الكتاب: الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة الوافية. (شرح حدود ابن عرفة للرصاع) المؤلف: محمد بن قاسم الأنصاري، أبو عبد الله، الرصاع التونسي المالكي (المتوفى: 894هـ) الناشر: المكتبة العلمية الطبعة: الأولى، 1350هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- شرح حدود ابن عرفة الرصاع الكتاب: الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة الوافية. (شرح حدود ابن عرفة للرصاع) المؤلف: محمد بن قاسم الأنصاري، أبو عبد الله، الرصاع التونسي المالكي (المتوفى: 894هـ) الناشر: المكتبة العلمية الطبعة: الأولى، 1350هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] [مُقَدِّمَة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا قَالَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْمُدَرِّسُ الْمُصَنِّفُ الْعَلَّامَةُ خَطِيبُ الْخِلَافَةِ الْعَلِيَّةِ وَالْمُفْتِي بِالْحَاضِرَةِ التُّونِسِيَّةِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْأَنْصَارِيُّ شُهِرَ الرَّصَّاعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الَّذِي أَحَاطَ عِلْمُهُ بِدَقَائِقِ حَقَائِقِ الْمَعْقُولَاتِ، الْحَكِيمِ الَّذِي أَحْكَمَ بِحِكْمَتِهِ رَقَائِقَ دَقَائِقِ الْمَصْنُوعَاتِ، الْكَرِيمِ الَّذِي عَلَّمَنَا تَعْرِيفَ الْفُصُولِ وَخَاصَّةَ الْمَحْدُودَاتِ، وَأَلْهَمَنَا بِفَضْلِهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِخَوَاصِّ الْكَائِنَاتِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْهَادِي لِشَرْحِ بَيَانِ الْمُشْكِلَاتِ، وَخَالِقِ الْمَعْرِفَةِ فِي الْقُلُوبِ الزَّاهِرَاتِ، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنْ مِنَنِهِ الْغَادِيَاتِ السَّابِحَاتِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا سَنَّهُ مِنْ نِعَمِهِ وَعَرَّفَنَا بِهِ حَقَائِقَ الْمَخْلُوقَاتِ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً نَصِلُ بِهَا إلَى مَعَارِفِ الْجَنَّاتِ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَتَانَا بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، وَأَرْشَدَنَا إلَى الدَّلَائِلِ الْوَاضِحَاتِ، وَحَقَّقَ لَنَا حَقَائِقَ الْعَقَائِدِ وَدَقَائِقَ الْفَرْعِيَّاتِ، وَأَصَّلَ لَنَا أُصُولَ الدِّيَانَاتِ وَالْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّاتِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ اقْتَبَسُوا مِنْ أَنْوَارِهِ وَالْتَقَطُوا مِنْ أَزْهَارِهِ، وَبَلَّغُوا لِمَنْ بَعْدَهُمْ مَا تَبَرَّكُوا بِهِ مِنْ نَوَامِي الْبَرَكَاتِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا سَلَامًا نَنْجُو بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ، وَنَصِلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ نُفُوسِنَا الْأَمَّارَاتِ. أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمَّا سَبَقَتْ مِنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى إلَيَّ وَأَظْهَرَ فَضْلَهُ سُبْحَانَهُ عَلَيَّ بِمَحَبَّةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَعَلَمِ الْأَعْلَامِ الَّذِي افْتَخَرَتْ بِهِ أُمَّةُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الشَّيْخِ الْوَلِيِّ الْعَالِمِ الْأَعْلَمِ الصَّالِحِ الزَّكِيِّ الْقُدْوَةِ الْأُسْوَةِ السُّنِّيِّ السَّنِيِّ الْعَارِفِ عَلَى التَّحْقِيقِ، الْهَادِي إلَى الطَّرِيقِ الدَّالِّ عَلَى التَّدْقِيقِ، صَاحِبِ السَّعْدِ وَالسُّعُودِ وَالْيُمْنِ وَالتَّوْفِيقِ، شَيْخِ كَثِيرٍ مِنْ شُيُوخِنَا نِهَايَةِ الْعُقُولِ فِي الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ فِي وَقْتِنَا وَقَبْلَ وَقْتِنَا بَقِيَّةِ الرَّاسِخِينَ مِنْ سَادَاتِنَا آخِرِ الْمُتَعَبِّدِينَ مِنْ سَلَفِنَا سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا وَبَرَكَتِنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَضِيَ عَنْهُ وَرَحِمَ سَلَفَهُ وَأَعَادَ عَلَيْنَا فَضْلَهُ، وَصَيَّرَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 مِمَّنْ عَظُمَ قَدْرُهُ وَعَرَفَهُ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِمَا مَنَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ. وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِنَا مَحَبَّتَهُ وَأَسْبَغَ بِهَا عَلَيْنَا نِعْمَتَهُ لَمَّا تَوَاتَرَ لَدَيْنَا مِنْ حُسْنِ طَرِيقِهِ وَهَدْيِهِ، وَغَزَارَةِ عِلْمِهِ وَبَلَاغَةِ فَهْمِهِ، وَقُوَّةِ عِزِّهِ لِطَاعَةِ رَبِّهِ، فَزَرَعَ اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مَحَبَّتَهُ، وَأَلْقَى فِي أَفْئِدَتِهَا مَوَدَّتَهُ، كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ سُبْحَانَهُ فِي مُعَامَلَتِهِ لِخَاصَّةِ الصَّالِحِينَ، فِي إلْقَاءِ مَوَدَّتِهِمْ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ شَاهَدْنَا شُيُوخَنَا الْآخِذِينَ عَنْهُ يَقِفُونَ عِنْدَ حَدِّهِ مُعَظِّمِينَ لِقَدْرِهِ، مُسَلِّمِينَ لِفَهْمِهِ، لَا يُعَارِضُونَهُ وَلَا يُرَاجِعُونَهُ إلَّا بِأَدَبٍ وَوَقَارٍ، وَتَعْظِيمٍ وَإِكْبَارٍ، وَقَدْ قَيَّدْنَا عَنْهُمْ مَا سَمِعْنَا مِنْ كَرَامَاتِهِ وَمَا بَلَغَنَا مِنْ مَحَاسِنِهِ وَسِيَادَاتِهِ وَمَا قُيِّدَ عَنْهُ مِنْ ابْتِكَارَاتِهِ. وَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ جُمْلَةً صَالِحَةً فِي أَوَّلِ هَذَا التَّقْيِيدِ وَآخِرِهِ مِنْ طَرِيقِهِ وَفَضْلِهِ وَدِينِهِ وَعِلْمِهِ، مَا يَحْمِلُ طَالِبَ الْعِلْمِ عَلَى تَعْظِيمِهِ وَبِرِّهِ، وَشَاهِدُنَا كُتُبُهُ جَامِعَةٌ مَانِعَةٌ شَافِيَةٌ وَافِيَةٌ الْمُبْرِزُ مِنْ فُقَهَاءِ الزَّمَانِ مِمَّنْ يَفُكُّ رُمُوزَهَا وَيَفْهَمُ إشَارَاتِهَا وَيَتَفَاخَرُونَ بِذَلِكَ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ وَكُلُّ ضَعِيفِ الْعَقْلِ خَبِيثُ سَرِيرَةٍ وَكَبِيرُ جَهْلٍ إذَا رَبَتْ بِهِ نَفْسُهُ الْخَبِيثَةُ عَلَا وَغَلَا، فَيَتَعَرَّضُ بِالِاعْتِرَاضِ لِلْعَطَبِ وَالْبِلَا حَفِظَ اللَّهُ قُلُوبَنَا وَمَلَأَهَا بِمَحَبَّتِنَا فِي سَادَاتِنَا الَّذِينَ فَتَحُوا لَنَا الْأَبْوَابَ وَهَدَانَا اللَّهُ بِهِمْ إلَى طَرِيقِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، وَلَمَّا كُنْت كَثِيرَ الْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ لِهَذَا السَّيِّدِ الْكَرِيمِ أَكْثَرْت مِنْ النَّظَرِ فِي تَعْرِيفِهِ لِلْحَقَائِقِ الْفِقْهِيَّةِ وَوَلِعْت فِي طَلَبِ تَفْهِيمِ فَوَائِدِهِ اللُّغَوِيَّةِ فَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُحِبِّينَ مِنْ الطَّلَبَةِ الْمُجْتَهِدِينَ وَأَحْصَنِهِمْ عَلَى النَّظَرِ فِي دَقَائِقِهِ وَالتَّفَقُّهِ فِي حَقَائِقِهِ لِأَنَّهَا مُعِينَةٌ عَلَى تَحَصُّلِ الْفَرْعِيَّاتِ، مُحَصِّلَةٌ لِحَقَائِق الْفِقْهِيَّاتِ، لِأَنَّ رُسُومَهُ قَوَاعِدُ مَذْهَبِيَّةٌ كُلِّيَّاتٌ، فَحِفْظُ الطَّالِبِ لِتِلْكَ الْقَوَاعِدِ إعَانَةٌ عَلَى تَحَصُّلِ الْفُرُوعِ وَكَثْرَةِ الْفَوَائِدِ، وَلَمَّا سَمِعَ مِنِّي مِرَارًا بَعْضُ نُبَلَاءِ الطَّلَبَةِ وَنُجْلِ فُضَلَاءِ الْأَحِبَّةِ شَرْحَ كَبِيرٍ مِنْ حَقَائِقِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَبَسْطَ مَوَاضِعَ مِنْ دَقَائِقِهِ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، طَلَبَ مِنِّي شَرْحًا لِحُدُودِهِ، مُبَيِّنًا لِفَرَائِدِهِ، وَفَاتِحًا لِأَبْوَابِ عُقُودِهِ، فَرَأَيْت أَنَّ هَذِهِ مِنْ مِنَّةِ اللَّهِ عَلَيَّ وَهِدَايَةٍ مِنْ الْكَرِيمِ سَاقَهَا الْحَلِيمُ إلَيَّ، بِخِدْمَتِي لِشَيْخِ سُنَّةِ، النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الَّذِي كَانَتْ حَيَاتُهُ بِلُطْفِهِ الْجَمِيلِ وَخَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ بَيْنِ الْأَنَامِ فَأَجَبْت السَّائِلَ لِمَا سَأَلَ. وَاعْتَمَدْت عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَحْفَظَنَا مِنْ الْخَطَأِ وَالزَّلَلِ، فِي الِاعْتِقَادِ وَالْقَوْلِ وَالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ، وَرَغِبْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 مِنْ مَوْلَايَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَهُ وَأَنْ يُتَمِّمَ لِي قَصْدَهُ وَعَمَلَهُ وَأَنْ يَجْعَلَنَا فِي حِمَى الْمُؤَلِّفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَرَحِمِ سَلَفِهِ وَأَنْ يُحَصِّنَنَا بِحِصْنِ نَبِيِّهِ الْحَصِينِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَسَمَّيْته " كِتَابَ الْهِدَايَةِ الْكَافِيَةِ الشَّافِيَةِ لِبَيَانِ حَقَائِقِ الْإِمَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الْوَافِيَةِ " فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ مُقَدِّمَةِ يُحْتَاجُ إلَيْهَا، وَيَجِبُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا، لِيُسْتَعَانَ بِهَا فِي فَهْمِ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا وَفِيهَا مَسَائِلُ نَرْجُو أَنْ تَكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الْوَلِيِّ وَسَائِلُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ نَسَبِهِ وَفَضْلِهِ وَعِلْمِهِ وَتَآلِيفِهِ وَسِنِّهِ وَمَوْتِهِ وَكَرَامَاتِهِ وَطَرِيقِهِ فِي هَدْيِهِ فَلْنَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً صَالِحَةً يَقِفُ عَلَيْهَا مَنْ لَهُ مَحَبَّةٌ وَشَوْقٌ فِي مَقَامِ هَذَا الْوَلِيِّ السُّنِّيِّ لِيَزِيدَ بِذَلِكَ تَعْظِيمًا لِقَدْرِهِ وَزِيَادَةً فِي بِرِّهِ وَتَخَلُّقًا بِطَرِيقِهِ وَتَحَقُّقًا فِي مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَاحْتِقَارًا لِنَفْسِهِ وَيُعْلَمَ أَنَّ عِلْمَهُ إنَّمَا هُوَ ثَمَرَةُ عَمَلِهِ وَإِخْلَاصٌ لِنِيَّتِهِ وَحُسْنِ مُعَامَلَتِهِ لِرَبِّهِ فِي خِدْمَتِهِ. أَمَّا نَسَبُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ الشَّيْخُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَعْلَمُ الْإِمَامُ الصَّالِحُ الْعَالِمُ الْقُدْوَةُ الْعَلَّامَةُ الْبَرَكَةُ الْفَهَّامَةُ ذُو الْقَدْرِ الْكَبِيرِ وَالْفَخْرِ الشَّهِيرِ الْحَاجُّ لِبَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ الْمُعَظِّمُ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ الْوَرِعُ الْأَنْزَهُ الْأَكْمَلُ سَيِّدُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَرَفَةَ الْمَالِكِيُّ مَذْهَبًا الْوَرْغَمِّيُّ نَسَبًا التُّونِسِيُّ مَوْلِدًا وَمَنْشَأً تَزَايَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَامَ سِتَّةَ عَشَرَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ عَامَ ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِمِائَةٍ وَكَانَ وَالِدُهُ رَجُلًا خَيِّرَا صَالِحًا مُتَعَبِّدًا جَاوَرَ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ وَلَازَمَهَا وَتُوُفِّيَ بِهَا وَكَانَ يَدْعُو فِي آخِرِ لَيْلِهِ لِوَلَدِهِ بَعْدَ تَهَجُّدِهِ وَيُصَلِّي عَلَى نَبِيِّهِ وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنَ عَرَفَةَ فِي حِمَاك يَقُولُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ حَتَّى صَحِبَهُ اللُّطْفُ الْجَمِيلُ فِي حَيَاتِهِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ آثَارُ الْبَرَكَةِ بَعْدَ مَمَاتِهِ وَكَانَ صَاحِبَ جَدٍّ وَوِلَايَةٍ وَبَخْتٍ وَيُنَاوِلُ عَصَا الْخَطِيبِ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ لِلشَّيْخِ وَلِيِّ اللَّهِ سَيِّدِي خَلِيلٍ فَإِذَا نَاوَلَهُ ذَلِكَ يُفَكِّرُهُ وَيَقُولُ لَهُ يَا سَيِّدِي مُحَمَّدٌ وَلَدِي اُدْعُ لَهُ وَهَذِهِ سَعَادَةٌ رَبَّانِيَّةٌ وَعِنَايَةٌ سَمَاوِيَّةٌ سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ فَكَانَ بِذَلِكَ لَهُ الْكَرَامَاتُ مِنْ اللَّهِ وَكَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي صِغَرِهِ مَشْهُورًا بِالْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ وَالْمُطَالَعَةِ وَالْمُذَاكَرَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 وَالْمُلَازَمَةِ لِلشُّيُوخِ الْجِلَّةِ وَقَدْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ مُقَدِّمَاتُ الْفَلَاحِ الْمُنْتِجَةُ لِمَا نَتَجَتْ فِيهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالصَّلَاحِ وَأَخَذَ عَنْ شُيُوخٍ جَلِيلَةٍ عَظِيمَةٍ كَرِيمَةٍ مِنْهُمْ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلَمُ الْأَعْلَامِ الْقَاضِي ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْعَشْرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحَدِيثَ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَازَمَهُ كَثِيرًا وَأَخَذَ عَنْهُ عِلْمًا غَزِيرًا وَأَخَذَ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ سَلَامَةَ وَالشَّيْخِ ابْنِ هَارُونَ وَالشَّيْخِ السَّطِّيِّ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْفَرَائِضَ وَأَخَذَ الْعُلُومَ الْعَقْلِيَّةَ عَنْ الشَّيْخِ الْأُبُلِّيِّ وَابْنِ الدَّرَّاسِ وَابْنِ الْحُبَابِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا نَقَلْنَا عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا قَرَأْت الْقُرْآنَ بِالسَّبْعِ عَلَى الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ مِنْ طَرِيق الدَّانِي وَابْنِ شُرَيْحٍ وَعَلَى الشَّيْخُ الصَّالِحُ بْنُ برال بِالسَّبْعِ مِنْ طَرِيقِ الدَّانِي وَقَرَأَ أُصُولَ الْفِقْهِ عَلَى الشَّيْخِ ابْنِ عَلْوَانَ وَأُصُولَ الدِّينِ عَلَى الشَّيْخِ ابْنِ سَلَامَةَ وَعَلَى الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالنَّحْوَ عَلَى ابْنِ قُبَيْسٍ وَالْجَدَلَ وَالْمَنْطِقَ وَالنَّحْوَ عَلَى ابْنِ الْحُبَابِ وَالْفَرَائِضَ عَلَى الشَّيْخِ السَّطِّيِّ وَالْحِسَابَ عَلَى الشَّيْخِ الْأُبُلِّيِّ وَالْفِقْهَ عَلَى الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالشَّيْخِ ابْنِ الْقَدَّاحِ وَالشَّيْخِ ابْنِ هَارُونَ وَالسَّطِّيِّ وَسَائِرَ الْمَعْقُولِ عَلَى الشَّيْخِ الْأُبُلِّيِّ وَكَانَ الْأُبُلِّيُّ يُثْنِي عَلَيْهِ وَيَقُولُ لَمْ يَقْرَأْ عَلَيَّ مِثْلُهُ وَأَمَّا جِدُّهُ وَاجْتِهَادُهُ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ وَالسَّعْيِ فِي ثَوَابِهِ فِي صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ وَصَدَقَتِهِ فَيُقَالُ إنَّهُ بَلَغَ دَرَجَةَ كَثِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَنَالَ دَرَجَةَ الصَّالِحِينَ وَذِكْرُ الْحِكَايَاتِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى تَأْلِيفٍ وَتَدْوِينِ تَصْنِيفٍ وَأَلَّفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَآلِيفَ عَجِيبَةً وَمُصَنَّفَاتٍ غَرِيبَةً مِنْهَا تَأْلِيفُهُ الْفِقْهِيُّ لَمْ يُسْبَقْ بِهِ فِي تَحْقِيقِهِ وَتَهْذِيبِهِ وَجَمْعِهِ وَأَبْحَاثِهِ الرَّشِيقَةِ وَحُدُودِهِ الدَّقِيقَةِ وَمَا فِيهِ مِنْ مُعْجِزَاتِ أَبْحَاثِهِ الْمُبْتَكَرَةِ وَفَوَائِدِهِ الَّتِي هِيَ فِي كُلِّ أَوْرَاقِهِ مُنْتَشِرَةٌ وَتَأْلِيفُهُ الْمَنْطِقِيُّ فِيهِ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَالْفَوَائِدِ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ كِبَارُ الْفُحُولِ عَلَى صِغَرِ جُرْمِهِ وَكَثْرَةِ عِلْمِهِ وَتَأْلِيفُهُ الْفَرْضِيُّ وَتَأْلِيفُهُ الْأُصُولِيُّ الدِّينِيُّ وَالْفِقْهِيُّ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ إمْلَاءَاتِهِ فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَكَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسْعُودًا فِي دُنْيَاهُ مَرَضِيًّا عَنْهُ فِي أُخْرَاهُ أَعَزَّهُ بِطَاعَتِهِ وَأَطَالَ عُمْرَهُ فِي عِبَادَتِهِ وَعَظَّمَتْهُ الْمُلُوكُ لِهَيْبَةِ دِيَانَتِهِ وَقَامَتْ بِحَقِّهِ لِقُوَّةِ خِدْمَتِهِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَظُهُورِ كَرَامَتِهِ وَكَانَ مِنْ سَعَادَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يُبْتَلَ بِفِتْنَةِ الْقَضَاءِ مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 قُدْرَتِهِ عَلَى تَحْصِيلِهِ حِفْظًا لَهُ مِنْ رَبِّهِ لِدَوَامِ النَّفْعِ بِهِ فِي عِلْمِهِ. وَقُدِّمَ لِلْإِمَامَةِ بِالْجَامِعِ الْأَعْظَمِ عَامَ سِتَّةٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَقُدِّمَ لِخَطَابَتِهِ عَامَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ وَقُدِّمَ لِلْفَتْوَى عَام ثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ. وَمِنْ غَرِيبِ كَرَامَاتِهِ أَنَّهُ مِنْ لَدُنْ وَلِيَ الْإِمَامَةَ إلَى مَوْتِهِ لَمْ يَقَعْ لَهُ تَعَذُّرٌ عَنْ الْإِمَامَةِ فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي أَيَّامِ مَرَضِهِ عَامَ سِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَفِي عَامِ ثَمَانِيَةٍ وَسِتِّينَ وَفِي عَامِ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ وَفِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ وَفِي زَمَنِ غَيْبَتِهِ فِي زَمَنِ حَجِّهِ. وَفِي بَعْضِ صَلَوَاتٍ غَابَ فِي وَقْتِهَا فِي خُرُوجِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ بَعَثَهُ الْمَلِكِ الْهُمَامِ الْمُرْتَضَى لِآيَاتِ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِالسِّيَادَةِ عِنْدَ الْمُلُوكِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ مَوْلَانَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو الْعَبَّاسِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُمْ وَبَرَّدَ ضَرِيحَهُمْ وَجَعَلَ الْبَرَكَةَ فِي عَقِبِهِمْ إلَى يَوْمِ الدِّينِ وَنَصَرَ مَوْلَانَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْأَعْدَلِيَّ الْعُمَرِيَّ الْعُثْمَانِيَّ وَأَدَامَ أَيَّامَهُ الزَّاهِرَةَ وَكَانَ لَهُ وَمَعَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " وَهَذَا التَّأْلِيفُ مِنْ ثَمَرَاتِ حَسَنَاتِهِ وَنَتِيجَةِ بَرَكَاتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مَنَّ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بِوُجُودِهِ وَأَعَانَنَا عَلَى حُصُولِ الْخَيْرِ بِسَبَبِ عُلُوِّهِ وَعِزِّهِ وَصُعُودِهِ زَادَهُ اللَّهُ خَشْيَةً وَرَحْمَةً وَعَمَلًا بِالْحَقِّ وَنَصْرًا لِلْحَقِّ وَأَهْلِهِ وَعَمَّرَ الْأَرْضَ بِبَقَائِهِ وَنَوَّرَ عَدْلَهُ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ " وَبِالْجُمْلَةِ فَالشَّيْخُ الْإِمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ آثَارُ السَّعَادَةِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَجَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ بَيْنَ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالنُّصْرَةِ وَالْأَيَادِي الْفَاخِرَةِ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَحَشَرَنَا مَعَهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ فِي آخِرِ التَّأْلِيفِ نُذَيِّلُ بِهَا مِنْ تَمَامِ فَضْلِهِ وَدَلِيلِ عِلْمِهِ وَكَرَمِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَمُنُّ عَلَيْنَا بِبَعْضِ عِلْمِهِ بِحُرْمَةِ نَبِيِّهِ وَحَبِيبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَوِّلْ مُخْتَصَرِهِ بَعْدَ خُطْبَتِهِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ تَأْلِيفُ مُخْتَصَرِهِ الَّذِي أَعْجَزَ الْفُحُولَ عَنْ مِثْلِهِ بِجَمْعِهِ وَمَنْعِهِ تَعْرِيفَ مَاهِيَّاتِ الْحَقَائِقِ الْفِقْهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ لِمَا عَرَضَ مِنْ النَّقْلِ وَالتَّخْصِيصِ عَرَفْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وَفَائِهِ بِمَا وَعَدَ بِهِ وَقَدْ وَفَّى بِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَرَى فِيهِ عَلَى نَهْجِ طَرِيقِ تَحْقِيقِ الْقَوَاعِدِ الْمَنْطِقِيَّةِ فِي التَّوَصُّلِ إلَى تَصَوُّرِ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ فَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَعْرِيفُ مَاهِيَّاتِ الْحَقَائِقِ وَلَمْ يَقُلْ حَدُّ مَاهِيَّاتِ الْحَقَائِقِ لِيَشْمَلَ التَّعْرِيفَ بِالْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 وَالرَّسْمِيِّ لِأَنَّ الْمُعَرِّفَ هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْحَدِّ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ وَرُبَّمَا يُطْلَقُ الْحَدُّ عَلَى ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْحَدُّ حَقِيقِيٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ لَكِنْ قَالَ شُرَّاحُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِيهِ مَجَازٌ لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِلْحَقِيقَةِ بِأَجْزَائِهَا وَذَاتِيَّاتِهَا وَالْمُرَادُ بِمَاهِيَّاتِ الْحَقَائِقِ هُنَا أَيْ مَدْلُولِ الْحَقَائِقِ الْفَرْعِيَّةِ لِأَنَّ مُرَادَهُ بَيَانُ مَدْلُولِ مَا هُوَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَالصَّلَاةِ وَمَا شَابَهَهَا وَقَوْلُهُ الْحَقَائِقُ جَمْعُ حَقِيقَةٍ وَهِيَ الْمَاهِيَّةُ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِ هِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ فِي اصْطِلَاحِ التَّخَاطُبِ وَهُوَ يَشْمَلُ الْحَقَائِقَ اللُّغَوِيَّةَ وَالْعُرْفِيَّةَ وَالشَّرْعِيَّةَ عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَحَلِّهِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْحُدُودِ وَالْبَحْثِ وَالْمُرَادُ هُنَا الشَّرْعِيَّةُ وَلَمَّا كَانَتْ الشَّرْعِيَّةُ رُبَّمَا شَمِلَتْ الدِّينِيَّةَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ زَادَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَيْدَ الْفِقْهِيَّةِ لِتَخْرُجَ الدِّينِيَّةُ ثُمَّ زَادَ فِي الْقَيْدِ الْكُلِّيَّةَ احْتِرَازًا مِنْ الشَّخْصِيَّةِ وَقَوْلُهُ لَمَّا عَرَضَ مِنْ النَّقْلِ وَالتَّخْصِيصِ عِلَّةً فِي كَوْنِهَا صَارَتْ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً فَرْعِيَّةً لِأَنَّهَا عَرَضَ لَهَا نَقْلٌ مِنْ أَصْلِ اللُّغَةِ كَالصَّلَاةِ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ لِلدُّعَاءِ ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى عِبَادَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَمِثْلُ الصِّيَامِ لِأَنَّهُ فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاكُ ثُمَّ خُصِّصَ فِي الشَّرْعِ بِإِمْسَاكٍ مَخْصُوصٍ فَقَوْلُهُ مِنْ نَقْلِ وَتَخْصِيصِ مَعْنَاهُ مِنْ نَقْلٍ فِي بَعْضِ الْحَقَائِقِ وَتَخْصِيصٍ فِي الْبَعْضِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ إلَى الْخِلَافِ فِي الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ هَلْ فِيهَا نَقْلٌ مِنْ الشَّارِعِ أَوْ لَيْسَ فِيهَا نَقْلٌ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَيَكُونُ أَشَارَ إلَى الْمَذْهَبَيْنِ الْمَعْلُومَيْنِ وَانْظُرْ الْعَضُدَ وَالتَّفْتَازَانِي وَغَيْرَهُمَا وَمَا نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ وَتَأَمَّلْ كَلَامَ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْلِهِ مِنْ نَقْلٍ وَتَخْصِيصٍ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ انْحَصَرَتْ فِي النَّقْلِ وَالتَّخْصِيصِ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الْوَاقِعَ مِنْهَا إمَّا نَقْلٌ مَعَ مُنَاسَبَةٍ غَلَبَ الِاسْتِعْمَالُ فِي الْمَنْقُولِ إلَيْهِ حَتَّى تَبَادَرَ فِي الذِّهْنِ مَعْنَاهُ أَوْ مَعَ نَقْلٍ لَا بِشَرْطِ مُنَاسَبَةٍ أَوْ مَعَ وَضْعٍ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ وَهَذَا الثَّالِثُ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَعَلَّهُ يَمْنَعُ الثَّالِثَ وَفَرَّعَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ وَاقِعَةٌ وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ خِلَافًا لِلْقَاضِي فَإِنْ قِيلَ هَلَّا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ نَقْلٍ وَتَخْصِيصٍ وَتَعْمِيمٍ لِأَنَّهُمْ قَالُوا الْغَالِبُ فِي الشَّرْعِ إمَّا النَّقْلُ أَوْ تَخْصِيصُ مَعْنَى اللُّغَةِ قَالُوا وَقَدْ وَرَدَ تَعْمِيمُ الشَّرْعِ لِمَا خَصَّصَتْهُ اللُّغَةُ كَالْيَمِينِ فَإِنَّهَا فِي اللُّغَةِ قَسَمٌ بِالتَّاءِ أَوْ بِإِحْدَى أَخَوَاتِهَا وَفِي الشَّرْعِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَالْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَعَمُّ مِنْ مَدْلُولِ اللُّغَةِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 بِأَنْ نَقُولَ إنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ تَحْتَ النَّقْلِ لِنَقْلِ الشَّرْعِ الْمَعْنَى الْأَخَصِّ إلَى مَعْنًى أَعَمَّ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ ذَلِكَ فَيُقَالُ بِمِثْلِهِ فِي التَّخْصِيصِ وَيُسْتَغْنَى بِالنَّقْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَبِعِلْمِهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَ التَّعْرِيفَ وَالْمُعَرَّفَ مَعْلُومٌ حَدُّهُ وَيَصْدُقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ حَقِيقِيٍّ وَرَسْمِيٍّ وَلَفْظِيٍّ فَإِنْ قُلْت هَلْ مُرَادُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيَانُ الْحَقَائِقِ الْفِقْهِيَّةِ إمَّا بِالذَّاتِيَّاتِ أَوْ بِلَوَازِم الْمَاهِيَّاتِ أَوْ بِتَبْدِيلِ لَفْظٍ بِلَفْظٍ أَشْهَرَ وَيَكُونُ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَاهِيَةَ إنْ عُلِمَتْ أَجْزَاؤُهَا وَذَاتِيَّتُهَا صَحَّ حَدُّهَا بِهَا إمَّا تَامَّةً أَوْ نَاقِصَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عُرِّفَتْ بِالْحَدِّ اللَّفْظِيِّ أَوْ مُرَادُهُ إنَّمَا هُوَ التَّعْرِيفُ بِالْأَمْرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُمَيِّزُ اللَّازِمَ الدَّاخِلَ مِنْ اللَّازِمِ الْخَارِجِ قُلْت وَلَعَلَّ مُرَادَ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْعَقْلَ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُدْرِكُهُ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ بِالِاسْتِقْرَاءِ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ فِي وَضْعِ اللُّغَةِ فَمَا عُلِمَ بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ أَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ كَالرَّكْعَةِ وَالسَّجْدَةِ كَانَ ذَاتِيًّا وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ خَارِجٌ كَالشُّرُوطِ اللَّازِمَةِ كَانَ خَاصَّةً فَصَحَّ أَنَّ الْمَاهِيَةَ يَصِحُّ حَدُّهَا بِالْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ وَالرَّسْمِيِّ وَاللَّفْظِيِّ إنْ وُجِدَ تَرَادُفٌ بَيْنَ الْمَحْدُودِ وَالْحَدِّ فَإِنْ قِيلَ الرَّكْعَةُ وَالسَّجْدَةُ وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ أَجْزَاءٌ حِسِّيَّةٌ غَيْرُ مَحْمُولَةٍ وَأَجْزَاءُ الْمَحْدُودِ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مَحْمُولَةً عَلَى مَا حَقَّقَهُ جَمَاعَةٌ فِي الذَّاتِيّ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَقْلًا وَمَا لَيْسَ بِمَحْمُولٍ لَا يُقَالُ فِيهِ ذَاتِيٌّ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ رَدَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى شَيْخِهِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْحُدُودِ حَيْثُ يَقُولُ اسْتَغْنَى ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ الْحَدِّ بِذِكْرِ الْأَجْزَاءِ عَلَى مَا سَتَرَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي أَمَاكِنِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَذْكُرُ فِي الْحَدِّ الْأَجْزَاءَ الْحِسِّيَّةَ الَّتِي لَا تُحْمَلُ بَلْ مَا يَصِحُّ حَمْلُهُ فَيَقُولُ الصَّلَاةُ ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ وَلَا يَقُولُ الصَّلَاةُ إحْرَامٌ وَسَلَامٌ وَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُوَ الَّذِي حَقَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَأَنَّ النُّطْقَ فِي الْإِنْسَانِ هُوَ الْفِعْلُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ الْجُزْءُ الْمُقَدَّمُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ إلَّا بِالِاشْتِقَاقِ مِنْهُ كَالنَّاطِقِ أَوْ ذُو نُطْقٍ وَوَقَعَ فِي كَلَامٍ لِكَاتِبِي أَنَّ الْحَدَّ يَصِحُّ بِالْأَجْزَاءِ الْحَيَّةِ وَالْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ بِالذَّاتِيِّ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَا يَصِحُّ حَمْلُهُ وَلَمَّا كَانَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ يَقُولُ إمَّا حَدُّهُ وَإِمَّا رَسْمُهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُرَاعِي الْحَدَّ الْحَقِيقِيَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وَالرَّسْمِيِّ فِي حُدُودِهِ لَا أَنَّهَا كُلَّهَا عِنْدَهُ رُسُومٌ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَبَّهْنَا بِذَلِكَ هُنَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ ثَمَّةَ وَلَوْلَا الْخُرُوجُ عَنْ الْمَقْصِدِ لَذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا يُنَاسِبُ مَقْصِدَنَا (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا كَانَ إمَامًا فِي الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ مُحَقِّقًا بِحَقَائِق الدَّقَائِقِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُلَاحِظَ مَقُولَةَ الْمَحْدُودِ مَعَ حَدِّهِ وَكَانَتْ الْمَقُولَاتُ عَشْرَةً جَوْهَرٌ وَعَرَضٌ وَالْعَرَضُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الْفِعْلِ وَالْكَيْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ وَقَدْ جُمِعَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ زَيْدٌ طَوِيلٌ أَزْرَقُ ابْنُ مَالِكٍ ... فِي بَيْتِهِ بِالْأَمْسِ كَانَ مُتَّكَى بِيَدِهِ سَيْفٌ لَوَاهُ فَالْتَوَى ... فَهَذِهِ عَشْرُ مَقُولَاتٍ حَوَى وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَمَرٌ عَزِيزُ الْحُسْنِ الطَّفُّ مِصْرُهُ ... لَوْ قَامَ يَكْشِفُ غُمَّتِي لَمَا انْثَنَى فَكُلُّ حَدٍّ ذَكَرَهُ يَرْجِعُ إلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقُولَاتِ وَلَوْلَا الطُّولُ لَذَكَرْنَاهُ فَلِهَذَا تَجِدُ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُعَبِّرُ عَنْ ذَلِكَ بِمَا يُنَاسِبُ مَقُولَةَ الْمَحْدُودِ وَيَذْكُرُ ذَلِكَ فِي الْجِنْسِ فَيَذْكُرُ الصِّفَةَ الْحُكْمِيَّةَ وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى الْكَيْفِ أَوْ النِّسْبَةِ وَيَقُولُ قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ فِيمَا يُنَاسِبُ الْفِعْلَ مِنْ الْمَحْدُودَاتِ وَيَقُولُ أَمَّا حَدُّهُ اسْمًا إنْ كَانَ مِمَّا يُنَاسِبُ الْجَوْهَرَ كَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصَّيْدِ وَيَظْهَرُ لَك ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَ كُلِّ حَدٍّ فِي كِتَابِهِ فَإِنْ قُلْت إذَا صَحَّ لَك مَا أَشَرْت إلَيْهِ فَمَا بَالَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَذْكُرُ فِي بَعْضِ حُدُودِهِ اللَّقَبَ كَمَا قَالَ فِي الذَّبَائِحِ لَقَبٌ إلَخْ وَكَمَا ذَكَرَ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ فَحَدُّ ذَلِكَ مُضَافًا وَلَقَبًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَوَقَعَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ وَاللَّقَبُ مِنْ صِفَاتِ الْأَلْفَاظِ وَلَيْسَتْ بِجِنْسٍ لِلْمَحْدُودِ بِوَجْهٍ وَلَا مِنْ الْمَقُولَاتِ فَالْجَوَابُ أَنْ نَقُولَ: مَا أَشَرْت إلَيْهِ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ ذَلِكَ فِي بَيَانِ لَفْظٍ رُكِّبَ وَجُعِلَ عَلَى مَجْمُوعِ أُمُورٍ لَقَبًا عَلَيْهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ تَفْسِيرِ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ عَلَى مَعَانٍ مَجْمُوعَةٍ فَهُوَ حَدٌّ لَفْظِيٌّ كَذَا وَقَعَ لِلشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كَوْنِ ابْنِ الْحَاجِبِ يُعَبِّرُ بِاللَّقَبِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَإِنْ كَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَرَضَهُ فَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَإِلَّا فَسَلِمَ لَهُ أَنَّهُ حَدٌّ لَفْظِيٌّ لِتَعَذُّرِ التَّعْرِيفِ فِيهِ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ التَّفَطُّنُ لَهُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ فِي حُدُودِهِ وَاخْتِلَافِ عِبَارَاتِهِ فِيهَا وَاَللَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 أَعْلَمُ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) : الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْغَالِبُ فِي حُدُودِهِ أَنَّهَا تَعُمُّ الْمَاهِيَةَ الصَّحِيحَةَ وَالْفَاسِدَةَ مِثْلُ قَوْلِهِ قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً وَكَذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ حُدُودِهِ وَرُبَّمَا وَقَعَ لَهُ مَا تَقِفُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ هَلْ يُرَاعَى حَدُّهَا الصَّحِيحُ فَقَطْ أَوْ يُرَاعَى الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ اُنْظُرْ الْمَازِرِيَّ فِي الْبُيُوعِ وَانْظُرْ الشَّهَادَةَ هُنَا فَإِنَّا نَقَلْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الرَّسْمِ يَعُمُّ الْفَاسِدَ وَغَيْرَهُ (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) رُبَّمَا وَقَعَ الْحَدُّ مِنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا يَعُمُّ الْمَشْهُورَ وَغَيْرَهُ وَرُبَّمَا وَقَعَ لَهُ الْحَدُّ بِمَا يَخُصُّ الْمَشْهُورَ وَرُبَّمَا اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قُصُورِهِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا وَقَعَ لَهُ فِي الْإِيلَاءِ وَانْظُرْ مَا وَقَعَ فِي الظِّهَارِ لِلشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) رُبَّمَا حَدَّ الشَّيْخُ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ بِاعْتِبَارِ أَعَمِّ مَعْنَاهَا وَبِاعْتِبَارِ أَخَصِّهِ عُرْفًا كَمَا قَالَ فِي الْبَيْعِ الْأَعَمِّ وَالْبَيْعِ الْأَخَصِّ الْعُرْفِيِّ وَالْمَقْصِدُ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ الْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ الْفَرْعِيَّةُ وَمَا وَقَعَ فِي تَرَاجِمِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ كَالْمُدَوَّنَةِ مِثْلُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَالصَّرْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الَّذِي غَلَّبَ عُرْفًا شَرْعِيًّا عَلَى مَسَائِلَ فَرْعِيَّةٍ وَأَمَّا الْبَيْعُ الْأَعَمُّ فَلَمْ يَكُنْ مِثْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْلِبْ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَلِذَا قَالَ: وَالْيَمِينُ عُرْفًا إلَى آخِرِهِ وَأَدْخَلَ فِي ذَلِكَ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ لِإِطْلَاقِ الْمُدَوَّنَةِ كِتَابَ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَتَرْجَمَ عَلَيْهَا وَقَالَ الْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الشَّرِكَةِ فَحَدُّهَا أَعَمِّيَّةٌ وَأَخَصِّيَّةٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) كَثِيرًا مِنْ الْحَقَائِقِ مَا يُذْكَرُ فِيهَا حَدُّ الِاسْمِ وَحَدُّ الْمَصْدَرِ وَيَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يُخَصَّصُ ذَلِكَ فِيمَا غَلَبَ فِيهِ الْعُرْفُ فِي الْأَمْرَيْنِ وَأَمَّا مَا خَصَّهُ بِأَحَدِهِمَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى حَدِّ غَيْرِهِ وَيَظْهَرُ لَك ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلَ فِي حُدُودِهِ وَيَأْتِي مَا فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَأَمَّلْ الْعَارِيَّةَ وَمَا ذَكَرْنَا فِيهَا (الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الشَّيْخَ قَصَدَ بِالْحَقَائِقِ الْأَلْقَابَ الَّتِي صَيَّرَهَا الشَّارِعُ أَوْ أَهْلُ الشَّرْعِ حَقَائِقَ عَلَى أُمُورٍ كُلِّيَّةٍ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ وَقَدْ أَلْحَقْنَا مِنْهُ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِمَّا جُمِعَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْفُقَهَاءُ صَيَّرُوا ذَلِكَ كَالرُّسُومِ فَلِذَا اسْتَخْرَجْتُ مِنْ كَلَامِهِ مَا تَتِمُّ بِهِ الْفَائِدَةُ مِنْهُ وَسَتَرَى ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحَمَالَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 (الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) تَعْرِفُ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا وَجَدَ مَنْ سَبَقَهُ بِرَسْمٍ لَيْسَ فِيهِ إيرَادٌ يَأْتِي بِهِ وَيَنْسُبُهُ لِقَائِلِهِ مِنْ أَنْصَافِهِ وَخَوْفِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ بِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِهِ وَنَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّ ثَمَّ حَقَائِقَ لِغَيْرِهِ ارْتَضَاهَا فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهَا اعْتِرَاضٌ فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَى الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ وَاسْتَحْضَرَ هُنَا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي مَدَارِكِهِ مِنْ اعْتِرَاضِ عَبْدِ الْحَقِّ وَتَعَقُّبِهِ عَلَى الْبَرَادِعِيِّ وَأَنَّهُ لَا يَرِدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ سَبَقَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الِاخْتِصَارِ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَدَّ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ بِمَا حَاصِلُهُ مَنْ نَقَلَ قَوْلًا وَرَضِيَ بِهِ فَهُوَ قَائِلٌ بِهِ فَالِاعْتِرَاضُ عَلَى الْجَمِيعِ وَلِذَا تَرَى الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ شُرَّاحُهُ فَقِفْ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا بَعْضُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْإِعَانَةِ عَلَى فَهْمِ حُدُودِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَلَوْلَا الْخُرُوجُ عَنْ الْمَقْصِدِ لَزِدْنَا مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ أَسْأَلُهُ الْقَبُولَ وَالْإِقْبَالَ وَحُسْنَ النِّيَّةِ فِي الْأَعْمَالِ وَالتَّحَصُّنَ بِمَنْ اتَّصَفَ بِأَشْرَفِ خِصَالٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحَالٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا دَائِمًا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ. [كِتَابُ الطَّهَارَةِ] (ط هـ ر) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا. كِتَابُ الطَّهَارَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ فِي حَدِّ الطَّهَارَةِ " صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوْ لَهُ فَالْأُولَيَانِ مِنْ خَبَثٍ وَالْأَخِيرَةُ مِنْ حَدَثٍ " أَقُولُ وَبِاَللَّهِ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ الطَّهَارَةُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ حَدُّ الطَّهَارَةِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ صِفَةٌ إلَى آخِرِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هُنَاكَ طَهَارَةً وَطَهُورِيَّةً وَطَهُورًا وَتَطْهِيرًا وَأَنَّهَا حَقَائِقُ أَرْبَعُ شَرْعِيَّةٌ فَعَرَّفَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَرْبَعَ وَبَعْضَ أَضْدَادِهَا مُطَابَقَةً وَبَعْضُهَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْتِزَامًا فَقَالَ فِي تَعْرِيفِ الطَّهَارَةِ مَا رَأَيْتَهُ وَالطَّهَارَةُ فِي اللُّغَةِ مَعْرُوفٌ مَعْنَاهَا وَهِيَ النَّزَاهَةُ مِنْ الْأَقْذَارِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَصَرَ الْحَقَائِقَ الْفِقْهِيَّةَ الَّتِي تَعَرَّضَ لِحَدِّهَا فِيمَا كَانَ مِنْهَا بِنَقْلٍ أَوْ تَخْصِيصٍ وَيُمْكِنُ هُنَا أَنَّ الطَّهَارَةَ الشَّرْعِيَّةَ الْمَعْنَى الَّذِي غَلَبَتْ فِيهِ بِنَقْلٍ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يُوصَفُ لُغَةً بِالتَّنْزِيهِ أَوْ النَّزَاهَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا فِي اللُّغَةِ لِلْأَمْرِ الْأَعَمِّ وَهِيَ النَّزَاهَةُ الْمُطْلَقَةُ فَقَصَرَهَا الشَّرْعُ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهَا وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ عِيَاضٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَرِيبٌ مِنْهُ وَالطَّهَارَةُ أَصْلُهَا اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى التَّطْهِيرِ وَعَلَى ذَلِكَ فَهِمَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا سَيَأْتِي وَعِنْدَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الطَّهَارَةُ غَيْرُ التَّطْهِيرِ لِوُجُودِ مَعْنَاهَا فِي مَحَلٍّ لَا يُوجَدُ فِيهِ التَّطْهِيرُ وَلَمَّا تَحَقَّقَ عِنْدَهُ ذَلِكَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ جِنْسًا يُنَاسِبُ مَقُولَةَ الْمَحْدُودِ وَهُوَ الصِّفَةُ لِأَنَّ مَدْلُولَ الطَّهَارَةِ مَعْنًى لَا فِعْلٌ وَلَا جَوْهَرٌ فَقَالَ صِفَةٌ وَالصِّفَةُ تُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ فَيُطْلَقُ عَلَى النَّعْتِ صِفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَذَكَرُوا خِلَافًا هَلْ الْوَصْفُ وَالصِّفَةُ وَالنَّعْتُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ أَمْ لَا وَتُطْلَقُ الصِّفَةُ عَلَى الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالْمَوْصُوفِ إمَّا حِسًّا أَوْ عَقْلًا وَتُطْلَقُ الصِّفَةُ عَلَى أَمْرٍ تَقْدِيرِيٍّ إذَا وُجِدَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ كَمَا يُقَالُ فِي صِفَةِ الْحَدَثِ إذَا وُجِدَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَنْعٌ وَإِذَا ذَهَبَ وَوُجِدَ ضِدُّهُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إبَاحَةُ مَا كَانَ مَمْنُوعًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَدَثِ الْخَارِجِ نَفْسِهِ بَلْ مَا قُدِّرَ مُرَتَّبًا عَلَى وُجُودِ الْخَارِجِ وَهَذَا الْمَعْنَى وَقَعَ فِي كَلَامِ غَيْرِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَقِفُ عَلَيْهِ بَعْدُ فِي آخِرِ شَرْحِ الْحَدِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصِّفَةَ هُنَا الْمُرَادُ مِنْهَا مَعْنًى تَقْدِيرِيٌّ عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ حُكْمِيٌّ لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى الْحِسِّيُّ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَالْمَعْنَى الْعَقْلِيُّ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَقَيَّدَ الصِّفَةَ بِمَا ذَكَرَهُ وَهَذَا الْجِنْسُ الْمُقَيَّدُ بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ ذَكَرَهُ فِي حُدُودٍ كَثِيرَةٍ كَالطَّلَاقِ وَإِحْرَامِ الْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَحْدُودَاتِ لَمَّا كَانَتْ صِفَاتٍ نَاسَبَ مَا ذُكِرَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صِفَاتٍ حَقِيقِيَّةً وَالصِّفَةُ التَّقْدِيرِيَّةُ فِي الْحَقِيقِيَّةِ عَدَمِيَّةٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَذَا كَانَ يَمُرُّ لَنَا فِيهِ فِي إطْلَاقِ الصِّفَةِ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى وَالطَّهَارَةُ عِنْدَهُ كَأَنَّهَا مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ فَلِذَا جُعِلَ جِنْسُهَا الصِّفَةُ وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ سَبَبٌ فِي حُكْمٍ لِمَوْصُوفٍ كَانَ ضِدُّهُ حَاصِلًا مَعَ ضِدِّ الصِّفَةِ لِأَنَّ الْحَدَثَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الطَّهَارَةِ أَوْجَبَ مَنْعَ الِاسْتِبَاحَةِ فَلَمَّا حَصَلَتْ الطَّهَارَةُ ذَهَبَ ذَلِكَ الْحُكْمُ فَيَثْبُتُ ضِدُّهُ لِلْمَوْصُوفِ وَهُوَ الْجَوَازُ وَقَوْلُهُ اسْتِبَاحَةٌ أَيْ طَلَبُ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ طَلَبَ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ شَرْعًا مَعَ الْمَانِعِ كَانَ مَمْنُوعًا فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَجُوزُ لَهُ شَرْعًا طَلَبُ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ مِفْتَاحِهَا لِأَنَّ مِفْتَاحَهَا هُوَ الطَّهَارَةُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ» فَصَحَّ أَنَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِفْتَاحٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّسَوُّرُ عَلَى طَلَبِ إبَاحَةِ الدُّخُولِ فَإِذَا وُجِدَ مِفْتَاحُهَا ثَبَتَ جَوَازُ طَلَبِ إبَاحَةِ الدُّخُولِ كَذَا كَأَنْ يَمُرَّ لَنَا فَهْمُهُ فَعَلَى الْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجِبُ ذِكْرُ جَوَازٍ مَعَ اسْتِبَاحَةٍ لِأَنَّ سِرَّ التَّقْسِيمِ هُنَا يَقْتَضِي أَنْ نَقُولَ صِفَةٌ تُوجِبُ الصَّلَاةَ أَوْ تُوجِبُ جَوَازَ الصَّلَاةِ أَوْ تُوجِبُ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالْأَوَّلُ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ لِأَنَّهُ صَيَّرَ الصِّفَةَ مُوجِبًا أَيْ عِلَّةً فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الطَّهَارَةَ مَتَى وُجِدَتْ وُجِدَتْ الصَّلَاةُ لِلْمَوْصُوفِ بِهَا وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا وَلَوْ قَالَ تُوجِبُ جَوَازَ الصَّلَاةِ لَأَفَادَ أَنَّ الطَّهَارَةَ أَوْجَبَتْ جَوَازَ الْفِعْلِ فَقَطْ وَالْمَقْصِدُ مِنْهَا أَنَّهَا تُبِيحُ مَا مَنَعَهُ وُجُودَ ضِدِّهَا وَهُوَ الْحَدَثُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ جَوَازَ طَلَبِ إبَاحَتِهَا وَإِذَا مَنَعَ جَوَازَ طَلَبِ إبَاحَتِهَا فَقَدْ مَنَعَ إبَاحَتَهَا فَالْحَدَثُ يَمْنَعُ إبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَيَمْنَعُ مَا هُوَ أَعَمُّ وَهُوَ طَلَبُ الْإِبَاحَةِ فَالصِّفَةُ تُوجِبُ مَا مَنَعَهُ الْحَدَثُ وَلَوْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُوجِبُ طَلَبَ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ لَكَانَ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ جَوَازِ الطَّلَبِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَمْنُوعُ بِالْحَدَثِ كَمَا ذَكَرْنَا فَصَحَّ صِحَّةُ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ مِنْ ذِكْرِ الْأَمْرَيْنِ هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ثُمَّ قَالَ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوْ لَهُ أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ جَوَازَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ جَوَازِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ مَعْنَاهُ بِمُقَارَنَةِ شَيْءٍ لِلصَّلَاةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا يُقَارِنُ الصَّلَاةَ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى جِلْدِ الْمُصَلِّي لِأَنَّهَا تُقَارِنُ الصَّلَاةَ وَكَذَا جَوَازُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ مَكَانُ الْمُصَلِّي إذَا كَانَ طَاهِرًا وَهَذَانِ يَرْجِعَانِ إلَى طَهَارَةِ الْخَبَثِ وَكَذَلِكَ جَوَازُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ لِلْمُكَلَّفِ الْمُصَلِّي وَهِيَ طَهَارَةُ حَدَثٍ فَانْقَسَمَتْ الطَّهَارَةُ إلَى طَهَارَةِ حَدَثٍ وَطَهَارَةِ خَبَثٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ طَهَارَةُ الْخَبَثِ وَالْحَدَثِ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجِبُ لِمَوْصُوفِهِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ فَفِي الْخَبَثِ تُوجِبُ الِاسْتِبَاحَةَ بِمَوْصُوفِهَا وَعَلَى مَوْصُوفِهَا وَفِي الْحَدَثِ تُوجِبُ الِاسْتِبَاحَةَ لِمَوْصُوفِهَا فَضَمِيرُ بِهِ وَفِيهِ وَلَهُ كُلٌّ يَعُودُ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَلَمَّا أَبْهَمَ طَهَارَةَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ بَيَّنَ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَدِّ الْأُولَيَانِ مِنْ خَبَثٍ وَالْأَخِيرَةُ مِنْ حَدَثٍ هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ إنَّ النَّاظِرِينَ فِي كَلَامِهِ أَوْرَدُوا أَسْئِلَةً أَشْكَلَتْ عَلَيْهِمْ فِي حَدِّهِ مَعَ أَدَبِهِمْ مَعَهُ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِهِ فَلْنَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرُوهُ وَنُشِيرُ إلَى شَيْءٍ مِمَّا تَرَكُوهُ. (السُّؤَالُ الْأَوَّلُ) كَيْفَ صَحَّ إطْلَاقُ الصِّفَةِ عَلَى الْحُكْمِيَّةِ وَقَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ وَالْمَقَادِيرُ الْعَقْلِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ اعْتِبَارِيَّةٌ عَدَمِيَّةٌ وَلَيْسَتْ بِصِفَاتٍ. (السُّؤَالُ الثَّانِي) كَيْفَ صَحَّ الْإِيجَابُ وَالسَّلْبُ فِي الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ وَهِيَ عَدَمِيَّةٌ وَالْعِلَّةُ وُجُودِيَّةٌ. (السُّؤَالُ الثَّالِثُ) كَيْفَ صَحَّ أَنَّ الْجَوَازَ يَكُونُ مُوجِبًا. (الرَّابِعُ) كَيْفَ صَحَّ أَنَّ الشَّرْطَ يُوجِبُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ خَاصِّيَّةِ السَّبَبِ وَهَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ سَيِّدِي الْفَقِيهُ الْأَبِيُّ تِلْمِيذُ الشَّيْخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ أَجْمَعِينَ وَأَنَّهُ أَوْرَدَ عَلَى الشَّيْخِ فِي مَجْلِسِهِ. (الْخَامِسُ) مَا فَائِدَةُ زِيَادَةِ قَوْلِهِ جَوَازَ اسْتِبَاحَةٍ وَهَلَّا قَالَ تُوجِبُ الِاسْتِبَاحَةَ أَوْ قَالَ مُوجِبُ الصَّلَاةِ. (السَّادِسُ) أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْحَدِّ مَا يُوجِبُ التَّرْدِيدَ وَهُوَ أَوْ وَالتَّرْدِيدُ يُنَافِي التَّحْدِيدَ. (السَّابِعُ) أَنَّهُ جَمَعَ حَقَائِقَ فِي حَدٍّ وَاحِدٍ وَهِيَ طَهَارَةُ الْخَبَثِ وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْفَنِّ مِنْ أَنَّ الْحَقَائِقَ الْمُخْتَلِفَةَ لَا يَصِحُّ جَمْعُهَا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ. (الثَّامِنُ) أَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ فِي طَرَفِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ فَالذِّمِّيَّةُ إذَا طَهُرَتْ لِزَوْجِهَا مِنْ حَيْضَتِهَا فَإِنَّ طَهَارَتَهَا لَا تُوجِبُ مَا ذُكِرَ. (التَّاسِعُ) أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ فِي طَهَارَةِ الْخَبَثِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُضَافَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَا يُصَلِّي بِهِ وَلَا يُوجِبُ جَوَازَ الِاسْتِبَاحَةِ. (الْعَاشِرُ) تَرِدُ عَلَيْهِ طَهَارَةُ الْوُضُوءِ لِلْجُنُبِ لِأَجْلِ النَّوْمِ إذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِيَبِيتَ عَلَى إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ وَكَذَا مَسْأَلَةُ كُلِّ عُضْوٍ يَطْهُرُ بِانْفِرَادِهِ إذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 قِيلَ بِهِ فِي الْوُضُوءِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَسْئِلَةِ وَنُجِيبُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ عَنْهُ مِنْ الْأَجْوِبَةِ الْمُمْكِنَةِ. " أَمَّا السُّؤَالُ الْأَوَّلُ " فَجَوَابُهُ أَنْ نَقُولَ وَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ سَمَّاهَا صِفَاتٍ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي التَّسْمِيَاتِ وَلِمَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّهُ سُمِّيَ الثَّوْبُ طَاهِرًا لِمَعْنًى وَكَذَلِكَ الْبَدَنُ وَالْمَكَانُ عَلِمْنَا أَنَّ ثَمَّ مَعْنًى تَقْدِيرِيًّا سَمَّاهُ طَهَارَةً وَاشْتَقَّ مِنْهُ لِلْمَوْصُوفِ مَا يَتَّصِفُ بِهِ فَصَحَّ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ صِفَةَ قَوْلِهِ فِي الْجِنْسِ صِفَةً يَشْمَلُ الصِّفَةَ الْحَقِيقِيَّةَ الْحِسِّيَّةَ وَالْمَعْنَوِيَّةَ وَيَشْمَلُ الصِّفَةَ التَّقْدِيرِيَّةَ الْحُكْمِيَّةَ وَلِذَا خَصَّصَهَا بِالْحُكْمِيَّةِ وَالْمَقَادِيرُ الشَّرْعِيَّةُ رُبَّمَا يُطْلِقُونَ عَلَيْهَا صِفَاتِ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ لَمَّا قَسَّمُوا الْوَصْفَ الَّذِي يَقَعُ التَّقَابُلُ بِهِ إلَى أَقْسَامٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَهُمْ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ مَضَى فِيهِ عَلَى قَاعِدَةِ أَهْلِ الْمَعْقُولَاتِ فَبَيَّنَ أَنَّ الْأُمُورَ الِاعْتِبَارِيَّةَ لَا وُجُودَ لَهَا وَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا صِفَاتٌ خِلَافًا لِلْحُكَمَاءِ وَعَلَيْهِ أَوْرَدُوا مَا أَوْرَدُوا عَلَى حَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ لِلْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ نِسْبَةٌ بَيْنَ مُفْرَدَيْنِ قَائِمَةٌ بِالْمُتَكَلِّمِ وَلَا يُرَدُّ هَذَا بِوَجْهٍ هُنَا. " وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي " فَلَا يَصِحُّ إيرَادُهُ عَلَى مَا قَرَّرْنَا لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ جَعَلَهَا الشَّارِعُ كَأَنَّهَا ثُبُوتِيَّةٌ يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهَا وَإِذَا كَانَ التَّعْلِيلُ فِي الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ يَصِحُّ بِالْعَدَمِ الْمُقَيَّدِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فِي الصِّفَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ وَتَعْلِيلُ الْعَدَمِ بِالْعَدَمِ عِنْدَهُمْ جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ وَمَا الْخِلَافُ إلَّا فِي تَعْلِيلِ الْوُجُودِ بِالْعَدَمِ كَمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ أُصُولِ الْفِقْهِ فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ وَأَمَّا الْمَنْصُوصَةُ تَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَغَرَّ السَّائِلَ مَا وَقَعَ لِأَهْلِ أُصُولِ الدِّينِ وَالْحُكَمَاءِ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً وَذَلِكَ صَحِيحٌ فِي مَحَلِّهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَعْنَاهُ هُنَا. " وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّالِثُ " فَوَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ شُرَّاحِ التَّهْذِيبِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَا رَأَيْته فَقَالَ تَأَمَّلْ كَلَامَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اللَّهُ كَيْفَ يَتَقَرَّرُ مِنْهُ أَنَّ الْجَوَازَ يَجِبُ وَالْجَائِزُ لَا يَجِبُ وَتَقْرِيرُ هَذَا السُّؤَالِ عَلَى مَا فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَشْكَلُ أَنَّ الْجَوَازَ يَكُونُ مَعْلُولًا لِلصِّفَةِ الْمُوجِبَةِ وَكَيْفَ يَصِحُّ فِي مَعْلُولِ الْمُوجِبِ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا وَهَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا الْجَوَازُ مَعْلُولٌ لِلْإِيجَابِ أَيْ أَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْهُ شَرْعًا كَمَا تَقُولُ الذَّكَاةُ عِلَّةٌ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ وَالذَّكَاةُ تُوجِبُ جَوَازَ الْأَكْلِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُوهِمُ تَنَاقُضًا بِوَجْهٍ ". وَأَمَّا السُّؤَالُ الرَّابِعُ " فَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ الْعَالِمِ سَيِّدِي الْفَقِيهِ الْأَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وَرَضِيَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَوْرَدَ عَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ وَتَوَقَّفَ فِي قَبُولِهِ قَالَ تِلْمِيذُهُ: وَالْحَقُّ قَبُولُهُ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ وَالشُّرُوطُ لَا تُوجِبُ وَإِنَّمَا يُوجِبُ السَّبَبُ قَالَ وَتَصْحِيحُهُ أَنْ يُقَالَ تُصَحَّحُ لِمَوْصُوفِهَا وَظَهَرَ لِي أَنَّ السُّؤَالَ لَا يَرِدُ عَلَى حَدِّ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَعَلَمِ الْأَعْلَامِ صَيَّرَنَا اللَّهُ فِي بَرَكَاتِهِ بِحُرْمَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ وَبَيَانُ عَدَمِ إيرَادِهِ أَنْ نَقُولَ سَلَّمْنَا أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا أَوْ فِي قَبُولِهَا أَوْ فِي إجْزَائِهَا عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي ذَلِكَ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» فَالطَّهَارَةُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا قَبُولُ الصَّلَاةِ وَلَا هِيَ سَبَبٌ فِيهِ بِوَجْهٍ وَلَا عِلَّةٍ كَمَا ذُكِرَ وَهَذَا حَقٌّ وَإِمَّا أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا فِيمَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِيهِ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ بِوَجْهٍ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ فِيهِ عَامَّةٌ فِي تَقَرُّرِ مَعْنَى وُجُودِهِ وَالشَّرْطِيَّةُ فِي مَعْنًى آخَرَ تَكُونُ شَرْطًا فِيهِ فَنَقُولُ إنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي أَجْزَائِهَا وَهَذَا لَمْ يَقُلْ فِيهِ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ الشَّرْطَ أَوْجَبَ بِوَجْهٍ وَلَا أَلَمَّ بِهِ لَفْظُهُ وَالصِّفَةُ الْمُوجِبَةُ إنَّمَا أَوْجَبَتْ جَوَازَ طَلَبِ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ وَهُوَ الطَّهَارَةُ لَمَّا حَصَلَتْ جَازَ لِلْمُكَلَّفِ طَلَبُ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ كَمَا أَنَّهُ إذَا اتَّصَفَ بِالْحَدَثِ مَنَعَهُ الْحَدَثُ مِنْ جَوَازِ الطَّلَبِ لِمَا ذُكِرَ فَصَحَّ قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صِفَةٌ تُوجِبُ جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّرْطَ هُنَا صَارَ سَبَبًا فِي جَوَازِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ يَطْلُبُ جَوَازَ الْقُدُومِ عَلَى الصَّلَاةِ فَجَوَازُ طَلَبِ الْإِبَاحَةِ مُسَبَّبٌ عَنْ الصِّفَةِ فَمَا كَانَتْ الصِّفَةُ لَهُ سَبَبًا لَمْ تَكُنْ فِيهِ شَرْطًا وَإِنَّمَا كَانَتْ شَرْطًا لِقَبُولِ الصَّلَاةِ فَقَوْلُ الشَّيْخِ سَيِّدِي الْفَقِيهِ الْأَبِيِّ الْحَقُّ قَبُولُ الْإِيرَادِ لَمْ يَظْهَرْ بَلْ الْحَقُّ عَدَمُ قَبُولِهِ ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ يُبَدِّلُ نُوجِبُ بِتَصَحُّحِ لِمَوْصُوفِهَا إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَى الشَّرْطِ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ وَقَصْدُ الشَّيْخِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا يَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". وَأَمَّا السُّؤَالُ الْخَامِسُ " فَجَوَابُهُ يُؤْخَذُ بِمَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّا قَرَّرْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِمَّا ذُكِرَ فَرَاجِعْهُ فِي تَقْرِيرِ مَعْنَاهُ يَظْهَرُ لَك مِنْ لَفْظِهِ وَفَحْوَاهُ ". وَأَمَّا السُّؤَالُ السَّادِسُ " فَهُوَ سُؤَالٌ مَطْرُوقٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ حُدُودِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَيَقُولُونَ التَّرْدِيدُ فِي الْحَدِّ يُنَافِي التَّحْدِيدَ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا قَرَّرُوهُ عَقْلًا وَقَدْ أَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَى حَدِّ النَّظَرِ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ حَيْثُ قَالَ هُوَ الْفِكْرُ الَّذِي يُطْلَبُ بِهِ مَنْ قَامَ بِهِ عِلْمًا أَوْ غَلَبَةَ ظَنٍّ وَأَوْرَدَ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 حَدِّ الْحُكْمِ فِي قَوْلِهِ بِالِاقْتِضَاءِ أَوْ التَّخْيِيرِ أَوْ الْوَضْعِ وَأَجَابَ الْمُحَقِّقُونَ بِأَنَّ التَّقْسِيمَ وَالتَّرْدِيدَ إنَّمَا هُوَ فِي مُتَعَلِّقِ الْحَدِّ لَا فِي الْحَدِّ نَفْسِهِ كَأَنَّهُ قَالَ النَّظَرُ يُطْلَبُ بِهِ مَطْلُوبًا مَا وَيَنْقَسِمُ الْمَطْلُوبُ إلَى قِسْمَيْنِ وَكَذَا يُقَالُ هُنَا إنَّ الصِّفَةَ الْحُكْمِيَّةَ أَوْجَبَتْ جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِالْإِطْلَاقِ إمَّا بِشَيْءٍ أَوْ فِي شَيْءٍ أَوْ لِشَيْءٍ وَهَذَا لَا إحَالَةَ فِيهِ فِي الْحَدِّ وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ سُؤَالًا وَجَوَابًا يُنَاسِبُ مَا هُنَا مِنْ السُّؤَالِ وَتَأَمَّلْ جَوَابَهُ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ. " وَأَمَّا السُّؤَالُ السَّابِعُ " فَمِثْلُهُ أَيْضًا أَوْرَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي حَدِّهِ لِلْحُكْمِ وَأَنَّ الْحَقَائِقَ الْمُخْتَلِفَةَ لَا يَصِحُّ جَمْعُهَا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ حَقِيقِيٍّ فَكَذَا يُقَالُ هُنَا لِأَنَّ طَهَارَةَ الْخَبَثِ وَالْحَدَثِ حَقِيقَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ كَخِطَابِ الْوَضْعِ وَخِطَابِ التَّكْلِيفِ وَأَجَابُوا أَيْضًا عَنْ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهَا هُوَ الَّذِي وَقَعَ الْجَمْعُ فِيهِ وَالتَّقْسِيمُ لِلْحَقَائِقِ فِي مُتَعَلِّقِهِ وَلِلْمُقْتَرِحِ فِي مِثْلِهِ كَلَامٌ حَسَنٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. " وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّامِنُ " فَقَدْ أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ سَيِّدِي الْفَقِيهُ الْأَبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ إنْ قَدَّرْنَا صِحَّةَ الصَّلَاةِ لِلذِّمِّيَّةِ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ بِشَرْطِ إسْلَامِهَا فَقَدْ صَحَّ إدْخَالُ هَذِهِ الطَّهَارَةِ فِي الْحَدِّ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ بِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ فَالْمُرَادُ إخْرَاجُهَا هَذَا مَعْنَى مَا ذُكِرَ وَتَقْرِيرُ مَا فَهِمْتُهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ السَّبْرَ وَالتَّقْسِيمَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ فِي تِلْكَ الطَّهَارَةِ فَقَدْ صَدَقَ الْحَدُّ عَلَى طَهَارَةِ الْكِتَابِيَّةِ وَلَا تَخْرُجُ عَنْ الْحَدِّ وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهَا عَلَى تَقْدِيرِ الْإِسْلَامِ فَالْمُرَادُ إخْرَاجُهَا لَا دُخُولُهَا فَلَا يَرِدُ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ الْعَكْسِ وَإِذَا صُحِّحَ مَا مَهَّدْنَاهُ عَنْهُ فَنَقُولُ أَمَّا قَوْلُهُ أَوَّلًا فَقَدْ صَدَقَ الْحَدُّ سَلَّمْنَاهُ لِأَنَّ مَعْنَى إيجَابِ السَّبَبِ لِمُسَبِّبِهِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا تَوَفَّرَتْ الشُّرُوطُ وَفُقِدَ الْمَانِعُ فَمَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ صِفَةٌ تُوجِبُ جَوَازَ إلَخْ لَكِنْ مَعَ وُجُودِ شَرْطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي أَنَّ الذِّمِّيَّةَ إذَا تَطَهَّرَتْ لِزَوْجِهَا وَأَسْلَمَتْ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا فَالْمُرَادُ إخْرَاجُهَا فَيُقَالُ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ إخْرَاجُهَا مِنْ الْحَدِّ لَكِنْ أَيُّ شَيْءٍ يُخْرِجُهَا وَقَدْ قَرَّرَنَا أَنَّ الْإِيجَابَ الْمَذْكُورَ فِي الذِّمِّيَّةِ مَوْقُوفٌ عَلَى شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَفَقْدِ الْمَوَانِعِ كَمَا قَرَّرْنَا فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى إذَا تَقَرَّرَ حُصُولُهَا مَعَ تَقَرُّرِ وُجُودِ مَانِعِ الصُّغْرَى فَإِطْلَاقُ حَدِّ الطَّهَارَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى يُوجِبُ إدْخَالَ طَهَارَةِ الذِّمِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَصَارَ الْحَدُّ عَلَى هَذَا غَيْرَ مُطَّرِدٍ وَغَايَةُ الْمُجِيبِ أَنَّهُ أَجَابَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 عَنْ عَدَمِ الِانْعِكَاسِ وَوَقَعَ فِي إيرَادِ عَدَمِ الِاطِّرَادِ وَتَقَدَّمَ لَنَا مَا بَحَثَ بِهِ فِي هَذَا الْكَلَامِ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إذَا تَأَمَّلَ ". وَأَمَّا السُّؤَالُ التَّاسِعُ " فَوَقَعَ أَيْضًا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ قَبْلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَوْرَدَهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ جَوَازَ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِالثَّوْبِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ يَكُونُ لَابِسًا لَهُ أَوْ بِهِ فَلَوْ صَلَّى بِمَاءٍ مُضَافٍ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ لَجَازَ لِلْمُصَلِّي ذَلِكَ وَدَخَلَ فِي الْحَدِّ وَصَدَقَ الْحَدُّ عَلَى طَهَارَتِهِ هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يَصِحُّ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا وَعَنْ طَهَارَةِ الذِّمِّيَّةِ لِزَوْجِهَا بِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُقَيَّدَةٌ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ وَالْحَدُّ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ لِلطَّهَارَةِ الْمُطْلَقَةِ وَطَهَارَةُ الذِّمِّيَّةِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا طَهَارَةٌ بِالْإِطْلَاقِ وَلَا أَنَّهَا طَاهِرَةٌ بِالْإِطْلَاقِ بَلْ طَاهِرَةٌ لِزَوْجِهَا وَالْمُرَادُ حَدُّ الطَّهَارَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ الْمَحْدُودَةُ هُنَا وَكَذَلِكَ الْمَاءُ الْمُضَافُ وَمَا شَابَهَهُ لِأَنَّهُ خَاصٌّ تَطْهِيرُهُ بِغَيْرِ الْعِبَادَاتِ بَلْ يَكُونُ فِي الْعَادَاتِ فَقَطْ (قُلْنَا) هَذَا لَا يُنَجِّي فِي الْجَوَابِ وَيَدُلُّ عَلَى الصَّوَابِ لِأَنَّ الشَّيْخَ الْحَادَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ اسْتَحْضَرَ قَرِيبًا مِنْ هَذَا فِي اعْتِرَاضِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي حَدِّ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ قَوْلُهُ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَاءَ الْوَرْدِ فَيَكُونُ حَدُّهُ غَيْرَ مَانِعٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يُجَابُ بِإِطْلَاقِ الْمُطْلَقِ. لِأَنَّهُ الْمَحْدُودُ فَتَأَمَّلْهُ فَكَذَا يُقَالُ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ لَا يَرِدُ هَاهُنَا لِأَنَّ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ لِمُطْلَقِ طَهَارَةٍ وَذَلِكَ صَادِقٌ عَلَى طَهَارَةِ الذِّمِّيَّةِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا لِأَنَّهُ إذَا صَدَقَ الْمُقَيَّدُ صَدَقَ الْمُطْلَقُ فَقَوْلُ السَّائِلِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا مُطْلَقُ طَهَارَةٍ قَطْعًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِّ فَلَا إشْكَالَ " وَأَمَّا السُّؤَالُ الْعَاشِرُ " فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ التَّاسِعِ لِأَنَّ وُضُوءَ الْجُنُبِ كَطَهَارَةِ الذِّمِّيَّةِ لِزَوْجِهَا وَأَمَّا كُلُّ عُضْوٍ يَطْهُرُ بِانْفِرَادِهِ إذَا قِيلَ بِهِ فَالتَّحْقِيقُ مَا حَقَّقَهُ الشَّيْخُ بَعْدُ فِي إجْرَاءِ ذَلِكَ عَلَى مَا قِيلَ فِي الْخِيَارِ إذَا أَمْضَى وَبِهِ يَرُدُّ عَلَى ابْنِ الْعَرَبِيِّ فَرَاجِعْهُ وَفِي الْإِشَارَةِ مَا يُغْنِي اللَّبِيبَ عَنْ التَّطْوِيلِ بِالْعِبَارَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ فِي كَلَامِ هَذَا السَّيِّدِ الْإِمَامِ وَمَا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ السَّادَاتِ الْكِرَامِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَنْفَعُنَا بِهِ وَبِعِلْمِهِ وَيَمُنُّ عَلَيْنَا فِي الْفَهْمِ عَنْهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ لَا رَبَّ غَيْرُهُ وَلَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَبَعْدَ أَنْ قَرَّرْتُ كَلَامَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا قَرَّرْتُهُ بِهِ فِيمَا كَانَ الْفَهْمُ يَجْرِي عَلَيْهِ وَقَفْتُ عَلَى مَا رَأَيْته مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الشُّيُوخِ فَلْنَذْكُرْهُ لِنُكْمِلَ بِهِ الْفَائِدَةَ فَمِمَّا رَأَيْته بِخَطِّ بَعْضِ الْمَشَايِخِ تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَسْكَنَهُ اللَّهُ دَارَ السَّلَامِ أَنَّهُ قَالَ اخْتَلَفُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 فِي تَقْرِيرِ الصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَعْنَاهَا أَنَّ الشَّارِعَ حَكَمَ بِوُجُودِ مَا أُثِرَ فِعْلُهَا مِنْ صَاحِبِ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ. لِأَنَّ التَّطْهِيرَ أَوْجَبَ بِهِ الشَّارِعُ صِفَةَ الطَّهَارَةِ وَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ ضَعْفٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَعْنِي أَنَّهَا حُكْمِيَّةٌ أَيْ تَقْدِيرِيَّةٌ لَا وُجُودَ لِهَذَا ذِهْنًا وَلَا خَارِجًا لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ سَلْبِيٍّ وَهُوَ انْتِفَاءُ الْحَدَثِ أَوْ الْخَبَثِ فَقَدَّرَ الشَّارِعُ وُجُودَ صِفَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ سَلْبًا وَوَجَدْتُ لِلشَّيْخِ الْعَالِمِ الْإِمَامِ شَيْخِنَا أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ الَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّهُ قَصَدَ إلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَرَافِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى أَحَدِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ لِأَنَّهَا مِنْ أَحْكَامِ الْوَضْعِ وَأَحْكَامُ الْوَضْعِ تَرْجِعُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ فَالنَّجَاسَةُ تَرْجِعُ إلَى حُرْمَةِ مُلَابَسَةِ الْمُصَلِّي الصَّلَاةَ وَالطَّهَارَةُ تَرْجِعُ إلَى إبَاحَةِ مُلَابَسَةِ الصَّلَاةِ (قَالَ) وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْته وَأَنَّهُ قَصَدَهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأُصُولِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْقَرَافِيُّ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي مُخْتَصَرِنَا الْفِقْهِيِّ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَخْلُو فِيهِ مِنْ بَحْثٍ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ أَنَّهَا صِفَةٌ رَاجِعَةٌ إلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَلَا يَخْلُو هَذَا مِنْ نَظَرٍ ذُكِرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اُنْظُرْ الْفَرْقَ التَّاسِعَ وَالْخَمْسِينَ وَمَا ذَكَرَهُ فِيهِ، وَوُجِدَ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ مِنْ تَلَامِذَتِهِ أَنَّ الرَّسْمَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى سَتْر الْعَوْرَةِ وَعَلَى الْقِرَاءَةِ وَعَلَى إحْرَامِ الصَّلَاةِ وَهَذَا عِنْدِي لَا يُرَدُّ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الشَّيْخَ يُرَاعِي مَقُولَةَ الْمَحْدُودِ وَالْقِرَاءَةُ لَيْسَتْ صِفَةً وَإِنَّمَا هِيَ فِعْلٌ. وَكَذَلِكَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ وَكَانَ هَذَا التِّلْمِيذُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ قَصْدُ شَيْخِهِ فِي رُسُومِهِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يَعْرِفُ مَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ شَرْعًا فِي مَعْنًى إمَّا مَصْدَرِيٌّ أَوْ اسْمِيٌّ أَوْ حُكْمِيٌّ وَالْقِرَاءَةُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِي أَمْرٍ فِعْلِيٍّ بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ وَمَا شَابَهَهَا وَمِمَّا وَجَدْت أَيْضًا مُقَيَّدًا عَنْ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ أَنَّ قَوْلَهُ بِهِ الْبَاءُ فِيهِ إمَّا ظَرْفِيَّةٌ أَوْ سَبَبِيَّةٌ أَوْ لِلْمُصَاحَبَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ فَإِنْ كَانَتْ لِلظَّرْفِيَّةِ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الْمَاءُ الْمَوْصُوفُ بِالطَّهَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ لِلسَّبَبِيَّةِ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الثَّوْبُ الطَّاهِرُ وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُصَاحَبَةِ خَرَجَ الْمَاءُ أَيْضًا وَإِنْ أَرَادَ الْعُمُومَ فَيَلْزَمُ تَعْمِيمُ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ مَجَازٌ هَذَا سُؤَالُهُ وَقُلْت فِي الْجَوَابِ نَخْتَارُ الْعُمُومَ وَالْمَجَازَ فِي الرَّسْمِ لِقَرِينَةِ سَائِغٍ أَوْ نَقُولُ إنَّهَا لِلسَّبَبِيَّةِ وَلَا يَخْرُجُ الثَّوْبُ فِي طَهَارَتِهِ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ سَبَبٌ فِي جَوَازِ الِاسْتِبَاحَةِ بِسَبَبِ وُجُودِ كَوْنِهِ طَاهِرًا وَكَذَلِكَ طَهَارَةُ الْمَاءِ فَتَأَمَّلْهُ. وَوَجَدْت لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ سُؤَالًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 قَوْلَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُوجِبُ فَذَكَرَ الْمُوجِبَ وَصَيَّرَ مُوَجِّهَ جَوَازِ الِاسْتِبَاحَةِ وَذَلِكَ مُتَنَافٍ لِأَنَّ الْإِيجَابَ يُنَافِي الْجَوَازَ وَالْجَوَازَ يُنَافِي الْإِيجَابَ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُوجِبًا لِلْآخَرِ وَهَذَا كَلَامٌ ضَعِيفٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنْ لَا يُورَدَ مِثْلُهُ عَلَى كَلَامِ هَذَا الْإِمَامِ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِيجَابِ فِي كَلَامِهِ هُنَا أَنَّهُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ صُيِّرَتْ سَبَبًا فِي جَوَازِ الْقُدُومِ كَمَا يُقَالُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ سَبَبٌ فِي جَوَازِ الِانْتِشَارِ وَلَيْسَ فِيهِ إحَالَةٌ وَالسَّبَبُ وَإِنْ أَوْجَبَ فَلُزُومُ الْجَوَازِ لِلسَّبَبِ هُوَ الْمُسَبَّبُ وَذَلِكَ لَازِمٌ. وَلَيْسَ فِيهِ تَنَافٍ بِوَجْهٍ وَلَا حَالٍ وَوَجَدْتُ أَيْضًا بِخَطِّ بَعْضِهِمْ أَنَّ فِي لَفْظِ الشَّيْخِ إضَافَةَ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَهُوَ الْجَوَازُ وَالِاسْتِبَاحَةُ وَأَحَدُهُمَا يُغْنِي عَنْ صَاحِبِهِ وَذِكْرُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْحُدُودِ لَا يَصِحُّ وَتَقَدَّمَ لَنَا قَبْلَ هَذَا مَا يَنْفِي هَذَا وَيَرُدُّهُ وَبَيَّنَّا مَا يُمْكِنُ إصْلَاحُهُ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَنْفَعُنَا بِهِ وَبِعِلْمِهِ وَمِمَّا وَجَدْته مَا أَوْرَدُوهُ عَلَى عَدَمِ الِانْعِكَاسِ فَذَكَرُوا مَسَائِلَ مِثْلَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ طَهَارَةِ الْحَائِضِ لِلْقِرَاءَةِ وَالذِّمَّةِ لِلْحَيْضِ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ وَالْوُضُوءِ لِلتِّلَاوَةِ وَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَصْدُقُ فِيهِ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ لِمَوْصُوفِ الطَّهَارَةِ وَهِيَ طَهَارَةٌ فَالْمَحْدُودُ مَوْجُودٌ وَالْحَدُّ فِيهِ مَفْقُودٌ ثُمَّ أَوْرَدَ بَعْضُهُمْ سُؤَالًا بِأَنْ قَالَ إنَّ الْحَدَّ صَادِقٌ إذَا كَانَتْ اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ فِي قَوْلِهِ لَهُ فَأَجَابَ بِأَنَّهَا لِشِبْهِ الْمِلْكِ أَوْ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِلَّا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُصَلِّي وَأَقْرَبُ مَا يُقَرَّرُ بِهِ هَذَا عَلَى ضَعْفِهِ أَنَّ اللَّامَ إذَا كَانَتْ لِلتَّعْلِيلِ فَيَكُونُ مَنْ جَازَ لَهُ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرَ الْمَوْصُوفِ بِهَا وَذَلِكَ صَادِقٌ فِي الذِّمِّيَّةِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْ الرَّسْمِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ مَا شَابَهَهَا وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى وَجَوَابُهُ الْمَذْكُورُ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيلِ بَلْ لِشِبْهِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَكَانَتْ لِلتَّعْلِيلِ لَمَا دَخَلَتْ طَهَارَةُ الْمُصَلِّي لِأَنَّ الَّذِي اُسْتُبِيحَتْ الصَّلَاةُ لَهُ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْمَوْصُوفِ وَهُوَ الْمُصَلِّي لَا الْمَوْصُوفُ بِالطَّهَارَةِ وَهُوَ الْمُصَلِّي وَهَذَا كُلُّهُ كَلَامٌ لَائِحٌ عَلَيْهِ الضَّعْفُ وَذَكَرَ سُؤَالًا عَلَى ذَلِكَ وَجَوَابًا لَا نُطِيلُ بِهِ وَذَكَرَ اعْتِرَاضَاتِ ضَعِيفَةً. (فَإِنْ قُلْت) وُجِدَ بِخَطِّ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى رَسْمِ النَّجَاسَةِ وَلَا يُنْقَضُ بِالْحَرِيرِ لِأَنَّ صِفَتَهُ إنَّمَا هِيَ مَانِعَةُ لُبْسِهِ لِلذَّكَرِ وَلِذَلِكَ صَحَّتْ الصَّلَاةُ بِهِ لِلنِّسَاءِ فَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَى أَنَّ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَسِتْرَ الْعَوْرَةِ وَالْقِرَاءَةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ صِفَاتٌ حُكْمِيَّةٌ وَلِذَا سَلَّمَ إيرَادُهَا وَأَجَابَ بِمَا رَأَيْته فَلَا يَصِحُّ الْجَوَابُ أَوْ لَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ (قُلْت) وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 مَا ذُكِرَ بِوَجْهٍ بَلْ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ غَيْرُ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ وُجِدَ مَكْتُوبًا بِخَطِّ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنْ قَالَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يَرِدُ لُبْسُ الْحَرِيرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ صِفَةً حُكْمِيَّةً تُوجِبُ الْمَنْعَ الْمَذْكُورَ لِأَنَّ كَوْنَهُ حَرِيرًا صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ خَارِجِيَّةٌ لَا حُكْمِيَّةٌ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ لِأَنَّهَا صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَهُوَ كَلَامٌ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَهُوَ الصِّفَةُ الْحُكْمِيَّةُ الشَّيْخُ مَسْبُوقٌ بِهِ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحَدَثُ يُطْلَقُ عَلَى ثَلَاثِ مَعَانٍ الْأَوَّلُ الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ الثَّانِي الْخُرُوجُ الثَّالِثُ الْمَنْعُ النَّاشِئُ عَنْ الْخُرُوجِ ثُمَّ اُسْتُشْكِلَ عَدَمُ رَفْعِ الْحَدَثِ فِي التَّيَمُّمِ ثُمَّ قَالَ بَقِيَ مَعْنًى رَابِعٌ يَدَّعِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْحَدَثَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ يُقَدَّرُ قَائِمًا بِالْأَعْضَاءِ عَلَى مُقْتَضَى الْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ وَيُنَزِّلُونَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْحِسِّ فِي قِيَامِهِ بِالْأَعْضَاءِ فَمَنْ يَقُولُ إنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ يَقُولُ يُزِيلُ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْحُكْمِيُّ فَيَزُولُ الْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُقَدَّرِ الْحُكْمِيِّ وَمَنْ يَقُولُ اللَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُقَدَّرُ الْقَائِمُ بِالْأَعْضَاءِ بَاقٍ حُكْمًا وَلَمْ يَزُلْ وَالْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ زَائِلٌ. فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَقُولُ إنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْحُكْمِيُّ الْمُقَدَّرُ وَإِنْ كَانَ الْمَنْعُ زَائِلًا (وَالْحَاصِلُ) أَنَّهُمْ أَبْدَوْا لِلْحَدَثِ مَعْنًى رَابِعًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وَهُمْ مُطَالَبُونَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ عَلَى إثْبَاتِهِ فَهَذَا الْكَلَامُ هُوَ الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ أَوَّلًا وَأَنَّهُ يُنَاسِبُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ فِي رَسْمِهِ فِي الصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ لِلطَّهَارَةِ فَالْحَدَثُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَالطَّهَارَةُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ فَهُمَا صِنْفَانِ تَحْتَ نَوْعٍ أَوْ نَوْعَانِ تَحْتَ جِنْسٍ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَرَّرْنَاهُ وَأَوْضَحْنَا بِهِ رَسْمَهُ مُخَالِفًا لِمَا قَرَّرَهُ بِهِ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ ذَلِكَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَلَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ إطْلَاقَ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ لَمْ يَكُنْ إلَّا عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَفَهِمُوا الشَّرِيعَةَ عَلَيْهِ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ وَلَا يَخُصُّ ذَلِكَ بِالطَّهَارَةِ وَلَا الْحَدَثِ بَلْ كُلُّ مَا تُعْقَلُ فِيهِ مَا تُعْقَلُ فِيهِمَا وَاصْطَلَحُوا بِإِطْلَاقِ الصِّفَةِ عَلَيْهِ صَحَّ فِيهِ ذَلِكَ كَالطَّلَاقِ وَالْإِحْرَامِ وَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي بَعْضِ الْمَحْدُودَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَسْمِ الْحَدَثِ لَمَّا عَرَّفَ النَّجَاسَةَ وَالْحَدَثَ سَيَأْتِي فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَحَالَ مِنْ الْمَوَاضِعِ (قُلْتَ) كَأَنْ يَظْهَرُ لِي فِي الْقَدِيمِ وَرَأَيْتُهُ مُقَيَّدًا أَنَّهُ أَشَارَ إلَى مَا وَقَعَ لَهُ فِي النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 فِي قَوْلِهِ وَهِيَ الْقَصْدُ بِهِ رَفْعُ الْحَدَثِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَعْنِي الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا لَا مِنْ جُزْئِيَّتِهِ هَذَا فِي التَّيَمُّمِ فَلِذَا قَالُوا لَا يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَبِهِ يُرَدُّ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ فِي قَوْلِهِ التَّيَمُّمُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ. وَقَوْلُهُمْ لَا يَرْفَعُهُ وَتُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ مُتَنَافٍ فَكَانَ يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَشَارَ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنَّ الْحَدَثَ عِنْدَهُ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ أَمْعَنْت النَّظَرَ فِيهِ فَوَجَدْته لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَصْدُهُ هَلْ الْمَنْوِيُّ فِي الْوُضُوءِ الرَّفْعُ لِلْحَدَثِ الرَّفْعُ الْمُطْلَقُ أَوْ الرَّفْعُ الْمُقَيَّدُ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِمَا ذُكِرَ أَشَارَ إلَيْهِ الْقَرَافِيُّ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ رَفْعَ التَّنَاقُضِ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَلَوْ سُئِلَ عَنْ الْحَدَثِ مَا هُوَ لَقَالَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ الْمَنْعَ مِنْ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقَلْنَا الْآنَ عَنْ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّ الْحَدَثَ هُوَ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ إلَّا أَنَّ عَدَمَ رَفْعِ الْحَدَثِ عِنْدَهُ لِمَعْنًى آخَرَ مُغَايِرٍ لِمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ مَعْنَى الْحَدَثِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ فِي حَدِّ التَّطْهِيرِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ إزَالَةُ النَّجَسِ أَوْ رَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ فَهَذَا الرَّسْمُ اشْتَمَلَ عَلَى طَهَارَةِ الْخَبَثِ وَهِيَ الْأُولَى وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَهِيَ الثَّانِيَةُ وَلَمَّا قَالَ فِيهَا رَفْعُ الْمَانِعِ عُلِمَ أَنَّ الْحَدَثَ هُوَ مَانِعُ الصَّلَاةِ وَهُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ بِقَوْلِهِ أَعْنِي الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ. وَهَذَا لَيْسَ بِمُغَايِرٍ لِمَا ذَكَرَ تَقِيُّ الدِّينِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ بِمَانِعِ الصَّلَاةِ الصِّفَةَ الْحُكْمِيَّةَ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ أَشَارَ إلَى نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ فَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ إذَا تُؤُمِّلَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُفَهِّمُنَا عَنْهُ وَيُعَلِّمُنَا مَا يَنْفَعُنَا عَنْهُ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَيَنْفَعُنَا بِهِ. [بَابٌ فِي حَدِّ النَّجَاسَةِ] (ن ج س) : بَابٌ فِي حَدِّ النَّجَاسَةِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " وَالنَّجَاسَةُ تُوجِبُ لَهُ مَنْعُهَا بِهِ أَوْ فِيهِ وَالْحَدَثُ يَأْتِي " أَقُولُ لَمَّا ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخَبَثَ وَالْحَدَثَ فِي حَدِّ الطَّهَارَةِ احْتَاجَ إلَى تَعْرِيفِهِمَا فَعَرَّفَ الْأَوَّلَ بِمَا ذُكِرَ وَأَحَالَ تَعْرِيفَ الثَّانِي عَلَى مَا يَأْتِي فَقَوْلُهُ " تُوجِبُ إلَخْ " أَصْلُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ النَّجَاسَةُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ فَجِنْسُهَا كَجِنْسِ الطَّهَارَةِ وَفَصْلُهَا تُوجِبُ مَنْعَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَعَلَى الِاسْتِبَاحَةِ يَعُودُ الضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ (وَقَوْلُهُ بِهِ) يَتَعَلَّقُ بِاسْتِبَاحَةٍ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَكَذَلِكَ. (قَوْلُهُ فِيهِ) وَسَبَبُ رَسْمِهِ النَّجَاسَةُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 لِمَوْصُوفِهَا مَنْعَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِمَوْصُوفِهَا أَوْ فِي مَوْصُوفِهَا وَهُوَ اخْتِصَارٌ حَسَنٌ بَدِيعٌ وَيَدُلُّ عَلَى الْمُقَدَّرَاتِ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِّ ضِدِّ النَّجَاسَةِ. وَأَمَّا الْحَدَثُ فَيَأْتِي مَعْنَاهُ فِي حَدِّ النِّيَّةِ وَإِنَّمَا عَرَّفَ النَّجَاسَةَ قَبْلَ الطَّهُورِيَّةِ لِذِكْرِ النَّجَاسَةِ فِي حَدِّهَا وَالْحَدَثُ لَمْ يُذْكَرْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ رَسْمُهُ هُنَا فَلِذَا أَخَّرَهُ وَتَأَمَّلْ هَذَا الرَّسْمَ وَمَا يَرِدُ عَلَيْهِ وَمَا فِيهِ فَلْنَزِدْ فِيهِ بَيَانًا وَفَائِدَةً فَنَقُولُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَمَّا عَرَّفَ النَّجَاسَةَ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَّمَنَا مَعْرِفَةَ النَّجِسِ بِكَسْرِ الْجِيمِ كَمَا أَنَّهُ إذَا عَلِمْنَا حَدَّ الطَّهَارَةِ عَلِمْنَا مِنْ ذَلِكَ رَسْمَ الطَّاهِرِ فَيُقَالُ فِي رَسْمِ النَّجِسِ الْمَوْصُوفِ بِصِفَةٍ حُكْمِيَّةٍ أَوْجَبَتْ لَهُ مَنْعَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ وَإِذَا عَلِمْنَا سِرَّ ذَلِكَ عَلِمْنَا حَدَّ التَّطْهِيرِ بَعْدَ رَسْمِ النَّجَاسَةِ عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدُ مِنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ فِي ذَلِكَ وَالنَّجِسُ الْمَذْكُورُ مُقَابِلُهُ الطَّاهِرُ كَمَا أَنَّ النَّجَاسَةَ مُقَابِلَةٌ لِلطَّهَارَةِ وَالطَّاهِرُ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِصِفَةٍ حُكْمِيَّةٍ أَوْجَبَتْ لَهُ جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوْ لَهُ. (فَإِنْ قُلْتَ) الطَّاهِرُ يَعُمُّ الْبُقْعَةَ وَالثَّوْبَ وَالْبَدَنَ وَالشَّخْصَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَاءٍ وَحَجَرٍ وَقَدْ ذَكَرْت أَنَّ النَّجَاسَةَ مُقَابِلُهُ. وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ صَادِقًا عَلَى ضِدِّ كُلٍّ مِنْ مَصْدُوقَاتِهِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الشَّخْصِ نَجِسٌ وَيُقَالُ فِيهِ طَاهِرٌ (قُلْتُ) ذَلِكَ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا التَّقَابُلُ فِيمَا يَقْبَلُ الِاتِّصَافَ بِالنَّجَاسَةِ وَضِدِّهَا لَا فِي مُطْلَقِ طَاهِرٍ لِأَنَّ الطَّاهِرَ يُقَابِلُهُ النَّجِسُ وَيُقَابِلُهُ الْمُحْدِثُ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ طَهَارَةُ حَدَثٍ وَطَهَارَةُ خَبَثٍ. (فَإِنْ قُلْتَ) مَنْ أَوْرَدَ عَلَى رَسْمِهِ فِي عَدَمِ طَرْدِهِ الثَّوْبَ الْمَغْصُوبَ وَالدَّارَ الْمَغْصُوبَةَ هَلْ يَرِدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ أَنَّ بِهِ صِفَةً حُكْمِيَّةً أَوْجَبَتْ مَنْعَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ (قُلْتُ) كَأَنْ يَظْهَرَ لِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَرِدُ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ فِي الثَّوْبِ أَوْ الدَّارِ مِنْ أَثَرِ الْغَصْبِ يَمْنَعُ أَنَّهُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ بَلْ إمَّا نِسْبَةٌ أَوْ فِعْلٌ ثُمَّ وَقَعَ لِي التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّهَارَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ التَّطْهِيرِ وَلِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ أَثَرُ هَذِهِ صِفَةً حُكْمِيَّةً وَأَثَرُ الْغَصْبِ لَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ الطَّهَارَةُ وَمَا شَابَهَهَا مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِيهِ بَحْثُهُ. (فَإِنْ قُلْتَ) جِلْدُ الْمَيِّتَةِ إذَا دُبِغَ أَيَصْدُقُ عَلَيْهِ نَجِسٌ أَوْ طَاهِرٌ. (قُلْتُ) أَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَنَصَّ ابْنُ رُشْدٍ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ رَخَّصَ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي الْيَابِسَاتِ وَالْمَاءِ. قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ فِي الْمَعْنَى لِمَنْ عَبَّرَ عَنْ الْمَشْهُورِ بِأَنَّهُ يَطْهُرُ طَهَارَةً مُقَيَّدَةً فَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ دُخُولُهُ فِي حَدِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 النَّجَاسَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّهُ يَطْهُرُ طَهَارَةً مُطْلَقَةً يَدْخُلُ فِي حَدِّ الطَّهَارَةِ وَجِلْدُ الْمُذَكَّى يَصْدُقُ عَلَيْهِ طَاهِرٌ بِالْإِطْلَاقِ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ عَلَيْهِ وَصَدَقَ رَسْمُ الطَّاهِرِ عَلَيْهِ فَصَحَّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الطَّاهِرَ مَا وُصِفَ بِمَعْنًى يُوجِبُ لَهُ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْحَيَوَانُ وَالْجَمَادَاتُ وَالْمَائِعَاتُ غَيْرُ النَّجِسَةِ وَعَرَقُ الْحَيَوَانِ وَالدَّمُ غَيْرُ الْمَسْفُوحِ وَجَمِيعُ مَا وُصِفَ بِالطَّهَارَةِ بِاتِّفَاقٍ أَوْ عَلَى الْخِلَافِ كَالْعَظْمِ مِنْ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالنَّجَسُ يُعْلَمُ مِمَّا ذُكِرَ أَيْضًا وَلَا يَرِدُ عَلَى رَسْمِ الشَّيْخِ ثَوْبُ الْحَرِيرِ وَخَاتَمُ الذَّهَبِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا بِهِ مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ لِمَا قَدَّمْنَا. (فَإِنْ قِيلَ) مَاءُ ثَمُودَ مَاءٌ طَاهِرٌ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهِ وَقَدْ أَمَرَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَرْحِ مَا عُجِنَ بِهِ (قِيلَ) ذَلِكَ خَاصٌّ لِمَعْنًى لَا يَرِدُ النَّقْضُ بِهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ كَمَا ذَكَرُوا فِي حَدِّ الشَّهَادَةِ أَنَّ مِنْ لَازِمِهَا تَعَدُّدًا أَوْ يَمِينًا مَعَ شَاهِدٍ وَلَمْ يُورِدُوا عَلَى ذَلِكَ نَقْضًا مَا ثَبَتَ فِي خُزَيْمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحَدَثُ يَأْتِي) لَمَّا عَرَّفَ الْخَبَثَ وَهُوَ النَّجَاسَةُ احْتَاجَ إلَى أَنْ يُشِيرَ إلَى أَنَّ الْحَدَثَ يَأْتِي بَيَانُهُ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْأَوَّلَ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي حَدٍّ بَعْدَهُ وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ سَيَأْتِي قِيلَ أَشَارَ إلَى مَا يَأْتِي لَهُ فِي رَسْمِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ حَيْثُ قَالَ وَهِيَ الْقَصْدُ بِهِ رَفْعُ الْحَدَثِ ثُمَّ قَالَ أَعْنِي الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا لَا مِنْ جُزْئِيَّةِ هَذَا فِي التَّيَمُّمِ فَلِذَا قَالُوا لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ. (قَالَ وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ التَّيَمُّمُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَقَوْمٌ لَا يَرْفَعُهُ وَتُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ مُتَنَافٍ هَذَا الَّذِي وَجَدْته وَكُنَّا نَفْهَمُ بِهِ مَا أَحَالَ الشَّيْخُ عَلَيْهِ وَظَهَرَ لِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى مَا يَلِيهِ مِنْ رَسْمِ التَّطْهِيرِ حَيْثُ قَالَ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ أَوْ رَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ الْحَدَثُ مَعْنَاهُ مَانِعُ الصَّلَاةِ وَهُوَ الَّذِي يَرْفَعُ بِالتَّطْهِيرِ فِي زَوَالِ الْحَدَثِ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى لَفْظِهِ وَيُقَوِّي هَذَا عِنْدِي أَنَّ مَا وَقَعَ فِي النِّيَّةِ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ بَيَانَ الْحَدَثِ وَإِنَّمَا قَصَدَهُ بِهِ أَنَّ الرَّفْعَ فِي الْحَدَثِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ رَفْعًا (كَذَا) مُقَيَّدًا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الرَّفْعُ لِلْحَدَثِ الْمُطْلَقِ وَأَمَّا الرَّفْعُ الْمُقَيَّدُ فَهُوَ رَفْعُ التَّيَمُّمِ فَالْمَنْوِيُّ فِي الْوُضُوءِ رَفْعُ مُطْلَقِ مَنْعٍ لَا مَنْعًا (كَذَا) مِنْهُ مُقَيَّدًا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. وَمَا قِيلَ إنَّهُ قَصَدَ مَا وَقَعَ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ فَهُوَ أَبْعَدُ لَا يُقَالُ إنَّهُ فِي حَدِّ التَّطْهِيرِ لَمْ يُعَرِّفْ الْحَدَثَ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا ذَكَرَ فِي التَّطْهِيرِ طَهَارَةَ الْخَبَثِ أَوَّلًا وَذَكَرَ طَهَارَةَ الْحَدَثِ ثَانِيًا عَلِمْنَا أَنَّ مَانِعَ الصَّلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 هُوَ الْحَدَثُ فَرَفْعُهُ تَطْهِيرٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لَا رَبَّ غَيْرُهُ وَتَأَمَّلْ آخِرَ الطَّهَارَةِ فَإِنَّ فِيهِ مَا يُنَاسِبُهُ وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالنَّجَاسَةُ تُوجِبُ لَهُ مَنْعَهَا بِهِ أَوْ فِيهِ وَالْحَدَثُ سَيَأْتِي مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ النَّجَاسَةَ الشَّرْعِيَّةَ يُقَالُ فِي رَسْمِهَا صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا مَنْعَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِالْمَوْصُوفِ أَوْ فِي الْمَوْصُوفِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ أَوَّلًا بِالْخَبَثِ وَالْحَدَثِ الْمَذْكُورِ ثَانِيًا أَحَالَ بِأَنَّهُ سَيَأْتِي وَهَذَا الرَّسْمُ حَسَنٌ وَفِيهِ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْمَوْصُوفِ عَلَى لَفْظِهِ فَقَطْ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ وَهُوَ مَجَازٌ ظَاهِرٌ مَعْنَاهُ لِقَرِينَتِهِ وَالِاعْتِرَاضَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَيْهِ ذَكَرُوا مِنْهَا بَعْضَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي حَدِّ الطَّهَارَةِ وَزَادَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ حَدَّ نَجَاسَةِ الْخَبَثِ يَدْخُلُ فِيهِ الْحَدَثُ لِصَادِقِيَّةِ الرَّسْمِ عَلَيْهِ (قَالَ) وَلَا يُنَجِّي مِنْهُ قَوْلُهُ الْحَدَثُ سَيَأْتِي (قُلْتُ) هَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مِنْ خَاصِّيَّةِ النَّجَاسَةِ بِهِ أَوْ فِيهِ وَهَذَا لَا يَصْدُقُ عَلَى الْحَدَثِ. (فَإِنْ قُلْتَ) وَهَلَّا قَالَ الشَّيْخُ وَالْحَدَثُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا مَنْعَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ لَهُ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى مَا قَرَرْنَاهُ الطَّهَارَةُ أَوْ لَا؟ (قُلْتُ) ذَلِكَ صَحِيحٌ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَانِعُ الصَّلَاةِ لِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ مَانِعَةٌ وَسَيَأْتِي مَا أَحَالَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ قَدَّمْنَا آخِرَ الطَّهَارَةِ مَا يُنَاسِبُ هَذَا الرَّسْمَ فَانْظُرْهُ. [بَابُ حَدّ الطَّهُورِيَّة] (ط هـ ر) : بَابُ حَدِّ الطَّهُورِيَّةِ وَلَمَّا حَدَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الطَّهَارَةَ بِمَا ذَكَرْنَا ذَكَرَ حَدَّ الطَّهُورِيَّةِ وَحَدَّ التَّطْهِيرِ لِأَنَّهَا حَقَائِقُ مَعْلُومَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ مُتَغَايِرَةٌ فَقَالَ فِي حَدِّ الطَّهُورِيَّةِ " وَالطَّهُورِيَّةُ تُوجِبُ لَهُ كَوْنَهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمُزَالُ بِهِ نَجَاسَتُهُ طَاهِرًا " فَقَوْلُهُ " الطَّهُورِيَّةُ تُوجِبُ لَهُ أَيْ لِلْمَوْصُوفِ بِالطَّهُورِيَّةِ وَالْبَاءُ فِي " بِحَيْثُ " بِمَعْنَى فِي وَضَمِيرُ " بِهِ " يَعُودُ عَلَى الْمَوْصُوفِ بِالطَّهُورِيَّةِ أَيْضًا وَضَمِيرُ " نَجَاسَتِهِ " يَعُودُ عَلَى أَلْ الْمَوْصُولَةِ وَنَجَاسَتُهُ نَائِبٌ عَنْ الْفَاعِلِ وَ " طَاهِرًا " خَبَرُ صَارَ فَالْمَوْصُوفُ بِالطَّهُورِيَّةِ هُوَ الْمَاءُ وَ " الْمُزَالُ بِهِ نَجَاسَتُهُ " هُوَ الثَّوْبُ وَالْمَعْنَى وَالطَّهُورِيَّةُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِلْمَوْصُوفِ بِهَا الَّذِي هُوَ الْمَاءُ مَثَلًا كَوْنَ ذَلِكَ الْمَاءِ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمُزَالُ نَجَاسَتُهُ وَهُوَ الثَّوْبُ مَثَلًا بِذَلِكَ الْمَاءِ طَاهِرًا وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِصِدْقِ الرَّسْمِ عَلَى الْأَحْجَارِ الْمُسْتَجْمَرِ بِهَا وَعَلَى مَا يُمْسَحُ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 نَجَاسَةُ السَّيْفِ الصَّقِيلِ وَشِبْهُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ يُطَهِّرُهُ مَعَ أَنَّ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ لَا تُوصَفُ بِالطَّهُورِيَّةِ لِأَنَّ الطَّهُورِيَّةَ مِنْ خَوَاصِّ الْمَاءِ وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَنَحْوُهُ فِي الْإِشْرَافِ وَيُنْظَرُ كَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي ذَلِكَ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا وَأَوْرَدَ عَلَى عَكْسِهِ الْمَاءَ الَّذِي يَتَوَضَّأُ بِهِ طَاهِرُ الْجِسْمِ فَإِنَّهُ انْتَفَى عَنْهُ الرَّسْمُ مَعَ بَقَاءِ الطَّهُورِيَّةِ وَنَزِيدُ هَذَا الرَّسْمَ بَيَانًا فِيمَا كُنَّا نُقَرِّرُهُ بِهِ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَيَّرَ جِنْسَ الطَّهُورِيَّةِ كَجِنْسِ الطَّهَارَةِ وَإِنَّ ذَلِكَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَيُقَالُ فِي حَدِّ الطَّهُورِيَّةِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ أَيْضًا اتَّصَفَ بِهَا مَوْصُوفُهَا أَوْجَبَتْ لَهُ حَالًا وَهِيَ " كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمُزَالُ بِهِ نَجَاسَتُهُ طَاهِرًا " وَهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فَصَارَتْ الطَّهُورِيَّةُ كَالْعِلْمِ وَكَانَ الْمَوْصُوفُ بِحَيْثُ إلَخْ كَالْعَالِمِيَّةِ. (فَإِنْ قُلْتَ) وَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الطَّهُورِيَّةَ هِيَ حَالٌ مِثْلُ الْكَوْنِيَّةِ أَعْنِي قَوْلَهُ " كَوْنُهُ بِحَيْثُ إلَخْ " كَكَوْنِ الْعَالِمِ عَالِمًا إلَّا أَنَّ الْإِيجَابَ هُنَاكَ عَقْلِيٌّ وَهُنَا شَرْعِيٌّ وَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ فَالْمُوجِبُ لِلْحَالِ الْمَذْكُورَةِ هِيَ الطَّهَارَةُ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ تَقْدِيرِيَّةٌ فَأَوْجَبَتْ لِلْمَوْصُوفِ حُكْمَيْنِ جَوَازَ الِاسْتِبَاحَةِ وَكَوْنَ الْمَوْصُوفِ بِحَيْثُ إلَخْ وَذَلِكَ سَائِغٌ شَرْعًا (قُلْنَا) الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الطَّهُورِيَّةَ إنَّمَا هِيَ مَعْنًى شَرْعِيٌّ حُكْمِيٌّ كَالطَّهَارَةِ إلَّا أَنَّ الْمُوجِبَ فِيهِمَا مُخْتَلِفٌ كَمَا قَرَّرَ فِي خَاصِّيَّتِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَلَوْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الطَّهُورِيَّةَ حَالٌ أَوْجَبَتْهَا الطَّهَارَةُ لَلَزِمَ عَلَيْهِ أَنَّ كُلَّ طَاهِرٍ طَهُورٌ. [بَابُ حَدّ التَّطْهِير] (ط هـ ر) : بَابُ حَدِّ التَّطْهِيرِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " التَّطْهِيرُ إزَالَةُ النَّجَسِ أَوْ رَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ " إنَّمَا قَالَ " إزَالَةٌ " لِأَنَّهَا مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ كَمَا أَنَّ التَّطَهُّرَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا زَادَ " رَفْعُ الْمَانِعِ إلَخْ " لِيَدْخُلَ التَّطْهِيرُ فِي الْحَدَثِ لِأَنَّ التَّطْهِيرَ تَطْهِيرُ خَبَثٍ وَتَطْهِيرُ حَدَثٍ فَالْأَوَّلُ مِنْ خَاصَّةِ الْخَبَثِ وَالثَّانِي مِنْ خَاصَّةِ الْحَدَثِ وَسُؤَالُ التَّرْدِيدِ هُنَا فِي الْحَدِّ يَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ لَا يُقَالُ ذِكْرُ الْجِنْسِ فِي الْحَدِّ يَحْتَاجُ إلَى تَعْرِيفٍ فَكَيْفَ يُعَرَّفُ بِهِ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ عَرَّفَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَضِيَ عَنْهُ النَّجَاسَةَ قَبْلَ ذَلِكَ فَيُعَرَّفُ الْجِنْسُ مِنْ ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سَبَقَ تَعْرِيفُهَا قَبْلَ حَدِّ التَّطْهِيرِ. وَلَا يُقَالُ إنَّهُ عَرَّفَ النَّجَاسَةَ وَالنَّجَسُ غَيْرُ النَّجَاسَةِ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا عَرَّفَ النَّجَاسَةَ بِقَوْلِهِ " وَالنَّجَاسَةُ تُوجِبُ لَهُ مَنْعَهَا بِهِ أَوْ فِيهِ " عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ حَدُّ النَّجَسِ وَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِمَا أَوْجَبَ لَهُ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حَدِّ النَّجَاسَةِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا مَنْعَ جَوَازِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ هَذَا حَدُّ النَّجَاسَةِ الْخَبِيثَةِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ " فَالْأُولَيَانِ مِنْ خَبَثٌ " وَيُعْرَفُ مِنْ ذَلِكَ حَدُّ النَّجَسِ كَمَا قَدَّمْنَا. وَأَمَّا الْحَدَثُ فِي قَوْلِهِ " وَالْأَخِيرَةُ مِنْ حَدَثٍ " فَقَدْ أَحَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَنَّهُ سَيَأْتِي حَدُّهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَمَا تُعُقِّلَ حَدُّ الطَّهَارَةِ وَالتَّطْهِيرِ وَالطَّهُورِيَّةِ يُتَعَقَّلُ حَدُّ أَضْدَادِ ذَلِكَ وَهِيَ النَّجَاسَةُ وَالتَّنَجُّسُ وَالنَّجِسَةُ فَحَدُّ النَّجَاسَةِ مَا ذُكِرَ وَالتَّنْجِيسُ إلْقَاءُ النَّجَسِ بِطَاهِرٍ نَجَّسَهُ لَا يُقَالُ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ إذَا وَقَعَ إنَاءُ بَوْلٍ مَثَلًا عَلَى إنَاءٍ طَاهِرٍ فَنَجَّسَهُ فَهَذَا التَّنَجُّسُ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ إلْقَاءٌ لِأَنَّا نَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ مُلْقٍ كَنُزُولِ الْمَطَرِ وَهُبُوبِ الرِّيَاحِ فَلَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ مُحَرِّكٍ وَالنَّجِسَةُ لَمْ تُسْتَعْمَلْ شَرْعًا وَلَوْ اُسْتُعْمِلَتْ لَقَالَ فِي رَسْمِهَا: صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا كَوْنَهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمُزَالُ بِهِ طَهَارَتُهُ نَجَسًا هَذَا خُلَاصَةُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي هَذَا الْفَصْلِ لِهَذِهِ الْحَقَائِقِ التِّسْعَةِ تَصْرِيحًا مِنْهُ وَتَلْوِيحًا وَلَا يَخْلُو مِنْ مُنَاقَشَةٍ (فَإِنْ قُلْتَ) النَّجَسُ فِي لَفْظِ رَسْمِ الشَّيْخِ هَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ الذَّاتُ الْمُتَنَجِّسَةُ الَّتِي هِيَ مُقَابَلَةُ الذَّاتِ الطَّاهِرَةِ أَوْ الْمُرَادُ بِهِ النَّجَاسَةُ الْمَحْدُودَةُ قَبْلُ أَوْ الْمُرَادُ بِهِ اسْمُ الْمَصْدَرِ وَهُوَ التَّنْجِيسُ (قُلْتُ) أَمَّا أَنَّ الْمُرَادَ الذَّاتُ الْمَذْكُورَةُ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَقْلًا وَلَا نَقْلًا وَإِنْ قَرَّرَ بِهِ كَلَامَهُ فَهُوَ تَسَامُحٌ لِأَنَّ الرَّفْعَ لَمْ يَقَعْ بِالذَّاتِ بَلْ التَّحَقُّقُ أَنَّ الْمَرْفُوعَ مَا عَرَضَ لَهَا مِنْ صِفَةٍ أَوْ نِسْبَةٍ أَوْ فِعْلٍ فَلَعَلَّهُ أَطْلَقَ النَّجَسَ عَلَى النَّجَاسَةِ وَالنَّجَاسَةُ يَصِحُّ إزَالَتُهَا بِإِزَالَةِ أَثَرِهَا وَالْحَقُّ أَنَّ النَّجَسَ أُطْلِقَ عَلَى مَا وَقَعَ التَّنَجُّسُ بِهِ وَذَلِكَ يَصِحُّ رَفْعُهُ وَهَذَا مَعْنَى غَيْرِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَالَ الشَّيْخُ فِي بَابِ الْوُضُوءِ. إنَّ الْحَدَثَ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَهُنَا قَالَ " رَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ وَمَنْعُ الصَّلَاةِ أَخَصُّ " مَعَ أَنَّ فِيهِ زِيَادَةً وَهِيَ صِدْقُهُ عَلَى طَهَارَتَيْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ فَإِنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا يَرْفَعُ عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَنْعَ لَا الْمَانِعَ الَّذِي هُوَ الصِّفَةُ الْحُكْمِيَّةُ وَالْمَاءُ فِي الْمَانِعِ وَالْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ يَرْفَعُ مَنْعَ الصَّلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 لَصَحَّ وَكَانَ أَظْهَرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا قَصَدَ الصَّلَاةَ عُرْيَانًا فَفِيهِ مَانِعُ الصَّلَاةِ فَإِنْ سَتَرَ عَوْرَتَهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ فَصَدَقَ عَلَيْهِ حَدُّ التَّطْهِيرِ فَيَكُونُ غَيْرَ مُطَّرِدٍ وَكَذَلِكَ يَصْدُقُ أَيْضًا إذَا كَانَ غَيْرَ مُسْتَقْبِلٍ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ وَيَجْرِي فِي نَقَائِضِ الشُّرُوطِ كُلِّهَا (قُلْتُ) لَا يَرِدُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَانِعَ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَشْهُورٌ وَإِنَّ ذَلِكَ نَشَأَ عَنْ أَحْدَاثٍ وَأَسْبَابٍ وَفِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ لَا رَبَّ غَيْرُهُ. [بَابُ الْمَاءِ الطَّهُورِ] (ط هـ ر) : بَابُ الْمَاءِ الطَّهُورِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الْمَاءُ الطَّهُورُ مَا بَقِيَ بِصِفَةِ أَصْلِ خَلْقِهِ غَيْرَ مُخْرَجٍ مِنْ نَبَاتٍ وَلَا حَيَوَانٍ وَلَا مُخَالِطٍ بِغَيْرِهِ " حَدَّ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَاءَ الطَّهُورَ وَعَيَّنَ الْحَدَّ لِلطَّهُورِ وَعَدَّلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِإِيهَامِ لَفْظِهِ فِي عَوْدِ الضَّمِيرِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ وَلَمَّا أَوْرَدُوهُ عَلَى حَدِّهِ وَمَا اسْتَثْنَاهُ أَخْرَجَ بِهِ مَا نُقِضَ بِهِ عَلَى حَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ مَاءِ وَرْدٍ وَشِبْهِهِ وَقَوْلُهُ غَيْرَ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ الْفَاعِلِ وَعَدَلَ عَنْ لَفْظِهِ إلَى قَوْلِهِ " مَا بَقِيَ بِصِفَةِ أَصْلِ خَلْقِهِ إلَخْ " لِلِاحْتِرَازِ مِنْ النَّقْضِ عَلَيْهِ بِمَاءٍ نَقَضَ عَلَى غَيْرِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ غَيَّرَ وَاخْتَصَرَ بِقَوْلِهِ " مَا بَقِيَ بِصِفَةِ أَصْلِ خَلْقِهِ " وَلَمْ يَأْتِ بِعِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ. (قُلْتُ) لِأَنَّ عِبَارَتَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَقَلُّ أَحْرُفًا مِنْ عِبَارَتِهِ وَأَخْصَرُ مِنْهَا وَعَادَتُهُ يُحَافِظُ عَلَى تَمَامِ الِاخْتِصَارِ إذَا وَجَبَ مَسْلَكًا وَقَدْ ظَهَرَ مَا أَوْجَبَ الْعُدُولَ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يَرِدُ عَلَى حَدِّ الشَّيْخِ الْمَاءُ إذَا سَخِنَ أَوْ بَرَدَ أَوْ الثَّلْجُ إذَا ذَابَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَبْقَ عَلَى صِفَةِ أَصْلِ خَلْقِهِ (قُلْنَا) لَا يَرِدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُلْحَقٌ وَمَثَّلَ لِلْمَاءِ الطَّهُورِ وَلِذَا قَالَ " وَمِثْلُهُ إلَخْ " وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَبْعَدٌ جِدًّا وَإِنَّ الْجَوَابَ لَمْ يَظْهَرْ (فَإِنْ قُلْتَ) الْمَاءُ إذَا كَانَ عَذْبًا ثُمَّ صَارَ مَالِحًا أَوْ بِالْعَكْسِ كَيْفَ يَصْدُقُ فِيهِ حَدُّهُ. (قُلْتُ) هَذَا مِثْلُ السُّؤَالِ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ " الْمَاءُ الطَّهُورُ مَا بَقِيَ إلَخْ " مَا مَوْصُولَةٌ وَالتَّقْدِيرُ ذَلِكَ الْمَاءُ الَّذِي بَقِيَ بِصِفَةِ خَلْقِهِ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ وَمَا عُصِرَ مِنْ نَبَاتٍ وَمَا خَرَجَ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الدَّمْعِ وَغَيْرِهِ وَلِذَا أُخْرِجَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ذَلِكَ بِالْقَيْدِ وَهُوَ قَوْلُهُ " غَيْرَ إلَخْ " لِيَكُونَ حَدُّهُ مُطَّرِدًا (فَإِنْ قُلْتَ) مَاءُ النَّبَاتِ وَغَيْرُ ذَلِكَ أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهُ تَحْتَ الْجِنْسِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إخْرَاجِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ لَمْ يَبْقَ عَلَى صِفَةِ خَلْقِهِ فَإِنَّ صِفَةَ أَصْلِ خَلْقِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُخْرَجٍ وَلَا مُخَالَطٍ. (قُلْتُ) لَعَلَّهُ أَشَارَ بِصِفَةِ الْخَلْقِ إلَى مَا لَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرُ لَوْنٍ وَلَا طَعْمٍ وَلَا رَائِحَةٍ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَى التَّقَيُّدِ بِهِ فِي الْمَاءِ الطَّهُورِ الَّذِي أَتَى بِالْحَقِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَشَارَ بَعْضُ شُرَّاحِ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ هُوَ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ وَلَا طَعْمُهُ وَلَا رَائِحَتُهُ وَإِنَّ هَذَا مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ اصْطِلَاحًا عُرْفِيًّا وَهُوَ الَّذِي حَمَلْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْجَوَابِ وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ عُرْفًا انْدَفَعَ سُؤَالُ الْمَاءِ الْمُسَخَّنِ وَالسُّؤَالُ الَّذِي بَعْدَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِصِفَةِ أَصْلِ خَلْقِهِ هَلْ يُقَالُ عَبَّرَ بِذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الصِّفَةَ فِي الشَّيْءِ يُمْكِنُ تَغَيُّرُهَا فَأَخْرَجَ بِذَلِكَ مَا تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ بِمَا خَالَطَهُ بَعْدَ صِفَةِ خَلْقِهِ، وَلَوْ قَالَ بَقِيَ بِصِفَةِ خِلْقَتِهِ لَا يَخْرُجُ بِهِ ذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَ الْخِلْقَةِ مَوْجُودٌ فِي الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ (قُلْتُ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ ذَلِكَ وَلَا يُقَالُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَمَا احْتَاجَ إلَى إخْرَاجِ مَا أَخْرَجَ مِنْ نَبَاتٍ لِأَنَّهُ إذَا عُصِرَ أَوْ قُطِرَ فَلَيْسَتْ فِيهِ صِفَةُ خَلْقِهِ لِتَغَيُّرِهِ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ مَحَلِّهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ هُنَا بِالصِّفَةِ الصِّفَةُ الْحِسِّيَّةُ الَّتِي هِيَ الطَّعْمُ أَوْ اللَّوْنُ أَوْ الرَّائِحَةُ لَا الصِّفَةُ النِّسْبِيَّةُ وَإِلَّا لِمَا دَخَلَ فِيهِ الْمَطَرُ النَّازِلُ مِنْ السَّمَاءِ الَّذِي عَصَرَتْهُ السَّحَابُ وَغَيْرُ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ غَيْرُ مُخَالَطٍ بِغَيْرِهِ. (قُلْتُ) مُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا طَرَأَ عَلَى الْمَاءِ مِمَّا خَالَطَهُ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ لَا مَا خَالَطَهُ وَغَيَّرَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ بِقَوْلِهِ " مَا بَقِيَ بِصِفَةِ خَلْقِهِ " لِأَنَّ مَا غُيِّرَ لَمْ يَبْقَ بِصِفَةِ خَلْقِهِ كَالتُّرَابِ عَلَى قَوْلٍ وَكَذَلِكَ مَا خُولِطَ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ لَيْسَ بِطَهُورٍ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ إلَّا أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَبْحَرَ إذَا خَالَطَهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ يَلْزَمُ عَلَى تَعْرِيفِهِ أَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ وَهُوَ خِلَافُ الِاتِّفَاقِ وَهَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ. وَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ يَبْطُلُ رَدُّهُ مَاءُ الْوَرْدِ هَذَا الْكَلَامُ يُوهِمُ أَنَّ رَسْمَ ابْنِ الْحَاجِبِ لِلطَّهُورِ وَأَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ يَعُودُ عَلَى الطَّهُورِ وَالشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَمَلَ الضَّمِيرَ أَنْ يَعُودَ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 الْمُطْلَقِ وَكَانَ يَمْشِي لَنَا فِي الْبَحْثِ هُنَا أَنَّ الشَّيْخَ إذَا فَهِمَ عَنْهُ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ وَلَا يُجَابُ إلَى آخِرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحْدُودَ هُوَ الْمُطْلَقُ لَا الْمَاءُ الطَّهُورُ وَالطَّهُورُ غَيْرُهُ وَأَعَمُّ مِنْهُ وَلَا يَصِحُّ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُطْلَقَ وَالطَّهُورَ مُتَرَادِفَانِ لِمَا ذَكَرْنَا وَتَأَمَّلْ كَوْنَ الشَّيْخِ لَمْ يَتَشَاغَلْ بِغَيْرِ هَذَا مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمَيْتَةِ] (م وت) : بَابُ الْمَيْتَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَا مَاتَ لَا بِذَكَاةٍ " تَقْدِيرُ ذَلِكَ حَدُّ الْمَيْتَةِ الْمَيِّتُ الَّذِي مَاتَ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ فَالْجِنْسُ الْمَيِّتُ وَقَوْلُهُ. بِغَيْرِ ذَكَاةٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْمَيِّتَ الْمُذَكَّى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَيِّتٍ وَالْمَيْتَةُ الْمُعَرَّفَةُ أَعَمُّ مِنْ الْمَيْتَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ الْمُحَرَّمِ أَكْلُهَا النَّجِسَةُ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ فِي الرَّسْمِ نَوْعٌ مِنْ دَوْرِ الِاشْتِقَاقِ (قُلْتُ) لَا لِأَنَّ الْمَيِّتَ مَا حَلَّ بِهِ الْمَوْتُ مِنْ الْحَيَوَانِ أَشْهَرُ مِنْ الْمَيْتَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُهُ " بِغَيْرِ ذَكَاةٍ " الذَّكَاةُ تَحْتَاجُ إلَى تَعْرِيفٍ شَرْعًا وَيَأْتِي لِلشَّيْخِ تَعْرِيفُهَا فَهَلْ فِيهِ إحَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ (قُلْتُ) هَذَا كَثِيرٌ مَا يَقَعُ لَهُ وَأَنَّهُ رَسْمُ هَذِهِ الْمَاهِيَّاتِ لِمَنْ لَهُ اطِّلَاعٌ عَلَى كِتَابِهِ وَمَعْرِفَةٌ بِكَثِيرٍ مِنْ حَقَائِقِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْمُبْتَدِي وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُهُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ مَا سَيَأْتِي فَتَأَمَّلْهُ، وَالذَّكَاةُ أَعَمُّ مِنْ ذَكَاةِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْعَقْرَبُ وَالزُّنْبُورُ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ يَصْدُقُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَا ذَكَاةَ فِيهِ (قُلْتُ) ذَلِكَ صَحِيحٌ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ مَيْتَةٌ لِأَنَّ ذَلِكَ وَنَظِيرَهُ مُسْتَثْنًى طَهَارَتُهُ مِنْ الْمَيْتَةِ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ مَيْتَةٌ فَهُوَ طَاهِرٌ وَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ إلَّا بِذَكَاةٍ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ لَا يَجُوزُ أَكْلُهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ أَكْلِهِ أَنْ يَكُونَ نَجَسًا بِدَلِيلِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ كَالتُّرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ وَكَذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّا لَا تَنْفَعُ ذَكَاتُهُ أَنَّهُ مُذَكًّى وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَيْتَةِ كَالْخِنْزِيرِ الْمُذَكَّى وَغَيْرِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) لَوْ قَالَ مَيِّتٌ لَا بِذَكَاةٍ لَأَدَّى مَا ذَكَرَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ أَخَصْرُ (قُلْتُ) الْمَعْنَى عَلَيْهِ لَكِنْ مَا ذُكِرَ أَبْيَنُ وَيَصْدُقُ رَسْمُهُ عَلَى مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ وَمَيْتَةِ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 [بَابُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ] ز ول) : بَابُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ تَكَلَّمَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى حُكْمِهَا وَلَمْ يَحْتَجْ لِإِعَادَةِ حَدِّهَا أَنَّهُ قَدَّمَ فِي التَّطْهِيرِ أَنْ قَالَ " إزَالَةُ النَّجَسِ أَوْ رَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ " فَعُلِمَ مِنْ هَذَا حَدُّ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَيُقَالُ فِي إزَالَتِهَا تَطْهِيرُ النَّجَسِ وَهُوَ إزَالَتُهُ وَإِذَا زَالَ النَّجَسُ زَالَتْ النَّجَاسَةُ إنْ صَدَقَتْ النَّجَاسَةُ الْمُضَافَةُ إلَيْهَا الْمُزَالَةُ عَلَى الصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَإِنْ صَدَقَتْ عَلَى الشَّيْءِ النَّجَسِ فَأَظْهَرُ (وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ) إنْ صَدَقَتْ النَّجَاسَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى الصِّفَةِ فَيُقَالُ فِي رَسْمِهَا أَيْ رَسْمِ إزَالَتِهَا رَفْعُ الصِّفَةِ إلَخْ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ رَسْمُهُ لِهَذِهِ الْحَقَائِقِ وَلِأَضْدَادِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قِيلَ) عَلَى الْأَوَّلِ النَّجَسُ إذَا زَالَ زَالَ عَيْنُهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ ذَهَابُ النَّجَاسَةِ (قُلْنَا) الْمُرَادُ بِالتَّطْهِيرِ مَا يُقَالُ فِيهِ مُطَهَّرٌ شَرْعًا وَهُوَ الْمُشْتَقُّ مِنْ الْمَاءِ الطَّهُورِ الَّذِي تَقَدَّمَ حَدُّهُ وَزَوَالُ النَّجَاسَةِ بِذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ ذَهَابَ النَّجَاسَةِ فَتَأَمَّلْهُ (فَإِنْ قِيلَ) إذَا مُسِحَ سَيْفٌ صَقِيلٌ وَمَا شَابَهَهُ فَهَلْ يُقَالُ فِيهِ تَطْهِيرٌ وَإِزَالَةٌ لِلنَّجَاسَةِ قِيلَ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ مَسْحَ النَّجَاسَةِ مِنْ الصَّقِيلِ كَافٍ فَقِيلَ لِذَهَابِهِ النَّجَاسَةُ وَقِيلَ اُغْتُفِرَ لِإِفْسَادِ الْمَمْسُوحِ بِالْغُسْلِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْعِلَّةِ الْأُولَى حَصَلَ التَّطْهِيرُ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَإِنْ قِيلَ بِالثَّانِيَةِ فَيَكُونُ التَّطْهِيرُ هُوَ بَابُ الرُّخْصَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ فِي طُهْرِ مَا بُولِغَ فِي مَسْحِ نَجَاسَتِهِ غَيْرُ بَاقٍ مِنْهَا شَيْءٌ وَطُهْرُهُ أَحْسَنُ وَانْظُرْ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا هُنَا الرُّعَافُ لَمْ يَحُدَّهُ الشَّيْخُ لِوُضُوحِهِ لُغَةً وَشَرْعًا الْقَضَاءُ وَالْبِنَاءُ حَدَّهُمَا الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ لِقَضَاءِ فِعْلِ مَا فَاتَ بِصِفَتِهِ وَالْبِنَاءُ بِصِفَةِ تَالِي مَا فُعِلَ مِنْهُ فَقَطْ وَفِي بَابِ الْمَسْبُوقِ عَلَى أَنَّهُ أَوَّلُهَا لَهُ قَوْلُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِّ الْقَضَاءِ الرُّعَافُ فِعْلُ مَا فَاتَ بِصِفَتِهِ مَعْنَاهُ فِعْلُ الْفَائِتِ مِنْ الصَّلَاةِ بِصِفَةِ مَا يَكُونُ عَلَيْهِ إنْ جَهْرًا فَجَهْرًا وَإِنْ سِرًّا فَسِرًّا وَإِنْ بِفَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ فَبِفَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ. (قَوْلُهُ) وَالْبِنَاءُ فِعْلُ مَا فَاتَ بِصِفَةِ تَالِي مَا فُعِلَ فَلَوْ فَاتَتْ الْأُولَى وَأَدْرَكَ الثَّانِيَةَ وَفَاتَتْهُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ إنْ قَدَّمَ الْقَضَاءَ وَذَلِكَ صِفَةُ الرَّكْعَةِ الْفَائِتَةِ فَقَدْ أَتَى بِفِعْلِ صِفَتِهَا ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ بِالْحَمْدِ سِرًّا وَذَلِكَ فِعْلُ الْبِنَاءِ لِأَنَّ الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ تَالِيَانِ لِلْمَفْعُولِ قَبْلَهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وَيَجْرِي مَا ذَكَرْنَا فِي كُلِّ صُوَرِ الْبِنَاءِ وَالْقَضَاءِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْجُلُوسُ فِي مَحَلِّهِ هَلْ هُوَ مِنْ صِفَةِ تَالِي مَا فُعِلَ (قُلْتُ) ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ تَقْدِيرِ الرَّكْعَةِ هَلْ هِيَ ثَانِيَةٌ لِلْمَأْمُومِ أَوْ ثَالِثَةٌ لِإِمَامِهِ فَيَجْرِي الْخِلَافُ عَلَى ذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي الصَّلَاةِ أَشْبَعُ مِنْ هَذَا وَتَأَمَّلْ هَذَا الرَّسْمَ لِلْقَضَاءِ وَالْبِنَاءِ فِي الرُّعَافِ هَلْ يَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ لِفِعْلِ مَنْ قَضَى صَلَاةً لِغَيْرِ وَقْتِهَا وَكَذَلِكَ فِي الْبِنَاءِ فِيمَنْ صَلَّى رَكْعَةً خَلْفَ إمَامٍ وَيَأْتِي فِي الصَّلَاةِ مَزِيدُ بَسْطٍ وَبَيَانٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْوُضُوءِ] (وضء) : بَابُ الْوُضُوءِ تَكَلَّمَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَحْكَامِ الْوُضُوءِ وَلَمْ يَذْكُرْ حَدَّهُ هُنَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَذَكَرْنَاهُ فِي حَدِّ التَّطْهِيرِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ يَرْجِعُ لِرَفْعِ مَانِعِ الصَّلَاةِ وَرَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ إمَّا بِطَهَارَةٍ كُبْرَى أَوْ صُغْرَى كَذَا صَنَعَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغُسْلِ تَكَلَّمَ عَلَى مُوجِبِهِ وَحُكْمِهِ وَاسْتَغْنَى عَنْ حَدِّهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِهِ وَحُسْنِ اخْتِصَارِهِ وَقُوَّةِ فَهْمِهِ وَثَمَرَةِ عِلْمِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْوُضُوءَ يُطْلَقُ عَلَى الطَّهَارَةِ فَيُقَالُ فُلَانٌ عَلَى وُضُوءٍ أَيْ عَلَى طَهَارَةٍ وَيُطْلَقُ عَلَى فِعْلِ الْمُتَوَضِّئِ فَإِذَا أُطْلِقَ عَلَى الطَّهَارَةِ فَيَكُونُ حَدُّهُ حَدَّهَا وَإِذَا أُطْلِقَ عَلَى الثَّانِي فَإِنَّمَا يُقَالُ قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ ذَاتُ غُسْلِ وَجْهٍ وَيَدٍ وَرِجْلٍ وَمَسْحِ رَأْسٍ وَلَا يُقَالُ رَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ رَفْعَ مَانِعِ الصَّلَاةِ هُوَ الْمَنْوِيُّ فِي الْوُضُوءِ لَا نَفْسُ الْوُضُوءِ. (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الْإِطْلَاقَ الْأَوَّلَ إنَّمَا يُقَالُ فِيهِ مَجَازًا وَأَمَّا الثَّانِي فَحَقِيقَةً لِأَنَّهُ فِعْلُ التَّطَهُّرِ فِي الْأَعْضَاءِ وَهُوَ مُتَعَلِّقُ التَّكْلِيفِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي حَدِّهِ غُسْلٌ وَمَسْحٌ فِي أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ لِرَفْعِ حَدَثٍ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى مِنْ الْبَحْثِ. [بَابُ النِّيَّةِ] (ن وي) : بَابُ النِّيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هِيَ الْقَصْدُ بِهِ رَفْعُ الْحَدَثِ فَإِنْ قُلْتَ النِّيَّةُ الَّتِي عَرَّفْنَا إنَّمَا هِيَ نِيَّةُ الْوُضُوءِ فَكَيْفَ يَقُولُ الْقَصْدُ بِهِ أَيْ بِالْوُضُوءِ رَفْعُ الْحَدَثِ فَفِيهِ نَوْعُ دَوْرٍ (قُلْتُ) رَأَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوُضُوءَ جَلِيٌّ مَعْنَاهُ وَمَا وَقَعَ الْجَهْلُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الْمُضَافُ وَحْدَهُ لَا يُقَالُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 يَلْزَمُ أَيْضًا إلَى الْحَدَثِ التَّعْرِيفُ بِهِ فِيهِ إيهَامٌ فِي الْحَدِّ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ قَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ الْحَدَثَ بِقَوْلِهِ أَعْنِي الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا لَا مِنْ جُزْئِيَّتِهِ هَذَا فِي التَّيَمُّمِ وَأَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذَا إلَى أَنَّ مَعْنَى الْحَدَثِ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ مَنْعًا مُطْلَقًا لَا مَنْعًا مُقَيَّدًا جُزْئِيًّا لِأَنَّ الْمَنْعَ الْجُزْئِيَّ يَكُونُ فِي التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ الْمُطْلَقَ وَإِنَّمَا يَرْفَعُ الْمَنْعَ الْمُقَيَّدَ فَصَحَّ قَوْلُهُمْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَيْ لَا يَرْفَعُهُ رَفْعًا مُطْلَقًا وَإِذَا ثَبَتَ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ صَحَّ الْجَوَابُ عَنْ إشْكَالِ اللَّخْمِيِّ حَيْثُ قَالَ التَّيَمُّمُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَأَنَّهُ اخْتَارَ الْقَوْلَ الشَّاذَّ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَالصَّلَاةُ تُسْتَبَاحُ بِهِ فِيهِ تَنَافٍ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِرَفْعِ الْحَدَثِ إلَّا اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ بِهِ وَلَا مَعْنَى لِاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ لِلُزُومِ رَفْعِ الْحَدَثِ فَهُمَا مُتَلَازِمَانِ وَإِذَا وُجِدَ الْمَلْزُومُ وُجِدَ لَازِمُهُ فَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ لَوُجِدَ الْمَلْزُومُ وَلَا لَازِمَ لَهُ. (فَالْجَوَابُ) مَا ذَكَرَهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَيْ رَفْعًا مُطْلَقًا وَأَمَّا رَفْعُهُ لِلصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ فَهُوَ ثَابِتٌ وَالصَّلَاةُ مُسْتَبَاحَةٌ وَقَدْ وَقَعَ لِلْقَرَافِيِّ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ رَفَعَ التَّيَمُّمُ إنَّمَا هُوَ رَفْعٌ مُقَيَّدٌ لِمَنْعِ صَلَاةٍ جُزْئِيَّةٍ فَصَحَّ أَنَّ الِاسْتِبَاحَةَ أَعَمُّ وَرَفْعُ الْحَدَثِ أَخَصُّ (فَإِنْ قُلْتَ) الْحَدَثُ الْمُفَسَّرُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُوَ الْمُحَالُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فِي أَوَّلِ الطَّهَارَةِ فِي قَوْلِهِ " وَالْحَدَثُ سَيَأْتِي " أَوْ الْمُرَادُ مِنْهُ النَّاقِضُ الْمُقَسَّمُ إلَى حَدَثٍ وَسَبَبِ حَدَثٍ (قُلْتُ) وُجِدَ ذَلِكَ بِخَطِّ بَعْضِهِمْ وَظَهَرَ أَنَّهُ قَصَدَ هَذَا أَوَّلًا وَتَقَدَّمَ لَنَا فِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى وَقَدَّمْنَا بَعْضَ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ فَانْظُرْهُ مَعَ مَا هُنَا وَتَأَمَّلْهُ. [بَابٌ فِي حَدّ الْوَجْهِ طُولًا وَعَرْضًا] (وج هـ) : بَابٌ فِي الْوَجْهِ طُولًا وَعَرْضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مِنْ مَنْبِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ حَتَّى الذَّقَنِ وَالْعَذَارُ مِنْهُ هَذَا بَيَانٌ لِمُنْتَهَى الْوَجْهِ طُولًا وَعَرْضًا وَمَعْنَى مُنْتَهَاهُ طُولًا أَوَّلُهُ " مِنْ مَنْبِتِ إلَخْ " وَعَرْضًا مُنْتَهَاهُ مِنْ الْعَذَارِ إلَى الْعَذَارِ وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ أَخْصَرُ مِنْ لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي طُولِهِ وَعَرْضِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ " الْعَذَارُ مِنْهُ " فِي الْعَرْضِ أَخْصَرُ وَأَجْمَعُ وَالصُّورَةُ بَيَانُ عَرْضِهِ وَطُولِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعَذَارَ دَاخِلٌ بِاتِّفَاقٍ وَ " الْمُعْتَادُ " لَا بُدَّ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 ذِكْرِهِ لِيَخْرُجَ مَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ وَالْمُوَاجَهَةُ تَحْصُلُ فِي الْوَجْهِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ وَكَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يَنْقُلُ عَنْ الشَّيْخِ سَيِّدِي عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - إشْكَالًا عَلَى لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا يَرُدُّ عَلَى لَفْظِ الشَّيْخِ فَيَقُولُ إنْ كَانَ مَا بَعْدَ إلَى دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهَا يَلْزَمُ دُخُولُ الْأُذُنِ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ دَاخِلٍ لَزِمَ عَدَمُ دُخُولِ الْعَذَارِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَوَقَعَ الْجَوَابُ بِالْتِزَامِ الدُّخُولِ فِي الْجِنْسِ وَعَدَمِهِ فِي غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَجُمْلَةُ " وَالْعَذَارُ مِنْهُ " جُمْلَةٌ كَانَ يَمُرُّ أَنَّهَا حَالِيَّةٌ وَأَصْلُ الْكَلَامِ مُنْتَهَى الْوَجْهِ طُولًا وَعَرْضًا مَا ذُكِرَ فِي حَالَةِ كَوْنِ الْعَذَارِ مِنْ الْوَجْهِ. [بَابُ الْمَضْمَضَة] (م ض م ض) : بَابُ الْمَضْمَضَةِ قَالَ الْقَاضِي " هِيَ إدْخَالُ الْمَاءِ فَاهُ فَيُخَضْخِضُهُ وَيَمُجُّهُ ثَلَاثًا " ارْتَضَى الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَسْمَ الْقَاضِي وَعَادَتَهُ كَذَلِكَ إذَا ارْتَضَى رَسْمًا لِغَيْرِهِ نَسَبَهُ لَهُ وَذَلِكَ مِنْ تَوَرُّعِهِ وَقَوْلُهُ " ثَلَاثًا " مَعْمُولٌ لِلْإِدْخَالِ وَسُنَّةُ الْمَضْمَضَةِ فِي الْوُضُوءِ مَا ذُكِرَ وَالرَّسْمُ لِلسُّنَّةِ فِيهِ وَلَفْظُ الْإِدْخَالِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ فِي إدْخَالِهِ فَإِنْ دَخَلَ الْمَاءُ بِغَيْرِ سَبَبِ فَاعِلٍ فَلَا يُعَدُّ مَضْمَضَةً وَكَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ الْخَضْخَضَةِ وَالْمَجِّ وَإِنْ عُدِمَ وَاحِدٌ فَلَمْ تَتَقَرَّرْ السُّنَّةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَضَمِيرُ " فَاهُ " عَوْدُهُ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ وَمِنْ سُنَّتِهَا مَجُّ الْمَاءِ وَرَسْمُهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَيُوَافِقُ النَّقْلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي الِاسْتِنْشَاق] (ن ش ق) : بَابٌ فِي الِاسْتِنْشَاقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَذْبُ الْمَاءِ بِأَنْفِهِ وَنَثْرِهِ بِنَفْسِهِ وَيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ ثَلَاثًا هَذَا رَسْمٌ لِسُنَّةٍ لَيْسَ فِيهَا كَرَاهَةٌ وَ " ثَلَاثًا " مَعْمُولٌ لِلْعَامِلَيْنِ قَبْلَهُ وَعِبَارَتُهُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِخَلَلِ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ (فَإِنْ قُلْتَ) عَادَتُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ خِلَافٌ مَشْهُورٌ يَقُولُ عَلَى رَأْيِ كَذَا وَعَلَى رَأْيِ كَذَا وَهُنَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي الِاسْتِنْثَارِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ جُزْءُ سُنَّةٍ فَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ فِي حَدِّ الْجُمُعَةِ (قُلْتُ) لَمْ يَظْهَرْ لِي جَوَابٌ عَنْهُ فِي اصْطِلَاحِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 [الِاسْتِنْجَاءُ] نَجْو: الِاسْتِنْجَاءُ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إزَالَةُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ عَنْ مَخْرَجَيْهِمَا فَقَوْلُهُ " إزَالَةُ " جِنْسٌ. وَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ " فَصْلٌ أَخْرَجَ بِهِ النَّجَاسَةَ الَّتِي لَيْسَتْ بَوْلًا وَلَا غَائِطًا كَإِزَالَةِ الدَّمِ أَوْ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ " عَنْ مَخْرَجَيْهِمَا " احْتَرَزَ بِهِ عَنْ إزَالَتِهِمَا لَا عَنْ مَخْرَجَيْهِمَا لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْمُطْلَقَةِ لَا مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِنْجَاءُ أَخَصُّ مِنْهُ وَإِنَّمَا عَرَّفَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا لِأَنَّهُ صَارَ لَقَبًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى نَوْعٍ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَلِهَذَا عَرَّفَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يَدُلُّ عَلَى حَدِّهِ بِوَجْهٍ وَحُكْمُهُ حُكْمُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ وَلِذَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَلَيْسَ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ إلَى آخِرِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (فَإِنْ قُلْتَ) وَلِمَ لَمْ يُقَيِّدْ الْمُزَالَ بِالْمَاءِ قَيَّدَ قَبْلَ هَذَا (قُلْتُ) لِأَنَّ مَقْصِدَهُ مَا يَعُمُّ الِاسْتِجْمَارَ وَإِنَّ الِاسْتِنْجَاءَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي اصْطِلَاحِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْإِزَالَةِ بِالْمَاءِ أَوْ الْحِجَارَةِ وَغَيْرُهُ يَقُولُ الِاسْتِنْجَاءُ وَالِاسْتِجْمَارُ وَالِاسْتِبْرَاءُ فَالْأَوَّلُ بِالْمَاءِ وَالثَّانِي بِالْحِجَارَةِ وَالثَّالِثُ حَدُّهُ إخْرَاجُ مَا بِالْمَحَلَّيْنِ مِنْ الْأَذَى وَبِذَلِكَ حَدَّهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدُ وَخَصَّصَ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ بَيَانًا لِأَصْلِ ذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ مِنْ الدَّمِ أَوْ الْمَذْيِ مُلْحَقٌ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَا قَبْلُ فِي الْمَاءِ الطَّهُورِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ " إزَالَةُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ " أَيْ إزَالَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ مَجْمُوعِهِمَا لِيَعُمَّ صُوَرَ ذَلِكَ كُلَّهَا وَمَعْنَى قَوْلِهِ:. عَنْ مَخْرَجَيْهِمَا " أَيْ عَنْ الَّذِي خَرَجَا مِنْهُ وَعَبَّرَ بِالْوَاوِ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِأَوْ وَلَوْ عَبَّرَ بِأَوْ لَكَانَ أَظْهَرَ لِأَنَّ الْوَاوَ تُفِيدُ الْجَمْعَ فِي الْإِزَالَةِ وَلَا يُقَالُ لَوْ عَبَّرَ بِأَوْ لَخَرَجَ إزَالَةُ الْمَجْمُوعِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إذَا تُؤُمِّلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ] (ب رء) : بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " إزَالَةُ مَا بِالْمَخْرَجَيْنِ مِنْ الْأَذَى " وَتَقَدَّمَ لَنَا فِي شَرْحِهِ لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يُعَبِّرْ بِالْأَذَى فِي الِاسْتِنْجَاءِ كَمَا عَبَّرَ هُنَا وَوَقَعَ الْجَوَابُ بِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 يَعُمُّ إخْرَاجَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَالْمَنِيِّ وَالِاسْتِنْجَاءُ لَا يَكُونُ فِي الْمَنِيِّ وَلَا فِي الْمَذْيِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [نَاقِضُ الْوُضُوءِ] نقض: نَاقِضُ الْوُضُوءِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " نَاقِضُ الْوُضُوءِ لِذَاتِهِ حَدَثٌ الْمُعْتَادُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فِي ذَاتِهِ وَوَقْتِهِ وَكَيْفَ خُرُوجُهُ " نَاقِضُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ حَدَثٌ أَخْبَرَ بِهِ قَبْلَ تَصَوُّرِ الْمَحْدُودِ وَالْحَدَثُ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ. الْمُعْتَادُ إلَخْ " وَأَصْلُهُ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ فَالنَّاقِضُ أُطْلِقَ عَلَى الَّذِي خَرَجَ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُمَا وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْحَدَثِ وَتَعْرِيفُهُ لِلْحَدَثِ هُوَ كَمَا عَرَّفَهُ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُرَادُ بِنَاقِضِ الْوُضُوءِ مُبْطِلُهُ وَإِبْطَالُهُ يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْوُضُوءِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا عَرَّفَ الْمُبْطِلَ لِوُضُوءٍ سَابِقًا وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ مُوجِبَ الْوُضُوءِ. (الثَّانِي) أَنَّ الْوُضُوءَ الْمُضَافَ إلَيْهِ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْمَصْدَرَ الَّذِي قَدَّمْنَا قَبْلُ بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ الْأَمْرُ الْمُسَبَّبُ عَنْهُ وَهُوَ الطَّهَارَةُ الصُّغْرَى لِأَنَّ الْمَصْدَرَ وَاقِعٌ بِنَقْضٍ وَإِنَّمَا يَرْفَعُ مَا لَهُ تَقَرُّرٌ وَثُبُوتٌ وَعَبَّرَ الشَّيْخُ بِالنَّاقِضِ وَلَمْ يَقُلْ كَمَا قَالَ نَوَاقِضُ وَجْهَيْنِ. (الْأَوَّلُ) أَنَّ التَّعْرِيفَ إنَّمَا هُوَ لِمَاهِيَّةِ الْمُفْرَدِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْجَمْعَ فِي مِثْلِ هَذَا كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهِ بَحْثٌ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ النَّظَرُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالصَّحِيحُ صِحَّةُ مِثْلِ هَذَا الْجَمْعِ اُنْظُرْ ابْنَ مَالِكٍ وَقَوْلُهُ " مِنْ السَّبِيلَيْنِ " يَخْرُجُ بِهِ مَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ وَكَانَ غَيْرَ مُعْتَادٍ مِنْ مَحَلِّهِ وَتَقَدَّمَ لَنَا سُؤَالٌ سِرُّ كَوْنِهِ عَبَّرَ بِالسَّبِيلَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ الْمَخْرَجَيْنِ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ مُوجِبَ الْوُضُوءِ كَمَا قَالَ فِي الْغُسْلِ (قُلْتُ) لَمْ يَظْهَرْ لِي قُوَّةُ جَوَابٍ وَمَا أَجَابُوا بِهِ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا يَخْفَى ضَعْفُهُ وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْ سِرِّ التَّعْبِيرِ فِي الْغُسْلِ بِالْمُوجِبِ وَمِنْ تَتَعَلَّقُ بِالْمُعْتَادِ وَفِي