَرَدُّدٌ) أَمَّا الْفَرْعُ الْأَوَّلُ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْخُصُومَةُ فِي مُعَيَّنٍ دَارًا أَوْ غَيْرَهَا فِي كَوْنِهَا بِبَلَدٍ الْمُدَّعَى فِيهِ. قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ. أَوْ بِبَلَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ بَلَدٍ الْمُدَّعِي فِيهِ. قَالَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 154 مُطَرِّفٌ ثَالِثُهَا هَذَا أَوْ حَيْثُ اجْتِمَاعُهُمَا وَلَوْ بِغَيْرِ بَلَدٍ الْمُدَّعِي فِيهِ. قَالَهُ أَصْبَغُ. وَقَالَ: كُلُّ مَنْ تَعَلَّقَ بِخَصْمٍ فِي حَقٍّ فَلَهُ مُخَاصَمَتُهُ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ مِنْ دَيْنٍ وَحَقٍّ لَا فِي الْعَقَارِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَلَى هَذَا نَقَلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ دَيْنًا عَلَى غَائِبٍ أَحْلَفَهُ قَاضِي بَلَدِهِ يَمِينَ الِاسْتِبْرَاءِ وَحَكَمَ لَهُ بِدَيْنِهِ عَلَى الْغَائِبِ حَيْثُ يَكُونُ. رَابِعًا أَنَّ الْحُكْمَ بِبَلَدِ الْغَائِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحْكُومُ فِيهِ بِهِ. وَقَالَ فَضْلٌ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ كَقَوْلِ مُطَرِّفٍ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الرَّجُلِ يَرِثُ الدَّارَ فَيَغِيبُ وَيَأْتِي رَجُلٌ يَدَّعِيهَا، لَا يُحْكَمُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ الْمُدَّعِي أَنْ يَمْضِيَ إلَيْهِ. وَعَزَا ابْنُ سَهْلٍ لِعِيسَى بْنِ دِينَارٍ مِثْلَ قَوْلِ مُطَرِّفٍ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ. وَمِنْ الْمُفِيدِ: سُئِلَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ الرَّجُلِ مِنْ قُرْطُبَةَ تَكُونُ لَهُ الدَّارُ أَوْ الْحَقُّ بِجَيَّانَ فَيَدَّعِي ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ جَيَّانَ، فَيُرِيدُ الْجَيَّانِيُّ مُخَاصَمَةَ الْقُرْطُبِيِّ عِنْدَ قَاضِي جَيَّانَ حَيْثُ الشَّيْءُ الَّذِي ادَّعَى فِيهِ، أَيَرْفَعُ مَعَهُ الْقُرْطُبِيُّ إلَى جَيَّانَ؟ قَالَ: لَا يُرْفَعُ مَعَهُ وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَبِذَلِكَ حَكَمَ ابْنُ بَشِيرٍ وَكَتَبَ بِهِ إلَى بَعْضِ قُضَاتِهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ. وَقَالَ: لَيْسَ لَهُ إمْسَاكُ الْمَطْلُوبِ إنْ تَعَلَّقَ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْعَقَارِ وَالْخِصَامُ فِيهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 155 الْعَقَارُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ فِيهِ فَلَهُ حَبْسُهُ. وَأَمَّا الدَّعْوَى بِحَقٍّ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّمَا الْخِصَامُ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِهِ الطَّالِبُ. قُلْت: الدُّيُونُ فِي هَذَا مُخَالِفَةٌ لِلْعَقَارِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَأَمَّا الْفَرْعُ الثَّانِي فَفِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: سَأَلْته عَمَّنْ مَاتَ وَتَرَكَ زَوْجَةً بِيَدِهَا مَالَهُ وَرِبَاعَهُ وَلَهُ أَخٌ غَائِبٌ فَقَامَ ابْنُ الْغَائِبِ فَقَالَ كُلُّ الْمَالِ الَّذِي بِيَدِ امْرَأَةِ عَمِّي لَيْسَ لَهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَأَنَا وَارِثُ أَبِي وَلَا وَكَالَةَ لَهُ مِنْ قِبَلِهِ، وَيَقُولُ: إنْ أَنَا أُثْبِتُهُ لَا تَدْفَعُوهُ لِي وَأَوْدَعُوهُ فِي يَدِ غَيْرِي أَوْ يَقُومُ بِذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ عَلَى الْغَائِبِ فَقَالَ: أَرَى ذَلِكَ لِلِابْنِ وَلَا يُدْفَعُ لَهُ الْمَالُ وَيُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَأَمَّا غَيْرُ الِابْنِ فَلَا أَدْرِي مَا هَذَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا الْأَبُ فِيمَا ادَّعَاهُ لِابْنِهِ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِمَنْ سِوَاهُمَا مِنْ الْقَرَابَةِ. ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 156 [كِتَابُ الشَّهَادَاتِ] [بَاب أَهْلِيَّة الشَّهَادَة وَمَا يفيد قَبُولهَا وَمُسْتَنِد عِلْم الشَّاهِد وتحمله وَأَدَائِهِ] وَفِيهِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ يُفِيدُ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ وَمَا يُفِيدُ قَبُولَهَا وَمَا يَمْنَعُ مِنْهُ. الْبَابُ الثَّانِي فِي الْعَدَدِ وَالذُّكُورَةِ. الثَّالِثُ فِي مُسْتَنَدِ عِلْمِ الشَّاهِدِ وَتَحَمُّلِهِ وَأَدَائِهِ. الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. الْبَابُ السَّادِسُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ خَاتِمَةُ الْكِتَابِ بِذِكْرِ اطِّلَاعِ الْقَاضِي بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَى خَلَلٍ فِي الشُّهُودِ. الْمُتَيْطِيُّ: مَرَاتِبُ الشُّهُودِ فِي الشَّهَادَاتِ إحْدَى عَشْرَةَ مَرْتَبَةً، وَالشَّهَادَةُ الَّتِي تُوجِبُ الشَّيْءَ دُونَ يَمِينٍ سَبْعَةُ أَقْسَامٍ، وَاَلَّتِي تُوجِبُهُ مَعَ الْيَمِينِ خَمْسَةٌ، وَاَلَّتِي تُوجِبُ حُكْمَهُ وَلَا تُوجِبُ الْحَقَّ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ مُوجِبَةً لِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِمُقْتَضَاهَا اكْتَسَبَتْ مِنْ الشَّرَفِ مَنْزِلَةً فَاشْتُرِطَ فِيهَا شُرُوطٌ (الْعَدْلُ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ بَالِغٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 161 الِاسْتِهْلَالِ وَنَحْوِهِ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ عِدْلَتَيْنِ. ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ شُرُوطِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا تَحَمُّلِهَا الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ. الْمَازِرِيُّ: شَرْطُ الْعَقْلِ وَاضِحٌ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ وَلَا يَضْبِطُهُ وَمَنْ هُوَ كَذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا يُخْتَلَفُ فِي الْعَقْلِ فِي حَالَتَيْ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ، وَلَا يَضُرُّ ذَهَابُ الْعَقْلِ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَنَصَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَا أَذْكُرُهُ مِنْ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا أَعْرِفُهُ، بَلْ نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْكَبِيرِ يُخْنَقُ ثُمَّ يُفِيقُ وَإِنْ كَانَ يُفِيقُ إفَاقَةً يَعْقِلُهَا جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَبَيْعُهُ وَابْتِيَاعُهُ، وَالْبُلُوغُ فِي عُمُومِهَا اتِّفَاقًا. الْمَازِرِيُّ: لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَبْلُغْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَلَا يَأْثَمُ فِيمَا يَفْعَلُهُ مِنْ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَهَذَا يَمْنَعُ الثِّقَةَ بِشَهَادَتِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا شَهِدَ عَبْدٌ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ صَبِيٌّ بِشَهَادَةٍ ثُمَّ رَدُّوهَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ وَالْحُلُمِ جَازَتْ. (بِلَا فِسْقٍ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا مَا يُفِيدُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَا يُشْتَرَطُ الِاتِّصَافُ بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ فَوَصْفَانِ: الْأَوَّلُ الْعَدَالَةُ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهُوَ الْمُحَافَظَةُ الدِّينِيَّةُ عَلَى اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَتَوَقِّي الصَّغَائِرِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَحُسْنُ الْمُعَامَلَةِ. ابْنُ شَاسٍ: لَيْسَتْ الْعَدَالَةُ أَنْ يُمَحِّصَ الرَّجُلُ الطَّاعَةَ حَتَّى لَا يَشُوبَهَا مَعْصِيَةٌ إذْ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ، لَكِنْ مَنْ كَانَتْ الطَّاعَةُ أَكْثَرَ حَالِهِ وَأَغْلِبَهَا عَلَيْهِ وَهُوَ مُجْتَنِبٌ لِلْكَبَائِرِ مُحَافَظٌ عَلَى تَرْكِ الصَّغَائِرِ فَهُوَ الْعَدْلُ. (وَحَجْرٍ) سَمِعَ أَشْهَبُ: أَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ عَدْلٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. ابْنُ رُشْدٍ: مِثْلُهُ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهُوَ قِيَاسُ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي لَغْوِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْيَتِيمِ الْبَالِغِ فِي جَوَازِ أَفْعَالِهِ وَرَدِّهَا، وَأَمَّا الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ الْمَعْلُومِ وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي أَنَّ الْمَوْلَى لَا تَنْفُذُ أَفْعَالُهُ وَإِنْ كَانَ رَشِيدًا فِي أَفْعَالِهِ أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَتُهُ وَلَوْ كَانَ مِثْلُهُ لَوْ طَلَبَ مَالَهُ أَخَذَهُ. (وَبِدْعَةٍ وَإِنْ تَأَوَّلَ كَخَارِجِيٍّ وَقَدَرِيٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَهَادَةُ الْمُبْتَدِعِ سَاقِطَةٌ لِأَنَّهُ كَافِرٌ أَوْ فَاسِقٌ. ابْنُ الْقَصَّارِ: وَلَوْ كَانَ عَنْ تَأْوِيلٍ غَلِطَ فِيهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ وَتَأْوِيلٍ كَالْخَارِجِيِّ وَالْقَدَرِيِّ. (لَمْ يُبَاشِرْ كَبِيرَةً) عِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ: أَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْكَبَائِرِ. زَادَ عِيَاضٌ: وَمُتَوَقِّي الْمُثَابَرَةَ عَلَى الصَّغَائِرِ. ابْنُ عَاتٍ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 162 وَمُجَانِبًا مُخَالَطَةَ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ (أَوْ كَثِيرَ كَذِبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مِمَّا يُجْرَحُ بِهِ الشَّاهِدُ قِيَامُ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَذَّابٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَاحِدٍ (أَوْ صَغِيرَةَ خَسَّةٍ وَسَفَاهَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْعَدَالَةُ صِفَةُ مَظِنَّةٍ تَمْنَعُ مَوْصُوفَهَا الْبِدْعَةَ وَمَا يَشِينُهُ عُرْفًا وَمَعْصِيَةَ غَيْرِ قَلِيلِ الصَّغَائِرِ. فَالصَّغَائِرُ الْخَسِيسَةُ مُنْدَرِجَةٌ فِيمَا يَشِينُ، وَنَادِرُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 163 الْكَذِبِ فِي غَيْرِ عَظِيمِ مَفْسَدَةٍ غَيْرِ مُنْدَرِجٍ فِي قَلِيلِ الصَّغَائِرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهَا مِمَّا يُجْرَحُ بِهِ أَنَّهُ كَذَّابٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَاحِدٍ (وَلَعِبَ نَرْدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الشِّطْرَنْجُ أَشَرُّ مِنْ النَّرْدِ. الْمَازِرِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِدَامَةُ شِطْرَنْجٍ ". (ذُو مُرُوءَةٍ بِتَرْكِ غَيْرِ لَائِقٍ) ابْنُ شَاسٍ: الْوَجْهُ الثَّانِي الْمُرُوءَةُ، فَيُشْتَرَطُ فِي الْعَدْلِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمِلًا لِمُرُوءَةِ مِثْلِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُرُوءَةُ هِيَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى فِعْلِ مَا تَرَكَهُ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 164 الْمُبَاحِ يُوجِبُ الذَّمَّ عُرْفًا كَتَرْكِ الْمَلِيءِ الِانْتِعَالَ فِي بَلَدٍ يُسْتَقْبَحُ فِيهِ مَشْيُ مِثْلِهِ حَافِيًا، وَعَلَى تَرْكِ مَا فَعَلَ مِنْ مُبَاحٍ يُوجِبُ ذَمَّهُ عُرْفًا كَالْأَكْلِ عِنْدَنَا فِي السُّوقِ وَفِي حَانُوتِ الطَّبَّاخِ لِغَيْرِ الْغَرِيبِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا تُرَدُّ شَهَادَةُ ذَوِي الْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ كَالْكَنَّاسِ وَالْحَجَّامِ إلَّا مَنْ رَضِيَهَا اخْتِيَارًا مِمَّا لَا تَلِيقُ بِهِ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى خَبَلٍ فِي عَقْلِهِ. الْبُرْزُلِيِّ: حَكَى عَنْ الصَّالِحِ أَبِي الْعَبَّاسِ السَّبْتِيِّ حَالَاتٍ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُعْتَقَدْ فِيهِ إلَّا الْخَيْرُ لِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ صَلَاحِهِ وَزُهْدِهِ وَإِيثَارِهِ، وَكَذَا حَكَى الشَّيْخُ الصَّالِحُ الرَّاوِيَةَ الْبَطْرِينِيُّ أَنَّ الْوَلِيَّ الْمَشْهُورَ الزَّوَاوِيَّ كَانَ مُخَرَّبَ الظَّاهِرِ وَهُوَ عِنْدَ الْعَامَّةِ مَشْهُورٌ بِالْوِلَايَةِ فَلَا يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِ تَخْرِيبُ ظَاهِرِهِ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ: الْحِيَاكَةُ بِحَسَبِ الْبُلْدَانِ وَهِيَ فِي إقْلِيمِ إفْرِيقِيَّةَ مِنْ الصِّنَاعَاتِ الرَّفِيعَةِ يَسْتَعْمِلُهَا وُجُوهُ النَّاسِ، وَكَذَا كُلُّ صَنْعَةٍ بِحَسَبِ رِفْعَتِهَا وَخِسَّتِهَا. (مِنْ حَمَامٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُجْرَحُ الشَّاهِدُ بِثُبُوتِ لَعِبِهِ بِالْحَمَامِ إذَا كَانَ يُقَامِرُ عَلَيْهَا. مُحَمَّدٌ: مَنْ فَعَلَهُ عَلَى قِمَارٍ أَوْ أَدْمَنَ عَلَيْهِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ. (وَسَمَاعِ غِنَاءٍ) الْمَازِرِيُّ: الْغِنَاءُ لَا بِآلَةٍ عِنْدَنَا مَكْرُوهٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: مَنْ أَدْمَنَ عَلَى سَمَاعِ غِنَاءٍ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَيُمْكِنُ أَنَّهُ رَآهُ عَلَمًا عَلَى سُقُوطِ الْمُرُوءَةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: تُرَدُّ شَهَادَةُ الْمُغَنِّي وَالْمُغَنِّيَةِ وَالنَّائِحَةِ إنْ عُرِفُوا بِذَلِكَ بِشَرْطِ اشْتِهَارِهِمْ بِذَلِكَ، وَالِاشْتِهَارُ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْخَسَاسَةِ. قَالَ: وَلَمَّا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ وَكَانَ ضَرْبُ الْأَوْتَارِ وَالنَّفْخُ فِي الْمِزْمَارِ يُقَارِنُ شُرْبَهَا غَالِبًا وَيُحَرِّكُ النَّفْسَ إلَى شُرْبِهَا، انْسَحَبَ حُكْمُ التَّحْرِيمِ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَا يُطْرِبُ وَلَا يَدْعُو إلَى الشُّرْبِ. وَفِي الْإِحْيَاءِ: كُلُّ آلَةٍ يُسْتَخْرَجُ مِنْهَا صَوْتٌ مُسْتَطَابٌ مَوْزُونٌ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَعْتَادُهُ أَهْلُ الشُّرْبِ حَرُمَ سَمَاعُهَا وَإِلَّا فَهِيَ بَاقِيَةٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 165 عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ قِيَاسًا عَلَى صَوْتِ الْكَبَرِ، بَلْ أَقُولُ: سَمَاعُ الْأَوْتَارِ مِمَّنْ يَضْرِبُهَا عَلَى غَيْرِ وَزْنٍ حَرَامٌ أَيْضًا اهـ. رَاجِعْ أَوَاخِرَ قَوَاعِدِ عِزِّ الدِّينِ وَفَتَاوِيهِ فِي حُكْمِ السَّمَاعِ وَهُوَ أَوْلَى مَنْ يُقَلَّدُ فِي هَذَا الْبَابِ. (كَدِبَاغَةٍ وَحِيَاكَةٍ اخْتِيَارًا) تَقَدَّمَ هَذَا وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ إنَّ الْحِيَاكَةَ مِنْ الصِّنَاعَاتِ الرَّفِيعَةِ (وَإِدَامَةِ شِطْرَنْجٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَدْمَنَ عَلَى اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا هُوَ الْمَرَّةُ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ عَدْلًا. وَكَرِهَ مَالِكٌ اللَّعِبَ بِهَا وَقَالَ: هِيَ أَشَدُّ مِنْ النَّرْدِ. وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ لَا يُدْمِنُ عَلَى اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ إذْ لَا يَخْلُو الْإِنْسَانُ مِنْ لَهْوٍ وَمَزْحٍ يَسِيرٍ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ اهـ. مَا لِابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: قَوْلُ مَالِكٍ " إنْ كَانَ لَعِبُهُ بِالشِّطْرَنْجِ إنَّمَا هُوَ الْمَرَّةُ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّعِبَ بِهَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ لِنَفْسِهِ وَعَيْنِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ فِي تَحْرِيمِهِ وَلَيْسَ اللَّعِبُ بِهَا بِمُضْطَرٍّ إلَيْهِ وَلَا مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ فَيُعْفَى عَنْ الْيَسِيرِ مِنْهُ قَالَ: وَمِمَّنْ أَجَازَ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ عَلَى غَيْرِ قِمَارٍ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُهُ هِشَامٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَعَطَاءٌ، وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونَ: مَنْ كَانَ يَبِيعُ النَّرْدَ وَالزَّمَامِيرَ وَالْعِيدَانَ وَالطَّنَابِيرَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَكَذَا مَنْ يَشْتَغِلُ بِطَلَبِ عِلْمِ الْكِيمْيَاءِ. وَأَفْتَى الشَّيْخُ الصَّالِحُ الْمُنْتَصِرُ بِمَنْعِ إمَامَتِهِ. وَحَدَّثَنِي شَيْخِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ إنْسَانًا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُحْكِمُ عِلْمَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَقُلْت لَهُ: الَّذِي أُفْتِيك بِهِ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ إنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تُبَيِّنَ لِلَّذِي تَشْتَرِي مِنْهُ أَنَّهَا مُدَبَّرَةٌ إذْ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْتُمَ أَحَدًا مِنْ أَمْرٍ عَرَضَهُ مَا إذَا ذَكَرَهُ كَرِهَهُ الْآخَرُ، أَوْ كَانَ ذِكْرُهُ أَبْخَسَ لَهُ وَكُلُّ النَّاسِ يُؤْثِرُ الْمَعْدِنِيَّ عَلَى الْمُدَبَّرِ. (وَإِنْ أَعْمَى فِي قَوْلٍ أَوْ أَصَمَّ فِي فِعْلٍ) ابْنُ شَاسٍ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَصَمِّ فِي الْأَفْعَالِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا نَحْوُ نَقْلِ الْمَازِرِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ " يَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى فِيمَا يَصِحُّ أَنْ يَعْلَمَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 166 الْبَصِيرُ ". وَلِابْنِ شَعْبَانَ: شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ جَائِزَةٌ إذَا عُرِفَتْ إشَارَتُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَبُولُ شَهَادَتِهِ كَصِحَّةِ عَقْدِ نِكَاحِهِ وَثُبُوتِ طَلَاقِهِ وَقَذْفِهِ وَكِلَاهُمَا فِيهِ. (لَيْسَ بِمُغَفَّلٍ) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدْلِ الْغَيْرِ الْمَأْمُونِ عَلَى مَا يَقُولُ وَقَدْ يَكُونُ عَدْلًا وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُغْتَفَلَ أَوْ يُضْرَبَ عَلَى خَطِّهِ وَيَشْهَدَ عَلَى الرَّجُلِ وَلَا يَعْرِفُهُ يَتَسَمَّى لَهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَتُهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ (إلَّا فِيمَا لَا يَلْبِسُ) الْمَازِرِيُّ: إطْلَاقُ الْمُتَقَدِّمِينَ رَدَّ الشَّهَادَةِ بِالْبَلَهِ وَالْغَفْلَةِ، قَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِمَا كَثُرَ مِنْ الْكَلَامِ وَالْجُمَلِ الْمُتَعَلِّقِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ لَا فِي نَحْوِ قَوْلِهِ رَأَيْت هَذَا الشَّخْصَ قَتَلَ هَذَا الشَّخْصَ أَوْ سَمِعْته قَالَ هِيَ طَالِقٌ. (وَلَا مُتَأَكِّدَ الْقُرْبِ كَأَبٍ وَإِنْ عَلَا وَأَمٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ تُهْمَةُ الْحُبِّ لِأَصْلٍ أَوْ عَارِضٍ. رَوَى ابْنُ نَافِعٍ يَدْخُلُ فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ شَهَادَةُ الْأَبَوَيْنِ وَالْوَلَدِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ. الْمَازِرِيُّ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ، كَانَ جَدًّا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ، وَلَا شَهَادَةُ بَنِي بَنِيهِمْ لَهُمْ (وَزَوْجِهِمَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: مِنْ الْمَوَانِعِ أَكِيدُ الشَّفَقَةِ بِالنَّسَبِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَكَذَلِكَ الزَّوْجِيَّةِ فِيهِمَا (وَوَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمَازِرِيِّ " وَلِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ " (كَبِنْتِ الْوَلَدِ) شَمَلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَإِنَّمَا خَصَّ الْبِنْتَ تَوْطِئَةً (وَزَوْجِهِمَا) اللَّخْمِيِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 167 لِزَوْجِ ابْنَتِهِ وَلَا لِزَوْجَةِ وَلَدِهِ. (وَشَهَادَةُ ابْنٍ مَعَ أَبٍ وَاحِدَةٌ لِكُلٍّ عِنْدَ الْآخَرِ أَوْ عَلَى شَهَادَتِهِ أَوْ حُكْمِهِ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْخِلَافُ فِي شَهَادَةِ الْأَبِ عِنْدَ ابْنِهِ، وَالِابْنِ عِنْدَهُ، وَشَهَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى شَهَادَةِ صَاحِبِهِ، وَشَهَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى حُكْمِ صَاحِبِهِ، وَشَهَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ صَاحِبِهِ وَاحِدٌ. قِيلَ: كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَمُطَرِّفٍ. وَقِيلَ: ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ، وَفَرَّقَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 168 ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ تَنَاقُضٌ، وَأَمَّا تَعْدِيلُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ فَلَمْ يُجِزْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إلَّا ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَفِي ذَلِكَ بُعْدٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَا أَدْرَكْت قَاضِيًا حَفِظَهُ اللَّهُ مِنْ تَقْدِيمِ وَلَدِهِ أَوْ قَرِيبِهِ إلَّا قَاضِيًا وَاحِدًا جَعَلَنَا اللَّهُ مِمَّنْ عَلِمَ الْحَقَّ وَعَمِلَ بِهِ. وَلِبَعْضِ شُيُوخِ الشُّورَى بِقُرْطُبَةَ: شَهَادَةُ الْأَخَوَيْنِ فِي حَقِّ وَاحِدٍ لِرَجُلٍ جَائِزَةٌ وَلَيْسَ كَالِابْنِ مَعَ أَبِيهِ. (بِخِلَافِ أَخٍ لِأَخٍ إنْ بَرَزَ وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِخِلَافِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 169 كَأَجِيرٍ وَمَوْلًى وَمُلَاطِفٍ وَمُفَاوِضٍ فِي غَيْرِ مُفَاوَضَةٍ وَزَائِدٍ أَوْ مُنَقِّصٍ وَذَاكِرٍ بَعْدَ شَكٍّ وَتَزْكِيَةٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: سِتَّةٌ لَا يُقْبَلُ فِيهَا إلَّا الْعَدْلُ الْمُبْرِزُ: الشَّهَادَةُ لِلْأَخِ وَلِلْمَوْلَى وَلِلصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ وَلِشَرِيكِهِ فِي غَيْرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 170 التِّجَارَةِ وَإِذَا زَادَ فِي شَهَادَتِهِ أَوْ نَقَصَ وَالتَّعْدِيلُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُشْتَرَطُ التَّبْرِيزُ فِي الْعَدَالَةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي شَهَادَةِ الْأَخِ لِأَخِيهِ وَالْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ، وَشَهَادَةِ الْمَوْلَى لِمَنْ أَعْتَقَهُ، وَشَهَادَةِ الصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ لِصَدِيقِهِ، وَشَهَادَةِ الشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ لِشَرِيكِهِ فِي غَيْرِ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ، وَفِيمَنْ سُئِلَ فِي مَرَضِهِ شَهَادَةٌ لِتُنْقَلَ عَنْهُ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُهَا ثُمَّ شَهِدَ بِهَا وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ خَشِيَ فِي مَرَضِهِ عَدَمَ تَثَبُّتِهِ فِيهَا، وَمَنْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ أَوْ نَقَصَ بَعْدَ أَدَائِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ بِالْمَالِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: إنْ كَانَ الشَّاهِدُ فِي نَفَقَةِ الْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ مَعْرُوفُهُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ لَهُ وَإِلَّا فَثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ وَكَانَ مُبْرِزًا فِي حَالِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ فِي الْأَمْوَالِ وَالتَّعْدِيلِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ إنَّ الْأَخَ يُعَدِّلُ أَخَاهُ. عِيَاضٌ: اشْتَرَطَ فِي شَهَادَةِ الْأَخِ أَوَّلَ الْكِتَابِ التَّبْرِيزُ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ أَثْنَاءَهُ، فَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ خِلَافٌ، مَرَّةً اشْتَرَطَ التَّبْرِيزَ وَمَرَّةً لَمْ يَشْتَرِطْهُ. وَعَلَى اشْتِرَاطِ التَّبْرِيزِ اخْتَصَرَهَا الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَيَكُونُ مَرَّةً بَيَّنَهُ وَمَرَّةً أَهْمَلَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ هُوَ فِي عِيَالِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ إذَا كَانَ فِي عِيَالِهِ لِأَنَّهُ يَجُرُّ إلَيْهِ، وَجَرُّهُ إلَيْهِ جَرٌّ إلَى نَفْسِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ إذَا كَانَ مُبْرِزًا فِي الْعَدَالَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِمَنْ أَعْتَقَهُ إذَا كَانَ عَدْلًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا لَمْ يَدْفَعْ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ شَرًّا أَوْ يَجُرَّ إلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: شَهَادَةُ الصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ الَّذِي تَحْتَ إنْفَاقِ مَنْ شَهِدَ لَهُ لَغْوٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَ إنْفَاقِهِ فَطَرِيقُ الْمَازِرِيِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 171 مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ قَبُولُ شَهَادَتِهِ لِصَدِيقِهِ إنْ كَانَ لَيْسَ فِي نَفَقَتِهِ وَلَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ بِرُّهُ وَصِلَتُهُ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يَجُوزُ فِي التَّزْكِيَةِ فِي الْعَلَانِيَةِ إلَّا الْمُبْرِزُ النَّافِذُ الْفَطِنُ الَّذِي لَا يُخْدَعُ فِي عَقْلِهِ وَلَا يُسْتَذَلُّ فِي رَأْيِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْبَلُ فِي التَّزْكِيَةِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ، وَإِنْ ارْتَضَى الْقَاضِي رَجُلًا لِلْكَشْفِ جَازَ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ مَا نَقَلَ إلَيْهِ مِنْ التَّزْكِيَةِ عَلَى رَجُلَيْنِ لَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. (وَإِنْ بِحَدٍّ) الْمُتَيْطِيُّ وَالتَّعْدِيلُ يَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي الدِّمَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ (مِنْ مَعْرُوفٍ إلَّا الْغَرِيبَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَهِدَ قَوْمٌ عَلَى حَقٍّ فَعَدَلَهُمْ قَوْمٌ غَيْرُ مَعْرُوفِينَ وَعَدَّلَ الْمُعَدِّلِينَ آخَرُونَ، فَإِنْ كَانَتْ الشُّهُودُ غُرَبَاءَ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْقَاضِي لَا يَقْبَلُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 172 عَدَالَةً عَلَى عَدَالَةٍ (بِأَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُجْزِي فِي التَّعْدِيلِ إلَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُمْ عُدُولٌ مَرْضِيُّونَ (مِنْ فَطِنٍ عَارِفٍ لَا يُخْدَعُ) تَقَدَّمَ نَصُّ سَحْنُونٍ بِهَذَا (مُعْتَمِدٌ عَلَى طُولِ عَشْرَةٍ) سَحْنُونَ: لَا يُزَكِّي إلَّا مَنْ خَالَطَهُ فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَطَالَتْ صُحْبَتُهُ إيَّاهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ. اللَّخْمِيِّ: وَلَا يُقْبَلُ التَّعْدِيلُ بِيَسِيرِ الْمُخَالَطَةِ (لَا سَمَاعٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ وَجْهُ التَّعْدِيلِ هُوَ أَنْ يَعْرِفَ عَدَالَتَهُ بِطُولِ الصُّحْبَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ لَا بِالتَّسَامُعِ (مِنْ سُوقِهِ أَوْ مَحَلَّتِهِ إلَّا لِتَعَذُّرٍ) اللَّخْمِيِّ: لَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُهُ مِنْ غَيْرِ سُوقِهِ وَمَحَلَّتِهِ، فَإِنْ وَقَفَ أَهْلُ سُوقِهِ وَمَحَلَّتِهِ عَنْ تَعْدِيلِهِ فَذَلِكَ رِيبَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ عَدْلٌ قُبِلَ مِنْ سَائِرِ بَلَدِهِ. الْمُتَيْطِيُّ لَا يُزَكِّي الشَّاهِدَ إلَّا أَهْلُ مَسْجِدِهِ وَسُوقِهِ وَجِيرَانِهِ. رَوَاهُ أَشْهَبُ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَلَا يُزَكِّي الشَّاهِدَ مَنْ شَهِدَ مَعَهُ أَوْ نَقَلَ مَعَهُ شَهَادَةً فِي ذَلِكَ الْحَقِّ (وَوَجَبَتْ إنْ تَعَيَّنَ كَجُرْحٍ إنْ بَطَلَ حَقٌّ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَجُوزُ أَنْ يُزَكِّي الرَّجُلَ إذَا كَانَ عِنْدَهُ عَدْلًا وَكَذَلِكَ فِي تَجْرِيحِهِ مَنْ هُوَ عِنْدَهُ غَيْرُ عَدْلٍ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إحْيَاءً لِلْحَقِّ فَلَا يَسَعُهُ تَرْكُ ذَلِكَ (كَجَرْحٍ) وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ " كَالزِّنَا " أَنَّ الشَّهَادَةَ تَجِبُ بِالتَّجْرِيحِ (وَنُدِبَ تَزْكِيَةُ سِرٍّ مَعَهَا) سُمِعَ الْقَرِينَانِ: أَتَرَى الْمَسْأَلَةَ عَنْ الشُّهُودِ سِرًّا؟ قَالَ: نَعَمْ وَهُوَ تَعْدِيلُ السِّرِّ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي فِعْلُهُ وَلَا يَكْتَفِي بِتَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ دُونَهُ، وَيَكْتَفِي بِتَعْدِيلِ السِّرِّ دُونَ تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ. حَكَى هَذَا ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ وَالْأَخَوَيْنِ. وَمَعْنَاهُ فِي الِاخْتِيَارِ لَا عَلَى اللُّزُومِ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا (مِنْ مُتَعَدِّدٍ) ابْنُ رُشْدٍ: تَعْدِيلُ السِّرِّ يَفْتَرِقُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ أَنَّهُ لَا إعْذَارَ فِيهِ وَفِي أَنَّهُ يُجْزِئُ فِيهِ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ بِخِلَافِ الْعَلَانِيَةِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ إنَّ نَقْلَ تَزْكِيَةِ السِّرِّ تَكُونُ عَنْ رَجُلَيْنِ فَانْظُرْهُ مَعَ هَذَا. (وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الِاسْمَ) سَحْنُونَ: مَنْ عَدَّلَ رَجُلًا لَمْ يَعْرِفْ اسْمَهُ قَبْلَ تَعْدِيلِهِ (أَوْ لَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ التَّعْدِيلِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: التَّزْكِيَةُ جَائِزَةٌ مِنْ غَيْرِ تَفْسِيرٍ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ: قَوْلُهُ " لَا أَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا " لَغْوٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَمِثْلُهُ لَا بَأْسَ بِهِ (بِخِلَافِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 173 الْجَرْحِ) اللَّخْمِيِّ: فِي قَبُولِ التَّجْرِيحِ إجْمَالًا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: قِيلَ: يُقْبَلُ، وَقِيلَ: لَا، وَقَالَ الْأَخَوَانِ يُقْبَلُ مِمَّنْ يَعْرِفُ وَجْهَ التَّجْرِيحِ كَانَ الْمُجَرِّحُ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ أَمْ لَا. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُقْبَلُ فِي مَشْهُورِ الْعَدَالَةِ إلَّا مُفَسَّرٌ. الْمَازِرِيُّ: أَكَّدَ الشَّافِعِيُّ فِي وُجُوبِ الْكَشْفِ فِي الْجَرْحِ لِأَنَّ شَاهِدًا جَرَّحَ شَاهِدًا فَسُئِلَ عَنْ جُرْحَتِهِ فَقَالَ: رَأَيْته يَبُولُ قَائِمًا. فَقِيلَ لَهُ: وَإِذَا بَال قَائِمًا مَاذَا يَكُونُ؟ قَالَ: يَتَطَايَرُ عَلَيْهِ الْبَوْلُ. فَقِيلَ لَهُ: هَلْ رَأَيْته صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا، فَظَهَرَ غَلَطُهُ. (وَهُوَ الْمُقَدَّمُ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ اجْتَمَعَ تَعْدِيلٌ وَتَجْرِيحٌ فَطُرُقٌ. رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الشَّاهِدِ يُعَدِّلُهُ رَجُلَانِ وَيَأْتِي الْمَطْلُوبُ بِرَجُلَيْنِ فَيُجَرِّحَانِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: يُنْظَرُ إلَى الْأَعْدَلِ مِنْ الشُّهُودِ فَيُؤْخَذُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: الْمُجَرِّحَانِ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا زَادَا وَيَسْقُطُ التَّعْدِيلُ. وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَسَحْنُونٌ. وَقَالَ: لَوْ عَدَّلَهُ أَرْبَعَةٌ وَجَرَّحَهُ اثْنَانِ وَالْأَرْبَعَةُ أَعْدَلُ أُخِذَتْ بِشَهَادَةِ الْمُجَرِّحَيْنِ لِأَنَّهُمَا عَلِمَا مَا لَمْ يَعْلَمْهُ الْآخَرُونَ. (وَإِنْ شَهِدَ ثَانِيًا وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِالتَّزْكِيَةِ الْأُولَى تَرَدُّدٌ) ابْنُ رُشْدٍ: الْمَجْهُولُ الْحَالِ إذَا عُدِّلَ مَرَّةً فِي أَمْرٍ ثُمَّ شَهِدَ ثَانِيَةً فَقَالَ سَحْنُونَ: يُطْلَبُ تَعْدِيلُهُ كُلَّمَا شَهِدَ حَتَّى يَكْثُرَ تَعْدِيلُهُ وَيَشْتَهِرَ مُطْلَقًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَكْتَفِي بِالتَّعْدِيلِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَطُولَ سَنَةً، فَلَوْ طَلَبَ تَعْدِيلَهُ بِالْقُرْبِ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ أَوْ بِالْبُعْدِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَعَجَزَ عَنْ ذَلِكَ لِفَقْدِ مَنْ عَدَّلَهُ أَوَّلًا، وَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِ لِأَنَّ طَلَبَ تَعْدِيلِهِ ثَانِيَةً إنَّمَا هُوَ اسْتِحْسَانٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْعَمَلُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ. (وَبِخِلَافِهَا لِأَحَدِ وَلَدَيْهِ عَلَى الْآخَرِ أَوْ أَبَوَيْهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لَهُ) سُمِعَ عِيسَى ابْنُ الْقَاسِمِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 174 لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ السَّفِيهِ عَلَى كَبِيرٍ لِتُهْمَتِهِ بِالْجَرِّ لِنَفْسِهِ لِمَكَانِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ وَوِلَايَتِهِ، وَإِنْ شَهِدَ لِكَبِيرٍ عَلَى صَغِيرٍ أَوْ لِكَبِيرٍ عَلَى كَبِيرٍ جَازَتْ إنْ كَانَ عَدْلًا لَا أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ لَهُ مِمَّنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ الِانْقِطَاعُ عَنْهُ إلَيْهِ وَالْأَثَرَةُ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِمَنْزِلَتِهِ أَوْ عَرَفَ جَفْوَتَهُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ دُونَ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ. لِسَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: فِي شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ تَفْصِيلٌ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ فِي الِابْنِ يَشْهَدُ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ عَلَى الْآخَرِ، لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبْرِزًا أَوْ يَكُونَ مَا شَهِدَ بِهِ يَسِيرًا. ابْنُ رُشْدٍ: وَشَهَادَةُ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ بِطَلَاقِهِ أَوْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ بِطَلَاقِ أُمِّهِ جَائِزَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ هِيَ طَالِبَةً لِلطَّلَاقِ، وَبِطَلَاقِ غَيْرِ أُمِّهِ جَائِزَةٌ إنْ كَانَتْ أُمُّهُ مَيِّتَةً وَغَيْرُ جَائِزَةٍ إنْ كَانَتْ حَيَّةً فِي عِصْمَتِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ هِيَ الطَّالِبَةُ لِلطَّلَاقِ. (وَلَا عَدُوٍّ عَلَى عَدُوٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: عَدَاوَةُ الشَّاهِدِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْمَانِعِيَّةِ اتِّفَاقًا. وَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ: إنْ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا فِي الْأَمْوَالِ وَالْمَوَارِيثِ وَالتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَضَبًا لِلَّهِ لِفِسْقِهِ وَجَرَاءَتِهِ عَلَى اللَّهِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ تَسْقُطْ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مُفَسِّرٌ لِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ (وَلَوْ عَلَى ابْنِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: شَهَادَتُهُ عَلَى ابْنِ عَدُوِّهِ أَوْ أَبِيهِ بِقَتْلٍ أَوْ حَدٍّ سَاقِطَةٌ وَفِي الْمَالِ وَالْجِرَاحِ ثَالِثُهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 175 فِي الْجِرَاحِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى ابْنِ عَدُوِّهِ بِمَالٍ وَمَا لَا تَلْحَقُ الْأَبَ مِنْهُ مَعَرَّةٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَجُوزُ. (أَوْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ) عِيَاضٌ: قَوْلُهُ فِي آثَارِ الْكِتَابِ " تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكُفَّارِ " هَذَا مَا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَعَدَاوَةُ الدِّينِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِأَنَّهَا عَامَّةٌ غَيْرُ خَاصَّةٍ، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْعَدَاوَةُ الْخَاصَّةُ. وَاخْتُلِفَ إذَا طَرَأَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ عَدَاوَةٌ حَدِيثَةٌ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، فَاعْتَبَرَهَا بَعْضُهُمْ وَلَمْ يُجِزْ الشَّهَادَةَ وَهَذَا الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَاصٌّ. (وَلْيُخْبِرْ بِهَا) سُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ فَاحْتَاجَ أَهْلُ الشَّهَادَةِ إلَيْهَا، فَلْيَشْهَدْ عَلَيْهِ وَلْيُخْبِرْ مَعَ شَهَادَتِهِ بِعَدَاوَتِهِ إيَّاهُ وَلَا يَكْتُمُ. ابْنُ رُشْدٍ: مِثْلُ هَذَا فِي سَمَاعِ عِيسَى خِلَافُ سَمَاعِ سَحْنُونٍ وَنَوَازِلِهِ، وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يُخْبِرُهُ بِعَدَاوَتِهِ لِأَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 176 يُبْطِلُ بِذَلِكَ حَقًّا يَعْلَمُ صِحَّتَهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَغُرْمِ شُهُودٍ عَلِمُوا ". اُنْظُرْ إنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ لَهُ وَعَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَسْقُطُ فِيهِمَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ فِي بُطْلَانِ كُلِّ الشَّهَادَةِ بِبُطْلَانِ بَعْضِهَا لِلتُّهْمَةِ خِلَافًا لِأَصْبَغَ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْهَا مَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ. (كَقَوْلِهِ بَعْدَهَا تَتَّهِمُنِي وَتُشَبِّهُنِي بِالْمَجْنُونِ مُخَاصِمًا لَا شَاكِيًا) مِنْ نَوَازِلِ أَصْبَغَ: مَنْ شَهِدَ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَائِمٌ يَسْمَعُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ شَهَادَتِهِ تَحَوَّلَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ وَالْقَاضِي يَسْمَعُ أَنْتَ تَشْتُمُنِي وَتُشَبِّهُنِي بِالْمَجَانِينِ. لَمْ يَطْرَحْ ذَلِكَ شَهَادَتُهُ إلَّا بِعَدَاوَةٍ قَدِيمَةٍ. ابْنُ رُشْدٍ لَهُ: فِي الثَّمَانِيَةِ إنْ قَالَ عَلَى وَجْهِ الشَّكْوَى وَالِاسْتِنْهَاءِ مِنْ الْأَذَى لَا عَلَى وَجْهِ طَلَبِ الْخُصُومَةِ وَلَا يُسَمِّي الشَّتْمَةَ فَلَا أَرَاهُ شَيْئًا، وَإِنْ سَمَّى الشَّتْمَةَ وَهِيَ مِمَّا فِي مِثْلِهَا الْخُصُومَةُ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الطَّلَبِ لِخُصُومَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الشَّتْمَةَ فَشَهَادَتُهُ بَاطِلَةٌ وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ هُنَا. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا. ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ عَدُوُّهُ انْتَهَى. وَنَحْوُ هَذَا اخْتَارَ اللَّخْمِيِّ. قَالَ: وَطَرْحُ هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَحْسَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبْرِزًا. قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ عَادَاهُ وَقَبُولُهَا هُنَا أَحَقُّ، إذَا كَانَتْ قُيِّدَتْ قَبْلَ الْعَدَاوَةِ. (وَاعْتَمَدَ فِي إعْسَارِهِ بِصُحْبَتِهِ وَقَرِينَةِ صَبْرِ ضَرٍّ كَضَرَرِ الزَّوْجَيْنِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي شَرْطِ شَهَادَةِ غَيْرِ السَّمَاعِ يَقْطَعُ الشَّاهِدُ بِالْعِلْمِ بِالْمَشْهُودِ فِيهِ مُطْلَقًا، وَصِحَّتُهَا بِالظَّنِّ الْقَوِيِّ فِيهِمَا يَعْسُرُ الْعِلْمُ بِهِ عَادَةً طَرِيقَانِ. الْأُولَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 177 لِلْمُقَدِّمَاتِ قَائِلًا: الْعِلْمُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ وَبِالْعَقْلِ مَعَ أَحَدِ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ وَبِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ، وَمِنْهُ نَظَرُهُ كَشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ بِشِرَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفَرَسَ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ بِمَا عُلِمَ مِنْ الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ جَائِزَةٌ كَالْوَلَاءِ وَالْمَوْتِ وَضَرَرِ الزَّوْجَيْنِ إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَالْقَطْعُ بِهَا. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ لِلْمَازِرِيِّ قَالَ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ بِزَوْجِيَّةِ رَجُلٍ امْرَأَةً بِرُؤْيَةِ حَوْزِهِ إيَّاهَا حَوْزَ الْأَزْوَاجِ زَوْجَاتِهِمْ وَإِنْ لَمْ يُولَدْ حِينَ التَّزْوِيجِ: هَذَا نَوْعٌ خَارِجٌ عَنْ شَهَادَةِ السَّمَاعِ، وَإِنَّمَا يُطْلَبُ فِيهِ الظَّنُّ الْقَوِيُّ الْمُزَاحِمُ لِلْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ كَالشَّهَادَةِ بِالتَّفْقِيرِ. وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ تَابِعًا لِابْنِ شَاسٍ: وَيُعْتَمَدُ عَلَى الْقَرَائِنِ الْمُغَلِّبَةِ لِلظَّنِّ فِي التَّعْدِيلِ وَفِي الْإِعْسَارِ وَضَرَرِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ فَقَدْ رَدَّ الطَّرِيقَتَيْنِ إلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ: وَلَوْ صَرَّحَ فِي أَدَاءِ شَهَادَتِهِ بِالظَّنِّ لَمْ تُقْبَلْ يَعْنِي عَلَى كِلَا الطَّرِيقَتَيْنِ. (وَلَا إنْ حَرَصَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 178 عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ فِيمَا رَدَّ فِيهِ بِفِسْقٍ أَوْ صِبًا أَوْ رِقٍّ أَوْ كُفْرٍ أَوْ عَلَى التَّأَسِّي كَشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا فِيهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ التُّهْمَةُ عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ عَرَضَ أَوْ تَخْفِيفِ مَعَرَّةٍ بِمُشَارِكٍ فِيهَا مِنْ الْوَرَثَةِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَهِدَ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إلَى قَاضٍ فَرَدَّهَا لِمَوَانِعِهِمْ لَمْ تَجُزْ بَعْدَ زَوَالِهَا أَبَدًا. أَشْهَبُ: مَنْ قَالَ لِقَاضٍ يَشْهَدُ لِي فُلَانٌ الْعَبْدُ أَوْ النَّصْرَانِيُّ أَوْ فُلَانٌ الصَّبِيُّ فَقَالَ: لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ ثُمَّ زَالَتْ مَوَانِعُهُمْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ، لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ فُتْيَا لَا رَدٌّ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ فِي رَدِّ شَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا فِي الزِّنَا وَقَبُولِهَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالزِّنَا. (أَوْ مَنْ حُدَّ فِيمَا حُدَّ فِيهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: كُلُّ مَنْ حُدَّ فِي قَذْفٍ أَوْ غَيْرِهِ وَتَابَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ فِي غَيْرِ مَا حُدَّ فِيهِ. وَقَالَهُ ابْنُ حَارِثٍ فِي الْقَاذِفِ اتِّفَاقًا. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهَا أَيْضًا تَصِحُّ فِيمَا حُدَّ فِيهِ قَذْفٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَقَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 179 وَأَصْبَغُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كِتَابِ الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَرَوَى الْأَخَوَانِ وَأَصْبَغُ لَا تَصِحُّ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. (وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى الْقَبُولِ كَمُخَاصَمَةِ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَشَهِدَ وَحَلَفَ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَانِعُ السَّادِسُ مَنْ ظَنَّ عَدَمَ اسْتِيفَاءِ وَاجِبِ التَّحَمُّلِ أَوْ تَرَكَ الْقِيَامَ بِهَا الْمُوجِبَ دَوَامَ مُحَرَّمٍ أَوْ الْحِرْصَ عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: شَهَادَةُ الْمُخْتَفِي لَا خَفَاءَ فِي رَدِّهَا عَلَى الْقَوْلِ بِلَغْوِ الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِ الْمُقِرِّ دُونَ قَوْلِهِ أَشْهَدُ عَلَى، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَرِوَايَتُهُ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ: إلَّا أَنْ يَكُونَ قَذْفًا. ابْنُ عَرَفَةَ: أَوْ غَيْرُهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِتُهْمَةِ الْحِرْصِ عَلَى قَبُولِهَا. قِيلَ: إذَا حَلَفَ الشَّاهِدُ عَلَى صِحَّةِ شَهَادَتِهِ إنَّ حَلِفَهُ قَادِحٌ فِيهَا لِأَنَّ حَلِفَهُ كَالْعِلْمِ عَلَى التَّعَصُّبِ وَالْحَمِيَّةِ. قَالَ: وَاخْتُلِفَ إذَا قَامَ الشُّهُودُ وَخَاصَمُوا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَسْقَطَ ابْنُ الْقَاسِمِ شَهَادَتَهُمْ لِأَنَّ خِصَامَهُمْ عَلَمٌ عَلَى شِدَّةِ الْحِرْصِ عَلَى إنْفَاذِ شَهَادَتِهِمْ، وَشِدَّةَ الْحِرْصِ عَلَى إنْفَاذِهَا يَحْمِلُ عَلَى تَحْرِيفِهَا أَوْ زِيَادَةٍ فِيهَا، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ. فَقَالَ الْبَاجِيُّ: مَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 180 قَامَ يَطْلُبُ حَقًّا لِلَّهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِيهِ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ: شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ. (أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ فِي مَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ) ابْنُ رُشْدٍ: الشَّهَادَةُ بِمَالِ الْحَاضِرِ تَبْطُلُ بِتَرْكِ إعْلَامِهِ لَا بِتَرْكِ رَفْعِهَا لِلسُّلْطَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّهَا مِمَّنْ هُوَ إلَى نَظَرِ السُّلْطَانِ كَالْيَتِيمِ الْمُهْمَلِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 184 وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْحِرْصُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْأَدَاءِ يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ طَلَبِهِ فِيمَا تَمَحَّضَ مِنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ قَادِحٌ. (وَفِي مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالْإِمْكَانِ إنْ اُسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ كَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَوَقْفٍ وَرَضَاعٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ كَانَتْ حَقًّا لِلَّهِ يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْخُلْعِ وَالرَّضَاعِ وَالْوَقْفِ لَمْ تَقْدَحْ الْمُبَادَرَةُ، بَلْ تَجِبُ. ابْنُ رُشْدٍ: الشَّهَادَةُ بِمَا يُسْتَدَامُ تَحْرِيمُهُ تَبْطُلُ بِتَرْكِ رَفْعِهِ إلَى السُّلْطَانِ إلَّا عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ أَشْهَبَ. (وَالْأَخِيرُ كَالزِّنَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ كَانَتْ حَقًّا لِلَّهِ فَيُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ كَالزِّنَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 185 وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَلَا تَقْدَحُ وَلَا تَجِبُ إلَّا فِي التَّحْرِيمِ إنْ شَهِدَ عَلَى أَحَدٍ. ابْنُ رُشْدٍ: الشَّهَادَةُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْحُدُودِ الَّتِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لَا يَلْزَمُ الْقِيَامُ بِهَا، وَيُسْتَحَبُّ سَتْرُهُ إلَّا فِي الْمُشْتَهِرُ، وَلَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ الْقِيَامِ وَإِنْ كَانَ مُشْتَهِرًا اتِّفَاقًا. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي مَسَالِكِهِ: الْمَشْهُودُ بِهِ إنْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ وَلَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخُمُورِ. زَادَ أَصْبَغُ: وَالسَّرِقَةِ. فَتَرْكُ الشَّهَادَةِ لَهُ جَائِزَةٌ، وَلَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَكْتُمُهَا وَلَا يَشْهَدُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَتَعَلَّقُوا بِهِ وَرَفَعُوا لِلسُّلْطَانِ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَيُحَدُّونَ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ تَعَلُّقَهُمْ بِهِ وَرَفْعَهُمْ إيَّاهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ لَهُمْ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَأْمُورٌ بِالسَّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَصَابَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ» قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السِّتْرَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ إذَا أَتَى فَاحِشَةً، وَوَاجِبُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إذَا رَأَيْته عَلَى مَعْصِيَةٍ فَعِظْهُ فِيمَا بَيْنَك وَبَيْنَهُ وَلَا تَفْضَحْهُ. رَوَى النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ رَأَى عَوْرَةً فَسَتَرَهَا كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةً مِنْ قَبْرِهَا» «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَزَّالٍ: هَلَّا سَتَرْته بِرِدَائِك» خَرَّجَهُ أَهْلُ الصَّحِيحِ. وَلَمَّا «أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ السَّارِقِ وَقَالَ صَفْوَانُ: لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ؟» وَكَذَلِكَ الْجِوَارُ أَمَانَةٌ وَالْجَارُ عَلَيْهِ أَمِينٌ يَغُضُّ بَصَرَهُ وَيَصُمُّ أُذُنَيْهِ وَيَكُفُّ عَنْهُ أَذَاهُ وَيَسْدُلُ دُونَهُ حِجَابَهُ، فَإِنْ رَأَى عَوْرَةً سَتَرَهَا أَوْ سَيِّئَةً غَفَرَهَا أَوْ حَسَنَةً بَثَّهَا وَنَشَرَهَا. كَانَ لِأَبِي حَنِيفَةَ جَارٌ إسْكَافٌ يَعْمَلُ نَهَارَهُ أَجْمَعَ فَإِذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ وَقَدْ حَمَلَ لَحْمًا فَطَبَخَهُ أَوْ سَمَكَةً فَشَوَاهَا ثُمَّ لَا يَزَالُ يَشْرَبُ حَتَّى إذَا دَبَّ الشَّرَابُ فِيهِ غَزَلَ بِصَوْتٍ يَقُولُ: أَضَاعُونِي وَأَيُّ فَتًى أَضَاعُوا. لِيَوْمِ كَرِيهَةٍ وَسَدَادِ ثَغْرٍ. فَلَا يَزَالُ يَشْرَبُ وَيُرَدِّدُ هَذَا الْبَيْتَ حَتَّى يَأْخُذَهُ النَّوْمُ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ فَفَقَدَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْلَةً صَوْتَهُ فَاسْتَخْبَرَ عَنْهُ فَقِيلَ: أَخَذَهُ الشُّرَطُ وَهُوَ مَحْبُوسٌ. فَلَمَّا صَلَّى أَبُو حَنِيفَةَ الصُّبْحَ مِنْ غَدِهِ رَكِبَ بَغْلَتَهُ وَجَاءَ الْأَمِيرَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ وَأَنْ لَا يَنْزِلَ حَتَّى يَطَأَ الْبِسَاطَ، فَلَمْ يَزَلْ الْأَمِيرُ يُوَسِّعُ لَهُ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى أَنْزَلَهُ مُسَاوِيًا لَهُ. فَقَالَ: مَا حَاجَتُك؟ فَقَالَ: إسْكَافٌ أَخَذَهُ الْحَرَسُ لِيَأْمُرْ الْأَمِيرُ بِتَخْلِيَتِهِ. قَالَ: نَعَمْ وَكُلُّ مَنْ أُخِذَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَخَلَّى جَمِيعَهُمْ فَرَكِبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْإِسْكَافُ يَمْشِي وَرَاءَهُ، وَلَمَّا نَزَلَ مَضَى إلَيْهِ وَقَالَ: يَا فَتَى أَضَعْنَاك؟ قَالَ: لَا، بَلْ حَفِظْت وَرَعَيْت جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا عَنْ حُرْمَةِ الْجَارِ وَرِعَايَةِ الْحَقِّ، وَتَابَ الرَّجُلُ عَمَّا كَانَ فِيهِ بَيْدَ أَنَّ هَذَا فِي كُلِّ ذَنْبٍ يَخْتَصُّ بِالْعَبْدِ لَا يَتَعَدَّاهُ، فَإِنْ كَانَ يَلْحَقُ غَيْرَهُ مِنْهُ ظُلْمٌ فَخَيْرُ الشُّهُودِ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهَا مِنْ ذَلِكَ شَهَادَةُ ابْنِ عَوْفٍ فِي حَدِيثِ الْوَفَاءِ، وَمِنْ ذَلِكَ شَهَادَةُ الرَّجُلِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنَّ حَمْلَهَا لَيْسَ مِنْهُ. وَأَمَّا شَهَادَتُهُ عَلَى رُؤْيَتِهِ لِزِنَاهَا فَمَكْرُوهٌ، وَالْفِرَاقُ مَعَ السَّتْرِ أَفْضَلُ وَأَوْلَى وَأَوْجَبُ وَأَحْرَى، وَأَمَّا مَعَ إلْحَاقُ غَيْرِ وَلَدِهِ بِهِ فَلَا صَبْرَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 186 عِيَاضٌ: كَانَ مَعَ تَمِيمٍ قَوْمٌ بِبَابِ دَارِهِ إذْ وَثَبَ وَقَالَ لَهُمْ: قُومُوا فَادْخُلُوا فَدَخَلُوا وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَلَا يَدْرُونَ مَا السَّبَبُ فَقَالَ: رَأَيْت سَكْرَانًا فَلَمْ أُرِدْ أَنْ تَرَوْهُ فَقَالُوا: مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: إنَّمَا سَتَرْته عَنْكُمْ ثُمَّ أُخْبِرُكُمْ بِهِ. فَقَالَ عِيَاضٌ: اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى فَضْلِ هَذَا الرَّجُلِ أَعْنِي تَمِيمًا الْمَذْكُورَ وَقُرِئَ عَلَيْهِ بِالْقَيْرَوَانِ وَسُمِعَ مِنْهُ. قَالَ عِيَاضٌ: وَأَمَرَ ابْنُ سَلَمَةَ الْقَاضِي بِإِنْسَانٍ فِي رَأْسِهِ غِرَارَةٌ وَبِيَدِهِ كَبَرٌ فَأَمَرَ بِكَسْرِ الْكَبَرِ وَعَلِمَ وَلَمْ يَشُكَّ أَنَّ الْغِرَارَةَ مَمْلُوءَةٌ أَكْبَارًا فَقَالَ: أَنْزِلُوا الْغِرَارَةَ: قَالَ: وَكَانَ مَعَهُ أَحْمَدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: مَا عَلَيْك أَنْ تُفَتِّشَ أَمْتِعَةَ النَّاسِ إنَّمَا عَلَيْك أَنْ تُغَيِّرَ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمُنْكَرِ. فَأَمْسَكَ الْقَاضِي عَمَّا أَمَرَ بِهِ مِنْ تَفْتِيشِ الْغِرَارَةِ ثُمَّ اجْتَمَعَ الْقَاضِي مَعَ ابْنِ لُبَابَةَ ذَكَرَ لَهُ الْقَضِيَّةَ. فَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ مِثْلَ مَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَأَقْبَلَ الْقَاضِي عَلَى أَحْمَدَ وَقَالَ: لَقَدْ انْتَفَعْت الْيَوْمَ بِصُحْبَتِك يَا رُعَيْنِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ فِي إحْيَائِهِ: مَنْ سَتَرَ مَعْصِيَةً فِي دَارِهِ وَأَغْلَقَ بَابَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَجَسَّسَ عَلَيْهِ، وَإِذَا رَأَى فَاسِقًا وَتَحْتَ ذَيْلِهِ شَيْءٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُ. نَعَمْ لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ اسْتِخْبَارٍ بِأَنَّ فُلَانًا فِي دَارِهِ خَمْرٌ فَلَهُ الدُّخُولُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ وَعَبْدَانِ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَوْلَى الْمَنْعُ إذْ لَا يَسْقُطُ حَقٌّ إلَّا بِعَدْلَيْنِ انْتَهَى. وَانْظُرْ أَيْضًا إذَا شَهِدَ أَحَدٌ عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُنَكَّلُ الشَّاهِدُ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ: مَشَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِاللَّيْلِ فَرَأَى نَارًا فِي بَيْتٍ فَأَتَى إلَيْهَا فَإِذَا بِقَوْمٍ يَشْرَبُونَ وَشَيْخٌ فَاقْتَحَمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْكُمْ. فَقَالَ الشَّيْخُ: مَا نَحْنُ بِأَعْظَمَ مِنْك ذَنْبًا، تَعَدَّيْت وَدَخَلْت بِغَيْرِ إذْنٍ فَاحْتَشَمَ عُمَرُ وَقَالَ: ذَرُوا هَذِهِ بِهَذِهِ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ مَا يُعَارِضُ هَذَا إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يَسْتَظْهِرُ وَيَشْتَهِرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ الْقِيَامِ بِهَا وَإِنْ كَانَ مُشْتَهِرًا اتِّفَاقًا. وَانْظُرْ قَدْ يَكُونُ يَتَضَرَّرُ بِالرَّفْعِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ كَمَا يَسْقُطُ التَّغْيِيرُ لِمَا ذُكِرَ. عِيَاضٌ: شَرُفَ مَالِكٌ فِي رُجُوعِ أَشْيَاخِهِ لِكَلَامِهِ. حُكِيَ أَنَّ ابْنَ هُرْمُزَ مَرَّ بِدَارِ بَعْضِ أَهْلِ الْأَقْدَارِ وَهُوَ وَاقِفٌ مَعَ مَوْلًى لَهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ هُرْمُزَ: إنَّك عَلَى الطَّرِيقِ وَلَيْسَ يَحِلُّ لَك هَذَا، فَقَالَ لِعَبِيدِهِ: طَئُوا بَطْنَهُ فَوَطِئُوهُ حَتَّى حُمِلَ إلَى مَنْزِلِهِ، فَعَادَهُ النَّاسُ وَفِيهِمْ مَالِكٌ فَجَعَلَ يَشْكُو وَالنَّاسُ يَدْعُونَ لَهُ وَمَالِكٌ سَاكِتٌ ثُمَّ تَكَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ لَك أَنْ تَأْتِيَ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْقَدَرِ عَلَى بَابِ دَارِهِ مَعَهُ حَشَمُهُ وَمَوَالِيهِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ هُرْمُزَ: أَفَتَرَانِي أَخْطَأْت؟ قَالَ: إي وَاَللَّهِ. وَقِيلَ لِمَالِكٍ: الرَّجُلُ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِالسُّنَّةِ يُجَادِلُ عَلَيْهَا قَالَ: لَا يُخْبِرُ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ سَمِعَ مِنْهُ وَإِلَّا سَكَتَ. قِيلَ: فَيَنْصَحُ السُّلْطَانَ؟ قَالَ: إنْ رَجَا أَنْ يَسْمَعَهُ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ ذَلِكَ فِي سَعَةٍ. وَانْظُرْ إذَا كَانَ الدَّارُ لِمُنْكَرٍ وَالْجِيرَانُ يَتَضَرَّرُونَ بِهِ وَالْفِقْهُ أَنَّهُ لَا يَقْتَحِمُ عَلَيْهِ فِي الدَّارِ وَلَكِنْ تُرْفَعُ الشَّكْوَى بِهِ لِلْقَاضِي وَيَعْذِرُ لَهُ ثُمَّ تُكْرَى عَلَيْهِ غَيْرَ أَنْ يَقْذِفَ أَوْ يَكْشِفَ عَلَيْهِ. اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيُّ. (بِخِلَافِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ كَالْمُخْتَفِي) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ الْحِرْصُ عَلَى التَّحَمُّلِ مِثْلُ أَنْ يَجْلِسَ مُخْتَفِيًا فِي زَاوِيَةٍ لِتَحَمُّلِ شَهَادَةٍ فَيَنْبَنِي قَبُولُ شَهَادَتِهِ عَلَى جَوَازِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُقِرِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي شَهَادَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 187 الشَّاهِدِ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ يَتَكَلَّمُ أَوْ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ أَوْ غَيْرِهِ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ: إحْدَاهُمَا يَشْهَدُ إذَا كَانَ قَدْ اسْتَوْعَبَ ذَلِكَ وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَبِهِ الْعَمَلُ قَالَهُ فِي الْمُفِيدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ أَوَّلَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ " وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى الْقَبُولِ ". (وَلَا إنْ اُسْتُبْعِدَ كَبَدْوِيٍّ لِحَضَرِيٍّ) الْمَازِرِيُّ: تُعْرَضُ التُّهْمَةُ مِنْ جِهَةِ الشُّهُودِ فِي الشَّهَادَةِ وَمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ» ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: مَالِكٌ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ فِي الْحُقُوقِ إذَا شَهِدُوا فِي الْحَاضِرَةِ لِأَنَّهَا تُهْمَةٌ أَنْ يَشْهَدَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ دُونَ مَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ، وَأَجَازَهَا فِي الدِّمَاءِ وَالْجِرَاحِ وَحَيْثُ تُطْلَبُ الْخَلَوَاتُ وَالْبُعْدُ مِنْ الْعُدُولِ (بِخِلَافِ إنْ سَمِعَهُ أَوْ مَرَّ بِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: حَدِيثُ «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَدْوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ» مَحْمَلُهُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْحَضَرِ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الرِّيبَةِ، فَأَمَّا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ سَمِعَهَا أَوْ رَآهَا أَوْ كَانُوا فِي سَفَرٍ فَلَا رِيبَةَ فِي الْمَالِ وَغَيْرِهِ. (وَلَا سَائِلٍ فِي كَثِيرٍ) اللَّخْمِيِّ: وَاخْتُلِفَ فِي الْفَقِيرِ الْمُتَكَفِّفِ. قِيلَ: تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي الْيَسِيرِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ السُّؤَالِ فِي الْكَثِيرِ مِنْ الْأَمْوَالِ أَوْ شَبَهِهَا (بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَسْأَلْ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كَانَ يَقْبَلُ الشَّيْءَ مِمَّنْ يُعْطِيه مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ «مَا أَتَاك مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ رَزَقَك اللَّهُ» ، فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ بَابِ السُّؤَالِ، وَذَكَرَ اللَّخْمِيِّ هَذَا اخْتِيَارًا لِنَفْسِهِ وَابْنُ يُونُسَ أَقْدَمُ (أَوْ يَسْأَلْ الْأَعْيَانَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ سُؤَالًا لِلْإِمَامِ أَوْ الْأَعْيَانِ قُبِلَتْ مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: الْفَقِيرُ الَّذِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 188 لَا يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ شَهَادَتُهُ فِي الْيَسِيرِ جَائِزَةٌ، وَاخْتُلِفَ فِي الْكَثِيرِ. (وَلَا إنْ جَرَّ بِهَا كَعَلَى مُوَرِّثِهِ الْمُحْصَنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 189 بِالزِّنَا أَوْ قَتْلِ الْعَمْدِ إلَّا الْفَقِيرَ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَانِعُ الثَّانِي جَرُّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ لِنَفْسِهِ نَفْعًا لِأَنَّهُ بِهَا مُتَّهَمٌ. فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ عُمَرُ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ. الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ مُزَيْنٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: هُوَ الْمُتَّهَمُ الَّذِي يُظَنُّ بِهِ غَيْرُ الصَّلَاحِ. ابْنُ كِنَانَةَ: شَهَادَةُ الْمُتَّهَمِ مَرْدُودَةٌ وَإِنْ كَانَ مُبْرِزًا فِي الْعَدَالَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَبِيهِمْ بِالزِّنَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ وَلَا يُرْجَمُ لِأَنَّهُمْ يُتَّهَمُونَ عَلَى إرْثِهِ وَيُحَدُّونَ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ كَانَ الْأَبُ عَدِيمًا جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ إنْ كَانُوا عُدُولًا، وَرُجِمَ الْأَبُ بِشَهَادَتِهِمْ إلَّا إنْ كَانَ مُوسِرًا فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ لِتُهْمَتِهِمْ بِالْمِيرَاثِ قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ وَكَذَا إنْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا عَمْدًا. وَقَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا لِتُهْمَتِهِمْ عَلَى سُقُوطِ نَفَقَتِهِ عَنْهُمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 191 بِرَجْمِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ: قَالَ: قَالَ أَشْهَبُ يُرْجَمُ الْأَبُ بِشَهَادَتِهِمْ إلَّا إنْ كَانَ مُوسِرًا فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ لِتُهْمَتِهِمْ بِالْمِيرَاثِ، قَالَ: وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا عَمْدًا وَهُوَ مُعْسِرٌ أَيْضًا تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الرَّاحَةَ مِنْهُ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: فِي تَسْوِيَةِ أَشْهَبَ بَيْنَ شَهَادَتِهِمْ بِزِنَاهُ وَشَهَادَتِهِمْ بِقَتْلِهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ بِقَتْلِهِ وَاجِبَةٌ إنْ دُعُوا إلَيْهَا، وَمُسْتَحَبَّةٌ إنْ لَمْ يُدْعَوْا، فَوَاجِبٌ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ بِذَلِكَ مَا لَمْ يُتَّهَمُوا عَلَى إرْثِهِ وَالرَّاحَةِ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَشَهَادَتُهُمْ بِزِنَاهُ مَكْرُوهَةٌ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِالسَّتْرِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى النَّاسِ، فَالصَّوَابُ رَدُّ شَهَادَتِهِمْ بِزِنَاهُ لِأَنَّهَا عُقُوقٌ إلَّا أَنْ يُعْذَرُوا بِجَهْلٍ أَوْ لِأَنَّهُمْ دُعُوا إلَى الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ مِثْلُ أَنْ يَقُومَ بِحَدٍّ عَلَى مَنْ قَذَفَهُ بِالزِّنَا فَسَأَلَ الْقَاذِفُ بَنِيهِ أَنْ يَشْهَدُوا لَهُ بِزِنَاهُ لِيَسْقُطَ عَنْهُ حَدُّ قَذْفِهِ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي حَمْلُ قَوْلِ أَشْهَبَ. (أَوْ بِعِتْقِ مَنْ يُتَّهَمُ فِي وَلَائِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا نِسَاءٌ وَالْعَبْدُ يَرْغَبُ فِي وَلَائِهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَرْغَبُ فِي وَلَائِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا نِسَاءٌ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا. (أَوْ بِدَيْنٍ لِمَدِينِهِ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ وَقَدْ قَالَ بَعْدَ هَذَا: وَالْمِدْيَانُ الْمُعْسِرُ لِرَبِّهِ، فَسُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِرَجُلٍ وَلِلشَّاهِدِ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ حَقٌّ جَائِزَةٌ. ابْنُ الْقَاسِمِ: بَلَغَنِي إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ مُوسِرًا قُبِلَتْ وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَهِدَ لِنَفْسِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَا إنْ كَانَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى الشَّاهِدِ حَقٌّ إنْ كَانَ مَلِيًّا جَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا لَمْ تَجُزْ. ابْنُ رُشْدٍ: مَا بَلَغَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مُفَسِّرٌ لَمَّا سَمِعَهُ مِنْهُ مُجْمَلًا، وَهَذَا إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ قَرِيبَ الْحُلُولِ، وَإِنْ بَعُدَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مَلِيًّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 192 وَشَهَادَتُهُ لَهُ فِيمَا عَدَا الْأَمْوَالِ جَائِزَةٌ. (بِخِلَافِ الْمُنْفِقِ لِلْمُنْفِقِ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ هُوَ فِي عِيَالِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ فِي عِيَالِ الشَّاهِدِ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ إذْ لَا تُهْمَةَ هُنَا. اُنْظُرْ أَوَّلَ تَرْجَمَةٍ مِنْ الشَّهَادَاتِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (وَشَهَادَةُ كُلٍّ لِلْآخَرِ وَإِنْ بِالْمَجْلِسِ) سُمِعَ أَبُو زَيْدٍ: إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ عَلَى رَجُلٍ بِمَجْلِسٍ وَاحِدٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا إنْ كَانَا عَدْلَيْنِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا ثَالِثُ الْأَقْوَالِ. رَاجِعْ الْمَسْأَلَةَ فَفِيهَا طُولٌ. (وَالْقَافِلَةِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِي حِرَابَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تَجُوزُ عَلَى الْمُحَارِبِينَ شَهَادَةُ مَنْ حَارَبُوهُ إنْ كَانُوا عُدُولًا إذْ لَا سَبِيلَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، شَهِدُوا بِقَتْلٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدٍ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ. وَسُمِعَ يَحْيَى بْنُ الْقَاسِمِ: إنَّهُ شَهِدَ مَسْلُوبَانِ أَنَّ هَؤُلَاءِ سَلَبُونَا هَذِهِ الثِّيَابَ وَالدَّوَابَّ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِأَيْدِيهِمْ أُقِيمَ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ بِشَهَادَتِهِمَا، وَلَمْ يَسْتَحِقُّوا الدَّوَابَّ وَالْمَتَاعَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ سِوَاهُمَا. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي صِحَّةِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ فِي الْحَدِّ وَالْمَالِ وَلَوْ لِأَنْفُسِهِمَا وَرَدُّهَا فِيهِمَا وَلَوْ بِالْمَالِ لِغَيْرِهِمَا، ثَالِثُهَا فِي الْحَدِّ وَالْمَالِ لِغَيْرِهِمَا لَا لِأَنْفُسِهِمَا، وَرَابِعُهَا لَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، رَاجِعْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهَا طَوِيلَةٌ. وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ فِيمَنْ أَوْصَى بِفِدَاءِ مَنْ لَا طَالِبَ لَهُ قَالَ: هَذَا بَابٌ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِشَهَادَةِ مَنْ يَخْتَلِفُ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ، فَإِذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ رُضِيَتْ هَدْيُهُ عَمِلَتْ بِهِمْ. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ: شَهَادَةُ الْأَسْرَى عَلَى التَّوَسُّمِ جَائِزَةٌ لِلضَّرُورَةِ. وَعَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ: رَأَيْنَا مَالِكًا وَجَمِيعَ أَصْحَابِهِ يُجِيزُونَ لِلضَّرُورَةِ شَهَادَةَ بَعْضِ أَهْلِ الرُّفْقَةِ عَلَى بَعْضٍ إذَا عَرَضَ لَهُمْ خِصَامٌ فِيمَا يَدُورُ بَيْنَهُمْ مِنْ الْبَيْعِ وَالْكِرَاءِ وَالسَّلَفِ وَالْمُعَامَلَةِ بِتَوَسُّمِ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَالَةِ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ كَانُوا مِنْ بَلَدٍ وَاحِدٍ أَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 193 بُلْدَانٍ شَتَّى، وَلَا تَجْرِيحَ لِلْخَصْمِ فِيهِمْ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْحُدُودِ وَالْغَصْبِ لِأَنَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ لَا شَهَادَةَ فِيهَا إلَّا بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنَّمَا أُجِيزَتْ فِيمَا ذَكَرْنَا لِإِصْلَاحِ السُّبُلِ وَرَدْعِ الشِّرَارِ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ.: الْمَصَالِحُ الضَّرُورِيَّةُ كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَصَالِحِ الْحَاجِيَّةِ كَنَفَقَتِهِ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَالْحَاجِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّمَامِيَّةِ كَنَفَقَتِهِ عَلَى أَقَارِبِهِ وَالْمَشَقَّةُ مُصْلِحَةٌ وَلَوْ أَفَضْت إلَى مُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ وَذَلِكَ ضَرُورِيٌّ يُؤَثِّرُ فِي الرُّخَصِ كَالْبَلَدِ الَّذِي يَتَعَذَّرُ فِيهِ الْعُدُولُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي نَوَادِرِهِ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَمْثَالِهِمْ لِأَنَّهَا ضَرُورَةٌ، وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ فِي الْقُضَاةِ وَسَائِرِ الْوُلَاةِ. وَقَالَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ: أَوَّلُ بَدْءِ الْإِنْسَانِ فِي زَمَنِ آدَمَ كَانَ الْحَالُ ضَيِّقًا فَأُبِيحَتْ الْأُخْتُ لِأَخِيهَا، فَلَمَّا اتَّسَعَ الْحَالُ حُرِّمَتْ وَحُرِّمَ السَّبْتُ وَالشُّحُومُ وَالْإِبِلُ، وَفُرِضَتْ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ صَلَاةً، وَكَانَتْ التَّوْبَةُ بِقَتْلِ النَّفْسِ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِقَطْعِ الثَّوْبِ، فَلَمَّا هَرِمَتْ الدُّنْيَا وَقَلَّ الْجَلَدُ أُحِلَّتْ تِلْكَ الْحُرُمَاتُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ. (لَا الْمَجْلُوبِينَ إلَّا كَعِشْرِينَ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْحِصْنِ يُفْتَحُ فَيُسْلِمُ أَهْلُهُ فَيَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَأَنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِأَنْسَابِهِمْ كَمَا كَانَتْ الْعَرَبُ حِينَ أَسْلَمَتْ: وَأَمَّا الْعَدَدُ الْقَلِيلُ يَتَحَمَّلُونَ إلَيْنَا فَهَؤُلَاءِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا سِوَاهُمْ مِنْ تُجَّارٍ أَوْ أُسَارَى كَانُوا عِنْدَهُمْ فَيَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْعِشْرُونَ عَدَدٌ كَثِيرٌ. وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا لِابْنِ عَاتٍ أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ إذَا شَهِدُوا فِي حَقٍّ لِامْرَأَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ عَدْلٌ أَنَّهُ يَسْتَكْثِرُ مِنْهُمْ وَيَقْضِي بِشَهَادَتِهِمْ. وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ هَذَا فِي نَوَازِلِهِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْمُفْتِينَ بِالْقُرَى عَلَى ثَلَاثِينَ مِيلًا مِنْ الْبَلَدِ فِيهَا الثَّلَاثُونَ رَجُلًا وَالْأَرْبَعُونَ وَالْأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَالْأَقَلُّ وَلَيْسَ فِيهِمْ عَدْلٌ مَشْهُورٌ بِالْعَدَالَةِ وَلَا يَجِدُونَ مَنْ يَعْرِفُهُمْ فَقَالَ: لِكُلِّ قَوْمٍ عُدُولُهُمْ وَلْيَسْتَكْثِرْ مِنْهُمْ مَا اسْتَطَاعَ وَيَقْضِي بِهِمْ، وَانْظُرْ أَنْتَ يَجُوزُ أَنْ يُزَكِّيَ مِثْلَ هَؤُلَاءِ مَنْ هُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَيَعْدِلُ هَذَا مَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ. اُنْظُرْهُ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " مِنْ مَعْرُوفٍ إلَّا الْغَرِيبَ ". (وَلَا مَنْ شَهِدَ لَهُ بِكَثِيرٍ وَلِغَيْرِهِ بِوَصِيَّةٍ وَإِلَّا قُبِلَ لَهُمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ بِوَصِيَّةٍ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ اضْطِرَابٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 194 فِيمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ فِي ذِكْرِ حَقٍّ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ: لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ عَلَى وَصِيَّةٍ أَوْصَى لَهُ فِيهَا بِشَيْءٍ. هَذَا إنْ كَانَ الَّذِي أَوْصَى لَهُ فِيهَا شَيْءٌ تَافِهٌ لَا يَتَّهِمُ عَلَيْهِ جَازَتْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُجَازَ الشَّهَادَةُ وَيُرَدُّ بَعْضُهَا. وَقَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ هَلَكَ فَشَهِدَ رَجُلٌ أَنَّهُ أَوْصَى لِقَوْمٍ بِوَصَايَا وَأَوْصَى لِلشَّاهِدِ مِنْهَا بِوَصِيَّةٍ وَأَسْنَدَ الْوَصِيَّةَ إلَى الشَّاهِدِ وَهُوَ يَشْهَدُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ: فَإِنْ كَانَ الَّذِي شَهِدَ بِهِ لِنَفْسِهِ تَافِهًا لَا يُتَّهَمُ عَلَى مِثْلِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ. ابْنُ يُونُسَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيهَا ضَرُورَةٌ أَوْ قَدْ يَخْشَى الْمُوصِي مُعَاجَلَةَ الْمَوْتِ وَلَا يَحْضُرُهُ إلَّا الَّذِي أَوْصَى لَهُ وَلَا ضَرُورَةَ تَلْحَقُهُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْحُقُوقِ، وَكَمَا أَجَازُوا شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ لِلضَّرُورَةِ وَشَهَادَةَ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ فَكَذَلِكَ هَذَا. (وَلَا إنْ دَفَعَ كَشَهَادَةِ بَعْضِ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ الْقَتْلِ) عَدَّ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ أَنْ يَدْفَعَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ كَشَهَادَةِ بَعْضِ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ الْقَتْلِ خَطَأً ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِرَدِّ هَذِهِ الشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاءٌ وَالْمِقْدَارَ الَّذِي يَلْزَمُ الْغَنِيَّ أَدَاؤُهُ يَسِيرٌ جِدًّا. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ مَقُولٌ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَلَا أَعْرِفُهُ إلَّا لِلْمَازِرِيِّ وَوَجِيزُ الْغَزَالِيِّ (وَالْمِدْيَانِ الْمُعْسِرِ لِرَبِّهِ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ مَدْيُونٍ لِمَدِينِهِ ". (وَلَا مُفْتٍ عَلَى مُسْتَفْتِيهِ إنْ كَانَ فِيمَا يُنَوَّى فِيهِ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَاتِ شَهَادَةٌ لَا يَجُوزُ الْقِيَامُ بِهَا وَلَوْ دُعِيَ إلَيْهَا وَهِيَ الَّتِي يُعْلَمُ مِنْ بَاطِنِهَا خِلَافُ مَا يُوجِبُ ظَاهِرَهَا كَالرَّجُلِ يَأْتِي الْعَالِمَ فَيَقُولُ حَلَفْت بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا فَكَلَّمْته بَعْدَ ذَلِكَ بِشَهْرٍ لِأَنِّي كُنْت نَوَيْت أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إلَى شَهْرٍ، فَإِنْ دَعَتْهُ امْرَأَتُهُ لِيَشْهَدَ لَهَا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ مَنْ حَلَّفَهُ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ بَعْدَ شَهْرٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَإِلَّا رَفَعَ. (وَلَا إنْ شَهِدَ بِاسْتِحْقَاقٍ وَقَالَ أَنَا بِعْته لَهُ وَلَا إنْ حَدَثَ فِسْقٌ بَعْدَ الْأَدَاءِ) الَّذِي لِابْنِ يُونُسَ: إنْ ارْتَدَّ الشُّهُودُ أَوْ فَسَقَوْا قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِمْ وَسَقَطَتْ وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُمْ فِسْقٌ أَوْ أُخِذُوا يُشْرِبُونَ خَمْرًا وَذَلِكَ بَعْدَ حُكْمِ الْإِمَامِ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ أَوْ الْقِصَاصِ لَا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقُمْ بَعْدُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَدُ وَيُقِيمُ الْحَدَّ وَالْقِصَاصَ لِأَنَّهُ حُكْمٌ نَفَذَ الْأَمْرُ بِهِ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَإِذَا كَتَبَ الْقَاضِي شَهَادَةَ رَجُلٍ وَلَمْ يَحْكُمْ حَتَّى قَتَلَ قَتِيلًا عَلَى نَائِرَةٍ أَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 195 قَذَفَ رَجُلًا وَقَاتَلَ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ، فَلَا تَسْقُطُ بِهَذَا شَهَادَتُهُ الَّتِي وَقَعَتْ عِنْدَ الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يَحْدُثَ مَا يَسْتُرُهُ النَّاسُ مِنْ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَتَسْقُطُ شَهَادَتُهُ تِلْكَ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لِأَنَّهُ مِمَّا يَظُنُّ أَنَّهُ فَعَلَهُ قَدِيمًا. وَلَوْ حُكِمَ بِشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ فِي حَدٍّ فَلَمْ يُقَمْ حَتَّى ظَهَرَ مِنْهُمْ شُرْبُ الْخَمْرِ أَوْ فِسْقٌ أَوْ ارْتِدَادٌ فَالْحُكْمُ نَافِذٌ لَا يُرَدُّ، وَاذَا لَمْ يُحْكَمْ بِهَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ، وَهُوَ كَالرُّجُوعِ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ. قَالَ أَشْهَبُ: وَلَوْ قَاتَلَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَ الشَّهَادَةِ لَمْ يُبْطِلْ ذَلِكَ شَهَادَتَهُمْ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ أَشْهَبُ: إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عِنْدَ قَاضٍ ثُمَّ جَنَتْ أَوْ شَجَّتْ خَطَأً لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهَا، وَإِنْ أَحْدَثَتْ بَعْدَ أَدَائِهَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا بَعْدَ تَعْدِيلِهَا مَا يُمْكِنُ إسْرَارُهُ كَشُرْبِ خَمْرٍ رُدَّتْ شَهَادَتُهَا. مُحَمَّدٌ: مِمَّا يُظَنُّ أَنَّهُ فَعَلَهُ قَدِيمًا وَلَيْسَ مِمَّا يُعْلِنُهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ إسْرَارُهُ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: كَقَتْلٍ عَلَى نَائِرَةٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ قَتْلِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَفِي رَدِّهَا قَوْلَانِ. وَسَمِعَ سَحْنُونَ ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ شَهِدَ وَهُوَ عَدْلٌ فَلَمْ يَحْكُمْ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِ حَتَّى وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ خُصُومَةٌ لَمْ تُرَدَّ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهَا ابْنُ رُشْدٍ شَيْئًا. (بِخِلَافِ تُهْمَةِ جَرٍّ وَدَفْعٍ وَعَدَاوَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: التُّهْمَةُ بِالْعَدَاوَةِ تَحْدُثُ وَالظِّنَّةُ تَقَعُ لَا تُؤَثِّرُ فِي إجَازَةِ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ لِذَلِكَ سَبَبٌ قَبْلَ أَدَائِهَا كَمَنْ شَهِدَ لِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُهَا قَبْلَ أَنْ يَشْهَدَ لَهَا. وَقَالَ أَصْبَغُ: إنْ خَاصَمَ الشَّاهِدُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ لَمْ تَبْطُلْ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّ مَا يُطَالِبُهُ بِهِ قَبْلَ إيقَاعِ الشَّهَادَةِ. (وَلَا عَالِمٍ عَلَى مِثْلِهِ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: خُذُوا الْعِلْمَ حَيْثُ وَجَدْتُمْ وَلَا تَقْبَلُوا شَهَادَةَ الْفُقَهَاءِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ لِأَنَّهُمْ يَتَغَايَرُونَ كَمَا يَتَغَايَرُ التُّيُوسُ فِي الزَّرِيبَةِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 196 الْقَارِئِ عَلَى الْقَارِئِ يَعْنِي الْعُلَمَاءَ لِأَنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ تَحَاسُدًا. وَقَالَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْعَمَلُ الْيَوْمَ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَشَهَادَةُ ذَوِي الْقَبُولِ مِنْهُمْ مَقْبُولَةٌ بَيْنَهُمْ كَغَيْرِهِمْ. انْتَهَى. وَانْظُرْ كَثِيرًا مَا يَكُونُ هَذَا التَّغَايُرُ فِي خِلَافِهِمْ فِي تَحْقِيقِ الْمُنَاظَرَاتِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَطِعَ فِيهَا الِاجْتِهَادُ أَبَدًا، فَانْظُرْ كَيْفَ اخْتَلَفَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَعَ قَبُولِهِمْ حَدِيثَ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا» الْحَدِيثَ. وَمِثْلُ هَذَا يَقَعُ لِلْأَوْلِيَاءِ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِمْ. ذَكَرَ صَاحِبُ كِتَابِ الْمَعَارِجِ أَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إنْكَارُ الْقَوْمِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ إلَى أَنْ يُكَفِّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَحْكُمَ بِحَالِهِ عَلَى غَيْرِهِ. قَالَ أَبُو حَامِدٍ فِي إحْيَائِهِ: وَلِذَلِكَ تَخْتَلِفُ أَجْوِبَتُهُمْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ تَاجِ الدِّينِ: تَنَوَّعَتْ أَجْنَاسُ الْأَعْمَالِ لِتَنَوُّعِ وَارِدَاتِ الْأَحْوَالِ، وَوَارِدَاتُ الْأَحْوَالِ مَا يَرِدُ عَلَى الْقُلُوبِ مِنْ الْمَعَارِفِ، فَقَدْ يَكُونُ وَارِدٌ يُرِيدُ قَبْضًا وَآخَرُ يُرِيدُ بَسْطًا أَوْ هِبَةً أَوْ أُنْسًا أَوْ رَجَاءً أَوْ خَوْفًا. وَانْظُرْ قَضِيَّةَ يَحْيَى وَعِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - حِينَ الْتَقَيَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: كَأَنَّك آمِنٌ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ. وَقَالَ الْآخَرُ لَهُ: وَأَنْتَ كَأَنَّك آمِنٌ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ. فَتَنَوَّعَ مَا ظَهَرَ عَلَيْهِمَا لِتَنَوُّعِ وَارِدَاتِ أَحْوَالِهِمَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَادِقٌ بِنِسْبَةٍ، فَبِهَذَا يَجِبُ تَحْسِينُ الظَّنِّ بِالْجَمِيعِ وَلَا نَسْمَعُ كَلَامَ الْبَعْضِ فِي الْبَعْضِ لِأَجْلِ غَيْرَتِهِمْ عَلَى الدِّينِ لَا تَحَاسُدِهِمْ. (وَلَا إنْ أَخَذَ مِنْ الْعُمَّالِ أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُمْ) سَحْنُونَ: مَنْ قَبِلَ الْجَوَائِزَ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ، وَمَنْ كَانَتْ مِنْهُ الزَّلَّةُ وَالْفَلْتَةُ فَغَيْرُ مَرْدُودِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْخَفِيفَ مِنْ الزَّلَّةِ وَالْفَلْتَةِ لَا يَضُرُّ فِي الْعَدَالَةِ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْأَخْذِ مِنْهُمْ سَاقِطُ الشَّهَادَةِ. وَأَمَّا جَوَائِزُ الْخُلَفَاءِ فَجَائِزَةٌ لَا شَكَّ فِيهَا لِاجْتِمَاعِ الْخَلْقِ عَلَى قَبُولِ الْعَطِيَّةِ مِنْ الْخُلَفَاءِ مِمَّنْ يَرْضَى مِنْهُمْ وَمِمَّنْ لَا يَرْضَى وَمَا يَظْلِمُ فِيهِ قَلِيلٌ فِي كَثِيرٍ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ " قَبُولُهُ مِنْ الْعُمَّالِ جُرْحَةٌ " وَمَعْنَاهُ عِنْدِي عُمَّالُ الْجِبَايَةِ الَّذِينَ إنَّمَا جُعِلَ لَهُمْ قَبْضُ الْأَمْوَالِ وَتَحْصِيلُهَا دُونَ وَضْعِهَا فِي وُجُوهِهَا بِالِاجْتِهَادِ، وَأَمَّا الْأُمَرَاءُ الَّذِينَ فَوَّضَ لَهُمْ الْخَلِيفَةُ أَوْ خَلِيفَتُهُ قَبْضَ الْأَمْوَالِ وَصَرْفَهَا فِي وُجُوهِهَا بِاجْتِهَادِهِمْ كَالْحُجَّاجِ وَشَبَهِهِ مِنْ أُمَرَاءِ الْبِلَادِ الْمُفَوَّضِ جَمِيعَ الْأُمُورِ فِيهَا إلَيْهِمْ فَجَوَائِزُهُمْ كَجَوَائِزِ الْخُلَفَاءِ. وَأَمَّا الْقُضَاةُ وَالْأَجْنَادُ وَالْحُكَّامُ فَلَهُمْ أَخْذُ أَرْزَاقِهِمْ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 197 وَإِنْ كَانَ الْمُجْبَى حَلَالًا لَكِنْ لَمْ يَعْدِلْ فِي قَسْمِهِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْجَائِزَةِ مِنْهُمْ، وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ، وَإِنْ شَابَ الْمُجْبَى حَلَالٌ وَحَرَامٌ فَالْأَكْثَرُ عَلَى كَرَاهَةِ الْأَخْذِ مِنْهُ، مِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ. وَإِنْ كَانَ الْمُجْبَى حَرَامًا فَمِنْهُمْ مَنْ حَرَّمَ أَخْذَ الْجَائِزَةِ وَالرِّزْقِ عَلَى عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ مِنْهُمْ، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ. اهـ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ. وَاَلَّذِي نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ فِي جَامِعِهِ وَابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ مَالِكٌ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إنَّ مَنْ بِيَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ فَاشْتَرَى بِهِ دَارًا أَوْ ثَوْبًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ أَحَدًا، فَلَا بَأْسَ أَنْ تَشْتَرِيَ أَنْتَ تِلْكَ الدَّارَ أَوْ الثَّوْبَ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِالْمَالِ الْحَرَامِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الشُّفْعَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْفَعَ فِي الشِّقْصِ الْمُشْتَرَى بِالْمَالِ الْحَرَامِ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي قَبُولِ هِبَةِ هَذَا الْمُشْتَرِي بِالْمَالِ الْحَرَامِ وَمَعَ كَوْنِ مُشْتَرِيه مُسْتَغْرَقَ الذِّمَّةِ، فَمَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ لَمْ تَجُزْ صَدَقَتُهُ وَلَا هِبَتُهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَجَازَ قَبُولَ هَذَا الْمُشْتَرَى هِبَةً. ابْنُ سَحْنُونٍ وَابْنُ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْعُمَّالُ مَا اشْتَرَوْهُ فِي الْأَسْوَاقِ فَأَهْدَوْهُ لِرَجُلٍ طَابَ لِلْمُهْدَى لَهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَجْهُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْحَرَامَ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ وَالْمُهْدِي فَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ وَالْمَسْئُولُ عَنْهُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْدَعْتَهُ دَنَانِيرَ فَابْتَاعَ بِهَا سِلْعَةً فَلَيْسَ لَك أَخْذُهَا، إنَّمَا لَك أَخْذُ دَنَانِيرِك، وَفِيهَا: إنْ غَصَبَ دَنَانِيرَ فَاشْتَرَى بِهَا شِقْصًا كَانَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعِ لِأَنَّهَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ غَرِمَ مِثْلَهَا وَلَمْ يُنْقَضْ الْبَيْعُ، وَانْظُرْ ابْنَ بَطَّالٍ مِنْ الْجَنَائِزِ، وَنُقِلَ عَنْ الطَّبَرِيِّ: مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِيَدِهِ مَالٌ لَا يَدْرِي مِنْ حَرَامٍ كَسَبَهُ أَوْ مِنْ حَلَالٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَبُولُهُ لِمَنْ أُعْطِيَهُ بَعْدَ أَنْ لَا يَعْلَمَهُ حَرَامًا بِعَيْنِهِ. قَالَ: وَبِنَحْوِ هَذَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَمَنْ كَرِهَهُ فَإِنَّمَا رَكِبَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَ الْوَرَعِ وَتَجَنُّبِ الشُّبُهَاتِ لِأَنَّ الْحَرَامَ لَا يَكُونُ إلَّا بَيِّنًا غَيْرَ مُشْكِلٍ. وَنَحْوُ هَذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي تَمْهِيدِهِ. وَانْظُرْ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ. وَقَالَ سُفْيَانُ: جَوَائِزُ السُّلْطَانِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ صِلَةِ الْإِخْوَانِ لِأَنَّهُمْ لَا يَمُنُّونَ وَالْإِخْوَانُ يَمُنُّونَ، وَكَانَتْ هَدَايَا الْمُخْتَارِ تَأْتِي ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا يَرُدُّ عَطَايَاهُمْ إلَّا أَحْمَقُ أَوْ مُرَاءٍ وَهَذَا فِيمَا لَا يُعْلَمُ فِيهِ الْحَرَامُ بِعَيْنِهِ. اهـ مِنْ التَّمْهِيدِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَسُئِلَ النَّخَعِيُّ عَنْ الرَّجُلِ يَرِثُ الْمِيرَاثَ مِنْهُ الْحَلَالُ وَمِنْهُ الْحَرَامُ قَالَ: لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إلَّا الْحَرَامُ بِعَيْنِهِ. وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ: مَنْ عَمِلَ عَمَلَ السُّلْطَانِ فَظَلَمَ النَّاسَ أَوْ كَانَ قَاهِرًا غَاصِبًا أَوْ قَاطِعًا لِلسَّبِيلِ أَوْ سَارِقًا أَوْ تَاجِرًا عَمِلَ بِالرِّبَا، ثُمَّ مَرِضَ وَأَرَادَ أَنْ يَتَخَلَّصَ وَأَنَالَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَرَادَ أَنْ يُوصِيَ بِمَالِهِ كُلِّهِ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: أَنَا قَدْ نِلْتُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 198 جَمِيعِ مَالِي وَلَا أَعْرِفُ أَصْحَابَهُ، فَأَنَا أُوصِي بِجَمِيعِ مَالِي عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ لِلْمَسَاكِينِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إذَا أَبَى وَرَثَتُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَجَازَ لَهُ الثُّلُثُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ اهـ. وَانْظُرْ آخِرَ الثُّلُثِ الْوَسَطِ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ: مَنْ اسْتَفَادَ مَالًا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي نَفَقَةِ تِبَاعَتِهِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ اللُّقَطَةِ، وَحُكْمُ مَنْ وَجَدَ فِي الْمُشْتَرَى مِنْ الْمَغْنَمِ كُبَّةَ خُيُوطٍ بِدِرْهَمٍ فَوَجَدَ فِيهَا صَلِيبًا ذَهَبًا يَكُونُ فِيهِ سَبْعُونَ دِينَارًا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ، فَانْظُرْ هَذَا الْفِقْهَ وَالْفِقْهَ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الطُّرَرِ هَلْ يَقْتَضِيه قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ الْمُسْتَغْرَقَ الذِّمَّةِ بِالْمَالِ الْحَرَامِ يُعَامَلُ فِيهِمَا بِيَدِهِ بِالْقِيَمِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْعَطِيَّةِ، بَلْ مَنْ تَمَكَّنَ بِشَيْءٍ مِمَّا بِيَدِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوَدِيعَةِ فُتْيَا الْمُحَاسِبِ لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ حَبْسِ وَدِيعَةٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ فَقَالَ لَهُ: إنْ رَدَدْتَهَا لَهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِمِثْلِهَا عَنْ الْمَسَاكِينِ إنْ لَمْ تَعْرِفْ أَرْبَابَهَا. وَعَلَى هَذَا لَوْ جَنَى هَذَا الْمُسْتَغْرَقُ الذِّمَّةِ عَلَى دَابَّةِ رَجُلٍ فَقَتَلَهَا أَوْ عَلَى ثَوْبٍ فَأَفْسَدَهُ لَمَا سَاغَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يُغَرِّمَهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ يُدْخِلُ بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ تِبَاعَاتِهِ نَقْصًا. وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا يَسُوغُ لِأَجِيرٍ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةً فِي خِدْمَتِهِ إيَّاهُ وَلَا لِحَجَّامِ، إجَارَةً فِي حِجَامَتِهِ لِأَنَّهُمْ يُدْخِلُونَ بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ تِبَاعَتِهِ نَقْصًا، وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ لَكَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ مُبَايَعَتِهِ، وَعُرِّفَ عِيَاضٌ بِعَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَشْهُورِ بِالْوَرَعِ دَفَعَ إلَيْهِ جُنْدِيٌّ فَرَسَهُ فَرَكِبَهُ فَنَظَرَ إلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ: مَا لَكُمْ إمَّا وَرَعٌ نَقَصَ وَإِمَّا عِلْمٌ زَادَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَعَلَّهُ تَصَدَّقَ بِقَدْرِ انْتِفَاعِهِ بِهِ. وَعُرِّفَ عِيَاضٌ بِابْنِ مُجَاهِدٍ الْبِيرِيِّ لَمَّا زَارَ الْجُبَيْرِيُّ بِالزَّهْرَاءِ وَأَكَلَ مَعَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ أَمْسَكْتُ عَنْ طَعَامِهِ لَكَانَ جَفَاءً عَلَيْهِ وَقَدْ قَوَّمْتُ مَا أَكَلْتُ وَأَجْمَعْتُ عَلَى الصَّدَقَةِ بِهِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِصَاحِبِهِ، وَرَأَيْتَ هَذَا أَفْضَلَ مِنْ الشُّهْرَةِ وَالْإِمْسَاكِ عَنْ طَعَامِهِ وَالْجَفَاءِ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ الْخُلَفَاءِ) الْمُتَيْطِيُّ: لَا تَسْقُطُ الشَّهَادَةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 199 بِقَبْضِ جَوَائِزِ الْخُلَفَاءِ مَنْ يَرْضَى مِنْهُمْ وَمَنْ لَا يَرْضَى بِخِلَافِ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ فَالْقَبُولُ مِنْهُمْ مُسْقِطٌ لِلشَّهَادَةِ، وَكَذَلِكَ الْأَكْلُ عِنْدَهُمْ إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ الزَّلَّةَ وَالْفَلْتَةَ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ، وَأَمَّا الْمُدْمِنُ الْأَكْلَ عِنْدَهُمْ فَسَاقِطُ الشَّهَادَةِ. (وَلَا إنْ تَعَصَّبَ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى الْقَبُولِ " (كَالرِّشْوَةِ وَتَلْقِينِ خَصْمٍ) ابْنُ عَاتٍ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُرْتَشٍ وَلَا مُلَقِّنٍ لِلْخُصُومَةِ فَقِيهًا كَانَ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُضْرَبُ عَلَى يَدَيْهِ وَيُشَهَّرُ بِهِ فِي الْمَجَالِسِ وَيُعْرَفُ بِهِ وَيُسَجَّلُ عَلَيْهِ، وَقَدْ فَعَلَهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ بِقُرْطُبَةَ بِكَبِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ لِمَشُورَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَهُ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَمْ يُفْتِ فِي خُصُومَةٍ ". وَسُئِلَ بَعْضُ الشُّيُوخِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ الْهَدِيَّةِ تَأْتِي الْفَقِيهَ عَنْ الْفُتْيَا فَقَالَ: إنْ كَانَ يَنْشَطُ فِي الْفُتْيَا أَهْدَى إلَيْهِ أَوْ لَمْ يُهْدِ إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا يَأْخُذُهَا، وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ خُصُومَةٌ وَإِنَّمَا يَسْتَفْتِيهِ فِي شَيْءٍ يَعْرِضُ لَهُ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يَقْبَلَ هَدِيَّةً مِنْ صَاحِبِ فُتْيَا وَلَا مَسْأَلَةٍ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَيْشُونَةَ، وَكَانَ يَجْعَلُ غَيْرَ ذَلِكَ رِشْوَةً. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ شَفَعَ لِأَخِيهِ شَفَاعَةً وَأَهْدَى إلَيْهِ هَدِيَّةً فَقَبِلَهَا فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا» وَمِنْ هَذَا انْقِطَاعُ الرَّعِيَّةِ إلَى الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَعَلِّقِينَ بِالسُّلْطَانِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُمْ فِيمَا دُونَهُمْ لِذَلِكَ. وَمَا أَهْدَى إلَى الْفَقِيرِ رَجَاءَ الْعَوْنِ عَلَى الْخُصُومَةِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ قَبُولُهُ لِأَنَّهَا رِشْوَةٌ، وَكَذَلِكَ إذَا تَنَازَعَ عِنْدَهُ خَصْمَانِ فَأَهْدَيَا إلَيْهِ جَمِيعًا أَوْ أَحَدُهُمَا يَرْجُو أَنْ يُعِينَهُ فِي حُجَّتِهِ عِنْدَ حَكَمٍ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُسْمَعُ مِنْهُ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا وَلَا مِنْ أَحَدِهِمَا شَيْئًا عَلَى ذَلِكَ. (وَلَعِبٍ بِنَيْرُوزَ) عِبَارَةُ ابْنِ عَاتٍ: يُجْرَحُ الرَّجُلُ بِصَنِيعَةِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ إذْ هُوَ مِنْ فِعْلِ النَّصَارَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 200 «مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا فَهُوَ مِنْهُمْ» . (وَمَطْلٍ) فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ: سَحْنُونَ: مَطْلُ الْغَنِيِّ جُرْحَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» . ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَهُ بِأَنَّ الْمَعْرُوفَ بِالْمَطْلِ دُونَ ضَرُورَةٍ جُرْحَةٌ لِأَنَّهُ إذَايَةٌ لِلْمُسْلِمِ فِي مَالِهِ. ابْنُ مُحْرِزٍ: وَرَأْي بَعْضُهُمْ أَنَّ شَهَادَةَ الْبَخِيلِ لَا تُقْبَلُ. (وَحَلِفٍ بِعِتْقٍ وَطَلَاقٍ) فِي الرِّسَالَةِ: وَيُؤَدَّبُ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَيَلْزَمُهُ. قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَمَنْ لَزِمَ ذَلِكَ وَاعْتَادَهُ فَهُوَ جُرْحَةٌ فِيهِ. الْمُتَيْطِيُّ: وَاسْتَحْسَنَ مَالِكٌ كِتَابَ هِشَامٍ أَنْ يُضْرَبَ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ عَشْرَةَ أَسْوَاطٍ، وَكَذَلِكَ الْحَالِفُ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ، وَمَنْ تَكَرَّرَ حَلِفُهُ بِذَلِكَ وَعُرِفَ بِهِ كَانَ جُرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ وَإِنْ بَرَّ فِي حَلِفِهِ بِهِ. (وَبِمَجِيءِ مَجْلِسِ الْقَاضِي ثَلَاثًا بِلَا عُذْرٍ) سَحْنُونَ: لَا يَكُونُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 201 عَدْلًا مَنْ أَتَى مَجْلِسَ الْقَاضِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ. (وَبِتِجَارَةٍ لِأَرْضِ حَرْبٍ) سَحْنُونَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ تَجَرَ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ. وَأَجَازَهَا أَبُو صَالِحٍ فِي الْمُخْتَلِفِينَ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ إذَا كَانُوا لَا بَأْسَ بِحَالِهِمْ. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَقُولُ: فِي السَّفَرِ فِي مَرَاكِبِ الرُّومِ نَظَرٌ فِي حَالٍ لِهَذَا كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الصَّلَاحِ يَرْكَبُ مَعَهُمْ. (وَبِسُكْنَى مَغْصُوبَةٍ أَوْ مَعَ وَلَدٍ شِرِّيبٍ وَبِوَطْءِ مَنْ لَا تُوطَأُ) سَحْنُونَ: مَنْ وَطِئَ جَارِيَةً قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا أُدِّبَ مُوجَعًا مَعَ طَرْحِ شَهَادَتِهِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِمَكْرُوهِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَبْلُغْ الْمَحِيضَ وَمِثْلُهَا يُوطَأُ فَكَذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ الْحَمْلُ مَأْمُونًا عَلَيْهَا لَمْ تَسْقُطْ بِهِ شَهَادَتُهُ لِرِوَايَةِ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا اسْتِبْرَاءَ فِيهَا. (وَبِالْتِفَاتِهِ فِي الصَّلَاةِ) الْأَخَوَانِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ: مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي رُكُوعِهِ دُونَ عُذْرٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ. ابْنُ كِنَانَةَ: وَلَوْ فِي النَّفْلِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَظْهَرُ إنْ عُلِمَتْ إقَامَتُهُ فِي الْفَرْضِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ (وَبِاقْتِرَاضِهِ حِجَارَةً مِنْ الْمَسْجِدِ) سَحْنُونَ: إذَا تَسَلَّفَ مِنْ حِجَارَةِ الْمَسْجِدِ وَرَدَّ عِوَضَهَا وَقَالَ ظَنَنْتُ أَنَّ هَذَا يَجُوزُ. (وَعَدَمِ إحْكَامِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالزَّكَاةِ لِمَنْ لَزِمَتْهُ) ابْنُ كِنَانَةَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ لَا يُحْكِمُ الْوُضُوءَ، وَكَذَلِكَ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ لِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، وَكَذَا مَنْ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ نِصَابِ الْمَالِ وَهُوَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا يَكُونُ مِمَّنْ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ لَا يَفْتَقِرُ فِي زَكَاتِهِ لِتَحْقِيقِ قَدْرِ النِّصَابِ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ إخْرَاجُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَهَذَا فِي الْمَالِ الْعَيْنِ، وَأَمَّا فِي الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ فَلَا (وَبَيْعِ نَرْدٍ وَطُنْبُورٍ) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِدَامَةِ شِطْرَنْجٍ ". (وَاسْتِحْلَافِ أَبِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ يُسْتَحْلَفَ الْأَبُ لِلِابْنِ فِي دَعْوَاهُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ شَحَّ الِابْنُ فِي اسْتِحْلَافِ أَبِيهِ أُحْلِفَ لَهُ وَكَانَتْ جُرْحَةً عَلَى الِابْنِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَذَلِكَ عُقُوقٌ إذَا اسْتَحْلَفَهُ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ حَدًّا وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَوْ عُذِرَ بِجَهَالَةٍ أَوْ كَانَ حَقُّهُ حَقًّا. (وَقُدِحَ فِي الْمُتَوَسِّطِ بِكُلٍّ) اللَّخْمِيِّ: يُسْمَعُ الْجَرْحَ فِي الرَّجُلِ الْمُتَوَسِّطِ الْعَدَالَةِ مُطْلَقًا (وَفِي الْمُبَرِّزِ بِعَدَاوَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ وَإِنْ بِدُونِهِ كَغَيْرِهِمَا عَلَى الْمُخْتَارِ) اللَّخْمِيِّ: وَيُسْمَعُ الْجَرْحُ فِي الرَّجُلِ الْمُبَرِّزِ وَالْمَعْرُوفِ بِالْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ الْعَدَاوَةِ وَالْهِجْرَةِ أَوْ الْقَرَابَةِ أَوْ مَا أَشْبَهَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 202 ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يُقْبَلُ فِيهِ الْجَرْحُ مِنْ وَجْهِ الْإِسْفَاهِ؛ فَمَنَعَهُ أَصْبَغُ وَأَجَازَهُ سَحْنُونَ وَقَالَ: يُمَكَّنُ الْخَصْمُ مِنْ تَجْرِيحِ الرَّجُلِ الْبَيِّنِ الْفَضْلِ وَالْمُبَرِّزِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ جَرْحِهِ بِالْإِسْفَاهِ وَغَيْرِهَا. وَاخْتُلِفَ بَعْدَ الْقَوْلِ بِقَبُولِ تَجْرِيحِهِ وَيُقْبَلُ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدِهَا لِسَحْنُونٍ، وَالثَّانِي لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَالثَّالِثِ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالرَّابِعِ لِمُطَرِّفٍ قَالَ: يُجَرَّحُ الشَّاهِدُ بِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَفَوْقَهُ وَدُونَهُ بِالْإِسْفَاهِ وَالْعَدَاوَةِ. اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا أَحْسَنُ لِأَنَّ الْجَرْحَ مِمَّا يَكْتُمُهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ وَهِيَ بِشَهَادَةٍ وَعِلْمٍ عِنْدَهُ يُؤَدِّيهِ مِثْلَ سَائِرِ الشَّهَادَاتِ. وَالِاسْتِحْسَانُ إذَا كَانَ الشَّاهِدُ لَيْسَ بِالْمُبَرِّزِ قَبْلَ جَرْحِهِ مِنْ عَدْلٍ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةٍ هَلْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ، وَإِنْ كَانَ مُبَرِّزًا قُبِلَ مِنْ مُبَرِّزٍ كَانَ أَيْضًا مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ، وَلْيُسْأَلْ الْمُجَرِّحُ بِمَاذَا يُجَرِّحُهُ؛ فَإِنْ ذَكَرَ وَجْهًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَى النَّاسِ وَلَا يُشْبِهُ أَنْ يَنْفَرِدَ ذَلِكَ بِمَعْرِفَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْفَى مِثْلُهُ قُبِلَ مِنْ مُجَرِّحِهِ وَجَازَ ذَلِكَ. (وَزَوَالِ الْعَدَاوَةِ وَالْفِسْقِ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بِلَا حَدٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: جُرْحَةُ الْفِسْقِ تَزُولُ بِالتَّوْبَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ مُسْتَوْفَاةٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْفِقْهِ. الْمَازِرِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ ثَبَتَ إنَّمَا تُقْبَلُ بِدَلَالَةِ حَالِهِ وَالْقَرَائِنِ عَلَى صِدْقِهِ مَعَ اتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الْعَدَالَةِ، وَلَا تَوْقِيتَ فِي ذَلِكَ وَوَقَّتَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَالتَّحْقِيقُ مَا قُلْنَاهُ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَزَوَالُ الْعَدَاوَةِ كَالْفِسْقِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا لِغَيْرِهِ. رَاجِعْهُ فِيهِ. (وَمَنْ امْتَنَعَتْ لَهُ لَمْ يُزَكِّ شَاهِدَهُ وَيُجَرِّحْ شَاهِدًا عَلَيْهِ وَمَنْ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ فَالْعَكْسُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمَنْ امْتَنَعَتْ لَهُ امْتَنَعَتْ فِي تَزْكِيَةِ مَنْ شَهِدَ لَهُ وَتَجْرِيحِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ، وَمَنْ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ امْتَنَعَتْ فِي الْعَكْسِ. ابْنُ عَرَفَةَ: أَقَلُّ مِنْ شَطْرِ عَدَدِ كَلِمَاتِهِ التَّزْكِيَةُ فِي شَيْءٍ بِهِ كَشَهَادَتِهِ بِهِ وَالتَّجْرِيحُ فِيهِ كَشَهَادَةٍ بِنَقِيضِهِ عِلَّةُ الْجَمِيعِ جَرُّ نَفْعٍ أَوْ دَفْعُ ضُرٍّ (إلَّا الصِّبْيَانَ) قَالَ الْمُقْرِي: كُلُّ مَنْ لَيْسَ بِحُرٍّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ عَدْلٍ مُسْتَعْمَلٍ لِمُرُوءَةِ مِثْلِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَّا بَعْضِ ذُكُورِ صِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ عَلَى بَعْضٍ فِي الدِّمَاءِ. ابْنُ عَرَفَةَ: شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ الذُّكُورِ فِي جِرَاحِهِمْ الْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا وَشَرَطَ الْقَاضِي أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَعْقِلُ الشَّهَادَةَ. ابْنُ عَرَفَةَ: لِقَوْلِهَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَقَلَّ مِمَّا يُقَارِبُهَا (لَا نِسَاءً فِي كَعُرْسٍ) اللَّخْمِيِّ: فِي إلْحَاقِ النِّسَاءِ بِالصِّبْيَانِ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ الْجِرَاحِ فِي الْمَآتِمِ وَالْعُرْسِ وَالْحَمَّامِ، نَقَلَ الْجَلَّابُ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: وَلَوْ لَمْ تَكُونَا عَدْلَتَيْنِ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا يَحْضُرُهُ الْعُدُولُ وَأَرَى أَنْ يُقْسِمَ مَعَهُمَا فِي الْقَتْلِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الْجَلَّابِ أَنَّ الْمَذْهَبَ سُقُوطُهَا (فِي جَرْحٍ أَوْ قَتْلٍ) ابْنُ سَحْنُونٍ: قُلْت لِسَحْنُونٍ: لِمَ أَجَزْتَ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ بَيْنَهُمْ فِي الْجِرَاحِ وَلَمْ تُجِزْهَا فِي الْحُقُوقِ وَالْأَمْوَالِ؟ قَالَ: لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ الْحُقُوقَ يَحْضُرُهَا الْكِبَارُ. قُلْت: فَيَلْزَمُك أَنْ تُجِيزَهَا فِي غَصْبِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. قَالَ: هَذَا مَوْضِعُ اتِّبَاعِ الْمَاضِينَ وَلَا وَجْهَ لِلْقِيَاسِ فِيمَا هُوَ سُنَّةٌ أَوْ كَالسُّنَّةِ (وَالشَّاهِدُ حُرٌّ) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الصِّبْيَانُ الْمَمَالِيكُ وَلَا أَحْفَظُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافًا أَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 203 تَجُوزُ وَكَذَا صِبْيَانُ أَهْلِ الذِّمَّةِ (مُمَيِّزٌ) تَقَدَّمَ شَرْطُ الْقَاضِي هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ " لَا نِسَاءً " (ذَكَرٌ تَعَدَّدَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ إلَّا شَهَادَةُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ فَأَكْثَرَ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ. وَلَا تَجُوزُ أَيْضًا شَهَادَةُ الْإِنَاثِ مِنْ الصِّبْيَانِ وَإِنْ كَثُرْنَ (لَيْسَ بِعَدُوٍّ وَلَا قَرِيبٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَجُوزُ لِقَرِيبٍ وَلَا لِعَدُوٍّ مِنْهُمْ إذَا ثَبَتَتْ الْعَدَاوَةُ. مُحَمَّدٌ: وَلَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَى عَدَالَةٍ وَلَا إلَى جُرْحَةٍ فِيهِمْ (وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ) ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَوْ شَهِدَ صَبِيَّانِ أَنَّ صَبِيًّا قَتَلَ صَبِيًّا وَشَهِدَ آخَرُ أَنْ لَيْسَ مِنْهُمَا الْقَاتِلُ وَأَنَّ دَابَّةً أَصَابَتْهُ جُبَارًا قَالَ: تَمْضِي شَهَادَةُ الصَّبِيَّيْنِ عَلَى الْقَتْلِ. وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْقَرَوِيِّينَ: هَذَا اخْتِلَافٌ يُوجِبُ سُقُوطَ شَهَادَتِهِمْ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. وَانْظُرْ قَوْلَهُ " قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْقَرَوِيِّينَ " وَقَدْ قَالَ فِي التَّلْقِينِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ فَتُقْبَلُ عَلَى شُرُوطٍ تِسْعَةٍ مِنْهَا: أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُمْ مُتَّفِقَةٌ غَيْرُ مُخْتَلِفَةٍ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ خَاصَّةً لَا لِكَبِيرٍ عَلَى صَغِيرٍ وَلَا لِصَغِيرٍ عَلَى كَبِيرٍ وَفُرْقَةٍ. قَالَ مَالِكٌ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ مَا لَمْ يَفْتَرِقُوا أَوْ يُخَبِّبُوا. مُحَمَّدٌ: أَوْ يَدْخُلْ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ. الْبَاجِيُّ: التَّخْبِيبُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يُلَقِّنَهُمْ. ابْن فَتُّوحٍ: مَعْنَى يُخَبَّبُ أَيْ يُعَلَّمُوا (إلَّا أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِمْ قَبْلَهَا) ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا قَيَّدْت شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ بِالْعُدُولِ لَمْ يُبْطِلْهَا رُجُوعُهُمْ إلَّا أَنْ يَتَرَاخَى الْحُكْمُ حَتَّى يَكْبَرُوا وَيَعْدِلُوا فَيُؤْخَذُوا بِرُجُوعِهِمْ إذَا أَيْقَنُوا أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالْبَاطِلِ، وَقَالَ نَحْوَهُ سَحْنُونَ (وَلَمْ يَحْضُرْ كَبِيرٌ أَوْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ أَوْ لَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ التَّلْقِينِ بِهَذَا فَانْظُرْهُ مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ لِابْنِ يُونُسَ. قَالَ مَا نَصَّهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا دَخَلَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ شَاهِدٌ أَوْ مَشْهُودٌ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الصِّغَارِ لِأَنَّ الْكَبِيرَ يُعَلِّمُهُمْ إلَّا كَبِيرَ مَقْتُولٍ لَمْ يَبْقَ حَتَّى يُعَلِّمَهُمْ (وَلَا يَقْدَحُ رُجُوعُهُمْ) قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ " لَمْ يُبْطِلْهَا رُجُوعُهُمْ " (وَلَا تَجْرِيحُهُمْ) تَقَدَّمَ نَصُّ مُحَمَّدٍ " لَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى عَدَالَةٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 204 وَلَا إلَى جُرْحَةٍ فِي الصِّبْيَانِ " (وَلِلزِّنَا وَاللِّوَاطِ أَرْبَعَةٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ بَيِّنَةِ الزِّنَا كَوْنُهَا أَرْبَعَةً بِنَصِّ التَّنْزِيلِ وَحُكْمِ عُمَرَ. الْمَازِرِيُّ: وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ: وَالشَّهَادَةُ فِي اللِّوَاطِ كَالزِّنَا. (بِوَقْتٍ وَرُؤْيَةٍ اتَّحَدَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَجْهُ الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا أَنْ يَأْتِيَ الْأَرْبَعَةُ الشُّهَدَاءُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يَشْهَدُونَ عَلَى وَطْءِ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بِهَذَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ (وَفُرِّقُوا فَقَطْ أَنَّهُ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكْشِفَ الشُّهُودُ بِالزِّنَا عَنْ شَهَادَتِهِمْ كَيْفَ رَأَوْهُ وَكَيْفَ صَنَعَ، فَإِنْ رَأَى فِي شَهَادَتِهِمْ مَا يُبْطِلُهَا أَبْطَلَهَا. وَفِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ الشُّهُودِ لَا يُفَرَّقُونَ وَلَا يُسْأَلُونَ إنْ كَانُوا عُدُولًا إلَّا فِي الزِّنَا فَإِنَّهُمْ يُفَرَّقُونَ وَيُسْأَلُونَ أَنَّهُ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا. مَالِكٌ: لَا تَتِمُّ شَهَادَتُهُمْ حَتَّى يَقُولُوا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ فِي الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ. الْغَزَالِيُّ: وَنِيطَ الزِّنَا بِهَذَا وَهَذَا قَطُّ لَا يَتَّفِقُ فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 206 عَلَى طَلَبِ الشَّرْعِ لِسَتْرِ الْفَوَاحِشِ، فَانْظُرْ إلَى الْحِكْمَةِ فِي جَرْحِهِمْ فِي بَابِ الْفَاحِشَةِ بِإِيجَابِ الرَّجْمِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْعُقُوبَاتِ، ثُمَّ اُنْظُرْ إلَى كَشْفِ سِتْرِ اللَّهِ كَيْفَ أَسْبَلَهُ عَلَى الْعُصَاةِ بِتَضْيِيقِ الطَّرِيقِ فِي كَشْفِهِ فَنَرْجُو مِنْ اللَّهِ أَنْ لَا نُحْرَمَ هَذَا مِنْ هَذَا الْكَرَمِ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (وَلِكُلٍّ النَّظَرُ لِلْعَوْرَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قِيلَ: إنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَقَالُوا: تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ إلَيْهِمَا لِنُثْبِتَ الشَّهَادَةَ قَالَ: كَيْفَ يَشْهَدُ الشُّهُودُ إلَّا هَكَذَا. وَنَاقَضَ هَذَا ابْنُ هَارُونَ بِعَدَمِ إجَازَتِهِ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي عُيُوبِ الْفَرْجِ، وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِصَابَةِ وَهِيَ بِكْرٌ أَنَّهَا تُصَدَّقُ وَلَا يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ. قَالَ الْقَرَوِيُّونَ: ذَلِكَ مُشْكِلٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُرَدُّ هَذَا بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ الْحَدُّ حَقٌّ لِلَّهِ وَثُبُوتُ الْعَيْبِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ وَحَقُّ اللَّهِ آكَدُ لِقَوْلِهَا: مَنْ سَرَقَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا قُطِعَ لِلسَّرِقَةِ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ. الثَّانِي مَا لِأَجْلِهِ نَظَرٌ وَهُوَ الزِّنَا مُحَقَّقُ الْوُجُودِ أَوْ رَاجِحُهُ وَثُبُوتُ الْعَيْبِ مُحْتَمَلٌ عَلَى السَّوِيَّةِ. الثَّالِثُ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ فِي الزِّنَا مَغِيبُ الْحَشَفَةِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ مِنْ الْإِحَاطَةِ بِالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ مَا يَسْتَلْزِمُهُ النَّظَرُ إلَى الْعَيْبِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ لَمْ يَكُنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 207 هَذَا الزَّانِي مَعْرُوفًا بِالْفَسَادِ فَفِي تَعَمُّدِ النَّظَرِ إلَيْهِمَا نَظَرٌ، يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَا يَكْشِفُونَ وَلَا تَتَحَقَّقُ عَلَيْهِمْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَوْ تَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ أَنْ لَا يُبَلِّغُوا الشَّهَادَةَ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِيَتَعَمَّدْ النَّظَرَ خَوْفَ أَنْ يَحِدُّوا قَاذِفَهُ وَلَكِنَّ السَّتْرَ أَوْلَى لِأَنَّ مُرَاعَاةَ قَذْفِهِ نَادِرٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلِقَوْلِهَا مَنْ قَذَفَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى حَلَالٌ لَهُ الْقِيَامُ بِحَدِّ مَنْ قَذَفَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَذَا كُلُّهُ إنْ عَجَزَ الشُّهُودُ عَنْ مَنْعِ الْفَاعِلَيْنِ إتْمَامَ مَا ابْتَدَآهُ مِنْ الْفِعْلِ، وَلَوْ قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ فَلَمْ يَفْعَلُوا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِعِصْيَانِهِمْ بِعَدَمِ تَغْيِيرِ هَذَا الْمُنْكَرِ. (وَنُدِبَ سُؤَالُهُمْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الشُّهُودِ فِي الزِّنَا: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ شَهَادَتِهِمْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَيْفَ رَأَوْهُ وَكَيْفَ صَنَعَ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَا يَدْرَأُ بِهِ الْحَدَّ دَرَأَهُ. مُحَمَّدٌ: فَإِنْ غَابُوا قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ شَهَادَتِهِمْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ غَيْبَةً بَعِيدَةً أَوْ مَاتُوا أَقَامَ الْحَدَّ بِشَهَادَتِهِمْ (كَالسَّرِقَةِ مَا هِيَ وَكَيْفَ أُخِذَتْ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَ الشُّهُودَ بِالسَّرِقَةِ مَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 208 هِيَ وَكَيْفَ أَخَذَهَا وَمِنْ أَيْنَ وَإِلَى أَيْنَ. [بَاب الشَّهَادَات فِي الْعَدَد وَالذُّكُورَة] (وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا آيِلٍ لَهُ كَعِتْقٍ وَكِتَابَةٍ وَرَجْعَةٍ عَدْلَانِ) ابْنُ شَاسٍ: الشَّهَادَاتُ فِي الْعَدَدِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَرَاتِبَ: أَعْلَاهَا بَيِّنَةُ الزِّنَا عَدَدُهَا أَرْبَعَةٌ، الثَّانِيَةُ مَا عَدَا الزِّنَا مِمَّا لَيْسَ بِمَا وَلَا يَئُولُ إلَى مَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ وَالْبُلُوغِ وَالْوَلَاءِ وَالْعِدَّةِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَثُبُوتِهِ فِي النَّفْسِ وَالْإِطْرَافُ فِيهَا عَلَى خِلَافٍ فِيهَا وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْمَوْتِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَشَبَهِ ذَلِكَ، شَرْطُ ذَلِكَ كُلِّهِ الْعَدْلُ وَالذُّكُورِيَّةُ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَلَا تَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. اُنْظُرْ فِي الرِّسَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَمِائَةُ امْرَأَةٍ كَامْرَأَتَيْنِ " قَالَ شَارِحُهَا: اُنْظُرْ لَوْ حَصَلَ الْعِلْمُ لِلْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ جَمَاعَةِ النِّسْوَةِ قَالَ اللَّخْمِيِّ: يَخْرُجُ هَذَا عَلَى بَابِ الشَّهَادَةِ وَيُكْتَفَى بِهِنَّ. وَقَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ (وَإِلَّا فَعَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ) ابْنُ شَاسٍ: الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ الْأَمْوَالُ وَحُقُوقُهَا كَالْأَجَلِ وَالْخِيَارِ وَالشُّفْعَةِ وَالْإِجَارَةِ وَقَتْلِ الْخَطَأِ وَكُلِّ جُرْحٍ لَا يُوجِبُ إلَّا الْمَالَ فَيَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 209 وَكَذَا فَسْخُ الْعُقُودِ وَقَبْضُ نُجُومِ الْكِتَابَةِ حَتَّى النَّجْمَ الْأَخِيرَ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَا مُتَعَلَّقُهُ مَالٌ أَوْ آيِلٌ إلَيْهِ تَتِمُّ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمِنْ ذَلِكَ الْوَكَالَةُ بِالْمَالِ أَوْ الْوَصِيَّةُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ (أَوْ أَحَدُهُمَا بِيَمِينٍ) ابْنُ الْمَاجِشُونِ: مَا جَازَ فِيهِ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ جَازَ فِيهِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ مَعَ الْيَمِينِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَحْلِفُ الطَّالِبُ مَعَ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ وَيُقْضَى بِهِ لَهُ (كَأَجَلٍ وَخِيَارٍ وَشُفْعَةٍ وَإِجَارَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ بِهَذَا. (وَجُرْحِ خَطَأٍ أَوْ مَالٍ) اُنْظُرْ هَذَا التَّخْصِيصَ وَهُوَ قَدْ قَالَ بَعْدَ هَذَا " أَوْ قِصَاصٍ فِي جُرْحٍ ". مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي جِرَاحِ الْخَطَأِ وَقَتْلِ الْخَطَأِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَالٌ، وَإِنْ شَهِدَ مَعَ رَجُلٍ عَلَى مُنَقِّلَةٍ عَمْدًا أَوْ مَأْمُومَةٍ عَمْدًا جَازَتْ شَهَادَتُهُنَّ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِيهِمَا إنَّمَا هُوَ مَالٌ. مُطَرِّفٌ: قَوْلُ مَالِكٍ " يَجُوزُ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فِي الْحُقُوقِ وَالْجِرَاحِ عَمْدُهَا وَخَطَؤُهَا وَفِي الْمُشَاتَمَةِ عَدَا الْحُدُودِ وَالْفِرْيَةِ وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ " قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: لِمَ قَالَ مَالِكٌ فِي جَرْحِ الْعَمْدِ يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ؟ قَالَ: قَدْ كَلَّمْت مَالِكًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ شَيْءٌ اسْتَحْسَنَّاهُ وَمَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا. (وَأَدَاءِ كِتَابَةٍ) قَالَ مَالِكٌ فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا يُؤَدِّي إلَى طَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَنَقْضِ عِتْقٍ وَحْدَهُنَّ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدْنَ عَلَى شِرَاءِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ فَيَحْلِفُ وَتَصِيرُ مِلْكًا لَهُ فَيَجِبُ بِذَلِكَ الْفِرَاقُ أَوْ عَلَى أَدَاءِ كِتَابَةِ مُكَاتَبٍ فَيَحْلِفُ وَيَتِمُّ عِتْقُهُ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَوْ يَشْهَدْنَ بَعْدَ عِتْقِهِ أَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ بَاعَهُ مِنْ فُلَانٍ فَيَحْلِفُ وَيَرُدُّ عِتْقَهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَدَيْنٍ مُتَقَدِّمٍ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ عَلَى مِدْيَانٍ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَيَحْلِفُ وَيَرُدُّ الْعِتْقَ. قَالَ مَالِكٌ: أَوْ يُقِيمُ الْقَاذِفُ شَاهِدًا أَوْ امْرَأَتَيْنِ أَنَّ الْمَقْذُوفَ عَبْدٌ فَيَزُولُ الْحَدُّ. (وَإِيصَاءٍ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْوَصِيَّةِ مَعَ يَمِينِ الْمُوصَى لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا عِتْقٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا شَهِدَ النِّسَاءُ لِرَجُلٍ أَنَّ فُلَانًا أَوْصَى لَهُ بِكَذَا جَازَتْ شَهَادَتُهُنَّ بِذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ. ابْنُ شَاسٍ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 210 أَجَازَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ جَوَازَ إسْنَادِ الْوَصِيَّةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا إلَّا الْمَالُ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ. (أَوْ بِأَنَّهُ حُكِمَ لَهُ بِهِ) اُنْظُرْ بَنَى هَذَا عَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى حُكْمِ قَاضٍ، فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي مَالٍ حَلَفَ الطَّالِبُ مَعَ شَاهِدِهِ وَثَبَتَ لَهُ الْقَضَاءُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يَجُوزُ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ عَلَى حُكْمِ قَاضٍ وَإِنْ كَانَ بِمَالٍ، فَانْظُرْ أَنْتَ فِي هَذَا (كَشِرَاءِ زَوْجَتِهِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ " قَدْ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ ". اُنْظُرْهُ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَإِيصَاءٍ " (وَتَقَدُّمِ دَيْنٍ عِتْقًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 211 وَقِصَاصٍ فِي جَرْحٍ) مُضَمَّنُ هَذَا أَنَّ الْقِصَاصَ فِي الْجَرْحِ يَثْبُتُ بِعَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ يَمِينِ الْمَجْرُوحِ فَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ. ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَثْبُتُ الْقِصَاصُ بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ قِصَاصٌ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ قَالَ سَحْنُونَ: اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَثَبَتَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ وَلَا يُعْجِبُنِي. وَأَصْلُهَا أَنَّهَا تَجُوزُ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ. قِيلَ لِسَحْنُونٍ: فَأَنْتَ تُجِيزُ الشَّاهِدَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ مَعَ الْقَسَامَةِ وَلَا تُجِيزُ فِيهِ الْمَرْأَتَيْنِ مَعَ الْقَسَامَةِ. قَالَ: لَا يُشْبِهُهُ هَذِهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَالْقَسَامَةُ خَمْسُونَ يَمِينًا. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَفِي الْقَطْعِ حَلِفُ الْمَقْطُوعِ ". اُنْظُرْ قَدْ نَصُّوا أَنَّ الْقِصَاصَ فِي الْجِرَاحِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي قَامَ مَالِكٌ فِيهَا بِرَأْيِهِ وَلَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ. الثَّانِي فِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ مِنْ الْإِبْهَامِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، الثَّالِثُ الشُّفْعَةُ فِي الثِّمَارِ، الرَّابِعُ الشُّفْعَةُ فِي الْأَنْقَاضِ. (وَبِمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ امْرَأَتَانِ كَوِلَادَةٍ وَعَيْبٍ فِي فَرْجٍ وَاسْتِهْلَالٍ وَحَيْضٍ وَنِكَاحٍ بَعْدَ مَوْتٍ أَوْ سَبْقِيَّتِهِ أَوْ مَوْتٍ وَلَا زَوْجَةَ وَلَا مُدَبَّرَ وَنَحْوَهُ) أَمَّا أَنَّ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ كَافِيَةٌ فِي الْوِلَادَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَالْحَيْضِ فَبَيِّنٌ. وَزَادَ ابْنُ شَاسٍ الرَّضَاعَ فَقَالَ: أَمَّا مَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ كَالْوِلَادَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ وَالرَّضَاعِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِطُ فِيهِ الْعَدَدَ فَحَسْبُ وَيَقُومُ النِّسَاءُ مَقَامَ الرِّجَالِ فَيَثْبُتُ بِامْرَأَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِهْلَالُ وَالْحَيْضُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٍ: يَجُوزُ الِاسْتِهْلَالُ وَالْوِلَادَةُ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ عَدْلَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَجُوزُ فِي الرَّضَاعِ وَعُيُوبِ الْفَرْجِ وَمَعْرِفَةِ حَيْضٍ وَجَسِّ حَمْلٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ. قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ شَيْءٍ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ امْرَأَتَيْنِ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الشَّهَادَاتِ. وَأَمَّا شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِنِكَاحٍ بَعْدَ مَوْتٍ فَلَيْسَتْ بِكَافِيَةٍ، فَهَذَا الْفَرْعُ كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِلَّا فَعَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ ". قَالَ اللَّخْمِيِّ: مِنْ الشَّهَادَاتِ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَيُسْتَحَقُّ بِهِ مَالٌ أَنْ يَشْهَدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِنِكَاحٍ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ أَوْ عَلَى مَيِّتٍ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَهُ أَوْ عَلَى نَسَبٍ أَنَّ هَذَا ابْنُ الْمَيِّتِ أَوْ أَخُوهُ، فَالشَّهَادَةُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ صَحِيحَةٌ. وَأَمَّا شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِسَبْقِيَّةِ مَوْتِ أَحَدِ الْمُتَوَارِثِينَ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْمَرْأَةِ تَلِدُ ثُمَّ تَهْلِكُ هِيَ وَوَلَدُهَا فِي سَاعَةٍ عَلَى أَيِّهِمَا مَاتَ أَوَّلًا فَجَائِزَةٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا عَلَى مَا لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ الْمَالِ، وَأَمَّا شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِمَوْتٍ وَلَا زَوْجَةَ وَلَا مُدَبَّرَ وَنَحْوَهُ فَلَيْسَتْ أَيْضًا كَشَهَادَتِهِنَّ بِالِاسْتِهْلَالِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا مَاتَ رَجُلٌ فَشَهِدَ عَلَى مَوْتِهِ امْرَأَتَانِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 212 وَرَجُلٌ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَلَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ وَلَا لَهُ مُدَبَّرٌ وَلَمْ يَكُنْ إلَّا مَا لَا يُقَسَّمُ، فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ جَائِزَةٌ. (وَثَبَتَ الْإِرْثُ وَالنَّسَبُ لَهُ وَعَلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ) لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " وَلِمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ امْرَأَتَانِ ". وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: مَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ كَوِلَادَةٍ يَثْبُتُ بِامْرَأَتَيْنِ وَيَثْبُتُ الْمِيرَاثُ وَالنَّسَبُ لَهُ وَعَلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَتَعَرَّضْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِشَرْحِ هَذَا، وَقَرَّرَهُ ابْنُ هَارُونَ بِقَوْلِهِ: مِثْلُ أَنْ تَشْهَدَ امْرَأَتَانِ بِوِلَادَةِ أَمَةٍ أَقَرَّ السَّيِّدُ بِوَطْئِهَا وَأَنْكَرَ الْوِلَادَةَ، فَإِنَّ نَسَبَ الْوِلَادَةِ لَاحِقٌ بِهِ، وَكَذَا مُوَارَثَتُهُ إيَّاهُ لَهُ وَعَلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَمِثْلُ هَذَا هُوَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ إنْ ادَّعَتْ الْأَمَةُ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَأَنْكَرَ لَمْ أُحَلِّفْهُ لَهَا إلَّا أَنْ تُقِيمَ رَجُلَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى إقْرَارِ السَّيِّدِ بِالْوَطْءِ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْوِلَادَةِ فَتَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ، فَإِنْ أَقَامَتْ شَاهِدًا عَلَى إقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ أَوْ امْرَأَةً عَلَى الْوِلَادَةِ أُحَلِّفُهُ. (وَالْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ) هَذَا الْفَرْعُ رَاجِعٌ لَمَّا يَئُولُ لِلْمَالِ فَيَكْفِي فِيهِ الْيَمِينُ مَعَ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ بِالسَّرِقَةِ لَمْ يُقْطَعْ وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ الْمَتَاعَ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ مَتَاعَهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ ضَمِنَ الْمَالَ وَلَمْ يُقْطَعْ كَمَا لَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَكِنْ يَكُونُ جِنَايَةً فِي رَقَبَتِهِ. (كَقَتْلِ عَبْدٍ آخَرَ) هَذَا مِثْلُ الْفَرْعِ قَبْلَهُ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ عَبْدَ فُلَانٍ قَتَلَ عَبْدَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدًا وَيَسْتَحِقُّ الْعَبْدَ، وَلَا يَقْتُلُهُ إنْ كَانَ عَمْدًا وَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ بَعْدَ أَنْ يَغْرَمَ قِيمَةَ الْمَقْتُولِ أَوْ يُسَلِّمَ عَبْدَهُ، فَإِنْ أَسْلَمَهُ لَمْ يُقْتَلْ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَلَا قَسَامَةَ فِي الْعَبْدِ. سَحْنُونَ: وَكُلُّ مَا جَازَ فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ جَازَتْ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ قَتَلَ عَبْدًا عَمْدًا ". (وَحِيلَتْ أَمَةٌ مُطْلَقًا كَغَيْرِهِمَا إنْ طُلِبَتْ بِعَدْلٍ أَوْ اثْنَيْنِ يُزَكَّيَانِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا فَطُولِبَ بِالتَّزْكِيَةِ أُجِيبَ إلَى الْحَيْلُولَةِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ قَبْضِ أُجْرَةِ الْعَقَارِ وَتُحَالُ الْأَمَةُ. وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا عَلَيْهَا وَمَا يَفْسُدُ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ قَالُوا: يُبَاعُ إنْ كَانَ شَاهِدًا وَيَسْتَحْلِفُ وَيُخَلَّى إنْ كَانَ شَاهِدًا. ابْنُ عَرَفَةَ: الْحَيْلُولَةُ بِإِقَامَةِ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ هُوَ نَقْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَكَذَا قَبْلَ تَعْدِيلِهِمَا وَهِيَ قَوْلُهَا إنْ كَانَ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ بِإِذْنِ الْقَاضِي فَنُظِرَ فِي تَعْدِيلِهِمَا أَوْ خَافَ عَلَى الْمُدَّعِي فِيهِ الْفَسَادَ أَمَرَ أَمِينًا فَبَاعَهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَفِي الْحَيْلُولَةِ بِإِقَامَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ عَدْلٍ خِلَافٌ. ابْنُ سَهْلٍ: اُخْتُلِفَ فِي الْعُقْلَةِ بِشَاهِدٍ عَدْلٍ وَاحِدٍ؛ فَفِي أَحْكَامِ ابْنِ زِيَادٍ: يَجِبُ الْعَقْلُ بِشَاهِدٍ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ فِي الدُّورِ بِالْإِقْفَالِ لَهَا، وَفِي الْأَرْضِ بِمَنْعِ حَرْثِهَا. وَعَنْ ابْنِ لُبَابَةَ: لَا تَجِبُ الْعُقْلَةُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ: هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ، لَا تَجِبُ الْعُقْلَةُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ لَكِنَّهُ يُمْنَعُ الْمَطْلُوبُ أَنْ يُحْدِثَ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 213 الْعَقَارِ بِنَاءً أَوْ بَيْعًا أَوْ شَبَهَ ذَلِكَ بِالْعَدْلِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ يَدِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَتُحَالُ الْأَمَةُ وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا عَلَيْهَا. وَقِيلَ: تُحَالُ الرَّائِعَةُ مُطْلَقًا. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ حَمَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ ادَّعَى مُدَّعٍ مِلْكَهَا إلَّا أَنَّهَا ادَّعَتْ الْحُرِّيَّةَ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ. وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى لِمَنْ يَدَّعِي مِلْكَهَا لَمْ تَجِبْ الْحَيْلُولَةُ إلَّا بِطَلَبِهِ. هَذَا تَحْقِيقُ النَّقْلِ وَإِنْ كَانَ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ. وَلِابْنِ رُشْدٍ: إنْ ادَّعَتْ الْجَارِيَةُ أَوْ الْعَبْدُ الْحُرِّيَّةَ فَإِنْ سَبَّبَا لِذَلِكَ سَبَبًا مِنْ بَيِّنَةٍ كَإِشْهَادِ الْعُدُولِ أَوْ الشُّهُودِ غَيْرِ الْعُدُولِ وُقِفَ السَّيِّدُ عَنْ الْجَارِيَةِ وَأُمِرَ بِالْكَفِّ عَنْ وَطْئِهَا إنْ كَانَ مَأْمُونًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا وُضِعَتْ عَلَى يَدِ امْرَأَةٍ. وَإِنْ لَمْ يُسَبِّبْ لَهُ لِذَلِكَ سَبَبًا مِنْ بَيِّنَةٍ وَلَمْ يَأْتِيَا بِسِوَى الدَّعْوَى، فَإِنْ ادَّعَيَا لِذَلِكَ وَجْهًا يُشْبِهُ وَيُعْرَفُ كَادِّعَائِهِمَا أَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ بَلَدٍ عُرِفَ وَإِلَيْهِ بِالتَّعَسُّفِ عَلَى أَهْلِ ذِمَّةِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَبَيْعِهِ لَهُمْ أَوْ يُنْسَبَا إلَى قَوْمٍ مَعْرُوفِينَ وَيَأْتِيَا عَلَى ذَلِكَ بِأَمَارَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَكَانَ مَوْضِعُ بَيِّنَتِهِمَا قَرِيبًا، أَخَذَ الْإِمَامُ مِنْ رَبِّهِمَا حَمِيلًا أَنْ لَا يَخْرُجَ بِهِمَا وَلَا يَفُوتُهُمَا وَيَكْتُبُ لَهُ كِتَابًا إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِمَا ادَّعَيَاهُ وَجْهٌ يُعْرَفُ وَالْمَوْضِعُ بَعِيدٌ لَمْ يَلْزَمْ رَبَّهَا شَيْءٌ، وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ قَرِيبًا. رَاجِعْ رَسْمَ سَلَفٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 214 الِاسْتِحْقَاقِ. (وَبِيعَ مَا يَفْسُدُ وَوُقِفَ ثَمَنُهُ مَعَهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِيمَا يَفْسُدُ مِنْ اللَّحْمِ وَرَطْبِ الْفَوَاكِهِ وَأَقَامَ الطَّالِبُ شَاهِدَيْنِ فَأَوْقَفَ الْقَاضِي ذَلِكَ الشَّيْءَ لِيَكْشِفَ عَنْهُمَا، فَإِنْ خَافَ فَسَادًا بَاعَهُ وَأَوْقَفَ ثَمَنَهُ، فَإِنْ ضَاعَ ثَمَنُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ كَانَ مِمَّنْ قَضَى لَهُ بِهِ (بِخِلَافِ الْعَدْلِ فَيَحْلِفُ وَيَبْقَى بِيَدِهِ) هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِيمَا يَفْسُدُ وَقَدْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى الْحَقِّ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَادَّعَى بَيِّنَةً قَرِيبَةً أَجَّلَهُ الْقَاضِي بِإِحْضَارِ شَاهِدٍ ثَانٍ مَا لَمْ يَخَفْ فَسَادَ ذَلِكَ الشَّيْءِ. عِيَاضٌ: قَوْلُهُ " وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ " إنْ أَرَادَ لَا أَحْلِفُ مَعَهُ الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا آخَرَ بِيعَ حِينَئِذٍ وَوُقِفَ ثَمَنُهُ إنْ خَشِيَ فَسَادَهُ وَلَيْسَ هَذَا بِأَضْعَفَ مِنْ شَاهِدَيْنِ يَطْلُبُ تَعْدِيلَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ: وَحَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ إنَّ مَا يَفْسُدُ يُبَاعُ إنْ كَانَ شَاهِدَانِ، وَيَحْلِفُ وَيُخْلَى إنْ كَانَ شَاهِدٌ. وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ عِيَاضٍ وَأَبِي حَفْصٍ بْنِ الْعَطَّارِ مُرَاعِيًا أُصُولَ الْمَذْهَبِ عَلِمَ أَنَّ مَا فَهِمَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْمَذْهَبِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَمُوجِبُ كَلَامِهِ عَدَمُ وُقُوفِهِ عَلَى كَلَامِ عِيَاضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ اهْتَدَى. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ إذْ هَذَا النَّقْلُ لَيْسَ بِكَافٍ وَمَا الْقَصْدُ بِهِ إلَّا التَّنْشِيطُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 215 لِمُرَاجَعَةِ الْأُمَّهَاتِ. (وَإِنْ سَأَلَ ذُو الْعَدْلِ أَوْ بَيِّنَةٌ سُمِعَتْ وَإِنْ لَمْ تُقْطَعْ وَضْعَ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى بَلَدٍ يَشْهَدُ لَهُ عَلَى عَيْنِهِ أُجِيبَ لَا إنْ انْتَفَيَا وَطَلَبَ إيقَافَهُ لِيَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ بِكَيَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ بَيِّنَةً حَاضِرَةً أَوْ سَمَاعًا يَثْبُتُ بِهِ فَيُوقَفُ وَيُوَكَّلُ بِهِ فِي كَيَوْمٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ادَّعَى عَبْدًا بِيَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا يَشْهَدُ عَلَى الْقَطْعِ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّ عَبْدًا سُرِقَ لَهُ مِثْلُ مَا يَدَّعِي وَإِنْ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةٌ قَاطِعَةٌ وَلَهُ بَيِّنَةٌ بِبَلَدٍ آخَرَ فَسَأَلَ وَضْعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى بَيِّنَةٍ لِيَشْهَدُوا عَلَيْهِ عِنْدَ قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ شَاهِدًا وَلَا بَيِّنَةً عَلَى سَمَاعِ ذَلِكَ وَادَّعَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 218 بَيِّنَةً قَرِيبَةً بِمَنْزِلَةِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَسَأَلَ وَضْعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى بَيِّنَةٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ قَالَ أَوْقِفُوا الْعَبْدَ حَتَّى آتِيَ بِبَيِّنَتِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ بَيِّنَةً حَاضِرَةً عَلَى الْحَقِّ أَوْ سَمَاعًا يُثْبِتُ بِهِ دَعْوَاهُ، فَإِنَّ الْقَاضِي يُوقِفُ الْعَبْدَ وَيُوَكَّلُ بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ فِيمَا قَرُبَ مِنْ يَوْمٍ، فَإِنْ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ سَمَاعٍ سَأَلَ إيقَافَ الْعَبْدِ لِيَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ بَعِيدَةٌ وَفِي إيقَافِهِ ضَرَرٌ اسْتَحْلَفَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَسْلَمَهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ كَفِيلٍ. (وَالْغَلَّةُ لَهُ لِلْقَضَاءِ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُوقَفُ مَا لَا يُؤْمَنُ تَغَيُّرُهُ وَزَوَالُهُ، وَأَمَّا الْمَأْمُونُ كَالرِّبَاعِ وَالْعَقَارِ وَمَا لَهُ الْغَلَّةُ فَإِنَّمَا يُوقَفُ وَقْفًا يَمْنَعُ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِيهَا، وَالْغَلَّةُ أَبَدًا لِلَّذِي هِيَ بِيَدِهِ لِأَنَّ ضَمَانَهَا مِنْهُ حَتَّى يُقْضَى بِهَا لِلطَّالِبِ. قَالَ سَحْنُونَ: هَذَا إنْ كَانَ مُبْتَاعًا أَوْ صَارَتْ إلَيْهِ مِنْ مُبْتَاعٍ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَتْ غَنَمًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 219 فَرَعْيُهَا فِي الْإِيقَافِ عَلَى مَنْ تَصِيرُ إلَيْهِ وَغَلَّتُهَا لِلَّذِي هِيَ بِيَدِهِ. وَقَالَ عِيسَى: الرَّعْيُ عَلَى مَنْ لَهُ الْغَلَّةُ. اهـ نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي حَالِ الْوَقْفِ أَوْ فِي غَلَّتِهِ إنْ ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ وَفِي مُصِيبَتِهِ إنْ هَلَكَ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: نَفَقَتُهُ عَلَى مَنْ يُقْضَى لَهُ بِهِ وَغَلَّتُهُ لِمَنْ هُوَ فِي يَدَيْهِ لِأَنَّهُ إنْ هَلَكَ كَانَ فِي ضَمَانِهِ. (وَجَازَتْ عَلَى خَطِّ مُقِرٍّ) مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَغَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ مُقِرٍّ جَائِزَةٌ وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْخَطَّ رَسْمٌ يُدْرَكُ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ وَأَصَبْنَا الْبَصَرَ يُمَيِّزُ الْخَطَّيْنِ وَالشَّخْصَيْنِ مَعَ جَوَازِ اشْتِبَاهِ ذَلِكَ، فَلَمَّا جَوَّزُوهَا فِي الشَّخْصِ مَعَ جَوَازِ الِاشْتِبَاهِ فِيهِ جَازَتْ فِي الْخَطِّ (بِلَا يَمِينٍ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا: مَنْ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ ذِكْرَ حَقٍّ وَكَتَبَ فِي أَسْفَلِهِ بِخَطِّهِ فَهَلَكَ الشُّهُودُ ثُمَّ جَحَدْنَ فَشَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّ ذَلِكَ خَطُّهُ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ عَلَيْهِ كَإِقْرَارِهِ، وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ مَعَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ شَهِدَ عَلَى خَطِّهِ رَجُلٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 220 حَلَفَ الطَّالِبُ وَاسْتَحَقَّ. وَقَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: امْرَأَةٌ كَتَبَ إلَيْهَا زَوْجُهَا بِطَلَاقِهَا فَشَهِدَ عَلَى خَطِّهِ رَجُلَانِ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهَا. اهـ. نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهَا عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ الْحُكْمِ لَهَا بِطَلَاقِهَا إذَا شَهِدَ عَلَى خَطِّهِ عَدْلَانِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْخَطُّ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ مِثْلُ أَنْ يَكْتُبَ إلَى رَجُلٍ يُعْلِمُهُ أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَوْ لِزَوْجَتِهِ بِذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَ الْكِتَابُ إنَّمَا هُوَ بِطَلَاقِهِ إيَّاهَا ابْتِدَاءً، فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ كَتَبَهُ مُجْمِعًا عَلَى الطَّلَاقِ. (وَخَطِّ شَاهِدٍ مَاتَ أَوْ غَابَ) الْبَاجِيُّ: مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ. رَوَاهُ مُحَمَّدٌ. لِأَنَّ غَايَةَ خَطِّهِ أَنَّهُ كَلَفْظِهِ وَهُوَ لَوْ سَمِعَهُ يَنُصُّ شَهَادَتَهُ لَمْ يَنْقُلْهَا عَنْهُ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ إجَازَتَهَا. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ لِغَيْبَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ صَحِيحَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهَا ضَرُورَةٌ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْمَيِّتِ أَوْ الْغَائِبِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي الْأُمَّهَاتِ الْمَشْهُورَةِ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إجَازَتِهَا وَإِعْمَالِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: فَطَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمَشْهُورَ إعْمَالُهَا خِلَافُ قَوْلِ الْبَاجِيِّ لَا تَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ (بِبُعْدٍ) اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْغَيْبَةِ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ عِنْدَ مُجِيزِهَا، فَقَالَ سَحْنُونَ: الْغَيْبَةُ الْبَعِيدَةُ وَلَمْ يَحُدَّ قَدْرَهَا. وَقَالَ أَصْبَغُ: مِثْلُ إفْرِيقِيَّةَ مِنْ مِصْرَ وَمَكَّةَ مِنْ الْعِرَاقِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: حَدُّ ذَلِكَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ (وَإِنْ بِغَيْرِ مَالٍ فِيهِمَا إنْ عَرَفْتَهُ) ابْنُ رُشْدٍ: الَّذِي أَقُولُ بِهِ أَنَّ مَعْنَى مَا رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ فِي طَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ وَلَا حَدٍّ وَلَا نِكَاحٍ لِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ عَلَى خَطِّ الرَّجُلِ أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ نَكَحَ، بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ عَلَى خَطِّهِ بِذَلِكَ كَمَا تَجُوزُ عَلَى خَطِّهِ بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ. وَمِنْ الْمُفِيدِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَارِثٍ: جَرَى الْعَمَلُ مِنْ الْقُضَاةِ بِبَلَدِنَا يَعْنِي قُرْطُبَةَ بِإِجَازَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ، وَلَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَرَّقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فِي الْأَحْبَاسِ وَغَيْرِهَا فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ. وَلَقَدْ شَهِدْت ابْنَ أَبِي عِيسَى قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِقُرْطُبَةَ يَحْكُمُ بِإِجَازَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى خُطُوطِ الشُّهُودِ الْمَوْتَى فِي صَدَقَاتِ النِّسَاءِ، وَمِنْ الْأَحْكَامِ لِلْبَاجِيِّ: لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ إلَّا فِي الْمَالِ فَقَطْ وَحَتَّى يَكُونَ ذُو الْخَطِّ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ وَتُعْرَفُ مَعْرِفَتُهُ بِمَنْ كَتَبَ عَلَيْهِ، يُرِيدُ بِذَلِكَ خَطَّ الشَّاهِدِ. وَأَمَّا خَطُّ الْمُقِرِّ عَلَى نَفْسِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ. وَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: أَكْثَرُ مَا يَجْرِي الْعَمَلُ بِإِجَازَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فِي الْأَحْبَاسِ الْقَدِيمَةِ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ لَا تَجُوزَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا فَإِنَّ شَهَادَةَ الْأَحْيَاءِ رُبَّمَا دَخَلَتْهَا الدَّاخِلَةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 221 فَكَيْفَ شَهَادَاتُ الْمَوْتَى؟ الْمُتَيْطِيُّ: هَذَا الَّذِي احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْهِنْدِيِّ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الشَّاهِدَ إذَا كَتَبَ شَهَادَتَهُ يَحْمِلُهَا عَلَى كُلِّ الْوُجُوهِ، وَمِنْ أَصْلِنَا أَنْ لَا نَتْرُكَ أَمْرًا قَدْ وَجَبَ لِأَمْرٍ يَكُونُ أَوْ لَا يَكُونُ (إنْ عَرَفْتَهُ كَالْمُعَيَّنِ) قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: دَلَّ قَوْلُهُمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْقَطْعِ. وَفِي كِتَابِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 222 الْقَزْوِينِيِّ: إنَّهَا فِي ذَلِكَ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ. ابْنُ عَرَفَةَ: مُغَايَرَتُهُ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْعِلْمِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالْعِلْمِ الظَّنُّ. (وَأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ مُشْهِدَهُ) ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ زَرْبٍ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ حَتَّى يَعْرِفَ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَى خَطِّهِ كَانَ يَعْرِفُ مَنْ أَشْهَدَهُ مَعْرِفَةَ الْعَيْنِ صَحِيحٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَيْطِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةٌ عَلَى الْخَطِّ إلَّا مِنْ الْفَطِنِ الْعَارِفِ بِالْخُطُوطِ وَمُمَارَسَتِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 223 يَكُونَ قَدْ أَدْرَكَ ذَا الْخَطِّ. (وَتَحَمَّلَهَا عَدْلًا) الْمُتَيْطِيُّ: تُذْكَرُ فِي كَيْفِيَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْغَائِبِ أَنَّ الشُّهُودَ يَعْرِفُونَ أَنَّهُ كَانَ يَرْسُمُ الْعَدَالَةَ وَالْقَبُولَ فِي تَارِيخِ الشَّهَادَةِ وَبَعْدَهَا إلَى أَنْ تُوُفِّيَ، قَالَهُ مَالِكٌ. وَأَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُ قَدْ سَقَطَتْ بِجُرْحَةٍ أَوْ كَانَ غَيْرَ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُهُ " إلَى أَنْ تُوُفِّيَ " قِيلَ: الصَّوَابُ إلَى حِينِ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّهِ. (لَا عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَذْكُرَهَا وَأَدَّى بِلَا نَفْعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا عَرَفَ الشَّاهِدُ خَطَّهُ فِي كِتَابٍ فَلَا يَشْهَدُ حَتَّى يَذْكُرَ الشَّهَادَةَ وَيُوَكِّلَ بِهَا، وَلَكِنْ يُوَفِّي ذَلِكَ كَمَا عُلِمَ ثُمَّ لَا يَنْفَعُ الطَّالِبَ. سَحْنُونَ: اخْتَلَفَ فِي هَذَا أَصْحَابُنَا، وَقَوْلِي إذَا لَمْ يَرَ فِي الْكِتَابِ مَحْوًا وَلَا لَحَقًا وَلَا مَا يَسْتَنْكِرُهُ فَلْيَشْهَدْ بِمَا فِيهِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْهُ بُدًّا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ شَيْئًا. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ " يَرْفَعُ شَهَادَتَهُ " لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى الْحَاكِمُ إجَازَتَهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا وَتَأَمَّلْهُ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: رِوَايَةُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ خَطِّهِ أَحْسَنُ. وَمَحْمَلُ قَوْلِ مَالِكٍ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْحِفْظِ لَوْ وُكِلَ النَّاسُ الْيَوْمَ إلَى حِفْظِ الشَّهَادَاتِ لَمْ يُؤَدِّ أَحَدٌ شَهَادَةً وَلَتَعَطَّلَتْ حُقُوقُ النَّاسِ. (وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَشْهَدَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ جَمَاعَةً يَعْرِفُهُ بَعْضُهُمْ فَلِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ مِنْهُمْ أَنْ يَضَعَ شَهَادَتَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ فِي سَعَةٍ لَا مِنْهُ بِمَعْرِفَةِ بَعْضِهِمْ أَنْ يَتَسَمَّى بِاسْمِ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ كُرِهَ لَهُمْ أَنْ يَضَعُوا شَهَادَتَهُمْ عَلَيْهِ خَوْفًا أَنْ يَتَسَمَّى بِاسْمِ غَيْرِهِ فَيُقِرُّ أَنَّهُ بَاعَ دَارِهِ مِنْ فُلَانٍ ثُمَّ يَشْهَدُ عَلَى خُطُوطِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ. قَالَهُ الْأَخَوَانِ. ابْنُ رُشْدٍ: الَّذِي أَقُولُهُ فِيمَنْ دُعِيَ لِيَشْهَدَ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُهَا وَيَشْهَدُ لَهُ رَجُلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَتَتْ بِهِمَا فَلَا يَشْهَدُ إلَّا عَلَى شَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي سَأَلَهُمَا فَلْيَشْهَدْ عَلَيْهِمَا. وَكَذَا لَوْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَجُلًا وَاحِدًا يَثِقُ بِهِ أَوْ امْرَأَةً، وَلِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا يَجُوزُ اسْتِئْمَارُ الْبِكْرِ إلَّا عَلَى عَيْنِهَا. الْبُرْزُلِيِّ: وَنَزَلْتُ بِتُونُسَ لِبِنْتِ بَعْضِ الْمُلُوكِ حَضَرَ فِيهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَالْغُبْرِينِيُّ، فَطَلَبَ الْغُبْرِينِيُّ الِاطِّلَاعَ عَلَى عَيْنِهَا فَأَنْكَرَ ذَلِكَ شَيْخُ الْمُوَحِّدِينَ وَرَئِيسُ الدَّوْلَةِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَوْلَا جُلَّةٌ كَانَتْ لَهُ لَنَكَّلَ بِهِ، وَالصَّوَابُ فِي هَذَا أَنَّ التَّعْرِيفَ كَافٍ. وَقَدْ اتَّفَقَ لِي مِثْلُ هَذَا وَطَلَبْت كَلَامَهَا لِأَنَّهُ سِيقَ إلَيْهَا بَعْضُ الْجِهَازِ عُرُوضًا. وَانْظُرْ أَوَّلَ النِّكَاحِ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ (إلَّا عَلَى عَيْنِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَتَبَ شَهَادَتَهُ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ بِالْعَيْنِ وَالِاسْمِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا إلَّا عَلَى عَيْنِهِ. (وَلَا يُسَجِّلُ عَلَى مَنْ زَعَمَتْ أَنَّهَا ابْنَةُ فُلَانٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى عَيْنِ امْرَأَةٍ زَعَمَتْ أَنَّهَا بِنْتُ زَيْدٍ فَلَا يُسَجِّلُ عَلَى بِنْتِ زَيْدٍ. (وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 224 عَلَى مُنْتَقِبَةٍ لِتَتَعَيَّنَ لِلْأَدَاءِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يَشْهَدُ عَلَى مُنْتَقِبَةٍ حَتَّى يَكْشِفَ وَجْهَهَا لِيُعَيِّنَهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ (وَإِنْ قَالُوا أَشْهَدَتْنَا مُنْتَقِبَةٌ وَكَذَلِكَ نَعْرِفُهَا قُلِّدُوا) سَأَلَ ابْنُ حَبِيبٍ سَحْنُونًا عَنْ امْرَأَةٍ أَنْكَرَتْ دَعْوَى رَجُلٍ عَلَيْهَا فَأَقَامَ عَلَيْهَا بَيِّنَةً قَالُوا: أَشْهَدَتْنَا عَلَى نَفْسِهَا وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ بِكَذَا وَكَذَا وَلَا نَعْرِفُهَا إلَّا مُنْتَقِبَةً وَإِنْ كَشَفَتْ وَجْهَهَا لَمْ نَعْرِفْهَا. قَالَ: هُمْ أَعْلَمُ بِمَا تَقَلَّدُوا وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا وَقَالُوا عَرَفْنَاهَا قَطَعَ بِشَهَادَتِهِمْ. (وَعَلَيْهِمْ إخْرَاجُهَا إنْ قِيلَ لَهُمْ عَيِّنُوهَا) الَّذِي لِابْنِ عَرَفَةَ: سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اعْتَرَفَ دَابَّةً أَوْ رَأْسًا هَلْ تُجْمَعُ دَوَابُّ أَوْ رَقِيقٌ وَيَدْخُلُ فِيهَا وَيُكَلَّفُ الشُّهُودُ إخْرَاجَهَا؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ فِي شَيْءٍ وَذَلِكَ خَطَأٌ، وَلَكِنْ لَوْ كَانُوا عُدُولًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ. أَصْبَغُ: وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ إنْ شُهِدَ عَلَيْهِنَّ. وَعَنْ سَحْنُونٍ: وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِنِكَاحٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ بَرَاءَةٍ وَسَأَلَ الْخَصْمُ إدْخَالَهَا فِي نِسَاءٍ لِيُخْرِجُوهَا وَقَالُوا شَهِدْنَا عَلَيْهَا عَنْ مَعْرِفَتِهَا بِعَيْنِهَا وَنَسَبِهَا وَلَا نَدْرِي هَلْ نَعْرِفُهَا الْيَوْمَ وَقَدْ تَغَيَّرَتْ حَالُهَا وَقَالُوا لَا نَتَكَلَّفُ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُخْرِجُوا عَيْنَهَا. وَإِنْ قَالُوا نَخَافُ أَنْ تَكُونَ تَغَيَّرَتْ قِيلَ لَهُمْ: إنْ شَكَكْتُمْ وَقَدْ أَتْقَنْتُمْ أَنَّهَا ابْنَةُ فُلَانٍ وَلَيْسَ لِفُلَانٍ إلَّا بِنْتٌ وَاحِدَةٌ مِنْ حِينِ شَهِدُوا عَلَيْهَا إلَى الْيَوْمِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ (وَجَازَ الْأَدَاءُ إنْ حَصَلَ الْعِلْمُ وَإِنْ بِامْرَأَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ كَتَبَ شَهَادَتَهُ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ بِالْعَيْنِ وَالِاسْمِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا إلَّا عَلَى عَيْنِهِ، وَإِنَّمَا تَسَامَحَ الْعُلَمَاءُ وَالْخِيَارُ فِي وَضْعِ شَهَادَتِهِمْ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُونَهُ سِيَاسَةً فِي نَفْعِ الْعَامَّةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ " أَوْ امْرَأَةٍ " وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ ". (لَا بِشَاهِدَيْنِ إلَّا نَقْلًا) اُنْظُرْ مَا لِابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ ". وَفِي الْمَجْمُوعَةِ: مِنْ دُعِيَ لِيَشْهَدَ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُهَا وَشَهِدَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ فَلْيَشْهَدْ. قَالَ فِي سَمَاعِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 225 ابْنِ عَاصِمٍ: لَا يَشْهَدُ إلَّا عَلَى شَهَادَتِهِمَا. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ يَشْهَدُ (وَجَازَتْ بِسَمَاعٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَهَادَةُ السَّمَاعِ لَقَبٌ لَمْ يُصَدَّقْ الشَّاهِدُ فِيهَا بِإِسْنَادِ شَهَادَتِهِ لِسَمَاعٍ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الْبِنْتِ وَالنَّقْلِ. التُّونِسِيُّ: شَهَادَةُ السَّمَاعِ لَا يُسْتَخْرَجُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ يَدِ حَائِزٍ وَإِنَّمَا تَصِحُّ لِلْحَائِزِ الْكَافِي مِثْلُ ذَلِكَ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ دَارٌ تُعْرَفُ بِهِ وَبِآبَائِهِ قَبْلَهُ فَيَأْتِي رَجُلٌ مِمَّنْ يَشْهَدُ لَهُ أَنَّهَا مِلْكُهُ قَدِيمًا فَيَأْتِي الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ بِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ عَلَى السَّمَاعِ الْفَاشِي أَنَّا لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ بِانْتِقَالِ مِلْكِهَا إلَى الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْقَائِمِ أَوْ مِنْ آبَائِهِ، فَهَذِهِ شَهَادَةٌ تُوجِبُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ الدَّارَ لِلَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ دُونَ الَّذِي شُهِدَ لَهُ أَنَّهَا مِلْكُهُ قَدِيمًا، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ الْفَاشِي لِلْمُدَّعِي الطَّالِبِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الَّذِي فِي يَدَيْهِ حَائِزًا لَهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي مِلْكِ الدَّارِ فِي خَمْسِ سِنِينَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّمَا تَجُوزُ فِيمَا أَتَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الَّذِي مَضَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِيمَا أَدْرَكْتُ وَأَفْتَى بِهِ شُيُوخُنَا فِيمَا عَلِمْنَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَقَارًا بِيَدِ غَيْرِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ صَارَ إلَيْهِ مِنْ مُوَرِّثِهِ عَنْهُ، أَنَّ الْمَطْلُوبَ لَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى يُثْبِتَ الطَّالِبُ مَوْتَ مَوْرُوثِهِ الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ وَرِثَ ذَلِكَ الْعَقَارَ عَنْهُ وَوِرَاثَتُهُ لَهُ، فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَقَفَ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ عَلَى الْإِقْرَارِ وَلَمْ يُسْأَلْ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ، فَإِنْ أَنْكَرَ وَقَالَ الْمِلْكُ مِلْكِي اُكْتُفِيَ مِنْهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَكُلِّفَ الطَّالِبُ إثْبَاتَ الْمِلْكِ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ وَرِثَهُ عَنْهُ وَإِثْبَاتَ مَوْتِهِ وَوِرَاثَتِهِ لَهُ، فَإِنْ أَثْبُتَ ذَلِكَ عَلَى مَا يَجِبُ مِنْ صِحَّةِ شُرُوطِهِ سُئِلَ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ مِنْ أَيْنَ صَارَ إلَيْهِ وَكُلِّفَ الْجَوَابَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّهُ صَارَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَوْرُوثِ الطَّالِبِ الَّذِي ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ لَمْ يَثْبُتْ إلَيْهِ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ صَارَ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ مَوْرُوثِ الطَّالِبِ بِوَجْهٍ يَذْكُرُهُ كُلِّفَ إثْبَاتَ ذَلِكَ، فَإِنْ أَثْبَتَهُ وَعَجَزَ الطَّالِبُ عَنْ الْمَدْفَعِ فِي ذَلِكَ بَطَلَتْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِ ذَلِكَ قُضِيَ عَلَيْهِ لِلطَّالِبِ. هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ أَحْفَظُهُ انْتَهَى. وَلِشَيْخِ الشُّيُوخِ ابْنِ لُبٍّ فِي رَجُلٍ وَهَبَ أَحَدَ أَوْلَادِهِ فَدَّانًا ثُمَّ مَاتَ وَقَامَ أَخُو الْمَوْهُوبِ لَهُ بِكَفَالَةِ أَخِيهِ وَصَارَ يَجْعَلُ الْغُبَارَ فِي قِطْعَةٍ مِنْ الْفَدَّانِ إلَى أَنْ قَامَ وَرَثَةُ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى وَرَثَةِ الْأَخِ، وَقَالُوا الْقِطْعَةُ مِنْ حَرِيمِ فَدَّانِنَا لَا يُقْبَلُ هَذَا مِنْهُمْ إذْ رُبَّمَا فَوَّتَ عَلَى الْمَحْجُورِ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ، وَعُقُودُ الْأُصُولِ بِالْبُيُوعِ وَالْهِبَاتِ لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 226 تُوجِبُ اسْتِحْقَاقًا مِنْ الشَّيْءِ بِيَدِهِ إذْ لَيْسَتْ حُجَّةً، وَيُكَلَّفُ وَرَثَةُ الْمَوْهُوبِ لَهُ إثْبَاتَ الْفَدَّانِ لِمَوْرُوثِهِمْ إلَى الْآنَ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ فَاتَ مِنْ قِبَلِ مَنْ ذَكَرَ إلَى الْآنَ. اُنْظُرْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ لِابْنِ سَلْمُونَ. (فَشَا) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى السَّمَاعِ عَنْ غَائِبٍ سَمِعُوا هَاهُنَا أَنَّ فُلَانًا مَاتَ بِبَلَدِ كَذَا أَوْ قُتِلَ أَوْ أَخَذَهُ الْعَدُوُّ، فَإِنْ كَانَ سَمَاعًا مُسْتَفِيضًا وَوَقَعَ بِهِ الْعِلْمُ لِكَثْرَةِ عَدَدِ الطَّارِئِينَ حُكِمَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا. وَلَا يُقْتَصَرُ فِي ذَلِكَ عَلَى شَاهِدَيْنِ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُسْتَفِيضَ الْمُنْتَشِرَ لَا يُؤْخَذُ عِلْمُهُ عَنْ اثْنَيْنِ، وَإِنْ كَانَا طَارِئَيْنِ شَهِدَا عَلَى اسْتِفَاضَةِ الْبَلَدِ الَّذِي قَدِمَا مِنْهُ قُبِلَتْ. (عَنْ ثِقَاتٍ وَغَيْرِهِمْ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْمَسْمُوعِ مِنْهُمْ ثَالِثُهَا إلَّا فِي الرَّضَاعِ. وَظَاهِرُ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ غَيْرِهَا أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ عَدَالَةً فِي السَّمَاعِ مِنْهُمْ. وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ: وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الشَّهَادَةُ عَلَى السَّمَاعِ فِي الْأَحْبَاسِ جَائِزَةٌ بِطُولِ زَمَانِهَا يَشْهَدُونَ أَنَّا لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: عَنْ الثِّقَاتِ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ حَبْسٌ تُحَازُ بِحَوْزِ الْأَحْبَاسِ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلُوا عَنْ بَيِّنَةٍ مُعَيَّنَيْنِ إلَّا قَوْلَهُمْ سَمِعْنَا وَبَلَغَنَا وَلَوْ نَقَلُوا عَنْ قَوْمٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 227 عُدُولٍ أُشْهِدُوا هُمْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعٌ وَكَانَ شَهَادَةً تَعْمَلُ. (بِمِلْكٍ لِحَائِزٍ مُتَصَرِّفٍ طَوِيلًا) تَقَدَّمَ نَصُّ التُّونِسِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَجَازَتْ بِسَمَاعٍ ". وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي مِثْلِ الْخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَا يَجُوزُ فِي مِثْلِ هَذَا إلَّا الْقَطْعُ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةٌ لِمُدَّعٍ دَارًا بِيَدِ غَيْرِهِ قَدْ حَازَهَا، إنَّمَا تَجُوزُ لِمَنْ الدَّارُ فِي يَدِهِ إذَا أَثْبَتَ الَّذِي يَدَّعِيهَا بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهَا لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ لِمَنْ هُوَ وَارِثُهُ، وَتَكُونُ الدَّارُ قَدْ قَامَتْ فِي يَدِ حَائِزِهَا سِنِينَ يَنْقَطِعُ فِي مِثْلِهَا الْعِلْمُ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ إلَّا عَلَى السَّمَاعِ أَنَّا لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الْعُدُولِ أَنَّ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الدَّارُ أَوْ أَحَدٌ مِنْ آبَائِهِ ابْتَاعَهَا مِنْ الْقَائِمِ أَوْ مِنْ أَحَدٍ مِمَّنْ وَرِثَهَا الْقَائِمُ عَنْهُ، بِذَلِكَ يُقْطَعُ حَقُّ الْقَائِمِ. (وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ إلَّا بِسَمَاعٍ أَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 228 اشْتَرَاهَا مِنْ كَأَبِي الْقَائِمِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَامَتْ بِيَدِهِ دَارٌ خَمْسِينَ سَنَةً ثُمَّ قَدِمَ رَجُلٌ كَانَ غَائِبًا فَادَّعَاهَا وَثَبَتَ الْأَصْلُ لَهُ فَقَالَ الَّذِي بِيَدِهِ الدَّارُ اشْتَرَيْتهَا مِنْ قَوْمٍ وَقَدْ انْقَرَضُوا أَوْ انْقَرَضَتْ الْبَيِّنَةُ وَأَتَى بِبَيِّنَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى السَّمَاعِ، فَاَلَّذِي يَنْفَعُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ وَاحِدٌ مِنْ آبَائِهِ ابْتَاعَهَا مِنْ الْقَادِمِ أَوْ أَحَدِ آبَائِهِ أَوْ مِمَّنْ وَرِثَهَا الْقَادِمُ عَنْهُ أَوْ مِمَّنْ ابْتَاعَهَا مِنْ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا، فَذَلِكَ يَقْطَعُ دَعْوَى حَقِّ الْقَائِمِ مِنْهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَهَاهُنَا دُورٌ لَمْ يُعْرَفْ لِمَنْ أَصْلُهَا بِالْمَدِينَةِ قَدْ تَدَاوَلَتْهَا الْأَمْلَاكُ، فَشَهَادَةُ السَّمَاعِ عَلَى مِثْلِ هَذَا جَائِزَةٌ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَتَى الَّذِي فِي يَدَيْهِ الدَّارُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ هَذَا الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ أَوْ أَحَدًا مِنْ آبَائِهِ ابْتَاعَهَا وَلَا يَدْرِي مِمَّنْ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ عَلَى السَّمَاعِ وَأَنَّ أَبَاهُ ابْتَاعَهَا مِمَّنْ ذَكَرْنَا مُنْذُ خَمْسِ سِنِينَ وَنَحْوِهَا لَمْ يَنْفَعْهُ مِثْلُ ذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ فِي مِثْلِ هَذَا الْقُرْبِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقْطَعُ عَلَى الشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِيمَا كَثُرَ مِنْ السِّنِينَ وَتَطَاوَلَ مِنْ الزَّمَانِ وَإِنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ حَيًّا لِأَنَّ شِرَاءَهُ رُبَّمَا تَقَدَّمَ حَتَّى يَمْضِيَ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرُ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ الْحَائِزُ بِشُهُودٍ يَشْهَدُونَ عَلَى قِدَمِ الشِّرَاءِ فِي قَرِيبِ الزَّمَانِ أَوْ عَلَى السَّمَاعِ فِي بَعِيدِهِ قَضَى بِهَا لِلْقَائِمِ الَّذِي اسْتَحَقَّهَا، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ تَسَلَّفَ مِنْ فُلَانٍ وَقَضَاهُ: فَإِنْ كَانَ مَا يَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثًا لَمْ يَطُلْ زَمَانُهُ لَمْ يَنْفَعْهُ قَوْلُهُ قَضَيْته وَغَرِمَ الْوَرَثَةُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً قَاطِعَةً عَلَى الْقَضَاءِ، وَإِنْ طَالَ زَمَنُ ذَلِكَ حَلَفَ الْمُقِرُّ وَبَرِئَ فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى مَسْأَلَتِك فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ ذَكَرَ ذَلِكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 229 عَلَى مَعْنَى الشُّكْرِ يَقُولُ جَزَى اللَّهُ فُلَانًا خَيْرًا أَسْلَفَنِي وَقَضَيْته، فَلَا يَلْزَمُهُ فِي هَذَا شَيْءٌ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ قَرُبَ الزَّمَانُ أَوْ بَعُدَ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَكَذَلِكَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الذَّمِّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. (وَوَقْفٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى السَّمَاعِ فِي الْأَحْبَاسِ جَائِزَةٌ بِطُولِ زَمَانِهَا (وَمَوْتٍ بِبُعْدٍ) الْقَاضِي: يُشْهِدُ عَلَى الْمَوْتِ بِالسَّمَاعِ فِيمَا بَعُدَ مِنْ الْبِلَادِ لَا فِيمَا قَرُبَ. ابْنُ عَرَفَةَ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطُولَ زَمَانُ تَقَدُّمِ الْمَوْتِ كَعِشْرِينَ عَامًا وَنَحْوِهَا هَذَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا الْبَتُّ. اُنْظُرْ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّ الْعِشْرِينَ طُولٌ. (إنْ طَالَ الزَّمَانُ) ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي مِثْلِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً وَلَا تَجُوزُ فِي مِثْلِ هَذَا إلَّا عَلَى الْقَطْعِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي حَدِّ الطُّولِ خَمْسُ مَقَالَاتٍ. (بِلَا رِيبَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: لُحُوقِ الرِّيبَةِ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ يُبْطِلُهَا. فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى السَّمَاعِ وَفِي الْقَبِيلِ مِائَةٌ مِنْ أَسْنَانِهِمْ لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ إلَّا بِأَمْرٍ يَفْشُو أَوْ يَكُونُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَنْ اثْنَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَا شَخْصَيْنِ قَدْ بَادَ جِيلُهُمَا فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا اهـ. اُنْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ أَنَّ مَا تَتَوَفَّرُ فِيهِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَنُقِلَ مِنْ وَجْهٍ شَاذٍّ فَإِنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 230 لَا يُسْمَعُ. (وَحَلَفَ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ تَمَامِ شَهَادَةِ السَّمَاعِ يَمِينُ الْمَشْهُودِ لَهُ بِهَا؛ طُرُقُ. ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا دُونَ يَمِينٍ. وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: لَا يُقْضَى لِأَحَدٍ مِمَّنْ يُقْضَى لَهُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ. (وَشَهِدَ اثْنَانِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ. ثُمَّ قَالَ التُّونِسِيُّ بَعْدَ يَمِينِهِ: إذْ لَعَلَّهُ عَنْ وَاحِدٍ وَيَجْتَزِي بِقَوْلِ اثْنَيْنِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَرْبَعَةٌ لِأَنَّهَا كَالنَّقْلِ فَاحْتِيطَ فِيهَا. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا فِي الْخُلْعِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَرَدُّ الْمَالِ بِشَهَادَةِ سَمَاعٍ عَلَى الضَّرَرِ "، وَأَنَّهُ إنْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى الْقَطْعِ وَشَهِدَ مَعَهُ آخَرُ عَلَى السَّمَاعِ بَعْدَ ذَلِكَ. لِابْنِ يُونُسَ: وَمِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى السَّمَاعِ لَمْ يُقْضَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ بِالْمَالِ وَإِنْ حَلَفَ، لِأَنَّ السَّمَاعَ نَقْلُ شَهَادَةٍ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ شَاهِدَانِ فِي كُلِّ حَالٍ. قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يَجُوزُ إلَّا أَكْثَرُ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَفَرْقٌ فِي سَمَاعِ عِيسَى. (كَعَزْلٍ وَجَرْحٍ وَكُفْرٍ وَسَفَهٍ وَنِكَاحٍ وَضِدِّهَا وَإِنْ بِخُلْعٍ وَضَرَرِ زَوْجٍ وَهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَوِلَادَةٍ وَحِرَابَةٍ وَإِبَاقٍ وَعُدْمٍ وَأَسْرٍ وَعِتْقٍ وَلَوْثٍ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الَّتِي تَفْتَدِي مِنْ زَوْجِهَا فَيَشْهَدُ لَهَا قَوْمٌ بِالسَّمَاعِ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ يَضْرِبُهَا: فَذَلِكَ جَائِزٌ بِالسَّمَاعِ مِنْ أَهْلِهِ وَمِنْ الْجِيرَانِ وَشَبَهِ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرِ الْفَاشِي. الْمُتَيْطِيُّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الثَّمَانِي عَشْرَةَ مَسْأَلَةً الَّتِي تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِيهَا. وَفِي نَظْمِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَزَادَ ابْنُهُ سِتَّةً، وَزَادَ ابْنُ هَارُونَ عَلَى ذَلِكَ ثَلَاثَةً، وَزَادَ اللَّخْمِيِّ وَاحِدًا. الْمُتَيْطِيُّ: فَمِنْ ذَلِكَ عَزْلُ الْقَاضِي وَوِلَايَتُهُ وَالتَّجْرِيحُ وَالْعَدَالَةُ وَالْكُفْرُ وَالْإِسْلَامُ وَالتَّسْفِيهُ وَالتَّرْشِيدُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الضَّرَرِ، وَزَادَ ابْنُ رُشْدٍ وَالْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ. الْمُتَيْطِيُّ: وَالْوِلَادَةُ، وَزَادَ وَلَدُ ابْنِ رُشْدٍ وَالْحِرَابَةِ وَالْإِبَاقِ. ابْنُ هَارُونَ: وَالْمِلَاءُ وَالْعُدْمُ وَالْأَسْرُ الْكَافِي، وَالشَّهَادَةُ عَلَى السَّمَاعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ جَائِزَةٌ فِي النَّسَبِ الْمَشْهُورِ وَفِي الْوَلَاءِ الْمَشْهُورِ، وَفِي الْأَحْبَاسِ وَالصَّدَقَاتِ الَّتِي تَقَادَمَ أَمْرُهَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ تُحَازُ حَوْزَ الْأَحْبَاسِ وَأَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ مَوْلَى فُلَانٍ مَوْلَى عَتَاقَةٍ وَيَثْبُتُ بِذَلِكَ النَّسَبُ وَالْوَلَاءُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ نَسَبٌ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مُشْتَهِرًا مِثْلَ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: شَهَادَةُ السَّمَاعِ لَا يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ وَلَا وَلَاءٌ. اللَّخْمِيِّ: وَمِمَّا يَثْبُتُ بِهِ الْقَسَامَةُ السَّمَاعُ الْمُسْتَفِيضُ مِثْلُ مَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَدَا عَلَى رَجُلٍ فِي سُوقٍ عَلَانِيَةً مِثْلُ سُوقِ الْأَحَدِ وَشَبَهِهِ مِنْ كَثْرَةِ النَّاسِ فَقَطَعَ كُلُّ مَنْ حَضَرَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ قَالَ: فَرَأَى مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 231 إذَا كَثُرَ هَكَذَا وَتَظَاهَرَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ اللَّوْثِ، اُنْظُرْ نَظْمَ هَذِهِ الْفُرُوعِ فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَقَدْ عَقَدَ فَصْلًا فِي هَذَا فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ. [بَابٌ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا] (وَالتَّحَمُّلُ إنْ افْتَقَرَ إلَيْهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: التَّحَمُّلُ عُرْفًا عِلْمُ مَا يَشْهَدُ بِهِ بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ فَيَخْرُجُ عِلْمُهُ دُونَهُ كَمَنْ قَرَعَ أُذُنَهُ صَوْتٌ مُطَلِّقٍ وَنَحْوِهِ مِنْ قَوْلٍ يُوجِبُ عَلَى قَائِلِهِ حُكْمًا، فَالْمَعْرُوضُ لِلتَّكْلِيفِ بِهِ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] إنَّمَا هُوَ مَنْ يُدْعَى إلَى الشَّهَادَةِ بَعْدَ أَنْ يَشْهَدُوا مَا قَبْلَ أَنْ يَشْهَدَ، فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ إنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَشْهَدُ. ابْنُ كِنَانَةَ: إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَخَافَ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُ إنْ لَمْ يَشْهَدْ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ. ابْنُ رُشْدٍ: الدُّعَاءُ لِيَشْهَدَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَيَسْتَحْفِظَهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَدُعِيَ مَالِكٌ إلَى شَهَادَةٍ فَلَمْ يُجِبْ وَاعْتَذَرَ لِمَنْ دَعَاهُ فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ فِي أَمْرِك مَا لَا أَرَى أَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ فَيَقْتَدِي بِي مَنْ حَضَرَ، فَقَبِلَ مِنْهُ. وَحَكَى الشَّعْبَانِيِّ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْفُقَهَاءِ أَنْ يَشْهَدُوا بَيْنَ النَّاسِ وَلَا أَنْ يُضَيِّفُوا أَحَدًا وَلَا أَنْ يُكَافِئُوا عَلَى الْهَدَايَا. (وَتَعَيَّنَ الْأَدَاءُ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 232 ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَدَاءُ عُرْفًا إعْلَامُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ بِشَهَادَتِهِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا شَهِدَ بِهِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَيْنًا عَلَى مَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى عَدَدٍ يَثْبُتُ بِهِ الْمَشْهُودُ بِهِ، وَوَاجِبُ كِفَايَةٍ عَلَى مَنْ زَادَ عَدَدُهُ عَلَيْهِ حَاضِرًا كَوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يُقْبَلُ فِيهِ اثْنَانِ وَمِنْ خَمْسَةٍ فَصَاعِدًا فِي الزِّنَا. (مِنْ كِبَرِ يَدَيْنِ) سَحْنُونَ: إنْ كَانَ الشُّهُودُ عَلَى بَرِيدٍ أَوْ بَرِيدَيْنِ وَيَجِدُونَ الدَّوَابَّ وَالنَّفَقَةَ لَمْ يُعْطِهِمْ رَبُّ الْحَقِّ دَوَابَّ وَلَا نَفَقَةً، فَإِنْ فَعَلُوا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهَا رِشْوَةٌ عَلَى شَهَادَتِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا نَفَقَةً وَلَا دَوَابَّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُكْرِيَ لَهُمْ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِمْ. قَالَ: وَإِنْ كَانُوا عَلَى مِثْلِ السَّاحِلِ مِنَّا كَتَبَ الْقَاضِي إلَى رَجُلٍ يَشْهَدُ عِنْدَهُ الشُّهُودُ فَيَكْتُبُ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَا يَعْنِي الْمَشْهُودَ إلَيْهِ بِالْقُدُومِ قِيلَ: كَمْ بُعْدُ السَّاحِلِ مِنَّا؟ قَالَ: سِتُّونَ مِيلًا (وَعَلَى ثَالِثٍ إنْ لَمْ يَجْتَزْ بِهِمَا) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: الْأَدَاءُ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى عَدَدِ مَنْ يَثْبُتُ بِهِ الْمَشْهُودُ بِهِ. ثُمَّ قَالَ: مِنْ خَمْسَةٍ فَصَاعِدًا فِي الزِّنَا. (وَإِنْ انْتَفَعَ بِجُرْحٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ سَحْنُونٍ إنْ أَعْطَاهُمْ رَبُّ الْحَقِّ دَوَابَّ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ إلَّا أَنْ لَا يَجِدُوا (إلَّا رُكُوبَهُ لِعُسْرِ مَشْيِهِ وَعَدَمِ دَابَّةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: الْقُرْبُ الَّذِي يَلْزَمُ الشَّاهِدَ الْإِتْيَانُ لِأَدَاءِ شَهَادَتِهِ قِسْمَانِ: قَرِيبٌ جِدًّا تَقِلُّ فِيهِ النَّفَقَةُ وَمُؤْنَةُ الرُّكُوبِ، هَذَا لَا يَضُرُّ الشَّاهِدَ رُكُوبُ دَابَّةِ الْمَشْهُودِ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ دَابَّةٌ وَلَا أَكْلُ طَعَامِهِ. وَغَيْرُ قَرِيبٍ جِدًّا تَكْثُرُ فِيهِ النَّفَقَةُ وَمُؤْنَةُ الرُّكُوبِ، وَهَذَا تَبْطُلُ فِيهِ شَهَادَتُهُ إنْ رَكِبَ دَابَّةَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَلَهُ دَابَّةٌ أَوْ أَكَلَ طَعَامَهُ عِنْدَ سَحْنُونٍ. وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى النَّفَقَةِ وَلَا عَلَى اكْتِرَاءِ دَابَّةٍ وَهُوَ مِمَّنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ رَاجِلًا لَمْ تَبْطُلْ شَهَادَتُهُ إنْ أَنْفَقَ لَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ أَوْ اكْتَرَى لَهُ دَابَّةً. وَقِيلَ: تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ مُبْرِزًا فِي الْعَدَالَةِ. قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ. ابْنُ عَرَفَةَ: لِأَنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ، وَعَكَسَ ابْنُ الْحَاجِبِ. (لَا كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ) سَحْنُونَ: إنْ كَانَ الشُّهُودُ عَلَى مِثْلِ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَأَكْثَرَ لَمْ يَشْخَصُوا مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَلْيَشْهَدُوا عِنْدَ مَنْ يَأْمُرُهُمْ الْقَاضِي فِي تِلْكَ الْبِلَادِ وَيَكْتُبُوا بِمَا شَهِدُوا بِهِ عِنْدَهُ إلَى الْقَاضِي. (فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِدَابَّةٍ وَنَفَقَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ الشَّاهِدُ مِنْ الْبُعْدِ بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ بِمَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ فَلَا يَضُرُّهُ أَكْلُ طَعَامِ الْمَشْهُودِ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَلَا رُكُوبُ دَابَّتِهِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ دَابَّةٌ. وَإِنْ احْتَجَبَ السُّلْطَانُ عَنْ الشَّاهِدِ لَمْ يَضُرَّهُ إنْفَاقُ الْمَشْهُودِ لَهُ مُدَّةَ انْتِظَارِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ وَيَنْصَرِفُ. وَقِيلَ: تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ذِكْرًا انْتَهَى. اُنْظُرْ حُكْمَ الِانْتِفَاعِ عَلَى الْأَدَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَلَى التَّحَمُّلِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي جَوَازِ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى التَّحَمُّلِ خِلَافٌ وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ بِإِفْرِيقِيَّةَ وَغَيْرِهَا عَلَى أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَحَمُّلِهَا بِالْكُتُبِ فِيمَنْ انْتَصَبَ لَهَا وَتَرَكَ التَّسَبُّبَ الْمُعْتَادَ مِنْ أَجْلِهَا وَهُوَ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ الْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 233 مُسَمَّاةً وَيَجُوزُ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَكْتُوبُ لَهُ مُضِرًّا لِلْكَاتِبِ إمَّا لِقَصْرِ الْقَاضِي الْكُتُبَ عَلَيْهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِمُوجِبِ ذَلِكَ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ غَيْرَهُ فَيَجِبُ عَلَى الْكَاتِبِ أَنْ لَا يَطْلُبَ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّ، فَإِنْ فَعَلَ فَهِيَ جُرْحَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ الْكَاتِبُ الْمَكْتُوبُ لَهُ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَهُوَ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَهُوَ عِنْدِي مَحْمَلُ الْهِبَةِ عَلَى الثَّوَابِ. فَإِنْ أَعْطَاهُ قَدْرَ أَجْرِ الْمِثْلِ فِي ذَلِكَ لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَإِلَّا كَانَ مُخَيَّرًا فِي قَبُولِ مَا أَعْطَاهُ وَتَمَسُّكِهِ بِمَا كُتِبَ لَهُ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذَلِكَ حَقٌّ لِلْمَكْتُوبِ لَهُ فَيَكُونُ فَوْتًا وَيُجْبَرُ لَهُ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ. [بَابٌ فِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ] (وَحَلَفَ بِشَاهِدٍ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ لَا نِكَاحٍ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ وَإِنْ طَالَ دُيِّنَ) ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ أَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ كَشَاهِدَيْنِ. رَوَى الْمُحَمَّدَانِ إنَّمَا يَجُوزُ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فِي الْأَمْوَالِ دُونَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالْحُدُودِ. ابْنُ سَحْنُونٍ: وَالنِّكَاحِ وَالْقَتْلِ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَخَامِسُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَقَامَتْ امْرَأَةٌ بِطَلَاقِهَا شَاهِدًا وَاحِدًا أَوْ امْرَأَتَيْنِ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا فِي الْحُقُوقِ مُنِعَ الزَّوْجُ مِنْهَا حَتَّى يَحْلِفَ. قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ نَكَلَ طَلُقَتْ عَلَيْهِ مَكَانَهَا وَعِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُحْبَسُ سَنَةً فَإِنْ حَلَفَ وَإِلَّا دِينَ وَخُلِّيَ مَعَ زَوْجَتِهِ، وَبِهَذَا أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَأَمَّا الْعِتْقُ فَثَالِثُ الْأَقْوَالِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: إنْ ادَّعَى عَبْدٌ عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَازَ هَذَا لِلنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ لَمْ يَشَأْ عَبْدٌ إلَّا حَلَّفَ سَيِّدَهُ وَلَا امْرَأَةٌ إلَّا حَلَّفَتْ زَوْجَهَا كُلَّ يَوْمٍ. فَإِنْ أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدًا أَوْ امْرَأَتَيْنِ مِمَّنْ يُقْبَلَانِ فِي الْحُقُوقِ فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ الْعَبْدُ وَلَكِنْ يَحْلِفُ السَّيِّدُ، فَإِنْ نَكَلَ الْعَبْدُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يُسْجَنُ، فَإِنْ طَالَ سَجْنُهُ دِينَ وَالطُّولُ سَنَةٌ. وَأَمَّا النِّكَاحُ فَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ فَأَنْكَرَتْ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ يَمِينٌ، وَلَوْ أَقَامَ مُدَّعِي النِّكَاحَ شَاهِدًا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَرْأَةِ يَمِينٌ وَلَا تُحْبَسُ لَهُ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ أَقَامَتْ عَلَيْهِ شَاهِدًا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ: تَحْلِفُ وَتَرِثُ. وَأَشْهَبُ يَقُولُ: لَا يَصِحُّ الْمِيرَاثُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ النِّكَاحِ وَالنِّكَاحُ لَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قِيَاسُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ النِّكَاحُ عَلَى الطَّلَاقِ فِيهِ نَظَرٌ لِتَقَرُّرِ دَعْوَى الطَّلَاقِ دُونَ النِّكَاحِ. وَانْظُرْ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّهُ شَتَمَهُ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْلِفُ مَعَهُ وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا قَذَفَهُ وَفِي هَذَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي الْقِصَاصِ مِنْ جِرَاحِ الْعَمْدِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ثَالِثُهَا فِيمَا صَغُرَ مِنْ الْجِرَاحِ لَا فِيمَا عَظُمَ كَقَطْعِ الْيَدِ. اُنْظُرْهُ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى جُرْحٍ ". (وَحَلَفَ عَبْدٌ وَسَفِيهٌ مَعَ شَاهِدِهِ لَا صَبِيُّ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ كَانَ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ حَقًّا لِسَفِيهٍ فَطَرِيقَانِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: يَحْلِفُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 234 مَعَ شَاهِدِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَبُرِّئَ، فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ. قَالَ أَصْبَغُ: كَالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَهِدَ النِّسَاءُ لِعَبْدٍ أَوْ لِامْرَأَةٍ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ، وَأَمَّا إنْ شَهِدَ الصَّبِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ حَتَّى يَبْلُغَ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيَحْلِفُ لَهُ الْمَطْلُوبُ فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ وَإِنْ حَلَفَ تُرِكَ حَتَّى يَكْبُرَ الصَّبِيُّ فَيَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: فَإِنْ مَاتَ الصَّبِيُّ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَحْلِفُوا وَيَسْتَحِقُّوا وَيَقُومُوا مَقَامَ الصَّبِيِّ لَوْ كَبِرَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا شَهِدَ النِّسَاءُ لِرَجُلٍ أَنَّ فُلَانًا أَوْصَى لَهُ بِكَذَا جَازَتْ شَهَادَتُهُنَّ بِذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا لَوْ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ قَالَ: وَامْرَأَتَانِ فِي ذَلِكَ وَمِائَةُ امْرَأَةٍ سَوَاءٌ، يَحْلِفُ الطَّالِبُ مَعَهُنَّ وَيَسْتَحِقُّ وَلَا يَحْلِفُ مَعَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ لِصَبِيٍّ بِمَالٍ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْلِفُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَيُتْرَكُ حَتَّى يَحْتَلِمَ الصَّبِيُّ فَيَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقَّ، وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ لِسَفِيهٍ حَلَفَ مَعَهُ الْآنَ وَيَسْتَحِقُّ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالشَّرْعِ وَهُوَ كَالرَّشِيدِ فِي الْيَمِينِ، وَاخْتُلِفَ إذَا نَكَلَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ وَيُبَرَّأُ وَلَا يَحْلِفُ السَّفِيهُ إذَا رَشَدَ. ابْنُ رُشْدٍ. وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ الْمُوَلَّى عَلَيْهَا تَنْكُلُ عَنْ الْيَمِينِ مَعَ شَاهِدِهَا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا إذَا رُضِيَ حَالُهَا. (وَأَبُوهُ وَإِنْ أَنْفَقَ) رَوَى مُحَمَّدٌ: إنْ أَقَامَ شَاهِدٌ لِطِفْلٍ بِدَيْنٍ لَمْ يَحْلِفْ مَعَهُ أَبُوهُ. قِيلَ: وَإِنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ؟ قَالَ: مَا أَظُنُّ ذَلِكَ لَهُ. اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ أَبٌ فَصَارَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ فَأَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَحْلِفَ لِأَجْلِ نَفَقَتِهِ عَلَى الِابْنِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَظُنُّ ذَلِكَ لَهُ يُرِيدُ لِأَنَّ الْيَمِينَ لِلصَّبِيِّ فَقَدْ يَتَوَرَّعُ عَنْهَا وَلَا يَحْلِفُ. وَلَهُ أَيْضًا أَنَّهُ يَحْلِفُ. (وَحَلَفَ مَطْلُوبٌ لِيُتْرَكَ بِيَدِهِ وَسُجِنَ لِيَحْلِفَ إذَا بَلَغَ) ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا قَامَ لِلْمَيِّتِ شَاهِدٌ بِدَيْنٍ وَوَارِثُهُ صَغِيرٌ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ، فَإِنْ حَلَفَ تُرِكَ حَتَّى يَكْبَرَ الصَّبِيُّ فَيَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ. قَالَ: أَوْ يَكْتُبَ لَهُ الْقَاضِي قَضِيَّتَهُ بِمَا صَحَّ عِنْدَهُ وَيَشْهَدَ عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ لِيُنَفِّذَهُ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ الْقُضَاةِ مَاتَ شَاهِدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ فَسَقَ، فَإِنْ نَكَلَ الْمَطْلُوبُ غَرِمَ مَكَانَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ الصَّغِيرُ إذَا كَبِرَ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الصَّغِيرَ إذَا انْفَرَدَ بِالْحَقِّ أَنَّ الْمَطْلُوبَ يَسْتَحْلِفُ لَهُ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ الْأَخَوَانِ، وَعَلَيْهِ فَيُسَجِّلُ الْإِمَامُ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ خَوْفَ مَوْتِهِ أَوْ طَرُوَ جُرْحَتِهِ (كَوَارِثٍ قَبْلَهُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ بَعْضِ شُيُوخِ ابْنِ يُونُسَ: إنْ مَاتَ الصَّبِيُّ قَبْلَ الْبُلُوغِ حَلَفَ وَرَثَتُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ نَكَلَ أَوَّلًا فَفِي حَلِفِهِ قَوْلَانِ) تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ إنْ نَكَلَ الْمَطْلُوبُ غَرِمَ مَكَانَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ الصَّغِيرُ إذَا كَبِرَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا فَانْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ (وَإِنْ نَكَلَ اكْتَفَى بِيَمِينِ الْمَطْلُوبِ الْأَوَّلِ) الْبَاجِيُّ: إذَا قُلْنَا يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ فَإِنْ حَلَفَ بَقِيَ الْحَقُّ عِنْدَهُ، مُعَيَّنًا كَانَ أَوْ فِي الذِّمَّةِ، حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ فَيَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقَّ مَعَهُ، فَإِنْ فَاتَ الْمُعَيَّنُ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ بِهِ، فَإِنْ نَكَلَ الصَّبِيُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ لَا يَحْلِفُ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ حَلَفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ يَمِينَ الْمَطْلُوبِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 235 يَمِينُ اسْتِحْقَاقٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ: يَمِينُ الْمَطْلُوبِ لِتَوَقُّفِ الْحَقِّ بِيَدِهِ فَقَطْ فَيَحْلِفُ الْآنَ يَمِينَ الِاسْتِحْقَاقِ وَهَذَا أَصْلٌ مُتَنَازَعٌ فِيهِ، رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا يَحْلِفُ الصَّغِيرُ إذَا بَلَغَ حَتَّى يَعْلَمَ بِالْخَبَرِ الَّذِي يَتَيَقَّنُ بِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَحْلِفُ كَمَا يَحْلِفُ الْوَارِثُ عَلَى مَا لَمْ يَحْضُرْ وَهُوَ لَا يَدْرِي شَهِدَ لَهُ بِحَقٍّ أَمْ لَا، فَيَحْلِفُ مَعَهُ عَلَى خَبَرِهِ وَيُصَدِّقُهُ كَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا شَهِدَ لَهُ بِهِ الشَّاهِدَانِ مِنْ مَالٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِمَا. ابْنُ عَرَفَةَ: فَفِي شَرْطِ حَلِفِهِ مَعَ شَاهِدِهِ بِتَيَقُّنِهِ أَوْ ظَنِّهِ قَوْلَا مُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ. (وَإِنْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ أَتَى بِآخَرَ فَلَا ضَمَّ وَفِي حَلِفِهِ مَعَهُ وَيَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ إنْ لَمْ يَحْلِفْ فَقَوْلَانِ) الْبَاجِيُّ: مَنْ نَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ مَعَ شَاهِدِهِ فَحَلَفَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ وَجَدَ الطَّالِبُ شَاهِدًا آخَرَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَضُمُّ هَذَا الشَّاهِدَ إلَى الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَقَالَ مَالِكٌ: يَضُمُّ هَذَا الشَّاهِدَ لِلشَّاهِدِ الْأَوَّلِ وَيُقْضَى لَهُ بِهِ ابْنُ كِنَانَةَ: هَذَا وَهْمٌ إنَّمَا قَالَ هَذَا مَالِكٌ فِيمَنْ أَقَامَتْ شَاهِدًا عَلَى طَلَاقِهَا فَحَلَفَ الزَّوْجُ ثُمَّ وَجَدَتْ شَاهِدًا آخَرَ فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا نُكُولٌ. الْبَاجِيُّ: وَإِذَا قُلْنَا بِأَنْ لَا يُضَمَّ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: يُؤْتَنَفُ لَهُ الْحُكْمُ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: لَا يَحْلِفُ الْآنَ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ أَيْضًا نَكَلَ قَبْلُ. وَقَالَهُ أَيْضًا ابْنُ الْقَاسِمِ. وَعَلَى حَلِفِهِ إنْ نَكَلَ ثَانِيَةً فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: تُرَدُّ الْيَمِينُ ثَانِيَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَسْقَطَ بِالْأُولَى شَهَادَةَ الْأَوَّلِ. وَقَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ: لَا تُرَدُّ عَلَيْهِ ثَانِيَةً لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى هَذَا الْحَقِّ مَرَّةً. ابْنُ مَرْزُوقٍ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. (وَإِنْ تَعَذَّرَ يَمِينٌ بِبَعْضٍ كَشَاهِدٍ بِوَقْفٍ عَلَى بَنِيهِ وَعَقِبِهِمْ أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ حَلَفَ وَإِلَّا حُبِسَ فَإِنْ مَاتَ فَفِي تَعْيِينِ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَوَّلِينَ أَوْ الْبَطْنِ الثَّانِي تَرَدُّدٌ) لَمْ يَتَهَيَّأْ لِي فِي الْوَقْتِ أَنْ أُحَصِّلَ مَا تَكُونُ بِهِ الْفَتْوَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَمْ أَفْهَمْ كَلَامَ خَلِيلٍ فَانْظُرْهُ أَنْتَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: شَهَادَةُ وَاحِدٍ بِحَبْسٍ فِي السَّبِيلِ أَوْ وَصِيَّةٍ فِيهِ أَوْ لِيَتَامَى أَوْ لِمَنْ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ سَاقِطَةٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الشَّاهِدِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ عَدَمُ حَلِفِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَلَى إبْطَالِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ طَالِبِهِ خِلَافًا لِلْمَازِرِيِّ وَاللَّخْمِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِوَصِيَّةٍ بِعِتْقٍ وَمَالٍ لِرَجُلٍ حَلَفَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ وَلَمْ يُقْضَ لَهُ إلَّا بِمَا فَضَلَ عَنْ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِلْحَالِفِ مِنْ أَهْلِ الْوَصَايَا إنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ حَقًّا إنَّمَا لَك مَعَ الْعِتْقِ مَا فَضَلَ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ لِمَنْ لَا يَحْصُرُهُ الْعَدَدُ كَآلِ فُلَانٍ وَمَسَاكِينِ آلِ فُلَانٍ وَشَبَهِهِ، فَفِي اسْتِحْقَاقِهِمْ حَقَّهُمْ يَحْلِفُ جُلُّهُمْ وَسُقُوطُ الْحَلِفِ فِي هَذَا قَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُمْكِنَةً مِنْ بَعْضٍ مُمْتَنِعَةً مِنْ بَعْضٍ كَالشَّاهِدِ يُوقِفُ عَلَى بَنِيهِ وَعَقِبِهِمْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ، فَرَوَى مُطَرِّفٌ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ وَاحِدٌ ثَبَتَ الْجَمِيعُ، وَرَوَى ابْن الماجشون إذَا حَلَفَ الْجُلُّ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَغَيْرُهُ: كَمَسْأَلَةِ الْفُقَرَاءِ. وَقِيلَ: يَثْبُتُ لِمَنْ حَلَفَ نَصِيبُهُ فَلَوْ مَاتَ فَفِي تَعْيِينِ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَوَّلِينَ أَوْ الْبَطْنِ الثَّانِي أَوْ مَنْ حَلَفَ أَبُوهُ خِلَافٌ ثُمَّ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 236 أَخْذِهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ قَوْلَانِ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى حَاكِمٍ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي إلَّا بِإِشْهَادِهِ) مِنْ الْمُفِيدِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ سَمِعْته يَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ مِائَةَ دِينَارٍ وَلَمْ يُشْهِدْك فَاشْهَدْ بِمَا سَمِعْت إنْ كُنْت سَمِعْته يُؤَدِّيهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لِلْحُكْمِ بِهَا وَإِلَّا فَلَا، حَتَّى يُشْهِدَك إذْ لَوْ عَلِمَ أَنَّك تَنْقُلُهَا عَنْهُ لَزَادَ أَوْ نَقَصَ مَا يُنْقِصُهَا، وَإِنَّمَا تَشْهَدُ بِمَا سَمِعْت مِنْ قَذْفٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ بِخِلَافِ الْحُقُوقِ. قَالَ مُطَرِّفٌ: لَا تَشْهَدُ بِقَوْلِ الْقَاضِي قَدْ ثَبَتَ لِفُلَانٍ عِنْدِي كَذَا حَتَّى يُشْهِدَك عَلَى ذَلِكَ نَصًّا أَوْ يُشْهِدَك الْقَاضِي عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ (كَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي) ابْنُ رُشْدٍ: شَهَادَةُ الرَّجُلِ بِمَا سَمِعَهُ دُونَ إشْهَادٍ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: مَا سَمِعَهُ مِنْهُ مِنْ قَذْفٍ يُوجِبُ حَدَّهُ أَوْ عُقُوبَتَهُ شَهَادَتُهُ بِهِ مَقْبُولَةٌ اتِّفَاقًا. الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا سَمِعَهُ مِنْهُ مِنْ إقْرَارٍ عَلَى نَفْسِهِ بِحَقٍّ لِرَجُلٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: تَصِحُّ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَوْلُهُ الْآخَرُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا لَا تَصِحُّ. الثَّالِثُ: شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ بِمَا سَمِعَ مِنْ شَهَادَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ بِحَقٍّ أَوْ قَذْفٍ أَوْ زِنًا لَا تَجُوزُ اتِّفَاقًا. الْبَاجِيُّ: مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَقُصُّ شَهَادَتَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهَا عَنْهُ حَتَّى يُشْهِدَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَذْكُرُ شَهَادَتَهُ يَقُولُ سَمِعْت فُلَانًا يَقْذِفُ فُلَانًا أَوْ يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ فَلَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ حَتَّى يَقُولَ لَهُ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِيمَنْ قَالَ عِنْدِي شَهَادَةٌ فِي كَذَا فَلَا يَنْقُلُ ذَلِكَ عَنْهُ مَنْ سَمِعَهَا وَإِنْ نَقَلَهَا لَمْ تُقْبَلْ. (أَوْ رَآهُ يُؤَدِّيهَا) قَالَ مُطَرِّفٌ: مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَشْهَدُ عِنْدَ الْقَاضِي بِشَهَادَةٍ ثُمَّ مَاتَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَتَكُونُ شَهَادَةً عَلَى شَهَادَةٍ. وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا تَجُوزُ حَتَّى يُشْهِدَك عَلَى ذَلِكَ أَوْ يُشْهِدَ عَلَى قَبُولِ الْقَاضِي لِتِلْكَ الشَّهَادَةِ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ أَصْبَغَ أَعْدَلُ وَأَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ سَمِعَهُ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ كَانَ هُوَ الْحَاكِمُ فَشَهِدَ بِهِ عِنْدَهُ أَوْ سَمِعَهُ يُشْهِدُ غَيْرَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ. [بَابٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ] (إنْ غَابَ الْأَصْلُ وَهُوَ رَجُلٌ) ابْنُ الْمَوَّازِ: تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 237 فِي كُلِّ شَيْءٍ وَإِنَّمَا يُنْقَلُ عَنْ مَرِيضٍ أَوْ غَائِبٍ، وَلَا يَجُوزُ النَّقْلُ عَنْ الصَّحِيحِ الْحَاضِرِ، يُرِيدُ إلَّا النِّسَاءَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ النَّقْلُ عَنْهُنَّ وَهُنَّ أَصِحَّاءُ حُضُورٌ لِضَرُورَةِ النَّقْلِ بِسَبَبِ الْكَشَفَةِ. وَأَمَّا فِي الْحُدُودِ فَلَا يُنْقَلُ عَنْ الْبَيِّنَةِ إلَّا فِي غَيْبَةٍ بَعِيدَةٍ، فَأَمَّا الْيَوْمَانِ وَالثَّلَاثَةُ فَلَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْحُدُودِ فَجَائِزَةٌ فِي مِثْلِ هَذَا. (بِمَكَانٍ لَا يَلْزَمُ الْأَدَاءُ مِنْهُ وَلَا تَكْفِي فِي الْحُدُودِ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْغَيْبَةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا فِي الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ لَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَتَجُوزُ الْيَوْمَانِ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: إنْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ أَوْ السِّتِّينَ مِيلًا جَازَ النَّقْلُ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ مَالٍ وَحَدٍّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ السِّتِّينَ مِيلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَدَاءِ بُعْدٌ، اُنْظُرْهُ عِنْدَ كَبَرِيدَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. (أَوْ مَاتَ أَوْ مَرِضَ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ النَّقْلِ تَعَذُّرُ أَدَاءِ الْأَصْلِ أَوْ تَعَسُّرُهُ كَمَوْتِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ بُعْدِ مَكَانِهِ مِنْ مَحَلِّ الْأَدَاءِ. (وَلَمْ يَطْرَأْ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَمَّا كَانَ تَمَامُ شَهَادَةِ النَّقْلِ بِأَدَائِهَا نَقْلُهَا عَنْهُ كَانَ طُرُوءَ مَانِعِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ قَبْلَ أَدَائِهَا نَقْلَهَا كَطُرُوءٍ عَلَى شَاهِدِهِ قَبْلَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْحُكْمِ، وَالْأَوَّلُ وَاضِحٌ وَالثَّانِي تَقَدَّمَ حُكْمُهُ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: إذَا طَرَأَ عَلَى الْأَصْلِ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ أَوْ رِدَّةٌ امْتَنَعَتْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ (بِخِلَافِ جِنٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: طُرُوءُ الْعَمَى وَالْجُنُونِ لَغْوٌ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ لِلَغْوِهِمَا فِي شَهَادَةِ غَيْرِ النَّقْلِ. (وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَصْلُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ وَإِلَّا مَضَى بِلَا غُرْمٍ) فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي شَاهِدَيْنِ نَقَلَا شَهَادَةَ رَجُلٍ ثُمَّ قَدِمَ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَهُمَا أَوْ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ عِلْمٌ وَقَدْ حُكِمَ بِهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 238 قَالَ مَالِكٌ: يُفْسَخُ. وَفِي سَمَاعِ عِيسَى: الْحُكْمُ مَاضٍ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا وَلَا يُقْبَلُ تَكْذِيبُهُ لَهُمَا. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَصْوَبُ قَالَ: وَلَوْ قَدِمَ قَبْلَ الْحُكْمِ وَقَالَ ذَلِكَ سَقَطَتْ الشَّهَادَةُ. ابْنُ يُونُسَ: كَالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ. (وَنَقَلَ عَنْ كُلٍّ اثْنَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ تَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ عَدَدٍ كَثِيرٍ وَلَا يَنْقُلُ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ فِي الْحُقُوقِ عَنْ وَاحِدٍ فَأَكْثَرَ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ وَاحِدٍ عَنْ وَاحِدٍ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ لِأَنَّهَا بَعْضُ شَهَادَةِ شَاهِدٍ وَالنَّقْلُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَوْ أُجِيزَ ذَلِكَ لَمْ يَصِلْ إلَى قَبْضِ الْمَالِ إلَّا بِيَمِينٍ، وَإِنَّمَا «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَمْوَالِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَاحِدَةٍ» . (لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إذَا شَهِدَ رَجُلٌ فِي حَقٍّ عَلَى عِلْمِهِ وَشَهِدَ هُوَ وَآخَرُ يَنْقُلَانِ عَنْ رَجُلٍ فِي ذَلِكَ الْحَقِّ، فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ وَاحِدًا أَحْيَا الشَّهَادَةَ. قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَى عِلْمِ نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ عَنْ الْآخَرِ. وَانْظُرْ إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا وَثَالِثٌ عَلَى شَهَادَةِ آخَرَ فِي ذَلِكَ الْحَقِّ. وَنَصَّ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ وَاحِدًا أَحْيَا شَهَادَتَهُمَا. (وَفِي الزِّنَا أَرْبَعَةٌ أَوْ عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ اثْنَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَى مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ، أَوْ اثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ اثْنَيْنِ، وَاثْنَانِ آخَرَانِ عَلَى شَهَادَةِ اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ حَتَّى يَتِمُّ أَرْبَعَةٌ مِنْ كُلِّ النَّاحِيَتَيْنِ. (وَلُفِّقَ نَقْلٌ بِأَصْلٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا ". وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: تَتِمُّ الشَّهَادَةُ بِبَعْضِ أَصْلٍ وَالنَّقْلِ عَنْ بَاقِيهِ بِشَرْطِ عَدَدِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى رُؤْيَةِ نَفْسِهِ وَثَلَاثَةٌ عَلَى شَهَادَةِ ثَلَاثَةٍ فَذَلِكَ تَامٌّ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ لَهُ اثْنَانِ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَاثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ اثْنَيْنِ، وَأَمَّا وَاحِدٌ عَلَى رُؤْيَةِ نَفْسِهِ وَاثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ ثَلَاثَةٍ لَمْ تَجُزْ، وَحُدَّ شَاهِدُ الرُّؤْيَةِ لِلْقَذْفِ. (وَجَازَ تَزْكِيَةُ نَاقِلٍ أَصْلُهُ) مِنْ الْمُوَازِيَةِ: لَيْسَ النَّقْلُ عَلَى الشَّاهِدِ بِتَعْدِيلٍ حَتَّى يُعَدِّلَهُ النَّاقِلُونَ أَوْ يَعْرِفَهُ الْقَاضِي بِعَدَالَةٍ. أَشْهَبُ: وَإِلَّا طَلَبَ مِنْهُ مَنْ يُزَكِّيه. (وَنَقْلُ امْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ فِي بَابِ شَهَادَتِهِنَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْأَمْوَالِ وَفِي الْوَكَالَةِ عَلَى الْأَمْوَالِ إذَا كَانَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ، وَهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَا يَنْقُلْنَ شَهَادَةً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 239 إلَّا مَعَ رَجُلٍ نَقَلْنَ عَنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ. [بَابٌ السَّادِسُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ] (وَإِنْ قَالُوا وَهَمْنَا بَلْ هُوَ هَذَا سَقَطَتَا) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ. ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ السَّادِسُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: إنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ ثُمَّ قَالَا قَبْلَ الْحُكْمِ بَلْ هُوَ هَذَا الْآخَرُ وَقَدْ وَهَمْنَا، لَمْ يُقْبَلَا فِي الْأُولَى وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ قَالَا قَبْلَ الْقَطْعِ وَهَمْنَا بَلْ هُوَ هَذَا الْآخَرُ، لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَقَدْ خَرَجَا مِنْ حَدِّ الْعَدَالَةِ بِإِقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَى الْوَهْمِ وَالشَّكِّ. سَحْنُونَ: إذَا رَجَعَ الشُّهَدَاءُ قَبْلَ الْحُكْمِ وَقَدْ شَهِدُوا بِحَقٍّ أَوْ وَاحِدٍ فَإِنَّهُمْ يُقَالُونَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَلَا عِقَابَ وَلَوْ اُتُّهِمُوا أَوْ رَجَعُوا لِشَكٍّ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ تُوجِبُ أَنْ لَا يَرْجِعَ أَحَدٌ، ابْنُ يُونُسَ: رَوَى الْمُغِيرَةُ «أَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي شَاهِدٍ شَهِدَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَمْضِي شَهَادَتُهُ الْأُولَى لِأَهْلِهَا وَالْآخِرَةُ بَاطِلَةٌ» . وَأَخَذَ بِهَذَا مَالِكٌ وَغَيْرُهُ (وَنُقِضَ إنْ ثَبَتَ كَذِبُهُمْ كَحَيَاةِ مَنْ قُتِلَ أَوْ جَبِّهِ قَبْلَ الزِّنَا لَا رُجُوعِهِمْ وَغُرِّمَا مَالًا وَدِيَةً وَلَوْ تَعَمَّدَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: لِلرُّجُوعِ ثَلَاثُ صُوَرٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلَا قَضَاءَ. فَإِنْ قَالَ وَهَمْنَا بَلْ هُوَ هَذَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: سَقَطَتَا مَعَ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُسْتَوْفَى الدَّمُ كَالْمَالِ. وَقَالَ أَيْضًا: لَا يُسْتَوْفَى لِحُرْمَةِ الدَّمِ انْتَهَى. الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَيَغْرَمَانِ الدِّيَةَ وَغَيْرَهَا إنْ لَمْ يَثْبُتْ عَمْدُهُمَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَإِنْ ثَبَتَ عَمْدُهُمَا فَالدِّيَةُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَالْقِصَاصُ لِأَشْهَبَ انْتَهَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا نَصَّ عَنْ مَالِكٍ فِي التَّغْرِيمِ فِي الرُّجُوعِ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَهُ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَغْرِيمِ مَا أَتْلَفَهُ بِالتَّعَمُّدِ. وَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا خِلَافَ فِي تَعَلُّقِ الْغَرَامَةِ بِهِمْ إذَا ثَبَتَ كَذِبُهُمْ كَحَيَاةِ مَنْ قُتِلَ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ مَالِكًا أَخَذَ بِالْحَدِيثِ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا رَجَعَ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ. وَمِنْ ابْنِ عَرَفَةَ مَا نَصُّهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَوْ رَجَعَا عَنْ رُجُوعِهِمَا الْمُوجِبِ غَرَّمَهُمَا لَمْ يُقَالَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 240 وَقَضَى عَلَيْهِمَا بِمَا يُقْضَى عَلَى الرَّاجِعِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ إثْرَ هَذَا الْفَرْعِ: أَمَّا لَوْ ثَبَتَ كَذِبُهُمْ نَقَضَ إذَا أَمْكَنَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ثُبُوتُ كَذِبِهِمْ عَسِرٌ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ عَلَى تَجْرِيحِ الشُّهُودِ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِمْ بِالْكَذِبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَشْهَدُونَ بِكَذِبِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِمْ فِيهَا، وَلِهَذَا عَلَّقَ الْمُؤَلِّفُ ثُبُوتَ كَذِبِهِمْ عَلَى الْإِمْكَانِ وَإِلَيْهِ يَعُودُ هَذَا الشَّرْطُ لَا إلَى نَقْضِ الْحُكْمِ. ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُهُ: " ثُبُوتُ كَذِبِهِمْ عَسِيرٌ " يَرُدُّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ أَخِيرًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَجْبُوبِ وَبِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ مَنْ شَهِدَ بِقَتْلِهِ ثُمَّ قَدِمَ حَيًّا، وَبِقَوْلِهَا فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيمَنْ شَهِدَتْ بِمَوْتِهِ إلَخْ، الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ وَاسْتِدْلَالُهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إنَّ الشَّرْطَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إنْ أَمْكَنَ رَاجِعٌ إلَى ثُبُوتِ كَذِبِهِمْ لَا إلَى نَقْضِ الْحُكْمِ وَهْمٌ، وَالْحَقُّ الْوَاضِحُ لِمَنْ أَنْصَفَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى نَقْضِ الْحُكْمِ لَا إلَى ظُهُورِ كَذِبِهِمْ لِأَنَّ نَقْضَهُ قَدْ لَا يُمْكِنُ كَكَوْنِهِ حُكْمًا بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ وَقَعَ، وَقَدْ يُمْكِنُ كَكَوْنِهِ بِاسْتِحْقَاقِ رُبْعٍ. وَنَحْوِهِ كَمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ شَهِدَتْ بِمَوْتِهِ بَيِّنَةٌ فَبِيعَتْ تَرِكَتُهُ وَتَزَوَّجَتْ زَوْجَتُهُ ثُمَّ قَدِمَ حَيًّا، فَإِنْ ذَكَرَ الشُّهُودُ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فَهَذَا تُرَدُّ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ مَتَاعِهِ إلَّا مَا وَجَدَ، وَمَا بِيعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ إنْ وَجَدَهُ قَائِمًا، وَإِنْ لَمْ تَأْتِ الْبَيِّنَةُ بِمَا تُعْذَرُ بِهِ فَذَلِكَ كَتَعَمُّدِهِمْ الزُّورَ فَلْيَأْخُذْ مَتَاعَهُ حَيْثُ وَجَدَهُ وَعَبْدَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أُعْتِقَ وَأَمَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ. وَمِنْ الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ بِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَتَلَ ابْنَ هَذَا عَمْدًا فَقَضَى بِقَتْلِهِ فَقُتِلَ ثُمَّ قَدِمَ الِابْنُ حَيًّا، غَرِمَ الشَّاهِدُ أَنَّ دِيَتَهُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَإِنْ تَعَمَّدُوا ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا عَلَى الْأَبِ. اُنْظُرْ الْبَحْثَ فِي هَذَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ: وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَى فَرَجَمَهُ الْإِمَامُ ثُمَّ وُجِدَ مَجْبُوبًا لَمْ يَحُدَّ الشُّهُودُ إذْ لَا يُحَدُّ مَنْ قَالَ لِلْمَجْبُوبِ يَا زَانِي، وَعَلَيْهِمْ الدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمْ مَعَ وَجِيعِ الْأَدَبِ وَطُولِ السَّجْنِ. وَمِنْ الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى حُرٍّ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا فَحَكَمَ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ وَدُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فَذَهَبُوا بِهِ لِيَقْتُلُوهُ فَرَجَعَا وَأَقَرَّا بِالزُّورِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ، فَقَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ الْقَوْلُ؛ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَنْفُذُ فِيهِ الْقَتْلُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَلَكِنْ أَقِفُ عَنْ قَتْلِهِ لِحُرْمَةِ الْقَتْلِ، وَكَذَلِكَ الْقَطْعُ وَشَبَهُهُ وَأَرَى فِيهِ الْعَقْلَ أَحَبَّ إلَيَّ انْتَهَى. رَاجِعْ أَنْتَ هَذِهِ النُّصُوصَ فَإِنِّي قَدْ أَجْحَفْت فِي الِاخْتِصَارِ حَتَّى فِي نَقْلِي عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ إذْ مَا كَانَ الْقَصْدُ إلَّا الْإِشَارَةَ لِمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَلِيلٌ أَرَادَهُ، ثُمَّ مَعَ هَذَا مَا تَحَصَّلَ لِي مِنْ عِبَارَةِ خَلِيلٍ حَاصِلٌ فَانْظُرْهُ أَنْتَ. (وَلَا يُشَارِكُهُمْ شَاهِدَا الْإِحْصَانِ) ابْنُ يُونُسَ: إنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَشَهِدَ عَلَيْهِ اثْنَانِ غَيْرُهُمْ بِالْإِحْصَانِ فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعَ جَمِيعُ الشُّهُودِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الدِّيَةُ عَلَى شُهُودِ الزِّنَا وَلَا شَيْءَ عَلَى شَاهِدَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 241 الْإِحْصَانِ، وَبِهَذَا قَالَ أَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ. (كَرُجُوعِ الْمُزَكِّي) سَحْنُونَ: إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ بِحَقٍّ وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُهُمَا فَزَكَّاهُمَا رَجُلَانِ وَقَبِلَهُمَا الْقَاضِي فَحَكَمَ بِالْحَقِّ ثُمَّ رَجَعَ الْمُزَكِّيَانِ وَقَالَا: زَكَّيْنَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّ الْحَقَّ بِغَيْرِهِمَا أُخِذَ. وَلَوْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ وَمَنْ زَكَّاهُمَا لَمْ يَغْرَمْ إلَّا الشَّاهِدَانِ لِأَنَّ بِهِمَا قَامَ الْحَقُّ. (وَأَدَبًا فِي كَقَذْفٍ) قَالَ سَحْنُونَ: إذَا شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَ رَجُلًا أَوْ شَتَمَهُ أَوْ لَطَمَهُ أَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ فَجَلَدَهُ الْقَاضِي فِي الْقَذْفِ وَأَدَّبَهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَبُ ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ وَأَقَرُّوا بِالزُّورِ، فَلَيْسَ فِي هَذَا عِنْدَ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا غُرْمٌ وَلَا قَوَدٌ وَلَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ إلَّا الْأَدَبُ مِنْ السُّلْطَانِ، وَلَا تَقَعُ الْمُمَاثَلَةُ فِي اللَّطْمَةِ وَلَا ضَرْبِ السَّوْطِ بِأَمْرٍ يُضْبَطُ وَلَا أَرْشَ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَدَبُ. (وَحُدَّ شُهُودُ الزِّنَا مُطْلَقًا) ابْنُ الْحَاجِبِ: لِلرُّجُوعِ ثَلَاثُ صُوَرٍ: قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَبَعْدَهُ وَيُحَدُّونَ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا (كَرُجُوعِ أَحَدِ الْأَرْبَعَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ حُدَّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ رَجَعَ شُهُودُ الزِّنَا بَعْدَ الرَّجْمِ حُدُّوا وَكَانَتْ الدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنْ رَجَعَ وَاحِدٌ جُلِدَ وَحْدَهُ وَغَرِمَ رُبْعَ الدِّيَةِ، وَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ جُلِدَ الْأَرْبَعَةُ، وَكَذَلِكَ إنْ ظَهَرَ أَنَّ أَحَدَهُمْ عَبْدٌ أَوْ مَسْخُوطٌ. وَلَوْ قَضَى بِرَجْمٍ أَوْ بِجَلْدٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَهُمْ عَبْدٌ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ كُلُّهُمْ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ مَسْخُوطًا لَمْ يُحَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ تَثْبُتُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ، وَالْعَبْدُ لَمْ تَكُنْ شَهَادَتُهُ تَثْبُتُ وَذَلِكَ خَطَأٌ مِنْ الْإِمَامِ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الشُّهُودُ فَذَلِكَ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ، وَإِنْ عَلِمُوا فَذَلِكَ عَلَى الشُّهُودِ فِي أَمْوَالِهِمْ. (وَإِنْ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ سِتَّةٍ فَلَا غُرْمَ وَلَا حَدَّ) مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَغَيْرِهِ: إنْ شَهِدَ سِتَّةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَى فَرُجِمَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ وَأَقَرَّا بِتَعَمُّدِ الزُّورِ، فَلَا شَيْءَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 242 عَلَى مَنْ رَجَعَ مِنْ حَدٍّ وَلَا غُرْمٍ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ أَثْبَتُوا أَنَّهُ زَانٍ وَعَلَى مَنْ رَجَعَ الْأَدَبُ، ثُمَّ إنْ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ غَرِمَ هُوَ وَالرَّاجِعَانِ قَبْلَهُ رُبْعُ الدِّيَةِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا مَعَ الْحَدِّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، سَوَاءٌ رَجَعُوا مَعًا أَوْ مُفْتَرِقِينَ، وَلَا أَدَبَ عَلَيْهِمْ مَعَ الْحَدِّ ثُمَّ إنْ رَجَعَ آخَرُ لَزِمَهُ رُبْعُ الدِّيَةِ يُشَارِكُهُ فِيهِ كُلُّ مَنْ رَجَعَ وَيُشَارِكُهُمْ فِيمَا غَرِمُوا فَيَصِيرُ نِصْفُ الدِّيَةِ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا، ثُمَّ إنْ رَجَعَ ثَالِثٌ لَزِمَهُ أَيْضًا رُبْعُ الدِّيَةِ يَشْتَرِكُ فِيهِ كُلُّ مَنْ رَجَعَ فَتَكُونُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا (إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ عَبْدٌ فَيُحَدُّ الرَّاجِعَانِ وَالْعَبْدُ وَغَرِمَا فَقَطْ رُبْعَ الدِّيَةِ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَوْ شَهِدَ سِتَّةٌ بِزِنَا رَجُلٍ فَرَجَعَ اثْنَانِ وَظَهَرَ أَنَّ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ لَمْ يَرْجِعُوا عَبْدٌ حُدَّ الرَّاجِعَانِ وَغَرِمَا رُبْعَ الدِّيَةِ، لِأَنَّ الْحَدَّ أُقِيمَ بِأَرْبَعَةٍ بَطَلَ أَحَدُهُمْ لِكَوْنِهِ عَبْدًا وَاَلَّذِي بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ لَوْ كَانَ حُرًّا رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ حُدَّ وَغَرِمَ رُبْعَ الدِّيَةِ، وَلَا غُرْمَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ شَهَادَتِهِ وَيُحَدُّ لِكَوْنِهِ قَذَفَ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ زِنَاهُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، وَلَا يَلْزَمُ الثَّلَاثَةَ الْأَحْرَارَ حَدٌّ وَلَا غُرْمٌ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ (ثُمَّ إنْ رَجَعَ ثَالِثٌ حُدَّ هُوَ وَالسَّابِقَانِ وَغَرِمُوا رُبْعَ الدِّيَةِ وَرَابِعٌ فَنِصْفُهَا) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ. (وَإِنْ رَجَعَ سَادِسٌ بَعْدَ فَقْءِ عَيْنِهِ وَخَامِسٌ بَعْدَ مُوضِحَتِهِ وَرَابِعٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعَلَى الثَّانِي خُمُسُ الْمُوضِحَةِ مَعَ سُدُسِ الْعَيْنِ كَالْأَوَّلِ وَعَلَى الثَّالِثِ رُبْعُ دِيَةِ النَّفْسِ فَقَطْ) مُحَمَّدٌ: إنْ شَهِدَ سِتَّةٌ عَلَى مُحْصَنٍ بِالزِّنَا فَأَمَرَ الْإِمَامُ بِرَجْمِهِ فَلَمَّا فُقِئَتْ عَيْنُهُ فِي الرَّجْمِ رَجَعَ وَاحِدٌ ثُمَّ عَادُوا فِي رَجْمِهِ فَأَوْضَحَهُ مُوضِحَةً، ثُمَّ رَجَعَ ثَانٍ ثُمَّ تَمَادَوْا فِي رَجْمِهِ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ رَجَعَ الثَّالِثُ فَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ هَذَا الثَّالِثُ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَنْ رَجَعَ قَبْلَهُ شَيْءٌ فَأَرَى عَلَى الرَّاجِعِ الْأَوَّلِ سُدُسَ دِيَةِ الْعَيْنِ، وَعَلَى الثَّانِي خُمُسَ دِيَةِ الْمُوضِحَةِ وَسُدُسَ دِيَةِ الْعَيْنِ، وَعَلَى الرَّاجِعِ بَعْدَ قَتْلِهِ رُبْعُ دِيَةِ النَّفْسِ فَقَطْ لِأَنَّ دِيَةَ النَّفْسِ تَأْتِي عَلَى مَا قَبْلَ ذَلِكَ. (وَمُكِّنَ مُدَّعٍ رُجُوعًا مِنْ بَيِّنَةٍ كَيَمِينٍ إنْ أَتَى بِلَطْخٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ ادَّعَى أَنَّهُمَا رَجَعَا مُكِّنَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ طَلَبَ يَمِينَهُمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَرْجِعَا فَقَوْلَانِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ سَحْنُونٍ: إنْ ادَّعَى الْمُقْضَى عَلَيْهِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا وَأَنْكَرَا، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِلَطْخٍ فَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ أَتَى بِلَطْخٍ حَلَفَا وَبُرِّئَا، وَإِنْ نَكَلَا حَلَفَ الْمُدَّعِي وَأَغْرَمَهُمَا مَا أَتْلَفَاهُ لَهُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ أَقَامَ عَلَيْهِمَا شَاهِدَيْنِ بِإِقْرَارِهِمَا بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ فَلْيَغْرَمَا مَا شَهِدَا بِهِ وَيَغْرَمَانِ أَرْشَ الْجِرَاحِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى رُجُوعِهِمَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ. (وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُمَا عَنْ الرُّجُوعِ) هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَعْقَبَهَا بِقَوْلِهِ: أَمَّا لَوْ ثَبَتَ كَذِبُهُمْ نُقِضَ فَانْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَنُقِضَ إنْ ثَبَتَ كَذِبُهُمْ " وَعِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ: لَوْ رَجَعَا عَنْ الرُّجُوعِ لَمْ يُقَالَا بَلْ يُقْضَى عَلَيْهِمَا عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 243 الرَّاجِعِ الْمُتَمَادِي فِي رُجُوعِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ رُجُوعَ الشَّاهِدِ عَنْ شَهَادَتِهِ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا أَتْلَفَ بِشَهَادَتِهِ. (فَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ بِكَذِبِهِمْ وَحَكَمَ فَالْقِصَاصُ) الْمَازِرِيُّ: لَوْ أَنَّ الْقَاضِي عَلِمَ بِكَذِبِ الشُّهُودِ فَحَكَمَ بِالْجَوْرِ وَأَرَاقَ هَذَا الدَّمَ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الشُّهُودِ إذَا لَمْ يُبَاشِرْ الْقَتْلَ بِنَفْسِهِ بَلْ أَمَرَ بِهِ مَنْ تَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: اتَّبَعَ ابْنُ شَاسٍ الْمَازِرِيَّ فِي هَذَا، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَقَرَّ الْقَاضِي أَنَّهُ رَجَمَ أَوْ قَطَعَ الْأَيْدِي أَوْ جَلَدَ تَعَمُّدًا لِلْجَوْرِ أُقِيدَ مِنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْقَوَدَ يَلْزَمُ الْقَاضِي إنْ لَمْ يُبَاشِرْ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمَازِرِيِّ وَمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَإِنْ رَجَعَا عَنْ طَلَاقٍ فَلَا غُرْمَ كَعَفْوِ الْقِصَاصِ إنْ دَخَلَ وَإِلَّا فَنِصْفُهُ) أَمَّا رُجُوعُهُمَا عَنْ طَلَاقٍ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا رَجَعَا فِي عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ قِيمَةَ الْمُعْتَقِ. وَفِي الطَّلَاقِ إنْ دَخَلَ بِالزَّوْجَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ ضَمِنَا نِصْفَ الصَّدَاقِ لِلزَّوْجِ وَيَضْمَنَانِ الدَّيْنَ وَيَضْمَنَانِ الْعَقْلَ فِي الْقِصَاصِ فِي أَمْوَالِهِمَا. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ عِيَاضٌ: عِنْدَنَا فِي الْأَصْلِ ضَمِنَا نِصْفَ الصَّدَاقِ حَمَلَهُ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ إنْ غَرِمَهُ الزَّوْجُ، وَحَمَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إنْ غَرِمَهُ لِلْمَرْأَةِ. وَأَمَّا رُجُوعُهُمَا عَنْ عَفْوِ الْقِصَاصِ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ رَجَعَا فِي شَهَادَةِ الطَّلَاقِ وَأَقَرَّا بِالتَّعَمُّدِ نَفَذَ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا كَشَهَادَةِ عَفْوِ الْقِصَاصِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ سَحْنُونَ: إذَا رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِعَفْوِ وَلِيِّ الدَّمِ عَنْ قَاتِلِ وَلِيِّهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِإِسْقَاطِ الْقَوَدِ لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا، وَلَا قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ. وَشَبَهُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ بِرُجُوعِهِمَا عَنْ الطَّلَاقِ. سَحْنُونَ: وَيُجْلَدُ الْقَاتِلُ مِائَةً وَيُحْبَسُ سَنَةً وَيُؤَدَّبُ الشَّاهِدَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يَغْرَمَا الدِّيَةَ لِأَنَّ لَهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ. (كَرُجُوعِهِمَا عَنْ دُخُولِ مُطَلَّقَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَوْ رَجَعَا فِي شَهَادَةِ الدُّخُولِ فِي مُطَلَّقَةٍ غَرِمَا نِصْفَ الصَّدَاقِ وَهُوَ نَصُّ الْجَلَّابِ: لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ فِي زَوْجَةٍ لَهُ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا وَطَلَّقَهَا وَهُوَ مُقِرٌّ بِالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَمُنْكَرٌ لِلدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا غَرِمَا لَهُ نِصْفَ الصَّدَاقِ وَاَلَّذِي لَزِمَهُ بِشَهَادَتِهِمَا. (وَاخْتَصَّ الرَّاجِعَانِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 244 بِدُخُولٍ عَنْ الطَّلَاقِ وَرَجَعَ شَاهِدَا الدُّخُولِ عَلَى الزَّوْجِ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ إنْ أَنْكَرَ الطَّلَاقَ وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهِمَا بِمَا فَوَّتَاهُ مِنْ إرْثٍ دُونَ مَا غَرِمَ وَرَجَعَتْ عَلَيْهَا بِمَا فَوَّتَاهَا مِنْ إرْثٍ وَصَدَاقٍ) اُنْظُرْ إتْيَانَهُ بِالضَّمِيرِ فِي " عَلَيْهِمَا ". ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ شَهِدَ اثْنَانِ بِالطَّلَاقِ وَاثْنَانِ بِالدُّخُولِ فَالْأَكْثَرُ لَا غَرَامَةَ عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ وَيَرْجِعُ شَاهِدَا الدُّخُولِ عَلَى الزَّوْجِ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ إذَا كَانَ مُنْكِرًا طَلَاقَهَا، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ بِمَا فَوَّتَاهُ مِنْ الْمِيرَاثِ دُونَ مَا غَرِمَ لَهَا، وَتَرْجِعُ الزَّوْجَةُ عَلَيْهِمَا بِمَا فَوَّتَاهَا مِنْ الْمِيرَاثِ وَالصَّدَاقِ. ابْنُ سَحْنُونٍ: وَلَوْ غَرِمَ شَاهِدَا الْبِنَاءِ لِرُجُوعِهِمَا ثُمَّ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ رَجَعَا عَلَى الزَّوْجِ بِمَا غَرِمَا، لِأَنَّ إنْكَارَهُ طَلَاقَهَا وَالْبِنَاءَ بِهَا يُوجِبُ أَنَّ مَوْتَهَا فِي عِصْمَتِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَذَلِكَ مُوجِبٌ عَلَيْهِ كُلَّ الصَّدَاقِ. ابْنُ شَاسٍ: إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى أَنَّهُ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَقَضَى عَلَيْهِ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَرَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ لِلْمَرْأَةِ مَا حَرَمَاهَا مِنْ مِيرَاثِهِ وَمَا أَسْقَطَا مِنْ صَدَاقِهَا، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا مَاتَتْ هِيَ لَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهِمَا بِمِيرَاثِهِ فَقَطْ لَا بِشَيْءٍ مِمَّا غَرِمَ مِنْ الصَّدَاقِ. وَهَذَا الْجَوَابُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مُنْكِرًا مَا شَهِدَ بِهِ مِنْ الطَّلَاقِ. (وَإِنْ كَانَ عَنْ تَجْرِيحٍ أَوْ تَغْلِيطِ شَاهِدَيْ طَلَاقِ أَمَةٍ غَرِمَا لِلسَّيِّدِ مَا نَقَصَ بِتَزْوِيجِهَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ رَجَعَا عَنْ تَجْرِيحٍ أَوْ تَغْلِيطِ شَاهِدَيْ طَلَاقِ أَمَةٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 245 غَرِمَا لِلسَّيِّدِ مَا نَقَصَ وَيَرُدُّهَا زَوْجَةً. ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ لَهُ أَمَةٌ ذَاتُ زَوْجٍ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِطَلَاقِهَا وَالسَّيِّدُ يَدَّعِيه فَقَضَى لَهُ ثُمَّ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِمَا أُسْقِطَ بِشَهَادَتِهِمَا مِنْ أَنَّهُمَا زَوَّرَا شَهَادَتَهُمَا أَوْ كَانَا غَائِبَيْنِ عَنْ الْبَلَدِ الَّذِي شَهِدَا بِهِ فَأَثْبَتَ الْقَاضِي النِّكَاحَ ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ أَخِيرًا، فَعَلَيْهِمَا غُرْمُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا ذَاتِ زَوْجٍ وَقِيمَتِهِمَا خَالِيَةً مِنْهُ. (وَلَوْ كَانَ بِخُلْعٍ بِثَمَرَةٍ لَمْ تَطِبْ أَوْ بِآبِقٍ فَالْقِيمَةُ حِينَئِذٍ كَالْإِتْلَافِ بِلَا تَأْخِيرٍ لِلْحُصُولِ فَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ رَجَعَا عَنْ الْخُلْعِ بِثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يَغْرَمَانِ قِيمَتَهَا عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ كَمَنْ أَتْلَفَهَا وَفِي الْعَبْدِ الْآبِقِ يَغْرَمَانِ الْقِيمَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤْخَذُ الْجَمِيعُ لِلْحُصُولِ فَيَغْرَمَانِ مَا يَحْصُلُ انْتَهَى. وَنَحْوُ هَذَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا قَائِلًا: وَإِلَى هَذَا رَجَعَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي أَنَّهُمَا يَغْرَمَانِ لَهَا قِيمَةَ الثَّمَرَةِ يَوْمَ يَجِدُهَا الزَّوْجُ وَيَقْبِضُهَا، وَكَذَلِكَ إنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ أَوْ بَعِيرٍ شَارِدٍ أَوْ جَنِينٍ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا غُرْمٌ إلَّا مِنْ بَعْدِ خُرُوجِ الْجَنِينِ وَقَبْضِهِ وَبَعْدَ وِجْدَانِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ وَقَبْضِهِمَا، فَيَغْرَمَانِ لَهَا قِيمَةَ ذَلِكَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْأَحْسَنِ. اُنْظُرْ أَنْتَ هَذَا. (وَإِنْ كَانَ بِعِتْقٍ غَرِمَا قِيمَتَهُ وَوَلَاؤُهُ لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَدْ شَهِدَا بِعِتْقٍ ضَمِنَا قِيمَةَ الْمُعْتَقِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ذَكَرَ الشَّيْخُ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ بِلَفْظِ: فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ مُقِيمًا عَلَى الْجَحْدِ فَلَهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ وَيَبْقَى وَلَاؤُهُ لَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 246 لِأَنَّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ رَجُلٍ فَالْوَلَاءُ لِلرَّجُلِ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَهَلْ إنْ كَانَ لِأَجَلٍ فَيَغْرَمَانِ الْقِيمَةَ وَالْمَنْفَعَةُ إلَيْهِ لَهُمَا أَوْ تَسْقُطُ مِنْهَا الْمَنْفَعَةُ أَوْ يُخَيَّرُ فِيهَا أَقْوَالٌ) مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: إنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ إلَى سِنِينَ فَقَضَى بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا فَعَلَيْهِمَا لِسَيِّدِهِ قِيمَتُهُ حَالَّةً وَيَطْلُبَانِ ذَلِكَ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ فَيُؤَاجِرَاهُ أَوْ يَسْتَخْدِمَاهُ، فَإِنْ قَبَضَا مَا أَدَّيَا قَبْلَ الْأَجَلِ رَجَعَ الْعَبْدُ يَخْدُمُ سَيِّدَهُ إلَى الْأَجَلِ، وَإِنْ تَمَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَتِمَّ مَا أَدَّيَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا مِمَّا بَقِيَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يَغْرَمَانِ قِيمَتَهُ مُسْقِطًا مِنْهَا قِيمَةَ خِدْمَتِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ قَالَ السَّيِّدُ بَعْدَمَا أَغْرَمَهُ قِيمَتَهُ أَنَا لَا أُسَلِّمُهُ إلَى الشَّاهِدَيْنِ وَلَكِنْ أَنَا أَسْتَخْدِمُهُ وَأَدْفَعُ إلَيْهِمَا مَا يَحِلُّ عَلَيَّ مِنْ خِدْمَتِهِ فَذَلِكَ لَهُ، فَالسَّيِّدُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِمَا لِيَأْخُذَا مِنْ خِدْمَتِهِ مَا أَدَّيَا أَوْ يَحْبِسَهُ وَيَدْفَعَ إلَيْهِمَا كُلَّمَا حَصَلَ مِنْ خِدْمَتِهِ إلَى مَبْلَغِ مَا أَدَّيَا. انْتَهَى. (وَإِنْ كَانَ بِعِتْقِ تَدْبِيرٍ فَالْقِيمَةُ وَلْيَسْتَوْفِيَا مِنْ خِدْمَتِهِ) نَحْوُ هَذَا هِيَ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ. قَالَ سَحْنُونَ: لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ دَبَّرَ عَبْدَهُ فَقَضَى بِذَلِكَ وَالسَّيِّدُ يُنْكِرُ ثُمَّ رَجَعَا وَأَقَرَّا بِالزُّورِ فَلْيَتَعَجَّلْ مِنْهُمَا قِيمَةَ الْعَبْدِ وَيُقَالُ لَهُمَا: اُدْخُلَا فِيمَا أَدْخَلْتُمَاهُ فَاقْتَضِيَا مِنْ الْخِدْمَةِ الَّتِي أَبْقَيْتُمَا فِي يَدِهِ مَا أَدَّيْتُمَا ثُمَّ رَجَعَ بَقِيَّةُ خِدْمَتِهِ لِسَيِّدِهِ. وَانْظُرْ لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ بَتَلَ عِتْقَ مُدَبَّرِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ مُدَبَّرَهُ فَقَضَى بِتَعْجِيلِ عِتْقِهِ ثُمَّ رَجَعَا فَعَلَيْهِمَا قِيمَتُهُ لِلسَّيِّدِ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً كَانَ لَهُ وَطْؤُهَا وَيُقْضَى بِهَا دَيْنُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (فَإِنْ عَتَقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ فَعَلَيْهِمَا وَهُمَا أَوْلَى إنْ رَدَّهُ دَيْنٌ أَوْ بَعْضَهُ) ابْنُ الْمَوَّازِ: فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَهُمَا فِي الْخِدْمَةِ الَّتِي صَارَتْ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَا وَخَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ وَلَا شَيْءَ لَهُمَا غَيْرَ مَا أَخَذَا، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بَعْضُهُ فَالشَّاهِدَانِ أَحَقُّ بِمَا رَقَّ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَا مَا بَقِيَ لَهُمَا، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِ مَا رَقَّ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ وَلَمْ يَرْبَحَا فِيمَا أَدَّيَا (كَالْجِنَايَةِ) سَحْنُونَ: لَوْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَا وَتَرَكَ مَالًا أَوْ قُتِلَ لَأَخَذَا مِنْ مَالِهِ أَوْ قِيمَتِهِ مَا بَقِيَ لَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا. (وَإِنْ كَانَ بِكِتَابَةٍ فَالْقِيمَةُ وَاسْتَوْفَيَا مِنْ نُجُومِهِ وَإِنْ رَقَّ فَمِنْ رَقَبَتِهِ) سَحْنُونَ: إنْ شَهِدَ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدَهُ فَقَضَى بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا وَأَقَرَّا بِالزُّورِ، فَالْحُكْمُ مَاضٍ وَلْيُؤَدِّيَا قِيمَتَهُ نَاجِزَةً لِلسَّيِّدِ يَوْمَ الْحُكْمِ وَيَتأَدَّيانِهَا مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَى النُّجُومِ، فَإِنْ اقْتَضَيَا مِنْهَا مِثْلَ مَا أَدَّيَا رَجَعَ السَّيِّدُ فَأَخَذَ بَاقِي الْكِتَابَةِ مُنَجَّمَةً، فَإِنْ أَدَّاهَا عَتَقَ، وَإِنْ عَجَزَ رَقَّ لَهُ، وَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الرَّاجِعَانِ مَا أَدَّيَا. نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُ يُبَاعُ لَهُمَا مِنْهُ تَمَامُ مَا بَقِيَ لَهُمَا مِنْهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَمَامِهِ لَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَبِهِ أَقُولُ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ غَيْرُ مَعْقُولٍ، رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ وَابْنَ يُونُسَ. (وَإِنْ كَانَ بِإِيلَادٍ فَالْقِيمَةُ وَأَخَذَا مِنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا وَفِيمَا اسْتَفَادَتْهُ قَوْلَانِ) مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: إنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَوْلَدَ جَارِيَةً أَوْ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ فَحُكِمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا، فَعَلَيْهِمَا قِيمَتُهَا لِلسَّيِّدِ وَلَا شَيْءَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 247 لَهُمَا وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلسَّيِّدِ يَطَؤُهَا وَيَسْتَمْتِعُ بِهَا وَلَمْ تَبْقَ فِيهَا خِدْمَةٌ وَلَا يَرْجِعَانِ فِيهَا بِمَا غَرِمَا إلَّا أَنْ تُجْرَحَ أَوْ تُقْتَلَ فَيُؤْخَذُ لِذَلِكَ أَرْشٌ، فَلَهُمَا الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ الْأَرْشِ بِمِقْدَارِ مَا أَدَّيَا وَالْفَضْلُ لِلسَّيِّدِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا يَرْجِعَانِ فِيمَا تَسْتَفِيدُ مِنْ مَالٍ بِعَمَلٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَذَلِكَ لِلسَّيِّدِ مَعَ مَا أَخَذَ، وَقَالَ سَحْنُونَ: يَرْجِعَانِ فِي الْأَرْشِ فِي كُلِّ مَا تَسْتَفِيدُهُ. (وَإِنْ كَانَ بِعِتْقِهَا فَلَا غُرْمَ) ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ شَهِدَا فِي أُمِّ وَلَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهَا فَحُكِمَ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا فَقَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ: لَا شَيْءَ عَلَى الشَّاهِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهَا غَيْرُ الْوَطْءِ وَلَا قِيمَةَ لَهُ كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ رَجَعَا، وَأَنَّ السَّفِيهَ يُعْتِقُ أُمَّ وَلَدِهِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: عَلَى الشَّاهِدَيْنِ قِيمَتُهُمَا لِلسَّيِّدِ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا رَجُلٌ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْوَمُ وَأَوْضَحُ. (أَوْ بِعِتْقِ مُكَاتَبِهِ فَالْكِتَابَةُ) سَحْنُونَ: إنْ شَهِدَ الْمُكَاتَبُ أَنَّ سَيِّدَهُ قَبَضَ مِنْهُ كِتَابَتَهُ وَأَعْتَقَهُ أَوْ شَهِدَا عَلَى أَنَّهُ أَسْقَطَ عَنْهُ كِتَابَتَهُ وَخَرَجَ حُرًّا فَقَضَى بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا، فَلْيَغْرَمَا لِلسَّيِّدِ مَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مِمَّا كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ كَانَ ذَلِكَ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا. قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: يُؤَدِّيَانِهِ عَلَى النُّجُومِ. وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ. . (وَإِنْ كَانَ بِبُنُوَّةٍ فَلَا غُرْمَ إلَّا بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ بِإِرْثٍ) مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ وَالْأَبُ يَنْفِيهِ فَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْأَبَ أَقَرَّ أَنَّهُ ابْنُهُ فَحُكِمَ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا قَبْلَ مَوْتِ الْأَبِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا فِي النَّسَبِ قَبْلَ أَنْ يَرِثَ وَيَمْنَعُ الْعَصَبَةَ وَحِينَئِذٍ يَغْرَمَانِ لِلْعَصَبَةِ مَا أَتْلَفَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَقِيمَتُهُ أَوَّلًا ثُمَّ إنْ مَاتَ وَتَرَكَ آخَرَ فَالْقِيمَةُ لِلْآخَرِ وَغَرِمَا لَهُ نِصْفَ الْبَاقِي) مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَإِنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَقَرَّ فِي عَبْدِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ فَقَضَى بِإِلْحَاقِ نَسَبِهِ وَحُرِّيَّتِهِ ثُمَّ رَجَعَا وَالسَّيِّدُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 248 صَحِيحُ الْبَدَنِ، فَالْحُكْمُ بِالنَّسَبِ مَاضٍ وَعَلَيْهِمَا لِلسَّيِّدِ قِيمَةُ الْعَبْدِ، فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَرَكَ وَلَدًا آخَرَ مَعَ الْمُسْتَلْحَقِ فَلْيَقْتَسِمَا تَرِكَتَهُ إلَّا قِيمَةَ الْمُسْتَلْحَقِ الَّتِي أَخَذَ الْأَبُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنَّهَا تُعْزَلُ مِنْ التَّرِكَةِ فَتَكُونُ لِابْنِ الْأَوَّلِ وَحْدَهُ، لِأَنَّ الْمُسْتَلْحَقَ يَقُولُ إنَّ أَبَاهُ ظَلَمَ فِيهَا الشُّهُودَ وَأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهُ فِيهَا، وَيُنْظَرُ مَا حَصَلَ لِلْمُسْتَلْحَقِ مِنْ الْمِيرَاثِ غَيْرُ الْقِيمَةِ فَيَغْرَمُ الشَّاهِدَانِ مِثْلَهُ لِلِابْنِ الْأَوَّلِ بِمَا أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْقِيمَةَ لِلِابْنِ الْأَوَّلِ لِأَنَّا لَوْ اقْتَسَمْنَاهَا بَيْنَهُمَا لَرَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْمُسْتَلْحَقِ بِمَا أَخَذَ مِنْهَا فَأَخَذَاهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِأَبِيهِ عَلَيْهِمَا لِصِحَّةِ نَسَبِهِ، فَإِذَا أُخِذَ ذَلِكَ مِنْهُ قَامَ عَلَيْهِمَا الِابْنُ الْأَوَّلُ فَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ يَقُولُ لَوْ بَقِيَ ذَلِكَ بِيَدِ الْمُسْتَحِقِّ وَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ بِمِثْلِهِ عَلَيْكُمَا أَنْ تَغْرَمَا كُلَّ مَا أُخِذَ لِي مِنْ تَرِكَةِ أَبِي لِأَنَّكُمَا أَلْحَقْتُمَاهُ بِأَبِي (وَإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَأُخِذَ مِنْ كُلٍّ نِصْفُهُ وَكُمِّلَ بِالْقِيمَةِ وَرَجَعَا عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا غَرِمَهُ الْعَبْدُ لِلْغَرِيمِ) قَالَ مُحَمَّدٌ: فَلَوْ طَرَأَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مِائَةُ دِينَارٍ فَلْيَأْخُذْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَلَدَيْنِ نِصْفَهَا، فَإِنْ عَجَزَ ذَلِكَ أَتَمَّ قَضَاءَ ذَلِكَ الدَّيْنِ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا الْأَوَّلُ وَرَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الِابْنِ الثَّابِتِ فَأَغْرَمَاهُ مِثْلَ الَّذِي غَرِمَهُ الْمُسْتَلْحَقُ لِلْغَرِيمِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُمَا قَدْ كَانَا غَرِمَا لَهُ مِثْلَ مَا أَخَذَ الْمُسْتَلْحَقُ وَاَلَّذِي أَخَذَ الْمُسْتَلْحَقُ قَدْ قَضَى بِهَا دَيْنَ الْأَبِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 249 وَلَا مِيرَاثَ لِلِابْنِ الثَّابِتِ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ الدَّيْنِ. وَأَيْضًا فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَأْخُذْ الْمُسْتَحِقُّ شَيْئًا لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا غُرْمُ ذَلِكَ لِلثَّابِتِ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَرْجِعَا بِهِ عَلَيْهِ. (وَإِنْ كَانَ بِرِقٍّ لِحُرٍّ فَلَا غُرْمَ وَإِلَّا لِكُلِّ مَا اُسْتُعْمِلَ وَمَالٍ اُنْتُزِعَ وَلَا يَأْخُذُهُ الْمَشْهُودُ لَهُ وَوُرِثَ عَنْهُ وَلَهُ عَطِيَّتُهُ لَا تَزَوَّجَ) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدُ فُلَانٍ وَهُوَ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ فَقَضَى بِرِقِّهِ ثُمَّ رَجَعَا، فَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِمَا وَيَغْرَمَانِ لِلْعَبْدِ كُلَّ مَا اسْتَعْمَلَهُ سَيِّدُهُ وَخَرَاجُ عَمَلِهِ وَمَا انْتَزَعَهُ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِمَنْ قَضَى بِمِلْكِهِ أَخْذَهُ لَهُ ذَلِكَ مِنْهُ لِأَنَّهُ عِوَضُ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ. وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ لَمْ يَرِثْ ذَلِكَ السَّيِّدُ وَلَكِنْ يُوقَفُ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَحِقَّ ذَلِكَ الْمُسْتَحِقُّ ثُمَّ يَرِثُهُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَإِنْ أَوْصَى مِنْهُ الْعَبْدَ كَانَ ذَلِكَ فِي الثُّلُثِ، وَإِنْ وَهَبَ مِنْهُ أَوْ تَصَدَّقَ جَازَ ذَلِكَ وَيَرِثُ بَاقِيه وَرَثَتُهُ إنْ كَانَ لَهُ مَنْ يَرِثُهُ إنْ كَانَ حُرًّا، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ ثَمَّ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُنْقِصُ رَقَبَتَهُ. (وَإِنْ كَانَ بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ قَالَا لِزَيْدٍ غَرِمَا خَمْسِينَ لِعَمْرٍو فَقَطْ) اُنْظُرْ هَذَا إنَّمَا يَغْرَمَانِهَا لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ. نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ إنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَقَرَّ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَضَى بِذَلِكَ لَهُمَا ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ فَقَالَا إنَّمَا شَهِدْنَا بِهَا لِأَحَدِهِمَا وَسَمَّيَاهُ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 250 فَلِلْمُقْضَى عَلَيْهِ بِالْمِائَةِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِمَا بِخَمْسِينَ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا أَنَّهُمَا أَخْرَجَاهَا مِنْ يَدِهِ إلَى يَدِ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِلْآخَرِ أَنَّ الْمِائَةَ كُلَّهَا لَهُ لِأَنَّهُمَا مُجَرَّحَانِ بِرُجُوعِهِمَا وَلَا عَلَيْهِمَا أَنْ يَغْرَمَا لَهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فَقَدْ بَقِيَ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُمَا يَغْرَمَانِ خَمْسِينَ لَهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُمَا لَهُ إنَّمَا أَخَذَا خَمْسِينَ مِنْ مَالِ الْمَطْلُوبِ فَأَعْطَيَاهَا مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ. اهـ مِنْ تَرْجَمَةِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَاتِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا غَرِمَ نِصْفَ الْحَقِّ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا ابْنُ يُونُسَ فِي تَرْجَمَةِ دَعْوَى الرُّجُوعِ عَلَى الْبَيِّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ رَجَعَ أَحَدُ الشَّهِيدَيْنِ عَنْ شَهَادَتِهِ بِحَقٍّ بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَ نِصْفَ الْحَقِّ فَقَطْ (كَرَجُلٍ مَعَ نِسَاءٍ) سَحْنُونَ: لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ وَامْرَأَةٌ، عَلَى الرَّجُلِ نِصْفُ الْحَقِّ وَحْدَهُ وَلَا تُضَمُّ الْمَرْأَةُ إلَى رَجُلٍ وَإِنَّمَا تُضَمُّ إلَى مِثْلِهَا وَاثْنَانِ مِنْهُمَا فَأَكْثَرُ رَجُلٌ عَدْلٌ، فَلَوْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَالنِّسْوَةُ كُلُّهُمْ لَزِمَ الرَّجُلَ نِصْفُ الْحَقِّ وَالنِّسْوَةَ نِصْفُهُ (وَهُوَ مَعَهُنَّ فِي الرَّضَاعِ كَاثْنَيْنِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ فِي الرَّضَاعِ وَثَبَتَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِمَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 251 اُنْظُرْهُ مَعَ هَذَا. ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ كَانَ مِمَّا يُقْبَلُ فِيهِ امْرَأَتَانِ كَالرَّضَاعِ وَنَحْوِهِ وَرَجَعُوا فَعَلَى الرَّجُلِ سُدُسٌ وَعَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ نِصْفُ سُدُسٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُرِيدُ أَنَّ الشُّهُودَ رَجُلَانِ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ. كَذَا صَوَّرَهَا ابْنُ شَاسٍ وَذَكَرَ فِيهَا مِنْ الْحُكْمِ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ: قَالَ ابْنُ هَارُونَ: جَعَلُوا عَلَى الرَّجُلِ ضِعْفُ مَا عَلَى الْمَرْأَةِ وَفِيهِ، فَانْظُرْ وَالْقِيَاسُ اسْتِوَاءُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْغُرْمِ فِي هَذَا الْفَصْلِ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ فِيهِ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ. وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إنَّمَا ذَكَرَهَا الْغَزَالِيُّ فَأَضَافَهَا ابْنُ شَاسٍ لِلْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ تَعَقُّبٌ عَامٌّ وَهُوَ إضَافَتُهُ مَا يَظُنُّهُ أَنَّهُ جَارٍ عَلَى الْمَذْهَبِ إلَى الْمَذْهَبِ كَأَنَّهُ نَصٌّ فِيهِ، وَتَعَقُّبٌ خَاصٌّ وَهُوَ حَيْثُ يَكُونُ الْأُجَرَاءُ غَيْرُ صَحِيحٍ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ كَالْحَيْضِ وَالرَّضَاعِ وَالِاسْتِهْلَالِ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ الْعَدْلَتَيْنِ تَقُومَانِ مَقَامَ الْعَدْلَيْنِ. وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ يُونُسَ عَنْ مَالِكٍ إلَّا رِوَايَةَ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا شَهِدَتْ امْرَأَةٌ وَرَجُلٌ عَلَى اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا قَالَ: وَقَالَهُ رَبِيعَةُ وَابْنُ هُرْمُزَ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَذَلِكَ لِارْتِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِحُضُورِ الرَّجُلِ فَسَقَطَتْ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ وَبَقِيَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ فَلَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُجِيزُ ذَلِكَ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ. وَانْظُرْ فِي الرَّضَاعِ قَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّهُ يَثْبُتُ بِامْرَأَتَيْنِ وَبِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَرَجُلٍ. (وَعَنْ بَعْضِهِ غَرِمَ نِصْفَ الْبَعْضِ) ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ: لَوْ رَجَعَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ عَنْ نِصْفِ مَا شَهِدَا بِهِ غَرِمَ الرُّبْعَ، وَإِنْ رَجَعَ عَنْ الثُّلُثِ غَرِمَ السُّدُسَ. (وَإِنْ رَجَعَ مَنْ يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ بِعَدَمِهِ فَلَا غُرْمَ فَإِذَا رَجَعَ غَيْرُهُ فَالْجَمِيعُ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ ثَلَاثَةً فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ الْحُكْمِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِبَقَاءِ مَنْ يَثْبُتُ الْحَقُّ بِهِ، فَإِنْ رَجَعَ ثَانٍ غَرِمَ هُوَ وَالْأَوَّلُ نِصْفَ الْحَقِّ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَلِلْمُقْضَى عَلَيْهِ مُطَالَبَتُهُمَا بِالدَّفْعِ لِلْمُقْضَى لَهُ. (وَلِلْمُقْضَى لَهُ ذَلِكَ إذَا تَعَذَّرَ مِنْ الْمُقْضَى عَلَيْهِ) قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: إذَا حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَا فَهَرَبَ الْمُقْضَى عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ فَطَلَبَ الْمُقْضَى لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الشَّاهِدَيْنِ بِمَا كَانَا يَغْرَمَانِ لِغَرِيمِهِ لَوْ أَعْدَمَ قَالَ: لَا يَلْزَمُهُمَا غُرْمٌ حَتَّى يُعْدِمَ لِلْمُقْضَى عَلَيْهِ فَيَغْرَمَانِ لَهُ حِينَئِذٍ إنْ أَقَرَّا بِتَعَمُّدِ الزُّورِ، وَلَكِنْ يُنَفِّذُ الْقَاضِي الْحُكْمَ لِلْمُقْضَى عَلَيْهِ عَلَى الرَّاجِعِينَ بِالْغُرْمِ هَرَبَ أَوْ لَمْ يَهْرُبْ، فَإِذَا عَدِمَ أَغْرَمَهُمَا. وَكَمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ لِسَنَةٍ ثُمَّ رَجَعَا فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا حَتَّى تَحِلَّ السَّنَةُ وَيَغْرَمُ هُوَ، وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْمَقْضِيَّ بِذَلِكَ عَلَيْهِمَا وَلَا يَغْرَمَانِ الْآنَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لِلْمُقْضَى عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ الشَّاهِدَيْنِ بِالْمَالِ حَتَّى يَدْفَعَاهُ عَنْهُ إلَى الْمُقْضَى لَهُ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا غُرْمَ عَلَى الرَّاجِعِينَ عِنْدَ عَدَمِ الْمُقْضَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَرْجِعَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْضَى لَهُ شَيْءٌ لِعُسْرِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَهْنًا. انْتَهَى كِتَابُ الشَّهَادَاتِ عِنْدَ ابْنِ شَاسٍ، وَيَتْلُوهُ عِنْدَهُ كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ وَمَجَامِعِ الْخُصُومَاتِ. [كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ وَمَجَامِعِ الْخُصُومَاتِ] [أَرْكَانُ الدَّعْوَى] [تَعَارُضُ الْبَيِّنَتَيْنِ] . قَالَ: وَهِيَ تَدُورُ عَلَى خَمْسَةِ أَرْكَانٍ: الدَّعْوَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 252 وَالْجَوَابُ وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ وَالْبَيِّنَةُ (وَإِنْ أَمْكَنَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ جُمِعَ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الْخَامِسُ الْبَيِّنَةُ. قَالَ: وَقَدْ ذَكَرْتُ شُرُوطَهَا وَصِفَاتِهَا فِي الشَّهَادَاتِ، وَالْمَقْصِدُ هَاهُنَا فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَمَهْمَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جُمِعَ. ابْنُ عَرَفَةَ: تَتَقَرَّرُ صُوَرُ الْجَمْعِ مِثْلُ قَوْلِهَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَسْلَمْتُ إلَيْك هَذَا الثَّوْبَ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ لِثَوْبَيْنِ سِوَاهُ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً وَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ، لَزِمَهُ أَخْذُ الثَّلَاثَةِ الْأَثْوَابِ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ (وَإِلَّا رَجَحَ بِسَبَبِ مِلْكِهِ كَنَسْجٍ وَنِتَاجٍ إلَّا بِمِلْكٍ مِنْ الْمُقَاسِمِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي دَابَّةٍ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَلَيْسَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَتَجَتْ عِنْدَهُ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُقَاسِمِ، فَهِيَ لِمَنْ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُقَاسِمِ بِخِلَافِ مَنْ اشْتَرَاهَا مِنْ سُوقِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ هَذِهِ تُسْرَقُ وَتُغْصَبُ وَلَا تُحَازُ عَلَى النَّاتِجِ إلَّا بِأَمْرٍ يَثْبُتُ، وَأَمْرُ الْمَغْنَمِ قَدْ اسْتَوْقَنَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ بِحِيَازَةِ الْمُشْرِكِينَ. وَلَوْ وُجِدَتْ فِي يَدِ مَنْ نَتَجَتْ عِنْدَهُ وَأَقَامَ هَذَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمَغَانِمِ أَخَذَهَا مِنْهُ أَيْضًا، وَكَانَ أَوْلَى بِهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا اشْتَرَاهَا بِهِ وَيَأْخُذَهَا. قَالَهُ سَحْنُونَ. وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ هَذِهِ السِّلْعَةَ مِلْكُهُ وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ السُّوقِ كَانَتْ لِذِي الْمِلْكِ. اللَّخْمِيِّ: وَالشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ أَنْ تَطُولَ الْحِيَازَةُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ أَنَّ أَمَةً لَيْسَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَتَى أَحَدُهُمَا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهَا لَهُ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِشَيْءٍ وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ وَلَدَتْ عِنْدَهُ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِشَيْءٍ، قُضِيَ بِهَا لِصَاحِبِ الْوِلَادَةِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: وَالنَّسْجُ مِثْلُ الْوِلَادَةِ. وَلِابْنِ سَحْنُونٍ: الْبَيِّنَةُ بِالْمِلْكِ تُقَدَّمُ عَلَى الْبَيِّنَةِ بِالنَّسْجِ وَيَقْضِي لِمَنْ شَهِدَ لَهُ بِالنَّسْجِ بِقِيمَةِ عَمَلِهِ بَعْدَ حَلِفِهِ مَا عَلِمَهُ بَاطِلًا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: إذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَائِزِ وَالْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى نِتَاجٍ أَوْ نَسْجٍ كَانَ ذَلِكَ لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ عِنْدَ تَكَافُؤِ الْبَيِّنَةِ. (أَوْ تَارِيخٍ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ كَانَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ مُطْلَقَةً وَالْأُخْرَى مُؤَرَّخَةً قُدِّمَتْ الْمُؤَرَّخَةُ عَلَى الْمُطْلَقَةِ، وَذَكَرَ اللَّخْمِيِّ فِي هَذَا قَوْلَيْنِ فَانْظُرْهُ (أَوْ تَقَدُّمِهِ) اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ أُرِّخَتَا قَضَى بِالْأَقْدَمِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى أَعْدَلُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ تَحْتَ يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا أَوْ تَحْتَ يَدِ ثَالِثٍ أَوْ لَا يَدَ عَلَيْهَا، وَاخْتُلِفَ إذَا أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا. اُنْظُرْ الشَّهَادَاتِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ فِي تَرْجَمَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ يُقِيمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً. (وَبِمَزِيدِ عَدَالَةٍ لَا عَدَدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَتْ فِي يَدَيْهِ دُورٌ أَوْ عَبِيدٌ أَوْ عُرُوضٌ وَدَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَشْيَاءِ، فَادَّعَى ذَلِكَ رَجُلٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَ مِنْ ذَلِكَ بِيَدِهِ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَهُ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 253 قُضِيَ بِشَهَادَةِ أَعْدَلِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ عَدَدًا، فَإِنْ تَكَافَأَتَا فِي الْعَدَالَةِ سَقَطَتَا وَبَقِيَ الشَّيْءُ بِيَدِ حَائِزِهِ وَيَحْلِفُ وَلَا أَقْضِي بِأَكْثَرِهِمَا عَدَدًا لِأَنَّ التَّكَافُؤَ فِي الْعَدَالَةِ لَا فِي الْعَدَدِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَبَيِّنَةُ الْآخَرِ مِائَةَ رَجُلٍ فَاسْتَوَوْا كُلُّهُمْ فِي الْعَدَالَةِ سَقَطُوا وَيَبْقَى الشَّيْءُ بِيَدِ حَائِزِهِ وَيَحْلِفُ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ أَكَذَبَتْ الْأُخْرَى وَجَرَحَتْهَا سَقَطَتَا. قَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ هَذَا بِتَجْرِيحٍ وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ لَمَّا تَكَافَأَتْ صَارَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِشَيْءٍ وَبَقِيَا عَلَى الدَّعْوَى. قَالَ سَحْنُونَ: وَلَوْ كَانَ تَجْرِيحًا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ. (وَبِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ) أَمَّا تَرْجِيحُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى شَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ وَأَقَامَ الْآخَرُ شَاهِدًا أَعْدَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ فَلْيَقْضِ بِالشَّاهِدَيْنِ، وَكَذَلِكَ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُقْضَى بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ. رَوَى عَنْهُ أَبُو زَيْدٍ أَنَّهُ يُقْضَى بِالشَّاهِدِ الْأَعْدَلِ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ دُونَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَإِنْ كَانَا عَدْلَيْنِ، وَبِهَذَا أَخَذَ أَصْبَغُ، وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ إغْرَاقٌ فِي الْقِيَاسِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَظْهَرُ، وَأَمَّا تَرْجِيحُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ وَاللَّخْمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ: تُقَدَّمُ شَهَادَةُ الْأَعْدَلِ مَعَ امْرَأَتَيْنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 254 عَلَى رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، فَيَبْقَى النَّظَرُ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْعَدَالَةِ؛ فَحَكَى ابْنُ شَاسٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا تَرْجِيحَ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يُقَدَّمُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَبِيَدٍ إنْ لَمْ تُرَجَّحْ بَيِّنَةٌ تُقَابِلُهُ فَيَحْلِفُ) اُنْظُرْ قَبْلُ قَوْلَهُ " أَوْ تَارِيخٌ " تَقَدَّمَ أَيْضًا نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَضَى بِأَعْدَلِهِمَا فَإِنْ تَكَافَأَتَا فِي الْعَدَالَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 256 سَقَطَتْ وَبَقِيَ الشَّيْءُ بِيَدِ حَائِزِهِ وَيَحْلِفُ. اُنْظُرْ قَبْلُ قَوْلَهُ " وَبِشَاهِدَيْنِ ". (وَبِالْمِلْكِ عَلَى الْحَوْزِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا بِالْمِلْكِ وَبَيِّنَةُ الْآخَرِ بِالْحَوْزِ، قُضِيَ بِبَيِّنَةِ الْمِلْكِ وَلَوْ كَانَ تَارِيخُ الْحَوْزِ مُتَقَدِّمًا. الْمَازِرِيُّ: رَجَّحَ أَشْهَبُ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ عَلَى الشَّهَادَةِ بِالْحَوْزِ إلَخْ. وَكَانَ بَعْضُ أَشْيَاخِي يَرَى خِلَافَ هَذَا. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَبِنَقْلٍ عَلَى مُسْتَصْحَبَةٍ) هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ قَائِلًا: كَأَخَوَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ ادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ تُقَدَّمُ النَّاقِلَةُ عَلَى الْمُسْتَصْحِبَةِ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَقَامَتْ بِيَدِهِ دَارٌ سِنِينَ ذَوَاتِ عَدَدٍ يَحُوزُهَا وَيَمْنَعُهَا وَيُكْرِيهَا وَيَبْنِيهَا وَيَهْدِمُ وَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ الدَّارَ دَارُهُ وَأَنَّهَا لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ وَثَبَتَتْ الْمَوَارِيثُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُدَّعِي حَاضِرًا يُقِرُّ أَنَّهُ يَرَاهُ يَبْنِي وَيَهْدِمُ وَيُكْرِي فَلَا حُجَّةَ لَهُ وَذَلِكَ يَقْطَعُ دَعْوَاهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا ثُمَّ قَدِمَ فَادَّعَاهَا وَثَبَتَ الْأَصْلُ لَهُ، فَإِنْ كَانَ أَتَى الَّذِي بِيَدِهِ الدَّارُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ سَمَاعٍ أَنَّ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ ابْتَاعَ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ الْقَادِمِ أَوْ مِنْ أَحَدِ آبَائِهِ أَوْ مِمَّنْ وَرِثَهَا الْقَادِمُ مِنْهُ أَوْ مِمَّنْ ابْتَاعَهَا مِنْ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَذَلِكَ يَقْطَعُ حَقَّ الْقَادِمِ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 257 يَأْتِ الْحَائِزُ بِبَيِّنَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى الشِّرَاءِ فِي قَرِيبِ الزَّمَانِ أَوْ عَلَى السَّمَاعِ فِي بَعِيدِهِ قُضِيَ بِهَا لِلْقَادِمِ الَّذِي اسْتَحَقَّهَا. (وَصِحَّةُ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ وَعَدَمِ مُنَازِعٍ) سَحْنُونَ: الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ أَنْ تَطُولَ الْحِيَازَةُ وَهُوَ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ الْمَالِكُ لَا مُنَازِعَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْحِيَازَةُ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ (وَحَوْزٌ طَالَ كَعَشْرِ سِنِينَ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ حَازَ عَلَى حَاضِرٍ عُرُوضًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ رَقِيقًا فَذَلِكَ كَالْحِيَازَةِ فِي الرَّبْعِ إنْ كَانَتْ الثِّيَابُ تُلْبَسُ وَتُمْتَهَنُ وَالدَّوَابُّ تُرْكَبُ وَتُكْرَى وَالْأَمَةُ تُوطَأُ، وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِي الرِّبَاعِ عَشْرَ سِنِينَ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ وَلَكِنْ عَلَى قَدْرِ مَا يُرَى أَنَّ هَذَا حَازَهَا دُونَ الْآخَرِ فِيمَا يَبْنِي وَيَهْدِمُ وَيُكْرِي وَيَسْكُنُ. قَالَ رَبِيعَةُ: حَوْزُ عَشْرِ سِنِينَ يَقْطَعُ دَعْوَى الْحَاضِرِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ إنَّمَا أَكْرَى وَأَسْكَنَ وَأَعَارَ وَنَحْوَهُ وَلَا حِيَازَةَ عَلَى غَائِبٍ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ» . ابْنُ حَبِيبٍ: وَبِذَلِكَ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَقَالَ: هَذَا فِي الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ ثِيَابٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَبْدٍ فَذَلِكَ أَقْصَرُ مُدَّةٍ وَكُلُّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَقَدْرِهِ، فَالثِّيَابُ السَّنَةُ وَالسَّنَتَانِ فِيهَا حِيَازَةٌ إذَا لُبِسَتْ. رَاجِعْ تَرْجَمَةَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْحِيَازَةِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (وَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: سَمِعْتُ مَالِكًا غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُولُ فِي الَّذِي يَدَّعِي عَلَى الْعَبْدِ أَوْ الثَّوْبِ وَيُقِيمُ بَيِّنَةً أَنَّهُ شَيْؤُهُ لَا يَعْلَمُهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ، فَإِذَا شَهِدُوا بِهَذَا اسْتَوْجَبَ مَا ادَّعَاهُ (وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى الْكَمَالِ فِي الْأَخِيرِ) ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ قَوْلِ الصَّقَلِّيِّ وَابْنِ رُشْدٍ زِيَادَةُ الْبَيِّنَةِ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ إلَخْ. إنَّمَا هُوَ كَمَالٌ فِي الشَّهَادَةِ لَا شَرْطٌ وَهُوَ نَصُّ قَوْلِهَا فِي الْعَارِيَّةِ، وَكَانَ ابْنُ هَارُونَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَحْمِلَانِ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى قَوْلِهِ اُنْظُرْ ابْنَ سَلْمُونَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ (إلَّا بِالشِّرَاءِ) سَحْنُونَ: مَنْ حَضَرَ رَجُلًا اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ السُّوقِ فَلَا يَشْهَدُ أَنَّهُ مَلَكَهَا، وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَقَامَ هَذَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ السُّوقِ لَكَانَتْ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ قَدْ يَبِيعُهَا مَنْ لَا يَمْلِكُهَا. (وَإِنْ شَهِدَ بِإِقْرَارٍ اُسْتُصْحِبَ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ شَهِدَتْ بِمِلْكِهِ بِالْأَمْسِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْحَالِ لَمْ يُسْمَعْ حَتَّى يَقُولُوا إنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْأَمْسِ ثَبَتَ الْإِقْرَارُ وَيُسْتَصْحَبُ مُوجِبُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا. (وَإِنْ تَعَذَّرَ تَرْجِيحٌ سَقَطَتْ وَبَقِيَ بِيَدِ حَائِزِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ كَانَتْ دَارٌ بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِيهَا فَادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ وَتَكَافَأَتْ بَيِّنَتُهُمَا، فَإِنَّ الدَّارَ تَبْقَى بِيَدِ الَّذِي هِيَ بِيَدِهِ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أُقِرَّتْ فِي يَدِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ دَعْوَى الْآخَرِ لَيْسَ لِأَجْلِ شُهُودِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِأَيْدِيهِمَا لَمْ تُنْزَعْ مِنْهُمَا. (أَوْ لِمَنْ يُقِرُّ لَهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ تَكَافَأَتْ بَيِّنَةٌ لِمَنْ ادَّعَى مَا بِيَدِ ثَالِثٍ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ فَقِيلَ يَبْقَى بِيَدِ حَائِزِهِ لِتَجْرِيحِ كُلِّ الْبَيِّنَتَيْنِ الْأُخْرَى. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ. اللَّخْمِيِّ: وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 258 لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ لِمَنْ أُقِرَّ بِيَدِهِ. (وَقُسِمَ عَلَى الدَّعْوَى إنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا كَالْعَدْلِ) حَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَحَدِ الْفَرْعَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ فِي كِلَيْهِمَا الْخِلَافُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ إنْ تَكَافَأَتْ بَيِّنَةُ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي عَفْوٍ مِنْ الْأَرْضِ سَقَطَتْ وَبَقِيَتْ الْأَرْضُ كَغَيْرِهَا مِنْ عَفْوِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تُسْتَحَقَّ بِأَثْبَتَ مِنْ ذَلِكَ. ابْنُ الْقَاسِمِ: مِثْلُ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُهُمَا بِبَيِّنَةٍ هِيَ أَعْدَلُ مِنْ الْأُولَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي بَابٍ بَعْدَ هَذَا: كُلُّ مَا تَكَافَأَتْ فِيهِ بَيِّنَتَانِ وَلَيْسَ بِيَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِثْلُ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ يُتْرَكُ حَتَّى يَأْتِيَ أَحَدُهُمَا بِأَعْدَلَ مِمَّا أَتَى بِهِ صَاحِبُهُ إلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ وَلَا يَأْتِيَا بِغَيْرِ مَا أَتَيَا بِهِ، فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ وَقْفَ ذَلِكَ يَصِيرُ إلَى الضَّرَرِ. قَالَ مَالِكٌ: مَا كَانَ يُخْشَى تَغَيُّرُهُ مِثْلُ الْحَيَوَانِ وَالرَّقِيقِ وَالْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِي بِهِ قَلِيلًا لَعَلَّ أَحَدَهُمَا يَأْتِي بِأَثْبَتَ مِمَّا أَتَى بِهِ صَاحِبُهُ فَيُقْضَى لَهُ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِيَا بِشَيْءٍ وَخِيفَ عَلَيْهِ قَسَمْتَهُ بَيْنَهُمَا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِذَا وَجَبَ قِسْمُ الْمُدَّعَى فِيهِ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ بِأَيْدِيهِمَا قُسِمَ عَلَى قَدْرِ الدَّعَاوَى. ابْنُ هَارُونَ: فَعَلَى هَذَا إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا جَمِيعَ الثَّوْبِ وَالْآخَرُ نِصْفَهُ قُسِمَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٍ أَنَّ لِلْمُدَّعِي الْكُلَّ النِّصْفُ لِإِجْمَاعِهِمَا عَلَى ذَلِكَ، وَالنِّصْفُ الثَّانِي الَّذِي تَدَاعَيَا فِيهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ بِأَيْدِيهِمَا فَعَزَا ابْنُ الْحَاجِبِ لِلْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ أَيْضًا كَذَلِكَ يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ الدَّعَاوَى يَعُولُ عَوْلَ الْفَرَائِضِ، فَإِذَا تَدَاعَى اثْنَانِ الْكُلَّ وَالنِّصْفَ فَالْأَكْثَرُونَ تَعُولُ بِالنِّصْفِ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ. ابْنُ شَاسٍ: وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ مَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ فِيمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمْ جَمِيعَ الْمَالِ وَالْآخَرُ نِصْفَهُ وَالْآخَرُ ثُلُثَهُ قَالَ: وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ مُيَسَّرٍ يَضْرِبُ فِيهِ صَاحِبُ الْكُلِّ بِسِتَّةِ أَسْهُمٍ، وَصَاحِبُ النِّصْفِ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، وَصَاحِبُ الثُّلُثِ بِسَهْمَيْنِ. فَيُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَبْيَنُهُمَا وَأَعْدَلُهُمَا وَإِلَى هَذَا كَانَ يَذْهَبُ جَمَاعَةُ شُيُوخِنَا، وَهُوَ جَارٍ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ اخْتَلَطَ لَهُ دِينَارٌ مَعَ مِائَةِ دِينَارٍ لِغَيْرِهِ ثُمَّ ضَاعَ مِنْ الْجُمْلَةِ دِينَارٌ فَهُمَا شَرِيكَانِ، هَذَا بِمِائَةِ جُزْءٍ مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ، وَهَذَا بِجُزْءٍ مِنْ دِينَارٍ، وَهُوَ جَارٍ عَلَى حِسَابِ عَوْلِ الْفَرَائِضِ وَالْوَصَايَا كَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَالٍ وَالْآخَرِ بِنِصْفِهِ وَالْآخَرِ بِثُلُثِهِ فَالثُّلُثُ يُقَسَّمُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا بِاتِّفَاقٍ، فَكَذَلِكَ مَسَائِلُ الدَّعْوَى (وَلَمْ يَأْخُذْهُ إنْ شَهِدَ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِ الْمُدَّعِي لَمْ يَأْخُذْهُ بِذَلِكَ، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ جُعِلَ صَاحِبُ يَدٍ. (وَإِنْ ادَّعَى عَلَى أَخٍ أَسْلَمَ أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ فَالْقَوْلُ لِلنَّصْرَانِيِّ وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ إلَّا بِأَنَّهُ تَنَصَّرَ وَمَاتَ أَوْ جُهِلَ أَصْلُهُ فَيُقَسَّمُ كَمَجْهُولِ الدِّينِ وَقُسِّمَ عَلَى الْجِهَاتِ بِالسَّوِيَّةِ) لَوْ قَالَ إلَّا بِأَنَّهُ تَنَصَّرَ وَمَاتَ فَمُتَعَارِضَانِ وَيُقْسَمُ كَمَجْهُولِ الدِّينِ لِتَنْزِلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: تُقَدَّمُ الْبَيِّنَةُ النَّاقِلَةُ عَلَى الْمُسْتَصْحِبَةِ إذْ لَا تَعَارُضَ كَأَخَوَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 259 ادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ النَّصْرَانِيِّ، وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ أَنَّهُ نَطَقَ بِالتَّنَصُّرِ وَمَاتَ فَهُمَا مُتَعَارِضَتَانِ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مَجْهُولَ الدِّينِ قُسِمَ بَيْنَهُمَا كَالتَّعَارُضِ. فَلَوْ كَانُوا جَمَاعَةً وَاخْتَلَفَتْ دَعَاوِيهِمْ قُسِمَ الْمَالُ لِكُلِّ جِهَةٍ نِصْفٌ وَإِنْ اخْتَلَفَ عَدَدُهُمْ. ابْنُ شَاسٍ: لَوْ كَانَ فِي إحْدَى الْجِهَتَيْنِ جَمَاعَةٌ وَفِي الْأُخْرَى وَاحِدٌ لَكَانَ لَهُمْ النِّصْفُ وَلَهُ النِّصْفُ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: لَوْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِأَنَّا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّي وَالْأُخْرَى بِأَنَا رَأَيْنَاهُ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَلَمْ يُؤَرِّخَا، قُضِيَ بِالْإِرْثِ لِلْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا وَأَسْلَمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا طِفْلٌ فَهَلْ يَحْلِفَانِ وَيُوقَفُ الثُّلُثُ فَمَنْ وَافَقَهُ أَخَذَ حِصَّتَهُ وَرُدَّ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ مَاتَ حَلَفَا وَقُسِمَ أَوْ لِلصَّغِيرِ النِّصْفُ وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَوْلَانِ) لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ مَسْأَلَةَ الْأَخِ الْمُسْلِمِ يَدَّعِي أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَنَازَعَهُ أَخُوهُ الْكَافِرُ قَالَ: اُخْتُلِفَ إنْ كَانَ مَعَهُمَا وَلَدٌ صَغِيرٌ فَقَالَ أَصْبَغُ: يَأْخُذُ النِّصْفَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُقِرٌّ أَنَّ لَهُ النِّصْفَ فَيُعْطِيه نِصْفَ مَا بِيَدِهِ فَيَصِيرُ لَهُ وَحْدَهُ النِّصْفُ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: يَحْلِفَانِ وَيُوقَفُ ثُلُثُ مَا بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَكْبَرَ الصَّغِيرُ فَيَدَّعِي مِثْلَ دَعْوَى أَحَدِهِمَا فَيَأْخُذُ مَا وُقِفَ لَهُ مِنْ سَهْمِهِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ حَلَفَا وَاقْتَسَمَا مِيرَاثَهُ. انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ. وَرُوِيَ عَنْ أَصْبَغَ: يَأْخُذُ النِّصْفَ كَامِلًا وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ " يُوقَفُ الثُّلُثُ " فَمَنْ وَافَقَهُ أَخَذَ حِصَّتَهُ وَرُدَّ عَلَى الْآخَرِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يُوقَفُ ثُلُثُ مَا بِأَيْدِيهِمَا فَإِذَا كَبِرَ فَمَنْ ادَّعَى دَعْوَاهُ شَارَكَهُ وَرُدَّ عَلَى الْآخَرِ. ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ نِصْفَ حَظِّهِ وَهُوَ وَهْمٌ إنَّمَا يَأْخُذُ الثُّلُثَ الَّذِي وُقِفَ لَهُ. كَذَا نَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ. ابْنُ مَحْرُوزٍ وَالشَّيْخُ وَابْنُ شَاسٍ انْتَهَى. وَنَصُّ ابْنِ شَاسٍ: يُوقَفُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 260 ثُلُثُ مَا بِيَدِ كُلٍّ حَتَّى يَكْبَرَ فَيَدَّعِي دَعْوَى أَحَدِهِمَا فَيَأْخُذُ مَا أُوقِفَ لَهُ مِنْ سَهْمِهِ وَيُرَدُّ لِلْآخَرِ مَا أُوقِفَ لَهُ مِنْ سَهْمِهِ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الْأَوَّلُ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَفِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ (وَإِنْ قَدَرَ عَلَى شَيْئِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ إنْ يَكُنْ غَيْرَ عُقُوبَةٍ وَأَمِنَ فِتْنَةً وَرَذِيلَةً) لَا مَزِيدَ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْوَدِيعَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا إلَّا لِمَنْ ظَلَمَهُ بِمِثْلِهَا ". (وَإِنْ قَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ انْتَظَرَ فِي الْقَرِيبَةِ وَفِي الْبَعِيدَةِ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ مَا عَلِمَ بِقَبْضِ مُوَكِّلِهِ وَيُقْضَى لَهُ فَإِنْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ حَلَفَ وَاسْتَمَرَّ الْقَبْضُ وَإِلَّا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَاسْتَرْجَعَ مَا أَخَذَ مِنْهُ) سَمِعَ عِيسَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ طَلَبَ غَرِيمَ مُوَكِّلِهِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ بِذِكْرِ حَقٍّ فَذَكَرَ الْغَرِيمُ أَنَّهُ دَفَعَ نِصْفَ الْحَقِّ لِمُوَكِّلِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ، لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَغَرِمَ جَمِيعَ الْحَقِّ، وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِلِقَائِهِ الْغَرِيمَ. وَلَوْ غَرِمَ ثُمَّ قَدِمَ رَبُّ الْحَقِّ فَأَقَرَّ بِالْقَبْضِ وَالْوَكِيلُ مُعْدِمٌ أَوْ مُوسِرٌ، لَمْ يَرْجِعْ إلَّا عَلَى رَبِّ الْحَقِّ. ابْنُ رُشْدٍ: لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا، وَفَرَّقَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بَيْنَ قُرْبِهِ وَبُعْدِهِ وَهُوَ عِنْدِي تَفْسِيرٌ. ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ ثُمَّ قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: " لَمْ يَرْجِعْ إلَّا عَلَى رَبِّ الْحَقِّ " مَعْنَاهُ لَا يَلْزَمُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 261 أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ وَيَتْرُكَ رَبَّ الْحَقِّ، بَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى مَا شَاءَ مِنْهُمَا. ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى يَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْيَمِينِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَرَابِعُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّ الْوَكِيلَ يَحْلِفُ وَحِينَئِذٍ يَقْتَضِي. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ لَا يُقْضَى لَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ، وَفِي الْبَعِيدَةِ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ مَا عَلِمَ بِقَبْضِ مُوَكِّلِهِ، فَإِنْ أَحْضَرَ الْمُوَكِّلَ حَلَفَ وَاسْتَمَرَّ الْقَبْضُ وَإِلَّا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَاسْتَرْجَعَ مَا أُخِذَ مِنْهُ. (وَمَنْ اسْتَمْهِلْ لِدَفْعِ بَيِّنَةٍ أُمْهِلَ بِالِاجْتِهَادِ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا قَالَ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَمْهِلُونِي فَلِي بَيِّنَةٌ دَافِعَةٌ، أُمْهِلَ مَا لَمْ يَبْعُدْ فَيُقْضَى عَلَيْهِ وَيَبْقَى عَلَى حُجَّتِهِ إذَا أَحْضَرَهَا. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَمَنْ اسْتَمْهَلَ لِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ لِدَفْعِهَا إلَخْ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ مُقْتَضَى نَقْلِ الشَّيْخِ عَنْ مُحَمَّدٍ. لَوْ قَالَ الْقَاضِي لِلْخَصْمِ قَبْلَ الْحُكْمِ أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ فَقَالَ نَعَمْ وَقَدْ تَبَيَّنَ لِلْقَاضِي أَنَّ حُجَّتَهُ نَفَذَتْ وَأَنَّهُ مِلْكٌ، فَلْيَضْرِبْ لَهُ أَجَلًا غَيْرَ بَعِيدٍ، فَإِنْ تَبَيَّنَ لَدَدُهُ أَنْفَذَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ، وَإِنْ ادَّعَى بَيِّنَةً بَعِيدَةً لَمْ يُمْهَلْ (لِحِسَابٍ وَشَبَهِهِ بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مَنْ اسْتَمْهَلَ لِدَفْعِ بَيِّنَةٍ أَوْ لِإِقَامَتِهَا أُمْهِلَ جُمُعَةً وَيُقْضَى عَلَيْهِ وَيَبْقَى عَلَى حُجَّتِهِ، وَلِلْمُدَّعِيَّ طَلَبُ كَفِيلٍ فِي الْأَمْرَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: وَالْمُسْتَمْهَلُ لِحِسَابٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 262 وَشَبَهِهِ يُمْهَلُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ بِكَفِيلٍ بِوَجْهِهِ، وَقِيلَ: مَا يَرَى الْحَاكِمُ. (كَأَنْ أَرَادَ إقَامَةَ ثَانٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ سَأَلَهُ كَفِيلًا بِالْحَقِّ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ شَاهِدًا فَلَهُ أَخْذُ الْكَفِيلِ وَإِلَّا فَلَا، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ بَيِّنَةً يُحْضِرُهَا مِنْ السُّوقِ أَوْ مِنْ بَعْضِ الْقَبَائِلِ فَلْيُوقِفْ الْقَاضِي الْمَطْلُوبَ عِنْدَهُ لِمَجِيءِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ جَاءَ بِهَا وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ. (أَوْ لِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ فَبِحَمِيلٍ بِالْوَجْهِ وَفِيهَا أَيْضًا نَفْيُهُ وَهَلْ خِلَافٌ وَالْمُرَادُ وَكِيلٌ يُلَازِمُهُ أَوْ إنْ لَمْ تُعْرَفْ عَيْنُهُ تَأْوِيلَاتٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجُلِ خُلْطَةٌ فَادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَفِيلٌ بِوَجْهِهِ حَتَّى يُثْبِتَ حَقَّهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَهُ عَلَيْهِ كَفِيلٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: مَنْ ادَّعَى قِبَلَ رَجُلٍ غَصْبًا أَوْ دَيْنًا وَعُلِمَتْ تُهْمَتُهُ، فَأَمَّا الْغَصْبُ فَيُنْظَرُ فِيهِ إمَّا أَحَلَفَهُ أَوْ أَخَذَ لَهُ كَفِيلًا حَتَّى يَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ. قَالَ عِيَاضٌ: بَعْضُهُمْ جَعَلَ لَهُ هُنَا أَخْذَ الْكَفِيلِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ لَهُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ. وَقِيلَ: ظَاهِرُهُ أَخْذُ الْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى. وَأَمَّا الدَّيْنُ فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ وَإِلَّا لَمْ يُعَرِّضْ لَهُ. عِيَاضٌ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ هُنَا بِمَعْنَى الْمُوَكِّلِ. ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ غَيْرِهِ لَهُ عَلَيْهِ كَفِيلٌ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا مَشْهُورًا فَلِلطَّالِبِ عَلَيْهِ كَفِيلٌ بِوَجْهِهِ لِيُوقِعَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهِ، وَأَمَّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 263 لَوْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مَعْرُوفًا مَشْهُورًا فَلَيْسَ لِلطَّالِبِ عَلَيْهِ كَفِيلٌ بِوَجْهِهِ لِأَنَّا نَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَيُجِيبُ عَنْ الْقِصَاصِ الْعَبْدُ وَعَنْ الْأَرْشِ السَّيِّدُ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ جَوَابُ دَعْوَى الْقِصَاصِ عَلَى الْعَبْدِ يُطْلَبُ مِنْ الْعَبْدِ وَدَعْوَى الْأَرْشِ يُطْلَبُ جَوَابُهُ مِنْ السَّيِّدِ وَاضِحٌ، لِأَنَّ الْجَوَابَ إنَّمَا يُطْلَبُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الْأَوَّلِ الْعَبْدُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ عَامِلٌ دُونَ سَيِّدِهِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 266 وَفِي الثَّانِيَةِ السَّيِّدُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ عَامِلٌ دُونَ الْعَبْدِ. (وَالْيَمِينُ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى فِي الْيَمِينِ وَالنَّظَرِ فِي الْحَلِفِ وَالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْحَالِفِ وَالْحُكْمِ. أَمَّا الْحَلِفُ فَهُوَ " وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ " ابْنُ عَرَفَةَ: لَفْظُ الْيَمِينِ فِي حُقُوقِ غَيْرِ اللِّعَانِ وَالْقَسَامَةِ فِيمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ مَنْ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ " بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ " لَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي صِفَةِ الْيَمِينِ (وَلَوْ كِتَابِيًّا وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَقُولُ بِاَللَّهِ فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَحْلِفُ النَّصْرَانِيُّ وَالْيَهُودِيُّ فِي حَقٍّ أَوْ لِعَانٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا " بِاَللَّهِ " وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ " الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ أَوْ الْإِنْجِيلَ ". ابْنُ مُحْرِزٍ: ظَاهِرُهَا أَنَّهُمْ لَا يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ. ابْنُ شَبْلُونَ وَغَيْرُهُ: لِأَنَّهُمَا لَا يُؤَدُّونَ وَلَا يُكَلَّفُونَ مَا لَيْسَ مِنْ دِينِهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَحْلِفُونَ الْيَمِينَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ أَيْمَانًا، وَنَصَّ عَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو عُلَمَائِنَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ اسْتِحْلَافُ الْمَجُوسِ بِاَللَّهِ وَهُمْ يَنْفُونَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 267 الصَّانِعَ. عِيَاضٌ: فَرَّقَ غَيْرُ ابْنِ شَبْلُونَ بَيْنَ الْيَهُودِ فَأَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ بِالتَّوْحِيدِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ. (وَغُلِّظَتْ فِي رُبْعِ دِينَارٍ بِجَامِعٍ) اُنْظُرْ حَيْثُ يَكُونُ الْحَلِفُ بِالْجَامِعِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْجَامِعِ الْأَعْظَمِ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: يَحْلِفُ فِي مَكَانِهِ إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ، وَإِنْ كَانَتْ فِي أَكْثَرَ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ أَوْ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَفِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ حَيْثُ يُعَظَّمُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 268 مِنْهُ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " بِالِاسْتِقْبَالِ " (كَالْكَنِيسَةِ وَبَيْتِ النَّارِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَحْلِفُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ فِي كَنَائِسِهِمْ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ وَيَحْلِفُ الْمَجُوسُ فِي بَيْتِ نَارِهِمْ وَحَيْثُ يُعَظِّمُونَ. (وَبِالْقِيَامِ) قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: يَحْلِفُ جَالِسًا. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: قَائِمًا (لَا بِالِاسْتِقْبَالِ وَبِمِنْبَرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِيَمِينِهِ الْقِبْلَةَ، وَلَمْ يَعْرِفْ مَالِكٌ الْيَمِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ إلَّا عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ وَسَحْنُونٌ ابْنُ عَاصِمٍ: كَانَ يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ فَمِنْ أَيْنَ أُخِذَ هَذَا قَالَ: مِنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ إلَخْ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَكَانَ سَحْنُونَ لَا يَقْبَلُ الْوَكِيلَ مِنْ الْمَطْلُوبِ إلَّا إذَا كَانَ مَرِيضًا أَوْ امْرَأَةً، وَيَقْبَلُهُ مِنْ الطَّالِبِ فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ كَانَ مَالِكٌ يَقْبَلُهُ مِنْهَا؟ فَقَالَ: قَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ. (وَخَرَجَتْ الْمُخَدَّرَةُ فِيمَا ادَّعَتْ أَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 269 اُدُّعِيَ عَلَيْهَا إلَّا الَّتِي لَا تَخْرُجُ نَهَارًا وَإِنْ مُسْتَوْلَدَةً قَلِيلًا وَتَحْلِفُ فِي أَقَلَّ بِبَيْتِهَا) ابْنُ شَاسٍ: الْمُخَدَّرَةُ لَا تَحْضُرُ مَجْلِسَ الْحَاكِمِ لِتَحْلِفَ فِي الْيَسِيرِ بَلْ يَبْعَثُ الْحَاكِمُ إلَيْهَا مَنْ يُحَلِّفُهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَتَصَرَّفُ وَتَخْرُجُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَمَا لَهُ بَالٌ تَخْرُجُ فِيهِ إلَى الْمَسْجِدِ لَيْلًا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ فِيمَا لَهُ بَالٌ مِنْ الْحُقُوقِ فَتَحْلِفُ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْرُجُ نَهَارًا فَلْتَخْرُجْ لَيْلًا فَتَحْلِفْ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَسِيرًا أُحْلِفَتْ فِي بَيْتِهَا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْرُجُ وَيَبْعَثُ إلَيْهَا الْقَاضِي مَنْ يُحَلِّفُهَا لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَيُجْزِئُهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَأَمُّ الْوَلَدِ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الْحُرَّةِ فِيمَنْ لَا تَخْرُجُ وَمَنْ تَخْرُجُ. (وَإِنْ ادَّعَتْ قَضَاءً عَلَى مَيِّتٍ لَمْ يَحْلِفْ إلَّا مَنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ مِنْ وَرَثَتِهِ) مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: إنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ بَيِّنَةٌ بِدَيْنٍ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ غَائِبِ فَقَامَ وَرَثَةُ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ يَطْلُبُونَ بِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْلِفَ أَكَابِرُهُمْ أَنَّهُمْ مَا يَعْلَمُونَ أَنَّ وَلِيَّهُمْ قَبَضَهُ مِنْ الْمُقْضَى عَلَيْهِ وَلَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ غَيْرِهِ بِسَبَبِهِ، وَلَا يَحْلِفُ الْأَصَاغِرُ وَإِنْ كَبِرُوا بَعْدَ مَوْتِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُهُ " لَا يَحْلِفُ الْأَصَاغِرُ " يَدُلُّ بِاللُّزُومِ عَلَى نَصِّ قَوْلِهَا لَا يَمِينَ عَلَى صَغِيرٍ وَلَا عَلَى مَنْ لَا يُظَنُّ بِهِ عِلْمُ ذَلِكَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَقَامَتْ بَيِّنَةٌ لِمَيِّتٍ بِدَيْنٍ فَادَّعَى الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ قَضَى الْمَيِّتُ حَقَّهُ، لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَلَهُ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ يُظَنُّ بِهِ عِلْمُ ذَلِكَ مِنْ بَالِغِي وَرَثَتِهِ عَلَى الْعِلْمِ، وَلَا يَمِينَ عَلَى مَنْ لَا يُظَنُّ بِهِ عِلْمُ ذَلِكَ وَلَا عَلَى صَغِيرٍ. (وَحَلَفَ فِي نَقْصٍ بَتًّا وَفِي غِشٍّ عِلْمًا) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَحْلِفُ فِي الرَّدِيءِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَفِي النَّقْصِ عَلَى الْبَتِّ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَصَابَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ رَصَاصًا أَوْ نُحَاسًا فَرَدَّهَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَا دَفَعْت إلَيْك إلَّا جَيِّدًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيَحْلِفُ مَا أَعْطَاهُ إلَّا جَيِّدًا فِي عِلْمِهِ. (وَاعْتَمَدَ الْبَاتُّ عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ كَخَطِّهِ أَوْ خَطِّ أَبِيهِ أَوْ قَرِينَةٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مَا يَحْلِفُ فِيهِ بَتًّا يُكْتَفَى فِيهِ بِظَنٍّ قَوِيٍّ كَخَطِّهِ أَوْ خَطِّ أَبِيهِ أَوْ قَرِينَةٍ مِنْ نُكُولِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 270 خَصْمِهِ وَشَبَهِهِ، وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ: الْيَقِينُ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَهُوَ مُلْصَقٌ بِقَوْلِ مَالِكٍ: إنْ قِيلَ: كَيْفَ يَحْلِفُ الْوَارِثُ عَلَى مَا لَمْ يَحْضُرْ وَلَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ لَا يَدْرِي هَلْ شَهِدَ لَهُ بِحَقٍّ أَمْ لَا؟ قَالَ: يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى خَبَرِهِ وَتَصْدِيقِهِ كَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا شَهِدَ لَهُ بِهِ الشَّاهِدَانِ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ وَلَا يُخْتَلَفُ فِي هَذَا. اهـ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ. وَإِنْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ أَتَى بِآخَرَ ". (وَيَمِينُ الْمَطْلُوبِ مَا لَهُ عِنْدِي كَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ وَنَفَى سَبَبًا إنْ عُيِّنَ وَغَيْرَهُ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ " وَغَيْرَهُ " وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ " يَمِينُ الْمَطْلُوبِ مَا لَهُ عِنْدِي كَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ مُطْلَقًا " فَإِنْ ذَكَرَ شَيْئًا نَفَاهُ مَعَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. ابْنُ شَاسٍ: قَالَ فِي الْكِتَابِ: شَرْطُ الْيَمِينِ أَنْ تُطَابِقَ الْإِنْكَارَ. ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ قَوْلُهَا فِي الشَّهَادَةِ مَنْ اشْتَرَى مِنْك ثَوْبًا وَنَقَدَك قِيمَتَهُ وَجَحَدْت الِاقْتِضَاءَ وَطَلَبْت يَمِينَهُ، فَإِنْ أَرَادَ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَك قِبَلَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَك أَنْ تُحَلِّفَهُ مَا اشْتَرَى مِنْك سِلْعَةَ كَذَا بِكَذَا إلَّا أَنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يُوَرِّيَ. ابْنُ الْقَاسِمِ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ " يُوَرِّيَ " الْإِلْغَازَ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ عَلَى مَاذَا يَعُودُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ " مَعَهُ ". (فَإِنْ قَضَى نَوَى سَلَفًا) ابْنُ شَاسٍ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زِيَادٍ: قُلْت لِابْنِ عَبْدُوسٍ: إذَا أَسْلَفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مَالًا فَقَضَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَجَحَدَ الْقَابِضُ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَهُ أَنَّهُ مَا أَسْلَفَهُ وَقَالَ الْمُسْتَسْلِفُ بَلْ أَحْلِفُ مَا لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ قَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يَحْلِفَ مَا أَسْلَفَهُ شَيْئًا، فَلَهُ بِقَدْرِ مَا اضْطَرَرْتُمُوهُ إلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ أَوْ إلَى غُرْمِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ. قَالَ: يَحْلِفُ مَا أَسْلَفَهُ. وَيَعْنِي فِي ضَمِيرِهِ سَلَفَ مَا يَجِبُ عَلَى رَدِّهِ إلَيْهِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَبَرِئَ مِنْ الْإِثْمِ فِي ذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ: ذَكَرَ ابْنُ حَارِثٍ هَذَا كَلَفْظِ ابْنِ شَاسٍ. (وَإِنْ قَالَ وَقْفٌ أَوْ لِوَلَدِي لَمْ يُمْنَعْ مُدَّعٍ مِنْ بَيِّنَةٍ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ مِلْكًا وَقَالَ: لَيْسَ لِي إنَّمَا هُوَ وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى وَلَدِي أَوْ هُوَ مِلْكُ الطِّفْلِ، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ لِلْمُدَّعِي مَا لَمْ يَثْبُتْ مَا ذَكَرَ بِتَوَقُّفِ الْمُخَاصِمَةِ عَلَى حُضُورِ مَنْ ثَبَتَتْ لَهُ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَّا لِلْغَزَالِيِّ لَكِنَّهَا عَلَى مُقْتَضَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ. (وَإِنْ قَالَ لِفُلَانٍ فَإِنْ حَضَرَ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ فَلِمُدَّعٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 271 تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وَغَرِمَ مَا فَوَّتَهُ) الْمَازِرِيُّ: لَوْ قَالَ هِيَ لِفُلَانٍ وَهُوَ حَاضِرٌ فَصَدَّقَهُ سَلَّمَ لَهُ الْمُدَّعِي فِيهِ وَالْخُصُومَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي وَلِلْمُدَّعِي إحْلَافُ الْمُقِرِّ أَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِهِ لِإِتْلَافِ حَقِّهِ إذْ لَوْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْبَاطِلِ وَأَنَّ الْمُقِرَّ بِهِ إنَّمَا هُوَ لِمُدَّعِيهِ لَزِمَ الْغُرْمُ لَهُ، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ إلَّا بِالصِّدْقِ وَلَا حَقّ فِيهِ لِلْمُدَّعِي سَقَطَ مَقَالُ الْمُدَّعِي، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَهَاهُنَا اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ غَرَامَةَ الْمُقِرِّ لِإِتْلَافِهِ بِإِقْرَارِهِ مَا أَقَرَّ بِهِ أَمْ لَا، لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْإِتْلَافَ؟ وَإِذَا تَوَجَّهَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُقِرِّ لَهُ وَجَبَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُقِرِّ لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَثَبَتَ حَقُّهُ، فَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ، وَهَلْ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَكَانَ لِلْمُقِرِّ النُّكُولُ، وَإِذَا نَكَلَ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ لِأَنَّهُ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَلِفُ وَنَكَلَ عَنْهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: نَحْوُهُ قَوْل عِيَاضٌ فِي الْوَكَالَاتِ (أَوْ غَابَ لَزِمَهُ يَمِينٌ أَوْ بَيِّنَةٌ وَانْتَقَلَتْ الْحُكُومَةُ لَهُ فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ جَاءَ الْمَقَرُّ لَهُ فَصَدَّقَ الْمُقِرَّ أَخَذَهُ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِلْكًا فَقَالَ لَيْسَ لِي إنَّمَا هُوَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ، فَإِنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ انْصَرَفَتْ الْخُصُومَةُ عَنْهُ إلَى الْغَائِبِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ وَحَلَفَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 272 ابْنُ الْحَاجِبِ: وَانْتَقَلَتْ الْحُكُومَةُ إلَى الْغَائِبِ. ابْنُ شَاسٍ: وَإِنْ نَكَلَ رَجَعَ الْمُدَّعِي بِهِ إلَى الْمُدَّعِي بِغَيْرِ يَمِينٍ، فَإِنْ جَاءَ الْمَقَرُّ لَهُ فَصَدَّقَ الْمُقِرَّ أَخَذَهُ. (وَإِنْ اسْتَحْلَفَ وَلَهُ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ أَوْ كَالْجُمُعَةِ يَعْلَمُهَا لَمْ تُسْمَعْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اسْتَحْلَفَهُ عَالِمًا بِبَيِّنَةٍ تَارِكًا لَهَا وَهِيَ حَاضِرَةٌ أَوْ غَائِبَةٌ فَلَا حَقَّ لَهُ وَإِنْ قُدِّمَتْ بَيِّنَةٌ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ قَضَى بِالْبَيِّنَةِ وَقَالَ: الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ. وَقَالَهُ شُرَيْحٌ وَمَكْحُولٌ وَاللَّيْثُ. ابْنُ يُونُسَ: وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْقَرَوِيِّينَ إذَا كَانَ أَمْرُ الْبَيِّنَاتِ يَطُولُ عِنْدَ الْقُضَاةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ خَصْمَهُ لَعَلَّهُ يَنْكُلُ فَيَسْتَغْنِي عَنْ التَّكَلُّفِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ حَلَفَ كَانَ لَهُ الْقِيَامُ بِبَيِّنَةٍ كَمَا إذَا كَانَتْ بَيِّنَتُهُ غَائِبَةً بَعِيدَةً أَنَّ لَهُ أَنْ يَقُومَ بِهَا إذَا حَلَفَ خَصْمُهُ. (وَإِنْ نَكَلَ فِي مَالٍ وَحَقِّهِ اسْتَحَقَّ بِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 273 بِيَمِينٍ) قَالَ ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الرَّابِعُ النُّكُولُ وَلَا يَثْبُتُ الْحَقُّ بِهِ بِمُجَرَّدِهِ وَلَكِنْ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي إذَا تَمَّ نُكُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَيَتِمُّ نُكُولُهُ بِأَنْ يَقُولَ لَا أَحْلِفُ أَوْ أَنَّا نَأْكُلُ أَوْ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي احْلِفْ أَوْ يَتَمَادَى عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْيَمِينِ، فَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِنُكُولِهِ. فَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَحْلِفُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: النُّكُولُ يَجْرِي فِيمَا يَجْرِي الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ. ابْنُ عَاتٍ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» مَذْهَبُنَا أَنَّ هَذَا عَلَى الْخُصُوصِ إذْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ أَوْ الْعَكْسَ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ إذْ لَا يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ إذْ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالْأَيْمَانِ. (أَنَّ حَقَّقَ) ابْنُ زَرْقُونٍ: وَاخْتُلِفَ فِي تَوَجُّهِ يَمِينِ التُّهْمَةِ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا تَتَوَجَّهُ، وَعَلَى تَوَجُّهِهَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إنْ نَكَلَ فَلَا تَنْقَلِبُ عَلَى الْمُدَّعِي. قَالَ الْبَاجِيُّ: إنْ ادَّعَى الْمُودَعُ تَلَفَ الْوَدِيعَةِ وَادَّعَى الْمُودِعُ تَعَدِّيَهُ عَلَيْهَا صُدِّقَ الْمُودَعُ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ فَيَحْلِفَ. قَالَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ هُنَا (وَلْيُبَيِّنْ الْحَاكِمُ حُكْمَهُ) ابْنُ شَاسٍ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْرِضَ الْيَمِينَ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَيُشْرَحَ لَهُ حُكْمَ النُّكُولِ. (وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهَا إنْ نَكَلَ بِخِلَافِ مُدَّعٍ الْتَزَمَهَا ثُمَّ رَجَعَ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ " وَمُدَّعٍ " هُوَ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى لَا يُمَكَّنُ مِنْهَا إنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 274 نَكَلَ بِخِلَافِ مَا إذَا الْتَزَمَهَا ثُمَّ رَجَعَ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ إذَا تَمَّ نُكُولُهُ ثُمَّ قَالَ: أَنَا أَحْلِفُ لَمْ يَقْبَلْ هُوَ قَوْلَهَا. قَالَ مَالِكٌ: إذَا نَكَلَ مُدَّعُو الدَّمِ عَنْ الْيَمِينِ وَرَدُّوا الْأَيْمَانَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَرَادُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَحْلِفُوا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ فِيمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى مَالٍ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمَطْلُوبِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَحْلِفَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا الْتَزَمَ الْيَمِينَ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى إحْلَافِ الْمُدَّعِي فَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: لَهُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: وَخَالَفَنِي ابْنُ الْكَاتِبِ وَقَالَ: لَيْسَ لَهُ رَدُّ الْيَمِينِ. (وَإِنْ رُدَّتْ عَلَى مُدَّعٍ وَسَكَتَ زَمَنًا فَلَهُ الْحَلِفُ) ابْنُ شَاسٍ: نُكُولُ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَحَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا هُوَ نَصُّ الرِّوَايَاتِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي غَيْرِهَا، وَمِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَضَاهُ ثُمَّ نَكَلَ بَعْدَ نُكُولِهِ لَزِمَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَقَالَ: أَمْهِلْنِي يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَنْظُرْ فِي حِسَابِي قِيلَ يُمْهَلُ، وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا. وَسُئِلَ ابْنُ عَتَّابٍ إذَا رَدَّ الْمَطْلُوبُ الْيَمِينَ عَلَى الطَّالِبِ فَسَكَتَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ فَقَالَ الرَّادُّ لَا أُمَكِّنُك الْآنَ وَأَنَا أَحْلِفُ عَلَى إنْكَارِي دَعْوَاك وَالْيَمِينُ إنَّمَا بَقِيَتْ عَلَيَّ لَا عَلَيْك، فَجَاوَبَ: يَحْلِفُ الطَّالِبُ وَيَسْتَحِقُّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، قَالَهُ مَالِكٌ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ. ابْنُ سَهْلٍ: هُوَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ وَسَمَاعِ عِيسَى وَفِي الْمُخْتَلِطَةِ. (وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ وَتَصَرَّفَ ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ إلَّا بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ) لَا مَزِيدَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَحَوْزٌ طَالَ كَعَشْرٍ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ " وَبِنَقْلٍ عَلَى مُسْتَصْحَبَةِ ". وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْعِمَارَةُ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ وَالْمُدَّعِي شَاهِدٌ سَاكِتٌ وَلَا مَانِعَ مِنْ خَوْفٍ وَلَا قَرَابَةٍ وَلَا صِهْرٍ وَشَبَهِهِ فَغَيْرُ مَسْمُوعَةٍ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ إلَّا بِإِسْكَانٍ أَوْ إعْمَارٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ أَوْ شَبَهِهَا انْتَهَى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 275 اُنْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلَ مَالِكٍ: كُلُّ مَالٍ بِيعَ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ وَصَاحِبُهُ حَاضِرٌ يَنْظُرُ حَتَّى بِيعَ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ ثُمَّ أَرَادَ الدَّعْوَى فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرٌ وَخَدِيعَةٌ إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ غَيْرِ مَقْهُورٍ بِالطَّاقَةِ. نُقِلَ فِي الْمُفِيدِ: أَمَّا إذَا بَلَغَهُ عَنْ مَالِهِ أَنَّهُ بِيعَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقُمْ بِحِدْثَانِ ذَلِكَ وَلَا أَشْهَدَ عُدُولًا عَلَى الْإِنْكَارِ لِذَلِكَ الْفِعْلِ، فَذَلِكَ رِضًا بِالْبَيْعِ وَتَسْلِيمٌ لَهُ. وَسُئِلَ ابْنُ زَرْبٍ عَمَّنْ بِيعَ مَالُهُ بِمَحْضَرِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ فَقَالَ: يُقْضَى لَهُ بِالثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ. وَسُئِلَ أَيْضًا إذَا كَانَ غَائِبًا ثُمَّ عَلِمَ وَسَكَتَ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ أَنَّ لَهُ الْقِيَامَ. وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَيْسَ لَهُ قِيَامٌ إلَّا إنْ قَامَ بَعْدَ الْيَوْمِ وَالْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ. رَاجِعْ الْمُفِيدَ قَبْلَ تَرْجَمَةِ بَيْعِ الرَّقِيقِ. وَانْظُرْ ابْنَ سَلْمُونَ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْفُضُولِيِّ، وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَفِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ ". وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا إذَا رَأَى التَّرِكَةَ تُقَسَّمُ ثُمَّ قَامَ بِذِكْرِ حَقٍّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ. نَقَلَ ابْنُ سَهْلٍ مِنْ نَوَازِلِ عِيسَى ذِكْرَهَا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 276 وَغَيْرِهِ (كَشَرِيكٍ أَجْنَبِيٍّ حَازَ فِيهَا إنْ هَدَمَ وَبَنَى) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَاللَّفْظُ لِابْنِ سَلْمُونَ. وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّونَ فِيمَا لَا شِرْكَةَ بَيْنَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ الْحِيَازَةَ تَكُونُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ مِنْ وُجُوهِ الِاعْتِبَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ وَلَا بِنَاءٌ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِيهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 277 شِرْكَةٌ فَلَا تَكُونُ الْعَشَرَةُ الْأَعْوَامُ حِيَازَةً إلَّا مَعَ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ. (وَفِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ مَعَهُمَا قَوْلَانِ) ابْنُ سَلْمُونَ: أَمَّا الِاعْتِمَارُ بَيْنَ الْقَرَابَاتِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ بِالسُّكْنَى وَازْدِرَاعِ الْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا يُحْكَمُ بِهِ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ عَامًا. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَعَقْدِ الْكِرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ حُكْمَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَالْحِيَازَةُ فِي ذَلِكَ الْعَشَرَةُ وَنَحْوُهَا. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 282 فِي رِوَايَةِ يَحْيَى. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَحُوزَ ذَلِكَ أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعِينَ عَامًا. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا حَازَهُ بِالْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ، فَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ. وَقِيلَ: إنَّمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْقَرَابَاتِ وَالْأَجْنبِيِّينَ فِي الْبِلَادِ الَّتِي يُعْرَفُ مِنْ أَهْلِهَا أَنَّهُمْ يَتَوَسَّعُونَ بِذَلِكَ لِقَرَابَتِهِمْ انْتَهَى. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ الْبَاجِيُّ أَنَّ عَشْرَ سِنِينَ لَا تَقْطَعُ حَقَّ الْقَرَابَةِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ بَيْنَ الْقَائِمِ وَالْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْمُسَامَحَةِ وَالتَّشَاحِّ مَا لَا يُتْرَكُ الْحَقُّ بِهِ هَذِهِ الْمُدَّةَ. وَحُكِيَ مِثْلُ هَذَا فِي الْحُقُوقِ فِي غَيْرِ الْأَمْلَاكِ عَنْ الْمَازِرِيُّ قَالَ: إذَا أُثْبِتَ الْمَطْلُوبُ بِالْيَمِينِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَسْكُتُ عَنْ طَلَبِ مَا ذُكِرَ هَذِهِ الْمُدَّةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَسْقُطُ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ ". وَمِنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ فِيمَنْ بَاعَ مِلْكًا وَعَلِمَ شَرِيكُهُ فِيهِ فَأَرَادَ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْ الْمِلْكِ وَيَأْخُذَ بَقِيَّتَهُ بِالشُّفْعَةِ قَالَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالِاشْتِرَاءُ لِلْمُشْتَرِي مَاضٍ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَقَطْ، وَهَذَا إذَا قَامَ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 283 بِقُرْبِ ذَلِكَ. رَاجِعْ أَنْتَ ابْنَ يُونُسَ. وَرَأَيْت فَتْوَى لِشَيْخِ شُيُوخِنَا الْحَفَّارِ وَالْعَادَةُ أَنْ لَا يَتْرُكَ أَحَدٌ مَالَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً فَكَيْفَ بِكَافِرٍ مَعَ مُسْلِمٍ، وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ: إنَّ مَنْ عُرِفَ بِالتَّعَدِّي فَيَغْلِبُ الْحُكْمُ فِي حَقِّهِ. وَكَذَلِكَ فِي هَذَا يَحْلِفُ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ عَلَيْهِ مِنْ ذَاكَ الْحَقِّ وَيَسْقُطُ حَقُّ الْيَهُودِيِّ. وَعُرِفَ عِيَاضٌ بِالْقَاضِي شَبْطُونٍ أَوَّلُ مَنْ أَدْخَلَ الْأَنْدَلُسَ الْمُوَطَّأَ شَرَطَ إنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ يَدِ الْجَانِبِ مَا يَدَّعِي وَكُلِّفَ الْجَانِبُ الْبَيِّنَةَ. قِيلَ لِيَحْيَى بْنِ يَحْيَى: هُوَ وَجْهُ الْقَضَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ فِيمَنْ عُرِفَ بِالظُّلْمِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ: أَمَّا حِيَازَةُ الْأَقَارِبِ لِلشُّرَكَاءِ بِالْمِيرَاثِ أَوْ بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ وَلَا فِي أَنَّهَا تَكُونُ حِيَازَةً بِالتَّفْوِيتِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهَا وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ، هَذَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَيَفْتَرِقُ فِيهِ الْحُكْمُ عَلَى التَّفْصِيلِ إذْ لَا يَخْلُو أَنَّهُ يَكُونُ فَوَّتَ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْكُلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ أَوْ الْأَقَلَّ أَوْ النِّصْفَ. أَمَّا إذَا فَوَّتَ الْكُلَّ بِالْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ الْمَحُوزُ عَلَيْهِ حَاضِرَ الصَّفْقَةِ فَسَكَتَ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِي حِصَّتِهِ وَكَانَ لَهُ الثَّمَنُ، وَإِنْ سَكَتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ حَتَّى انْقَضَى الْعَامُ وَنَحْوُهُ اسْتَحَقَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ بِالْحِيَازَةِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ بِالْوَجْهِ الَّذِي يَذْكُرُهُ مِنْ ابْتِيَاعٍ أَوْ مُقَاسَمَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِهِ فَقَامَ حِينَ عَلِمَ أَخَذَ حَقَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ إلَّا بَعْدَ الْعَامِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَاسْتَحَقَّهُ الْحَائِزُ بِمَا ادَّعَاهُ بِدَلِيلِ حِيَازَتِهِ إيَّاهُ اهـ. مِنْ ابْنِ رُشْدٍ. وَقَدْ نَقَلْت مَا يُنَاسِبُ لَفْظَ خَلِيلٍ بِزِيَادَةِ نُكَتٍ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا، وَرَاجِعْ أَنْتَ ابْنَ عَرَفَةَ وَرَسْمَ تَسَلُّفِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ، فَقَدْ ذَكَرَ حُكْمَ التَّفْوِيتِ بِالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا أَوْ بِالْوَطْءِ، وَذَكَرَ أَيْضًا إذَا حَازَ النِّصْفَ أَوْ الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ الطَّالِبَ إذَا عَلِمَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَأُشِيرَ لَهُ مَوَاضِعُهَا تَوَفَّرَتْ دَوَاعِيه عَلَى مُرَاجَعَتِهَا فِي مَوَاضِعِهَا إذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِتَأْلِيفِي هَذَا إذْهَابُ خُصُوصِيَّةِ كِتَابٍ، وَإِنَّمَا قَصْدِي نَقْلُ لُبَابِ اللُّبَابِ مِنْ كُلِّ بَابٍ إذَا حَصَّلَهُ الطَّالِبُ نَشِطَ لِمُرَاجَعَةِ الْفِقْهِ وَهَانَتْ عَلَيْهِ مَسَائِلُهُ الصِّعَابُ، فَمَنْ طَالَعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْبَيَانِ أَوْ فِي ابْنِ عَرَفَةَ قَدْ يَشْغَلُ ذِهْنَهُ مَا هُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ مِمَّا تَرَكْته فَيَفُوتُهُ ذَلِكَ هَذَا اللُّبَابُ الَّذِي نَخَلْته، فَمُرَاجَعَةُ الْفِقْهِ بَعْدَ تَحْصِيلِ مَا قَرَّرْت فِي تَأْلِيفِهِ نِعْمَ الْعَوْنُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 284 لِلطَّالِبِ، فَلْيَفْهَمْ مَقْصُودِي وَاَللَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُنَا مِنْ الْمُتَعَاوِنِينَ عَلَى طَاعَتِهِ بِمَنِّهِ وَرَحْمَتِهِ. (لَا بَيْنَ أَبٍ وَابْنِهِ إلَّا بِكَهِبَةٍ إلَّا أَنْ يَطُولَ مَعَهَا مَا تَهْلِكُ الْبَيِّنَاتُ وَيَنْقَطِعُ الْعِلْمُ) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا حِيَازَةُ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ وَالِابْنِ عَلَى أَبِيهِ، فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ، وَلَا فِي أَنَّهَا تَكُونُ بِالتَّفْوِيتِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالْوَطْءِ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَحُوزُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَالْغَرْسِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَحُوزُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إنْ ادَّعَاهُ مِلْكًا لِنَفْسِهِ قَامَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنْ يَطُولَ الْأَمَدُ جِدًّا إلَى مَا تَهْلِكُ فِيهِ الْبَيِّنَاتُ وَيَنْقَطِعُ الْعِلْمُ. وَمِنْ نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: الْحَوْزُ لَا يَقْطَعُ حَقَّ الْقَرَابَةِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ بَيْنَهُمْ مِنْ عَدَمِ الْمُسَامَحَةِ وَالتَّشَاحِّ مَا لَا يُتْرَكُ فِيهِ الْحَقُّ هَذِهِ الْمُدَّةَ فَيَكُونُ لِذَلِكَ الزَّمَانِ الْإِسْقَاطُ. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا لِلْمَازِرِيِّ فِيمَنْ طَلَبَ رَهْنًا زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ فِي حَقٍّ قِبَلَهُ مُنْذُ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ فَأَجَابَ: إنْ كَانَ مِثْلُ هَذَا لَا يَسْكُتُ عَنْ طَلَبِ مَا ذَكَرَ طُولَ هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَسْقُطُ. وَأَجَابَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ ادَّعَى عَقَارًا بِيَدِ غَيْرِهِ لَا يُسْأَلُ الْمَطْلُوبُ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ. قَالَ ابْنُ لُبٍّ: عُقُودُ الْأُصُولِ لَا تُوجِبُ اسْتِحْقَاقًا مِنْ يَدٍ مِنْ الشَّيْءِ بِيَدِهِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ. (وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ الدُّورُ مِنْ غَيْرِهَا فِي الْأَجْنَبِيِّ فَفِي الدَّابَّةِ وَأَمَةِ الْخِدْمَةِ السَّنَتَانِ وَيُزَادُ فِي عَبْدٍ وَعَرْضٍ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا فَرْقَ فِي مُدَّةِ حِيَازَةِ الْوَارِثِ لِوَرَثَتِهِ بَيْنَ الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ وَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ ذَلِكَ فِي حِيَازَةِ الْأَجْنَبِيِّ مَالَ الْأَجْنَبِيِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 285 بِالِاعْتِمَارِ وَالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ فِي الْأُصُولِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالرُّكُوبِ وَاللِّبَاسِ فِي الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ. فَقَالَ أَصْبَغُ: إنَّ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فِي الثِّيَابِ حِيَازَةٌ إذَا كَانَتْ تُلْبَسُ وَتُمْتَهَنُ، وَإِنَّ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ حِيَازَةٌ فِي الدَّوَابِّ إذَا كَانَتْ تُرْكَبُ وَفِي الْإِمَاءِ إذَا كُنَّ يُسْتَخْدَمْنَ وَفِي الْعَبِيدِ وَالْعُرُوضِ فَوْقَ ذَلِكَ وَلَا يَبْلُغُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا الْعَشَرَةَ الْأَعْوَامِ كَمَا يُصْنَعُ فِي الْأُصُولِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 286 [بَابٌ فِي الدِّمَاءُ] [الْجِنَايَة عَلَى النَّفْس] [مُوجِبَات الْقِصَاص] بَابٌ ابْنُ شَاسٍ: الدِّمَاءُ خَطِيرَةُ الْقَدْرِ فِي الدِّينِ، وَالْقَتْلُ كَبِيرَةٌ فَاحِشَةٌ مُوجِبَةُ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمُوجِبَاتُهَا فِي الدُّنْيَا خَمْسَةٌ: الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَالتَّعْزِيرُ وَالْقِيمَةُ. رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ شَارَكَ فِي دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» الْمُتَيْطِيُّ: قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: مَنْ قَالَ إنَّ الْقَاتِلَ يَخْلُدُ فِي النَّارِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَقَدْ أَخْطَأَ وَخَالَفَ السُّنَّةَ لِأَنَّ الذَّنْبَ لَا يُحْبِطُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إيمَانِهِ وَلَا مَا اكْتَسَبَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُجَازِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ كُلَّ مُؤْمِنٍ عَلَى إيمَانِهِ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35] {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء: 94] لَكِنْ مِنْ تَمَامِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ عَرْضُ نَفْسِهِ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ وَيَصُومُ أَوْ يُعْتِقُ وَيُلَازِمُ الْجِهَادَ. وَانْظُرْ فِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَطِيَّةَ قَوْله تَعَالَى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] (إنْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ وَإِنْ رَقَّ) أَمَّا أَنَّ الْمُكَلَّفَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَوَدُ إذَا قَتَلَ مَعْصُومًا فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ إيجَابِ الْقَوَدِ كَوْنُ الْجَانِي بَالِغًا عَاقِلًا فِيهَا، وَالْمَجْنُونُ الَّذِي يُفِيقُ أَحْيَانًا فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالسَّلِيمِ. وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: الْعَبِيدُ مُكَلَّفُونَ وَجِنَايَتُهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِرِقَابِهِمْ دُونَ سَادَاتِهِمْ لَا يَلْزَمُ سَادَاتِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ إسْلَامِهِمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 289 بِمَا جَنَوْا، كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِمَّا يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ أَوْ مِمَّا لَا يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ. وَجِنَايَتُهُمْ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: جِنَايَتُهُمْ عَلَى الْعَبِيدِ وَجِنَايَتُهُمْ عَلَى الْأَحْرَارِ وَجِنَايَتُهُمْ عَلَى الْأَمْوَالِ. فَأَمَّا جِنَايَتُهُمْ عَلَى الْعَبِيدِ فَمَالِكٌ يَرَى الْقَوَدَ بَيْنَهُمْ فِي النَّفْسِ، وَأَمَّا جِنَايَتُهُمْ عَلَى الْأَحْرَارِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ، فَإِنْ اسْتَحْيَاهُمْ خُيِّرَ السَّيِّدُ فِي إسْلَامِهِ وَفِدَائِهِ بِالدِّيَةِ، رَاجِعْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ مِنْ الْمُتَيْطِيِّ. [مِنْ مُوجِبَات الْقِصَاص الْقَاتِل] (غَيْرُ حَرْبِيٍّ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّالِثُ يَعْنِي مِنْ مُوجِبَاتِ الْقِصَاصِ الْقَاتِلُ. وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُلْتَزِمًا لِلْأَحْكَامِ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْحَرْبِيِّ وَلَا عَلَى الصَّغِيرِ وَلَا عَلَى الْمَجْنُونِ وَيَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالسَّكْرَانِ (وَلَا زَائِدِ حُرِّيَّةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِذِي رِقٍّ بِوَجْهٍ، وَيُقْتَلُ ذُو الرِّقِّ بِالْحُرِّ الْمُسْلِمِ. وَفِي جِنَايَتِهَا الْقِصَاصُ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ كَمَا هُوَ فِي الْأَحْرَارِ. وَلَوْ قَتَلَ مُكَاتَبٌ عَبْدَهُ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحِ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ فِي الْقِصَاصِ مَعَ مَنْ لَيْسَ فِيهِ حُرِّيَّةٌ سَوَاءٌ، وَاسْتُحْسِنَ فِي الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ أَنْ لَا يُقْتَصَّ مِنْهُ (أَوْ إسْلَامٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَفِيهَا: إلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ غِيلَةً. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ بِالْحِرَابَةِ قَتَلَ لِأَنَّ الْغِيلَةَ حِرَابَةٍ. اُنْظُرْ الْكَافِرَ الْحُرَّ مَعَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي نَصْرَانِيٍّ حُرٍّ قَتَلَ عَبْدًا مُسْلِمًا اخْتِلَافٌ وَأَرَى قَتْلَهُ بِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ بَيْنَهُمَا قَوَدٌ فِي نَفْسٍ وَلَا جُرْحٍ لِأَنَّ فِي هَذَا حُرِّيَّةٌ وَفِي هَذَا إسْلَامًا (حِينَ الْقَتْلِ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ " وَضَمِنَ وَقْتَ الْإِصَابَةِ " أَنَّ نَفْيَ التَّكَافُؤِ إثْرَ الْقَتْلِ لَغْوٌ (إلَّا لِغِيلَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ غِيلَةً (مَعْصُومًا) ابْنُ عَرَفَةَ مَحْضُ عَمْدٍ قَتْلُ الْمُسْلِمِ عُدْوَانٌ يُوجِبُ مِلْكَ الْقَوَدِ مِنْهُ لِمُكَافِئِهِ أَوْ رَاجِحٌ عَلَيْهِ إنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا، وَشَرْطُ كَوْنِهِ عُدْوَانًا عِصْمَةُ دَمِ الْقَتِيلِ أَوْ اسْتِحْقَاقُهُ مُعَيَّنًا. فِيهَا: إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 290 عَلَى مُحَارِبٍ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ تُزَكَّى الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ زُكِّيَتْ أَدَّبَهُ الْإِمَامُ، وَإِنْ لَمْ تُزَكَّ قُتِلَ بِهِ (لِلتَّلَفِ وَالْإِصَابَةِ) سَيَأْتِي هَذَا أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَضَمِنَ وَقْتَ الْإِصَابَةِ ". وَسَيَأْتِي أَنَّ مَنْ رَمَى نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ بَعْدَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الْمَوْتِ أَنَّهُ لَيْسَ كَمَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا فَيُقَادُ بِهِ، وَلَا كَمَنْ قَتَلَ نَصْرَانِيًّا فَيَغْرَمُ دِيَةَ نَصْرَانِيٍّ. وَمَنْ رَمَى مُسْلِمًا فَارْتَدَّ بَعْدَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الْمَوْتِ أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ. [مِنْ مُوجِبَات الْقِصَاص الْقَتِيل] (بِإِيمَانٍ أَوْ أَمَانٍ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّانِي يَعْنِي مِنْ مُوجِبَاتِ الْقِصَاصِ الْقَتِيلُ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومَ الدَّمِ بِإِسْلَامٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ أَوْ أَمَانٍ. ابْنُ شَاسٍ: وَالْحَرْبِيُّ مَهْدُورٌ دَمُهُ وَكَذَلِكَ لَا قِصَاصَ عَلَى مَنْ قَتَلَ زِنْدِيقًا أَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا أَوْ قَطَعَ سَارِقًا قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ، لِأَنَّ هَذِهِ حُدُودٌ لَا بُدَّ أَنْ تُقَامَ وَلَا تَخْيِيرَ فِيهَا وَلَا عَفْوَ (كَالْقَاتِلِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ) ابْنُ الْحَاجِبِ: أَمَّا مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَمَعْصُومٌ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ، فَإِنْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ عَمْدًا فَدَمُهُ لِأَوْلِيَاءِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنْ أَرْضَوْهُمْ أَوْلِيَاءُ الثَّانِي فَدَمُهُ لَهُمْ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا فَعَدَا عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ فَقَتَلَهُ عَمْدًا فَدَمُهُ لِأَوْلِيَاءِ الْأَوَّلِ. وَيُقَالُ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الثَّانِي أَرْضُوا أَوْلِيَاءَ الْأَوَّلِ وَشَأْنُكُمْ بِقَاتِلِ وَلِيِّكُمْ فِي الْقَتْلِ أَوْ الْعَفْوِ، فَإِنْ لَمْ يُرْضُوهُمْ فَلِأَوْلِيَاءِ الْأَوَّلِ قَتْلُهُ أَوْ الْعَفْوُ عَنْهُ وَلَهُمْ إنْ لَمْ يَرْضَوْا بِمَا بَذَلُوا لَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قُتِلَ خَطَأً فَدِيَتُهُ لِأَوْلِيَاءِ الْأَوَّلِ. قَالَ: وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُ الْقَاطِعِ خَطَأً فَدِيَتُهَا لِلْمَقْطُوعِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 291 كَانَ عَمْدًا فَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ قَاطِعِ قَاطِعِهِ. (وَأُدِّبَ) تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ قَتَلَ غَيْرَ مَعْصُومِ الدَّمِ أُدِّبَ. اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ " لِلتَّلَفِ " وَانْظُرْ أَيْضًا مَنْ وَجَبَ لَهُ دَمٌ قِبَلَ رَجُلٍ فَاقْتَصَّ لِنَفْسِهِ وَقَتَلَهُ وَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَى الْإِمَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ أَيْضًا يُؤَدَّبُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْأَئِمَّةِ (كَمُرْتَدٍّ) سَحْنُونَ: لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ عَلَى قَاتِلِ الْمُرْتَدِّ. (وَزَانٍ أُحْصِنَ وَيَدِ سَارِقٍ) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ " كَالْقَاتِلِ ". (فَالْقَوَدُ) هَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 294 جَوَابُ إنْ أَتْلَفَ (عَيْنًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي قَاتِلِ الْعَمْدِ يَطْلُبُ مِنْهُ الْأَوْلِيَاءُ فَيَأْبَى الدِّيَةَ إلَّا أَنْ يَقْتُلُوهُ: فَلَيْسَ لَهُمْ إلَّا الْقَتْلُ، فَإِنْ عَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ فَنَصِيبُ مَنْ لَمْ يَعْفُ مِنْ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْجَانِي. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذْ لَا سَبِيلَ لِتَبْعِيضِ الدَّمِ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ جِرَاحُ الْعَمْدِ إنْ طَلَبَ الْمَجْرُوحُ الدِّيَةَ فَلَيْسَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 295 لَهُ إلَّا الْقِصَاصُ. (وَلَوْ قَالَ إنْ قَتَلْتنِي أَبْرَأْتُك) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ سَحْنُونَ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اُقْتُلْنِي وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَتَلَهُ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَيُضْرَبُ مِائَةً وَيُحْبَسُ عَامًا وَلَا جُعْلَ لَهُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: لِلْأَوْلِيَاءِ قَتْلُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَا ذَكَرَهُ عَنْ سَحْنُونٍ خِلَافُ مَا لَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ مَنْ طَلَبَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ عَلَى إنْ عَفَا عَنْهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَجِبْ لَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقِيلَ إنَّمَا يَغْرَمُ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَفِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 297 النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ. (وَلَا دِيَةَ لِعَافٍ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُظْهِرَ إرَادَتُهَا فَيَحْلِفُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عَفَوْت عَنْ عَبْدٍ قَتَلَ وَلِيَّك الْحُرَّ عَمْدًا وَلَمْ تَشْتَرِطْ شَيْئًا، فَكَمَا لَوْ عَفَوْت عَنْ الْحُرِّ وَلَمْ تَشْتَرِطْ شَيْئًا ثُمَّ تَطْلُبْ الدِّيَةَ. قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ لَك إلَّا أَنْ تُبَيِّنَ أَنَّك أَرَدْته فَتَحْلِفُ مَا عَفَوْت إلَّا لَأَخَذِهَا ثُمَّ ذَلِكَ لَك، وَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ ثُمَّ يُخَيَّرُ سَيِّدُهُ. (وَبَقِيَ عَلَى حَقِّهِ إنْ امْتَنَعَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عَفَا وَلِيُّ الْقَتْلِ الْحُرِّ عَلَى إلْزَامِ الْقَاتِلِ دِيَتَهُ لَمْ تَلْزَمْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَظْهَرُ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ وَإِنْ كُرِهَ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ (كَعَفْوِهِ عَنْ الْعَبْدِ) تَقَدَّمَ قَوْلُهُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَا الْعَبْدُ ثُمَّ يُخَيَّرُ سَيِّدُهُ (وَاسْتَحَقَّ وَلِيُّ دَمِ مَنْ قَتَلَ الْقَاتِلَ) هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ " قَبْلَ هَذَا كَالْقَاتِلِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ " (أَوْ قَطَعَ يَدَ الْقَاطِعِ فَدِيَةُ خَطَأٍ فَإِنْ أَرْضَاهُ وَلِيُّ الثَّانِي فَلَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَأُدِّبَ ". (وَإِنْ فُقِئَتْ عَيْنُ الْقَاتِلِ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَلَوْ مِنْ الْوَلِيِّ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فَلَهُ الْقَوَدُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ فُقِئَتْ عَيْنُ الْقَاتِلِ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَهُ الْقَوَدُ أَوْ الْعَفْوُ أَوْ الْقَتْلُ، وَلَا سُلْطَانَ لِوُلَاةِ الْمَقْتُولِ، فَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ هُوَ الْقَاطِعُ فَكَذَلِكَ أَيْضًا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَوْ كَانَ سَلَّمَهُ لَهُ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا فَحُبِسَ لِلْقَتْلِ أَوْ حُكِمَ بِقَتْلِهِ فَيُسَلَّمُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ لِيَقْتُلُوهُ فَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَلَهُ الْقِصَاصُ وَالْعَقْلُ وَالْعَفْوُ فِي الْعَدَمِ لَا شَيْءَ لِوُلَاةِ الدَّمِ فِي ذَلِكَ، إنَّمَا لَهُمْ سُلْطَانٌ عَلَى مَنْ أَذْهَبَ نَفْسَهُ، وَمَنْ قَتَلَ وَلِيَّك عَمْدًا فَقَطَعْت يَدَهُ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْك، وَلَوْ قَطَعْتهَا خَطَأَ حَمَلْت ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِك وَيُسْتَفَادُ لَهُ مَا لَمْ يُقَدْ مِنْهُ وَتُحَمَّلُ عَاقِلَتُهُ مَا أَصَابَ مِنْ الْخَطَأِ. (وَقُتِلَ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى) ابْنُ عَرَفَةَ: مَحْضُ الْعَمْدِ يُوجِبُ مِلْكَ الْقَوَدِ لِمُكَافِئِهِ أَوْ رَاجِحٌ عَلَيْهِ (كَحُرٍّ كِتَابِيٍّ بِعَبْدٍ مُسْلِمٍ) اُنْظُرْ النَّصَّ قَبْلَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 298 قَوْلِهِ " أَوْ أَسْلَمَ ". (وَالْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ مِنْ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَمُؤْمِنٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: ذُو الْكُفْرِ سَوَاءٌ فِي الْقِصَاصِ بَيْنَهُمْ الْمَجُوسِيُّ كَالْكِتَابِيِّ فِيهِ (كَذَوِي الرِّقِّ) اُنْظُرْ النَّصَّ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا زَائِدَ حُرِّيَّةٍ ". (وَذَكَرٍ وَصَحِيحٍ وَضِدَّيْهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا: لَغْوٌ فَضِيلَةُ الذُّكُورِيَّةِ وَالْعَدَالَةِ وَالشَّرَفِ وَسَلَامَةِ الْأَعْضَاءِ وَصِحَّةِ الْجِسْمِ لِحَدِيثِ «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» وَفِي دِيَاتِهَا إنْ قَتَلَ الصَّحِيحُ سَقِيمًا أَوْ أَجْذَمَ أَوْ أَبْرَصَ أَوْ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ عَمْدًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 299 قُتِلَ بِهِ، وَإِنْ اجْتَمَعَ نَفَرٌ عَلَى قَتْلِ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيَّةٍ عَمْدًا قُتِلُوا بِذَلِكَ. (وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ حُرًّا عَمْدًا بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَسَامَةٍ خُيِّرَ الْوَلِيُّ فَإِنْ اسْتَحْيَاهُ فَلِسَيِّدِهِ إسْلَامُهُ أَوْ فِدَاؤُهُ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 300 مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ، فَإِنْ اسْتَحْيَاهُ خُيِّرَ سَيِّدُهُ فِي إسْلَامِهِ أَوْ فِدَائِهِ بِالدِّيَةِ، وَكَذَا يُخَيَّرُ فِي فِدَائِهِ بِالدِّيَةِ فِي قَتْلِهِ خَطَأً، وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ حُرًّا فَأَتَى وُلَاتُهُ عَلَيْهِ بِشَاهِدٍ حَلَفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا، وَلَهُمْ قَتْلُ الْعَبْدِ إنْ شَاءُوا، أَوْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا يَمِينًا وَاحِدَةً لِيَسْتَحْيُوهُ إذْ لَا يُسْتَحَقُّ دَمُ حُرٍّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ حَلِفِ خَمْسِينَ يَمِينًا. (إنْ قَصَدَ ضَرْبًا وَإِنْ بِقَضِيبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَعَمَّدَ ضَرْبَ رَجُلٍ بِلَطْمَةٍ أَوْ وَكْزَةٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ بُنْدُقَةٍ أَوْ قَضِيبٍ أَوْ عَصًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَفِي كُلِّهِ الْقَوَدُ إنْ مَاتَ بِذَلِكَ. الْمُتَيْطِيُّ: الْقَتْلُ يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ لَا يَعْمِدَ لِلضَّرْبِ وَلَا لِلْقَتْلِ مِثْلَ أَنْ يَرْمِيَ شَيْئًا فَيُصِيبُ بِهِ إنْسَانًا فَيَقْتُلَهُ، أَوْ يَقْتُلَ الْمُسْلِمَ فِي حَرْبِ الْعَدُوِّ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَافِرٌ، فَهَذَا قَتْلُ خَطَأٍ بِإِجْمَاعٍ لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 303 يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ. الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَعْمِدَ لِلضَّرْبِ وَلَا يَعْمِدَ لِلْقَتْلِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ الْأَدَبُ أَوْ عَلَى وَجْهِ الثَّائِرَةِ وَالْغَضَبِ. فَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ فَثَالِثُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْخَطَأِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ الْأَدَبُ كَالْمُؤَدِّبِ وَالصَّانِعِ فَهُوَ يَجْرِي عِنْدِي عَلَى مَا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ فَتَدْخُلُ فِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ. وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ النَّائِرَةِ وَالْغَضَبِ الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يَعْمِدَ لِلْقَتْلِ. اُنْظُرْهُ أَوَّلَ كِتَابِ الدِّيَاتِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ تَعَمَّدَهُ بِضَرْبِ لَطْمَةٍ فَمَاتَ قُتِلَ بِهِ (كَخَنْقٍ وَمَنْعِ طَعَامٍ وَمُثَقَّلٍ) التَّلْقِينُ: الْعَمْدُ مَا قُصِدَ بِهِ إتْلَافُ النَّفْسِ بِآلَةٍ تَقْتُلُ غَالِبًا وَلَوْ بِمُثَقِّلٍ أَوْ بِإِصَابَةِ الْمَقْتَلِ كَعَصْرِ الْأُنْثَيَيْنِ وَشِدَّةِ الضَّغْطِ وَالْخَنْقِ. ابْنُ الْقَصَّارِ: أَوْ يُطْبِقُ عَلَيْهِ بَيْتًا أَوْ يَمْنَعُهُ الْغِذَاءَ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا. بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ مَنْ مَنَعَ فَضْلَ مَائِهِ مُسَافِرًا عَالِمًا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ وَأَنَّهُ يَمُوتُ إنْ لَمْ يَسْقِهِ مَاءَهُ أَنَّهُ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَلِ قَتْلَهُ. (وَلَا قَسَامَةَ إنْ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ أَوْ مَاتَ مَغْمُورًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَقَقْت بَطْنَ رَجُلٍ فَتَكَلَّمَ أَوْ أَكَلَ أَوْ عَاشَ وَأَكَلَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ أَفِيه قَسَامَةٌ؟ قَالَ: لَمْ أَقِفْ لِمَالِكٍ عَلَى هَذَا وَلَكِنَّهُ قَالَ: إنْ مَاتَ تَحْتَ الضَّرْبِ أَوْ بَقِيَ مَغْمُورًا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يُفِقْ حَتَّى مَاتَ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ. وَقَالَ: مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ وَعَاشَ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ أَمْرٍ عَرَضَ لَهُ. وَأَمَّا شَقُّ الْجَوْفِ فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ فِيهِ شَيْئًا، وَأَرَى إنْ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ مِنْ مِثْلِ هَذَا إنَّمَا حَيَاتُهُ خُرُوجُ نَفْسِهِ فَلَيْسَ فِيهِ وَمَا أَشْبَهَهُ قَسَامَةٌ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الشَّاةِ يَخْرِقُ السَّبُعُ بَطْنَهَا فَيَشُقُّ أَمْعَاءَهَا فَتَنْتَشِرُ: إنَّهَا لَا تُؤْكَلُ عَلَى حَالٍ. (أَوْ كَطَرْحِ غَيْرِ مُحْسِنِ الْعَوْمِ عَدَاوَةً وَإِلَّا فَدِيَةٌ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ طَرْحُ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَوْمَ فِي نَهْرٍ عَلَى وَجْهِ الْعَدَاوَةِ يُوجِبُ الْقَوَدَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ طَرَحَ رَجُلًا فِي نَهْرٍ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الْعَوْمَ فَمَاتَ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَدَاوَةِ وَالْقَتْلِ قُتِلَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 304 ذَلِكَ فَفِيهِ الدِّيَةُ. (وَكَحَفْرِ بِئْرٍ وَإِنْ بِبَيْتِهِ أَوْ وَضْعِ مَزْلَقٍ أَوْ رَبْطِ دَابَّةٍ بِطَرِيقٍ وَاِتِّخَاذِ كَلْبٍ عَقُورٍ تَقَدَّمَ لِصَاحِبِهِ إنْذَارُ قَصْدِ الضَّرَرِ، وَهَلَكَ الْمَقْصُودُ وَإِلَّا فَالدِّيَةُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَضَعَ سَيْفًا بِطَرِيقٍ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ بِمَوْضِعٍ لِقَتْلِ رَجُلٍ فَعَطِبَ بِهِ الرَّجُلُ قُتِلَ بِهِ، وَإِنْ عَطِبَ بِهِ غَيْرُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَنْزِلِهِ لِلسَّارِقِ أَوْ عَمِلَ لَهُ مَا يَتْلَفُ بِهِ فَمَاتَ ضَمِنَ دِيَتَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ وَقَعَ فِيهِ غَيْرُهُ. أَبُو إبْرَاهِيمَ: إنْ قَصَدَ قَتْلَ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ قُتِلَ بِهِ وَفِي غَيْرِهِ دِيَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَقَوْلِهَا فِي مَسْأَلَةِ السَّيْفِ وَهُوَ دَلِيلُ الْبَابِ كُلِّهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: شَرْطُ الْقَتْلِ أَنْ يَكُونَ عَمْدًا ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ الْقَصْدُ إلَى مَا يُقْتَلُ مِثْلُهُ مِنْ مُبَاشَرَةٍ أَوْ تَسَبُّبٍ. ثُمَّ قَالَ: وَالسَّبَبُ كَحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ شِرْبٍ أَوْ وَضْعِ سَيْفٍ أَوْ رَبْطٍ دَابَّةٍ أَوْ اتِّخَاذِ كَلْبٍ عَقُورٍ قَصْدًا لِلْهَلَاكِ حَتَّى لَوْ حَفَرَ فِي دَارِهِ بِئْرًا لِإِهْلَاكِ لِصٍّ قُتِلَ بِهِ، وَلَوْ هَلَكَ بِهِ غَيْرُ الْمَقْصُودِ فَالدِّيَةُ أَوْ الْقِيمَةُ. أَمَّا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَا لِقَصْدِ إهْلَاكٍ فَإِنْ كَانَ فِيمَا لَا يَجُوزُ لَهُ ضَمِنَ الدِّيَةَ وَالْقِيمَةَ، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ فَإِنْ قَصَدَ ضَرَرًا وَلَوْ كَسَارِقٍ ضَمِنَهُ وَغَيْرَهُ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ. الْبَاجِيُّ: وَرَوَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 305 ابْنُ وَهْبٍ: مَنْ رَشَّ فِنَاءَهُ لِيُزْلِقَ مَنْ يَمُرُّ بِهِ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ ضَمِنَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَ فِي الطَّرِيقِ مَرْبِطًا لِدَابَّتِهِ أَوْ كَلْبًا لِدَارِهِ يَعْقِرُ مَنْ يَدْخُلُهَا أَوْ فِي غَنَمِهِ لِيَعْدُوَ عَلَى مَنْ أَرَادَهَا. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ فَعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا بِدَارِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرِ أَحَدٍ أَوْ بِدَارِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ رَشَّ فِنَاءَهُ تَبَرُّدًا أَوْ تَنَظُّفًا أَوْ رَبَطَ كَلْبَ صَيْدٍ بِدَارِهِ أَوْ فِي غَنَمِهِ لِلسِّبَاعِ أَوْ نَصَبَ حِبَالَاتٍ لِلسِّبَاعِ أَوْ وَقَفَ عَلَى دَابَّتِهِ بِطَرِيقٍ أَوْ نَزَلَ عَنْهَا لِحَاجَةٍ أَوْ أَوْقَفَهَا بِبَابِ مَسْجِدٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ بِسُوقٍ، لَمْ يَضْمَنْ مَا هَلَكَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا إنْ أَخْرَجَ رَوْشَنًا مِنْ دَارِهِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " إلَّا نَهَارًا " وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ فِيمَنْ اسْتَعْمَلَ صَبِيًّا مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ أَشْهَبُ: مَنْ حَفَرَ بِئْرَ مَاشِيَةٍ قُرْبَ أُخْرَى لِغَيْرٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَعَطِبَ بِهَا آدَمِيٌّ، لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَضُرُّ بِجَارِهِ فَيُؤْمَرُ بِرَدْمِهَا وَمَا هَلَكَ فِيهَا بَعْدَ أَمْرِهِ ضَمِنَهُ. مُحَمَّدٌ: وَمَا هَلَكَ بِذَلِكَ مِنْ آدَمِيٍّ فَعَلَى مَا قُلْته وَغَيْرُهُ فِي مَالِهِ. [شُرُوطُ الْقَتْلِ] (وَكَالْإِكْرَاهِ وَتَقْدِيمِ مَسْمُومٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: شَرْطُ الْقَتْلِ أَنْ يَكُونَ عَمْدًا ثُمَّ قَالَ: مِنْ مُبَاشَرَةٍ أَوْ تَسَبُّبٍ كَحَفْرِ بِئْرٍ وَكَالْإِكْرَاهِ وَتَقْدِيمِ الطَّعَامِ الْمَسْمُومِ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: الْمَذْهَبُ نَوْعَانِ: أَيْ سَبَبٌ وَمُبَاشَرَةٌ. فَالسَّبَبُ كَحَفْرِ بِئْرٍ لِلْإِهْلَاكِ وَكَالْإِكْرَاهِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْقِصَاصِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَتَقْدِيمُ الطَّعَامِ الْمَسْمُومِ إلَى الضَّيْفِ. وَاَلَّذِي لِابْنِ عَرَفَةَ: فِي الْقَوَدِ بِالْإِكْرَاهِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ رِوَايَتَانِ. وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَصَّارِ الْأُولَى فِي تَقْدِيمِ الطَّعَامِ الْمَسْمُومِ الْقَوَدُ انْتَهَى نَقَلَهُ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَتَلَ رَجُلًا بِسَقْيِ سُمٍّ قُتِلَ بِهِ. (وَرَمْيِ حَيَّةٍ عَلَيْهِ) أَصْبَغُ: مَنْ طَرَحَ عَلَى رَجُلٍ حَيَّةً مَسْمُومَةً فَمَاتَ قُتِلَ بِهِ وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ عَلَى اللَّعِبِ مِثْلُ بَعْضِ الشَّبَابِ يَطْرَحُ الْحَيَّةَ الَّتِي لَا تُعْرَفُ بِمِثْلِ هَذَا فَتَقْتُلُ فَهَذَا خَطَأٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَى قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ إنْ تَعَمَّدَهُ بِضَرْبِ لَطْمَةٍ فَمَاتَ قُتِلَ بِهِ عَدَمُ شَرْطِ أَنَّهَا قَاتِلَةٌ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: يَغْلِبُ السَّبَبُ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمُبَاشَرَةُ عُدْوَانًا كَمَا لَوْ طُرِحَ رَجُلٌ مَعَ سَبُعٍ فِي مَكَان ضَيِّقٍ وَأَمْسَكَهُ عَلَى ثُعْبَانٍ فَهَلَكَ. (وَكَإِشَارَتِهِ بِسَيْفٍ فَهَرَبَ وَطَلَبَهُ وَبَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ وَإِنْ سَقَطَ فَبِقَسَامَةٍ وَإِشَارَتُهُ فَقَطْ خَطَأً) ابْنُ شَاسٍ: وَاخْتُلِفَ فِي الْإِشَارَةِ بِالسَّيْفِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ أَشَارَ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّيْفِ وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ فَتَمَادَى بِالْإِشَارَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ يَهْرُبُ مِنْهُ فَطَلَبَهُ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ طَلَبَهُ حَتَّى سَقَطَ فَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ بِقَسَامَةِ أَنَّهُ مَاتَ خَوْفًا مِنْهُ. الْبَاجِيُّ: لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ مِنْ السَّقْطَةِ. الْبَاجِيُّ: وَلَوْ كَانَتْ إشَارَتُهُ فَقَطْ فَمَاتَ فَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَنَحْوِهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ. (وَكَالْإِمْسَاكِ لِلْقَتْلِ) مِنْ الْمُوَطَّأِ: مَنْ أَمْسَكَ رَجُلًا لِآخَرَ لِيَضْرِبَهُ فَضَرَبَهُ فَمَاتَ إنْ أَمْسَكَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ قُتِلَا مَعًا، وَإِنْ كَانَ يَرَى أَنَّهُ لَا يَقْتُلُهُ قُتِلَ الْقَاتِلُ فَقَطْ وَعُوقِبَ الْمُمْسِكُ أَشَدَّ عُقُوبَةٍ وَسُجِنَ سَنَةً. [قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ] (وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 306 (وَالْمُتَمَالَئُونَ وَإِنْ بِسَوْطٍ سَوْطٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ تَمَالَأَ جَمْعٌ عَلَى ضَرْبِ سَوْطٍ قُتِلُوا جَمِيعًا. ابْنُ عَرَفَةَ: يُرِيدُ تَمَالُؤًا عَلَى قَتْلِهِ (وَالْمُتَسَبِّبُ مَعَ الْمُبَاشِرِ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ " لَوْ اشْتَرَكَ الْمُتَسَبِّبُونَ وَالْمُبَاشِرُونَ قُتِلُوا جَمِيعًا وَاضِحٌ، دَلِيلُهُ مَسْأَلَةُ الْإِمْسَاكِ وَقَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمُحَارِبِينَ إنْ وَلِيَ رَجُلٌ مِنْ جَمَاعَةٍ قَتْلَ رَجُلٍ وَبَاقِيهِمْ عَوْنٌ لَهُ وَتَابُوا قَبْلَ أَخْذِهِمْ دُفِعُوا لِأَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ، قَتَلُوا مَنْ شَاءُوا وَعَفَوْا عَمَّنْ شَاءُوا وَأَخَذُوا الدِّيَةَ مِمَّنْ شَاءُوا. وَمِنْ الرِّسَالَةِ: وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ وَإِنْ وَلِيَ الْقَتْلَ بَعْضُهُمْ. (كَمُكْرِهٍ وَمُكْرَهٍ) الْمَازِرِيُّ: مَنْ أَكْرَهَ رَجُلًا عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ ظُلْمًا قُتِلَ الْمُبَاشِرُ إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُبِيحُ لَهُ قَتْلَ مُسْلِمٍ ظُلْمًا، وَيُقْتَلُ الْمُكْرِهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْقَاتِلَ كَآلَةٍ انْتَهَى. وَصَوَّرَ ابْنُ رُشْدٍ هُنَا سِتَّ صُوَرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الصُّورَةَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ. وَعِبَارَتُهُ فِي الَّذِينَ يَقْتُلُونَ مَعًا أَنْ قَالَ مَا نَصُّهُ: الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَأْمُرَ الرَّجُلُ عَبْدَ نَفْسِهِ بِقَتْلِ رَجُلٍ فَيَفْعَلُ فَإِنَّهُمَا يُقْتَلَانِ جَمِيعًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي ذَلِكَ كَانَ الْعَبْدُ فَصِيحًا أَوْ أَعْجَمِيًّا. وَقَالَهُ أَصْبَغُ. الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ بَعْضَ أَعْوَانِهِ بِقَتْلِ رَجُلٍ ظُلْمًا فَيَفْعَلُ، لَا خِلَافَ أَنَّهُمَا يُقْتَلَانِ مَعًا. الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَأْمُرَ الرَّجُلُ ابْنَهُ الَّذِي فِي حِجْرِهِ وَقَدْ بَلَغَ الْحُلُمَ، أَوْ الصَّانِعُ لِمُتَعَلِّمِهِ وَقَدْ بَلَغَ الْحُلُمَ، أَوْ الْمُؤَدِّبُ لِمَنْ يُؤَدِّبُهُ وَقَدْ بَلَغَ الْحُلُمَ، بِقَتْلِ رَجُلٍ فَيَفْعَلُ. اُخْتُلِفَ فِي هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ فِي سَمَاعِ يَحْيَى: يُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَيُبَالَغُ فِي عُقُوبَةِ الْآمِرِ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ سَحْنُونٍ: إنَّهُمَا يُقْتَلَانِ مَعًا انْتَهَى. فَانْظُرْ أَنْتَ هَذَا (وَكَأَبٍ أَوْ مُعَلِّمٍ أَمَرَ وَلَدًا صَغِيرًا) ابْنُ رُشْدٍ: وَالصُّورَةُ الْخَامِسَةُ أَنْ يَأْمُرَ الرَّجُلُ ابْنَهُ الَّذِي فِي حَجْرِهِ وَقَدْ رَاهَقَ الْحُلُمَ وَمِثْلُهُ يَتَنَاهَى عَمَّا يُنْهَى عَنْهُ وَالصَّانِعُ لِمُتَعَلِّمِهِ كَذَلِكَ يَعْنِي الْمُرَاهِقَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغُ الْحُلُمَ أَوْ الْمُؤَدَّبُ لِمَنْ يُؤَدِّبُهُ. كَذَلِكَ أَيْضًا فَإِنَّ الْآمِرَ يُقْتَلُ وَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ الْقَاتِلِ نِصْفُ دِيَةِ الْمَقْتُولِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. الصُّورَةُ السَّادِسَةُ: أَنْ يَكُونَ دُونَ ذَلِكَ فِي السِّنِّ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْآمِرَ يُقْتَلُ وَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ انْتَهَى. وَاَلَّذِي لِلْمُتَيْطِيِّ: إذَا أَمَرَ رَجُلٌ صَبِيًّا صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ بِقَتْلِ رَجُلٍ أَوْ بِقَتْلِ صَبِيٍّ، قُتِلَ الْآمِرُ أَبًا كَانَ أَوْ مُعَلِّمًا، وَكَانَتْ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّغِيرِ الْمَأْمُورِ الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مِمَّنْ يَعْقِلُ وَهُوَ دُونَ الْحُلُمِ أُدِّبَ وَلَمْ يُقْتَلْ وَكَانَ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ الْمَأْمُورِ الدِّيَةُ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ " كَانَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ " وَقَدْ تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ نِصْفُ الدِّيَةِ وَكَذَا قَالَ الْمَازِرِيُّ (وَسَيِّدٌ أَمَرَ عَبْدًا مُطْلَقًا) تَقَدَّمَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ السَّيِّدَ وَالْعَبْدَ يُقْتَلَانِ مَعًا، كَانَ الْعَبْدُ فَصِيحًا أَوْ أَعْجَمِيًّا. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْآمِرَ يُقْتَلُ دُونَ الصَّبِيِّ الْمَأْمُورِ. اُنْظُرْ أَنْتَ عِبَارَةَ خَلِيلٍ (فَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْمَأْمُورُ اُقْتُصَّ مِنْهُ فَقَطْ) ابْنُ رُشْدٍ: الصُّورَةُ الْأُولَى أَنْ يَأْمُرَ الرَّجُلُ رَجُلًا آخَرَ أَوْ عَبْدًا لِغَيْرِهِ بِقَتْلِ رَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ، لَا خِلَافَ أَنَّهُ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَيُضْرَبُ الْآمِرُ مِائَةً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 307 وَيُسْجَنُ سَنَةً انْتَهَى. وَانْظُرْ أَنْتَ الصُّورَةَ الرَّابِعَةَ هَلْ تَدْخُلُ لِخَلِيلٍ هُنَا. اُنْظُرْهَا قَبْلَ قَوْلِهِ " وَكَأَبٍ ". (وَعَلَى شَرِيكِ الصَّبِيِّ الْقِصَاصُ إنْ تَمَالَآ عَلَى قَتْلِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَتَلَ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ رَجُلًا عَمْدًا قُتِلَ الرَّجُلُ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إذَا تَعَمَّدَا جَمِيعًا قَتْلَهُ وَتَعَاقَدَا عَلَيْهِ وَتَعَاوَنَا عَلَيْهِ. (لَا شَرِيكِ مُخْطِئٍ وَمَجْنُونٍ) نَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ حُكْمَ الْمَجْنُونِ كَحُكْمِ الْمُخْطِئِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْعَامِدِ إذَا شَرَكَهُ صَبِيٌّ أَوْ أَبٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مُخْطِئٌ أَوْ مَنْ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ سِتَّةُ أَقْوَالٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ كَانَتْ رَمْيَةُ الصَّبِيِّ خَطَأً وَرَمْيَةُ الرَّجُلِ عَمْدًا وَمَاتَ مِنْهُمَا مَعًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ عَلَيْهِمَا مَعًا لِأَنِّي لَا أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا مَاتَ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ نِصْفَ الدِّيَةِ عَلَى الرَّجُلِ فِي مَالِهِ. مُحَمَّدٌ: وَإِنْ قَتَلَ رَجُلَانِ رَجُلًا أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً، قُتِلَ الْمُتَعَمِّدُ وَعَلَى الْمُخْطِئِ نِصْفُ الدِّيَةِ. (وَهَلْ يُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكِ سَبُعٍ وَجَارِحِ نَفْسِهِ وَحَرْبِيٍّ وَمَرِيضٍ بَعْدَ الْجُرْحِ أَوْ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ قَوْلَانِ) هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَانْظُرْ شَرِيكَ الْهَدْمِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى فِيمَنْ جُرِحَ ثُمَّ ضَرَبَتْهُ دَابَّةٌ فَمَاتَ فَلَا يُدْرَى مِنْ أَيِّ ذَلِكَ مَاتَ قَالَ: نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَارِحِ. قِيلَ بِقَسَامَةٍ؟ قَالَ: وَكَيْفَ يَقْسِمُ فِي نِصْفِ الدِّيَةِ،؟ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إذَا جَرَحَهُ رَجُلٌ ثُمَّ ضَرَبَتْهُ دَابَّةٌ أَوْ وَقَعَ مِنْ فَوْقِ جِدَارٍ فَأَصَابَتْهُ جِرَاحٌ أُخَرُ ثُمَّ مَاتَ فَلَا يُدْرَى مِنْ أَيِّ ذَلِكَ مَاتَ. فَلَهُمْ أَنْ يَقْسِمُوا لَمَاتَ مِنْ جُرْحِ الْجَارِحِ وَهُوَ كَمَرَضِ الْمَجْرُوحِ بَعْدَ الْجُرْحِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا مَرِضَ الْمَجْرُوحُ فَمَاتَ فَلِيُقْسَمُوا لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ كَانَ إنَّمَا طَرَحَهُ إنْسَانٌ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ بَعْدَ جَرْحِ الْأَوَّلِ أَقْسَمُوا عَلَى أَيِّهِمْ شَاءُوا، عَلَى الْجَارِحِ أَوْ الطَّارِحِ، وَقَتَلُوهُ وَضُرِبَ الْآخَرُ مِائَةً وَسُجِنَ عَامًا. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَرَاجِعْ أَنْتَ ابْنَ عَرَفَةَ وَنَقْلُهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مَعْنَى مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ أَنَّ جُرْحَ الرَّجُلِ وَضَرْبَ الدَّابَّةِ كَانَ مَعًا وَمَاتَ مِنْ حِينِهِ، فَحُمِلَ أَمْرُهُ عَلَى مَوْتِهِ مِنْ الْآمِرِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ مِنْهُمَا احْتِمَالًا وَاحِدًا لَا يُمْكِنُ تَغْلِيبُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَوْلُهُ فِيمَنْ شُجَّ مُوضِحَةً فَتَأَخَّرَ بُرْؤُهُ حَتَّى سَقَطَ عَلَيْهِ جِدَارٌ وَمَاتَ مِنْهُ أَوْ قُتِلَ لَهُ نِصْفُ عَقْلِ الْمُوضِحَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا عِنْدِي لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى لَعَلَّهُ مَاتَ مِنْ الْمُوضِحَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي تَعْلِيلِهِ نَظَرٌ رَاجِعْهُ فِيهِ. (وَإِنْ تَصَادَمَا أَوْ تَجَاذَبَا مُطْلَقًا قَصْدًا فَمَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَالْقَوَدُ) قَالَ مَالِكٌ: إذَا اصْطَدَمَ فَارِسَانِ فَمَاتَ الْفَرَسَانِ وَالرَّاكِبَانِ، فَدِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ، وَقِيمَةُ فَرَسِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي مَالِ الْآخَرِ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ حُرًّا وَعَبْدًا اصْطَدَمَا فَمَاتَا جَمِيعًا فَقِيمَةُ الْعَبْدِ فِي مَالِ الْحُرِّ، وَدِيَةُ الْحُرِّ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ يَتَقَاصَّانِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الْعَبْدِ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ كَانَ الزَّائِدُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ فِي مَالِ الْحُرِّ، وَإِنْ كَانَتْ دِيَةُ الْحُرِّ أَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ عَلَى السَّيِّدِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. وَقَالَ فِي رَجُلَيْنِ اصْطَدَمَا وَهُمَا يَحْمِلَانِ جَرَّتَيْنِ فَانْكَسَرَتَا، غَرِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ انْكَسَرَتْ إحْدَاهُمَا غَرِمَ ذَلِكَ لَهُ صَاحِبُهُ. قَالَ مَالِكٌ فِي السَّفِينَتَيْنِ تَصْطَدِمَانِ فَتَغْرَقُ إحْدَاهُمَا بِمَا فِيهَا، فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 308 الرِّيحَ تَغْلِبُهُمْ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّوَاتِيَّةِ لَوْ أَرَادُوا صَرْفَهَا قَدَرُوا فَيَضْمَنُوا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ قَدَرُوا عَلَى حَبْسِهَا إلَّا أَنَّ فِيهَا هَلَاكَهُمْ وَغَرَقَهُمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا، فَلْيَضْمَنْ عَوَاقِلُهُمْ دِيَاتِهِمْ وَيَضْمَنُوا الْأَمْوَالَ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَطْلُبُوا نَجَاتَهُمْ بِغَرَقِ غَيْرِهِمْ. وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَرَوْهُمْ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَهُمْ لَوْ رَأَوْهُمْ لَقَدَرُوا عَلَى صَرْفِهَا فَهُمْ ضَامِنُونَ لِمَا فِي السَّفِينَةِ وَدِيَةُ مَنْ مَاتَ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ، وَلَكِنْ لَوْ غَلَبَتْهُمْ الرِّيحُ أَوْ غَفَلُوا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُصْطَدِمُونَ رَاكِبَيْنِ أَوْ مَاشِيَيْنِ أَوْ بَصِيرَيْنِ أَوْ ضَرِيرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا ضَرِيرًا وَبِيَدِهِ عَصًا، وَإِنْ تَعَمَّدَ الِاصْطِدَامَ فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ فِيهِ حُكْمُ الْقِصَاصِ، وَلَوْ كَانَا صَبِيَّيْنِ رَكِبَا بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ أَرْكَبَهُمَا أَوْلِيَاؤُهُمَا فَالْحُكْمُ فِيهِمَا كَمَا فِي الْبَالِغَيْنِ إلَّا فِي الْقِصَاصِ. وَلَوْ جَذَبَا حَبْلًا فَانْقَطَعَ فَتَلِفَ فَكَاصْطِدَامِهِمَا، وَإِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَاهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَجْمُوعَةِ إنْ اصْطَدَمَ فَرَسَانِ فَمَرَّ أَحَدُهُمَا عَلَى صَبِيٍّ فَقَطَعَ أُصْبُعَهُ ضَمِنَاهُ. اُنْظُرْ هُنَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ الْقِصَاصُ مِنْ قَتْلِ خَارِجَةَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ لِإِثْبَاتِ قَوْلِهِ أَرَدْت عَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ خَارِجَةَ. وَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا يَظُنُّهُ غَيْرَهُ مِمَّنْ لَوْ قَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِصَاصٌ، وَمَنْ رَمَى رَجُلًا بِحَجَرٍ فَاتَّقَاهَا الْمُرْمَى عَلَيْهِ فَقَتَلَتْ آخَرَ كَمَا لَوْ هَرَبَ أَمَامَ الْقَاتِلِ فَسَقَطَ عَلَى طِفْلٍ فَقَتَلَهُ كَالْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ تَعَلَّقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَسَقَطُوا عَلَى الْأَسَدِ فَقَتَلَهُمْ (وَحُمِلَا عَلَيْهِ عَكْسُ السَّفِينَتَيْنِ إلَّا لِعَجْزٍ حَقِيقِيٍّ إلَّا كَخَوْفِ غَرَقٍ أَوْ ظُلْمَةٍ) قَدْ تَقَدَّمَ جَمِيعُ مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي اصْطِدَامِ السَّفِينَتَيْنِ وَالرَّاكِبِينَ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ اصْطَدَمَ فَارِسَانِ عَمْدًا فَأَحْكَامُ الْقِصَاصِ وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ دِيَةُ الْآخَرِ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ اصْطَدَمَ سَفِينَتَانِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 309 فَلَا ضَمَانَ بِشَرْطِ الْعَجْزِ عَنْ الصَّرْفِ، وَالْمُعْتَبَرُ الْعَجْزُ حَقِيقَةً لَا لِخَوْفِ غَرَقٍ أَوْ ظُلْمَةٍ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يُوهِمُ أَنَّ حُكْمَ الْفَارِسَيْنِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ السَّفِينَتَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْفَارِسَيْنِ إذَا جَمَحَ بِهِمَا فَرَسَاهُمَا فَكَانَ تَلَفٌ لَمْ يَضْمَنَا إلَّا أَنَّ الْفَرَسَيْنِ إذَا جُهِلَ أَمْرُهُمَا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُمَا قَادِرَانِ عَلَى إمْسَاكِهِمَا وَفِي السَّفِينَتَيْنِ عَلَى الْعَجْزِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُهُ " إذَا جَمَحَ الْفَرَسُ وَلَمْ يَقْدِرْ رَاكِبُهُ عَلَى صَرْفِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ " يُرَدُّ بِقَوْلِهَا إنْ جَمَحَتْ دَابَّةٌ بِرَاكِبِهَا فَوَطِئَتْ إنْسَانًا فَهُوَ ضَامِنٌ، وَبِقَوْلِهَا إنْ كَانَ فِي رَأْسِ الْفَرَسِ اعْتِزَامٌ فَحَمَلَ بِصَاحِبِهِ فَاصْطَدَمَ فَصَاحِبُهُ ضَامِنٌ لِأَنَّ سَبَبَ جَمْحِهِ مِنْ رَاكِبِهِ وَفِعْلَهُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا نَفَرَ مِنْ شَيْءٍ مَرَّ بِهِ فِي الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ رَاكِبِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (وَإِلَّا فَدِيَةُ كُلٍّ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ وَفَرَسُهُ فِي مَالِ الْآخَرِ كَثَمَنِ الْعَبْدِ) تَقَدَّمَ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ إنْ لَمْ يَصْدِمَا قَصْدًا وَكَيْفَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ يُونُسَ اصْطِدَامَهُمَا قَصْدًا وَهُنَا كَانَ يَنْبَغِي نَقْلُ كَلَامِهِ، لَكِنْ أَرَدْت تَقْدِيمَ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ. (وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمُبَاشِرُ فَفِي الْمُمَالَأَةِ يُقْتَلُ الْجَمِيعُ وَإِلَّا قُدِّمَ الْأَقْوَى) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَالْمُتَمَالَئُونَ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ " وَالْمُتَسَبِّبُ مَعَ الْمُبَاشِرِ " ذُكِرَ هُنَاكَ إذَا كَانَ الْمُتَمَالِئُونَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ، وَذُكِرَ هُنَا إذَا طَرَأَتْ مُبَاشَرَةٌ ثُمَّ أُخْرَى، قَالَ ابْنُ شَاسٍ: إذَا طَرَأَتْ مُبَاشَرَةٌ عَلَى مُبَاشَرَةٍ قُدِّمَ الْأَقْوَى. فَلَوْ جَرَحَ الْأَوَّلُ وَحَزَّ الثَّانِي الرَّقَبَةَ فَالْقَوَدُ عَلَى الثَّانِي، فَلَوْ أَنْفَذَ الْأَوَّلُ الْمَقَاتِلَ ثُمَّ أَجْهَزَ عَلَيْهِ آخَرُ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْأَوَّلِ خَاصَّةً بِغَيْرِ قَسَامَةٍ وَيُبَالَغُ فِي عُقُوبَةِ الثَّانِي. سَحْنُونَ: لَوْ قَطَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ وَالْآخَرُ رِجْلَهُ وَضَرَبَ الْآخَرُ عُنُقَهُ، قُتِلَ الْقَاتِلُ وَقُطِعَ الْقَاطِعَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ أَنْفَذَ أَحَدُهُمَا مَقَاتِلَهُ وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ الْآخَرُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى: يُقْتَلُ الْأَوَّلُ وَيُعَاقَبُ الثَّانِي. وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ عَكْسَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَتْلُ الْأَوَّلِ أَظْهَرُ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي هُوَ الَّذِي يُقْتَلُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ مَعْدُودًا فِي جُمْلَةِ الْأَحْيَاءِ يَرِثُ وَيُوصِي. وَعَنْ سَحْنُونٍ: إنَّ وَصِيَّةَ مَنْ أَنْفَذَتْ مَقَاتِلُهُ لَا تَجُوزُ، فَعَلَى قَوْلِهِ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ. وَقِيَاسُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقْتَلُ بِهِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ. وَلَهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى أَنَّهُ يَرِثُ وَيُورَثُ، فَيَتَحَصَّلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالِ ثَالِثُهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْمُوَارَثَةِ وَهِيَ أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ. (وَلَا يَسْقُطُ الْقَتْلُ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 310 بِزَوَالِهَا بِعِتْقٍ أَوْ إسْلَامٍ وَضَمِنَ وَقْتَ الْإِصَابَةِ وَالْمَوْتِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا صَادَفَ الْقَتْلُ تَكَافُؤَ الدِّمَاءِ لَمْ يَسْقُطْ بِزَوَالِهِ كَالْكَافِرِ يُسْلِمُ وَالْعَبْدِ يَعْتِقُ، فَلَوْ زَالَ بَيْنَ حُصُولِ الْمُوجِبِ وَوُصُولِ الْأَثَرِ كَعِتْقِ أَحَدِهِمَا أَوْ إسْلَامِهِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ وَبَعْدَ الْجَرْحِ وَقَبْلَ الْمَوْتِ. فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْمُعْتَبَرُ فِي الضَّمَانِ وَقْتَ الْإِصَابَةِ وَحَالَ الْمَوْتِ كَمَا لَوْ رَمَى صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَ ثُمَّ أَصَابَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ " لَا زَائِدَ حُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ حِينَ الْقَتْلِ " وَقَوْلُهُ " مُكَلَّفٌ مَعْصُومٌ لِلتَّلَفِ وَالْإِصَابَةِ " وَأَجَّلْت الْكَلَامَ عَلَى الْفَرْعَيْنِ إلَى التَّكَلُّمِ عَلَى هَذَا الْفَرْعِ، وَقَدْ عَقَدَ ابْنُ شَاسٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَصْلًا فَقَالَ: فَصْلٌ فِي تَغْيِيرِ الْحَالِ مِنْ الرَّمْيِ وَالْجَرْحِ وَبَيْنَ الْجَرْحِ وَالْمَوْتِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: نَفْيُ التَّكَافُؤِ إثْرَ الْقَتْلِ لَغْوٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ بَعْدَ قَتْلِهِ نَصْرَانِيًّا قُتِلَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ وَلِيٌّ فَالْعَفْوُ عَنْهُ أَحَبُّ إلَيَّ. ابْنُ رُشْدٍ: اُسْتُحِبَّ الْعَفْوُ عَنْهُ لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ يَقْتُلُ مُسْلِمًا لَا وَلِيَّ لَهُ إلَّا الْمُسْلِمُونَ لَا يَجُوزُ عَفْوُ الْإِمَامِ عَنْهُ مَجَّانًا لِأَنَّهُ نَاظِرٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَهُوَ كَالْوَصِيِّ عَلَى الصَّغِيرِ لَا يَجُوزُ عَفْوُهُ مَجَّانًا، وَيَجُوزُ عَفْوُهُ نَظَرًا لِلْيَتِيمِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا جُرِحَ النَّصْرَانِيُّ أَوْ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ ثُمَّ أَسْلَمَ هَذَا وَعَتَقَ هَذَا وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، فَإِنْ كَانَ لِلنَّصْرَانِيِّ أَوْلِيَاءٌ مُسْلِمُونَ أَوْ لِلْعَبْدِ أَوْلِيَاءٌ أَحْرَارٌ أَقْسَمُوا مَعَ قَوْلِهِ وَاسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ فِي مَالِ الْجَانِي وَلَا قَوَدَ فِيهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَسْلَمَ نَصْرَانِيٌّ بَعْدَ أَنْ جُرِحَ فَمَاتَ فَفِيهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ فِي مَالِ الْجَانِي حَالَّةً. أَشْهَبُ: إنَّمَا عَلَيْهِ دِيَةُ نَصْرَانِيٍّ إنَّمَا النَّظَرُ لِوَقْتِ الضَّرْبَةِ لَا لِلْمَوْتِ، أَلَا تَرَى لَوْ قَطَعَ مُسْلِمٌ يَدَ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ فَمَاتَ مُرْتَدًّا أَوْ قُتِلَ، أَنَّ الْقِصَاصَ فِي قَطْعِ الْيَدِ ثَابِتٌ عَلَى الْجَانِي انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 311 يَجْعَلْ حُكْمَهُ حُكْمَ الْمُسْلِمِ فَيَكُونُ فِيهِ الْقَوَدُ، وَلَمْ يَجْعَلْ حُكْمَهُ حُكْمَ نَصْرَانِيٍّ فَيَكُونُ عَلَيْهِ دِيَةُ نَصْرَانِيٍّ. فَانْظُرْهُ مَعَ قَوْلِهِمْ " وَضَمِنَ وَقْتَ الْمَوْتِ " ثُمَّ نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فُرُوعًا ثُمَّ قَالَ: لَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ ثُمَّ نَزَا بِهِ فَمَاتَ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنْ لَا قَوَدَ فِيهِ لِأَنَّهُ صَارَ إلَى مَا أَحَلَّ دَمَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَدْ تَقَدَّمَ لِأَشْهَبَ أَنَّ الْقِصَاصَ فِي الْجَرْحِ ثَابِتٌ. وَانْظُرْ لَوْ رَمَى عَبْدٌ رَجُلًا بِسَهْمٍ فَعَتَقَ قَبْلَ وُصُولِ السَّهْمِ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: الِاعْتِبَارُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِحَالِ الْإِصَابَةِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ: فَعَلَى هَذَا الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: الْجِنَايَةُ فِي رَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ حِينَ الرَّمْيَةِ فَجُعِلَ الْحُكْمُ بِخُرُوجِ الرَّمْيَةِ. وَانْظُرْ عَكْسَ هَذَا لَوْ رَمَى حُرٌّ عَبْدًا فَعَتَقَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ تَجِبُ دِيَةُ حُرٍّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَلَى الْأَصْلِ الثَّانِي قِيمَةُ عَبْدٍ مِنْ ابْنِ شَاسٍ، وَانْظُرْ لَوْ رَمَى مُسْلِمٌ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ قَبْلَ وُصُولِ الرَّمْيَةِ فَقَتَلَهُ أَوْ جَرَحَهُ فَعَلَيْهِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ مَاتَ الدِّيَةُ حَالَّةً فِي مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ فَدِيَةُ الْجَرْحِ فِي مَالِهِ، وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَأَشْهَبَ لَا قِصَاصَ عَلَى الرَّامِي لِأَنَّهُ رَمَى فِي وَقْتٍ لَا قَوَدَ فِيهِ وَلَا عَقْلَ. وَانْظُرْ لَوْ رَمَى عَبْدَ نَفْسِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ قَبْلَ إصَابَتِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الدِّيَةُ عَلَيْهِ، وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَانْظُرْ إذَا رَمَى مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ أَصَابَ سَهْمُهُ رَجُلًا خَطَأً فَقَالَ سَحْنُونَ: أَنَا وَإِنْ كُنْت أَعْتَبِرُ وَقْتَ الرَّمْيِ فَأَقُولُ فِي هَذِهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعَاقِلَةِ وَقْتَ الرَّمْيِ إذْ لَا عَاقِلَةَ لِلْمُرْتَدِّ فَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الدِّيَةِ يَوْمَ تُفْرَضُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَهَاهُنَا لَمْ يُحْكَمْ فِيهَا حَتَّى أَسْلَمَ وَلَهُ وَقْتَ الْإِسْلَامِ عَاقِلَةٌ، وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: أَجْمَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ إنْ جَنَى خَطَأً ثُمَّ أَسْلَمَ أَنَّ عَاقِلَتَهُ تَحْمِلُ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ هَذَا عِنْدَهُمْ. وَانْظُرْ لَوْ رَمَى مُسْلِمٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ قَبْلَ وُصُولِ الرَّمْيَةِ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَفِيهِ دِيَةُ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَفِي قَوْلِ أَشْهَبَ دِيَتُهُ دِيَةُ نَصْرَانِيٍّ. وَانْظُرْ لَوْ جَنَى مُسْلِمٌ عَلَى نَصْرَانِيٍّ فَتَمَجَّسَ النَّصْرَانِيُّ ثُمَّ نَزَا فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ فَعَلَيْهِ دِيَةُ مَجُوسِيٍّ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَدِيَةُ نَصْرَانِيٍّ فِي قَوْلِ أَشْهَبَ. وَلَوْ كَانَ مَجُوسِيًّا ثُمَّ تَهَوَّدَ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ دِيَةُ يَهُودِيٍّ وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ دِيَةُ مَجُوسِيٍّ. [الْجِنَايَة عَلَى الْأَطْرَاف] (وَالْجُرْحُ كَالنَّفْسِ فِي الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ إلَّا نَاقِصًا جَرَحَ كَامِلًا) ابْنُ شَاسٍ: النَّظَرُ فِي الْقِصَاصِ فِي نَوْعَيْنِ: فِي النَّفْسِ وَالطَّرَفِ. فَتَكَلَّمَ عَلَى النَّفْسِ ثُمَّ قَالَ: النَّوْعُ الثَّانِي فِي الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَذَلِكَ فِي شَرْطِ الْقَطْعِ وَالْقَاطِعِ وَالْمَقْطُوعِ مَا ذَكَرْنَا فِي شُرُوطِ الْقَتْلِ وَالْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ: وَعَقْدُ الْبَابِ أَنَّ كُلَّ شَخْصَيْنِ يَجْرِي بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ فِي النُّفُوسِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَجْرِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 312 فِي الْأَطْرَافِ قَالَ: فَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا يُقْتَصُّ لَهُ مِنْ الْآخَرِ وَلَا يُقْتَصُّ لِآخَرَ مِنْهُ فِي النَّفْسِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْتَصُّ فِي الْأَطْرَافِ وَإِنْ كَانَ يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي النَّفْسِ كَالْعَبْدِ يَقْتُلُ الْحُرَّ وَالْكَافِرُ يَقْتُلُ الْمُسْلِمَ يُقْتَلَانِ، وَلَوْ قَطَعَ الْعَبْدُ أَوْ الْكَافِرُ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُمَا فِي الْأَطْرَافِ وَإِنْ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مُتَعَلَّقُ الْجِنَايَةِ غَيْرُ نَفْسٍ وَإِنْ أَبَانَتْ بَعْضَ الْجِسْمِ فَقُطِعَ وَإِلَّا فَإِنْ أَزَالَتْ اتِّصَالَ عَظْمٍ لَمْ يَبْقَ فَكُسِرَ، فَإِنْ أَثَّرَتْ فِي الْجِسْمِ فَجُرْحٌ وَإِلَّا فَإِتْلَافُ مَنْفَعَةٍ، وَالْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ لَا فِي النَّفْسِ إلَّا فِي جِنَايَةِ أَدْنَى عَلَى أَعَلَا، فَلَوْ قَطَعَ عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ حُرًّا مُسْلِمًا فَطُرُقٌ الْبَاجِيِّ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ لَا قِصَاصَ وَتَلْزَمُ الدِّيَةُ (وَإِنْ تَمَيَّزَتْ جِنَايَاتٌ بِلَا تَمَالُؤٍ فَمِنْ كُلٍّ كَفِعْلِهِ) سَحْنُونَ: لَوْ قَطَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ اُنْظُرْهُ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمُبَاشِرُ ". (وَاقْتُصَّ مِنْ مُوضِحَةٍ أَوْضَحَتْ عَظْمَ الرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ وَالْخَدَّيْنِ وَإِنْ كَإِبْرَةٍ وَسَابِقِهَا مِنْ دَامِيَةٍ وَخَارِصَةٍ شَقَّتَا الْجِلْدَ وَسِمْحَاقٍ كَشَطَتْهُ وَبَاضِعَةٍ شَقَّتْ اللَّحْمَ وَمُتَلَاحِمَةٍ غَاصَتْ فِيهِ بِمُتَعَدِّدٍ وَمِلْطَأَةٍ قَرُبَتْ لِلْعَظْمِ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: الْجِرَاحُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ تَتَأَتَّى فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ كَالدَّامِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا إلَى الْمُوضِحَةِ، وَقَطْعِ الْأَطْرَافِ وَقَلْعِ الْعَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْضَاءِ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: كُلُّ هَذِهِ الشِّجَاجِ الْمُرَادُ بِهَا مَا كَانَ فِي الرَّأْسِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي الْجِرَاحِ مَا قَبْلَ الْهَاشِمَةِ الْقَوَدُ. ابْنُ شَاسٍ: وَلَا قِصَاصَ فِيمَا بَعْدَ الْمُوضِحَةِ. عِيَاضٌ: أَوْلَاهَا الْحَارِصَةُ وَهِيَ مَا حَرَصَ الْجِلْدَ أَيْ شَقَّهُ وَتُسَمَّى الدَّامِيَةُ لِأَنَّهَا تُدْمِي، وَالدَّامِعَةُ لِأَنَّ الدَّمَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 313 يَدْمَعُ مِنْهَا. وَقِيلَ: الدَّامِيَةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا تَخْدِشُ فَتُدْمِي وَلَا تَشُقُّ الْجِلْدَ، ثُمَّ الْخَارِصَةُ لِأَنَّهَا شَقَّتْ الْجِلْدَ. وَقِيلَ: هِيَ السِّمْحَاقُ كَأَنَّهَا جَعَلَتْ الْجِلْدَ كَسَمَاحِيقَ السَّحَابِ، ثُمَّ الدَّامِعَةُ لِأَنَّهَا دَمُهَا كَالدَّمْعِ، ثُمَّ الْبَاضِعَةُ. ابْنُ شَاسٍ: وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ، ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَغُوصُ فِي اللَّحْمِ غَوْصًا بَالِغًا وَتَقْطَعُهُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ. عِيَاضٌ: وَهِيَ الَّتِي أَخَذَتْ فِي اللَّحْمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. ثُمَّ الْمِلْطَاةُ وَهِيَ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَظْمِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَهُ قَلِيلٌ مِنْ اللَّحْمِ. وَقِيلَ: هِيَ السِّمْحَاقُ. ثُمَّ الْمُوضِحَةُ وَهِيَ الَّتِي كَشَفَتْ عَنْ الْعَظْمِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: حَدُّ الْمُوضِحَةِ مَا أَفْضَى إلَى الْعَظْمِ وَلَوْ بِقَدْرِ إبْرَةٍ وَعَظْمُ الرَّأْسِ مَحَلُّهَا، وَحَدُّ ذَلِكَ مُنْتَهَى الْجُمْجُمَةِ، وَمُوضِحَةُ الْخَدِّ كَالْجُمْجُمَةِ. ابْنُ شَاسٍ: الْمُوضِحَةُ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ مِنْ الرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ. عِيَاضٌ: ثُمَّ الْهَاشِمَةُ مَا هَشَّمَتْ الْعَظْمَ. (كَضَرْبَةِ السَّوْطِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي ضَرْبَةِ السَّوْطِ الْقَوَدُ بِخِلَافِ اللَّطْمَةِ فَلَا قَوَدَ فِيهَا. (وَجِرَاحِ الْجَسَدِ وَإِنْ مُنَقِّلَةً) لَوْ قَالَ: " وَإِنْ هَاشِمَةً " لَتَنَزَّلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُنَقِّلَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: فِي جِرَاحِ الْجَسَدِ مِنْ الْهَاشِمَةِ وَغَيْرِهَا الْقَوَدُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَعْظُمَ الْخَطَرُ كَعِظَامِ الصَّدْرِ وَالْعُنُقِ وَالصُّلْبِ وَالْفَخِذِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: فِي عِظَامِ الْجَسَدِ الْقَوَدُ كَالْهَاشِمَةِ لَا الْمُجَوَّفِ كَالْفَخِذِ وَشَبَهِهِ، وَرَبِيعَةُ يَرَى الْقَوَدَ فِي كُلِّ جُرْحٍ وَلَوْ كَانَ مُتْلِفًا. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قَطَعَ بَضْعَةً مِنْ لَحْمِهِ فَفِيهَا الْقَوَدُ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُرِيدُ بِشَرْطِ الْمُمَاثَلَةِ مَحَلًّا وَقَدْرًا. (بِالْمِسَاحَةِ) ابْنُ حَارِثٍ: اتَّفَقَا فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ فِي الْجَسَدِ أَنَّ الْقِصَاصَ مِنْهَا عَلَى قَدْرِ الْجُرْحِ فِي طُولِهِ وَعُمْقِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مُوضِحَةً فِي الرَّأْسِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْقَوَدُ عَلَى قَدْرِ الْمُوضِحَةِ (إنْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ) ابْنُ الْحَاجِبِ: تُشْتَرَطُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمَحَلِّ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، فَلَا تُقْطَعُ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى، وَلَا الثُّنَائِيَّةُ بِالرَّبَاعِيَةِ، وَتَتَعَيَّنُ عِنْدَ عَدَمِهِ الدِّيَةُ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْأُنْمُلَةَ تُقْطَعُ بِالْأُنْمُلَةِ كَانَتْ أَطْوَلَ أَوْ أَقْصَرَ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الْجِرَاحِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَدِيمًا: إنَّمَا يُقَادُ بِقَدْرِ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَإِنْ أَوْعَبَ رَأْسَ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ، يُرِيدُ وَلَوْ لَمْ يَعِبْ بِالْقِيَاسِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ. الْبَاجِيُّ: عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ قَصُرَ رَأْسُ الْجَانِي عَنْ قَدْرِ الشَّقِّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى الرَّأْسَ إلَى الْجَبْهَةِ وَلَا الذِّرَاعَ إلَى الْعَضُدِ وَلَا قَوَدَ فِي الْبَاقِي وَلَا دِيَةَ. (كَطَبِيبٍ زَادَ عَمْدًا وَإِلَّا فَالْعَقْلُ) فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَا زَادَ الطَّبِيبُ فِي الْقَوَدِ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَفْهُومُهُ إنْ زَادَ عَمْدًا فَالْقِصَاصُ وَهُوَ وَاضِحٌ مِنْ إطْلَاقِ الرِّوَايَاتِ. (كَيَدٍ شَلَّاءَ عَدِمَتْ النَّفْعَ بِصَحِيحَةٍ وَبِالْعَكْسِ) ابْنُ شَاسٍ: لَا تُقْطَعُ الشَّلَّاءُ بِالصَّحِيحَةِ، وَلَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ، وَإِنْ قَنَعَ بِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بِهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 314 انْتِفَاعٌ، وَلَا يُضَمُّ إلَيْهَا أَرْشٌ. وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ قَالَ أَشْهَبُ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا إنْ كَانَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ إلَّا أَنَّ بِهَا شَلَلًا بَيِّنًا وَهُوَ يَنْتَفِعُ بِهَا فَرَضِيَ أَنْ يَسْتَقِيدَ مِنْ هَذِهِ النَّاقِصَةِ وَلَهُ فِيهَا اسْتِمْتَاعٌ، فَذَلِكَ لَهُ لِأَنَّهَا تُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا مَنْفَعَةٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَالْيَدُ الشَّلَّاءُ يَقْطَعُهَا رَجُلٌ صَحِيحٌ فَلَا قِصَاصَ فِيهَا (وَعَيْنِ أَعْمَى وَلِسَانِ أَبْكَمَ) ابْنُ شَاسٍ: الذَّكَرُ الْمَقْطُوعُ الْحَشَفَةِ وَالْحَدَقَةُ الْعَمْيَاءُ وَلِسَانُ الْأَبْكَمِ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ. (وَمَا بَعْدَ الْمُوضِحَةِ مِنْ مُنَقِّلَةٍ أَطَارَتْ فِرَاشَ الْعَظْمِ مِنْ الدَّوَاءِ وَآمَّةٍ أَفَضْت لِلدِّمَاغِ وَدَامِغَةٍ خَرَطَتْ خَرِيطَتَهُ) قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: مِنْ شَرْطِ الْقِصَاصِ أَنْ يَكُونَ الْجُرْحُ لَا يَعْظُمُ الْخَطَرُ فِيهِ وَلَا يَغْلِبُ وَالْخَوْفُ مِنْهُ عَلَى النَّفْسِ كَالْمُوضِحَةِ فَمَا قَبْلَهَا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَغْلِبُ وَيَغْلِبُ خَطَرُهُ فَلَا قِصَاصَ، وَفِيهِ الدِّيَةُ حَالَّةً فِي مَالِ الْجَانِي، وَذَلِكَ كَالْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ عَلَى خِلَافٍ فِيهَا خَاصَّةً. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا قَوَدَ فِي الْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ. وَالْمُنَقِّلَةُ مَا أَطَارَ فِرَاشَ الْعَظْمِ وَإِنْ صَغُرَ. عِيَاضٌ: الْمُنَقِّلَةُ مَا كَسَرَتْ الْعَظْمَ فَيُفْتَقَرُ إلَى إخْرَاجِ بَعْضِ عِظَامِهَا لِإِصْلَاحِهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهَا " وَإِنْ مُنَقِّلَةً " أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فِي الرَّأْسِ، وَالْمَأْمُومَةُ هِيَ الَّتِي أَفَضْت إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ وَهِيَ تَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ، وَالْجَائِفَةُ هِيَ الَّتِي نَفَذَتْ إلَى الْجَوْفِ وَهِيَ تَخْتَصُّ بِهِ. التَّلْقِينُ: يُقَالُ فِي الْمَأْمُومَةِ الْآمَّةُ. ابْنُ شَاسٍ: وَهِيَ الْبَالِغَةُ إلَى أُمِّ الرَّأْسِ، وَالدَّامِغَةُ الْخَارِقَةُ لِخَرِيطَةِ الدِّمَاغِ. (كَلَطْمَةٍ وَشُفْرِ عَيْنِ حَاجِبٍ وَلِحْيَةٍ وَعَمْدُهُ كَالْخَطَأِ إلَّا فِي الْأَدَبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا قَوَدَ فِي اللَّطْمَةِ قَالَ: وَلَيْسَ فِي جُفُونِ الْعَيْنِ وَأَشْفَارِهَا إلَّا الِاجْتِهَادُ. الْبَاجِيُّ: وَمَنْ نَتَفَ لِحْيَةَ رَجُلٍ أَوْ رَأْسَهُ أَوْ شَارِبَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِيهِ الْأَدَبُ. قَالَ الْمُغِيرَةُ: وَلَا قِصَاصَ فِيهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 315 لَا قِصَاصَ فِي اللِّحْيَةِ وَأَشْفَارِ الْعَيْنِ وَهُوَ كَالْخَطَأِ إلَّا الْأَدَبُ. (وَلَا أَنْ يَعْظُمَ الْخَطَرُ فِي غَيْرِهَا كَعَظْمِ الصَّدْرِ) وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَجِرَاحُ الْجَسَدِ ". وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَعْظُمُ الْخَطَرُ فِيهِ كَائِنًا مَا كَانَ (وَفِيهَا أَخَافُ فِي رَضِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَنْ يَتْلَفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قِيلَ: فَإِنْ أَخْرَجَ الْأُنْثَيَيْنِ أَوْ رَضَّهُمَا عَمْدًا قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فِيهِمَا الْقِصَاصُ. وَلَا أَدْرِي مَا قَوْلُهُ فِي الرَّضِّ إلَّا أَنِّي أَخَافُ أَنَّهُ مُتْلِفٌ، فَإِنْ كَانَ مُتْلِفًا فَلَا قَوَدَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مُتْلِفٍ. أَشْهَبُ: إنْ قُطِعَتَا أَوْ أُخْرِجَتَا فَفِيهِمَا الْقَوَدُ لَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 316 فِي رَضِّهِمَا لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ. (وَإِنْ ذَهَبَ كَبَصَرٍ بِجُرْحٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ فَإِنْ حَصَلَ أَوْ زَادَ وَإِلَّا فَدِيَةٌ مَا لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 317 يَذْهَبْ وَإِنْ ذَهَبَ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فَإِنْ اُسْتُطِيعَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَالْعَقْلُ كَأَنْ شُلَّتْ يَدُهُ بِضَرْبَةٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ ذَهَبَ كَسَمْعٍ وَبَصَرٍ بِسِرَايَةِ مَا فِيهِ الْقِصَاصُ كَمُوضِحَةٍ اُقْتُصَّ لَهُ مِنْهَا، فَإِنْ ذَهَبَ مِنْهُ اسْتَوْفَى وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دِيَةٌ مَا لَمْ يَذْهَبْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي مَالِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَوْضَحَهُ مُوضِحَةً عَمْدًا فَذَهَبَ بِهَا سَمْعُهُ أُقِيدَ مِنْ الْمُوضِحَةِ بَعْدَ الْبُرْءِ، فَإِنْ بَرِئَ الْجَانِي وَلَمْ يَذْهَبْ سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ بِذَلِكَ كَانَ فِي مَالِهِ دِيَتَانِ: دِيَةُ سَمْعٍ وَدِيَةُ عَقْلٍ. وَقَدْ يَجْتَمِعُ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ قَوَدٌ وَعَقْلٌ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: إنْ انْخَسَفَتْ الْعَيْنُ أَوْ ابْيَضَّتْ أَوْ ذَهَبَ بَصَرُهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ خَطَأً فَفِيهَا الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَخَسَفَهَا خُسِفَتْ عَيْنُهُ، وَإِنْ لَمْ تُخْسَفْ وَبَقِيَتْ قَائِمَةً وَذَهَبَ بَصَرُهَا فَإِنْ اُسْتُطِيعَ الْقَوَدُ أُقِيدَ مِنْهُ وَإِلَّا فَالْعَقْلُ. وَمَنْ ضَرَبَ يَدَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ ضُرِبَ الضَّارِبُ كَمَا ضَرَبَ فَإِنْ شُلَّتْ يَدُهُ وَإِلَّا فَعَقْلُهَا فِي مَالِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ أَشْهَبُ: هَذَا إنْ كَانَتْ الضَّرْبَةُ بِجُرْحٍ فِيهِ الْقَوَدُ، وَلَوْ ضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِعَصًا فَشُلَّتْ يَدُهُ فَلَا قَوَدَ وَعَلَيْهِ دِيَةُ الْيَدِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ تَقْيِيدٌ. (وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُ قَاطِعٍ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ذَهَبَتْ يَمِينُ مَنْ قَطَعَ يَمِينَ رَجُلٍ بِأَمْرِ مِنْ اللَّهِ أَوْ بِقَطْعِ سَرِقَةٍ أَوْ قِصَاصٍ فَلَا شَيْءَ لِلْمَقْطُوعِ مِنْ يَمِينِهِ. وَلَوْ فَقَأَ عَيْنَ جَمَاعَةٍ الْيُمْنَى وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ ثُمَّ قَامُوا فَلْتُفْقَأْ عَيْنُهُ لِجَمِيعِهِمْ، وَكَذَا الْيَدُ وَالرِّجْلُ، وَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا ثُمَّ رَجُلًا آخَرَ، قُتِلَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَهُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لِلْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ قَاطِعِ قَاطِعِهِ فِي الْعَمْدِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ. (وَإِنْ قَطَعَ أَقْطَعُ الْكَفِّ مِنْ الْمِرْفَقِ فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَطَعَ أَقْطَعُ الْكَفِّ الْيُمْنَى يَمِينَ رَجُلِ صَحِيحٍ مِنْ الْمِرْفَقِ، فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ أَوْ قَطْعُ الذِّرَاعِ النَّاقِصَةِ مِنْ الْمِرْفَقِ (كَمَقْطُوعِ الْحَشَفَةِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الذَّكَرُ الْمَقْطُوعُ الْحَشَفَةِ كَالْأَقْطَعِ الْكَفِّ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا تَشْبِيهٌ صَحِيحٌ. (وَتُقْطَعُ الْيَدُ النَّاقِصَةُ أُصْبُعًا بِالْكَامِلَةِ بِلَا غُرْمٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ سَرَقَ وَقَدْ ذَهَبَ مِنْ يَمِينِ يَدِهِ أُصْبُعٌ قُطِعَتْ يَمِينُهُ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَمِينَ رَجُلٍ وَإِبْهَامُ يَدِهِ مَقْطُوعَةٌ أَنَّ يَدَهُ تُقْطَعُ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ لَمْ يَنْقَطِعْ مِنْ أَصَابِعِ الْجَانِي إلَّا أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ فَلَيْسَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَّا الْقَوَدُ وَلَا يُغَرِّمُهُ عَقْلَ أُصْبُعِهِ النَّاقِصَةِ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَخُيِّرَ إنْ نَقَصَتْ، أَكْثَرَ فِيهِ وَفِي الدِّيَةِ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ نَقَصَتْ يَدُ الْجَانِي أَكْثَرَ مِنْ أُصْبُعٍ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ تَامًّا أَوْ يَقْتَصَّ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ هَذَا: إنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 318 مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. (وَإِنْ نَقَصَتْ يَدُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَالْقَوَدُ وَلَوْ إبْهَامًا) ابْنُ رُشْدٍ: رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَسَمَاعِ يَحْيَى لَوْ كَانَ نَقْصُ الْأُصْبُعِ مِنْ يَدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ اسْتَحَقَّ الْقَوَدَ دُونَ غُرْمٍ عَلَيْهِ. ابْنُ شَاسٍ: إنْ كَانَتْ يَدُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ هِيَ النَّاقِصَةُ، فَإِنْ كَانَ النَّقْصُ أُصْبُعًا وَاحِدًا وَلَوْ إبْهَامًا فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: يُقْتَصُّ كَانَتْ الْإِبْهَامُ أَوْ غَيْرُهَا. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَتُقْطَعُ الْيَدُ النَّاقِصَةُ " (لَا أَكْثَرَ) ابْنُ رَاشِدٍ: إنْ كَانَتْ يَدُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ نَاقِصَةً أُصْبُعَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَلَا قَوَدَ عَلَى الْجَانِي إنَّمَا لَهُ عَقْلُ أَصَابِعِهِ إلَّا أَنْ لَا يَبْقَى لَهُ إلَّا أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ فَقِيلَ: يَكُونُ لَهُ مَعَ عَقْلِهَا حُكُومَةٌ فِي الْكَفِّ وَهُوَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ. (وَلَا يَجُوزُ بِكُوعٍ لِذِي مِرْفَقٍ وَإِنْ رَضِيَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ قَطَعَ مِنْ الْمِرْفَقِ لَمْ يَجُزْ مِنْ الْكُوعِ وَلَوْ رَضِيَا. ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ هَذَا الْأَخَوَانِ وَأَصْبَغُ وَقَبِلَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ الدَّلِيلُ الْعَامُّ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ ارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَبِدَلِيلِ مَنْ ذَهَبَتْ بَعْضُ كَفِّهِ بِرِيشَةٍ فَخَافَ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْهَا فَقِيلَ لَهُ قَطْعُ يَدِك مِنْ الْمِفْصَلِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا لَمْ يَخَفْ إذَا لَمْ يَقْطَعْ يَدَهُ مِنْ الْمِفْصَلِ إلَّا عَلَى مَا بَقِيَ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ قَطْعُهَا مِنْ الْمِفْصَلِ. وَانْظُرْ أَيْضًا مِمَّا يُرَشِّحُ مَأْخَذَ الْإِمَامِ ابْنِ عَرَفَةَ إنْ عَفَا الْمَجْرُوحُ عَنْ نِصْفِ الْجُرْحِ. وَالْمَجْمُوعَةُ وَالْعُتْبِيَّةُ عَنْ سَحْنُونٍ: إنْ أَمْكَنَ الْقَوَدُ مِنْ نِصْفِهِ أُقِيدَ مِنْهُ. (وَتُؤْخَذُ الْعَيْنُ السَّالِمَةُ بِالضَّعِيفَةِ خِلْقَةً أَوْ مِنْ كِبَرٍ) قَالَ ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا الْعَيْنُ الضَّعِيفَةُ فَتُؤْخَذُ بِهَا الْعَيْنُ السَّلِيمَةُ إذَا كَانَ الضَّعْفُ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ أَوْ مِنْ كِبَرٍ (وَكَجُدَرِيٍّ أَوْ لِكَرَمْيَةٍ فَالْقَوَدُ إنْ تَعَمَّدَهُ وَإِلَّا فَبِحِسَابِهِ) اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَكَذَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهَا ". ابْنُ شَاسٍ: وَأَمَّا إنْ كَانَ الضَّعْفُ مِنْ جُدَرِيٍّ أَوْ رَمْيَةٍ أَوْ قَدْحَةٍ، سَوَاءٌ أَخَذَ صَاحِبُهَا لَهَا عَقْلًا أَمْ لَا، فَلَا قَوَدَ فِيهَا انْتَهَى. وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ " وَكَذَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهَا " أَنَّ ضَعْفَ الْعَيْنِ إنْ كَانَ بِجِنَايَةٍ خَطَأً أَخَذَ فِيهَا عَقْلًا ثُمَّ أُصِيبَتْ بَعْدَ ذَلِكَ خَطَأً أَنَّهُ يَأْخُذُ عَلَى حِسَابِ مَا بَقِيَ، وَإِنْ أُصِيبَتْ عَمْدًا فَفِيهَا الْقِصَاصُ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَتُؤْخَذُ الْعَيْنُ السَّلِيمَةُ بِالضَّعِيفَةِ خِلْقَةً أَوْ مِنْ كِبَرٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جُدَرِيٍّ أَوْ رَمْيَةٍ أَوْ شَبَهِهَا فَلَا قَوَدَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَوْ كَانَ يَنْظُرُ بِهَا ثُمَّ أُصِيبَ عَمْدًا فَالْقِصَاصُ بِخِلَافِ الْخَطَأِ. (وَإِنْ فَقَأَ سَالِمُ الْعَيْنِ أَعْوَرَ فَلَهُ الْقَوَدُ أَوْ أَخْذُ دِيَةٍ كَامِلَةٍ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ فَقَأَ أَعْوَرُ مِنْ سَالِمٍ مُمَاثِلَتَهُ فَلَهُ الْقِصَاصُ أَوْ دِيَةُ مَا تَرَكَ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ فَقَأَ صَحِيحُ الْعَيْنِ عَيْنَ الْأَعْوَرِ فَقَالَ مَالِكٌ: إنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ دِيَتَهَا أَلْفَ دِينَارٍ. وَلَوْ فَقَأَ الْأَعْوَرُ مِنْ ذِي عَيْنَيْنِ الَّتِي مِثْلَهَا، فَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ أَلْفَ دِينَارٍ دِيَةَ مَا تَرَكَ إلَيْهِ رَجَعَ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ فَقَأَ الْأَعْوَرُ عَيْنَ الصَّحِيحِ الَّتِي مِثْلُهَا بَاقِيَةٌ لِلْأَعْوَرِ، فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ دِيَةُ عَيْنِهِ ثُمَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 319 رَجَعَ. فَقَالَ: إنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصَّ اقْتَصَّ وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ دِيَةُ عَيْنِ الْأَعْوَرِ أَلْفُ دِينَارٍ وَهَذَا أُعْجَبُ إلَيَّ. (وَغَيْرَهَا فَنِصْفُ دِيَةٍ فَقَطْ فِي مَالِهِ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ فَقَأَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ عَيْنَ الصَّحِيحِ الْمَعْدُومَةَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا خَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: لَوْ فَقَأَ الَّتِي لَا مِثْلَ لَهَا فَنِصْفُ دِيَةٍ فَقَطْ لَهُ فِي مَالِهِ. (وَإِنْ فَقَأَ عَيْنَيْ السَّالِمِ فَالْقَوَدُ وَنِصْفُ الدِّيَةِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ فَقَأَ الْأَعْوَرُ عَيْنَيْ الصَّحِيحِ فَالْقَوَدُ وَنِصْفُ الدِّيَةِ. (وَإِنْ قُلِعَتْ سِنٌّ فَثَبَتَتْ فَالْقَوَدُ وَفِي الْخَطَأِ دِيَةُ الْخَطَأِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ طُرِحَتْ سِنُّهُ عَمْدًا فَرَدَّهَا فَثَبَتَتْ فَلَهُ الْقَوَدُ فِيهَا، وَالْأُذُنُ كَذَلِكَ. وَلَوْ رَدَّ السِّنَّ فِي الْخَطَأِ فَثَبَتَتْ كَانَ لَهُ الْعَقْلُ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَالْمُغِيرَةُ: إنْ كَانَ عَمْدًا فَالْقَوَدُ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَلَا عَقْلَ وَيَعْقِدُ فِي ذَلِكَ أَشْهَدَ الْقَاضِي أَبُو فُلَانٍ ثُمَّ مَضَى فِي الْعَقْدِ إلَى أَنْ قَالَ: فَشَاوَرُوا مَنْ وَجَبَتْ مَشُورَتُهُ فَقَالُوا: لَا عَقْلَ فِي هَذَا وَهُوَ أَخْيَرُ الْقَوْلَيْنِ فَأَخَذَ الْقَاضِي بِذَلِكَ. [بَاب اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ] [فَصَلِّ فِيمَنْ لَهُ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ] (وَالِاسْتِيفَاءُ لِلْعَاصِبِ) ابْنُ شَاسٍ: الْفَنُّ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ وَفِيهِ بَابَانِ: الْأَوَّلُ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ: فِيمَنْ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ، وَفِي تَأْخِيرِ الْقِصَاصِ وَفِي كَيْفِيَّةِ الْمُمَاثَلَةِ. الْبَابُ الثَّانِي فِي الْعَفْوِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ لِأَقْرَبِ الْوَرَثَةِ الْعَصَبَةِ الذُّكُورِ (كَالْوَلَاءِ إلَّا الْجَدَّ وَالْإِخْوَةَ فَسِيَّانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَحَقُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 320 بِالدَّمِ حَصَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهُ ذُو تَعْصِيبٍ كَالْأَخَصِّيَّةِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْجَنَائِزِ وَالْوَلَاءِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ الْجَدَّ كَالْإِخْوَةِ (وَيَحْلِفُ الثُّلُثَ وَهَلْ إلَّا فِي الْعَمْدِ فَكَأَخٍ تَأْوِيلَانِ) اُنْظُرْ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ هَلْ هُمَا عَلَى غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ النُّكَتِ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ جَدٌّ وَعَشَرَةُ إخْوَةٍ فَفِي الْخَطَأِ يَحْلِفُ الْجَدُّ مِنْ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ ثُلُثَهَا لِأَنَّ مِيرَاثَهُ الثُّلُثُ لَا يُنْقَصُ مِنْهُ فِي كَثْرَةِ الْإِخْوَةِ، وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَيَحْلِفُونَ كُلُّهُمْ بِالسَّوَاءِ، وَلَا يَحْلِفُ الْجَدُّ ثُلُثَ الْأَيْمَانِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ مُفْتَرِقٌ فِي ذَلِكَ هَكَذَا. قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ بَلَدِنَا: وَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافَ هَذَا. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ الْأَوْلِيَاءُ إخْوَةً وَجَدًّا فَإِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ: إنَّ الْجَدَّ كَالْأَخِ مِنْ الْإِخْوَةِ فِي الْعَفْوِ مَنْ عَفَا مِنْهُمْ جَازَ عَفْوُهُ الْجَدَّ كَانَ أَوْ أَخًا مِنْ الْإِخْوَةِ. وَقَالَ: إنَّ الْجَدَّ يَحْلِفُ ثُلُثَ الْأَيْمَانِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ. فَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَصَوَابٌ، وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنْ تُقَسَّمَ الْأَيْمَانُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ إذْ أَنْزَلَهُ بِمَنْزِلَةِ أَخٍ مِنْ الْإِخْوَةِ. (وَانْتُظِرَ غَائِبٌ لَمْ تَبْعُدْ غَيْبَتُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ غَابَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ وَالْقَتْلُ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ فَإِنَّمَا لِلْحَاضِرِ الْعَفْوُ وَيَكُونُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 321 لِلْغَائِبِ حَظُّهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَلَا قَتْلَ لِلْحَاضِرِ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ، وَيُسْجَنَ الْقَاتِلُ حَتَّى يَقْدُمَ الْغَائِبُ وَيَكْتُبَ لَهُ، وَلَا يَكْفُلُ الْقَاتِلُ إذْ لَا كَفَالَةَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. ابْنُ يُونُسَ: إلَّا الْبَعِيدَ الْغَيْبَةِ فَلِمَنْ حَضَرَ الْقَتْلَ. (لَا مُطْبَقٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ مَجْنُونًا أَوْ مُطْبَقًا فَلِلْآخَرِ أَنْ يَقْتُلَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَوْلِيَاءِ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُبَرْسَمٌ اُنْتُظِرَ إفَاقَتُهُ لِأَنَّ هَذَا مَرَضٌ. (وَصَغِيرٌ لَمْ يَتَوَقَّفْ الثُّبُوتُ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ أَوْلَادُ الْمَقْتُولِ صِغَارًا وَكِبَارًا. فَإِنْ كَانَ الْكِبَارُ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا فَلَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَقْتُلُوا وَلَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصِّغَارِ، وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ فَلِلْبَاقِينَ مِنْهُمْ وَلِلْأَصَاغِرِ حَظُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَلَدٌ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ فَإِنْ وَجَدَ الْكَبِيرُ رَجُلًا مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ يَحْلِفُ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ لَهُ الْعَفْوُ حَلَفَا خَمْسِينَ يَمِينًا، ثُمَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَقْتُلَ. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْلِفُ مَعَهُ حَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا وَاسْتُؤْنِيَ بِالصِّغَارِ، فَإِذَا بَلَغَ حَلَفَ أَيْضًا خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا ثُمَّ اسْتَحَقَّ الدَّمَ. وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ وَلِلْمَقْتُولِ وَلِيَّانِ أَحَدُهُمَا مَجْنُونٌ مُطْبَقٌ، فَلِلْآخَرِ أَنْ يَقْتُلَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يُنْتَظَرُ. (وَلِلنِّسَاءِ إنْ وَرِثْنَ) اللَّخْمِيِّ: مَعْرُوفُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ لِلنِّسَاءِ حَقًّا فِي الدَّمِ. ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا مَنْ يَرِثُهُ مِنْهُنَّ كَالْأَخَوَاتِ وَالْأُمَّهَاتِ فَلَهُنَّ حَقٌّ فِيهِ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَرِثُ مِنْهُنَّ كَالْعَمَّاتِ وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ فَلَا حَقَّ لَهُنَّ فِيهِ انْتَهَى. اُنْظُرْ الْجَدَّاتِ لَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِي عَفْوٍ وَلَا قِصَاصٍ. اُنْظُرْ أَيْضًا الزَّوْجَاتِ فَإِنَّهُنَّ أَيْضًا لَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِي الدَّمِ بِحَالٍ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ، وَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ " إنْ وَرِثْنَ " وَقَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ " أَمَّا مَنْ يَرِثُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 322 كَالْبَنَاتِ " (وَلَمْ يُسَاوِهِنَّ عَاصِبٌ) مُحَمَّدٌ: إنْ اسْتَوَوْا كَالْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَالْإِخْوَةِ مَعَ الْأَخَوَاتِ فَلَا قَوْلَ لِلْإِنَاثِ مَعَ الذُّكُورِ (وَلِكُلٍّ الْقَتْلُ وَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ) اُنْظُرْ هَلْ يَعْنِي بِهَذَا الْعَصَبَةَ مَعَ مَنْ يَرِثُ مِنْ النِّسَاءِ. أَمَّا الْبَنَاتُ مَعَ الْعَصَبَةِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ الْأَوْلِيَاءُ بَنَاتٍ وَإِخْوَةً فَثَالِثُ الْأَقْوَالِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْأَحَقَّ بِالْقَوَدِ مَنْ قَامَ بِهِ وَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ، وَسَوَاءٌ ثَبَتَ الدَّمُ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ أَوْ بِقَسَامَةٍ. وَأَمَّا الْأَخَوَاتُ مَعَ الْعَصَبَةِ فَنَصَّ ابْنُ رُشْدٍ: أَنَّ حُكْمَهُمْ أَيْضًا كَحُكْمِ الْبَنَاتِ مَعَ الْإِخْوَةِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُرِيدُ بِاجْتِمَاعِهِمْ اجْتِمَاعَ بَعْضِ الصِّنْفَيْنِ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عَفَا بَعْضُ الْبَنَاتِ وَبَعْضُ الْعَصَبَةِ أَوْ بَعْضُ الْأَخَوَاتِ وَبَعْضُ الْعَصَبَةِ، فَلَا سَبِيلَ لِلْقَتْلِ وَيُقْضَى لِمَنْ بَقِيَ بِالدِّيَةِ. وَأَمَّا الْأُمُّ مَعَ الْعَصَبَةِ فَقَدْ نَصَّ الْجَلَّابُ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْبَنَاتِ مَعَ الْعَصَبَةِ قَالَ: وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ (كَأَنْ حُزْنَ الْمِيرَاثَ وَثَبَتَ بِقَسَامَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ مَعَ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ عَصَبَةٌ وَثَبَتَ الدَّمُ بِبَيِّنَةٍ، فَالْعَصَبَةُ لَغْوٌ. وَإِنْ ثَبَتَ بِقَسَامَةٍ فَقَدْ ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَى أَنَّ مَنْ قَامَ بِالْقَوَدِ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ. وَانْظُرْ حُكْمَ الْأُمِّ مَعَ الْأَخَوَاتِ أَوْ الْبَنَاتِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: اتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَلَى تَقْدِيمِ الْأُمِّ عَلَى الْأَخَوَاتِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْأُمِّ مَعَ الْبَنَاتِ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَسْقُطُ الْأُمُّ إلَّا مَعَ الْأَبِ وَالْوَلَدِ الذَّكَرِ فَقَطْ، فَعَلَيْهِ لَا يَصِحُّ عَفْوٌ إلَّا بِاجْتِمَاعِهَا مَعَ الْبَنَاتِ انْتَهَى. وَانْظُرْ الْأَبَ مَعَ الْبَنَاتِ ثَالِثُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ وَقْفِ عَفْوِهِ عَلَى مُوَافَقَتِهِنَّ. وَانْظُرْ حُكْمَ الْأَخِ لِلْأَبِ مَعَ الشَّقِيقَةِ. نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مِثْلُ الْأُخْتِ مَعَ الْعَاصِبِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُهُمْ " الْأَحَقُّ بِالدَّمِ كَالْوَلَاءِ " يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الشَّقِيقِ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ (وَالْوَارِثُ كَمُوَرِّثِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: وَارِثُ مُسْتَحِقِّ الدَّمِ مِثْلُهُ فِي الْقَتْلِ وَالْعَفْوِ. (وَلِلصَّغِيرِ إنْ عَفَا كَبِيرٌ نَصِيبُهُ مِنْ الدِّيَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ كَانَ فِي الْأَوْلِيَاءِ صَغِيرٌ لَا وَلِيَّ لَهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِلْأَوْلِيَاءِ الِاسْتِقْلَالُ بِالْقَتْلِ دُونَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 323 الصَّغِيرِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: فَلَوْ عَفَوْا فَلِلصَّغِيرِ نَصِيبُهُ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ. (وَلِوَلِيِّهِ النَّظَرُ فِي الْقَتْلِ أَوْ الدِّيَةِ كَامِلَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَجَبَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ دَمٌ عَمْدًا وَخَطَأً لَمْ يَجُزْ لَهُ الْعَفْوُ إلَّا عَلَى الدِّيَةِ لَا أَقَلَّ مِنْهَا (كَقَطْعِ يَدِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا قُطِعَتْ يَدُ الصَّبِيِّ عَمْدًا فَلِلْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ النَّظَرُ لَا لِغَيْرِهِمَا (إلَّا لِعُسْرٍ فَيَجُوزُ بِأَقَلَّ) سَمِعَ أَبُو زَيْدٍ ابْنَ الْقَاسِمِ إنْ لَمْ يَتْرُكْ الْقَتِيلُ إلَّا وَلَدًا صَغِيرًا وَلَا وَلِيَّ لَهُ إلَّا السُّلْطَانُ أَقَامَ لَهُ وَلِيًّا يَكُونُ كَالْوَصِيِّ، وَالْوَلِيُّ يَنْظُرُ لَهُ بِالْقَتْلِ وَالْعَفْوِ عَلَى الدِّيَةِ لَا عَلَى أَقَلَّ مِنْهَا إنْ كَانَ مَلِيًّا بِهَا، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا جَازَ عَلَى مَا يَرَى عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ، فَإِنْ صَالَحَ بِأَقَلَّ مِنْهَا وَالْقَاتِلُ مَلِيءٌ لَمْ يَجُزْ وَرَجَعَ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَا يَرْجِعُ الْقَاتِلُ عَلَى الْوَلِيِّ بِشَيْءٍ. (بِخِلَافِ قَتْلِهِ فَلِعَاصِبِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ جُرِحَ الصَّبِيُّ عَمْدًا وَلَهُ وَصِيٌّ فَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَقْتَصَّ لَهُ، وَإِنْ قُتِلَ فَوُلَاتُهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْوَصِيِّ. (وَلَا أُحِبُّ أَخْذَ الْمَالِ فِي عَبْدِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قُتِلَ لِلصَّغِيرِ عَبْدٌ عَمْدًا فَأُحِبُّ أَنْ يَخْتَارَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَخْذَ الْمَالِ إذْ لَا نَفْعَ لَهُ فِي الْقَوَدِ. اُنْظُرْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ إذَا عَفَا الْمَحْجُورُ عَنْ جُرْحِهِ أَوْ عَنْ شَتْمِهِ أَوْ نَالَ مِنْ بَدَنِهِ كَمَا لَوْ عَفَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 324 عَنْ قَاتِلِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَهَلْ ذَلِكَ كَإِيصَائِهِ؟ . (وَيَقْتَصُّ مَنْ يَعْرِفُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُمَكَّنُ ذُو الْقَوَدِ فِي الْجِرَاحِ مِنْ الْقِصَاصِ بَلْ يُقْتَصُّ لَهُ مَنْ يَعْرِفُ الْقِصَاصَ، وَأَمَّا فِي الْقَتْلِ فَيُدْفَعُ لِلْوَلِيِّ يَقْتُلُهُ وَيُنْهَى عَنْ الْعَبَثِ. (بِأَجْرٍ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ) سُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَجْرُ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُقْتَصِّ لَهُ. (وَلِلْحَاكِمِ رَدُّ الْقَتْلِ فَقَطْ لِلْوَلِيِّ وَيَنْهَى عَنْ الْعَبَثِ) هَذَا نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالِاسْتِيفَاءِ دُونَ الرَّفْعِ إلَى السُّلْطَانِ فَإِنْ فَعَلَ عُزِّرَ وَوَقَعَ الْمُوَقَّعُ. [فَصَلِّ تَأْخِير الْقِصَاص] (وَأُخِّرَ لِبَرْدٍ وَحَرٍّ. كَالْبُرْدِ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: يُؤَخَّرُ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ الْقَتْلِ لِلْحَرِّ الْمُفْرِطِ وَالْبَرْدِ الْمُفْرِطِ وَمَرَضِ الْجَانِي. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: إذَا وَضَعَتْ الْحَامِلُ الَّتِي وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدُّ إنْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ لَمْ تُؤَخَّرْ، وَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ لَمْ تَحُدَّ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ نِفَاسِهَا لِأَنَّ مَنْ حَدُّهُ الْجَلْدُ فَلَا يُحَدُّ فِي وَقْتٍ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ سَرَقَ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ فَخِيفَ مَوْتُهُ مِنْ قَطْعِهِ أَخَّرَهُ الْإِمَامُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: الْحَرُّ إنْ عُلِمَ خَوْفُهُ كَالْبَرْدِ. وَفِي النَّوَادِرِ: الْمَرَضُ الْمَخُوفُ لَا يُقْطَعُ فِيهِ وَلَا يُحَدُّ وَلَا يُنَكَّلُ فِيهِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إذَا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى ضَعِيفِ الْجِسْمِ يُخَافُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ وَيُعَاقَبُ وَيُسْجَنُ، وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ عَنْ قِصَاصٍ رَجَعَ لِلدِّيَةِ وَفِي كَوْنِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ عَلَى الْجَانِي خِلَافٌ. ابْنُ رُشْدٍ عَنْ سَحْنُونٍ: لَيْسَ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْخِتَانِ تَرْكُهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَجَبَ قَطْعُ يَدِهِ لَا يُتْرَكُ لِذَلِكَ. (كَدِيَتِهِ خَطَأً وَلَوْ لِجَائِفَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُؤَخَّرُ الْمَقْطُوعُ الْحَشَفَةِ حَتَّى يَبْرَأَ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يُقَادُ مِنْ جُرْحِ الْعَمْدِ وَلَا يُعْقَلُ فِي الْخَطَأِ إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ. وَإِنْ طَلَبَ الْمَقْطُوعُ الْحَشَفَةِ تَعْجِيلَ فَرْضِ الدِّيَةِ إذْ لَا بُدَّ مِنْهَا وَلَوْ عَاشَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لَعَلَّ أُنْثَيَيْهِ أَوْ غَيْرَهُمَا تَذْهَبُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ أَوْضَحَهُ رَجُلٌ فَأَرَادَ تَعْجِيلَ دِيَةِ الْمُوضِحَةِ فَلَا يُعَجَّلُ لَهُ شَيْءٌ إذْ لَعَلَّهُ يَمُوتُ فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبَهُ مَأْمُومَةً خَطَأً فَالْعَاقِلَةُ تَحْمِلُهَا مَاتَ أَوْ عَاشَ لَكِنْ لَا يُعَجَّلُ لَهُ شَيْءٌ حَتَّى يَبْرَأَ، لِأَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهَا لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ إلَّا بِقَسَامَةٍ، فَإِنْ أَبَى وَرَثَتُهُ أَنْ يُقْسِمُوا كَانَ عَلَى الْعَاقِلَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِمَأْمُومَتِهِ، وَإِنَّمَا فِي هَذَا الِاتِّبَاعُ وَالتَّسْلِيمُ لِلْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: مَا بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ مِنْ الْخَطَأِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ عَقْلِهِ كَالْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ فَقَدْ وَجَبَتْ سَاعَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 325 جُرِحَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا مَحِيصَ لَهُمْ مِنْهَا عَادَتْ نَفْسًا أَوْ بَرِئَتْ. (وَالْحَامِلُ وَإِنْ بِجُرْحٍ خَفِيفٍ لَا بِدَعْوَاهَا وَحُبِسَتْ كَالْحَدِّ وَالْمُرْضِعُ لِوُجُودِ مُرْضِعٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: تُؤَخَّرُ الْحَامِلُ فِي النَّفْسِ لَا بِدَعْوَاهَا. وَقِيلَ: فِي الْجِرَاحِ الْمَخُوفَةِ. وَيُؤَخَّرُ الْمُرْضِعُ إلَى أَنْ يُوجَدَ مَنْ يُرْضِعُ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: تُؤَخَّرُ الْحَامِلُ فِي قَتْلِ النَّفْسِ لِوَضْعِ الْحَمْلِ عِنْدَ ظُهُورِ مَخَايِلِهِ وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ دَعْوَاهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَفِي الْقِصَاصِ. الشَّيْخُ: يُرِيدُ فِي الْجِرَاحِ الْمَخُوفَةِ وَلَا تُؤَخَّرُ بَعْدَ الْوَضْعِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يَرْضِعُهُ وَتُحْبَسُ الْحَامِلُ فِي الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ. وَلَوْ بَادَرَ الْوَلِيُّ بِقَتْلِهَا فَلَا غُرَّةَ لِلْجَنِينِ إلَّا أَنْ يُزَايِلَهَا قَبْلَ مَوْتِهَا، فَتَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ إلَّا أَنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَتُؤَخَّرُ الْمُتَزَوِّجَةُ لِحَيْضَةٍ ". (وَالْمُوَالَاةُ فِي الْأَطْرَافِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَدَّانِ حَدٌّ لِلَّهِ وَحَدٌّ لِلْعِبَادِ، بُدِئَ بِحَدِّ اللَّهِ إذْ لَا عَفْوَ فِيهِ وَيُجْمَعُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُخَافَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ فَيُفَرَّقُ. وَلَوْ سَرَقَ وَقَطَعَ شِمَالَ رَجُلٍ قُطِعَتْ يَمِينُهُ وَشِمَالُهُ وَيَجْمَعُ ذَلِكَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ يُفَرِّقُهُ بِقَدْرِ مَا يُخَافُ عَلَيْهِ. ابْنُ شَاسٍ: وَيُمْنَعُ مِنْ الْمُوَالَاةِ فِي قَطْعِ الْأَطْرَافِ قِصَاصًا خَوْفًا مِنْ قَتْلِهِ (كَحَدَّيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: حَدُّ الْجَلْدِ فِي الْقَذْفِ وَالزِّنَا وَالشُّرْبِ يُفَرَّقُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ حَتَّى يَكْمُلَ (وَبُدِئَ بِأَشَدَّ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَدَّانِ بُدِئَ بِحَدِّ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجْمَعُ ذَلِكَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ يُفَرِّقُهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهِ الْمَوْتَ. (لَا بِدُخُولِ الْحَرَمِ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْحَرَمِ وَيُقْتَلُ بِقَتْلِ النَّفْسِ فِي الْحَرَمِ. ابْنُ رُشْدٍ: مِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا خِلَافُ مَا نَقَلَ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ قُتِلَ فِيهِ إجْمَاعًا، وَإِنْ قَتَلَ فِي الْحِلِّ ثُمَّ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ لَمْ يُقْتَلْ فِيهِ وَلَمْ يُخْرَجْ مِنْهُ وَلَكِنْ يُهْجَرُ وَلَا يُبَايَعُ وَلَا يُشَارَى حَتَّى يُضْطَرَّ إلَى الْخُرُوجِ فَيُقْتَلَ. (وَسَقَطَ إنْ عَفَا رَجُلٌ كَالْبَاقِي) ابْنُ شَاسٍ: إنْ عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ سَقَطَ الْقَوَدُ إنْ كَانَ الْعَافِي مُسَاوِيًا لِمَنْ بَقِيَ فِي الدَّرَجَةِ أَوْ أَعَلَا مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ أَنْزَلَ دَرَجَةً لَمْ يَسْقُطْ الْقَوَدُ بِعَفْوِهِ. فَإِنْ انْضَافَ إلَى الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا الْأُنُوثَةُ كَالْبَنَاتِ مَعَ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ فَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْجَمِيعِ، فَإِنْ انْفَرَدَ الْأَبَوَانِ فَلَا حَقَّ لِلْأُمِّ فِي عَفْوٍ وَلَا قَتْلٍ، وَكَذَلِكَ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ مَعَهُ. وَأَمَّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 326 الْأُمُّ وَالْإِخْوَةُ فَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ مَعَهَا، فَإِنْ اجْتَمَعَتْ الْأُمُّ وَالْأَخَوَاتُ وَالْعَصَبَةُ فَاتَّفَقَ الْأُمُّ وَالْعَصَبَةُ عَلَى الْعَفْوِ مَضَى عَلَى الْأَخَوَاتِ، وَإِنْ عَفَا الْعَصَبَةُ وَالْأَخَوَاتُ لَمْ يَمْضِ عَلَى الْأُمِّ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَخَوَاتِ بَنَاتٍ لَمَضَى عَفْوُ الْعَصَبَةِ وَالْبَنَاتِ عَلَى الْأُمِّ، وَلَمْ يَجُزْ عَفْوُ الْعَصَبَةِ وَالْأُمِّ عَلَى الْبَنَاتِ لِأَنَّهُنَّ أَقْرَبُ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا تَحْصِيلُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا (وَالْبِنْتُ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ فِي عَفْوٍ وَضِدِّهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا ابْنَةً وَإِخْوَةً فَالْبِنْتُ أَوْلَى بِالْقَتْلِ وَبِالْعَفْوِ. وَهَذَا إذَا مَاتَ مَكَانَهُ، وَإِنْ عَاشَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ مَاتَ فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَقْتَسِمَا لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا يَقْسِمْنَ فِي الْعَمْدِ وَلْيَقْسِمْ الْعَصَبَةُ، فَإِنْ أَقْسَمُوا وَأَرَادُوا الْقَتْلَ وَعَفَتْ الِابْنَةُ فَلَا عَفْوَ لَهَا، وَإِنْ أَرَادَتْ الْقَتْلَ وَعَفَا الْعَصَبَةُ فَلَا عَفْوَ لَهُمْ إلَّا بِاجْتِمَاعٍ مِنْهَا وَمِنْهُمْ أَوْ مِنْهَا وَمِنْ بَعْضِهِمْ، وَإِنْ كَانَ جُلًّا لَا عَصَبَةَ لَهُ وَكَانَ الْقَتْلُ خَطَأً أَقْسَمَتْ أُخْتُهُ وَابْنَتُهُ وَأَخَذُوا الدِّيَةَ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا لَمْ يَجِبْ الْقَتْلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (وَإِنَّ عَفَتْ بِنْتٌ مِنْ بَنَاتٍ نُظِرَ الْحُكْمُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ رَجُلٌ لَا تُعْرَفُ عَصَبَتُهُ فَقُتِلَ عَمْدًا وَمَاتَ مَكَانَهُ وَتَرَكَ بَنَاتٍ فَلَهُنَّ الْقَتْلُ، فَإِنْ عَفَا بَعْضُهُنَّ وَطَلَبَ بَعْضُهُنَّ الْقَتْلَ، نَظَرَ السُّلْطَانُ بِالِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ عَدْلًا، فَإِنْ رَأَى الْعَفْوَ أَوْ الْقَتْلَ أَمْضَاهُ (وَفِي رِجَالٍ وَنِسَاءٍ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا بِهِمَا أَوْ بَعْضِهِمَا) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ " وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ يُرِيدُ أَوْ بِاجْتِمَاعِ بَعْضِ الصِّنْفَيْنِ (وَمَهْمَا أَسْقَطَ الْبَعْضُ فَلِمَنْ بَقِيَ نَصِيبُهُ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عَفَا وَلِيُّ الْقَتِيلِ عَلَى إلْزَامِ الْقَاتِلِ دِيَتَهُ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ الْقَاتِلَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ إنْ عَفَوْت وَلَمْ تَشْتَرِطْ شَيْئًا ثُمَّ تَطْلُبُ الدِّيَةَ فَلَا شَيْءَ لَك. رَاجِعْهُ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَدِيَةٌ لِعَافٍ ". وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا فِي قَاتِلِ الْعَمْدِ يَقُولُ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ نَعْفُو وَلَمْ يَعْفُ بَعْضُهُمْ فَنَصِيبُ مَنْ لَمْ يَعْفُ مِنْ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْجَانِي. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذْ لَا سَبِيلَ لِتَبْعِيضِ الدَّمِ فَزَالَ الْقَتْلُ وَصَارَ كَعَمْدِ الْمَأْمُومَةِ، وَإِنْ عَفَا بَعْضُ الْبَنِينَ سَقَطَ حَظُّهُ مِنْ الدِّيَةِ وَبَقِيَّتُهَا بَيْنَ مَنْ بَقِيَ يَدْخُلُ فِيهَا الزَّوْجَةُ وَغَيْرُهَا. الْبَاجِيُّ: فَإِنْ عَفَا الْبَنُونَ الذُّكُورُ كُلُّهُمْ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَسْقُطُ حَظُّ الْبَنَاتِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقَالَهُ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ اُنْظُرْ هَذَا مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ. (كَإِرْثِهِ وَلَوْ قِسْطًا مِنْ نَفْسِهِ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ " مِنْ نَفْسِهِ " وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: مَنْ وَرِثَ قِصَاصًا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ قِسْطًا مِنْهُ سَقَطَ الْقَوَدُ. وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ: مَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا فَلَمْ يُقْتَلْ حَتَّى مَاتَ أَحَدُ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ فَكَانَ الْقَاتِلُ وَارِثُهُ، بَطَلَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ مَلَكَ مِنْ دَمِهِ حِصَّةً فَهُوَ كَالْعَفْوِ وَلِبَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ حَظُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ. قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 327 أَشْهَبُ: إلَّا أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ مَنْ قَامَ بِالدَّمِ مِنْهُمْ فَهُوَ أَوْلَى فَإِنَّ لِلْبَاقِينَ أَنْ يَقْتُلُوا. (وَإِرْثُهُ كَالْمَالِ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي كَوْنِ إرْثِهِ عَلَى نَحْوِ الْمَالِ أَوْ عَلَى نَحْوِ الِاسْتِيفَاءِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ضَمِيرُ " إرْثِهِ " يَعُودُ عَلَى " الدَّمِ ". وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ إنْ مَاتَ تَنْزِلُ كُلُّ وَرَثَتِهِ مَنْزِلَتَهُ دُونَ خُصُوصِيَّةٍ لِعَصَبَتِهِ عَلَى ذَوِي فُرُوضِهِ، فَتَرِثُ الْبَنَاتُ وَالزَّوْجَاتُ وَالْأُمَّهَاتُ. وَنَصُّ الْعَفْوِ وَالْقِصَاصِ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُمْ عَصَبَةٌ لِأَنَّهُمْ وَرِثُوهُ عَمَّنْ كَانَ ذَلِكَ إلَيْهِ. وَمَعْنَى قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ وَرَثَةِ وَلِيِّ الدَّمِ إلَّا مَنْ يَرِثُهُ مِنْ الْمَقْتُولِ نَفْسِهِ. فَلَوْ تَرَكَ وَلِيُّ الدَّمِ ابْنًا وَابْنَةً وَأُمًّا وَزَوْجَةً لَمْ يَكُنْ لِلْبِنْتِ وَالزَّوْجَةِ حَظٌّ كَمَا لَمْ يَكُنْ لِبِنْتِ الْقَتِيلِ وَزَوْجَتِهِ مَعَ ابْنِهِ شَيْءٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا مَدْخَلَ لِلْأَزْوَاجِ فِي الدَّمِ بِحَالٍ، فَلَيْسَ مُرَادُ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا فَهِمَهُ شَارِحَا ابْنِ الْحَاجِبِ رَاجِعْهُ أَنْتَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ مَاتَ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ رَجُلٌ وَوَرِثَهُ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ فَلِلنِّسَاءِ مِنْ الْعَفْوِ وَالْقَتْلِ مَا لِلذُّكُورِ لِأَنَّهُمْ وَرِثُوا الدَّمَ عَمَّنْ لَهُ الْعَفْوُ وَالْقَتْلُ فَهُمْ كَإِيَّاهُ. اُنْظُرْ إنْ مَاتَ وَلِيُّ الدَّمِ عَنْ ابْنٍ وَبِنْتٍ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَا قِيَامَ لِلْبَيِّنَةِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَهُوَ الْقِيَاسُ. (وَجَازَ صُلْحُهُ فِي عَمْدٍ بِأَقَلَّ وَأَكْثَرَ وَالْخَطَأِ كَبَيْعِ الدَّيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ جَنَى خَطَأً وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ فَصَالَحَ الْأَوْلِيَاءَ عَاقِلَتُهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ جَازَ إنْ عَجَّلُوهَا، فَإِنْ تَأَخَّرَتْ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ، وَفِي الْعَمْدِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ. (وَلَا يَمْضِي عَلَى عَاقِلَتِهِ كَعَكْسِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ صَالَحَ الْجَانِي عَلَى الْعَاقِلَةِ فِيمَا عَلَيْهَا فَأَبَتْ لَمْ يَلْزَمْهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ وَاضِحٌ لِأَنَّهَا فِيمَا يَلْزَمُهَا دُونَهَا كَأَجْنَبِيٍّ. (فَإِنْ عَفَا فَوَصِيَّةٌ وَتَدْخُلُ الْوَصَايَا فِيهِ وَإِنْ بَعْدَ سَبَبِهَا أَوْ بِثُلُثِهِ أَوْ بِشَيْءٍ قَبْلَهُ إذْ عَاشَ بَعْدَهَا مَا يُمْكِنْهُ التَّغْيِيرُ فَلَمْ يُغَيِّرْ بِخِلَافِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 328 الْعَمْدِ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا عَفَا الْمَقْتُولُ خَطَأً عَنْ دِيَتِهِ جَازَ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَأَوْصَى مَعَ ذَلِكَ بِوَصَايَا فَلْيَتَحَاصَّ الْعَاقِلَةُ وَأَهْلُ الْوَصَايَا فِي ثُلُثِ دِيَتِهِ. وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِهِ بَعْدَ الضَّرْبِ دَخَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِي دِيَتِهِ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ قَتْلَ الْخَطَأِ مَالٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ قَبْلَ أَنْ يَضْرِبَ وَعَاشَ بَعْدَ الضَّرْبِ وَمَعَهُ مِنْ عَقْلِهِ مَا يَعْرِفُ بِهِ مَا هُوَ فِيهِ فَلَمْ يُغَيِّرْ الْوَصِيَّةَ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي دِيَتِهِ إلَّا أَنْ تَخْتَلِسَ نَفْسَهُ وَلَا يُعْرَفَ لَهُ بَعْدَ الضَّرْبِ حَيَاةٌ فَلَا تَدْخُلُ الْوَصَايَا فِي دِيَتِهِ. وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَقَبِلَ الْأَوْلِيَاءُ الدِّيَةَ لَمْ تَدْخُلْ فِيهَا الْوَصَايَا وَإِنْ عَاشَ بَعْدَ الضَّرْبِ وَتُورَثُ عَلَى الْفَرَائِضِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَهْلُ الدَّيْنِ أَوْلَى بِذَلِكَ إذْ لَا مِيرَاثَ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ (إلَّا أَنْ يُنْفِذَ مَقْتَلَهُ وَيَقْبَلَ وَارِثُهُ الدِّيَةَ وَعَلِمَ) ابْنُ يُونُسَ: لَوْ أَنْفَذَ قَاتِلُهُ مَقَاتِلَهُ مِثْلُ أَنْ يَقْطَعَ نُخَاعَهُ أَوْ مُصْرَانَهُ وَبَقِيَ حَيًّا يَتَكَلَّمُ فَقَبِلَ أَوْلَادُهُ الدِّيَةَ وَعَلِمَهَا فَأَوْصَى فِيهَا لَدَخَلَتْ فِيهَا وَصَايَاهُ لِأَنَّهُ مَالٌ طَرَأَ لَهُ وَعَلِمَهُ قَبْلَ زَهُوقِ نَفْسِهِ فَوَجَبَ أَنْ تَجُوزَ فِيهِ وَصَايَاهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ أَنَّهُ أَوْصَى فَقَالَ: إنْ قَبِلَ أَوْلَادِي الدِّيَةَ فَوَصِيَّتِي فِيهَا أَوْ أُوصِي بِثُلُثِهَا، لَمْ يَجُزْ وَلَا يَدْخُلُ مِنْهَا فِي ثُلُثِهِ شَيْءٌ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَيِّتِ يَوْمَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 329 أَوْصَى مَالٌ مَجْهُولٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: بَلْ لَا مَالَ لَهُ كَشَيْءٍ لَا يَعْلَمُ أَيَكُونُ أَمْ لَا يَكُونُ. (وَإِنْ عَفَا عَنْ جُرْحِهِ أَوْ صَالَحَ فَمَاتَ فَلِأَوْلِيَائِهِ الْقَسَامَةُ وَالْقَتْلُ وَرَجَعَ الْجَانِي فِيمَا أَخَذَ مِنْهُ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ عَفَا عَنْ جُرْحِهِ الْعَمْدَ ثُمَّ نَزَا فِيهِ فَمَاتَ، فَلِوُلَاتِهِ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَقْتُلُوا فِي الْعَمْدِ وَيَأْخُذُوا الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَيَرُدُّونَ مَا أَخَذَ وَلِيُّهُمْ فِي الصُّلْحِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ نَزَا فِيهَا فَمَاتَ، فَلِأَوْلِيَائِهِ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَقْتُلُوا وَيُرَدُّ الْمَالُ، فَإِنْ أَبَوْا بَقِيَ لَهُمْ الْمَالُ الَّذِي أَخَذَ فِي قَطْعِ الْيَدِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُوضِحَتُهُ خَطَأً فَلَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا أَوْ يَأْخُذَ الْجَانِي مَالَهُ وَيَكُونُ فِي الْعَقْلِ كَرَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ. اُنْظُرْ كِتَابَ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. (وَلِلْقَاتِلِ الِاسْتِحْلَافُ عَلَى الْعَفْوِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وَاحِدَةً وَبُرِّئَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ادَّعَى الْجَانِي عَفْوَ الْوَلِيِّ اسْتَحْلَفَهُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْقَاتِلُ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا يَحْلِفُ الْقَاتِلُ يَمِينًا وَاحِدَةً لِأَنَّهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (وَتُلُوِّمَ لَهُ فِي الْبَيِّنَةِ الْغَائِبَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ادَّعَى الْقَاتِلُ بَيِّنَةً غَائِبَةً تَلَوَّمَ لَهُ الْإِمَامُ. [فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ فِي كَيْفِيَّةِ الْمُمَاثَلَةِ] (وَقُتِلَ بِمَا قَتَلَ) ابْنُ شَاسٍ: الْفَصْلُ الثَّالِثُ مِنْ الْفَنِّ الثَّانِي مِنْ حُكْمِ الْقِصَاصِ فِي كَيْفِيَّةِ الْمُمَاثَلَةِ وَهِيَ فَرْعِيَّةٌ فِي قِصَاصِ النَّفْسِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: مَنْ قَتَلَ بِشَيْءٍ قُتِلَ بِهِ إلَّا فِي وَجْهَيْنِ وَفِي وَصْفَيْنِ. الْوَجْهُ الْأَوَّلُ الْمَعْصِيَةُ كَالْخَمْرِ وَاللِّوَاطِ. الثَّانِي النَّارُ وَالسُّمُّ. وَقِيلَ: يُقْتَلُ بِالنَّارِ وَالسُّمِّ (وَلَوْ نَارًا) سَمِعَ عَبْدُ الْمَلِكِ ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ قَتَلَ رَجُلًا بِتَغْرِيقٍ أَوْ سُمٍّ قُتِلَ بِمِثْلِ ذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي السُّمِّ وَتَأَوَّلَهَا الشَّيْخُ فَقَالَ: يَعْنِي يُوجِبُ الْقَوَدَ بِغَيْرِ السُّمِّ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ. وَإِذَا قِيدَ بِالسُّمِّ فَأَحْرَى بِالنَّارِ خِلَافُ قَوْلِ أَصْبَغَ لَا يُقَادُ بِالنَّارِ. الْبَاجِيُّ: الْمَشْهُورُ قَتْلُهُ بِمَا قَتَلَ بِهِ مِنْ نَارٍ أَوْ غَيْرِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: خِلَافُ مَا شَهَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ (لَا بِخَمْرٍ وَلِوَاطٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ الْأَوَّلُ الْمَعْصِيَةُ (وَسِحْرٍ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فِي إبْطَالِ السِّحْرِ بِالسِّحْرِ قَوْلَانِ. قَالَ مَالِكٌ: مِنْ السِّحْرِ مَا يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَمَا يُصْلَحُ بِهِ بَيْنَهُمَا إذَا تَبَاغَضَا وَذَلِكَ كُفْرٌ. قَالَهُ مَالِكٌ. وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الطَّاعَةِ وَالْآخَرُ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْمَعْصِيَةِ (وَمَا يَطُولُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ كَانَ مِمَّا يَطُولُ فِي قَتْلِهِ فَالسَّيْفُ عَلَى الْأَصَحِّ (وَهَلْ وَالسُّمُّ أَوْ يُجْتَهَدُ فِي قَدْرِهِ تَأْوِيلَانِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ وَتَأْوِيلُ أَبِي مُحَمَّدٍ (يُغَرَّقُ وَيُخْنَقُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 330 وَيُحَجَّرُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مَنْ قَتَلَ بِشَيْءٍ قُتِلَ بِهِ فَيُخْنَقُ وَيُغْرَقُ وَيُحْجَرُ. (وَضَرْبٌ بِالْعِصِيِّ لِلْمَوْتِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إنْ ضُرِبَ بِالْعِصِيِّ مِثْلُ الْعَدَدِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَمُتْ. فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُضْرَبُ حَتَّى يَمُوتَ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَتْ الْعَصَا تُجْهِزُ فِي ضَرْبِهِ وَاحِدَةً قُتِلَ بِهَا وَأَمَّا ضَرَبَاتٌ فَلَا وَلْيَقْتُلْهُ بِالسَّيْفِ (كَذِي عَصَوَيْنِ) قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قَتَلَهُ بِعَصًا قُتِلَ بِعَصًا وَلَيْسَ فِي هَذَا عَدَدٌ فَإِنْ ضَرَبَهُ بِعَصَاتَيْنِ فَمَاتَ مِنْهُمَا فَإِنَّ الْقَاتِلَ يُضْرَبُ بِالْعَصَا أَبَدًا حَتَّى يَمُوتَ. (وَمُكِّنَ مُسْتَحِقٌّ مِنْ السَّيْفِ مُطْلَقًا) ابْنُ الْحَاجِبِ: مَهْمَا عَدَلَ الْمُسْتَحِقُّ إلَى السَّيْفِ مُكِّنَ انْتَهَى. وَانْظُرْ هُنَا ذَكَرُوا أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَتْلِ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ ثَبَتَ قَتْلُهُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ يُقْتَلْ بِالْقَسَامَةِ فَلَا يُقْتَلُ إلَّا بِالسَّيْفِ. (وَانْدَرَجَ طَرَفٌ إنْ تَعَمَّدَهُ) الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ قُتِلَ وَلَا تُقْطَعُ يَدَاهُ وَلَا رِجْلَاهُ وَكُلُّ قِصَاصِ الْقَتْلِ يَأْتِي عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْعَذَابِ. قَالَ أَصْبَغُ: إنْ لَمْ يُرِدْ الْقَاتِلُ بِقَطْعِ يَدِهِ الْعَبَثَ وَالْإِيلَامَ قُتِلَ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ ذَلِكَ فُعِلَ بِهِ مِثْلُهُ. وَقَالَهُ ابْنُ مُزَيْنٍ. (وَإِنْ لِغَيْرِهِ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ: مَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ وَقَتَلَ آخَرَ فَالْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ (لَمْ يَقْصِدْ مُثْلَةً) تَقَدَّمَ هَذَا لِابْنِ يُونُسَ. (كَالْأَصَابِعِ فِي الْيَدِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ قَطَعَ أَصَابِعَ يَدِ رَجُلٍ وَيَدَ آخَرَ مِنْ الْكُوعِ وَيَدَ آخَرَ مِنْ الْمِرْفَقِ قُطِعَ لَهُ مِنْ الْمِرْفَقِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لِابْنِ رُشْدٍ: مَنْ قَطَعَ أَصَابِعَ كَفِّ رَجُلٍ ثُمَّ كَفَّهُ قُطِعَتْ أَصَابِعُهُ ثُمَّ كَفُّهُ فَأَحْرَى فِي رَجُلَيْنِ. انْتَهَى مَا لِابْنِ عَرَفَةَ. [كِتَابُ الدِّيَاتِ] [الْوَاجِبِ فِي الدِّيَةِ] [دِيَةُ النَّفْسِ] (وَدِيَةُ الْخَطَأِ عَلَى الْبَادِي مُخَمَّسَةٌ، بِنْتُ مَخَاضٍ وَوَلَدَا اللَّبُونِ وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ) ابْنُ شَاسٍ: كِتَابُ الدِّيَاتِ وَالنَّظَرُ فِي أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ فِي الْوَاجِبِ وَفِيهِ بَابَانِ: الْأَوَّلُ فِي النَّفْسِ، الثَّانِي فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. الْقِسْمُ الثَّانِي فِي الْمُوجِبِ مِنْ الْأَسْبَابِ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ مَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. الرَّابِعُ فِي غُرَّةِ الْجَنِينِ وَدِيَةِ النَّفْسِ الْكَامِلَةِ عِنْدَ الْخَطَأِ مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ بِحَسَبِ الْجَانِي فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي أَهْلِ الْعَمُودِ فَهِيَ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مُخَمَّسَةً: عِشْرُونَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتُ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنُ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةٌ. [دِيَة الْعَمْد وشبه الْعَمْد وَالْخَطَأ] (وَرُبِّعَتْ فِي عَمَدٍ بِحَذْفِ ابْنِ اللَّبُونِ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا دِيَةُ الْعَمْدِ إذَا وَجَبَتْ فَمُرَبَّعَةٌ: خَمْسُ وَعِشْرُونَ مِنْ كُلِّ سِنٍّ مِنْ الْإِنَاثِ بَعْدَ إسْقَاطِ ابْنِ اللَّبُونِ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: دِيَةُ الْعَمْدِ إذَا قُبِلَتْ مُبْهَمَةً فَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْنَانٍ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَلِكَ إذَا عَفَا أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ فَجَازَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَقِيَ قَضَاءً لِمَنْ بَقِيَ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 331 حِسَابِ الدِّيَةِ الْمُرَبَّعَةِ. (وَثُلِّثَتْ فِي الْأَبِ وَلَوْ مَجُوسِيًّا فِي عَمْدٍ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ كَجُرْحِهِ بِثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً بِلَا حَدِّ سِنٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: شِبْهُ الْعَمْدِ لَا أَعْرِفُهُ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ، وَلَا تَغْلُظُ الدِّيَةُ إلَّا فِي مِثْلِ مَا فَعَلَ الْمُدْلِجِيُّ بِابْنِهِ، فَإِنَّ الْأَبَ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ بِحَدِيدَةٍ حَذَفَهُ بِهَا أَوْ بِغَيْرِهَا مِمَّا يُقَادُ مِنْ غَيْرِ الْوَالِدِ فِيهِ فَإِنَّ الْأَبَ يُدْرَأُ عَنْهُ الْقَوَدُ وَتَغْلُظُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَتَكُونُ فِي مَالِهِ وَهِيَ: ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا، لَا يُبَالِي مِنْ أَيِّ الْأَسْنَانِ كَانَتْ. وَلَا يَرِثُ الْأَبُ فِي هَذَا مِنْ مَالِ الْوَلَدِ وَلَا مِنْ دِيَتِهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ مِنْ الْعَمْدِ لَا مِنْ الْخَطَأِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الْخَطَأِ لَحَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ وَوَرِثَ مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ الدِّيَةِ، وَالْأُمُّ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ، وَتَغْلُظُ الدِّيَةُ عَلَى أَبُ الْأَبِ كَالْأَبِ. وَكَذَلِكَ الْأَبُ يَجْرَحُ وَلَدَهُ أَوْ يَقْطَعُ شَيْئًا مِنْ أَعْضَائِهِ كَحَالِ مَا صَنَعَ الْمُدْلِجِيُّ فَإِنَّ الدِّيَةَ تَغْلُظُ فِيهِ وَتَكُونُ فِي مَالِ الْأَبِ حَالًّا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَضْجَعَ رَجُلٌ ابْنَهُ فَذَبَحَهُ ذَبْحًا أَوْ شَقَّ بَطْنَهُ شَقًّا مِمَّا يُعْلِمُ أَنَّهُ تَعَمَّدَ الْقَتْلَ أَوْ صَنَعَتْ ذَلِكَ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا، فَفِيهِ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ مَنْ لَهُ الْعَفْوُ وَالْقِيَامُ. قَالَ سَحْنُونَ: وَإِذَا قَتَلَ الْمَجُوسِيُّ ابْنَهُ فَأَصْحَابُنَا يَرَوْنَ أَنْ تَغْلُظَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ إذَا حُكِمَ بَيْنَهُمْ خِلَافًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ. (وَعَلَى الشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى الْعِرَاقِيِّ اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: دِيَةُ الْخَطَأِ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: كَأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ. قَالَ الْجَلَّابُ: وَالْمَغْرِبُ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْأَنْدَلُسُ وَمَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ أَلْفُ دِينَارٍ. وَعَلَى ذَوِي الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: هُمْ كَأَهْلِ الْعِرَاقِ. الْجَلَّابُ: وَفَارِسُ وَخُرَاسَانُ (إلَّا فِي الْمُثَلَّثَةِ فَيُزَادُ نِسْبَةُ مَا بَيْنَ الدِّيَتَيْنِ) الْكَافِي: دِيَةُ الْخَطَأِ وَدِيَةُ الْعَمْدِ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَأَهْلِ الْوَرِقِ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ الدِّيَتَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَهْلِ الْإِبِلِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ الَّتِي تَكُونُ أَثْلَاثًا فَتَغْلُظُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ كَمَا تَغْلُظُ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: تَغْلُظُ الدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَيُنْظَرُ كَمْ قِيمَةُ أَسْنَانِ الْمُغَلَّظَةِ وَكَمْ قِيمَةُ أَسْنَانِ الْخَطَأِ، فَيُنْظَرُ كَمْ زَادَتْ قِيمَةُ الْمُغَلَّظَةِ عَلَى دِيَةِ الْخَطَإِ. ثُمَّ يُنْظَرُ كَمْ ذَلِكَ الزَّائِدُ مِنْ قِيمَةِ أَسْنَانِ دِيَةِ الْخَطَإِ. فَإِنْ كَانَ قَدْرَ رُبُعِهَا كَانَ لَهُ دِيَةٌ وَرُبُعٌ وَكَذَلِكَ مَا قَلَّ وَكَثُرَ مِنْ الْأَجْزَاءِ. (وَلِلْكِتَابِيِّ وَالْمُعَاهِدِ نِصْفُهُ وَلِلْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ ثُلُثَا خُمُسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَدِيَةُ نِسَائِهِمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ رِجَالِهِمْ، وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَالْمَجُوسِيَّةُ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ. ابْنُ شَاسٍ: وَالْمُعَاهِدُ كَالذِّمِّيِّ. وَدِيَةُ نِسَاءِ كُلِّ جِنْسٍ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ رِجَالِهِمْ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمُرْتَدُّ إنْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ قَبْلَ اسْتِتَابَتِهِ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَأَصْبَغُ: وَدِيَتُهُ دِيَةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 332 مَجُوسِيٍّ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي نَفْسِهِ وَجُرْحِهِ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ. الطُّرْطُوشِيُّ: وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ بِحَالٍ كَمَنْ بِجَزِيرَةٍ لَا يُضْمَنُ إنْ قُتِلَ. قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إنْ أَقَامَ مُسْلِمٌ بِدَارِ الْحَرْبِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى خُرُوجِهِ لَا دِيَةَ فِيهِ. اُنْظُرْ فِي الْجِهَادِ عِنْدَ قَوْلِهِ. (وَأُنْثَى كُلٍّ نِصْفُهُ) الرِّسَالَةُ: وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَكَذَلِكَ دِيَةُ الْكِتَابِيِّينَ وَنِسَائِهِمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: دِيَةُ نِسَاءِ كُلِّ نَوْعٍ نِصْفُ دِيَةِ رِجَالِهِ، وَدِيَةُ جِرَاحِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ دِيَاتِهِمْ كَجِرَاحِ الْمُسْلِمِ مِنْ دِيَتِهِ. (وَفِي الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: فِي كُلِّ ذِي رِقٍّ قِيمَتُهُ وَلَوْ زَادَتْ عَلَى أَكْثَرِ دِيَتِهِ. (وَفِي الْجَنِينِ وَإِنْ عَلَقَةً عُشْرُ أُمِّهِ وَلَوْ أَمَةً نَقْدًا أَوْ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ تُسَاوِيه) أَبُو عُمَرَ: إذَا ضُرِبَتْ الْمَرْأَةُ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا لَمْ يَسْتَهِلَّ فَفِيهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، قِيمَتُهُ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ خَمْسُونَ دِينَارًا عِنْدَ مَالِكٍ أَوْ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَفِي جَنِينِ النَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ إنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَهِيَ حَيَّةٌ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ كَجَنِينِ الْحُرَّةِ مِنْ دِيَةِ أُمِّهِ. اللَّخْمِيِّ: الْجَانِي مُخَيَّرٌ فِي غُرْمِ عُشْرِ دِيَةِ الْأُمِّ أَوْ فِي غُرْمِ الْغُرَّةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: فِي جَنِينِ الْأَمَةِ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ، كَانَ أَبُوهُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا. رَوَى ابْنُ نَافِعٍ: زَادَتْ عَلَى الْغُرَّةِ أَوْ قَصُرَتْ. وَمَنْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ، وَلَوْ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَفِيهِ دِيَةُ حُرٍّ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْجَنِينُ مَا عُلِمَ أَنَّهُ حَمْلٌ وَإِنْ كَانَ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً أَوْ مُصَوَّرًا. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الدَّمَ الْمُجْتَمِعَ فِيهِ لَغْوٌ فِي اسْتِبْرَائِهَا أَنَّهُ حَمْلٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَسَوَاءٌ ضُرِبَتْ الْأُمُّ عَمْدًا أَوْ خَطَأً (وَالْأَمَةُ مِنْ سَيِّدِهَا وَالنَّصْرَانِيَّةُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ كَالْحُرَّةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: فِي جَنِينِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ سَيِّدِهَا مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ، وَكَذَا جَنِينُ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ زَوْجِهَا الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ (إنْ زَايَلَهَا كُلُّهُ حَيَّةً) ابْنُ عَرَفَةَ: الْغُرَّةُ وَاجِبَةٌ فِي الْجَنِينِ بِانْفِصَالِهِ مَيِّتًا قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ اتِّفَاقًا. ابْنُ شَاسٍ: فَلَوْ خَرَجَ رَأْسُ الْجَنِينِ وَمَاتَتْ الْأُمُّ فَفِي إيجَابِ الْغُرَّةِ فِيهِ قَوْلَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا بَلْ الْمَعْنَى كَمَالُ خُرُوجِهِ (إلَّا أَنْ يَحْيَى فَالدِّيَةُ إنْ أَقْسَمُوا وَلَوْ مَاتَ عَاجِلًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ضُرِبَ بَطْنُهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَتْ بِجَنِينٍ فِي بَطْنِهَا وَمَاتَ الْخَارِجُ قَبْلَ مَوْتِهَا أَوْ بَعْدُ، فَفِي الْأُمِّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْكَفَّارَةُ وَلَا دِيَةَ فِي الْجَنِينِ الَّذِي لَمْ يُزَايِلْهَا وَلَا كَفَّارَةَ، وَاَلَّذِي أَلْقَتْهُ، إنْ اسْتَهَلَّ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ فَفِيهِ الْغُرَّةُ. وَلِبَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ: لَا قَسَامَةَ إنْ مَاتَ مَكَانَهُ وَإِنَّمَا تَكُونُ الْقَسَامَةُ إذَا عَاشَ ثُمَّ مَاتَ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَذُكِّيَ الْمُزْلَقُ " أَنَّ الْجَنِينَ لَا عِبْرَةَ بِحَيَاتِهِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَلَا تُرَاعَى بَعْدَ خُرُوجِهِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ يَعِيشُ مِثْلُهُ وَكَذَلِكَ إرْثُهُ حَسْبَمَا يَأْتِي. (وَإِنَّ تَعَمَّدَهُ بِضَرْبِ ظَهْرٍ أَوْ بَطْنٍ أَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 333 رَأْسٍ فَفِي الْقِصَاصِ خِلَافٌ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا وَانْفَصَلَ الْجَنِينُ حَيًّا فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا وَهِيَ حَيَّةٌ أَوْ مَيِّتَةٌ وَالضَّرْبُ خَطَأً وَمَاتَ بِالْحَضْرَةِ فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: تُوقَفُ دِيَتُهُ عَلَى الْقَسَامَةِ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَمَاتَ مِنْ الضَّرْبَةِ أَوْ لِمَا عَرَضَ بَعْدَ خُرُوجِهِ. وَلَوْ كَانَ الضَّرْبُ عَمْدًا عَلَى بَطْنِهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجِبُ الْقَوَدُ فِيهِ بِقَسَامَةٍ. وَهَذَا إنْ تَعَمَّدَ ضَرْبَ الْبَطْنِ أَوْ الظَّهْرِ أَوْ مَوْضِعًا يَرَى أَنَّهُ أُصِيبَ بِهِ، أَمَّا لَوْ ضَرَبَ رَأْسَهَا أَوْ يَدَهَا أَوْ رِجْلَهَا فَفِيهِ الدِّيَةُ. (وَتَعَدَّدَ الْوَاجِبُ بِتَعَدُّدِهِ) سُمِعَ الْقَرِينَانِ: مَنْ ضُرِبَتْ فَطَرَحَتْ جَنِينَيْنِ لَمْ يَسْتَهِلَّا فَفِيهِمَا غُرَّتَانِ وَلَوْ اسْتَهَلَّا كَانَ فِيهِمَا دِيَتَانِ، وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ. (وَوَرِثَتْ عَلَى الْفَرَائِضِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تُورَثُ الْغُرَّةُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ. [الدِّيَة الْوَاجِبَة فِيمَا دُون النَّفْس] (وَفِي الْجِرَاحِ حُكُومَةٌ بِنِسْبَةِ نُقْصَانِ الْجِنَايَةِ إذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 334 بَرِئَ مِنْ قِيمَتِهِ عَبْدًا فَرْضًا مِنْ الدِّيَةِ) ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الثَّانِي فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَهَذِهِ الْجِنَايَةُ إمَّا جُرْحٌ وَإِمَّا إبَانَةٌ، وَإِمَّا إبْطَالُ مَنْفَعَةٍ. الْأَوَّلُ الْجُرْحُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ تَرْتِيبِهِ، وَفِي جَمِيعِهِ الْحُكُومَةُ إلَّا الْمُوضِحَةَ فَفِيهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَمِنْ الْكَافِي: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ الشِّجَاجِ كُلِّهَا إذَا أُصِيبَتْ خَطَأً إلَّا الِاجْتِهَادُ وَالْحُكُومَةُ، وَذَلِكَ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَبْدًا صَحِيحًا وَيُقَوِّمَ عَبْدًا مَعِيبًا وَيَنْظُرُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ، فَيَجْعَلُ ذَلِكَ جُزْءًا مِنْ دِيَتِهِ عَلَى الْجَانِي فِي مَالِهِ، وَكَذَلِكَ جِرَاحُ الْجَسَدِ كُلُّهَا غَيْرَ الْجَائِفَةِ لَيْسَ فِيهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ عَقْدٌ مُسَمًّى، وَإِنَّمَا فِيهَا اجْتِهَادُ الْحَاكِمِ عَلَى قَدْرِ الشَّيْنِ وَالْأَلَمِ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي جِرَاحِ الْخَطَأِ، فَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا وَضُبِطَ فِيهَا الْقَوَدُ وَعُرِفَ عُمْقُ ذَلِكَ وَقَدْرُهُ طُولًا وَعَرْضًا، أُقِيدَ مِنْهَا، إذَا بَرِئَ الْمَجْرُوحُ، وَلَا قَوَدَ فِي جَائِفَةٍ وَلَا مَأْمُومَةٍ وَلَا مُنَقِّلَةٍ. وَالْجَائِفَةُ مَا وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ مِنْ مُقَدَّمِ الْجَوْفِ أَوْ مِنْ الْجَنْبِ أَوْ الظَّهْرِ أَوْ الْخَصْرِ وَلَوْ بِإِبْرَةٍ، وَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ بَعْدَ الْبُرْءِ. وَالْمَأْمُومَةُ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الرَّأْسِ وَمَعْنَاهَا مَا وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ وَلَوْ وَبِإِبْرَةٍ، فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ بَعْدَ الْبُرْءِ. وَالْهَاشِمَةُ فِيهَا عُشْرُ الدِّيَةِ مِائَةُ دِينَارٍ وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا الْهَاشِمَةُ فَلَا دِيَةَ فِيهَا بَلْ حُكُومَةٌ. الشَّيْخُ: رَوَى أَصْحَابُ مَالِكٍ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ فِي الْخَطَأِ عَقْلٌ مُسَمًّى. ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: إلَّا أَنْ يَبْرَأَ عَلَى شَيْنٍ فَفِيهِ حُكُومَةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: أَلْفَاظُ الْمُدَوَّنَةِ يَأْتِي فِيهَا مَرَّةً لَفْظُ الْحُكُومَةِ، وَمَرَّةً لَفْظُ الِاجْتِهَادِ. وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ " الْحُكُومَةُ تُقَدَّرُ بَعْدَ انْدِمَالِ الْجُرْحِ وَهُوَ مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا. وَمَا بَرِئَ مِنْ الْخَطَأِ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فِيهِ إلَّا الْمُوضِحَةَ فَفِيهَا دِيَتُهَا لِأَنَّ فِيهَا دِيَةً مُسَمَّاةً، وَمَا بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ وَلَيْسَ فِيهِ عَقْلٌ مُسَمًّى فَفِيهِ حُكُومَةٌ. (كَجَنِينِ الْبَهِيمَةِ) وَمِنْ الْكَافِي: مَنْ جَنَى عَلَى بَهِيمَةٍ شَيْئًا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا، فَإِنْ قَتَلَهَا غَرِمَ قِيمَتَهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَإِنْ قَطَعَ ذَنَبَ دَابَّةٍ أَوْ شَيْئًا مِنْ مَحَاسِنِهَا وَكَانَتْ مِنْ دَوَابِّ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ فَفِيهَا لِمَالِكٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 335 قَوْلَانِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ دَوَابِّ الْحُمُولَةِ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا إلَّا أَنْ يَذْهَبَ جُلُّ مَنَافِعِهَا فَالْقَوْلَانِ (إلَّا الْجَائِفَةَ وَالْآمَّةَ فَثُلُثٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: كُلُّ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّ فِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَالْجَائِفَةُ مِثْلُهَا. (وَالْمُوضِحَةَ فَنِصْفُ عُشْرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ، كُلُّ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّ فِي الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا تَكُونُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا فِي جُمْجُمَةِ الرَّأْسِ وَفِيهَا الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَخَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فِي الْخَطَأِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي الْوَجْهِ فَتَشِينُهُ فَيُزَادُ فِيهَا بِقَدْرِ شَيْنِهَا (وَالْمُنَقِّلَةَ وَالْهَاشِمَةَ فَعُشْرٌ وَنِصْفُهُ) أَمَّا الْمُنَقِّلَةُ فَقَالَ فِي الْكَافِي: فِي الْمُنَقِّلَةِ عُشْرُ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً أَوْ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِينَارًا. ابْنُ رُشْدٍ: الْخَطَأُ وَالْعَمْدُ فِي الْمُنَقِّلَةِ سَوَاءٌ إذْ لَا قِصَاصَ فِيهَا لِأَنَّهَا مِنْ الْمَتَالِفِ، وَأَمَّا الْهَاشِمَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ لَا دِيَةَ فِيهَا، وَقَوْلُ أَبِي عُمَرَ فِيهَا عُشْرُ الدِّيَةِ. فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الْهَاشِمَةُ فَلَمْ يَعْرِفْهَا مَالِكٌ، وَدِيَتُهَا عِنْدَ مَنْ عَرَفَهَا مِنْ الْعُلَمَاءِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ (وَإِنْ بِشَيْنٍ فِيهِنَّ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ وَابْنُ شَاسٍ إنْ بَقِيَ حَوَالَيْ الْجُرْحِ شَيْنٌ وَكَانَ أَرْشُ الْجُرْحِ مُقَدَّرًا انْدَرَجَ الشَّيْنُ إلَّا فِي مُوضِحَةِ الْوَجْهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 336 وَالرَّأْسِ فَإِنَّهُ يُزَادُ عَلَى عَقْلِهَا بِقَدْرِ مَا أَشَانَتْ بِالِاجْتِهَادِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ اُنْظُرْهَا قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَالْمُنَقِّلَةَ " (إنْ كُنَّ بِرَأْسٍ أَوْ لَحْيٍ أَعْلَى وَالْقِيمَةُ لِلْعَبْدِ كَالدِّيَةِ وَإِلَّا فَلَا تَقْدِيرَ) اُنْظُرْ إقْحَامَ قَوْلِهِ: " وَالْقِيمَةُ لِلْعَبْدِ كَالدِّيَةِ " أَثْنَاءَ قَوْلِهِ: " إنْ كُنَّ بِرَأْسٍ أَوْ لَحْيٍ أَعَلَا وَإِلَّا فَلَا تَقْدِيرَ ". وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْجِرَاحِ كُلِّهَا الْحُكُومَةُ إلَّا أَرْبَعَةً: الْمُوضِحَةَ وَالْمُنَقِّلَةَ وَالْمَأْمُومَةَ وَالْجَائِفَةَ. ثُمَّ قَالَ: وَتَخْتَصُّ الْمُوضِحَةُ وَأُخْتَاهَا بِعَظْمِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ دُونَ الْأَنْفِ وَاللَّحْيِ الْأَسْفَلِ. ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا هَاشِمَةُ الْبَدَنِ وَمُنَقِّلَتُهُ وَغَيْرُهَا فَالِاجْتِهَادُ يَعْنِي إلَّا الْجَائِفَةَ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ ذَكَرَهَا. وَمِنْ الْكَافِي: الْمُوضِحَةُ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ. وَكَذَلِكَ الشِّجَاجُ كُلُّهَا وَمَا كَانَ فِي الْجَسَدِ مِنْ ذَلِكَ قِيلَ لَهَا جِرَاحٌ لَا شِجَاجٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: " وَكَذَلِكَ جِرَاحُ الْجَسَدِ كُلُّهَا غَيْرَ الْجَائِفَةِ لَيْسَ فِيهَا عَقْلٌ مُسَمًّى " اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَفِي الْجِرَاحِ حُكُومَةٌ ". وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَ " الْقِيمَةُ لِلْعَبْدِ كَالدِّيَةِ " فَقَالَ مَالِكٌ: إنْ قَتَلَ حُرٌّ عَبْدًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَا بَلَغَتْ وَإِنْ جَاوَزَتْ الدِّيَةَ، وَإِنْ جَرَحَهُ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ بَعْدَ بُرْئِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَمُوضِحَةُ الْعَبْدِ وَمُنَقِّلَتُهُ وَجَائِفَتُهُ وَمَأْمُومَتُهُ فِي ثَمَنِهِ بِمَنْزِلَتِهِنَّ فِي دِيَةِ الْحُرِّ. قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: إذْ لَا يَنْقُصُ ثَمَنُهُ إذَا بَرِئَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِنَّ مَا ذَكَرْنَا. ابْنُ رُشْدٍ: الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ عَلَى وُجُوبِ أَجْرِ الطَّبِيبِ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِنْ جِرَاحِ الْجَسَدِ، وَأَخَذَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ مَرَّةً بِوُجُوبِ الرِّفْقِ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ أَحْرَوِيٌّ لِأَنَّ الدِّمَاءَ آكَدُ مِنْ الْأَمْوَالِ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ انْكَسَرَتْ فَخِذُهُ ثُمَّ انْجَبَرَتْ مُسْتَوِيَةً، أَلَهُ مَا أَنْفَقَ فِي عِلَاجِهِ؟ قَالَ: مَا عَلِمْتَهُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ. أَرَأَيْتَ إنْ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ أَيَكُونُ لَهُ قِيمَةُ الشَّيْنِ وَمَا أَنْفَقَ؟ . (وَتَعَدَّدَ الْوَاجِبُ بِجَائِفَةٍ نَفَذَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ نَفَذَتْ الْجَائِفَةُ فَقَدْ اخْتَلَفَ، فِيهَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ. فِيهَا دِيَةُ جَائِفَتَيْنِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 337 وَصَوَّبَ اللَّخْمِيِّ قَوْلَ مَالِكٍ الْآخَرَ أَنَّهَا جَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ: لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ فِيهَا ثُلُثَ دِيَةٍ لِقَدْرِهَا وَأَنَّهَا تُصَادِفُ مَقْتَلَ الْقَلْبِ أَوْ الْكَبِدِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهَذَا إنَّمَا يُخْشَى حِينَ الضَّرْبَةِ مِنْ خَارِجٍ وَنُفُوذِهَا مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ لَا غَرَرَ فِيهِ (كَتَعَدُّدِ الْمُوضِحَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْآمَّةِ إنْ لَمْ تَتَّصِلْ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ بِفَوْرٍ فِي ضَرَبَاتٍ) لَوْ قَالَ: " وَتَعَدَّدَ الْوَاجِبُ بِجَائِفَةٍ نَفَذَتْ كَتَعَدُّدِهَا وَتَعَدُّدِ الْمُوضِحَةِ " لِتَنْزِلَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَعَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَوْ انْخَرَقَ مَا بَيْنَ الْجَائِفَتَيْنِ لَكَانَ فِيهِمَا دِيَةُ جَائِفَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْمُوضِحَةِ تَعْظُمُ فَتَكْشِفُ مِنْ قَرْنِهِ إلَى قَدَمِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ ضَرَبَاتٍ إلَّا أَنَّهُ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ. وَكَذَلِكَ الْمَأْمُومَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَنْخَرِقْ الْجِلْدُ حَتَّى يَتَّصِلَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ ضَرْبَةً وَاحِدَةً حَتَّى تَصِيرَ تِلْكَ الضَّرْبَةُ مَوَاضِحَ، فَإِنْ كَانَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ وَرَمًا أَوْ جُرْحًا لَا يَبْلُغُ الْعَظْمَ أَوْ صَارَتْ الضَّرْبَةُ مَنَاقِلَ وَمَا بَيْنَ الْمَنَاقِلِ مِثْلُ ذَلِكَ أَوْ صَارَتْ الضَّرَبَاتُ مَوَائِمَ وَمَا بَيْنَهَا مِثْلُ ذَلِكَ وَلَمْ يَخْرِقْ ذَلِكَ، فَلَهُ دِيَةُ تِلْكَ الْمَوَاضِحِ وَالْمَنَاقِلِ وَالْمَوَائِمِ. [الدِّيَة الْوَاجِبَة فِيمَا يَفُوت الْمَنَافِع] (وَالدِّيَةُ فِي الْعَقْلِ) ابْنُ شَاسٍ: النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْجِنَايَاتِ مَا يُفَوِّتُ الْمَنَافِعَ وَالنَّظَرُ فِي عَشْرِ مَنَافِعَ: الْأَوَّلُ الْعَقْلُ إذَا أَزَالَهُ بِالضَّرْبِ فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ نَقَصَ بَعْضُهُ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ (أَوْ السَّمْعِ) فِي الْمُوَطَّأِ: بَلَغَنِي أَنَّ فِي الْأُذُنَيْنِ إذَا ذَهَبَ سَمْعُهُمَا الدِّيَةُ كَامِلَةً اصْطَلَمَتَا أَوْ لَمْ تَصْطَلِمَا، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا الدِّيَةُ فِي السَّمْعِ لَا فِي الْأُذُنَيْنِ. ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا الدِّيَةُ فِي السَّمْعِ لَا فِي الْأُذُنَيْنِ، وَإِنْ ذَهَبَتَا وَالسَّمْعُ بَاقٍ فَإِنَّمَا فِيهِمَا حُكُومَةٌ (أَوْ الْبَصَرِ) ابْنُ شَاسٍ: فِي إبْطَالِ الْبَصَرِ مِنْ الْعَيْنَيْنِ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَقَتَيْنِ كَمَالُ الدِّيَةِ (أَوْ الشَّمِّ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ كَامِلَةً. وَأَمَّا الشَّمُّ فَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ. وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ فِيهِ حُكُومَةٌ (أَوْ النُّطْقِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا قُطِعَ اللِّسَانُ مِنْ أَصْلِهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَ مِنْهُ مَا مَنَعَ الْكَلَامَ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ الْكَلَامِ شَيْئًا فَفِيهِ الِاجْتِهَادُ بِقَدْرِ شَيْنِهِ إنْ شَانَهُ وَإِنَّمَا الدِّيَةُ فِي الْكَلَامِ فِي اللِّسَانِ كَالْأُذُنَيْنِ إنَّمَا الدِّيَةُ فِي السَّمْعِ لَا فِيهِمَا (أَوْ الصَّوْتِ) ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي الصَّوْتِ الدِّيَةُ (أَوْ الذَّوْقِ) اللَّخْمِيِّ: وَفِي الذَّوْقِ الدِّيَةُ قِيَاسًا عَلَى الشَّمِّ وَنَقَلَهُ ابْنُ زَرْقُونٍ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ (أَوْ قُوَّةِ الْجِمَاعِ) ابْنُ عَرَفَةَ: إذْهَابُ الْجِمَاعِ فِيهِ الدِّيَةُ. قَالَهُ ابْنُ زَرْقُونٍ: عَنْ الْمَذْهَبِ (وَنَسْلِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: ذَهَابُ النَّسْلِ قَالَ اللَّخْمِيِّ: فِيهِ الدِّيَةُ (أَوْ تَجْذِيمِهِ أَوْ تَبْرِيصِهِ أَوْ تَسْوِيدِهِ) اللَّخْمِيِّ: تَجِبُ الدِّيَةُ إذَا أَجْذَمَهُ أَوْ أَبْرَصَهُ أَوْ سَقَاهُ مَا يُسَوِّدُ جِسْمَهُ أَوْ وَجْهَهُ (أَوْ قِيَامِهِ وَجُلُوسِهِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ ضَرَبَ صُلْبَهُ فَبَطَلَ قِيَامُهُ وَجُلُوسُهُ وَجَبَ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَإِنْ بَطَلَ قِيَامُهُ فَقَطْ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ فِيهِ كَمَالَ الدِّيَةِ. (أَوْ الْأُذُنَيْنِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ السَّمْعِ ". وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: النَّوْعُ الثَّانِي الْقَطْعُ الْمُبَيِّنُ لِلْأَعْضَاءِ وَذَوَاتُ الدِّيَةِ مِنْ الْأَعْضَاءِ اثْنَا عَشَرَ: الْأَوَّلُ الْأُذُنَانِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَيْسَ فِيهَا سِوَى حُكُومَةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: ثَالِثُ الْأَقْوَالِ، فِي الْأُذُنَيْنِ حُكُومَةٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 338 مُطْلَقًا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. (أَوْ الشَّوَى) ابْنُ الْمَاجِشُونِ: فِي الشَّوَى وَهِيَ جِلْدَةُ الرَّأْسِ الدِّيَةُ كَامِلَةً. (أَوْ الْعَيْنَيْنِ أَوْ عَيْنِ الْأَعْوَرِ لِلسُّنَّةِ بِخِلَافِ كُلِّ زَوْجٍ فَإِنَّ فِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهُ) قَالَ ابْنُ شَاسٍ: فِي إحْدَى الْعَيْنَيْنِ إذَا فُقِدَتْ نِصْفُ الدِّيَةِ، فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ الدِّيَةُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ مِمَّا هُوَ زَوْجٌ، وَفِي الْأَسْنَانِ مِثْلُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إلَّا فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ فَقَطْ لِمَا جَاءَ فِيهَا مِنْ السُّنَّةِ وَإِنَّمَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ نِصْفُ الدِّيَةِ. (وَفِي الْيَدَيْنِ) ابْنُ شَاسٍ: فِي الْيَدَيْنِ مَعَ الْكَفَّيْنِ كَمَالُ الدِّيَةِ. (وَفِي الرِّجْلَيْنِ) ابْنُ شَاسٍ: الرِّجْلَانِ كَالْيَدَيْنِ. (وَمَارِنِ الْأَنْفِ وَالْحَشَفَةِ وَفِي بَعْضِهَا بِحِسَابِهَا فِيهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: فِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ كَامِلَةً قُطِعَ مِنْ الْمَارِنِ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ كَالْحَشَفَةِ فِيهَا الدِّيَةُ كَمَا فِي اسْتِئْصَالِ الذَّكَرِ، وَإِذَا قُطِعَ بَعْضُ الْحَشَفَةِ فَمِنْ الْحَشَفَةِ يُقَاسُ لَا مِنْ أَصْلِ الذَّكَرِ، فَمَا نَقَصَ مِنْهَا فَفِيهِ بِحِسَابِهِ مِنْ الدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ مَا قُطِعَ مِنْ الْأَنْفِ إنَّمَا يُقَاسُ مِنْ الْمَارِنِ (لَا مِنْ أَصْلِهِ وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ مُطْلَقًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قُطِعَتْ الْأُنْثَيَانِ مَعَ الذَّكَرِ فَفِي ذَلِكَ دِيَتَانِ، وَإِنْ قُطِعَتَا قَبْلَ الذَّكَرِ أَوْ بَعْدَهُ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، وَإِنْ قُطِعَ الذَّكَرُ قَبْلَهُمَا أَوْ بَعْدَهُمَا فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَمَنْ لَا ذَكَرَ لَهُ فَفِي أُنْثَيَيْهِ الدِّيَةُ، وَمَنْ لَا أُنْثَيَيْنِ لَهُ فَفِي ذَكَرِهِ الدِّيَةُ، وَالْبَيْضَتَانِ عِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءٌ الْيُسْرَى وَالْيُمْنَى فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ. (وَفِي ذَكَرِ الْعِنِّينِ قَوْلَانِ) ابْنُ شَاسٍ: فِي ذَكَرِ الْعِنِّينِ وَالْخَصِيِّ دِيَةٌ وَقِيلَ حُكُومَةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ: فِي ذَكَرِ الْعِنِّينِ حُكُومَةٌ، وَعَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَيُخْتَلَفُ فِي الْحَصُورِ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَفِي شُفْرَيْ الْمَرْأَةِ إنْ بَدَا الْعَظْمُ) ابْنُ عَرَفَةَ: شُفْرَيْ الْمَرْأَةِ قَالَ الْأَخَوَانِ: إنْ سُلَّتَا حَتَّى بَدَا الْعَظْمُ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ. هُمَا أَعْظَمُ مِنْ ذَهَابِ ثَدْيَيْهَا. (وَفِي ثَدْيَيْهَا) ابْنُ عَرَفَةَ ثَدْيَا الْمَرْأَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَعَ غَيْرِهَا فِيهِمَا الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهَا. (أَوْ حَلَمَتَيْهِمَا إنْ بَطَلَ اللَّبَنُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَطَعَ حَلَمَتَيْهِمَا فَإِنْ كَانَ قَدْ أَبْطَلَ مَخْرَجَ اللَّبَنِ أَوْ أَفْسَدَهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ. (وَاسْتُؤْنِيَ بِالصَّغِيرَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَطَعَ ثَدْيَا الصَّغِيرَةِ فَإِنْ اُسْتُؤْنِيَ أَنَّهُ أَبْطَلَهُمَا فَلَا تَعُودَانِ أَبَدًا فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ وُضِعَتْ الدِّيَةُ وَاسْتُؤْنِيَ بِهَا كَسِنِّ الصَّبِيِّ، فَإِنْ نَبَتَا فَلَا عَقْلَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْبُتَا أَوْ سَطَرَتْ فَيَبِسَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ. (وَسِنٍّ لِصَغِيرٍ لَمْ يَثْغَرْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ طَرَحَ سِنَّ صَبِيٍّ لَمْ يَثْغَرَ خَطَأً وَقَفَ عَقْلُهُ بِيَدِ عَدْلٍ، فَإِنْ عَادَتْ لِهَيْئَتِهَا رَجَعَ الْعَقْلُ إلَى مَخْرَجِهِ، وَإِنْ لَمْ تَعُدْ أُعْطِيَ الصَّبِيُّ الْعَقْلَ كَامِلًا، وَإِنْ هَلَكَ الصَّبِيُّ قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ سِنُّهُ فَالْعَقْلُ لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ نَبَتَتْ أَصْغَرَ مِنْ قَدْرِهَا الَّذِي قُلِعَتْ مِنْهُ كَانَ لَهُ مِنْ الْعَقْلِ قَدْرُ مَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 339 نَقَصَتْ. وَلَوْ قُلِعَتْ عَمْدًا أُوقِفَ لَهُ الْعَقْلُ أَيْضًا وَلَا يُعَجَّلُ بِالْقَوَدِ حَتَّى يُسْتَبْرَأَ أَمْرُهَا، فَإِنْ عَادَتْ لِهَيْئَتِهَا فَلَا عَقْلَ فِيهَا وَلَا قَوَدَ، وَإِنْ عَادَتْ أَصْغَرَ مِنْ قَدْرِهَا أُعْطِيَ مَا نَقَصَتْ، فَإِنْ لَمْ تَعُدْ لِهَيْئَتِهَا حَتَّى مَاتَ الصَّبِيُّ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَلَيْسَ فِيهَا عَقْلٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَمْ يَنْبُتْ (لِلْإِيَاسِ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ مَاتَ الصَّبِيُّ وُرِثَ الْعَقْلُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ لَوْ يَبِسَ مِنْ نَبَاتِهَا لَأَخَذَهُ الصَّبِيُّ (كَالْقَوَدِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ قُلِعَتْ عَمْدًا أُوقِفَ لَهُ الْعَقْلُ أَيْضًا خِلَافًا لِسَحْنُونٍ (وَإِلَّا اُنْتُظِرَ سَنَةٌ وَسَقَطٌ إنْ عَادَتْ وَوُرِثَا إنْ مَاتَ) ابْنُ الْحَاجِّ: وَسِنُّ الصَّبِيِّ لَمْ يَثْغَرْ يُوقَفُ عَقْلُهَا إلَى الْيَأْسِ كَالْقَوَدِ وَإِلَّا اُنْتُظِرَ بِهِمَا سَنَةٌ، فَإِنْ نَبَتَتَا سَقَطَتَا، فَإِنْ مَاتَ الصَّبِيُّ وَرِثَ الْقَوَدَ وَالْعَقْلَ. أَشْهَبُ: فَإِنْ كَانَ قَدْ أَثْغَرَ عُجِّلَ الْعَقْلُ فِي الْخَطَأِ وَالْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ (وَفِي عَوْدِ السِّنِّ أَصْغَرَ بِحِسَابِهَا) اُنْظُرْ قَبْلُ قَوْلَهُ: " لِلْإِيَاسِ ". (وَجُرِّبَ الْعَقْلُ فِي الْخَلَوَاتِ) الْمَذْهَبُ فِي الْعَقْلِ الدِّيَةُ. ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ نَقَصَ بَعْضُهُ فَفِيهِ بِحِسَابِ ذَلِكَ. اللَّخْمِيِّ: فَيُقَوِّمُ عَبْدًا سَلِيمَ الْعَقْلِ ثُمَّ يُقَوِّمُ عَبْدًا لَا تَمْيِيزَ مَعَهُ ثُمَّ يُقَوِّمُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ الْعَقْلِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَيُقَوِّمُ ثَلَاثَ قِيَمٍ. وَمِنْ عَادَةِ شَارِحِي ابْنِ الْحَاجِبِ نَقْلُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَهَاهُنَا لَمْ يَتَعَرَّضَا لِكَلَامِهِ بِحَالٍ فَلَعَلَّهُ بِصُعُوبَةِ فَهْمِهِ رَاجِعْهُ فِيهِ. (وَالسَّمْعُ بِأَنْ يُصَاحَ مِنْ أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ مَعَ سَدِّ الصَّحِيحَةِ وَنُسِبَ لِسَمْعِهِ الْآخَرِ وَإِلَّا فَسَمْعُهُ وَسَطٌ وَلَهُ بِنِسْبَتِهِ إنْ حَلَفَ وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ وَإِلَّا فَهَدَرٌ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مَا نَقَصَ مِنْ السَّمْعِ بِحِسَابِهِ وَيُعْرَفُ بِأَنْ يُصَاحَ مِنْ مَوَاضِعَ عِنْدَهُ مُخْتَلِفَةٍ مَعَ سَدِّ الصَّحِيحَةِ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ حَلَفَ وَنُسِبَ لِسَمْعِهِ الْآخَرِ وَإِلَّا فَسَمْعٌ وَسَطٌ، فَإِنْ اُخْتُلِفَ فَقِيلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَهُ الْأَقَلُّ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ اُنْظُرْهُ فِيهِ. وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ عَنْ أَشْهَبَ: إنَّهُ إنْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ. وَقَالَ أَصْبَغُ: هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (وَالْعَيْنُ بِإِغْلَاقِ الصَّحِيحَةِ كَذَلِكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أُصِيبَتْ الْعَيْنُ فَنَقَصَ بَصَرُهَا غُلِقَتْ الصَّحِيحَةُ ثُمَّ جُعِلَ لَهُ بَيْضَةٌ أَوْ شَيْءٌ فِي مَكَان يُخْتَبَرُ بِهِ مِنْهَا بَصَرُ السَّقِيمَةِ، فَإِذَا رَآهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 340 حُوِّلَتْ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، فَإِنْ تَسَاوَتْ الْأَمَاكِنُ أَوْ تَقَارَبَتْ قِيسَتْ الصَّحِيحَةُ ثُمَّ أُعْطِيَ بِقَدْرِ مَا انْتَقَصَتْ الْمُصَابَةُ مِنْ الصَّحِيحَةِ، وَالسَّمْعُ مِثْلُهُ يُخْتَبَرُ بِالْأَمْكِنَةِ أَيْضًا حَتَّى يُعْرَفَ صِدْقُهُ مِنْ كَذِبِهِ. وَإِنْ ادَّعَى الْمَضْرُوبُ أَنَّ جَمِيعَ بَصَرِهِ أَوْ سَمْعِهِ ذَهَبَ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ. وَالظَّالِمُ أَحَقُّ مَنْ حَمَلَ عَلَيْهِ وَيُخْتَبَرُ إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا وَصَفْنَا. (وَالشَّمُّ بِرَائِحَةٍ حَادَّةٍ وَفِي النُّطْقِ بِالْكَلَامِ اجْتِهَادٌ) ابْنُ شَاسٍ: فِي إبْطَالِ النُّطْقِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَلَوْ بَقِيَ فَائِدَةُ الذَّوْقِ وَالْإِعَانَةُ عَلَى الْمَضْغِ. وَتَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا الدِّيَةُ فِي الْكَلَامِ لَا فِي اللِّسَانِ، فَإِنْ قَطَعَ مِنْ لِسَانِهِ مَا يُنْقِصُ مِنْ حُرُوفِهِ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُحْتَسَبُ فِي الْكَلَامِ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ، رُبَّ حَرْفٍ أَثْقَلُ مِنْ حَرْفٍ فِي النُّطْقِ وَلَكِنْ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا نَقَصَ مِنْ كَلَامِهِ (وَالذَّوْقُ الْمُنَفِّرُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يُجَرَّبُ الذَّوْقُ بِالْمُرِّ الْمُنَفِّرِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا نَصُّ الْغَزَالِيِّ. (وَصُدِّقَ مُدَّعِي ذَهَابِ الْجَمِيعِ بِيَمِينٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ ادَّعَى الْمَضْرُوبُ أَنَّ جَمِيعَ سَمْعِهِ أَوْ بَصَرِهِ قَدْ ذَهَبَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اخْتِبَارِهِ عَلَى حَقِيقَةٍ وَأَشْكَلَ أَمْرُهُ صُدِّقَ الْمَضْرُوبُ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَهُ مَالِكٌ. وَقَالَ: الظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُرِيدُ بِالظَّالِمِ. (وَالضَّعِيفُ مِنْ عَيْنٍ وَرِجْلٍ وَنَحْوِهِمَا خِلْقَةً كَغَيْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْعَيْنُ الضَّعِيفَةُ الْبَصَرِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ كَذَلِكَ مِنْ خِلْقَةِ اللَّهِ أَوْ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الدِّيَةُ كَامِلَةٌ (وَكَذَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَأْخُذْ عَقْلًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: كَمْ فِي الرِّجْلِ الْعَرْجَاءِ؟ فَقَالَ: الْعَرَجُ مُخْتَلِفٌ وَمَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي سَمِعْته يَقُولُ: كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْإِنْسَانِ إذَا أُصِيبَ مِنْهُ شَيْءٌ فَانْتَقَصَ ثُمَّ أُصِيبَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بَعْدُ فَإِنَّمَا لَهُ عَلَى حِسَابِ مَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَا كَانَ مِنْ خِلْقَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ لَمْ يُنْتَقَصْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَمِثْلُ اسْتِرْخَاءِ الْبَصَرِ وَالْعَيْنِ الرَّمِدَةِ يُضْعِفُ بَصَرَهَا أَوْ ضَعْفُ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ مِنْ كِبَرٍ أَوْ عِلَّةٍ إلَّا أَنَّهُ يُبْصِرُ بِالْعَيْنِ وَيَسْتَمْتِعُ بِيَدِهِ وَرِجْلِهِ وَيَبْطِشُ بِيَدِهِ، فَفِي هَؤُلَاءِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ. وَكَذَلِكَ الَّذِي يُصِيبُهُ أَمْرٌ مِنْ السَّمَاءِ مِثْلُ الْعِرْقِ يَضْرِبُ فِي رِجْلِ رَجُلٍ فَيُصِيبُهُ مِنْهُ عَرَجٌ أَوْ رَمَدٌ فِي الْعَيْنِ إلَّا أَنَّهُ يَمْشِي عَلَى الرِّجْلِ وَيُبْصِرُ بِالْعَيْنِ وَقَدْ مَسَّهَا ضَعْفٌ، فَفِيهَا إنْ أُصِيبَتْ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَلَوْ كَانَ ضَعْفُ هَذِهِ الْعَيْنِ أَوْ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ بِجِنَايَةٍ خَطَأٍ أَخَذَ فِيهَا عَقْلًا ثُمَّ أُصِيبَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا لَهُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَقْلِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْعَرَجُ عِنْدِي مِثْلُ هَذَا. قَالَ فِي بَابٍ بَعْدَ هَذَا: فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ لَهَا عَقْلًا فَعَلَى مَنْ أَصَابَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، الْعَقْلُ كَامِلًا. ابْنُ يُونُسَ: وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ إذَا لَمْ يَأْخُذْ لِنَقْصِ ذَلِكَ عَقْلًا فَقَالَ مَرَّةً يُحَاسَبُ الْجَانِي لِنَقْصِ ذَلِكَ، وَقَالَ مَرَّةً لَا يُحَاسَبُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْعَقْلُ كَامِلًا تَامًّا. فَأَمَّا إنْ كَانَ أَخَذَ لِنُقْصَانِ ذَلِكَ شَيْئًا فَإِنَّهُ يُحَاسَبُ بِلَا اخْتِلَافٍ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: وَأَمَّا لَوْ كَانَ الَّذِي أُصِيبَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عَمْدًا اقْتَصَّ مِنْهُ وَلَمْ يُحَاسَبْ بِخِلَافِ الدِّيَةِ. (وَفِي لِسَانِ النَّاطِقِ) التَّلْقِينُ: وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، فَأَمَّا إنْ قَطَعَ بَعْضَهُ فَإِنْ مَنَعَ جُمْلَةَ الْكَلَامِ فَفِيهِ الدِّيَةُ. ابْنُ شَاسٍ: وَفِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةٌ (وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ النُّطْقَ مَا نَقَصَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 341 فَحُكُومَةٌ كَلِسَانِ الْأَخْرَسِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَطَعَ اللِّسَانَ مِنْ أَصْلِهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً إنْ ذَهَبَ الْكَلَامُ، وَإِنْ قَطَعَ مِنْهُ مَا مَنَعَهُ الْكَلَامَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْكَلَامِ شَيْئًا فَفِيهِ الِاجْتِهَادُ بِقَدْرِ شَيْنِهِ إنْ شَانَهُ، وَإِنَّمَا الدِّيَةُ فِي الْكَلَامِ لَا فِي اللِّسَانِ. ابْنُ شَاسٍ: وَفِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةٌ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ فِي الذَّوْقِ الدِّيَةُ. (وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ) قَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَنْهُ: الْجَمْعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنْ لَيْسَ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ الَّتِي ذَهَبَ بَصَرُهَا إنْ فُقِئَتْ وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ تُقْطَعُ إلَّا الِاجْتِهَادُ، وَكَذَا ذَكَرُ الْخَصِيُّ وَلِسَانُ الْأَخْرَسِ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ (أَوْ السَّاعِدِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْحَشَفَةُ كَالذَّكَرِ، فَلَوْ قَطَعَ عَسِيبَهُ بَعْدَهَا فَحُكُومَةٌ كَالْكَفِّ بَعْدَ الْأَصَابِعِ. (وَأَلْيَتَيْ الْمَرْأَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَلْيَتَانِ فِيهِمَا مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ حُكُومَةٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ: فِي أَلْيَتَيْ الْمَرْأَةِ حُكُومَةٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ: فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ. (وَسِنٍّ مُضْطَرِبَةٍ جِدًّا) ابْنُ الْحَاجِبِ: فِي السِّنِّ الْمُضْطَرِبَةِ جِدًّا الِاجْتِهَادُ. (وَعَسِيبِ ذَكَرٍ بَعْدَ الْحَشَفَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قُطِعَتْ حَشَفَتُهُ فَأَخَذَ الدِّيَةَ ثُمَّ قُطِعَ عَسِيبُهُ فَفِيهِ الِاجْتِهَادُ. (وَحَاجِبٍ وَهُدْبٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ فِيهِ جَمَالٌ فَحُكُومَةٌ كَأَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَاللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ إذَا لَمْ يَنْبُتْ هُوَ قَوْلُهَا مَعَ غَيْرِهَا (وَظُفُرٍ وَفِيهِ الْقِصَاصُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ فِي أَشْفَارِ الْعَيْنِ وَجُفُونِهَا إلَّا الِاجْتِهَادُ، وَكَذَلِكَ اللِّحْيَةُ، وَكَذَلِكَ الْحَاجِبَانِ إذَا لَمْ يَنْبُتْ، وَلَيْسَ فِي عَمْدِ ذَلِكَ الْقِصَاصُ. وَفِي الظُّفُرِ الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ يُقْلَعَ خَطَأً فَلَا شَيْءَ فِيهِ، فَإِنْ بَرِئَ عَلَى عَثْمٍ فَفِيهِ الِاجْتِهَادُ. (وَإِفْضَاءٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِفْضَاءُ إزَالَةُ الْحَاجِزِ بَيْنَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَمَحَلِّ الْجِمَاعِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ غَيْرِهَا فِيهِ مَا شَانَهَا بِالِاجْتِهَادِ. الْبَاجِيُّ: إنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَجْنَبِيَّةٍ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ فِي مَالِهِ وَإِنْ جَاوَزَتْ الثُّلُثَ مَعَ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَالْحَدِّ. وَلَوْ فَعَلَهُ بِزَوْجَتِهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ بَلَغَ الثُّلُثَ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِلَّا فَفِي مَالِهِ (وَلَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ مَهْرٍ بِخِلَافِ الْبَكَارَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَأَفْضَاهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ أَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، وَإِنْ اغْتَصَبَهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ مَعَ مَا شَانَهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ انْدِرَاجُ الْبَكَارَةِ فِي الْمَهْرِ بِخِلَافِ الشَّيْنِ لِأَنَّ زَوَالَ الْبَكَارَةِ مِنْ لَوَازِمِ الْوَطْءِ بِخِلَافِ الْإِفْضَاءِ (إلَّا بِأُصْبُعِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: زَوَالُ الْبَكَارَةِ بِأُصْبُعِهِ فِيهِ حُكُومَةٌ وَالزَّوْجُ وَغَيْرُهُ فِيهَا سَوَاءٌ. ابْنُ شَاسٍ: لَوْ أَزَالَ بَكَارَةَ زَوْجَتِهِ بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَعَلَيْهِ قَدْرُ مَا شَانَهَا مَعَ نِصْفِ الصَّدَاقِ. (وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عُشْرٌ وَالْأُنْمُلَةِ ثُلُثٌ إلَّا فِي الْإِبْهَامِ فَنِصْفُهُ) ابْنُ شَاسٍ: فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، فَلَوْ قُطِعَ الْكَفُّ مَعَ السَّاعِدِ أَوْ مَعَ الْمِرْفَقِ وَالْعَضُدِ أَوْ جَمِيعِ ذَلِكَ انْدَرَجَتْ الْحُكُومَةُ. وَفِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ ثُلُثُ الْعَشْرِ إلَّا فِي الْإِبْهَامِ فَهُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 342 أُنْمُلَتَانِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْأَرْشِ. قَالَ سَحْنُونَ: وَرَجَعَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ فِي الْإِبْهَامِ ثَلَاثَ أَنَامِلَ وَأَخَذَ أَصْحَابُهُ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ. الْبَاجِيُّ: وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ لَزِمَ فِي بَقِيَّةِ الْإِبْهَامِ الَّذِي فِي الْكَفِّ دِيَةٌ لَلَزِمَ فِي سَائِرِ الْأَصَابِعِ أَنْ يَكُونَ لَهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ دِيَةُ أُنْمُلَةٍ رَابِعَةٍ. (وَفِي الْأُنْمُلَةِ الزَّائِدَةِ الْقَوِيَّةِ عُشْرٌ إنْ أُفْرِدَتْ) وَلَوْ قَالَ عُشْرٌ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ إنْ انْفَرَدَتْ لِتَنْزِلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ فِي الْعُتْبِيَّةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ لَهُ سِتُّ أَصَابِعَ: إنْ كَانَتْ السَّادِسَةُ قَوِيَّةً فَفِيهَا عُشْرٌ وَلَوْ قُطِعَتْ عَمْدًا إذْ لَا قِصَاصَ وَفِي كُلِّ يَدِهَا سِتُّونَ، وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً فَفِيهَا حُكُومَةٌ إنْ انْفَرَدَتْ. وَإِنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فَلَا يُزَادُ لِهَذِهِ السَّادِسَةِ الضَّعِيفَةِ شَيْءٌ، وَأَمَّا إنْ قُطِعَتْ يَدُهُ عَمْدًا فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ وَيَأْخُذَ دِيَةَ السَّادِسَةِ إنْ كَانَتْ قَوِيَّةً انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: " وَتُقْطَعُ الْيَدُ النَّاقِصَةُ أُصْبُعًا بِالْكَامِلَةِ فَلَا غُرْمَ ". ابْنُ رُشْدٍ: صِفَةُ الْحُكُومَةِ فِيهَا أَنْ يُنْظَرَ كَمْ يَنْقُصُ ذَهَابُهَا مِنْ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ عَبْدًا فَيُؤْخَذُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ دِيَتِهِ. (وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: فِي كُلِّ سِنٍّ مِنْ الْإِنْسَانِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، الْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ. ابْنُ رُشْدٍ: الْأَسْنَانُ اثْنَا عَشَرَ سِنًّا: أَرْبَعُ ثَنَايَا وَأَرْبَعُ رَبَاعِيَاتٍ وَأَرْبَعُ أَنْيَابٍ. وَالْأَضْرَاسُ عِشْرُونَ: أَرْبَعٌ ضَوَاحِكُ، وَاثْنَا عَشَرَ رَحَى ثَلَاثٌ فِي كُلِّ شِقٍّ، وَأَرْبَعٌ نَوَاجِذُ لِجَمِيعِ دِيَاتِهَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ مِائَةٌ وَسِتُّونَ بَعِيرًا. اللَّخْمِيِّ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 343 النَّوَاجِذُ سِنُّ التَّحْلِيمِ الَّتِي يَخْرُجُ أَقْصَاهَا بَعْدَ الْكِبَرِ (وَإِنْ سَوْدَاءَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: فِي السِّنِّ السَّوْدَاءُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ مِثْلُ الصَّحِيحَةِ. وَفِي الْمُوَطَّأِ: إنْ اسْوَدَّتْ السِّنُّ ثُمَّ عَقَلَهَا فَإِنْ طُرِحَتْ بَعْدَمَا اسْوَدَّتْ فَفِيهَا عَقْلُهَا أَيْضًا، وَنَقَلَهُ الْجَلَّابُ وَالتَّلْقِينُ عَنْ الْمَذْهَبِ (بِقَلْعٍ أَوْ اسْوِدَادٍ أَوْ حُمْرَةٍ أَوْ صُفْرَةٍ إنْ كَانَ عُرْفًا كَالسَّوَادِ) ابْنُ شَاسٍ: فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ قُلِعَتْ مِنْ أَصْلِهَا أَوْ بَقِيَ سَمْتُهَا. ابْنُ الْحَاجِبِ: قُلِعَتْ مِنْ أَصْلِهَا أَوْ مِنْ لَحْمِهَا بِقَلْعِهَا أَوْ بِاسْوِدَادِهَا أَوْ بِهِمَا، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قِيلَ: إنْ ضَرَبَهُ فَاسْوَدَّتْ سِنُّهُ أَوْ اصْفَرَّتْ أَوْ احْمَرَّتْ أَوْ اخْضَرَّتْ؟ قَالَ: إنْ اسْوَدَّتْ ثُمَّ عَقَلَهَا وَالْحُمْرَةُ وَالْخُضْرَةُ وَالصُّفْرَةُ إنْ كَانَ ذَلِكَ كَالسَّوَادِ ثُمَّ عَقَلَهَا وَإِلَّا فَعَلَى حِسَابِ مَا نَقَصَ (وَبِاضْطِرَابِهَا جِدًّا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ضُرِبَتْ سِنُّهُ فَتَحَرَّكَتْ فَإِنْ كَانَ اضْطِرَابًا شَدِيدًا ثُمَّ عَقَلَهَا وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا عَقَلَ بِقَدْرِهِ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَيَنْتَظِرُ بِالشَّدِيدَةِ الِاضْطِرَابِ سَنَةً (وَإِنْ ثَبَتَتْ لِكَبِيرٍ قَبْلَ أَخْذِ عَقْلِهَا أَخَذَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ طُرِحَتْ سِنُّهُ عَمْدًا فَثَبَتَتْ فَلَهُ الْقَوَدُ فِيهَا وَالْأُذُنُ كَذَلِكَ، وَلَوْ رَدَّ السِّنَّ فِي الْخَطَأِ فَثَبَتَ كَانَ لَهُ الْعَقْلُ (كَالْجِرَاحَاتِ الْأَرْبَعَةِ) ابْنُ شَاسٍ: هِيَ الْمُوضِحَةُ. إذَا بَرِئَتْ وَعَادَتْ لِهَيْئَتِهَا لَمْ يَسْتَرِدَّ أَرْشَهَا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْجِرَاحَاتِ الْأَرْبَعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ جُرِحَ ثَانِيَةً فِي الْمَوْضِعِ نَفْسِهِ لَكَانَ فِيهِ دِيَةٌ أَيْضًا. (وَرُدَّ فِي عَوْدِ الْبَصَرِ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا عَادَ الْبَصَرُ اُسْتُرِدَّتْ دِيَتُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَقُوَّةِ الْجِمَاعِ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ قُوَّةُ الْجِمَاعِ رَدَّ دِيَتَهُ صَوَابًا. (وَمَنْفَعَةِ اللَّبَنِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ أَفْسَدَ مَخْرَجَ اللَّبَنِ وَلَمْ يَقْطَعْ مِنْ الثَّدْيَيْنِ شَيْئًا وَجَبَتْ دِيَتُهُمَا عِنْدَ مَالِكٍ فَلَوْ عَادَ اللَّبَنُ رُدَّتْ إلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ أَقْوَالِهِمْ فَسَادُهُ مِنْ الْعَجُوزِ كَغَيْرِهَا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ فِي ثَدْيَيْ الرَّجُلِ إلَّا الِاجْتِهَادُ. (وَفِي الْأُذُنِ إنْ ثَبَتَتْ تَأْوِيلَانِ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قُطِعَتْ أُذُنُهُ عَمْدًا فَرَدَّهَا فَثَبَتَتْ فَلَهُ الْقَوَدُ فِيهَا وَالسِّنُّ كَذَلِكَ، وَلَوْ رَدَّ السِّنَّ فِي الْخَطَأِ لَكَانَ لَهُ الْعَقْلُ، وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَطَعَ أُذُنَ رَجُلٍ فَرَدَّهَا فَثَبَتَتْ، فَإِنْ عَادَتْ لِهَيْئَتِهَا فَلَا عَقْلَ لَهُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ فِي ثُبُوتِهَا ضَعْفٌ فَلَهُ بِحِسَابِ مَا يَرَى مِنْ نَقْصِ قُوَّتِهَا. قِيلَ لَهُ: فَالسِّنُّ تُطْرَحُ ثُمَّ يَرُدُّهَا صَاحِبُهَا فَثَبَتَتْ؟ قَالَ: يَغْرَمُ عَقْلَهَا تَامًّا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأُذُنَ إذَا رُدَّتْ اسْتَمْسَكَتْ وَعَادَتْ لِهَيْئَتِهَا وَجَرَى فِيهَا الدَّمُ، وَالسِّنُّ لَا يَجْرِي فِيهَا دَمٌ وَلَا تَعُودُ كَمَا كَانَتْ أَبَدًا وَإِنَّمَا تُرَدُّ لِلْجَمَالِ. انْتَهَى مَا لِابْنِ يُونُسَ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَنَحْوَهُ فِي النُّكَتِ. (وَتَعَدَّدَتْ الدِّيَةُ بِتَعَدُّدِهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ: " لَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 344 ضَرَبَ صُلْبَهُ فَبَطَلَ قِيَامُهُ وَقُوَّةُ ذَكَرِهِ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ أَمْرُ النِّسَاءِ لَمْ يَنْدَرِجْ وَوَجَبَتْ دِيَتَانِ " كَقَوْلِهَا مَنْ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً خَطَأً فَذَهَبَ مِنْ ذَلِكَ سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتَانِ وَدِيَةُ الْمُوضِحَةِ (إلَّا الْمَنْفَعَةَ بِمَحَلِّهَا) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي ذَهَابِ قُوَّةِ الْجِمَاعِ الدِّيَةَ وَفِي قَطْعِ الذَّكَرِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَانْدَرَجَتْ قُوَّةُ الْجِمَاعِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: كَذَلِكَ فِي الشَّمِّ أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ وَيَنْدَرِجُ فِي الْأَنْفِ كَالْبَصَرِ مَعَ الْعَيْنِ وَالسَّمْعِ مَعَ الْأُذُنِ. . (وَسَاوَتْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ بِثُلُثِ دِيَتِهِ فَتَرْجِعُ لِدِيَتِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْمَرْأَةُ تُعَاقِلُ الرَّجُلَ فِي الْجِرَاحِ إلَى ثُلُثِ دِيَتِهِ لَا تَسْتَكْمِلُهُ، فَإِذَا بَلَغَتْ ذَلِكَ رَجَعَتْ إلَى عَقْلِ نَفْسِهَا، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ لَهَا فِي ثَلَاثِ أَصَابِعَ وَنِصْفِ أُنْمُلَةٍ إحْدَى وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَثُلُثَيْ بَعِيرٍ، وَالرَّجُلُ فِي هَذَا وَهِيَ سَوَاءٌ. وَإِذَا أُصِيبَ مِنْهَا ثَلَاثُ أَصَابِعُ وَأُنْمُلَةٌ رَجَعَتْ إلَى عَقْلِهَا فَكَانَ لَهَا فِي ذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ بَعِيرًا وَثُلُثَا بَعِيرٍ، وَكَذَلِكَ مَأْمُومَتُهَا وَجَائِفَتُهَا إنَّمَا لَهَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سِتَّةَ عَشَرَ بَعِيرًا وَثُلُثَا بَعِيرٍ. وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ رَبِيعَةَ قُلْت لِابْنِ الْمُسَيِّبِ: كَمْ فِي ثَلَاثٍ مِنْ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: ثَلَاثُونَ. قُلْت: وَكَمْ فِي أَرْبَعٍ؟ قَالَ: عِشْرُونَ: قُلْت: حِينَ عَظُمَ جُرْحُهَا وَاشْتَدَّتْ مُصِيبَتُهَا نَقَصَ عَقْلُهَا؟ قَالَ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ قُلْت: بَلْ عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ قَالَ: هِيَ السُّنَّةُ (وَضُمَّ مُتَّحِدُ الْفِعْلِ أَوْ فِي حُكْمِهِ أَوْ الْمَحَلِّ فِي الْأَصَابِعِ فَلَوْ تَعَدَّدَ الْفِعْلُ وَالْمَحَلُّ فَلَا ضَمَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجِبُ ضَمُّ قَطْعِ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ بَعْضَهَا لِبَعْضٍ بِاتِّحَادِ يَدِهَا أَوْ فِي فَوْرِ ضَرْبِهَا وَإِلَّا فَلَا، وَحَيْثُ يَجِبُ فَمَا بَلَغَ بِهِ عَقْلُهَا ثُلُثَ عَقْلِ الرَّجُلِ رَجَعَتْ لِعَقْلِهَا، وَمَا لَا يَبْلُغُهُ مِنْهَا فِيهِ عَقْلُهُ وَمَا يُضَمُّ اُعْتُبِرَ كَأَنَّهُ أَوَّلٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَنْطَبِقُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى رَاجِعْهُ فِيهِ قَالَ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ضَمِّ الْأَصَابِعِ بِاتِّحَادِ الضَّرْبَةِ كَوْنُ ضَمِّهَا لِمِثْلِهَا، بَلْ لَوْ كَانَ لِغَيْرِ مِثْلِهَا فَكَذَلِكَ لَوْ ضُرِبَتْ وَيَدُهَا عَلَى رَأْسِهَا فَقُطِعَ لَهَا أُصْبُعَانِ وَشُجَّتْ مُنَقِّلَةً رَجَعَتْ فِي ذَلِكَ إلَى عَقْلِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ قُطِعَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ فَلَهَا ثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ، ثُمَّ إنْ قُطِعَ لَهَا مِنْ تِلْكَ الْيَدِ أُصْبُعٌ أَوْ الْأُصْبُعَانِ الْبَاقِيَانِ فَلَيْسَ لَهَا فِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ هَذَيْنِ إلَّا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ. قَالَ: وَلَوْ قُطِعَ لَهَا ثَلَاثُ أَصَابِعَ فَأَخَذَتْ ثَلَاثِينَ بَعِيرًا ثُمَّ قُطِعَ لَهَا مِنْ الْيَدِ الْأُخْرَى ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ فِي مَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ، أَلَا تَرَى فِيهَا الْحُكْمَ كَالْأُولَى فَيَكُونُ لَهَا فِي الثَّلَاثِ أَصَابِعَ ثَلَاثُونَ بَعِيرًا؟ وَلَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ امْرَأَةً ضَرْبَةً وَاحِدَةً قَطَعَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَصَابِعَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْيَدِ وَأُصْبُعَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْيَدِ لَكَانَ لَهَا عِشْرُونَ بَعِيرًا. ابْنُ يُونُسَ: كَمَا لَوْ قَطَعَهَا مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ لَوْ ضَرَبَهَا أَيْضًا رَجُلٌ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَقَطَعَ أُصْبُعَيْنِ، أُصْبُعًا مِنْ هَذِهِ الْيَدِ وَأُصْبُعًا مِنْ الْيَدِ الْأُخْرَى، لَكَانَ لَهَا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ، عَشَرَةٌ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ. ثُمَّ لَوْ ضَرَبَهَا بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ ضَرْبَةً فَقَطَعَ لَهَا أُصْبُعَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْيَدِ وَأُصْبُعًا مِنْ الْيَدِ الْأُخْرَى لَكَانَ فِيهِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَلَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ امْرَأَةً فَقَطَعَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَصَابِعَ، ثَلَاثَةً مِنْ هَذِهِ الْيَدِ وَأُصْبُعًا مِنْ الْيَدِ الْأُخْرَى، لَكَانَ لَهَا عِشْرُونَ بَعِيرًا، خَمْسٌ لِكُلٍّ أَصْبَغُ. ثُمَّ لَوْ ضَرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَقَطَعَ لَهَا أُصْبُعَيْنِ، أُصْبُعًا مِنْ هَذِهِ الْيَدِ وَأُصْبُعًا مِنْ الْيَدِ الْأُخْرَى، لَأَخَذَتْ عَشَرَةَ أَبْعِرَةٍ فِي الْأُصْبُعِ الْمَقْطُوعَةِ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 345 الْيَدِ الَّتِي كَانَ انْقَطَعَ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ أُصْبُعٌ وَتَأْخُذُ خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ فِي الْأُصْبُعِ مِنْ الْيَدِ الْأُخْرَى، وَالرِّجْلَانِ فِي هَذَا مِثْلُ الْيَدَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ قَطَعَ لَهَا ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ عَمْدًا ثُمَّ قُطِعَ لَهَا الْأُصْبُعَانِ الْبَاقِيَانِ مِنْ تِلْكَ الْيَدِ خَطَأً لَكَانَ لَهَا فِيهَا عِشْرُونَ بَعِيرًا، إنَّمَا يُضَافُ بَعْضُ الْأَصَابِعِ إلَى بَعْضٍ فِي الْخَطَأِ (لَا الْأَسْنَانِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْأَسْنَانِ فَجَعَلَهَا مَرَّةً كَالْأَصَابِعِ تُحْسَبُ بِمَا تَقَدَّمَ إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ. وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَنَّ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ وَلَا تُحَاسَبُ بِمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ الْأَسْنَانِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْأَصَابِعِ. قَالَ أَصْبَغُ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ: تُضَمُّ الْأَسْنَانُ بِاتِّحَادِ الضَّرْبَةِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ضَمِّهَا بِاتِّحَادِ مَحَلِّهَا. أَصْبَغُ: عَدَمُ الضَّمِّ أَحَبُّ إلَيَّ وَاخْتَارَهُ مُحَمَّدٌ (وَالْمَوَاضِحُ وَالْمَنَاقِلُ) مِنْ ابْنِ يُونُسَ: لَوْ ضَرَبَهَا مُنَقِّلَةً ثُمَّ مُنَقِّلَةً فَلَهَا فِي ذَلِكَ مَا لِلرَّجُلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْمُنَقِّلَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَوْضِعِ الْأَوَّلِ نَفْسِهِ بَعْدَ بُرْئِهَا فَلَهَا فِيهَا مِثْلُ مَا لِلرَّجُلِ، وَكَذَلِكَ الْمَوَاضِحُ، وَلَوْ أَصَابَهَا فِي ضَرْبَةٍ بِمَنَاقِلَ أَوْ بِمَوَاضِحَ تَبْلُغُ ثُلُثَ الدِّيَةِ رَجَعَتْ فِيهَا إلَى عَقْلِهَا، يُرِيدُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ كَالسَّارِقِ يَنْقُلُ مِنْ الْحِرْزِ قَلِيلًا قَلِيلًا فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ إذَا لِضَعْفِهِ أَوْ لِئَلَّا يُقْطَعَ فَهِيَ سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ الضَّرْبُ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ فَهُوَ كَضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيَضْرِبُ أُخْرَى (وَعَمْدٍ لِخَطَأٍ أَوْ إنْ عَفَتْ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ: " لَا الْأَسْنَانِ " أَنَّهُ لَا يُضَمُّ عَمْدٌ لِخَطَأٍ. [بَيَان مِنْ عَلَيْهِ الدِّيَة] (وَنُجِّمَتْ دِيَةُ الْحُرِّ فِي الْخَطَأِ بِلَا اعْتِرَافٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْجَانِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا خَطَأً حَمَلَتْ عَاقِلَتُهُ الدِّيَةَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. ابْنُ شَاسٍ: وَالدِّيَاتُ كُلُّهَا دِيَةُ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيِّ وَالذِّمِّيَّةِ وَالْمَجُوسِيِّ وَالْمَجُوسِيَّةِ إذَا وَقَعَتْ تَحَمَّلَهَا الْعَاقِلَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. قَالَ مَالِكٌ: وَيُؤَدِّي الْجَانِي مَعَ الْعَاقِلَةِ. ابْنُ شَاسٍ: وَمَا اعْتَرَفَ بِهِ الْجَانِي حَمَلَهُ وَلَا تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ (إنْ بَلَغَتْ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ الْجَانِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 346 الْجِنَايَةَ إذَا بَلَغَتْ ثُلُثَ دِيَةِ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ، فَإِذَا قَطَعَ مُسْلِمٌ أُصْبُعَ مُسْلِمَةٍ حَمَلَ ذَلِكَ عَاقِلَتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَتِهَا وَمَا لَمْ يَبْلُغْ فَحَالٌّ عَلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَا دُونَ الثُّلُثِ فِي مَالِ الْجَانِي حَالَّةً - قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَعَمْدٍ فِي الرِّسَالَةِ - لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا اعْتِرَافَ بِهِ. قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَقَرَّ بِقَتْلِ الْخَطَأِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِذَا أَقَرَّ بِقَتْلِ الْعَمْدِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ: فَهُوَ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارٍ بِقَتْلٍ. ابْنُ الْحَاجِبِ: الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ وَفِيمَا لَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثَ عَلَى الْجَانِي حَالَّةً. اُنْظُرْ الْجَلَّابَ. (وَدِيَةٌ غُلِّظَتْ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْجَانِي عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَسَاقِطٍ لِعَدَمٍ) مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 347 الْمُدَوَّنَةِ: إذَا فَقَأَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى يُمْنَى رَجُلٍ صَحِيحٍ عَمْدًا فَعَلَيْهِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ فِي مَالِهِ، وَهُوَ كَأَقْطَعِ الْيَدِ الْيُمْنَى يَقْطَعُ يُمْنَى رَجُلٍ فَدِيَةُ الرَّجُلِ فِي مَالِ الْجَانِي وَلَا يُقْتَصُّ مِنْ الْيُسْرَى بِالْيَمِينِ. (لَا مَا لَا يُقْتَصُّ فِيهِ مِنْ الْجُرْحِ لِإِتْلَافِهِ فَعَلَيْهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: عَقْلُ الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ عَمْدًا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَوْ كَانَ لِلْجَانِي مَالٌ وَعَلَى هَذَا ثَبَتَ مَالِكٌ ابْنُ الْقَاسِمِ وَبِهِ أَقُولُ (وَهِيَ الْعَصَبَةُ) الْجَلَّابُ: الْعَاقِلَةُ هُمْ الْعَصَبَةُ قَرُبُوا أَوْ بَعُدُوا، وَلَا يَحْمِلُ النِّسَاءُ وَلَا الصِّبْيَانُ شَيْئًا مِنْ الْعَقْلِ، وَلَيْسَ لِأَمْوَالِ الْعَاقِلَةِ حَدٌّ إذَا بَلَغَتْهُ عَقَلُوا وَلَا لِمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ حَدٌّ وَلَا يُكَلَّفُ أَغْنِيَاؤُهُمْ الْأَدَاءَ عَنْ فُقَرَائِهِمْ، وَمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ فَعَقْلُهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَوَالِي بِمَنْزِلَةِ الْعَصَبَةِ مِنْ الْقَرَابَةِ، وَيَدْخُلُ فِي الْقَرَابَةِ الِابْنُ وَالْأَبُ. سَحْنُونَ: إنْ كَانَتْ الْعَاقِلَةُ أَلْفَاهُمْ قَلِيلًا فَيَضُمُّ إلَيْهِمْ أَقْرَبَ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ (وَبُدِئَ بِالدِّيوَانِ إنْ أُعْطُوا) ابْنُ شَاسٍ: إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ دِيوَانٍ مَعَ غَيْرِ قَوْمِهِ حَمَلُوا عَنْهُ دُونَ قَوْمِهِ. أَشْهَبُ: وَهَذَا فِي دِيوَانٍ عَطَاؤُهُ قَائِمٌ (ثُمَّ بِهَا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ عَاقِلَتُهُ قَلِيلَةً حُمِّلَ عَلَيْهِمْ مَا يَحْمِلُونَهُ وَمَا بَقِيَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِذَا عَجَزَ أَهْلُ الدِّيوَانِ عَنْ حَمْلِهِ اسْتَعَانُوا بِالْعَصَبَةِ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ دِيوَانٌ جُعِلَ عَلَى فَخِذِ الْجَانِي إنْ كَانَ بَيْنَهُمْ مَحْمَلٌ وَإِلَّا ضُمَّ إلَيْهِمْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ قَبَائِلِهِمْ إنْ كَانُوا أَهْلَ بَلَدٍ وَاحِدٍ (ثُمَّ الْمَوَالِي الْأَعْلَوْنَ ثُمَّ الْأَسْفَلُونَ ثُمَّ بَيْتُ الْمَالِ إنْ كَانَ الْجَانِي مُسْلِمًا) ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّوَايَةُ وَاضِحَةٌ بِتَأَخُّرِ دَرَجَةِ الْمَوْلَى الْأَعْلَى عَنْ الْعَصَبَةِ ثُمَّ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ ثُمَّ بَيْتِ الْمَالِ إنْ كَانَ الْجَانِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 348 مُسْلِمًا. قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ (وَإِلَّا فَالذِّمِّيُّ ذُو دِينِهِ) رَوَى مُحَمَّدٌ: عَاقِلَةُ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ عَلَى أَهْلِ إقْلِيمِهِ الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ مَعَهُ فِي أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا كَانَ عَبْدٌ نَصْرَانِيٌّ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَأَعْتَقَاهُ ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً فَنِصْفُهَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لَا عَلَى الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُهُ، وَنِصْفُهَا عَلَى أَهْلِ خَرَاجِ الذِّمِّيِّ الَّذِينَ يُؤَدُّونَ مَعَهُ (وَضُمَّ كَكُوَرِ مِصْرَ وَالصُّلْحِيُّ أَهْلُ صُلْحِهِ) تَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي فَخِذِ الْجَانِي مَحْمَلٌ ضُمَّ إلَيْهِمْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ قَبَائِلِهِمْ إنْ كَانُوا أَهْلَ بَلَدٍ وَاحِدٍ مِثْلُ مِصْرَ وَالشَّامِ. ابْنُ سَحْنُونٍ: يُضَمُّ عَقْدُ أَفْرِيقِيَّةَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مِنْ طَرَابُلُسَ إلَى طُبْنَةَ. ذُكِرَ أَنَّ طُبْنَةَ قُرْبُ بِجَايَةَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَعْقِلُ أَهْلُ مِصْرَ مَعَ أَهْلِ الشَّامِ وَلَا أَهْلُ الْبَدْوِ مَعَ أَهْلِ الْحَضَرِ إذْ لَا يَكُونُ فِي دِيَةٍ وَاحِدَةٍ إبِلُ وَدَنَانِيرُ (وَضُرِبَ عَلَى كُلٍّ مَا لَا يَضُرُّ) وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَيَحْمِلُ الْغَنِيُّ بِقَدْرِهِ وَالْفَقِيرُ بِقَدْرِهِ وَذَلِكَ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ فِي يُسْرِهِمْ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ: مَحْمَلُ كُلِّ رَجُلٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ رُبْعُ دِينَارٍ. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: " وَهَلْ حَدُّهَا سَبْعُمِائَةِ ". (وَعُقِلَ عَنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ وَفَقِيرٍ وَغَارِمٍ وَلَا يَعْقِلُونَ) ابْنُ شَاسٍ: يُشْتَرَطُ فِي صِفَةِ الْعَاقِلَةِ الَّتِي تُضْرَبُ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ وَالذُّكُورَةُ وَالْمُوَافَقَةُ فِي الدِّينِ وَالْيَسَارِ، فَلَا تُضْرَبُ عَلَى عَبْدٍ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا مُخَالِفٍ فِي الدِّينِ، وَلَا يُضْرَبُ عَلَى فَقِيرٍ إنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَهِيَ عَلَى السَّفِيهِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِقَدْرِ حَالِهِ. (وَالْمُعْتَبَرُ وَقْتَ الضَّرْبِ) ابْنُ حَارِثٍ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى الْعَاقِلَةِ يَوْمَ الْمَوْتِ بَلْ يَوْمَ الْفَرْضِ، وَأَنَّهَا إنْ فُرِضَتْ ثُمَّ كَبِرَ الصَّبِيُّ وَأَيْسَرَ الْمُعْدِمُ وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَنَّهُ لَا يُرْجَعُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ بِشَيْءٍ (لَا إنْ قَدِمَ غَائِبٌ) عَبْدُ الْمَلِكِ: لَا يَتَوَقَّفُ فِيمَا حُكِمَ بَعْدَ قَسْمِهَا لِعُدْمٍ يَحْدُثُ بَعْدَ مُلَاءٍ أَوْ يَسَارٍ بَعْدَ عُدْمٍ أَوْ قُدُومِ غَائِبٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ احْتِلَامٍ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: مَنْ خَرَجَ لِحَجٍّ أَوْ غَزْوٍ دَخَلَ إذَا قَدِمَ. (وَلَا يَسْقُطُ بِعُسْرِهِ أَوْ مَوْتِهِ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ مَاتَ مَنْ جُعِلَ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ لَمْ يُزَلْ مَا جُعِلَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْدَمَ وَلَا يُزَادُ عَلَى مَنْ أَيْسَرَ مِنْهُمْ. (وَلَا دُخُولَ لِبَدْوِيٍّ مَعَ حَضَرِيٍّ وَلَا شَامِيٍّ مَعَ مِصْرِيٍّ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَضُمَّ كَكُورِ مِصْرَ " (مُطْلَقًا) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا دُخُولَ لِلْبَدْوِيِّ مَعَ الْحَضَرِيِّ إنْ كَانَ مِنْ قَبِيلَتِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، كَمَا لَا يَدْخُلُ أَهْلُ مِصْرَ مَعَ أَهْلِ الشَّامِ وَإِنْ كَانُوا أَقَارِبَ (الْكَامِلَةُ فِي ثَلَاثٍ تَحِلُّ بِأَوَاخِرِهَا مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا الْأَجَلُ فَهُوَ فِي الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ ثَلَاثُ سِنِينَ يُؤْخَذُ ثُلُثُهَا فِي آخِرِ كُلِّ سَنَةٍ. زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ. (وَالثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ بِالنِّسْبَةِ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: فِي أَبْعَاضِ الدِّيَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ الْحُلُولُ وَالتَّأْجِيلُ فَإِنَّ ثُلُثَهَا فِي سَنَةٍ وَثُلُثَيْهَا فِي سَنَتَيْنِ (وَنَجْمٌ فِي النِّصْفِ وَثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ بِالتَّثْلِيثِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 349 ثُمَّ لِلزَّائِدِ سِتَّةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَمَّا نِصْفُهَا فَقَالَ مَالِكٌ فِيهِ: مَرَّةً يُؤْخَذُ فِي سَنَتَيْنِ أَوْ سَنَةٍ وَنِصْفٍ. وَقَالَ أَيْضًا: يَجْتَهِدُ فِيهِ الْإِمَامُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَفِي سَنَتَيْنِ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ: وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. وَقَالَ فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسِهَا يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي السُّدُسِ الْبَاقِي. (وَحُكْمُ مَا وَجَبَ عَلَى عَوَاقِلَ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ كَحُكْمِ الْوَاحِدَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا قَتَلَ عَشَرَةُ رِجَالٍ رَجُلًا خَطَأً وَهُمْ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى فَعَلَى كُلِّ قَبِيلَةِ كُلِّ رَجُلٍ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ (كَتَعَدُّدِ الْجِنَايَاتِ عَلَيْهَا) هَكَذَا قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَ مِنْ ذَلِكَ سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتَانِ وَدِيَةُ الْمُوضِحَةِ لِأَنَّهَا ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ. (وَهَلْ حَدُّهَا سَبْعُمِائَةٍ أَوْ الزَّائِدُ عَلَى الْأَلْفِ قَوْلَانِ) رَوَى الْبَاجِيُّ: لَا حَدَّ لِعَدَدِ مَنْ تُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ. وَقَالَ سَحْنُونَ: أَقَلُّهَا سَبْعُمِائَةٍ رَجُلٌ. ابْنُ عَاتٍ: الْمَشْهُورُ عَنْهُ أَيْ عَنْ سَحْنُونٍ إنْ كَانَتْ الْعَاقِلَةُ أَلْفًا فَهُمْ قَلِيلٌ فَيُضَمُّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ حَدًّا وَقَدْ كَانَ يَحْمِلُ عَلَى النَّاسِ فِي أَعْطِيَاتِهِمْ عَنْ كُلِّ مِائَةٍ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْهُ رُبْعُ دِينَارٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 350 اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَعَقْلٌ عَنْ صَبِيٍّ ". (وَعَلَى الْقَاتِلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَإِنْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ شَرِيكًا إذَا قَتَلَ مِثْلَهُ مَعْصُومًا خَطَأً عِتْقُ رَقَبَةٍ) الْجَلَّابُ: الْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَاجِبَةٌ. ابْنُ شَاسٍ: كُلُّ حُرٍّ مُسْلِمٍ قَتَلَ حُرًّا مُسْلِمًا مَعْصُومًا خَطَأً فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، وَتَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ أَجِدْ هَذَا فِي الْمَذْهَبِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِي دِيَةٍ وَاحِدَةٍ خَطَأً كَفَّارَةٌ (وَلِعَجْزِهَا شَهْرَانِ) الْجَلَّابُ: مَنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ انْتَظَرَ الْقُدْرَةَ عَلَى الصِّيَامِ أَوْ وُجُودَ الرَّقَبَةِ وَلَا يَجْزِيهِ الْإِطْعَامُ (كَالظِّهَارِ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ الرَّقَبَةِ كَالظِّهَارِ وَشَرْطُ إيمَانِهَا نَصُّ (لَا صَائِلَ وَقَاتِلَ نَفْسِهِ) ابْنُ شَاسٍ: لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الصَّائِلِ وَلَا قَاتِلِ نَفْسِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 351 مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ وَلَمْ أَجِدْهُ نَصًّا. (كَدِيَتِهِ) الْجَلَّابُ: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا وَلَا خَطَأً. (وَنُدِبَتْ فِي جَنِينٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ضَرَبَ امْرَأَةً خَطَأً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا اسْتَحَبَّ لَهُ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي امْرَأَةٍ نَامَتْ عَلَى وَلَدِهَا فَقَتَلَتْهُ: إنَّ دِيَتَهُ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَتُعْتِقُ رَقَبَةً. (وَرَقِيقٍ) مَنْ قَتَلَ عَبْدًا خَطَأً غَرِمَ قِيمَتَهُ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَيُسْتَحْسَنُ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ. (وَعَمْدٍ) فِي الرِّسَالَةِ: وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ فِي الْخَطَأِ وَاجِبَةٌ. ثُمَّ قَالَ: وَيُؤْمَرُ بِذَلِكَ إنْ عُفِيَ عَنْهُ فِي الْعَمْدِ وَهُوَ خَيْرٌ لَهُ (وَعَلَيْهِ مُطْلَقًا جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ حَبْسُ سَنَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ بِقَسَامَةٍ فَعُفِيَ عَنْهُ أَوْ سَقَطَ قَتْلُهُ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَتَكَافَأُ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ مِائَةً وَيُسْجَنُ عَامًا، كَانَ الْقَاتِلُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، حُرًّا أَوْ عَبْدًا لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَالْمَقْتُولُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ (وَإِنْ بِقَتْلِ مَجُوسِيٍّ) مُطَرِّفٌ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ: وَسَوَاءٌ أَيْضًا كَانَ مَجُوسِيًّا. ابْنُ الْقَاسِمِ: أَوْ مَجُوسِيَّةً (أَوْ عَبْدِهِ) مَالِكٌ: وَسَوَاءٌ أَيْضًا كَانَ الْمَقْتُولُ عَبْدًا لِلْقَاتِلِ أَوْ لِغَيْرِهِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ وَيُسْجَنُ. الْبَاجِيُّ: وَجْهُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ سَفْكُ دَمٍ مُحَرَّمٍ فَوَجَبَ بِهِ الْجَلْدُ أَوْ السَّجْنُ. (أَوْ نُكُولِ الْمُدَّعِي عَلَى ذِي اللَّوْثِ وَحَلَّفَهُ) الْبَاجِيُّ: وَلَوْ نَكَلَ وُلَاةُ الدَّمِ عَنْ الْقَسَامَةِ وَقَدْ وَجَبَتْ لَهُمْ فَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبُرِّئَ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْجَلْدُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 352 وَالسَّجْنُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِ مَالِكٍ إلَّا ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَوَجْهُهُ لَمَّا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ ثَبَتَتْ الْعُقُوبَةُ. (وَالْقَسَامَةُ سَبَبُهَا قَتْلُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فِي مَحَلِّ اللَّوْثِ) . تَرْجَمَ عَلَى هَذَا ابْنُ شَاسٍ بِأَنْ قَالَ: [كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ] [الْقَسَامَةُ وَالشَّهَادَةُ بِالدَّمِ] [سَبَبُ الْقَسَامَةُ] كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ. وَالنَّظَرِ فِي الْقَسَامَةِ وَالشَّهَادَةِ بِالدَّمِ، وَكَذَا تَرْجَمَ عَلَيْهِ أَيْضًا ابْنُ رُشْدٍ فَقَالَ: كِتَابُ الْقَسَامَةِ. وَذَكَرَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْقَسَامَةُ سَبَبُهَا قَتْلُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فِي مَحَلِّ اللَّوْثِ، فَلَا قَسَامَةَ فِي الْأَطْرَافِ وَلَا فِي الْعَبِيدِ وَالْكُفَّارِ. ابْنُ عَرَفَةَ: خَرَّجَ لَهُ قَسَامَةَ مَنْ ثَبَتَ ضَرْبُهُ بِبَيِّنَةٍ تَامَّةٍ وَتَرَاخَى مَوْتُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: اللَّوْثُ هُوَ الْأَمْرُ الَّذِي لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. (كَأَنْ يَقُولَ بَالِغٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ قَتَلَهُ فُلَانٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَوْلُ الْمَيِّتِ بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا حُرًّا وَلَوْ كَانَ مَسْخُوطًا أَوْ امْرَأَةً قَتَلَنِي فُلَانٌ وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ هَذَا صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ امْرَأَةً عَمْدًا لَوْثٌ. (وَلَوْ خَطَأً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ خَطَأً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 353 فَلِأَوْلِيَائِهِ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَأْخُذُوا الدِّيَةَ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَكَالْعَدْلِ فَقَطْ " أَنَّهُ لَا قَسَامَةَ فِي قَتْلِ غِيلَةٍ. وَانْظُرْ طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ. (أَوْ مَسْخُوطًا عَلَى وَرَعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ الْمَقْتُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَهُوَ مَسْخُوطٌ أَوْ غَيْرُ مَسْخُوطٍ فَلَا يُتَّهَمُ وَلْيُقْسِمْ وُلَاتُهُ عَلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانُوا مَسْخُوطِينَ أَيْضًا فَذَلِكَ لَهُمْ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَيُقْسِمُ مَعَ قَوْلِ الْمَرْأَةِ وَهِيَ غَيْرُ تَامَّةِ الشَّهَادَةِ. وَإِذَا قَالَ الْمَقْتُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَذَكَرَ رَجُلًا أَوَرَعَ أَهْلِ الْبَلَدِ أَقْسَمَ عَلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ رَمَى بِهِ صَبِيًّا أَقْسَمَ مَعَ قَوْلِهِ وَكَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ. (أَوْ وَلَدٌ عَلَى وَالِدِهِ أَنَّهُ ذَبَحَهُ) سَمِعَ يَحْيَى بْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ دَمِي عِنْدَ أَبِي، أَقْسَمَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يُقَدْ مِنْهُ وَغُلِّظَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْأَبِ. وَلَوْ قَالَ أَضْجَعَنِي أَبِي فَذَبَحَنِي أَوْ بَقَرَ بَطْنِي أَقْسَمَ بِقَوْلِهِ وَقُتِلَ الْأَبُ إنْ شَاءَ الْأَوْلِيَاءُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ. (أَوْ زَوْجَةٌ عَلَى زَوْجِهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الزَّوْجَةَ فِي تَدْمِيَتِهَا عَلَى زَوْجِهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ خِلَافًا لِابْنِ زَرْقُونٍ. وَانْظُرْ فِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ لَيْسَ كُلُّ زَوْجٍ يُؤَدَّبُ وَالتَّدْمِيَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُؤَدِّبِ وَالْمُعَلِّمِ. (إنْ كَانَ جُرْحٌ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إنْ قَالَ قَتَلَنِي عَمْدًا وَلَا جِرَاحَ بِهِ وَأَبْيَنَ ذَلِكَ أَنْ لَا يُقْسِمَ مَعَ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا قِتَالٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اضْطِرَابٌ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَبِهِ الْحُكْمُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمُدْمَى أَثَرُ جُرْحٍ أَوْ ضَرْبٍ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى فُلَانٍ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَهُ أَصْبَغُ. (أَوْ أَطْلَقَ وَبَيَّنُوا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ قَتَلَنِي وَلَمْ يَقُلْ عَمْدًا وَلَا خَطَأً فَمَا ادَّعَاهُ وُلَاةُ الدَّمِ مِنْ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ أَقْسَمُوا عَلَيْهِ وَاسْتَحَقُّوهُ. (لَا خَالَفُوا وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُمْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ادَّعَى الْوَرَثَةُ خِلَافَ قَوْلِ الْمَيِّتِ فَلَا قَسَامَةَ لَهُمْ وَلَا دِيَةَ وَلَا دَمَ وَلَا لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إلَى قَوْلِ الْمَيِّتِ. وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَوْ خَطَأً ". (وَلَا إنْ قَالَ بَعْضٌ عَمْدًا وَبَعْضُ خَطَأً وَبَعْضٌ لَا نَعْلَمُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ بَعْضُهُمْ عَمْدًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا عِلْمَ لَنَا بِمَنْ قَتَلَهُ وَلَا نَحْلِفُ، فَإِنَّ دَمَهُ يَبْطُلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بَعْضُهُمْ قُتِلَ خَطَأً وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَمْدًا. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَفِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ الْخِلَافُ مَوْجُودٌ. وَالْفَرْقُ أَنَّ قَتْلَ الْخَطَأِ أَخْفَضُ رُتْبَةً، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: لَا فَرْقَ (أَوْ نَكَلُوا) اللَّخْمِيِّ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إنْ قَالَ جَمِيعُهُمْ عَمْدًا وَنَكَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ لِمَنْ يَنْكُلُ أَنْ يَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ حَقَّهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَهَذَا أَحْسَنُ. اُنْظُرْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَنُكُولُ الْمُعَيَّنِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ". وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ بَعْضُهُمْ عَمْدًا وَبَعْضُهُمْ خَطَأً فَإِنْ حَلَفُوا كُلُّهُمْ اسْتَحَقُّوا دِيَةَ الْخَطَأِ بَيْنَهُمْ وَبَطَلَ الْقَتْلُ، وَإِنْ نَكَلَ مُدَّعُو الْخَطَأِ فَلَيْسَ لِمُدَّعِي الْعَمْدِ أَنْ يُقْسِمُوا وَلَا دَمَ لَهُمْ وَلَا دِيَةَ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ حَلَفَ جَمِيعُهُمْ فَلِمَنْ أَقْسَمَ عَلَى الْخَطَأِ حَظُّهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلِمَنْ أَقْسَمَ عَلَى الْعَمْدِ حَظُّهُ مِنْ مَالِ الْقَاتِلِ. اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا أَحْسَنُ (بِخِلَافِ ذِي الْخَطَأِ فَلَهُ الْحَلِفُ وَأَخَذَ نَصِيبَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ بَعْضُهُمْ خَطَأً وَقَالَ الْبَاقُونَ لَا عِلْمَ لَنَا أَوْ نَكَلُوا عَنْ الْيَمِينِ، حَلَفَ مُدَّعُو الْخَطَأِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 354 وَأَخَذُوا حَظَّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِينَ. وَفِي الْجَلَّابِ: لَا يَسْتَحِقُّ مُدَّعُو الْخَطَأِ حَظَّهُمْ حَتَّى يَحْلِفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا (وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيهِمَا وَاسْتَوَوْا حَلَفَ كُلٌّ وَلِلْجَمِيعِ دِيَةُ الْخَطَأِ وَبَطَلَ حَقُّ ذِي الْعَمْدِ بِنُكُولِ غَيْرِهِمْ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُ أَشْهَبَ قَبْلَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ ذِي الْخَطَأِ. (وَكَشَاهِدَيْنِ بِجُرْحٍ أَوْ ضَرْبٍ مُطْلَقًا أَوْ إقْرَارِ الْمَقْتُولِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا ثُمَّ يَتَأَخَّرُ الْمَوْتُ) تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَ الْمَيِّتِ دَمِيَ عِنْدَ فُلَانٍ لَوْثٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَمْ يَخْتَلِفْ فِي هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ وَاللَّيْثُ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ. الْبَاجِيُّ: وَهَذَا إذَا ثَبَتَ قَوْلُ الْمَيِّتِ بِشَاهِدَيْنِ، وَأَمَّا كَوْنُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْجُرْحِ لَوْثًا مُطْلَقًا فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ الْمَوْتُ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَا نَصُّهُ: لَا خِلَافَ فِي الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْجُرْحِ إذَا حَيِيَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا تُوجِبُ الْقَوَدَ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ مَعَ الْقَسَامَةِ. وَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ " أَوْ إقْرَارِ الْمَقْتُولِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا " هَلْ يَكُونُ الْمَعْنَى الْقَسَامَةَ بِسَبَبِهَا قُتِلَ فِي مَحَلِّ اللَّوْثِ كَأَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ: قَتَلَنِي فُلَانٌ وَلَوْ خَطَأً، وَكَشَاهِدَيْنِ بِجُرْحٍ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، أَوْ كَشَاهِدَيْنِ بِإِقْرَارِ الْمَقْتُولِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا. وَعَلَى هَذَا فَفِيهِ بَعْضُ تَكْرَارٍ، فَانْظُرْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْبَاجِيِّ. وَهَذَا إذَا ثَبَتَ قَوْلُ الْمَيِّتِ بِشَاهِدَيْنِ. ثُمَّ رَاجَعْت عِبَارَةَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَعْنَاهَا أَنَّهَا ثَلَاثُ مُثُلٍ فَإِنَّهُ قَالَ: كَقَوْلِ الْمَقْتُولِ قَتَلَنِي وَكَثُبُوتِ الْجُرْحِ أَوْ الْإِقْرَارِ بِهِ بِشَاهِدٍ أَوْ بِشَاهِدَيْنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ بَيْنَ الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ أَوْ بِالْجُرْحِ فَرْقًا بِالنِّسْبَةِ لِلَفْظِ الْيَمِينِ فِي الْوَجْهِ الْوَاحِدِ يَحْلِفُ لَقَدْ قَتَلَهُ، وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ لَقَدْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ إنْ قَامَ بِهِ عَدْلَانِ، وَإِنْ شَهِدَ بِهِ عَدْلٌ فَيَمِينُهُمْ لَقَدْ جَرَحَهُ وَقَدْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ. (فَيُقْسِمُ لَمِنْ ضَرْبِهِ مَاتَ) الْمُتَيْطِيُّ: تَمَامُ الشَّهَادَةِ أَنْ يَشْهَدَ شَهِيدَانِ مَقْبُولَانِ أَنَّ الْجَرِيحَ لَمْ يُفِقْ مِنْ جُرْحِهِ فِي عِلْمِهِمْ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ، وَكَذَلِكَ تَكُونُ الْقَسَامَةُ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ هَذَا عِنْدَ مَقْطَعِ الْحَقِّ وَيَقُولُ فِي يَمِينِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَضَرَبَ فُلَانٌ هَذَا يُشِيرُ إلَى الْمُدْمَى عَلَيْهِ أَيْ أَوْ لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: يَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ لَقَدْ مَاتَ مِنْ الَّذِي شَهِدَ عَلَيْهِ بِهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ يُرَدِّدُهَا هَكَذَا (أَوْ بِشَاهِدٍ بِذَلِكَ) أَمَّا إذَا شَهِدَ عَدْلٌ بِجُرْحٍ أَوْ ضَرْبٍ فَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: إذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ الْعَدْلُ. وَهُوَ اللَّوْثُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مُعَايَنَةِ الْجُرْحِ. وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ. هَذَا مَذْهَبُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي دِيوَانِهِ، وَسَيَأْتِي نَقْلُ ابْنِ حَارِثٍ وَابْنِ رُشْدٍ فِي الْفَرْعِ بَعْدَ هَذَا (مُطْلَقًا) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ ثَبَتَ الْجُرْحُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فَيَنْبَغِي عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 355 مَا صَحَّحْنَاهُ أَنْ يَفْتَرِقَ الْخَطَأُ مِنْ الْعَمْدِ اهـ. رَاجِعْ أَنْتَ هَذَا كُلَّهُ (إنْ ثَبَتَ الْمَوْتُ) هَذَا فَرْعُ شَهَادَةِ الْعَدْلِ بِمُعَايَنَةِ الْقَتْلِ ذَكَرَهُ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَاكَ، وَأَمَّا إذَا شَهِدَ عَدْلٌ بِإِقْرَارِ الْمَقْتُولِ بِجُرْحٍ خَطَأً (أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَقْتُولِ بِجُرْحٍ عَمْدًا) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَمَّا إذَا مَاتَ وَقَدْ قَالَ فُلَانٌ جَرَحَنِي أَوْ ضَرَبَنِي وَلَمْ يَثْبُتْ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمَيِّتِ إلَّا بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ، فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ. وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ يُقْسِمُ مَعَ شَهَادَتِهِ قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ الْحَكَمِ وَغَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ الْمَقْتُولِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ: لِأَنَّ الْمَيِّتَ كَشَاهِدٍ فَلَا يَثْبُتُ قَوْلُهُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَقَالَ: إنَّمَا تَكُونُ الْقَسَامَةُ حَيْثُ تَكُونُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ انْتَهَى. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ عَمْدٍ وَخَطَأٍ بَلْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ. ابْنُ حَارِثٍ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إنْ شَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّ فُلَانًا جَرَحَ فُلَانًا أَوْ ضَرَبَهُ فَعَاشَ الْمَجْرُوحُ وَالْمَضْرُوبُ فَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ مَاتَ أَنَّ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَسْتَحِقُّوا الدَّمَ، فَإِنْ شَهِدَ بِذَلِكَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَقَطْ الْمُدَوَّنَةُ: لِوَرَثَتِهِ الْقَسَامَةُ خِلَافَ مَا قَالَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْقَسَامَةِ يَحْلِفُونَ لَقَدْ جَرَحَهُ وَلَقَدْ مَاتَ مِنْ جُرْحِهِ وَلَا يَحْلِفُونَ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْجُرْحِ إلَّا لَقَدْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ وَمَعَ الشَّاهِدِ عَلَى الْقَتْلِ فَيَحْلِفُونَ لَقَدْ قَتَلَهُ فَتُفَرَّقُ الثَّلَاثَةُ الْأَوْجُهُ فِي صِفَةِ الْأَيْمَانِ. (كَإِقْرَارِهِ مَعَ شَاهِدِهِ مُطْلَقًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ قَالَ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَشَهِدَ عَدْلٌ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَسَامَةِ انْتَهَى. وَلِأَجْلِ هَذَا النَّظَرِ أَتَى بِهَذَا وَإِلَّا فَسَيَأْتِي هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَوَجَبَتْ وَإِنْ تَعَدَّدَ اللَّوْثُ ". (أَوْ إقْرَارِ الْقَاتِلِ فِي الْعَمْدِ فَقَطْ بِشَاهِدٍ) مِنْ فُرُوقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى قَتْلِ الْخَطَأِ أَقْسَمَ مَعَهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْقَتْلِ لَمْ يُقْسِمْ مَعَهُ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ شَهَادَةٌ عَلَى قَتْلٍ. قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشَّاهِدَ عَلَى نَفْسِ الْقَتْلِ لَوْثٌ يُقْسِمُ مَعَهُ وَالْإِقْرَارُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 356 اثْنَانِ كَسَائِرِ الْإِقْرَارَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا خَطَأً فَلْيُقْسِمْ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ أَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ مِنْ إقْرَارِهِ إلَّا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ، فَيُقْسِمُونَ مَعَهُمَا وَيَسْتَحِقُّونَ بِذَلِكَ الدِّيَةَ. يُرِيدُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ نَكِيرٌ. قَالَ أَشْهَبُ: إذَا أَنْكَرَ الْقَاتِلُ قَوْلَ الشَّاهِدَيْنِ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ وَهُوَ كَشَاهِدٍ قَدْ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَتِهِ وَهُوَ يُنْكِرُهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ بِخِلَافِ مِنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى إقْرَارِ رَجُلٍ بِدَيْنٍ هَذَا يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ. الْمُتَيْطِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ عَلَى إقْرَارِ الْمُقَاتَلِ بِالْقَتْلِ عَمْدًا. وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَوْثٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ. وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الْقَسَامَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَ شَاهِدَاهُ بَطَلَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَهِدَ رَجُلٌ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا بِالسَّيْفِ وَقَالَ آخَرُ إنَّهُ قَتَلَهُ بِحَجَرٍ، فَقَوْلُهُمَا بَاطِلٌ وَلَا يُقْسِمُ بِذَلِكَ. سَحْنُونَ: هَذَا إنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ شَهَادَتَهُمَا مَعًا وَإِنْ ادَّعَى شَهَادَةَ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ الْقَسَامَةُ مَعَ ذَلِكَ الشَّاهِدِ. (وَكَالْعَدْلِ فَقَطْ فِي مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الْقَسَامَةُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ فَثَابِتَةٌ فِي الْمَذْهَبِ اتِّفَاقًا تُوجِبُ الْقَوَدَ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنَّمَا يُقْسِمُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ إذَا شَهِدَ عَدْلٌ أَنَّهُ قَتَلَهُ غِيلَةً لَمْ يُقْسِمْ مَعَ شَاهِدِهِ وَلَا يُقْتَلُ هَاهُنَا إلَّا بِشَاهِدَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَتْ مُعَايَنَةُ جَسَدِ الْقَتِيلِ فَيَشْهَدُونَ عَلَى مَوْتِهِ وَيَجْهَلُونَ قَاتِلَهُ كَمَا عُرِفَ مَوْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ (أَوْ يَرَاهُ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ وَالْمُتَّهَمُ قُرْبَهُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 357 قَالَ ابْنُ شَاسٍ: شَهَادَةُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ عَلَى رَوِيَّةِ الْقَتْلِ لَوْثٌ، وَفِي شَهَادَتِهِ يَرَى الْمَقْتُولَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ وَالْمُتَّهَمَ نَحْوَهُ أَوْ قُرْبَهُ عَلَيْهِ آثَارُ الْقَتْلِ خِلَافٌ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: شَهَادَةُ النِّسَاءِ لَوْثٌ، وَمِثْلُهُ أَنْ يَرَى الْمُتَّهَمَ بِحِذَاءِ الْقَتِيلِ وَقُرْبِهِ وَلَمْ يَرَوْهُ حِينَ أَصَابَهُ وَوَجَبَتْ إنْ تَعَدَّدَ اللَّوْثُ. ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا تَعَدَّدَ اللَّوْثُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَسَامَةِ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا " كَإِقْرَارِهِ مَعَ شَاهِدٍ مُطْلَقًا ". (وَلَيْسَ مِنْهُ وُجُودُهُ بِقَرْيَةِ قَوْمٍ أَوْ دَارِهِمْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي قَرْيَةِ قَوْمٍ أَوْ دَارِهِمْ وَلَا يَدْرُونَ مَنْ قَتَلَهُ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ أَحَدٌ وَتَبْطُلُ دِيَتُهُ وَلَا تَكُونُ فِي بَيْتِ مَالٍ وَلَا غَيْرِهِ. (وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ قَتَلَ وَدَخَلَ فِي جَمَاعَةٍ اُسْتُحْلِفَ كُلٌّ خَمْسِينَ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى مَنْ نَكَلَ بِلَا قَسَامَةٍ) سَمِعَ عِيسَى بْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فِي وَسَطِ النَّاسِ فَاتَّبَعُوهُ وَهُوَ هَارِبٌ فَاقْتَحَمَ بَيْتًا فَدَخَلَ الْبَيْتَ فَإِذَا فِيهِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ لَا يُدْرَى أَيُّهُمْ هُوَ، وَإِنْ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا مَا قَتَلَهُ كَانَ الْعَقْلُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمْ كَانَ الْعَقْلُ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ حَلَفُوا كُلُّهُمْ أَوْ نَكَلُوا كُلُّهُمْ فَالدِّيَةُ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَإِنْ نَكَلَ بَعْضُهُمْ فَهِيَ عَلَى مَنْ نَكَلَ، كَانَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا يَمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ. (وَإِنْ انْفَصَلَتْ الْبُغَاةُ عَنْ قَتْلَى وَلَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ فَهَلْ لَا قَسَامَةَ وَلَا قَوَدَ مُطْلَقًا أَوْ إنْ تَجَرَّدَ عَنْ تَدْمِيَةٍ أَوْ شَاهِدٍ أَوْ عَنْ الشَّاهِدِ فَقَطْ تَأْوِيلَاتٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فِيمَنْ قُتِلَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَسَامَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقِيلَ: لَا قَسَامَةَ فِيهِ بِحَالٍ لَا بِقَوْلِ الْمَقْتُولِ وَلَا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى الْقَتْلِ. رَوَاهُ سَحْنُونَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَدْ تَرْجَمَ ابْنُ يُونُسَ عَلَى هَذَا فِي آخِرِ كِتَابِ الدِّيَاتِ فَقَالَ فِيمَنْ قُتِلَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ رَاجِعْهُ فِيهِ. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي صَفِّ الْعَصَبِيَّةِ وَالْبَغْيِ الْمُسْتَوِيَيْنِ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَاغِيًا وَالْآخَرُ مَظْلُومًا أَوْ مُتَأَوِّلًا طُلِبَ الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَيْسَ الْقَتِيلُ مِنْهُمْ بِعَقْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ صَفِّ الْبَاغِينَ كَانَ هَدَرًا، وَلَوْ تَعَيَّنَ قَاتِلُهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُونَ مُتَأَوِّلِينَ أَوْ كِلَا الصَّفَّيْنِ مُتَأَوِّلًا فَمَنْ قَتَلَ الْآخَرَ مِنْهُمَا هَدَرَ (وَإِنْ تَأَوَّلُوا فَهَدَرٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ عِيَاضٍ. وَفِي سَمَاعِ عِيسَى إنْ كَانَ الْقَتِيلُ الَّذِي وُجِدَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ إنَّمَا كَانُوا قَوْمًا يُقَاتِلُونَ عَلَى تَأْوِيلٍ قَالَ: فَلَيْسَ عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوهُ قَتْلٌ وَإِنْ عُرِفُوا وَلَا دِيَةَ، وَلَيْسَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ كَغَيْرِهِمْ. ابْنُ رُشْدٍ: مِثْلُهُ فِي أَثَرِ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ وَمِثْلُهُ رَوَى أَشْهَبُ. (كَزَاحِفَةٍ عَلَى دَافِعَةٍ) الَّذِي لِلْبَاجِيِّ مَا نَصُّهُ: لَوْ مَشَتْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى بِالسِّلَاحِ إلَى مَنَازِلِهِمْ فَقَاتَلُوهُمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 358 ضَمِنَتْ كُلُّ فِرْقَةٍ مَا أَصَابَتْ مِنْ الْأُخْرَى. وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ وَابْنُ عَبْدُوسٍ. قَالَ: وَلَا يَبْطُلُ دَمُ الزَّاحِفَةِ لِأَنَّ الْمَزْحُوفَ إلَيْهِمْ لَوْ شَاءُوا لَمْ يُقَاتِلُوهُمْ وَاسْتُرِدُّوا إلَى السُّلْطَانِ. قَالَ غَيْرُهُ: هَذَا إنْ أَمْكَنَ السُّلْطَانَ أَنْ يَحْجِزَ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ عَاجَلُوهُمْ نَاشَدُوهُمْ اللَّهَ، فَإِنْ أَبَوْا فَالسَّيْفُ وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ. هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ حَرْبُهُمْ لِثَائِرَةٍ وَتَعَصُّبٍ، فَإِنْ كَانَ لِتَأْوِيلٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَيْسَ بَيْنَ أَهْلِ الْفِتَنِ قَوَدٌ فِيمَا قَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ عَلَى التَّأْوِيلِ، وَلَا تِبَاعَةَ فِي مَالٍ إلَّا فِيمَا كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَفُتْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَيْسَ عَلَى الْقَاتِلِ قَتْلٌ وَلَا دِيَةٌ وَإِنْ عُرِفَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ. (وَهِيَ خَمْسُونَ يَمِينًا) ابْنُ عَرَفَةَ: الْقَسَامَةُ حَلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ جُزْئِهَا عَلَى إثْبَاتِ الدَّمِ (مُتَوَالِيَةً) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَحْلِفُ الْوَارِثُونَ الْمُكَلَّفُونَ، وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، خَمْسِينَ يَمِينًا مُتَوَالِيَةً (بَتًّا وَإِنْ أَعْمَى وَغَائِبًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَمِينُ الْقَسَامَةِ عَلَى الْبَتِّ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ أَعْمَى أَوْ غَائِبًا حِينَ الْقَتْلِ. سَحْنُونَ: لِأَنَّ الْعِلْمَ يَحْصُلُ بِالْخَبَرِ وَالسَّمَاعِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْمُعَايَنَةِ (يَحْلِفُهَا فِي الْخَطَأِ مَنْ يَرِثُ وَإِنْ وَاحِدًا) اللَّخْمِيِّ: يَحْلِفُهَا الْوَاحِدُ إنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلدِّيَةِ كَابْنٍ أَوْ أَخٍ (وَامْرَأَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ لَمْ يَدَّعِ الْمَيِّتُ إلَّا ابْنَةً بِغَيْرِ عَصَبَةٍ حَلَفَتْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَأَخَذَتْ نِصْفَ الدِّيَةِ (وَجُبِرَتْ الْيَمِينُ عَلَى أَكْثَرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 359 كَسْرِهَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُجْبَرُ كَسْرُ الْيَمِينِ عَلَى ذِي الْأَكْثَرِ مِنْ الْكَسْرِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ لَزِمَ وَاحِدًا نِصْفُ الْيَمِينِ وَآخَرَ ثُلُثُهَا وَآخَرَ سُدُسُهَا حَلَفَهَا صَاحِبُ النِّصْفِ فَصُوِّرَتْ بِبِنْتٍ وَأُمٍّ وَزَوْجٍ وَعَاصِبٍ (وَإِلَّا فَعَلَى الْجَمِيعِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ ثَلَاثَةَ إخْوَةٍ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْكَسْرُ الَّذِي يَصِيرُ فِي حَظِّهِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ يَمِينًا (وَلَا يَأْخُذُ أَحَدٌ إلَّا بَعْدَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَتْ بِنْتٌ وَابْنٌ غَائِبٌ لَمْ تَأْخُذْ الْبِنْتُ ثُلُثَ الدِّيَةِ حَتَّى تَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا، فَإِذَا قَدِمَ الِابْنُ الْغَائِبُ حَلَفَ ثُلُثَيْ الْأَيْمَانِ وَأَخَذَ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ (ثُمَّ حَلَفَ مَنْ حَضَرَ حِصَّتَهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: ثُمَّ مَنْ نَكَلَ أَوْ غَابَ فَلَا يَأْخُذُ غَيْرَهُمَا حَتَّى يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ مَنْ حَضَرَ حَلَفَ حِصَّتَهُ (وَإِنْ نَكَلُوا أَوْ بَعْضٌ حَلَفَتْ الْعَاقِلَةُ فَمَنْ نَكَلَ فَحِصَّتُهُ عَلَى الْآخَرِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ نَكَلُوا عَنْ الْأَيْمَانِ أَوْ بَعْضُهُمْ فَخَامِسُ الْأَقْوَالِ إنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى الْعَاقِلَةِ يَحْلِفُونَ كُلُّهُمْ، وَلَوْ كَانُوا عَشَرَةَ آلَافٍ فَالْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ. فَمَنْ حَلَفَ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ نَكَلَ غَرِمَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ أَصَحُّهَا (وَلَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَصَبَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ادَّعَى الْعَمْدَ لَمْ يُقْتَلْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بِقَسَامَةِ رَجُلَيْنِ فَصَاعِدًا. ابْنُ شَاسٍ: وَيَحْلِفُ الْعَصَبَةُ وَلَا يَدْخُلُ النِّسَاءُ فِي الْعَمْدِ بِوَجْهٍ (وَإِلَّا فَمَوَالٍ) الَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ عَمْدًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 360 إنَّهُ إذَا قَامَ عَصَبَةُ الْمَقْتُولِ أَوْ مَوَالِيه فَقَالُوا نَحْنُ نَحْلِفُ وَنَسْتَحِقُّ دَمَ صَاحِبِنَا فَذَلِكَ لَهُمْ (وَلِلْوَلِيِّ الِاسْتِعَانَةُ بِعَاصِبِهِ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ كَانَ الْوَلِيُّ وَاحِدًا اسْتَعَانَ بِبَعْضِ عَصَبَتِهِ وَيَجْتَزِئُ فِي الْمُعَيَّنِينَ بِالْوَاحِدِ (وَلِلْوَلِيِّ فَقَطْ حَلِفُ الْأَكْثَرِ إنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى نِصْفِهَا) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ الَّذِي لَهُ الْعَفْوُ رَجُلًا وَاحِدًا فَلَا يَسْتَحِقُّهُ بِقَسَامَةٍ إلَّا أَنْ يَجِدَ مِنْ الْعَصَبَةِ أَوْ الْعَشَرَةِ مَنْ يُقْسِمُ مَعَهُ فَمَنْ يَلْقَاهُ إلَى أَبٍ مَعْرُوفٍ، فَإِنْ وَجَدَ رَجُلًا حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا، وَإِنْ وَجَدَ رَجُلَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ قُسِّمَتْ الْأَيْمَانُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ، فَإِنْ رَضُوا أَنْ يَحْمِلُوا عَنْهُ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ رَضِيَ هُوَ أَنْ يَحْمِلَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ يَمِينًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ (وَوُزِّعَتْ وَاجْتُزِئَ بِاثْنَيْنِ طَاعَا أَوْ أَكْثَرَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ وُزِّعَتْ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ اُجْتُزِئَ بِالْخَمْسِينَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي الِاجْتِزَاءِ بِاثْنَيْنِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْهُمَا قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ وُلَاةُ الدَّمِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ وَطَاعَ اثْنَانِ مِنْهُمْ بِحَمْلِ الْخَمْسِينَ يَمِينًا جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَمْ يُعَدُّ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَوَّلِينَ نَاكِلًا لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ قُيِّدَ بِهِ. (وَنُكُولُ الْمُعَيَّنِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلَوْ بَعُدَ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " وَلَوْ " فَسَيَأْتِي أَنَّ أَوْلِيَاءَ الدَّمِ إنْ كَانُوا أَعْمَامًا وَأَبْعَدَ مِنْهُمْ فَإِنَّ مَالِكًا حَلَّفَهُمْ مَرَّةً كَالْبَنِينَ، وَمَرَّةً قَالَ: إنْ رَضِيَ اثْنَانِ كَانَ لَهُمَا أَنْ يَحْلِفَا وَيَسْتَحِقَّا حَقَّهُمَا مِنْ الدِّيَةِ. ابْنُ شَاسٍ: إنْ كَانَ الْوَلِيُّ وَاحِدًا اسْتَعَانَ بِبَعْضِ عَصَبَتِهِ ثُمَّ نُكُولُ الْمُعَيَّنِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَأَمَّا نُكُولُ أَحَدِ الْأَوْلِيَاءِ فَمُسْقِطٌ لِلْقَوَدِ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَثُرَ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ أَجْزَأَ أَنْ يَحْلِفَ اثْنَانِ إذَا تَطَاوَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ بَاقِيهِمْ الْيَمِينَ نُكُولًا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ نَكَلَ وَاحِدٌ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ الَّذِينَ يَجُوزُ عَفْوُهُمْ إنْ عَفَوْا فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَتْلِ، كَانُوا اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ نُكُولِ أَحَدِ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ الْقَسَامَةِ قَبْلَ الْقَسَامَةِ أَوْ بَعْدَ أَنْ حَلَفَ جَمَاعَتُهُمْ فَقَالَ: إنْ نَكَلَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ الْعَفْوُ قَبْلَ الْقَسَامَةِ فَلَا قَسَامَةَ لِبَقِيَّتِهِمْ وَلَا دَمَ وَلَا دِيَةَ وَيَحْلِفُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 361 الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا إنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ عَصَبَتِهِ مَنْ يَحْلِفُ مَعَهُ، وَإِنْ نَكَلَ بَعْدَ يَمِينِ جَمَاعَتِهِمْ لَمْ يَسْقُطْ حَظُّ مَنْ بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ، وَنُكُولُ هَذَا كَعَفْوِهِ رَاجِعْهُ فِيهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ نُكُولُ الْمُعَيَّنِ لَغْوٌ وَاضِحٌ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ مَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ. (فَيُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَيَحْلِفُ كُلٌّ خَمْسِينَ) قَالَ اللَّخْمِيِّ: إنْ نَكَلَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ عَفَا وَالْأَوْلِيَاءُ بَنُونَ أَوْ إخْوَةٌ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْقَاتِلِ، وَلِمَالِكٍ أَيْضًا: إنْ بَقِيَ اثْنَانِ كَانَ لَهُمَا أَنْ يَحْلِفَا وَيَسْتَحِقَّا حَظَّهُمَا مِنْ الدِّيَةِ. وَاخْتُلِفَ عَنْهُ إنْ كَانَ الْأَوْلِيَاءُ أَعْمَامًا أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُمْ مِنْ الْعَصَبَةِ فَنَكَلَ بَعْضُهُمْ، فَجَعَلَ الْجَوَابَ مَرَّةً كَالْبَنِينَ وَهُوَ أَبْيَنُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْقَعْدَةِ. (وَمَنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ) الْجَلَّابُ: إذَا نَكَلَ الْمُدَّعُونَ لِلدَّمِ عَنْ الْقَسَامَةِ وَرُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَنَكَلُوا حُبِسُوا حَتَّى يَحْلِفُوا، فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُمْ تُرِكُوا وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَلْدُ مِائَةٍ وَحَبْسُ سَنَةٍ. (وَلَا اسْتِعَانَةَ) لَيْسَ هَذَا مَشْهُورُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ نَكَلَ وُلَاةُ الدَّمِ عَنْ الْيَمِينِ وَكَانَتْ الْقَسَامَةُ وَجَبَتْ بِقَوْلِ الْمَقْتُولِ أَوْ بِشَاهِدٍ عَلَى الْقَتْلِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ يَحْلِفُ عَنْهُ رَجُلَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ خَمْسِينَ يَمِينًا إنْ طَاعُوا بِذَلِكَ وَلَا يَحْلِفُ هُوَ مَعَهُمْ. قَالَ هَذَا ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ: لَا يَتَعَيَّنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَحَدٍ مِنْ وُلَاتِهِ. اُنْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ فَقَدْ ذَكَرَ أَيْضًا قَوْلًا ثَالِثًا وَعَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْقَسَامَةُ إنَّمَا وَجَبَتْ بِشَاهِدَيْنِ عَلَى الْجُرْحِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنَّهَا تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ مَا مَاتَ مَنْ ضَرْبَتِي. وَقَالَ أَشْهَبُ وَأَصْبَغُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا تُرَدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ يَمِينَهُ إنْ حَلَفَ يَمِينٌ غَمُوسٌ. (وَإِنْ كَذَّبَ بَعْضٌ نَفْسَهُ بَطَلَ بِخِلَافِ عَفْوِهِ فَلِلْبَاقِي نَصِيبُهُ مِنْ الدِّيَةِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ عَفَا أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ الدَّمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْقَسَامَةِ أَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ الْقَسَامَةِ فَثَالِثُ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ إنْ عُفِيَ كَانَ لِمَنْ بَقِيَ حُظُوظُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِنْ أَكْذَبَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 362 نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ قَبَضُوهَا رَدُّوهَا. هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا. وَسَاوَى ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ الْعَفْوِ وَالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ وَالْعَفْوِ قَبْلَ الْقَسَامَةِ، وَفَرَّقَ بَعْدَ الْقَسَامَةِ بَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ، فَجَعَلَ تَكْذِيبَ نَفْسِهِ بَعْدَ الْقَسَامَةِ كَعَفْوِهِ عَنْ الدَّمِ قَبْلَ الْقَسَامَةِ لَا شَيْءَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْ الدَّمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. (وَلَا يُنْتَظَرُ صَغِيرٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ أَوْلَادُ الْمَقْتُولِ صِغَارًا وَكِبَارًا، فَإِنْ كَانَ الْكِبَارُ اثْنَيْنِ فَلَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَقْتُلُوا وَلَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّغِيرِ (بِخِلَافِ الْمُغْمَى وَالْمُبَرْسَمِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ فِي الْأَوْلِيَاءِ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُبَرْسَمٌ فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ لِأَنَّ هَذَا مَرَضٌ مِنْ الْأَمْرَاضِ (إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُهُ فَيَحْلِفُ الْكَبِيرُ حِصَّتَهُ وَالصَّغِيرُ مَعَهُ) نَحْوُ هَذَا عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَلَدٌ صَغِيرٌ وَكَبِيرُ فَإِنْ وَجَدَ الْكَبِيرُ رَجُلًا مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ يَحْلِفُ مَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ لَهُ الْعَفْوُ حَلَفَا خَمْسِينَ يَمِينًا، ثُمَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَقْتُلَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَعَهُ حَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا وَاسْتُؤْنِيَ بِالصَّغِيرِ، فَإِذَا بَلَغَ حَلَفَ أَيْضًا خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا ثُمَّ اسْتَحَقَّ الدَّمَ. (وَوَجَبَتْ بِهَا الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ وَالْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ مِنْ وَاحِدٍ يُعَيَّنُ لَهَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ إلَّا وَاحِدًا خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ يَكُونُ مُعَيَّنًا بِالْيَمِينِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مُوجِبُ الْقَسَامَةِ الْقَتْلُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ فَإِنْ انْفَرَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَوَاضِحٌ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: لَا يُقْسِمُ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ بِكُلِّ حَالٍ. وَقَالَ فِي ثَلَاثَةٍ احْتَمَلُوا صَخْرَةً وَرَمَوْهَا عَلَى رَجُلٍ قَتَلُوهُ بِهَا وَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ: لَا يُقْسِمُ إلَّا عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُقْسِمُونَ لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ لَا مِنْ ضَرْبِهِمْ. وَخَالَفَ فِي هَذَا سَحْنُونَ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ شَاءُوا أَقْسَمُوا عَلَى اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ثُمَّ لَا يَقْتُلُونَ إلَّا وَاحِدًا مِمَّنْ أَدْخَلُوهُ فِي قَسَامَتِهِمْ. وَانْظُرْ لِابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ اثْنَانِ. (وَمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى جُرْحٍ أَوْ قَتْلِ كَافِرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ جَنِينٍ حَلَفَ وَاحِدَةً وَأَخَذَ الدِّيَةَ) أَمَّا مَسْأَلَةُ قِيَامِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ عَلَى جُرُوحٍ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: بِلَا قَسَامَةَ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 363 الْجِرَاحِ وَلَكِنْ مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا عَلَى جَرْحٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلْيَحْلِفْ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ وَيَأْخُذُ الْعَقْلَ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ. قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: لِمَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ؟ قَالَ: قَدْ كَلَّمْت مَالِكًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ شَيْءٌ اسْتَحْسَنَّاهُ وَمَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْكَافِرِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي نَصْرَانِيٍّ قَامَ عَلَى قَتْلِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ مُسْلِمٌ فَيَحْلِفُ وُلَاتُهُ يَمِينَهَا وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ عَلَى قَاتِلِهِ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ نَصْرَانِيًّا. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ فَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ إنَّهُ إذَا أُصِيبَ الْعَبْدُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً ثُمَّ جَاءَ سَيِّدُهُ بِشَاهِدٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً ثُمَّ كَانَ لَهُ قِيمَةُ عَبْدِهِ، وَلَيْسَ فِي الْعَبِيدِ قَسَامَةٌ فِي عَمْدٍ وَلَا خَطَأٍ، فَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِ الْمَقْتُولِ قَسَامَةٌ وَلَا يَمِينٌ، وَلَا يَسْتَحِقُّ سَيِّدُهُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ بِشَاهِدٍ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَبْدَ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ السَّيِّدُ أَوْ يَرْضَى سَيِّدُ الْمَقْتُولِ بِأَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْجَنِينِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ضُرِبَتْ امْرَأَةٌ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَقَالَتْ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، فَفِي الْمَرْأَةِ الْقَسَامَةُ وَلَا شَيْءَ فِي اثْنَيْنِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ثَابِتَةٍ لِأَنَّهُ كَجُرْحٍ مِنْ جِرَاحِهَا، وَلَا قَسَامَةَ فِي الْجُرْحِ وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 364 يَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ شَاهِدٍ عَدْلٍ فَيَحْلِفُ وُلَاتُهُ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّونَ دِيَتَهُ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَرِثُ الْغُرَّةَ يَمِينًا أَنَّهُ قَتَلَهُ. (وَإِنْ نَكَلَ بُرِّئَ الْجَارِحُ إنْ حَلَفَ وَإِلَّا حُبِسَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى جَرْحٍ عَمْدٍ فَلْيَحْلِفْ وَيَقْتَصُّ، فَإِنْ نَكَلَ قِيلَ لِلْجَارِحِ احْلِفْ وَابْرَأْ، فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ. الْجَلَّابُ: وَإِنْ طَالَ الْحَبْسُ أُطْلِقَ. (فَلَوْ قَالَتْ دَمِي وَجَنِينِي عِنْدَ فُلَانٍ فَفِيهَا الْقَسَامَةُ وَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَقَالَتْ: دَمِي وَجَنِينِي عِنْدَ فُلَانٍ وَمَاتَتْ كَانَتْ الْقَسَامَةُ فِي الْأُمِّ وَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ، وَلَوْ ثَبَتَ الْأَمْرَانِ بِعَدْلٍ وَاحِدٍ فَالْقَسَامَةُ فِي الْأُمِّ وَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ فِي الْجَنِينِ. (وَلَوْ اسْتَهَلَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَتْ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَخَرَجَ جَنِينُهَا حَيًّا فَاسْتَهَلَّ صَارِخًا ثُمَّ مَاتَ فَفِي الْأُمِّ الْقَسَامَةُ وَلَا قَسَامَةَ فِي الْوَلَدِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: قَتَلَنِي وَقَتَلَ فُلَانًا مَعِي لَمْ يَكُنْ فِي فُلَانٍ قَسَامَةٌ. [كِتَابُ الْجِنَايَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْعُقُوبَاتِ] [بَاب فِي الْبَغْيُ] [صِفَاتُ الْبُغَاةِ وَأَحْكَامِهِمْ] بَابٌ ابْنُ شَاسٍ كِتَابُ الْجِنَايَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْعُقُوبَاتِ. وَهِيَ سَبْعٌ: الْبَغْيُ، وَالرِّدَّةُ، وَالزِّنَا، وَالْقَذْفُ، وَالسَّرِقَةُ، وَالْحِرَابَةُ، وَالشُّرْبُ، وَالْجِنَايَةُ. الْأُولَى الْبَغْيُ وَالنَّظَرُ فِي صِفَاتِ الْبُغَاةِ وَأَحْكَامِهِمْ (الْبَاغِيَةُ فِرْقَةٌ خَالَفَتْ الْإِمَامَ لِمَنْعِ حَقٍّ أَوْ لِخَلْعِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْبَغْيُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 365 هُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ طَاعَةِ مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ بِمُغَالَبَةٍ وَلَوْ تَأَوُّلًا. قَالَ: وَحُكْمُ ثُبُوتِ الْإِمَامَةِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَالْحَدِيثِ. وَخَتَمَ أَبُو الْمَعَالِي كِتَابَ اللُّمَعِ بِمَا نَصُّهُ: فَصْلٌ شَرَائِطُ الْإِمَامَةِ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُسْتَجْمِعًا لِشَرَائِطِ الْفَتْوَى. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ قُرَشِيَّ النَّسَبِ. الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ذَا نَخْوَةٍ وَكَفَاءَةٍ فِي الْمُعْضِلَاتِ وَنُزُولِ الدَّوَاهِي وَالْمُلِمَّاتِ. فَهَذِهِ عَقِيدَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ تَلَقَّاهَا الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ أَمَّا فِيمَا تَكْمُلُ بِهِ هِدَايَةُ الْمُسْتَرْشِدِينَ وَيَقَعُ بِهِ الْإِقْنَاعُ فِي أُصُولِ الدِّينِ انْتَهَى الْفَصْلُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ: تُتَصَوَّرُ إمَامَةُ الْعَبْدِ اُنْظُرْهُ بَعْدَ هَذَا. وَقَالَ فِي إرْشَادِهِ: وَمِنْ شَرَائِطِ الْإِمَامَةِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُهْتَدِيًا إلَى مَصَالِحِ الْأُمُورِ وَضَبْطِهَا، ذَا نَجْدَةٍ فِي تَجْهِيزِ الْجُيُوشِ وَسَدِّ الثُّغُورِ، ذَا رَأْيٍ مُصِيبٍ فِي النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ، لَا تُزَعْزِعُهُ هَوَاءَةُ نَفْسٍ وَلَا خَوْرُ طَبِيعَةٍ عَنْ ضَرْبِ الرِّقَابِ وَالتَّنْكِيلِ لِلْمُسْتَوْجِبَيْنِ الْحُدُودَ، وَيَجْمَعُ مَا ذَكَرْنَاهُ الْكَفَاءَةَ وَهِيَ مَشْرُوطَةٌ إجْمَاعًا. قَالَ: وَمِنْ شَرَائِطِ الْإِمَامَةِ الْوَرَعُ وَالْعَدَالَةُ وَكَيْفَ يَتَصَدَّرُ لَهَا مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: افْتَرَضَ اللَّهُ قِتَالَ الْخَوَارِجِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: وَإِنْ كَانُوا يَظْلِمُونَ الْوَالِيَ الظَّالِمَ فَلَا يَجُوزُ لَك الدَّفْعُ عَنْهُ وَلَا الْقِيَامُ عَلَيْهِ، وَلَا يَسَعُك الْوُقُوفُ عَنْ الْعَدْلِ كَانَ هُوَ الْقَائِمَ أَوْ الْمُقَامَ عَلَيْهِ. قَالَ عِيَاضٌ: انْحَدَرَ الْمَأْمُونُ إلَى مُحَارَبَةِ بَعْضِ بِلَادِ مِصْرَ وَقَالَ لِلْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ: مَا تَقُولُ فِي خُرُوجِنَا هَذَا؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الرَّشِيدَ سَأَلَهُ عَنْ قِتَالِ أَهْلِ دَمِكَ فَقَالَ: إنْ كَانُوا خَرَجُوا عَنْ ظُلْمِ السُّلْطَانِ فَلَا يَحِلُّ قِتَالُهُمْ، وَمِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] لَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُسَارِعُوا إلَى نُصْرَةِ مُظْهِرِ الْعَدْلِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَاسِقًا لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَطْلُبُ الْمُلْكَ يُظْهِرُ مِنْ نَفْسِهِ الصَّلَاحَ حَتَّى يَتَمَكَّنَ فَيَعُودَ بِخِلَافِ مَا أَظْهَرَ. وَسَأَلَ ابْنُ نَصْرٍ مَالِكًا عَنْ الْفِتَنِ بِالْأَنْدَلُسِ وَكَيْفِيَّةِ الْمَخْرَجِ مِنْهَا إذَا خَافَ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا أَنَا فَمَا أَتَكَلَّمُ فِي هَذَا بِشَيْءٍ فَأَعَادَ الرَّجُلُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ وَقَالَ: إنِّي رَسُولُ مَنْ خَلْفِي إلَيْك فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: كُفَّ عَنْ الْكَلَامِ فِي هَذَا وَمِثْلِهِ وَأَنَا لَك نَاصِحٌ وَلَا تُجِبْ فِيهِ. وَلِابْنِ مُحْرِزٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: مَنْ شَارَكَ فِي عَزْلِ إنْسَانٍ وَتَوْلِيَةِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَأْمَنْ سَفْكَ دَمِ مُسْلِمٍ فَقَدْ شَارَكَ فِي سَفْكِ دَمِهِ إنْ سُفِكَ، رَاجِعْهُ فِي مَصْرِفِ الزَّكَاةِ مِنْهُ. وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ وَالْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُمَا: مَنْ شَارَكَ فِي قَتْلِ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَوْلِهِ: " وَلَا تُنَازِعْ الْأَمْرَ أَهْلَهُ " يَعْنِي مَنْ مَلَكَهُ لَا مَنْ يَسْتَحِقُّهُ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيمَنْ يَمْلِكُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 366 وَالطَّاعَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْجَمِيعِ، فَالصَّبْرُ عَلَى ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ التَّعَرُّضِ لِإِفْسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اسْمَعْ وَأَطِعْ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا» قَالَ: تُتَصَوَّرُ إمَامَةُ الْعَبْدِ إذَا وَلَّاهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ وَتَغَلَّبَ عَلَى الْبِلَادِ بِشَوْكَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ فَيُسْمَعُ لَهُ وَيُطَاعُ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِي تَمْهِيدِهِ: ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَعَامَّةِ الْخَوَارِجِ إلَى مُنَازَعَةِ الْجَائِرِ قَالَ: وَأَمَّا أَهْلُ الْحَقِّ وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ فَقَالُوا: الصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ الْجَائِرِ أَوْلَى. قَالَ: وَالْأُصُولُ تَشْهَدُ وَالْعَقْلُ وَالدِّينُ أَنَّ أَعْظَمَ الْمَكْرُوهَيْنِ أَوْلَاهُمَا بِالتَّرْكِ. قَالَ: وَكَتَبَ ابْنُ مَرْوَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنْ يُبَايِعَ الْحَجَّاجَ قَالَ: لِأَنَّ فِيك خِصَالًا لَا تَصِحُّ مَعَهَا الْخِلَافَةُ وَهِيَ الْبُخْلُ وَالْغَيْرَةُ وَالْعِيُّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 367 فَجَاوَبَهُ ابْنُ عُمَرَ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَك رَبَّنَا وَإِلَيْك الْمَصِيرُ. اللَّهُمَّ إنَّ ابْنَ مَرْوَانَ يُعَيِّرُنِي بِالْبُخْلِ وَالْغَيْرَةِ وَالْعِيِّ، فَلَوْ وُلِّيتُ وَأَعْطَيْت النَّاسَ حُقُوقَهُمْ وَقَسَمْتُ بَيْنَهُمْ فَأَيُّ حَاجَةٍ لَهُمْ حِينَئِذٍ فِي مَالِي يَعْنِي فَيُبْخِلُونِي، وَلَوْ جَلَسْت إلَيْهِمْ مَجَالِسَهُمْ فَقَضَيْت حَوَائِجَهُمْ لَمْ تَبْقَ لَهُمْ حَاجَةٌ فِي شَيْءٍ فَيَعْرِفُونَ غَيْرَتِي، وَمَا مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللَّهِ وَوُعِظَ بِهِ بِعِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ أَعَادَ أَبَدًا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ الَّذِي تُؤَدَّى إلَيْهِ الطَّاعَةُ فَلَا يُعِيدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ صَلَاتِهِ سَكْرَانَ. قَالَهُ مَنْ لَقِيت مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَوْ قَاضٍ أَوْ خَلِيفَةٍ أَوْ صَاحِبِ شُرْطَةٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَهُمْ الْجُمُعَةَ أَوْ غَيْرَهَا إذْ مَنْعُ الصَّلَاةِ مَعَهُمْ دَاعِيَةٌ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ طَاعَتِهِمْ. وَقَدْ صَلَّى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَنَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ وَقَالَ عِيَاضٌ فِي إكْمَالِهِ: أَحَادِيثُ مُسْلِمٍ كُلُّهَا حُجَّةٌ فِي مَنْعِ الْخُرُوجِ عَلَى الْأَئِمَّةِ الْجَوَرَةِ وَفِي لُزُومِ طَاعَتِهِمْ. وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يُخْلَعُ السُّلْطَانُ بِالْفِسْقِ وَالظُّلْمِ وَتَعْطِيلِ الْحُقُوقِ. وَلَا يَجِبُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ بَلْ يَجِبُ وَعْظُهُ وَتَخْوِيفُهُ. زَادَ أَبُو حَامِدٍ: وَتَضْيِيقُ صُدُورِهِمْ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِي تَمْهِيدِهِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ إلَيَّ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ» قَالَ: أَوْجَبُ مَا يَكُونُ هَذَا عَلَى مَنْ وَاكَلَهُمْ وَجَالَسَهُمْ وَكُلِّ مَنْ أَمْكَنَهُ نُصْحُ السُّلْطَانِ لَزِمَهُ ذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ إذَا رَجَا أَنْ يَسْمَعَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَالدُّعَاءُ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنْ سَبِّ الْأُمَرَاءِ ثُمَّ نَقَلَ بِسَنَدِهِ: كَانَ الْأَكَابِرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَوْنَ عَنْ سَبِّ الْأُمَرَاءِ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَزِيدَ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ كَوْنُهُ قُرَشِيًّا ". (فَلِلْعَدْلِ قِتَالُهُمْ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ قَامَ عَلَى إمَامٍ مَنْ أَرَادَ إزَالَةَ مَا بِيَدِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجَبَ عَلَى النَّاسِ الذَّبُّ عَنْهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: دَعَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْضَهُمْ إلَى الْقِتَالِ مَعَهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوا فَعَذَرَهُمْ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ لَا يَعِيبَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ. الْقَرَافِيُّ: الزَّوَاجِرُ مَشْرُوعَةٌ لِدَرْءِ الْمَفْسَدَةِ الْمُتَوَقَّعَةِ وَقَدْ لَا يَكُونُ الْمَزْجُورُ آثِمًا كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْبَهَائِمِ، وَكَذَلِكَ الْبُغَاةُ إنَّمَا قِتَالُهُمْ دَرْءٌ لِتَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ مَعَ عَدَمِ التَّأْثِيمِ لِأَنَّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ قَالَ: وَيَفْتَرِقُ قِتَالُهُمْ مِنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ بِأَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا مِنْهَا: أَنَّهُ يَقْصِدُ بِالْقِتَالِ رَدْعَهُمْ لَا قَتْلَهُمْ، وَيَكُفُّ عَنْ مُدَبَّرِهِمْ وَلَا يُجْهِزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلَا يَقْتُلُ أَسْرَاهُمْ وَلَا تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ، وَلَا تُنْصَبُ عَلَيْهِمْ الرَّعَّادَاتُ، وَلَا تُحَرَّقُ مَسَاكِنُهُمْ وَلَا تُقْطَعُ أَشْجَارُهُمْ وَلَا يَدْعُهُمْ عَلَى مَالٍ، وَيَفْتَرِقُ أَيْضًا قِتَالُهُمْ مِنْ قِتَالِ الْمُحَارَبِينَ بِأَنَّ الْبُغَاةَ لَا يُطْلَبُونَ بِمَا اسْتَهْلَكُوهُ مِنْ دَمٍ وَمَالٍ وَمَا أَخَذُوهُ مِنْ خَرَاجٍ وَزَكَاةٍ وَسَقَطَتْ عَمَّنْ كَانَتْ عَلَيْهِ، وَلَمَّا ذَكَرَ عِزُّ الدِّينِ مِثْلَ الزَّوَاجِرِ قَالَ مَا نَصُّهُ: الْمِثَالُ الثَّانِي الزَّجْرُ عَنْ مَفْسَدَةِ الْبَغْيِ، فَإِنْ رَجَعُوا إلَى الطَّاعَةِ كَفَفْنَا عَنْ قَتْلِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَهَذَا زَجْرٌ عَنْ مَفْسَدَةٍ لَا إثْمَ فِيهَا. (وَإِنْ تَأَوَّلُوا) أَبُو عُمَرَ: رَأَى مَالِكٌ قِتَالَ الْخَوَارِجِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: يُسْتَتَابُ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ. قَالَ سَحْنُونَ: أَدَبًا لَهُمْ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَى تَرْكِ قِتَالِهِمْ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْخَوَارِجِ إنْ كَانَ رَأْيُ الْقَوْمِ أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 368 يَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ فَسَادٍ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا عَلَى قَطْعِ سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَذْهَبُوا حَيْثُ شَاءُوا، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا رَأْيُهُمْ الْقِتَالُ فَوَاَللَّهِ لَوْ أَنَّ أَبْكَارِي خَرَجُوا رَغْمَةً عَنْ جَمَاعَةٍ الْمُسْلِمِينَ لَأَرَقْت دِمَاءَهُمْ أَلْتَمِسُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ. ابْنُ شَاسٍ: بِنَاءُ بَغَى لِلطَّلَبِ، وَوَقَعَ التَّعْبِيرُ بِهَا هُنَا عَمَّنْ يَبْغِي مَا لَا يَنْبَغِي عَلَى عَادَةِ اللُّغَةِ فِي تَخْصِيصِ الِاسْمِ بِبَعْضِ مُتَعَلِّقَاتِهِ وَهُوَ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَى الْإِمَامِ يَبْتَغِي خُلْفَهُ أَوْ يَمْتَنِعُ مِنْ الدُّخُولِ فِي طَاعَتِهِ أَوْ يَمْنَعُ حَقًّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ قَاتَلَ الصِّدِّيقُ مَانِعِي الزَّكَاةِ بِالتَّأْوِيلِ وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ قَاتَلَ أَهْلَ الشَّامِ. (كَالْكُفَّارِ) فِي النَّوَادِرِ: إذَا امْتَنَعَ أَهْلُ الْبَغْيِ وَلَوْ كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ مِنْ الْإِمَامِ الْعَدْلِ فَلَهُ فِيهِمْ مَا لَهُ فِي الْكُفَّارِ وَلَا يَرْمِيهِمْ بِالنَّارِ وَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَلَا ذُرِّيَّةٌ (وَلَا يُسْتَرَقُّونَ) قَالَ سَحْنُونَ فِي الْخَوَارِجِ: سَمَّاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَارِقِينَ وَلَمْ يُسَمِّهِمْ كُفَّارًا، وَسَنَّ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِتَالَهُمْ فَلَمْ يُكَفِّرْهُمْ وَلَا سَبَاهُمْ وَلَا أَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، فَمَوَارِيثُهُمْ قَائِمَةً وَلَهُمْ أَحْكَامُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قُوتِلُوا بِالسُّنَّةِ وَبِمَا أَحْدَثُوا مِنْ الْبِدْعَةِ فَكَانَ ذَلِكَ كَحَدٍّ يُقَامُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُتْبَعُوا بِمَا سَفَكُوا مِنْ دَمٍ وَنَالُوا مِنْ فَرْجٍ لَا بِقَوَدٍ وَلَا بِدِيَةٍ وَلَا صَدَاقٍ وَلَا حَدٍّ (وَلَا تُحَرَّقُ أَشْجَارُهُمْ وَلَا تُرْفَعُ رُءُوسُهُمْ بِأَرْمَاحٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْقَرَافِيُّ: لَا تُحَرَّقُ مَسَاكِنُهُمْ وَلَا تُقْطَعُ أَشْجَارُهُمْ وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَى قِتَالِهِمْ بِمُشْرِكٍ وَلَا يُوَادِعُهُمْ عَلَى مَالٍ (وَلَا يَدْعُوهُمْ بِمَالٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْقَرَافِيُّ: لَا يُوَادِعُهُمْ عَلَى مَالٍ. (وَاسْتُعِينَ بِمَالِهِمْ عَلَيْهِمْ إنْ اُحْتِيجَ لَهُ ثُمَّ رُدَّ) قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَا أَصَابَ الْإِمَامُ مِنْ عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ مِنْ كُرَاعٍ أَوْ سِلَاحٍ فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ قَائِمَةٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ الْإِمَامُ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى قِتَالِهِمْ إنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ، فَإِنْ زَالَتْ الْحَرْبُ رُدَّ لِأَهْلِهِ (كَغَيْرِهِ) قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَغَيْرُ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ تُوقَفُ حَتَّى تُرَدَّ إلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ قَائِمَةٌ رُدَّ ذَلِكَ مِنْ سِلَاحٍ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا فَعَلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (وَإِنْ أُمِّنُوا لَمْ يُتَّبَعْ مُنْهَزِمُهُمْ وَلَمْ يُذَفَّفْ عَلَى جَرِيحٍ) قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إنْ أُسِرَ مِنْ الْخَوَارِجِ أَسِيرٌ وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْحَرْبُ فَلَا يُقْتَلُ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ وَلَوْ كَانُوا جَمَاعَةً إذَا خَافَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ ضَرَرٌ. وَعَلَى هَذَا يَجْرِي حُكْمُ التَّذْفِيفِ عَلَى الْجَرِيحِ وَاتِّبَاعِ الْمُنْهَزِمِ، وَقَالَهُ سَحْنُونَ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ وَأُمِّنُوا فَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَمُنْهَزِمِهِمْ. (وَكُرِهَ لِرَجُلٍ قَتْلُ أَبِيهِ) ابْنُ سَحْنُونٍ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلُ فِي قِتَالِهِمْ أَخَاهُ وَقَرَابَتَهُ، فَأَمَّا الْأَبُ وَحْدَهُ فَلَا أُحِبُّ قَتْلَهُ تَعَمُّدًا وَكَذَلِكَ الْأَبُ الْكَافِرُ (وَوَرِثَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ سَحْنُونٍ: مَوَارِيثُهُمْ قَائِمَةٌ. (وَلَمْ يَضْمَنْ مُتَأَوِّلٌ أَتْلَفَ نَفْسًا وَمَالًا) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 369 مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَالْخَوَارِجُ إذَا خَرَجُوا فَأَصَابُوا الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ ثُمَّ تَابُوا وَرَجَعُوا وُضِعَتْ الدِّمَاءُ عَنْهُمْ وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا وُجِدَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ مَالٍ بِعَيْنِهِ، وَمَا اسْتَهْلَكُوهُ لَمْ يُتْبَعُوا بِهِ وَلَوْ كَانُوا أَمْلِيَاءَ لِأَنَّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ بِخِلَافِ الْمُحَارَبِينَ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ تَأَوَّلُوا ". (وَمَضَى حُكْمُ قَاضِيه وَحَدٌّ أَقَامَهُ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ وَلَّى الْبُغَاةُ قَاضِيًا وَأَخَذُوا زَكَاةً وَأَقَامُوا حَدًّا فَقَالَ الْأَخَوَانِ: يَنْفُذُ ذَلِكَ كُلُّهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إمْضَاءُ ذَلِكَ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَا أَخَذُوهُ مِنْ الزَّكَاةِ تُجْزِئُ عَنْ أَرْبَابِهَا. (وَرُدَّ ذِمِّيٌّ مَعَهُ إلَى ذِمَّتِهِ) الشَّيْخُ: وَظَاهِرُهُ مِنْ الْوَاضِحَةِ إنْ قَاتَلَ مَعَ الْمُتَأَوِّلِينَ أَهْلُ الذِّمَّةِ وُضِعَ عَنْهُمْ مَا وُضِعَ عَنْهُمْ وَرُدُّوا لِذِمَّتِهِمْ. (وَضَمِنَ مُعَانِدٌ النَّفْسَ وَالْمَالَ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا أَحْكَامُ الْبُغَاةِ ثُمَّ قَالَ: وَمَا أَتْلَفُوهُ فِي الْفِتْنَةِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ مِنْ نَفْسٍ وَلَا مَالٍ. هَذَا إنْ كَانُوا خَرَجُوا عَلَى تَأْوِيلٍ، وَأَمَّا أَهْلُ الْعَصَبِيَّةِ وَأَهْلُ الْخِلَافِ لِسُلْطَانِهِمْ بَغْيًا بِلَا تَأْوِيلٍ فَيُؤْخَذُونَ بِالْقِصَاصِ وَرَدِّ الْمَالِ قَائِمًا كَانَ أَوْ فَائِتًا. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَزَاحِفَةٍ عَلَى دَافِعَةٍ وَالذِّمِّيُّ مَعَهُ نَاقِضٌ ". ابْنُ شَاسٍ: إنْ كَانَ الْمُسْتَعِينُونَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَهْلَ عَصَبِيَّةٍ وَخِلَافَ الْإِمَامِ الْعَدْلِ فَهُوَ نَقْضٌ لِعَهْدِهِمْ، وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ غَيْرَ عَادِلٍ وَاسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ نَقْضًا لِعَهْدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا إنْ خَرَجُوا مَعَ أَهْلِ الْعَصَبِيَّةِ طَوْعًا. (وَالْمَرْأَةُ الْمُقَاتِلَةُ كَالرَّجُلِ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا قَاتَلَ النِّسَاءُ بِالسِّلَاحِ مَعَ الْبُغَاةِ فَلِأَهْلِ الْعَدْلِ قَتْلُهُنَّ فِي الْقِتَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِتَالُهُنَّ إلَّا بِالتَّحْرِيضِ وَرَمْيِ الْحِجَارَةِ فَلَا يُقْتَلْنَ، وَإِنْ أُسِرْنَ وَقَدْ كُنَّ يُقَاتِلْنَ قِتَالَ الرِّجَالِ لَمْ يُقْتَلْنَ إلَّا أَنْ يَكُنَّ قَدْ قَتَلْنَ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ فِي غَيْرِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. [بَابٌ فِي الرِّدَّةُ] [حَقِيقَة الرِّدَّة وَأَحْكَامهَا] بَابٌ. ابْنُ شَاسٍ: الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ الرِّدَّةُ وَالنَّظَرُ فِي حَقِيقَتِهَا وَحُكْمُهَا (الرِّدَّةُ كُفْرُ الْمُسْلِمِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّدَّةُ كُفْرٌ بَعْدَ إسْلَامٍ تَقَرَّرَ. الْمُتَيْطِيُّ: إنْ نَطَقَ الْكَافِرُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَوَقَفَ عَلَى شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَحُدُودِهِ ثُمَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 370 الْتَزَمَهَا قُبِلَ إسْلَامُهُ وَإِنْ أَبَى مِنْ الْتِزَامِهَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إسْلَامُهُ وَلَمْ يُكْرَهْ عَلَى الْتِزَامِهَا وَتُرِكَ عَلَى دِينِهِ وَلَمْ يُعَدَّ مُرْتَدًّا (بِصَرِيحٍ أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيه أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ) ابْنُ شَاسٍ: ظُهُورُ الرِّدَّةِ إمَّا التَّصْرِيحُ بِالْكُفْرِ أَوْ بِلَفْظٍ يَقْتَضِيه. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُهُ: " بِلَفْظٍ يَقْتَضِيه " كَإِنْكَارِ غَيْرِ حَدِيثٍ بِالْإِسْلَامِ وُجُوبَ مَا عُلِمَ وُجُوبُهُ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً (كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذَرٍ وَشَدِّ زُنَّارٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ: " أَوْ بِفِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ " هُوَ كَلُبْسِ الزُّنَّارِ وَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي صَرِيحِ النَّجَاسَةِ وَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَسِحْرٍ) مُحَمَّدٌ: قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ السَّاحِرَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَالَ مَالِكٌ: هُوَ كَالزِّنْدِيقِ إذَا عَمِلَ السِّحْرَ بِنَفْسِهِ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ. وَمَنْ لَمْ يُبَاشِرْ عَمَلَ السِّحْرِ وَجَعَلَ مَنْ يَعْمَلُهُ لَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يُؤَدَّبُ أَدَبًا شَدِيدًا. الْبَاجِيُّ: وَلَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ هُوَ مِنْ السِّحْرِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ. قَالَ أَصْبَغُ: يَكْشِفُ عَنْ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ. يُرِيدُ وَيَثْبُتُ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَجِبُ بِهِ الْقَتْلُ فَلَا يَحْكُمُ بِهِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَتَحْقِيقِهِ كَسَائِرِ مَا يَجِبُ بِهِ الْقَتْلُ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: فَاَلَّذِي يَقْطَعُ أُذُنَ الرَّجُلِ أَوْ يُدْخِلُ السَّكَاكِينَ فِي جَوْفِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ سِحْرًا قُوتِلَ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَهُ عُوقِبَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ فِي امْرَأَةٍ عَقَدَتْ زَوْجَهَا عَنْ نَفْسِهَا أَوْ عَنْ غَيْرِهَا أَنَّهَا تُنَكَّلُ وَلَا تُقْتَلُ (وَقَوْلٍ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بَقَائِهِ أَوْ شَكٍّ فِي ذَلِكَ أَوْ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ) عِيَاضٌ: وَكَذَلِكَ يُقْطَعُ عَلَى كُفْرِ مَنْ قَالَ بِقَدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بَقَائِهِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْفَلَاسِفَةِ وَالدَّهْرِيَّةِ، أَوْ قَالَ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ أَوْ انْتِقَالِهَا أَبَدَ الْأَبَدِ فِي الْأَشْخَاصِ (أَوْ بِقَوْلِهِ فِي كُلِّ جِنْسٍ نَذِيرٌ) عِيَاضٌ: وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ ذَهَبَ إلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْقُدَمَاءِ فِي أَنَّ لِكُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْحَيَوَانِ نَذِيرًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 371 أَوْ نَبِيَّهَا مِنْ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَالدَّوَابِّ وَالدُّودِ (أَوْ ادَّعَى شِرْكًا مَعَ نُبُوَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) عِيَاضٌ: وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ ادَّعَى نُبُوَّةَ أَحَدٍ مَعَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بَعْدَهُ كَالْعِيسَوِيَّةِ وَكَالْجُرْمِيَّةِ وَكَأَكْثَرِ الرَّافِضَةِ. (أَوْ بِمُحَارَبَةِ نَبِيٍّ) عِيَاضٌ: وَكَذَلِكَ أُجْمِعَ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ اسْتَخَفَّ بِأَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ أَزَرَى عَلَيْهِمْ أَوْ آذَاهُمْ أَوْ حَارَبَ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ (وَجَوَّزَ اكْتِسَابَ النُّبُوَّةِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ لِلسَّمَاءِ أَوْ يُعَانِقُ الْحُورَ) عِيَاضٌ: وَكَذَلِكَ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ دَافَعَ نَصَّ الْكِتَابِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: أَوْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ لِنَفْسِهِ أَوْ جَوَّزَ اكْتِسَابَهَا وَالْبُلُوغَ بِتَصْفِيَةِ الْقَلْبِ إلَى مَرْتَبَتِهَا كَالْفَلَاسِفَةِ وَعَامَّةِ الْمُتَصَوِّفَةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ ادَّعَى مِنْهُمْ أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّةَ، أَوْ أَنَّهُ يَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا وَيُعَانِقُ الْحُورَ، فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كُفَّارٌ مُكَذِّبُونَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَوْ اسْتَحَلَّ كَالشُّرْبِ) عِيَاضٌ: وَكَذَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ اسْتَحَلَّ الْقَتْلَ أَوْ شُرْبَ الْخَمْرِ أَوْ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ بَعْدَ عِلْمِ هَذَا بِتَحْرِيمِهِ كَأَصْحَابِ الْإِبَاحَةِ مِنْ الْقَرَامِطَةِ وَبَعْضِ غُلَاةِ الْمُتَصَوِّفَةِ. (لَا بِأَمَاتَهُ اللَّهُ كَافِرًا عَلَى الْأَصَحِّ وَفُصِّلَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ) ابْنُ شَاسٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ عَلَى الرِّدَّةِ دُونَ تَفْصِيلٍ لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي التَّكْفِيرِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا حَسَنٌ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ فِي الشَّهَادَةِ فِي السَّرِقَةِ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا شَهِدَتْ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّ فُلَانًا سَرَقَ مَا يُقْطَعُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ السَّرِقَةِ مَا هِيَ وَكَيْفَ هِيَ وَمِنْ أَيْنَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 372 أَخَذَهَا وَإِلَى أَيْنَ أَخْرَجَهَا. (وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا جُوعٍ وَعَطَشٍ وَمُعَاقَبَةٍ مَا لَمْ يَتُبْ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ) قَالَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ فِيمَنْ خَرَجَ مِنْ الْإِسْلَامِ إلَى غَيْرِهِ لَا مَنْ خَرَجَ مِنْ مِلَّةٍ سِوَاهُ إلَى غَيْرِهَا. وَجَاءَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْ غَيْرِهِ اسْتِتَابَةُ الْمُرْتَدِّ ثَلَاثًا لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا} [الأنفال: 38] وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ: أَلَا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا وَأَطْعَمْتُمُوهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ رَغِيفًا فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ وَلَيْسَ بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا تَابَ الْمُرْتَدُّ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِيمَا صَنَعَ فِي ارْتِدَادِهِ. وَمِنْ ابْنِ شَاسٍ: ثُمَّ عَرْضُ التَّوْبَةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَاجِبٌ وَالنَّصُّ أَنَّهُ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَا عَلِمْت فِي اسْتِتَابَتِهِ تَعْطِيشًا وَلَا تَجْوِيعًا وَلَا عُقُوبَةً عَلَيْهِ إذَا تَابَ. ابْنُ الْحَاجِبِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 373 إنْ لَمْ يُبَتَّ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ غَيْرُ الْفِرْيَةِ وَيُقْتَلُ. وَانْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " لَا حَدَّ الْفِرْيَةِ إنْ أُخِذَ عَلَى ارْتِدَادِهِ لَمْ يُسْتَتَبْ إنْ حَارَبَ بِأَرْضِ الْكُفْرِ أَوْ بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ " (وَاسْتُبْرِئَتْ بِحَيْضَةٍ) أَمَّا فِي حَدِّ الزِّنَا فَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَتُؤَخَّرُ الْمُتَزَوِّجَةُ لِحَيْضَةٍ " وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَالْحَامِلُ وَإِنْ بِجَرْحٍ مَخُوفٍ " مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَأَنَّهَا لَا تُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْحَمْلِ. (وَمَالُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وَإِلَّا فَفَيْءٌ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا مَالُ الْمُرْتَدِّ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا إنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَمَالُهُ فَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ انْتَهَى. اُنْظُرْ مَنْ ارْتَدَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. قُلْت: أَرَأَيْت الْغُلَامَ إنْ ارْتَدَّ قَبْلَ بُلُوغِهِ الْحُلُمَ قَالَ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ. قَالَ سَحْنُونَ: يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَيَرِثُهُ وَرَثَتُهُ. اللَّخْمِيِّ: الْأَحْسَنُ أَنَّ لِمَنْ ارْتَدَّ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ وَلِمَنْ أَسْلَمَ حُكْمُ الْمُسْلِمِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ لَمْ أَكُنْ قَطُّ مُسْلِمًا وَكُنْت أُرَائِي فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَا غَيْرُهُمْ وَنَحْوُهُ لِمَالِكٍ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ: إنْ اُتُّهِمَ أَنَّهُ أَرَادَ مَنْعَ وَرَثَتِهِ وَرِثُوهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ مَاتَ لِلْمُرْتَدِّ مَوْرُوثٌ فِي حَالِ ارْتِدَادِهِ فَإِنْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ لَمْ يَرِثْهُ. فَإِنْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَرِثُهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يَرِثُهُ كَمَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مَالُهُ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ كَانَ أَوْلَى بِمَالِهِ خِلَافًا لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَفِي النُّكَتِ: إذَا وُقِفَ مَالُ الْمُرْتَدِّ لَمْ يُنْفَقْ مِنْهُ عَلَى وَلَدِهِ الصِّغَارِ وَيُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرِهِ. اُنْظُرْ هَذَا فَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ رُدَّتْ إلَيْهِ أُمُّ وَلَدِهِ. (وَبَقِيَ وَلَدُهُ مُسْلِمًا كَأَنْ تُرِكَ) اُنْظُرْ مَا نَقَصَ هُنَا. ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا وَلَدُ الْمُرْتَدِّ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ فِي الرِّدَّةِ إذَا كَانَ صَغِيرًا إذْ تَبَعِيَّةُ الْوَلَدِ لِأَبِيهِ إنَّمَا تَكُونُ فِي دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُتِلَ الْأَبُ عَلَى الْكُفْرِ بَقِيَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا. وَمِنْ ابْنِ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: صَغِيرُ وَلَدِ الْمُرْتَدِّ إنْ كَانَ وَلَدَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ جُبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَضُيِّقَ عَلَيْهِ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْمَوْتَ، وَإِنْ وَلَدَهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ جُبِرُوا عَلَى الْإِسْلَامِ وَرُدُّوا إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرَكُوا حَتَّى بَلَغُوا تُرِكُوا لِأَنَّهُمْ وُلِدُوا عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ تَرَكَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ مَعَ مُطَلَّقَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ لِأَنَّهُ ابْنُهَا فَغَفَلَ عَنْهُ حَتَّى احْتَلَمَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ إنْ لَمْ يَرْجِعْ لِلْإِسْلَامِ لَمْ يُقْتَلْ. (وَأُخِذَ مِنْهُ لَا جَنَى عَمْدًا عَلَى عَبْدٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَا حُرٍّ مُسْلِمٍ كَأَنْ هَرَبَ لِبِلَادِ الْحَرْبِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَتَلَ فِي رِدَّتِهِ حُرًّا عَمْدًا وَهَرَبَ لِبِلَادِ الْحَرْبِ لَمْ يَكُنْ لِوُلَاةِ الْمَقْتُولِ فِي مَالِهِ شَيْءٌ وَلَا يُنْفَقُ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا عَلَى عِيَالِهِ مِنْهُ بَلْ يُوقَفُ، فَإِنْ مَاتَ فَهُوَ فَيْءٌ وَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا أُخِذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ. اُنْظُرْ آخِرَ فَصْلٍ مِنْ كِتَابِ الْمُحَارَبِينَ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ. وَلِابْنِ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الشِّرْكِ فَتَنَصَّرَ وَأَصَابَ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ ثُمَّ أُخِذَ فَأَسْلَمَ أَنَّهُ يُهْدَرُ عَنْهُ جَمِيعُ مَا أَصَابَ كَالْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ سَوَاءٌ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَكْفُرْ مَجْنُونًا وَفَاسِقًا، وَلَوْ ارْتَدَّ وَأَصَابَ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ انْهَدَرَتْ عَنْهُ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَحَدِّ الْحِرَابَةِ، وَأُخِذَ بِحُقُوقِ النَّاسِ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَالْجِرَاحِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا إذَا أُخِذَ عَلَى ارْتِدَادِهِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ حِرَابَتُهُ فِي أَرْضِ الشِّرْكِ أَوْ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ (إلَّا حَدَّ الْفِرْيَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قُتِلَ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 374 رِدَّتِهِ فَالْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى كُلِّ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ وَجَبَ عَلَيْهِ لِلنَّاسِ إلَّا الْقَذْفَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لَهُ ثُمَّ يُقْتَلُ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا قَذَفَ الْحَرْبِيُّ مُسْلِمًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ أُسِرَ لَمْ يُحَدَّ لِلْقَذْفِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَتْلَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: كَانَ يَجْرِيَ لَنَا أَنَّ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ مُتَنَاقِضَانِ. (وَالْخَطَأُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَأَخْذِهِ جِنَايَةً عَلَيْهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ قَتَلَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا حُرًّا خَطَأً فَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ إنْ تَابَ فَالدِّيَةُ عَلَى تَفْصِيلِهَا كَالْمُسْلِمِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ تَقَدَّمَتْ وَعَقْلُهَا إنْ لَمْ يُنْسَبْ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنْ تَابَ فَلَهُ. ابْنُ شَاسٍ: وَعَمْدُ مَنْ جَرَحَهُ كَالْخَطَأِ لَا يُقَادُ مِنْهُ. وَلَوْ جَرَحَهُ عَبْدٌ أَوْ نَصْرَانِيٌّ فَلَا قَوَدَ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ وَفِيهِ الْعَقْلُ. (وَإِنْ تَابَ فَمَالُهُ لَهُ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُوقِفُ السُّلْطَانُ مَالَ الْمُرْتَدِّ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَعْرُوفُ إنْ تَابَ رَجَعَ إلَيْهِ مَالُهُ. اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَبَقِيَ وَلَدُهُ ". (وَقُدِّرَ كَالْمُسْلِمِ فِيهَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ تَابَ الْمُرْتَدُّ قُدِّرَ جَانِيًا مُسْلِمًا فِي الْقَوَدِ وَالْعَقْلِ. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: الْأَحَبُّ إلَيَّ إذَا تَابَ الْمُرْتَدُّ أَنْ يَكُونَ مَا قَتَلَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ عَمْدًا أَوْ خَطَأً كَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَكَذَلِكَ فِيمَا جَرَحَ أَوْ جَنَى عَلَى عَبْدٍ أَوْ سَرَقَ أَوْ قَذَفَ فَلْيُقَمْ عَلَيْهِ إنْ تَابَ مَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا فَعَلَهُ وَتَحْمِلُ عَاقِلَتُهُ مِنْ الْخَطَأِ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ وَيَقْتَصُّ مِنْهُ الْحَرْبِيُّ جِرَاحَ الْعَمْدِ وَيُحَدُّ فِي قَذْفِهِ وَيُقْطَعُ إنْ سَرَقَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إنْ لَحِقَ بِأَرْضِ الْكُفْرِ أَنَّهُ كَالْحَرْبِيِّ يُهْدَرُ عَنْهُ مَا أَصَابَ مِنْ دَمٍ وَمَالٍ. (وَقَتْلُ الْمُسْتَسِرِّ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا وَمَالُهُ لِوَرَثَتِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الزِّنْدِيقُ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُسِرُّ الْكُفْرَ، إنْ ثَبَتَتْ زَنْدَقَتُهُ بِإِقْرَارِهِ فَفِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ طَرِيقَانِ: الْأُولَى قَبُولُهَا اتِّفَاقًا. ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُقْتَلُ الزِّنْدِيقُ إذَا جَاءَ تَائِبًا عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ. ابْنُ شَاسٍ: مَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ قُتِلَ لِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَخْرُجْ بِمَا أَبْدَاهُ عَنْ عَادَتِهِ وَمَذْهَبِهِ، فَإِنَّ التَّقِيَّةَ عِنْدَ الْخَوْفِ عَيْنُ الزَّنْدَقَةِ. قَالَ: وَيُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ وَيَكُونُ مِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ. وَكَذَلِكَ مَنْ عَبَدَ شَمْسًا أَوْ قَمَرًا أَوْ حَجَرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مُسْتَسِرًّا بِهِ مُظْهِرًا لِلْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يُقِرُّونَ بِالْإِسْلَامِ وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَقُبِلَ عُذْرُ مَنْ أَسْلَمَ وَقَالَ أَسْلَمْت عَنْ ضِيقٍ إنْ ظَهَرَ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي نَصْرَانِيٍّ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ قُرْبٍ وَقَالَ: أَسْلَمْتُ عَنْ ضِيقٍ ضُيِّقَ عَلَيَّ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ ضِيقِ حَالٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ شَبَهِهِ عُذِرَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ، وَإِذَا كَانَ عَنْ ضِيقٍ أَوْ عَذَابٍ أَوْ غُرْمٍ أَوْ خَوْفٍ. قَالَ أَصْبَغُ: إذَا صَحَّ ذَلِكَ وَكَانَ زَمَانٌ يُشْبِهُ ذَلِكَ فِي جَوْرِهِ. (كَأَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى وَأَعَادَ مَأْمُومُهُ) سَمِعَ يَحْيَى بْنَ الْقَاسِمِ فِي إمَامٍ صَحِبَ قَوْمًا يُصَلِّي بِهِمْ أَيَّامًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ نَصْرَانِيٌّ: أَعَادُوا مَا صَلَّوْا خَلْفَهُ أَبَدًا وَلَا قَتْلَ عَلَيْهِ. (وَأُدِّبَ مَنْ تَشَهَّدَ وَلَمْ يُوقَفْ عَلَى الدَّعَائِمِ) الْمُتَيْطِيُّ: إنْ نَطَقَ الْكَافِرُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلَمْ يُوقَفْ عَلَى شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَحُدُودِهِ فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهَا أَبَى مِنْ الْتِزَامِهَا، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ وَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَمَادَى عَلَى إبَايَتِهِ تُرِكَ فِي لَعْنَةِ اللَّهِ، قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 375 وَغَيْرُهُمَا وَبِهِ الْعَمَلُ وَالْقَضَاءُ. ابْنُ عَرَفَةَ: نَقْلُ الْمُوَثَّقِينَ عَنْ الْمَذْهَبِ: مَنْ أَجَابَ إلَى الْإِسْلَامِ مُجْمَلًا ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يُصَلِّيَ صَلَاةً وَاحِدَةً، وَيُؤَكِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ ثُمَّ رَجَعَ اُسْتُتِيبَ، فَقَوْلُهُ: " وَحَسُنَ إسْلَامُهُ " يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ. (كَسَاحِرٍ ذِمِّيٍّ إنْ لَمْ يُدْخِلْ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنْ كَانَ السَّاحِرُ ذِمِّيًّا فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُدْخِلَ بِسِحْرِهِ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونَ ذَلِكَ نَقْضًا لِعَهْدِهِ، وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ التَّوْبَةُ، وَإِنْ سَحَرَ أَهْلَ دِينِهِ أُدِّبَ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا. قَالَ الْبَاجِيُّ: لَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ الذِّمِّيُّ إلَّا أَنْ يُؤْذِيَ مُسْلِمًا أَوْ يَقْتُلَ ذِمِّيًّا. قَالَهُ مَالِكٌ. (وَأَسْقَطَتْ صَلَاةً وَصِيَامًا وَزَكَاةً وَحَجًّا تَقَدَّمَ وَنَذْرًا أَوْ يَمِينًا بِاَللَّهِ أَوْ بِعِتْقٍ أَوْ بِظِهَارٍ وَإِحْصَانًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 376 وَوَصِيَّةً لَا طَلَاقًا وَرَدَّةَ مُحَلَّلٍ بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ وُضِعَ عَنْهُ مَا كَانَ لِلَّهِ قَدْ تَرَكَهُ قَبْلَ ارْتِدَادِهِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ زَكَاةٍ أَوْ حَدٍّ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ نَذْرٍ أَوْ يَمِينٍ بِعِتْقٍ أَوْ بِاَللَّهِ أَوْ بِالظِّهَارِ اهـ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَسَوَاءٌ كَانَ الظِّهَارُ حَنِثَ فِيهِ فَوَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، أَوْ كَانَ لَزِمَهُ مُجَرَّدُ ظِهَارٍ لَمْ يَحْنَثْ فِيهِ، كِلَا الصُّورَتَيْنِ قَدْ سَقَطَ بِالِارْتِدَادِ، وَخَالَفَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فِي هَذَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ لَمْ يُجْزِهِ مَا حَجَّ قَبْلَ رِدَّتِهِ وَلْيَأْتَنِفْ الْحَجَّ وَيَأْتَنِفَ الْإِحْصَانَ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ بَطَلَتْ وَصَايَاهُ وَلَمْ يَرِثْهُ وَرَثَتُهُ. اُنْظُرْ آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ النِّكَاحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: وَالرِّدَّةُ تُزِيلُ إحْصَانَ الْمُرْتَدِّ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَيَأْتَنِفَانِ الْإِحْصَانَ إذَا أَسْلَمَا، وَمَنْ زَنَا مِنْهُمَا بَعْدَ رُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ لَمْ يُرْجَمْ حَتَّى يَتَزَوَّجَ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ طَلَّقَ الرَّجُلُ أَلْبَتَّةَ فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَحَلَّتْ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ لَسَقَطَ ذَلِكَ الْإِحْلَالُ كَمَا يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ. ابْنُ يُونُسَ: بِخِلَافِ ارْتِدَادِ الزَّوْجِ الَّذِي أَحَلَّهَا انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ وَوَصِيَّتَهُ إنَّمَا نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ إذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا تَجُوزُ وَصَايَاهُ فِي مَالِهِ، وَهَذَا الْمَالُ لَيْسَ لِلْمُرْتَدِّ وَإِنَّمَا هُوَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا ارْتَدَّ وُقِفَ مَالُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرُوهُ) ، فَإِنْ أَسْلَمَ رَجَعَتْ إلَيْهِ أُمُّ وَلَدِهِ وَعَادَ إلَيْهِ مَالُهُ وَرَقِيقُهُ. وَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ عَتَقَتْ أُمُّ وَلَدِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَعَتَقَ مُدَبَّرُوهُ فِي الثُّلُثِ وَسَقَطَتْ وَصَايَاهُ وَيَكُونُ مَالُهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَرِدَّةُ الزَّوْجِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا فَلَا رَجْعَةَ لَهُ، وَكَذَلِكَ رِدَّةُ الْمَرْأَةِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ. انْتَهَى مِنْ التَّهْذِيبِ. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ مَا حُسِبَتْ لَهُمَا طَلْقَةٌ إلَّا لِيَكُونَا عَلَيْهَا إذَا رَجَعَا لِلْإِسْلَامِ، فَصَحَّ قَوْلُ خَلِيلٍ: " لَا طَلَاقًا " وَانْظُرْ الِاضْطِرَابَ فِي ظِهَارِ الْمُرْتَدِّ وَطَلَاقِهِ فِي التَّنْبِيهَاتِ. (وَأُخِّرَ كَافِرٌ انْتَقِلْ لِكُفْرٍ آخَرَ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَ " اُسْتُتِيبَ " قَوْلُ مَالِكٍ: لَا مَنْ خَرَجَ مِنْ مِلَّةٍ سِوَاهُ إلَى غَيْرِهَا. وَانْظُرْ إذَا خَرَجَ إلَى غَيْرِ شَرِيعَةٍ مِثْلَ التَّعْطِيلِ وَمَذَاهِبِ الدَّهْرِيَّةِ فَقَدْ نَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ: أَنَّ مَنْ تَزَنْدَقَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يُقْتَلُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُقْتَلُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا أَعْلَمُ مَنْ قَالَ هَذَا غَيْرَهُ، وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنْ يُرِيدَ بِالزَّنْدَقَةِ الْخُرُوجَ إلَى غَيْرِ شَرِيعَةٍ مِثْلُ التَّعْطِيلِ وَمَذَاهِبِ الدَّهْرِيَّةِ. (وَحُكِمَ بِإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ فَقَطْ كَأَنْ مَيَّزَ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْأَشْيَاخِ يَقُولُونَ: الْوَلَدُ تَابِعٌ لِأَبِيهِ فِي الدِّينِ وَالنَّسَبِ، وَلِأُمِّهِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْوَلَدُ الصَّغِيرُ تَابِعٌ لِأَبِيهِ فِي الدِّينِ وَإِسْلَامُ الْأَبِ إسْلَامٌ لِصَغِيرِ وَلَدِهِ مُطْلَقًا. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يُحْكَمُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 378 بِإِسْلَامِ الْمُمَيِّزِ عَلَى الْأَصَحِّ تَبَعًا لِإِسْلَامِ الْأَبِ كَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَكَالْمَجْنُونِ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ الْأَصَحُّ. قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ هَارُونَ الْقَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَعَزَا الصَّقَلِّيُّ الْأَصَحَّ لِابْنِ وَهْبٍ وَلَمْ يَعْزُهُمَا اللَّخْمِيِّ. (لَا الْمُرَاهِقَ وَالْمَتْرُوكَ لَهَا فَلَا يُجْبَرُ بِقَتْلٍ إنْ امْتَنَعَ وَيُوقَفُ إرْثُهُ) أَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُرَاهِقِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ وَلَدٌ مُرَاهِقٌ مِنْ أَبْنَاءِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَشَبَهُ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وُقِفَ مَالُهُ إلَى بُلُوغِ الْوَلَدِ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَرِثَ أَبَاهُ وَإِلَّا لَمْ يَرِثْهُ وَكَانَ الْمَالُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْوَلَدُ قَبْلَ احْتِلَامِهِ لَمْ يُعَجَّلْ بِأَخْذِ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِسْلَامٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنْ أَسْلَمَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ جُبِرَ بِالضَّرْبِ وَلَمْ يُقْتَلْ؟ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَتْرُوكِ لِأُمِّهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ تَرَكَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ مَعَ مُطَلَّقَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ لِأَنَّهُ ابْنُهَا فَغَفَلَ عَنْهُ حَتَّى احْتَلَمَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ إنْ لَمْ يَرْجِعْ لِلْإِسْلَامِ لَمْ يُقْتَلْ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: مَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ وَلَدٌ صِغَارٌ فَأَقَرَّهُمْ حَتَّى بَلَغُوا اثْنَيْ عَشَرَ سَنَةً أَوْ شَبَهَ ذَلِكَ فَأَبَوْا الْإِسْلَامَ لَمْ يُجْبَرُوا. وَانْظُرْ إذَا أَسْلَمَ وَلَدُ الذِّمِّيِّ فَالرِّوَايَةُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إنْ ارْتَدَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ زَوَّجَهُ مَجُوسِيَّةً فَعِصْمَتُهُ بَاقِيَةٌ حَتَّى يَحْتَلِمَ مُسْلِمًا. وَإِنْ مَاتَ مَنْ يَعْصِبُهُ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ لَا يَتَعَجَّلُ أَخْذَ إرْثِهِ حَتَّى يَحْتَلِمَ مُسْلِمًا، وَهُنَا قَالَ الْإِمَامُ: إسْلَامُهُ كَلَا إسْلَامٍ. (وَبِإِسْلَامِ سَابِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ) ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ الصَّغِيرَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ ثُمَّ قَالَ: وَتَبَعًا لِلسَّابِي الْمُسْلِمِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ وَتَبَعًا لِلدَّارِ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ. اُنْظُرْ رَسْمَ الشَّجَرَةِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ، ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ هُنَاكَ أَنَّ سَادِسَ الْأَقْوَالِ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الصَّغِيرَ مِنْ سَبْيِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِ حَتَّى يُجِيبَ إلَيْهِ. (وَالْمُتَنَصِّرُ مِنْ كَأَسِيرٍ عَلَى الطَّوْعِ إنْ لَمْ يَثْبُتْ إكْرَاهُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْأَسِيرُ يُعْلَمُ تَنَصُّرُهُ فَلَا يُدْرَى أَطَوْعًا أَمْ كَرْهًا، فَلْتَعْتَدَّ زَوْجَتُهُ وَيُوقَفُ مَالُهُ وَحُكِمَ فِيهِ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ، وَإِنْ ثَبَتَ إكْرَاهُهُ بِبَيِّنَةٍ كَانَ بِحَالِ الْمُسْلِمِ فِي نِسَائِهِ وَمَالِهِ. (وَإِنْ سَبَّ نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا أَوْ عَرَّضَ أَوْ لَعَنَهُ أَوْ عَابَهُ أَوْ قَذَفَهُ أَوْ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ أَوْ غَيَّرَ صِفَتَهُ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا وَإِنْ فِي بَدَنِهِ أَوْ خَصْلَتِهِ أَوْ غَضَّ مِنْ رُتْبَتِهِ أَوْ وَفَوْرِ عِلْمِهِ أَوْ زُهْدِهِ أَوْ أَضَافَ إلَيْهِ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَوْ نَسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ أَوْ قِيلَ لَهُ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَعَنَ وَقَالَ: أَرَدْت الْعَقْرَبَ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ حَدًّا) عِيَاضٌ. مَنْ أَضَافَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَذِبَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 379 فِيمَا بَلَغَهُ أَوْ أُخْبِرَ بِهِ أَوْ سَبَّهُ أَوْ اسْتَخَفَّ بِهِ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ أَزَرَى عَلَيْهِمْ أَوْ أَذَاهُمْ فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ، وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ اعْتَرَفَ بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ قَالَ: مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَحِيَ أَوْ لَيْسَ الَّذِي كَانَ بِمَكَّةَ وَالْحِجَازِ، أَوْ لَيْسَ الَّذِي كَانَ مِنْ قُرَيْشٍ لِأَنَّ وَصْفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ الْمَعْلُومَةِ نَفْيٌ لَهُ وَتَكْذِيبٌ بِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَحُكْمُ مَنْ سَبَّ سَائِرَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ أَوْ اسْتَخَفَّ بِهِمْ أَوْ أَكْذَبَهُمْ أَوْ أَنْكَرَهُمْ حُكْمُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَسَاقِ مَا قَدَّمْنَاهُ. وَقَالَ الْقَابِسِيُّ فِي الَّذِي قَالَ لِآخَرَ كَأَنَّهُ وَجْهُ مَلَكٍ غَضْبَانَ: إنْ عُرِفَ أَنَّهُ قَصَدَ ذَمَّ الْمَلَكِ قُتِلَ. عِيَاضٌ: وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ حُقِّقَتْ كَوْنُهُمْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ كَجِبْرِيلَ وَمَلَكِ الْمَوْتِ وَالزَّبَانِيَةِ وَرِضْوَانَ وَمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ. فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُثْبِتْ الْإِخْبَارَ بِنَفْسِهِ وَلَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ الْأَنْبِيَاءِ كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَلُقْمَانَ وَذِي الْقَرْنَيْنِ وَمَرْيَمَ وَآسِيَةَ وَخَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الَّذِي قِيلَ: إنَّهُ نَبِيُّ أَهْلِ الرَّسِّ وزرادشت الَّذِي ادَّعَتْ الْمَجُوسُ نُبُوَّتَهُ، فَلَيْسَ الْحُكْمُ فِيهِمْ مَا ذَكَرْنَا إذْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ تِلْكَ الْحُرْمَةُ لَكِنْ يُؤَدَّبُ مَنْ تَنْقُصُهُمْ. وَأَمَّا إنْكَارُ كَوْنِهِمْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ النَّبِيِّينَ فَإِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 380 كَانَ الْمُتَكَلِّمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَا حَرَجَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَوَامِّ النَّاسِ زُجِرَ عَنْ الْخَوْضِ فِي مِثْلِ هَذَا. وَقَدْ كَرِهَ السَّلَفُ الْكَلَامَ فِي مِثْلِ هَذَا مِمَّا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ صَاحِبُ سَحْنُونٍ فِي رَجُلٍ قِيلَ لَهُ وَحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: فَعَلَ اللَّهُ بِرَسُولِ اللَّهِ وَذَكَرَ كَلَامًا قِيلَ: مَا تَقُولُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ؟ قَالَ: إنَّمَا أَرَدْت بِرَسُولِ اللَّهِ الْعَقْرَبَ. فَقَالَ لِلَّذِي سَأَلَهُ: أَشْهِدْ عَلَيْهِ وَأَنَا شَرِيكُك فِي قَتْلِهِ وَثَوَابِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ أَبِي الرَّبِيعِ: لِأَنَّ ادِّعَاءَهُ لِلتَّأْوِيلِ فِي لَفْظٍ صُرَاحٍ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ امْتِهَانٌ وَهُوَ غَيْرُ مَعْزُوٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مُوَقِّرٌ لَهُ. وَأَفْتَى فُقَهَاءُ الْأَنْدَلُسِ بِقَتْلِ ابْنِ حَاتِمٍ وَصَلْبِهِ بِمَا شُهِدَ عَلَيْهِ مِنْ اسْتِخْفَافِهِ بِحَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ زُهْدَهُ لَمْ يَكُنْ قَصْدًا. عِيَاضٌ: مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَابَهُ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا فِي نَفْسِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ نَسَبِهِ أَوْ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِهِ أَوْ عَرَّضَ بِهِ أَوْ شَبَّهَهُ بِشَيْءٍ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ لَهُ وَالْإِزْرَاءِ عَلَيْهِ أَوْ التَّصْغِيرِ لِشَأْنِهِ أَوْ الْغَضِّ مِنْهُ أَوْ الْعَيْبِ لَهُ، فَهُوَ سَابٌّ لَهُ وَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ السَّابِّ يُقْتَلُ كَمَا نُبَيِّنُهُ، وَلَا نَسْتَثْنِي فَصْلًا مِنْ فُصُولِ هَذَا الْبَابِ عَلَى هَذَا الْمَقْصِدِ وَلَا نَمْتَرِي فِيهِ تَصْرِيحًا كَانَ أَوْ تَلْوِيحًا، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 381 وَكَذَلِكَ مَنْ نَسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ. وَمَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا لَا كُفْرًا لِهَذَا لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا تَنْفَعُهُ اسْتِقَالَتُهُ وَفَيْئَتُهُ (إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ) عِيَاضٌ: الذِّمِّيُّ إذَا صَرَّحَ بِسَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَرَّضَ أَوْ اسْتَخَفَّ بِقَدْرِهِ أَوْ وَصَفَهُ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ، فَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي قَتْلِهِ إنْ لَمْ يُسْلِمْ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ. وَعَنْ ابْنِ يُونُسَ: مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَابَهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا قُتِلَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا قُتِلَ صَاغِرًا إلَّا أَنْ يُسْلِمَ. وَلَيْسَ يُقَالُ لَهُ أَسْلِمْ وَلَكِنْ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ طَائِعًا وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ. (وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَمَّهُ بِجَهْلٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ تَهَوُّرٍ) عِيَاضٌ: إنْ كَانَ الْقَائِلُ لِمَا قَالَهُ فِي جِهَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَيْرَ قَاصِدٍ السَّبَّ وَالِازْدِرَاءَ وَلَا مُعْتَقِدًا لَهُ وَلَكِنَّهُ تَكَلَّمَ فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مِنْ لَعْنِهِ أَوْ سَبِّهِ أَوْ تَكْذِيبِهِ وَظَهَرَ بِدَلِيلِ حَالِهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَمَّهُ وَلَمْ يَقْصِدْ سَبَّهُ إمَّا بِجَهَالَةٍ حَمَلَتْهُ عَلَى مَا قَالَهُ أَوْ ضَجَرٍ أَوْ سُكْرٍ اضْطَرَّهُ إلَيْهِ أَوْ قِلَّةِ مُرَاقَبَةٍ أَوْ ضَبْطٍ لِلِسَانِهِ وَعَجْرَفَةٍ وَتَهَوُّرٍ فِي كَلَامِهِ، فَحُكْمُ هَذَا الْوَجْهِ حُكْمُ الْأَوَّلِ دُونَ تَلَعْثُمٍ. (وَفِيمَنْ قَالَ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ جَوَابًا لِصَلِّ أَوْ قَالَ الْأَنْبِيَاءُ يُتَّهَمُونَ جَوَابًا لِتَتَّهِمنِي أَوْ جَمِيعُ الْبَشَرِ يَلْحَقُهُمْ النَّقْصُ حَتَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَانِ) عِيَاضٌ: إنَّ لَفَظَ بِكَلَامٍ مُشْكِلٍ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 382 فَهَاهُنَا مَظِنَّةُ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ. اخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي رَجُلٍ أَغْضَبَهُ غَرِيمُهُ فَقَالَ: صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ. فَذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَ سَحْنُونٍ وَأَصْبَغَ. اُنْظُرْ الْوَجْهَ الرَّابِعَ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ. وَقَالَ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَيْضًا: اخْتَلَفَ شُيُوخُنَا فِيمَنْ قَالَ لِمَنْ قَالَ: تَتَّهِمُنِي فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ الْأَنْبِيَاءُ يُتَّهَمُونَ فَكَيْفَ أَنْتَ؟ اُنْظُرْهُ. وَقَالَ فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ: اسْتَفْسَرَ شَيْخُنَا ابْنُ مَنْصُورٍ فِي رَجُلٍ تَنَقَّصَهُ آخَرُ بِشَيْءٍ فَقَالَ لَهُ: إنَّمَا تُرِيدُ نَقْصِي بِقَوْلِك وَأَنَا بَشَرٌ جَمِيعُ الْبَشَرِ يَلْحَقُهُمْ النَّقْصُ حَتَّى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفْتَى بِإِطَالَةِ سِجْنِهِ وَإِيجَاعِهِ ضَرْبًا وَأَفْتَى غَيْرُهُ بِقَتْلِهِ. (وَالتَّثْبِيتُ فِي هُزِمَ) ابْنُ الْمُرَابِطِ: مَنْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُزِمَ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ لِأَنَّهُ تَنَقُّصٌ. (أَوْ أَعْلَنَ بِتَكْذِيبِهِ أَوْ تَنَبَّأَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُسْلِمِ يُعْلِنُ بِتَكْذِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّهُ كَالْمُرْتَدِّ يُسْتَتَابُ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ تَنَبَّأَ وَزَعَمَ أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ. وَقَالَ سَحْنُونَ (إلَّا أَنْ يُسِرَّ عَلَى الْأَظْهَرِ وَأُدِّبَ اجْتِهَادًا فِي أَدِّ وَاشْكُ لِلنَّبِيِّ وَلَوْ سَبَّنِي مَلَكٌ لَسَبَبْته) كَتَبَ قَاضِي كُورَةَ بِيَاسَةَ يَسْأَلُ عَنْ نَازِلَةٍ نَزَلَتْ بِغَرْنَاطَةَ فِي سَبِّ رَجُلٍ رَجُلًا فَقَالَ لَهُ يَشُقُّ عَلَيْك إنْ رَاجَعْتُك بِاَللَّهِ لَوْ أَرَى نَبِيًّا سَبَّنِي أَوْ مَلَكًا لَرَدَدْت عَلَيْهِ، وَفِي رَجُلٍ عَشَّارٍ فَهِمَ مِنْ الْغَرِيمِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَكِيَ بِهِ فَقَالَ: اغْرَمْ وَاشْتَكِ لِلنَّبِيِّ فَرَاجِعْهُ. ابْنُ رُشْدٍ: يُقَالُ الْحَالِفُ بِاَللَّهِ لَوْ أَنَّ نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا سَبَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 383 مُتَهَاوَنٌ بِحُرْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - يَجِبُ أَنْ يُؤَدَّبَ عَلَى ذَلِكَ الْأَدَبَ الْمُوجِعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْخَيْرِ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ فِي اعْتِقَادِهِ فَيُتَجَافَى عَنْ عُقُوبَتِهِ وَيُؤْمَرُ بِالِاسْتِغْفَارِ مِمَّا قَالَ وَلَا كَفَّارَةَ لِيَمِينِهِ بِحَالٍ. وَأَمَّا الْعَشَّارُ فَيُؤَدَّبُ الْأَدَبَ الْمُوجِعَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَأَجَابَ ابْنُ الْحَاجِّ بِنَحْوِ هَذَا وَقَالَ فِي الْحَالِفِ: أَبْعَدَهُ اللَّهُ وَنَحَّاهُ يُضْرَبُ الضَّرْبَ الْمُبَرِّحَ وَكَذَلِكَ الْعَشَّارُ الْفَاسِقُ أَسْحَقَهُ اللَّهُ وَمَقَتَهُ. (أَوْ يَا ابْنَ أَلْفِ كَلْبٍ) وَمِثْلُ هَذَا مَا يَجْرِي فِي كَلَامِ السُّفَهَاءِ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ: يَا ابْنَ أَلْفِ خِنْزِيرٍ وَيَا ابْنَ مِائَةِ كَلْبٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِثْلِ هَذَيْنِ الْعَدَدُ مِنْ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَعَلَّ هَذَا الْعَدَدَ يَقَعُ إلَى آدَمَ فَيَنْبَغِي الزَّجْرُ عَنْهُ وَشِدَّةُ الْأَدَبِ فِيهِ. (أَوْ عُيِّرَ بِالْفَقْرِ فَقَالَ تُعَيِّرُنِي بِهِ وَالنَّبِيُّ قَدْ رَعَى الْغَنَمَ) قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ عَيَّرَهُ رَجُلٌ بِالْفَقْرِ فَقَالَ: أَتُعَيِّرُنِي بِالْفَقْرِ وَقَدْ رَعَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَنَمَ فَقَالَ مَالِكٌ: عَرَّضَ بِذِكْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، أَرَى أَنْ يُؤَدَّبَ. (أَوْ قَالَ لِغَضْبَانَ كَأَنَّهُ وَجْهُ مُنْكَرٍ أَوْ مَالِكٍ) سُئِلَ الْقَابِسِيُّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ قَبِيحٍ كَأَنَّهُ وَجْهُ نَكِيرٍ وَلِرَجُلٍ عَبُوسٍ كَأَنَّهُ وَجْهُ مَالِكٍ الْغَضْبَانِ فَقَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: هَذَا شَدِيدٌ لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى التَّحْقِيرِ وَالتَّهْوِينِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالسَّبِّ لِلْمَلَكِ وَإِنَّمَا السَّبُّ وَاقِعٌ عَلَى الْمُخَاطَبِ، وَفِي الْأَدَبِ بِالسَّوْطِ وَالسَّجْنِ نَكَالٌ لِلسُّفَهَاءِ، وَأَمَّا ذِكْرُ مَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ فَقَدْ جَفَا الَّذِي ذَكَرَهُ عِنْدَمَا أَنْكَرَهُ مِنْ عُبُوسِ الْآخَرِ. اُنْظُرْ الْوَجْهَ الْخَامِسَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقَسَمِ الرَّابِعِ مِنْ الشِّفَاءِ. (أَوْ اسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِبَعْضِ جَائِزٍ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا حُجَّةَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ سَبَّهُ لِنَقْصٍ لَحِقَهُ لَا عَلَى التَّأَسِّي كَإِنْ كَذَبْت فَقَدْ كَذَبُوا) عِيَاضٌ: الْوَجْهُ الْخَامِسُ أَنْ لَا يَقْصِدَ نَقْصًا وَلَا يَذْكُرَ عَيْبًا وَلَا سَبًّا لَكِنَّهُ يَسْتَشْهِدُ بِبَعْضِ أَحْوَالِهِ الْجَائِزَةِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا عَلَى طَرِيقِ ضَرْبِ الْمَثَلِ وَالْحُجَّةُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ عَلَى التَّشَبُّهِ بِهِ أَوْ عِنْدَ هَضِيمَةٍ نَالَتْهُ أَوْ عِضَاضَةٍ لَحِقَتْهُ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ التَّأَسِّي وَطَرِيقِ التَّحْقِيقِ بَلْ عَلَى مَقْصِدِ التَّرْفِيعِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَسَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَعَدَمِ التَّوْقِيرِ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَقَوْلِ الْقَائِلِ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 384 إنْ قِيلَ فِي السُّوءِ فَقَدْ قِيلَ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كُذِّبَتْ فَقَدْ كُذِّبَ الْأَنْبِيَاءُ، وَأَنَا أَسْلَمُ مِنْ النَّاسِ وَلَيْسَ يَسْلَمُ مِنْهُمْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ وَكَقَوْلِ الْمُتَنَبِّي: أَنَا فِي أُمَّةٍ تَدَارَكَهَا اللَّهُ ... غَرِيبٌ كَصَالِحٍ فِي ثَمُودِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ كُلُّهَا وَإِنْ لَمْ تَتَضَمَّنْ سَبًّا وَلَا إضَافَةً إلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ نَقْصًا وَلَا قَصَدَ قَائِلُهَا ازْدِرَاءً وَلَا غَضًّا فَمَا وَقَرَّ النُّبُوَّةَ ثُمَّ قَالَ: فَحَقُّ هَذَا إنْ دُرِئَ عَنْهُ الْقَتْلُ الْأَدَبُ وَالسَّجْنُ وَقُوَّةُ تَعْزِيرِهِ بِحَسَبِ شُنْعَةِ مُغَالَبَتِهِ. اُنْظُرْ الْوَجْهَ الْخَامِسَ مِنْ الْبَابِ الْمَذْكُورِ. (أَوْ لَعَنَ الْعَرَبَ أَوْ بَنِي هَاشِمٍ وَقَالَ: أَرَدْت الظَّالِمِينَ) حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْعَرَبَ أَوْ لَعَنَ بَنِي هَاشِمٍ أَوْ لَعَنَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْأَنْبِيَاءَ وَإِنَّمَا أَرَادَ الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِ الْأَدَبَ بِقَدْرِ اجْتِهَادِ السُّلْطَانِ. عِيَاضٌ: وَقَدْ يَضِيقُ الْقَوْلُ فِي نَحْوِ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ هَاشِمِيٍّ: لَعَنَ اللَّهُ بَنِي هَاشِمٍ وَقَالَ: أَرَدْت الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ. اُنْظُرْ الْوَجْهَ الرَّابِعَ مِنْ الْبَابِ الْمَذْكُورِ. (وَشُدِّدَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ قَرْنَانِ وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا) تَوَقَّفَ الْقَابِسِيُّ فِي قَتْلِ رَجُلٍ قَالَ كُلُّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ قَرْنَانِ وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا مُرْسَلًا، فَأُمِرَ بِشَدِّهِ بِالْقُيُودِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ حَتَّى تَسْتَفْهِمَ الْبَيِّنَةُ عَنْ جُمْلَةِ أَلْفَاظِهِ وَمَا يَدُلُّ عَلَى مَقْصِدِهِ هَلْ أَرَادَ أَصْحَابَ الْفَنَادِقِ الْآنَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ فَيَكُونُ أَمْرُهُ أَخَفَّ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ أَمْرِهِ الْعُمُومُ لِكُلِّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَقَدْ كَانَ فِيمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ مَنْ اكْتَسَبَ الْمَالَ وَذَمُّ الْمُسْلِمَ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِأَمْرٍ بَيِّنٍ. (وَفِي قَبِيحٍ لِأَحَدِ ذُرِّيَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آبَائِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ كَأَنْ انْتَسَبَ لَهُ) لَمَّا ذَكَرَ عِيَاضٌ حُكْمَ مَنْ لَعَنَ الْعَرَبَ وَقَالَ أَرَدْت الظَّالِمِينَ قَالَ: وَقَدْ يَضِيقُ الْقَوْلُ فِي نَحْوِ هَذَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا قَبِيحًا فِي آبَائِهِ أَوْ مِنْ نَسْلِهِ أَوْ وَلَدِهِ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَانْظُرْ آخِرَ فَصْلٍ مِنْ كِتَابِ الشِّفَا حُكْمُ مَنْ نَالَ مِنْ آلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَزْوَاجِهِ وَأَصْحَابِهِ أَوْ انْتَقَصَهُمْ. وَلَمَّا نَالَ جَعْفَرٌ مِنْ مَالِكٍ مَا نَالَ حَتَّى حُمِلَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى دَارِهِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ دَخَلَ النَّاسُ عَلَى مَالِكٍ فَأَفَاقَ وَقَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي جَعَلْت جَعْفَرًا فِي حِلٍّ. فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: خِفْت أَنْ أَمُوتَ فَأَلْقَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْتَحِي مِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ بَعْضُ آلِهِ النَّارَ بِسَبَبِي. وَقِيلَ: إنَّ الْمَنْصُورَ أَقَادَهُ مِنْ جَعْفَرٍ فَقَالَ مَالِكٌ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ وَاَللَّهِ مَا ارْتَفَعَ مِنْهَا سَوْطٌ مِنْ جِسْمِي إلَّا وَقَدْ جَعَلْته فِي حِلٍّ لِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَوْ احْتَمَلَ قَوْلُهُ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ أَوْ لَفِيفٌ فَعَاصٍ عَنْ الْقَتْلِ) عِيَاضٌ: إنْ ثَبَتَ قَوْلُهُ لَكِنْ اُحْتُمِلَ وَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا أَوْ لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ إنَّمَا شَهِدَ عَلَيْهِ الْوَاحِدُ أَوْ اللَّفِيفُ مِنْ النَّاسِ، فَهَذَا يَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدِّ وَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ اجْتِهَادًا فَمَنْ قَوِيَ أَمْرُهُ أَذَاقَهُ مِنْ شَدِيدِ النَّكَالِ إلَى الْغَايَةِ (أَوْ سَبَّ مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى نُبُوَّتِهِ) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ سَبَّ نَبِيًّا " (أَوْ صَحَابِيًّا) عِيَاضٌ سَبُّ آلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 385 النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَزْوَاجِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَنَقُّصُهُمْ حَرَامٌ مَلْعُونٌ فَاعِلُهُ، مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي هَذَا الِاجْتِهَادُ وَالْأَدَبُ الْمُوجِعُ. (وَسَبُّ اللَّهِ كَذَلِكَ وَفِي اسْتِتَابَةِ الْمُسْلِمِ خِلَافٌ) ابْنُ سَحْنُونٍ: مَنْ شَتَمَ الْحَقَّ سُبْحَانَهُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ كَفَرَ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: إلَّا أَنْ يُسْلِمَ. وَفِي التَّفْرِيعِ: مَنْ سَبَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ. وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ: لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالسَّبِّ حَتَّى يُسْتَتَابَ، وَكَذَلِكَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَإِنَّ مَنْ عَابَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ وَمِيرَاثُهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الزِّنْدِيقِ الَّذِي لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ بِلِسَانِهِ وَيُرَاجَعُ ذَلِكَ فِي سَرِيرَتِهِ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ صَاغِرًا. وَسُئِلَ أَصْبَغُ عَنْ رَجُلٍ أَيْقَنَ بِرَجُلٍ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ فَاغْتَالَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ: هُوَ مُحْسِنٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لَكِنْ يُعَزِّرُهُ السُّلْطَانُ لِلْعَجَلَةِ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ لِلسُّلْطَانِ، وَلَكِنَّهُ مُحْسِنٌ إذْ لَعَلَّ الْوُلَاةَ تُضَيِّعُ مِثْلَ هَذَا وَلَا تُصَحِّحُهُ وَقَالَ عِيسَى فِيمَنْ سَمِعَ نَصْرَانِيًّا يَشْتُمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاغْتَاظَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلَ. (كَمَنْ قَالَ لَقِيت فِي مَرَضِي مَا لَوْ قَتَلْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ) اُنْظُرْ هَذَا الْفَرْعَ لَعَلَّهُ كَانَ مُخَرَّجًا فِي الطُّرَّةِ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَسَبُّ اللَّهِ كَذَلِكَ " فَأَدْخَلَهُ الْمُخَرِّجُ هُنَا عِيَاضٌ: اخْتَلَفَ أَهْلُ قُرْطُبَةَ فِي مَسْأَلَةِ هَارُونَ أَخِي ابْنِ حَبِيبٍ وَكَانَ ضَيِّقَ الصَّدْرِ كَثِيرَ التَّبَرُّمِ قَالَ عِنْدَ اسْتِقْلَالِهِ مِنْ مَرَضٍ قَدْ لَقِيتُ فِي مَرَضِي هَذَا مَا لَوْ قَتَلْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمْ أَسْتَوْجِبْ هَذَا كُلَّهُ. فَأَفْتَى ابْنُ حَبِيبٍ بِمُوَافَقَةِ الْقَاضِي بِتَنْكِيلِهِ وَتَثْقِيلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 386 أَدَبِهِ، وَأَفْتَى الْغَيْرُ بِقَتْلِهِ. ابْنُ شَاسٍ. [بَاب فِي الزِّنَا] [مُوجَبُ الزِّنَا وَمُوجِبِهِ وَكَيْفِيَّة اسْتِيفَاء الْحَدّ وَمُتَعَاطِيه] الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ الزِّنَا وَهِيَ جَرِيمَةٌ تُوجِبُ الْعُقُوبَةَ وَالنَّظَرُ فِي طَرَفَيْنِ: الْأَوَّلُ فِي الْمُوجِبِ وَالْمُوجَبِ. الطَّرَفُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِيفَاءِ وَمُتَعَاطِيهِ. بَابٌ. (الزِّنَا وَطْءُ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الزِّنَا تَغْيِيبُ حَشَفَةِ آدَمِيٍّ فِي فَرْجِ آخَرَ دُونَ شُبْهَةٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 387 عَمْدًا. وَشَرْطُ إيجَابِ حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ الزَّانِي مُكَلَّفًا مُسْلِمًا (فَرْجُ آدَمِيٍّ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 388 بِاتِّفَاقٍ تَعَمُّدًا) ابْنُ الْحَاجِبِ: الزِّنَى هُوَ أَنْ يَطَأَ آدَمِيٌّ فَرْجَ آدَمِيٍّ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ بِاتِّفَاقٍ مُتَعَمِّدًا. ابْنُ عَرَفَةَ: يَخْرُجُ بِهِ زَنَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا مَوْطُوءَةٌ لَا وَاطِئَةٌ. (وَإِنْ لِوَاطًا) ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَإِنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ بِذَكَرٍ بَالِغٍ أَطَاعَهُ فِيهِ رُجِمَا أُحْصِنَا أَوْ لَمْ يُحْصَنَا. ابْنُ شَاسٍ: الْمَشْهُورُ وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ كَافِرَيْنِ. (أَوْ إتْيَانَ أَجْنَبِيَّةٍ بِدُبُرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً فِي دُبُرِهَا حُدَّا جَمِيعًا. مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمَا يُرْجَمُ وَمَنْ كَانَ بِكْرًا جُلِدَ. (أَوْ مَيِّتَةٍ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ زِنَا بِمَيِّتَةٍ أَوْ نَائِمَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ فِي حَالِ جُنُونِهَا حُدَّ (غَيْرَ زَوْجٍ) نَقَلَ هَذَا بَهْرَامَ عَنْ عِيَاضٍ عَنْ أَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ. (وَصَغِيرَةٍ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ زِنَا بِصَغِيرَةٍ لَمْ تُحْصَنْ طَائِعَةً وَمِثْلُهَا يُوطَأُ حُدَّ. (أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ لِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَاطِئُ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْوَطْءِ أَوْ لِغَيْرِهِ يُحَدُّ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَطِئَ جَارِيَةً عِنْدَهُ رَهْنًا أَوْ عَارِيَّةً أَوْ وَدِيعَةً أَوْ بِإِجَارَةٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. (أَوْ مَمْلُوكَةٍ تَعْتِقُ) فِي الْعُتْبِيَّةِ: مَنْ وَطِئَ أَمَةً بِالْمِلْكِ مِمَّنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالنَّسَبِ وَتَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ كَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ عَامِدًا عَالِمًا حُدَّ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِالْجَهَالَةِ فَلَا يُحَدُّ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. (أَوْ يَعْلَمُ حُرِّيَّتَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى حُرَّةً وَهُوَ يَعْلَمُ بِهَا فَأَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَهَا حُدَّ. (أَوْ مُحَرَّمَةٍ بِصِهْرٍ مُؤَبَّدٍ) اللَّخْمِيِّ: إنْ تَزَوَّجَ ابْنَةَ زَوْجَتِهِ وَدَخَلَ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْأُمِّ لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ لَوْ طَلَّقَ الْأُمَّ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِالْأُمِّ وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَ أُمَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 389 امْرَأَتِهِ فَإِنْ دَخَلَ بِالِابْنَةِ حُدَّ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَمْ يُحَدَّ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ. وَإِنْ تَزَوَّجَ زَوْجَةَ أَبِيهِ أَوْ زَوْجَةَ وَلَدِهِ حُدَّ إنْ كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ. (أَوْ خَامِسَةٍ) اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ فِي مُتَزَوِّجِ الْخَامِسَةِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ يُحَدُّ. وَقَالَ فِي مُتَزَوِّجِ الْمُعْتَدَّةِ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لَا يُحَدُّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. (أَوْ مَرْهُونَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَطِئَ جَارِيَةً عِنْدَهُ رَهْنًا حُدَّ. (أَوْ ذَاتِ مَغْنَمٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَهُ فِيهَا نَصِيبٌ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ وَإِنْ وَطِئَ مِنْهَا أَمَةً حُدَّ. (أَوْ حَرْبِيَّةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ دَخَلَ مُسْلِمٌ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَزَنَى بِحَرْبِيَّةٍ حُدَّ. (أَوْ مَبْتُوتَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً أَوْ امْرَأَةً طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ النَّسَبِ أَوْ شَيْئًا مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ عَامِدًا عَارِفًا بِالتَّحْرِيمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ. قَالَ: وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لَمْ يُحَدَّ وَعُوقِبَ، وَكَذَلِكَ نَاكِحُ امْرَأَتِهِ الْمَبْتُوتَةِ لَا يُحَدُّ عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا فَإِنْ كَانَ عَالِمًا حُدَّ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ يُحَدَّ. وَرَوَى عَلِيٌّ: مَنْ نَكَحَ فِي عِدَّةٍ وَوَطِئَ فِيهَا وَلَمْ يُعْذَرْ بِجَهَالَةٍ أَنَّهُ يُحَدُّ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا خِلَافٌ لِلْمُدَوَّنَةِ (وَإِنْ بِعِدَّةٍ) الَّذِي لِابْنِ الْحَاجِبِ: لَوْ طَلَّقَ امْرَأَةً ثَلَاثًا وَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ وَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُهُ وَلَا يُعْذَرُ بِدَعْوَى الْجَهَالَةِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ (وَهَلْ إنْ أَبَتَّ فِي مَرَّةٍ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ سَوَاءٌ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ فِي مَرَّةٍ أَوْ مُفْتَرَقَاتٍ. وَقَالَ أَصْبَغُ: مَنْ نَكَحَ مَبْتُوتَةً عَالِمًا لَمْ يُحَدَّ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 390 (وَإِنْ مُطَلَّقَةً قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ مُعْتَقَةً بِلَا عَقْدٍ كَأَنْ يَطَأَهَا مَمْلُوكُهَا) لَوْ قَالَ: " مُطَلَّقَةً قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ مُعْتَقَةً بِلَا عَقْدٍ وَإِلَّا حُدَّ كَأَنْ يَطَأَهَا مَمْلُوكُهَا " لَتَنَزَّلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ طَلْقَةً ثُمَّ وَطِئَهَا وَقَالَ: ظَنَنْتُهَا رَجْعِيَّةً كَالدُّخُولِ بِهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إنْ رَجَعَ عُذِرَ بِالْجَهَالَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ أَصَابَهَا وَقَالَ ظَنَنْتُهَا أَنَّهَا تَحِلُّ لِي فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إنْ وَطِئَهَا حُدَّ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا حُدَّ فِيمَنْ تَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالنَّسَبِ لِأَنَّهُنَّ أَحْرَارٌ بِعَقْدِ الشِّرَاءِ بِخِلَافِ مَنْ لَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ. وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ مَكَّنَتْ مَمْلُوكَهَا مِنْ نَفْسِهَا حُدَّتْ. (أَوْ مَجْنُونٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ زَنَتْ بِمَجْنُونٍ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ. (بِخِلَافِ الصَّبِيِّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ زَنَتْ امْرَأَةٌ بِصَبِيٍّ مِثْلُهُ يُجَامِعُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْتَلِمْ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا ابْنُ عَرَفَةَ: فَهُوَ أَحْرَى (إلَّا أَنْ يَجْهَلَ الْعَيْنَ أَوْ الْحُكْمَ إنْ جَهِلَ مِثْلُهُ إلَّا الْوَاضِحَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَخْرُجُ بِمُتَعَمِّدٍ الْمَعْذُورُ بِجَهْلِ الْعَيْنِ. ابْنُ شَاسٍ: كَانَ يَظُنُّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ، ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَخْرُجُ أَيْضًا الْمَعْذُورُ بِجَهْلِ الْحُكْمِ إذَا كَانَ يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ زِنًا وَاضِحًا فَفِي عُذْرِهِ قَوْلَانِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُعْذَرُ الْمُرْتَهِنُ إذَا وَطِئَ الْمَرْهُونَةَ، وَقَالَ ظَنَنْتُ: أَنَّهَا تَحِلُّ لِي وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: لَا يُعْذَرُ الْعَجَمُ إذَا ادَّعُوا الْجَهَالَةَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالِكٌ بِالْحَدِيثِ الَّذِي قَالَتْ: زَنَيْتُ بِمَرْعُوشٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَرَأَى أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ فِي هَذَا. قِيلَ: كَانَتْ هَذِهِ أَمَةً تَخْتَلِفُ إلَى عَبْدٍ مُقْعَدٍ فَأَعْطَاهَا دِرْهَمَيْنِ وَفَجَرَ بِهَا. (لَا مُسَاحَقَةً وَأُدِّبَتْ اجْتِهَادًا) الْبَاجِيُّ: الْمُسَاحِقَتَانِ مِنْ النِّسَاءِ سُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ فِي عُقُوبَتِهِمَا حَدٌّ وَذَلِكَ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا إنَّمَا بِمَعْنَى الْمُبَاشَرَةِ وَلَا حَدَّ إلَّا بِمُغَيَّبٍ. وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: أَنَّ حَدَّهُمَا خَمْسُونَ جَلْدَةً وَتَغْتَسِلُ وَإِنْ لَمْ تُنْزِلْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الِاسْتِمْنَاءِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَيْ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ الزِّنَا. وَنَحْوُهُ لِأَبِي الشَّعَثِ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ. وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُبَالِغَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ. قَالَهُ اللَّخْمِيِّ. (كَبَهِيمَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ غَيْرِهَا لَا يُحَدُّ مَنْ أَتَى الْبَهِيمَةَ وَيُعَاقَبُ (وَهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الْأَكْلِ وَالذَّبْحِ) الطُّرْطُوشِيُّ: لَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الْبَهِيمَةَ لَا تُقْتَلُ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا تُؤْكَلُ أُكِلَتْ. (وَمَنْ حَرُمَ لِعَارِضٍ كَحَائِضٍ) ابْنُ شَاسٍ: قَوْلُنَا فِي حَدِّ الزِّنَا: إنَّهُ الْوَطْءُ فِي غَيْرِ مِلْكٍ احْتَرَزْنَا بِهِ عَنْ وَطْءِ الْحَائِضِ وَالْمُحْرِمَةِ وَالصَّائِمَةِ فِي الْمِلْكِ (أَوْ مُشْتَرَكَةٍ أَوْ مُعْتَدَّةٍ) ابْنُ شَاسٍ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 392 إنْ كَانَتْ شُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ بِأَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً مُحَرَّمَةً بِسَبَبِ شِرْكَةٍ أَوْ عِدَّةٍ أَوْ تَزْوِيجٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي وَطْئِهَا. (أَوْ مَمْلُوكَةٍ لَا تَعْتِقُ) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ وَطِئَ أَمَةً بِمِلْكِ يَمِينٍ مِمَّنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالنَّسَبِ وَلَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ مِنْ عَمَّةٍ أَوْ خَالَةٍ أَوْ بِنْتِ أُخْتٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُنَّ مُحَرَّمَاتٌ عَلَيْهِ (وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ) ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. (أَوْ عَلَى أُخْتِهَا وَهَلْ إلَّا أُخْتَ النَّسَبِ لِتَحْرِيمِهَا بِالْكِتَابِ تَأْوِيلَانِ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» وَكَانَ يَقُولُ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَلَأَنْ يَخْطَأَ الْحَاكِمُ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَخْطَأَ فِي الْعُقُوبَةِ إذَا رَأَيْتُمْ لِلْمُسْلِمِ مَخْرَجًا فَادْرَءُوا عَنْهُ الْحَدَّ» . قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا أَوْ عَلَى خَالَتِهَا أَوْ عَلَى عَمَّتِهَا عَامِدًا لَمْ يُحَدَّ وَعُوقِبَ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْكَلَامُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ بَابٌ عَظِيمٌ وَلَيْسَ مَا حَرَّمَتْهُ السُّنَّةُ كَمَا حَرَّمَهُ الْقُرْآنُ. وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا عَالِمًا بِالنَّهْيِ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِالسُّنَّةِ بِخِلَافِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُخْتِهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِالْقُرْآنِ، وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ يُونُسَ إلَّا مَا نَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ تَزَوَّجَ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ النَّسَبِ عَارِفًا بِالتَّحْرِيمِ حُدَّ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ. (أَوْ كَأَمَةٍ مُحَلَّلَةٍ وَقُوِّمَتْ وَإِنْ أَبَيَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كُلُّ مَنْ أُحِلَّتْ لَهُ جَارِيَةٌ أَحَلَّهَا لَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ قَرِيبٌ أَوْ امْرَأَةٌ رُدَّتْ إلَى سَيِّدِهَا إلَّا أَنْ يَطَأَهَا مَنْ أُحِلَّتْ لَهُ فَلَا يُحَدُّ وَلَوْ كَانَ عَالِمًا وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ، وَلَيْسَ لِرَبِّهَا التَّمَاسُكُ بِهَا. وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: إنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ حُدَّ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ. (أَوْ مُكْرَهَةٍ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْمُكْرَهُ عَلَى الزِّنَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْمُكْرَهَةُ عَلَى التَّمْكِينِ لَا تُحَدُّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 393 وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: إنْ انْتَشَرَ قَضِيبُهُ حُدَّ. اللَّخْمِيِّ: هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ قَدْ يُرِيدُ الرَّجُلُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَيَكُفُّ عَنْهَا خَوْفَ أَمْرِ اللَّهِ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْإِحْيَاءِ حِكْمَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَنِعْمَتَهُ فِي اللِّسَانِ مِنْهَا أَنْ خَلَقَ اللَّهُ تَحْتَهُ عَيْنًا يُفِيضُ اللُّعَابُ مِنْهَا قَدْرَ مَا يَنْعَجِنَ بِهِ الطَّعَامُ، وَسَخَّرَهَا لِهَذَا الْأَمْرِ بِحَيْثُ تَرَى طَعَامًا عَلَى بُعْدٍ فَتَفُورُ الْمِسْكِينَةُ لِلْخِدْمَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا الطَّعَامُ. (أَوْ مَبِيعَةٍ بِغَلَاءٍ) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ جَاعَ فَبَاعَ امْرَأَتَهُ مِنْ رَجُلٍ فَأَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ فَوَطِئَهَا مُشْتَرِيهَا فَعَنْ مَالِكٍ وَهُوَ رَأْيٌ أَنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ وَتَكُونُ طَلْقَةً بَائِنَةً وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ. وَقَدْ تَرْجَمَ الْمُتَيْطِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ عَلَى هَذَا فَقَالَ: مَا جَاءَ فِيمَنْ بَاعَ امْرَأَتَهُ أَوْ زَوَّجَهَا جَادًّا أَوْ هَازِلًا. اُنْظُرْهُ فِيهِ. (وَالْأَظْهَرُ إنْ ادَّعَى شِرَاءَ أَمَةٍ وَنَكَلَ الْبَائِعُ وَحَلَفَ الْوَاطِئُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَطِئَ أَمَةَ رَجُلٍ فَادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْهُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ سَيِّدُهَا فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ حُدَّ، فَإِنْ طَلَبَ الْوَاطِئُ يَمِينَ السَّيِّدِ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْهَا مِنْهُ أَحَلَفْته لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْوَاطِئُ وَقَضَى لَهُ بِهَا وَدُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ اهـ. فَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ: " وَالْأَظْهَرُ " (وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُكْرَهَ كَذَلِكَ وَالْأَكْثَرَ عَلَى خِلَافِهِ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ مُكْرَهَةٍ ". (وَثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً) ابْنُ عَرَفَةَ: نُصُوصُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَاضِحَةٌ بِحَدِّ الْمُقِرِّ بِالزِّنَا طَوْعًا وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً (إلَّا أَنْ يَرْجِعَ مُطْلَقًا) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ لِوَجْهٍ وَسَبَبٍ لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي قَبُولِ رُجُوعِهِ. الْبَاجِيُّ: وَإِنْ رَجَعَ لِغَيْرِ شُبْهَةٍ فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٌ أَنَّهُ يُقَالُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ (أَوْ يَهْرُبُ وَإِنْ فِي الْحَدِّ) أَبُو عُمَرَ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُقِرِّ بِالزِّنَا أَوْ بِشُرْبِ الْخَمْرِ يُقَامُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ فَيَرْجِعُ تَحْتَ الْجَلْدِ فَقَالَ مَرَّةً: أَنْ يُقِيمَ أَكْثَرَ. وَقَالَ مَرَّةً: يُقَالُ وَلَا يُضْرَبُ بَعْدَ رُجُوعِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ. (وَبِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ بِبَكَارَتِهَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَثْبُتُ الزِّنَا بِالْإِقْرَارِ وَلَوْ مَرَّةً وَبِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِبَكَارَتِهَا لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا شَهِدَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا أَرْبَعَةٌ عُدُولٌ فَقَالَتْ: أَنَا عَذْرَاءُ وَنَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ وَصَدَّقْنَهَا لَمْ يُنْظَرْ إلَى قَوْلِهِنَّ وَأُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ. (وَبِحَمْلٍ فِي غَيْرِ مُتَزَوِّجَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ظَهَرَ بِامْرَأَةٍ حَمْلٌ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِالنِّكَاحِ حُدَّتْ. اللَّخْمِيِّ: تُحَدُّ إنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ وَلَا شُبْهَةَ وَلَمْ تَكُنْ طَارِئَةً. (وَذَاتِ سَيِّدٍ غَيْرِ مُقِرٍّ بِهِ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يَجِبُ رَجْمٌ وَلَا جَلْدٌ إلَّا بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا بِإِقْرَارٍ لَا رُجُوعَ بَعْدَهُ إلَى قِيَامِ الْحَدِّ، أَوْ يَظْهَرُ بِحُرَّةٍ غَيْرِ طَارِئَةٍ حَمْلٌ وَلَا يُعْرَفُ لَهَا نِكَاحٌ، أَوْ بِأَمَةٍ لَا يُعْرَفُ لَهَا زَوْجٌ وَسَيِّدُهَا مُنْكِرٌ لَوَطِئَهَا، وَبِشَهَادَةٍ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. (وَلَمْ يُقْبَلْ دَعْوَاهَا الْغَصْبَ بِلَا قَرِينَةٍ) اللَّخْمِيِّ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 394 فَإِنْ ظَهَرَ بِامْرَأَتِي حَمْلٌ وَادَّعَتْ أَنَّهُ مِنْ غَصْبٍ وَتَقَدَّمَ لَهَا ذِكْرُ ذَلِكَ أَوْ أَتَتْ مُتَعَلِّقَةً بِرَجُلٍ أَوْ كَانَ سَمَاعًا وَاسْتَشْكَتْ وَلَمْ تَأْتِ مُتَعَلِّقَةً بِهِ، لَمْ تُحَدَّ إنْ ادَّعَتْهُ عَلَى مَنْ يُشْبِهُ. وَإِنْ ادَّعَتْهُ عَلَى رَجُلٍ صَالِحٍ حُدَّتْ وَتُعَزَّرُ إنْ لَمْ تُسَمِّ مَنْ اسْتَكْرَهَهَا إنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْخَيْرِ. (وَيُرْجَمُ الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ إنْ أَصَابَ بَعْدَهُنَّ بِنِكَاحٍ لَازِمٍ صَحَّ) ابْنُ الْحَاجِبِ: شَرْطُ مُوجِبِ الْحَدِّ: الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ: جَلْدٌ مُفْرَدٌ وَجَلْدٌ مَعَ تَغْرِيبٍ وَرَجْمٌ. فَالرَّجْمُ عَلَى الْمُحْصَنِ مِنْهُمَا وَيَحْصُلُ الْإِحْصَانُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالتَّزْوِيجِ الصَّحِيحِ اللَّازِمِ وَالْوَطْءِ الصَّحِيحِ الْمُبَاحِ الْمُحَلِّلِ لِلْمَبْتُوتَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُحَدُّ الْكَافِرُ فِي الزِّنَا وَيُرَدُّ إلَى أَهْلِ دِينِهِ وَيُعَاقَبُ إذَا أَعْلَنَهُ، وَأَمَّا فِي سَرِقَتِهِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْوَطْءُ الْمُبَاحُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ لَا خِيَارَ فِيهِ مِنْ بَالِغٍ مُسْلِمٍ حُرٍّ إحْصَانٌ اتِّفَاقًا فَحَدُّهُ إنْ زَنَى بَعْدَ ذَلِكَ الرَّجْمُ. أَبُو عُمَرَ: مَا يُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ لَا يُحْصَنُ وَاطِئُهُ بِخِلَافِ الَّذِي لَا يُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَإِنَّ الْوَطْءَ فِيهِ إحْصَانٌ، وَأَمَّا الْوَطْءُ الْفَاسِدُ كَوَطْءِ الْحَائِضِ وَالْمُحْرِمَةِ وَالْمُعْتَكِفَةِ وَالصَّائِمَةِ فَنَقَلَ اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ وَالْمُغِيرَةِ أَنَّهُ يُحْصِنُ وَفِي كَوْنِ الْوَطْءِ فِي نِكَاحِ ذِي خِيَارٍ أَمْضَى بَعْدَ الْوَطْءِ إحْصَانًا نَقْلًا اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: تَحْصِينُ الْمَجْنُونَةِ وَاطِئُهَا وَلَا يُحْصِنُهَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: كُلُّ وَطْءٍ أَحْصَنَ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَإِنَّهُ يُحِلُّ الْمَبْتُوتَةَ وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُحِلُّ يُحْصِنُ. ابْنُ عَرَفَةَ: كَانَ يَجْرِي لَنَا إبْطَالُ صِدْقِ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ بِنَقْلِ عَبْدِ الْحَقِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَطْءُ الْمَجْنُونَةِ يُحْصِنُ وَاطِئُهَا وَلَا يُحِلُّهَا، رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. (بِحِجَارَةٍ مُعْتَدِلَةٍ) قَالَ مَالِكٌ: يُرْمَى بِالْحِجَارَةِ الَّتِي يُرْمَى بِمِثْلِهَا فَأَمَّا الصَّخْرُ الْعِظَامُ فَلَا (وَلَمْ يَعْرِفْ بُدَاءَةَ الْبَيِّنَةِ وَلَا الْإِمَامِ) قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 395 مَالِكٌ: مُذْ أَقَامَتْ الْأَئِمَّةُ الْحُدُودَ فَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْهُمْ تَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا أَلْزَمَ ذَلِكَ الْبَيِّنَةَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ: إنْ ثَبَتَ الزِّنَا بِبَيِّنَةٍ بَدَأَ الشُّهُودُ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ سَائِرُ النَّاسِ. . (كَلَائِطٍ مُطْلَقًا وَإِنْ عَبْدَيْنِ وَكَافِرَيْنِ) ابْنُ عَرَفَةَ: اللَّائِطَانِ كَالْمُحْصَنَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُحْصَنَا. ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: لَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ لَرُجِمَا خِلَافًا لِأَشْهَبَ. (وَجُلِدَ الْحُرُّ الْبِكْرُ مِائَةً) ابْنُ عَرَفَةَ: حَدُّ زِنَا الْبِكْرِ الْحُرِّ جَلْدُ مِائَةٍ. (وَتَشَطَّرَ بِالرِّقِّ وَإِنْ قَلَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: حَدُّ الْعَبْدِ فِي الزِّنَا خَمْسُونَ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ، وَكُلُّ مَنْ فِيهِ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ لَمْ يَتِمَّ كَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ وَالْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ. (وَتَحَصَّنَ كُلٌّ دُونَ صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ وَالْوَطْءِ بِعِدَّةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْوَطْءُ بَعْدَ عِتْقِ أَحَدِهِمَا يُحْصِنُ الْمُعْتَقَ مِنْهُمَا. (وَغُرِّبَ الْحُرُّ الذَّكَرُ فَقَطْ عَامًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا نَفْيَ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا عَلَى الْعَبِيدِ وَلَا تَغْرِيبَ وَلَا يُنْفَى الرَّجُلُ الْحُرُّ إلَّا بِالزِّنَا أَوْ فِي حِرَابَةٍ بِهِ فَيُسْجَنَانِ جَمِيعًا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُنْفَيَانِ إلَيْهِ يُسْجَنُ الزَّانِي سَنَةً وَالْمُحَارِبُ حَتَّى تُعْرَفَ تَوْبَتُهُ (وَأَجْرُهُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: كِرَاؤُهُ فِي سَيْرِهِ عَلَيْهِ فِي مَالِ الزَّانِي وَالْمُحَارِبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَفِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ. (كَفَدَكَ وَخَيْبَرَ مِنْ الْمَدِينَةِ فَيُسْجَنُ سَنَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ كَانَ يُنْفَى عِنْدَنَا إلَى فَدَكَ وَخَيْبَرَ. قَالَ: وَيُسْجَنُ الْمُحَارِبُ وَالزَّانِي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُنْفَيَانِ إلَيْهِ يُسْجَنُ الزَّانِي سَنَةً. ابْنُ الْقَاسِمِ: مِنْ يَوْمِ يَصِيرُ فِي السِّجْنِ مُطَرِّفٌ وَيُؤَرَّخُ يَوْمُ سَجْنِهِ (وَإِنْ عَادَ أُخْرِجَ ثَانِيَةً) ابْنُ شَاسٍ: فَإِنْ عَادَ أُخْرِجَ ثَانِيَةً. (وَتُؤَخَّرُ الْمُتَزَوِّجَةُ لِحَيْضَةٍ) اللَّخْمِيِّ: إنْ شُهِدَ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا مُنْذُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أُخِّرَتْ وَلَمْ تُضْرَبْ وَلَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَتِمَّ لَهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ زَنَتْ فَيُنْظَرُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 397 أَحَامِلٌ هِيَ أَمْ لَا، وَلَا يُسْتَعْجَلُ الْآنَ لِإِمْكَانِ أَنْ تَكُونَ حَمَلَتْ، وَإِنْ لَمْ يَمْضِ لَهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا جَازَ تَعْجِيلُ حَدِّهَا جَلْدًا أَوْ رَجْمًا إلَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ زَوْجٍ فَيُسْأَلُ، فَإِنْ قَالَ كُنْتُ اسْتَبْرَأْتُهَا فِيهَا حُدَّتْ وَرُجِمَتْ، وَإِنْ قَالَ لَمْ اسْتَبْرِئْهَا خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَقُومَ بِحَقِّهِ فِي الْمَاءِ الَّذِي لَهُ فِيهَا فَتُؤَخَّرُ لِيَنْظُرَ هَلْ تَحْمِلُ مِنْهُ أَمْ لَا أَوْ يَسْقُطُ حَقُّهُ فَتُحَدُّ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " لِلزَّوْجِ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهُ فَتُحَدُّ فِي الْمَاءِ الَّذِي لَهُ فِيهَا " هَلْ هُوَ فَرْعُ جَوَازِ إفْسَادِ الْمَنِيِّ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَسَيَأْتِي لَهُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا يُرَشِّحُ هَذَا. وَكَذَلِكَ أَيْضًا فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ قَوْلِهِ: " يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ " وَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ: رَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلنُّطْفَةِ حُرْمَةٌ وَلَا لَهَا حُكْمُ الْوَلَدِ فِي الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي هَذَا وَلَمْ يَرَ إبَاحَةَ إفْسَادِ الْمَنِيِّ وَلَا تَسَبُّبَ إخْرَاجِهِ بَعْدَ حُصُولِهِ فِي الرَّحِمِ بِوَجْهٍ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ بِخِلَافِ الْعَزْلِ قَبْلَ حُصُولِهِ فِي الرَّحِمِ. انْتَهَى نَصُّ عِيَاضٍ وَانْظُرْ إنْ لَمْ يَعْزِلْ لَكِنْ جَعَلَ بَيْنَ الْمَاءِ وَحُصُولِهِ فِي الرَّحِمِ مَا مَنَعَ عُلُوقَهُ بِهِ، أَفْتَى ابْنُ زَرْقُونٍ أَنَّهُ كَالْعَزْلِ قَالَ: لِأَنَّهُ مَا جَنَى عَلَى مَوْجُودٍ. اللَّخْمِيِّ: وَأَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا زَنَتْ مُنْذُ شَهْرَيْنِ أَنْ تُرْجَمَ إذَا نَظَرَ لَهَا النِّسَاءُ وَقُلْنَ: لَا حَمْلَ بِهَا وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ بِكَوْنِهِ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ عَلَقَةً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّهْرَيْنِ عَلَقَةٌ وَلَا يَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَشْرَبَ مَا تَطْرَحُهُ بِهِ. (وَبِالْجَلْدِ اعْتِدَالُ الْهَوَاءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْمَرِيضُ إنْ خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ أُخِّرَ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ خِيفَ عَلَى السَّارِقِ أَنْ يُقْطَعَ فِي الْبَرْدِ أُخِّرَ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَاَلَّذِي يُضْرَبُ الْحَدَّ فِي الْبَرْدِ مِثْلُهُ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ أُخِّرَ وَالْحَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْبَرْدِ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ ضَعِيفَ الْجِسْمِ سَقَطَ الْحَدُّ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَالْمُوَالَاةُ فِي الْأَطْرَافِ ". (وَأَقَامَهُ الْحَاكِمُ وَالسَّيِّدُ إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِغَيْرِ مِلْكِهِ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 398 ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا مُسْتَوْفِي الْحَدِّ فَهُوَ الْإِمَامُ فِي حَقِّ الْأَحْرَارِ، وَلَا بَأْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُقِيمَ عَلَى مَمْلُوكِهِ حَدَّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالْخَمْرِ لَا السَّرِقَةِ. اللَّخْمِيِّ: وَكَذَا إنْ كَانَ زَوْجُ أَمَتِهِ عَبْدَهُ فَلَهُ إقَامَتُهُ عَلَيْهَا. ابْنُ شَاسٍ: إنَّمَا يَحُدُّ أَمَتَهُ إذَا كَانَتْ غَيْرَ ذَاتِ زَوْجٍ أَوْ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدَهُ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً بِغَيْرِ عَبْدِ سَيِّدِهَا فَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهَا إلَّا الْإِمَامُ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ لِغَيْرِ سَيِّدِهِ فَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهَا إلَّا الْإِمَامُ. (بِغَيْرِ عِلْمِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَحُدُّ عَبْدَهُ فِي الزِّنَا إلَّا بِأَرْبَعَةٍ سِوَاهُ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ رَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَنْ رَأَى أَمَتَهُ تَزْنِي لَمْ يَجْلِدْهَا إذْ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَجْلِدَ بِرُؤْيَتِهِ. (وَإِنْ أَنْكَرَتْ الْوَطْءَ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً وَخَالَفَهَا الرَّجُلُ فَالْحَدُّ وَعَنْهُ فِي الرَّجُلِ يَسْقُطُ مَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ أَوْ يُولَدْ لَهُ وَأُوِّلَ عَلَى الْخِلَافِ أَوْ لِخِلَافِ الزَّوْجِ فِي الْأُولَى فَقَطْ أَوْ لِأَنَّهُ يَسْكُتُ أَوْ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَمْ تَبْلُغْ عِشْرِينَ تَأْوِيلَاتٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا عِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ زَنَتْ فَقَالَتْ: لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ جَامَعَنِي وَالزَّوْجُ مُقِرٌّ بِجِمَاعِهَا فَهِيَ مُحْصَنَةٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَتَقَادَمَ مُكْثُهُ مَعَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَشُهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا فَقَالَ: جَامَعْتُهَا مُنْذُ دَخَلْت عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوَلَدٍ يَظْهَرُ أَوْ بِإِقْرَارٍ بِالْوَطْءِ لَمْ يُرْجَمْ لِدَرْءِ الْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ، وَإِنْ عُلِمَ مِنْهُ إقْرَارٌ بِالْوَطْءِ قَبْلَ ذَلِكَ رُجِمَ. قَالَ يَحْيَى: هَذَا اخْتِلَافٌ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تُوُهِّمَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى أَنَّ الزَّوْجَ مُقِرٌّ بِجِمَاعِهَا، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ تَدَّعِ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ وَطِئَهَا. رَاجَعَ التَّنْبِيهَاتِ. (وَإِنْ قَالَتْ: زَنَيْتُ مَعَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 399 وَادَّعَى الْوَطْءَ وَالزَّوْجِيَّةَ أَوْ وُجِدَا فِي بَيْتٍ وَأَقَرَّا بِهِ وَادَّعَيَا النِّكَاحَ أَوْ ادَّعَاهُ فَصَدَّقَتْهُ أَوْ وَلِيُّهَا وَقَالَا: لَمْ نُشْهِدْ حُدَّا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا قَالَتْ امْرَأَةٌ زَنَيْتُ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ وَقَالَ الرَّجُلُ: هِيَ زَوْجَتِي وَقَدْ وَطِئْتُهَا أَوْ وُجِدَا فِي بَيْتٍ فَأَقَرَّا بِالْوَطْءِ وَادَّعَيَا النِّكَاحَ فَإِنْ لَمْ يَأْتِيَا بِبَيِّنَةٍ حُدَّا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ النِّكَاحِ الْإِظْهَارُ وَالْإِعْلَانُ وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ شَهَادَةَ الْوَلِيِّ بِالنِّكَاحِ لَغْوٌ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: اشْتَرَى حُرَّةً وَهُوَ يَعْلَمُ بِهَا فَأَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَهَا حُدَّ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا تَحُدُّ هِيَ إنْ أَقَرَّتْ لَهُ بِالْمِلْكِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَإِنْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّهَا حُرَّةٌ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُهَا دَعْوَاهَا الْحُرِّيَّةَ إذْ لَا بَيِّنَةَ لَهَا تَقُومُ بِهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وُجِدَ مَعَ امْرَأَةٍ فِي بَيْتٍ فَشَهِدَ أَبُوهَا وَأَخُوهَا أَنَّ الْأَبَ زَوَّجَهَا إيَّاهُ فَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ وَيُعَاقَبَانِ، وَإِنْ ثَبَتَ الْوَطْءُ حُدَّ. ابْنُ يُونُسَ: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» وَيُقَالُ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَلَأَنْ يَخْطَأَ حَاكِمٌ مِنْ الْحُكَّامِ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَخْطَأَ فِي الْعُقُوبَةِ إذَا رَأَيْتُمْ لِلْمُسْلِمِ مَخْرَجًا فَادْرَءُوا الْحَدَّ عَنْهُ» ابْنُ شَاسٍ. الْجِنَايَةُ الرَّابِعَةُ الْقَذْفُ وَفِيهِ بَابَانِ: الْأَوَّلُ فِي أَلْفَاظِهِ وَمُوجِبُهَا. الْبَابُ الثَّانِي فِي مَجَامِعِ أَحْكَامِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْقَذْفُ الْأَخَصُّ بِإِيجَابِ الْحَدِّ نِسْبَةُ آدَمِيٍّ مُكَلَّفٍ غَيْرَهُ حُرًّا عَفِيفًا مُسْلِمًا بَالِغًا أَوْ صَغِيرَةً تُطِيقُ الْوَطْءَ لِزِنًى أَوْ قَطْعِ نَسَبِ مُسْلِمٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 400 [بَابٌ فِي الْقَذْفِ] [بَاب فِي أَلْفَاظ القذف وَمُوجِبه وَأَحْكَامه] بَابٌ (قَذْفُ الْمُكَلَّفِ) ابْنُ رُشْدٍ: حَدُّ الْقَذْفِ يَجِبُ بِوَصْفَيْنِ فِي الْقَاذِفِ وَهُمَا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ (حُرًّا مُسْلِمًا بِنَفْيِ نَسَبٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ نِسْبَةُ آدَمِيٍّ مُكَلَّفٍ غَيْرَهُ حُرًّا عَفِيفًا مُسْلِمًا بَالِغًا أَوْ صَغِيرَةً تُطِيقُ الْوَطْءَ لِزِنًى أَوْ قَطْعِ نَسَبٍ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَذَفَ ذِمِّيًّا زُجِرَ، وَمَنْ قَذَفَ نَصْرَانِيَّةً زَوْجَةَ مُسْلِمٍ نُكِّلَ، وَإِذَا افْتَرَى ذِمِّيٌّ عَلَى مُسْلِمٍ حُدَّ ثَمَانِينَ وَلَا يُحَدُّ إذَا زَنَى وَيُقْطَعُ إذَا سَرَقَ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِمُسْلِمٍ لَسْتَ لِأَبِيكَ وَأَبَوَاهُ نَصْرَانِيَّانِ حُدَّ قَدْ كَانَ آبَاءُ الصَّحَابَةِ مُشْرِكِينَ (عَنْ أَبٍ وَجَدٍّ لَا أُمٍّ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْقَذْفُ مَا يَدُلُّ عَلَى الزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ وَالنَّفْيُ عَنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ لَسْت ابْنَ فُلَانَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 401 لَمْ يُحَدَّ. (وَلَا إنْ نُبِذَ) اُنْظُرْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ مَجْهُولًا ". (أَوْ زَنَى) ابْنُ رُشْدٍ: يَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي وَجْهَيْنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 402 أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْمِيَهُ بِالزِّنَا، وَالثَّانِي أَنْ يَنْفِيَهُ مِنْ نَسَبِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً أَوْ كَافِرَةً. (إنْ كُلِّفَ وَعَفَّ عَنْ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ بِآلَةٍ وَبَلَغَ) ابْنُ رُشْدٍ: حَدُّ الْقَذْفِ يَجِبُ بِخَمْسَةِ أَوْصَافٍ فِي الْمَقْذُوفِ وَهِيَ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعَفَافُ وَالْبُلُوغُ وَأَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَتَاعُ الزِّنَا لَيْسَ بِحَصُورٍ وَلَا مَجْبُوبٍ قَبْلَ الْبُلُوغِ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ زَادَ {الْعَقْلُ} وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ الْعَفَافِ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يُشْتَرَطُ إسْلَامُ الْمَقْذُوفِ وَحُرِّيَّتُهُ وَعَفَافُهُ وَعَقْلُهُ حِينَ رُمِيَ بِالْفَاحِشَةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهَا: كُلُّ مَا لَا يُقَامُ فِيهِ الْحَدُّ لَيْسَ عَلَى مَنْ رَمَى بِهِ رَجُلًا حَدُّ الْفِرْيَةِ. (كَأَنْ بَلَغَتْ الْوَطْءَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَذَفَ صَبِيَّةً لَمْ تَبْلُغْ الْوَطْءَ وَمِثْلُهَا يُوطَأُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. (أَوْ مَجْهُولًا) ابْنُ شَاسٍ: مَنْ قَذَفَ مَجْهُولًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. الْبَاجِيُّ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَرُوِيَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِجَمَاعَةٍ: أَحَدُكُمْ زَانٍ أَوْ ابْنُ زَانِيَةٍ فَلَا يُحَدُّ إذْ لَا يُعْرَفُ مَنْ أَرَادَ، فَإِنْ قَامَ بِهِ جَمِيعُهُمْ فَقَدْ قِيلَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ: مَنْ قَالَ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ لِجَدِّهِ حُدَّ كَانَ جَدُّهُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا. أَشْهَبُ: وَهَذَا إذَا كَانَتْ وِلَادَةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 404 جَدِّهِ فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَكُنْ مَجْهُولًا فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لَمْ يُحَدَّ إنْ كَانَ مَوْلًى. وَكَذَلِكَ إنْ نَفَاهُ مِنْ أَبِيهِ دَنِيَّةً لِأَنَّ الْمَجْهُولِينَ لَا تَثْبُتُ أَنْسَابُهُمْ وَلَا يَتَوَارَثُونَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ حُدَّ. وَإِنْ كَانَتْ وِلَادَةُ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَوُلِدَ الْمَنْفِيُّ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ مَحْمُولًا مَعَ أَبِيهِ لَمْ يُحَدَّ مَنْ نَفَاهُ. وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَأَبَوَاهُ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ يَا ابْنَ الزَّانِي حُدَّ، وَلَوْ كَانَ أَبُوهُ مُسْلِمًا وَأُمُّهُ كَافِرَةً أَوْ أَمَةً فَقَدْ وَقَفَ فِيهَا مَالِكٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى أَنْ يُحَدَّ وَقَدْ نَصُّوا أَنَّ الْمَجْهُولِينَ لَا تَثْبُتُ أَنْسَابُهُمْ وَلَا يَتَوَارَثُونَ. (وَإِنْ مُلَاعَنَةً وَابْنَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: عَلَى قَاذِفِ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ وَقَاذِفِ أُمِّهِ الْحَدُّ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ الْمُلَاعَنَةُ وَابْنُهَا كَغَيْرِهِمَا وَاضِحٌ فِي نِسْبَتِهِمَا إلَى الزِّنَا بِعَدَمِ نَفْيِ عِتْقِهِمَا بِمَا اتَّصَفَا بِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَمَنْ قَالَ لِوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ: لَا أَبَا لَكَ حُدَّ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ. (أَوْ عَرَّضَ) ابْنُ عَرَفَةَ: الصِّيغَةُ صَرِيحَةٌ وَتَعْرِيضٌ وَالتَّعْرِيضُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِقَرِينَةِ بَيِّنَةٍ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: كَقَوْلِهِ: أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ بِزَانٍ (غَيْرُ أَبٍ) ابْنُ مُحْرِزٍ: مَنْ عَرَّضَ لِوَلَدِهِ بِالْقَذْفِ لَمْ يُحَدَّ لِبُعْدِهِ عَنْ التُّهَمِ فِي وَلَدِهِ (إنْ أَفْهَمَ) ابْنُ شَاسٍ: حُكْمُ التَّعْرِيضِ حُكْمُ التَّصْرِيحِ إذَا فُهِمَ مِنْهُ الْقَذْفُ أَوْ النَّفْيُ. (يُوجِبُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) هَذَا خَبَرُ قَوْلِهِ: " قَذْفٌ ". قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَدْرُ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَى الْحُرِّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَشَطْرُهَا عَلَى ذَوِي رِقٍّ مِنْهُمَا. (وَإِنْ كُرِّرَ لِوَاحِدٍ) أَبُو عُمَرَ: مَنْ قَذَفَ إنْسَانًا وَاحِدًا مِرَارًا حُدَّ لَهُ حَدًّا وَاحِدًا، فَإِذَا حُدَّ لَهُ ثُمَّ عَادَ فَقَذَفَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَيُزْجَرُ عَنْ ذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الْمُدَوَّنَةِ يُحَدُّ. (أَوْ جَمَاعَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَذَفَ نَاسًا فِي مَجَالِسَ فَحَدُّهُ لِأَحَدِهِمْ حَدٌّ لِجَمِيعِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حِينَ حَدَّهُ (إلَّا بَعْدَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَذَفَ رَجُلًا فَلَمَّا ضُرِبَ أَسْوَاطًا قَذَفَهُ ثَانِيًا وَآخَرَ اُبْتُدِئَ الْحَدُّ عَلَيْهِ ثَمَانِينَ مِنْ حِينِ يَقْذِفُهُ وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا مَضَى مِنْ السِّيَاطِ (وَنِصْفُهَا عَلَى الْعَبْدِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ: شَطْرُهَا عَلَى ذِي رِقٍّ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى (كَلَسْتُ بِزَانٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ بِقَوْلِهِ: " غَيْرَ أَبٍ ". (أَوْ زَنَتْ عَيْنُكَ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ: زَنَى فَرْجُكَ فَهُوَ قَاذِفٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: زَنَتْ عَيْنُكَ أَوْ يَدُكَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَآهُ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 405 التَّعْرِيضِ. (أَوْ مُكْرَهَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: زَنَيْتِ وَأَنْتِ مُسْتَكْرَهَةٌ أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيَّةٍ لَاعَنَ الزَّوْجَةَ وَحُدَّ لِلْأَجْنَبِيَّةِ. (أَوْ عَفِيفُ الْفَرْجِ) الْبَاجِيُّ: مَنْ قَالَ فِي مُشَاتَمَتِهِ: إنَّكَ لَعَفِيفُ الْفَرْجِ حُدَّ. (أَوْ لِعَرَبِيٍّ مَا أَنْتَ بِحُرٍّ أَوْ يَا رُومِيُّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ: يَا مَوْلًى أَوْ يَا عَبْدُ أَوْ يَا رُومِيُّ حُدَّ. (كَأَنْ نَسَبَهُ لِعَمِّهِ بِخِلَافِ جَدِّهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ ابْنُ فُلَانٍ نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ وَلَوْ فِي مُشَاتَمَةٍ لَمْ يُحَدَّ، وَكَذَا لَوْ نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ لِأُمِّهِ، وَلَوْ نَسَبَهُ إلَى عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ حُدَّ. (وَكَأَنْ قَالَ: أَنَا نَغِلٌ أَوْ وَلَدُ زِنًى) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ رَجُلٌ عَنْ نَفْسِهِ: أَنَا نَغِلٌ حُدَّ لِأَنَّهُ قَذَفَ أُمَّهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا نَغِلُ حُدَّ لِأَنَّهُ قَذْفٌ. الْجَوْهَرِيُّ: فُلَانٌ نَغِلٌ فَاسِدُ النَّسَبِ وَنَغِلَ الْأَدِيمُ أَيْ فَسَدَ. (أَوْ كَيَا قَحْبَةُ أَوْ قَرْنَانُ) يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا قَحْبَةُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا قَرْنَانُ جُلِدَ لِزَوْجَتِهِ إنْ طَلَبَتْهُ لِأَنَّ الْقَرْنَانَ عِنْدَ النَّاسِ زَوْجُ الْفَاعِلَةِ. (أَوْ ابْنَ مُنَزِّلَةِ الرُّكْبَانِ أَوْ ذَاتِ الرَّايَةِ) الْبَاجِيُّ: مَنْ قَالَ: يَا ابْنَ مُنَزِّلَةِ الرُّكْبَانِ فَفِي الْوَاضِحَةِ يُحَدُّ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: يَا ابْنَ ذَاتِ الرَّايَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْمَرْأَةُ الْبَغِيُّ تُنَزِّلُ الرُّكْبَانَ وَتَجْعَلُ عَلَى بَابِهَا رَايَةً. (أَوْ فَعَلْتُ بِهَا فِي عُكَنِهَا) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ: فَعَلْتُ بِفُلَانَةَ فِي أَعْكَانِهَا أَوْ بَيْنَ فَخِذَيْهَا حُدَّ. الْبَاجِيُّ: وَجْهُهُ أَنَّهُ أَشَدُّ مِنْ التَّعْرِيضِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُحَدُّ. (لَا إنْ نَسَبَ جِنْسًا لِغَيْرِهِ وَلَوْ أَبْيَضَ لِأَسْوَدَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لِفَارِسِيٍّ: يَا رُومِيُّ أَوْ يَا حَبَشِيُّ أَوْ نَحْوَ هَذَا لَمْ يُحَدَّ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا وَإِنِّي أَرَى أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: يَا ابْنَ الْأَسْوَدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي آبَائِهِ أَسْوَدُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. فَأَمَّا إنْ نَسَبَهُ إلَى حَبَشِيٍّ فَيَقُولُ لَهُ: يَا ابْنَ الْحَبَشِيِّ وَهُوَ بَرْبَرِيٌّ فَالْحَبَشِيُّ وَالرُّومِيُّ فِي هَذَا سَوَاءٌ إذَا كَانَ بَرْبَرِيًّا. ابْنُ يُونُسَ: وَسَوَاءٌ قَالَ يَا حَبَشِيُّ أَوْ يَا ابْنَ الْحَبَشِيِّ وَالرُّومِيُّ أَوْ يَا ابْنَ الرُّومِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ، وَكَذَلِكَ عَنْهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ. انْتَهَى مَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ يُونُسَ فَانْظُرْهُ أَنْتَ. (إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَرَبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ: يَا حَبَشِيُّ أَوْ يَا فَارِسِيُّ أَوْ يَا رُومِيُّ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُنْسَبُ إلَى آبَائِهَا وَهَذَا نَفْيٌ لَهَا مِنْ آبَائِهَا. (أَوْ قَالَ مَوْلًى لِغَيْرِهِ: أَنَا خَيْرٌ مِنْكَ) ابْنُ شَعْبَانَ: إنْ قَالَ مَوْلًى لِغَيْرِهِ: أَنَا خَيْرٌ مِنْكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 406 حُدَّ. (أَمَّا مَا لَكَ أَصْلٌ وَلَا فَصْلٌ) الْبَاجِيُّ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: لَيْسَ لَك أَصْلٌ وَلَا فَصْلٌ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: فِيهِ الْحَدُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْقَذْفِ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ أَنْ يُنْسَبَ إلَى الضَّعَةِ وَالْخُمُولِ. (أَوْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ: أَحَدُكُمْ زَانٍ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ: أَحَدُكُمْ زَانٍ أَوْ ابْنُ زَانِيَةٍ لَمْ يُحَدَّ إذْ لَا يُعْرَفُ مَنْ أَرَادَ وَلَوْ قَامَ بِهِ جَمَاعَتُهُمْ. (وَحُدَّ فِي مَأْبُونٍ إنْ كَانَ لَا يَتَأَنَّثُ) الَّذِي نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ لِمَنْ قِيلَ لَهُ: يَا مَأْبُونُ وَهُوَ رَجُلٌ فِي كَلَامِهِ تَأْنِيثٌ يَضْرِبَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 407 الْكَبَرَ وَيَلْعَبُ فِي الْأَعْرَاسِ وَيُغَنِّي وَيُتَّهَمُ بِمَا قِيلَ فَمَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْحَدِّ إلَّا أَنْ يُحَقِّقَ ذَلِكَ. (وَفِي يَا ابْنَ النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْأَزْرَقِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي آبَائِهِ كَذَلِكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ لِرَجُلٍ: يَا ابْنَ الْأَقْطَعِ أَوْ الْأَزْرَقِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ آبَائِهِ كَذَلِكَ جُلِدَ الْحَدَّ. وَإِنْ قَالَ لَهُ: يَا ابْنَ الْيَهُودِيِّ حُدَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ آبَائِهِ كَذَلِكَ فَيُنَكَّلُ. (وَفِي مُخَنَّثٍ إنْ لَمْ يَحْلِفْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا مُخَنَّثُ حُدَّ إلَّا أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 408 يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَذْفًا فَإِنْ حَلَفَ أُدِّبَ وَلَمْ يُحَدَّ. (وَأُدِّبَ فِي يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ وَيَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ أَوْ يَا حِمَارُ يَا ابْنَ الْحِمَارِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ فَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ النَّكَالُ، وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا حِمَارَ أَوْ يَا ابْنَ الْحِمَارِ فَعَلَيْهِ النَّكَالُ، وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا سَارِقُ عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ نُكِّلَ، وَإِنْ قَذَفَهُ بِبَهِيمَةٍ أُدِّبَ أَدَبًا مُوجِعًا وَلَمْ يُحَدَّ إذْ لَا يُحَدُّ مَنْ أَتَى الْبَهِيمَةَ. وَمِنْ ابْنِ سَلْمُونَ: مَنْ قَالَ لِآخَرَ: يَا كَلْبُ أَوْ يَا ثَوْرُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَذَى وَعَلَيْهِ الْأَدَبُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَهُ: يَا خِنْزِيرُ فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ عَلَى مَا يَرَاهُ السُّلْطَانُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ مَا لَا يُعْرَفُ بِالْأَذَى وَإِنَّمَا هِيَ زَلَّةٌ أَوْ فَلْتَةٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَالَ وَإِذَا شُهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ يُؤْذِي النَّاسَ بِلِسَانِهِ حُبِسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُؤَدَّبُ عَلَى قَدْرِ جُرْمِهِ، وَإِنْ زَادَ شَرُّهُ أُمِرَ بِالْكَفِّ عَنْ الْجِيرَانِ وَإِلَّا أُكْرِيَتْ دَارُهُ عَلَيْهِ. عِيَاضٌ: كَانَ ابْنُ يَعِيشَ صَلِيبًا فِي الْحَقِّ مِنْ أَهْلِ التَّقَدُّمِ فِي الْعِلْمِ وَالْفُتْيَا، أَفْتَى فِي رَجُلٍ يُصِيبُ بِعَيْنِهِ بِإِلْزَامِهِ دَارِهِ قِيَاسًا عَلَى الْإِبِلِ الصَّائِلَةِ وَالْمَاشِيَةِ الْعَادِيَةِ أَنَّهَا تُغَرَّبُ حَتَّى لَا يَتَأَذَّى النَّاسُ بِهَا. (أَوْ أَنَا عَفِيفٌ أَوْ إنَّكِ عَفِيفَةٌ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ فِي مُشَاتَمَةٍ: إنِّي لَعَفِيفُ الْفَرْجِ وَمَا أَنَا بِزَانٍ حُدَّ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَقَيَّدَ الْحَدَّ فِي قَوْلِهِ: مَا أَنَا بِزَانٍ بِكَوْنِهِ فِي مُشَاتَمَةٍ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ شَاسٍ بِقَوْلِهِ: أَمَّا أَنَا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: مَا أَنَا بِزَانٍ حُدَّ. وَلَمْ يُقَيِّدْهَا الصَّقَلِّيُّ بِشَيْءٍ. وَفِي الْمُوَطَّأِ: تَقْيِيدُهُ بِالْمُسَابَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ فِي مُشَاتَمَةٍ: إنِّي لَعَفِيفٌ حُدَّ، وَلَوْ قَالَهُ لِرَجُلٍ حُدَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ أَرَادَ عَفِيفًا فِي الْمَكْسَبِ وَالْمَطْعَمِ فَيَحْلِفُ وَلَا يُحَدُّ وَيُنَكَّلُ. وَمَنْ قَالَ فِي مُشَاتَمَتِهِ: إنَّكَ لَعَفِيفُ الْفَرْجِ حُدَّ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا ابْنَ الْعَفِيفَةِ حَلَفَ مَا أَرَادَ قَذْفًا وَعُوقِبَ. أَصْبَغُ: إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ حُدَّ. (أَوْ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 409 فَاجِرُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا فَاجِرُ فَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ النَّكَالُ. (وَإِنْ قَالَتْ بِكَ جَوَابًا لِزَنَيْت حُدَّتْ لِلزِّنَا وَالْقَذْفِ) اللَّخْمِيِّ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ: بِكَ زَنَيْتُ فَقَالَ مَالِكٌ: تُحَدُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 410 لِلرَّجُلِ لِلْقَذْفِ وَلِلزِّنَا وَلَا يُحَدُّ لَهَا لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ. (وَلَهُ حَدُّ أَبِيهِ وَفُسِّقَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَذَفَ وَلَدَهُ أَوْ وَلَدَ ابْنَتِهِ فَقَدْ اسْتَثْقَلَ مَالِكٌ أَنْ يُحَدَّ لِوَلَدِهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ قَامَ بِحَقِّهِ حُدَّ لَهُ. زَادَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَلَا تُقْبَلُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 411 شَهَادَةُ الْوَلَدِ. . (وَالْقِيَامُ بِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْقَذْفَ حَقٌّ لِلْمَقْذُوفِ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِلَّهِ، ثَالِثُ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَقْذُوفِ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْإِمَامَ، فَإِذَا بَلَغَهُ صَارَ حَقًّا لِلَّهِ وَلَمْ يَجُزْ لِصَاحِبِهِ الْعَفْوُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ سَتْرًا وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ. (وَإِنْ عَلِمَهُ مِنْ نَفْسِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عَلِمَ الْمَقْذُوفُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ زَنَى بِحَلَالٍ لَهُ أَنْ يَحُدَّ مَنْ قَالَ لَهُ: إنَّكَ قَدْ زَنَيْتَ. (كَوَارِثِهِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ وَقَدْ عَفَا فَلَا قِيَامَ لِوَارِثِهِ، وَإِنْ أَوْصَى بِالْقِيَامِ بِهِ لِوَارِثِهِ لَمْ يَكُنْ لِوَارِثِهِ عَفْوٌ، فَإِنْ لَمْ يَعْفُ فَالْحَقُّ لِوَرَثَةِ الْعَاصِبِ. (وَإِنْ قُذِفَ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ وَلَدٍ وَوَلَدِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَذَفَ مَيِّتًا فَلِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَأَبِيهِ وَإِنْ عَلَا الْقِيَامُ بِذَلِكَ، وَمَنْ قَامَ مِنْهُمْ أَخَذَهُ بِحَدِّهِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَيْبٌ. وَلَيْسَ لِلْإِخْوَةِ وَسَائِرِ الْعَصَبَةِ مَعَ هَؤُلَاءِ قِيَامٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ هَؤُلَاءِ وَاحِدٌ فَلِلْعَصَبَةِ الْقِيَامُ (وَلِكُلٍّ الْقِيَامُ بِهِ وَإِنْ حَصَّلَ هَذَا الْأَقْرَبُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لِوَلَدِهِ الْقِيَامُ وَإِنْ سَفَلَ وَلِأَبِيهِ وَإِنْ عَلَا وَمَنْ قَامَ مِنْهُمْ أَخَذَهُ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ. (وَالْعَفْوُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ إنْ أَرَادَ سَتْرًا) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: إنَّ الْقَذْفَ إذَا بَلَغَ الْإِمَامَ لَمْ يَجُزْ عَفْوٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ سَتْرًا. (وَإِنْ قَذَفَ فِي الْحَدِّ اُبْتُدِئَ لَهُمَا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " إلَّا بَعْدَهُ " (إلَّا أَنْ يَبْقَى يَسِيرًا فَيُكْمِلَ الْأَوَّلُ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ جُلِدَ لِلْأَوَّلِ شَيْئًا ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ اُسْتُؤْنِفَ الْحَدُّ، وَإِنْ بَقِيَ مِثْلُ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلْيُتِمَّ الْحَدَّ ثُمَّ يُؤْتَنَفُ الْحَدُّ الثَّانِي. ابْنُ شَاسٍ. [بَاب فِي السَّرِقَةُ] [مُوجِب حَدّ السَّرِقَة وَعُقُوبَتهَا وَحُكْمهَا] : الْجِنَايَةُ الْخَامِسَةُ السَّرِقَةُ وَالنَّظَرُ فِي ثَلَاثَةِ أَطْرَافٍ: الْأَوَّلُ فِي الْمُوجِبِ وَهُوَ السَّرِقَةُ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: الْمَسْرُوقُ وَنَفْسُ السَّرِقَةِ وَهِيَ الْإِخْرَاجُ الرُّكْنُ الثَّالِثُ السَّارِقُ. الطَّرَفُ الثَّانِي فِي الْعُقُوبَةِ وَالْغُرْمُ. الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 412 بَابٌ (تُقْطَعُ الْيُمْنَى وَتُحْسَمُ بِالنَّارِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: تُقْطَعُ الْيُمْنَى مِنْ الْكُوعِ وَتُحْسَمُ بِالنَّارِ. قَالَ مَالِكٌ: تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ ثُمَّ يُحْسَمُ مَوْضِعُ الْقَطْعِ بِالنَّارِ، وَكَذَا فِي الرِّجْلِ، وَفِي الْيَدِ مِنْ مِفْصَلِ الْكُوعِ، وَفِي الرِّجْلِ مِنْ مِفْصَلِ الْكَعْبَيْنِ. ابْنُ اللُّبِّيِّ: كَانَ الشَّيْخُ يَقُولُ: عَلَى مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ بِحَقٍّ مُدَاوَاتُهَا بِخِلَافِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 413 مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ ظُلْمًا هُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ تَرْكِ التَّدَاوِي (إلَّا لِشَلَلٍ أَوْ نَقْصِ أَكْثَرِ الْأَصَابِعِ فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى وَمَحَا لِيَدِهِ الْيُسْرَى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ سَرَقَ وَلَا يَمِينَ لَهُ وَلَهُ يَمِينٌ شَلَّاءُ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى. قَالَهُ مَالِكٌ. ثُمَّ عَرَضْتهَا عَلَيْهِ فَمَحَاهَا وَقَالَ: تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى. وَقَوْلُهُ فِي الرِّجْلِ الْيُسْرَى أَحَبُّ إلَيَّ وَبِهِ أَقُولُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ سَرَقَ وَقَدْ ذَهَبَ مِنْ يُمْنَاهُ أُصْبُعٌ قُطِعَتْ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا أُصْبُعٌ أَوْ أُصْبُعَانِ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى. (ثُمَّ يَدُهُ ثُمَّ رِجْلُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ سَرَقَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ إنْ سَرَقَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى. ثُمَّ يَدُهُ الْيُسْرَى ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُمْنَى. (ثُمَّ عُزِّرَ وَحُبِسَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ سَرَقَ وَلَا يَدَيْنِ لَهُ وَلَا رِجْلَيْنِ لَمْ يُقْطَعْ مِنْهُ شَيْءٌ لَكِنْ يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ إنْ كَانَ مُعْدَمًا. (وَإِنْ تَعَمَّدَ إمَامٌ أَوْ غَيْرُهُ يُسْرَاهُ أَوَّلًا فَالْقَوَدُ وَالْحَدُّ بَاقٍ وَإِنْ خَطَأً أَجْزَأَ فَرِجْلُهُ الْيُمْنَى) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ قَطَعَ الْجَلَّادُ أَوْ الْإِمَامُ الْيُسْرَى عَمْدًا فَلَهُ الْقِصَاصُ وَالْحَدُّ بَاقٍ، وَخَطَأً فَيُجْزِئُ فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. [أَرْكَان السَّرِقَة] (بِسَرِقَةِ طِفْلٍ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الْأَوَّلُ الْمَسْرُوقُ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مَالٌ وَغَيْرُ مَالٍ. فَأَمَّا غَيْرُ الْمَالِ فَهُوَ الْحُرُّ الصَّغِيرُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ نِصَابًا مَمْلُوكًا لِغَيْرِ السَّارِقِ مُلْكًا مُحْتَرَمًا تَامًّا مُحْتَرَزًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ. فَهَذِهِ سِتَّةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ النِّصَابُ رُبْعُ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ سَرَقَ صَبِيًّا حُرًّا أَوْ عَبْدًا مِنْ حِرْزِهِ قُطِعَ، وَإِنْ سَرَقَ عَبْدًا كَبِيرًا فَصِيحًا لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ كَانَ أَعْجَمِيًّا قُطِعَ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ: حِرْزُ الصَّبِيِّ أَنْ يَكُونَ فِي دَارِ أَهْلِهِ. مُحَمَّدٌ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهُ مَنْ يَخْدُمُهُ وَيَحْفَظُهُ. (أَوْ بِرُبْعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ) ابْنُ رُشْد: فِي حَدِّ النِّصَابِ عَشَرَةُ أَقْوَالِ أَصَحُّهَا قَوْلُ مَالِكٍ: إنَّهُ لَا تُقْطَعُ يَدُ مَنْ سَرَقَ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ مِنْ الذَّهَبِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَلَا مَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 414 سَرَقَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ كَيْلًا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ (خَالِصَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: وَسَوَاءٌ كَانَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ طَيِّبَيْنِ أَوْ دَنِيَّيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَا مَغْشُوشَيْنِ بِالنُّحَاسِ فَلَا يُقْطَعُ فِي النِّصَابِ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ النُّحَاسُ الَّذِي فِيهِمَا تَافِهًا يَسِيرًا لَا قَدْرَ لَهُ (أَوْ مُسَاوِيهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا تُقَوَّمُ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا بِالدَّرَاهِمِ فَمَنْ سَرَقَ عَرْضًا قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ قَطَعَهُ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ مِنْ الذَّهَبِ رُبْعَ دِينَارٍ، وَلَوْ سَاوَى رُبْعَ دِينَارٍ وَلَمْ يُسَاوِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ لَمْ يُقْطَعْ وَصَرْفُ الدِّينَارِ فِي حَدِّ الْقَطْعِ وَالدِّيَةِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا ارْتَفَعَ الصَّرْفُ أَوْ انْخَفَضَ (بِالْبَلَدِ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا تُقَوَّمُ السَّرِقَةُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ، كَانَ الْبَلَدُ يَجْرِي فِيهِ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ أَوْ لَا يَجْرِي فِيهِ أَحَدُهُمَا وَإِنَّمَا يَتَعَامَلُ النَّاسُ فِيهِ بِالْعُرُوضِ. وَمَا حَكَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ أَنَّ مَنْ سَرَقَ عَرْضًا فِي بَلَدٍ لَا يَتَعَامَلُ النَّاسُ فِيهِ إلَّا بِالْعُرُوضِ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ فِي أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ إلَيْهِ الَّتِي يُتَعَامَلُ فِيهَا بِالدَّرَاهِمِ فَخَطَأٌ صُرَاحٌ لَا يَصِحُّ (شَرْعًا) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُعْتَبَرُ فِي الْمُقَوَّمِ مَنْفَعَتُهُ الْمُبَاحَةُ. فِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ سَرَقَ حَمَامًا عُرِفَ بِالسَّبَقِ أَوْ طَائِرًا عُرِفَ بِالْإِجَابَةِ إذَا دُعِيَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُرَاعَى إلَّا قِيمَتُهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ اللَّعِبِ وَالْبَاطِلِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْأَظْهَرُ فِي الطُّيُورِ الْمُتَّخَذَةِ لِسَمَاعِ أَصْوَاتِهَا لَغْوٌ حُسْنُ أَصْوَاتٍ فِي تَقْوِيمِهَا انْتَهَى. اُنْظُرْ هَلْ هَذَا فَرْعُ جَوَازِ سَجْنِهَا لِذَلِكَ، وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَوَقَّفُ فِي ذَلِكَ. وَمِنْ نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ فِي خِصَاءِ الْغَنَمِ لِلسِّمَنِ وَالْبَقَرِ لِلْحَرْثِ جَائِزٌ كَمَا لَمْ يُمْنَعْ الْأَطْفَالُ مِنْ اللَّعِبِ بِالْحَيَوَانِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» ، «وَكُرِهَ خِصَاءُ الْخَيْلِ وَحَرُمَ خِصَاءُ الْآدَمِيِّ» . (وَإِنْ كَمَاءٍ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يُقْطَعُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الْمَاءِ إذَا أُخِذَ لِوُضُوءٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ. (أَوْ جَارِحٍ لِتَعْلِيمِهِ أَوْ جِلْدِهِ بَعْدَ ذَبْحِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ بَازًا أَوْ غَيْرَهُ قُطِعَ، وَكَذَلِكَ غَيْرَ سِبَاعِهِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُؤْكَلُ وَأَمَّا سِبَاعُ الْوَحْشِ الَّتِي لَا تُؤْكَلُ لُحُومُهَا فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ جُلُودِهَا إذَا ذُكِّيَتْ دُونَ أَنْ تُدْبَغَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ قُطِعَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا سَرَقَ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ الْمُعَلَّمَةِ فَلْيُنْظَرْ إلَى قِيمَتِهَا عَلَى مَا فِيهَا مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنَّهُ يُقَوَّمُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِغَيْرِ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ كَانَ بَازًا مُعَلَّمًا أَوْ غَيْرَهُ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي أَدَاءِ الْمُحْرِمِ إيَّاهُ إذَا قَتَلَهُ. قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَمَنْ سَرَقَ كَلْبًا صَائِدًا أَوْ غَيْرَ صَائِدٍ لَمْ يُقْطَعْ. لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ ثَمَنَهُ. انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْ الْحَمَامِ لَيَأْتِي بِالْأَخْبَارِ لَا اللَّعِبِ قُوِّمَ عَلَى مَا عُلِمَ فِيهِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَبْلُغُهُ وَيُبَلِّغُ الْمُكَاتَبَةَ إلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا دَلِيلُ تَعْلِيلِ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ بَازًا أَوْ طَيْرًا مُعَلَّمًا يُقَوَّمُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ التَّعْلِيمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَاطِلِ. (أَوْ جِلْدِ مَيْتَةٍ إنْ زَادَ دَبْغُهُ نِصَابًا) الْبَاجِيُّ: لَا قَطْعَ فِي جِلْدِ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ وَأَمَّا الْمَدْبُوغُ فَقِيلَ: إنْ كَانَ قِيمَةُ مَا فِيهِ مِنْ الصَّنْعَةِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا هُوَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ. (إنْ ظَنَّهَا فُلُوسًا أَوْ الثَّوْبَ فَارِغًا) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ سَرَقَ دَنَانِيرَ ظَنَّهَا فُلُوسًا أَوْ ثَوْبًا دُونَ النِّصَابِ فِيهِ دَرَاهِمُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 415 قُطِعَ بِخِلَافِ خَشَبَةٍ أَوْ حَجَرٍ فِيهِ ذَلِكَ. وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الثَّوْبُ وَشَبَهُهُ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ يُدْفَعُ فِي مِثْلِهِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَلَوْ سَرَقَ شَيْئًا لَا يُدْفَعُ ذَلِكَ فِيهِ كَالْحَجَرِ وَالْخَشَبَةِ لَمْ يُقْطَعْ إلَّا فِي قِيمَةِ ذَلِكَ دُونَ مَا دُفِعَ فِيهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. (أَوْ شَرِكَةِ صَبِيٍّ لَا أَبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ سَرَقَ رَجُلٌ مَعَ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ مَا قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ قُطِعَ، وَإِنْ سَرَقَ مَعَ أَبِي الْوَلَدِ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ مَا قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. (وَلَا طَيْرٍ لِإِجَابَتِهِ) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " شَرْعًا " (وَلَا إنْ تَكَمَّلَ بِمِرَارٍ فِي لَيْلَةٍ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ سُمِعَ أَشْهَبُ فِي السَّارِقِ يَجِدُ الْقَمْحُ فِي الْبَيْتِ فَيَنْقُلُ مِنْهُ قَلِيلًا لَا يُقْطَعُ فِيهِ وَيَجْتَمِعُ مِنْهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ يُقْطَعُ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ لَمَّا رَأَى جَمِيعَهُ قَصَدَ أَخْذَ جَمِيعِهِ بِقَصْدٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ بِخِلَافٍ لِسَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ بْنَ الْقَاسِمِ إنْ دَخَلَ السَّارِقُ الْبَيْتَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ عِشْرِينَ مَرَّةً يُخْرِجُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ وَفِي جَمِيعِهِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ لَا يُقْطَعُ. ابْنُ عَرَفَةَ فَالْخِلَافُ فِي هَذَا خِلَافٌ فِي حَالِ. (أَوْ اشْتَرَكَا فِي حَمْلٍ إنْ اسْتَقَلَّ كُلٌّ وَلَمْ يَنُبْهُ نِصَابٌ) اللَّخْمِيِّ: إنْ خَرَجَ جَمِيعُهُمْ لِسَرِقَةٍ حَمَلُوهَا لَا يُسْتَطَاعُ إخْرَاجُهَا إلَّا بِجَمَاعَتِهِمْ قُطِعُوا بِبُلُوغِهَا رُبْعَ دِينَارٍ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَتْ خَفِيفَةً خَرَجَ بِهَا جَمِيعُهُمْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ بِهَا أَحَدُهُمْ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُقْطَعُونَ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَقَطْ. اُنْظُرْ رَابِعَهُ تَرْجَمَةً مِنْ كِتَابِ السَّرِقَةِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. (لَا إنْ قَالَ سَرَقْت مِلْكَ غَيْرٍ وَلَوْ كَذَّبَهُ رَبُّهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا وَكَذَّبَهُ فُلَانٌ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِإِقْرَارِهِ وَيَبْقَى الْمَتَاعُ لَهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ رَبُّهُ فَيَأْخُذَهُ. (أَوْ أَخَذَ لَيْلًا وَادَّعَى الْإِرْسَالَ وَصُدِّقَ إنْ أَشْبَهَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ سَرَقَ مَتَاعًا لِرَجُلٍ وَقَالَ: إنَّ رَبَّ الْمَتَاعِ أَرْسَلَنِي فَلْيُقْطَعْ، وَإِنْ صَدَّقَهُ رَبُّهُ أَنَّهُ بَعَثَهُ كَانَ مَعَهُ فِي بَلَدٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَإِنْ أَخَذَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَمَعَهُ مَتَاعٌ فَقَالَ: فُلَانٌ أَرْسَلَنِي إلَى مَنْزِلِهِ فَأَخَذْت لَهُ مِنْهُ هَذَا الْمَتَاعَ، فَإِنْ عُرِفَ مِنْهُ انْقِطَاعٌ إلَيْهِ وَأَشْبَهَ مَا قَالَ: لَمْ يُقْطَعْ وَإِلَّا قُطِعَ وَلَمْ يُصَدَّقْ. (لَا مِلْكِهِ مِنْ مُرْتَهِنٍ وَمُسْتَأْجِرٍ كَمِلْكِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ) ابْنُ شَاسٍ: الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 416 لِغَيْرِ السَّارِقِ. فَلَوْ سَرَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا قَطْعَ، وَلَوْ طَرَأَ الْمِلْكُ بِإِرْثٍ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحِرْزِ فَلَا قَطْعَ وَبَعْدَهُ لَا يُؤَثِّرُ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا نَصُّ الْغَزَالِيِّ وَمُقْتَضَى مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ تَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ. (مُحْتَرَمٍ لَا خَمْرٍ وَطُنْبُورٍ إلَّا أَنْ يُسَاوِيَ بَعْدَ كَسْرِهِ نِصَابًا) ابْنُ شَاسٍ: الشَّرْطُ الثَّالِثُ يَعْنِي مِنْ شُرُوطِ الْمَسْرُوقِ أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَمًا، فَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَلَا عَلَى سَارِقِ الطُّنْبُورِ مِنْ الْمَلَاهِي وَالْمَزَامِيرِ وَالْعُودِ وَشَبَهِهِ مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي قِيمَةِ مَا يَبْقَى مِنْهَا بَعْدَ إفْسَادِ صُورَتِهَا وَإِذْهَابِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ بِهَا رُبْعُ دِينَارٍ فَأَكْثَرُ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ لَا قَطْعَ فِي خَمْرٍ وَلَوْ سَرِقَةً لِذِمِّيٍّ، إلَّا أَنَّهُ يُغْرَمُ لَهُ مَعَ وَجِيعِ الْأَدَبِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدُّفِّ وَالْكَبَرِ (وَلَا كَلْبٍ مُطْلَقًا) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ جَارِحٍ ". (أَوْ جَارِحٍ أَوْ أُضْحِيَّةٍ بَعْدَ ذَبْحِهَا) أَصْبَغُ: إنْ سَرَقَ أُضْحِيَّةً قَبْلَ ذَبْحِهَا قُطِعَ، وَإِنْ سَرَقَهَا بَعْدَ الذَّبْحِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهَا لَا تُبَاعُ فِي فَلَسٍ وَلَا تَوَارُثٍ إنَّمَا تُورَثُ لِتُؤْكَلَ (بِخِلَافِ لَحْمِهَا مِنْ فَقِيرٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: فِي الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَ الذَّبْحِ قَوْلَانِ بِخِلَافِ لَحْمِهَا مِمَّنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ قَدْ مَلَكَهَا. وَانْظُرْ هَذَا فَهُوَ فَرْعُ جَوَازِ بَيْعِ الْمِسْكِينِ لَهُ وَهُوَ مُخْتَارُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ لِأَكْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّةَ بَرِيرَةَ خِلَافًا لِقَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي لَمْ يُنْقَلْ. ابْنُ يُونُسَ: خِلَافُهُ. اُنْظُرْ الْمُنْتَقَى فِي نَقْلِهِ عَنْ أَشْهَبَ وَتَوْجِيهَهُ. (تَامِّ الْمِلْكِ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ وَإِنْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْغَنِيمَةِ) ابْنُ شَاسٍ: الشَّرْطُ الرَّابِعُ يَعْنِي مِنْ شُرُوطِ الْمَسْرُوقِ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ تَامًّا قَوِيًّا، فَلَوْ كَانَ لِلسَّارِقِ فِيهِ شَرِكَةٌ وَلَمْ يُحْجَبْ عَنْهُ بَلْ يَدُهُ جَائِلَةٌ مَعَ شَرِيكِهِ فَلَا قَطْعَ، وَأَمَّا مَا حُجِبَ عَنْهُ فَسَرَقَ مِنْهُ مَا زَادَ عَلَى نَصِيبِهِ مِنْ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ. أَمَّا مَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمَغَانِمِ بَعْدَ حِيَازَتِهَا فَيُقْطَعُ سَارِقُهَا وَإِنْ لَمْ يَزِدْ مَا أَخَذَ عَنْ النِّصَابِ إذْ لَا بَالَ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. اُنْظُرْ لَوْ كَانَتْ سَرِيَّةً مِنْ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (أَوْ مَالِ شَرِكَةٍ إنْ حُجِبَ عَنْهُ وَسَرَقَ فَوْقَ حَقِّهِ نِصَابًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ سَرَقَ الشَّرِيكُ مِنْ مَتَاعِ الشَّرِكَةِ مَا قَدْ أَغْلَقَا عَلَيْهِ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ أَوْدَعَاهُ رَجُلًا قُطِعَ إنْ كَانَ فِيمَا سَرَقَ مِنْ حَظِّ شَرِيكِهِ مَا قِيمَتُهُ رُبْعُ دِينَارٍ فَضْلًا عَنْ حِصَّتِهِ. (إلَّا لِجَدٍّ وَلَوْ لِأُمٍّ) اللَّخْمِيِّ: لَا قَطْعَ عَلَى أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ فِي سَرِقَتِهِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَلِكَ الْأَجْدَادُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَالْأَبِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُقْطَعُوا لِأَنَّهُمْ آبَاءٌ، وَإِنْ سَرَقَ الِابْنُ مِنْ مَالِ أَبِيهِ قُطِعَ. (وَلَا مِنْ جَاحِدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ سَرَقَ مَتَاعًا كَانَ قَدْ أَوْدَعَهُ رَجُلًا فَجَحَدَهُ إيَّاهُ، فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْدَعَهُ هَذَا الْمَتَاعَ نَفْسَهُ لَمْ يُقْطَعْ. (أَوْ مُمَاطِلٍ لِحَقِّهِ) ابْنُ شَاسٍ: لَا قَطْعَ عَلَى مُسْتَحَقِّ الدَّيْنِ إذَا سَرَقَ مِنْ غَرِيمِهِ الْمُمَاطِلِ جِنْسَ حَقِّهِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِي كَافِيهِ مَا نَصُّهُ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ الْقَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ مِثْلَ دَيْنِهِ، وَخَالَفَهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ بِتَجْوِيزِهِمْ لِذِي الْحَقِّ أَخْذَ مَالِهِ مِنْ غَرِيمِهِ كَيْفَ مَا أَمْكَنَهُ، وَقَدْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 417 رَوَى ذَلِكَ زِيَادٌ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. (مُخْرَجٍ مِنْ حِرْزٍ بِأَنْ لَا يُعَدُّ الْوَاضِعُ فِيهِ مُضَيَّعًا) ابْنُ شَاسٍ: الشَّرْطُ السَّادِسُ يَعْنِي مِنْ شُرُوطِ الْمَسْرُوقِ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّزًا. مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَان هُوَ حِرْزٌ لِمِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ عَادَاتِ النَّاسِ فِي إحْرَازِ أَمْوَالِهِمْ. وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ كُلُّ مَا لَا يُعَدُّ صَاحِبُ الْمَالِ فِي الْعَادَةِ مُضَيِّعًا لِمَالِهِ بِوَضْعِهِ فِيهِ (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ هُوَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ أَخَذَ فِي الْحِرْزِ بَعْدَ أَنْ أَلْقَى الْمَتَاعَ خَارِجًا مِنْهُ فَقَدْ شَكَّ فِيهِ مَالِكٌ بَعْدَ أَنْ قَالَ لِي يُقْطَعُ وَأَنَا أَرَى أَنْ يُقْطَعَ. (أَوْ ابْتَلَعَ دُرَّةً) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ ابْتَلَعَ دُرَّةً وَخَرَجَ قُطِعَ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا مُقْتَضَى الْمُدَوَّنَةِ وَلَا أَعْرِفُهُ نَصًّا إلَّا لِلْغَزَالِيِّ. (أَوْ ادَّهَنَ بِمَا يُحَصَّلُ مِنْهُ نِصَابٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا دَخَلَ السَّارِقُ الْحِرْزَ فَأَكَلَ الطَّعَامَ فِيهِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ: يُقْطَعْ وَضَمِنَهُ، وَإِنْ دَهَنَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ فِي الْحِرْزِ بِدُهْنٍ ثُمَّ خَرَجَ فَإِنْ كَانَ مَا فِي رَأْسِهِ مِنْ الدُّهْنِ لَوْ سُلِتَ بَلَغَ رُبْعَ دِينَارٍ قُطِعَ وَإِلَّا لَمْ يُقْطَعْ. (أَوْ أَشَارَ إلَى شَاةٍ بِالْعَلَفِ فَخَرَجَتْ) سُمِعَ أَشْهَبُ: مَنْ أَشَارَ إلَى شَاةٍ فِي حِرْزٍ لَمْ يَدْخُلْهُ بِالْعَلَفِ فَخَرَجَتْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ: يُقْطَعُ. ابْنُ رُشْدٍ: الْقَطْعُ هُوَ الْأَظْهَرُ (أَوْ اللَّحْدِ) قَالَ بَعْدَ هَذَا: أَوْ قَبْرٍ فَانْظُرْ أَنْتَ هَذَا. (أَوْ الْخِبَاءِ أَوْ بِمَا فِيهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا وَضَعَ الْمُسَافِرُ مَتَاعَهُ فِي خِبَائِهِ أَوْ خَارِجًا مِنْهُ وَذَهَبَ لِحَاجَةٍ فَسَرَقَهُ رَجُلٌ أَوْ سَرَقَ لِمُسَافِرٍ فُسْطَاطًا مَضْرُوبًا بِالْأَرْضِ قُطِعَ. (أَوْ فِي حَانُوتٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْ الْحَوَانِيتِ وَالْمَنَازِلِ وَالْبُيُوتِ (أَوْ فِنَائِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مَا وُضِعَ فِي أَفْنِيَةِ الْحَوَانِيتِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقْطَعُ مَنْ أَخَذَ مِنْ خَارِجِ الْخِبَاءِ. (أَوْ مَحْمَلٍ أَوْ ظَهْرِ دَابَّةٍ وَإِنْ غِيبَ عَنْهُنَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَالدُّورُ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا غَابَ أَهْلُهَا أَوْ حَضَرُوا، وَيُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مَا وُضِعَ فِي أَفْنِيَةِ الْحَوَانِيتِ. اللَّخْمِيِّ: يُرِيدُ إذَا كَانَ مَعَهُ صَاحِبُهُ، وَاخْتُلِفَ إنْ غَابَ عَنْهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ سَرَقَ مِنْ مَحْمَلٍ شَيْئًا أَوْ أَخَذَ مِنْ أَعْلَى الْبَعِيرِ غَرَائِرَ أَوْ شَقَّهَا فَأَخَذَ مِنْهَا مَتَاعًا أَوْ أَخَذَ ثَوْبًا مِنْ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ مُسْتَتِرًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 418 قُطِعَ. وَسُمِعَ أَشْهَبُ: مَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَحْمَلِ وَلَيْسَ صَاحِبُهُ فِيهِ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ. (أَوْ بِجَرِينٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ جَمَعَ الْجَرِينَ الْحَبَّ وَالتَّمْرَ وَغَابَ رَبُّهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَابٌ وَلَا حَائِطٌ وَلَا غَلَقَ قُطِعَ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ. (أَوْ سَاحَةِ دَارٍ لِأَجْنَبِيٍّ إنْ حُجِرَ عَلَيْهِ) ابْنُ يُونُسَ: الدَّارُ الْمُشْتَرَكَةُ الْمَأْذُونُ فِيهَا لِسَاكِنِهَا مَنْ سَرَقَ مِنْ السُّكَّانِ مِنْ بَيْتِ مَحْجُورٍ عَنْهُ فَإِنَّهُ إذَا أَخْرَجَ الْمَتَاعَ مِنْ الْبَيْتِ إلَى السَّاحَةِ قُطِعَ لِأَنَّهُ صَيَّرَهُ إلَى غَيْرِ حِرْزٍ لَهُ، وَإِنْ سَرَقَ مِنْ السَّاحَةِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ خَرَجَ بِهِ مِنْ جَمِيعِ الدَّارِ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ السَّارِقُ غَيْرَ السَّاكِنِ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْ جَمِيعِ الدَّارِ، سَوَاءٌ سَرَقَ الْمَتَاعَ مِنْ الْبَيْتِ أَوْ مِنْ السَّاحَةِ، وَقَالَهُ سَحْنُونَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا إنَّهُ يُقْطَعُ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْبَيْتِ إلَى السَّاحَةِ، وَإِنْ سَرَقَ مِنْ السَّاحَةِ لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْجَمِيعِ. (كَالسَّفِينَةِ) ابْنُ رُشْدٍ: حُكْمُ السَّرِقَةِ مِنْ السَّفِينَةِ بَيْنَ أَهْلِهَا كَحُكْمِ السَّرِقَةِ مِنْ صَحْنِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ. (أَوْ خَانِ الْأَثْقَالِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الدَّارُ الْمُشْتَرَكَةُ الْمَأْذُونُ فِيهَا إذَا سَرَقَ الرَّجُلُ مِنْهَا دَوَابَّ مِنْ مَرَابِطِهَا قُطِعَ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ أَخَذَ فِي الدَّارِ إذَا جَاوَزَ مِنْهَا مَرَابِطَهَا وَكَذَلِكَ الْأَعْكَامُ مِنْ الثِّيَابِ وَالْأَعْدَالُ أَوْ الشَّيْءُ الثَّقِيلُ قَدْ جُعِلَ ذَلِكَ مَوْضِعُهُ فَهُوَ كَالدَّابَّةِ عَلَى مُدُودِهَا فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ أَنَّهُ يُقْطَعُ إذَا بَرَزَ بِهِ مِنْ مَوْضِعِهِ. قَالَ: وَأَمَّا الْمَتَاعُ يَكُونُ فِي قَاعَتِهَا مِمَّا جُعِلَ لِيُدْفَعَ لَا عَلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَوْضِعَهُ، فَهَذَا إنَّمَا يُقْطَعُ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ جَمِيعِ الدَّارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يُؤْذَنُ فِيهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ كَالْقَيَاصِيرِ فَلَا يُقْطَعُ فِي هَذَا الْمَتَاعِ. (أَوْ زَوْجٍ بِمَا حُجِرَ عَلَيْهِ) وَلِلَّخْمِيِّ: إنْ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ مَالِ الْآخَرِ مِنْ مَوْضِعٍ مَحْجُورٍ بَائِنٍ عَنْ مَسْكَنِهِمَا قُطِعَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَسَرَقَ مِنْ تَابُوتٍ مُغْلَقٍ أَوْ بَيْتٍ مَحْجُورٍ مَعَهُمَا فِي الدَّارِ أَوْ الدَّارُ غَيْرُ مُشْتَرَكَةٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُقْطَعُ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يُقْطَعُ. وَعَدَمُ الْقَطْعِ أَحْسَنُ إنْ كَانَ الْقَصْدُ بِالْغَلْقِ وَالتَّحَفُّظِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ يَطْرُقُهَا، وَإِنْ كَانَ لِتَحَفُّظِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ قُطِعَ. (أَوْ مَوْقِفِ دَابَّةٍ لِبَيْعٍ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: فِي الشَّاةِ تُوقَفُ فِي السُّوقِ لِلْبَيْعِ مَنْ سَرَقَهَا قُطِعَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَرْبُوطَةً. (أَوْ غَيْرِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ كَانَ لِلدَّوَابِّ مَرَابِطُ مَعْرُوفَةٌ فِي السِّكَّةِ فَمَنْ سَرَقَهَا مِنْ مَرَابِطِهَا قُطِعَ لِأَنَّ ذَلِكَ حِرْزُهَا. (أَوْ قَبْرٍ) ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: الْقَبْرُ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ كَالْبَيْتِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ سَرَقَ كَفَنًا مِنْ الْقَبْرِ قُطِعَ (أَوْ بَحْرٍ لِمَنْ رُمِيَ بِهِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ مَاتَ فِي الْبَحْرِ فَكُفِّنَ وَطُرِحَ فِي الْبَحْرِ قُطِعَ مَنْ أَخَذَ كَفَنَهُ سَوَاءٌ شُدَّ فِي خَشَبَةٍ أَمْ لَا. ابْنُ عَرَفَةَ: لِأَنَّهُ قَبْرُهُ (لِكَفَنٍ) قَالَ بَهْرَامَ: هَذَا رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ. (أَوْ سَفِينَةٍ بِمِرْسَاةٍ) ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: إنْ كَانَتْ السَّفِينَةُ فِي الْمَرْسَى عَلَى أَوْتَادِهَا أَوْ بَيْنَ السُّفُنِ أَوْ بِمَوْضِعٍ لَهَا حِرْزٌ فَعَلَى سَارِقِهَا الْقَطْعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَدٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُخَلَّاةً أَوْ فَلَتَتْ وَلَا أَحَدَ مَعَهَا فَلَا قَطْعَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا أَحَدٌ. وَإِذَا كَانَ فِيهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 419 مُسَافِرُونَ فَأَرْسَوْهَا فِي مَرْسًى وَرَبَطُوهَا وَنَزَلُوا كُلُّهُمْ وَتَرَكُوهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَهَا. (أَوْ أَكَلَ شَيْئًا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: كُلُّ شَيْءٍ لَهُ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ فَمَكَانُهُ حِرْزٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ مَعَ صَاحِبِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهُوَ مُحْرَزٌ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ سُرِقَ رِدَاؤُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ نَائِمٌ قَرِيبٌ مِنْهُ قُطِعَ سَارِقُهُ إنْ كَانَ مُنْتَبِهًا، وَكَالنَّعْلَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَحَيْثُ يَكُونَانِ مِنْ الْمُنْتَبِهِ. (أَوْ مَطْمَرٍ قَرُبَ) سُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ سَرَقَ مِنْ مَطَامِيرَ فِي الْفَلَاةِ أَسْلَمَهَا رَبُّهَا وَأَخْفَاهَا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ بِحَضْرَةِ أَهْلِهِ مَعْرُوفًا مُبَيَّنًا قُطِعَ سَارِقُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُحْرِزْ طَعَامَهُ بِحَالٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ. (أَوْ قِطَارٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ احْتَمَلَ بَعِيرًا مِنْ الْقِطَارِ فِي سَيْرِهِ وَبَانَ بِهِ قُطِعَ. ابْنُ يُونُسَ: وَرَوَى مُحَمَّدٌ: إنْ سِيقَتْ الْإِبِلُ غَيْرُ مَقْطُورَةٍ فَمَنْ سَرَقَ مِنْهَا قُطِعَ وَالْمَقْطُورَةُ أَبْيَنُ. (وَنَحْوِهِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الدَّارُ الْمُشْتَرَكَةُ الْمَأْذُونُ فِيهَا إذَا سَرَقَ رَجُلٌ مِنْهَا دَوَابَّ مِنْ مَرَابِطِهَا قُطِعَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهَا مَرَابِطُ مَعْرُوفَةٌ فِي السِّكَّةِ فَسَرَقَهَا رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قُطِعَ لِأَنَّ ذَلِكَ حِرْزُهَا. (أَوْ أَزَالَ بَابَ الْمَسْجِدِ أَوْ سَقْفَهُ) سُمِعَ عِيسَى: مَنْ سَرَقَ أَبْوَابَ الْمَسْجِدِ قُطِعَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا مَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِمَّا هُوَ مُثَبَّتٌ بِهِ كَجَائِزَةٍ مِنْ جَوَائِزِهِ. مُحَمَّدٌ: أَوْ خَشَبَةً مِنْ سَقْفِهِ. (أَوْ أَخْرَجَ قَنَادِيلَهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الْقَطْعِ فِي قَنَادِيلِ الْمَسْجِدِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ مَسْجِدًا يُغْلَقُ عَلَيْهِ. (أَوْ حُصْرَهُ) . ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الْقَطْعِ فِي حُصْرِ الْمَسْجِدِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ تَسَوَّرَ عَلَيْهَا لَيْلًا، وَرَابِعُهَا إنْ خُيِّطَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَخَامِسُهَا إنْ كَانَ عَلَيْهَا غَلْقٌ. (أَوْ بُسُطَهُ إنْ تُرِكَتْ بِهِ) ابْنُ الْمَاجِشُونِ: الطَّنْفَسَةُ يَبْسُطُهَا الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِدِ لِجُلُوسِهِ إنْ جَعَلَهَا كَحَصِيرٍ مِنْ حُصْرِهِ فَسَارِقُهَا كَسَارِقِ الْحَصِيرِ، وَأَمَّا طَنْفَسَةٌ يَذْهَبُ بِهَا رَبُّهَا وَتُرْفَعُ فَإِنْ نَسِيَهَا فِي الْمَسْجِدِ فَلَا قَطْعَ فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَسْجِدِ غَلْقٌ لِأَنَّ الْغَلْقَ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَجْلِهَا وَلَمْ يَكِلْهَا رَبُّهَا إلَى غَلْقٍ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ اُنْظُرْ سَمَاعَ عِيسَى فِي الْبُسُطِ. (أَوْ حَمَّامٍ إنْ دَخَلَ لِلسَّرِقَةِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ فِي الْحَمَّامِ مَعَ الثِّيَابِ مَنْ يَحْرُسُهَا فَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَهَا حَتَّى يَخْرُجَ بِهَا مِنْ الْحَمَّامِ إذَا كَانَ السَّارِقُ قَدْ دَخَلَ لِلتَّحْمِيمِ. وَأَمَّا مَنْ دَخَلَ لِلسَّرِقَةِ فَأَخَذَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْحَمَّامِ فَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَجْنَبِيِّ يَسْرِقُ مِنْ بُيُوتِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ السَّاكِنِينَ فَيُؤْخَذُ فِي الدَّارِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 420 قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ. (أَوْ نَقَبَ أَوْ تَسَوَّرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ سَرَقَ مَتَاعًا مِنْ الْحَمَّامِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَنْ يَحْرُسُهُ قُطِعَ وَإِلَّا لَمْ يُقْطَعْ إلَّا أَنْ يَسْرِقَهُ مِمَّنْ لَمْ يَدْخُلْ الْحَمَّامَ مِنْ مَدْخَلِ النَّاسِ مِنْ بَابِهِ مِثْلُ أَنْ يَتَسَوَّرَ أَوْ يَنْقُبَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمَتَاعِ حَارِسٌ. (أَوْ حَارِسٌ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي تَقْلِيبٍ وَصُدِّقَ مُدَّعِي الْخَطَأِ أَوْ حَمَلَ عَبْدًا لَمْ يُمَيِّزْ أَوْ خَدَعَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ سَرَقَ عَبْدًا فَصِيحًا كَبِيرًا لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ كَانَ أَعْجَمِيًّا قُطِعَ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ حَمَلَ عَبْدًا غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَوْ خَدَعَهُ فَأَخَذَهُ قُطِعَ بِخِلَافِ الْمُمَيِّزِ. (أَوْ أَخْرَجَهُ فِي ذِي الْإِذْنِ الْعَامِّ لِمَحَلِّهِ) بَهْرَامَ: أَيْ إلَى مَحَلِّ الْإِذْنِ الْعَامِّ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزٍ إلَى غَيْرِ حِرْزٍ. قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الدَّارُ الَّتِي أَذِنَ فِيهَا سَاكِنُهَا أَوْ مَالِكُهَا إذْنًا عَامًّا لِلنَّاسِ كَالْعَالِمِ وَالطَّبِيبِ يَأْذَنُ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِمْ إلَيْهِ فِي دَارِهِ أَوْ كَالرَّجُلِ يَحْجُرُ عَلَى نَفْسِهِ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ دَارِهِ وَيَتْرُكُ بَابَهَا مَفْتُوحًا تُدْخَلُ بِغَيْرِ إذْنٍ، فَهَذِهِ يَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ بُيُوتِهَا الْمُحَجَّرَةِ إذَا خَرَجَ بِسَرِقَتِهِ عَنْ جَمِيعِ الدَّارِ، وَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ قَاعَةِ الدَّارِ وَمَا لَمْ يُغْلَقْ مِنْ بُيُوتِهَا وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الدَّارِ. (لَا إذْنٍ خَاصٍّ كَضَيْفٍ مِمَّا حُجِرَ عَنْهُ وَلَوْ خَرَجَ مِنْ جَمِيعِهِ) ابْنُ زَرْبٍ: خِصَالٌ لَا قَطْعَ عَلَى السَّارِقِ فِيهَا فَمِنْهَا سَرِقَةُ الضَّيْفِ وَالْجَائِعِ فِي الشِّدَّةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا الدَّارُ الَّتِي أَذِنَ فِيهَا سَاكِنُهَا أَوْ مَالِكُهَا الْخَاصُّ مِنْ النَّاسِ كَالرَّجُلِ يُضَيِّفُ الضَّيْفَ فَيُدْخِلُهُ دَارِهِ أَوْ يَبْعَثُ الرَّجُلَ إلَى دَارِهِ لِيَأْتِيَهُ مِنْ بَعْضِ بُيُوتِهَا بِمَتَاعِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَاخْتُلِفَ إذَا سَرَقَ الضَّيْفُ أَوْ الرَّجُلُ الْمَبْعُوثُ مِنْ بَيْتٍ مُغْلَقٍ قَدْ حُجِرَ عَلَيْهِ دُخُولُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَقَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ إنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ خَرَجَ بِمَا سَرَقَ مِنْ جَمِيعِ الدَّارِ لِأَنَّهُ خَائِنٌ وَلَيْسَ بِسَارِقٍ. (وَلَا إنْ نَقَلَهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ نَقَلَهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ لَمْ يُقْطَعْ. ابْنُ حَارِثٍ: اتَّفَقُوا فِي السَّارِقَيْنِ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مِنْ دَاخِلِ الْحِرْزِ وَالْآخَرُ مِنْ خَارِجِهِ فَيُخْرِجُ الدَّاخِلُ يَدَهُ إلَى خَارِجِ الْحِرْزِ بِالْمَتَاعِ فَيَتَنَاوَلُهُ الْخَارِجُ أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى الْخَارِجِ. فَلَوْ أَدْخَلَ الْخَارِجُ يَدَهُ إلَى دَاخِلِ الْحِرْزِ فَأَعْطَاهُ الدَّاخِلُ بِالْمَتَاعِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُقْطَعُ الْخَارِجُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يُقْطَعَانِ مَعًا. وَاتَّفَقُوا فِي السَّارِقِ يُؤْخَذُ فِي الْحِرْزِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَ الْمَتَاعَ أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ. (وَلَا فِيمَا عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَعَهُ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ سَرَقَ قُرْطَ صَبِيٍّ أَوْ شَيْئًا مِمَّا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ وَلَا حَافِظَ لَهُ وَلَا فِي حِرْزٍ لَمْ يُقْطَعْ وَإِلَّا قُطِعَ (وَلَا عَلَى دَاخِلٍ تَنَاوَلَ مِنْ الْخَارِجِ) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا إنْ لَمْ يُخْرِجْ الدَّاخِلُ يَدَهُ إلَى خَارِجِ الْحِرْزِ. (وَلَا إنْ اخْتَلَسَ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِي اخْتِلَاسٍ (أَوْ كَابَرَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: فَلَوْ أَخَذَ اخْتِلَاسًا أَوْ مُكَابَرَةً عَلَى غَيْرِ حِرَابَةٌ فَلَا يُقْطَعُ. (أَوْ هَرَبَ بَعْدَ أَخْذِهِ فِي الْحِرْزِ) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: إنْ دَخَلَ سَارِقٌ بَيْتَ رَجُلٍ فَاِتَّزَرَ بِإِزَارٍ فَأُخِذَ فِي الْبَيْتِ فَفَرَّ مِنْهُمْ وَالْإِزَارُ عَلَيْهِ وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَهْلُ الْبَيْتِ أَوْ لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 421 يَعْلَمُوا لَا قَطْعَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ إلَّا مُخْتَلِسًا. (أَوْ لِيَأْتِيَ بِمَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ تَرَكَ السَّارِقَ يَسْرِقُ مَتَاعَهُ وَأَتَى بِشَاهِدَيْنِ لَهُ يُعَايِنَانِهِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَمْنَعَهُ مَنَعَهُ فَلَا قَطْعَ. قَالَهُ مَالِكٌ. (وَأَخَذَ دَابَّةً بِبَابِ مَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَالدَّابَّةُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ السُّوقِ إذَا كَانَ مَعَهَا مَنْ يُمْسِكُهَا قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا. (أَوْ ثَوْبًا بَعْضُهُ فِي الطَّرِيقِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ جَرَّ ثَوْبًا مَنْشُورًا عَلَى حَائِطٍ بَعْضُهُ فِي الدَّارِ وَبَعْضُهُ خَارِجٌ عَنْهَا إلَى الطَّرِيقِ لَمْ يُقْطَعْ. (أَوْ ثَمَرًا مُعَلَّقًا) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ وَلَا فِي حَرِيسَةِ جَبَلٍ فَإِذَا آوَاهَا الْمَرَاحُ أَوْ الْجَرِينُ فَالْقَطْعُ فِيمَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ» . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَلَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ فِي الْحَوَائِطِ وَلَا فِي زَرْعٍ أَوْ بَقْلٍ قَائِمٍ حَتَّى يَأْوِيَهُ الْجَرِينُ. مُحَمَّدٌ: وَأَمَّا فِي نَخْلَةٍ أَوْ شَجَرَةٍ فِي دَارِ رَجُلٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا جُمِعَ فِي الْجَرِينِ الْحُبُّ أَوْ التَّمْرُ وَغَابَ رَبُّهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَابٌ وَلَا حَائِطٌ وَلَا غَلْقٌ قُطِعَ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِعُمُومِ الْحَدِيثِ (إلَّا بِغَلْقٍ فَقَوْلَانِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَمَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ غَيْرُهُ (وَإِلَّا بَعْدَ حَصْدِهِ فَثَالِثُهَا إنْ كُدِّسَ) سُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْقَمْحِ وَالْقُرْطِ زَرْعِ مِصْرَ يُحْصَدُ وَيُوضَعُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي حُصِدَ فِيهِ أَيَّامًا لِيَيْبَسَ فَيُسْرَقَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 422 أَتَرَى عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْهُ قَطْعًا؟ قَالَ: لَا إنَّمَا جَاءَ الْحَدِيثُ «إذَا آوَاهُ الْجَرِينُ» . وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ إذَا ضُمَّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ صَارَ ذَلِكَ لَهُ حِرْزًا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ الْقَائِمِ، وَلِأَنَّ مَا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ مِنْ الثَّمَرِ بِمَنْزِلَةِ مَا قَدْ جُدَّ وَوُضِعَ فِي أُصُولِهَا. انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ. (وَلَا إنْ نَقَبَ فَقَطْ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ نَقَبَ وَأَخْرَجَ غَيْرُهُ وَانْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِفِعْلِهِ دُونَ اتِّفَاقٍ بَيْنَهُمَا فَلَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ هَذَا عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ النَّقْبَ يُبْطِلُ حَقِيقَةَ الْحِرْزِ وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ. (وَإِنْ الْتَقَيَا وَسَطَ النَّقْبِ أَوْ رَبَطَهُ فَجَبَذَهُ الْخَارِجُ قُطِعَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا الْتَقَتْ أَيْدِيهِمَا فِي الْمُنَاوَلَةِ فِي وَسَطِ النَّقْبِ قُطِعَا مَعًا، وَلَوْ رَبَطَهُ الدَّاخِلُ بِحَبْلٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 424 وَجَبَذَهُ الْخَارِجُ قُطِعَا. [شَرْطَ قَطْعِ السَّارِقِ] (وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ) ابْنُ عَرَفَةَ: نُصُوصُ الْمَذْهَبِ وَاضِحَةٌ بِأَنَّ شَرْطَ قَطْعِ السَّارِقِ تَكْلِيفُهُ حِينَ سَرِقَتِهِ (فَيُقْطَعُ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ وَإِنْ لِمِثْلِهِمْ) ابْنُ الْحَاجِبِ: فَيُقْطَعُ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ وَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ لِأَحَدِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَتَرَافَعُوا. ابْنُ عَرَفَةَ: لِأَنَّ حَدَّ الْقَطْعِ لِلَّهِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ: يَجِبُ عَلَى الْمُعَاهَدِ يَسْرِقُ مَالَ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ. اُنْظُرْهُ أَنْتَ (إلَّا الرَّقِيقَ لِسَيِّدِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا لَمْ يُقْطَعْ الْعَبْدُ فِي سَرِقَتِهِ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ إذْ لَا يَجْتَمِعُ عَلَى السَّيِّدِ عُقُوبَتَانِ ذَهَابُ مَالِهِ وَقَطْعُ يَدِ غُلَامِهِ. (وَتَثْبُتُ بِإِقْرَارٍ إنْ طَاعَ) ابْنُ عَرَفَةَ: تَثْبُتُ السَّرِقَةُ بِالْبَيِّنَةِ كَالْإِقْرَارِ بِهَا طَوْعًا (وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ عَيَّنَ السَّرِقَةَ أَوْ أَخْرَجَ الْقَتِيلَ) اللَّخْمِيِّ: فِيمَنْ أَقَرَّ بَعْدَ التَّهْدِيدِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. قَوْلُ مَالِكٍ إنَّهُ لَا حُكْمَ لِإِقْرَارِهِ وَلَا يُؤْخَذُ بِهِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَخْرَجَ السَّرِقَةَ أَوْ عَيَّنَ الْقَتِيلَ فِي حَالِ التَّهْدِيدِ لَمْ أَقْطَعْهُ وَلَمْ أَقْتُلْهُ حَتَّى يُقِرَّ بَعْدَ ذَلِكَ آمِنًا. (وَقُبِلَ رُجُوعُهُ وَلَوْ بِلَا شُبْهَةٍ) أَبُو عُمَرَ: اتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى قَبُولِ رُجُوعِ الْمُقِرِّ بِالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمَسْرُوقُ مَا أَقَرَّ بِهِ السَّارِقُ. الْبَاجِيُّ: إنْ رَجَعَ لِغَيْرِ شُبْهَةٍ فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٌ أَنَّهُ يُقَالُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ آخَرُ اُنْظُرْهُ فِيهِ. (وَإِنْ رُدَّتْ الْيَمِينُ فَحَلَفَ الطَّالِبُ أَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ وَاحِدٌ وَحَلَفَ أَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِالْغُرْمِ فَلَا قَطْعَ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ رَدَّ السَّارِقُ الْيَمِينَ فَحَلَفَ الطَّالِبُ ثَبَتَ الْغُرْمُ دُونَ الْقَطْعِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا وَاضِحٌ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ لَمْ يُقْطَعْ، وَضَمِنَ قِيمَةَ ذَلِكَ وَلَا يَمِينَ عَلَى رَبِّ الْمَتَاعِ. وَإِنْ شَهِدَ بِذَلِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ حَلَفَ الطَّالِبُ مَعَ شَهَادَتِهِ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ. وَإِذَا أَقَرَّ عَبْدٌ أَوْ مُدَبَّرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ بِسَرِقَةٍ قُطِعُوا إذَا عَيَّنُوا السَّرِقَةَ فَأَظْهَرُوهَا، فَإِذَا ادَّعَى السَّيِّدُ أَنَّهَا لَهُ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إقْرَارُ الْعَبْدِ يُثْبِتُ الْقَطْعَ دُونَ الْغُرْمِ اهـ. قَالَ بَهْرَامَ: فَقَوْلُ خَلِيلٍ سَهْوٌ. (وَوَجَبَ رَدُّ الْمَالِ إنْ لَمْ يُقْطَعْ) ابْنُ عَرَفَةَ: مُوجِبُ السَّرِقَةِ قَطْعُ السَّارِقِ وَضَمَانُهُ السَّرِقَةَ إنْ لَمْ يُقْطَعْ لَازِمٌ لَهُ اتِّفَاقًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذَا سَرَقَ عُزِّرَ وَضَمِنَ السَّرِقَةَ. وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا مُطْلَقًا قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: لَوْ سَرَقَ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ إمَّا لِقِلَّتِهِ أَوْ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُتْبَعُ بِذَلِكَ فِي عَدَمِهِ وَيُحَاصَّ بِهِ غُرَمَاؤُهُ، وَإِذَا كَانَ يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ لَمْ يُتْبَعْ فِي عُدْمِهِ وَلَا يُتْبَعُ إلَّا فِي يُسْرٍ مُتَّصِلٍ مِنْ يَوْمِ سَرَقَ إلَى يَوْمِ يُقْطَعُ وَإِلَّا لَمْ يُتْبَعْ. وَإِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 425 كَانَ مَلِيًّا بَعْدَ عُدْمٍ تَقَدَّمَ. قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَوْ قُطِعَ إنْ أَيْسَرَ. (عَلَيْهِ مِنْ الْأَخْذِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا يَضْمَنُ السَّارِقُ السَّرِقَةَ إذَا سَرَقَ وَهُوَ مُوسِرٌ فَتَمَادَى يُسْرُهُ إلَى أَنْ قُطِعَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِنْ قُطِعَ وَالسَّرِقَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا اسْتَحَقَّهَا رَبُّهَا وَإِنَّ اسْتَهْلَكَهَا فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، ثَالِثُهَا قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ إنْ اتَّصَلَ يُسْرُهُ بِهَا مِنْ السَّرِقَةِ إلَى يَوْمِ الْقَطْعِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لِمَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَقَالَةٌ عَظِيمَةٌ أَوْجَبَ الْقَطْعَ فِي يَدِهِ عُقُوبَةً وَأَوْجَبَ الْغُرْمَ فِي مَالِهِ عُقُوبَةً أُخْرَى. فَإِذَا كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَغْرَمْ إذْ لَوْ أَوْجَبْنَا الْغُرْمَ فِي ذِمَّتِهِ لَكُنَّا قَدْ جَمَعْنَا بَيْنَ عُقُوبَتَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا وُجِدَتْ السَّرِقَةُ بِعَيْنِهَا رُدَّتْ لِصَاحِبِهَا بِإِجْمَاعٍ، وَأَمَّا إنْ تَلْفِت فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَّصِلَ الْيَسِيرِ مِنْ يَوْمِ سَرَقَ إلَى يَوْمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ضَمِنَ قِيمَةَ السَّرِقَةِ، وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا أَوْ أَعْدَمَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ فَلَا غُرْمَ إذْ لَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ اتِّبَاعُ ذِمَّتِهِ وَقَطْعُ يَدِهِ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا غَصَبَ حُرَّةً وَهُوَ مُعْدِمٌ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَيُتْبَعُ بِالْمَهْرِ. قَالَهُ مَالِكٌ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لِأَنَّ هَاتَيْنِ عُقُوبَتَانِ عَنْ سَبَبَيْنِ. (وَيَسْقُطُ الْحَدُّ إنْ سَقَطَ الْعُضْوُ بِسَمَاوِيٍّ) قَالَ مَالِكٌ: إنْ ذَهَبَتْ الْيُمْنَى بَعْدَ السَّرِقَةِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ أَوْ تَعَمُّدِ أَجْنَبِيٍّ لَا يُقْطَعُ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْقَطْعَ كَانَ وَاجِبًا فِيهَا. ابْنُ شَاسٍ: وَلَوْ سَرَقَ فَسَقَطَتْ يُمْنَاهُ بِآفَةٍ لَسَقَطَ الْحَدُّ. (لَا بِتَوْبَةٍ وَعَدَالَةٍ وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُمَا) ابْنُ شَاسٍ: لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ وَلَا بِصَلَاحِ الْحَالِ وَلَا بِطُولِ الزَّمَانِ وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (وَتَدَاخَلَتْ إنْ اتَّحَدَ الْمُوجِبُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ كَانَ ذَلِكَ لِكُلِّ سَرِقَةٍ تَقَدَّمَتْ أَوْ قِصَاصٍ وَجَبَ فِي تِلْكَ الْيَدِ. (كَقَذْفٍ وَشُرْبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَذَفَ وَشَرِبَ خَمْرًا جُلِدَ حَدًّا وَاحِدًا (وَإِلَّا تَكَرَّرَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا اجْتَمَعَ عَلَى الرَّجُلِ مَعَ حَدِّ الزِّنَا حَدُّ قَذْفٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ أُقِيمَا عَلَيْهِ وَيَجْمَعُ ذَلِكَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهِ فَيُفَرِّقُ الْحَدَّيْنِ قَالَ: وَكُلُّ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ اجْتَمَعَ مَعَ الْقَتْلِ فَالْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَتْلِ. [بَاب فِي الْحِرَابَةِ] [صفة المحاربين وَحُكْم قِتَالهمْ وَعُقُوبَتهمْ وَحُكْمهَا] ابْنُ شَاسٍ: الْجِنَايَةُ السَّادِسَةُ الْحِرَابَةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 426 وَالنَّظَرُ فِي ثَلَاثَةِ أَطْرَافٍ: الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْمُحَارِبِينَ وَحُكْمِ قِتَالِهِمْ. الطَّرَفُ الثَّانِي فِي الْعُقُوبَةِ وَالْغُرْمِ. الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ. بَابٌ. (الْمُحَارِبُ قَاطِعُ الطَّرِيقِ) ابْنُ شَاسٍ: كُلُّ مَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ وَأَخَافَ النَّاسَ فَهُوَ مُحَارِبٌ، وَكَذَلِكَ مَنْ حَمَلَ عَلَيْهِمْ السِّلَاحَ بِغَيْرِ عَدَاوَةٍ وَلَا ثَائِرَةٍ فَهُوَ مُحَارِبٌ. (لِمَنْعِ سُلُوكٍ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ خَرَجَ لِقَطْعِ السَّبِيلِ لِغَيْرِ مَالٍ فَهُوَ مُحَارِبٌ كَقَوْلِهِ لَا أَدَعُ هَؤُلَاءِ يَخْرُجُونَ إلَى الشَّامِ أَوْ إلَى غَيْرِهَا. (أَوْ أَخْذِ مَالِ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَطَعُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فَهُوَ سَوَاءٌ، وَقَدْ قَتَلَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُسْلِمًا قَتَلَ ذِمِّيًّا عَلَى وَجْهِ الْحِرَابَةِ عَلَى مَالٍ كَانَ مَعَهُ. (عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ دَخَلَ دَارًا. بِاللَّيْلِ وَأَخَذَ الْمَالَ بِالْمُكَابَرَةِ وَمَنَعَ مِنْ الِاسْتِغَاثَةِ فَهُوَ مُحَارِبٌ. ابْنُ الْحَاجِبِ: كُلُّ مَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 427 يُقْصَدُ بِهِ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ تَتَعَذَّرُ مَعَهُ الِاسْتِغَاثَةُ عَادَةً. (وَإِنْ انْفَرَدَ بِمَدِينَةٍ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: قَدْ يَكُونُ الْوَاحِدُ مُحَارِبًا (كَسَقْيِ السَّكْرَانِ لِذَلِكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: سَاقِي السَّكْرَانِ مُحَارِبٌ. عِيَاضٌ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا يَكُونُ مُحَارِبًا إذَا كَانَ مَا سَقَاهُ يَمُوتُ بِهِ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ. . (وَمُخَادِعِ الصَّبِيِّ أَوْ غَيْرِهِ لِيَأْخُذَ مَا مَعَهُ) ابْنُ شَاسٍ: قَتْلُ الْغِيلَةِ أَيْضًا مِنْ الْحِرَابَةِ وَهُوَ أَنْ يَغْتَالَ رَجُلًا أَوْ صَبِيًّا فَيَخْدَعُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ مَوْضِعًا فَيَأْخُذَ مَا مَعَهُ فَهُوَ كَالْحِرَابَةِ. (وَالدَّاخِلِ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فِي زُقَاقٍ أَوْ دَارٍ لِيَأْخُذَ الْمَالَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: السَّارِقُ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ فِي دَارٍ أَوْ زُقَاقٍ مُكَابَرَةً يَمْنَعُ الِاسْتِغَاثَةَ مُحَارِبٌ. (فَيُقَاتَلُ بَعْدَ الْمُنَاشَدَةِ إنْ أَمْكَنَ) ابْنُ عَرَفَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 428 فِي دَعْوَى اللِّصِّ إلَى التَّقْوَى قَبْلَ قِتَالِهِ إنْ أَمْكَنَ قَوْلَانِ فِي جِهَادِهَا. وَعَنْ ابْنِ يُونُسَ: إنْ طَلَبَ اللُّصُوصُ مِثْلَ الْعَلَفِ وَالثَّوْبِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعْطَوْهُ وَلَا يُقَاتَلُوا. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا يُعْطَوْا شَيْئًا وَلَا يُدْعَوْا لِأَنَّ الدَّعْوَةَ لَا تَزِيدُهُمْ إلَّا إشْلَاءً وَجُرْأَةً. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُتَّبَعُ الْمُحَارِبُ إنْ لَمْ يَكُنْ قَتَلَ. وَقَالَ سَحْنُونَ: يُتَّبَعُ. قِيلَ لَهُ: فَلَوْ أَنَّ لِصًّا عَرَضَ لِي فَضَرَبْته بِشَيْءٍ فَأَسْقَطْته، أَتَرَى أَنْ أُجْهِزَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَعْلَمْته بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يُجْهَزُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرَهُ شَيْئًا وَقَالَ: قَدْ حَلَّ حِينَ نَصَبَ الْحَرْبَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَوْ يُقْطَعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ سُلْطَانًا. (ثُمَّ يُصْلَبُ فَيُقْتَلُ) ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ الْمُحَارِبُ يُصْلَبُ حَيًّا وَيُقْتَلُ فِي الْخَشَبَةِ (أَوْ يُنْفَى الْحُرُّ كَالزِّنَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: أَمَّا النَّفْيُ فَلِلْحُرِّ لَا لِلْعَبْدِ كَمَا ذُكِرَ فِي الزِّنَا إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: النَّفْيُ أَنْ يُنْفَى مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ أَقَلُّهُ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَيُسْجَنُ فِيهِ إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ بِخِلَافِ الزِّنَا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ سِجْنَهُ سَنَةً (أَوْ تُقْطَعَ يَمِينُهُ وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى وَلَاءً) ابْنُ رُشْدٍ: الْقَطْعُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هُوَ قَطْعُ يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى. ابْنُ رُشْدٍ: ثُمَّ إنْ عَادَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 429 قُطِعَ مَا بَقِيَ (وَبِالْقَتْلِ يَجِبُ قَتْلُهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: حَدُّ الْحِرَابَةِ بِأَحَدِ الْأَرْبَعَةِ مَا لَمْ يَقْتُلْ فَإِنْ قَتَلَ تَعَيَّنَ قَتْلُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 430 وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ. (وَلَوْ لِكَافِرٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَتَلَ عُثْمَانُ مُسْلِمًا قَتَلَ ذِمِّيًّا حِرَابَةً. (أَوْ بِإِعَانَةٍ وَلَوْ جَاءَ تَائِبًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانُوا جَمَاعَةً قَتَلُوا رَجُلًا وَلِيَ أَحَدٌ قَتْلَهُ وَالْبَاقُونَ عَوْنٌ لَهُ فَأُخِذُوا قُتِلُوا كُلُّهُمْ وَإِنْ تَابُوا قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذُوا دُفِعُوا إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فَقَتَلُوا مَنْ شَاءُوا وَعَفَوْا عَمَّنْ شَاءُوا وَأَخَذُوا الدِّيَةَ مِمَّنْ شَاءُوا انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ إطْلَاقِ قَوْلِهِ: " وَلَوْ جَاءَ تَائِبًا ". وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَتَى الْمُحَارِبُ تَائِبًا إلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الْحِرَابَةِ وَثَبَتَ مَا لِلنَّاسِ عَلَيْهِمْ مِنْ جَرْحٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ، ثُمَّ لِلْأَوْلِيَاءِ الْعَفْوُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: وَقَتَلَ عُمَرُ رِيبَةً كَانُوا نَاظُورًا لِلْبَاقِينَ. (وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ) مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ وَلِيَ أَحَدُ الْمُحَارِبِينَ بَيْنَ قَتْلِ رَجُلٍ مِمَّنْ قَطَعُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يُعَاوِنْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قُتِلُوا أَجْمَعُونَ وَلَا عَفْوَ فِيهِمْ لِإِمَامٍ وَلَا وَلِيٍّ. (وَنُدِبَ لِذِي التَّدْبِيرِ الْقَتْلُ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ كَانَ الْمُحَارِبُ مِمَّنْ لَهُ الرَّأْيُ وَالتَّدْبِيرُ فَوَجْهُ الِاجْتِهَادِ فِيهِ قَتْلُهُ أَوْ صَلْبُهُ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَدْفَعُ ضَرَرَهُ (وَالْبَطْشُ وَالْقَطْعُ) ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُحَارِبُ لَهُ تَدْبِيرٌ إنَّمَا يُخِيفُ بِقُوَّةِ جِسْمِهِ قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ (وَلِغَيْرِهَا وَلِمَنْ وَقَعَتْ مِنْهُ فَلْتَةُ النَّفْيِ وَالضَّرْبِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحَارِبِ تَدْبِيرٌ وَلَمْ يَكُنْ يُخِيفُ بِقُوَّةِ جِسْمِهِ وَأُخِذَ بِحَضْرَةِ خُرُوجِهِ أُخِذَ فِيهِ بِأَيْسَرِ ذَلِكَ وَهُوَ الضَّرْبُ وَالنَّفْيُ. ابْنُ الْحَاجِبِ: تَعَيَّنَ لِذِي الْبَطْشِ وَالتَّدْبِيرِ الْقَتْلُ وَلِذِي الْبَطْشِ الْقَطْعُ وَلَا يُضْرَبُ بِهَا وَلِغَيْرِهِمَا وَلَمِنْ وَقَعَتْ مِنْهُ فَلْتَةٌ النَّفْيُ وَيُضْرَبُ بِهَا إنْ شَاءَ. (وَالتَّعْيِينُ لِلْإِمَامِ لَا لِمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَنَحْوُهَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالتَّعْيِينُ لِلْإِمَامِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 431 لَا لِمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ فُقِئَتْ عَيْنُهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَصُّ لَهُ. (وَغَرِمَ كُلٌّ عَنْ الْجَمِيعِ مُطْلَقًا) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ وَلِيَ أَحَدٌ مِنْ الْمُحَارِبِينَ أَخْذَ الْمَالِ ثُمَّ ظَفِرْنَا بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ غُرْمَ جَمِيعِ ذَلِكَ، كَانَ قَدْ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةً أَمْ لَمْ يَأْخُذْ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا وَلِيَ أَحَدُهُمْ أَخْذَ الْمَالِ وَكَانَ الْبَاقُونَ لَهُ قُوَّةٌ ثُمَّ اقْتَسَمُوا فَتَابَ أَحَدُهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَلِ أَخْذَ الْمَالِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ مَا أَخَذَ فِي سَهْمِهِ وَمَا أَخَذَ أَصْحَابُهُ. (وَاتُّبِعَ كَالسَّارِقِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَخَذَ الْمُحَارِبُونَ الْمَالَ ثُمَّ تَابُوا وَهُمْ عُدَمَاءُ فَذَلِكَ عَلَيْهِمْ دَيْنًا وَإِنْ أُخِذُوا قَبْلَ أَنْ يَتُوبُوا فَأُقِيمَ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ قُطِعُوا أَوْ قُتِلُوا وَلَهُمْ أَمْوَالٌ أُخِذَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، يُرِيدُ وَيُسْرِهِمْ مُتَّصِلٌ مِنْ يَوْمِ أَخْذِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ مَالٌ لَمْ يُتَّبَعُوا بِشَيْءٍ مِمَّا أَخَذُوا كَالسَّرِقَةِ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. (وَدُفِعَ مَا بِأَيْدِيهِمْ لِمَنْ طَلَبَهُ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ وَالْيَمِينِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أُخِذَ الْمُحَارِبُونَ وَمَعَهُمْ أَمْوَالٌ فَادَّعَاهَا قَوْمٌ لَا بَيِّنَةَ لَهُمْ دُفِعَتْ إلَيْهِمْ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ فِي اسْتِبْرَاءِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ طُولٍ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ مَنْ يَدَّعِيهَا بِشَيْءٍ دُفِعَتْ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ بِغَيْرِ حَمِيلٍ وَيُضَمِّنُهُمْ الْإِمَامُ إيَّاهَا إنْ جَاءَ لِذَلِكَ طَالِبٌ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِمْ. (أَوْ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ الرُّفْقَةِ لِأَنْفُسِهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تَجُوزُ عَلَى الْمُحَارِبِينَ شَهَادَةُ مَنْ حَارَبُوهُ إنْ كَانُوا عُدُولًا بِقَتْلٍ أَوْ مَالٍ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ فِي نَفْسِهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. (وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ بِهَا ثَبَتَتْ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنَاهَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَتَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَإِنْ مِنْ الرُّفْقَةِ لَا لِأَنْفُسِهِمَا، وَلَوْ كَانَ مَشْهُورًا بِالْحِرَابَةِ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ فُلَانٌ الْمَشْهُورُ ثَبَتَتْ الْحِرَابَةُ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنُوهَا. (وَسَقَطَ حَدُّهَا بِإِتْيَانِ الْإِمَامِ طَائِعًا أَوْ تَرْكِ مَا هُوَ عَلَيْهِ) ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ جُلِّ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ تَوْبَةَ الْمُحَارِبِ تُقْبَلُ مِنْهُ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ تَوْبَتَهُ تَكُونُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَتْرُكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ الْإِمَامَ، وَالثَّانِي أَنْ يُلْقِيَ السِّلَاحَ وَيَأْتِيَ الْإِمَامَ طَائِعًا. ابْنُ شَاسٍ. [بَابٌ فِي الشُّرْبِ] [مُوجِب الشُّرْب وَالْوَاجِب فِيهِ] : الْجِنَايَةُ السَّابِعَةُ الشُّرْبُ وَالنَّظَرُ فِي الْمُوجِبِ وَالْوَاجِبِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 432 بَابٌ (يَجِبُ بِشُرْبِ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ مَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ طَوْعًا بِلَا عُذْرٍ وَضَرُورَةٍ) ابْنُ رُشْدٍ: الشُّرْبُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ: شُرْبُ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ مَا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ مُخْتَارًا لَا لِضَرُورَةٍ وَلَا عُذْرٍ. (أَوْ ظَنِّهِ غَيْرًا) ابْنُ عَرَفَةَ: سُقُوطُ حَدِّ مَنْ يَشْرَبُ مُسْكِرًا غَلَطًا وَاضِحٌ كَقَوْلِهَا مَعَ غَيْرِهَا فِي وَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ كَذَلِكَ، وَلَا حَدَّ أَيْضًا عَلَى مَنْ شَرِبَ مُبَاحًا ظَانًّا أَنَّهُ خَمْرٌ لَكِنْ تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ. قَالَهُ عِزُّ الدِّينِ. قَالَ فِي قَوَاعِدِهِ: وَعَلَيْهِ دَرَكُ الْمُخَالَفَةِ. (وَإِنْ قَلَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ. (وَإِنْ جَهِلَ وُجُوبَ الْحَدِّ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا لَوْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ وَجَهِلَ وُجُوبَ الْحَدِّ لَحُدَّ قَوْلًا وَاحِدًا. (أَوْ الْحُرْمَةِ لِقُرْبِ الْعَهْدِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ شَرِبَهُ مِمَّنْ لَا يَعْلَمُ تَحْرِيمَهُ كَالْأَعْجَمِيِّ الَّذِي دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ وَلَا يَعْرِفُ فَلَا عُذْرَ لِأَحَدٍ بِهَذَا فِي سُقُوطِ الْحَدِّ. (وَلَوْ حَنَفِيًّا يَشْرَبُ النَّبِيذَ وَصَحَّحَ نَفْيَهُ) الْبَاجِيُّ: مَنْ تَأَوَّلَ فِي الْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ أَنَّهُ حَلَالٌ حُدَّ وَلَمْ يُعْذَرْ. رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَلَعَلَّ هَذَا فِيمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْعِلْمِ فَالصَّوَابُ عَدَمُ حَدِّهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَمُقَلِّدُ مُبِيحِهِ مِثْلُهُ، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيِّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. (ثَمَانُونَ) هَذَا هُوَ الْمَخْبَرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: " بِشُرْبِ الْمُسْلِمِ إلَخْ " ابْنُ عَرَفَةَ: حَدُّهُ ثَمَانُونَ فِيهَا وَيَنْشَطِرُ بِالرِّقِّ (بَعْدَ صَحْوِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ حَتَّى يَصْحُوَ. زَادَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: وَلَوْ خَافَ أَنْ يَأْتِيَهُ بِشَفَاعَةٍ تُبْطِلُ حَدَّهُ. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونَ: فَخُفِّفَ بَعْضُ التَّخْفِيفِ فِي الشَّرَابِ. وَرُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا شَرِبَ فَانْطُلِقَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا حَاذَى دَارَ الْعَبَّاسِ انْفَلَتَ فَدَخَلَهَا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَحِكَ وَقَالَ: أَفَعَلَهَا وَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِشَيْءٍ» (وَتُشْطَرُ بِالرِّقِّ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا. (إنْ أَقَرَّ أَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِشُرْبٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. (أَوْ شُمَّ) ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَثْبُتُ بِثُبُوتِ رَائِحَةٍ. أَبُو عُمَرَ: الْحَدُّ بِالرَّائِحَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْحِجَازِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 433 وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا رَأَى الْحَاكِمُ تَخْلِيطًا فِي قَوْلٍ أَوْ شَيْءٍ شِبْهَ السَّكْرَانِ أَمَرَ بِاسْتِنْكَاهِهِ لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ إلَى الْحَاكِمِ فَلَا يَسَعُهُ إلَّا تَحَقُّقُهُ، وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ لَمْ يَسْتَنْكِهْهُ وَلَمْ يُتَجَسَّسْ عَلَيْهِ. انْتَهَى مِنْ الْمُنْتَقَى. (وَإِنْ خُولِفَ وَجَازَ لِإِكْرَاهٍ) أَمَّا جَوَازُ شُرْبِ الْخَمْرِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي التَّهْدِيدِ هَلْ هُوَ إكْرَاهٌ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إكْرَاهٌ، فَإِذَا قَالَ لَهُ الظَّالِمُ: إنْ لَمْ تَفْعَلْ كَذَا سَجَنْتُك أَوْ أَخَذْتُ مَالَكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَحْمِيهِ مِنْ ذَلِكَ إلَّا اللَّهُ، فَلَهُ أَنْ يُقْدِمَ إلَّا عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ فَلَا يَفْدِي نَفْسَهُ بِقَتْلِ غَيْرِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي الزِّنَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّهُ أَلْزَمَهُ الْحَدَّ، لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّهَا شَهَادَةٌ خُلُقِيَّةٌ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَيْهَا إكْرَاهٌ وَلَكِنَّهُ غَفَلَ عَنْ السَّبَبِ فِي بَاعِثِ الشَّهَادَةِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى شَهَادَةٍ بَعَثَ عَلَيْهَا سَبَبٌ اخْتِيَارِيٌّ فَقَاسَ الشَّيْءَ عَلَى ضِدِّهِ فَلَمْ يَخْلُ صَوَابٌ مِنْ عِنْدِهِ. وَانْظُرْ الْفَرْقَ السَّابِعَ وَالْأَرْبَعِينَ وَالْمِائَتَيْنِ لِشِهَابِ الدِّينِ: وَأَمَّا الْكُفْرُ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَلْفِظَ بِلِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُنْشَرِحٌ بِالْإِيمَانِ، وَلَمَّا سَمَحَ اللَّهُ فِي الْكُفْرِ بِهِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ حَمَلَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ فُرُوعَ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا. وَأَمَّا سُقُوطُ الْحَدِّ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُكْرَهُ لَا يُحَدُّ لِوُضُوحِ الشُّبْهَةِ أَوْ عَدَمِ تَكْلِيفِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِعُمُومِهِ فِي الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ. (أَوْ إسَاغَةٍ) أَمَّا الْجَوَازُ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبِ: إنْ غَصَّ بِطَعَامٍ فَلَهُ أَنْ يُجَوِّزَهُ بِالْخَمْرِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَزِيدُهُ الْخَمْرُ إلَّا شَرًّا. ابْنُ رُشْدٍ: الْمُضْطَرُّ لِلْإِسَاغَةِ لَا يُحَدُّ لِوُضُوحِ تَعْلِيلِهِ. هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي شُرْبِهَا مَنْفَعَةٌ لَجَازَ لَهُ شُرْبُهَا، وَأَمَّا سُقُوطُ الْحَدِّ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُضْطَرُّ لِلْإِسَاغَةِ لَا يُحَدُّ لِوُضُوحِ الشُّبْهَةِ. (لَا دَوَاءٍ وَلَوْ طِلَاءً) مَالِكٌ: التَّدَاوِي مِنْ الْقُرْحَةِ بِالْبَوْلِ أَخَفُّ مِنْ التَّدَاوِي فِيهَا بِالْخَمْرِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِمَا جَاءَ فِي الْخَمْرِ إنَّهَا رِجْسٌ وَلَمْ يَأْتِ فِي الْبَوْلِ إلَّا أَنَّهُ نَجِسٌ. ابْنُ شَعْبَانَ: لَا يَتَعَالَجُ بِالْمُسْكِرِ وَإِنْ غُسِلَ بِالْمَاءِ وَلَا يُدَاوَى بِهِ دُبُرُ الدَّوَابِّ. (وَالْحُدُودُ بِضَرْبٍ وَسَوْطٍ مُعْتَدِلَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: صِفَةُ الضَّرْبِ فِي الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالْفِرْيَةِ وَالتَّعْزِيرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 434 وَاحِدٌ، ضَرْبٌ بَيْنَ ضَرْبَيْنِ، لَيْسَ بِالْمُبَرِّحِ وَلَا بِالْخَفِيفِ، وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ ضَمَّ الضَّارِبِ يَدَهُ إلَى جَنْبِهِ. وَلَا يُجْزِئُ الضَّرْبُ فِي الْحُدُودِ بِقَضِيبٍ وَشِرَاكٍ وَلَا دُرَّةٍ وَلَكِنْ السَّوْطِ وَإِنَّمَا كَانَتْ دُرَّةُ عُمَرَ لِلْأَدَبِ (قَاعِدًا بِلَا رَبْطٍ وَلَا شَدِيدٍ بِظَهْرِهِ وَكَتِفَيْهِ) مُحَمَّدٌ: لَا يَتَوَلَّى ضَرْبَ الْحَدِّ قَوِيٌّ وَلَا ضَعِيفٌ وَلَكِنْ وَسَطٌ مِنْ الرِّجَالِ وَيُضْرَبُ عَلَى الظَّهْرِ وَالْكَتِفَيْنِ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَالْحُدُودِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 435 قَاعِدًا لَا يُرْبَطُ وَلَا يُمَدُّ وَتُخَلَّى لَهُ يَدَاهُ. (وَجُرِّدَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مِمَّا يَقِي الضَّرْبَ) مِنْ الْعُتْبِيَّةِ: وَيُجَرَّدُ الرَّجُلُ لِلضَّرْبِ وَيُتْرَكُ لِلْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُ جَسَدَهَا وَلَا يَقِيهَا الضَّرْبَ (وَنُدِبَ جَعْلُهَا فِي قُفَّةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: بَلَغَ مَالِكًا أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ أَقْعَدَ الْمَرْأَةَ فِي قُفَّةٍ فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ انْتَهَى أَبْوَابُ الْجِنَايَاتِ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: الْجِنَايَاتُ الْمُوجِبَاتُ لِلْحَدِّ سَبْعَةٌ وَمَا عَدَا هَذِهِ الْجِنَايَاتِ وَمُقَدَّمَاتِهَا فَيُوجِبُ التَّعْزِيرَ وَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ. (وَعَزَّرَ الْإِمَامُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَمَّا النَّكَالُ وَالتَّعْزِيرُ فَيَجُوزُ فِيهِ الْعَفْوُ وَالشَّفَاعَةُ وَإِنْ بَلَغَ الْإِمَامَ. وَانْظُرْ الْفَرْقَ السَّادِسَ وَالْأَرْبَعِينَ وَالْمِائَتَيْنِ لِشِهَابِ الدِّينِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ الْحُدُودَ مُقَدَّرَةٌ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ وَالْحَدُّ وَاجِبٌ إقَامَتُهُ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ وَالْحَدُّ تَعَبُّدٌ، فَحَدُّ مَنْ سَرَقَ رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ وَاحِدٌ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ فَبِحَسَبِ الْجِنَايَةِ، وَالْحَدُّ فِي مُقَابَلَةِ الْمَعَاصِي بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْمُكَلَّفِ وَالْبَهِيمَةِ وَالْمَجَانِينَ وَالتَّعْزِيرُ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ إلَّا الْحِرَابَةَ، وَالْحَدُّ يُقَامُ وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ فَإِنَّ الْيَسِيرَ يَسْقُطُ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ، وَالْكَثِيرَ يَسْقُطُ لِعَدَمِ مُوجِبِهِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَأَمَّا الْكُفْرُ فَانْظُرْهُ قَبْلَ هَذَا (لِمَعْصِيَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 436 اللَّهِ أَوْ لِحَقِّ آدَمِيٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: مُوجِبُ الْمَعْصِيَةِ الْمُوجِبَةِ حَدًّا عُقُوبَةُ فَاعِلِهَا. ابْنُ شَاسٍ: وَالسَّيِّدُ يُعَزَّرُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ اللَّهِ، وَالزَّوْجُ يُعَزَّرُ فِي النُّشُوزِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَالْأَبُ يُؤَدِّبُ الصَّغِيرَ دُونَ الْكَبِيرِ وَمُعَلِّمُهُ أَيْضًا يُؤَدِّبُهُ. وَمِنْ ابْنِ سَلْمُونَ: إذَا رُفِعَ لِلْوَالِي أَنَّ فِي بَيْتِ فُلَانٍ خَمْرًا فَإِنْ أَتَاهُ بِذَلِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَلَا يَكْشِفُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يَهْتِكُ سِتْرَ مُسْلِمٍ بِذَلِكَ، وَإِنْ أَتَاهُ بِذَلِكَ عُدُولٌ فَشَهِدُوا عِنْدَهُ عَلَى الْبَتِّ كَشَفَ عَنْ ذَلِكَ وَأَهْرَاقَهَا وَضَرَبَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَهُ حُرْمَةٌ وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ بِالسُّوءِ فَيَتْرُكَهُ وَلَا يَكْشِفَهُ. وَإِذَا مَشَتْ امْرَأَةٌ مَعَ أَهْلِ الْفَسَادِ ثُمَّ يُؤْتَى بِهَا لَمْ يَنْبَغِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَكْشِفَهَا عَمَّا كَانَتْ فِيهِ هَلْ زَنَتْ أَوْ كَانَتْ خَرَجَتْ عَنْ طَوْعٍ وَيُؤَدِّبُهَا الْإِمَامُ وَلَا يَكْشِفُ عَنْ شَيْءٍ، وَنَقَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِنَصِّهَا وَرَشَّحَهَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَلَّك قَبَّلْتَ لَعَلَّك لَمَسْتَ» . وَمَنْ تَغَامَزَ مَعَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ تَضَاحَكَ مَعَهَا ضُرِبَ عِشْرِينَ سَوْطًا وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ. وَمَنْ حَبَسَ امْرَأَةً ضُرِبَ أَرْبَعِينَ سَوْطًا، وَإِنْ طَاوَعَتْهُ هِيَ فَكَذَلِكَ. وَإِنْ قَبَّلَهَا ضُرِبَ خَمْسِينَ سَوْطًا وَهِيَ كَذَلِكَ إنْ طَاوَعَتْهُ، وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: سَرَقْتَ مَتَاعِي فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ يُتَّهَمُ وَإِلَّا لَزِمَ الْقَائِلَ لِذَلِكَ الْأَدَبُ. وَإِذَا شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ يُؤْذِي النَّاسَ بِلِسَانِهِ حُبِسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُؤَدَّبُ عَلَى قَدْرِ جُرْمِهِ، وَإِنْ زَادَ شَرُّهُ أَمَرَهُ بِالْكَفِّ عَنْ الْجِيرَانِ وَإِلَّا بِيعَتْ عَلَيْهِ دَارُهُ وَأُكْرِيَتْ عَلَيْهِ. وَأَفْتَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي الَّذِي يُؤْذِي النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ (حَبْسًا وَلَوْمًا) مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا كَلْبُ فَذَلِكَ يَخْتَلِفُ، فَإِنْ كَانَا مَعًا مِنْ ذَوِي الْهَيْئَةِ عُوقِبَ الْقَائِلُ عُقُوبَةً خَفِيفَةً يُهَانُ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ السِّجْنَ، وَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ مِنْ ذِي الْهَيْئَةِ وَالْمَقُولُ لَهُ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْهَيْئَةِ عُوقِبَ بِالتَّوْبِيخِ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْإِهَانَةَ وَلَا السِّجْنَ، وَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْهَيْئَةِ وَالْمَقُولُ لَهُ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَةِ عُوقِبَ بِالضَّرْبِ (وَبِالْإِقَامَةِ وَنَزْعِ الْعِمَامَةِ) ابْنُ شَاسٍ: كَانُوا يُعَاقِبُونَ الرَّجُلَ عَلَى قَدْرِهِ وَقَدْرِ جِنَايَتِهِ؛ مِنْهُمْ مَنْ يُضْرَبُ، وَمِنْهُمْ مِنْ يُحْبَسُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَامُ وَاقِفًا عَلَى قَدَمَيْهِ فِي الْمَحَافِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تُنْزَعُ عِمَامَتُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَلُّ إزَارُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَمِمَّا جَرَى بِهِ عَمَلٌ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْزِيرِ ضَرْبُ الْقَفَا مُجَرَّدًا عَنْ سَاتِرٍ بِالْأَكُفِّ. عِيَاضٌ: وَحَلَفَ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ فِي مَجْلِسِ. سَحْنُونٍ: فَأَمَرَ سَحْنُونَ بِصَفْعِ قَفَاهُ. (وَضَرْبٍ بِسَوْطٍ أَوْ غَيْرِهِ) ابْنُ شَاسٍ: جِنْسُ التَّعْزِيرِ لَا يُخَصَّصُ بِسَوْطٍ أَوْ يَدٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ. (وَإِنْ زَائِدًا عَلَى الْحَدِّ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ صِحَّةُ الزِّيَادَةِ عَنْ الْحَدِّ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ لِعِظَمِ جُرْمِ الْجَانِي. ضَرَبَ عُمَرُ مِائَةً لِمَنْ نَقَشَ عَلَى خَاتَمِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: فِي مُؤَدِّبِ الصِّبْيَانِ إنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْوَاطٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ (أَوْ أَتَى عَلَى النَّفْسِ) ابْنُ شَاسٍ: لَا يَلْزَمُهُ فِي التَّعْزِيرِ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا دُونَ الْحَدِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 437 وَلَا لَهُ انْتِهَاءٌ بِهِ إلَى الْقَتْلِ، وَأَمَرَ مَالِكٌ بِضَرْبِ شَخْصٍ أَرْبَعَمِائَةِ سَوْطٍ وُجِدَ مَعَ صَبِيٍّ مُجَرَّدًا فَانْتَفَخَ وَمَاتَ وَلَمْ يَسْتَعْظِمْ ذَلِكَ مَالِكٌ. انْتَهَتْ الْجِنَايَاتُ وَمُوجِبَاتُ التَّعْزِيرِ. . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 438 [كِتَابُ مُوجِبَاتِ الضَّمَانِ] [ضمان سراية الْفِعْل الْمَأْذُون فِي عَيْنه أَوْ جنسه] قَالَ ابْنُ شَاسٍ: كِتَابُ مُوجِبَاتِ الضَّمَانِ وَالنَّظَرِ فِي ضَمَانِ سِرَايَةِ الْفِعْلِ الْمَأْذُونِ فِي عَيْنِهِ أَوْ جِنْسِهِ وَضَمَانِ الصَّائِلِ وَإِتْلَافِ الْبَهَائِمِ. النَّظَرُ الْأَوَّلُ فِي ضَمَانِ السِّرَايَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا ضَمَانَ عَلَى طَبِيبٍ وَحَجَّامٍ وَخَاتِنٍ وَبَيْطَارٍ إنْ مَاتَ حَيَوَانٌ بِمَا صَنَعُوا بِهِ إنْ لَمْ يُخَالِفُوا. (وَضَمِنَ مَا سَرَى كَطَبِيبٍ جَهِلَ أَوْ قَصَّرَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ أَنَّ مِثْلَ الطَّبِيبِ الْخَاتِنُ وَالْبَيْطَارُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ مَاتَ مِنْ سَقْيِ طَبِيبٍ أَوْ خَتْنِ الْحَجَّامِ أَوْ تَقْلِيعِهِ ضِرْسًا لَمْ يَضْمَنْهُ إنْ لَمْ يَخْطَآ فِي فِعْلِهِمَا إلَّا أَنْ يَنْهَاهُمَا الْحَاكِمُ عَنْ الْقُدُومِ عَلَى ذِي غَرَرٍ إلَّا بِإِذْنِهِ، فَمَنْ خَالَفَهُ ضَمِنَ فِي مَالِهِ. هَذَا ظَاهِرُ السَّمَاعِ. وَمَا كَانَ يَخْطَأُ فِي فِعْلِهِ كَسَقْيِهِ مَا لَا يُوَافِقُ الْمَرَضَ أَوْ تَزَلْ يَدُ الْخَاتِنِ أَوْ يَقْلَعُ غَيْرَ الضِّرْسِ الْمَأْمُورِ بِهَا، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَلَمْ يُغَرَّ مِنْ نَفْسِهِ فَذَلِكَ خَطَأٌ تَحْمِلُ عَاقِلَتُهُ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا. وَإِنْ غُرَّ مِنْ نَفْسِهِ عُوقِبَ بِالضَّرْبِ وَالسَّجْنِ، وَفِي كَوْنِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ إلَى الْخَطَأِ أَوْ فِي مَالِهِ قَوْلَانِ (أَوْ بِلَا إذْنٍ مُعْتَبَرٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِهِ أَوْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلَا ضَمَانَ كَالْخَطَأِ، وَإِذْنُ الْعَبْدِ أَنْ يَحْجُمَهُ غَيْرُ مُفِيدٍ (وَلَوْ أَذِنَ عَبْدٌ فِي فَصْدٍ أَوْ حِجَامَةٍ أَوْ خِتَانٍ) قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ أَمَرَهُ عَبْدٌ أَنْ يَخْتِنَهُ أَوْ يَحْجُمَهُ أَوْ يَقْطَعَ عِرْقَهُ فَفَعَلَ فَهُوَ ضَامِنٌ مَا أَصَابَ الْعَبْدَ فِي ذَلِكَ أَوْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. وَقِيلَ: هَذَا ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْخِتَانِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْحِجَامَةِ. (وَكَتَأْجِيجِ نَارٍ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَرْسَلَ فِي أَرْضِهِ نَارًا أَوْ مَاءً فَوَصَلَ إلَى أَرْضِ جَارِهِ فَأَفْسَدَ زَرْعَهُ، فَإِنْ كَانَتْ أَرْضُ جَارِهِ بَعِيدَةً يُؤْمَنُ أَنْ يُوصَلَ ذَلِكَ إلَيْهَا فَتَحَامَلَتْ النَّارُ بِرِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَحْرَقَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ مِنْ ذَلِكَ لِقُرْبِهَا فَهُوَ ضَامِنٌ. ابْنُ رُشْدٍ: مِثْلُ هَذَا مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَجُلٍ طَبَخَ سَكَرًا فِي قِدْرٍ سَتَرَهَا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ بِقَصَبٍ وَكَانَ صَبِيٌّ خَلْفَ الْقَصَبِ نَائِمًا لَا عِلْمَ لِلطَّابِخِ بِهِ فَفَارَتْ الْقِدْرُ بِمَا فِيهَا فَأَصَابَ الصَّبِيَّ مَا خَرَجَ مِنْهَا فَمَاتَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الضَّمَانُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا قَصَدَهُ بِالتَّعَدِّي حَيْثُ أَوْقَدَ النَّارَ عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيحِ. (وَكَسُقُوطِ جِدَارٍ مَالَ وَأُنْذِرَ صَاحِبُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَالْحَائِطُ الْمَخُوفُ إذَا أُشْهِدَ عَلَى رَبِّهِ ثُمَّ عَطِبَ بِهِ أَحَدٌ فَرَبُّهُ ضَامِنٌ، وَإِنْ لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ كَانَ مَخُوفًا. ابْنُ عَرَفَةَ: فَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الْمَائِلِ لِعَدَمِ الْإِشْهَادِ فَأَحْرَى فِي غَيْرِ الْمَائِلِ (وَأَمْكَنَ تَدَارُكُهُ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ مَالَ الْحَائِطُ وَلَمْ يُتَدَارَكْ مَعَ الْإِمْكَانِ وَالْإِنْذَارِ وَالْإِشْهَادِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 439 وَجَبَ الضَّمَانُ. ابْنُ عَرَفَةَ: جَعْلُ ابْنِ شَاسٍ الْإِمْكَانَ شَرْطًا صَوَابٌ. (أَوْ عَضَّهُ فَسَلَّ يَدَهُ فَقَلَعَ أَسْنَانَهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ عَضَّهُ فَسَلَّ يَدَهُ ضَمِنَ أَسْنَانَهُ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: إنَّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ عَنْ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ: إنَّمَا ضَمِنَهُ مَنْ ضَمِنَهُ لِإِمْكَانِهِ النَّزْعَ بِرِفْقٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 441 وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ فِي مُسْلِمٍ «لَا دِيَةَ لَهُ» عَلَى هَذَا. (أَوْ نَظَرَ لَهُ مِنْ كُوَّةٍ فَقَصَدَ عَيْنَهُ فَفَقَأَهَا) ابْنُ بَشِيرٍ: مِنْ هَذَا الْمَعْنَى لَوْ رَمَى إنْسَانٌ مَنْ يَنْظُرُ إلَيْهِ فِي بَيْتِهِ فَأَصَابَ عَيْنَهُ فَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَلَى إثْبَاتِ الضَّمَانِ، وَأَقَلُّهُمْ عَلَى نَفْيِهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَوْ نَظَرَ لَهُ مِنْ كُوَّةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْصِدَ عَيْنَهُ عَوْرَاءَ أَوْ غَيْرَهَا وَفِيهِ الْقَوَدُ إنْ فَعَلَ (وَإِلَّا فَلَا) تَقَدَّمَ إنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ. (كَسُقُوطِ مِيزَابٍ) ابْنُ شَاسٍ: مَنْ سَقَطَ مِيزَابُهُ عَلَى رَأْسِ إنْسَانٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. (أَوْ بَعْثِ رِيحٍ لِنَارٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ تَحَامَلَتْ الرِّيحُ بِنَارٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (كَحَرْقِهَا قَائِمًا لِطَفْئِهَا) أَشْهَبُ: لَوْ كَانُوا لَمَّا خَافُوا عَلَى زَرْعِهِمْ قَامُوا لِرَدِّهَا فَأَحْرَقَتْهُمْ فَدِيَتُهُمْ هَدَرٌ لَا عَلَى عَاقِلَةٍ وَلَا غَيْرِهَا. [الضَّمَان فِي دَفْعِ الصَّائِل] (وَجَازَ دَفْعُ صَائِلٍ) ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 442 وَغَيْرِهِ فِي الْجَمَلِ إذَا صَالَ عَلَى الرَّجُلِ فَخَافَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَتَلَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (بَعْدَ الْإِنْذَارِ لِفَاهِمٍ وَإِنْ عَنْ مَالٍ) اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " فَيُقَاتَلُ بَعْدَ الْمُنَاشَدَةِ " (وَقَصَدَ قَتْلَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ سَحْنُونٍ قَدْ حَلَّ حِينَ نَصَبَ لِلْحَرْبِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا يَقْصِدُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ الْقَتْلَ إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ الدَّفْعَ فَإِنْ أَدَّى إلَى الْقَتْلِ فَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَجَائِزٌ قَصْدُ قَتْلِهِ ابْتِدَاءً. (لَا جُرْحٌ إنْ قَدَرَ عَلَى الْهَرَبِ بِلَا مَضَرَّةٍ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَوْ قَدَرَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ عَلَى الْهُرُوبِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الدَّفْعُ بِالْجِرَاحِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلَهُ دَفْعُهُ بِمَا يَقْدِرُ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا كَقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ إذَا تَعَارَضَ ضَرَرَانِ اُرْتُكِبَ أَخَفُّهُمَا. [ضمان مَا أَتْلَفَتْهُ الْبَهَائِم] (وَمَا أَتْلَفَتْهُ الْبَهَائِمُ لَيْلًا فَعَلَى رَبِّهَا) الْبَاجِيُّ: قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: مَا أَصَابَتْ الْمَاشِيَةُ بِالنَّهَارِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَرْبَابِهَا، وَمَا أَصَابَتْ بِاللَّيْلِ ضَمِنُوهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَسَوَاءٌ كَانَ مُحْظَرًا عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَ مُحْظَرٍ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَجَمِيعُ الْأَشْيَاءِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. الْبَاجِيُّ: وَهَذَا فِي مَوْضِعٍ تَتَدَاخَلُ فِيهِ الْمَزَارِعُ وَالْمُرَاعِي (وَإِنْ زَادَ عَلَى قِيمَتِهَا) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي ضَمَانِهِ قِيمَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمَاشِيَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَاشِيَةَ فِي قِيمَةِ مَا أَفْسَدَتْ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْجَانِي فَإِنَّهُ مُكَلَّفٌ وَالْمَاشِيَةُ رَبُّهَا هُوَ الْجَانِي (بِقِيمَتِهِ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَفْسَدَتْ الْمَاشِيَةُ الزَّرْعَ وَهُوَ صَغِيرٌ فِيهِ قِيمَتُهُ لَوْ كَانَ يَحِلُّ بَيْعُهُ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ اهـ. اُنْظُرْ لَوْ أَخْلَفَ وَهَلْ يَغْرَمُ طَعَامًا. اُنْظُرْ فَصْلَ التَّعَدِّي مِنْ ابْنِ سَلْمُونَ (لِأَنَّهَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا رَاعٍ وَسَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ وَإِلَّا فَعَلَى الرَّاعِي) ابْنُ الْحَاجِّ: إذَا قُلْنَا بِضَمَانِ مَا أَفْسَدَتْ الْمَاشِيَةُ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِأَرْبَابِهَا أَوْ بِرُعَاتِهَا، تَكَلَّمْت فِيهَا مَعَ ابْنِ رُشْدٍ فَظَهَرَ لَهُ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الرُّعَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى أَرْبَابِهَا لِأَنَّ الرَّاعِي أَجِيرٌ يَحْلِفُ مَا ضَيَّعَ وَلَا فَرَّطَ وَيَغْرَمُ رَبُّ الْمَاشِيَةِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا فِي الْإِجَارَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَأُجْبِرَ كَالْبَيْعِ ". ابْنُ سَلْمُونَ: وَإِذَا عَدَتْ بَهِيمَةٌ عَلَى أُخْرَى فَقَتَلَتْهَا فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ. أَبُو عُمَرَ: وَكَذَلِكَ إذَا انْفَلَتَتْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَرَكِبَتْ عَلَى رَجُلٍ نَائِمٍ فَجَرَحَتْهُ أَوْ قَتَلَتْهُ لِأَنَّ جَرْحَ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ. أَبُو عُمَرَ: وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ نَهَارًا عَنْ أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ إذَا أُطْلِقَتْ دُونَ رَاعٍ، إنْ كَانَ مَعَهَا رَاعٍ فَلَمْ يَمْنَعْهَا فَهُوَ كَالْقَائِدِ وَالرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ، وَقَدْ ضَمَّنَ مَالِكٌ الْقَائِدَ وَالسَّائِقَ وَالرَّاكِبَ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: مِنْ الْمَوَاضِعِ ضَرْبٌ تَنْفَرِدُ فِيهِ الْمَزَارِعُ وَالْحَوَائِطُ لَيْسَ بِمَكَانِ مَسْرَحٍ هَذَا لَا يَجُوزُ إرْسَالُ الْمَوَاشِي فِيهِ، وَمَا أَفْسَدَتْ فِيهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَعَلَى أَرْبَابِهَا. الْبَاجِيُّ: وَضَرْبٌ ثَالِثٌ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِإِرْسَالِ مَوَاشِيهِمْ فِيهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 443 فَأَحْدَثَ رَجُلٌ فِيهِ زَرْعًا لَا ضَمَانَ فِيهَا عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي لَيْلًا أَوْ نَهَارًا. وَانْظُرْ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ النَّحْلُ وَالْحَمَامُ وَالدَّجَاجُ كَالْمَاشِيَةِ لَا يُمْنَعُ مِنْ اتِّخَاذِهَا وَعَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ حِفْظُ زُرُوعِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالصَّوَابُ بِخِلَافِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 444 [كِتَاب الْعِتْق] [بَاب أَرْكَان الْعِتْق] وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، وَالنَّظَرُ فِي أَرْكَانِهِ وَخَوَاصِّهِ. أَمَّا الْأَرْكَانُ فَثَلَاثَةٌ: الْمُعْتِقُ وَالرَّقِيقُ وَالصِّيغَةُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 445 (بَابُ إنَّمَا يَصِحُّ إعْتَاقُ مُكَلَّفٍ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الْأَوَّلُ الْمُعْتِقُ وَهُوَ كُلُّ مُكَلَّفٍ ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يُرِدْ بِأَرْكَانِهِ الْمَحْمُولَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ الْعِتْقِ (بِلَا حَجْرٍ) نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَفْهُومُهُ رَدُّ عِتْقِ السَّفِيهِ أُمَّ وَلَدِهِ وَفِيهَا عِتْقُ السَّفِيهِ أُمَّ وَلَدِهِ جَائِزٌ انْتَهَى وَانْظُرْ أَيْضًا نَصُّوا أَنَّ السَّفِيهَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ وَيُعْتِقُ عَنْ ظِهَارِهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ. إذَا أَعْتَقَتْ ذَاتُ زَوْجٍ عَبْدًا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهَا فَلِلزَّوْجِ رَدُّ الْجَمِيعِ، وَمَنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَرُدُّوا إلَّا مَا زَادَ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَكِلَاهُمَا لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ. (أَوْ إحَاطَةِ دَيْنٍ) اُنْظُرْ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 449 أَرْبَابُ الدُّيُونِ مَجْهُولِينَ فَإِنَّ الْعِتْقَ يَنْفُذُ مُطْلَقًا وَالْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ، اُنْظُرْ نَوَازِلَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ بَتَلَ عِتْقَ عَبِيدِهِ فِي صِحَّتِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَغْتَرِقُهُمْ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمْ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ لَا يَغْتَرِقُهُمْ بِيعَ مِنْ جَمِيعِهِمْ مِقْدَارُ الدَّيْنِ بِالْحِصَصِ لَا بِالْقُرْعَةِ وَعَتَقَ مَا بَقِيَ. . (وَلِغَرِيمِهِ رَدُّهُ أَوْ بَعْضِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ قَامَ غَرِيمُهُ رُدَّ عِتْقُهُ أَوْ بَعْضُهُ (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ أَمْسَكَ الْغُرَمَاءُ عَنْ الْقِيَامِ بَعْدَ الْعِتْقِ ثُمَّ قَامُوا بَعْدَ الثَّلَاثِ سِنِينَ وَالْأَرْبَعِ وَهُوَ بِالْبَلَدِ وَقَالُوا: لَمْ نَعْلَمْ فَذَلِكَ لَهُمْ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُمْ عَلِمُوا (أَوْ يَطُولَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: وَإِنْ قَامُوا فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ الْقِيَامُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُرَدُّ عِتْقُهُ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ (أَوْ يُفِيدَ مَالًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَعْتَقَ فِي عُسْرِهِ فَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ حَتَّى أَيْسَرَ نَفَذَ عِتْقُهُ، ثُمَّ إنْ أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَبْلَ الْقِيَامِ عَلَيْهِ لَمْ يُرَدَّ عِتْقُهُ. (وَلَوْ قَبْلَ نُفُوذِ الْبَيْعِ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: لَوْ رَدَّ الْإِمَامُ عِتْقَهُ ثُمَّ أَيْسَرَ قَبْلَ بَيْعِهِ عَتَقَ. الْبَاجِيُّ: عَلَى هَذَا لَا يَطَأُ قَبْلَ الْيُسْرِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ رَدَّ غُرَمَاؤُهُ عِتْقَهُ فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِغُرَمَائِهِ بَيْعُهُمْ دُونَ الْإِمَامِ، فَإِنْ فَعَلَ أَوْ فَعَلُوا ثُمَّ رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ بَعْدَ أَنْ أَيْسَرَ رُدَّ الْبَيْعُ وَنَفَذَ الْعِتْقُ. (رَقِيقًا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ) هَذَا مَعْمُولُ إعْتَاقٍ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّانِي الرَّقِيقُ وَهُوَ كُلُّ إنْسَانٍ مَمْلُوكٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِهِ حَقٌّ لَازِمٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُعْتَقُ كُلُّ ذِي رِقٍّ مَمْلُوكٌ لِمُعْتِقِهِ لَمْ يُزَاحِمْ مِلْكَهُ إيَّاهُ حَقٌّ لِغَيْرِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ. فَقَوْلُنَا: لَمْ يُزَاحِمْ إلَخْ لِقَوْلِهَا مَعَ غَيْرِهَا مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَتَلَ قَتِيلًا خَطَأ وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ حَمْلَ جِنَايَتِهِ وَظَنَنْتُ أَنَّهَا تَلْزَمُ فِي ذِمَّتِهِ وَيَكُونُ حُرًّا، حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَيُرَدُّ عِتْقُهُ. (بِهِ وَفَكِّ الرَّقَبَةِ وَالتَّحْرِيرِ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّالِثُ الصِّيغَةُ وَصَرِيحُ لَفْظِهَا الْإِعْتَاقُ وَفَكُّ الرَّقَبَةِ وَالتَّحْرِيرُ (وَإِنْ فِي هَذَا الْيَوْمِ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَتَقَ لِلْأَبَدِ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ وَقَالَ: أَرَدْت عِتْقَهُ مِنْ الْعَمَلِ لَا الْحُرِّيَّةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 453 صُدِّقَ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ. (بِلَا قَرِينَةِ مَدْحٍ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ قَالَ فِي الْمُسَاوَمَةِ: هُوَ عَبْدٌ حُرٌّ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ لِصَرْفِ الْقَرِينَةِ لَهُ إلَى الْمَدْحِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ عَجِبَ مِنْ عَمَلِ عَبْدِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ رَآهُ مِنْهُ فَقَالَ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْفُتْيَا وَلَا فِي الْقَضَاءِ. (أَوْ حَلَفَ) اُنْظُرْ إنْ كَانَ عَلَى تَحْلِيفِ ظَالِمٍ قَالَ اللَّخْمِيِّ: لَوْ قَالَ لَهُ الْعَاشِرُ: لَا أَدَعُك إلَّا أَنْ تَقُولَ إنْ كَانَتْ أَمَتَكَ فَهِيَ حُرَّةٌ إنْ قَالَ ذَلِكَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ الْعِتْقِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى الْعِتْقَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَنْوِيَهُ كَانَتْ حُرَّةً لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ عَلَى النِّيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ لَا يَلْزَمُ إلَّا أَنْ يَتْرُكَ كَالتَّوْرِيَةِ. (أَوْ دَفْعِ مَكْسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ مَرَّ عَلَى عَاشِرٍ فَقَالَ: هُوَ حُرٌّ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْحُرِّيَّةَ فَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَإِنْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ لَمْ يَعْتِقْ أَيْضًا إذَا عَلِمَ أَنَّ السَّيِّدَ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ ظُلْمًا. (أَوْ بِلَا مِلْكٍ أَوْ لَا سَبِيلٍ لِي عَلَيْك إلَّا بِالْجَوَابِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ ابْتِدَاءً مِنْهُ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك أَوْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك عَتَقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ كَانَ جَوَابًا لِكَلَامٍ كَانَ قَبْلَهُ صُدِّقَ فِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ عِتْقًا وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ. (وَبِكَوَهَبْتُ لَك نَفْسَك) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِعَبْدِهِ قَدْ وَهَبْتُ لَك نَفْسَك إنَّهُ حُرٌّ. وَسَأَلْت مَالِكًا عَنْ رَجُلٍ وَهَبَ لِعَبْدِهِ نِصْفَهُ قَالَ: هُوَ حُرٌّ كُلُّهُ. (أَوْ بِكَاسْقِنِي أَوْ اذْهَبْ أَوْ اُعْزُبْ فَالنِّيَّةُ) ابْنُ شَاسٍ: وَأَمَّا الْكِنَايَةُ بِقَوْلِهِ: وَهَبْت لَك نَفْسَك أَوْ اذْهَبْ أَوْ اُعْزُبْ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 454 فَلَا تَعْمَلُ بِدُونِ اقْتِرَانِ نِيَّةِ الْعِتْقِ بِهِ. وَأَلْحَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِذَلِكَ اسْقِنِي الْمَاءَ إذَا اقْتَرَنَتْ بِذَلِكَ نِيَّةُ الْعِتْقِ. ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَاهُ شَرْطُ النِّيَّةِ فِي وَهَبْتُ لَك نَفْسَك وَفِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ. (وَعَتَقَ عَلَى الْبَائِعِ إنْ عَلَّقَ هُوَ وَالْمُشْتَرِي عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ الْبَائِعُ: إنْ بِعْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: إنْ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ لَهُ، عَتَقَ عَلَى الْبَائِعِ وَيَرُدُّ ثَمَنَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: الْقِيَاسُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا وَقَعَ مِنْ الْبَائِعِ بَعْدَ حُصُولِ الْعَبْدِ لِمُشْتَرِيهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَمِثْلُهُ اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ. (وَبِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ فِي إنْ اشْتَرَيْتُكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ: لِعَبْدٍ إنْ اشْتَرَيْتُك أَوْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَابْتَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 455 عَتَقَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ وَرَدَّ الثَّمَنَ. (كَأَنْ اشْتَرَى نَفْسَهُ فَاسِدًا وَالشِّقْصُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَوَلَدُ عَبْدِهِ مِنْ أَمَتِهِ وَإِنْ بَعْدَ يَمِينِهِ وَالْأُنْثَى فِيمَنْ يَمْلِكُهُ أَوْلَى) اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " وَإِنْ " فَإِنْ أَرَادَ وَإِنْ بَعْدَ يَمِينِهِ لَأَفْعَلَن فَبَيِّنٌ، وَإِنْ أَرَادَ لَا فَعَلْت فَلَا أَقَلَّ أَنْ يَقُولَ وَلَوْلَا فَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِهِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُ أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ حُرٌّ فِي غَيْرِ يَمِينٍ أَوْ فِي يَمِينٍ حَنِثَ بِمَا عَتَقَ مَنْ فِي مِلْكِهِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ، عَتَقَ مَنْ فِي مُلْكِهِ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَأَوْلَادُ عَبِيدِهِ مِنْ إمَائِهِمْ وَإِنْ وُلِدُوا بَعْدَ يَمِينِهِ بِخِلَافِ عَبِيدِ عَبِيدِهِ فَإِنَّهُمْ تَبَعٌ كَمَالِهِمْ. زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَعَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّ شِقْصٍ لَهُ فِي مَمْلُوكٍ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ بَقِيَّتُهُ إنْ كَانَ مَلِيًّا. ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّمَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ مَا وُلِدَ لِعَبِيدِهِ بَعْدَ يَمِينِهِ لَأَفْعَلَن لَا فِي يَمِينِهِ لَا فَعَلْتُ وَإِلَى هَذَا رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ فِي يَمِينِهِ لَأَفْعَلَن عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَبَرَّ فَإِذَا فَاتَهُ الْبِرُّ وَلَزِمَهُ الْعِتْقُ وَجَبَ أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ كُلُّ مَا وُلِدَ لَهُ مِنْ مُقْتَضٍ بَعْدَ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْأُمَّهَاتِ مُرْتَهَنَاتٍ بِالْيَمِينِ لَا يَسْتَطِيعُ بَيْعَهُنَّ وَلَا وَطْأَهُنَّ، وَسَوَاءٌ كُنَّ حَوَامِلَ يَوْمَ الْيَمِينِ أَوْ حَمَلْنَ بَعْدَ الْيَمِينِ. وَأَمَّا فِي يَمِينِهِ لَا فَعَلْت فَهُوَ عَلَى بِرٍّ، فَإِنْ كَانَ إمَاؤُهُ حَوَامِلَ يَوْمَ الْيَمِينِ دَخَلَ الْوَلَدُ فِي الْيَمِينِ، وَأَمَّا مَا حُمِلَ بِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ فَقِيلَ: يَدْخُلُ، وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُ وَهُوَ أَصْوَبُ. قَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ: إذَا قَالَ: عَبِيدِي أَحْرَارٌ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ عَبِيدُ عَبِيدِهِ. وَقَالَ فِي كِتَابِ النُّذُورِ: إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةَ فُلَانٍ وَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِهِ أَنَّهُ حَانِثٌ، فَقِيلَ: خِلَافٌ، وَقِيلَ: يُرَاعَى فِي الْأَيْمَانِ النِّيَّةُ. سَحْنُونَ: مَنْ قَالَ: مَمَالِيكِي أَحْرَارٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ذُكُورُ رَقِيقِهِ وَإِنَاثُهُمْ. رَجَعَ إلَى هَذَا سَحْنُونَ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ وِفَاقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: " كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ " يَعْتِقُ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: مَمَالِيكِي. ابْنُ سَحْنُونٍ: وَلَوْ قَالَ: رَقِيقِي أَحْرَارٌ عَتَقَ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ، وَلَوْ قَالَ: عَبِيدِي أَحْرَارٌ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ إلَّا الذُّكُورُ دُونَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 456 الْإِنَاثِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ إمَاءٌ حَوَامِلُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مَا أَتَيْنَ بِهِ مِنْ غُلَامٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، رَاجِعْ ثَالِثَ تَرْجَمَةٍ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ (أَوْ رَقِيقِي) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ سَحْنُونٍ: لَوْ قَالَ: رَقِيقِي أَحْرَارٌ عَتَقَ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ (أَوْ عَبِيدِي) لَمَّا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلَ ابْنِ سَحْنُونٍ الْمُتَقَدِّمَ وَهُوَ قَوْلُهُ: " لَوْ قَالَ: عَبِيدِي أَحْرَارٌ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ إلَّا الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ " قَالَ: وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَلَعَلَّ اسْمَ الْعَبْدِ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ وَإِلَّا فَلَفْظُ الْعَبِيدِ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ (أَوْ مَمَالِيكِي) تَقَدَّمَ نَصُّ سَحْنُونٍ: مَنْ قَالَ: مَمَالِيكِي أَحْرَارٌ دَخَلَ الْإِنَاثُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ وِفَاقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ (لَا عَبِيدُ عَبِيدِهِ) تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ يُونُسَ. قَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ: إذَا قَالَ: عَبِيدِي أَحْرَارٌ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ عَبِيدُ عَبِيدِهِ. (كَأَمْلِكُهُ أَبَدًا) مُضَمَّنُ مَا يَتَقَرَّرُ أَنَّهُ إنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ حُرٌّ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ مَنْ سَيَمْلِكُهُ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَأَمَّا الَّذِي كَانَ عَلَى مِلْكِهِ فَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَبَدًا أَوْ لَا، فَرْقٌ. ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَ مَنْ فِي مِلْكِهِ وَأَوْلَادُ عَبِيدِهِ مِنْ إمَائِهِمْ بِخِلَافِ عَبِيدِ عَبِيدِهِ. وَبِخِلَافِ: كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا، وَإِنْ قَالَ: فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَكَذَلِكَ بِخِلَافِ كُلِّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَبَدًا فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ مَنْ فِي مِلْكِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ وَلَا رَقِيقَ لَهُ فَأَفَادَ رَقِيقًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا أَفَادَ بَعْدَ يَمِينِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَا بَعْدَ تَزْوِيجِهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ أَبَدًا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ فَدَخَلَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ إلَّا فِيمَا مَلَكَ يَوْمَ حَلَفَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ مَمْلُوكٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا يَمْلِكُ قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ الْيَمِينُ بِالصَّدَقَةِ. قَالَ أَشْهَبُ: وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَبَدًا حُرٌّ فَدَخَلَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ فِيمَا عِنْدَهُ مِنْ عَبْدٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ مَا يَمْلِكُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا لَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَبَدًا حُرٌّ وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا أَبَدًا طَالِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ إنَّمَا أَوْقَعَ مِلْكَ الْأَبَدِ عَلَى الدُّخُولِ، وَأَشْهَبُ أَوْقَعَهُ عَلَى الْمِلْكِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: كُلُّ عَبْدٍ أَشْتَرِيه حُرٌّ وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا أَوْ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هَاهُنَا أَبَدًا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَكُونُ لِمَا مَضَى لَا يَقُولُ الْإِنْسَانُ اشْتَرِ فِيمَا هُوَ مَالِكُهُ بَعْدُ فَهُوَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَمْلِكُهُ. (وَوَجَبَ بِالنَّذْرِ وَلَمْ يُقْضَ إلَّا بِبَتٍّ مُعَيَّنٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْعِتْقُ يَجِبُ بِالنَّذْرِ وَلَا يُقْضَى إلَّا بِالْيَمِينِ وَالْحِنْثِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا مُشْكِلٌ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ عِدَّةٌ إنْ شَاءَ رَجَعَ فِيهَا، وَمَنْ بَتَّ عَتَقَ عِنْدَهُ أَوْ حَنِثَ بِذَلِكَ فِي يَمِينِ عِتْقٍ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ وَعَدَهُ بِالْعِتْقِ أَوْ نَذَرَ عِتْقَهُ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَأُمِرَ بِعِتْقِهِ. اللَّخْمِيِّ: مَنْ قَالَ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدٍ لَزِمَهُ فَإِنْ كَانَ لَيْسَ مُعَيَّنًا لَمْ يُجْبَرْ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَقَالَ مَالِكٌ: كَذَلِكَ أَيْضًا لَا يُجْبَرُ. (وَهُوَ فِي خُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ وَمَنْعِ بَيْعٍ وَوَطْءٍ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ وَعِتْقِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 457 عُضْوٍ وَتَمْلِيكِهِ لِلْعَبْدِ وَجَوَابِهِ كَالطَّلَاقِ وَإِلَّا لِأَجَلٍ وَاحِدٍ كَمَا مَرَّ فَلَهُ الِاخْتِيَارُ وَإِنْ حَمَلَتْ فَلَهُ وَطْؤُهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً) أَمَّا خُصُوصُهُ وَعُمُومُهُ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: الْعِتْقُ كَالطَّلَاقِ فِي عُمُومِهِ لِعِتْقِ مَا يُسْتَقْبَلُ مِلْكُهُ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَنَا. قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَوْ كُلُّ جَارِيَةٍ أَوْ عَبْدٍ أَشْتَرِيه أَوْ أَمْلِكُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ حُرٌّ فِي غَيْرِ يَمِينٍ أَوْ فِي يَمِينٍ حَنِثَ بِهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا يَمْلِكُ أَوْ يَشْتَرِي، كَانَ عِنْدَهُ رَقِيقٌ يَوْمَ حَلَفَ أَوْ لَمْ يَكُنْ، أَعْتَقَ مِنْ عَبِيدِهِ حِينَئِذٍ أَوْ بَاعَ أَمْ لَا، لِأَنَّهُ قَدْ عَمَّ الْجَوَارِيَ وَالْغِلْمَانَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ عَبْدًا أَوْ يَخُصَّ جِنْسًا أَوْ بَلَدًا أَوْ يَضْرِبَ أَجَلًا يَبْلُغُهُ عُمُرُهُ كَذَلِكَ مِنْ الصَّقَالِبَةِ أَوْ مِنْ الْبَرْبَرِ أَوْ مِنْ مِصْرَ أَوْ مِنْ الشَّامِ أَوْ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً. وَيُمْكِنُ أَنْ يَعِيشَ لِذَلِكَ الْأَجَلِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ ضَرَبَ أَجَلًا مُسَمًّى جِنْسًا أَوْ مَوْضِعًا وَلَمْ يَعُمَّ. وَهَذَا كَمَنْ عَمَّ أَوْ خَصَّ فِي الطَّلَاقِ. وَأَمَّا مَنْعُهُ مِنْ بَيْعٍ وَوَطْءٍ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ بِعِتْقٍ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَهُوَ عَلَى بِرٍّ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْفِعْلِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْءٍ وَلَا بَيْعٍ، وَإِنْ مَاتَ لَمْ يَلْزَمْ وَرَثَتَهُ عِتْقٌ. فَأَمَّا إنْ قَالَ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ أَوْ لَا فَعَلْتُ كَذَا فَهُوَ عَلَى حِنْثٍ وَيُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ أَوْ الْبَيْعِ وَلَا أَمْنَعُهُ الْخِدْمَةَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ عَتَقَ رَقِيقُهُ مِنْ الثُّلُثِ إذْ هُوَ حِنْثٌ وَقَعَ بَعْدَ الْمَوْتِ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا كَانَ مَنْ حَلَفَ إنْ فَعَلْتُ أَوْ لَا فَعَلْت كَذَا عَلَى بِرٍّ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ الشَّيْءَ يَحْنَثُ، فَدَلَّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ عَلَى بِرٍّ. وَأَمَّا الْحَالِفُ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ أَوْ لَأَفْعَلَن إنَّمَا سَرَّ بِفِعْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَدَلَّ أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ عَلَى حِنْثٍ، وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي النُّذُورِ وَجْهًا آخَرَ غَيْرَ هَذَا. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ. وَقَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَمَّا الْحَالِفُ: إنْ فَعَلْتُ فَلَهُ الْبَيْعُ وَالتَّصَرُّفُ، فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَوَلَدَتْ بَعْدَ الْيَمِينِ فَهَلْ يَدْخُلُ الْوَلَدُ فِي الْيَمِينِ؟ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يَدْخُلُ قَالَ: وَلَا أَرَى رِوَايَةَ أَنَّهُ يَدْخُلُ إلَّا وَهْمًا. أَشْهَبُ: وَإِنْ حَلَفَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِهِ إنْ عَفَا عَنْ فُلَانٍ لَمْ يَنْفَعْهُ أَنْ يَبِيعَهُ ثُمَّ يَعْفُوَ، لِأَنَّ الْمَعْنَى يَمِينُهُ لَا عَاقِبَتُهُ فَهُوَ كَالْحَالِفِ لَأَفْعَلَنَّ لَا كَمَنْ حَلَفَ إنْ فَعَلْتُ. قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ: إنْ لَمْ تَفْعَلْ كَذَا فَأَمَتِي حُرَّةٌ وَزَوْجَتِي طَالِقٌ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ وَالْوَطْءِ وَهُوَ عَلَى حِنْثٍ، وَلَا يُضْرَبُ لَهُ فِي هَذَا أَجَلُ الْإِيلَاءِ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 458 الزَّوْجَةِ وَإِنَّمَا يُضْرَبُ لَهُ فِي يَمِينِهِ لَأَفْعَلَنَّ، وَأَمَّا هَذَا فَالْإِمَامُ يَتَلَوَّمُ لَهُ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ مِنْ الْأَجَلِ فِي تَأْخِيرِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَاتَ الْحَالِفُ فِي الْبُلُوغِ مَاتَ عَلَى حِنْثٍ وَعَتَقَتْ الْأَمَةُ فِي الثُّلُثِ وَتَرِثُهُ الزَّوْجَةُ لِأَنَّ الْحِنْثَ وَقَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ أَوْ أَفْعَلْ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى حِنْثٍ وَيَتَوَارَثَانِ قَبْلَ الْبِرِّ وَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ. قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ إذَا مَاتَ فُلَانٌ حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ مِتُّ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ بِمَوْتٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ وَطْءُ الْمُعْتَقَةِ إلَى أَجَلٍ وَيَجُوزُ وَطْءُ الْمُدَبَّرَةِ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَكِلْتَاهُمَا مُعْتَقَةٌ إلَى أَجَلٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَجُوزُ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ عِتْقِ عُضْوٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: يَدُك حُرَّةٌ أَوْ رِجْلُك حُرَّةٌ عَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ كَمَا لَوْ طَلَّقَ عُضْوًا مِنْ امْرَأَتِهِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ. وَانْظُرْ إذَا أَعْتَقَ جَنِينَ الْأَمَةِ دُونَهَا أَوْ الْعَكْسُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ فَرْقٌ. وَانْظُرْ رَابِعَ تَرْجَمَةٍ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ تَمْلِيكِهِ لِلْعَبْدِ وَجَوَابُهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ مَلَّكَ عَبْدَهُ الْعِتْقَ وَقَالَ لَهُ: اعْتِقْ نَفْسَكَ فِي مَجْلِسِكَ هَذَا وَفَوَّضَ ذَلِكَ إلَيْهِ فَقَالَ الْعَبْدُ: اخْتَرْت نَفْسِي فَقَالَ الْعَبْدُ: نَوَيْت بِذَلِكَ الْعِتْقَ، صُدِّقَ وَعَتَقَ لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَحْرُفِ الْعِتْقِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْعِتْقَ فَلَا عِتْقَ لَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَفَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِ الْعَبْدِ: اخْتَرْتُ نَفْسِي وَبَيْنَ قَوْلِ الْمُمَلَّكَةِ: اخْتَرْتُ نَفْسِي. اُنْظُرْ فِيمَنْ مَلَّكَ عَبْدَهُ الْعِتْقَ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ لِعَبْدٍ: أَنَا أَدْخُلُ الدَّارَ وَقَالَ: أَرَدْت بِذَلِكَ الْعِتْقَ. فَلَا عِتْقَ لَهُ إذْ لَيْسَ هَذَا مِنْ أَحْرُفِ الْعِتْقِ بِخِلَافِ إذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: اُدْخُلْ الدَّارَ يُرِيدُ بِلَفْظِ ذَلِكَ الْعِتْقَ فَإِنَّ الْعِتْقَ يَلْزَمُهُ، فَالْعَبْدُ فِي هَذَا مِثْلُ الْمَرْأَةِ فِي التَّمْلِيكِ تَقُولُ: أَنَا أَدْخُلُ بَيْتِي فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَنَّهَا أَرَادَتْ الطَّلَاقَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْقَوْلُ فِيمَنْ مَلَّكَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ الْعِتْقَ كَالْقَوْلِ فِي تَمْلِيكِ الزَّوْجَةِ أَنَّ ذَلِكَ فِي يَدِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا مِنْ الْمَجْلِسِ أَوْ لَمْ يَطُلْ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْعِتْقِ إلَى الْأَجَلِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَعْتَقَ إلَى أَجَلٍ آتٍ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَنْ أَعْتَقَ بِالْخِدْمَةِ لِذَلِكَ الْأَجَلِ لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ وَالْبَيْعِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ (وَإِحْدَاكُمَا) فَلَهُ الِاخْتِيَارُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ فَحَنِثَ فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً طَلُقَتْ الَّتِي نَوَى خَاصَّةً وَهُوَ مُصَدَّقٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ طَلُقَتَا جَمِيعًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَالَ: رَأْسٌ مِنْ رَقِيقِي حُرٌّ وَلَمْ يَنْوِ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي عِتْقِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ إذَا حَمَلَتْ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِأَمَةٍ يَطَؤُهَا إذَا حَمَلْتِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَلَهُ وَطْؤُهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً. قِيلَ لَهُ: وَلِمَ لَا يَتَمَادَى عَلَى وَطْئِهَا؟ قَالَ مَالِكٌ:. فَكُلُّ النِّسَاءِ عَلَى الْحَمْلِ إلَّا الشَّاذَّةَ وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إذَا حَمَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِذَا وَطِئَهَا مَرَّةً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 459 طَلُقَتْ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَمَةِ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: إنْ حَمَلْتِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَكَانَتْ حَامِلًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هِيَ حُرَّةٌ. وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا تَعْتِقُ بِهَذَا الْحَمْلِ. وَاسْتُشْكِلَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الشَّرْطَ وَجَزَاءَهُ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ وَالتَّرَجِّي وَالتَّمَنِّي وَالْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالدُّعَاءَ وَالْإِبَاحَةَ، هَذِهِ الْعَشَرَةُ الْحَقَائِقُ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ. (وَإِنْ فُرِضَ عِتْقُهُ لِاثْنَيْنِ فَلَمْ يَسْتَقِلَّ أَحَدُهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَا رَسُولَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَمَرَ رَجُلَيْنِ بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فَإِنْ فَوَّضَ ذَلِكَ إلَيْهِمَا لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ حَتَّى يَجْتَمِعَا، وَإِنْ جَعَلَهُمَا رَسُولَيْنِ عَتَقَ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ أَمَرَ رَجُلَيْنِ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ الْجَوَابُ وَاحِدٌ. (وَإِنْ قَالَ: إنْ دَخَلْتُمَا فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: إنْ دَخَلْتِ هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَدَخَلَتْ إحْدَى الدَّارَيْنِ حَنِثَ وَعَتَقَتْ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ: إنْ دَخَلْتُمَا هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتُمَا حُرَّتَانِ أَوْ لِزَوْجَتَيْهِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَدَخَلَتْهَا وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَدْخُلَاهَا جَمِيعًا. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ وَابْنُ يُونُسَ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَأَنَّهُ إنَّمَا كَرِهَ اجْتِمَاعَهُمَا فِيهَا لِوَجْهٍ مَا، وَعَلَى هَذَا وَقَعَتْ يَمِينُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِدُخُولِ الْوَاحِدَةِ. [خواص الْعِتْق] (وَعَتَقَ بِنَفْسِ الْمِلْكِ الْأَبَوَانِ وَإِنْ عَلَوَا وَالْوَلَدُ وَإِنْ سَفَلَ كَبِنْتٍ) ابْنُ شَاسٍ: النَّظَرُ الثَّانِي فِي خَوَاصِّ الْعِتْقِ وَهُوَ سِتَّةٌ. الْخَاصَّةُ الثَّانِيَةُ مِنْ ذَلِكَ عِتْقُ الْقَرَابَةِ، فَمَنْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ أَحَدُ عَمُودَيْهِ أَعْنِي أُصُولَيْهِ وَهُوَ الْعَمُودُ الْأَعْلَى الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ وَآبَاؤُهُمْ وَأُمَّهَاتُهُمْ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَمِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَإِنْ عَلَوْا، وَفُصُولُهُ وَهُوَ الْعَمُودُ الْأَسْفَلُ أَعْنِي الْمَوْلُودَ مِنْ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا عَتَقَ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ دَخَلَ عَلَيْهِ قَهْرًا بِالْإِرْثِ أَوْ اخْتِيَارًا بِالْعَقْدِ (وَأَخٍ وَأُخْتٍ مُطْلَقًا) ابْنُ شَاسٍ: وَيَلْحَقُ بِالْعَمُودَيْنِ الْجَنَاحُ وَهُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 460 عَمُودُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانُوا دُونَ أَوْلَادِهِمْ. (وَإِنْ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ) أَبُو عُمَرَ: كُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ يَعْتِقُ عَلَى مَالِكِهِ سَاعَةَ يَتِمُّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَهُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ مِيرَاثٍ (إنْ عَلِمَ الْمُعْطِي) ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ وَرِثَ أَبَاهُ أَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ أَشْهَبُ: هُوَ حُرٌّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَمَّا إذَا وَرِثَهُ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ وَلَا يُبَاعُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لِأَنَّ الْوَاهِبَ يَقُولُ: لَمْ أَهَبْهُ لَهُ وَلَمْ أَتَصَدَّقْ عَلَيْهِ بِهِ إلَّا لِيَعْتِقَ لَا لِيُبَاعَ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْوَاهِبُ وَالْمُتَصَدِّقُ أَنَّهُ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَلْيُبَعْ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ كَالْمِيرَاثِ، قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا انْتَهَى. فَانْظُرْ هَذَا مَعَ إطْلَاقِ خَلِيلٍ إنْ عَلِمَ الْمُعْطِي، وَهَذَا الشَّرْطُ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَانَ لِلْمَوْهُوبِ عَلَيْهِ دَيْنٌ. (وَلَمْ يُقْبَلْ وَوَلَاؤُهُ لَهُ) ابْنُ شَاسٍ: قَالَ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ: إنْ أَوْصَى لَهُ بِأَبِيهِ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهُ عَتَقَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ أَوْ رَدَّهُ وَالْوَلَاءُ لَهُ. (وَلَا يُكَمَّلُ فِي جُزْءٍ لَمْ يَقْبَلْهُ كَبِيرٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ أَبِيهِ فَإِنْ قَبِلَهُ قُوِّمَ عَلَيْهِ بَاقِيه، وَإِنْ رَدَّهُ فَرَوَى عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا رَدَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشِّقْصُ فَقَطْ. قَالَهُ مَالِكٌ. وَأَمَّا مَنْ وَرِثَ شِقْصًا مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ إلَّا مَا وَرِثَ فَقَطْ وَلَا تُقَوَّمُ عَلَيْهِ بَقِيَّتُهُ وَإِنْ كَانَ مَلِيًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَجُرَّ الْمِيرَاثَ إلَى نَفْسِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ وَفِي الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ هُوَ جَرَّ ذَلِكَ إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى دَفْعِهِ. (أَوْ قَبِلَهُ وَلِيٌّ صَغِيرٌ أَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَوْصَى لِصَغِيرٍ بِشِقْصٍ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَوْ وَرَثَتِهِ فَقَبِلَ ذَلِكَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ فَإِنَّمَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشِّقْصُ فَقَطْ وَلَا يُقَوَّمُ عَلَى الصَّبِيِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 461 بِقِيمَتِهِ وَلَا عَلَى الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ الَّذِي قَبِلَهُ. وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ فَهُوَ حُرٌّ عَلَى الصَّبِيِّ، وَكُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ عَلَى الصَّبِيِّ فَقَبُولُهُ الْهِبَةَ جَائِزٌ وَذَلِكَ فِي الْأَبِ وَالْوَصِيِّ (إلَّا بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَيُبَاعُ) تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ وَرِثَ شِقْصًا مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بَقِيَّتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجُرَّ الْمِيرَاثَ إلَى نَفْسِهِ، وَتَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَمَّا إذَا وَرِثَهُ فَإِنَّهُ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: أَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ أَعْنِي مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُبَعْ فِي دَيْنِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ وَرِثَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَبِالْحُكْمِ إنْ عَمَدَ لِشَيْنٍ بِرَقِيقِهِ وَرَقِيقِ رَقِيقِهِ) ابْنُ شَاسٍ: الْخَاصِّيَّةُ الثَّالِثَةُ الْعِتْقُ بِالْمُثْلَةِ، ابْنُ الْحَاجِبِ: مَنْ مَثَّلَ بِرَقِيقِهِ عَمْدًا مُثْلَةَ شَيْنٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 462 عَتَقَ عَلَيْهِ وَعُزِّرَ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْعِتْقِ بِتَمْثِيلِ السَّيِّدِ فِي رَقِيقٍ لَهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ أَوْ بِأُمِّ وَلَدِهِ أَوْ بِمُدَبَّرِهِ أَوْ بِعَبْدِ عَبْدِهِ أَوْ بِمُدَبَّرِهِ أَوْ بِأُمِّ وَلَدِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ شَرْطُ الْمُثْلَةِ بِمُطْلَقِ الْعَمْدِ لِلضَّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ مُثْلَةً. (أَوْ لِوَلَدٍ صَغِيرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ عَتَقَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مَلِيًّا وَغَرِمَ قِيمَتَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَفْهُومُهُ أَنَّ الْكَبِيرَ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَقَالَهُ اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا فِي وِلَايَتِهِ فَهُوَ كَالصَّغِيرِ. (غَيْرُ سَفِيهٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي اعْتِبَارِ تَمْثِيلِ السَّفِيهِ بِعَبْدِهِ كَالرَّشِيدِ وَلَغْوِهِ قَوْلَانِ، الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ لَغْوُهُ. (وَعَبْدٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: عَنْ اللَّخْمِيِّ: وَابْنُ يُونُسَ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ تَمْثِيلَ الْمُدَبَّرِ لِعَبْدِهِ وَالْعَبْدِ بِعَبْدِهِ لَغْوٌ. (وَذِمِّيٍّ بِمِثْلِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: تَمْثِيلُ الذِّمِّيِّ بِعَبْدِهِ الْمُسْلِمِ يُعْتِقُهُ. (وَزَوْجَةٍ وَمَرِيضٍ فِي زَائِدِ الثُّلُثِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ تَمْثِيلِ ذَاتِ الزَّوْجِ كَابْتِدَاءِ عِتْقِهَا وَلُزُومِ عِتْقِهَا بِهِ وَلَوْ كَرِهَ الزَّوْجُ نَقْلًا لِلَّخْمِيِّ وَعَزَا ابْنُ يُونُسَ الْأَوَّلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ (وَمَدِينٍ) تَقَدَّمَ تَمْثِيلُ الْمُدَبَّرِ لَغْوٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. (كَقَطْعِ ظُفُرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَطْعُ الْأُنْمُلَةِ مُثْلَةٌ. ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ: إنْ قَطَعَ ظُفُرَهُ أَوْ ضِرْسَهُ أَوْ سِنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 463 عَتَقَ عَلَيْهِ. (وَقَطْعِ بَعْضِ أُذُنٍ أَوْ جَسَدٍ) رَوَى مُحَمَّدٌ: إنْ قَطَعَ طَرَفَ أُذُنِهِ أَوْ بَعْضَ جَسَدِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ (أَوْ سِنٍّ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. (أَوْ سَحْلِهَا) ابْنُ شَاسٍ: سَحْلُ الْأَسْنَانِ شَيْنٌ مَعْنَاهُ يَبْرُدُهَا حَتَّى تَذْهَبَ، قَالَهُ مَالِكٌ. (أَوْ خَرْمِ أَنْفٍ) نَقَلَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَوْ خَرَمَ أَنْفَ عَبْدِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ. (أَوْ حَلْقِ شَعْرِ أَمَةٍ رَفِيعَةٍ أَوْ لِحْيَةِ تَاجِرٍ) رَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ: حَلْقُ رَأْسِ الْعَبْدِ النَّبِيلِ وَالْأَمَةُ الرَّفِيعَةُ مُثْلَةٌ لَا فِي غَيْرِهَا. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَحَلْقُ رَأْسِ الْأَمَةِ وَلِحْيَةِ الْعَبْدِ لَيْسَ بِشَيْنٍ إلَّا فِي التَّاجِرِ الْمُحْتَرَمِ وَالْأَمَةِ الرَّفِيعَةِ. (أَوْ وَسْمِ وَجْهٍ بِنَارٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ كَتَبَ فِي وَجْهِ عَبْدِهِ أَوْ جَبْهَتِهِ أَنَّهُ آبِقٌ عَتَقَ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَأَشْهَبُ. وَقَالَ أَصْبَغُ: وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي ذِرَاعَيْهِ وَبَاطِنِ جَسَدِهِ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَنْ عُرِفَ بِالْإِبَاقِ فَوَسَمَ سَيِّدُهُ فِي وَجْهِهِ عَبْدَ فُلَانٍ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَهُ بِمِدَادٍ وَإِبْرَةٍ عَتَقَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ (لَا غَيْرِهِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ أَصْبَغَ: لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي ذِرَاعَيْهِ أَوْ بَاطِنِ جَسَدِهِ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ (وَلَا غَيْرِهَا فِيهِ قَوْلَانِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي وَسْمِ وَجْهِهِ بِغَيْرِ نَارٍ قَوْلَانِ. (وَالْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ فِي نَفْيِ الْعَمْدِ) رَجَعَ سَحْنُونَ إلَى أَنَّ مَنْ فَقَأَ عَيْنَ عَبْدِهِ أَوْ عَيْنَ امْرَأَتِهِ فَقَوْلَانِ. فَعَلَ ذَلِكَ بِنَا عَمْدًا وَقَالَ السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ: بَلْ أَدَّبْتهمَا فَأَخْطَأْت أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى السَّيِّدِ وَلَا عَلَى الزَّوْجِ حَتَّى يَظْهَرَ الْعَدَاءُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ. (لَا فِي عِتْقٍ بِمَالٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا قَالَ سَيِّدُ الْعَبْدِ: أَعْتَقْته عَلَى مَالٍ وَقَالَ الْعَبْدُ: عَلَى غَيْرِ مَالٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 464 فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ وَيَحْلِفُ. (وَبِالْحُكْمِ جَمِيعِهِ إنْ أَعْتَقَ جُزْءًا وَالْبَاقِي لَهُ) ابْنُ شَاسٍ: الْخَاصِّيَّةُ الْأُولَى الْعِتْقُ بِالسِّرَايَةِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ عَبْدِهِ عَتَقَ جَمِيعُهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ هَذَا ابْتِدَاءً قَالَ فِي التَّلْقِينِ: لَا يَجُوزُ تَبْعِيضُ الْعِتْقِ ابْتِدَاءً. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَيْسَ هَذَا عَلَى حَقِيقَتِهِ. (كَأَنْ بَقِيَ لِغَيْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَهُوَ مَلِيءٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 465 قُوِّمَ عَلَيْهِ حَظُّ شَرِيكِهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَضَاءِ وَعَتَقَ عَلَيْهِ. (إنْ دَفَعَ الْقِيمَةَ يَوْمَهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ رَضِيَ الشَّرِيكُ بِاتِّبَاعِ ذِمَّةِ الْمُعْسِرِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَعْتَقَ الْمَلِيُّ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَأَخَذَهُ شَرِيكُهُ بِالْقِيمَةِ عَلَى أَنْ زَادَهُ فِيهَا فَذَلِكَ حَرَامٌ. قَالَ: وَمَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَهُوَ مَلِيٌّ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ صَاحِبِهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَضَاءِ (وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُسْلِمًا أَوْ الْعَبْدُ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُسْلِمُ كَمَّلَ عَلَيْهِ، مُسْلِمًا كَانَ الْعَبْدُ أَوْ غَيْرَ مُسْلِمٍ. وَإِنْ أَعْتَقَ الذِّمِّيُّ فَفَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَأَلْزَمَ التَّقْوِيمَ إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا وَأَسْقَطَهُ إذَا كَانَ ذِمِّيًّا. وَلَا خِلَافَ فِي التَّقْوِيمِ إذَا كَانَ السَّيِّدَانِ مُسْلِمَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ ذِمِّيًّا وَأَوْلَى إذَا كَانَ الثَّلَاثَةُ مُسْلِمِينَ كَمَا لَا يُخْتَلَفُ أَنَّا لَا نُلْزِمُهُمَا التَّقْوِيمَ إذَا كَانُوا ذِمِّيَّيْنِ، وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكَانِ ذِمِّيَّيْنِ وَالْعَبْدُ مُسْلِمًا فَفِي التَّقْوِيمِ رِوَايَتَانِ (وَإِنْ أَيْسَرَ بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا فَمُقَابِلُهَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: قُوِّمَ عَلَيْهِ الْبَاقِي بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِهِ. ابْنُ شَاسٍ: فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِالْبَعْضِ لَسُرِيَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ وَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ (وَفَضَلَتْ عَنْ مَتْرُوكٍ مُفْلِسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُبَاعُ عَلَيْهِ الْكِسْوَةُ ذَاتُ الْبَالِ وَلَا يُتْرَكُ لَهُ إلَّا كِسْوَتُهُ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا وَعِيشَةُ الْأَيَّامِ. ابْنُ شَاسٍ: كَمَا فِي الدُّيُونِ الَّتِي عَلَيْهِ (وَإِنْ حَصَلَ عِتْقُهُ بِاخْتِيَارِهِ لَا بِإِرْثٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَرِثَ شِقْصًا مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتِقُ مِنْهُ إلَّا مَا وَرِثَ فَقَطْ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ لِأَنَّهُ جَرَّ ذَلِكَ إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى دَفْعِهَا (وَإِنْ ابْتَدَأَ الْعِتْقَ لَا إنْ كَانَ حُرَّ الْبَعْضِ وَقُوِّمَ عَلَى الْأَوَّلِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: قُوِّمَ عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُبْتَدِئُ لِتَبْعِيضِ الْعِتْقِ فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ حُرًّا لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَالتَّقْوِيمُ عَلَى الْأَوَّلِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ وَهُوَ مَلِيٌّ ثُمَّ أَعْتَقَ شَرِيكُهُ نِصْفَ نَصِيبِهِ عَتَقَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 466 بَاقِي حِصَّتِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَتْلَفَ نَصِيبَهُ بِعِتْقِهِ لِبَعْضِهِ، وَلَا يُقَوَّمُ عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ وَالْعَبْدُ غَيْرُ تَالِفٍ (وَإِلَّا فَعَلَى حِصَصِهِمَا إنْ أَيْسَرَا وَإِلَّا فَعَلَى الْمُوسِرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ ثُمَّ أَعْتَقَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ وَهُمَا مَلِيئَانِ فَأَرَادَ التَّمَسُّكَ بِالرِّقِّ أَوْ يُضَمِّنُ الثَّانِي، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ الْفَسَادَ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ عَدِيمًا فَلَا تَقْوِيمَ عَلَى الثَّانِي وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا، وَلَوْ أَعْتَقَا جَمِيعًا قُوِّمَ عَلَيْهِمَا إنْ كَانَا مَلِيَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَلِيًّا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا قُوِّمَ جَمِيعُ بَاقِيه عَلَى الْمُوسِرِ. (وَعُجِّلَ فِي ثُلُثِ مَرِيضٍ أُمِنَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَعْتَقَ الْمَرِيضُ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ أَوْ نِصْفِ عَبْدٍ يَمْلِكُ جَمِيعَهُ، فَإِنْ كَانَ مَالُهُ مَأْمُونًا عَتَقَ عَلَيْهِ الْآنَ جَمِيعُهُ وَغَرِمَ قِيمَةَ حَظِّ شَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ لَمْ يَعْتِقْ نَصِيبُهُ وَلَا نَصِيبُ شَرِيكِهِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَعْتِقُ جَمِيعُهُ فِي الثُّلُثِ وَيَغْرَمُ قِيمَةَ حَظِّ شَرِيكِهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ عَتَقَ مِنْهُ مَبْلَغَهُ وَرَقَّ مَا بَقِيَ وَلَزِمَهُ عِتْقُ بَقِيَّتِهِ إنْ عَاشَ. (وَلَمْ يُقَوَّمْ عَلَى مَيِّتٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حَظَّهُ مِنْ عَبْدٍ فِي صِحَّتِهِ فَلَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ إلَّا مَا كَانَ عَتَقَ وَلَا يُقَوَّمُ عَلَى مَيِّتٍ وَكَذَلِكَ لَوْ فَلَّسَ. (لَمْ يُوصِ) ثَالِثُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ مَالِكٍ إنْ أَوْصَى بِعِتْقِ نَصِيبِهِ وَتَقْوِيمِ حَظِّ شَرِيكِهِ فَأَبَى شَرِيكُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ وَقُوِّمَ كَامِلًا بِمَالِهِ. أَبُو عُمَرَ: إنَّ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَى أَنَّ جَمِيعَهُ مَمْلُوكٌ ثُمَّ يُقَوَّمُ عَلَى مَا يُسَوَّى فِي خِبْرَتِهِ وَصَنْعَتِهِ وَبِمَالِهِ. وَفِي الرِّسَالَةِ: قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ يُقَامُ عَلَيْهِ (بَعْدَ امْتِنَاعِ شَرِيكِهِ مِنْ الْعِتْقِ) قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقَوَّمُ إلَّا بَعْدَ تَخْيِيرِ الشَّرِيكِ فِي الْعِتْقِ وَالتَّقْوِيمِ. (وَنُقِضَ لَهُ بَيْعُ شَرِيكِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ بَاعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 467 نُقِضَ الْبَيْعُ وَقُوِّمَ عَلَى الْمُعْتِقِ. (وَتَأْجِيلُ الثَّانِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَعْتَقَ الْمَلِيءُ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُعْتِقَ نَصِيبَهُ إلَى أَجْلِ مَا أَعْتَقَ بَتْلًا أَوْ قُوِّمَ عَلَى شَرِيكِهِ (وَتَدْبِيرُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَعْتَقَ الْمَلِيءُ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَأَعْتَقَ شَرِيكُهُ حِصَّتَهُ إلَى أَجَلٍ أَوْ دَبَّرَ أَوْ كَاتَبَ رُدَّ إلَى التَّقْوِيمِ إلَّا أَنْ يَبْتِلَهُ. (وَلَا يَنْتَقِلُ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ أَحَدَهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فِي يُسْرِهِ فَقَالَ شَرِيكُهُ: أَنَا أُقَوِّمُ عَلَيْهِ نَصِيبِي ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: أَنَا أُعْتِقُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا التَّقْوِيمُ. (وَإِذَا حُكِمَ بِبَيْعِهِ لِعُسْرٍ مَضَى) ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا حُكِمَ بِسُقُوطِ التَّقْوِيمِ لِعُسْرِهِ فَلَا تَقْوِيمَ بَعْدُ وَلَوْ لَمْ يُحْكَمْ فَأَيْسَرَ فَفِي إثْبَاتِهِ رِوَايَتَانِ (كَقَبْلِهِ ثُمَّ أَيِسَ إنْ كَانَ بَيْنَ الْعُسْرِ وَحَضَرَ الْعَبْدُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَعْتَقَ مُعْسِرٌ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَلَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ حَظُّ شَرِيكِهِ حَتَّى أَيْسَرَ فَقَالَ مَالِكٌ قَدِيمًا: يُقَوَّمُ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: إنْ كَانَ يَوْمَ أَعْتَقَ يَعْلَمُ النَّاسُ وَالْعَبْدُ وَالْمُتَمَسِّكُ بِالرِّقِّ إنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الْقِيَامَ لِأَنَّهُ إنْ خُوصِمَ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ لِعُدْمِهِ فَلَا يُعْتِق عَلَيْهِ وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا فَلَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ حَتَّى أَيْسَرَ الْمُعْتِقُ فَنَصِيبُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 468 يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَاضِرِ (وَأَحْكَامُهُ قَبْلَهُ كَالْقِنِّ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ مَاتَ الْعَبْدُ عَنْ مَالٍ قَبْلَ التَّقْوِيمِ أَوْ قُتِلَ فَقِيمَتُهُ وَمَا تَرَكَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَتِمَّ (وَلَا يَلْزَمُ اسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ وَلَا قَبُولُ مَالِ الْغَيْرِ) مَالِكٌ: لَا يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ سَيِّدُهُ فَذَلِكَ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَرَضَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُعْطِيَ مَالَهُ وَيَعْتِقَ لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَكَذَلِكَ مَا اسْتَفَادَ مِنْ مَالٍ قَبْلُ. ابْنُ عَرَفَةَ: لِأَنَّهُ مُعْتَقٌ بَعْضُهُ (وَلَا تَخْلِيدُ الْقِيمَةِ فِي ذِمَّةِ الْمُعْسِرِ بِرِضَا الشَّرِيكِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ رَضِيَ الشَّرِيكُ بِاتِّبَاعِ ذِمَّةِ الْمُعْسِرِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. (وَمَنْ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ إلَى أَجَلٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ لِيَعْتِقَ جَمِيعُهُ عِنْدَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حَظَّهُ مِنْ الْعَبْدِ إلَى أَجَلٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ الْآنَ وَلَمْ يَعْتِقْ حَتَّى إلَى الْأَجَلِ (إلَّا أَنْ يَبُتَّ الثَّانِي فَنَصِيبُ الْأَوَّلِ عَلَى حَالِهِ) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ أَعْتَقَ حَظَّهُ مِنْ عَبْدٍ وَأَجَّلَهُ إلَى سَنَةٍ وَأَعْتَقَ الْآخَرُ بَتْلًا رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَقَالَ: أَحْسَنُ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَالِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (وَإِنْ دَبَّرَ حِصَّتَهُ تَقَاوَيَاهُ لِيَرِقَّ كُلُّهُ أَوْ يُدَبَّرَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مَنْ دَبَّرَ حِصَّتَهُ لَمْ يَسْرِ وَيَتَقَاوَيَاهُ فَيَكُونُ رَقِيقًا كُلُّهُ أَوْ مُدَبَّرًا. اللَّخْمِيِّ: الْمُقَاوَاةُ جُنُوحٌ لِجَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَأَتَى بِثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ زَائِدَةٍ عَلَى هَذَا. (وَلَوْ ادَّعَى الْمُعْتَقُ عَيْبَهُ فَلَهُ اسْتِحْلَافُهُ) الْبَاجِيُّ: لَوْ ادَّعَى الْمُعْتِقُ عَيْبًا بِالْعَبْدِ وَأَنْكَرَهُ شَرِيكُهُ فَفِي وُجُوبِ حَلِفِهِ قَوْلَانِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ ثَانِي قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ أَوْ أَجَازَ عِتْقَ عَبْدِهِ جُزْءًا قُوِّمَ فِي مَالِ السَّيِّدِ وَإِنْ اُحْتِيجَ لِبَيْعِ الْمُعْتِقِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا أَذِنَ السَّيِّدُ أَوْ أَجَازَ عِتْقَ عَبْدِهِ جُزْءًا قُوِّمَ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِ الْمُعْتِقِ. (وَإِنْ أَعْتَقَ أَوَّلَ وَلَدٍ لَمْ يُعْتِقْ الثَّانِي وَلَوْ مَاتَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِأَمَةٍ: أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ، عَتَقَ أَوَّلُهُمَا خُرُوجًا، فَإِنْ خَرَجَ الْأَوَّلُ مَيِّتًا فَلَا عِتْقَ لِلثَّانِي. (فَإِنْ أَعْتَقَ جَنِينًا أَوْ دَبَّرَهُ فَحُرٌّ وَإِنْ لِأَكْثَرِ الْحَمْلِ إلَّا لِزَوْجٍ مُرْسَلٍ عَلَيْهَا فَلِأَقَلِّ الْحَمْلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ أَوْ دَبَّرَهُ وَهِيَ حَامِلٌ يَوْمَئِذٍ فَمَا أَتَتْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْحَمْلِ إلَى أَقْصَى حَمْلِ النِّسَاءِ فَحُرٌّ، أَوْ مُدَبَّرٌ إنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا حَمْلًا يَوْمَ عِتْقِهِ فَلَا يُعْتِقُهَا هُنَا إلَّا مَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْعِتْقِ، وَلَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ يَوْمَ الْعِتْقِ ظَاهِرَةُ الْحَمْلِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ عَتَقَ مَا أَتَتْ بِهِ مَا بَيْنَهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 469 وَبَيْنَ أَرْبَعِ سِنِينَ. قَالَ غَيْرُهُ: إنْ كَانَ الزَّوْجُ مُرْسَلًا عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ بَيِّنَةَ الْحَمْلِ أُنْظِرَتْ إلَى حَدِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ مَيِّتًا فَمَا وَلَدَتْ إلَى أَقْصَى أَمَدِ النِّسَاءِ فَهُوَ حُرٌّ. (وَبِيعَتْ وَإِنْ سَبَقَ الْعِتْقُ دَيْنٌ وَرِقٌّ وَلَا يُسْتَثْنَى بَيْعٌ أَوْ عِتْقٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الَّذِي يُعْتِقُ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ فِي صِحَّتِهِ لَا تُبَاعُ وَهِيَ حَامِلٌ إلَّا فِي قِيَامٍ بِدَيْنٍ اسْتَحْدَثَهُ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَتُبَاعُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهَا وَيَرِقُّ جَنِينُهَا إذْ لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ. فَأَمَّا إنْ قَامَ الْغُرَمَاءُ بَعْدَ الْوَضْعِ فَانْظُرْ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ بَعْدَ الْعِتْقِ عَتَقَ الْوَلَدُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَدَتْهُ فِي مَرَضِ السَّيِّدِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتُبَاعُ الْأُمُّ وَحْدَهَا فِي الدَّيْنِ وَلَا يُفَارِقُهَا وَلَدُهَا، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ قَبْلَ الْعِتْقِ بِيعَ الْوَلَدُ لِلْغُرَمَاءِ إنْ لَمْ تَفِ الْأُمُّ بِدَيْنِهِمْ. (وَلَمْ يَجُزْ شِرَاءُ وَلِيِّ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى وَلَدٍ صَغِيرٍ بِمَالِهِ) اللَّخْمِيِّ: يُخْتَلَفُ هَلْ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، فَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. (وَلَا عَبْدٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اشْتَرَى عَبْدٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ لَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهُ. (وَإِنْ دَفَعَ عَبْدٌ مَالًا لِمَنْ يَشْتَرِيه بِهِ فَإِنْ قَالَ: اشْتَرِنِي لِنَفْسِك فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ اسْتَثْنَى مَالَهُ وَإِلَّا غَرِمَهُ كَتَعْتُقُنِي وَبِيعَ فِيهِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَلَاءُ لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا دَفَعَ الْعَبْدُ مَالًا لِرَجُلٍ وَقَالَ لَهُ: اشْتَرِنِي لِنَفْسِك أَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ لِيَشْتَرِيَهُ وَيُعْتِقَهُ فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي اسْتَثْنَى مَالَ الْعَبْدِ لَمْ يَغْرَمْ الثَّمَنَ ثَانِيَةً، وَإِنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ فَلْيَغْرَمْ الثَّمَنَ ثَانِيَةً لِلْبَائِعِ وَيُعْتِقُ الَّذِي شَرَطَ الْعِتْقَ وَلَا يَتَّبِعُهُ الرَّجُلُ بِشَيْءٍ وَيَرِقُّ لَهُ الْآخَرُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي مَالٌ رُدَّ عِتْقُ الْعَبْدِ وَبِيعَ فِي ثَمَنِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ أَعْطَاهُ السَّيِّدُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ الْفَضْلِ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ بَعْدَ بَيْعِ الْعَبْدِ كَانَ فِي ذِمَّةِ الرَّجُلِ. (وَإِنْ قَالَ لِنَفْسِي فَحُرٌّ وَوَلَاؤُهُ لِبَائِعِهِ إنْ اسْتَثْنَى مَالَهُ وَإِلَّا رَقَّ) ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ قَالَ لَهُ الْعَبْدُ: اشْتَرِنِي بِهَذَا الْمَالِ لِنَفْسِي فَفَعَلَ وَاسْتَثْنَى لَهُ مَالَهُ فَهُوَ حُرٌّ مَكَانَهُ لِأَنَّهُ مِلْكُ نَفْسِهِ وَوَلَاؤُهُ لِلسَّيِّدِ الْبَائِعِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَثْنِ مَالَهُ عَادَ رِقًّا لِبَائِعِهِ وَالْمَالُ لَهُ وَلَا يَتَّبِعُ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ كَانَ مَلِيًّا أَوْ مُعْدِمًا. (وَإِنْ أَعْتَقَ عَبِيدًا فِي مَرَضِهِ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ وَلَوْ سَمَّاهُمْ وَلَمْ يَحْمِلْهُمْ الثُّلُثُ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ ثُلُثِهِمْ أَوْ بِعَدَدٍ سَمَّاهُ مِنْ أَكْثَرَ أَقْرَعَ) أَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ أَعْتَقَ عَبِيدًا فِي مَرَضِهِ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ فَقَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 470 مَالِكٍ فِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبِيدِهِ فِي مَرَضِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمْ فَيُعْتِقُ ثُلُثَهُمْ بِالسَّهْمِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَكْثَرُهُمْ أَنَّ هَذَا حُكْمُ مَنْ أَعْتَقَ عَبِيدَهُ فِي مَرَضِهِ بَتْلًا وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ إلَّا أَشْهَبَ وَأَصْبَغَ فَإِنَّهُمَا قَالَا: إنَّمَا الْقُرْعَةُ فِي الْوَصِيَّةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْقُرْعَةُ لَقِفٌ لِتَعْيِينِ سَهْمِ الْعِتْقِ لَهُ بِخُرُوجِ اسْمِهِ مِنْ مُخْتَلِطٍ بِهِ بِإِخْرَاجٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ قَصْدُ عَيْنِهِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ إذَا سَمَّاهُمْ فَقَالَ سَحْنُونَ: يُفَرَّقُ عِنْدَنَا إذَا سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ. فَإِذَا سَمَّى فَقَالَ مَيْمُونُ وَمَرْزُوقُ: حُرَّانِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ فِي ضِيقِ الثُّلُثِ وَإِنْ قَالَ: عَبْدَايَ حُرَّانِ أَوْ قَالَ: غِلْمَانِي أَحْرَارٌ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ: سَوَاءٌ سَمَّاهُمْ أَوْ لَمْ يُسَمِّ أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمْ. وَوَجْهُ ابْنِ يُونُسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَلَمْ يَعْزُ لِمَالِكٍ وَلَا لِابْنِ الْقَاسِمِ مِنْهُمَا قَوْلًا. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ ثُلُثِهِمْ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ: ثُلُثُ رَقِيقِي أَحْرَارٌ أَوْ نِصْفُهُمْ أَوْ ثُلُثَاهُمْ عَتَقَ مِنْهُمْ مَنْ سَمَّى بِالْقُرْعَةِ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَإِلَّا فَمَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِمَّا سَمَّى، وَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِعَدَدٍ سَمَّاهُ مِنْ أَكْثَرَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ: عَشَرَةٌ مِنْ رَقِيقِي أَحْرَارٌ وَهُمْ سِتُّونَ أَعْتَقَ سُدُسَهُمْ، خَرَجَ السَّهْمُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ أَوْ أَقَلَّ. قَالَ مَالِكٌ: إذَا دَبَّرَ فِي مَرَضِهِ: جَمَاعَةَ عَبِيدِهِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَبْدَأْ أَحَدُهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ وَعَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ، وَإِذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَيَعْتِقُ ثُلُثُهُمْ وَيَرِقُّ بَاقِيهِمْ وَالْكُلُّ عِتْقٌ لَا يَنْفُذُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ (كَالْقِسْمَةِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: طَرِيقُ الْقُرْعَةِ أَنْ يَقُومَ الْعَبْدُ وَتُكْتَبُ أَسْمَاؤُهُمْ كَالْقِسْمَةِ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ عَتَقَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى كَمَالِ الثُّلُثِ بِوَاحِدٍ أَوْ بِبَعْضِهِ (إلَّا أَنْ يُرَتِّبَ فَيُتَّبَعَ) اللَّخْمِيِّ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَيْهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، بُدِئَ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ مَا يَنْقُضُ عِتْقَ الْأَوَّلِ. ابْنُ عَرَفَةَ: نَحْوُ هَذَا قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ لَوْ أَعْتَقَ عَلَى تَرْتِيبٍ فَالسَّابِقُ مُقَدَّمٌ (أَوْ يَقُولَ ثُلُثُ كُلٍّ أَوْ أَنْصَافُهُمْ أَوْ أَثْلَاثُهُمْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: أَنْصَافُ رَقِيقِي أَوْ أَثْلَاثُهُمْ أَحْرَارٌ، أَوْ ثُلُثُ كُلِّ رَأْسٍ وَنِصْفُ كُلِّ رَأْسٍ، عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا ذَكَرَ إنْ حَمَلَ ذَلِكَ ثُلُثُهُ وَلَا يَبْدَأُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ ثُلُثٌ عَتَقَ مَا حَمَلَ ثُلُثُهُ مِمَّا سَمَّى بِالْحِصَاصِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِغَيْرِ سَهْمٍ، يُرِيدُ وَلَوْ وَسِعَهُمْ الثُّلُثُ عَتَقَ جَمِيعُهُمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً. ابْنُ يُونُسَ: وَيَفْتَرِقُ فِي هَذَا الصِّحَّةُ مِنْ الْمَرَضِ أَوْ الْوَصِيَّةُ. فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ صَحِيحٌ عَتَقَ عَلَيْهِ ثُلُثُ كُلِّ رَأْسٍ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْ كُلِّ رَأْسٍ،، وَإِنْ قَالَهُ مَرِيضٌ فَمَاتَ عَتَقَ مَا سَمَّى وَاسْتُتِمَّ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 471 ثُلُثِهِ. وَإِنْ قَالَهُ فِي وَصِيَّةٍ عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُهُ فَقَطْ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ فِي حَالٍ صَارَ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ شِقْصًا حِينَئِذٍ. (وَاتَّبَعَ سَيِّدَهُ بِدَيْنٍ إنْ لَمْ يَسْتَثْنِ مَالَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَلِلْعَبْدِ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ السَّيِّدُ أَوْ يَسْتَثْنِيَ مَالَهُ مُجْمَلًا فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ، لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا أُعْتِقَ تَبِعَهُ مَالُهُ. (وَرُقَّ إنْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِرِقِّهِ أَوْ تَقَدَّمَ دَيْنٌ وَحَلَفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ وَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدٍ حَلَفَ مَعَهُ وَاسْتَرَقَّهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ قَضَى عَلَى السَّيِّدِ بِدَيْنٍ تَقَدَّمَ الْعِتْقُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَذَلِكَ يُرَدُّ بِهِ الْعِتْقُ. (وَاسْتُؤْنِيَ بِالْمَالِ إنْ شَهِدَ بِالْوَلَاءِ شَاهِدٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَهِدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ أَنَّ هَذَا الْمَيِّتَ مَوْلَى فُلَانٍ أَعْتَقَهُ اُسْتُؤْنِيَ بِالْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ غَيْرُهُ قُضِيَ لَهُ بِهِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَحُوزُ بِذَلِكَ الْوَلَاءَ. (أَوْ اثْنَانِ أَنَّهُمَا لَمْ يَزَالَا يَسْمَعَانِ أَنَّهُ مَوْلَاهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَنَّ هَذَا الْمَيِّتَ مَوْلًى لِفُلَانٍ لَا يَعْلَمَانِ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ اُسْتُؤْنِيَ بِالْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ غَيْرُهُ قُضِيَ لَهُ بِهِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَجْرِ بِذَلِكَ الْوَلَاءُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يَكُونُ لَهُ وَلَاؤُهُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ وَلَا يُسْتَحَقُّ بِهَا مَالٌ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ النَّسَبِ أَوْ الْوَلَاءِ. (أَوْ وَارِثُهُ وَحَلَفَ وَلَا يَجْرِ بِذَلِكَ الْوَلَاءُ) رَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ مَعْرُوفُ النَّسَبِ وَأَتَى مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ وَلَدُهُ أَوْ زَوْجُهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِهِ وَأَقَامَ شَاهِدًا قُضِيَ لَهُ بِالْمَالِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَلَمْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا لِلْمَرْأَةِ نِكَاحٌ، وَلَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ بِنْتٌ كَانَ لَهُ مَا فَضَلَ عَنْهَا. وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ شَهَادَةَ الْبِنْتِ يَكْفِي فِيهَا الْوَاحِدُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فِي السَّمَاعِ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ. (وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَ عَبْدًا لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَهِدَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ وَأَقَرَّ بِأَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ بَقِيَّتُهُمْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ وَلَا إقْرَارُهُ وَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ إذْ لَيْسَ هُوَ الْمُعْتِقُ فَيَلْزَمُهُ التَّقْوِيمُ وَجَمِيعُ الْعَبْدِ رَقِيقٌ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُقِرِّ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ مِنْ الْعَبْدِ فَيَجْعَلَ ثَمَنَهُ فِي رَقَبَةٍ يُعْتِقُهَا وَيَكُونُ وَلَاؤُهَا لِأَبِيهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَمَا لَمْ يَبْلُغْ رَقَبَةً أَعَانَ بِهِ فِي رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَفِي آخِرِ نَجْمٍ مُكَاتَبٌ، وَكَذَلِكَ فِي إقْرَارِ غَيْرِ الْوَلَدِ مِنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ. وَانْظُرْ رَسْمَ الْقُطْعَانِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى إنْ كَانَ الَّذِي شَهِدَ بِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَ وَاحِدًا مِنْ عَبِيدِهِ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ بِالْقُرْعَةِ فَإِنْ جَاءَ فِي نَصِيبِهِ عَتَقَ. (وَإِنْ شَهِدَ عَلَى شَرِيكِهِ بِعِتْقِ نَصِيبِهِ فَنَصِيبُ الشَّاهِدِ حُرٌّ إنْ أَيْسَرَ شَرِيكُهُ وَالْأَكْثَرُ عَلَى نَفْيِهِ كَعُسْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ شَهِدَ رَجُلٌ بِأَنَّ شَرِيكَهُ فِي الْعَبْدِ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ وَالشَّاهِدُ مُوسِرٌ أَوْ مُعْسِرٌ، فَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُوسِرًا فَنَصِيبُ الشَّاهِدِ حُرٌّ لِأَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 472 أَقَرَّ أَنَّ مَالَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قِيمَةٌ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَعْتِقْ مِنْ الْعَبْدِ شَيْءٌ. قَالَ غَيْرُهُ: ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا. قَالَ سَحْنُونَ: وَهَذَا أَجْوَدُ وَعَلَيْهِ جَمِيعُ الرُّوَاةِ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا إذْ لَوْ جَازَ هَذَا لَمْ يَشَأْ شَرِيكٌ أَنْ يُعْتِقَ حِصَّتَهُ بِغَيْرِ تَقْوِيمٍ إلَّا فَعَلَ. [بَابٌ فِي التَّدْبِيرُ] بَابٌ. (التَّدْبِيرُ تَعْلِيقُ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ وَإِنْ زَوْجَةً فِي زَائِدِ الثُّلُثِ الْعِتْقَ بِمَوْتِهِ لَا عَلَى وَصِيَّةٍ كَإِنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي أَوْ سَفَرِي هَذَا أَوْ بَعْدَ مَوْتِي إنْ لَمْ يُرِدْهُ أَوْ لَمْ يُعَلِّقْهُ أَوْ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: التَّدْبِيرُ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ عَلَى الْمَوْتِ عَلَى غَيْرِ الْوَصِيَّةِ. قَالَ: أَمَّا إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا فَوَصِيَّةٌ لَا تَدْبِيرٌ. وَسَيَأْتِي قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ إنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَهِيَ وَصِيَّةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ التَّدْبِيرَ كَمَا إذَا عَلَّقَ عَلَى شَيْءٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَإِنَّهُ تَدْبِيرٌ. وَسَيَأْتِي أَيْضًا نَصُّ ابْنِ يُونُسَ فِي أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ أَنَّهَا وَصِيَّةٌ. اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ: التَّدْبِيرُ أَوْجَبَهُ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 473 نَفْسِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ وَالْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ عُهْدَةٌ إنْ شَاءَ رَجَعَ فِيهَا، وَالْأَمْرُ فِي هَذَيْنِ الْعِتْقَيْنِ فِي مُوجِبِ اللِّسَانِ وَاحِدٌ. ابْنُ شَاسٍ: وَمِنْ أَرْكَانِ التَّدْبِيرِ الْأَهْلِيَّةُ، فَلَا يَصِحُّ التَّدْبِيرُ مِنْ الْمَجْنُونِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَيَنْفُذُ فِي الْمُمَيِّزِ وَلَا يَنْفُذُ مِنْ السَّفِيهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُدَبَّرُ هُوَ السَّالِمُ عَنْ مَحْضِ التَّبَرُّعِ. سُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُنْبَذُ مِنْ ذَاتِ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سِوَى مَا دَبَّرَتْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَفَرْقٌ بَيْنَ عِتْقِهَا وَتَدْبِيرِهَا لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يُخْرِجُ مِنْ يَدِهَا شَيْئًا هُوَ مَوْقُوفٌ مَعَهَا حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ ثُلُثِهَا فَلَا حُجَّةَ لِزَوْجِهَا إنَّمَا هُوَ وَصِيَّةٌ سَحْنُونَ: هَذَا خَطَأٌ. ابْنُ رُشْدٍ: رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا مِثْلُ قَوْلِ سَحْنُونٍ، وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ: إنْ مِتُّ فِي مَرَضِي فَعَبْدِي فُلَانٌ مُدَبَّرٌ فَهُوَ تَدْبِيرٌ لَازِمٌ وَلَا رُجُوعَ فِيهِ. وَقَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ قَيَّدَ تَدْبِيرَهُ بِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَكُونُ أَوْ لَا يَكُونُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا أَوْ فِي هَذَا الْبَلَدِ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إنَّهَا وَصِيَّةٌ وَلَيْسَ بِتَدْبِيرٍ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ وَيَبِيعُهُ إنْ شَاءَ. وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: إنَّهُ تَدْبِيرٌ لَازِمٌ وَهَذَا الْخِلَافُ عِنْدِي قَائِمٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. رَاجِعْ الْمُقَدَّمَاتِ. وَاتَّفَقَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ إذَا مِتُّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ التَّدْبِيرَ. وَخَالَفَهُ أَشْهَبُ وَلِكِلَا الْقَوْلَيْنِ أَعْنِي قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَجْهٌ مِنْ النَّظَرِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَفَعَلَهُ لَكَانَ مُدَبَّرًا لَا رُجُوعَ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِمَا جَمِيعًا لِوُجُوبِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالْحِنْثِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَالْمُعَلَّقُ أَشَدُّ مِنْ غَيْرِ الْمُعَلَّقِ، وَالْمُطْلَقُ أَخَفُّ مِنْ الْمُعَلَّقِ. وَأَمَّا إنْ عَلَّقَ الْعِتْقَ عَلَى الْمَوْتِ كَأَنْتَ حُرُّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ إذَا مِتُّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّهُ وَصِيَّةٌ حَتَّى يُرِيدَ التَّدْبِيرَ. وَقَالَ أَشْهَبُ: هُوَ تَدْبِيرٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ لِكِلَا الْقَوْلَيْنِ وَجْهًا. وَأَمَّا إنْ لَمْ يُعَلِّقْ التَّدْبِيرَ عَلَى الْمَوْتِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: التَّدْبِيرُ عَقْدٌ مِنْ عُقُودِ الْحُرِّيَّةِ يَلْزَمُ مَنْ الْتَزَمَهُ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ: وَهَذَا إذَا كَانَ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ إذَا قَيَّدَهُ قَالَ: وَصِفَةُ التَّدْبِيرِ الْمُطْلَقِ اللَّازِمِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ فِي عَبْدِهِ هُوَ مُدَبَّرٌ أَوْ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي لَا يُغَيَّرُ عَنْ حَالِهِ. ابْنُ شَاسٍ: فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَوَصِيَّةٌ مَا لَمْ يَنْوِ بِهَا التَّدْبِيرَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ وَيَلْحَقُهُ الدَّيْنُ ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا. (بِدَبَّرْتُك) ابْنُ شَاسٍ: مِنْ أَرْكَانِ التَّدْبِيرِ اللَّفْظُ، وَصَرِيحُهُ دَبَّرْتُكَ وَنَحْوُهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: " إنْ لَمْ يُرِدْهُ فَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّ التَّدْبِيرَ بِدُونِ لَفْظِ دَبَّرَ " (أَوْ مُدَبَّرٌ أَوْ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي فَهُوَ مُدَبَّرٌ يُمْنَعُ بَيْعَهُ. وَتَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ بِهَذَا وَأَنَّ مِنْهُ هُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي لَا يُغَيَّرُ عَنْ حَالِهِ. (وَنَفَذَ تَدْبِيرُ نَصْرَانِيٍّ لِمُسْلِمٍ وَأُوجِرَ لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَسْلَمَ مُدَبَّرٌ أَوْ ابْتَاعَ مُسْلِمًا أَوْ دَبَّرَهُ أَجْبَرْنَاهُ عَلَيْهِ وَقَبَضَ غَلَّتَهُ وَلَا يَتَعَجَّلُ رِقُّهُ بِالْبَيْعِ وَهُوَ قَدْ يَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ رَجَعَ إلَيْهِ عَبْدُهُ وَكَانَ لَهُ وَلَاءُ الَّذِي دَبَّرَهُ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ، وَأَمَّا وَلَاءُ الَّذِي دَبَّرَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ نَفَذَ الْعَقْدُ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَإِنْ أَسْلَمَ. وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى مَاتَ عَتَقَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 474 فِي ثُلُثِهِ وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلنَّصْرَانِيِّ وَلَدٌ وَأَخٌ مُسْلِمٌ وَيَكُونُ لَهُ وَلَاءُ الَّذِي دَبَّرَهُ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ. ابْنُ يُونُسَ: إذَا أَسْلَمَ مُدَبَّرُ النَّصْرَانِيِّ فَآجَرْنَاهُ عَلَيْهِ وَقَبَضَ السَّيِّدُ إجَارَتَهُ وَأَتْلَفَهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْدُمَ الْعَبْدُ مِنْ الْإِجَارَةِ شَيْئًا وَلَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ، فَإِنْ رَضِيَ الْعَبْدُ أَنْ يَخْدُمَ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ لِرَغْبَتِهِ فِي عِتْقِ جَمِيعِ ثُلُثِهِ فَذَلِكَ لَهُ. (وَتَنَاوَلَ الْحَمْلَ مَعَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا دَبَّرَ حَامِلًا فَوَلَدُهَا مُدَبَّرٌ بِمَنْزِلَتِهَا (كَوَلَدِ مُدَبَّرٍ مِنْ أَمَتِهِ بَعْدَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا وُلِدَ لِلْمُدَبَّرِ مِنْ أَمَتِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ أَوْ بَعْدَهُ فَمُدَبَّرٌ مِثْلُهُ. وَانْظُرْ إنْ كَانَتْ حَامِلًا فَفَرْقٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُدَبَّرَةِ (وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ بِهِ إنْ عَتَقَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كُلَّمَا وُلِدَ لِلْمُدَبَّرِ مِنْ أَمَتِهِ مِمَّا حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ عَقْدِ التَّدْبِيرِ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ يَعْتِقُ مَعَهُ فِي الثُّلُثِ، فَإِذَا أُعْتِقَا كَانَتْ الْأُمُّ أُمَّ وَلَدٍ بِذَلِكَ لَهُ، كَانَ الْوَلَدُ الْآنَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا. وَلِمَالِكٍ قَوْلٌ آخَرُ (وَقُدِّمَ عَلَيْهِ الْأَبُ فِي الضِّيقِ) اُنْظُرْ هَذَا وَابْنَ يُونُسَ: مَا وَلَدَتْ الْمُدَبَّرَةُ أَوْ وَلَدَ الْمُدَبَّرُ مِنْ أَمَتِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَبِمَنْزِلَتِهِمَا وَالْمُحَاصَّةُ بَيْنَ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ فِي الثُّلُثِ، وَيَعْتِقُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِنْ جَمِيعِهِمْ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ يَعْنِي هَاهُنَا أَنَّ الدَّبْرَ سَوَاءٌ كَانَ حَمْلُهَا قَبْلَ التَّدْبِيرِ أَوْ بَعْدَهُ بِخِلَافِ حَمْلِ أَمَةِ الْمُدَبَّرِ قَبْلَ التَّدْبِيرِ هُوَ رِقٌّ لِسَيِّدِهِ. (وَلِلسَّيِّدِ نَزْعُ مَالِهِ إنْ لَمْ يَمْرَضْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يُجْبِرُوا الْمُفْلِسَ عَلَى انْتِزَاعِ مَالِ أُمِّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرِهِ، وَلَهُ هُوَ انْتِزَاعُهُ إنْ شَاءَ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ أَوْ يَنْتَزِعُهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ إنْ شَاءَ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا إنْ مَرِضَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ انْتِزَاعُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْتَزِعُهُ لِوَرَثَتِهِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعَامِلُوهُ عَلَى أَنْ يُجْبِرُوهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا كَمَا لَمْ يُجْبِرُوهُ عَلَى قَبُولِ الْهِبَةِ إنْ وُهِبَتْ لَهُ وَإِنْ مَرِضَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَزِعَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْتَزِعُهُ لِوَرَثَتِهِ وَفِي التَّفْلِيسِ يَنْزِعُهُ لِنَفْسِهِ. (وَرَهْنُهُ وَكِتَابَتُهُ) اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ: لِلسَّيِّدِ أَنْ يَرْهَنَ مُدَبَّرَهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 475 اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ كَاتَبَ السَّيِّدُ مُدَبَّرَهُ جَازَ فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ وَإِلَّا بَقِيَ مُدَبَّرًا. (لَا إخْرَاجُهُ لِغَيْرِ حُرِّيَّةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا الصَّدَقَةُ بِهِ، وَكَانَ ابْنُ لُبَابَةَ يُجِيزُ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ إذَا تَخَلَّقَ عَلَى مَوْلَاهُ (وَفُسِخَ بَيْعُهُ) الْجَلَّابُ: مَنْ بَاعَ مُدَبَّرًا فُسِخَ بَيْعُهُ (إنْ لَمْ يَعْتِقْ كَالْمُكَاتَبِ) الْجَلَّابُ: إنْ أَعْتَقَهُ مُبْتَاعُهُ قَبْلَ فَسْخِ بَيْعِهِ فَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ عِتْقَهُ نَاجِزٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَجْعَلَ الْفَضْلَ مِنْ ثَمَنِهِ عَنْ قِيمَتِهِ فِي مُدَبَّرٍ مِثْلِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تُبَاعُ رَقَبَةُ الْمُكَاتَبِ فَإِنْ بِيعَتْ رُدَّ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَفُتْ بِعِتْقٍ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِسَيِّدِ الْمُدَبَّرِ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يُعْتِقُهُ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالًا مِنْ رَجُلٍ وَيُعَجِّلُ عِتْقَهُ وَالْعِتْقُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَوْجُودٌ مَعَ الْعِوَضِ. (وَإِنْ جَنَى فَإِنْ فَدَاهُ وَإِلَّا أَسْلَمَ خِدْمَتَهُ تَقَاضَيَا) الْجَلَّابُ: وَإِنْ جَنَى الْمُدَبَّرُ جِنَايَةً فَجِنَايَتُهُ فِي خِدْمَتِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ وَالسَّيِّدُ بِالْخِيَارِ فِي افْتِكَاكِهِ بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ وَفِي إسْلَامِ خِدْمَتِهِ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِيَخْدُمَهُ وَيُقَاصَّهُ بِأَرْشِ خِدْمَتِهِ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ، فَإِنْ اسْتَوْفَى ذَلِكَ وَالسَّيِّدُ حَيٌّ رَجَعَ إلَيْهِ فَكَانَ مُدَبَّرًا عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَهُ مَالٌ رَاجِعْ التَّفْرِيعَ وَنَحْوُ هَذَا كُلِّهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ (وَحَاصَّهُ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ ثَانِيًا) عِبَارَةُ الْجَلَّابِ: إنْ جَرَحَ وَاحِدًا أُسْلِمَ إلَيْهِ، فَإِنْ جَرَحَ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ تَحَاصَّا فِي خِدْمَتِهِ (وَرَجَعَ إنْ وَفَّى) تَقَدَّمَتْ عِبَارَةُ الْجَلَّابِ: إنْ اسْتَوْفِي ذَلِكَ وَالسَّيِّدُ حَيٌّ رَجَعَ إلَيْهِ فَكَانَ مُدَبَّرًا عَلَى حَالِهِ (وَإِنْ عَتَقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ اتَّبَعَ بِالْبَاقِي) الْجَلَّابُ: إنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَهُ مَالٌ يُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ وَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَكَانَ ثُلُثَا مَا بَقِيَ مُعَلَّقًا بِخِدْمَتِهِ وَالْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ فِي إسْلَامِ ثُلُثَيْهِ وَفِي افْتِكَاكِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ (وَقُوِّمَ بِمَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 476 الثُّلُثُ إلَّا بَعْضًا عَتَقَ وَأُقِرَّ مَالُهُ بِيَدِهِ) نَحْوُ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يُقَوَّمُ بَعْدَ وَفَاةِ سَيِّدِهِ بِمَالِهِ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. فَإِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ عَتَقَ وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بَعْضُهُ وَأُقِرَّ مَالُهُ بِيَدِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ مِائَةَ دِينَارٍ وَمَالُهُ مِائَةَ دِينَارٍ وَتَرَكَ سَيِّدُهُ مِائَةَ دِينَارٍ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ نِصْفُهُ وَيُقَرُّ مَالُهُ بِيَدِهِ لِأَنَّ قِيمَتَهُ بِمَالِهِ مِائَتَانِ وَلَا يُنْزَعُ مِنْهُ شَيْءٌ. هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ (وَإِنْ كَانَ لِسَيِّدِهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ عَلَى حَاضِرٍ مُوسِرٍ بِيعَ بِالنَّقْدِ) اللَّخْمِيِّ: إذَا ضَاقَ الثُّلُثُ وَكَانَ لِلسَّيِّدِ دَيْنٌ عَلَى حَاضِرٍ مُؤَجَّلٍ بِيعَ بِالنَّقْدِ (وَإِنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ اُسْتُؤْنِيَ قَبْضُهُ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ عَلَى غَائِبٍ قَرِيبِ الْغَيْبَةِ وَهُوَ حَالٌّ اُسْتُؤْنِيَ بِالْعِتْقِ حَتَّى يُقْبَضَ الدَّيْنُ (وَإِلَّا بِيعَ) اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ أَوْ عَلَى حَاضِرٍ مُعْدَمٍ بِيعَ الْمُدَبَّرُ لِلْغُرَمَاءِ الْآنَ (وَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ أَوْ أَيْسَرَ الْمُعْدِمُ بَعْدَ بَيْعِهِ عَتَقَ مِنْهُ حَيْثُ كَانَ) اللَّخْمِيِّ: فَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ الْغَائِبُ أَوْ أَيْسَرَ الْمُعْدِمُ وَالْعَبْدُ بِيَدِ الْوَرَثَةِ عَتَقَ فِي ثُلُثِ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ. وَاخْتُلِفَ إذَا خَرَجَ عَنْ أَيْدِيهِمْ بِبَيْعٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُدَبَّرِ فِيهِ. وَقَالَ عِيسَى وَأَصْبَغُ: يَعْتِقُ مِنْهُ حَيْثُ كَانَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ. (وَأَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِسَنَةٍ إنْ كَانَ السَّيِّدُ مَلِيًّا لَمْ يُوقَفْ وَإِذَا مَاتَ نُظِرَ فَإِنْ صَحَّ اُتُّبِعَ بِالْخِدْمَةِ وَعَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ يُتَّبَعْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَالِيٍّ يُوقَفُ خَرَاجُ سَنَةٍ ثُمَّ يُعْطَى السَّيِّدُ مَا وَقَفَهُ عَمَّا خَدَمَ نَظِيرُهُ) هَذَا رَابِعُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ. وَمُضَمَّنُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِسَنَةٍ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ؛ فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ مَلِيئًا تُرِكَ لَهُ عَبْدُهُ يَسْتَخْدِمُهُ، فَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ نُظِرَ أَيْضًا ثَانِيًا، فَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ حَلَّ وَالسَّيِّدُ صَحِيحٌ عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 477 وَأُعْطِي أَيْضًا مِنْ رَأْسِ مَالِ سَيِّدِهِ قِيمَةَ خِدْمَتِهِ سَنَةً، وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ حَلَّ فِي مَرَضِ مَوْتِ السَّيِّدِ عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِخِدْمَتِهِ. وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ يَوْمَ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِسَنَةٍ عَدِيمًا فَإِنَّ الْعَبْدَ يُخَارَجُ وَيُوقَفُ خَرَاجُهُ. فَإِذَا مَضَتْ سَنَةٌ وَشَهْرٌ بَعْدَهَا فَيُوقَفُ خَرَاجُ هَذَا الشَّهْرِ وَيُعْطَى السَّيِّدُ خَرَاجَ أَوَّلِ شَهْر مِنْ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ كُلَّمَا مَضَى شَهْرٌ مِنْ هَذِهِ أُعْطِي خَرَاجَ شَهْرٍ مِنْ تِلْكَ. (وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ بِقَتْلِ سَيِّدِهِ عَمْدًا) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي مُدَبَّرٍ قَتَلَ سَيِّدَهُ عَمْدًا لَا يَعْتِقُ فِي ثُلُثٍ وَلَا دِيَةَ وَيُبَاعُ وَلَا يُتَّبَعُ بِشَيْءٍ، وَانْظُرْ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً (وَبِاسْتِغْرَاقِ الدَّيْنِ لَهُ لِلتَّرِكَةِ وَبَعْضُهُ بِمُجَاوَزَةِ الثُّلُثِ) ابْنُ شَاسٍ: يَرْتَفِعُ التَّدْبِيرُ بِقَتْلِ سَيِّدِهِ عَمْدًا أَوْ بِاسْتِغْرَاقٍ الدَّيْنِ لَهُ وَلِلتَّرِكَةِ أَوْ بِمُجَاوَزَةِ الثُّلُثِ، وَهَذَا الْقِسْمُ يَدْفَعُ كَمَالَ الْحُرِّيَّةِ لَا أَصْلَهَا، فَإِذَا دَبَّرَ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ عَتَقَ بِمَوْتِهِ ثُلُثُهُ. (وَلَهُ حُكْمُ الرِّقِّ وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ حَتَّى يَعْتِقَ فِيمَا وُجِدَ حِينَئِذٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلِلْمُدَبَّرِ حُكْمُ الْأَرِقَّاءِ فِي خِدْمَتِهِ وَحُدُودِهِ وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ حَتَّى يَعْتِقَ فِي الثُّلُثِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ النَّظَرِ فِيهِ لَا يَوْمَ يَمُوتُ السَّيِّدُ. وَانْظُرْ إذَا كَانَتْ أَمَةً فَدَبَّرَهَا أَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتَ حُرَّةٌ إذَا مَاتَ فُلَانٌ، نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ: لَهُ وَطْؤُهَا فِي الْوَجْهِ الْوَاحِدِ بِخِلَافِ الْآخَرِ وَتَعْتِقُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْأُخْرَى مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِوَطْءِ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهَا. (وَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَمَوْتِ فُلَانٍ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ أَيْضًا) اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَمَوْتِ فُلَانٍ كَانَ حُرًّا مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ آخِرَهُمَا وَلَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ عَتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ وَرَقَّ الْبَاقِي، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ أَوَّلًا خُيِّرَ الْوَرَثَةُ وَتَكُونُ لَهُمْ الْخِدْمَةُ حَتَّى يَمُوتَ فُلَانٌ أَوْ يَعْتِقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ بَتْلًا وَيَرِقُّ الْبَاقِي (وَلَا رُجُوعَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَمَوْتِ فُلَانٍ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 478 وَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنْ مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَقَالَهُ أَشْهَبُ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ لِذِكْرِ الْأَجْنَبِيِّ فِي ذَلِكَ وَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الرُّقْبَى. (وَإِنْ قَالَ: حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ فَمُعْتَقٌ إلَى أَجَلٍ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ فِي صِحَّتِهِ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ، أَوْ قَالَ: بَعْدَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ فَهُوَ مُعْتَقٌ إلَى أَجَلٍ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَلْحَقُهُ دَيْنٌ. وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ مَوْتِ فُلَانٍ خَدَمَ الْعَبْدُ وَرَثَةَ السَّيِّدِ إلَى مَوْتِ فُلَانٍ أَوْ إلَى بَعْدِ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ إنْ قَالَ ذَلِكَ وَخَرَجَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ السَّيِّدُ فِي مَرَضِهِ عَتَقَ الْعَبْدُ فِي الثُّلُثِ إلَى أَجَلٍ وَخَدَمَ الْوَرَثَةَ حَتَّى يُتِمَّ الْأَجَلَ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ فِي إنْفَاذِ الْوَصِيَّةِ أَوْ يُعْتِقُوا مِنْ الْعَبْدِ مَحْمَلَ الثُّلُثِ بَتْلًا. قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ مَنْ عَالَ فِي وَصِيَّتِهِ عَلَى ثُلُثِهِ فَأَبَتْ الْوَرَثَةُ أَنْ يُجِيزُوا لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ: أَسْلِمُوا ثُلُثَ مَالِ السَّيِّدِ إلَى أَهْلِ الْوَصَايَا أَوْ نَفِّذُوا مَا قَالَ الْمَيِّتُ. [بَابُ نَدْبِ مُكَاتَبَةِ أَهْلِ التَّبَرُّعِ] [أَرْكَان الْكِتَابَة] بَابُ نَدْبِ مُكَاتَبَةِ أَهْلِ التَّبَرُّعِ. ابْنُ عَرَفَةَ: حُكْمُ الْكِتَابَةِ النَّدْبُ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَهِيَ عِتْقٌ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ مِنْ الْعَبْدِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَدَائِهِ. ابْنُ شَاسٍ: وَلَهَا أَرْبَعَةُ أَرْكَانِ. الرُّكْنُ الثَّالِثُ السَّيِّدُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ فَتَجُوزُ كِتَابَةُ الْقَيِّمِ لِعَبْدِ الطِّفْلِ (وَحَطُّ جُزْءٍ آخَرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُوَطَّأِ قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 479 مَالِكٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] هُوَ أَنْ يَضَعَ عَنْ الْمُكَاتَبِ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ شَيْئًا. أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا عَلَى النَّدْبِ وَلَا يُقْضَى بِهِ. (وَلَمْ يُجْبَرْ الْعَبْدُ عَلَيْهَا) الْجَلَّابُ: لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْبِرَ الْعَبْدَ عَلَى الْكِتَابَةِ (وَالْمَأْخُوذُ مِنْهَا الْجَبْرُ) ابْنُ رُشْدٍ: الْآتِي عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْبِرَ عَبْدَهُ عَلَى الْكِتَابَةِ. اللَّخْمِيِّ: لِسَيِّدِهِ جَبْرُهُ إنْ كَانَتْ أَزْيَدَ مِنْ خَرَاجِهِ بِيَسِيرٍ. (بِكَاتَبْتُكَ وَنَحْوِهِ بِكَذَا) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الْأَوَّلُ الصِّيغَةُ: ابْنُ الْحَاجِبِ: هِيَ مِثْلُ كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا فِي نَجْمٍ أَوْ نَجْمَيْنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 480 فَصَاعِدًا. (وَظَاهِرُهَا اشْتِرَاطُ التَّنْجِيمِ وَصُحِّحَ خِلَافُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: تَجُوزُ الْكِتَابَةُ عِنْدَ مَالِكٍ حَالَّةً وَمُؤَجَّلَةً فَإِنْ وَقَعَتْ مَسْكُوتًا عَنْهَا أُجِّلَتْ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِيهَا كَوْنُهَا مُؤَجَّلَةً مُنَجَّمَةً. وَظَاهِرُ الرِّسَالَةِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا مُؤَجَّلَةً وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ. (وَجَازَ بِغَرَرٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ: الْكِتَابَةُ بِغَرَرٍ جَائِزَةٌ وَلَا تُشْبِهُ الْبُيُوعَ وَلَا النِّكَاحَ. أَبُو مُحَمَّدٍ: بِخِلَافِ مُرَابَاةِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ. قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ وَأَجَازَ فَسْخَ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ دَرَاهِمَ فِي دَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ. (كَآبِقٍ وَعَبْدِ فُلَانٍ وَجَنِينٍ) ابْنُ الْقَاسِمِ: الْكِتَابَةُ بِالْآبِقِ وَالشَّارِدِ وَالْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ جَائِزَةٌ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ الْغَرَرُ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ جَازَ، وَكَرِهَهُ أَشْهَبُ، وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَأْتِيَهُ بِعَبْدِهِ الْآبِقِ. ابْنُ شَاسٍ: وَتَجُوزُ عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. (لَا لُؤْلُؤٍ لَمْ يُوصَفْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَاتَبَهُ عَلَى لُؤْلُؤٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ فَلَمْ يَجُزْ لِتَعَذُّرِ الْإِحَاطَةِ بِصِفَتِهِ. (أَوْ كَخَمْرٍ وَرُجِعَ لِكِتَابَةِ مِثْلِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إذَا لَمْ يَصِحَّ تَمَلُّكُهُ كَالْخَمْرِ رُجِعَ بِالْقِيمَةِ وَلَا يُفْسَخُ لِفَسَادِ الْعِوَضِ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَقْرَبُ تَفْسِيرُ هَذَا بِقَوْلِهَا: وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ شِرَاءً فَاسِدًا فَقَدْ تَمَّ عِتْقُهُ وَلَا يُتْبِعُهُ سَيِّدُهُ بِقِيمَةٍ وَلَا غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ نَفْسَهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَيَكُونَ عَلَيْهِ قِيمَةُ رَقَبَتِهِ. (وَفُسِخَ مَا عَلَيْهِ فِي مُؤَخَّرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا كَاتَبَهُ عَلَى طَعَامٍ مُؤَجَّلٍ جَازَ أَنْ يُصَالِحَهُ مِنْهُ عَلَى دَرَاهِمَ مُعَجَّلَةٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ تَفْسَخَ مَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 481 عَلَى مُكَاتَبِك مِنْ عَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ، حَلَّ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، فِي عَرْضٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ مُعَجَّلٍ مُخَالِفٍ لِلْعَرْضِ الَّذِي عَلَيْهِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ لِأَنَّهُ لَا يُحَاصُّ بِهَا فِي فَلَسِ الْمُكَاتَبِ أَوْ مَوْتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ جِئْتنِي بِكَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ لَهُ: إنْ جِئْتنِي بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ. (وَكَذَهَبٍ فِي وَرِقٍ) اللَّخْمِيِّ: إذَا فُسِخَ الدَّنَانِيرُ فِي الدَّرَاهِمِ إلَى مِثْلِ الْأَجَلِ أَوْ أَقْرَبَ مِنْهُ أَوْ أَبْعَدَ أَوْ فُسِخَ الدَّنَانِيرُ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ، فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ لَمْ يُعَجَّلْ الْعِتْقُ. (وَمُكَاتَبَةُ وَلِيٍّ مَا لِمَحْجُورِهِ بِالْمَصْلَحَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لِلْوَصِيِّ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَ مَنْ يَلِيه عَلَى النَّظَرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ إذْ لَوْ شَاءَ انْتَزَعَهُ مِنْهُ. (وَمُكَاتَبَةُ أَمَةٍ وَصَغِيرَةٍ وَإِنْ بِلَا مَالٍ وَكَسْبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِكِتَابَةِ الصَّغِيرِ وَمَنْ لَا حِرْفَةَ لَهُ وَإِنْ كَانَ يَسْأَلُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ وَكَرِهَ مَالِكٌ كِتَابَةَ الْأَمَةِ الَّتِي لَا صَنْعَةَ لَهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: مِثْلُ قَوْلِ الْغَيْرِ هَذَا نَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ أَشْهَبَ فِي الْأَمَةِ الَّتِي لَا صَنْعَةَ لَهَا وَالصَّغِيرِ. (وَبَيْعُ كِتَابَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ إنْ كَانَتْ عَيْنًا فَبِعَرْضٍ نَقْدًا وَإِنْ كَانَتْ نَقْدًا فَبِعَرْضٍ مُخَالِفٍ أَوْ بِعَيْنٍ نَقْدًا وَمَا تَأَخَّرَ كَانَ دَيْنًا بِدَيْنٍ. عَبْدُ الْوَهَّابِ: هَذَا إنْ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ الْعَبْدِ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهَا مِنْهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنْ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ الْعَبْدِ فَإِنْ وَفَّى الْعَبْدُ فَوَلَاؤُهُ لِبَائِعِ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ عَجَزَ رَقَّ لِمُشْتَرِيهَا، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ (أَوْ جُزْءٍ) اللَّخْمِيِّ: الْأَقْيَسُ مَنْعُ بَيْعِ الْكِتَابَةِ لِلْغَرَرِ إنْ أَدَّى كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْكِتَابَةُ دُونَ الْوَلَاءِ، وَإِنْ عَجَزَ عِنْدَ أَوَّلِ نَجْمٍ كَانَتْ لَهُ الرَّقَبَةُ، وَإِنْ عَجَزَ عِنْدَ آخِرِ نَجْمٍ كَانَتْ لَهُ الْكِتَابَةُ وَالرَّقَبَةُ. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا جَازَ بَيْعُ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا؟ فَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ بَيْعَ نِصْفِ الْكِتَابَةِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَرْجِعُ لِلْجُزْءِ. (لَا نَجْمٍ) الْجَلَّابُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ وَالرَّقَبَةِ. بَهْرَامَ: وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِنَجْمٍ مُعَيَّنٍ. وَأَمَّا نَجْمٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ فَالْمَنْصُوصُ جَوَازُهُ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى بَيْعِ الْجُزْءِ، وَحُكْمُهُ فِي الْوَفَاءِ وَالْعَجْزِ حُكْمُ بَيْعِ الْكِتَابَةِ كُلِّهَا (فَإِنْ وَفَّى فَالْوَلَاءُ لِلْأَوَّلِ وَإِلَّا رَقَّ الْمُشْتَرِي) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ: " أَوْ جُزْءٍ ". (وَإِقْرَارُ مَرِيضٍ بِقَبْضِهَا إنْ وُرِثَ غَيْرَ كَلَالَةٍ وَمُكَاتَبَتُهُ بِلَا مُحَابَاةٍ وَإِلَّا فَفِي ثُلُثِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَاتَبَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَأَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِقَبْضِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ كَانَ كَانَ لَهُ وَلَدٌ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ وُرِثَ كَلَالَةً وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَاتَبَ مَرِيضٌ عَبْدَهُ وَقَبَضَ الْكِتَابَةَ ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ فَإِنْ لَمْ يُحَابَ جَازَ ذَلِكَ كَبَيْعِهِ وَمُحَابَاتُهُ فِي ثُلُثِهِ. (وَمُكَاتَبَةُ جَمَاعَةٍ لِمَالِكٍ فَيُوَزِّعُ عَلَى قُوَّتِهِمْ عَلَى الْأَدَاءِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَهَلْ وَإِنْ مَرِضَ أَحَدُهُمْ حُمَلَاءُ مُطْلَقًا وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمَلِيءِ الْجَمِيعُ وَيَرْجِعُ إنْ لَمْ يَعْتِقْ عَلَى الدَّافِعِ وَلَمْ يَكُنْ زَوْجًا وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ شَيْءٌ بِمَوْتِ وَاحِدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّجُلُ عَبِيدَهُ فِي كِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 482 وَالْقَضَاءُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَامِنٌ عَنْ بَقِيَّتِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ، وَلَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ، وَلَهُ أَخْذُ الْمَلِيءِ مِنْهُمْ بِالْجَمِيعِ وَلَا يُوضَعُ عَنْهُمْ شَيْءٌ بِمَوْتِ أَحَدِهِمْ، فَإِنْ أَخَذَ أَحَدُهُمْ عَنْ بَقِيَّتِهِمْ بِحِصَّتِهِمْ مِنْ الْكِتَابَةِ بَعْدَ أَنْ تُقَسَّمَ الْكِتَابَةَ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ قُوَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْأَدَاءِ يَوْمَ الْكِتَابَةِ لَا عَلَى قِيمَةِ رَقَبَتِهِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَرْجِعُ عَلَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ وَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ سِوَاهُ إلَّا الزَّوْجَةَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ (وَلِلسَّيِّدِ عِتْقُ قَوِيٍّ مِنْهُمْ إنْ رَضِيَ الْجَمِيعُ) مِنْ الْجَلَّابِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعْتِقَ السَّيِّدُ كَبِيرًا مِنْهُمْ لَا أَدَاءَ فِيهِ أَوْ صَغِيرًا لَا يَبْلُغُ السَّعْيَ فِي الْكِتَابَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى السَّعْيِ مَعَهُمْ إلَّا بِإِذْنِهِمْ. وَنَحْوُ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَذَكَرَ الْجَلَّابُ قَوْلًا آخَرَ (وَقَوَّوْا) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ مَنْ لَهُ قُوَّةً عَلَى الْكَسْبِ لَمْ يُتِمُّ إلَّا بِقُوَّةِ بَاقِيهمْ عَلَى الْكَسْبِ وَبِإِجَازَتِهِمْ. (فَإِنْ رُدَّ ثُمَّ عَجَزُوا صَحَّ عِتْقُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ قَوِيَّيْنِ عَلَى السَّعْيِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِتْقُ أَحَدِهِمَا وَيُرَدُّ ذَلِكَ إنْ فَعَلَ، فَإِنْ عَجَزَ أُلْزِمَ السَّيِّدُ عِتْقَ مَنْ كَانَ أَعْتَقَ. (وَالْخِيَارُ فِيهَا) اللَّخْمِيِّ: الْكِتَابَةُ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ بِالْخِيَارِ أَوْ الْعَبْدَ جَائِزَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ أَمَدُ الْخِيَارِ قَرِيبًا أَمْ بَعِيدًا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. قِيلَ: لِأَنَّهُ يُخَافُ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ زَادَهُ فِي الثَّمَنِ لِمَكَانِ الضَّمَانِ. (وَمُكَاتَبَةُ شَرِيكَيْنِ بِمَالٍ وَاحِدٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ كَاتَبَ الشَّرِيكَانِ مَعًا عَلَى مَالٍ وَاحِدٍ جَازَ. (لَا أَحَدِهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَاتَبَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَلَوْ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لَمْ يَجُزْ. ابْنُ شَاسٍ: وَلَوْ عَقَدَا الْكِتَابَةَ مُفْتَرِقَيْنِ فَسَدَتْ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَوِيَةً فِي الْعَدَدِ وَالنُّجُومِ. (أَوْ بِمَالَيْنِ أَوْ مُتَّحِدَيْنِ بِعَقْدَيْنِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ كَاتَبَ الشَّرِيكَانِ مَعًا عَلَى مَالَيْنِ لَمْ يَجُزْ. بَهْرَامَ: لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى عِتْقِ الْبَعْضِ دُونَ تَقْوِيمٍ. (فَيُفْسَخُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ عَقَدَا مُفْتَرِقَيْنِ عَلَى مَالٍ وَاحِدٍ فَابْنُ الْقَاسِمِ يَفْسَخُهَا. (وَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِتَقْوِيمِ الْآخَرِ وَرَجَعَ لِعَجْزِ حِصَّتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ حَلَّ نَجْمٌ مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ فَقَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ: ابْدَأْنِي بِهِ وَخُذْ أَنْتَ النَّجْمَ الْمُسْتَقْبِلَ فَفَعَلَ ثُمَّ عَجَزَ الْعَبْدُ عَنْ النَّجْمِ الثَّانِي، فَلْيَرُدَّ الْمُقْتَضِي نِصْفَ مَا قَبَضَ إلَى شَرِيكِهِ لِأَنَّهُ ذَلِكَ سَلَفٌ مِنْهُ لَهُ وَيَبْقَى الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا. وَرَأَيْتُ فُتْيَا لِابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلشُّرَكَاءِ فِي الْأَرْضِ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: غَدِّ أَنْتَ الْحَصَّادَةَ وَأُعَشِّيهِمْ أَنَا وَقَالَ: إنَّهَا تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (كَإِنْ قَاطَعَهُ بِإِذْنِهِ مِنْ عِشْرِينَ عَلَى عَشَرَةٍ فَإِنْ عَجَزَ خُيِّرَ الْمَقَاطِعُ بَيْنَ رَدِّ مَا فَضَلَ بِهِ شَرِيكُهُ وَإِسْلَامِ حِصَّتِهِ رِقًّا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتِبَاهُ مَعًا لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُقَاطِعَهُ عَلَى حِصَّتِهِ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 483 فَقَاطَعَهُ مِنْ عِشْرِينَ مُؤَجَّلَةٍ فِي حِصَّتِهِ عَلَى عَشَرَةٍ مُعَجَّلَةٍ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ هَذَا مِثْلَ مَا أَخَذَ الْمَقَاطِعُ خُيِّرَ الْمَقَاطِعُ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ إلَى شَرِيكِهِ نِصْفَ مَا أَخَذَ مِنْ الْعَبْدِ وَيَبْقَى الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا، أَوْ يُسَلِّمَ حِصَّتَهُ مِنْ الْعَبْدِ إلَى شَرِيكِهِ رِقًّا. (وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْآذِنِ وَإِنْ قَبَضَ الْأَكْثَرَ وَإِنْ مَاتَ أَخَذَ الْآذِنُ مَالَهُ بِلَا نَقْضٍ أَوْ تَرَكَهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ قَاطَعَ الشَّرِيكُ الْوَاحِدُ مِنْ عِشْرِينَ مُؤَجَّلَةٍ بِعَشَرَةٍ مُعَجَّلَةٍ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ ثُمَّ اقْتَضَى الْآذِنُ تِسْعَةَ عَشَرَ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، فَلَا رُجُوعَ لِلْمُقَاطِعِ عَلَى شَرِيكِهِ فِي هَذِهِ التِّسْعَةِ الَّتِي فَضَلَهُ بِهَا، وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ فَلِلْآذِنِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ بِغَيْرِ حَطِيطَةٍ، حَلَّتْ أَوْ لَمْ تَحِلَّ. ثُمَّ يَكُونُ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ بَيْنَ الَّذِي قَاطَعَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِمَا فِي الْمُكَاتَبِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمَقَاطِعِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ تَرَكَ شَيْئًا أَخَذَ مِنْهُ الَّذِي لَمْ يُقَاطِعْ مَا بَقِيَ وَقَسَّمَا مَا بَقِيَ، وَلَوْ بَقِيَ لِلْمُقَاطِعِ شَيْءٌ لَتَحَاصَّا فِيهِ بِمَا بَقِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ. (وَعِتْقُ أَحَدِهِمَا وَضْعٌ لِمَالِهِ) اللَّخْمِيِّ: إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ سَيِّدَيْ الْمُكَاتَبِ نَصِيبَهُ فِي الصِّحَّةِ كَانَ عِتْقُهُ وَضْعَ مَالِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ نَصِيبِ الشَّرِيكِ كَانَ جَمِيعُهُ رَقِيقًا بَيْنَهُمَا إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ عِتْقًا لَقُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ صَاحِبِهِ (إلَّا إنْ قَصَدَ الْعِتْقَ) اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ مُكَاتَبِهِ فَإِنَّهُ وَضِيعَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْعِتْقَ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ الْآنَ إنْ كَانَ كُلُّهُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ شَرِيكًا عَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ إذَا عَجَزَ. اُنْظُرْ بَابَ إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَ نِصْفَهُ مِنْ اللَّخْمِيِّ. (كَإِنْ فَعَلْت فَنِصْفُك حُرٌّ فَكَاتَبَهُ ثُمَّ فَعَلَ وُضِعَ النِّصْفُ وَرَقَّ كُلُّهُ إنْ عَجَزَ) قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: نِصْفُكَ حُرٌّ إنْ كَلَّمْتَ فُلَانًا فَكَاتَبَهُ ثُمَّ كَلَّمَ فُلَانًا فَإِنَّهُ يُوضَعُ عَنْهُ نِصْفُ مَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ يَوْمَ حِنْثِهِ فَإِنْ عَجَزَ رَقَّ كُلُّهُ. (وَلِلْمُكَاتَبِ بِلَا إذْنٍ بَيْعٌ وَشِرَاءٌ وَمُشَارَكَةٌ وَمُقَارَضَةٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: تَصَرُّفُ الْمُكَاتَبِ كَالْحُرِّ إلَّا فِي إخْرَاجِ مَالٍ لَا عَنْ عِوَضٍ مَالِيٍّ. ابْنُ رُشْدٍ: يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَيُقَاسِمَ شُرَكَاءَهُ وَيُقِرَّ بِدَيْنٍ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ. (وَمُكَاتَبَةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كِتَابَةُ الْمُكَاتَبِ عَبْدَهُ عَلَى ابْتِغَاءِ الْفَضْلِ جَائِزَةٌ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ. (وَاسْتِخْلَافُ عَاقِدٍ لِأَمَتِهِ) رَوَى مُحَمَّدٌ: لِلْمُكَاتَبِ تَزْوِيجُ عَبْدِهِ وَإِمَائِهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَرَجَاءِ فَضْلٍ. اُنْظُرْ فِي النِّكَاحِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَوَكَّلْت مَالِكَةً وَمُكَاتَبَةً فِي أَمَةٍ طَلَبَ فَضْلًا وَإِنْ كَرِهَ سَيِّدُهُ ". (وَإِسْلَامُهَا أَوْ فِدَاؤُهَا إنْ جَنَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ جَنَى عَبْدُ الْمُكَاتَبِ فَلَهُ إسْلَامُهُ أَوْ فِدَاؤُهُ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 484 وَجْهِ النَّظَرِ بِالنَّظَرِ. تَقَدَّمَ تَقْيِيدُ كُلِّ فَرْعٍ مِنْ الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ بِهَذَا الْقَيْدِ. (وَسَفَرٍ لَا يَحِلُّ فِيهِ نَجْمٌ) اللَّخْمِيِّ: مَنَعَ مَالِكٌ سَفَرَ الْمُكَاتَبِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ قَرِيبًا. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ شَأْنُهُ السَّفَرَ لَمْ يُمْنَعْ إلَّا فِي سَفَرٍ يَحِلُّ فِيهِ النَّجْمُ قَبْلَ رُجُوعِهِ مِنْهُ. (وَإِقْرَارُهُ فِي رَقَبَتِهِ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " فِي رَقَبَتِهِ " كَذَا هُوَ الْمَتْنُ وَلَعَلَّهُ فِي ذِمَّتِهِ. اُنْظُرْ قَبْلُ قَوْلَهُ: " وَمُكَاتَبُهُ " تَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " كَالْعَبْدِ فِي غَيْرِ الْمَالِ " أَنَّ الْحَجْرَ يُلْغِي الْإِقْرَارَ فِي الْمَالِ لَا الْبَدَنَ. اُنْظُرْ قَبْلُ قَوْلَهُ: " وَمُكَاتَبُهُ " (وَإِسْقَاطُ شُفْعَتِهِ. لَا عِتْقٍ وَإِنْ قَرِيبًا) ابْنُ الْحَاجِبِ: يُرَدُّ عِتْقُهُ وَلَا يَعْتِقُ قَرِيبُهُ. (وَهِبَةٌ وَصَدَقَةٌ) . ابْنُ رُشْدٍ: لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَهَبَ وَلَا أَنْ يَتَصَدَّقَ وَلَا أَنْ يُعْتِقَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. (وَتَزْوِيجٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَإِنْ رَآهُ نَظَرًا. الْبَاجِيُّ: إنْ أَجَازَهُ سَيِّدُهُ جَازَ وَإِلَّا فُسِخَ. (وَإِقْرَارٌ بِجِنَايَةٍ خَطَأً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَقَرَّ مُكَاتَبٌ بِقَتْلٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَصَالَحَ مِنْهُ عَلَى مَالٍ لَمْ يَجُزْ وَلَهُمْ فِي الْعَمْدِ قَتْلُهُ بِإِقْرَارِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْإِقْرَارِ أَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 485 إقْرَارَهُ بِدَيْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ لَازِمٌ. (وَسَفَرٌ بَعُدَ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَسَفَرٌ لَا يَحِلُّ فِيهِ نَجْمٌ " (إلَّا بِإِذْنٍ) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ فَرْعٍ مِنْ الْفُرُوعِ الْمَعْطُوفَةِ عَلَى " وَسَفَرٍ لَا يَحِلُّ فِيهِ نَجْمٌ ". (وَلَهُ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ إنْ اتَّفَقَا وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ فَيَرِقَّ وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ) اللَّخْمِيِّ: إنْ رَضِيَ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ فَقَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ لَهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ مَالٌ ظَاهِرٌ، فَإِنْ أَظْهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْوَالًا كَتَمَهَا لَمْ يَرْجِعْ عَمَّا رَضِيَ بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْكِتَابَةُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ وَلَا لِلْعَبْدِ خِيَارٌ فِي حَلِّهَا، فَأَمَّا التَّعْجِيزُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ تَرَاضَى عَلَى ذَلِكَ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ قَدْ ارْتَفَعَ بِالْعُذْرِ وَهُوَ ظُهُورُ الْعَجْزِ وَلَا يُحْتَاجُ فِي ذَلِكَ الرَّفْعُ لِلسُّلْطَانِ، فَإِنْ دَعَا إلَى ذَلِكَ الْعَبْدُ وَأَبَى السَّيِّدُ فَلَهُ أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ دُونَ السُّلْطَانِ وَلَا يَفْتَقِرُ فِي ذَلِكَ إلَى حُكْمٍ، وَأَمَّا إنْ دَعَا السَّيِّدُ إلَى التَّعْجِيزِ وَأَبَى الْعَبْدُ فَلَا يُعَجِّزُهُ إلَّا السُّلْطَانُ بَعْدَ التَّلَوُّمِ وَالِاجْتِهَادِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَلَا تُفْسَخُ الْكِتَابَةُ إلَّا بِالْحُكْمِ. (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ أَوْ غَابَ عِنْدَ الْمَحِلِّ وَلَا مَالَ فَسَخَ الْحَاكِمُ وَتَلَوَّمَ لِمَنْ يَرْجُوهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: إنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ النُّجُومِ أَوْ عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ مِنْهَا رَقَّ وَفُسِخَتْ الْكِتَابَةُ بَعْدَ أَنْ يَتَلَوَّمَ لَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 486 الْأَجَلِ، وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي أَمَدِ التَّلَوُّمِ فِيمَنْ يُرْجَى لَهُ دُونَ مَنْ لَا يُرْجَى لَهُ، وَإِذَا غَابَ وَقْتُ الْمَحِلِّ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ فَلَهُ الْفَسْخُ عِنْدَ السُّلْطَانِ (كَالْقِطَاعَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْقِطَاعَةُ كَذَلِكَ فِي التَّلَوُّمِ بَعْدَ الْأَجَلِ. (وَإِنْ شَرَطَ خِلَافَهُ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ شَرَطَ عَلَيْك أَنَّك إنْ عَجَزْت عَنْ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِك فَأَنْتَ رَقِيقٌ لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. (وَقَبَضَ إنْ غَابَ سَيِّدُهُ وَإِنْ قَبْلَ أَجَلِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ عَجَّلَ الْكِتَابَةَ قَبْلَ الْمَحِلِّ لَزِمَ وَلَوْ كَانَ غَائِبًا قَبَضَ الْحَاكِمُ وَنَفَّذَ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَرَادَ الْمُكَاتَبُ تَعْجِيلَ مَا عَلَيْهِ وَسَيِّدُهُ غَائِبٌ وَلَا وَكِيلَ لَهُ عَلَى قَبْضِ الْكِتَابَةِ فَلْيَرْفَعْ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ وَيَخْرُجْ حُرًّا. (وَفُسِخَ إنْ مَاتَ وَإِنْ عَنْ مَالٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَتُفْسَخُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ وَلَوْ خَافَ وَفَاءً. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا قَوْلُهَا إنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ دَفْعِ كِتَابَتِهِ أَوْ أَمَرَ بِدَفْعِهَا فَلَمْ تَصِلْ إلَى السَّيِّدِ حَتَّى مَاتَ فَلَا وَصِيَّةَ لَهُ، وَإِنْ تَرَكَ أُمَّ وَلَدٍ لَا وَلَدَ مَعَهَا وَتَرَكَ مَالًا فِيهِ وَفَاءٌ بِكِتَابَتِهِ فَهِيَ وَالْمَالُ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ (إلَّا لِوَلَدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَتُؤَدَّى حَالَّةً) ابْنُ الْحَاجِبِ: تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ وَلَوْ خَلَّفَ وَفَاءً إلَّا أَنْ يَقُومَ بِهَا وَلَدٌ، دَخَلَ مَعَهُ بِالشَّرْطِ أَوْ غَيْرِهِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَيُؤَدِّيهَا حَالَّةً. ابْنُ عَرَفَةَ: اقْتِصَارُهُ عَلَى ذِكْرِ الْوَلَدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ بِخِلَافِهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ مِثْلُهُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَكَذَا إنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ أَجْنَبِيًّا وَتَرَكَ مَالًا فِيهِ وَفَاءٌ فَإِنَّ السَّيِّدَ يَتَعَجَّلُهَا مِنْ مَالِهِ وَيَعْتِقُ مَنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ. الْجَلَّابُ: إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَدَاءِ كِتَابَتِهِ وَتَرَكَ وَلَدًا دَخَلُوا فِي كِتَابَتِهِ بِالْوِلَادَةِ أَوْ الشَّرْطِ، فَإِنْ تَرَكَ مَالًا أَدَّى عَنْهُ بَاقِي كِتَابَتِهِ وَكَانَ مَا فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِيرَاثًا بَيْنَ وَلَدِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَمِيرَاثُهُ لِوَلَدِهِ دُونَ سَيِّدِهِ. وَلَا يَرِثُهُ وَلَدُهُ الْعَبِيدُ وَلَا الْأَحْرَارُ وَلَا الْمُكَاتَبُونَ كِتَابَةً مُفْرَدَةً عَنْ كِتَابَتِهِمْ، وَإِنَّمَا يَرِثُهُ وَلَدُهُ الَّذِينَ دَخَلُوا مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ مَالٍ فِيهِ وَفَاءٌ بِكِتَابَتِهِ فَقَدْ حَلَّتْ كِتَابَتُهُ، وَلَيْسَ لِوَلَدِهِ تَأْخِيرُهَا إلَى نُجُومِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ كَانَ لَهُمْ أَخْذُ الْمَالِ وَالْقِيَامُ بِالْكِتَابَةِ عَلَى نُجُومِهَا. (وَوَرِثَهُ مَنْ مَعَهُ فَقَطْ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا يَرِثُ الْمُكَاتَبَ مِمَّنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ الْوَلَدُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ وَالْأَبَوَانِ وَالْأَجْدَادُ وَالْإِخْوَةُ لَا غَيْرُهُمْ مِنْ عَمٍّ أَوْ ابْنِ عَمٍّ. مُحَمَّدٌ: وَآخِرُ قَوْلِ مَالِكٍ تَعْتِقُ زَوْجَتُهُ فِيمَا تَرَكَ وَلَا تَرِثُهُ. ابْنُ زَرْقُونٍ: تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمْ إلَّا فِيمَنْ يَعْتِقُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَقَوِيَ وَلَدُهُ عَلَى السَّعْيِ سَعَوْا) ابْنُ شَاسٍ: إنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَقَوِيَ وَلَدُهُ عَلَى السَّعْيِ سَعَوْا وَأَدَّوْا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 487 بَاقِي الْكِتَابَةِ، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا تَجْرِ لَهُمْ فِيهِ وَأَدَّى عَلَى نُجُومِهِ إلَى بُلُوغِهِمْ، فَإِنْ قَدَرُوا عَلَى السَّعْيِ وَإِلَّا رَقُّوا (وَتُرِكَ مَتْرُوكُهُ لِلْوَلَدِ وَإِنْ أَمِنَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْجَلَّابِ: إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ كَانَ لَهُمْ أَخْذُ الْمَالِ وَالْقِيَامُ بِالْكِتَابَةِ عَلَى نُجُومِهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ لِمَنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ وَلَدٍ أَخْذُ الْمَالِ إذَا كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَفِ بِبَقِيَّةِ الْكِتَابَةِ فَلِوَلَدِهِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ أَخْذُهُ إنْ كَانَتْ لَهُمْ أَمَانَةٌ وَقُوَّةٌ عَلَى السِّعَايَةِ وَيُؤَدُّونَ نُجُومًا. (كَأُمِّ وَلَدِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ أُمَّ وَلَدِهِ وَوَلَدًا مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَلَمْ يَدَعْ مَالًا، سَعَتْ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ سَعَتْ عَلَيْهِمْ إنْ لَمْ يَقْوَوْا وَقَوِيَتْ هِيَ عَلَى السَّعْيِ وَكَانَتْ مَأْمُونَةً عَلَيْهِ. (وَإِنْ وُجِدَ الْعِوَضُ مَعِيبًا فَمِثْلُهُ أَوْ اُسْتُحِقَّ مَوْصُوفَ الْقِيمَةِ كَمُعَيَّنٍ وَإِنْ بِشُبْهَةٍ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اُتُّبِعَ بِهِ دَيْنًا) قَالَ بَهْرَامَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَجْمَلَ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَقَالَ الْجَلَّابُ: وَلَا تُفْسَخُ الْكِتَابَةُ لِفَسَادِ الْعِوَضِ، وَلَوْ وُجِدَ الْعِوَضُ مَعِيبًا اُتُّبِعَ بِمِثْلِهِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ وَلَا مَالَ لَهُ فَفِي رَدِّ عِتْقِهِ وَعَوْدِهِ مُكَاتَبًا قَوْلَانِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَتْ عَلَى عَبْدٍ مَوْصُوفٍ فَعَتَقَ بِأَدَائِهِ ثُمَّ أَلْفَاهُ السَّيِّدُ مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَتَبِعَهُ بِمِثْلِهِ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنًا وَلَا يُرَدُّ الْعِتْقُ. وَمِنْ التَّهْذِيبِ مَا نَصُّهُ: قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي مُكَاتَبٍ قَاطَعَ سَيِّدَهُ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ عَلَى عَبْدٍ دَفَعَهُ إلَيْهِ فَاعْتَرَفَ مَسْرُوقًا، فَلْيَرْجِعْ السَّيِّدُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ. قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَادَ مُكَاتَبًا. قَالَ أَشْهَبُ: لَا يُرَدُّ عِتْقُهُ إذَا تَمَّتْ حُرِّيَّتُهُ وَيُتَّبَعُ بِذَلِكَ. قَالَا عَنْ مَالِكٍ: وَإِنْ قَاطَعَهُ عَلَى وَدِيعَةٍ أُودِعَتْ عِنْدَهُ فَاعْتَرَفَتْ الْوَدِيعَةُ رُدَّ عِتْقُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ: إنْ غَرَّ سَيِّدَهُ بِمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِيهِ شُبْهَةُ مِلْكٍ رُدَّ عِتْقُهُ، وَإِنْ تَقَدَّمَتْ لَهُ فِيهِ شُبْهَةُ مِلْكٍ مَضَى عِتْقُهُ وَاتُّبِعَ بِقِيمَةِ ذَلِكَ دَيْنًا. (وَمَضَتْ كِتَابَةُ الْكَافِرِ لِمُسْلِمٍ وَبِيعَتْ كَأَنْ أَسْلَمَ وَبِيعَ مَنْ مَعَهُ فِي عَقْدِهِ) اللَّخْمِيِّ: إذَا أَرَادَ الْكَافِرُ أَنْ يَرْجِعَ فِي عِتْقِهِ كَافِرًا أَوْ فِي كِتَابَتِهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَهُ ذَلِكَ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ التَّظَالُمِ. التَّهْذِيبُ: إذَا كَاتَبَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا ابْتَاعَهُ أَوْ كَانَ عَبْدَهُ أَوْ أَسْلَمَ مُكَاتَبٌ لَهُ فَإِنَّ كِتَابَتَهُ تِبَاعٌ مِنْ مُسْلِمٍ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ مُكَاتَبِي الذِّمِّيِّ فِي كِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ بِيعَتْ كِتَابَتُهُمَا جَمِيعًا وَلَا تُفَرَّقُ. اُنْظُرْ التَّهْذِيبَ فَالْمَسْأَلَةُ فِيهِ مَبْسُوطَةٌ وَمُبَيَّنَةٌ. (وَكَفَّرَ بِالصَّوْمِ) ابْنُ شَاسٍ: لَا يُكَفِّرُ الْمُكَاتَبُ إلَّا بِالصِّيَامِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا فِي الْمَذْهَبِ لَكِنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 488 مُقْتَضَى قَوْلِهَا أَنَّهُ كَالْعَبْدِ. (وَاشْتِرَاطُ وَطْءِ الْمُكَاتَبَةِ وَاسْتِثْنَاءُ حَمْلِهَا أَوْ مَا يُولَدُ لَهَا أَوْ يُولَدُ لِمُكَاتَبٍ مِنْ أَمَتِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَقَلِيلٍ كَخِدْمَةٍ بَعْدَ وَفَاءٍ لَغْوٌ) أَمَّا إذَا شَرَطَ فِي كِتَابَتِهِ أَنَّهُ يُصِيبُهَا أَوْ اسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا، فَنَصُّ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْكِتَابَةَ مَاضِيَةٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ، وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ مَا يُولَدُ لَهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ شَرَطَ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ أَنَّ مَا وَلَدَتْ فِي كِتَابَتِهَا فَهُوَ عَبْدٌ، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْعِتْقُ نَافِذٌ إلَى أَجَلِهِ. وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ مَا يُولَدُ لِلْمُكَاتَبِ مِنْ أَمَتِهِ فَقَدْ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ فِي كِتَابَتِهَا. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: تَسْرِي الْكِتَابَةُ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ إلَى وَلَدِهِ الَّذِي تَلِدُهُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ مِنْ زِنًا أَوْ نِكَاحٍ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْمُكَاتَبِ الَّذِينَ حَدَثُوا مِنْ أَمَتِهِ بَعْدَ كِتَابَتِهِ، وَأَمَّا شَرْطُ قَلِيلٍ كَخِدْمَةٍ بَعْدَ وَفَاءٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْخِدْمَةُ بَاطِلَةٌ وَهُوَ حُرٌّ. قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ خِدْمَةٍ اشْتَرَطَهَا السَّيِّدُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 489 بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَبَاطِلَةٌ، فَإِنْ شَرَطَهَا فِي الْكِتَابَةِ فَأَدَّى الْعَبْدُ قَبْلَ تَمَامِهَا سَقَطَتْ. (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ وَإِنْ عَلَى سَيِّدِهِ رَقَّ كَالْقِنِّ) أَمَّا إذَا عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " فَإِنْ عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ فَسَخَ الْحَاكِمُ ". وَأَمَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الْأَرْشِ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: إذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَوْ عَلَى سَيِّدِهِ لَزِمَهُ الْأَرْشُ، فَإِنْ أَدَّاهُ بَقِيَ عَلَى كِتَابَتِهِ وَإِنْ عَجَزَ رَقَّ. (وَأُدِّبَ إنْ وَطِئَ بِلَا مَهْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 492 مَنْ كَاتَبَ أَمَتَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا، فَإِنْ فَعَلَ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ وَعَنْهَا، أَكْرَهَهَا أَوْ طَاوَعَتْهُ، وَيُعَاقَبُ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ وَلَا صَدَاقَ لَهَا إلَّا مَا نَقَصَهَا إنْ طَاوَعَتْهُ. . (وَعَلَيْهِ نَقْصُ الْمُكْرَهَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ، أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا. (وَإِنْ حَمَلَتْ خُيِّرَتْ فِي الْبَقَاءِ وَأُمُومَةِ الْوَلَدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَهِيَ بَعْدَ وَطْءِ السَّيِّدِ عَلَى كِتَابَتِهَا إلَّا أَنْ تَحْمِلَ فَتُخَيَّرُ عِنْدَ مَالِكٍ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ تَمْضِيَ عَلَى كِتَابَتِهَا (إلَّا الضُّعَفَاءَ مَعَهَا أَوْ أَقْوِيَاءَ لَمْ يَرْضَوْا وَحُطَّ حِصَّتُهَا إنْ اخْتَارَتْ الْأُمُومَةَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ بِنْتًا ثُمَّ وَلَدَتْ بِنْتُهَا بِنْتًا أُخْرَى فَزَمِنَتْ الْبِنْتُ الْعُلْيَا وَأَعْتَقَهَا السَّيِّدُ، جَازَ عِتْقُهُ وَبِيعَتْ الْأُمُّ مَعَ السُّفْلَى، وَلَوْ وَطِئَ السَّيِّدُ الْبِنْتَ السُّفْلَى فَأَوْلَدَهَا فَوَلَدُهَا حُرٌّ وَلَا تَخْرُجُ هِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ وَتَسْعَى مَعَهُمْ إلَّا أَنْ تَرْضَى هِيَ وَهُمْ بِإِسْلَامِهَا لِلسَّيِّدِ، وَيُحَطُّ عَنْهُمْ حِصَّتُهَا مِنْ الْكِتَابَةِ وَتَصِيرُ حِينَئِذٍ أُمَّ وَلَدٍ لِلسَّيِّدِ. قَالَ سَحْنُونَ: هَذَا إنْ كَانَ مَعَهَا فِي الْكِتَابَةِ مَنْ يَجُوزُ رِضَاهُ وَلَا يُخْشَى عَجْزُهُمْ بِإِسْلَامِهَا. (وَإِنْ قُتِلَ فَالْقِيمَةُ لِلسَّيِّدِ وَهَلْ قِنًّا أَوْ مُكَاتَبًا تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَتَلَ الْمُكَاتَبَ قَوْمٌ عَلَى هَيْئَتِهِ فِي الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا. اللَّخْمِيِّ: يُقَوَّمُ عَبْدًا لَا كِتَابَةَ فِيهِ لِأَنَّ عَقْدَ الْعِتْقِ سَقَطَ حُكْمُهُ بِالْقَتْلِ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُقَوَّمُ عَلَى أَنَّهُ مُكَاتَبٌ عَلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ كِتَابَتِهِ كَذَا وَكَذَا عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَى تَكَسُّبِ الْمَالِ دُونَ اعْتِبَارِ مَالِهِ. (وَإِنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ صَحَّ وَعَتَقَ إنْ عَجَزَ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ صَحَّ، فَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ إلَى السَّيِّدِ وَعَتَقَ عَلَيْهِ. بَهْرَامَ: وَلِلْمُكَاتَبِ وَطْءُ هَذِهِ الْأَمَةِ الَّتِي تَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ وَلَهُ بَيْعُهَا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ، فَإِنْ عَجَزَ فَحِينَئِذٍ تَعْتِقُ عَلَى السَّيِّدِ. (وَالْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ فِي الْكِتَابَةِ وَالْأَدَاءِ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ اخْتَلَفَ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ فِي أَصْلِ الْكِتَابَةِ وَالْأَدَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى وَيَحْلِفُ فِي الثَّانِيَةِ. (لَا الْقَدْرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ. (وَالْأَجَلِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اتَّفَقَا فِي التَّأْجِيلِ وَاخْتَلَفَا فِي حُلُولِهِ صُدِّقَ الْعَبْدُ. (وَالْجِنْسِ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا تَنَازَعَا فِي قَدْرِ النُّجُومِ أَوْ جِنْسِهَا أَوْ أَجَلِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. لِأَنَّ الْعِتْقَ قَدْ حَصَلَ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ. (وَإِنْ أَعَانَهُ جَمَاعَةٌ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدُوا الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ رَجَعُوا بِالْفَضْلَةِ وَعَلَى السَّيِّدِ بِمَا قَبَضَهُ إنْ عَجَزَ وَإِلَّا فَلَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَالْمُكَاتَبُ إذَا أَعَانَهُ قَوْمٌ فِي كِتَابَتِهِ بِمَالٍ فَأَدَّى مِنْهُ كِتَابَتَهُ وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ، فَإِنْ أَعَانَهُ بِمَعْنَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 493 الْفِكَاكِ لِرَقَبَتِهِ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ فَلْيَرُدَّ عَلَيْهِمْ الْفَضْلَةَ بِالْحِصَصِ أَوْ يُحَلِّلُوهُ مِنْهَا، وَإِنْ عَجَزَ فَكُلُّ مَا قَبَضَ السَّيِّدُ مِنْهُ قَبْلَ الْعَجْزِ حَلَّ لَهُ، كَانَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ أَوْ صَدَقَةٍ عَلَيْهِ. وَأَمَّا لَوْ أُعِينَ فِي فِكَاكِ رَقَبَتِهِ فَلَمْ يَفِ ذَلِكَ بِكِتَابَتِهِ كَانَ لِكُلِّ مَنْ أَعَانَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَعْطَى إلَّا أَنْ يُحَلَّلَ مِنْهَا الْمُكَاتَبُ فَيَكُونُ لَهُ، وَلَوْ أَعَانُوهُ بِصَدَقَةٍ لَا عَلَى الْفِكَاكِ فَكَذَلِكَ إنْ عَجَزَ حَلَّ لِسَيِّدِهِ. وَانْظُرْ إنْ لَمْ يَعْرِفُوا كَمَا لَوْ لَمْ يَعْرِفْ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ فَفَرْقٌ فِي الْإِيقَافِ بَيْنَ هَذَا وَاللُّقَطَةِ. (وَإِنْ وَصَّى بِكِتَابَةٍ فَكِتَابَةُ الْمِثْلِ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ) مَنْ أَوْصَى أَنْ يُكَاتَبَ عَبْدُهُ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُ رَقَبَتَهُ جَازَ وَكُوتِبَ مُكَاتَبَةَ مِثْلِهِ عَلَى قَدْرِ قُوَّتِهِ وَأَدَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ بَيْنَ مُكَاتَبَتِهِ أَوْ عِتْقِ مَحْمَلِ الثُّلُثِ بَتْلًا. (وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِنَجْمٍ فَإِنْ حَمَلَ الثُّلُثُ قِيمَتَهُ جَازَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَهَبَ لِمُكَاتَبَتِهِ نَجْمًا بِعَيْنِهِ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابَةِ أَوْ وَسَطِهَا أَوْ آخِرِهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِذَلِكَ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي حَالِ الْمَرَضِ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ، قُوِّمَ ذَلِكَ النَّجْمُ وَسَائِرُ النُّجُومِ بِالنَّقْدِ بِقَدْرِ آجَالِهَا، فَبِقَدْرِ حِصَّةِ النَّجْمِ مِنْهَا يَعْتِقُ الْآنَ مِنْ رَقَبَتِهِ وَيُوضَعُ عَنْهُ النَّجْمُ بِعَيْنِهِ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ فِي إجَازَةِ ذَلِكَ أَوْ بَتْلِ مَحْمَلِ الثُّلُثِ مِنْ الْمُكَاتَبِ، وَيُحَطُّ عَنْهُ مِنْ كُلِّ نَجْمٍ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ، وَلَيْسَ مِنْ النَّجْمِ الْمُعَيَّنِ خَاصَّةً فِي هَذَا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ حَالَتْ عَنْ وَجْهِهَا لِمَا لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ. (وَإِلَّا فَعَلَى الْوَارِثِ الْإِجَازَةُ أَوْ عِتْقُ مَحْمَلِ الثُّلُثِ) تَقَدَّمَ قَوْلُهَا: وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ فِي كِلْتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَ هَذَا. (وَإِنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِكِتَابَةٍ أَوْ بِمَا عَلَيْهِ أَوْ بِعِتْقِهِ جَازَتْ إنْ حَمَلَ الثُّلُثُ قِيمَةَ كِتَابَتِهِ أَوْ قِيمَةَ الرَّقَبَةِ عَلَى أَنَّهُ مُكَاتَبٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمُكَاتَبَتِهِ أَوْ بِمَا عَلَيْهِ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ مُكَاتَبِهِ أَوْ بِوَضْعِ مَا عَلَيْهِ جُعِلَ فِي الثُّلُثِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْكِتَابَةِ أَوْ قِيمَةِ الرَّقَبَةِ عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ مُكَاتَبٌ فِي إخْرَاجِهِ وَأَدَائِهِ كَمَا لَوْ قُتِلَ. وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ. (وَأَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَلْفًا أَوْ وَعَلَيْك أَلْفٌ لَزِمَ الْعِتْقُ وَالْمَالُ) عِيَاضٌ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْك كَذَا أَوْ وَعَلَيْك كَذَا، هُمَا سَوَاءٌ يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ السَّاعَةَ بَتْلًا وَعَلَيْك مِائَةُ دِينَارٍ إلَى أَجَلِ كَذَا، فَقَالَ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ هُوَ حُرٌّ السَّاعَةَ بِالْمِائَةِ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 494 هُوَ حُرٌّ فَلَا يُتَّبَعُ بِشَيْءٍ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. (وَخُيِّرَ الْعَبْدُ فِي الِالْتِزَامِ وَالرَّدِّ فِي أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَدْفَعَ أَوْ تُؤَدِّيَ أَوْ إنْ أَعْطَيْت وَنَحْوِهِ) عِيَاضٌ: الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَوْ أَعْطَيْتنِي أَوْ جِئْتنِي أَوْ إذَا وَشَبَهُ ذَلِكَ، فَظَاهِرٌ فِي الْحُكْمِ فِي الْعِتْقِ وَمَا آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَلَى أَنْ تَدْفَعَ إلَيَّ، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ إلَّا بِرِضَاهُ وَدَفْعِهِ مَا لَزِمَهُ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ وَيَبْقَى رِقًّا. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَدْفَعَ إلَيَّ مِائَةَ دِينَارٍ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا بِأَدَائِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلِلْعَبْدِ أَنْ لَا يَقْبَلَ وَيَبْقَى رِقًّا، ذَكَرَ السَّيِّدُ أَجَلًا لِلْمَالِ أَمْ لَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 496 [بَاب إقْرَارُ السَّيِّدِ بِوَطْءِ الْأَمَة] بَابٌ (إنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ بِوَطْءٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: تَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ بِثُبُوتِ إقْرَارِ السَّيِّدِ بِالْوَطْءِ وَثُبُوتُ الْإِتْيَانِ بِوَلَدٍ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ عَلَقَةٍ فَمَا فَوْقَهَا مِمَّا يَقُولُ النِّسَاءُ إنَّهُ حَمْلٌ، وَلَوْ ادَّعَتْ سَقْطًا مِنْ ذَلِكَ وَرَأَى النِّسَاءُ أَثَرَهُ اُتُّبِعَ. (وَلَا يَمِينَ إنْ أَنْكَرَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ ادَّعَتْ وَطْأَهُ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ. مُحَمَّدٌ: وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَتْ رَائِعَةً قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَتَتْ الْمَمْلُوكَةُ بِوَلَدٍ لَمْ يَلْحَقْ بِالسَّيِّدِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِالْوَطْءِ، وَإِذَا أَتَتْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 497 الزَّوْجَةُ بِوَلَدٍ لَحِقَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِالْوَطْءِ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَفِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ فَالْوَطْءُ مُبَاحٌ لَهُ. قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْتَفِي وَلَدُ حُرَّةٍ إلَّا بِلِعَانٍ بِخِلَافِ وَلَدِ الْأَمَةِ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَفِي كِلْتَيْهِمَا الْفِرَاشُ مَوْجُودٌ. (كَأَنْ اسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ وَنَفَاهُ وَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَقَرَّ بِوَطْءِ أَمَتِهِ وَادَّعَى بَعْدَهُ أَنَّهُ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ وَنَفَى مَا أَتَتْ بِهِ مِنْ وَلَدٍ، صُدِّقَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ مَا أَتَتْ بِهِ مِنْ وَلَدٍ لِلْأَكْثَرِ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الِاسْتِبْرَاءِ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُهُ " لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ " يُرِيدُ أَوْ سِتَّةِ (وَإِلَّا لَحِقَ بِهِ وَلَوْ لِأَكْثَرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَقَرَّ بِوَطْءِ أَمَتِهِ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ فَقَالَ لَهَا لَمْ تَلِدِيهِ مِنِّي وَلَمْ يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ، لَزِمَهُ مَا أَتَتْ بِهِ مِنْ وَلَدٍ لِأَقْصَى مَا تَلِدُ لَهُ النِّسَاءُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ بِحَيْضَةٍ (إنْ ثَبَتَ إلْقَاءُ عَلَقَةٍ فَفَوْقُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ وَانْظُرْ فِي الْعِدَّةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ دَمًا اجْتَمَعَ ". (وَلَوْ بِامْرَأَتَيْنِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إنْ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ بِالْوِلَادَةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ. (كَادِّعَائِهَا سَقْطًا رَأَيْنَ أَثَرَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَقَرَّ بِوَطْءِ أَمَتِهِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَأَنْكَرَ السَّيِّدُ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْهُ فَقَالَ: لَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَى الْجِيرَانِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 498 السَّقْطُ وَالْوِلَادَةُ وَأَنَّهَا لِوُجُوهٍ يُصَدَّقُ النِّسَاءُ فِيهَا وَهُوَ الشَّأْنُ. (عَتَقَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) هَذَا جَوَابٌ إنْ أَقَرَّ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ مِنْ سَيِّدِهَا الْحُرِّ فَقَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَرَهْنُهَا وَالْمُعَاوَضَةُ عَلَى رَقَبَتِهَا أَوْ عَلَى خِدْمَتِهَا وَإِسْلَامِهَا فِي الْجِنَايَةِ وَعَتْقِهَا فِي الْوَاجِبِ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْهَا إلَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِالْوَطْءِ فَمَا دُونَ طُولِ حَيَاتِهِ وَهِيَ حُرَّةٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. (وَوَلَدُهَا مِنْ غَيْرِهِ) عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَبْيَنُ قَالَ: وَلَدُهَا مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ يَعْتِقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُمْ بِخِلَافِ السَّيِّدِ فِي الِاسْتِخْدَامِ وَالِاسْتِئْجَارِ، لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُمْ وَيُؤَاجِرَهُمْ لَكِنْ لَا يَطَأُ الْأَمَةَ لِأَنَّهَا كَالرَّبِيبَةِ. (وَلَا يَرُدُّهَا دَيْنٌ سَبَقَ) الْجَلَّابُ: مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ فَوَطِئَ أَمَةً لَهُ فَحَمَلَتْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَلَمْ تُبَعْ فِي دَيْنِهِ. (كَاشْتِرَاءِ زَوْجَةٍ حَامِلًا) ابْنُ رُشْدٍ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ، فَمَرَّةً قَالَ إنَّهَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي بَطْنِهَا وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ. (لَا بِوَلَدٍ سَبَقَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ وَقَدْ كَانَتْ وَلَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ لَمْ تَكُنْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهَا حَامِلًا مِنْهُ. (أَوْ وَلَدَتْ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ نَكَحَ أَمَةً أَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ فَوَلَدَتْ ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ (إلَّا أَمَةَ مُكَاتَبِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَطِئَ أَمَةَ مُكَاتَبِهِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لَحِقَ بِهِ وَكَانَتْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَلَا يُحَدُّ إذْ لَا يَجْتَمِعُ النَّسَبُ وَالْحَدُّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ لِلْوَلَدِ. (أَوْ وَلَدِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَطِئَ أَمَةَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ وَقُوِّمَتْ عَلَيْهِ يَوْمَ الْوَطْءِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 499 وَكَانَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ. (وَلَا يَدْفَعُهُ عَزْلٌ) مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ اللَّخْمِيِّ: مَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَتَهُ فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ أَصْلًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَلَدُ، وَإِنْ أَنْزَلَ وَعَزَلَ الْمَاءَ عَنْ الْمَوْطُوءَةِ وَأَنْزَلَهُ خَارِجًا مِنْهَا اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ يَسْبِقُهُ شَيْءٌ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْوَلَدُ. (أَوْ وَطِئَ بِدُبُرٍ أَوْ بَيْنَ فَخِذَيْنِ إنْ أَنْزَلَ) اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ وَطِئْتُ وَلَمْ أُنْزِلْ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَإِنْ قَالَ كُنْتُ أَعْزِلُ أُلْحِقَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَزْلُ الْبَيِّنُ فَقَدْ يَكُونُ الْإِنْزَالُ بِحَرَكَةٍ فِي الْفَرْجِ خَارِجًا، وَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ أَوْ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ فِيهِمَا قَوْلَانِ. قِيلَ: يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ لِأَنَّ الْمَاءَ يَصِلُ إلَى الْفَرْجِ. وَقِيلَ: لَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ لِأَنَّ الْمَاءَ إذَا بَاشَرَهُ الْهَوَاءُ فَسَدَ. وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ. وَجَازَ بِرِضَاهَا إجَارَتُهَا. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ لِسَيِّدِهَا خِدْمَةٌ وَلَا غَلَّةٌ. وَفِي الْجَلَّابِ: مَنْ آجَرَ أُمَّ وَلَدٍ فُسِخَتْ إجَارَتُهُ. الْبَاجِيُّ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَبْتَذِلُ أُمُّ الْوَلَدِ الدَّنِيَّةَ فِي الْحَوَائِجِ الْخَفِيفَةِ مِمَّا لَا تَبْتَذِلُ فِيهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 500 الرِّفْعَةُ. (وَعِتْقٌ عَلَى مَالٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُكَاتِبَ أُمَّ وَلَدٍ إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَهَا عَلَى مَالٍ يَتَعَجَّلُهُ مِنْهَا انْتَهَى. وَكُنْت سُئِلْتُ عَنْ نَصْرَانِيَّةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا، هَلْ يَجُوزُ فِدَاؤُهَا فَقِسْتُ ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّ الْفِدَاءَ لَيْسَ بِبَيْعٍ. وَانْظُرْ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُعَجِّلَ عِتْقَهَا عَلَى شَرْطِ إسْقَاطِ حَضَانَتِهَا فَقَالَ الْبَاجِيُّ. (وَلَهُ قَلِيلُ خِدْمَةٍ فِيهَا) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْحَوَائِجِ الْخَفِيفَةِ. (وَكَثِيرُهَا فِي وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهَا) الْبَاجِيُّ: لَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ اسْتِخْدَامَ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ. (وَأَرْشُ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا وَإِنْ مَاتَ فَلِوَارِثِهِ) اُنْظُرْ هَذَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَرْشُ مَا جُنِيَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ لِسَيِّدِهَا. مُحَمَّدٌ: وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ قَبْضِ الْأَرْشِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أُوِّلَ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ لِوَرَثَتِهِ وَأَنَا أَسْتَحْسِنُ مَا رَجَعَ إلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهَا. (وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا لَهُ فِي أُمِّ وَلَدِهِ الِاسْتِمْتَاعُ. (وَانْتِزَاعُ مَالِهَا مَا لَمْ يَمْرَضْ) الْجَلَّابُ: إذَا أُعْتِقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ بَعْدَ وَفَاةِ سَيِّدِهَا تَبِعَهَا مَالُهَا، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُوصِيَ الرَّجُلُ لِأُمِّ وَلَدِهِ، وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَنْتَزِعَ مَالَ أُمِّ وَلَدِهِ فِي حَيَاتِهِ مَا لَمْ يَمْرَضْ مَرَضًا مَخُوفًا. (وَكُرِهَ لَهُ تَزْوِيجُهَا وَإِنْ بِرِضَاهَا) الْجَلَّابُ: لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُجْبِرَ أُمَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 501 وَلَدِهِ عَلَى النِّكَاحِ وَقَدْ كُرِهَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِرِضَاهَا. (وَمُصِيبَتُهَا إنْ بِيعَتْ مِنْ بَائِعِهَا وَرُدَّ عِتْقُهَا) الْجَلَّابُ: مَنْ بَاعَ أُمَّ وَلَدٍ فُسِخَ بَيْعُهُ وَرُدَّ الثَّمَنَ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَلَوْ أَعْتَقَهَا مُبْتَاعُهَا رُدَّ عِتْقُهُ، فَإِنْ مَاتَتْ عِنْدَ مُبْتَاعِهَا لَمْ يَضْمَنْ ثَمَنَهَا وَلَا قِيمَتَهَا. (وَفُدِيَتْ إنْ جَنَتْ بِأَقَلِّ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْحُكْمِ وَالْأَرْشِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مِنْ أَحْسَنِ مَا سَمِعْت فِي جِنَايَةِ أُمِّ الْوَلَدِ أَنْ يَلْزَمَ السَّيِّدَ الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهَا أَوْ قِيمَتِهَا أَمَةً يَوْمَ الْحُكْمِ وَتُقَوَّمُ بِغَيْرِ مَالِهَا. (وَإِنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ وَلَدَتْ مِنِّي وَلَا وَلَدَ لَهَا صُدِّقَ إنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ كَانَتْ هَذِهِ وَلَدَتْ مِنِّي، فَإِنْ لَمْ يَرِثْهُ وَلَدٌ لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 502 صُدِّقَ. (وَإِنْ أَقَرَّ مَرِيضٌ بِإِيلَادٍ أَوْ عِتْقٍ فِي صِحَّتِهِ لَمْ يَعْتِقْ مِنْ ثُلُثٍ وَلَا رَأْسِ مَالٍ) ابْنُ زَرْقُونٍ: مَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ كَانَ فَعَلَ شَيْئًا فِي صِحَّتِهِ مِثْلَ عِتْقٍ أَوْ إيلَادٍ، سَادِسُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ لَا يُنَفَّذُ مِنْ ثُلُثٍ وَلَا رَأْسِ مَالٍ. ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ كُنْتُ أَعْتَقْتُ عَبْدِي هَذَا فِي صِحَّتِي وَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، الْقَوْلُ الثَّانِي إنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ عَتَقَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَإِنْ وَرِثَهُ كَلَالَةً لَمْ يَعْتِقْ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ، وَهَذَا فِيمَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِأَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْ مِنْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَتَعَقَّبَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا التَّخْرِيجَ. (وَإِنْ وَطِئَ شَرِيكٌ فَحَمَلَتْ غَرِمَ نَصِيبَ الْآخَرِ فَإِنْ أَعْسَرَ خُيِّرَ فِي اتِّبَاعِهِ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْوَطْءِ أَوْ بَيْعِهَا لِذَلِكَ وَتَبِعَهُ بِمَا بَقِيَ وَبِقِيمَةِ نِصْفِ الْوَلَدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ وَطِئَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَمَةً بَيْنَهُمَا فَلَمْ تَحْمِلْ خُيِّرَ شَرِيكُهُ فِي تَمَاسُكِهِ بِحَظِّهِ وَاتِّبَاعِ الْوَاطِئِ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا يَوْمَ وَطِئَهَا لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لَهَا لَوْ مَاتَتْ بَعْدَ وَطِئَهُ، وَلَا حَدَّ عَلَى الْوَاطِئِ وَلَا عَقْدَ عَلَيْهِ وَيُؤَدَّبُ إنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلِ مَهْرِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ. ابْنُ شَاسٍ: إذَا وَطِئَ الْأَمَةَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَحَمَلَتْ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا غَرِمَ نِصْفَ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْحَمْلِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا قُوِّمَتْ عَلَيْهِ وَاتَّبَعَهُ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا إنْ شَاءَ الشَّرِيكُ أَوْ بِيعَ ذَلِكَ النِّصْفُ الْمُقَوَّمُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيمَةِ وَيَتْبَعُهُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ. (وَإِنْ وَطِئَاهَا بِطُهْرٍ فَالْقَافَةُ وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا فَإِنْ أَشْرَكَتْهُمَا فَمُسْلِمٌ وَوَالَى إذَا بَلَغَ أَحَدَهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَتْ أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَبْدٌ أَوْ ذِمِّيٌّ وَالْآخَرُ مُسْلِمٌ فَوَطِئَاهَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ، دُعِيَ لَهُمَا الْقَافَةُ فَمَنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ نُسِبَ إلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ يَوْمِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 503 وَطِئَ الثَّانِي وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَشْرَكَتْهُمَا وَالَى إذَا كَبِرَ أَيَّهُمَا شَاءَ. ابْنُ شَاسٍ: ثُمَّ لَا يَكُونُ إلَّا مُسْلِمًا وَكَذَلِكَ فِي وَطْءِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ. (كَأَنْ لَمْ تُوجَدْ) ابْنُ يُونُسَ: إنْ لَمْ تُوجَدْ الْقَافَةُ تُرِكَ الْوَلَدُ إلَى بُلُوغِهِ فَيُوَالِي مَنْ شَاءَ كَمَا لَوْ قَالَتْ الْقَافَةُ اشْتَرَكَا فِيهِ أَوْ لَيْسَ هُوَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَقَالَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا وَهُوَ أَوْلَى ثُمَّ ذَكَرَ الْقَوْلَ الْآخَرَ. (وَوَرِثَاهُ إنْ مَاتَ أَوَّلًا) ابْنُ شَاسٍ: إنْ مَاتَ قَبْلَ الْمُوَالَاةِ فَهُوَ ابْنٌ لَهُمَا ثُمَّ حَكَى الْقَوْلَ الْآخَرَ. (وَحَرُمَتْ عَلَى مُرْتَدٍّ أُمُّ وَلَدِهِ حَتَّى يُسْلِمَ وَوُقِفَتْ كَمُدَبَّرِهِ إنْ فَرَّ لِدَارِ الْحَرْبِ) قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّ مَنْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ فَتَنَصَّرَ بِهَا وُقِفَ مَالُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرُهُ وَتَحْرُمُ عَلَى الْمُرْتَدِّ أُمُّ وَلَدِهِ فِي رِدَّتِهِ حَتَّى يُسْلِمَ، فَإِنْ أَسْلَمَ رَجَعَتْ إلَيْهِ أُمُّ وَلَدِهِ وَعَادَ إلَيْهِ مَالُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 504 رُجُوعُ أُمَّهَاتِهِ إلَيْهِ بِإِسْلَامِهِ وَلُزُومُ عِتْقِهِنَّ عَلَيْهِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّةِ زَوْجَةٍ فَلَا رَجْعَةَ. (وَلَا تَجُوزُ كِتَابَتُهَا وَعَتَقَتْ إنْ أَدَّتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ فُسِخَتْ كِتَابَتُهَا إلَّا أَنْ تَفُوتَ بِالْوَطْءِ فَتَعْتِقُ وَلَا تَرْجِعُ فِيمَا أَدَّتْ. [فَصْلٌ فِي الْوَلَاء] فَصْلٌ (الْوَلَاءُ لِمُعْتِقٍ وَإِنْ بِبَيْعٍ مِنْ نَفْسِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْوَلَاءُ لِمَنْ ثَبَتَ الْعِتْقُ عَنْهُ وَلَوْ بِعِوَضٍ. وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ قَالَ لِنَفْسِي فَحُرٌّ وَوَلَاؤُهُ لِبَائِعِهِ ". (أَوْ عِتْقِ غَيْرٍ عَنْهُ بِلَا إذْنٍ) أَبُو عُمَرَ: مَنْ أَعْتَقَ عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ. (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ سَيِّدُهُ بِعِتْقِهِ حَتَّى عَتَقَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ لَمْ يَعْلَمْ السَّيِّدُ بِأَنَّ عَبْدَهُ أَعْتَقَ عَبْدًا حَتَّى عَتَقَ فَالْوَلَاءُ لِلْعَبْدِ. (إلَّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 505 كَافِرًا أَعْتَقَ مُسْلِمًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَعْتَقَ كَافِرٌ مُسْلِمًا فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يَرْجِعُ لِسَيِّدِهِ إنْ أَسْلَمَ وَلَا يَجُرُّهُ لِمُسْلِمٍ غَيْرِهِ. (وَرَقِيقًا إنْ كَانَ يُنْتَزَعُ مَالُهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إعْتَاقُ الْعَبْدِ فِي حَالٍ يَجُوزُ انْتِزَاعُ مَالِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 506 وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لَيْسَ بِسَبَبٍ أَبَدًا بِخِلَافِ مَا لَمْ يَعْلَمْ السَّيِّدُ بِهِ حَتَّى عَتَقَ. (وَعَنْ الْمُسْلِمِينَ الْوَلَاءُ لَهُمْ) ابْنُ رُشْدٍ: إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَوَلَاؤُك لِي لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَالْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ. (كَسَائِبَةٍ وَكُرِهَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً لِلَّهِ تَعَالَى فَوَلَاؤُهَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَعْنَى السَّائِبَةِ كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ. اللَّخْمِيِّ: وَكَرِهَ هَذَا مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ. (وَإِنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ عَادَ الْوَلَاءُ بِإِسْلَامِ السَّيِّدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَعْتَقَ نَصْرَانِيٌّ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ عِتْقِهِ وَمَاتَ عَنْ مَالٍ، فَمِيرَاثُهُ لِعَصَبَةِ سَيِّدِهِ النَّصْرَانِيِّ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَانَ لِسَيِّدِهِ حِينَ كَانَ نَصْرَانِيًّا، فَإِنْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ رَجَعَ إلَيْهِ وَلَاؤُهُ. قَالَ سَحْنُونَ: مَعْنَى رُجُوعِ الْوَلَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ إنَّمَا هُوَ الْمِيرَاثُ وَالْوَلَاءُ قَائِمٌ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ. ابْنُ يُونُسَ: صَوَابٌ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ فَكَمَا لَا تَزُولُ عَنْهُ الْأُبُوَّةُ إنْ أَسْلَمَ وَلَدُهُ فَكَذَا الْوَلَاءُ. (وَجَرَّ وَلَدُ الْمُعْتِقِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَسْتَرْسِلُ عَلَى أَوْلَادِ مَنْ أَعْتَقَ مُطْلَقًا. ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَبُ الْمُعْتِقُ يَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِهِ لِمُعْتَقِهِ وَلَوْ سَفَلَ. وَفِي الْمُوَطَّأِ: اشْتَرَى الزُّبَيْرُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ وَلِلْعَبْدِ بَنُونَ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: هُمْ مَوَالِينَا. وَقَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 507 مَوَالِي أُمِّهِمْ مَوَالِينَا. فَقَضَى عُثْمَانُ بِهِمْ لِلزُّبَيْرِ. (كَأَوْلَادِ الْمُعْتِقَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَسَبٌ مِنْ حُرٍّ) ابْنُ الشَّاطِّ: مُوَالِي النِّعْمَةِ هُوَ سَبَبُ الْعِتْقِ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ انْتِسَابُ الْمَوْرُوثِ، وَضُرُوبُهُ ثَلَاثَةٌ فَذَكَرَ الضَّرْبَيْنِ ثُمَّ قَالَ: الضَّرْبُ الثَّالِثُ هُوَ سَبَبُ الْعِتْقِ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ انْتِسَابَ أُمِّ الْمَوْرُوثِ أَوْ عَتَقَ أَحَدُ مَنْ لَهُ عَلَيْهَا وِلَادَةٌ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ مَوْلَى نِعْمَةِ السَّبَبِ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِهَذَا الضَّرْبِ فِي أَحْوَالٍ ثَلَاثَةٍ: إحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ الْمَوْرُوثُ ابْنَ زِنًا. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُلَاعَنًا. الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا. أَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى فَيَتَعَذَّرُ جَرُّ الْوَلَاءِ فِيهَا لِتَعَذُّرِ مَنْ يَجُرُّهُ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَيَجُرُّ فِيهَا الْأَبُ وَلَاءَ ابْنِهِ الْمُلَاعَنِ فِيهِ إلَى مَوَالِيه عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ إذَا كَذَّبَ نَفْسَهُ وَاسْتَلْحَقَ الِابْنَ. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَيَجُرُّ فِيهَا أَيْضًا الْأَبُ إلَى مَوَالِيه عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ إذَا أَعْتَقَ أَوْ أَسْلَمَ، وَيَجُرُّ الْجَدُّ أَيْضًا الْوَلَاءَ فِيهَا إلَى مَوَالِيه عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ مَا دَامَ الْأَبُ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا، ثُمَّ إذَا أُعْتِقَ الْأَبُ أَوْ أَسْلَمَ جَرَّهُ إلَى مَوَالِيه عَنْ مَوَالِيه إلَى مَوَالِي الْجَدِّ اهـ وَقَدْ تَقَدَّمَ إذَا أَعْتَقَ كَافِرٌ مُسْلِمًا فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يَرْجِعُ لِلسَّيِّدِ إنْ أَسْلَمَ إلَّا لَرَقَّ. (أَوْ عِتْقٍ لِآخَرَ) ابْنُ شَاسٍ: يَسْتَرْسِلُ الْوَلَاءُ عَلَى أَوْلَادِ الْمُعْتَقِ فِيمَنْ لَمْ يَمَسَّهُ مِنْهُمْ رِقٌّ، فَأَمَّا مَنْ مَسَّهُ الرِّقُّ فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ إلَّا لِمُعْتِقِهِ أَوْ لِمُعْتِقِ مُعْتِقِهِ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ أَقْوَى. (وَمُعْتَقُهَا) ابْنُ الشَّاطِّ: مَوْلَى النِّعْمَةِ هُوَ سَبَبُ الْعِتْقِ وَضُرُوبُهُ ثَلَاثَةٌ: سَبَبُ عِتْقِ الْمَوْرُوثِ أَوْ مَوْلَى نِعْمَةِ سَبَبٍ فَأَعْلَى وَسَبَبُ عِتْقِ أَبِي الْمَوْرُوثِ. ثُمَّ قَالَ: أَوْ مَوْلَى نِعْمَةِ السَّبَبِ مَا انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ مُطْلَقًا. وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: " وَلَوْ سَفَلَ " اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَجَرَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 508 وَلَدَ الْمُعْتَقِ ". (وَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ أَوْ اُسْتُلْحِقَ رَجَعَ الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِهِ مِنْ مُعْتِقِ الْجَدِّ وَالْأُمِّ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الشَّاطِّ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ وَالْحَالَةِ الثَّالِثَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ: " إلَّا لِرِقٍّ أَوْ عِتْقٍ لِآخَرَ ". وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ كَانَ لِوَلَدِ الْحُرَّةِ مِنْ الْعَبْدِ جَدٌّ أَوْ جَدُّ جَدٍّ عَتَقَ قَبْلَ الْأَبِ وَجَرَّ وَلَاءَهُمْ لِمُعْتِقِهِ. (وَالْقَوْلُ لِمُعْتِقِ الْأَبِ لَا لِمُعْتِقِهَا إلَّا أَنْ تَضَعَ لِدُونِ السِّتَّةِ مِنْ عِتْقِهَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ اخْتَلَفَ مُعْتِقُ الْأَبِ وَمُعْتِقُ الْأُمِّ فِي الْحَمْلِ وَلَا بَيِّنَةَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُعْتِقِ الْأَبِ إلَّا أَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ عِتْقِهَا. اُنْظُرْ ابْنَ شَاسٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عَتَقَتْ أَمَةٌ تَحْتَ حُرٍّ وَوَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا قَالَتْ عَتَقْتُ وَأَنَا بِهِ حَامِلٌ وَقَالَ الزَّوْجُ بَلْ حَمَلْتِ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. فَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. (وَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِالْوَلَاءِ أَوْ اثْنَانِ إنَّهُمَا لَمْ يَزَالَا يَسْمَعَانِ إنَّهُ مَوْلَاهُ أَوْ ابْنُ عَمِّهِ لَمْ يَثْبُتْ لَكِنَّهُ يَحْلِفُ وَيَأْخُذُ الْمَالَ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ) تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: وَاسْتُؤْنِيَ بِالْمَالِ إنْ شَهِدَ بِالْوَلَاءِ شَاهِدٌ أَوْ اثْنَانِ أَنَّهُمَا لَمْ يَزَالَا يَسْمَعَانِ أَنَّهُ مَوْلَاهُ أَوْ وَارِثُهُ وَحَلَفَ. وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ الْوَلَاءَ وَالنَّسَبَ كَالْحُدُودِ وَلَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ وَلَا يُجَرُّ بِذَلِكَ الْوَلَاءُ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 509 عَلَى عِلْمٍ أَوْ سَمَاعٍ وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْوَلَاءِ. (وَقُدِّمَ عَاصِبُ النَّسَبِ ثُمَّ الْمُعْتِقُ) ابْنُ رُشْدٍ: وِلَايَةُ الْعِتْقِ إنَّمَا تُوجِبُ الْمِيرَاثَ عِنْدَ انْقِطَاعِ النَّسَبِ. وَلَمَّا ذَكَرَ الشِّيرَازِيُّ فِي أُرْجُوزَتِهِ تَرْتِيبَ الْعَصَبَةِ بَدَأَ بِالْأَبِ وَخَتَمَ بِابْنِ أَخِي الْجَدِّ ثُمَّ قَالَ فِي مَوْلَى النِّعْمَةِ مَا نَصُّهُ: وَحَجْبُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْإِرْثِ يَجِبُ ... بِابْنِ أَخِي الْجَدِّ وَمَنْ بِهِ حُجِبَ (ثُمَّ عَصَبَتُهُ كَالصَّلَاةِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ مَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 510 حَيًّا وَرِثَهُ وَلَدُ مَوْلَاهُ ثُمَّ وَلَدُ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلُوا، الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ. فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَأَبُوهُ قَالَ: وَالْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ مَا سَفَلَ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُهُ مَا سَفَلَ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ أَبُو الْجَدِّ ثُمَّ بَنُوهُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَمِيرَاثِ الْوَلَاءِ (ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتِقِ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ فَأَبُوهُ وَأَوْلَادُهُمْ مَا سَفَلُوا، فَإِنْ انْقَطَعُوا فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِمَوْلَاهُ ثُمَّ لِمَنْ يَجِبُ لَهُ ذَلِكَ بِسَبَبِهِ. (وَلَا تَرِثُهُ أُنْثَى إلَّا إنْ بَاشَرَتْ عِتْقًا أَوْ جَرَّهُ وَلَاءٌ بِوِلَادَةٍ أَوْ عِتْقٍ) ابْنُ الْجَلَّابِ: لَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ شَيْئًا إلَّا وَلَاءِ مَنْ بَاشَرْنَ عِتْقَهُ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ دَبَّرْنَ أَوْ مَا جَرَّ إلَيْهِنَّ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ بِنَسَبٍ أَوْ بِوَلَاءٍ مِثْلُ مُعْتِقِ مُعْتِقِهِنَّ أَوْ وَلَدِ مَنْ أَعْتَقْنَ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ. وَلَا لِأُنْثَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 511 وَلَاءٌ إلَّا عَلَى مَنْ بَاشَرَهُ عِتْقُهَا أَوْ عَلَى مَنْ جَرَّهُ وَلَاؤُهُ لَهَا بِوِلَادَةٍ أَوْ عِتْقٍ. (وَإِنْ اشْتَرَى ابْنٌ وَبِنْتٌ أَبَاهُمَا ثُمَّ اشْتَرَى الْأَبُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ فَمَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْأَبِ وَرِثَهُ الِابْنُ وَإِنْ مَاتَ الِابْنُ أَوَّلًا فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ لِعِتْقِهَا نِصْفَ الْمُعْتِقِ وَالرُّبُعُ لِأَنَّهَا مُعْتِقَةٌ نِصْفَ أَبِيهِ) قَالَ ابْنُ خَرُوفٍ: هَذِهِ الْفَرِيضَةُ تُعْرَفُ بِفَرِيضَةِ الْقُضَاةِ لِغَلَطِ أَرْبَعِمِائَةِ: قَاضٍ فِيهَا. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَلَوْ اشْتَرَى ابْنُ وَابْنَةٌ أَبَاهُمَا ثُمَّ اشْتَرَى الْأَبُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ فَمَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْأَبِ، وَرِثَهُ الِابْنُ دُونَ الْبِنْتِ لِأَنَّهُ عَصَبَةُ الْمُعْتَقِ. وَلَوْ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ الْعَبْدِ، لِلْبِنْتِ مِنْ الْعَبْدِ النِّصْفُ لِأَنَّهَا مُعْتِقَةٌ نِصْفَ الْمُعْتَقِ وَالرُّبُعُ لِأَنَّهَا مُعْتِقَةٌ نِصْفَ أَبِي مُعْتِقِ النِّصْفِ. (فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ ثُمَّ الْأَبُ فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ بِالرَّحِمِ وَالرُّبُعُ بِالْوَلَاءِ وَالثُّمُنُ بِجَرِّهِ) ابْنُ شَاسٍ وَغَيْرُهُ: إذَا اشْتَرَى ابْنٌ وَابْنَةٌ أَبَاهُمَا ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ فَوَرِثَهُ أَبُوهُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، فَإِنَّ الْبِنْتَ تَرِثُ مِنْ أَبِيهَا النِّصْفَ بِالرَّحِمِ فَرْضًا وَنِصْفَ النِّصْفِ الْبَاقِي بِالْوَلَاءِ لِأَنَّهَا أَعْتَقَتْ نِصْفَهُ، وَالْبَاقِي لِأَخِيهَا إذْ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَ نِصْفَهُ، ثُمَّ تَأْخُذُ نِصْفَ هَذَا الْبَاقِي لِأَنَّهَا أَعْتَقَتْ نِصْفَ وَالِدِهِ فَصَارَ لَهَا سَبْعَةُ أَثْمَانِ الْمَالِ. ابْنُ شَاسٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 512 [كِتَابُ الْوَصَايَا] [بَاب أَرْكَان الْوَصِيَّة وَأَحْكَامهَا] وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهَا وَهِيَ الْمُوصِي وَالْمُوصَى بِهِ وَالْمُوصَى لَهُ وَمَا يَكُونُ بِهِ الْوَصِيَّةُ. الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ. الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْوَصِيَّةِ وَأَرْكَانِهَا وَالْوَصِيِّ وَالْمُوصَى فِيهِ وَالصِّيغَةِ. بَابٌ (صَحَّ إيصَاءُ حُرٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْوَصِيَّةُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ: عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ أَوْ يُوجِبُ نِيَابَةً عَنْهُ بَعْدَهُ. ابْنُ شَاسٍ: وَتَصِحُّ مِنْ كُلِّ حُرٍّ. (مُمَيِّزٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تَجُوزُ وَصِيَّةُ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ وَأَقَلَّ مِمَّا يُقَارِبُهَا إذَا أَصَابَ وَجْهَ الْوَصِيَّةِ. (مَالِكِ) ابْنُ شَاسٍ: تَصِحُّ مِنْ كُلِّ حُرٍّ مُمَيِّزٍ مَالِكٍ وَلَا تَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا مِنْ الْمَجْنُونِ. (وَإِنَّ سَفِيهًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَالسَّفِيهِ وَالْمُصَابِ حَالَ إفَاقَتِهِ لَا حَالَ خَبَلِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَيَجُوزُ لِلسَّفِيهِ أَنْ يُوصِيَ بِالْعِتْقِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 513 بَتْلًا. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَالْكُلُّ عِتْقٌ. (وَصَغِيرًا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " مُمَيِّزٍ " وَقَالَ أَصْبَغُ: تَجُوزُ وَصِيَّةُ الصَّغِيرِ إذَا عَقَلَ الصَّلَاةَ. وَلِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إذَا أَثْغَرَ وَالصِّبْيَانُ يَخْتَلِفُ إدْرَاكُهُمْ وَتَمْيِيزُهُمْ، فَمَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 514 عُلِمَ تَمْيِيزُهُ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ فِيهِ قُرْبَةٌ أَوْ صِلَةُ رَحِمٍ، وَإِنْ جَعَلَهَا لِمَنْ يَسْتَعِينُ بِهَا فِي مَنْهِيٍّ عَنْهُ رُدَّتْ وَصِيَّتُهُ. (وَهَلْ إنْ لَمْ يَتَنَاقَضْ أَوْ أَوْصَى بِقُرْبَةٍ تَأْوِيلَانِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَصَابَ وَجْهَ الْوَصِيَّةِ. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: يُرِيدُ إذَا لَمْ يَخْلِطْ فِي كَلَامِهِ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ: إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ. (وَكَافِرٍ إلَّا بِكَخَمْرٍ لِمُسْلِمٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ " وَالْكَافِرُ تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ إلَّا بِكَخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لِمُسْلِمٍ " الجزء: 8 ¦ الصفحة: 515 وَاضِحٌ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ عَنْ مَالِكٍ تَامٍّ مِلْكُهُ. (لِمَنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ كَمَنْ سَيَكُونُ إنْ اسْتَهَلَّ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّانِي الْمُوصَى لَهُ. فَلَوْ أَوْصَى لِحَمْلِ امْرَأَةٍ فَانْفَصَلَ حَيًّا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، وَلَوْ أَوْصَى لِحَمْلٍ سَيَكُونُ صَحَّ قَالَ مَالِكٌ: تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَفِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ فَهُوَ إخْرَاجُ مَالٍ عَنْ الْوَرَثَةِ إذْ بَيْنَ مَا يُخْرَجُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَرْقٌ. (وَوُزِّعَ بِعَدَدِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِوَلَدِ فُلَانٍ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ جَازَ وَيُنْتَظَرُ أَيُولَدُ لَهُ أَمْ لَا، وَيُسَاوِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 516 فِيهِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. (بِلَفْظٍ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الرَّابِعُ مَا بِهِ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ وَتَكُونُ بِالْإِيجَابِ وَلَا يَتَعَيَّنُ لَهُ لَفْظٌ مَخْصُوصٌ (أَوْ إشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الصِّيغَةُ مَا دَلَّ عَلَى تَعْيِينِ الْوَصِيَّةِ فَيَدْخُلُ اللَّفْظُ وَالْكِتَابَةُ وَالْإِشَارَةُ. ابْنُ الْحَاجِبِ: الصِّيغَةُ كُلُّ لَفْظٍ أَوْ إشَارَةٍ يُفْهَمُ مِنْهَا قَصْدُ الْوَصِيَّةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَيُخْرِجُ الْكُتُبَ. (وَقَبُولُ الْمُعَيَّنِ شَرْطٌ بَعْدَ الْمَوْتِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: قَبُولُ الْمُعَيَّنِ شَرْطٌ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ. ابْنُ شَاسٍ: وَإِنْ أَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَا يَتَعَيَّنُ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ. (فَالْمِلْكُ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا مَاتَ الْمُوصِي كَانَ الْمُوصَى لَهُ مَوْقُوفًا، فَإِنْ قَبِلَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا دَخَلَتْ فِي حُكْمِهِ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ رَدَّهَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ زَكَاةُ الْفِطْرِ إذَا وَجَبَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ. وَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ فَأَوْلَدَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْعِلْمِ، وَكَذَا ثَمَرُ النَّخْلِ الْحَادِثِ بَيْنَ الزَّمَانَيْنِ اهـ. وَانْظُرْ إنْ مَاتَ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَبَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي هِيَ كَالشُّفْعَةِ وَالْخِيَارِ لِوَرَثَتِهِ الرَّدُّ وَالْقَبُولُ. قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا بَيِّنٌ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَحْتَاجُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 517 إلَى قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَا عِلْمِهِ، لِأَنَّ قَبُولَهَا حَقٌّ يُورَثُ عَنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَرَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ بِكَلَامٍ يَقْتَضِي عَدَمَ اطِّلَاعِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ الِاطِّلَاعِ عَلَى نَقْلِ التَّنْبِيهَاتِ قُصُورٌ. (وَقُوِّمَ بِغَلَّةٍ حَصَلَتْ قَبْلَهُ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْغَلَّاتِ تَبَعٌ لِلْأُصُولِ فَاخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ التَّقْوِيمِ؛ فَقِيلَ تُقَوَّمُ الْأُصُولُ بِغَيْرِ غَلَّاتٍ فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ اتَّبَعَتْهَا وَلَا تُقَوَّمُ الْغَلَّاتُ، وَقِيلَ تُقَوَّمُ الْأُصُولُ بِغَلَّاتِهَا. قَالَ التُّونِسِيُّ: وَهَذَا أَشْبَهُ فِي الظَّاهِرِ، وَذَلِكَ أَنَّ نَمَاءَ الْعَبْدِ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُقَوَّمْ عَلَى هَيْئَتِهِ يَوْمَ التَّقْوِيمِ، وَكَذَلِكَ وَلَدٌ لِأَمَةٍ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ اخْتِلَافٌ أَنَّهُ يُقَوَّمُ مَعَهَا كَنَمَاءِ إعْطَائِهَا. فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَقْوِيمُ الْغَلَّاتِ مَعَ الرِّقَابِ لِأَنَّهُمَا كَالنَّمَاءِ فِي الْمُوصَى بِهِ. (وَلَمْ يَحْتَجْ رِقٌّ لِإِذْنٍ فِي قَبُولٍ كَإِيصَائِهِ بِعِتْقِهِ) تَرْجَمَ ابْنُ يُونُسَ فَقَالَ فِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ فَلَمْ يَقْبَلَا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَلَمْ يُقْبَلْ فَلَا قَوْلَ لَهُ وَيَعْتِقُ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ. وَانْظُرْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 518 قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَلْفًا ". (وَخُيِّرَتْ جَارِيَةُ الْوَطْءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَوْصَى بِبَيْعِ جَارِيَتِهِ مِمَّنْ يُعْتِقُهَا فَأَبَتْ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ جَوَارِ الْوَطْءِ فَذَلِكَ لَهَا وَإِلَّا بِيعَتْ مِمَّنْ يُعْتِقُهَا. (وَلَهَا الِانْتِقَالُ) اللَّخْمِيِّ: إنْ قَالَ خَيِّرُوهَا فِي الْعِتْقِ أَوْ الْبَيْعِ خُيِّرَتْ، فَإِنْ اخْتَارَتْ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ ثُمَّ انْتَقَلَتْ إلَى الْآخَرِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ذَلِكَ لَهَا مَا لَمْ يُنَفَّذْ فِيهَا مَا اخْتَارَتْ أَوَّلًا. (وَصَحَّ لِعَبْدِ وَارِثِهِ إنْ اتَّحَدَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَوْصَى لِعَبْدِ ابْنِهِ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ جَازَ وَلَا يَنْتَزِعُ ذَلِكَ الِابْنُ مِنْهُ. (أَوْ بِتَافِهٍ أُرِيدَ بِهِ الْعَبْدُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ رَجُلٍ لِعَبْدِ وَارِثِهِ إلَّا بِالتَّافِهِ كَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ فِيمَا يُرِيدُ نَاحِيَةَ الْعَبْدِ لَا نَفْعَ سَيِّدِهِ كَانَ خَدَمَهُ وَنَحْوَهُ. (وَلِمَسْجِدٍ وَصُرِفَ فِي مَصْلَحَتِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْمَسْجِدِ وَالْقَنْطَرَةِ وَشَبَهِهَا لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الصَّرْفِ فِي مَصَالِحِهِمَا. ابْنُ رُشْدٍ: الْوَاجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ بُنْيَانُ الْمَسْجِدِ وَرَمُّهُ عَلَى أَجْرِ أَئِمَّتِهِ. (وَخِدْمَتِهِ وَلِمَيِّتٍ عَلِمَ بِمَوْتِهِ فَفِي دَيْنِهِ أَوْ وَارِثِهِ) أَشْهَبُ: مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ قَدْ مَاتَ وَعَلِمَ بِمَوْتِهِ فَذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ وَلِدَيْنٍ عَلَيْهِ. وَأَتَى اللَّخْمِيِّ بِهَذَا غَيْرَ مَعْزُوٍّ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ. (وَلِذِمِّيٍّ) رَوَى ابْنُ وَهْبٍ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 519 مَنْ نَذَرَ صَدَقَةً عَلَى كَافِرٍ لَزِمَهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ أَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ لِلذِّمِّيِّ أَجْرًا عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَمَعْنَى الْكَرَاهِيَةِ فِي ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى إيثَارِ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا بِنَفْسِ الْوَصِيَّةِ لِلذِّمِّيِّ اهـ. قَالَ مَالِكٌ: تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. أَصْبَغُ: تَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ وَلَا تَجُوزُ لِلْحَرْبِيِّ. عَبْدُ الْوَهَّابِ: تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أَهْلَ حَرْبٍ. (وَلِقَاتِلٍ عَلِمَ الْمُوصِي بِالسَّبَبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَوْصَى لَهُ بَعْدَ ضَرْبِهِ وَعَلِمَ بِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الضَّرْبَةُ خَطَأً جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْمَالِ وَالدِّيَةِ، وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَتَجُوزُ فِي مَالِهِ دُونَ الدِّيَةِ لِأَنَّ قَبُولَ الدِّيَةِ كَمَالٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ. (وَإِلَّا فَتَأْوِيلَانِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ أَوْصَى بَعْدَ الْجِنَايَةِ عَمْدًا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ قَاتِلُهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا شَيْءَ لَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هِيَ نَافِذَةٌ لَهُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. (وَبَطَلَتْ بِرِدَّةٍ) بَهْرَامَ: وَبَطَلَتْ بِرِدَّةِ الْمُوصِي إنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَإِنْ تَابَ وَكَانَتْ مَكْتُوبَةً صَحَّتْ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا قُتِلَ الْمُرْتَدُّ عَلَى رِدَّتِهِ بَطَلَتْ وَصَايَاهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَبَعْدَهَا. (وَإِيصَاءٍ بِمَعْصِيَةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُوصَى بِهِ كُلُّ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ حَيْثُ الْوَصِيَّةُ بِهِ، فَتَخْرُجُ الْوَصِيَّةُ بِالْخَمْرِ وَبِالْمَالِ فِيمَا لَا يَحِلُّ صَرْفُهُ فِيهِ. وَسَمِعَ عِيسَى جَوَابَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَمَّنْ أَوْصَى بِمَنَاحَةِ مَيِّتٍ أَوْ لَهْوِ عُرْسٍ لَا يُنَفَّذُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْكَبَرِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ النِّيَاحَةَ عَلَى الْمَيِّتِ مُحَرَّمَةٌ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ أَوْصَى بِمَالٍ لِمَنْ يَصُومُ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ. ابْنُ عَتَّابٍ: وَكَذَلِكَ لِمَنْ يُصَلِّي عَنْهُ بِخِلَافِ مَنْ عَهِدَتْ بِعَهْدٍ لِمَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهَا فَهُوَ نَافِذٌ كَالِاسْتِئْجَارِ لِلْحَجِّ وَهُوَ رَأْيُ شُيُوخِنَا قَالَ: وَكَذَلِكَ رَأْيُ إنْفَاذِ الْوَصِيَّةِ بِضَرْبِ قُبَّةٍ عَلَى قَبْرِهَا. (وَلِوَارِثٍ) الْمُوَطَّأُ: السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا خِلَافَ فِيهَا أَنَّهَا لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا وَرَثَتُهُ، وَإِنْ أَجَازَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 520 بَعْضُهُمْ جَازَ لَهُ حَقُّ مَنْ أَجَازَ انْتَهَى. كَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتَرِضُ عَلَى الْمُوثَقِينَ مَنْعَهُمْ مِنْ يُرِيدُ الْوَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إذْ لَعَلَّهُ أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ أَوْ قَدْ يَصِيرُ غَيْرَ وَارِثٍ. (كَغَيْرِهِ بِزَائِدِ الثُّلُثِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: تَصِحُّ لِلْمَوَارِيثِ وَتَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَقَدْ يَصِيرُ غَيْرَ وَارِثٍ كَزَائِدِ الثُّلُثِ لِغَيْرِهِ. وَفِي كَوْنِهَا بِالْإِجَازَةِ تَنْفِيذًا أَوْ ابْتِدَاءً عَطِيَّةً مِنْهُمْ قَوْلَانِ. (يَوْمَ التَّنْفِيذِ) ابْنُ عَرَفَةَ: نُصُوصُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَاضِحَةٌ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ ثُلُثُ مَالِهِ يَوْمَ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ لَا يَوْمَ مَوْتِهِ، فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ " الْمُعْتَبَرُ ثُلُثُ الْمَالِ الْمَوْجُودِ يَوْمَ الْمَوْتِ " الْمَنْصُوصُ خِلَافُهُ. (وَإِنْ أُجِيزَ فَعَطِيَّةٌ) ابْنُ الْقَصَّارِ: إنْ أَجَازَ الْوَارِثُ مَا وَصَّى بِهِ الْمَيِّتُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ، كَانَ ذَلِكَ تَنْفِيذًا لِفِعْلِ الْمَيِّتِ لَا ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ مِنْ الْوَارِثِ. (وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ يُجِيزُوا لَهُ فَلِلْمَسَاكِينِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِوَارِثٍ وَقَالَ إنْ لَمْ يُجِزْهُ بَاقِي الْوَرَثَةِ فَهُوَ فِي السَّبِيلِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ الْغَرَرِ. (بِخِلَافِ الْعَكْسِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ قَالَ دَارِي فِي السَّبِيلِ إلَّا أَنْ يُنَفِّذَهَا الْوَرَثَةُ لِابْنِي ذَلِكَ نَافِذٌ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ. [بَاب الرُّجُوع عَنْ الْوَصِيَّة] (وَبِرُجُوعٍ فِيهَا وَإِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 521 بِمَرَضٍ بِقَوْلٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَجُوزُ رُجُوعُ الْمُوصِي عَنْ وَصِيَّتِهِ إجْمَاعًا فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ، فَلَوْ الْتَزَمَ فِيهَا عَدَمَ الرُّجُوعِ فَفِي لُزُومِهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ مُتَأَخِّرِي فُقَهَاءِ تُونُسَ انْتَهَى. وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ الْحَاجِّ وَابْنُ سَلْمُونَ إلَّا قَوْلَ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونِسِيِّ: لَوْ قَالَ فِي الْوَصِيَّةِ لَا رُجُوعَ لِي فِيهَا أَوْ فُهِمَ عَنْهُ إيجَابُ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ لَكَانَتْ كَالتَّدْبِيرِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ عَنْ ذَلِكَ. الْبَاجِيُّ: لَا خِلَافَ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ (أَوْ بَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ كِتَابَةٍ) ابْنُ حَارِثٍ: اتَّفَقُوا فِيمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَنَّ ذَلِكَ رُجُوعٌ (وَكِتَابَةٍ) ابْنُ شَاسٍ: وَالْكِتَابَةُ رُجُوعٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ أَجِدْهُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْأُصُولُ تُوَافِقُهُ. (وَإِيلَادٍ) ابْنُ كِنَانَةَ: مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ فَلَهُ وَطْؤُهَا وَلَا تُنْتَقَضُ وَصِيَّتُهُ إلَّا أَنْ تَحْمِلَ مِنْ سَيِّدِهَا (وَحَصْدِ زَرْعٍ) لَوْ قَالَ " وَدَرْسِ زَرْعٍ " لَتَنَزَّلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَوْصَى بِزَرْعٍ فَحَصَدَهُ أَوْ بِثَمَرٍ فَجَذَّهُ أَوْ بِصُوفٍ فَجَزَّهُ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ إلَّا أَنْ يَدْرُسَ الْقَمْحَ وَيَكْتَالَهُ وَيُدْخِلَهُ بَيْتَهُ فَهَذَا رُجُوعٌ. الْبَاجِيُّ: بِالدَّرْسِ وَالتَّصْفِيَةِ انْتَقِلْ اسْمُهُ عَنْ الزَّرْعِ إلَى اسْمِ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ فَكَانَ رُجُوعًا. (وَنَسْجِ غَزْلٍ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 522 الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَوْ أَوْصَى بِغَزْلٍ فَحَاكَهُ ثَوْبًا أَوْ بِرِدَاءٍ فَقَطَّعَهُ قَمِيصًا فَهُوَ رُجُوعٌ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَزَادَ: أَوْ بِفِضَّةٍ فَصَاغَهَا خَاتَمًا أَوْ بِشَاةٍ ثُمَّ ذَبَحَهَا، فَهُوَ كُلُّهُ رُجُوعٌ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ الَّذِي أَوْصَى بِهِ. قَالَ: وَكَذَا قُطْنٌ ثُمَّ حُشِيَ بِهِ أَوْ غَزَلَهُ. (وَصَوْغِ فِضَّةٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ أَشْهَبَ: وَبِفِضَّةٍ فَصَاغَهَا (وَحَشْوِ قُطْنٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ أَشْهَبَ: وَكَذَا بِقُطْنٍ ثُمَّ حُشِيَ بِهِ. (وَذَبْحِ شَاةٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ أَشْهَبَ: أَوْ بِشَاةٍ ثُمَّ ذَبَحَهَا (وَتَفْصِيلِ شَقَّةٍ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَوْ بُرْدًا فَقَطَّعَهُ قَمِيصًا. (أَوْ إيصَاءٍ بِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ انْتَفَيَا قَالَ إنْ مِتُّ فِيهِمَا وَإِنْ بِكِتَابٍ وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَوْ أَخْرَجَهُ وَرَدَّهُ بَعْدَ هُمَا) مِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَفْظًا بِغَيْرِ كِتَابٍ أَوْ بِكِتَابٍ أَقَرَّهُ عِنْدَهُ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ فِي سَفَرِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ قَالَ لِفُلَانٍ كَذَا، فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ إنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُغَيِّرَهَا جَازَتْ مِنْ ثُلُثِهِ إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ أَوْ فِي سَفَرِهِ، فَإِنْ قَدِمَ أَوْ بَرِئَ وَلَمْ يُغَيِّرْ مَا قَالَ حَتَّى مَاتَ فَذَلِكَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَتَبَ بِذَلِكَ كِتَابًا وَوَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ وَأَقَرَّهُ عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى مَاتَ. سَحْنُونَ: وَإِنْ أَخَّرَهُ سَنَةً بَعْدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 523 الْبُرْءِ أَوْ الْقُدُومِ فَأَقَرَّهُ فِي يَدِهِ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَتَبَ وَصِيَّةً فِي مَرَضٍ أَوْ صِحَّةٍ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَأَقَرَّهَا عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ فَهِيَ جَائِزَةٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مُبْهَمَةً لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا مَوْتَهُ مِنْ مَرَضِهِ وَلَا فِي سَفَرِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مُقَيَّدَةً بِمَرَضٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِمِلْكٍ بِعَيْنِهِ أَوْ وَقْتٍ بِعَيْنِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكْتُبْ بِهَا كِتَابًا وَإِنَّمَا أَشْهَدَ بِهَا خَاصَّةً ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ. نَزَلَ مِثْلُ هَذِهِ النَّازِلَةِ وَرَجَعْت عَنْ فَتْوَايَ فِيهَا لِلِاطِّلَاعِ عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَعَلَى مَا فِي الْبَيَانِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ لَا تُنَفَّذُ. قَالَ: وَكَذَا إنْ أَوْصَى فِي مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ وَقَالَ إنْ مِتُّ وَلَمْ يَزِدْ أَوْ قَالَ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا أَوْ أَوْصَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَوْتَ بِحَالٍ. فَإِنْ أَشْهَدَ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ كِتَابٍ لَمْ تُنَفَّذْ الْوَصِيَّةُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَوَجْهُ بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ إذَا لَمْ يُقَيِّدْهَا فِي كِتَابٍ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِوَصِيَّتِهِ أَثَرٌ يَكُونُ فِي اسْتِدَامَتِهَا اسْتِدَامَةٌ لَهَا، وَالْإِشْهَادُ إنَّمَا اُخْتُصَّ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى غَيْرِهِ. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا رُشِّحَتْ بِهِ مَا رَجَعْت إلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لَا تَكُونُ الْوَصَايَا بِشَكٍّ كَمَا لَا يَكُونُ الْمِيرَاثُ بِهِ، وَكَمَا قَالُوا فِي الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالطَّلَاقِ أَنَّهَا تَرِثُهُ بِفَوْتِ الْأَعْذَارِ إلَيْهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَا أَدْرَاك مَا الَّذِي كَانَ يَدْرَأُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَأَوْجَبَ لَهَا الْمِيرَاثَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 524 (وَلَوْ أَطْلَقَهَا) قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: مَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا وَأَقَرَّهَا عِنْدَهُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ إذَا كَانَتْ مُبْهَمَةً لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا مَوْتَهُ مِنْ مَرَضِهِ وَلَا فِي سَفَرِهِ. (لَا إنْ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ أَوْ قَالَ مَتَى حَدَثَ الْمَوْتُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: إنَّمَا تُنَفَّذُ وَصِيَّةُ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إذَا جَعَلَهَا بِيَدِ رَجُلٍ وَلَمْ يَقْبِضْهَا مِنْهُ حَتَّى مَاتَ. قَالَ سَحْنُونَ: وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُ بَعْدَ الْبُرْءِ أَوْ الْقُدُومِ فَأَقَرَّهُ فِي يَدِهِ حَتَّى مَاتَ فَهِيَ بَاطِلٌ. (أَوْ بَنَى الْعَرْصَةَ وَاشْتَرَكَا) وَسُمِعَ أَصْبَغُ: مَنْ أَوْصَى بِمِزْوَدِ حَرِيرَةٍ ثُمَّ لَتَّهَا بِسَمْنٍ أَوْ عَسَلٍ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ وَيَكُونُ شَرِيكًا فِيهَا بِقَدْرِهَا مِنْ قَدْرِ لِتَاتِهَا كَالثَّوْبِ يَصْبُغُهُ وَالْبُقْعَةُ يَبْنِيهَا. وَقَالَ أَشْهَبُ: ذَلِكَ رُجُوعٌ انْتَهَى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 525 اُنْظُرْ لِمَ لَمْ يُرَاعِ قَوْلَ أَشْهَبَ هُنَا وَرَاعَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَفِي نَقْضِ الْعَرْصَةِ قَوْلَانِ. (كَإِيصَائِهِ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ ثُمَّ بِهِ لِعَمْرٍو) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لِرَجُلٍ مِنْ دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ. ثُمَّ أَوْصَى بِذَلِكَ لِرَجُلٍ آخَرَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا. (وَلَا بِرَهْنٍ) ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ أَوْصَى بِعَبْدٍ ثُمَّ رَهَنَهُ أَوْ آجَرَهُ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ. وَقَالَهُ مَالِكٌ. (وَتَزْوِيجِ رَقِيقٍ وَتَعْلِيمِهِ وَوَطْءٍ) ابْنُ شَاسٍ: تَزْوِيجُ الْعَبْدِ وَالْوَطْءُ مَعَ الْعَزْلِ لَيْسَ بِرُجُوعٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ أَجِدْ مَسْأَلَةَ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ فِي الْمَذْهَبِ وَأُصُولُهُ تَقْتَضِيه وَشَرْطُهُ فِي الْوَطْءِ الْعَزْلَ خِلَافُ النَّصِّ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِيلَادٍ ". (وَلَا إنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَبَاعَهُ) لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ مَا يُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ قَالَ: بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ بَاعَ جَمِيعَهُ بَهْرَامَ: إذْ لَا يَخْتَصُّ ثُلُثُ الْمَالِ بِمَا عِنْدَهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ مَا يَمْلِكُهُ حَالَ الْمَوْتِ، وَسَوَاءٌ زَادَ أَوْ نَقَصَ، قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 526 (كَثِيَابِهِ وَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهَا) ابْنُ رُشْد: مَنْ عَمَّ فِي وَصِيَّتِهِ فَقَالَ ثِيَابِي أَوْ رَقِيقِي أَوْ غَنَمِي لِفُلَانٍ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ فَاسْتَبْدَلَ بِهِمْ وَأَفَادَ غَيْرَهُمْ فَوَصِيَّتُهُ تُنَفَّذُ فِيمَا مَلَكَ يَوْمَ مَوْتِهِ، وَلَوْ كَانُوا غَيْرَ الَّذِي فِي مِلْكِهِ يَوْمَ أَوْصَى انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا أَوْصَى بِدَنَانِيرَ فَتَغَيَّرَتْ السِّكَّةُ وَلَمْ يَدَعْ وَصِيَّتَهُ الْمَنْصُوصُ أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ سِكَّةَ النَّاسِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمُوصِي. اُنْظُرْ قَدْ لَا تَتَنَوَّعُ السِّكَّةُ وَيَتَنَوَّعُ الْمِعْيَارُ أَوْ الْجِنْسُ، هَلْ يُقَالُ إنَّمَا هُوَ تَنَوُّعُ سِكَّةٍ؟ كُنْتُ أَفْتَيْتُ بِهَذَا وَرَجَعْتُ عَنْ فَتْوَايَ. (أَوْ بِثَوْبٍ فَبَاعَهُ وَاشْتَرَاهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَفِي رُجُوعِ الْوَصِيَّةِ قَوْلَانِ. عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ مَنْ نَقَلَ الْقَوْلَ الثَّانِي وَإِنَّمَا نَقَلَ الْبَاجِيُّ وَالصَّقَلِّيُّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فَقَطْ. (بِخِلَافِ مِثْلِهِ) قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسِلَاحِهِ فَيَذْهَبُ سَيْفُهُ وَدِرْعُهُ ثُمَّ يَشْتَرِي سَيْفًا آخَرَ وَدِرْعًا آخَرَ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَأَمَّا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ فَأَخْلَفَ غَيْرَهُ فَبِخِلَافِ ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ وَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ وَأَجْمَلَ فَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاسْمُ مَنْ تَرَكَهُ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ. (وَلَا إنْ جَصَّصَ الدَّارَ وَصَبَغَ الثِّيَابَ وَلَتَّ السَّوِيقَ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِزِيَادَتِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ جَصَّصَ الدَّارَ وَلَتَّ السَّوِيقَ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِزِيَادَتِهِ. وَعَزَا ابْنُ يُونُسَ هَذَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يُغَيَّرْ الِاسْمُ عَنْ حَالِهِ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " بَنَى الْعَرْصَةَ ". (وَفِي نَقْضِ الْعَرْصَةِ قَوْلَانِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا أَوْصَى لَهُ بِدَارٍ فَهَدَمَهَا فَالْعَرْصَةُ وَالنَّقْضُ لِلْمُوصَى لَهُ. الْبَاجِيُّ: وَجْهُهُ أَنَّ الْهَدْمَ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْوَصِيَّةِ كَقَطْعِ الثَّوْبِ قَمِيصًا انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لَهُ بِرِدَاءٍ فَقَطَعَهُ قَمِيصًا أَنَّهُ رُجُوعَ. اُنْظُرْهُ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَنَسْجٍ غُزِلَ " وَقَالَ أَشْهَبُ: إذَا أَوْصَى لَهُ بِدَارٍ فَهَدَمَهَا وَصَيَّرَهَا عَرْصَةً فَالْعَرْصَةُ لِلْمُوصَى لَهُ وَلَا وَصِيَّةَ فِي النَّقْضِ. الْبَاجِيُّ: لِأَنَّ اسْمَ الْبِنَاءِ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَلَا اسْمُ الدَّارِ بَعْدَ النَّقْضِ فَبَطَلَتْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ لِعَدَمِ الِاسْمِ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةَ. (وَإِنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى فَالْوَصِيَّتَانِ كَنَوْعَيْنِ دَرَاهِمَ وَسَبَائِكَ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَإِلَّا فَأَكْثَرُهُمَا وَإِنْ تَقَدَّمَ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِدَنَانِيرَ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِدَنَانِيرَ أَقَلَّ عَدَدًا أَوْ أَكْثَرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 527 فَإِنَّ لَهُ أَكْثَرَ الْوَصِيَّتَيْنِ. الْبَاجِيُّ: وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ هَاتَيْنِ وَصِيَّتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَكَانَ لَهُ أَكْثَرُهُمَا كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأُولَى أَقَلَّ عَدَدًا، وَعَلَى حَسَبِ هَذَا تَجْرِي الْوَصِيَّتَانِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُرُوضِ الَّتِي تُكَالُ أَوْ تُوزَنُ أَوْ الْحَيَوَانِ وَالدُّورِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ لَهُ فِي الْعُرُوضِ الْوَصِيَّتَيْنِ لِأَنَّ التَّمَاثُلَ فِيهَا مَعْدُومٌ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا وَصِيَّتَانِ مُتَمَاثِلَتَانِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا خِلَافَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ مِنْ سِكَّةٍ وَاحِدَةٍ مُتَمَاثِلَةٌ، وَكَذَلِكَ الْأَفْرَاسُ وَالْإِبِلُ وَالْعَبِيدُ، وَأَمَّا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُمَا مُتَمَاثِلَانِ لِأَنَّهُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي الزَّكَاةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هُمَا غَيْرُ مُتَمَاثِلَيْنِ لِأَنَّ التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا جَائِزٌ. فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ وَأَوْصَى لَهُ بِدَنَانِيرَ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِدَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَقَلُّ وَالْأَكْثَرُ بِالصَّرْفِ. انْتَهَى مِنْ الْمُنْتَقَى. بَقِيَ النَّظَرُ إذَا أَوْصَى لَهُ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ بِسَبَائِكَ أَوْ بِقَمْحٍ ثُمَّ بِشَعِيرٍ. نُقِلَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ مِثْلُ مَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ بِدَنَانِيرَ فَلَهُ الْوَصِيَّتَانِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَيَبْقَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 528 النَّظَرُ إذَا أَوْصَى لَهُ بِعَدَدَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْعَدَدِ وَالْجِنْسِ مِثْلُ أَنْ يُوصِيَ لَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ يُوصِيَ لَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَهُ الْعَدَدَانِ جَمِيعًا. الْبَاجِيُّ: وَإِنْ كَانَ مَا أَوْصَى بِهِ مُعَيَّنًا كَعَبْدٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ آخَرَ بِعَيْنِهِ فَلَهُ الْوَصِيَّتَانِ. (وَمَنْ أَوْصَى لِعَبْدٍ بِثُلُثِهِ عَتَقَ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَأَخَذَ بَاقِيه وَإِلَّا قُوِّمَ مِنْ مَالِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَقِيمَتُهُ الثُّلُثُ عَتَقَ جَمِيعُهُ، وَمَا فَضَلَ عَنْ الثُّلُثِ كَانَ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ عَتَقَ مَحْمَلُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ وَلِلْعَبْدِ مَالٌ اسْتَتَمَّ مِنْهُ عِتْقَ نَفْسِهِ. (وَدَخَلَ الْفَقِيرُ فِي الْمَسَاكِينِ كَعَكْسِهِ) ابْنُ شَاسٍ: يَدْخُلُ الْفَقِيرُ فِي لَفْظِ الْمَسَاكِينِ وَالْعَكْسِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذَا نَظَرٌ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُوصِي عَاصِيًا. (وَفِي الْأَقَارِبِ وَالْأَرْحَامِ وَالْأَهْلِ أَقَارِبُهُ لِأُمِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ لِأَبٍ وَالْوَارِثُ كَغَيْرِهِ بِخِلَافِ أَقَارِبِهِ هُوَ وَأُوثِرَ الْمُحْتَاجُ الْأَبْعَدُ إلَّا لِبَيَانٍ فَيُقَدَّمُ الْأَخُ وَابْنُهُ عَلَى الْجَدِّ وَلَا يُخَصُّ) اُنْظُرْ هَلْ نَقَصَ هُنَا شَيْءٌ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِ فُلَانٍ دَخَلَ الْوَارِثُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ بِخِلَافِ أَقَارِبِهِ هُوَ لِلْقَرِينَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَيُؤْثَرُ فِي الْجَمِيعِ ذُو الْحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ وَلِيٍّ أَوْصَى لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ فُضِّلَ الْأَقْرَبُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ يَسَارًا فُضِّلَ الْأَخُ عَلَى الْجَدِّ وَالْأَخُ لِلْأَبِ عَلَى الْأَخِ لِلْأُمِّ، وَلَا يُعْطِي الْأَقْرَبُ الْجَمِيعَ بِخِلَافِ الْوَقْفِ اهـ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَوْلُهُ: " لِقَرَابَتِي أَوْ لِرَحِمِي أَوْ لِذِي رَحِمِي أَوْ لِأَهْلِي أَوْ لِأَهْلِ بَيْتِي " الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدٌ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِ زَيْدٍ دَخَلَ فِيهِ الْوَارِثُ وَالْمَحْرَمُ وَغَيْرُ الْمَحْرَمِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ قَرِيبٍ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ. وَلَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ نَفْسِهِ خَرَجَ وَرَثَتُهُ بِقَرِينَةِ الشَّرْعِ، وَلَوْ أَوْصَى لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ فُضِّلَ الْأَقْرَبُ اهـ. فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ مَسَائِلَ: أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِ زَيْدٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ وَصِيَّةٌ لِأَقَارِبِ نَفْسِهِ إلَّا فِي خُرُوجِ الْوَارِثِ. نَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ أَنَّ ذَلِكَ لِجَمِيعِ قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ. قَالَ أَشْهَبُ: يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ رَحِمٍ مِنْهُ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَحْرَمٌ أَوْ غَيْرُ مَحْرَمٍ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 529 وَالْخَالَاتُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْخَالُ وَالْخَالَةُ وَلَا قَرَابَتُهُ مِنْ الْأُمِّ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُ أَقَارِبِهِ مُسْلِمِينَ وَبَعْضُهُمْ نَصَارَى فَقَالَ أَشْهَبُ: يُسَوَّى بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ إذَا أَوْصَى لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ فَلْيُفَضَّلْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مَا لَمْ يَكُونُوا وَرَثَتَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِوَصِيَّتِهِ وَرَثَتَهُ، وَالْأَخُ أَقْرَبُ مِنْ الْجَدِّ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الْعَمُّ فَيُعْطِي الْأَخُ أَكْثَرَ وَإِنْ كَانَ أَيْسَرَهُمَا ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الْعَمُّ عَلَى نَحْوِ هَذَا. اهـ. مِنْ ابْنِ يُونُسَ. زَادَ ابْنُ شَاسٍ: وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ عَلَى وَجْهِ الْحَبْسِ فَالْأَخُ أَوْلَى وَحْدَهُ وَلَا يَدْخُلُ مَعَهُ غَيْرُهُ، فَإِذَا هَلَكَ صَارَتْ لِمَنْ بَعْدَهُ، وَنَحْوُ هَذَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ فِي الْحَبْسِ لَا يُدْخِلُ مَعَ الْأَخِ غَيْرَهُ مَعْنَاهُ إنْ كَانَتْ وَصِيَّةً بِسُكْنَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، وَلَوْ كَانَتْ بِغَلَّةٍ حَبْسٍ يُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ دَخَلَ الْأَبْعَدُ مَعَ الْأَقْرَبِ بِالِاجْتِهَادِ اهـ. وَانْظُرْ فِي الْوَصَايَا، الثَّالِثُ مِنْ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِحَبْسِ دَارِهِ عَلَى بَنِي فُلَانٍ أُوثِرَ أَهْلُ الْحَاجَةِ، وَأَمَّا الْوَصَايَا فَإِنَّهَا تُقَسَّمُ بِالسَّوِيَّةِ. وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا لِبَيَانٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، فَلَوْ صَرَّحَ بِهَا لَمْ يَكُنْ إشْكَالٌ فِي كَلَامِهِ أَوَّلًا. وَيُحْتَمَلُ إلَّا لِبَيَانٍ أَنْ يَنُصَّ عَلَى أَنْ لَا يُؤْثَرَ ذُو الْحَاجَةِ عَلَى غَيْرِهِ. (وَالزَّوْجَةُ فِي جِيرَانِهِ) قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ أُعْطِيَ الْجَارُ الَّذِي اسْمُ الْمَنْزِلِ لَهُ وَلَا يُعْطَى أَتْبَاعُهُ وَلَا الصِّبْيَانُ وَلَا ابْنَتُهُ الْبِكْرُ وَلَا خَدَمُهُ، وَتُعْطَى زَوْجَتُهُ وَوَلَدُهُ الْكَبِيرُ الْبَائِنُ عَنْهُ بِنَفَقَتِهِ وَالْجَارُ الْمَمْلُوكُ إذَا كَانَ يَسْكُنُ بَيْتًا عَلَى حِدَتِهِ أُعْطِيَ، كَانَ سَيِّدُهُ جَارًا أَمْ لَا. وَلِسَحْنُونٍ: يُعْطَى وَلَدُهُ الْأَصَاغِرُ وَأَبْكَارُ بَنَاتِهِ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَإِنْ كَانَتْ غَلَّةً تُقَسَّمُ فَهُوَ لِمَنْ حَضَرَ الْقَسْمَ فِي كُلِّ غَلَّةٍ. وَحَدُّ الْجَارِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ مَا كَانَ مُوَاجِهَهُ وَمَا لَصِقَ بِالْمَنْزِلِ مِنْ وَرَائِهِ وَجَنْبَاتِهِ. (لَا عَبْدٌ مَعَ سَيِّدِهِ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَارَ الْمَمْلُوكَ يُعْطَى إنْ كَانَ يَسْكُنُ بَيْتًا عَلَى حِدَتِهِ. (وَفِي وَلَدٍ صَغِيرٍ وَبِكْرٍ قَوْلَانِ) تَقَدَّمَ عَزْوُهُمَا لِسَحْنُونٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ. (وَالْحَمْلُ فِي الْجَارِيَةِ) بَهْرَامَ: لَوْ أَوْصَى لَهُ بِأَمَةٍ أَوْ بِوَلَدِهَا دَخَلَ حَمْلُهَا مَا لَمْ يَسْتَثْنِهِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ أَمَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. بِسَنَةٍ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهَا، فَمَا وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهَا. (إنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: " إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ " هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الشَّيْخِ. . (وَالْأَسْفَلُونَ فِي الْمَوَالِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِمَوَالِي بَنِي فُلَانٍ وَلَهُ مَوَالِي نِعْمَةٍ أَنْعَمُوا عَلَيْهِ وَمَوَالِي أَنْعَمَ هُوَ عَلَيْهِمْ، كَانَ لِمَوَالِيهِ الْأَسْفَلِينَ دُونَ الْأَعْلَيْنَ. (وَالْحَمْلُ فِي الْوَلَدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ وَبِالثَّمَرَةِ الْآتِيَةِ. ابْنُ وَهْبٍ: إنْ قَالَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِمَا وَلَدَتْ جَارِيَتِي هَذِهِ أَبَدًا إنْ كَانَتْ يَوْمَ أَوْصَى حَامِلًا فَهُوَ لَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ لَمْ يَمُتْ حَتَّى وَلَدَتْ أَوْلَادًا فَلَهُ كُلُّ مَا وَلَدَتْ فِي حَيَاتِهِ. كَانَتْ حَامِلًا يَوْمَ أَوْصَى أَوْ لَمْ تَكُنْ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنْ وَصِيَّتِهِ فِيهِمْ. (وَالْمُسْلِمُ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ فِي عَبِيدِهِ الْمُسْلِمِينَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ إذَا مِتُّ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي مُسْلِمٍ حُرٌّ، وَلَهُ عَبِيدٌ مُسْلِمُونَ وَنَصَارَى ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ كَانَ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ مُسْلِمًا لِأَنِّي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 530 لَا أَرَاهُ أَرَادَ غَيْرَهُمْ. (لَا الْمَوَالِي فِي تَمِيمٍ أَوْ بَنِيهِمْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِبَنِي تَمِيمٍ أَوْ قَيْسٍ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ وَقُسِّمَتْ عَلَى الِاجْتِهَادِ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَعُمَّ قَيْسًا كُلَّهُمْ وَلَا شَيْءَ فِيهَا لِلْمَوَالِي. أَشْهَبُ: أَمَّا إنْ قَالَ لِتَمِيمٍ فَيُعْطِي لِمَوَالِيهِمْ، وَأَمَّا إنْ قَالَ بَنِي فُلَانٍ فَلَا. ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَذَلِكَ سَوَاءٌ. (وَلَا الْكَافِرُ فِي ابْنِ السَّبِيلِ) إذَا أَوْصَى لِابْنِ السَّبِيلِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْدَرِجُ. (وَلَمْ يَلْزَمْ تَعْمِيمٌ كَغُزَاةٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يَلْزَمُ تَعْمِيمُ الْقَبِيلَةِ الْكَبِيرَةِ كَالْغُزَاةِ وَالْمَسَاكِينِ وَنَحْوِهِمْ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِقَوْمٍ مَجْهُولِينَ لَا يُعْرَفُ عَدَدُهُمْ لِكَثْرَتِهِمْ كَقَوْلِهِ عَلَى بَنِي تَمِيمٍ أَوْ الْمَسَاكِينِ فَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لِمَنْ حَضَرَ الْقِسْمَةَ مِنْهُمْ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِوَلَدِ وَلَدِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانُوا غَيْرَ وَرَثَتِهِ. قُلْت: فَإِنْ مَاتَ بَعْضُهُمْ وَوُلِدَ غَيْرُهُمْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ قِسْمَةِ الْمَالِ؟ قَالَ: فَذَلِكَ لِمَنْ حَضَرَ الْقَسْمَ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَوْصَى لِأَخْوَالِهِ وَأَوْلَادِهِمْ أَوْ لِمَوَالِيهِ بِثُلُثِهِ فَمَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ نَفَرٌ وَوُلِدَ لِآخَرَيْنِ مِنْهُمْ وَذَلِكَ قَبْلَ قَسْمِ الْمَالِ، فَإِنَّمَا يَكُونُ الثُّلُثُ لِمَنْ أَدْرَكَ الْقَسْمَ مِنْهُمْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَ قَوْمًا بِأَعْيَانِهِمْ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تُقَسَّمُ بِالسَّوَاءِ بِخِلَافِ الْحَبْسِ فَالْأَمْرُ بِالْحَبْسِ أَوْسَعُ. اُنْظُرْ عَلَى هَذَا إذَا مَاتَ طَالِبُ الْعِلْمِ، هَلْ لِوَرَثَتِهِ طَلَبُ مَا انْكَسَرَ لَهُ مِنْ الْمُرَتَّبِ وَإِنَّمَا هُوَ كِرَاءُ رِبَاعٍ وَثَمَنُ مَاءٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ. الْبُرْزُلِيِّ: كَانَ مَنْ يُسْتَفْتَى بِالْمَدْرَسَةِ يَحْسِبُ مَا انْكَسَرَ لِلطَّالِبِ وَيَأْخُذُهُ وَرَثَتُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذِهِ مَشَقَّةٌ إذَا اسْتَحَقَّهَا السَّابِقُ وَمَاتَ أَخَذَ ذَلِكَ وَارِثُهُ دُونَ مَنْ هُوَ بِهَا الْآنَ. وَأَفْتَى أَنَّ مَنْ مَاتَ أَوْ رَحَلَ بَطَلَ مَا انْكَسَرَ لَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا مَنْ حَضَرَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ لِمَجْهُولٍ مَنْ يَأْتِي فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ إلَّا مَنْ حَضَرَ الْقَسْمَ، وَهَذَا فِي الطَّلَبَةِ وَاضِحٌ. يَبْقَى النَّظَرُ فِي الْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ وَالْبَوَّابِ هَلْ هِيَ إجَارَةٌ تَتَعَيَّنُ لَهُمْ مَتَى خَدَمُوا؟ وَتَبْقَى مَسَائِلُ إذَا خَرَجَ الْمُرَتَّبُ وَقَدْ غَابَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ هَلْ يَبْقَى مَوْقُوفًا عَلَيْهِ حَتَّى يَرْجِعَ. وَشَاهَدْتُ ابْنَ عَرَفَةَ لَا يَعْمَلُ حِسَابًا لِمَنْ غَابَ. وَتُوُفِّيَ طَالِبٌ قَبْلَ طِيَابِ الزَّيْتُونِ فَطَلَبَ وَالِدُهُ حَظَّهُ مِنْ الزَّيْتُونِ فَأَفْتَى ابْنُ عَرَفَةَ: لَا شَيْءَ لَهُ حَتَّى يَطِيبَ الزَّيْتُونُ وَهُوَ حَيٌّ. (وَاجْتَهَدَ كَزَيْدٍ مَعَهُمْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِلْمَسَاكِينِ أَوْ قَالَ فِي السَّبِيلِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْيَتَامَى، قُسِّمَ بَيْنَهُمْ بِالِاجْتِهَادِ لَا أَثْلَاثًا وَلَا أَنْصَافًا. (وَلَا شَيْءَ لِوَارِثِهِ قَبْلَ الْقَسْمِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ أُعْطِيَ زَيْدٌ بِالِاجْتِهَادِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْقَسْمِ فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهِ وَيَكُونُ جَمِيعُ الثُّلُثِ لِلْمَسَاكِينِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: مَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَأَحَدُهُمَا غَنِيٌّ وَالْآخَرُ فَقِيرٌ، فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَرِثَ نَصِيبَهُ وَرَثَتُهُ. (وَضُرِبَ لِمَجْهُولٍ فَأَكْثَرَ بِالثُّلُثِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ مَجْهُولٌ كَوُقُودِ مِصْبَاحٍ عَلَى الدَّوَامِ أَوْ تَفْرِقَةِ خُبْزٍ وَنَحْوِهِ ضُرِبَ لَهُ بِالثُّلُثِ وَوُقِفَتْ حِصَّتُهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ يُخْرَجُ كُلَّ يَوْمٍ إلَى غَيْرِ أَمَدٍ مِنْ وَقِيدٍ فِي مَسْجِدٍ أَوْ سِقَاءِ مَاءٍ أَوْ خُبْزٍ كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا وَكَذَا أَبَدًا وَأَوْصَى مَعَ ذَلِكَ بِوَصَايَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 531 فَإِنَّهُ يُحَاصُّ بِهَذَا الْمَجْهُولِ بِالثُّلُثِ وَيُوقَفُ بِذَلِكَ حِصَّتُهُ. (وَهَلْ يُقَسَّمُ عَلَى الْحِصَّةِ قَوْلَانِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ اجْتَمَعَ فِي الْحِصَّةِ مَجْهُولَانِ كَعِمَارَةِ مَسْجِدٍ أَوْ إطْعَامِ مِسْكِينٍ، فَقِيلَ هِيَ كَمَجْهُولٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ لِكُلِّ وَصِيَّةٍ مِنْهَا ثُلُثٌ، ابْنُ عَرَفَةَ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ وَلِابْنِ يُونُسَ. قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إذَا أَوْصَى بِوَقِيدِ قَنَادِيلَ فِي مَسْجِدٍ كُلَّ لَيْلَةٍ لِلْأَبَدِ وَأَنْ تُسْقَى كُلَّ يَوْمٍ رَاوِيَةُ مَاءٍ، فَيُنْظَرُ كَمْ ثَمَنُ الرَّاوِيَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَكَمْ ثَمَنُ وَقِيدِ قَنَادِيلِ كُلِّ لَيْلَةٍ، فَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِأَنَّهُ قَالَ: يُقَسَّمُ الثُّلُثُ عَلَى عَدَدِ الْمَجْهُولَاتِ. وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَجْهُولٍ لَوْ انْفَرَدَ لِضَرْبٍ لَهُ بِالثُّلُثِ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا قُسِّمَ الثُّلُثُ عَلَى عَدَدِهِمْ اهـ. فَقَدْ حَصَلَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَعْزُوٌّ وَمُوَجَّهٌ بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْآخَرِ. (وَالْمُوصَى بِشِرَائِهِ لِلْعِتْقِ يُزَادُ ثُلُثُ قِيمَتِهِ ثُمَّ اُسْتُؤْنِيَ ثَمَّ وَارِثٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدَ فُلَانٍ وَيَعْتِقَ فَإِنَّهُ يُزَادُ فِيهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ ثَمَنِهِ لَا ثُلُثِ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنْ يُزَادَ، فَإِنْ أَبَى رَبُّهُ مِنْ بَيْعِهِ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُسْتَأْنَى بِثَمَنِهِ فَإِنْ بِيعَ وَإِلَّا رُدَّ ثَمَنُهُ مِيرَاثًا. (وَبَيْعٍ مِمَّنْ أَحَبَّ بَعْدَ النَّقْصِ كَالْإِبَايَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةَ: إنْ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ بِيعُوا عَبْدِي مِمَّنْ أَحَبَّ أَوْ مِمَّنْ يُعْتِقُهُ فَأَبَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمِثْلِ، ثَمَنِهِ نُقِصَ مِنْ ثَمَنِهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ ثَمَنِهِ لَا ثُلُثِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي وَضَيْعَةً أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ ثَمَنِهِ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ فِي الَّذِي يُبَاعُ مِمَّنْ أَحَبَّ بَيْنَ بَيْعِهِ بِمَا سُئِلُوا أَنْ يُعْتِقُوا ثُلُثَ الْعَبْدِ. وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ: إنْ لَمْ يَجِدُوا مَنْ يَشْتَرِيه إلَّا بِأَقَلَّ مِنْ وَضَيْعَةِ ثُلُثِ الثَّمَنِ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا. قَالَ: وَأَمَّا الَّذِي يُبَاعُ مِمَّنْ يُعْتِقُهُ فَيُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ بَيْنَ بَيْعِهِ مِنْهُ بِمَا أَعْطَى أَوْ يَعْتِقُ ثُلُثُ الْعَبْدِ، وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ. (وَبِشِرَاءِ عَبْدِ فُلَانٍ وَأَبَى بُخْلًا بَطَلَتْ وَلِزِيَادَةٍ فَلِلْمُوصَى لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ اشْتَرَوْا عَبْدَ فُلَانٍ لِفُلَانٍ فَامْتَنَعَ رَبُّهُ مِنْ بَيْعِهِ غِبْطَةً بِهِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ: ضَنًّا بِهِ عَادَ ذَلِكَ مِيرَاثًا وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ امْتَنَعَ رَبُّهُ مِنْ بَيْعِهِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ زِيدَ فِي ثَمَنِهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ ثَمَنِهِ، فَلَوْ امْتَنَعَ رَبُّهُ مِنْ بَيْعِهِ بِذَلِكَ لِيَزْدَادَ ثَمَنًا دُفِعَ ثَمَنُهُ وَثُلُثُ ثَمَنِهِ لِلْمُوصَى لَهُ (وَبَيْعُهُ لِعِتْقٍ نَقَصَ ثُلُثَهُ وَإِلَّا خُيِّرَ الْوَارِثُ فِي بَيْعِهِ أَوْ عِتْقِ ثُلُثِهِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: أَمَّا الَّذِي يُبَاعُ مِمَّنْ يُعْتِقُهُ فَيُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ بَيْنَ بَيْعِهِ أَوْ يُعْتِقُوا ثُلُثَ الْعَبْدِ. (وَالْقَضَاءِ بِهِ لِفُلَانٍ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ عَبْدُهُ مِنْ فُلَانٍ فَيُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ بَيْنَ بَيْعِهِ لَهُ بِمَا أَعْطَى أَوْ الْقَطْعِ لَهُ بِثُلُثِ الْعَبْدِ. (وَبِعِتْقِ عَبْدٍ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الْحَاضِرِ وُقِفَ إنْ كَانَ لِأَشْهُرٍ يَسِيرَةٍ وَإِلَّا عُجِّلَ عِتْقُ ثُلُثِ الْحَاضِرِ ثُمَّ تُمِّمَ مِنْهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 532 أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ مِمَّا حَضَرَ وَلَهُ مَالٌ غَائِبٌ يَخْرُجُ فِيهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُوقَفُ لِاجْتِمَاعِ الْمَالِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي ثُلُثِهِ وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ اعْتِقُوا مِنِّي ثُلُثَ الْحَاضِرِ السَّاعَةَ. قَالَ سَحْنُونَ: إلَّا أَنْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِالْمُوصِي وَبِالْوَرَثَةِ فِيمَا بَعْدَ جَمْعِهِ وَيَطُولُ. عِيَاضٌ: نَحْوُ هَذَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا طَالَ ذَلِكَ كَالْأَشْهُرِ وَالسَّنَةِ أُنْفِذَ الثُّلُثُ. وَفَسَّرَ أَشْهَبُ الْمَسْأَلَةَ أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُ ثُلُثُ الْحَاضِرِ، ثُمَّ مَا اقْتَضَى مِنْ غَائِبٍ أُعْتِقَ مِنْ الْعَبْدِ قَدْرُ ثُلُثِهِ. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَلَزِمَ إجَارَةُ الْوَارِثِ بِمَرَضٍ لَمْ يَصِحَّ بَعْدَهُ إلَّا لِتَبْيِينِ عُذْرٍ كَكَوْنِهِ فِي نَفَقَتِهِ أَوْ دَيْنِهِ أَوْ سُلْطَانِهِ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ مَنْ يَجْهَلُ مِثْلُهُ أَنَّهُ جَهِلَ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قُلْت: مَنْ أَوْصَى فِي مَرَضِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ فَأَجَازَ وَرَثَتُهُ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبَ الْمَيِّتُ ذَلِكَ أَوْ طَلَبَهُمْ فَأَجَازُوا ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ مَوْتِهِ. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ اسْتَأْذَنَهُمْ فِي مَرَضِهِ فَأَذِنُوا لَهُ ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ مَوْتِهِ، فَمَنْ كَانَ عَنْهُ بَائِنًا مِنْ وَلَدِ أَخٍ أَوْ ابْنِ عَمٍّ فَلَيْسَ، ذَلِكَ لَهُمْ، وَأَمَّا امْرَأَتُهُ وَبَنَاتُهُ اللَّاتِي لَمْ يَبِنْ مِنْهُ وَكُلُّ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ احْتَلَمَ وَعَصَبَتُهُ الَّذِينَ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ وَيَخَافُونَ إنْ مَنَعُوهُ وَصَحَّ أَضَرَّ بِهِمْ فِي مَنْعِ رِفْدِهِ، فَهَؤُلَاءِ إنْ يَرْجِعُوا إذَا بَرِئَ إنَّ إجَازَتَهُمْ تِلْكَ خَوْفًا مِمَّا وَصَفْنَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يُجِيزُوا وَصِيَّتَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا، وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ إذَا كَانَتْ حَالُهُمْ مَرْضِيَّةً، وَلَا يَجُوزُ إذْنُ الْبِكْرِ وَلَا الِابْنِ السَّفِيهِ وَإِنْ لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 533 يَرْجِعَا. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ كَانَ فِي الْمَرَضِ وَلَمْ تَتَخَلَّلْ صِحَّةٌ فَكَالْمَوْتِ عَلَى الْأَشْهَرِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ عُذْرُهُ مِنْ كَوْنِهِ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ أَوْ دَيْنُهُ أَوْ سُلْطَانُهُ، فَلَوْ قَالَ مَا عَلِمْت أَنَّ لِي رَدَّهَا وَمِثْلُهُ يَجْهَلُ حَلَفَ. (لَا بِصِحَّةٍ وَلَوْ بِكَسَفَرٍ) قَالَ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ: إنْ أَذِنَ الْوَرَثَةُ لِلصَّحِيحِ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ ذَلِكَ إنْ مَاتَ. وَسُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اسْتَأْذَنَ وَارِثَهُ فِي وَصِيَّةٍ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ وَهُوَ يُرِيدُ الْغَزْوَ أَوْ السَّفَرَ فَأَقَرَّ لَهُ فَمَاتَ الْمُوصِي لَزِمَ وَارِثُهُ مَا أَجَازَهُ كَالْمَرِيضِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إجَازَتُهُ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ. أَصْبَغُ: وَهُوَ الصَّوَابُ. ابْنُ رُشْدٍ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ. اهـ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ. (وَالْوَارِثُ يَصِيرُ غَيْرَ وَارِثٍ وَعَكْسُهُ الْمُعْتَبَرُ مَآلُهُ) مِنْ الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَصِيَّتُهُ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ. الْبَاجِيُّ: إنَّمَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا يَوْمَ الْمَوْتِ، فَلَوْ أَوْصَى لِوَارِثٍ ثُمَّ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ لَصَحَّتْ لَهُ الْوَصِيَّةُ، وَلَوْ أَوْصَى لِغَيْرِ وَارِثٍ ثُمَّ كَانَ وَارِثًا لَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَوْصَتْ لِزَوْجِهَا ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ مَاتَتْ: إنْ عَلِمَتْ بِطَلَاقِهِ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِطَلَاقِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ فَالْوَصِيَّةُ نَافِذَةٌ. وَوَجَّهَ الْبَاجِيِّ كِلَا الْقَوْلَيْنِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَوْصَى لِأَخِيهِ بِوَصِيَّةٍ فِي مَرَضٍ أَوْ صِحَّةٍ وَهُوَ وَارِثُهُ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ يَحْجُبُهُ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ إنْ مَاتَ إذَا عَلِمَ بِالْوَلَدِ لِأَنَّهُ قَدْ تَرَكَهَا بَعْدَمَا وُلِدَ لَهُ فَصَارَ مُجِيزًا لَهَا. وَقَالَ أَشْهَبُ: الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ جَائِزَةٌ عَلِمَ الْمُوصِي بِمَا وُلِدَ لَهُ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ. (وَاجْتَهَدَ فِي ثَمَنِ مُشْتَرًى لِظِهَارٍ أَوْ تَطَوُّعٍ بِقَدْرِ الْمَالِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ نَسَمَةٍ تُشْتَرَى وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا، أُخْرِجَتْ بِالِاجْتِهَادِ، بِقَدْرِ قِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ، وَكَذَا إنْ قَالَ عَنْ ظِهَارٍ. (فَإِنْ سَمَّى فِي تَطَوُّعٍ يَسِيرًا أَوْ قَلَّ الثُّلُثُ شُورِكَ بِهِ فِي عَبْدٍ وَإِلَّا فَآخِرُ نَجْمِ مُكَاتَبٍ وَإِنْ أَعْتَقَ فَظَهَرَ دَيْنٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 534 يَرُدُّهُ أَوْ بَعْضَهُ رَقَّ الْمُقَابِلُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ سَمَّى ثَمَنًا لَا يَسَعُهُ الثُّلُثُ اشْتَرَى بِثُلُثِهِ إنْ كَانَ فِيهِ مَا يُشْتَرَى بِهِ رَقَبَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ التَّطَوُّعَ شُورِكَ بِهِ فِي رَقَبَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أُعِينَ بِهِ مُكَاتَبٌ فِي آخِرِ نُجُومِهِ، وَإِنْ سَمَّى ثَمَنًا فِيهِ كَفَافُ الثُّلُثِ فَاشْتَرَاهَا الْوَصِيُّ بِهِ فَأَعْتَقَهَا عَنْهُ ثُمَّ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ يَغْتَرِقُ جَمِيعَ مَالِهِ رُدَّ الْعَبْدُ رِقًّا، وَإِنْ لَمْ يَغْتَرِقْ الدَّيْنُ جَمِيعَ مَالِهِ رُدَّ الْعَبْدُ وَأُعْطِيَ صَاحِبُ الدَّيْنِ دَيْنَهُ ثُمَّ عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ مِقْدَارُ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَلَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالدَّيْنِ. (وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ شِرَائِهِ وَلَمْ يَعْتِقْ اُشْتُرِيَ غَيْرُهُ لِمَبْلَغِ الثُّلُثِ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ نَسَمَةٍ لَمْ يَعْتِقْ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ حَتَّى يَحْكُمَ بِالْعِتْقِ، وَإِذَا أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى أَحَدٌ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ عَتَقَ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَالْكُلُّ وَصِيَّةٌ تُخْرَجُ مِنْ الثُّلُثِ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْصَى بِنَسَمَةٍ تُشْتَرَى فَتُعْتَقُ لَمْ تَكُنْ بِالشِّرَاءِ حُرَّةً حَتَّى تَعْتِقَ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ رَجُلٌ أَدَّى قِيمَتَهُ عَبْدًا، وَأَحْكَامُهُ فِي أَحْوَالِهِ أَحْكَامُ عَبْدٍ حَتَّى يَعْتِقَ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 535 الشِّرَاءِ وَقَبْلَ الْعِتْقِ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَشْتَرُوا رَقَبَةً أُخْرَى مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَبْلَغِ الثُّلُثِ. (وَبِشَاةٍ أَوْ عَدَدٍ مِنْ مَالِهِ يُشَارِكُ بِالْجُزْءِ) مِنْ الْمَوَّازِيَّةِ: إذَا أَوْصَى لَهُ بِشَاةٍ مِنْ مَالِهِ وَلَهُ غَنَمٌ فَهُوَ شَرِيكٌ بِوَاحِدَةٍ فِي عَدَدِهَا، ضَأْنِهَا وَمَعْزِهَا، ذُكُورِهَا وَإِنَاثِهَا، صِغَارِهَا وَكِبَارِهَا، فَإِنْ هَلَكَتْ كُلُّهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فَلَهُ فِي مَالِهِ قِيمَةُ شَاةٍ مِنْ وَسَطِ الْغَنَمِ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ أَوْ مَا حُمِلَ مِنْهُ. الشَّيْخُ: وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَشَرَةِ شِيَاهٍ مِنْ غَنَمِهِ وَمَاتَ وَهِيَ ثَلَاثُونَ فَوَلَدَتْ بَعْدَهُ فَصَارَتْ خَمْسِينَ، فَلَهُ خُمُسُهَا. وَقَالَهُ أَشْهَبُ مَرَّةً. وَقَالَ مَرَّةً: لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ بِقَدْرِ مَالَهُ مِنْ الْأُمَّهَاتِ: إنْ كَانَتْ الْأُمَّهَاتُ عِشْرِينَ أَخَذَ عَشْرًا مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 536 الْأُمَّهَاتِ وَنِصْفَ الْأَوْلَادِ إنْ حَمَلَهَا الثُّلُثُ أَوْ مَا حَمْلُهُ مِنْهَا. (وَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا مَا سَمَّاهُ فَهُوَ لَهُ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَشَرَةٍ مِنْ عَبِيدِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُمْ وَعَبِيدُهُ خَمْسُونَ فَمَاتَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ قَبْلَ التَّقْوِيمِ، عَتَقَ مِمَّنْ بَقِيَ مِنْهُمْ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثِينَ جُزْءًا بِالسَّهْمِ، خَرَجَ عَدَدُ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ أَوْ أَكْثَرَ. وَلَوْ هَلَكُوا إلَّا عَشَرَةً عَتَقُوا إنْ حَمَلَهُمْ الثُّلُثُ، وَكَذَا مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَدَدٍ مِنْ رَقِيقِهِ أَوْ بِعَشَرَةٍ مِنْ إبِلِهِ. (لَا ثُلُثُ غَنَمِهِ فَتَمُوتُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ: لَهُ ثُلُثُ إبِلِهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَاسْتُحِقَّ ثُلُثَاهَا فَإِنَّمَا لِلْمُوصِي ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فَلَهُ شَاةٌ وَسَطٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمَوَّازِيَّةِ فِي مَالِهِ قِيمَةُ شَاةٍ. (وَإِنْ قَالَ مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ بَطَلَتْ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إذَا قَالَ لَهُ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي فَمَاتَ وَلَا غَنَمَ لَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ. (كَعِتْقِ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ وَمَاتُوا) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَوْصَى لَهُ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبِيدِهِ فَمَاتُوا أَوْ اُسْتُحِقُّوا بَطَلَتْ كَالْعِتْقِ. قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَوْصَى بِحَائِطٍ فَأَثْمَرَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَالثَّمَرُ لِلْمُوصِي، وَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقِ الْجَارِيَةِ فَوَلَدَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ كَانَ الْوَلَدُ لِلْوَرَثَةِ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَالْكُلُّ نَمَاءٌ وُجِدَ فِي الْمَوَاشِي، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ كَانَ تَبَعًا لَهَا. اُنْظُرْ تَرْجَمَةَ مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِحَائِطٍ فَأَثْمَرَ أَوْ بِعَبْدٍ فَأَفَادَ مَالًا، أَوْ بِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ؛ قَالَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ: إلَّا أَنْ يُوصِيَ قَبْلَ الْإِبَّانِ وَقَبْلَ الْوِلَادَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ كَالْجَمِيعِ. (وَقُدِّمَ لِضِيقِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 537 الثُّلُثِ فَكُّ أَسِيرٍ) بَوَّبَ الْبَاجِيُّ عَلَى هَذَا فَقَالَ: الْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَبْدِئَةِ أَصْحَابِ الْوَصَايَا عَلَى بَعْضٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى مَا قَدَّمَهُ الْمَيِّتُ بِالذِّكْرِ فِي كِتَابِ وَصِيَّتِهِ وَإِنَّمَا يُبْدَأُ بِالْأَوْكَدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ: ابْدَءُوا كَذَا فَيُبْدَأُ عَلَى مَا هُوَ أَوْكَدُ مِنْهُ إلَّا فِيمَا لَا يَرْجِعُ الْعَاهِدُ عَنْهُ. وَقَالَ أَيْضًا: إنْ أَوْصَى بِصَدَقَةٍ وَعَطِيَّةٍ مِمَّا بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ فَلَا تَبْدِئَةَ فِيهِ إنَّمَا التَّبْدِئَةُ فِيمَا هُوَ أَوْكَدُ وَأَلْزَمُ. قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ ثُلُثِي لِلْمَسَاكِينِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعَهِدَ لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ، تَحَاصَّ الرَّجُلُ مَعَ الْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَوَّلُ مَا يُخْرَجُ مِنْ الثُّلُثِ الْمُدَبَّرُ فِي الصِّحَّةِ. وَكَانَ أَبُو عُمَرَ الْإِشْبِيلِيُّ يَرَى تَبْدِئَةَ مَا وُصِّيَ بِهِ فِي فَكِّ أَسِيرٍ عَلَى الْمُدَبَّرِ فِي الصِّحَّةِ. وَقَالَ: إنَّ الشُّيُوخَ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ صَحِيحٌ. (ثُمَّ مُدَبَّرُ صِحَّةٍ ثُمَّ صَدَاقُ مَرِيضٍ) ابْنُ رُشْدٍ: أَوَّلُ مَا يُخْرَجُ مِنْ الثُّلُثِ الْمُدَبَّرُ فِي الصِّحَّةِ وَصَدَاقُ الْمَرِيضِ إذَا دَخَلَ فِي مَرَضِهِ. قِيلَ: إنَّهُمَا سَوَاءٌ يَتَحَاصَّانِ. وَقِيلَ: يُبْدَأُ بِالْمُدَبَّرِ. وَقِيلَ: يَبْدَأُ صَدَاقُ الْمَرِيضِ. وَالثَّلَاثَةُ الْأَقْوَالُ لِابْنِ الْقَاسِمِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ زَكَاةِ الْحَرْثِ وَالْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ، ثُمَّ مَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. (ثُمَّ زَكَاةٌ أَوْصَى بِهَا) مُحَمَّدٌ: مَنْ عُلِمَ مَنْعُهُ زَكَاةً أَقَرَّ بِهَا فِي مَرَضِهِ تُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِهِ. وَصَوَّبَ اللَّخْمِيِّ كَوْنَهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. النُّكَتُ: وَيَبْدَأُ عَلَيْهَا مُدَبَّرُ الصِّحَّةِ وَصَدَاقُ الْمَرِيضِ لِأَنَّ وُجُوبَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 538 الزَّكَاةِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مَعْلُومٌ بِقَوْلِهِ فَحُكْمُ الْمُدَبَّرِ وَالصَّدَاقِ أَقْوَى. (إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِحُلُولِهَا وَيُوصِيَ فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَّتْ زَكَاةُ عَيْنِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ أَتَاهُ مَالٌ غَائِبٌ فَأَمَرَ بِزَكَاتِهِ فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ. (كَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ ثُمَّ الْفِطْرُ) تَقَدَّمَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ: " ثُمَّ زَكَاةٌ " وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْفِطْرِ أَوْ لَيْلَتَهُ فَأَوْصَى بِفِطْرَتِهِ فَهِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يُوصِ أُمِرَ وَرَثَتُهُ بِإِخْرَاجِهَا وَلَمْ يُجْبَرُوا كَزَكَاةِ الْعَيْنِ تَحِلُّ فِي مَرَضِهِ. وَأَشْهَبُ يَقُولُ: هِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْصَى بِهَا أَوْ لَمْ يُوصِ، كَمَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 539 مَاتَ وَقَدْ أَزْهَى حَائِطُهُ أَوْ طَابَ كَرْمُهُ أَوْ أَفْرَكَ زَرْعُهُ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ، فَزَكَاةُ ذَلِكَ عَلَى الْمَيِّتِ فِي رَأْسِ مَالِهِ إنْ بَلَغَ مَا فِيهِ الزَّكَاةَ، أَوْصَى بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي هَذَا. (ثُمَّ عِتْقُ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمَا) النُّكَتُ: ثُمَّ بَعْدَ الزَّكَاةِ الْعِتْقُ فِي الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ. لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا عِوَضَ عَنْهَا فَهِيَ أَقْوَى، فَإِنْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ عِتْقِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَلَمْ يَحْمِلْ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً، فَرَأَيْت لِلْإِبْيَانِيِّ أَنَّ مَعْنَى الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. وَذَهَبَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إلَى أَنَّهُ يُحَاصُّ بَيْنَهُمَا فَمَا وَقَعَ لِلظِّهَارِ أُطْعِمَ بِهِ، وَمَا وَقَعَ لِلْقَتْلِ شُورِكَ بِهِ فِي رَقَبَةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ وَسِعَ الثُّلُثُ رَقَبَةً وَإِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكَيْنَا فَيُعْتِقُ الرَّقَبَةَ فِي الْقَتْلِ وَيُطْعِمُ عَنْ الظِّهَارِ بِاتِّفَاقٍ. (ثُمَّ كَفَّارَةُ يَمِينِهِ) النُّكَتُ: يَبْدَأُ عِتْقُ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ عَلَى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ هُوَ فِيهَا مُخَيَّرٌ فِي ثَلَاثَةٍ، وَالظِّهَارَ وَالْقَتْلَ كَفَّارَتُهُمَا مَقْصُورَةٌ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَّا بِالْعُدْمِ. الْبَاجِيُّ: وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا تَبْدَأُ كَفَّارَةُ الْأَيْمَانِ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ فِيمَا عُلِمَ، فَأَمَّا إنْ أَوْصَى بِهَا تَحَنُّثًا وَتَحَرُّجًا فَلَا تُبَدَّلُ وَهِيَ كَالْوَصَايَا بِالصَّدَقَةِ. (ثُمَّ لِفِطْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ لِلتَّفْرِيطِ) لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ تَبْدِئَةَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَالَ: ثُمَّ كَفَّارَةُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا ثُمَّ كَفَّارَةُ التَّفْرِيطِ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ. وَهَذَا عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَفِي النُّكَتِ: وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي كَفَّارَةِ رَمَضَانَ نَصٌّ فِي الْكِتَابِ كَانَتْ أَضْعَفَ مِنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. (ثُمَّ لِلنَّذْرِ) النُّكَتُ: ثُمَّ بَعْدَ إطْعَامِ رَمَضَانَ لِأَنَّ إطْعَامَ كَفَّارَةِ رَمَضَانَ نَصٌّ فِي الْكِتَابِ وَوَجَبَتْ بِالسُّنَّةِ. وَالنَّذْرُ هُوَ اخْتَارَ إدْخَالَهُ فَهُوَ أَضْعَفُ. وَفِي الْمُقَدَّمَاتِ ثُمَّ النَّذْرُ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: إذَا أَوْصَى بِهِ. (ثُمَّ الْمُبَتَّلُ وَمُدَبَّرُ الْمَرَضِ) مِنْ النُّكَتِ: ثُمَّ بَعْدَ النَّذْرِ الْعِتْقُ الْمُبْتَلّ فِي الْمَرَضِ وَالتَّدْبِيرُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 540 فِي الْمَرَضِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي مُحَمَّدٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّذْرَ وَجَبَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ، وَمَا ذَكَرْنَا إنَّمَا وَجَبَ حَالَ الْعَجْزِ فِي الْمَرَضِ فَهُوَ أَضْعَفُ. ابْنُ رُشْدٍ: النَّذْرُ الَّذِي يُوجِبُهُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَرَضِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَتَّلِ فِي الْمَرَضِ وَالْمُدَبَّرِ فِيهِ. وَهَذَا أَعْنِي الْمُبَتَّلَ فِي الْمَرَضِ وَالْمُدَبَّرَ فِيهِ. هَلْ يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَوْ يَتَحَاصَّانِ؟ هَذَا الْخِلَافُ إنْ كَانَا فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ، وَإِمَّا إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ فَيَبْدَأُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا. (ثُمَّ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ مُعَيَّنًا عِنْدَهُ أَوْ يُشْتَرَى) سَيَأْتِي أَنَّ الصَّدَقَةَ الْمُبَتَّلَةَ فِي الْمَرَضِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ، مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: ثُمَّ يُبْدَأُ بِالْمُبَتَّلِ وَالْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ مَعًا ثُمَّ الْمُوصَى بِهِ لِلْعِتْقِ بِعَيْنِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 541 وَالْمُشْتَرَى بِعَيْنِهِ مَعًا. اللَّخْمِيِّ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَبْدَأُ الَّذِي مَلَكَهُ وَهُوَ أَبْيَنُ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُتَرَقَّبٌ فِي الَّذِي لَيْسَ فِي مِلْكِهِ. وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا لِقَوْمٍ وَأَوْصَى بِبَقِيَّةِ ثُلُثِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَقَامَ أَيَّامًا وَأَوْصَى بِعِتْقِ رَقِيقِهِ وَأَوْصَى بِوَصَايَا لِقَوْمٍ آخَرِينَ وَلَمْ يُغَيِّرْ مِنْ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى شَيْئًا ثُمَّ مَاتَ قَالَ مَالِكٌ: يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ. ثُمَّ يَكُونُ أَهْلُ الْوَصَايَا فِي الثُّلُثِ سَوَاءً، إنْ وَسِعَهُمْ أَخَذُوهَا وَإِلَّا تَحَاصُّوا فِيهَا بِقَدْرِ وَصَايَاهُمْ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَلَا يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ بِبَقِيَّةِ الثُّلُثِ شَيْءٌ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ وَبَعْدَ أَخْذِ أَهْلِ الْوَصَايَا الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَصَايَاهُمْ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ رَدَّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْوَصَايَا وَصِيَّتَهُ أُدْخِلَ فِي الثُّلُثِ قِيمَةُ الْمَيِّتِ وَوَصِيَّةُ الرَّادِّ وَكَانَ ذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ (أَوْ لِكَشَهْرٍ أَوْ بِمَالٍ فَعَجَّلَهُ) جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ بِعَيْنِهِ، وَالْمُوصَى أَنْ يُشْتَرَى فَيُعْتَقَ، وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ إلَى شَهْرٍ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ عَلَى مَالٍ، وَالْمُوصَى بِكِتَابَتِهِ إذَا عَجَّلَ الْكِتَابَةَ، كُلُّ هَؤُلَاءِ سَوَاءٌ لَا يَبْدَأُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَتَحَاصُّونَ ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 542 (ثُمَّ الْمُوصَى بِكِتَابَتِهِ وَالْمُعْتَقُ بِمَالٍ وَالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ بَعِيدٍ) تَقَدَّمَ مَا لِابْنِ رُشْدٍ. وَلَمَّا ذَكَرَ فِي النُّكَتِ أَنَّ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ يَتَحَاصُّ مَعَ الْمُوصَى أَنْ يَعْتِقَ إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ كَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ وَمَعَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ عَلَى مَالٍ تَعَجَّلَهُ. ثُمَّ قَالَ: فَبَعْدَ ذَلِكَ الْمُوصَى أَنْ يُعْتَقَ إلَى أَجَلٍ كَالسَّنَةِ وَنَحْوِهَا ثُمَّ لِلْمُوصَى أَنْ يُكَاتَبَ أَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 543 يُعْتَقَ عَلَى مَالٍ فَلَمْ يُعَجِّلْهُ. قَالَ: وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ الْعَبْدِ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ تَحَاصَصَ هُوَ وَالْمُوصَى أَنْ يُكَاتَبَ أَوْ يُعْتَقَ عَلَى مَالٍ وَيَصِيرَانِ فِي دَرَجَةٍ مُتَقَارِبَةٍ. (ثُمَّ الْمُعْتَقُ لِسَنَةٍ عَلَى الْأَكْثَرِ) تَقَدَّمَ نَصُّ النُّكَتِ أَنَّ لِلْمُوصَى أَنْ يُعْتَقَ إلَى سَنَةٍ مُبْدَأً عَلَى الْمُوصَى أَنْ يُعْتَقَ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ وَسَيَأْتِي نَصُّهُ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " إلَّا لِضَرُورَةٍ ". (ثُمَّ عِتْقٍ لَمْ يُعَيَّنْ ثُمَّ حَجٍّ) ابْنُ رُشْدٍ: ثُمَّ بَعْدَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ إلَى سِنِينَ يُخْتَلَفُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَبِالْمَالِ وَبِالْحَجِّ فَقِيلَ: إنَّهَا كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي التَّحَاصُصِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَقِيلَ: يَبْدَأُ الْعِتْقُ عَلَى الْحَجِّ وَيَتَحَاصَصُ مَعَ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُهُ الثَّانِي فِيهَا. وَفِي النُّكَتِ: يَبْدَأُ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ النَّذْرُ مِثْلُ قَوْلِهِ " لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطْعِمَ ثَلَاثِينَ مِسْكَيْنَا " عَلَى مَا يُذْكَرُ عَنْ ابْنِ مَنَاسٍ. وَقَدْ سَأَلْت بَعْضَ شُيُوخِنَا وَقُلْت لَهُ: لَعَلَّ كَلَامَ أَبِي مُحَمَّدٍ إذَا وَجَبَ النَّذْرُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَكَلَامُ ابْنِ مَنَاسٍ إذَا وَجَبَ فِي حَالِ الْمَرَضِ فَيَتَّفِقُ الْقَوْلَانِ، فَصَوَّبَ ذَلِكَ. وَمِنْ الْمُنْتَقَى: مَنْ تَصَدَّقَ فِي مَرَضِهِ بِصَدَقَةٍ عَنْ رَجُلٍ بَتَلَهَا لَهُ فَقَالَ مَالِكٌ: هِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا. قَالَ ابْنُ دِينَارٍ: وَتُقَدَّمُ أَيْضًا عَلَى الْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ مُعَيَّنٍ إذْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْعِتْقِ. قَالَ سَحْنُونَ: وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَطِيَّةُ قَبْلَ وَصِيَّةِ الْعِتْقِ أَوْ بَعْدَهُ. (إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيَتَحَاصَّانِ كَعِتْقٍ لَمْ يُعَيَّنْ وَمُعَيَّنٍ غَيْرِهِ وَجُزْئِهِ) الِاضْطِرَابُ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ كَثِيرٌ. وَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ: ثُمَّ بَعْدَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْمُوَصَّى بِعِتْقِهِ إلَى سَنَةٍ ثُمَّ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ إلَى سَنَتَيْنِ، وَالْمُوَصَّى بِكِتَابَتِهِ لَا يَبْدَأُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَبِالْمَالِ وَبِالْحَجِّ قِيلَ: إنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ كُلَّهَا سَوَاءٌ، إنْ قِيلَ يَبْدَأُ الْعِتْقُ عَلَى الْحَجِّ وَيَتَحَاصُّ مَعَ الْمَالِ وَالْقَوْلَانِ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ قَالَ: وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ جُزْءًا أَوْ عَدَدًا، فَإِنْ اجْتَمَعَتَا جَمِيعًا الْوَصِيَّةُ بِالْعَدَدِ وَالْجُزْءِ فَقِيلَ إنَّهُمَا سَوَاءٌ يَتَحَاصَّانِ، وَقِيلَ يَبْدَأُ الْجُزْءُ وَقِيلَ يَبْدَأُ الْعَدَدُ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 544 مَوْجُودٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ وَمَعْنَاهُ فِي الضَّرُورَةِ وَأَمَّا فِي حَجَّةِ التَّطَوُّعِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُمَا فِي أَنَّ الْعِتْقَ يَبْدَأُ عَلَيْهِمَا، وَلَا فِي أَنَّ الْحَجَّ لَا يَبْدَأُ عَلَى الْمَالِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هَلْ يَبْدَأُ الْمَالُ عَلَى الْحَجِّ أَوْ يَتَحَاصَّانِ؟ وَالْقِيَاسُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَبِالْمَالِ يَبْدَآنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَا يَرَى أَنْ يَحُجَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ فَلَا قُرْبَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ قَوْلِهِ. انْتَهَى مَا يَنْبَغِي تَقْرِيرُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْفُتْيَا فَانْظُرْهُ مَعَ خَلِيلٍ. (وَلِلْمَرِيضِ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِثُلُثِهِ وَيَرِثُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ جَازَ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَعَتَقَ وَوَرِثَ الْمَالَ. مُحَمَّدٌ: وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ مِنْهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 545 مَحْمَلُ الثُّلُثِ وَلَمْ يَرِثْهُ. وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِمْ عَتَقَ مَا بَقِيَ. ابْنُ عَرَفَةَ فَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ بِمَالِهِ كُلِّهِ وَوَرِثَهُ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِمْ جَازَ شِرَاؤُهُ وَعَتَقَ عَلَيْهِمْ. اُنْظُرْ لَوْ اشْتَرَاهُ بِثُلُثِ مَالِهِ هَلْ يَرِثُهُ. (لَا إنْ أَوْصَى بِشِرَاءِ أَبِيهِ وَعِتْقِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى أَبُوهُ بَعْدَ مَوْتِهِ اُشْتُرِيَ وَعَتَقَ فِي ثُلُثِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ اعْتِقُوا. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا أَوْصَى بِشِرَائِهِ. (وَقُدِّمَ الِابْنُ عَلَى غَيْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فِي مَرَضِهِ وَاشْتَرَى ابْنَهُ وَقِيمَتُهُ الثُّلُثُ فَالِابْنُ مُبْدَأٌ وَيَرِثُهُ. (وَإِنْ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ أَوْ بِمَالٍ لَيْسَ فِيهَا أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 546 يَحْمِلُ الثُّلُثُ خُيِّرَ الْوَارِثُ أَنْ يُجِيزَ أَوْ يَخْلَعَ ثُلُثَ الْجَمِيعِ) أَمَّا إذَا أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً وَسَكَنِ دَارِهِ سَنَةً وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ مَا أَوْصَى بِهِ فِيهِ أَوْ لَهُ مَالٌ لَا يُخْرَجُ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ ثُلُثِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 547 خُيِّرَ الْوَرَثَةُ فِي إجَازَةِ ذَلِكَ أَوْ الْقَطْعِ بِثُلُثِ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لِلْمُوصَى لَهُ. وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا وَسَمَّى مَالًا مِنْ مَالِهِ يَزِيدُ عَلَى ثُلُثِهِ، فَإِنَّ الْوَارِثَ يُخَيَّرُ فِي إعْطَاءِ الْوَصَايَا وَصَايَاهُمْ وَأَخْذِ جَمِيعِ مَالِ الْمَيِّتِ، وَفِي إسْلَامِ ثُلُثِ الْمَيِّتِ لَهُمْ بَالِغًا مَا بَلَغَ. أَبُو عُمَرَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُدْعَى خَلْعُ الثُّلُثِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ أَوْصَى بِمَا لَيْسَ فِيهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَبِشَاةٍ " قَوْلُ الْمَوَّازِيَّةِ إنْ أَوْصَى شَاةً وَلَا غَنَمَ لَهُ فَلَهُ قِيمَةُ شَاةٍ وَمَا حَمَلَ الثُّلُثُ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ اعْتِقُوا عَبْدِي بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ وَقَالَ هُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ بَيْنَ أَنْ يُجِيزُوا أَوْ يُعْتِقُوا لِأَنَّ مِنْهُ مَحْمَلَ الثُّلُثِ بَتْلًا، فَإِنْ أَجَازُوا الْوَصِيَّةَ خَدَمَهُمْ تَمَامَ الشَّهْرِ ثُمَّ خَرَجَ حُرًّا. (بِنَصِيبِ ابْنِهِ أَوْ مِثْلِهِ فَبِالْجَمِيعِ) الْبَاجِيُّ: مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ وَلَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِالنِّصْفِ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ. ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبٍ لِأَحَدِ بَنِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَلَهُ الرُّبُعُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْبَنِينَ وَرَثَةٌ غَيْرُهُمْ عُزِلَتْ مَوَارِيثُهُمْ فَقُسِّمَ مَا يُصِيبُ الْبَنِينَ عَلَيْهِمْ وَيَكُونُ لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ. وَعِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ: إنْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 548 وَلَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ فَهِيَ وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ. (لَا اجْعَلُوهُ وَارِثًا أَوْ أَلْحَقُوهُ بِهِ فَزَائِدٌ) ابْنُ الْحَاجِبِ: فِي اجْعَلُوهُ وَارِثًا مَعَ وَلَدِي أَوْ أَلْحِقُوهُ بِوَلَدِي فَقَدْرٌ زَائِدٌ بِاتِّفَاقٍ. (أَوْ بِنَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِهِ فَبِجُزْءٍ مِنْ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبٍ لِأَحَدِ وَرَثَتِهِ وَتَرَكَ رِجَالًا وَنِسَاءً فَلْيُقَسَّمْ الْمَالُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ، ثُمَّ يُؤْخَذُ حَظُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيُعْطَى لَهُ ثُمَّ يُقَسَّمُ مَا بَقِيَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ. (وَبِجُزْءٍ أَوْ سَهْمٍ فَبِسَهْمٍ مِنْ فَرِيضَتِهِ) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ مَاتَ وَقَدْ قَالَ: لِفُلَانٍ جُزْءٌ مِنْ مَالِي أَوْ سَهْمٌ مِنْهُ أُعْطِيَ مِنْ أَصْلِ فَرِيضَتِهِمْ سَهْمًا إنْ كَانَتْ مِنْ سِتَّةٍ فَسَهْمٌ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَسَهْمٌ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ وَرَثَتُهُ وَلَدَهُ فَإِنْ تَرَكَ ذَكَرًا وَأُنْثَى فَلَهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ تَرَكَ ذَكَرًا وَأُنْثَيَيْنِ فَلَهُ الرُّبُعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَسَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَهُ سَهْمٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ أَشْهَبَ أَظْهَرُ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا ابْنَةً أَوْ مَنْ لَا يَحُوزُ الْمِيرَاثَ فَإِنَّ لَهُ سَهْمًا مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِأَنَّهُ أَقَلُّ سَهْمٍ سَمَّاهُ اللَّهُ لِأَهْلِ الْفَرَائِضِ. (وَفِي كَوْنِ ضِعْفِهِ مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَيْهِ تَرَدُّدٌ) ابْنُ شَاسٍ: مَنْ أَوْصَى بِضِعْفِ نَصِيبِ وَلَدِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 549 فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: لَسْت أَعْرِفُ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَنْصُوصًا غَيْرَ أَنِّي وَجَدْتُ لِبَعْضِ شُيُوخِنَا أَنَّهُ يُعْطَى مِثْلَ نَصِيبِ وَلَدِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ضِعْفَ النَّصِيبِ مِثْلُهُ مَرَّتَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَهَذَا فِي نَفْسِي أَقْوَى مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ (وَبِمَنَافِعِ عَبْدٍ وُرِثَتْ عَنْ الْمُوصَى لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ وَهَبْتُ خِدْمَةَ عَبْدِي لِفُلَانٍ ثُمَّ مَاتَ فُلَانٌ فَلِوَرَثَتِهِ خِدْمَةُ الْعَبْدِ مَا بَقِيَ إلَّا أَنْ يُسْتَدَلَّ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ أَرَادَ حَيَاةَ الْمُخْدَمِ ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ جَيِّدٌ وَلَيْسَ كَهِبَةِ الرَّقَبَةِ لِأَنَّهُ بَيَّنَ قَصْدَ هِبَتِهِ عَلَى الْخِدْمَةِ فَقَطْ دُونَ مَالٍ يَمُوتُ الْعَبْدُ عَنْهُ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ فَقَدْ أَبْقَاهَا السَّيِّدُ لِنَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: الْوَصِيَّةُ بِمَنَافِعِ عَبْدٍ صَحِيحَةٌ حَتَّى إذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ وُرِثَ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ أَنَّهُ أَرَادَ حَيَاةَ الْمُخْدَمِ. وَنَفَقَةُ هَذَا الْعَبْدِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَلَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ بَيْعَهُ إنْ أَوْصَى بِخِدْمَتِهِ أَبَدًا. وَإِنْ كَانَ مُؤَقَّتًا بِزَمَنٍ مَحْدُودٍ فَهُوَ كَبَيْعِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ، فَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدُ عَبْدًا فَلِلْوَارِثِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ وَيَحُطُّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ رَجَعَ إلَى الْقِيمَةِ فَإِنَّ الْوَارِثَ يَخْتَصُّ بِهِ، وَإِنْ جَنَاهَا وَتَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ فَإِنْ أَسْلَمَهُ. لِلْوَرَثَةِ بَطَلَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ فَدَوْهُ اسْتَمَرَّ حَقُّهُ. (وَإِنْ حَدَّدَهَا بِزَمَنٍ فَكَالْمُسْتَأْجَرِ) تَقَدَّمَ مَا لِابْنِ شَاسٍ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْصَى لَك بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ عَشْرَ سِنِينَ فَأَكْرَيْتُهُ فِيهَا جَازَ كَمَنْ آجَرَ عَبْدَهُ عَشْرَ سِنِينَ، وَهَذَا خِلَافُ الْمُخْدَمِ حَيَاتَهُ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ الْمُخْدِمُ سَقَطَتْ الْخِدْمَةُ وَالْمُؤَجَّلُ يَلْزَمُ بَاقِيهَا لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ. وَلِلرَّجُلِ أَنْ يُؤَاجِرَ مَا أُوصِيَ لَهُ مِنْ سُكْنَى أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ نَاحِيَةَ الْحَصَانَةِ. (فَإِنْ قُتِلَ فَلِلْوَارِثِ الْقِصَاصُ أَوْ الْقِيمَةُ كَأَنْ جَنَى) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ بِهَذَا. (إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمُخْدَمُ أَوْ الْوَارِثُ فَتَسْتَمِرُّ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَخْدَمَ عَبْدَهُ رَجُلًا سِنِينَ مَعْلُومَةً أَوْ حَيَاةَ الرَّجُلِ فَجَنَى الْعَبْدُ، خُيِّرَ سَيِّدُهُ فَإِنْ فِدَاهُ بَقِيَ فِي خِدْمَتِهِ وَإِنْ أَسْلَمَهُ خُيِّرَ الْمُخْدَمُ. فَإِنْ فِدَاهُ أَخْدَمَهُ فَإِذَا تَمَّتْ خِدْمَتُهُ، فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ سَيِّدُهُ مَا فِدَاهُ بِهِ أَخَذَهُ وَإِلَّا أَسْلَمَهُ رِقًّا. (وَهِيَ وَمُدَبَّرٌ إنْ كَانَ بِمَرَضٍ فِي الْمَعْلُومِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْوَصِيَّةُ لَا تَدْخُلُ إلَّا فِيمَا عَلِمَ بِهِ الْمَيِّتُ. ابْنُ حَارِثٍ: وَكَذَلِكَ يُنْفِقُ عَلَى الْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ أَنَّهُ كَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ إلَّا فِيمَا عَلِمَ بِهِ الْمَيِّتُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ فِي الصِّحَّةِ فَيَدْخُلُ فِيمَا عَلِمَ بِهِ الْمَيِّتُ وَفِيمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ. (وَدَخَلَتْ فِيهِ وَفِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 550 الْعُمْرَى) قَالَ ابْنُ شَاسٍ: تَدْخُلُ الْوَصِيَّةُ فِيمَا كَانَ يَعْلَمُهُ الْمَيِّتُ مِثْلُ الْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ، وَكُلُّ دَارٍ تَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ عُمْرَى أَوْ حَبْسٍ هُوَ مِنْ نَاحِيَةِ التَّعْمِيرِ فَالْوَصَايَا تَدْخُلُ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَيَرْجِعُ فِيهِ مَنْ انْتَقَضَ مِنْ وَصِيَّتِهِ وَلَوْ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَكَذَلِكَ مَا رَجَعَ بَعْدَ عِتْقِهِ مِنْ عَبْدٍ آبِقٍ وَنَحْوِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كُلُّ مَا يَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ عُمْرَى فَإِنَّ الْوَصَايَا تَدْخُلُ فِيهِ وَإِنْ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَسَيَأْتِي أَنَّ مَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي صِحَّتِهِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَدْخُلُ فِيهِ. (وَفِي سَفِينَةٍ أَوْ عَبْدٍ شُهِرَ تَلَفُهُمَا ثُمَّ ظَهَرَتْ السَّلَامَةُ قَوْلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: اُخْتُلِفَ إذَا قِيلَ لَهُ غَرِقَتْ سَفِينَتُك وَأَيِسَ مِنْهَا ثُمَّ جَاءَتْ سَالِمَةً فَرَوَى مُحَمَّدٌ لَا تَدْخُلُ فِيهَا وَصَايَاهُ وَقَالَ: تَدْخُلُ فِيهَا وَلَا يُشْبِهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ: إنْ اُشْتُهِرَ مَوْتُهُمَا ثُمَّ ظَهَرَتْ السَّلَامَةُ قَوْلَانِ، وَذَكَرَهُمَا ابْنُ شَاسٍ رِوَايَتَيْنِ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ. (لَا فِي مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ أَوْصَى بِهِ لِوَارِثٍ) فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَالْمَجْمُوعَةِ: لَا يَدْخُلُ وَصَايَا الْمَيِّتِ فِيمَا بَطَلَ فِيهِ إقْرَارُهُ فِي مَرَضِهِ لِوَارِثٍ أَوْ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ أَوْصَى بِهِ لِوَارِثٍ فَرَدَّهُ الْوَرَثَةُ، وَكَذَلِكَ فِي سَمَاعِ عِيسَى فِي الَّذِي يَقُولُ عِنْدَ مَوْتِهِ قَدْ كُنْت أَعْتَقْت أَوْ تَصَدَّقْت، فَإِنْ قَالَ فَأَنْفِذُوا ذَلِكَ فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الثُّلُثِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ فَأَنْفِذُوا ذَلِكَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ مِيرَاثٌ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَصَايَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ قَالَ إنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ فَذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَنْفِذُوهُ. (وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ عَقْدَهَا خَطُّهُ أَوْ قَرَأَهَا وَلَمْ يُشْهِدْ أَوْ لَمْ يَقُلْ أَنْفِذُوهَا لَمْ تُنَفَّذْ) الْبَاجِيُّ: مَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ بِخَطِّ يَدِهِ فَوُجِدَتْ فِي تَرِكَتِهِ وَعُرِفَ أَنَّهَا خَطُّهُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 551 فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهَا حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهَا وَقَدْ يَكْتُبُ وَلَا يَعْزِمُ. وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ أَشْهَبُ: وَلَوْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالشَّهَادَةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَقُولَ إنَّهَا وَصِيَّتِي وَإِنَّ مَا فِيهَا حَقٌّ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَرَأَهَا وَمَا لَوْ أُشْهِدَ أَنَّهَا وَصِيَّتُك فَقَالَ: نَعَمْ أَوْ قَالَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا عَلَيْهِمْ فَلْيَشْهَدُوا أَنَّهَا وَصِيَّةٌ أَشْهَدَ عَلَى مَا فِيهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مَنْشُورَةً يَرَوْا جَمِيعَهَا مَكْتُوبًا ثُمَّ نُظِرَ إلَى تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ فِي آخِرِهَا عَلَيْهِ فَلْيَشْهَدُوا، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ قِرَاءَةُ الْوَصِيَّةِ فَقَدْ يُرِيدُ التَّسَتُّرَ عَنْهُمْ بِمَا فِيهَا وَقَدْ يَطُولُ عَقْدُ الْوَصِيَّةِ فَيَشُقُّ عَلَى كُلِّ شَاهِدٍ إنْ لَمْ يَقْرَأْهَا مَعَ غِنَاهُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْهَدُ عَلَى الْمُوصِي بِمَا أَشْهَدَهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ إنْفَاذُهُ أُنْفِذَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ إنْفَاذُهُ رُدَّ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الشَّاهِدِ فِي ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعُقُودِ وَالسِّجِلَّاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الِاسْتِرْعَاءَاتِ الَّتِي تَتَقَيَّدُ عَلَى عِلْمِ الشَّاهِدِ، فَهَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ جَمِيعَ ذَلِكَ وَيَتَفَهَّمَهُ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ جَمِيعِهِ أَنَّهُ فِي عِلْمِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَكْتُبُ شَهَادَتَهُ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَفَّحَهُ لِيَعْلَمَ جَمِيعَهُ فِي عِلْمِهِ. وَمِمَّا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ مَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهَا وَقَالَ لِلشُّهُودِ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهَا فَكَتَبُوا شَهَادَتَهُمْ ثُمَّ مَاتَ فَقَالَ مَالِكٌ: إنْ لَمْ يَشُكَّ الشَّاهِدُ فِي الطَّابَعِ فَلْيَشْهَدْ وَأَجْوَزُ عِنْدِي شَهَادَةُ الَّذِي الْوَصِيَّةُ فِي يَدِهِ انْتَهَى. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ: لَمْ يَجْعَلْ قِرَاءَتَهَا عَلَيْهِمْ بِنَفْسِهِ مِمَّا يُنْفِذُهَا حَتَّى يَقُولَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ كَتَبْت وَصِيَّتِي وَجَعَلْتهَا عِنْدَ فُلَانٍ فَأَنْفِذُوهَا وَصَدِّقُوهُ صُدِّقَ وَنُفِّذَ مَا فِيهَا. (وَنُدِبَ فِيهَا تَقْدِيمُ التَّشَهُّدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ فَلْيُقَدِّمْ ذِكْرَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنِّي لِأَرَاهُ حَسَنًا. (وَلَهُمْ الشَّهَادَةُ وَإِنْ لَمْ يَقْرَؤُهُ وَلَا فَتَحَ وَتُنَفَّذُ) تَقَدَّمَ مَا لِلْبَاجِيِّ: وَسُمِعَ أَشْهَبُ: مَنْ أَتَاهُ أَخٌ لَهُ بِكِتَابِ وَصِيَّتِهِ طُبِعَ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ أَكْتُبُ شَهَادَتَك بِأَسْفَلِهِ عَلَى إقْرَارِي أَنَّهُ كِتَابِي وَلَا يَعْلَمُ الشَّاهِدُ مَا فِيهَا فَيَكْتُبُ شَهَادَتَهُ فِي أَسْفَلِهَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهَا وَصِيَّتُهُ فَيَشْهَدُ بِهَا قَالَ: إنْ لَمْ يَشُكَّ فِي خَاتَمِهِ أَنَّهُ خَاتَمُهُ فَلْيَشْهَدْ وَإِنْ شَكَّ فَلَا يَشْهَدُ. (وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: وَأَجْوَزُ عِنْدِي شَهَادَةُ الَّذِي الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُ فِي يَدَيْهِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ جَازَ أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَقِيَتْ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ وِفَاقٌ لِلْمُدَوِّنَةِ. اُنْظُرْ التَّنْبِيهَاتِ. (وَإِنْ أَشْهَدَ بِمَا فِيهَا وَمَا بَقِيَ فَلِفُلَانٍ ثُمَّ مَاتَ فَفُتِحَتْ فَإِذَا فِيهَا وَمَا بَقِيَ فَلِلْمَسَاكِينِ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا) قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي امْرَأَةٍ قَالَتْ لِشُهُودٍ هَذِهِ وَصِيَّتِي وَهِيَ مَطْبُوعَةٌ اشْهَدُوا عَلَى مَا فِيهَا لِي وَعَلَيَّ وَأَسْنَدْتهَا إلَى عَمَّتِي وَمَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِي فَلِعَمَّتِي وَمَاتَتْ، فَفُتِحَ الْكِتَابُ فَإِذَا فِيهَا مَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِي فَلِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْأَرَامِلِ، فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ بَقِيَّةُ الثُّلُثِ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْأَصْنَافِ الْآخَرِينَ نِصْفَيْنِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلَيْنِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 552 يَقْتَسِمَانِهِ بَيْنَهُمَا وَلَا تَكُونُ وَصِيَّتُهُ الثَّانِيَةُ نَاسِخَةً لِلْأُولَى. (وَكَتَبْتُهَا عِنْدَ فُلَانٍ فَصَدِّقُوهُ أَوْ أَوْصَيْتُ لَهُ بِثُلُثِي فَصَدِّقُوهُ يُصَدَّقُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِابْنِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ كَتَبَتْ وَصِيَّتِي وَجَعَلْتهَا عِنْدَ فُلَانٍ فَانْفُذُوهَا وَصَدِّقُوهُ صُدِّقَ مَا فِيهَا وَنُفِّذَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ فِي الْكِتَابِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَيْضًا فُلَانٌ عَدْلًا فَإِنْ قَالَ الْمُوصَى لَهُ إنَّمَا أُوصِي لِابْنَيْ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُصَدَّقُ لِقَوْلِ مَالِكٍ مَنْ قَالَ اجْعَلْ ثُلُثِي حَيْثُ تَرَاهُ أَنَّهُ إنْ أَعْطَاهُ لِوَلَدِ نَفْسِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ لَمْ يَجُزْ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ جَعَلَ تَنْفِيذَ وَصِيَّتِهِ لِرَجُلٍ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَتَعَقَّبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَشَرَطَ الْمُوصِي نَافِذٌ لَا يَجُوزُ كَانَ الْمُتَوَلِّي وَارِثًا أَمْ أَجْنَبِيًّا. (وَوَصِيِّي فَقَطْ يَعُمُّ) ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الرَّابِعُ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا فِي الْوَصِيَّةِ وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ. ثُمَّ قَالَ: الرُّكْنُ الرَّابِعُ فِي الصِّيغَةِ كَقَوْلِهِ: " أَوْصَيْت إلَيْك " أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ " فَوَّضْت إلَيْك أَمْرَ أَوْلَادِي أَوْ مَالِي ". ثُمَّ قَالَ: وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْوَصِيَّةِ يَتَنَاوَلُ نَوْعَيْ الْوَصِيَّةِ وَحُقُوقِهَا جَمِيعًا. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ اشْهَدُوا أَنَّ فُلَانًا وَصِيِّي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَهُوَ وَصِيٌّ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْكَاحِ صِغَارِ بَنِيهِ وَمَنْ بَلَغَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 553 مِنْ أَبْكَارِ بَنَاتِهِ بِإِذْنِهِنَّ وَالثَّيِّبِ بِأَمْرِهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا مَاتَ الْوَصِيُّ فَأَوْصَى إلَى غَيْرِهِ جَازَ ذَلِكَ وَكَانَ وَصِيُّ الْوَصِيِّ مَكَانَ الْوَصِيِّ فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ. (وَعَلَى كَذَا تَخُصُّ بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ فُلَانٌ وَصِيِّي عَلَى كَذَا لِشَيْءٍ خَصَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ وَصِيُّهُ عَلَى مَا سُمِّيَ فَقَطْ. (كَوَصِيِّهِ حَتَّى يَقْدُمَ فُلَانٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا قَالَ فُلَانٌ وَصِيٌّ حَتَّى يَقْدُمَ فُلَانٌ فَيَكُونُ الْقَادِمُ وَصِيًّا فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ، وَيَكُونُ كَمَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَوْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ لَكَانَ هَذَا وَصِيًّا لِأَنَّهُ إنَّمَا خَلَعَ هَذَا بِقُدُومِ هَذَا فَمَتَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 554 لَمْ يَقْدُمْ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى الْوَصِيَّةِ. (أَوْ إلَّا أَنْ تَتَزَوَّجَ زَوْجَتِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَسْنَدَ وَصِيَّتَهُ إلَى أُمِّ وَلَدِهِ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ جَازَ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ عَزَلَتْ. وَانْظُرْ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ هَذَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا تَزَوَّجَتْ الْوَصِيَّةُ فَإِنْ جَهِلَ حَالَهَا جَعَلَ عَلَيْهَا مُشْرِفًا. (وَإِنْ زَوَّجَ مُوصًى عَلَى بَيْعِ تَرِكَتِهِ وَقَبْضِ دُيُونٍ صَحَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قِيلَ لِمَالِكٍ: فَلَوْ قَالَ فُلَانٌ وَصِيِّي عَلَى قَبْضِ دُيُونِي وَبَيْعِ تَرِكَتِهِ وَلَمْ يُوصِ إلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا، هَلْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ بَنَاتَه؟ فَقَالَ مَالِكٌ: لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ مُجْزِيًا وَلَكِنْ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ فَيَنْظُرَ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ. (وَإِنَّمَا يُوصِي عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَبٌ أَوْ وَصِيُّهُ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّانِي الْمُوصِي وَهَلْ كُلُّ مَنْ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الطِّفْلِ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْأَبِ إلَى غَيْرِهِ بِصِغَارِ بَنِيهِ وَأَبْكَارِ بَنَاتِهِ. وَإِنْ مَاتَ الْوَصِيُّ فَأَوْصَى إلَى غَيْرِهِ جَازَ ذَلِكَ وَكَانَ وَصِيُّ الْوَصِيِّ مَكَانَ الْوَصِيِّ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَقْدَمِ الْقَاضِي. (كَأُمٍّ إنْ قَلَّ وَلَا وَلِيَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُوصِيَ فِي مَالِهَا وَإِنْفَاذِ وَصَايَاهَا وَعَلَى قَضَاءِ دَيْنِهَا، وَلَا يَجُوزُ إيصَاؤُهَا بِمَالِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 555 وَلَدِهَا الطِّفْلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيًّا مِنْ أَبٍ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ إذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا وَيَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا نَحْوَ سِتِّينَ دِينَارًا فَجَائِزٌ إسْنَادُهَا فِيهِ إلَى الْعَدْلِ وَذَلِكَ فِيمَنْ لَا أَبِ لَهُمْ وَلَا وَصِيَّ: وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْجَدِّ بِوَلَدِ الْوَلَدِ وَلَا أَخٍ بِأَخٍ لَهُ صَغِيرٍ وَإِنْ قَلَّ الْمَالُ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَصِيًّا بِخِلَافِ الْأُمِّ ابْنُ فَتُّوحٍ: وَعَقْدُ الْحَضَانَةِ أُمًّا أَوْ غَيْرَهَا عَلَى الصَّغِيرِ جَائِزٌ إلَّا أَنْ يُزَادَ فِي إجَارَتِهِ فَتُفْسَخُ. وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ امْرَأَةٍ أَوْصَتْ بِتَرِكَتِهَا لِرَجُلٍ وَلَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ وَاَلَّذِي تَرَكَتْ نَحْوَ خَمْسِينَ دِينَارًا فَأَجَازَ ذَلِكَ وَخَفَّفَهُ إذَا كَانَ الَّذِي أَوْصَتْ إلَيْهِ عَدْلًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَتْ تَرِكَةُ الْمَرْأَةِ كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَنَظَرَ فِيهِ الْإِمَامُ. (وَوُرِثَ عَنْهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: كُلُّ هَذَا فِيمَا صَارَ لِلطِّفْلِ بِمِيرَاثٍ، وَأَمَّا مَا أَوْصَى بِهِ مُتَطَوِّعٌ لِصَغِيرٍ فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ عَلَيْهِ مَنْ يُرْضِيه وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ وَلَا يَكُونُ لِأَبِي الصَّغِيرِ وَلَا لِوَصِيِّهِ قَبْضُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا هِبَةٌ مِنْ الْمُوصِي عَلَى صَغِيرٍ. (لِمُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ عَدْلٍ كَافٍ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الْأَوَّلُ الْوَصِيُّ وَشُرُوطُهُ أَرْبَعَةٌ: التَّكْلِيفُ وَالْإِسْلَامُ وَالْعَدَالَةُ وَالْكِفَايَةُ، ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُرَادُ بِالْعَدَالَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ السَّتْرُ لَا الصِّفَةُ الْمُشْتَرَطَةُ فِي الشَّهَادَةِ. عَبْدُ الْوَهَّابِ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ إلَى غَيْرِ الْأَمِينِ الْوَدِيعَةُ عِنْدَ غَيْرِ الْأَمِينِ جَائِزَةٌ وَالْقَصْدُ مِنْ الْكُلِّ الْحِفْظُ. (وَإِنْ أَعْمَى) ابْنُ شَاسٍ: وَلَا يُشْتَرَطُ نَظَرُ الْعَيْنِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْنِدَ الْوَصِيَّةَ إلَى الْأَعْمَى إذَا كَانَ عَلَى الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ. (وَامْرَأَةٌ) ابْنُ شَاسٍ: لَا تُشْتَرَطُ الذُّكُورِيَّةُ، فَلَوْ أَوْصَى لِزَوْجَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّنْ تَصْلُحُ لِلْوَصِيَّةِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهَا بَلْ لَوْ أَوْصَى لِمُسْتَوْلَدَةٍ أَوْ مُدَبَّرَةٍ لَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهَا. (وَعَبْدًا وَتَصَرَّفَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) ابْنُ شَاسٍ: لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيِّ الْحُرِّيَّةُ بَلْ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْعَبْدِ كَانَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَتَصَرَّفَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ. (وَإِنْ أَرَادَ الْأَكَابِرُ بَيْعَ مُوصًى اُشْتُرِيَ لِلْأَصَاغِرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَسْنَدَ وَصِيَّتَهُ إلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ جَازَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ أَصَاغِرُ وَأَرَادَ الْأَكَابِرُ بَيْعَ نَصِيبِهِمْ مِنْ الْعَبْدِ اشْتَرَى لِلْأَصَاغِرِ حِصَّةَ الْأَكَابِرِ مِنْهُمْ إنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 556 يَحْمِلُ ذَلِكَ وَإِلَّا بَاعَ الْأَكَابِرُ حِصَّتَهُمْ مِنْهُ خَاصَّةً إلَّا أَنْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِهِمْ فَيُقْضَى عَلَى الْأَصَاغِرِ بِالْبَيْعِ مَعَهُمْ. (وَطُرُوُّ الْفِسْقِ يَعْزِلُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ الْوَصِيُّ خَبِيثًا أَيُعْزَلُ عَنْ الْوَصِيَّةِ؟ قَالَ: قَالَ: مَالِكٌ نَعَمْ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَفِي عَزْلِهِ بِسَخَطَتِهِ وَبَقَائِهِ مَعَ شَرِيكِ غَيْرِهِ مَعَهُ ثَالِثُهَا إنْ عِلْم الْمُوصِي بِسَخَطَتِهِ وَرَابِعُهَا إنْ كَانَ قَرِيبًا أَوْ مُوَالِيًا، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إذَا تَزَوَّجَتْ الْوَصِيَّةُ يُجْعَلُ عَلَيْهَا مُشْرِفٌ إنْ جَهِلَ حَالَهَا. قَالَ: وَإِذَا عَادَى الْوَصِيُّ الْمَحْجُورَ فَإِنَّهُ يُعْزَلُ وَلَا يُؤْمَنُ عَدُوٌّ عَلَى عَدُوِّهِ بِشَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِهِ. (لَا يَبِيعُ الْوَصِيُّ عَبْدًا يُحْسِنُ الْقِيَامَ بِهِمْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَبِيعُ الْوَصِيُّ عَقَارَ الْيَتَامَى وَلَا الْعَبْدَ الَّذِي أَحْسَنَ الْقِيَامَ بِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِبَيْعِ الْعَقَارِ وَجْهٌ مِنْ مِلْكٍ يُجَاوِرُهُ فَيُرَغِّبَهُ أَوْ مَا لَا كِفَايَةَ فِي غَلَّتِهِ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَيْهِمْ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ. وَمِنْ الِاسْتِغْنَاءِ: إنْ كَانَ لِلْمَحْجُورِ رَقِيقٌ وَمَاشِيَةٌ وَدَوَابُّ فَمِنْ حُسْنِ نَظَرِ الْوَصِيِّ لَهُ بَيْعُ ذَلِكَ، وَيُعَوَّضُ مِنْ ثَمَنِهَا مَا هُوَ أُغْبَطُ لَهُ وَيُحْبَسُ لَهُ مِنْ الرَّقِيقِ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَفِي حَبْسِهِ الْمَصْلَحَةُ لَهُ، وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ إنْ كَانَ فِي حَبْسِهَا فَضْلٌ لِنِتَاجِهَا وَالْغَنَمُ وَالْبَقَرُ إنْ كَانَ فِي حَبْسِهَا نَظَرٌ وَغِبْطَةٌ وَإِلَّا بِيعَتْ (وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 557 التَّرِكَةَ إلَّا بِحَضْرَةِ الْكَبِيرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَبِيعُ الْوَصِيُّ عَلَى الصِّغَارِ التَّرِكَةَ إلَّا بِحَضْرَةِ الْأَكَابِرِ، فَإِنْ كَانُوا بِأَرْضٍ نَائِيَةٍ رَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ فَأَمَرَ مَنْ يَلِي مَعَهُ الْبَيْعَ لِلْغَائِبِ. وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ بَيْعِ الْوَصِيِّ مِنْ الْوَصَايَا الْأَوَّلُ مِنْ ابْنِ يُونُسَ، وَانْظُرْ فِيهِ صُلْحَ الْوَصِيِّ عَنْ الْيَتِيمِ وَتَأْخِيرَهُ الدَّيْنَ وَالْأَكْلَ مِنْ مَالِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 559 الْيَتِيمِ وَسَلَفَهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ أَمَانَةٍ بِيَدِهِ. (وَلَا يَقْسِمُ عَلَى غَائِبٍ بِلَا حَاكِمٍ) لَوْ قَالَ: " إذْ لَا يَقْسِمُ عَلَى غَائِبٍ بِلَا حَاكِمٍ " لَنَاسَبَ مَا تَقَرَّرَ. (وَلِاثْنَيْنِ حُمِلَ عَلَى التَّعَاوُنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْصَى إلَى وَصِيَّيْنِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ وَلَا نِكَاحٌ وَلَا غَيْرُهُ دُونَ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَسَوَاءٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 565 أَوْصَى إلَيْهِمَا عَلَى سَبِيلِ الْمَعِيَّةِ وَالشِّرْكَةِ فِي زَمَانٍ أَوْ فِي زَمَانَيْنِ. وَقَوْلُهُ: " إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ " زَادَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الشَّيْءِ التَّافِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِمَّا يَضُرُّ بِهِمْ تَأْخِيرُهُ فَهُوَ خَفِيفٌ إذَا غَابَ الْآخَرُ وَأَبْطَأَ اهـ. اُنْظُرْ إذَا كَانَ مُشْرِفٌ عَلَى الْمُوصِي قَالَ ابْنُ سَلْمُونَ: مَا فَعَلَهُ الْوَصِيُّ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُشْرِفِ مَضَى إنْ كَانَ سَدَادًا فَإِنْ أَرَادَ الْمُشْرِفُ أَنْ يَرُدَّ السَّدَادَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَالْمَالُ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْوَصِيِّ لَا عِنْدَ الْمُشْرِفِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَيْسَ نِكَاحُ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ إنْكَاحِ الْوَصِيِّ دُونَ إذْنِ الْمُشْرِفِ، الْمُشْرِفُ لَيْسَ بِوَصِيٍّ وَلَا وَلِيٍّ وَلَا لَهُ مِنْ وِلَايَةِ الْعَقْدِ شَيْءٌ إنَّمَا لَهُ الْمُشَاوَرَةُ الَّتِي جُعِلَتْ لَهُ خَاصَّةً (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَا فَالْحَاكِمُ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا اسْتَقَلَّ الْآخَرُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هَذَا بَعِيدٌ فِي الْفِقْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ: لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُوصِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي بَيْنَ الْعَدَالَةِ وَالْكَفَاءَةِ لَمْ يَجْعَلْ مَعَهُ الْقَاضِي غَيْرَهُ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ: إذَا عُزِلَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ بِجِنَايَةٍ لَمْ يُجْعَلْ مَعَ الْأَخِ غَيْرُهُ. وَرَوَى عَلِيٌّ: يُجْعَلُ مَعَهُ غَيْرُهُ وَمَالَ إلَيْهِ سَحْنُونَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اخْتَلَفَ نَظَرُ السُّلْطَانِ. وَاللَّخْمِيُّ: إنْ رَدَّ السُّلْطَانُ مَا فَعَلَهُ أَحَدُهُمَا صَوَابًا أَثْبَتَهُ وَإِنْ كَرِهَ الْآخَرُ. وَرَشَّحَ. الْبُرْزُلِيِّ فِي نَوَازِلِهِ إنْ فَعَلَ فِعْلًا لَوْ رُفِعَ لِلْحَاكِمِ لَمْ يَفْعَلْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَأَنَّ الْحَاكِمَ فَعَلَهُ. (وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا إيصَاءٌ) عِيسَى: لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي حَيَاتِهِ وَعِنْدَ مَوْتِهِ. قَالَهُ مَالِكٌ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيهِ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَصِيَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا فِي الْإِيصَاءِ هَلْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا إلَيْهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ أَمْ لَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ وَلَوْ إلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الْوَصِيَّةِ. أَتَتْ الرِّوَايَةُ بِهَذَا عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ عِيسَى هَذَا. الثَّانِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ إلَى مَنْ مَعَهُ فِي الْوَصِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ. الثَّالِثُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لَا إلَى شَرِيكَهُ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 566 الْإِيصَاءِ وَهُوَ الَّذِي تَأَوَّلَهُ الشُّيُوخُ عَلَى سَحْنُونٍ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (وَلَا لَهُمَا قَسْمُ الْمَالِ وَإِلَّا ضَمِنَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اخْتَلَفَا نَظَرَ السُّلْطَانُ وَلَا يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا وَلْيَكُنْ عِنْدَ أَعْدَلِهِمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْعَدَالَةِ جَعَلَهُ الْإِمَامُ عِنْدَ أَكْفَئِهِمَا. وَلَوْ اقْتَسَمَا الصِّبْيَانُ فَلَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ حِصَّةَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ الصِّبْيَانِ. قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: فَإِنْ قَسَمَا الْمَالَ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا هَلَكَ بِيَدِ صَاحِبِهِ لِتَعَدِّيهِ بِإِسْلَامِهِ إلَيْهِ. اللَّخْمِيِّ: ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمِيعَ الْمَالِ مَا عِنْدَهُ لِاسْتِبْدَادِهِ بِالنَّظَرِ فِيهِ وَمَا عِنْدَ صَاحِبِهِ لِرَفْعِ يَدِهِ عَنْهُ، وَكَذَا الْوَدِيعَةُ يَقْتَسِمَانِهَا. (وَلِلْوَصِيِّ اقْتِضَاءُ الدَّيْنِ وَتَأْخِيرُهُ لِنَظَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْغَرِيمَ بِالدَّيْنِ إنْ كَانَ الْوَرَثَةُ كِبَارًا، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا جَازَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهُمْ. أَشْهَبُ: وَكَذَلِكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 568 لَوْ وَضَعَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ صَالَحَ عَنْهُ خَوْفَ جُحُودٍ أَوْ تَفْلِيسٍ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ: وَلَهُ الْبَيْعُ مُسَاوَمَةً. (وَالنَّفَقَةُ عَلَى الطِّفْلِ بِالْمَعْرُوفِ) قَالَ مَالِكٌ: يُنْفِقُ عَلَى كُلِّ يَتِيمٍ بِقَدْرِ نِصَابِهِ. قَالَ مَالِكٌ: قَالَ رَبِيعَةُ: وَلَوْ أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 569 يَشْتَرِيَ لَهُ مَا يَلْهُو بِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَسَّعَ عَلَيْهِ. (وَفِي خَتْنِهِ وَعُرْسِهِ) اللَّخْمِيِّ: يُنْفِقُ عَلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فِي خِتَانِهِ وَعُرْسِهِ، وَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ دَعَا بِأَكْلٍ وَلَا يَدْعُوَا لِلَّاعِبِينَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا أَنْفَقَ عَلَى اللَّاعِبِينَ لَمْ يَلْزَمْ الْيَتِيمَ. وَنَقَلَ ابْنُ قُتَيْبَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا خَتَنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ بَنِيهِ أَرْسَلَنِي فَدَعَوْت لَهُ اللَّاعِبِينَ فَلَعِبُوا فَأَعْطَاهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ. (وَعِيدِهِ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يُضَحِّي عَنْهُ مِنْ مَالِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَتَقَدَّمَ يَشْتَرِي لَهُ مَا يَلْهُو بِهِ. (وَدَفْعُ نَفَقَةٍ لَهُ قُلْت) اللَّخْمِيِّ: يَدْفَعُ لَهُ مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَرَى أَنَّهُ لَا يُتْلِفُهُ الشَّهْرَ وَنَحْوَهُ، فَإِنْ كَانَ يُتْلِفُهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَوْمٌ بِيَوْمٍ. (وَإِخْرَاجُ فِطْرَتِهِ وَزَكَاتِهِ وَرَجَعَ لِلْحَاكِمِ إنْ كَانَ الْحَاكِمُ حَنَفِيًّا) فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يُزَكِّي مَالَهُ وَيُخْرِجُ عَنْهُ وَعَنْ عَبْدِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ. الشَّيْخُ: إنْ أُمِنَ أَنْ يَتَعَقَّبَ أَوْ خَفَى ابْنُ عَرَفَةَ: لِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. لَا يُزَكِّي الْوَصِيُّ حَتَّى يَرْفَعَ إلَى السُّلْطَانِ لِئَلَّا يَكُونَ مَذْهَبُهُ سُقُوطَ الزَّكَاةِ عَنْ الصَّغِيرِ. (وَدَفْعُ مَالِهِ قِرَاضًا أَوْ بِضَاعَةً) رَوَى مُحَمَّدٌ: إنَّمَا لِلْوَصِيِّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مَا يُنَمِّيهِ أَوْ يُنْفِقُهُ. اللَّخْمِيِّ: وَحَسُنَ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ لَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَيْسَ ذَلِكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 570 عَلَيْهِ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَلَا يَضْمَنُ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. وَمِنْ ابْنِ عَاتٍ: إنْ كَانَ الْوَصِيُّ أَخًا لِلْيَتِيمِ وَتَجَرَ فِي الْمَالِ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ فَالرِّبْحُ لَهُ وَحَسُنَ لَهُ أَنْ يُوَاسِيَ مِنْهُ الْيَتَامَى اهـ. اُنْظُرْ هَلْ هَذَا سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا. ابْنُ شَاسٍ: ثُمَّ الْوَصِيُّ يَقْضِي دُيُونَ الصَّبِيِّ وَيُزَكِّي مَالَهُ وَيَدْفَعُهُ قِرَاضًا أَوْ بِضَاعَةً. وَفِي نَوَازِلِ ابْنُ الْحَاجِّ: لِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لِلْوَصِيِّ أُجْرَةً عَلَى نَظَرِهِ. (لَا يَعْمَلُ هُوَ بِهِ) ابْنُ شَاسٍ: اُخْتُلِفَ فِي عَمَلِهِ هُوَ بِهِ قِرَاضًا فَمَنَعَهُ أَشْهَبُ. . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 572 (وَلَا الشِّرَاءُ مِنْ التَّرِكَةِ وَتُعُقِّبَ بِالنَّظَرِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَشْتَرِي الْوَصِيُّ لِنَفْسِهِ مِنْ التَّرِكَةِ وَلَا يُوَكِّلُ، يُرِيدُ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ فَإِنْ فَعَلَ تُعُقِّبَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ كَانَ لِلْأَيْتَامِ (إلَّا كَحِمَارَيْنِ قَلَّ ثَمَنُهُمَا وَتَسَوَّقَ بِهِمَا الْحَضَرَ وَالسَّفَرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: سَأَلَ وَصِيٌّ مَالِكًا عَنْ حِمَارَيْنِ مِنْ حُمُرِ الْأَعْرَابِ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ ثَمَنُهُمَا ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ تَسَوَّقَ بِهِمَا الْوَصِيُّ فِي الْمَدِينَةِ وَالْبَادِيَةِ، فَإِنْ أَخَذَهُمَا لِنَفْسِهِ بِمَا أَعْطَى فَأَجَازَ ذَلِكَ وَاسْتَخَفَّهُ لِقِلَّةِ الثَّمَنِ. (وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبُولِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي وَلَوْ قَبِلَ) . ابْنُ شَاسٍ: لِلْمُوصِي عَزْلُ الْوَصِيِّ وَلِلْمُوصِي عَزْلُ نَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبُولِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُ هَذَا. (لَا بَعْدَهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا قَبِلَ الْوَصِيُّ الْوَصِيَّةَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَلَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 575 مَوْتِهِ. (وَإِنْ أَبَى الْقَبُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا قَبُولَ لَهُ بَعْدَهُ) أَشْهَبُ: لَوْ قَبِلَ الْوَصِيُّ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ جَاءَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ لَزِمَتْهُ الْوَصِيَّةُ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْهَا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 577 مَوْتِهِ فَلَا قَبُولَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. (وَالْقَوْلُ لَهُ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُصَدَّقُ الْوَصِيُّ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَيْتَامِ وَإِنْ كَانُوا فِي حَجْرِهِ مَا لَمْ يَأْتِ بِسَرَفٍ. ابْنُ عَاتٍ: لِأَنَّهُ لَوْ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ لَشَقَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ الْأَمْرِ الْمَوْضُوعِ لِذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ: إنَّ اللُّقَطَةَ تُدَفَّع لِمَنْ جَاءَ بِعَلَامَتِهَا (لَا فِي تَارِيخِ الْمَوْتِ وَدَفْعِ مَالِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ) وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ فِي دَفْعِ الْمَالِ لِلْيَتِيمِ بِغَيْرِ إشْهَاد وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي النَّفَقَةِ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَفِي الْجَمِيعِ هُوَ مُدَّعٍ لِإِخْرَاجِ الْمَالِ عَنْ ذِمَّتِهِ. ابْنُ شَاسٍ: إنْ نَازَعَ الْوَصِيُّ الصَّبِيَّ فِي تَارِيخِ مَوْتِ الْأَبِ إذْ بِهِ تَكْثُرُ النَّفَقَةُ أَوْ فِي دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 578 فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ الْوَصِيُّ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ مُمْكِنٌ مَأْمُورٌ بِهِ الصَّبِيُّ. ابْنُ شَاسٍ. [كِتَابُ الْفَرَائِضِ] [بَاب فِي بَيَان الْوَرَثَة وَالتَّوْرِيث] [بَاب مَا يَخْرَج مِنْ تَرِكَة الْمَيِّت] كِتَابُ الْفَرَائِضِ. وَفِيهِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْوَرَثَةِ وَالتَّوْرِيثِ، إمَّا بِسَبَبٍ وَإِمَّا بِنَسَبٍ. الْبَابُ الثَّانِي فِي مَوَانِعِ الْمِيرَاثِ وَهِيَ سِتَّةٌ. الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أُصُولِ الْحِسَابِ وَبَيَانِ الْمَخَارِجِ. الْبَابُ الرَّابِعُ فِي حِسَابِ مَسَائِلِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ. الْبَابُ الْخَامِسُ فِي حِسَابِ مَسَائِلِ الْوَصَايَا. الْبَابُ السَّادِسُ فِي حِسَابِ الْمُنَاسَخَاتِ وَقِسْمَةِ التَّرِكَاتِ. (بَابٌ يُخْرَجُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ كَالْمَرْهُونِ) ابْنُ عَرَفَةَ: أَوَّلُ مَا يُخْرَجُ مِنْ كُلِّ التَّرِكَةِ بِعَيْنِهَا الرَّهْنُ الْمَحُوزُ وَأُمُّ الْوَلَدِ. (وَعَبْدٍ جَنَى) قَالَ مَالِكٌ أَوْ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَنَحْوُهُ لِلْمَشْيَخَةِ السَّبْعَةِ وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ خُيِّرَ سَيِّدُهُ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَ خِدْمَتَهُ بِجَمِيعِ مَا جَنَى وَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ خِدْمَتَهُ. فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْوَفَاءِ وَلَا دَيْنَ عَلَى السَّيِّدِ وَكَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ وَأُتْبِعَ بِبَقِيَّةِ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ يَغْتَرِقُهُ فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَحَقُّ بِرَقَبَتِهِ يَكُونُ لَهُ رِقًّا لَا تَدْبِيرَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ أَهْلُ الدَّيْنِ بِدِيَةِ الْجِنَايَةِ فَيُبَاعُ لَهُمْ. (ثُمَّ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ) ابْنُ رُشْدٍ. أَوَّلُ مَا يُخْرَجُ مِنْ كُلِّ التَّرِكَةِ الْحُقُوقُ الْمُعَيَّنَاتُ مِثْلُ الرَّهْنِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَزَكَاةِ ثَمَرِ الْحَائِطِ الَّذِي أَزْهَى، وَزَكَاةِ الْمَاشِيَةِ إذَا مَاتَ عِنْدَ حُلُولِهَا وَفِيهَا الشَّيْءُ الَّذِي وَجَبَ فِيهَا هَذِهِ تُخْرَجُ كُلُّهَا، وَإِنْ أَتَتْ عَلَى جَمِيعِ التَّرِكَةِ. وَأَمَّا الْحُقُوقُ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُعِينَاتٍ فَآكَدُهَا وَأَوْلَاهَا بِالتَّبْدِئَةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ الْكَفَنُ وَتَجْهِيزُ الْمَيِّتِ ثُمَّ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الدُّيُونِ. (بِالْمَعْرُوفِ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُبْدَأُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ بِحَنُوطِهِ وَكَفَنِهِ وَمُورَاتِهِ بِالْمَعْرُوفِ. (ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: ثُمَّ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الدُّيُونِ. (ثُمَّ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُخْرَجُ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 579 الثُّلُثِ الْوَصَايَا وَتَبَرُّعَاتُ مَرَضِ مَوْتِهِ. (ثُمَّ الْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ) قَالَ الرَّاجِزُ: إنْ امْرُؤٌ قَدْ قُدِّرَتْ مَنُونُهُ ... كُفِّنَ ثُمَّ أُدِّيَتْ دُيُونُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 580 وَبَعْدَ ذَا تُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ وَيَقَعُ الْمِيرَاثُ فِي الْبَقِيَّةِ. (مِنْ ذَوِي النِّصْفِ الزَّوْجُ وَبِنْتٌ وَابْنَةُ ابْنٍ إنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتٌ وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ أَوْ لِأَبٍ إنْ لَمْ تَكُنْ شَقِيقَةٌ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا الْفُرُوضُ الَّتِي هِيَ أُصُولٌ فَسِتَّةٌ: النِّصْفُ وَنِصْفُهُ وَرُبُعُهُ وَالثُّلُثَانِ وَنِصْفُهُمَا وَرُبُعُهُمَا. فَالنِّصْفُ فَرْضُ خَمْسَةٍ: الزَّوْجِ مَعَ عَدَمِ الْحَاجِبِ، وَبِنْتِ الصُّلْبِ، وَبِنْتِ الِابْنِ مَعَ عَدَمِهَا، وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ مَعَ عَدَمِهَا. (وَعَصَّبَ كُلًّا أَخٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 584 يُسَاوِيهَا) ابْنُ شَاسٍ: إذَا اجْتَمَعَ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ مِنْ بَنِي الصُّلْبِ اقْتَسَمُوا الْمَالَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمُّ فَعَلَى سَبِيلِ مِيرَاثِ وَلَدِ الصُّلْبِ، وَأَمَّا وَلَدُ الِابْنِ فَمِيرَاثُهُمْ مَعَ عَدَمِ وَلَدِ الصُّلْبِ عَلَى سَبِيلِ مِيرَاثِ وَلَدِ الصُّلْبِ، وَكَذَلِكَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ مَعَ عَدَمِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ. قَالَ الرَّاجِزُ: وَهَكَذَا الْإِنَاثُ كُلُّهُنَّهْ ... إخْوَانُهُنَّ يُعَصِّبُونَهُنَّ إلَّا بَنَاتَ الْأُمِّ إلَّا مِنْهُنَّ فَقَطْ ... إذْ كُلُّهُمْ أَصْحَابُ سَهْمٍ مُشْتَرَطٍ (وَالْجَدُّ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا فَسَيَأْتِي قَوْلُهُ " لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ الْأَشِقَّاءِ أَوْ لِأَبٍ الْخَيْرُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْمُقَاسَمَةُ " فَقَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَيُقَاسَمُ إنَاثُهُنَّ إذَا انْفَرَدْنَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَأَخَوَاتِهِنَّ. (وَالْأَوَّلِيَّانِ الْأُخْرَيَيْنِ) بَهْرَامَ: مُرَادُهُ أَنَّ الْأُخْتَ الشَّقِيقَةَ وَاَلَّتِي لِلْأَبِ تَعْصِبُ كُلًّا مِنْ الْبَنَاتِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 585 قَالَ الرَّاجِزُ: وَالْأَخَوَاتُ قَدْ يَصِرْنَ عَصَبَاتٍ ... إنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ بِنْتٌ أَوْ بَنَاتٌ. (وَلِتَعَدُّدِهِنَّ الثُّلُثَانِ) قَالَ ابْنُ شَاسٍ: الثُّلُثَانِ فَرْضُ كُلِّ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا تَسْتَحِقُّ إحْدَاهُنَّ إذَا انْفَرَدَتْ النِّصْفَ. (وَلِلثَّانِيَةِ مَعَ الْأُولَى السُّدُسُ وَإِنْ كَثُرْنَ) قَالَ ابْنُ شَاسٍ: السُّدُسُ فَرْضُ سَبْعَةٍ مِنْهُمْ الْوَاحِدَةُ مِنْ بَنَاتِ الِابْنِ فَأَكْثَرُ إذَا كَانَ هُنَاكَ بِنْتُ الصُّلْبِ، وَمِنْهُمْ الْأُخْتُ لِلْأَبِ فَأَكْثَرُ مَعَ وُجُودِ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ (وَحَجَبَهَا ابْنٌ فَوْقَهَا) ابْنُ شَاسٍ: يَحْجُبُ بَنَاتَ الِابْنِ الْوَاحِدُ مِنْ ذُكُورِ وَلَدِ الصُّلْبِ وَيَسْقُطْنَ أَيْضًا مَعَ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ بَنَاتِ الصُّلْبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ فِي دَرَجَتِهِنَّ أَوْ تَحْتَهُنَّ، وَكَذَلِكَ الْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ يَحْجُبُهُنَّ الْوَاحِدُ مِنْ الْأَشِقَّاءِ وَيَسْقُطْنَ أَيْضًا بِشَقِيقَتَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ. (أَوْ اثْنَتَانِ فَوْقَهَا إلَّا الِابْنَ فِي دَرَجَتِهَا مُطْلَقًا أَوْ أَسْفَلَ فَعَصَبٌ) هَذَا مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ. قَالَ الرَّاجِزُ: وَيَحْجُبُ الْبَنَاتُ مَا كَثُرْنَ ... كُلَّ بَنَاتِ الِابْنِ مَا بَعُدْنَ إلَّا إذَا أَدْلَيْنَ بِابْنٍ ذَكَرٍ ... فَيَرِثُونَ أَجْمَعُونَ مَا غَبَرَ وَحَجْبُهُنَّ عِنْدَ ذَا يَنْفَسِخُ ... سِيَّانِ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَمٍّ وَأَخٌ مُسَاوِيًا لَهُنَّ فِي رُتْبَتِهِ ... أَوْ نَازِلًا عَنْهُنَّ فِي نِسْبَتِهِ فَإِنْ يَكُنْ عَنْ قَدْرِهِنَّ أَعْلَا ... حَجَبَهُنَّ أَبَدًا وَاسْتَوْلَى وَمَنْ تَرِثُ فِي الثُّلُثَيْنِ تُمْنَعُ ... وَمَا لَهَا فِي الرَّدِّ بَعْدُ مَطْمَعٌ اُنْظُرْ قَوْلَهُ " سِيَّانِ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَمٍّ وَأَخٌ " قَالَ بَهْرَامَ: هَذَا غَنِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: " مُطْلَقًا ". (وَأُخْتٌ لِأَبٍ فَأَكْثَرُ مَعَ الشَّقِيقَةِ فَأَكْثَرُ كَذَلِكَ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ: وَكَذَلِكَ الْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ يَحْجُبُهُنَّ الْوَاحِدُ مِنْ الْأَشِقَّاءِ وَيَسْقُطْنَ أَيْضًا بِالشَّقِيقَتَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ. (إلَّا إنَّهُ إنَّمَا يَعْصِبُ الْأَخُ أُخْتَهُ لَا مِنْ فَوْقِهِ) مَعْنَى مَا قُرِّرَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ مَعَ الشَّقِيقَتَيْنِ فَأَكْثَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ فَيُرَدُّ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهِنَّ مَا بَقِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِنَّ ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ بَلْ يَعْصِبُ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً، فَمَنْ تُوُفِّيَتْ عَنْ شَقِيقَتَيْنِ وَأَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَابْنِ أَخٍ فَلِابْنِ الْأَخِ الثُّلُثُ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ بِخِلَافِ بَنَاتِ الِابْنِ مَعَ ابْنٍ فِي دَرَجَتِهِنَّ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ فَإِنَّهُ يَعْصِبُهُنَّ إذَا كَانَ ثَمَّ بِنْتَانِ فَأَكْثَرُ. (وَالرُّبُعُ لِلزَّوْجِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 586 بِفَرْعٍ وَالزَّوْجَةُ فَأَكْثَرُ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّبُعُ فَرْضُ صِنْفَيْنِ: الزَّوْجُ مَعَ وُجُودِ الْحَاجِبِ، وَالزَّوْجَةُ أَوْ الزَّوْجَاتُ مَعَ فَقْدِهِ. (وَالثُّمُنُ لَهَا أَوْ لَهُنَّ بِفَرْعٍ) ابْنُ شَاسٍ: الثُّمُنُ فَرْضُ الزَّوْجَةِ أَوْ الزَّوْجَاتِ مَعَ وُجُودِ الْحَاجِبِ. (لَاحِقٌ) بَهْرَامَ أَمَّا وَلَدُ الْمَرْأَةِ مِنْ زِنًا فَيَحْجُبُ الزَّوْجَ. وَأَمَّا وَلَدُ الزَّوْجِ مِنْ زِنًا فَلَا يَحْجُبُ الزَّوْجَةَ فَلِهَذَا قَالَ بِفَرْعٍ لَاحِقٍ. (وَالثُّلُثَانِ لِذِي النِّصْفِ إنْ تَعَدَّدَ) بَهْرَامَ: هَذَا تَكْرَارٌ. (وَالثُّلُثِ لِلْأُمِّ وَوَلَدَيْهَا فَأَكْثَرَ) ابْنُ شَاسٍ: الثُّلُثُ فَرْضُ صِنْفَيْنِ: الْأُمِّ مَعَ فَقْدِ الْحَاجِبِ وَالِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ مَا كَانُوا. (وَحَجَبَهَا لِلسُّدُسِ وَلَدٌ وَإِنْ سَفَلَ وَأَخَوَانِ أَوْ أُخْتَانِ مُطْلَقًا) ابْنُ شَاسٍ: النَّقْلُ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ يَخْتَصُّ بِخَمْسَةِ أَصْنَافٍ مِنْهُمْ الْأُمُّ يَنْقُلُهَا الْوَلَدُ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا، وَوَلَدُ الِابْنِ مَا كَانُوا، وَالِاثْنَانِ فَصَاعِدًا مِنْ الْإِخْوَةِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانُوا، فَيَرُدُّونَهَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ. (وَلَهَا ثُلُثُ الْبَاقِي فِي زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ) تُسَمَّى هَذِهِ الْفَرِيضَةُ بِالْغَرَّاوَيْنِ إحْدَاهُمَا زَوْجٌ وَأَبَوَانِ، وَالْأُخْرَى زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ فَلَهَا مِنْ الْمَتْرُوكِ فِي هَاتَيْنِ ثُلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ قَالَ الرَّاجِزُ: بَابُ بَيَانِ بَعْضِ مَا قَدْ شَذَّا ... وَكَانَ مِنْ تِلْكَ الْفُرُوضِ فَذَا مِنْهَا فَرِيضَتَانِ غَرَّاوَانِ ... زَوْجٌ أَوْ الْعُرْسُ وَوَالِدَانِ لِلْأُمِّ ثُلُثٌ فِيهِمَا فَمَا بَقِيَ ... سُدُسٌ وَرُبُعٌ مِنْهُمَا فَحَقِّقْ. (وَالسُّدُسُ لِوَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ مُطْلَقًا) ابْنُ شَاسٍ: السُّدُسُ فَرْضُ سَبْعَةٍ مِنْهُمْ: الْوَاحِدُ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 587 (وَسَقَطَ بِابْنٍ وَابْنِهِ وَبِنْتٍ وَإِنْ سَفَلَتْ وَأَبٍ وَجَدٍّ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا وَلَدُ الْأُمِّ فَيَحْجُبُهُمْ عَمُودًا لِنَسَبِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ. (وَالْأَبِ أَوْ الْأُمِّ مَعَ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ وَالْجَدَّةِ فَأَكْثَرَ) ابْنُ شَاسٍ: وَالسُّدُسُ أَيْضًا فَرْضُ الْأَبِ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ وَفَرْضُ الْأُمِّ أَيْضًا مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ، وَهُوَ أَيْضًا فَرْضُ الْجَدَّةِ انْفَرَدَتْ أَوْ كَانَ مَعَهَا أُخْرَى تُشَارِكُهَا. (وَأَسْقَطَتْهَا الْأُمُّ مُطْلَقًا) قَالَ الرَّاجِزُ: وَالْأُمُّ تَحْجُبُ جَمِيعَ الْجَدَّاتِ (وَالْأَبُ الْجَدَّةُ مِنْ جِهَتِهِ وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَإِلَّا اشْتَرَكَتَا) ابْنُ شَاسٍ: تَسْقُطُ الْجَدَّاتُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كُنَّ بِالْأُمِّ وَتَسْقُطُ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الْأَبِ بِهِ وَتَسْقُطُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةٍ بِالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ قَالَ الرَّاجِزُ: وَالْجَدَّتَانِ فَاعْلَمْنَ إنْ كَانَتَا ... فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَرِثَتَا فَإِنْ تَكُ الدُّنْيَا الَّتِي لِلْأُمِّ ... فَتَحْجُبُ الْأُخْرَى كَذَا فِي الْحُكْمِ وَإِنَّ تَكُ الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ لِلْأَبِ ... فَمَا لَهَا فِي حَجْبِ تِلْكَ مِنْ سَبَبٍ. (وَأَحَدُ فُرُوضِ الْجَدِّ غَيْرِ الْمُدْلِي بِأُنْثَى) ابْنُ شَاسٍ: السُّدُسُ سَهْمُ الْجَدِّ مَعَ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ وَقَدْ يُفْرَضُ لَهُ أَيْضًا مَعَ الْإِخْوَةِ وَذَوِي السِّهَامِ. وَقَالَ ابْنُ زِكْرِيّ: الْجَدُّ يَرِثُ بِالنِّسْبَةِ وَإِنْ عَلَا بِالْإِجْمَاعِ مَا لَمْ يَفْضُلْ أُنْثَى. (وَلَهُ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ الْأَشِقَّاءِ أَوْ لِأَبٍ الْخَيْرُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْمُقَاسَمَةُ وَعَادَ الشَّقِيقُ بِغَيْرِهِ ثُمَّ رَجَعَ كَالشَّقِيقَةِ بِمَالِهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ جَدٌّ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ كَانَ الْجَدُّ مَعَ إخْوَةٍ أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ مَجْمُوعِهِمْ أَوْ كَانُوا أَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْأَفْضَلَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ الْمُقَاسَمَةَ لَهُمْ، ثُمَّ حَيْثُ قَاسَمَهُمْ عَلَى الْعَادَةِ فَكَانَ بَعْضُ مُقَاسِمِيهِ أَشِقَّاءَ وَبَعْضُهُمْ لِلْأَبِ رَجَعَ الْأَشِقَّاءُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ فَيَأْخُذُ الذُّكُورُ كُلَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَتَسْتَوِي الْأُنْثَى وَالْأُنْثَيَانِ نَصِيبُهُنَّ نِصْفَيْنِ مِثْلُ ذَلِكَ. اُنْظُرْهُ فِيهِ. (وَلَهُ مَعَ ذَوِي فَرْضٍ مَعَهُمَا السُّدُسُ أَوْ ثُلُثُ الْبَاقِي أَوْ الْمُقَاسَمَةُ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ كَانَ مَعَ جَدٍّ ذُو سِهَامٍ وَإِخْوَةٌ فَإِنَّهُ يُعْطَى الْأَفْضَلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَوِي السِّهَامِ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 588 أَوْ الْمُقَاسَمَةُ فِيهِ مِثَالُ ذَلِكَ اُنْظُرْهُ فِيهِ. (وَلَا يُفْرَضُ لِأُخْتٍ مَعَهُ إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ وَالْغَرَّاءِ زَوْجٌ وَجَدٌّ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ أَوْ لِأَبٍ فَيُفْرَضُ لَهَا وَلَهُ ثُمَّ يُقَاسِمُهَا) قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَلَا يُعَالُ لِلْأُخْتِ مَعَ الْجَدِّ إلَّا فِي الْغَرَّاءِ وَحْدِهَا وَهِيَ امْرَأَةٌ تَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَأُخْتَهَا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَجَدَّهَا، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، فَلَمَّا فَرَغَ الْمَالُ أُعِيلَ لِلْأُخْتِ بِالنِّصْفِ ثَلَاثَةٌ ثُمَّ جُمِعَ إلَيْهَا سَهْمُ الْجَدِّ فَقُسِمَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا عَلَى الثُّلُثَيْنِ لَهُ وَالثُّلُثُ لَهَا فَرَغَ سَبْعَةٌ وَعِشْرِينَ سَهْمًا. . (وَإِنْ كَانَ مَحَلَّهَا أَخٌ لِأَبٍ وَمَعَهُ إخْوَةٌ لِأُمٍّ سَقَطَ) اُنْظُرْ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَا أُخْتٌ شَقِيقَةٌ فَهِيَ الْفَرِيضَةُ الْمَالِكِيَّةُ وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ وَإِخْوَانٌ لِأُمٍّ وَإِخْوَانٌ لِأَبٍ. وَأَمَّا الْفَرِيضَةُ الَّتِي تُسَمَّى الشَّبِيهَةُ بِالْمَالِكِيَّةِ فَهِيَ أَنْ يَكُونَ مَكَانَ الْأَخِ لِلْأَبِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 589 أَخٌ شَقِيقٌ. وَأَشْهَرُ قَوْلَيْ مَالِكٍ أَنَّ الْجَدَّ حَجَبَ الْإِخْوَةَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ: الْحُجَّةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَشِقَّاءِ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ الْأَشِقَّاءِ إنَّمَا يَرِثُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِسَبَبِ الْأُمِّ، وَالْجَدُّ يَحْجُبُ كُلَّ أَخٍ يَرِثُ بِسَبَبِ الْأُمِّ. وَأَمَّا الَّذِينَ لِلْأَبِ فَيَقُولُ لَهُمْ الْجَدُّ أَرَأَيْت لَوْ لَمْ أَكُنْ مَعَكُمْ أَكَانَ يَكُونُ لَكُمْ شَيْءٌ؟ فَيَقُولُونَ: لَا. فَيَقُولُ لَهُمْ: لَيْسَ حُضُورِي بِاَلَّذِي يُوجِبُ لَكُمْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي إنَّمَا يَجْرِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي بِنْتَيْنِ وَبِنْتِ ابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ. وَالصَّوَابُ أَنْ يَرِثُوا مَعَ الْجَدِّ كَانُوا أَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ وَيَقُولُونَ لَهُ أَنْتَ لَا تَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْمِيرَاثِ إلَّا شَارَكْنَاك فِيهِ فَلَا تُحَاسِبْنَا، بَلْ لَوْ لَمْ تَكُنْ فَإِنَّك كَائِنٌ بَعْدُ وَلَوْ لَزِمَ مَا قُلْته لَلَزِمَ فِي بِنْتَيْنِ وَبِنْتِ ابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ أَنْ لَا تَرِثَ ابْنَةُ الِابْنِ مَعَ ابْنِ الِابْنِ شَيْئًا. وَيُحْتَجُّ بِمِثْلِ احْتِجَاجِك أَنْ يَقُولَ: أَرَأَيْت لَوْ لَمْ أَكُنْ أَكَانَ يَكُونُ لَك شَيْءٌ فَلَيْسَ كَوْنِي مُوجِبًا لَك شَيْئًا لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ لَهَا أَنْ تَقُولَ لَهُ أَنْتَ لَا تَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْمِيرَاثِ إلَّا كَانَ لِي مِثْلُ نِصْفِ مَالَك لِأَنَّ مَنْزِلَتَنَا وَاحِدَةٌ فَلَا تُحَاسِبْنِي بِأَنَّك لَمْ تَكُنْ فَأَنْتَ كَائِنٌ. وَهَذَا قَوْلُ الْجَمَاعَةِ إلَّا ابْنَ مَسْعُودٍ اهـ. يَبْقَى النَّظَرُ هَلْ يَبْقَى مَالِكٌ عَلَى أَصْلِهِ أَوْ يَرْجِعُ لِقَوْلِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْأَلَتِهِ اُسْتُفْتِيَتْ فِيهَا قُلْت فِيهَا مَا نَصُّهُ: سُئِلَتْ عَمَّنْ مَاتَ عَنْ جَدٍّ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ وَأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأَخٍ لِأُمٍّ، فَظَهَرَ لِي بِبَادِئِ الرَّأْيِ قَبْلَ مُرَاجَعَةِ الْفِقْهِ أَنَّهُ إذَا أَخَذَتْ الشَّقِيقَةُ نِصْفَهَا وَأَخَذَ الْجَدُّ ثُلُثَهُ الَّذِي هُوَ الْأَرْجَحُ يَبْقَى السُّدُسُ هُوَ فَرْضُ الْأَخِ لِلْأُمِّ، فَيَكُونُ الْجَدُّ أَوْلَى بِهِ كَالْمَالِكِيَّةِ، فَعَرَضْت مَا ظَهَرَ لِي عَلَى السَّيِّدِ قَاضِي الْجَمَاعَةِ. أَبِي عُمَرَ بْنِ مَنْظُورٍ. فَلَمْ يُوَافِقْنِي وَذَلِكَ غَدْوَةَ يَوْمٍ، ثُمَّ اجْتَمَعْت بِهِ عَشِيَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ جَمْعَ قَدْرٍ فَقَالَ لِي عَلَى الْبَدِيهَةِ بِذَكَاءٍ وَفَضْلٍ وَجَوْدَةِ قَرِيحَةٍ: خَالَفَك. أَبُو عُمَرَ بْنُ مَنْظُورٍ. وَنَاوَلَنِي تَقْيِيدًا فِيهِ بِخَطِّهِ فِي النَّازِلَةِ فَضَمِنَهُ وَمُضَمَّنُ مَا لِابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ لِلْفَرْضِيِّينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَيْنِ: الطَّرِيقَةُ الْأُولَى مَا كَانَ مَالِكٌ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ بِهَا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَهِيَ طَرِيقَةُ. أَبِي زَيْدٍ السُّهَيْلِيِّ. عَلَيْهَا بَنَى مَسَائِلَ الْجَدِّ، وَاعْتَمَدَهَا أَيْضًا صَاحِبُ نِهَايَةِ الْفَرَائِضِ لِلْمَهْدَوِيِّ وَأُتِيَ بِهَا فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ لِلْمَالِكِيَّةِ. وَقَدَّمَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي الْعَزْوِ وَقَالَ: إنَّهَا ظَاهِرُ الْمُوَطَّأِ لِقَوْلِهِ: الْجَدُّ أَوْلَى بِمَا لِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ لِأَنَّهُمْ سَقَطُوا مِنْ أَجْلِهِ. وَإِلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَيْضًا ذَهَبَ صَاحِبُ كِتَابِ غُنْيَةً الْبَاحِثِ. أَبُو عُمَرَ بْنُ مَنْظُورٍ. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ عَزَاهَا ابْنُ عَرَفَةَ لِلْقَرَافِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ مَعَ شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ. وَلَمْ يَعْزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمَا وَعَزَاهَا ابْنُ زَكَرِيَّا لِابْنِ خَرُوفٍ وَرَشَّحَهَا بِمَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُخْتَارُهُ فِي الْمَالِكِيَّةِ مُخْتَارَ ابْنِ يُونُسَ وَهُوَ لَمْ يَخْتَرْهُ. . (وَلِعَاصِبٍ وَرِثَ الْمَالَ أَوْ الْبَاقِي بَعْدَ الْفَرْضِ وَهُوَ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ) ابْنُ شَاسٍ: الْمُسْتَحِقُّ لِلْمِيرَاثِ بِالنَّسَبِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ: الْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ وَالْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ، وَالْمُسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ بِوَاسِطَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ: الْأَوَّلُ ذُكُورٌ يُنْسَبُونَ بِذُكُورٍ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الْعَصَبَةُ كَبَنِي الْبَنِينَ وَإِنْ سَفَلُوا، وَآبَاءُ الْآبَاءِ وَإِنْ عَلَوْا، وَالْإِخْوَةُ وَبَنِيهِمْ وَإِنْ بَعُدُوا، وَالْأَعْمَامُ وَبَنِيهِمْ وَإِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 590 بَعُدُوا. (وَعَصَّبَ كُلٌّ أُخْتَهُ) بَهْرَامَ: هَذَا تَكْرَارٌ (ثُمَّ الْأَبُ) ابْنُ زَكَرِيَّا: الْأَبُ لَا يُسْقِطُهُ حَجْبٌ فَإِنْ انْفَرَدَ فَلَهُ الْمَالُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ ذِي فَرْضٍ غَيْرِ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ فَلَهُ الْبَاقِي تَعْصِيبًا، وَإِنْ كَانَ مَعَ ابْنٍ أَوْ ابْنِ ابْنٍ أَوْ الْفَرْضِ الْمُسْتَغْرِقِ أَوْ الْقَلِيلِ فَلَهُ السُّدُسُ فَرْضًا. وَإِنْ كَانَ مَعَ بَنَاتٍ أَوْ بَنَاتِ ابْنٍ فَالسُّدُسُ فَرْضًا وَالْبَاقِي تَعْصِيبًا. (ثُمَّ الْجَدُّ) ابْنُ زَكَرِيَّا لَا يَحْجُبُ الْجَدَّ إلَّا الْأَبُ أَوْ جَدٌّ أَقْرَبُ وَحَالَاتُهُ سَبْعٌ: أَرْبَعٌ كَالْأَبِ، وَالْخَامِسَةُ مَعَ إخْوَةٍ أَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ التَّخْيِيرُ فِي الثُّلُثِ أَوْ الْمُقَاسَمَةُ، وَالسَّادِسَةُ مَعَهُمْ وَمَعَ ذِي فَرْضٍ التَّخْيِيرُ فِي السُّدُسِ أَوْ ثُلُثِ الْبَاقِي عَنْ الْفَرْضِ، أَوْ الْمُقَاسَمَةُ إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ، وَلِلسَّابِعَةِ بَعْضُهُ فِي مُقَاسَمَةِ الْأَشِقَّاءِ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ بُعْدُهُمْ لِلْأَبِ وَأَمٍّ لَمْ يَرِثُوا. (وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ الشَّقِيقُ) قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: صِنْفُ الْوَارِثِينَ سِتَّةَ عَشَرَ فَذَكَرَ الْأَبَ ثُمَّ الْجَدَّ ثُمَّ الشَّقِيقَ ثُمَّ الْأَبَ ابْنُ زَكَرِيَّا: مِيرَاثُ الْأَخِ الشَّقِيقِ بِالْقُرْآنِ وَيُسْقِطُهُ الْفَرْضُ الْمُسْتَغْرِقُ وَالْأَبُ وَيُسْقِطُهُ الْجَدُّ فِي غَيْرِ الشَّبِيهَةِ بِالْمَالِكِيَّةِ وَيُسْقِطُهَا أَيْضًا الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ، ثُمَّ إذَا وَرِثَ فَإِنْ انْفَرَدَ فَلَهُ الْمَالُ وَالْبَاقِي تَعْصِيبًا. (ثُمَّ الْأَبُ وَهُوَ كَالشَّقِيقِ فِي عَدَمِهِ) ابْنُ زَكَرِيَّا: الْأَخُ لِلْأَبِ يُسْقِطُ الشَّقِيقَ وَمَنْ حَجَبَهُ وَشَقِيقَهُ فَأَكْثَرَ مَعَ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ فَأَكْثَرَ وَحَالَاتُهُ كَالشَّقِيقِ فِي غَيْرِ الْمُشْتَرَكَةِ وَيَزِيدُ بِحَالَةٍ أُخْرَى الْبَاقِي مَعَ الشَّقِيقَةِ مُطْلَقًا أَوْ الشَّقِيقَاتِ فِي غَيْرِ الْعَادَةِ. (إلَّا فِي الْحِمَارِيَّةِ وَالْمُشْتَرَكَةِ زَوْجٌ وَأَمٌّ أَوْ جَدَّةٌ وَأَخَوَانِ فَصَاعِدًا لِأُمٍّ وَشَقِيقٌ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ فَيُشَارِكُونَ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ وَالذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ زِكْرَانَ الْأَخُ لِلْأَبِ يُخَالِفُ الْأَخَ الشَّقِيقَ فِي الْمُشْتَرَكَةِ وَتُسَمَّى أَيْضًا الْحِمَارِيَّةَ وَهِيَ: زَوْجٌ وَأَمٌّ أَوْ جَدَّةٌ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ. فَمَا زَادَ شَقِيقٌ وَأَخٌ فَمَا زَادَ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ نَفِدَ الْمَالُ وَلَمْ يَبْقَ لِلشَّقِيقِ شَيْءٌ، فَيَرْجِعُ الشَّقِيقُ عَلَى الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ وَيَقُولُ إنَّمَا وَرِثْتُمْ هَذَا الثُّلُثَ بِأُمِّكُمْ وَهِيَ أُمِّي فَيُقَاسِمُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ أَخٌ لِأُمٍّ وَيَذْكُرُ ذِكْرَ أَبِيهِ لِلضَّرُورَةِ قِيلَ: لَمَّا وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ زَمَنَ عُمَرَ قَضَى بِإِسْقَاطِهِمْ ثُمَّ نَزَلَتْ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى فَأَرَادَ إسْقَاطَهُمْ فَقَالَ لَهُ الشَّقِيقُ هَؤُلَاءِ اسْتَحَقُّوا الثُّلُثَ بِأُمِّهِمْ وَهِيَ أُمُّنَا أَيْضًا، فَهَبْ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حِمَارًا أَلَيْسَتْ الْأُمُّ تَجْمَعُنَا؟ فَقَضَى بَيْنَهُمْ بِالِاشْتِرَاكِ فَقَالَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذِهِ عَلَى مَا نَقْضِي، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْمُشْتَرَكَةُ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِيهَا. (وَأَسْقَطَ أَيْضًا الشَّقِيقَةَ الَّتِي كَالْعَاصِبِ لِبِنْتٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ فَأَكْثَرُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ زَكَرِيَّا أَنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ يُسْقِطُهُ شَقِيقَتُهُ فَأَكْثَرُ مَعَ بِنْتٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ فَأَكْثَرُ (ثُمَّ بَنُوهُمَا) ابْنُ زَكَرِيَّا: مِيرَاثُ ابْنِ الْأَخِ وَإِنْ سَفَلَ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَيُسْقِطُهُ ابْنُ أَخٍ أَعْلَى وَالْأَخُ لِلْأَبِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 591 وَمَنْ حَجَبَهُ وَالْجَدُّ وَأَخٌ لِأَبٍ فَأَكْثَرُ مَعَ الْبَنَاتِ وَمِيرَاثُ ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَإِنْ سَفَلَ بِهِمَا، وَيُسْقِطُهُ أَعْلَا مِنْهُ وَابْنُ أَخٍ شَقِيقٍ فِي دَرَجَتِهِ وَمَنْ حَجَبَهُ. (ثُمَّ الْعَمُّ الشَّقِيقُ ثُمَّ لِلْأَبِ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَإِنْ غَيْرُ شَقِيقٍ وَقُدِّمَ مَعَ التَّسَاوِي الشَّقِيقُ مُطْلَقًا) ابْنُ زَكَرِيَّا: مِيرَاثُ الْعَمِّ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَيُسْقِطُهُ ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَمِيرَاثُ ابْنِ الْعَمِّ وَإِنْ سَفَلَ بِهِمَا، وَيُسْقِطُهُ أَعْلَا مِنْهُ وَالْعَمُّ وَمَنْ حَجَبَهُ وَمِيرَاثُ أَخِي الْجَدِّ بِهِمَا وَيُسْقِطُهُ ابْنُ الْعَمِّ وَمَنْ حَجَبَهُ، وَمِيرَاثُ ابْنِ أَخِي الْجَدِّ. وَإِنْ سَفَلَ بِهِمَا وَيُسْقِطُهُ أَعْلَا مِنْهُ وَأَخُو الْجَدِّ وَمَنْ حَجَبَهُ، وَذُو الْقُرْبَتَيْنِ مِنْهُمْ يُسْقِطُ ذَا الْقُرْبَةِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْمَرْتَبَةِ، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: الْأَقْرَبُ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى يَحْجُبُ الْأَبْعَدَ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَتَيْنِ، وَحَالَاتُ كُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُ: الْحَالُ بِالِانْفِرَادِ وَالْمُقَاسَمَةُ بِالسَّوَاءِ فِي التَّعَدُّدِ وَفِيمَا بَقِيَ الْحَالَتَانِ. (ثُمَّ الْمُعْتِقُ كَمَا تَقَدَّمَ) ابْنُ زَكَرِيَّا: مِيرَاثُ مَوْلَى النِّعْمَةِ بِالسَّنَةِ وَيَسْقُطُ بِذِي نَسَبٍ وَمِيرَاثُ مَوْلَى الْوَلَاءِ بِهِمَا وَيَسْقُطُ بِهِمَا وَحَالَاتُهُمَا أَرْبَعٌ: الْمَالُ فِي الِانْفِرَادِ وَالْمُقَاسَمَةُ بِالسَّوَاءِ فِي التَّعَدُّدِ وَفِيهَا بَقِيَ الْحَالَتَانِ. (ثُمَّ بَيْتُ الْمَالِ وَلَا يُرَدُّ وَلَا يُدْفَعُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ) قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَكَذَلِكَ بَيْتُ الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ وَالْمَوَالِي. قَالَ ابْنُ عَلَاقٍ: يَعْنِي أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ كَالْعَصَبَةِ يَأْخُذُ جَمِيعَ الْمَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ أَوْ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْفُرُوضِ. قَالَ: وَفِي هَذَا الْأَصْلِ اخْتِلَافٌ. قَدْ قَالَ أَشْهَبُ: لَا بُدَّ لِكُلِّ مَيِّتٍ مِنْ وَارِثٍ بِعَيْنِهِ فَيُوقَفُ فَإِنْ يَئِسَ مِنْهُ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى ذِمَّتِهِ وَلَا يَكُونُ فَيْئًا. وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: يُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ ابْنُ الْكَاتِبِ: وَهَذَا أَصَحُّ. وَيَلْزَمُ أَشْهَبَ أَنْ لَا مِيرَاثَ لِلْمَوَالِي. وَقَالَ الطُّرْطُوشِيُّ: مَا فَضَلَ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ يُرَدُّ لِبَيْتِ الْمَالِ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَذَا إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا وَإِلَّا رُدَّ الْفَاضِلُ عَنْ ذَوِي السِّهَامِ عَلَيْهِمْ وَيُوَرَّثُ مَعَهُمْ ذَوُو الْأَرْحَامِ، وَإِذَا فَرَضْنَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَهَلْ يَكُونُ بَيْتُ الْمَالِ حِينَئِذٍ كَوَارِثٍ قَائِمِ النَّسَبِ أَوْ إنَّمَا هُوَ كَالْحَائِزِ لِلْمَالِ الضَّائِعِ؟ بَنَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ هَذَا بِأَنَّ مَنْ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. اُنْظُرْ نَوَازِلَ الْبُرْزُلِيُّ. ابْنُ عَرَفَةَ: أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَفَعَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 592 أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو فَارِسٍ إلَى قَاضِي الْجَمَاعَةِ فَاجْتَمَعْنَا وَرَدَّ الْقَاضِي مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ عَمَلَ الْقُضَاةِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ مَنْ حَضَرَ وَأَنَا مَعَهُمْ. وَهَذَا بَيِّنٌ لِأَنَّ أَبَا فَارِسٍ أَعْدَلُ أُمَرَاءِ وَقْتِهِ وَأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ كَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي وَقْتِهِ عَلَى نِسْبَةِ كُلِّ زَمَنٍ وَأَهْلِهِ. ابْنُ عَلَاقٍ: وَيُبْنَى عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا الْإِقْرَارُ بِوَارِثٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَرِثُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ. وَقَالَ سَحْنُونَ: وَبَيْتُ الْمَالِ كَالنَّسَبِ الْقَائِمِ فَلَا مِيرَاثَ لِلْمُقِرِّ بِهِ. (وَيَرِثُ بِفَرْضٍ وَعُصُوبَةٍ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ مَعَ بِنْتٍ وَإِنْ سَفْلَتَ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ الْأَبُ أَنَّ لَهُ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ السُّدُسَ فَرْضًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 593 وَالْبَاقِي تَعْصِيبًا. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: ثُمَّ الْجَدُّ أَنَّ حَالَتَهُ فِي ذَلِكَ حَالَةُ الْأَبِ. [أَسْبَاب الأرث] (كَابْنِ عَمٍّ أَخٍ لِلْأُمِّ) ابْنُ عَلَاقٍ: أَسْبَابُ الْإِرْثِ قَرَابَةٌ وَنِكَاحٌ وَوَلَاءٌ، وَقَدْ تَجْتَمِعُ أَوْ بَعْضُهَا فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ كَمَنْ اشْتَرَى بِنْتَ عَمِّهِ وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا لَكِنْ لَا يَرِثُ هُنَا بِالْوَلَاءِ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ. وَالْأَخُ لِلْأُمِّ إنْ كَانَ ابْنَ عَمٍّ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ إنْ كَانَ ابْنُ عَمِّهِ أَوْ مَوْلًى، وَكَذَا الْبِنْتُ إذَا اشْتَرَتْ أَبَاهَا وَأَخَاهَا فَإِنَّهَا تَرِثُ بِالْفُرُوضِ وَالتَّعْصِيبِ. قَالَ الرَّاجِزُ: فَصْلٌ وَكُلُّ ذَكَرٍ فَعَاصِبٌ ... يَحْوِي جَمِيعَ الْمَالِ أَمْرٌ لَازِبٌ إلَّا أَخًا لِأُمٍّ أَوْ زَوْجًا فَلَا ... يَسْتَوْفِيَانِ فَرْضًا حَصَلَا إلَّا إذَا كِلَاهُمَا كَانَ ابْنَ عَمٍّ ... فَإِنَّهُ قَدْ خُصَّ فِي ذَاكَ وَعَمَّ وَقَدْ يَكُونَانِ جَمِيعًا مَوْلَيَيْنِ ... فَيَرِثَانِ فَاعْلَمَن بِالْجِهَتَيْنِ وَهَكَذَا مِثْلُهُمَا أَبٌ وَجَدٌّ ... مَعَ ذِي السِّهَامِ لَا مَعَ الْوَلَدِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 595 (وَيُورَثُ ذَوُو فَرْضَيْنِ بِالْأَقْوَى وَإِنْ اتَّفَقَ فِي الْمُسْلِمِينَ كَأُمٍّ وَبِنْتٍ أُخْتٍ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا اجْتَمَعَ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ سَبَبَانِ يُورَثُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَرْضًا مُقَدَّرًا فَإِنَّهُ يَرِثُ بِأَقْوَاهُمَا وَيَسْقُطُ الْأَضْعَفُ، سَوَاءٌ اتَّفَقَ ذَلِكَ فِي الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي الْمَجُوسِ. وَذَلِكَ الْأُمُّ أَوْ الْبِنْتُ تَكُونُ أُخْتًا وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ ابْنَ الْعَمِّ يَكُونُ أَخًا لِأُمٍّ لِأَنَّهُ بِكَوْنِهِ ابْنَ الْعَمِّ لَا يَرِثُ فَرْضًا مُقَدَّرًا وَإِنَّمَا يَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ. ابْنُ عَلَاقٍ: فَلَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ بِنْتَه فَوُلِدَ لَهُ مِنْهَا بِنْتٌ فَإِنْ مَاتَتْ الْعُلْيَا فَتَرِثُهَا السُّفْلَى بِالْبُنُوَّةِ وَلَا تَرِثُهَا بِالْأُخُوَّةِ، وَإِنْ مَاتَتْ السُّفْلَى فَإِنَّ الْعُلْيَا تَرِثُهَا بِالْأُمُومَةِ وَتُلْغَى الْأُخُوَّةُ. (وَمَالُ الْكِتَابِيِّ الْحُرِّ الْمُؤَدِّي لِلْجِزْيَةِ لِأَهْلِ دِينِهِ مِنْ كُورَتِهِ) ابْنُ شَاسٍ: إنَّمَا يَكُونُ مِيرَاثُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا وَارِثَ لَهُ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُحَازُ لَهُ مِنْ وَصِيَّتِهِ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَنْوَةِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ وَالْجِزْيَةِ عَلَى جَمَاجِمِهِمْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ وَالْجِزْيَةِ مُجْمَلَةٌ عَلَيْهِمْ لَا يُنْقَصُونَ مِنْهَا بِمَوْتِ مَنْ مَاتَ وَلَا بِعُدْمِ مَنْ أَعْدَمَ فَمِيرَاثُهُ لِأَهْلِ دِينِهِ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. [بَاب فِي أُصُول الْحِسَاب وَبَيَان الْمَخَارِج] (وَالْأُصُولُ اثْنَانِ وَأَرْبَعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَسِتَّةٌ وَاثْنَا عَشَرَ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَالنِّصْفُ مِنْ اثْنَيْنِ وَالرُّبُعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَالثُّمُنُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَالثُّلُثُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالسُّدُسُ مِنْ سِتَّةٍ وَالثُّمُنُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ اشْتَمَلْت الْمَسْأَلَةَ عَلَى ذِي فَرْضٍ مُقَدَّرٍ فَالْأُصُولُ الَّتِي تَنْشَأُ عَنْهَا مَسَائِلُ الْفَرْضِ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ سَبْعَةُ أَعْدَادٍ: الِاثْنَانِ وَضِعْفُهُمَا وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ وَضِعْفُهَا وَهُوَ الثَّمَانِيَةُ، وَالثَّلَاثَةُ وَضِعْفُهَا وَهُوَ السِّتَّةُ وَضِعْفُهَا وَهِيَ الِاثْنَا عَشَرَ وَضِعْفُهَا وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ، وَلَا مَخْرَجَ لَهَا عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ سِوَى هَذِهِ. وَمَقْصُودُ الْفَرْضِيِّينَ بِتَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَخَارِجِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا قِسْمَةُ السِّهَامِ عَلَى أَعْدَادٍ صِحَاحٍ مِنْ غَيْرِ كَسْرٍ. وَالثَّانِي طَلَبُ أَقَلِّ عَدَدٍ تَصِحُّ فِيهِ فَيُعَوِّلُونَ عَلَيْهِ، فَالِاثْنَانِ لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ اشْتَمَلَتْ عَلَى نِصْفٍ وَنِصْفٍ كَزَوْجٍ وَأُخْتٍ، أَوْ عَلَى النِّصْفِ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجٍ وَأَخٍ، وَالْأَرْبَعَةُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ اشْتَمَلَتْ عَلَى أَرْبَعٍ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجٍ وَابْنٍ أَوْ رُبُعٍ وَنِصْفٍ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجٍ وَبِنْتٍ وَأَخٍ أَوْ رُبُعٌ وَثُلُثٌ مَا بَقِيَ كَزَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ. وَالثَّمَانِيَةُ لِكُلِّ فَرْضٍ فِيهَا ثُمُنٌ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجَةٍ وَابْنٍ أَوْ ثُمُنٌ وَنِصْفٌ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَأَخٍ. وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ فَلِكُلِّ فَرِيضَةٍ فِيهَا ثُلُثٌ وَثُلُثَانِ كَإِخْوَةٍ لِأُمٍّ وَأَخَوَاتٍ شَقَائِقَ أَوْ لِأَبٍ أَوْ ثُلُثٌ وَمَا بَقِيَ كَأُمٍّ وَأَخٍ أَوْ ثُلُثَانِ، وَمَا بَقِيَ كَبِنْتَيْنِ وَعَمٍّ. وَالسِّتَّةُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فِيهَا سُدُسٌ وَمَا بَقِيَ كَجَدَّةٍ وَابْنٍ أَوْ سُدُسٌ وَثُلُثٌ وَمَا بَقِيَ كَجَدَّةٍ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأَخٍ لِأَبٍ أَوْ سُدُسٌ وَثُلُثَانِ، وَمَا بَقِيَ كَأُمٍّ وَبِنْتَيْنِ وَأَخٍ أَوْ نِصْفٌ وَثُلُثٌ وَمَا بَقِيَ كَأُخْتٍ وَأُمٍّ وَابْنِ أَخٍ. وَالِاثْنَا عَشَرَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فِيهَا رُبُعٌ وَثُلُثٌ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ أَوْ رُبُعٌ وَسُدُسٌ، وَمَا بَقِيَ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَابْنٍ أَوْ رُبُعٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 596 وَثُلُثَانِ، وَمَا بَقِيَ كَزَوْجٍ وَبِنْتَيْنِ وَأَخٍ. وَالْأَرْبَعَةُ وَعِشْرُونَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فِيهَا ثُمُنٌ وَسُدُسٌ، وَمَا بَقِيَ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَابْنٍ وَرُبُعٌ وَثُمُنٌ وَثُلُثَانِ، وَمَا بَقِيَ كَزَوْجٍ وَبِنْتَيْنِ وَأَخٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الثُّمُنِ وَالثُّلُثِ. (وَمَا لَا فَرْضَ فِيهَا فَأَصْلُهَا عَدَدُ عَصَبَتِهَا وَضُعِّفَ لِلذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى) ابْنُ شَاسٍ: الْمَسْأَلَةُ الْوَاقِعَةُ إنْ تَجَرَّدَ فِيهَا الْعَصَبَةُ فَالْعَدَدُ الَّذِي تَصِحُّ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ يُؤْخَذُ مِنْ أَعْدَادِهِمْ، فَإِنْ تَمَحَّضُوا ذُكُورًا فَالْمَسْأَلَةُ تُقَامُ مِنْ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَإِنَّ عَدَدَ الْإِنَاثِ ضِعْفُ عَدَدِ الذُّكُورِ لِأَنَّ الذَّكَرَ فِي التَّعْصِيبِ بِاثْنَيْنِ. (وَإِنْ زَادَتْ الْفُرُوضُ أُعِيلَتْ) قَالَ الرَّاجِزُ: وَإِنْ تَكَاثَرَتْ عَلَى الْعَالِ الْفُرُوضُ ... وَلَمْ يَكُنْ بِكُلِّهَا لَهُ نُهُوضٌ فَذَاكَ مَا يَنْشَأُ مِنْهُ الْعَوْلُ ... حَسْبَمَا يَكُونُ فِيهِ الْقَوْلُ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: غَيْرُ الْعَائِلِ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَالثَّمَانِيَةُ وَالْعَائِلَةُ مِنْهَا هِيَ السِّتَّةُ وَضِعْفُهَا وَضِعْفُ ضِعْفِهَا. (فَالْعَائِلُ السِّتَّةُ لِسَبْعَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَتِسْعَةٍ وَعَشَرَةٍ) ابْنُ شَاسٍ: تَعُولُ السِّتَّةُ بِسُدُسِهَا إلَى السَّبْعَةِ كَأَخَوَاتِ الْأَبِ وَأَخَوَاتِ الْأُمِّ وَجَدَّةٍ، وَبِثُلُثِهَا إلَى ثَمَانِيَة كَزَوْجَيْنِ وَالسِّتِّينَ لِأَبٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ، وَبِنِصْفِهَا إلَى تِسْعَةٍ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ، وَبِثُلُثَيْنِ إلَى عَشَرَةٍ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَجَدَّةٍ. (وَالِاثْنَا عَشَرَ لِثَلَاثَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ) ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا الِاثْنَا عَشَرَ فَتَعُولُ بِالْأَوْتَارِ دُونَ الْأَشْفَاعِ، فَتَعُولُ بِنِصْفِ سُدُسِهَا، إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَزَوْجَةٍ وَأُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَبِرُبُعِهَا إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ كَأَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَأَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَزَوْجَةٍ، وَبِرُبُعِهَا وَسُدُسِهَا إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ إذَا زِيدَ فِي الْمِثَالِ جَدَّةٌ وَهُوَ نِهَايَةُ عَوْلِهَا. (وَالْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ لِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَهِيَ الْمِنْبَرِيَّةُ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ وَابْنَتَانِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَارَ ثُمُنُهَا تِسْعًا) ابْنُ شَاسٍ: وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ فَتَعُولُ بِثُمُنِهَا إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ لَا غَيْرُ. مِثَالُ عَوْلِهَا بِنْتَانِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 597 وَأَبَوَانِ وَزَوْجَةٌ، فَيُعَالُ لَهَا بِالثُّمُنِ وَهِيَ الْمُلَقَّبَةُ بِالْمِنْبَرِيَّةِ. قِيلَ: إنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْهَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ عَلَى الِارْتِجَالِ: صَارَ ثُمُنُهَا تِسْعًا. وَسُمِّيَتْ الْفَرِيضَةُ عَائِلَةً مِنْ الزِّيَادَةِ إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهَا فُرُوضٌ لَا يَفِي بِهَا جُمْلَةُ الْمَالِ وَلَمْ يُمْكِنُ إسْقَاطُ بَعْضِهَا مِنْ غَيْرِ حَاجِبٍ وَلِلتَّخْصِيصِ بَعْضِ ذَوِي الْفُرُوضِ بِالنَّقْصِ دُونَ بَعْضٍ، فَيَزِيدُ فِي الْفَرِيضَةِ سِهَامٌ حَتَّى يَتَوَزَّعَ النَّقْصُ عَلَى الْجَمِيعِ إلْحَاقًا لِأَصْحَابِ الْفُرُوضِ بِأَصْحَابِ الدُّيُونِ فَسُمِّيَ ذَلِكَ عَوْلًا. (وَرُدَّ كُلُّ صِنْفٍ انْكَسَرَتْ عَلَيْهِ سِهَامُهُ إلَى وَفْقِهِ وَإِلَّا تُرِكَ) مَعْلُومٌ أَنَّ الرُّءُوسَ إنْ كَانَتْ مِثْلَ عَدَدِ السَّهْمِ أَوْ كَانَ عَدَدُهَا دَاخِلًا فِي عَدَدِ السَّهْمِ فَالسِّهَامُ مَقْسُومَةٌ عَلَيْهَا بِلَا نَظَرٍ فِي السِّهَامِ مَعَ الرُّءُوسِ إلَّا فِي التَّبَايُنِ وَالتَّوَافُقِ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: فَإِذَا انْقَسَمَتْ سِهَامُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَصْنَافِ الْوَرَثَةِ فَقَدْ صَحَّتْ مِنْ أَصْلِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ عَائِلَةً أَمْ لَا. قَالَ ابْنُ الشَّاطّ: فَمَتَى وَقَعَ الِانْكِسَارُ عَلَى فَرِيقٍ فَإِنْ وَافَقَ عَدَدُهُمْ عَدَدَ سِهَامِهِمْ ضُرِبَ عَدَدُ وَفْقِهِمْ فِي الْمَقَامِ أَوْ فِي مُنْتَهَى الْعَوْلِ، وَإِنْ بَايَنَ عَدَدُهُمْ عَدَدَ سِهَامِهِمْ ضُرِبَ عَدَدُهُمْ فِي ذَلِكَ. ابْنُ عَلَاقٍ: مِثَالُ مُوَافَقَةِ عَدَدِ الْحِصَّةِ لِعَدَدِ الرُّءُوسِ مَنْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَابْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ وَتَضْرِبُ فِي هَذَا الْمِثَالِ الْوَفْقَ فِي الْمَقَامِ، وَمِثَالُ ضَرْبِ الْوَفْقِ فِيمَا عَالَتْ إلَيْهِ مَنْ تَرَكَ زَوْجَةً وَسِتَّةَ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَأُخْتًا شَقِيقَةً وَأُخْتًا لِأَبٍ. وَمِثَالُ مُبَايِنَةِ عَدَدِ الْحِصَّةِ لِعَدَدِ الرُّءُوسِ مَنْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأَبًا وَأُمًّا وَابْنًا وَبِنْتًا. وَمِثَالُ مَا يَقَعُ الضَّرْبُ فِيمَا عَالَتْ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ مَنْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَخَمْسَ أَخَوَاتٍ تَصِحُّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ. (وَقَابِلْ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَخُذْ أَحَدَ الْمِثْلَيْنِ وَأَكْثَرَ الْمُتَدَاخِلَيْنِ وَحَاصِلُ ضَرْبِ أَحَدِهِمَا فِي وَفْقِ الْآخَرِ إنْ تَوَافَقَا وَإِلَّا فَفِي كُلِّهِ إنْ تَبَايَنَا) ابْنُ شَاسٍ: إنْ وَقَعَ الِانْكِسَارُ عَلَى صِنْفَيْنِ فَتُعْتَبَرُ عَدَدُ رُءُوسِ كُلِّ صِنْفٍ مَعَ سِهَامِهِ مِنْ حَيْثُ الْمُبَايِنَةِ وَالْمُوَافَقَةِ خَاصَّةً، فَمَا وَافَقَ سِهَامَهُ أَقَمْنَا وَفْقَهُ مَقَامَهُ، وَمَا بَايَنَهَا تَرَكْنَا الرُّءُوسَ عَلَى حَالِهَا. ثُمَّ تَنْظُرُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ الْحَاصِلَيْنِ أَعْنِي الْوَفْقَيْنِ أَوْ الْكَامِلَيْنِ أَوْ الرُّءُوسَ وَالْوَفْقَ وَتُعْتَبَرُ نِسْبَةُ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ فِي أَرْبَعَةٍ: فِي التَّمَاثُلِ وَالتَّدَاخُلِ وَالتَّبَايُنِ وَالتَّوَافُقِ. فَإِنْ تَمَاثَلَا اقْتَصَرْنَا عَلَى أَحَدِهِمَا وَضَرَبْنَاهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ تَدَاخَلَا اقْتَصَرْنَا عَلَى الْأَكْثَرِ وَضَرَبْنَاهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ تَوَافَقَا ضَرَبْنَا وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ، ثُمَّ مَا اجْتَمَعَ فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ تَبَايَنَا ضَرَبْنَا جُمْلَةَ أَحَدِهِمَا فِي جُمْلَةِ الْآخَرِ، ثُمَّ مَا اجْتَمَعَ فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فَمَا انْتَهَى إلَيْهِ الضَّرْبُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَمِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الصِّنْفَيْنِ جَمِيعًا. وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ تُعْرَضُ عَلَيْهِ الْأَحْوَالُ الْأَرْبَعَةُ فَتَتَضَاعَفُ بِهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً، وَيَظْهَرُ تَفْصِيلُ مَا أَجْمَلَ بِالتَّمْثِيلِ. الْمِثَالُ الْأَوَّلُ أُمٌّ وَأَرْبَعُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَسِتَّةُ إخْوَةٍ لِأَبٍ تَصِحُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ. الثَّانِي جَدَّةٌ وَثَمَانِيَةُ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَسِتَّةُ إخْوَةٍ لِأَبٍ تَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ الثَّالِثُ أُمٌّ وَثَمَانِيَةُ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ ابْنِ عَمٍّ تَصِحُّ مَنْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ. الرَّابِعُ أُمٌّ وَسِتُّ أَخَوَاتٍ أَشِقَّاءَ وَأَرْبَعَةُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ تَصِحُّ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ. الْخَامِسُ جَدَّتَانِ وَزَوْجَتَانِ وَأَخَوَانِ لِأَبٍ تَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ السَّادِسُ زَوْجَتَانِ وَبِنْتٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 598 وَأَرْبَعَةُ إخْوَةٍ لِأَبٍ تَصِحُّ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ. السَّابِعُ تِسْعُ بَنَاتٍ وَسِتَّةُ إخْوَةٍ لِأَبٍ تَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ. الثَّامِنُ ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ وَشَقِيقَتَانِ وَعَاصِبَانِ تَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ. التَّاسِعُ أُمٌّ وَسِتُّ بَنَاتٍ وَثَلَاثُ بَنِي ابْنٍ تَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. الْعَاشِرُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَسِتُّ إخْوَةٍ لِأَبٍ تَصِحُّ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ. الْحَادِيَ عَشَرَ ثَمَانِ بَنَاتٍ وَسِتَّةُ بَنِي ابْنٍ تَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ. الثَّانِي عَشَرَ أَرْبَعُ بَنَاتٍ وَابْنُ ابْنٍ وَبِنْتُ ابْنٍ تَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. (ثُمَّ بَيْنَ الْحَاصِلِ وَالثَّالِثِ) ابْنُ شَاسٍ: فَإِنْ وَقَعَ الِانْكِسَارُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ فَاخْتَلَفَ الْحِسَابُ عَلَى طَرِيقَتَيْنِ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ طَرِيقَةً وَجِيزَةً مُغْنِيَةً عَنْ التَّطْوِيلِ فَقَالَ: يُجْعَلُ النَّظَرُ بَيْنَ صِنْفَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الِانْكِسَارُ إلَّا عَلَيْهِمَا خَاصَّةً، فَتُعْمِلُ فِيهِمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَمَلَهُ فِي الِانْكِسَارِ عَلَى صِنْفَيْنِ حَتَّى إذَا انْتَهَيْت فِي الْإِقَامَةِ إلَى عَدَدِ الْمُنْكَسِرِينَ أَعْنِي الَّذِي يُضْرَبُ فِي أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ نَظَرْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدَدِ الثَّالِثِ الْبَاقِي، ثُمَّ عَمِلْنَا فِيهِ مَا عَمِلْنَاهُ فِي الْعَدَدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. فَمَا انْتَهَى إلَيْهِ الْعَمَلُ وَحَصَلَ مِنْ مَبْلَغِ الضَّرْبِ جَعَلْنَاهُ عَدَدَ الْمُنْكَسِرِينَ هَاهُنَا وَضَرَبْنَاهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، فَمَا انْتَهَى إلَيْهِ الضَّرْبُ فَمِنْهُ تَصِحُّ اهـ. وَمَا ذَكَرَ ابْنُ الشَّاطِّ إلَّا هَذِهِ الطَّرِيقَةَ خَاصَّةً قَائِلًا: ثُمَّ نُظِرَ فِي عَدَدَيْنِ إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ نُظِرَ فِي أَنَّ ذَلِكَ اسْتَقَرَّ مَعَ الْعَدَدِ الثَّالِثِ كَمَا فِي الْعَدَدَيْنِ مِنْهَا، ثُمَّ اسْتَقَرَّ نَظَرٌ فِيهِ كَذَلِكَ مَعَ الرَّابِعِ أَيْضًا، ثُمَّ كَذَلِكَ إلَى تَمَامِ الْأَعْدَادِ وَعِنْدَ ذَلِكَ فَيُضْرَبُ الْمَبْلَغُ فِي الْمَقَامِ أَوْ فِي الْمُنْتَهَى. (ثُمَّ كَذَلِكَ وَضُرِبَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْعَوْلِ أَيْضًا) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الشَّاطِّ: ثُمَّ كَذَلِكَ أَيْ تَضْرِبُ الْمَبْلَغَ فِي الْمَقَامِ أَوْ فِي الْمُنْتَهَى. (وَفِي الصِّنْفَيْنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ صُورَةً لِأَنَّ كُلَّ صِنْفٍ إمَّا أَنْ يُوَافِقَ سِهَامَهُ أَوْ يُبَايِنَهَا أَوْ يُوَافِقَ أَحَدَهُمَا وَيُبَايِنَ الْآخَرَ ثُمَّ كُلٌّ إمَّا أَنْ يَتَدَاخَلَا أَوْ يَتَوَافَقَا أَوْ يَتَمَاثَلَا أَوْ يَتَبَايَنَا) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ: مَا تَبَيَّنَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ تَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْأُصُولُ الْأَرْبَعَةُ. اُنْظُرْ مَثَلَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: " ثُمَّ بَيْنَ الْحَاصِلِ وَالثَّالِثِ ". (وَالتَّدَاخُلُ أَنْ يُفْنِيَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَوْ لَا فَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ فَتَبَايَنَ وَإِلَّا فَالْمُوَافَقَةُ بِنِسْبَةِ الْفَرْدِ لِلْعَدَدِ الْمُفْنِي) ابْنُ الشَّاطِّ: كُلُّ عَدَدَيْنِ عُورِضَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَمَاثَلَا أَوْ يَتَدَاخَلَا أَوْ يَتَوَافَقَا أَوْ يَتَبَايَنَا. فَالْمُدَاخَلَةُ أَنْ يَكُونَ أَصْغَرُهُمَا جُزْءًا وَاحِدًا مِنْ أَكْبَرِهِمَا، وَالْمُبَايِنَةُ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُ الْوَاحِدِ بَعْدَهُمَا، وَالْمُمَاثَلَةُ أَنْ يَتَسَاوَيَا وَالْمُوَافَقَةُ هِيَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءٌ سُمِّيَ بِنِسْبَةِ الْوَاحِدِ مِنْ عَدَدٍ يَعُدُّهُمَا، فَإِنْ كَانَ يَعُدُّهُمَا عَدَدَانِ أَوْ أَعْدَادٌ فَالْمُعْتَبَرُ أَكْبَرُ الْعَدَدَيْنِ أَوْ الْأَعْدَادِ، وَمَتَى قُسِّمَا عَلَى الْعَدَدِ الَّذِي يَعُدُّهُمَا أَوْ عَلَى الْمُعْتَبَرِ مِنْ الْعَدَدَيْنِ أَوْ الْأَعْدَادِ فَالْخَارِجُ يُسَمَّى الْوَفْقُ وَالرَّاجِعُ أَيْضًا. ابْنُ عَلَاقٍ: قَوْلُهُ " فَالْمُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الْعَدَدَيْنِ " مِثَالُهُ الِاثْنَا عَشَرَ وَالسِّتَّةَ عَشَرَ تَعُدُّهُمَا الْأَرْبَعَةُ وَتَعُدُّهُمَا الِاثْنَانِ، فَمَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُنَاظَرَةِ إلَّا الْأَرْبَعَةُ الَّتِي هِيَ أَكْبَرُ الْعَدَدَيْنِ فَتُوُفِّقَ بَيْنَهُمَا بِالرُّبْعِ لَا بِالنِّصْفِ. [بَاب حِسَاب الْمُنَاسَخَات وَقِسْمَة التَّرِكَات] (وَلِكُلٍّ مِنْ التَّرِكَةِ بِنِسْبَةِ حَظِّهِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ) ابْنُ الشَّاطِّ: عَمَلُ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ أَنْ يُسَمَّى نَصِيبُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 599 كُلُّ وَارِثٍ مِنْ الْمَسْأَلَةِ وَمَثَلُ ذَلِكَ الِاسْمُ لَهُ مِنْ التَّرِكَةِ. ابْنُ عَلَاقٍ: وَمِثَالُ هَذَا مَنْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَتَرَكَتْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا وَأَرَدْت قَسْمَهَا عَلَى الْوَرَثَةِ، فَتَعْمَلُ الْمَسْأَلَةَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ: ثَلَاثَةٌ لِلزَّوْجِ، وَاثْنَانِ لِلْأُمِّ وَثَلَاثَةٌ لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ. فَإِذَا قَسَمْت الْأَرْبَعَةَ وَالْعِشْرِينَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّك تَقُولُ سِهَامُ الزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ فَتُسَمِّيهَا مِنْ الثَّمَانِيَةِ عَدَدِ الْمَسْأَلَةِ تَكُونُ ثَلَاثَةَ أَثْمَانٍ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ التَّرِكَةِ بِتِسْعَةٍ، وَكَذَلِكَ لِلْأُخْتِ مِثْلُهُ وَتَقُولُ بِيَدِ الْأُمِّ اثْنَانِ فَتُسَمِّيهَا مِنْ الثَّمَانِيَةِ تَجِدُهَا رُبُعًا فَلَهَا رُبُعُ التَّرِكَةِ وَذَلِكَ سِتَّةٌ. (أَوْ تَقْسِمُ التَّرِكَةَ عَلَى مَا صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: هَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الْمُخْتَارُ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الْوَقْتِ وَهُوَ أَنْ تَقْسِمَ عَدَدَ التَّرِكَةِ عَلَى الْعَدَدِ الَّذِي انْقَسَمَتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ، فَمَا خَرَجَ مِنْ الْقِسْمَةِ ضَرَبْته فِيمَا بِيَدِ كُلِّ وَارِثٍ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ الَّذِي يَجِبُ لَهُ مِنْ التَّرِكَةِ. (كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأُخْتٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ وَالتَّرِكَةُ عِشْرُونَ وَالثَّلَاثَةُ مِنْ الثَّمَانِيَةِ رُبُعٌ وَثُمُنٌ فَيَأْخُذُ سَبْعَةً وَنِصْفًا وَإِنْ أَخَذَ أَحَدُهُمْ عَرْضًا فَأَخَذَهُ بِسَهْمِهِ وَأَرَدْت مَعْرِفَةَ قِيمَتِهِ فَاجْعَلْ الْمَسْأَلَةَ سِهَامَ غَيْرِ الْآخِذِ ثُمَّ اجْعَلْ لِسِهَامِهِ مِنْ تِلْكَ النِّسْبَةِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ وَالتَّرِكَةُ عِشْرُونَ. فَنِسْبَةُ الثَّلَاثَةِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ رُبُعٌ وَثُمُنٌ، فَتَأْخُذُ رُبُعَ وَثُمُنَ الْعِشْرِينَ وَهُوَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ، فَإِنْ كَانَ مَعَ التَّرِكَةِ عَرْضٌ فَأَخَذَهُ وَارِثٌ بِحِصَّتِهِ فَأَرَدْت مَعْرِفَةَ نِسْبَتِهِ فَاجْعَلْ الْمَسْأَلَةَ سِهَامَ غَيْرِ الْآخِذِ. ثُمَّ اجْعَلْ سِهَامَهُ مِنْ تِلْكَ النِّسْبَةِ بِمَا حَصَلَ فَهُوَ ثُمُنُ الْعَرْضِ، فَإِذَا أَخَذَ الزَّوْجُ الْعَرْضَ بِحِصَّتِهِ فَاجْعَلْ النِّسْبَةَ خَمْسَةً لِكُلِّ سَهْمٍ أَرْبَعَةٌ، ثُمَّ اجْعَلْ لِلزَّوْجِ أَرْبَعَةً فِي ثَلَاثَةٍ تَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ وَهُوَ ثُمُنُهُ فَتَكُونُ التَّرِكَةُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَلَاقٍ هَذَا الْمِثَالَ بِعَيْنِهِ: زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ وَتَرَكَتْ دَارًا وَعِشْرِينَ دِينَارًا. فَاجْتَمَعَ الْوَرَثَةُ عَلَى أَنْ أَخَذَ الزَّوْجُ الدَّارَ وَأَخَذَتْ الْأُمُّ وَالْأُخْتُ عِشْرِينَ دِينَارًا، فَإِذَا أَرَدْنَا قِسْمَةَ الدَّنَانِيرِ عَلَى الْأُخْتِ وَالْأُمِّ جَمَعْنَا سِهَامَهُمَا فَكَانَتْ خَمْسَةً وَبِيَدِ الْأُمِّ اثْنَانِ وَأَسْهُمُهَا مِنْ الْخَمْسَةِ خُمُسَانِ، فَلَهَا خُمُسَا الدَّنَانِيرِ وَبِيَدِ الْأُخْتِ ثَلَاثَةٌ وَأَسْهُمُهَا مِنْ الْخَمْسَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدَّنَانِيرِ، فَإِذَا أَرَدْنَا قِيمَةَ مَعْرِفَةَ قِيمَةِ الدَّارِ فَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: نَقْسِمُ عَدَدَ الْعَيْنِ عَلَى سِهَامِ مَنْ أَخَذَهُ وَالْخَارِجُ فِي الْقِسْمَةِ تَضْرِبُهُ فِي سِهَامِ آخِذِ الدَّارِ، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ قِيمَةُ الدَّارِ، فَتُقْسَمُ هُنَا الْعِشْرِينَ عَدَدِ الدَّنَانِيرِ عَلَى خَمْسَةٍ سِهَامِ الْأُخْتِ مِنْ الْأُمِّ يَخْرُجُ أَرْبَعَةٌ فَتَضْرِبُهَا فِي الثَّلَاثَةِ سِهَامِ آخِذِ الدَّارِ يَخْرُجُ اثْنَا عَشَرَ هِيَ قِيمَةُ الدَّارِ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى النِّسْبَةِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ نِسْبَةَ سِهَامِ الَّذِي أَخَذَ الدَّارَ إلَى قِيمَةِ الدَّارِ كَنِسْبَةِ سِهَامِ اللَّتَيْنِ أَخَذَتَا الْعَيْنَ إلَى الْعَيْنِ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَعْدَادٍ مُتَنَاسِبَةٍ أَوْ لَهَا ثَلَاثَةُ سِهَامٍ الزَّوْجُ آخِذُ الدَّارِ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَجْهُولُ قِيمَةُ الدَّارِ، وَالثَّالِثُ سِهَامُ آخِذِ الْعَيْنِ وَهِيَ خَمْسَةٌ، وَالرَّابِعُ الْعَيْنُ وَهُوَ عِشْرُونَ. (فَإِنْ زَادَ خَمْسَةً لِيَأْخُذَ فَزِدْهَا عَلَى الْعِشْرِينَ ثُمَّ اقْسِمْ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمِثَالِ بِعَيْنِهِ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 600 فَإِنْ زَادَ مَعَ الْعَرْضِ خَمْسَةٌ فَزِدْهَا مَعَ الْعِشْرِينَ ثُمَّ اقْسِمْهَا كَذَلِكَ فَيَكُونُ لِكُلِّ سَهْمٍ خَمْسَةٌ، ثُمَّ اجْعَلْ لِلزَّوْجِ خَمْسَةً فِي ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ زِدْ عَلَيْهَا خَمْسَةً فَتَكُونُ عِشْرِينَ فَيَكُونُ ثُمُنُ الْعَرْضِ مِثَالًا آخَرَ. ابْنُ شَاسٍ: تَرَكَ أَبَوَيْنِ وَأَرْبَعَ بَنَاتٍ وَتَرِكَتُهُ خَمْسُونَ دِينَارًا وَدَارًا، فَتَأْخُذُ الْأُمُّ الدَّارَ فِي مِيرَاثِهَا وَتُرَدُّ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَيَسْقُطُ سَهْمُ الْأُمِّ فَيَبْقَى مِنْ الْفَرِيضَةِ خَمْسَةٌ عَلَيْهَا يَقَعُ الْقَسْمُ، ثُمَّ تَزِيدُ عَلَى الْخَمْسِينَ دِينَارًا الْعَشَرَةُ الَّتِي دُفِعَتْ لِلْأُمِّ وَتُقَسِّمُ الْجَمِيعَ وَذَلِكَ سِتُّونَ دِينَارًا عَلَى خَمْسَةِ الْأَسْهُمِ، فَيَخْرُجُ مِنْ الْقَسْمِ اثْنَا عَشَرَ دِينَارًا وَذَلِكَ حِصَّةُ الْأُمِّ مِنْ التَّرِكَةِ. وَإِذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ كَمْ ثَمَنُ الدَّارِ فَزِدْ الْعَشَرَةَ الَّتِي كَانَتْ الْأُمُّ دَفَعَتْهَا عَلَى الِاثْنَيْ عَشَرَ فَيَكُونُ الْجُمْلَةُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ دِينَارًا فَذَلِكَ ثَمَنُ الدَّارِ. (وَإِنْ مَاتَ بَعْضٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَوَرِثَهُ الْبَاقُونَ كَثَلَاثَةِ بَنِينَ مَاتَ أَحَدُهُمْ أَوْ بَعْضٌ كَزَوْجٍ مَعَهُمْ لَيْسَ أَبَاهُمْ فَكَالْعَدَمِ) قَالَ ابْنُ عَلَاقٍ: مِنْ لَوَاحِقِ الْفَرَائِضِ الْمُنَاسَخَةُ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَهِيَ أَنْ يُتَوَفَّى وَارِثٌ فَأَكْثَرُ قَبْلَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ، فَإِنْ كَانَ وَارِثُ الْمُتَأَخِّرِينَ هُمْ بَقِيَّةُ وِرْثِهِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ أَوْ بَعْضُهُ وَيَرِثُونَهُ بِالتَّعْصِيبِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَرِثَهُ الْمُتَقَدِّمُ فَيَخْتَصُّ الْعَمَلُ وَتُقَامُ مَسْأَلَةُ مَنْ بَقِيَ لَا غَيْرُ، وَالْأَصَحُّ الْأُولَى ثُمَّ الثَّانِيَةُ. فَإِنْ انْقَسَمَ نَصِيبُ الثَّانِي عَلَى وَرَثَتِهِ صَحَّتَا مَعًا كَابْنٍ وَبِنْتٍ مَاتَا، وَتَرَكَا أُخْتًا وَعَاصِبًا. (وَالْأَوْفَقُ بَيْنَ نَصِيبِهِ وَمَا صَحَّتْ مِنْهُ مَسْأَلَتُهُ وَاضْرِبْ وَفْقَ الثَّانِيَةِ فِي الْأُولَى كَابْنَيْنِ وَابْنَتَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ زَوْجَةً وَبِنْتًا وَثَلَاثَةً بَنِي ابْنٍ فَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأُولَى ضُرِبَ لَهُ فِي وَفْقِ الثَّانِيَةِ وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّانِيَةِ فَفِي وَفْقِ سِهَامِ الثَّانِي) ابْنُ شَاسٍ: إنْ لَمْ يَنْقَسِمْ نَصِيبٌ الْمَيِّتِ الثَّانِي عَلَى مَسْأَلَتُهُ فَانْظُرْ؛ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا صَحَّتْ مِنْهُ مَسْأَلَتُهُ مُوَافَقَةٌ فَخُذْ الْوَفْقَ مِنْ مَسْأَلَتِهِ لَا مِنْ نَصِيبِهِ، وَاضْرِبْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَتَصِحُّ الْقِسْمَةُ مِنْ الْمَبْلَغِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. مِثَالُهُ ابْنَانِ وَابْنَتَانِ. مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَخَلَّفَ زَوْجًا وَبِنْتًا وَثَلَاثَةَ بَنِي ابْنٍ. الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى تَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ وَنَصِيبُ الْمَيِّتُ الثَّانِي مِنْهَا سَهْمَانِ وَمَسْأَلَتُهُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ لَا يَنْقَسِمُ نَصِيبُهُ عَلَيْهَا لَكِنْ يُوَافِقُهَا بِالنِّصْفِ، فَاضْرِبْ نِصْفَ مَسْأَلَتِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَرْبَعَةً فِي سِتَّةٍ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ. مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي نِصْفِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا نِصْفَ مَا مَاتَ عَنْهُ مُوَرِّثُهُ وَذَلِكَ وَاحِدٌ. وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي نِصْفِ حِصَّةِ مُوَرِّثِهِ مِنْ الْأُولَى وَذَلِكَ وَاحِدٌ. (وَإِنْ لَمْ يَتَوَافَقَا ضُرِبَتْ مَا صَحَّتْ مِنْهُ مَسْأَلَتُهُ فِيمَا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَى كَمَوْتِ أَحَدِهِمَا عَنْ ابْنٍ وَبِنْتٍ) ابْنُ عَلَاقٍ: وَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ نَصِيبُ الْمَيِّتِ الثَّانِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 601 مِنْ الْأُولَى عَلَى عَدَدِ مَسْأَلَتِهِ وَبَايَنَهَا فَتَضْرِبُ عَدَدَ مَسْأَلَتِهَا فِي الْأُولَى وَمِنْ الْخَارِجِ تَنْقَسِمُ، ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأُولَى أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي عَدَدِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّانِيَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي حِصَّةِ مَوْرُوثِهِ مِنْ الْأُولَى، فَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَتَرَكَ ابْنًا وَبِنْتًا، فَمَسْأَلَةُ الْمَيِّتِ الْأُولَى مِنْ سِتَّةٍ، وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَلِلْمَيِّتِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى اثْنَانِ وَهِيَ تَبَايُنُ الثَّلَاثَةِ الَّتِي انْقَسَمَتْ مِنْهَا مَسْأَلَتُهُ فَتُضْرَبُ الثَّلَاثَةُ عَدَدُ مَسْأَلَتِهِ فِي السِّتَّةِ عَدَدِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَكُونُ الْخَارِجُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنْهَا تَصِحُّ ثُمَّ تُضْرَبُ حِصَّةُ كُلِّ وَارِثٍ فِي الْأُولَى فِي ثَلَاثَةٍ عَدَدِ مَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَيَخْرُجُ لِلِابْنِ فِي الْأُولَى سِتَّةٌ هِيَ وَاجِبُهُ، وَتُضْرَبُ مَا بِيَدِ كُلِّ بِنْتٍ فِي الْأُولَى فِي الثَّلَاثَةِ أَيْضًا فَيَخْرُجُ لِكُلِّ بِنْتٍ ثَلَاثَةٌ هِيَ وَاجِبُهَا، وَتَضْرِبُ مَا بِيَدِ كُلِّ وَارِثٍ فِي الثَّانِيَةِ فِي حِصَّةِ مَوْرُوثِهِ فَتَضْرِبُ مَا بِيَدِ الِابْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فِي الِاثْنَيْنِ حِصَّةِ مَوْرُوثِهَا، فَيَجِبُ لَهُ أَرْبَعَةٌ، وَتُضْرَبُ مَا بِيَدِ الْبِنْتِ فِي الثَّانِيَةِ فِي حِصَّةِ مَوْرُوثِهَا فَيَجِبُ لَهَا اثْنَانِ. [بَاب حِسَاب مَسَائِل الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار] (وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فَقَطْ بِوَارِثٍ فَلَهُ مَا نَقَصَهُ الْإِقْرَارُ تُعْمَلُ فَرِيضَةُ الْإِقْرَارِ ثُمَّ الْإِنْكَارُ ثُمَّ اُنْظُرْ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ تَدَاخُلٍ وَتَبَايُنٍ وَتَوَافُقِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي كَشَقِيقَتَيْنِ وَعَاصِبٍ أَقَرَّتْ وَاحِدَةٌ بِشَقِيقَةٍ أَوْ بِشَقِيقٍ وَالثَّالِثُ كَابْنَتَيْنِ وَابْنٍ أَقَرَّ بِابْنٍ) ابْنُ الشَّاطِّ: مِنْ لَوَاحِقِ الْفَرَائِضِ الْإِقْرَارُ وَالْإِنْكَارُ أَنْ يُقِرَّ وَارِثٌ بِوَارِثٍ وَيُنْكِرَ غَيْرَهُ ابْنُ عَلَاقٍ: وَلَمْ يَذْكُرْ إقْرَارَ الْمَيِّتِ وَهُوَ عَلَى أَوْجُهٍ وَذَكَرَ إقْرَارَ الْوَارِثِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَارِثُ عَدْلًا فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَلَا يَثْبُتُ لَهُ نَسَبٌ بِهِ وَلَكِنْ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ الْمُقِرِّ بِهِ وَيَأْخُذُ جَمِيعَ حَظِّهِ. اُنْظُرْهُ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: إذَا لَمْ يَحْكُمْ الْمُقِرُّ بِالْمِيرَاثِ فَإِنْ لَمْ يُوجِبْ إقْرَارٌ نَقْصًا فِي سَهْمِهِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ بِهِ، وَإِنْ أَوْجَبَ نُقْصَانَ سَهْمِهِ أَعْطَى مِنْهُ مِقْدَارَ مَا أَوْجَبَ مِنْ النَّقْصِ لَوْ صَحَّ إقْرَارُهُ، وَوَجْهُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ أَنْ تَنْظُرَ فَرِيضَةَ الْجَمَاعَةِ فِي الْإِنْكَارِ وَفَرِيضَةُ الْمُقِرِّ خَاصَّةٌ فِي الْإِقْرَارِ كَأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ وَارِثٌ غَيْرَهُ لِأَنَّك إنَّمَا تُرِيدُ مَعْرِفَةَ سِهَامِهِ فِي الْإِقْرَارِ وَحْدَهُ. فَإِنْ تَمَاثَلَتْ الْفَرِيضَتَانِ أَجْزَأَتْك إحْدَاهُمَا، وَإِنْ دَخَلَتْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى أَجْزَأَتْك أَكْثَرُهُمَا، وَإِنْ اتَّفَقَتَا بِجُزْءٍ ضَرَبْت جُزْءَ إحْدَاهُمَا فِي كَامِلِ الْأُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا بِجُزْءٍ ضَرَبْت كَامِلَ إحْدَاهُمَا فِي كَامِلِ الْأُخْرَى، وَكَذَلِكَ تَعْمَلُ إنْ كَانَتْ ثَلَاثَ فَرَائِضَ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ اقْسِمْ عَلَى الْوَرَثَةِ عَلَى الْإِنْكَارِ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فَتَعْرِفْ مَا لِكُلِّ وَارِثٍ، ثُمَّ اُنْظُرْ لِلْمُقِرِّ وَحْدَهُ مِنْ فَرِيضَةِ الْإِقْرَارِ فَأَعْطِهِ إيَّاهُ، وَمَا فَضَلَ بِيَدِهِ مِنْ فَرِيضَةِ الْإِنْكَارِ فَأُعْطِهِ مَنْ أَقَرَّ لَهُ. فَإِذَا أَرَدْت الْقِسْمَةَ عَلَى الْوَرَثَةِ فَاضْرِبْ لِكُلِّ وَارِثٍ بِمَالِهِ مِنْ فَرِيضَةِ الْإِنْكَارِ فِي فَرِيضَةِ الْإِقْرَارِ وَفِي وَفْقِ الْإِقْرَارِ إنْ كَانَ لَهَا وَاضْرِبْ لِمَنْ تُرِيدُ أَنْ تَعْرِفَ مَا لَهُ مِنْ فَرِيضَةِ الْإِقْرَارِ سِهَامَهُ مِنْهَا فِي فَرِيضَةِ الْإِنْكَارِ أَوْ فِي وَفْقٍ إنْ كَانَ لَهَا فَتَعْرِفُ مَا يَفْضُلُ بِيَدِهِ، وَلَا تَضْرِبُهَا لِمَنْ لَيْسَ لَهُ فِي الْإِقْرَارِ شَيْءٌ. وَمِثَالُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إجْمَالِ الْحِسَابِ مَسْأَلَةُ الْمُمَاثَلَةِ أُمٌّ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَعَمٌّ أَقَرَّتْ الْأُخْتُ لِأَبٍ بِأُخْتٍ شَقِيقَةٍ، وَأَنْكَرَتْ الْأُمُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 602 فَالْفَرِيضَةُ فِي الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ مِنْ سِتَّةٍ فَقَدْ تَمَاثَلَتْ الْفَرِيضَتَانِ، فَتُجْزِئُك إحْدَاهُمَا وَلِلْأُمِّ فِي الْإِنْكَارِ الثُّلُثُ سَهْمَانِ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْعَمِّ مَا بَقِيَ سَهْمٌ، وَإِنَّمَا لِلْأُخْتِ فِي الْإِقْرَارِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ سَهْمٌ فَيَفْضُلُ بِيَدِهَا سَهْمَانِ فَتَدْفَعُهُمَا إلَى الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ. مَسْأَلَةُ الْمُدَاخَلَةِ كَشَقِيقَتَيْنِ وَعَاصِبٍ أَقَرَّتْ وَاحِدَةٌ شَقِيقَةً فَالْفَرِيضَةُ عَلَى الْإِنْكَارِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَعَلَى الْإِقْرَارِ تَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ وَتُسْتَغْنَى بِهَا عَنْ الثَّانِيَةِ فَتُعْطِي لِلْمُقِرِّ لَهُ سَهْمًا وَاحِدًا وَهِيَ الَّذِي يَنْقُصُ الْمُقِرَّ لِأَنَّ السِّتَّةَ الَّتِي تَخُصُّ الْأَخَوَاتِ مِنْ التِّسْعَةِ إذَا قُسِّمَتْ عَلَى الْإِنْكَارِ خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ إذَا قُسِّمَتْ عَلَى الْإِنْكَارِ خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ سَهْمَانِ فَقَدْ نَقَصَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ سَهْمٌ. مَسْأَلَةُ الْمُبَايَنَةِ كَشَقِيقَتَيْنِ وَعَاصِبٍ أَقَرَّتْ وَاحِدَةٌ بِشَقِيقٍ فَالْفَرِيضَةُ عَلَى الْإِنْكَارِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَعَلَى الْإِقْرَارِ مِنْ أَرْبَعَةٍ. فَتَضْرِبُ الثَّلَاثَةَ فِي الْأَرْبَعَةِ فَتَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ لِكُلِّ أُخْتٍ عَلَى الْإِنْكَارِ أَرْبَعَةٌ وَعَلَى الْإِقْرَارِ ثَلَاثَةٌ، فَقَدْ نَقَصَ الْعِدَّةَ سَهْمٌ فَيَأْخُذُهُ الْمُقِرُّ بِهِ. مَسْأَلَةُ الْمُوَافَقَةِ كَابْنَيْنِ وَابْنٍ أَقَرَّ بِابْنٍ فَفَرِيضَةُ الْإِنْكَارِ أَرْبَعَةٌ وَفَرِيضَةُ الْإِقْرَارِ سِتَّةٌ. فَالْفَرِيضَتَانِ تُتَّفَقَانِ بِالنِّصْفِ فَتَضْرِبُ إحْدَاهُمَا فِي نِصْفِ الْأُخْرَى فَتَكُونُ اثْنَا عَشَرَ لِلِابْنِ مِنْ فَرِيضَةِ الْإِنْكَارِ اثْنَانِ، وَمِنْ فَرِيضَةِ الْإِقْرَارِ بِسِتَّةٍ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ سَهْمٌ فِي ثَلَاثَةٍ، وَلِلِابْنِ مِنْ فَرِيضَةِ الْإِقْرَارِ اثْنَانِ فِي اثْنَيْنِ نِصْفِ فَرِيضَةِ الْإِنْكَارِ بِالْأَرْبَعَةِ، فَيَفْضُلُ بِيَدِهِ سَهْمَانِ فَيَدْفَعُهُمَا الِابْنُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ شَاسٍ: " تَنْظُرُ فَرِيضَةَ الْمُقِرِّ بِالْإِقْرَارِ خَاصَّةً لِأَنَّك إنَّمَا تُرِيدُ مَعْرِفَةَ سَهْمِهِ وَحْدَهُ. اُنْظُرْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرِيضَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْعَقْرَبِ تَحْتَ طُوبَةٍ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرِيضَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الرَّاجِزُ: فَصْلٌ فَإِنْ أَوْجَبَ سَهْمًا أَحْدَثَهُ ... زِيَادَةً فِي حَظِّ بَعْضِ الْوَرَثَةِ. (وَإِنْ أَقَرَّ ابْنٌ بِبِنْتٍ وَبِنْتٌ بِابْنٍ فَالْإِنْكَارُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَإِقْرَارُهُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ فَتَضْرِبُ أَرْبَعَةً فِي خَمْسَةٍ ثُمَّ فِي ثَلَاثَةٍ يَرُدُّ الِابْنُ عَشَرَةً وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ تَعَدَّدَ الْمُقِرُّ وَالْمُقِرُّ لَهُ فَاعْتَبِرْ فَرِيضَةَ الْإِقْرَارِ أَوْ فَرَائِضَ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، فَتَضْرِبُ إحْدَاهُمَا فِي كَامِلِ الْأُخْرَى عِنْدَ التَّبَايُنِ وَفِي وَفْقٍ إنْ كَانَ لَهَا وَتُسْتَغْنَى بِأَكْثَرَ فِي حَالَةِ التَّدَاخُلِ أَوْ بِإِحْدَاهُمَا فِي حَالِ التَّمَاثُلِ، ثُمَّ مَا يَحْصُلُ مَعَك نَظَرْت نِسْبَتَهُ إلَى فَرِيضَةِ الْإِنْكَارِ أَيَّ نِسْبَةٍ هِيَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ، ثُمَّ عَمِلْت فِيهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ اسْتِغْنَاءٍ، ثُمَّ قَسَمْت مَا انْتَهَى إلَيْهِ الْعَمَلُ عَلَى الْإِنْكَارِ، ثُمَّ قَسَمْته عَلَى إقْرَارِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ فَمَا نَقَصَهُ دَفَعْته إلَى الَّذِي أَقَرَّ بِهِ، ثُمَّ قَسَمْت الْجُمْلَةَ أَيْضًا عَلَى إقْرَارِ الْآخَرِ فَمَا نَقَصَهُ دَفَعْته لِمَنْ أَقَرَّ بِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ ثَالِثٌ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا، فَإِنْ أَقَرَّ ابْنٌ بِبِنْتٍ وَبِنْتٌ بِابْنٍ فَالْفَرِيضَةُ فِي الْإِنْكَارِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَفِي إقْرَارِ الِابْنِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: مِنْ أَرْبَعَةٍ وَفِي إقْرَارِ الْبِنْتِ مِنْ خَمْسَةٍ تَضْرِبُ أَرْبَعَةً فِي خَمْسَةٍ بِعَشْرَيْنِ ثُمَّ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتِّينَ فَيَرُدُّ الِابْنُ عَشَرَةً لِلْمُقِرِّ بِهَا وَالْبِنْتُ ثَمَانِيَةً لِلْمُقِرِّ بِهِ. (وَإِنْ أَقَرَّتْ زَوْجَةٌ حَامِلٌ وَأَحَدُ أَخَوَيْهِ أَنَّهَا وَلَدَتْ حَيًّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 603 فَالْإِنْكَارُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ كَالْإِقْرَارِ وَفَرِيضَةُ الِابْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ تَضْرِبُ فِي ثَمَانِيَةٍ) قَالَ ابْنُ عَلَاقٍ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِأَصْبَغَ ذَكَرَهَا عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلِلْعُتْبِيِّ فِيهَا إقْرَارٌ وَمُنَاسَخَةٌ فَتَعْمَلُ مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ وَالْمُنَاسَخَةِ. فَإِذَا صَحَّتْ مِنْ عَدَدٍ نُظِرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَدِ مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ وَرُدَّ إلَى عَمَلِ وَاحِدٍ وَبَسْطِ عَمَلِهَا أَيْ مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ: اثْنَانِ لِلزَّوْجِ وَلِكُلِّ أَخٍ ثَلَاثَةٌ وَمَسْأَلَةُ الْإِقْرَارِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ: لِلزَّوْجِ وَاحِدٌ وَلِلِابْنِ الْمُسْتَهِلِّ سَبْعَةٌ، ثُمَّ يَرُدُّ الِابْنُ الْمُسْتَهِلُّ قَدْ مَاتَ عَنْ سَبْعَةٍ وَتَرَكَ أُمَّهُ وَعَمَّيْهِ وَمَسْأَلَتُهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالسَّبْعَةُ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَلَا تُوَافِقُهَا، فَتَضْرِبُ الثَّلَاثَةَ مَخْرَجَ مَسْأَلَةِ الْمُنَاسَخَةِ فِي الثَّمَانِيَةِ مَخْرَجِ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ يَخْرُجُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْهَا يَنْقَسِمُ الْإِقْرَارُ وَالْمُنَاسَخَةُ، ثُمَّ تَنْظُرُ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ وَالثَّمَانِيَةِ مَخْرَجِ مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ تَجِدُهُمَا مُتَدَاخِلَيْنِ فَتَسْتَغْنِي بِالْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ وَمِنْهَا تَنْقَسِمُ فَتُقْسَمُ الْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ عَلَى الثَّمَانِيَةِ مَخْرَجِ الْإِنْكَارِ فَيَجِبُ لِلزَّوْجِ سِتَّةٌ وَلِكُلِّ أَخٍ تِسْعَةٌ، فَيَأْخُذُ الْمُنْكِرُ التِّسْعَةَ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ، وَأَمَّا الْأَخ الْمُقِرُّ فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ مَحْجُوبٌ بِالِابْنِ الْمُسْتَهِلِّ، ثُمَّ اعْتَبِرْ مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ فَتَجِدَ الزَّوْجَةَ وَرِثَتْ فِيهَا الثُّمُنَ ثَلَاثَةً وَوَرَّثَتْ الْمُسْتَهِلَّ أَحَدًا مَاتَ عَنْهَا فَوَرِثَتْ أُمُّهُ الثُّلُثَ سَبْعَةً وَعَمَّاهُ الثُّلُثَيْنِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ سَبْعَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ، فَالْعَمُّ الْمُقِرُّ لَيْسَ لَهُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ إلَّا سَبْعَةٌ فَتَدْفَعُهَا لَهُ وَقَدْ كَانَ وَجَبَ لَهُ فِي الْإِنْكَارِ تِسْعَةٌ فَاسْتَفْضَلَ اثْنَيْنِ فَيَدْفَعَهَا لِلزَّوْجِ مَعَ السِّتَّةِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهَا فِي الْإِنْكَارِ، فَتَجْتَمِعَ لَهَا ثَمَانِيَةٌ وَيَكُونُ الْأَخُ الْمُنْكِرُ قَدْ جَحَدَهَا فِي اثْنَيْنِ، هَكَذَا ذَكَرُوا فِي عَمَلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مُقْتَضَى عَمَلِ ابْنِ الشَّاطِّ اُنْظُرْهُ فِيهِ. وَقَرَّرَ ابْنُ شَاسٍ الْمَسْأَلَةَ بِمَا نَصُّهُ: فَرِيضَةُ الْإِنْكَارِ تَنْقَسِمُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَفَرِيضَةُ الْإِقْرَارِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ أَيْضًا. وَفَرِيضَةُ الِابْنِ عَلَى الْإِقْرَارِ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي ثَمَانِيَةٍ فَتَبْلُغُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ فَلِلْمَرْأَةِ فِي الْإِنْكَارِ الرُّبُعُ سِتَّةٌ الْبَاقِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِكُلِّ أَخٍ تِسْعَةٌ وَلَهَا فِي الْإِقْرَارِ الثُّمُنُ ثَلَاثَةٌ وَلِلِابْنِ إحْدَى وَعِشْرُونَ تُوُفِّيَ عَنْهَا لِأُمِّهِ الثُّلُثُ سَبْعَةٌ وَلِكُلِّ أَخٍ سَبْعَةٌ فَيَفْضُلُ بِيَدِ الْمُصَدِّقِ سَهْمَانِ فَيَدْفَعُهُمَا إلَى الْأُمِّ فَيَصِيرُ بِيَدِهَا ثَمَانِيَةٌ وَبِيَدِ الْمُصَدِّقِ سَبْعَةٌ وَبِيَدِ الْمُنْكِرِ تِسْعَةٌ. [حِسَاب مَسَائِل الْوَصَايَا] (وَإِنْ أَوْصَى بِشَائِعٍ كَرُبُعٍ أَوْ جُزْءٍ مِنْ إحْدَى عَشَرَ أَخَذَ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ إنْ انْقَسَمَ الْبَاقِي عَلَى الْفَرِيضَةِ كَابْنَيْنِ وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ فَوَاضِحٌ) مِثْلُ هَذَا لِابْنِ الْحَاجِبُ وَقَالَ الرَّاجِزُ: فَصْلٌ وَمَهْمَا يَكُ أَوْصَى مُوصٍ ... بِجُزْءٍ مُقَدَّرٍ مَنْصُوصٍ مِمَّا بِهِ قَدْ نُفِّذَتْ وَصِيَّتُهُ ... أَوْ قَدْ أَجَازَهُ لَهُ وَرَثَتُهُ جَعَلْت أَدْنَى عَدَدٍ تَجِدُ فِيهِ ... جُزْءَ الْوَصِيَّةِ تَقْتَفِيه وَأَعْطِ لِلْمُوصَى لَهُ وَصِيَّتَهُ ... مِنْ الْمَقَامِ وَاقْسِمَن بَقِيَّتَهُ عَلَى الَّذِي مِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ ... فَذَاكَ أَمْرٌ وَاضِحٌ لَمْ تَجْهَلْهُ مِثَالُهُ أَوْصَى بِخَمْسٍ وَتَرَكَ ... عُرْسًا وَأُمًّا وَأَبًا لَمَّا هَلَكَ فَإِنَّهَا مَقَامُهَا مِنْ خَمْسَةٍ ... وَالْأَصْلُ مِنْ أَرْبَعَةٍ لَا تَنْسَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 604 تَدْفَعُ وَاحِدًا لِمَنْ أَوْصَى لَهُ ... يَبْقَى مِنْ الْمَقَامِ مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ (وَالْأَوْفَقُ بَيْنَ الْبَاقِي وَالْمَسْأَلَةِ وَاضْرِبْ الْوَفْقَ فِي مَخْرَجِ الْوَصِيَّةِ كَأَرْبَعَةِ أَوْلَادٍ وَإِلَّا فَكَامِلُهَا كَثَلَاثَةٍ) ابْنُ شَاسٍ: إذَا أَوْصَى بِجُزْءٍ كَرُبُعٍ أَوْ جُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ صَحَّ كَانَ الْجُزْءُ أَوْ مَفْتُوحًا فَلِلْعَمَلِ طَرِيقَانِ: الْأَوَّلُ أَنْ تُصَحِّحَ فَرِيضَةَ الْمِيرَاثِ بِطَرِيقِ تَصْحِيحِهَا أَخْرَجَتْ إلَى التَّصْحِيحِ أَوْ صَحَّتْ مِنْ أَصْلِهَا، عَالَتْ أَوْ لَمْ تَعُلْ، ثُمَّ تَجْعَلُ جُزْءَ الْوَصِيَّةِ مِنْ حَيْثُ تُقَسَّمُ عَلَى أَصْحَابِ الْوَصَايَا فَرِيضَةً بِرَأْسِهَا ثُمَّ تُخْرِجُ جُزْءَ الْوَصِيَّةِ وَتَنْظُرُ إلَى مَا بَقِيَ؛ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْبَقِيَّةُ مِنْ فَرِيضَةِ الْوَصِيَّةِ تَنْقَسِمُ عَلَى فَرِيضَةِ الْوَرَثَةِ وَتَمَّتْ، وَإِنْ لَمْ تَنْقَسِمْ نَظَرْنَا بَيْنَهُمَا وَاعْتَبَرْنَا إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى. فَإِنْ تَوَافَقَا بِجُزْءٍ ضَرَبْنَا ذَلِكَ الْجُزْءَ مِنْ فَرِيضَةِ الْمِيرَاثِ فِي فَرِيضَةِ الْوَصِيَّةِ، فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ يَصِحُّ الْحِسَابُ كَمَنْ خَلَّفَ أَرْبَعَةَ أَوْلَادٍ وَأَوْصَى بِثُلُثٍ فَتَعُولُ الْفَرِيضَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَالْوَصِيَّةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ، يَخْرُجُ جُزْءُ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ سَهْمٌ يَبْقَى اثْنَانِ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ لَكِنْ تُوَافِقُهَا بِالنِّصْفِ، فَتَضْرِبُ اثْنَيْنِ وَفْقَ فَرِيضَةِ الْوَرَثَةِ فِي ثَلَاثَةٍ فَرِيضَةِ الْوَصِيَّةِ تَكُونُ سِتَّةً يَخْرُجُ مِنْهَا جُزْءُ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ تَبْقَى أَرْبَعَةٌ تَنْقَسِمُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ تَوَافَقَا وَتَبَايَنَا ضَرَبْنَا فَرِيضَةَ الْمِيرَاثِ فِي فَرِيضَةِ الْوَصِيَّةِ فَمَا انْتَهَى إلَيْهِ الضَّرْبُ مِنْهُ يَصِحُّ حِسَابُ الْوَصِيَّةِ وَالْفَرِيضَةِ جَمِيعًا. (وَإِنْ أَوْصَى بِسُدُسٍ وَسُبُعٍ ضَرَبْت سِتَّةً فِي سَبْعَةٍ فِي ثُمَّ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ وَفْقِهَا) قَالَ. الرَّاجِزُ: فَصْلٌ فَإِنْ كَثُرَتْ الْأَجْزَاءُ ... مِنْ الْوَصِيَّةِ فَالِاجْتِزَاءُ فَإِنْ تُقِمْ الْكُلَّ مِنْ أَدْنَى عَدَدٍ ... ثُمَّ إذَا صَحَّحْته كَمَا وَرَدَ عَمِلْت فِيهِ مِثْلَ مَا قَدْ وُصِفَا ... حَسْبَمَا ذَكَرْت فِيهِ وَكَفَى مِثَالُهُ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِخَمْسٍ وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعَمْرٍو بِسُدُسٍ . فَفِي الثَّلَاثِينَ الْمَقَامُ مُتَّضِحٌ ... وَهُوَ أَدْنَى عَدَدٍ مِنْهُ يَصِحُّ فَسِتَّةٌ مِنْهَا لِزَيْدٍ تُقْسَمُ ... وَخَمْسَةٌ لِآخَرَيْنِ تَعْلَمُ وَمَا بَقِيَ يَقْسِمُهُ وَرَثَتُهُ ... عَلَى الَّذِي انْتَهَتْ مَسْأَلَتُهُ وَاعْمَلْ فِي الِانْكِسَارِ فِي أَقْسَامِهِ ... مِثْلَ الَّذِي بَيَّنْت مِنْ أَحْكَامِهِ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَوْ أَوْصَى بِجُزْأَيْنِ ضَرَبْت مَخْرَجَ أَحَدِهِمَا فِي مَخْرَجِ الْآخَرِ وَفِي وَفْقٍ إنْ كَانَ لَهُ، فَمَا اجْتَمَعَ مِنْ الضَّرْبِ فَهُوَ مَخْرَجُ الْوَصِيَّتَيْنِ جَمِيعًا. فَإِذَا أَخْرَجْت جُزْءَ الْوَصِيَّةِ مِنْهُ قَسَمْت الْبَاقِي عَلَى الْفَرِيضَةِ، فَإِنْ انْقَسَمَ وَإِلَّا ضَرَبْت مَا انْتَهَى إلَيْهِ الضَّرْبُ فِي عَدَدِ سِهَامِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي وَفْقٍ إنْ كَانَ لَهَا، فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ يَصِحُّ حِسَابُ الْوَصِيَّتَيْنِ وَالْفَرِيضَةِ كَمَنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَأَوْصَى بِسُدُسٍ لِرَجُلٍ أَوْ بِسُبُعٍ لِآخَرَ، فَمَخْرَجُ السُّدُسِ سِتَّةٌ، وَمَخْرَجُ السُّبُعِ سَبْعَةٌ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا وَفْقٌ فَتَضْرِبُ السِّتَّةَ فِي السَّبْعَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 605 تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، فَتُخْرِجُ جُزْءَ الْوَصِيَّةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَتَبْقَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى سِهَامِ الْفَرِيضَةِ وَلَا تُوَافِقُهَا، فَتَضْرِبُ ثَلَاثَ سِهَامِ الْفَرِيضَةِ فِي الِاثْنَيْنِ وَالْأَرْبَعِينَ يَكُونُ ذَلِكَ مِائَةً وَسِتَّةً وَعِشْرِينَ، فَجُزْءُ الْوَصِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ تَبْقَى سَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ لِكُلِّ سَهْمٍ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ. [بَاب مَوَانِع الْإِرْث] (وَلَا يَرِثُ مُلَاعِنٌ وَمُلَاعِنَةٌ وَتَوْأَمَاهَا شَقِيقَانِ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ قَالَ الرَّاجِزُ: وَإِنْ تَلَاعَنَ امْرُؤُ أَوْ زَوْجَتُهُ ... وَانْخَرَمَتْ عَنْ مِلْكِهَا عِصْمَتُهُ فَمَا لَمْ تَلِدْ مِنْ مَوْرُوثٍ ... فِي زَوْجِهَا الْمُلَاعِنِ الْمَوْرُوثِ وَتَوْأَمَاهَا فَاعْلَمَن شَقِيقَا ... بِالْأَبِ وَالْأُمِّ مَعًا حَقِيقَا وَتَوْأَمَا الْبَاقِي لِلْأُمِّ فَقَطْ ثُمَّ قَالَ: وَفِيهَا قَوْلَانِ بِالْمُعْتَصِبَةِ. قَالَ ابْنُ عَلَاقٍ: وَإِذَا نَفَى الزَّوْجُ وَلَدَهُ مِنْ زَوْجَتِهِ بِاللِّعَانِ فَإِنَّهُ يَنْتَفِي مِنْهُ وَيُقْطَعُ التَّوَارُثُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَتَرِثُهُ أُمُّهُ وَأَخُوهُ لِأُمِّهِ وَمَوَالِي أُمِّهِ لَا عَصَبَةُ أُمِّهِ. الْجَلَّابُ: وَيَرِثُ أَيْضًا هُوَ أُمُّهُ. وَكُنْت سَأَلْت عَنْ وُقُوفِهِ لِأُمِّهِ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ وَارِثُهَا وَعَاصِبُهَا فَيُوقَفُ لَهَا. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنْ لَمْ يَرِثْهُ ذُو سَهْمٍ كَانَ مَا تَرَكَهُ لِعَصَبَةِ أُمِّهِ وَتَصِيرُ شَقِيقَتُهُ أُخْتًا لِأُمِّهِ إلَّا إذَا كَانَا فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ وَبَقِيَ الْحَمْلُ فَإِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ عَلَى أَنَّهُمَا شَقِيقَانِ خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ وَابْنِ دِينَارٍ. وَصَوَّبَ ابْنُ يُونُسَ فِي تَوْأَمَيْ الْمُغْتَصَبَةِ أَنَّهُمَا أَخَوَانِ لِأُمٍّ بِخِلَافِ تَوْأَمَيْ الْمُلَاعِنَةِ وَالْمَسْبِيَّةِ وَالْمُسْتَأْمَنَةِ. (وَلَا رَقِيقٌ وَلِسَيِّدِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ جَمِيعُ إرْثِهِ) قَالَ الرَّاجِزُ: وَكُلُّ مَنْ لِلرِّقِّ فِيهِ شُعْبَةٌ ... فَمَالُهُ مِنْ الْوَارِثِينَ نِسْبَةٌ مُكَاتَبٌ مُدَبَّرٌ أُمُّ وَلَدٍ ... كُلٌّ سَوَاءٌ حُكْمُهُمْ قَدْ اطَّرَدَ وَمُعْتَقٌ لِأَجَلٍ أَوْ بَعْضُهُ ... يَسْقُطُ بَيْنَ الْوَارِثِينَ فَرْضُهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا كَانَ بَعْضُ الْعَبْدِ حُرًّا فَلَيْسَ لِمَنْ يَمْلِكُ بَقِيَّتَهُ أَنْ يَنْتَزِعَ مَالَهُ وَهُوَ مَوْقُوفٌ بِيَدِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 606 وَلَهُ بَيْعُ حِصَّتِهِ، وَيُحْمَلُ الْمُبْتَاعُ فِي مَالِ الْعَبْدِ مَحْمَلَ الْبَائِعِ. وَإِذَا عَتَقَ الْعَبْدُ يَوْمًا مَا تَبِعَهُ مَالُهُ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ لِلْمُتَمَسِّكِ بِالرِّقِّ خَاصَّةً دُونَ الَّذِي أَعْتَقَ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ بِالْحُرِّيَّةِ حَتَّى تَتِمَّ حُرِّيَّتُهُ. (وَلَا يَرِثُ إلَّا الْمُكَاتَبُ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُكَاتَبِ: " وَوَرِثَهُ مَنْ مَعَهُ ". (وَلَا قَاتِلٌ عَمْدًا عُدْوَانًا) ابْنُ الشَّاطِّ مَوَانِعُ الْمِيرَاثِ قَتْلُ الْعَمْدِ الْعُدْوَانُ. ابْنُ عَلَاقٍ: قَوْلُهُ: " قَتْلٌ " يَشْمَلُ مَا إذَا قَتَلَهُ مُبَاشَرَةً أَوْ بِسَبَبِهِ. وَقَوْلُهُ: " الْعَمْدِ " لِأَنَّ الْخَطَأَ لَا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَقَوْلُهُ: " الْعُدْوَانُ " يَخْرُجُ بِهِ الْإِمَامُ يَقْتُلُ مَوْرُوثَهُ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ وَبِهَذَا نَحَا الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ. (وَإِنْ أَتَى بِشُبْهَةٍ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأَبِ يَقْتُلُ ابْنَهُ عَمْدًا أَنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ لِلشُّبْهَةِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَرِثُ الْأَبُ فِي هَذَا مِنْ مَالِ الْوَلَدِ وَلَا مِنْ دِيَتِهِ. قَالَ اللَّخْمِيِّ: لَا مِيرَاثَ لِأَبٍ وَلَا أُمٍّ مِنْ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ إذَا وَجَبَتْ مِنْ جِنَايَتِهَا. وَانْظُرْ الصَّغِيرَ أَوْ الْمَجْنُونَ يَقْتُلُ مَوْرُوثَهُ عَمْدًا فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لِأَحَدِهِمَا مِنْ مَالٍ وَلَا مِنْ دِيَةٍ. وَانْظُرْ لَوْ جَرَحَ امْرَأَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَتْ. هَلْ يَرِثُهَا كَمَا لَوْ جَرَحَ أَخٌ أَخًا وَلِلْمَجْرُوحِ ابْنٌ فَمَاتَ الِابْنُ ثُمَّ الْمَجْرُوحُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 607 (كَمُخْطِئٍ مِنْ الدِّيَةِ) قَالَ الرَّاجِزُ: وَقَاتِلُ الْعَمْدِ لَا مِيرَاثَ لَهُ ... لَا مِنْ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ اشْتَمَلَتْ تَرِكَةً أَوْ دِيَةً إنْ قَبِلَتْ ... وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ مَوْرُوثًا خَطَأً فَإِرْثُهُ مِنْ مَالِهِ إنْ سَقَطَا ... وَلَمْ يَقُلْ فِي الدِّيَةِ إنْ شَاءَ وَيَرِثَانِ مَعًا الْوَلَاءَ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " وَيَرِثَانِ الْوَلَاءَ " قَالَ سَحْنُونَ: لَا يَرِثُ الْوَلَاءَ قَاتِلُ الْعَمْدَ. (وَلَا مُخَالِفَ فِي دِينٍ) قَالَ الرَّاجِزُ: أَجَلْ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَ مِلَّتَيْنِ ... وَإِنْ يَكُنْ هَذَا وَهَذَا كَافِرَيْنِ (كَمُسْلِمٍ مَعَ مُرْتَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ) قَالَ الرَّاجِزُ: فَلَيْسَ بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمِ ... إرْثٌ سِوَى بِالرِّقِّ فَافْهَمْ تَعْلَمْ وَكُلُّ مُرْتَدٍّ فَمَا مِنْ مَطْمَعِ ... لَهُ وَلَا لِوُرَّاثِهِ فَاسْمَعْ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: مَا يَتْرُكُهُ الْعَبْدُ الْمُرْتَدُّ وَالْكَافِرُ فَلِسَيِّدِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالرِّقِّ وَلَا بِالتَّوَارُثِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَرَّثَ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ ثَمَنَ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (وَكَيَهُودِيٍّ مَعَ نَصْرَانِيٍّ وَسِوَاهُمَا مِلَّةٌ وَحُكِمَ بَيْنَ الْكَافِرِ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَأْبَ بَعْضٌ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ بَعْضُهُمْ فَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُونُوا وَإِلَّا فَبِحُكْمِهِمْ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ تَحَاكَمَ إلَيْنَا وَرَثَةُ الْكُفَّارِ، فَإِنْ تُرَاضُوا بِحُكْمِنَا قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ أَبَى بَعْضُهُمْ فَإِنْ كَانُوا بِأَجْمَعِهِمْ كُفَّارًا لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ، فَإِنْ كَانُوا مِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَوَارِيثِهِمْ إنْ كَانُوا كِتَابِيِّينَ، وَعَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ إنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ: وَلَا يَثْبُتُ التَّوَارُثُ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَا بَيْنَ مِلَّةٍ وَأَهْلِ مِلَّةٍ أُخْرَى أَصْلًا وَإِنْ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قِيلَ لِمَالِكٍ: إنْ مَاتَ نَصْرَانِيٌّ وَوَرِثَهُ نَصْرَانِيٌّ فَأَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ مَالُهُ، عَلَامَ يَقْسِمُونَ عَلَى وَرَثَةِ الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: بَلْ عَلَى وَرَثَةِ النَّصَارَى الَّتِي وَجَبَتْ لَهُمْ يَوْمَ مَاتَ صَاحِبُهُمْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّمَا يُقْسَمُ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ الْمَوْرُوثُ مَجُوسِيًّا لَيْسَ بِذِي ذِمَّةٍ (وَلَا مَنْ جُهِلَ تَأَخُّرُ مَوْتِهِ) قَالَ الرَّاجِزُ: وَكُلُّ مَيِّتَيْنِ شُكَّ مَنْ سَبَقَ ... كَمَيِّتَيْنِ تَحْتَ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ فَلَا تُورَثُ أَحَدٌ مِنْ آخَرَ ... إنْ لَمْ تُحَقِّقْ أَوَّلًا مِنْ آخَرَ وَإِرْثُ كُلِّ وَاحِدٍ لِمَنْ بَقِيَ ... مِنْ وَارِثِهِ فَاسْتَمِعْ تُوَفَّقْ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 608 (وَوُقِفَ الْقَسْمُ لِلْحَمْلِ) مِنْ الزَّاهِي: مَنْ هَلَكَ عَنْ زَوْجٍ حَامِلٍ لَمْ تُنَفَّذْ وَصَايَاهُ وَلَا تَأْخُذُ زَوْجَتُهُ أَدْنَى سَهْمَيْهَا حَتَّى تَضَعَ. وَذَكَرَ اللَّخْمِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ. (وَمَالُ الْمَفْقُودِ لِلْحُكْمِ بِمَوْتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُقَسِّمُ وَرَثَةُ الْمَفْقُودِ مَالَهُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَنِ مَا لَا يَحْيَا إلَى مِثْلِهِ، فَيُقَسَّمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ حِينَئِذٍ لَا يَوْمِ فُقِدَ، وَإِنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ وُقِفَ مِيرَاثُهُ مِنْهُ إنْ أَتَى أَخَذَهُ وَإِنْ مُوِّتَ بِالتَّعْمِيرِ وَذَلِكَ إلَى وَرَثَةِ الِابْنِ يَوْمَ مَاتَ وَلَا إرْثَ الْأَبِ بِالشَّكِّ. (وَوُقِفَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ التَّعْمِيرِ فَكَالْمَجْهُولِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وُقِفَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ التَّعْمِيرِ وَلَمْ يَسْتَبِنْ فَكَالْمَوْتَى. (كَذَاتِ زَوْجٍ وَأُمٍّ وَأُخْتٍ وَأَبٍ مَفْقُودٍ فَعَلَى حَيَاتِهِ مِنْ سِتَّةٍ وَمَوْتِهِ كَذَلِكَ وَتَعُولُ لِثَمَانِيَةٍ وَتَضْرِبُ الْوَفْقَ فِي الْكَامِلِ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ وَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةٌ وَوُقِفَ الْبَاقِي فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ حَيٌّ فَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَبِ ثَمَانِيَةٌ أَوْ مَوْتَهُ أَوْ مَضَى التَّعْمِيرُ فَلِلْأُخْتِ تِسْعَةٌ وَلِلْأُمِّ اثْنَانِ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ تَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَأُخْتًا وَأَبًا مَفْقُودًا وَالْفَرِيضَةُ عَلَى أَنَّ الْمَفْقُودَ حَيٌّ مِنْ سِتَّةٍ، لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ سَهْمٌ. وَلِلْأَبِ سَهْمَانِ. وَالْفَرِيضَةُ عَلَى أَنَّ الْمَفْقُودَ مَيِّتٌ مِنْ سِتَّةٍ أَيْضًا لِلزَّوْجِ النِّصْفُ. ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُخْتِ ثَلَاثَةٌ وَيُعَالُ لِلْأُمِّ بِالثُّلُثِ فَتُضْرَبُ بِثَمَانِيَةٍ. وَالْفَرِيضَتَانِ تَتَّفِقَانِ بِالنِّصْفِ فَتُضْرَبُ إحْدَاهُمَا فِي كَامِلِ الْأُخْرَى بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ تَقُولُ: لِلزَّوْجِ لَك يَقِينًا بِلَا شَكٍّ ثُمَّ ذَكَرَ تَمَامَ الْعَمَلِ بِعِبَارَةٍ طَوِيلَةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ: وَجْهُ الْعَمَلِ فِيهَا أَنْ تُرَدَّ فَرِيضَةً لَغْوٌ الْمَفْقُودُ وَفَرِيضَةُ حُضُورِهِ لِعَدَدٍ وَاحِدٍ إنْ تَدَاخَلَا، فَإِنْ تَدَاخَلَتْ اُعْتُبِرَتْ أَكْبَرُهَا ثُمَّ تُقْسَمُ مَا رُدَّتْ إلَيْهِ أَوْ كِبَارُهُمَا عَلَى الْفَرِيضَتَيْنِ وَيُعْطَى الْوَارِثُونَ عَلَى تَقْدِيرِ لَغْوِهِ وَحُضُورِهِ أَقَلَّ مَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الْقَسْمِ عَلَى الْفَرِيضَتَيْنِ مَنْ سَقَطَ فِي إحْدَاهُمَا لَمْ يُعْطَ شَيْئًا وَوُقِفَ مِمَّا فَضَلَ عَمَّا ذُكِرَ إعْطَاؤُهُ، فَإِنْ تَحَقَّقَتْ حَيَاةُ الْمَفْقُودِ وَبَعْدَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ عَنْهُ أَمْضَى قَسْمَ فَرِيضَةٍ حُضُورِهِ وَإِنْ تَحَقَّقَ مَوْتُهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ عَنْهُ أَوْ مَوْتٍ بِالتَّعْمِيرِ أَمْضَى قَسْمَ لَغْوِهِ وَدَفَعَ الْمَوْقُوفَ لِمُسْتَحِقِّهِ فِي الْفَرِيضَةِ الْمُمْضَاةِ، وَلْنَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ شَاسٍ لِأَجَلٍ خَلِيلٌ قَالَ: فَتَقُولُ لِلزَّوْجِ لَك بِلَا شَكٍّ يَقِينًا ثَلَاثَةٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ مَضْرُوبٌ فِي ثَلَاثَةٍ نِصْفِ الْفَرِيضَةِ الْأُخْرَى، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَك ثَلَاثَةٌ مِنْ سِتَّةٍ بِصِحَّةِ حَيَاةِ الْأَبِ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ، وَيُقَالُ لِلْأُخْتِ لَا مِيرَاثَ لَك مِنْ أُخْتِك إلَّا بِصِحَّةِ مَوْتِ أَبِيك قَبْلَ أُخْتِك، وَلَا نَعْلَمُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَك مِيرَاثٌ بِالشَّكِّ. وَيُقَالُ لِلْأُمِّ لَك مِنْ ابْنَتِك السُّدُسُ يَقِينًا سَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ مَضْرُوبٌ فِي أَرْبَعَةٍ نِصْفِ فَرِيضَةِ ثَمَانِيَةٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ لَك الثُّلُثُ بِالْعَوْلِ بِصِحَّةِ مَوْتِ زَوْجِك قَبْلَ ابْنَتِك وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَك بِالشَّكِّ شَيْءٌ، وَيَبْقَى مِنْ الْفَرِيضَةِ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا مَوْقُوفَةٌ لَيْسَ يُعْلَمُ لِمَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 609 هِيَ يَقِينًا، فَإِنْ صَحَّ الْأَبُ كَانَ حَيًّا يَوْمَ مَوْتِ ابْنَتِهِ قِيلَ لِلزَّوْجِ لَك يَقِينًا ثَلَاثَةٌ مِنْ سِتَّةٍ مَضْرُوبَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ فِي يَدِك سَبْعَةٌ الْبَاقِي لَك ثَلَاثَةٌ فَتُدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ الْمَوْقُوفِ، وَيُقَالُ لِلْأُمِّ لَك سَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ مَضْرُوبٌ فِي أَرْبَعَةٍ فِي يَدِك جَمِيعُ حَقِّك وَلِلْأَبِ سَهْمَانِ مِنْ سِتَّةٍ فِي أَرْبَعَةٍ بِثَمَانِيَةٍ فَتُدْفَعُ إلَيْهِ الثَّمَانِيَةُ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ الْمَوْقُوفِ. وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ الْأَبَ مَاتَ قَبْلَ ابْنَتِهِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ مَوْتٌ فَمَوْتٌ بِالتَّعْمِيرِ. فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، فَيُقَالُ لِلزَّوْجِ لَك يَقِينًا ثَلَاثَةٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ فَفِي يَدِك جَمِيعُ حَقِّك، وَيُقَالُ لِلْأُخْتِ لَك ثَلَاثَةٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ فَتُدْفَعُ لَهَا التِّسْعَةُ الْبَاقِيَةُ. وَيُقَالُ لِلْأُمِّ لَك اثْنَانِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ فِي يَدِك أَرْبَعَةٌ فَتُدْفَعُ إلَيْهَا السَّهْمَانِ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ الْمَوْقُوفَةِ. [مِيرَاث الْخُنْثَى] (وَلِلْخُنْثَى الْمُشْكِلِ نِصْفُ نَصِيبَيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) ابْنُ الشَّاطِّ: إنْ كَانَ الْخُنْثَى مِنْ نِصْفٍ يَرِثُ مِنْهُ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى فَلَهُ مَا لِغَيْرِ الْمُشْكِلِ. ابْنُ عَلَاقٍ: مِثْلُ أَنْ يَكُونَ أَخًا لِأُمٍّ وَأَخًا شَقِيقًا فِي الْمُشْتَرَكَةِ. ابْنُ الشَّاطِّ: وَإِنْ كَانَ مِنْ صِنْفٍ يَرِثُ مِنْهُ الذَّكَرُ دُونَ الْأُنْثَى فَلَهُ نِصْفُ مِيرَاثِ الذَّكَرِ. ابْنُ عَلَاقٍ: مِثْلُ أَنْ يَكُونَ ابْنِ أَخِي الْمَيِّتِ وَابْنِ عَمِّهِ. ابْنُ الشَّاطِّ: وَإِنْ كَانَ مِنْ صِنْفٍ يَرِثُ مِنْهُ الذَّكَرُ نِصْفَ مِيرَاثِ الْأُنْثَى فَالنِّصْفُ مَجْمُوعُ مِيرَاثِهَا. ابْنُ عَلَاقٍ: هَذَا الْحَالُ الثَّالِثُ لِلْخُنْثَى أَنْ يَكُونَ مِنْ صِنْفٍ يَرِثُ فِيهِ الذَّكَرُ مِثْلُ مَا تَرِثُ فِيهِ الْأُنْثَى فَذَكَرَ أَنَّهُ يَرِثُ نِصْفَ مَجْمُوعِ مِيرَاثِهِمَا وَهِيَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: يَرِثُ نِصْفَ نَصِيبِ ذَكَرٍ وَنِصْفِ نَصِيبِ أُنْثَى. مِثَالٌ مِنْ ذَلِكَ لَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ أَخًا خُنْثَى فَمِيرَاثُ الْخُنْثَى خَمْسَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَيَرِثُ الذَّكَرُ سَبْعَةً مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ يَرِثُ سِتَّةً مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَعَلَى أَنَّهُ أُنْثَى يَرِثُ أَرْبَعَةً مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 610 وَمَجْمُوعُ الْمِيرَاثَيْنِ عَشَرَةٌ فَيُعْطِي نِصْفُهَا خَمْسَةٌ. اُنْظُرْ قَوْلَهُمْ خَمْسَةٌ مَعَ قَوْلِهِمْ أَنَّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ أَخِيهِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ السَّبْعَةِ خَمْسَةٌ وَرُبُعٌ. فَنَقَصَ الْخُنْثَى مِنْ فَرِيضَتِهِ رُبُعٌ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ الْفِرَاضِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ بَابِ التَّدَاعِي وَالْقَسْمِ بِالتَّحَاصِّ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ قِيَاسِ عَمَلِ الْفَرَائِضِ الْبَسِيطَةِ. وَأَنْظُرُكُمْ تَكُونُ دِيَتُهُ وَعَقْلُهُ. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَا كَمِيرَاثِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَجُوزُ لِلْخُنْثَى أَنْ يَتَزَوَّجَ قَالَ: وَيُعْطَى مِنْ الْغَنِيمَةِ نِصْفُ سَهْمٍ لَا رُبْعُ سَهْمٍ وَحُكْمُهُ فِي الشَّهَادَةِ حُكْمُ الْمَرْأَةِ. (تُصَحَّحُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ ثُمَّ تَضْرِبُ الْوَفْقَ أَوْ الْكُلَّ فِي حَالَتَيْ الْخُنْثَى وَتَأْخُذُ مِنْ كُلِّ نَصِيبٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ النِّصْفَ وَأَرْبَعَةً الرُّبُعَ وَمَا اجْتَمَعَ فَنَصِيبُ كُلِّ ذَكَرٍ وَخُنْثَى فَالتَّذْكِيرُ مِنْ اثْنَيْنِ وَالتَّأْنِيثُ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَتَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي الثَّلَاثَةِ ثُمَّ فِي حَالَيْ الْخُنْثَى لَهُ فِي الذُّكُورَةِ سِتَّةٌ وَالْأُنُوثَةِ أَرْبَعَةٌ فَنِصْفُهَا خَمْسَةٌ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: تَصْحِيحُ الْأَسْئِلَةِ عَلَى التَّقْدِيرَاتِ ثُمَّ اضْرِبْ الْوَفْقَ أَوْ الْكُلَّ إنْ تَبَايَنَتْ. زَادَ ابْنُ شَاسٍ: وَجْهُ الْعَمَلِ أَنْ يُؤْخَذَ مَخْرَجُ التَّذْكِيرِ وَمَخْرَجُ التَّأْنِيثِ وَيُسْتَغْنَى بِأَحَدِهِمَا عَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 616 الْآخَرِ إنْ كَانَا مُتَمَاثِلَيْنِ أَوْ مُتَدَاخِلَيْنِ، ثُمَّ اضْرِبْ مَا حَصَلَ فِي حَالَتَيْ الْخُنْثَى أَوْ عَدَدَ أَحْوَالِ الْخَنَاثَى إنْ زَادُوا عَلَى الْوَاحِدِ، فَمَا انْتَهَى إلَيْهِ الضَّرْبُ فَمِنْهُ تَكُونُ الْقِسْمَةُ. ثُمَّ لَك طَرِيقَانِ: الْأُولَى أَنْ يُنْظَرَ فِي الْمُجْتَمِعِ مِنْ الضَّرْبِ ثُمَّ يَخُصُّ الْخُنْثَى مِنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ الذُّكُورِيَّةِ وَكَمْ يَخُصُّهُ مِنْهَا عَلَى تَقْدِيرِ الْأُنُوثِيَّةِ، فَيُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ ثُمَّ تَقْسِمُهُ نِصْفَيْنِ فَتُعْطِيه نِصْفَهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ. مِثَالُ ذَلِكَ: وَلَدَانِ أَحَدُهُمَا ذَكَرٌ وَالْآخَرُ خُنْثَى. فَرِيضَةُ التَّذْكِيرِ مِنْ اثْنَيْنِ وَفَرِيضَةُ التَّأْنِيثِ مِنْ ثَلَاثَةٍ. وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ اثْنَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ، ثُمَّ فِي حَالِ الْخُنْثَى بِاثْنَيْ عَشَرَ. فَعَلَى الطَّرِيقِ الْأُولَى لِلْخُنْثَى عَلَى تَقْدِيرِ الذُّكُورِيَّةِ سِتَّةٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ أَرْبَعَةٌ. فَلَهُ خَمْسَةٌ. وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ وَهُوَ لِلذَّكَرِ لَهُ عَلَى ذُكُورَةِ الْخُنْثَى سِتَّةٌ وَعَلَى أُنُوثَتِهِ ثَمَانِيَةٌ فَلَهُ سَبْعَةٌ. (وَكَخُنَثَيْنِ وَعَاصِبٍ فَأَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ تَنْتَهِي لِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِكُلٍّ أَحَدَ عَشَرَ وَلِلْعَاصِبِ اثْنَانِ) ابْنُ شَاسٍ: مِثَالٌ آخَرُ: وَلَوْ أَنَّ خُنْثَيَيْنِ وَعَاصِبٍ فَلِلْخُنْثَى أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ فَالْفَرِيضَةُ عَلَى أَنَّهُمَا ذَكَرَانِ مِنْ اثْنَيْنِ، وَعَلَى أَنَّهُمَا أُنْثَيَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ. ابْنُ عَلَاقٍ: وَالثَّالِثَةُ تَعْمَلُهَا عَلَى أَنَّ أَكْبَرَ الْخُنْثَيَيْنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 617 ذَكَرٌ وَالْأَصْغَرَ أُنْثَى تَصِحُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، اثْنَانِ لِلذَّكَرِ وَوَاحِدٌ لِلْأُنْثَى، وَالرَّابِعَةُ تَعْلَمُهَا عَلَى أَنَّ الْأَصْغَرَ ذَكَرٌ وَالْأَكْبَرَ أُنْثَى تَصِحُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَيْضًا. تَنْظُرُ ثُمَّ تَنْظُرُ فِي أَعْدَادِ الْمَسَائِلِ يَتَّحِدُ الثَّلَاثَةُ فِيهَا مُتَمَاثِلَةً فَتَكْتَفِي بِوَاحِدٍ مِنْهَا وَتَضْرِبُهَا فِي الِاثْنَيْنِ بِسِتَّةٍ ثُمَّ فِي الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ. فَعَلَى الطَّرِيقِ الْأُولَى تَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُنْثَيَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ انْفِرَادِهِ بِالذُّكُورَةِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ مُشَارَكَتِهِ فِيهَا اثْنَا عَشَرَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ انْفِرَادِهِ فِي الْأُنُوثَةِ ثَمَانِيَةٌ، وَكَذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ مُشَارَكَتِهِ فِيهَا. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعٌ فِي الْحَالَاتِ الْأَرْبَعِ إنَّمَا يَرِثُ بِحَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَكُونُ لَهُ رُبْعُ الْجَمِيعِ وَهُوَ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا، وَيَبْقَى لِلْعَاصِبِ سَهْمَانِ لِأَنَّ الْحَاصِلَ لَهُ فِي حَالَةٍ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الثُّلُثُ فَلَهُ رُبْعُهُ وَهُوَ سَهْمَانِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ. (فَإِنْ بَالَ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ كَانَ أَكْثَرَ أَوْ أَسْبِقَ أَوْ نَبَتَتْ لِحْيَةٌ أَوْ ثَدْيٌ فَلَا إشْكَالَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ) قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ: الْخُنْثَى هُوَ الَّذِي لَهُ ذَكَرٌ وَفَرْجٌ أَوْ لَا يَكُونَانِ لَهُ وَلَكِنْ لَهُ ثُقْبٌ يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ الْخُنْثَى بِحَيْثُ يَلْتَبِسُ عَلَيْنَا مَيْزُهُ فَيُنْظَرُ إلَى مَبَالِهِ، فَإِنْ بَالَ مِنْ الذَّكَرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 619 فَهُوَ ذَكَرٌ، وَإِنْ بَالَ مِنْ الْفَرْجِ فَهُوَ أُنْثَى، فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا جَمِيعًا نُظِرَ إلَى أَيِّهِمَا أَكْثَرُ فَلَهُ الْحُكْمُ وَهَلْ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَإِنْ تَكَافَأَتْ أُمُورُهُ فَهُوَ مُشْكِلٌ فِي حَالِ الصِّغَرِ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي كِبَرِهِ وَبُلُوغِهِ فَإِنْ نَبَتَتْ لَهُ وَلَمْ يَنْبُتْ لَهُ ثَدْيٌ فَهُوَ رَجُلٌ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ عَلَامَةُ الذَّكَرِ، وَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ لَهُ لِحْيَةٌ وَخَرَجَ ثَدْيٌ فَهُوَ امْرَأَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَنْبُتَا أَوْ نَبَتَا جَمِيعًا نُظِرَ؛ فَإِنْ حَاضَتْ مِنْ فَرْجِهَا فَهِيَ امْرَأَةٌ، وَإِنْ احْتَلَمَ مِنْ ذَكَرِهِ فَهُوَ ذَكَرٌ، فَإِنْ احْتَلَمَ وَحَاضَ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَهُوَ مُشْكِلٌ. وَثُمَّ قَوْلُ شَاذٌّ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى أَعْدَادِ أَضْلَاعِهِ. انْتَهَى بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ الْجَمِيلِ وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 620