ذَاتِهِ حَالٌ أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ مُعْتَادًا مِنْ السَّبِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ الدُّودِ وَالْحَصَا وَوَقْتُهُ احْتَرَزَ بِهِ مِنْ جَرَيَانِ الْبَوْلِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 السَّلَسِ وَكَيْفَ خُرُوجُهُ احْتَرَزَ بِهِ مِنْ خُرُوجِهِ غَيْرَ مُعْتَادٍ فِي كَيْفَ خُرُوجُهُ إذَا كَثُرَ مِنْهُ التَّذَكُّرُ لِعَزَبَةٍ. [نَاقِضُ الْوُضُوءِ بِمَظْنُونِهِ] نقض: نَاقِضُ الْوُضُوءِ بِمَظْنُونِهِ حَدَّهُ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ " سَبَبُ حَدَثٍ ". وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ " بِمَظْنُونِهِ " يَعُودُ عَلَى الْحَدَثِ كَاللَّمْسِ وَمَا شَابَهَهُ فَإِنَّهُ يُسَمَّى عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. سَبَبُ الْحَدَثِ " فَهَذَا التَّعْرِيفُ لَفْظِيٌّ لِنَاقِضِ الْوُضُوءِ لِمَظِنَّةِ الْحَدَثِ فِيهِ قَالَ نَاقِضُ الْوُضُوءِ بِمَظِنَّةِ خُرُوجِ الْحَدَثِ يُسَمَّى عِنْدَ الْفُقَهَاءِ سَبَبُ الْحَدَثِ فَحَدَّ نَاقِضَ الْوُضُوءِ لِذَاتِهِ أَوَّلًا ثُمَّ حَدَّ مَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ هُنَا أَخْصَرُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَحْسَنُ مَعْنًى وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَهُ شَيْخُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ بَلْ اخْتَصَرَ مَا عَبَّرَ بِهِ شَيْخُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ مَا كَانَ مُؤَدِّيًا إلَى خُرُوجِ الْحَدَثِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُوَ زُبْدَةُ تَعْرِيفِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِلْأَحْدَاثِ وَالْأَسْبَابِ وَذَلِكَ يُعَرَّفُ بِهِ النَّاقِضُ الْمُقَسَّمُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ مُوجِبِ الْغُسْل] (غ س ل) : الْغُسْلُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ فَرَاجِعْهُ وَهَلْ يَصِحُّ مَا أَشَرْت إلَيْهِ أَمْ لَا وَتَأَمَّلْ هَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي الْغُسْلِ الشَّرْعِيِّ إيصَالُ الْمَاءِ لِجَمِيعِ الْجَسَدِ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ مَعَ التَّدَلُّكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مُوجِبِ الْغُسْلِ] (وج ب) : بَابُ مُوجِبِ الْغُسْلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مُوجِبُ الْغُسْلِ خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِلَذَّتِهِ وَمَغِيبُ حَشَفَةِ غَيْرِ خُنْثَى أَوْ مِثْلِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي دُبُرِ أَوْ قُبُلِ غَيْرِ خُنْثَى وَلَوْ مِنْ بَهِيمَةٍ مَاتَتْ عَلَى مَنْ هِيَ مِنْهُ أَوْ غَابَتْ فِيهِ وَلَوْ مُكْرَهًا أَوْ ذَاهِبًا عَقْلُهُ وَانْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَإِسْلَامُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الْكَافِرِ " كَلَامُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي هَذَا الْجَمْعِ لِمُوجِبِ الْغُسْلِ لَا بُدَّ مِنْ بَسْطِهِ وَعَبَّرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمُوجِبِ الْغُسْلِ عَبَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَمْ يَقُلْ نَاقِضُ الْغُسْلِ كَمَا قَالَ فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ لَمَّا رَاعَى تَقْدِيمَهَا عَلَى الْغُسْلِ سَمَّاهَا مُوجِبًا وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ يَصْدُقُ فِيمَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ نَاقِضٌ كَالْإِسْلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ " مُوجِبُ الْغُسْلِ " أَيْ رَسْمُ مُوجِبِ الْغُسْلِ أَوْ ضَابِطُهُ فِي الْجِنَايَةِ لِأَنَّ مُوجِبَ الْغُسْلِ حَيْضٌ وَإِسْلَامٌ وَجَنَابَةٌ أَيْ السَّبَبُ الَّذِي يَجِبُ الْغُسْلُ بِهِ فِي الْجَنَابَةِ الْخُرُوجُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ خُرُوجِ الْحَيْضِ وَالْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَأَخْرَجَ بِالْمَنِيِّ مَا ذُكِرَ وَقَوْلُهُ " بِلَذَّتِهِ " يَتَعَلَّقُ بِالْخُرُوجِ وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْمَنِيِّ وَهِيَ اللَّذَّةُ الْكُبْرَى الْمَعْهُودَةُ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ لَذَّةٍ لِعِلَّةٍ وَقَوْلُهُ " بِلَذَّةٍ " يَعُمُّ ذَلِكَ النَّوْمَ وَغَيْرَهُ فَيَدْخُلُ الِاحْتِلَامُ فِي ذَلِكَ لَا يُقَالُ قَدْ يَجِدُ الْمَاءَ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ وَيَتَحَقَّقُ أَنَّهُ مَنِيٌّ وَلَا لَذَّةَ مَوْجُودَةٌ مَعَهُ لِأَنَّا نَقُولُ إنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ نَوْمًا فَقَدْ وُجِدَتْ اللَّذَّةُ وَتَذَّكَّرهَا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فَاللَّذَّةُ مَوْجُودَةٌ غَالِبًا وَنَسِيَهَا وَقَوْلُهُ " بِلَذَّةٍ " أَخْصَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُؤَدِّي مَعْنَاهَا إذَا تُؤُمِّلَتْ. قَوْلَهُ: وَمَغِيبُ حَشَفَةٍ " الْوَاوُ هُنَا بِمَعْنَى أَوْ لِأَنَّ مَغِيبَ الْحَشَفَةِ سَبَبٌ فِي الْجَنَابَةِ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَالْإِنْزَالُ سَبَبٌ وَإِنْ لَمْ تَغِبْ الْحَشَفَةُ فَمَغِيبُ الْحَشَفَةِ مَعَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ بَيْنَهُمَا مَنَعَ الْخُلُوُّ فِي مُوجِبِ الْجَنَابَةِ وَقَوْلُهُ " غَيْرِ خُنْثَى " مُضَافٌ إلَيْهِ الْحَشَفَةُ أَخْرَجَ بِهِ حَشَفَةَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ فَإِنَّهُ إذَا غَابَتْ حَشَفَتُهُ فِي فَرْجِ آدَمِيٍّ فَلَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَقَدْ أَجْرَى ذَلِكَ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى الشَّكِّ فِي الْحَدَثِ فَجَرَى فِيهِ مَا فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ " الْحَشَفَةِ " مَعْنَى ذَلِكَ كُلِّهَا لَا بَعْضُهَا وَهُوَ الْأَصْلُ فِي إطْلَاقِهَا وَلِذَا قِيلَ وَبَعْضُهَا لَغْوٌ قَوْلُهُ " أَوْ مِثْلُهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا " عُطِفَ عَلَى الْحَشَفَةِ لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ مَنْ غَابَ ذَكَرُهُ بَعْدَ قَطْعِ حَشَفَتِهِ وَقَوْلُهُ " فِي دُبُرٍ أَوْ قُبُلٍ غَيْرِ خُنْثَى " مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " مَغِيبُ " وَقَوْلُهُ " غَيْرِ خُنْثَى " مُضَافٌ إلَيْهِ الْقُبُلُ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ حُذِفَ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ وَأَصْلُهُ فِي دُبُرِ غَيْرِ خُنْثَى أَوْ قُبُلِهِ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ قَطَعَ اللَّهُ يَدَ وَرِجْلَ مَنْ قَالَهَا وَأَخْرَجَ بِغَيْرِ خُنْثَى الْخُنْثَى الْمَفْعُولُ بِهِ ذَلِكَ وَحُكْمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَا (قُلْتُ) لَا حَذْفَ فِي الدُّبُرِ وَلَا يَصِحُّ مَعْنًى هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ " وَلَوْ مِنْ بَهِيمَةٍ " مِنْ بَهِيمَةٍ خَبَرٌ لَكَانَ مُقَدَّرَةً بَعْدَ لَوْ وَقِيلَ الْوَاوُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ لِتَحْصِيلِ الْغَايَةِ وَتَقْدِيرُهُ غَابَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 فِي دُبُرِ أَوْ قُبُلِ غَيْرِ خُنْثَى آدَمِيًّا أَوْ بَهِيمَةً وَلَوْ مَيْتَةً فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى حَالٍ مُقَدَّرَةٍ هُنَا انْتَهَى تَفْسِيرُ مُوجِبِ الْغُسْلِ شَرْعًا ثُمَّ فَسَّرَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِالسَّبَبِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ عَلَى إلَى آخِرِهِ أَيْ الْغُسْلِ الْمَذْكُورِ النَّاشِئِ عَنْ السَّبَبِ يَجِبُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ فَقَوْلُهُ " هِيَ " يَعُودُ عَلَى الْحَشَفَةِ الْمُقَيَّدَةِ وَقَوْلُهُ " فِيهِ " يَعُودُ عَلَى الدُّبُرِ أَوْ الْقُبُلِ الْمُقَيَّدِ وَقَوْلُهُ " وَلَوْ مُكْرَهًا أَوْ ذَاهِبًا عَقْلُهُ " أَيْ وَلَوْ كَانَ مَنْ غَابَتْ مِنْهُ أَوْ فِيهِ مُكْرَهًا أَوْ ذَاهِبًا عَقْلُهُ. (فَإِنْ قُلْتَ) يَظْهَرُ أَنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَ هَذَا الرَّسْمَ لِلْمَشْهُورِ وَغَيْرِهِ (قُلْتُ) هَذَا صَحِيحٌ لَكِنَّ قَوْلَهُ " بِلَذَّتِهِ " ذِكْرُهُ يُشْكِلُ بِهِ لِأَنَّ الْمَنِيَّ إذَا خَرَجَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ خُرُوجُ الْمَنِيِّ وَالْمَرْأَةُ لَا يَخْرُجُ لَهَا مَنِيٌّ بَلْ تَجِدُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ " وَانْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ إلَخْ " الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لِأَنَّ مُوجِبَ الْغُسْلِ مُتَعَدِّدٌ أَحَدُهَا مَا ذُكِرَ وَتَأَمَّلْ لِمَ لَمْ يَزِدْ غُسْلَ الْمَيِّتِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ. [تَعْرِيفٌ الْحَيْضُ] حَيْض: الْحَيْضُ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " دَمٌ يُلْقِيهِ رَحِمٌ مُعْتَادٌ حَمْلُهَا دُونَ وِلَادَةٍ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا فِي غَيْرِ حَمْلٍ وَفِي حَمْلِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا وَنَحْوَهَا وَبَعْدَ سِتَّةٍ عِشْرِينَ وَنَحْوِهَا فَأَقَلَّ فِي الْجَمِيعِ فَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " دَمٌ " جِنْسٌ وَهُوَ مِنْ مَقُولَةِ الْجَوْهَرِ لِأَنَّ الْحَيْضَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الدَّمِ الْمَعْهُودِ وَهُوَ جَوَاهِرُ وَقَوْلُهُ " يُلْقِيهِ رَحِمٌ " أُخْرِجَ بِهِ دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الْأَنْفِ وَشِبْهِهِ وَلَمْ يَقُلْ فَرْجٌ لِأَنَّ الْحَيْضَ مِنْ الرَّحِمِ لَا مِنْ الْفَرْجِ وَ " مُعْتَادٌ حَمْلُهَا " أَخْرَجَ بِهِ دَمَ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تَحِيضُ وَدَمَ الْآيِسَةِ وَ " دُونَ وِلَادَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ دَمَ النِّفَاسِ وَ " خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا " أَخْرَجَ بِهِ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ الزَّائِدَ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ " فَأَقَلَّ " لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا دُونَ الْخَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا وَلَوْ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَ " فِي غَيْرِ حَمْلٍ " أَخْرَجَ بِهِ دَمَ الْحَامِلِ فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَيْضَ فِي غَيْرِ الْحَامِلِ دَمٌ يُلْقِيهِ رَحِمٌ مُعْتَادٌ حَمْلُهَا دُونَ وِلَادَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلَّ وَحَدُّ حَيْضِ الْحَامِلِ عَلَى أَصْلِ الْمَشْهُورِ أَنَّهَا تَحِيضُ دَمٌ يُلْقِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 رَحِمٌ مُعْتَادٌ حَمْلُهَا دُونَ وِلَادَةٍ فِي حَمْلٍ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ خَمْسَةَ عَشْرَ وَنَحْوَهَا فَأَقَلَّ وَبَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عِشْرِينَ وَنَحْوَهَا فَأَقَلَّ فَصَحَّ مِنْ هَذَا حَدُّ حَيْضِ غَيْرِ الْحَامِلِ وَحَدُّ حَيْضِ الْحَامِلِ فَجَمَعَ ذَلِكَ الشَّيْخُ اخْتِصَارًا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ فَالْحَدُّ الْأَوَّلُ لِغَيْرِ الْحَامِلِ وَالثَّانِي لِلْحَامِلِ فِي جَمِيعِ حَالِهَا وَخَمْسَةَ عَشْرَ الْأُولَى مَنْصُوبَةٌ عَلَى الظَّرْفِ وَالْعَامِلُ يُلْقِيهِ وَفِي غَيْرِ حَمْلٍ يَتَعَلَّقُ بِيُلْقِيهِ أَيْ غَيْرَ زَمَنِ حَمْلٍ وَيَحْتَمِلُ الْحَالِيَّةَ مِنْ الدَّمِ وَقَوْلُهُ " وَفِي حَمْلِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ " مَعْطُوفٌ عَلَى فِي غَيْرِ حَمْلٍ وَالْعَامِلُ فِيهِ الْعَامِلُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ " وَخَمْسَةَ عَشَرَ " مَعْطُوفَةٌ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَالْوَاوُ عَطَفَتْ شَيْئَيْنِ مَعْمُولَيْنِ عَلَى مَعْمُولَيْنِ لِعَامِلٍ وَاحِدٍ وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ حَمْلٍ مُضَافٌ إلَيْهَا لَفْظُ الْحَمْلِ وَقَوْلُهُ " بَعْدَ سِتَّةٍ " مَعْطُوفٌ عَلَى مَا عُطِفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " وَفِي حَمْلٍ " وَقَوْلُهُ " فَأَقَلَّ " أَصْلُ لَفْظَةِ فَأَقَلَّ مَعْمُولٌ لِمُقَدَّرِ أَيْ مَذْكُورًا لَفْظَةُ فَأَقَلَّ فِي جَمِيعِ الظُّرُوفِ الْأَخِيرَةِ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي غَيْرِ الْحَامِلِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ وَنَحْوُهَا فِي الْحَامِلِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ فِي الْحَامِلِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِيَكُونَ الْحَدُّ جَامِعًا لِأَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهِ وَمَذْكُورًا نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَتَقْدِيرُ الْحَالِ بِذَاكِرِ أَظْهَرَ وَصَاحِبُ الْحَالِ مُقَدَّرٌ مَأْخُوذٌ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ تَقْدِيرُهُ حَدُّ الْحَيْضِ كَذَا حَالُ كَوْنِ ذَلِكَ الْحَدِّ مَذْكُورًا فِيهِ لَفْظَةُ فَأَقَلَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فَأَقَلَّ فِي الْجَمِيعِ ابْتِدَاءً أَوْ خَبَرٌ (كَذَا) عَلَى الْحِكَايَةِ وَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُقَالُ هَذَا الْكَلَامُ وَهُوَ فَأَقَلَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَوَجَدْت مُقَيَّدًا بِخَطِّ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ أَوْرَدَ عَلَى الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حَدَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ حَيْضٌ وَقَدْ أُطْلِقَ الْحَيْضُ عَلَيْهَا وَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ جِنْسِ الْحَيْضِ وَوَقَعَ الْجَوَابُ أَنَّهَا حُكْمُهَا حُكْمُ الْحَيْضِ حَيْثُ أُطْلِقَ عَلَيْهَا حَيْضٌ لَا أَنَّهَا حَيْضٌ فَهِيَ مُلْحَقَةٌ بِالْحَيْضِ هَذَا إنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الصُّفْرَةَ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا دَمٌ وَإِذَا مَنَعْنَا ذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ وَظَهَرَ لِي عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَرَادَ حَدَّ الْحَيْضِ فِيمَا يُسَمَّى حَيْضًا عَلَى الْمَشْهُورِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَيُقَالُ أَمَّا مَا عُيِّنَ مِنْ الْعَدَدِ فِي الْحَامِلِ فَصَحِيحٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَشْهُورُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ إذَا تَمَادَى الدَّمُ بِالْحَامِلِ وَأَمَّا مَا عُيِّنَ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فِي غَيْرِ الْحَامِلِ فَذَلِكَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ صَحِيحٌ وَأَمَّا فِي الْمُعْتَادَةِ فَالْمَشْهُورُ فِيهِ الْعَادَةُ مَعَ الِاسْتِظْهَارِ فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى أَصْلِ الْمَشْهُورِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 فِي غَيْرِ الْمُعْتَادَةِ فَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَقَلَّ فِي مُبْتَدَأَةٍ وَفِي مُعْتَادَةٍ عَادَتُهَا بِالِاسْتِظْهَارِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ فَأَقَلَّ إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُعْتَادَةُ فِيمَا بَيْنَ أَيَّامِ الِاسْتِظْهَارِ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ إذْ حَدُّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا وَيَقْتَضِي أَنَّ دَمَهَا حَيْضٌ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهَا طَاهِرٌ إنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ هِيَ طَاهِرٌ حَقِيقَةً أَمْ احْتِيَاطًا وَرُبَّمَا يُجَابُ بِأَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَاعَى أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ فَذَكَرَ مَا يُمَيِّزُ الْحَيْضَ عَنْ الِاسْتِحَاضَةِ وَذَلِكَ أَمْرٌ عَامٌّ فِي الْمُعْتَادَةِ وَغَيْرِهَا وَفِيهِ بَحْثٌ (فَإِنْ قُلْتَ) الْعَدَدُ مِنْ الزَّمَانِ الْمُقَيَّدِ لِعَامِلِهِ يَقْتَضِي حُصُولَ الْفِعْلِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْعَدَدِ فَإِذَا قُلْتَ سَافَرَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ اقْتَضَى عُمُومَ السَّفَرِ فِيهَا فَكَذَا إلْقَاءُ الرَّحِمِ الدَّمَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَقْتَضِي لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِ الدَّمِ فِي الْجَمِيعِ فَإِذَا كَانَ بَعْضَ أَيَّامٍ دُونَ بَعْضٍ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا (قُلْتُ) الْأَمْرُ كَمَا قَرَّرْنَا وَقَوْلُهُ فَأَقَلَّ يَدْخُلُ مَا عَدَا الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَعْرِيف النِّفَاسُ] نَفْس: النِّفَاسُ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَحِمَهُ وَنَفَعَ بِهِ " دَمُ إلْقَاءِ حَمْلٍ " فَقَوْلُهُ " دَمُ " جِنْسٌ يَشْمَلُ الْحَيْضَ وَالِاسْتِحَاضَةَ وَقَوْلُهُ " إلْقَاءُ حَمْلٍ " يُخْرِجُهُمَا وَهُوَ أَخْصَرُ مِنْ لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ الشَّيْخُ فَيَدْخُلُ فِيهِ دَمٌ إلَى إلْقَاءِ الدَّمِ الْمُجْتَمِعِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِلْقَاءُ حَمْلٍ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ أَوْ مَفْعُولِهِ وَإِضَافَتُهُ إلَى مَفْعُولِهِ أَظْهَرُ هُنَا وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الدَّمَ إمَّا أَنْ يَخْرُجَ قَبْلَ الْوَضْعِ أَوْ بَعْدَ الْوَضْعِ أَوْ مَعَ الْوَضْعِ فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَهُ فَحَيْضٌ وَبَعْدَهُ نِفَاسٌ وَمَعَهُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ نِفَاسٌ وَنُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَنَّهُ قَالَ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ إذَا خَرَجَ بَعْضُ الْوَلَدِ وَسَالَ الدَّمُ وَبَقِيَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا ثُمَّ وَضَعَتْ هَلْ دَمُ الثَّلَاثَةِ يُضَافُ إلَى الْحَيْضِ أَوْ إلَى النِّفَاسِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُضَافُ إلَى الْحَيْضِ مَا كَانَ حَيْضًا وَلِلنِّفَاسِ مَا كَانَ نِفَاسًا (فَإِنْ قِيلَ) إنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلَّا قَالَ دَمَ إلْقَاءِ حَمْلٍ سِتِّينَ يَوْمًا فَأَقَلَّ كَمَا قَالَ فِي الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَقَلَّ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى السِّتِّينَ اسْتِحَاضَةٌ (قُلْنَا) قَرِيبٌ مِنْ هَذَا السُّؤَالِ أَوْرَدَهُ شَيْخُهُ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ هِيَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَمْكَنَ ذِكْرُهَا هُنَاكَ وَهُنَا الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ يُسْأَلُ النِّسَاءُ فَأَمْكَنَ ذَلِكَ هُنَاكَ وَلَمْ يُمْكِنْ هُنَا ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ فَلَعَلَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَاعَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ شَيْخُهُ وَصَوَّبَهُ فَلِذَا لَمْ يَزِدْ مَا ذَكَرْنَا (فَإِنْ قُلْتَ) شَيْخُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَمَا النَّظَرُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ هُنَا الَّذِي لَا يُمْكِنُ هُوَ ذِكْرُ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا التَّعْبِيرُ بِأَنْ يَقُولَ غَيْرَ زَائِدٍ عَلَى مَا قَدَّرَتْهُ النِّسَاءُ فَصَحِيحٌ فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَقَالَ هُنَا مِثْلُ ذَلِكَ فَيُقَالُ النِّفَاسُ دَمُ إلْقَاءِ حَمْلِ مَا قَدَّرَتْ النِّسَاءُ الزِّيَادَةَ إلَيْهِ فَأَقَلُّ فَلِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَقُولَ إنَّ النَّظَرَ لَا يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ بِغَيْرِ الْعَدَدِ الْمُحَالَةِ عَلَى تَقْدِيرِ النِّسَاءِ فِيهَا تَعْمِيَةٌ فِي الْحَدِّ وَإِبْهَامٌ فِي مَقَامِ الْإِفْهَامِ وَفِيهِ بَحْثٌ. [تَعْرِيف التَّيَمُّمُ] يمم: التَّيَمُّمُ الشَّيْخُ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَحُدَّ التَّيَمُّمَ وَيُمْكِنُ فِي حَدِّهِ عَلَى أَصْلِهِ مَسْحُ الْوَجْهِ بَعْدَ ضَرْبِ صَعِيدٍ بِيَدٍ وَالْيَدَيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ كَذَلِكَ لِإِبَاحَةِ صَلَاةٍ وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرْتُ هَذَا وَكَتَبْتُهُ وَقَفْت عَلَى خَطِّ الشَّيْخِ الْفَقِيهِ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيِّ تِلْمِيذِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَاقِلًا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا كَانَ جَلِيًّا لَمْ أَحُدَّهُ وَرَدَّ عَلَى ابْنِ بَشِيرٍ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ فِي حَدِّهِ عَلَى مَا نَقَلَ هَذَا الشَّيْخُ أَنَّهُ مَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ بِضَرْبٍ بِيَدَيْهِ قَالَ وَقَوْلِي بِضَرْبٍ وَلَمْ أَقُلْ بِضَرْبَةٍ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ فَأَتَى بِالْجِنْسِ مِثْلَ مَا ذَكَرْته (فَإِنْ قُلْتَ) لِمَ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَضْرُوبَ مَا هُوَ وَلَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا قُلْنَا (قُلْتُ) لَا يَخْلُو مِنْ بَحْثٍ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْقُيُودِ لَمْ يَذْكُرْهَا. - رَحِمَهُ اللَّهُ - [مَسْحُ الْخُفَّيْنِ] مسح: مَسْحُ الْخُفَّيْنِ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَحُدَّهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ حَدَّهُ إمْرَارُ الْيَدِ الْمَبْلُولَةِ فِي الْوُضُوءِ عَلَى خُفَّيْنِ مَلْبُوسَيْنِ عَلَى طُهْرِ وُضُوءٍ بَدَلًا مِنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُك عَلَى طُهْرِ وُضُوءٍ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ طُهْرَ الْغُسْلِ يُصَحِّحُ الْمَسْحَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 كَالْوُضُوءِ (قُلْتُ) إنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا عَلَى طُهْرِ وُضُوءٍ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا اغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْمَسْحُ مَا لَمْ يَرْفَعْهُ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تَدْخُلُ فِي الضَّابِطِ إذَا أُسْقَطَ قَوْلُنَا وُضُوءٍ إذْ يَصْدُقُ عَلَى الْمُحْدِثِ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ أَنَّهُ لَبِسَهُمَا عَلَى طُهْرٍ وَهُوَ الطُّهْرُ الْأَكْبَرُ فَيَكُونُ مُقْتَضَى هَذَا جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا إذَا لُبِسَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ فَأَخْرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ بِقَوْلِنَا عَلَى طُهْرِ وُضُوءًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَبَّرَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ بِقَوْلِهِ " عَلَى طُهْرِ وُضُوءٍ " ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ شَرْطَ الْمَسْحِ لُبْسُهُمَا عَلَى طَهَارَةِ حَدَثٍ بِالْمَاءِ وَلَوْ بِالْغُسْلِ وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ فِي الرَّسْمِ. [كِتَابُ الصَّلَاةِ] (ص ل و) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا. كِتَابُ الصَّلَاةِ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَدَّ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي تَصَوُّرِهَا عُرْفًا هَلْ هُوَ ضَرُورِيٌّ فَلَا يُحَدُّ أَوْ هُوَ نَظَرِيٌّ فَيُحَدُّ وَعَلَيْهِ مَضَى الشَّيْخُ وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ نَظَرِيٌّ بِقَوْلِ الصَّقَلِّيِّ وَغَيْرِهِ وَرِوَايَةِ الْمَازِرِيِّ وَنَصُّهُ وَقِيلَ نَظَرِيٌّ قَالَ لِأَنَّ فِي قَوْلِ الصَّقَلِّيِّ وَغَيْرِهِ وَرِوَايَةِ الْمَازِرِيِّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ صَلَاةٌ نَظَرًا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ صَلَاةٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ تَصَوُّرُهَا نَظَرِيٌّ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْحُكْمُ فِي كَلَامِ مَنْ ذَكَرَ عَلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ بِكَوْنِهِ صَلَاةً بِالتَّفَكُّرِ وَالنَّظَرِ لَا بِالضَّرُورَةِ لِأَنَّ مَنْ سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ هَلْ هِيَ صَلَاةٌ أَجَابَ عَنْهَا بِالْبَدِيهَةِ مِنْ غَيْرِ فِكْرَةٍ وَمَنْ سُئِلَ عَنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ هَلْ هُوَ صَلَاةٌ نَظَرَ وَتَفَكَّرَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَصَوُّرَ الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ نَظَرِيٌّ لَا ضَرُورِيٌّ هَذَا مَعْنَى مَا رَأَيْت عَنْ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُقَيَّدًا وَإِنَّ قَوْلَهُ نَظَرًا قَصَدَ بِهِ أَنَّ مَعْنَاهُ تَفَكُّرًا لَا أَنَّهُ مِنْ نَظَرِ الْإِشْكَالِ وَالْحَاصِلُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَقُولُ لَوْ كَانَتْ مَاهِيَةُ الصَّلَاةِ الْعُرْفِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ ضَرُورِيًّا تَصَوُّرُهَا لَكَانَ إطْلَاقُهَا عَلَى أَفْرَادِ مَاهِيَّتِهَا ضَرُورِيًّا ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَحْدُودَ يَصْدُقُ ضَرُورَةً عَلَى أَفْرَادِهِ وَقَدْ وُجِدَ بَعْضُ أَفْرَادِ الصَّلَاةِ صِدْقُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ نَظَرًا لَا ضَرُورَةً وَهُوَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ حَقِيقَتُهَا نَظَرِيَّةٌ لَا ضَرُورِيَّةٌ ثُمَّ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " وَعَلَيْهِ " أَيْ عَلَى أَنَّهَا نَظَرِيَّةٌ فَحَدُّهَا " قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ أَوْ سُجُودٍ فَقَطْ " قَوْلُهُ " قُرْبَةٌ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 جِنْسٌ وَلَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ حَرَكَاتٍ وَسَكَنَاتٍ وَأَفْعَالًا قُصِدَ بِهَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَتَى بِمَا يُنَاسِبُ الْمَقُولَةَ وَقَوْلُهُ " فِعْلِيَّةٌ " احْتِرَازًا مِنْ الْعَدَمِيَّةِ كَالصِّيَامِ فِي حَدِّهِ الْأَوَّلِ أَوْ حَبْسُ النَّفْسِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ فَإِنَّهَا قُرْبَةٌ لَيْسَتْ فِعْلِيَّةً وَيَدْخُلُ فِيهِ حَجُّ الْبَيْتِ وَالصَّدَقَةُ لِلَّهِ تَعَالَى وَغَيْرُ ذَلِكَ كَإِمَاطَةِ الْأَذَى وَزِيَارَةُ الْمَرْضَى وَذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ يَخْرُجُ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا وَسَائِرُ الْقِرَابَاتِ الْفِعْلِيَّةِ وَقَوْلُهُ " ذَاتُ " أَيْ لَازِمٌ لَهَا إحْرَامٌ وَسَلَامٌ - ثُمَّ قَالَ - " أَوْ سُجُودٌ فَقَطْ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَطْفًا عَلَى ذَاتٍ وَأَنْ يَكُونَ مَخْفُوضًا عَطْفًا عَلَى إحْرَامٍ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَزَادَهُ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِيَدْخُلَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ كَمَا أَنَّهُ تَدْخُلُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِذِكْرِ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ وَقَوْلُهُ " فَقَطْ " كَلِمَةٌ تُذْكَرُ لِلِانْتِهَاءِ عَنْ الزِّيَادَةِ وَهِيَ اسْمُ فِعْلٍ أَيْ انْتَهِ عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى لَفْظِ السُّجُودِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَتَدْخُلُ الْفَاءُ عَلَيْهَا فَقِيلَ زَائِدَةٌ وَعَلَيْهِ مَضَى ابْنُ هِشَامٍ وَقِيلَ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ وَعَلَيْهِ مَضَى التَّفْتَازَانِيُّ وَقِيلَ عَاطِفَةٌ نَقَلَهُ الدَّمَامِينِيُّ فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَكَأَنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ الصَّلَاةُ ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ أَوْ قُرْبَةٌ هِيَ السُّجُودُ أَوْ ذَاتُ سُجُودٍ لَا زِيَادَةَ عَلَيْهِ بَلْ قُرْبَةُ سُجُودٍ مُنْفَرِدٍ إذَا فَعَلَ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا سِرُّ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِقَوْلِهِ فَقَطْ وَهَلَّا قَالَ أَوْ سُجُودٍ (قُلْنَا) هَذَا مِنْ مَحَاسِنِ إدْرَاكِ الشَّيْخِ وَاخْتِصَارِهِ لِأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَكُونَ حَدُّهُ جَامِعًا مَانِعًا فَزَادَ أَوْ سُجُودٌ لِيَقَعَ الْجَمْعُ فِي أَفْرَادِ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ فَلَوْ لَمْ يُزَدْ قَيْدٌ فَقَطْ فَقَدْ يُقَالُ حَافَظَ عَلَى طَرْدِهِ فَأَخَلَّ بِمَنْعِهِ لِأَنَّ سُجُودًا مِنْ سُجُودِ الصَّلَاةِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ ذَاتُ سُجُودٍ وَلَيِسَتْ بِصَلَاةِ سُجُودِ تِلَاوَةٍ بَلْ هُوَ قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ جُزْءٌ مِنْ قُرْبَةٍ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ السَّجْدَةُ صَلَاةً لِصِدْقِ الْحَدِّ عَلَيْهَا فَزَادَ مَا يَخْرُجُ بِهِ مَا أُورِدَ عَلَيْهِ فَهَذَا مِنْ بَدِيعِ مَحَاسِنِهِ وَحُسْنِ اخْتِصَارِهِ وَجَمْعِهِ وَمَنْعِهِ وَرَسْمِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَبَّرَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ وَأَخْرَجَ بِهَا مَا ذُكِرَ وَثَمَّ مِنْ الْعِبَارَةِ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الْإِخْرَاجِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَوْ سُجُودٌ وَحْدَهُ (قُلْتُ) كَلِمَةٌ فَقَطْ أَخْصَرُ مِنْهَا (فَإِنْ قُلْتَ) فِي كَلَامِ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التَّرْدِيدُ فِي الْحَدِّ وَهُوَ مُنَافٍ لِلتَّحْدِيدِ كَمَا قَدَّمْنَا (قُلْتُ) يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ التَّرْدِيدُ فِي مُتَعَلِّقِ الْحَدِّ لَا فِي الْحَدِّ وَفِيهِ بَحْثٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَلَا مَانِعَ (فَإِنْ قُلْتَ) الْقُرْبَةُ وَالْعِبَادَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَوْ هُمَا مُتَغَايِرَانِ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُمَا مُتَقَارِبَانِ فَإِنَّ الْقُرْبَةَ بِمَعْنَى التَّقَرُّبِ إلَى طَلَبِ الْقُرْبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 إلَى اللَّهِ بِمَا أَمَرَ بِهِ وَتَجَنُّبِ مَا نَهَى عَنْهُ وَالْعِبَادَةُ طَاعَةُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَبَّرَ هُنَا فِي الصَّلَاةِ بِجِنْسِ الْقُرْبَةِ وَفِي الصِّيَامِ بِالْعِبَادَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ وَعِبَادَةٌ وَإِنَّمَا يَقَعُ الِاخْتِلَافُ بِنِسَبٍ اعْتِبَارِيَّةٍ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَكَرَ الْفَصْلَ أَوْ الْخَاصَّةَ ذَاتَ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ وَالْإِحْرَامُ وَالتَّسْلِيمُ وَالسُّجُودُ يَأْتِي حَدُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ أَحَالَ عَلَى إبْهَامٍ فِي الْإِفْهَامِ (قُلْتُ) لَمَّا كَانَ تَأْلِيفُهُ قَدْ عُرِفَ فِيهِ الْحَقَائِقُ الْفِقْهِيَّةُ فِي مَحَالِّهَا فَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ فِي حَدِّهِ عَالِمًا بِذَلِكَ فَقَدْ أَحَالَهُ عَلَى مَعْلُومٍ عِنْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا فَلْيُنْظَرْ مَا أَحَالَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقَائِقِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي الْتَزَمَ تَعْرِيفُهَا وَهَذِهِ الْأُمُورُ مِنْهَا وَقَدْ قَالَ فِي الْإِحْرَامِ ابْتِدَاؤُهَا مُقَارِنًا لِنِيَّتِهَا وَقَالَ فِي التَّسْلِيمِ مَا مَعْنَاهُ النُّطْقُ بِالسَّلَامِ عَلَيْكُمْ وَقَدْ عُرِفَ السُّجُودُ الشَّرْعِيُّ بِقَوْلِهِ مَسُّ الْجَبْهَةِ إلَخْ فَكَأَنَّهُ قَالَ الصَّلَاةُ قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ ذَاتُ ابْتِدَاءٍ لِتِلْكَ الْقُرْبَةِ مُقَارِنًا لِنِيَّتِهَا وَذَاتُ نُطْقٍ بِالسَّلَامِ عَلَيْكُمْ أَيْ مِنْ لَازِمِهَا هَاتَانِ الْخَاصَّتَانِ وَبِذَلِكَ أَخْرَجَ كَثِيرًا مِنْ الْقُرُبَاتِ الْفِعْلِيَّةِ طَوَافٍ وَجِوَارٍ وَاعْتِكَافٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ فَذَكَرَ أَنَّ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ صَلَاةٌ وَيُوجِبُ حُرْمَتَهَا التَّكْبِيرُ وَهُوَ إمَّا شَرْطٌ أَوْ رُكْنٌ كَمَا أَنَّ التَّسْلِيمَ كَذَا فَالْجَارِي عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنْ يَقُولَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَاتُ تَكْبِيرٍ وَتَسْلِيمٍ فَمَا سِرُّ عُدُولِهِ عَنْ ذَلِكَ إلَى مَا وَقَعَ فِي حَدِّهِ مِنْ الْإِحْرَامِ (قُلْتُ) لَعَلَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى أَنَّ التَّكْبِيرَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فِي الصَّلَاةِ لَا يُوجِبُ انْعِقَادَهَا إلَّا بِابْتِدَائِهَا بِالتَّكْبِيرِ مُقَارِنًا لِنِيَّتِهَا فَصَارَ الْمُوجِبُ الْحَقِيقُ لِلِانْعِقَادِ إنَّمَا هُوَ الْإِحْرَامُ كَمَا أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْحِلِّ لَهَا هُوَ التَّسْلِيمُ وَرُبَّمَا يُقَالُ إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا الْجَوَابُ إذَا قُلْنَا بِأَنَّ السَّلَامَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةِ الْخُرُوجِ أَوْ مَعَهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَحَدُّهُ يَشْمَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ فِي الصَّلَاةِ وَتَأَمَّلْ هَذَا وَانْظُرْ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي حَدِّ الْحَجِّ وَمَا أَوْرَدَ بَعْضُهُمْ مِنْ وُرُودِ الْحَجِّ عَلَى الْحَدِّ لِأَنَّ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ لِلطَّوَافِ لَا يُرَدُّ بِوَجْهٍ وَسَيَأْتِي وَسُمِّيَ هَذَا حَدًّا لَا رَسْمًا وَذَكَرَ فِي الْحَجِّ أَمْرَيْنِ الرَّسْمَ وَالْحَدَّ وَفِيهِ بَحْثٌ اُنْظُرْهُ هُنَاكَ (فَإِنْ قُلْتَ) يَرِدُ عَلَى عَدَمِ طَرْدِهِ حَدَّهُ سُجُودُ الشُّكْرِ لِأَنَّهُ سُجُودٌ فَقَطْ وَلَيْسَ بِصَلَاةٍ لِأَنَّ مِنْ خَاصَّتِهَا وُجُودَ الطَّهَارَةِ (قُلْتُ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ حَدٌّ عَلَى مَا يَعُمُّ الِاتِّفَاقَ وَالْخِلَافَ فَلَعَلَّهُ يَدْخُلُ فِي الْحَدِّ عَلَى قَوْلٍ (فَإِنْ قُلْتَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 السَّجْدَتَانِ لِلسَّهْوِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يَتَقَرَّرُ بِهِمَا عَدَمُ الِانْعِكَاسِ لِأَنَّهُمَا لَا إحْرَامَ فِيهِمَا وَهُمَا صَلَاةٌ (قُلْتُ) بَلْ فِيهِمَا إحْرَامٌ وَتَسْلِيمٌ فَهُمَا صَلَاةٌ دَاخِلَانِ فِي حَدِّ الصَّلَاةِ (فَإِنْ قُلْتَ) أَمَّا السَّلَامُ لَهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْهُ اتِّفَاقًا وَأَمَّا الْإِحْرَامُ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِهِ فِي الْقُرَبِ فَهَذِهِ الصُّورَةُ فِيهَا السَّلَامُ فَقَطْ وَهِيَ صَلَاةٌ (قُلْتُ) غَيْرُ ابْنِ رُشْدٍ ذَكَرَ الْخِلَافَ مُطْلَقًا فَيَصْدُقُ الْحَدُّ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ اشْتَرَطَ الْإِحْرَامَ مُطْلَقًا وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْإِحْرَامَ فَيَرَى أَنَّ حُكْمَ الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ مُنْسَحِبٌ فَيَصْدُقُ أَيْضًا أَنَّهَا قُرْبَةٌ ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ (فَإِنْ قُلْتَ) مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الصَّلَاةِ إلَّا بِنِيَّتِهِ أَوْ الْعَاجِزِ عَنْ النُّطْقِ فِعْلُهُمَا وَقُرْبَتُهُمَا صَلَاةٌ وَلَمْ تُوجَدْ خَاصِّيَّةُ الْمَحْدُودِ (قُلْتُ) الصَّوَابُ أَنْ يُزَادَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ حَدّ الْوَقْتِ فِي الصَّلَاة] (وق ت) : بَابُ حَدِّ الْوَقْتِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الْوَقْتُ عُرْفًا كَوْنُ الشَّمْسِ أَوْ نَظِيرُهَا بِدَائِرَةِ أُفُقٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِدَرَجَةٍ عُلِمَ قَدْرُ بُعْدِهَا مِنْهُ " قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الْوَقْتُ عُرْفًا " إنَّمَا قَيَّدَ الْمَحْدُودَ بِالْعُرْفِيِّ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ فِي كِتَابِهِ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ اللُّغَوِيِّ وَلِذَا رَدَّ عَلَى الْمَازِرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَدِّهِ بِأَنَّهُ حَرَكَاتُ الْأَفْلَاكِ لِأَنَّ ذَلِكَ لُغَةً لَا عُرْفًا وَلَا يَصِحُّ الْجَوَابُ بِحَدِّهِ عَنْ سُؤَالِ مَنْ سَأَلَ عَنْ مَعْنَاهُ فِي الْعُرْفِ كَمَا إذَا قِيلَ مَا وَقْتُ الْعَصْرِ أَوْ الظُّهْرِ وَهَلْ دَخَلَ ذَلِكَ وَمَا بَقِيَ مِنْ وَقْتِ النَّهَارِ وَمَا مَضَى مِنْ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْجَوَابَ مِنْ حَدِّ الْمَازِرِيِّ إلَّا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْفَهْمُ مِنْ الْحَدِّ الْعُرْفِيِّ وَإِنَّمَا قَالَ عُرْفًا وَلَمْ يَقُلْ شَرْعًا لِأَنَّ هَذَا الِاصْطِلَاحَ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ حَادِثٌ فِي عِلْمِ الْوَقْتِ الْعُرْفِيِّ عِنْدَ أَرْبَابِهِ وَهِيَ أُمُورٌ لَا تُنَافِي شُرُوطَ الشَّرِيعَةِ بَلْ تُحْفَظُ أَزْمِنَتُهَا بِاصْطِلَاحٍ عُرْفِيٍّ وَانْتِصَابُ عُرْفًا كَانْتِصَابِ لُغَةً فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الدَّلِيلُ لُغَةً وَأَمَّا حَدُّهُ لَقَبًا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي ذَلِكَ وَلَمَّا كَانَ الْوَقْتُ شَرْطًا فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَقَسَّمَ الْعُلَمَاءُ الْوَقْتَ إلَى وَقْتِ أَدَاءً وَقَضَاءٍ وَقَسَّمُوا وَقْتَ الْأَدَاءِ أَقْسَامًا احْتَاجَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُعَرِّفَ الْوَقْتَ عُرْفًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 بِمَا ذَكَرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْوَقْتُ الْمُقَسَّمُ لَيْسَ هُوَ الْوَقْتَ الْعُرْفِيَّ عِنْدَ الشَّيْخِ فِي رَسْمِهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ لِأَنَّ مُرَادَهُ إنَّمَا هُوَ أَوَّلُ زَمَنٍ يَصِحُّ فِيهِ إيقَاعُ الْعِبَادَةِ شَرْعًا وَلَيْسَ الْمُقَسَّمُ هُوَ هَذَا وَإِنَّمَا هُوَ الزَّمَنُ الَّذِي يَصِحُّ فِيهِ إيقَاعُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ (قُلْتُ) يَأْتِي ذَلِكَ وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ يَحْصُلُ التَّمْيِيزُ مِنْ ذَلِكَ لِلْوَقْتِ الشَّرْعِيِّ الْمُقَسَّمِ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ. (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ إنَّمَا يَتَعَرَّضُ لِلْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَهَذَا الْعُرْفُ الْمَذْكُورُ عَلَى مَا سَيَأْتِي اصْطِلَاحٌ لِأَهْلِ الْوَقْتِ فَلَا مَدْخَلَ لِتَعْرِيفِهِ عَلَى مَا شَرَطَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوَّلَ اخْتِصَارِهِ (قُلْتُ) هَذَا صَحِيحٌ لَكِنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَاحْتَاجَ إلَى رَسْمِهِ كَمَا ذَكَرَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) وَهَلَّا عَرَّفَ الْوَقْتَ الشَّرْعِيَّ كَمَا أَشَرْتَ إلَيْهِ وَيَذْكُرُ الرَّسْمَيْنِ عُمُومًا وَخُصُوصًا. (قُلْتُ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْوَقْتَ الشَّرْعِيَّ يُؤْخَذُ مِنْ رَسْمِهِ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ بِاللُّزُومِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ فَلْنَرْجِعْ إلَى رَسْمِهِ فِيمَا رَأَيْته جَارِيًا عَلَى اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْوَقْتِ وَبِالْحَقِيقَةِ إنَّمَا يُحَقِّقُهُ فَهْمًا مَنْ مَارَسَ الْعَمَلَ بِالْآلَاتِ لَكِنْ لَا نُخْلِي تَبَيُّنَهُ فِيمَا فَهِمْنَا مِنْ كَثِيرٍ مِمَّنْ شَاهَدْنَاهُ فَنَقُولُ قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " كَوْنُ الشَّمْسِ " إلَخْ فَقَوْلُهُ عُرْفًا قَدْ قَدَّمْنَا سِرَّهُ وَهُوَ نُصِبَ عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ عُرْفِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ فِي الْوَقْتِ وَقَصَدَ بِهِ عُرْفَ أَهْلِ الْوَقْتِ وَالنَّجَّامَةِ. (فَإِنْ قُلْتَ) مَا هُوَ عُرْفُ الْفُقَهَاءِ فِي الْوَقْتِ وَمَا هُوَ عُرْفُ أَهْلِ النَّجَّامَةِ (قُلْتُ) الَّذِي كَانَ يَمْضِي لَنَا فِيهِ أَنَّ وَقْتَ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الزَّمَنُ الَّذِي يَصِحُّ فِيهِ إيقَاعُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ الْمُقَدَّرُ لَهُ أَوَّلًا وَآخِرًا فَأَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ زَمَنُ أَخْذِ الِارْتِفَاعِ فِي النَّقْصِ بَعْدَ غَايَتِهِ وَآخِرُهُ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ وَآخِرُ وَقْتِهِ الِاصْفِرَارُ وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ زَمَنُ مَغِيبِ قُرْصِ الشَّمْسِ وَوَقْتُ الْعِشَاءِ أَوَّلُ زَمَنِ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَآخِرُهُ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَوَقْتُ الصُّبْحِ أَوَّلُ زَمَنِ مُدَّةِ الْفَجْرِ وَآخِرُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ. وَوَقْتُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عِنْدَ الْمُنَجِّمِ أَوْ الْمُوَقِّتِ هُوَ أَوَّلُ زَمَنٍ يَصِحُّ فِيهِ إيقَاعُ الْعِبَادَةِ الْمَفْرُوضَةِ الْمُتَعَيِّنَةِ لَهُ، فَهَذَا الْوَقْتُ أَخَصُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْآلَةِ النُّجُومِيَّةِ وَاصْطِلَاحَاتِ مَعْرِفَةِ الْأَلْقَابِ الْوَقْتِيَّةِ وَلَمَّا كَانَ قَصْدُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الثَّانِي عَلَى مَا فَهِمَهُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْعَارِفِينَ بِهَذَا الْفَنِّ ذَكَرَ فِيهِ مَا رَأَيْت مِنْ الدَّرَجَةِ وَالنَّظِيرِ وَدَائِرَةِ الْأُفُقِ وَأَوْرَدَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْعِلْمِ سُؤَالًا قَالَ فِيهِ إنْ صَحَّ مَا فَهِمْتُمْ عَلَيْهِ كَلَامَ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَنَّ قَصْدَهُ الْمَعْنَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الثَّانِي فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَخَلَّ بِمَعْرِفَةِ الْوَقْتِ الشَّرْعِيِّ وَرُسُومِهِ إنَّمَا هِيَ لِلْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ وَهَذَا رَسْمٌ لِلْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَأَجَابَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِأَنْ قَالَ نَلْتَزِمُ ذَلِكَ فِي هَذَا لِقَرِينَةِ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ ذِكْرِ أَلْفَاظٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا فَهْمُ الْوَقْتِ الشَّرْعِيِّ. (فَإِنْ قُلْتَ) مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الشَّيْخُ قَصَدَ إلَى مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْوَقْتِ فِي جَمِيعِ أَزْمَانِ الدَّوْرَةِ إذْ مَا مِنْ زَمَنٍ مِنْ أَزْمَانِهَا إلَّا وَيَصِحُّ السُّؤَالُ فِيهِ عَنْ حَدِّهِ وَحَقِيقَتِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى كَوْنِ الشَّمْسِ بِدَائِرَةِ أُفُقٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِدَرَجَةٍ عُلِمَ قَدْرُ بُعْدِهَا وَالنَّظِيرُ كَذَلِكَ وَإِذَا صَحَّ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ دَخَلَ فِيهِ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ أَوَّلَ أَزْمَانِهَا وَوَسَطَهَا وَآخِرَهَا وَجَمِيعُ زَمَنٍ يَصِحُّ إيقَاعُ الصَّلَاةِ فِيهِ. (قُلْتُ) : لَا يَبْعُدُ أَنَّهُ قَصَدَ ذَلِكَ لَا مَا قَصَرَ عَلَيْهِ مَنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ أَنَّهُ قَصَدَ أَوَّلَ زَمَنِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ تَشَاغَلَ بِرَسْمٍ بَعِيدٍ عَنْ قَصْدِ الْفَقِيهِ لَكِنْ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَبَعْد أَنْ شَرَعْنَا فِي تَفْسِيرِ رَسْمِهِ عَلَى طَرِيقِ الْقَوْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى بَيَانِ الْأَلْفَاظِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا عِنْدَ الْقَوْمِ فَالشَّمْسُ كَوْكَبٌ نَهَارِيٌّ مَعْلُومٌ وَالدَّائِرَةُ سَطْحٌ مُسْتَوٍ مُحِيطٌ بِهِ خَطٌّ وَاحِدٌ فِي دَاخِلِهِ نُقْطَةٌ كُلُّ الْخُطُوطِ الْخَارِجَةِ مِنْهَا إلَى الْمُحِيطِ مُتَسَاوِيَةٌ وَالنُّقْطَةُ مَرْكَزُهَا وَالسَّطْحُ مَا تَرَكَّبَ مِنْ خَطٍّ وَلَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَالْجِسْمُ مَا لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَسُمْكٌ وَالنُّقْطَةُ مَا لَا جُزْءَ لَهُ وَالْأُفُقُ هُوَ الدَّائِرَةُ الَّتِي هِيَ آخِرُ مَا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ مِنْ بَسِيطِ الْأَرْضِ وَهِيَ الْفَاصِلَةُ بَيْنَ مَا ظَهَرَ مِنْ الْفُلْكِ وَمَا خَفِيَ مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ الشَّيْخُ بِدَائِرَةِ الْأُفُقِ وَالنَّظِيرُ هُوَ الْجُزْءُ الْمُقَابَلُ بِجُزْءِ الشَّمْسِ وَهُوَ الْمُمَاثِلُ لِمَا أَخَذَتْ الشَّمْسُ مِنْ دَرَجَاتِ بُرْجِهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْفُلْكَ قَسَّمَهُ الْأَوَائِلُ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ قِسْمًا وَسَمَّوْا كُلَّ قِسْمٍ بُرْجًا وَقَسَّمُوا كُلَّ بُرْجٍ بِثَلَاثِينَ دَرَجَةً فَدَوْرُ الْفُلْكِ ثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ دَرَجَةً وَالْبُرُوجُ: الْحَمَلُ - وَالثَّوْرُ - وَالْجَوْزَاءُ - وَالسَّرَطَانُ - وَالْأَسَدُ - وَالسُّنْبُلَةُ - وَالْمِيزَانُ - وَالْعَقْرَبُ - وَالْقَوْسُ - وَالْجَدْيُ - وَالدَّلْوُ - وَالْحُوتُ فَمِنْهَا سِتَّةٌ شَمَالِيَّةٌ الْحَمَلُ إلَى آخِرِ السُّنْبُلَةِ وَسِتَّةٌ جَنُوبِيَّةٌ وَهِيَ الْبَاقِيَةُ وَأَوَّلُ الْحَمَلِ نُقْطَةُ الِاعْتِدَالِ الرَّبِيعِيِّ وَأَوَّلُ الْمِيزَانِ نُقْطَةُ الِاعْتِدَالِ الْخَرِيفِيِّ وَأَوَّلُ السَّرَطَانِ الْمُنْقَلَبُ الصَّيْفِيُّ وَأَوَّلُ الْجَدْيِ الْمُنْقَلَبُ الشَّتْوِيُّ وَالدَّرَجَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى رُبْعِ تُسْعِ عُشْرِ الدَّائِرَةِ لِأَنَّهَا تَنْقَسِمُ إلَى مَا انْقَسَمَ إلَيْهِ الْفُلْكُ مِنْ الدَّرَجَاتِ لِمُقَابَلَتِهَا الْفُلْكَ هَذَا مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ رَسْمِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 فَقَوْلُهُ " كَوْنُ الشَّمْسِ " صَيَّرَ الْوَقْتَ الْعُرْفِيَّ نِسْبَةً وَهُوَ كَذَلِكَ وَمَعْنَاهُ عَلَى مَا قَرَّرَهُ بَعْضُ مَنْ لَهُ تَحْقِيقٌ بِهَذَا الْفَنِّ قَالَ مَا مَعْنَاهُ كَوْنُ الشَّمْسِ هَذَا جِنْسٌ لِاسْتِقْرَارِ الشَّمْسِ بِالْفُلْكِ أَوْ بِالدَّائِرَةِ أَوْ بِسَيْرِهَا وَأَخْرَجَ بِالشَّمْسِ اسْتِقْرَارَ غَيْرِهَا مِنْ الْكَوَاكِبِ وَقَوْلُهُ " بِدَائِرَةٍ " الْبَاءُ ظَرْفِيَّةٌ وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ كَوْنَ الشَّمْسِ بِجُزْءٍ مِنْ الْفُلْكِ وَالظَّرْفِيَّةُ هُنَا مَجَازِيَّةٌ وَالْمُرَادُ الْمُقَابِلَةُ مِنْهَا لِلدَّائِرَةِ وَقَوْلُهُ " أَوْ نَظِيرُهَا " عُطِفَ عَلَى الشَّمْسِ وَهُوَ الْجُزْءُ الْمُقَابِلُ لِجُزْءِ الشَّمْسِ فِي الْبُرْجِ السَّابِعِ مِنْ بُرْجِهَا وَإِنَّمَا زَادَ ذِكْرَ النَّظِيرِ لِيَعُمَّ وَقْتَ الصَّلَاةِ لَيْلًا وَنَهَارًا قَوْلُهُ " مُعَيَّنٌ " إشَارَةً إلَى أَنَّ تَعَيُّنَ الْوَقْتِ اعْتِبَارِيٌّ لِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ الْوَقْتِ وَمَعْرِفَتَهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ أُفُقٍ مُعَيَّنٍ. (فَإِنْ قُلْتَ) أَيُّ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ يُعْرَفُ مِنْ الشَّمْسِ وَأَيُّ وَقْتٍ يُعْرَفُ مِنْهَا بِالنَّظِيرِ (قُلْتُ) الَّذِي رَأَيْتُ وَقَرَّرَهُ بِهِ بَعْضُ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى تَحْقِيقِ هَذَا الْفَنِّ مَا نَصُّهُ الرَّسْمُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ كَوْنُ الشَّمْسِ أَوْ نَظِيرِهَا بِدَائِرَةِ أُفُقٍ مُعَيَّنٍ يَتَنَاوَلُ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَقْتَ الْمَغْرِبِ خَاصَّةً ثُمَّ قَالَ قَوْلُهُ بِدَرَجَةٍ إلَخْ هَذَا الظَّرْفُ مِنْ الْحَدِّ يَدْخُلُ تَحْتَهُ بَقِيَّةُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ فِي الظُّهْرِ بِزَوَالِ جُزْءِ الشَّمْسِ عَنْ دَائِرَةِ نِصْفِ النَّهَارِ وَقَدْرُ ذَلِكَ الْبُعْدِ مِنْ الْأُفُقِ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِنِصْفِ النَّهَارِ. قَالَ وَوَقْتُ الْعَصْرِ وُصُولُ جُزْءِ الشَّمْسِ إلَى دَرَجَةِ مُقَنْطَرَةِ الْعَصْرِ وَقَدْرُ ذَلِكَ الْبُعْدِ مَعْلُومٌ مِنْ الْأُفُقِ إمَّا مِنْ أُفُقِ الْمَغْرِبِ وَهُوَ الْبَاقِي مِنْ النَّهَارِ وَإِمَّا مِنْ أُفُقِ الْمَشْرِقِ فَهُوَ الْمَاضِي مِنْ النَّهَارِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ. قَالَ وَوَقْتُ الْعِشَاءِ هُوَ بِارْتِفَاعِ النَّظِيرِ عَنْ أُفُقِ الْمَغْرِبِ إلَى مُقَنْطَرَةٍ بَعْدَهَا مِنْ الْأُفُقِ بِمِقْدَارِ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ غَيْبُوبَةُ الشَّفَقِ. قَالَ وَوَقْتُ الصُّبْحِ هُوَ بِارْتِفَاعِ النَّظِيرِ عَنْ أُفُقِ الْمَغْرِبِ إلَى مُقَنْطَرَةِ قَدْرِ بُعْدِهَا مِنْ الْأُفُقِ بِمِقْدَارِ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَقَدْرُ الْبُعْدِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْأُفُقِ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ النَّظِيرَ عُرِفَ بِهِ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَوَقْتُ الصُّبْحِ وَالشَّمْسُ عُرِفَ بِهَا وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عُرِفَ بِالشَّمْسِ وَالنَّظِيرُ وَهَذَا عَلَى مَا فُهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ وَقْتُ الصَّلَاةِ بِاعْتِبَارِ أَوَّلِ مَا يَصِحُّ أَنْ تُوقَعَ فِيهِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ. ثُمَّ إنَّ هَذَا الْمُحَقِّقَ أَوْرَدَ أَسْئِلَةً عَلَى فَهْمِهِ - الْأَوَّلِ مِنْهَا - إذَا فَهِمْنَا أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي قَوْلِهِ كَوْنَ الشَّمْسِ أَوْ نَظِيرِهَا بِدَائِرَةِ أُفُقٍ مُعَيَّنٍ خَاصٍّ بِالْمَغْرِبِ قَالَ فَيَكُونُ فِي لَفْظِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 مُسَامَحَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ دُخُولُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ بِكَوْنِ الشَّمْسِ عَلَى أُفُقِ الْمَغْرِبِ وَهُوَ الْأُفُقُ الْمُعَيَّنُ إلَّا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ عَنْ ذَلِكَ الْأُفُقِ الْمُعَيَّنِ فَكَيْفَ يَقُولُ كَوْنُ الشَّمْسِ بِالدَّائِرَةِ إلَخْ وَمَا قَالَهُ عَلَى هَذَا الْفَهْمِ ظَاهِرٌ قَالَ الْوَجْهُ الثَّانِي إنَّ لَفْظَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْطِي أَنْ يَكُونَ نَظِيرُ جُزْءِ الشَّمْسِ فِي وَقْتٍ مَا مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ عَلَى أُفُقٍ مُعَيَّنٍ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ. (فَإِنْ قُلْتَ) وَهَذَا الثَّانِي لَمْ يَظْهَرْ لِي إيرَادُهُ إلَّا إذَا كَانَتْ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ (قُلْتُ) لَمَّا فَهِمَ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ مَقْصُورٌ عَلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَذَكَرَ فِيهِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الشَّمْسِ وَالنَّظَرِ اقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ النَّظِيرَ يَلْزَمُ فِيهِ مَا ذُكِرَ وَفِيهِ نَظَرٌ ثُمَّ أَوْرَدَ هَذَا الْمُحَقِّقُ سُؤَالًا يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِهِ عَنْ الْمُسَامَحَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ فَإِنْ قُلْتَ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ عَلَى أُفُقِ الْمَغْرِبِ فَنَظِيرُهَا عَلَى أُفُقِ الْمَشْرِقِ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ كَوْنُ الشَّمْسِ أَوْ نَظِيرُهَا بِدَائِرَةِ أُفُقٍ مُعَيَّنٍ فَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا يُمْكِنُ إلَّا أَنَّهُ بَعِيدٌ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ النَّظِيرِ فِي هَذَا الْوَقْتِ عِنْدَ أَرْبَابِ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ. (السُّؤَالُ الثَّانِي) أَنَّ الشَّيْخَ قَالَ كَوْنُ الشَّمْسِ بِدَائِرَةِ أُفُقٍ أَوْ كَوْنُهَا بِدَرَجَةٍ وَقَرَّرْتُمْ أَنَّ كَوْنَهَا بِالدَّرَجَةِ يَدْخُلُ فِيهِ وَقْتُ الظُّهْرِ فَيُقَالُ كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ كَوْنُ الشَّمْسِ بِدَرَجَةٍ وَمَا الشَّمْسُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ إلَّا بِدَائِرَةِ وَسَطِ السَّمَاءِ وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهَا بِدَرَجَةِ مُقَنْطَرَةٍ وَسَطَ السَّمَاءِ لِأَنَّ دَائِرَةَ الْمَدَارِ الْيَوْمِيِّ مَقْسُومَةٌ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ دَرَجَةً تُسَمَّى الْمُقَنْطَرَاتُ وَالْفَصْلُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ دَائِرَةِ نِصْفِ النَّهَارِ دَرَجَةٌ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الشَّمْسَ بِدَرَجَةٍ كَمَا ذُكِرَ. (السُّؤَالُ الثَّالِثُ) إنْ قَالَ إذَا كَانَ ارْتِفَاعُ النَّظِيرِ عَنْ الْأُفُقِ بِالْمِقْدَارِ الَّذِي بِهِ يَتَحَقَّقُ دُخُولُ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمَفْرُوضِ بِكَوْنِ جُزْءِ الشَّمْسِ بِدَرَجَةِ بُعْدِهَا عَنْ الْأُفُقِ بِالْمِقْدَارِ الَّذِي بِهِ ارْتَفَعَ النَّظَرُ عَنْ الْأُفُقِ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الشَّمْسَ إذْ ذَاكَ بِدَرَجَةٍ عُلِمَ قَدْرُ بُعْدِهَا مِنْ الْأُفُقِ فَيَسْتَغْنِي الشَّيْخُ عَنْ ذِكْرِ النَّظِيرِ فَيَكُونُ أَخْصَرَ وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ ذِكْرُ النَّظِيرِ لِاعْتِمَادِ أَهْلِ الصِّنَاعَةِ فِي تَحَقُّقِ وَقْتَيْ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ عَلَى ارْتِفَاعِ النَّظِيرِ وَلِذَا قَالَ فِي أَوَّلِ الرَّسْمِ الْوَقْتُ عُرْفًا يَعْنِي عِنْدَ الْمُوَقِّتِينَ، هَذَا بَعْضُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي هَذَا الرَّسْمِ وَرَأَيْتُ تَقْرِيرَهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فِيهِ نَظَرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 [بَابُ حَدّ وَقْتِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ] وق ت) : بَابُ حَدِّ وَقْتِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " وَقْتُ الْأَدَاءِ ابْتِدَاءُ تَعَلُّقِ وُجُوبِهَا بِاعْتِبَارِ الْمُكَلَّفِ وَالْقَضَاءُ انْقِطَاعُهُ " الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا حَدَّ الْوَقْتَ الْعُرْفِيَّ الْمُطْلَقَ ذَكَرَ أَنْوَاعَهُ وَأَصْنَافَهُ وَهُوَ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَوَقْتُ الْقَضَاءِ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا فِيهِ وَأَنَّ الْمُقَسَّمَ إلَى ذَلِكَ هُوَ الشَّرْعِيُّ لَا الْعُرْفِيُّ وَفِيهِ تَسَامُحٌ لَا يَخْفَى الْجَوَابُ عَنْهُ بِمَا قَدَّمْنَا وَقَدْ حَدَّ الْأُصُولِيُّونَ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ بِأَنَّهُمَا مِنْ مُتَعَلَّقِ الْوُجُوبِ أَحَدِ أَقْسَامِ الْحُكْمِ وَالْفُقَهَاءُ تَعَرَّضُوا لِوَقْتِهِمَا ضَرُورَةَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " ابْتِدَاءُ " عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ضَرُورَةَ أَنَّ الْجِنْسَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُوَافَقَتِهِ مَقُولَةَ الْمَحْدُودِ وَابْتِدَاءُ تَعَلُّقِ وُجُوبِهَا أَيْ الزَّمَنُ الَّذِي يُبْتَدَأُ فِيهِ مُتَعَلَّقُ الْوُجُوبِ فِي الصَّلَاةِ بِاعْتِبَارِ الْمُكَلَّفِ بِهَا فَإِنَّ الْوَقْتَ سَبَبٌ فِي تَعَلُّقِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ بِاعْتِبَارِ الْمُكَلَّفِ بِهَا كَمَا يُتَعَقَّلُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَجَمِيعِ أَفْرَادِهِ أَنَّهُ صَالِحٌ لِابْتِدَاءِ تَعَلُّقِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِيهِ بِالْمُكَلَّفِ إذَا ثَبَتَ سَبَبُ تَكْلِيفِهِ بِهَا مِنْ بُلُوغٍ لِصَبِيٍّ أَوْ عَقْلٍ لِمَجْنُونٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَمَا مِنْ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ وَقْتِ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ إلَّا وَهُوَ صَالِحٌ لِابْتِدَاءِ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ إذَا حَصَلَ سَبَبُ التَّكْلِيفِ فَأَوَّلُ دُخُولِ الْوَقْتِ يَتَقَرَّرُ فِيهِ ابْتِدَاءً تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِهِ وَقَوْلُهُ " وَالْقَضَاءُ انْقِطَاعُهُ " مَعْنَاهُ وَوَقْتُ الْقَضَاءِ زَمَنُ انْقِطَاعِ ابْتِدَاءِ تَعَلُّقِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ بِاعْتِبَارِ الْمُكَلَّفِ لِأَنَّ مَا بَعْدَ زَمَنِ الْأَدَاءِ لَيْسَ مَحَلًّا لِتَقَرُّرِ ابْتِدَاءِ تَعَلُّقِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ فَصَحَّ مِنْ هَذَا حَدُّ زَمَنِ الْأَدَاءِ وَحَدُّ زَمَنِ الْقَضَاءِ وَرَسْمُهُ لَهُمَا. (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ صَحَّ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْوُجُوبِ ابْتِدَاءَ تَعَلُّقٍ وَالْوُجُوبُ حُكْمٌ وَالْحُكْمُ يَرْجِعُ إلَى الْخِطَابِ الْمُتَعَلِّقِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَهُوَ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمُ وَالتَّعَلُّقُ مِنْ صِفَةِ نَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ ابْتِدَاءُ تَعَلُّقٍ لَهُ لِإِبْهَامِ الْحُدُوثِ فِيهِ (قُلْتُ) هَذَا لَا يَرِدُ وَجَوَابُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ فِي حَدِّ النَّسْخِ وَأَنَّهُ رَفْعُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ وَغَيْرِهِ وَالتَّنْجِيزِيُّ هُوَ الْمَرْفُوعُ بِمَوْتِ الْمُكَلَّفِ فَكَذَا نَقُولُ هُنَا (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 بِاعْتِبَارِ الْمُكَلَّفِ بِأَيِّ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ (قُلْتُ) يَتَعَلَّقُ بِالتَّعَلُّقِ أَيْ ابْتِدَاءُ التَّعَلُّقِ لِلْوُجُوبِ بِاعْتِبَارِ الْمُكَلَّفِ وَهِيَ لِلتَّعْدِيَةِ وَالصَّوَابُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ ابْتِدَاءُ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْمُكَلَّفِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (فَإِنْ قُلْتَ) وُجُوبُ الصَّلَاةِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَمَا قَدَّمْنَا وَمُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ فَكَيْفَ يَصِحُّ هُنَا تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ فِي الصَّلَاةِ بِاعْتِبَارِ الْمُكَلَّفِ (قُلْنَا) هَذَا السُّؤَالُ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَإِيرَادُهُ ظَاهِرٌ وَهُوَ مِمَّا يُقَرِّبُ الْوَجْهَ الثَّانِيَ. (فَإِنْ قُلْتَ) قَرَّرْتَ رَسْمَ الْقَضَاءِ بِمَا قَرَرْته بِهِ وَزَمَنُ الْقَضَاءِ مُتَّسِعٌ وَإِنَّمَا يَصْدُقُ ذَلِكَ عَلَى أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ زَمَنِ انْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ وَبَاقِيهِ فِيهِ انْقِطَاعُهُ لَا ابْتِدَاؤُهُ (قُلْتُ) الْمَعْنَى الزَّمَنُ الَّذِي لَا يَتَقَرَّرُ فِيهِ ابْتِدَاءُ تَعَلُّقِ التَّكْلِيفِ وَذَلِكَ عَامٌّ فِي أَزْمِنَةِ الْقَضَاءِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ آخِرِ الْوَقْتِ فَبَاقِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوَقْتِ قِيلَ فِيهِ وَقْتُ أَدَاءً وَقِيلَ قَضَاءٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ ابْتِدَاءُ تَعَلُّقِ التَّكْلِيفِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ (قُلْتُ) إطْلَاقُ الْأَدَاءِ عَلَى مَا أُوقِعَ خَارِجَ الْوَقْتِ تَقْدِيرِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْأَدَاءِ الِاخْتِيَارِيِّ وَالضَّرُورِيِّ] (أد ي) : بَابُ الْأَدَاءِ الِاخْتِيَارِيِّ وَالضَّرُورِيِّ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَا قُصِدَ فِي حَدِّ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ غَيْرُ الْمَنْهِيِّ عَنْ تَأْخِيرِ فِعْلِهَا عَنْهُ وَإِلَيْهِ وَمَعْنَاهُ ابْتِدَاءُ تَعَلُّقِ وُجُوبِهَا بِاعْتِبَارِ الْمُكَلَّفِ الْمَنْهِيِّ عَنْ تَأْخِيرِ فِعْلِهَا عَنْهُ أَوْ إلَيْهِ " فَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَحْدُودَيْنِ الْأَدَاءُ إلَى آخِرِهِ فِيهِ تَجَوُّزٌ وَمُسَامَحَةٌ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ لِظُهُورِ الْمَعْنَى أَصْلُهُ وَقْتُ الْأَدَاءِ الِاخْتِيَارِيُّ وَوَقْتُ الْأَدَاءِ الضَّرُورِيُّ وَهَذَا وَاضِحٌ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ قَبْلُ وَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَدُّ الْأَوَّلُ " ابْتِدَاءُ " جَرَى فِيهِ أَيْضًا عَلَى الْمُسَامَحَةِ فِي حَذْفِ كَلِمَةِ الْمُضَافِ لِلدَّلَالَةِ الْعَقْلِيَّةِ مِنْ دَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ فِي الزَّمَنِ الْمُنَاسِبِ لِلْمَحْدُودِ وَقَوْلُهُ " ابْتِدَاءُ تَعَلُّقِ وُجُوبِهَا بِاعْتِبَارِ الْمُكَلَّفِ " تَقَدَّمَ بَسْطُهُ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ بِالْمَذْكُورِ اخْتِصَارًا وَقَوْلُهُ " غَيْرُ الْمَنْهِيِّ عَنْ تَأْخِيرِ فِعْلِهَا عَنْهُ " أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ الْوَقْتُ الَّذِي لَمْ يَنْهَ الشَّارِعُ عَنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْهُ وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَمَا بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يَنْهَ عَنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَيْهِ أَيْ إلَى مَا يَسَعُ إيقَاعَهَا فِيهِ وَهُوَ الْوَقْتُ الْأَخِيرُ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ الْوَسَطِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَالْوَقْتُ الْمُوَسَّعُ أَوَّلُهُ وَوَسَطُهُ وَآخِرُهُ كُلُّهُ مَحَلُّ زَمَنِ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْهُ وَلَا نَهَى عَنْ التَّأْخِيرِ إلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ غَيْرُ الْمَنْهِيِّ عَنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْهُ لِأَنَّ زَمَنَ مِقْدَارِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي آخِرِ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْهُ فَلَوْ لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ " إلَيْهِ " لَكَانَ غَيْرَ جَامِعٍ فَزَادَ " أَوْ إلَيْهِ " لِيَدْخُلَ ذَلِكَ فِي الْحَدِّ هَذَا مَعْنَاهُ، هَكَذَا رَأَيْتُ مُقَيَّدًا عَنْ الشَّيْخِ وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " وَالضَّرُورِيُّ " أَيْ الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ ابْتِدَاءً إلَى آخِرِهِ مَعْنَاهُ زَمَنُ ابْتِدَاءٍ كَمَا قَدَّمْنَا قَبْلُ. وَقَوْلُهُ " الْمَنْهِيُّ عَنْهُ إلَيْهِ " يَظْهَرُ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ وَاوِ الْعَطْفِ مَعْنَاهُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ أَيْ الْمَنْهِيُّ عَنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْهُ أَيْ عَنْ زَمَنِهِ وَالْمَنْهِيُّ عَنْ تَأْخِيرِ فِعْلِ الصَّلَاةِ إلَيْهِ وَاحْتَرَزَ بِالْمَنْهِيِّ عَنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْهُ عَنْ زَمَنِ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْ ذَلِكَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَزَمَنُ الضَّرُورَةِ كُلُّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْهُ وَزَادَ قَوْلَهُ " وَإِلَيْهِ " حِفْظًا عَلَى طَرْدِ حَدِّهِ لِأَنَّهُ لَوْلَا الزِّيَادَةُ لَصَدَقَ فِي حَدِّهِ الزَّمَنُ الْأَخِيرُ مِنْ زَمَنِ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ زَمَنُ نَهْيٍ عَنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْهُ لَكِنَّهُ أَخْرَجَهُ بِقَوْلِهِ " وَإِلَيْهِ " لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ التَّأْخِيرِ عَنْهُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ التَّأْخِيرِ إلَيْهِ هَذَا الَّذِي كَانَ يَظْهَرُ إنَّ ذَلِكَ تَكَلُّفٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَسَبَبُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي " عَنْهُ " عَائِدٌ عَلَى " تَأْخِيرِ فِعْلِهَا عَنْهُ " وَعَلَى ذَلِكَ افْتَقَرَ إلَى ذِكْرِ " إلَيْهِ " وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَعُودُ إلَى " تَأْخِيرِ فِعْلِهَا " فَقَطْ وَإِلَيْهِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّأْخِيرِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الصُّورَةُ الَّتِي اُحْتِيجَ مَا يُوجِبُ إخْرَاجُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَأَنْتَ تَرَى حُسْنَ هَذَا الْحَدِّ وَرَشَاقَتَهُ وَإِيجَازَهُ وَنَاهِيك بِحَادِّهِ سَيِّدِ أَهْلِ وَقْتِهِ وَبَرَكَةِ زَمَنِهِ وَالسَّابِقِ فِي فَهْمِهِ وَعِلْمِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ بِمَنِّهِ ثُمَّ مِنْ مَحَاسِنِهِ مَا رَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ نَتِيجَتِهِ أَنَّهُ لَا تَنَافِي عَلَى حَدِّهِ بَيْنَ كَوْنِهِ مُؤَدِّيًا فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَعَاصِيًا لِصِدْقِ حَدِّ الْأَدَاءِ فِيهِ وَصِدْقِ لَازِمِ الْعِصْيَانِ فِيهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْأَمْرَ وَالْوُقُوعَ فِي الْمَنْهِيِّ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ لَازِمِ الْعِصْيَانِ مَعَ لَازِمِ الْحَدِّ عِنْدَهُ وَالْمَازِرِيُّ يَلْزَمُهُ التَّنَاقُضَ وَالتَّنَافِي بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْعِصْيَانِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ حَدَّ الْأَدَاءَ بِمُطَابَقَتِهِ امْتِثَالَ الْأَمْرِ وَهَذَا وَاضِحٌ. (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ تَقْدِيرُ الْمُضَافِ فِي الْحَدِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 لِأَنَّ الْأَدَاءَ الْفِقْهِيَّ مَحْصُولُهُ يَرْجِعُ لِشَيْءٍ يَقَعُ فِي زَمَانٍ لَا أَنَّهُ زَمَانٌ (قُلْتُ) الْمُحْوِجُ لِلتَّقْرِيرِ أَنَّ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ أَقْسَامٌ لِلْوَقْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْأَقْسَامُ مِنْ مَقُولَةِ الْمُقَسِّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ وَوَقْتِ التَّوَسُّعَةِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " وَالِاخْتِيَارِيُّ فَضِيلَةٌ إنْ تَرَجَّحَ فِعْلُهَا فِيهِ عَنْ اخْتِيَارِيٍّ آخَرَ وَإِلَّا فَتَوْسِعَةٌ " لَمَّا قَسَّمَ الْوَقْتَ إلَى وَقْتِ أَدَاءً وَقَضَاءٍ وَعَرَّفَهُمَا وَقَسَّمَ الْأَدَاءَ إلَى اخْتِيَارِيٍّ وَضَرُورِيٍّ قَسَّمَ الِاخْتِيَارِيَّ إلَى فَضِيلَةٍ وَتَوْسِعَةٍ فَهُمَا نَوْعَانِ مِنْهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَقْتُ الْفَضِيلَةِ وَقْتٌ اخْتِيَارِيٌّ تَرَجَّحَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فِيهِ عَنْ اخْتِيَارِيٍّ آخَرَ وَذَلِكَ الْوَقْتُ هُوَ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ الْجَمَاعَةُ الَّتِي لَا تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا وَلِلْمُنْتَظِرَةِ رُبْعُ الْقَامَةِ ثُمَّ عَرَّفَ وَقْتَ التَّوْسِعَةِ بِمَا ذُكِرَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ وَقْتٌ اخْتِيَارِيٌّ لَمْ يَتَرَجَّحْ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى اخْتِيَارِيٍّ آخَرَ وَالْمُوَسَّعُ هُنَا أَخَصُّ مِنْ الْمُوَسَّعِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِأَنَّهُ صَيَّرَ الِاخْتِيَارِيَّ قَسِيمًا لِلْفَضِيلَةِ وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ أَقْرَبُ إلَى عِبَارَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَسْلَمُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي رَسْمِ الْفَضِيلَةِ وَالثَّانِي مَا كَانَ أَوَّلَ فَعَرَّفَ بِقَوْلِهِ مَا كَانَ أَوَّلَ وَهُوَ أَخْصَرُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ (قُلْتُ) كَلَامُ الشَّيْخِ أَبْيَنُ وَأَقْوَى فِي تَحْقِيقِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) ابْنُ الْحَاجِبِ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ اخْتِيَارِيٍّ وَفَضِيلَةٍ وَضَرُورِيٍّ وَالشَّيْخُ ذَكَرَ فِي تَقْسِيمِهِ وَقْتَيْنِ تَوْسِعَةً وَفَضِيلَةً (قُلْتُ) يَتَعَيَّنُ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ لِأَنَّ الْمُقَسَّمَ عِنْدَهُ الِاخْتِيَارِيُّ الْمُقَابِلُ لِلضَّرُورِيِّ وَالْمُقَسَّمَ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ الْأَدَاءُ الَّذِي يَعُمُّ الضَّرُورِيَّ فَلِذَلِكَ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ زَوَالِ الشَّمْسِ] (ز ول) : بَابُ زَوَالِ الشَّمْسِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " هُوَ كَوْنُهَا بِأَوَّلِ ثَانِي أَعْلَى دَرَجَاتِ دَائِرَاتِهَا " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 قَوْلُهُ " كَوْنُهَا أَيْ كَوْنُ الشَّمْسِ بِأَوَّلِ ثَانِي أَعْلَى دَرَجَاتِهَا " يَعْنِي انْحِطَاطَهَا بَعْدَ نِهَايَةِ ارْتِفَاعِهَا فِي دَرَجَاتِهَا. قَالَ يُعْرَفُ ذَلِكَ الْكَوْنُ بِزِيَادَةِ أَوَّلِ ظِلِّ الشَّمْسِ وَرَاجِعْ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِّ الْوَقْتِ يَزْدَادُ كَلَامُهُ وُضُوحًا. [بَابُ الْأَذَانِ] (أذ ن) : بَابُ الْأَذَانِ الْأَذَانُ لَهُ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ مَعْلُومَةٌ وَحَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ مَرْسُومَةٌ (فَإِنْ قُلْتَ) لِمَ لَمْ يَحُدَّ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ فِيهِ فَيَقُولُ النُّطْقُ أَوْ قُرْبَةٌ بِذِكْرٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ لِإِعْلَامِ وَقْتِهَا وَالْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَقُولَ حَدُّهُ مَصْدَرًا الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِلَفْظِ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِهِ فِيمَا حُدَّ فِيهِ لَفْظُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحَدُّهُ اسْمًا اللَّهُ أَكْبَرُ إلَخْ فَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّيْخَ رَآهُ جَلِيًّا كَمَا قَدَّمْنَا عَنْهُ فِي عَدَمِ حَدِّهِ لِلتَّيَمُّمِ فِي مُخْتَصَرِهِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ اسْتِقْبَال الْكَعْبَةِ] (ق ب ل) : بَابُ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَحُدَّ اسْتِقْبَالَ الْكَعْبَةِ مَعَ أَنَّهُ خَفِيٌّ وَلَمْ يَحُدَّ مَا عَدَاهُ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهَا جَلِيَّةً عِنْدَهُ فِي نَفْسِهَا وَاسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ هُوَ أَخْفَى وَرَأَيْت بِخَطِّ الْأَشْيَاخِ مِنْ أَشْيَاخِنَا مِنْ تَلَامِذَتِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا لَفْظُهُ:. قَالَ لَمَّا قَرَأْنَا عَلَى الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يُنَاسِبُ اسْتِقْبَالَ الْكَعْبَةِ مِنْ التَّهْذِيبِ أَخْرَجَ لَنَا الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَكْتُوبًا بِخَطِّ يَدِهِ قَالَ حَاصِلُ تَحْقِيقِ الْقَوْلِ فِي حُكْمِ الْقِبْلَةِ أَنْ نَقُولَ الِاسْتِقْبَالُ هُوَ كَوْنُ النَّاظِرِ بِحَيْثُ يُبْصِرُ ذَاتَ الشَّيْءِ أَوْ سَمْتَهُ أَوْ جِهَتَهُ. قَالَ فَعَيْنُ الشَّيْءِ وَاضِحَةٌ وَسَمْتُهُ ذَاتُهُ وَهَوَاهَا وَجِهَتُهُ مَحَلُّهُ الَّذِي لَوْ كَانَ بِهِ رَآهُ مَنْ قَصَدَ رُؤْيَتَهُ مِنْ مَحَلِّهِ وَمَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَفِي كَوْنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ سَمْتُهُ أَوْ جِهَتُهُ الْقَوْلَانِ وَلَمَّا رَأَيْتُ هَذَا الْكَلَامَ عَنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قُلْت يُمْكِنُ حَدُّ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ مِنْ كَلَامِهِ أَنْ نَقُولَ كَوْنُ الْمُصَلِّي يُبْصِرُ عَيْنَ الْكَعْبَةِ أَوْ سَمْتَهَا أَوْ جِهَتَهَا فَهَذَا أَقْرَبُ مَا تُعْرَفُ بِهِ عَلَى تَسَامُحٍ فِي الْحَدِّ لَكِنْ يَجِبُ بَيَانُ السَّمْتِ وَالْجِهَةِ وَالْعَيْنِ. فَنَقُولُ عَيْنُ الْكَعْبَةِ ذَاتُهَا الْمَبْنِيُّ طُولًا وَعَرْضًا وَسَمْتُهَا ذَاتُهَا وَهَوَاهَا وَجِهَتُهَا مَحَلُّهَا الَّذِي يَرَاهَا بِهِ مَنْ قَصَدَ رُؤْيَتَهَا مِنْ مَحَلِّهِ وَأَخَذْتُ ذَلِكَ مِمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وَجَدْتُهُ مُقَيَّدًا عَنْ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ نُقِلَ عَنْهُ عَيْنُ الشَّيْءِ وَاضِحَةٌ وَسَمْتُهُ ذَاتُهُ وَهَوَاهَا وَجِهَتُهُ مَحَلُّهُ الَّذِي لَوْ كَانَ بِهِ رَآهُ مَنْ قَصَدَ رُؤْيَتَهُ مِنْ مَحَلِّهِ فَقَوْلُنَا كَوْنُ الْمُصَلِّي يُبْصِرُ جِنْسَ الِاسْتِقْبَالِ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرَ وَلَكِنْ حَالَةٌ لِلْمُصَلِّي وَقَوْلُهُ عَيْنُ الْكَعْبَةِ لِيَدْخُلَ فِيهِ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمُعَايَنَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ سَمْتُهَا أَوْ جِهَتُهَا إشَارَةٌ إلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ بَعُدَ عَنْهَا فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيمَنْ بَعُدَ هَلْ الْمَطْلُوبُ فِي حَقِّهِ سَمْتُهَا أَوْ جِهَتُهَا وَالْأَكْثَرُ عَلَى مُرَاعَاةِ الْجِهَةِ وَابْنُ الْقَصَّارِ يُرَاعِي السَّمْتَ وَلِلشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُنَا بَحْثٌ فِي كِتَابِهِ قَرَأْنَاهُ عَلَى الْمَشَايِخِ وَفِيهِ فَوَائِدُ جَلِيلَةٌ جَمِيلَةٌ أَثَابَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا وَنَفَعَنَا وَإِيَّاهُ بِهَا وَمَنْ بِمَكَّةَ قِيلَ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي حَقِّهِ الْعَيْنُ وَقِيلَ الْمَطْلُوبُ السَّمْتُ وَرَأَيْت عَنْ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّرُ الْجِهَةَ فِي الْكَعْبَةِ وَيُقَرِّبُ مِثَالَهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِكَوْنِهِ مَثَلًا إذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ الدَّرْسِ فَمَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ لَيْسَ مُوَاجِهًا وَلَا فِي جِهَةِ الشَّيْخِ وَمَنْ كَانَ مُقَابِلًا لَهُ مِنْ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ هُوَ فِي جِهَتِهِ وَمُوَاجِهًا لَهُ فَإِذَا انْتَقَلَ إلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْهُ بِحَيْثُ يَرَاهُ هُوَ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ فَلَمْ يَزَلْ فِي الْجِهَةِ وَقَدْ رَأَيْت لَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَقْيِيدًا حَسَنًا فِي تَحْقِيقِ الْقَوْلِ بِالْجِهَةِ وَالسَّمْتِ وَأَشْبَعَ الْكَلَامَ فِيهِ عَلَى أُصُولِ أَهْلِ الْهَنْدَسَةِ فَمَا أَقْوَى هِمَّتُهُ وَأَشَدَّ اهْتِمَامَهُ وَأَعْلَى مَنْزِلَتَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَفَرَ لَهُ وَنَفَعَتَا بِهِ بِمَنِّهِ. [بَابُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ] (ك ب ر) : بَابُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ مُضَافٌ وَمُضَافٌ إلَيْهِ فَالتَّكْبِيرُ التَّلَفُّظُ بِاَللَّهِ أَكْبَرُ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بَعْدُ " وَالْإِحْرَامُ " قَالَ فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " ابْتِدَاؤُهَا مُقَارِنًا لِنِيَّتِهَا ". فَقَوْلُهُ " ابْتِدَاؤُهَا " مَصْدَرٌ وَالْإِحْرَامُ مَصْدَرٌ فَرَاعَى مَقُولَتَهُ فِي الْجِنْسِ وَضَمِيرُ الْإِضَافَةِ يَعُودُ عَلَى الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ " لِنِيَّتِهَا " خَاصَّةٌ لِلْمَحْدُودِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ فِي إحْرَامِ الصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْإِحْرَامُ ابْتِدَاءُ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ وُجُودِ نِيَّةٍ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ حَدُّ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي أَنَّ الْإِحْرَامَ خَارِجٌ عَنْ الصَّلَاةِ لَا أَنَّهُ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ أَوْ أَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا أَوْ لَا يَدُلُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ؟ وَقَدْ نَقَلُوا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَبَنَوْا عَلَيْهِ مَسَائِلَ مَذْهَبِيَّةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 قُلْت) يَظْهَرُ مِنْ قُوَّةِ لَفْظِهِ أَنَّ الْإِحْرَامَ خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ قَالَ ابْتِدَاءُ الصَّلَاةِ أَيْ ابْتِدَاءُ الدُّخُولِ فِيهَا وَابْتِدَاءُ الدُّخُولِ فِي الشَّيْءِ خَارِجٌ عَنْ الشَّيْءِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِمْ ابْتِدَاءُ وَقْتِ الصَّلَاةِ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَذَلِكَ مِنْ الْوَقْتِ وَرُبَّمَا قَالُوا آخِرُ الشَّيْءِ خَارِجٌ عَنْ الشَّيْءِ بِدَلِيلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهُوَ آخِرُ الْوَقْتِ فَتَأَمَّلْهُ (فَإِنْ قِيلَ) سَلَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُهُ وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ خَارِجًا عَنْهُ لِأَنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ غَيْرُهُ (قِيلَ) هَذَا صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ اللَّفْظَ قَابِلٌ لِلْبَحْثِ. (فَإِنْ قِيلَ) كَأَنْ يَمْضِيَ لَنَا مِرَارًا مَا وَجْهُ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا فِي حَدِّ إحْرَامِ الصَّلَاةِ وَإِنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ وَيَأْتِي لَهُ فِي الْحَجِّ فِي حَدِّ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ إلَخْ فَيَصِيرُ الْإِحْرَامُ هُنَاكَ صِفَةً تَقْدِيرِيَّةً وَلَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ فَيُقَالُ عَلَى هَذَا فِي حَدِّ إحْرَامِ الصَّلَاةِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا حُرْمَةَ مَا يُفْسِدُهَا (قُلْنَا) يَظْهَرُ مِنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَشَارَ فِي الصَّلَاةِ إلَى الْفِعْلِ الَّذِي تَتَقَرَّرُ بِهِ الصِّفَةُ الْحُكْمِيَّةُ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ حَدُّ الْإِحْرَامِ مَعْنَى مَا أَشَرْتُمْ إلَيْهِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ مَعَ النِّيَّةِ هُوَ مِثَالُ التَّطْهِيرِ فِي الطَّهَارَةِ فَإِذَا تَقَرَّرَ التَّطْهِيرُ الَّذِي هُوَ إزَالَةُ النَّجَسِ أَوْ رَفْعُ الْمَانِعِ حَصَلَتْ الطَّهَارَةُ الْحُكْمِيَّةُ فَكَذَا هُنَا فَكَأَنَّهُ أَرْشَدَ إلَى الْفِعْلِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مَا يَتَقَرَّرُ بِهِ إحْرَامُهَا وَرَمْزٌ لِلصِّفَةِ وَفِي الْحَجِّ صَرَّحَ بِحَدِّ الصِّفَةِ وَذَكَرَ بَعْضَ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ وَهُوَ ابْتِدَاءٌ إلَخْ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ صَرَّحَ بِالْفِعْلِ الَّذِي تَنْشَأُ عَنْهُ الصِّفَةُ وَرَمَزَ لِلصِّفَةِ وَفِي الْحَجِّ صَرَّحَ بِالصِّفَةِ ثُمَّ صَرَّحَ بِالْفِعْلِ فَعَلَى ذَلِكَ يَصِحُّ لَك أَنْ تُطْلِقَ الْإِحْرَامَ عَلَى مَعْنَى الْفِعْلِ أَوْ عَلَى مَعْنَى الصِّفَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهَذَا لَا يُنَجِّي لِأَنَّ السُّؤَالَ بَاقٍ فَيُقَالُ إنْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ فَلِأَيِّ شَيْءٍ ذَكَرَ فِي الْحَجِّ الصِّفَةَ صَرِيحًا وَهُنَا رَمَزَ إلَى الصِّفَةِ وَصَرَّحَ بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الِابْتِدَاءُ وَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِيمَا وَقَعَ فِي الْحَجِّ وَيُتَأَمَّلُ لَفْظُهُ مَعَ مَا ذُكِرَ هُنَا (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَالَ فِي الْحَجِّ وَعَدَمُ نَقْضِهِ بِإِحْرَامِ الصَّلَاةِ وَاضِحٌ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ الْفِعْلَ فَقَطْ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّفَةُ فَقَطْ فِي الْحَجِّ. (قُلْتُ) بَلْ يَدُلُّ عَلَى مَا أَشَرْتُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حَدَّ الْإِحْرَامِ فِي الْحَجِّ قَالَ وَعَدَمُ نَقْضِهِ بِإِحْرَامِ الصَّلَاةِ وَاضِحٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ وَعَدَمُ نَقْضِ الشَّيْءِ بِكَذَا إذَا كَانَ قَابِلًا لِلدُّخُولِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَخْرَجَهُ بِهِ وَلَا يُشَكُّ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ تُخْرِجُ إحْرَامَ الصَّلَاةِ (فَإِنْ قِيلَ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي الْحَجِّ أَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ رُكْنٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وَلَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ وَإِحْرَامُ الصَّلَاةِ فِيهِ خِلَافٌ وَمَا الْفَرْقُ (قُلْتُ) الْمُخْتَلَفُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَأَمَّا الْإِحْرَامُ فَلَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي نَقْلِهِ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَمَا نُقِلَ فِي كَلَامِ الصَّائِغِ مِنْ قَوْلِهِ فِي كَوْنِ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ فِيهِ تَسَامُحٌ وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْخِلَافِ فِي التَّكْبِيرِ الْخِلَافُ فِي الْإِحْرَامِ. [بَابُ الْإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاة] (ق ع و) : بَابُ الْإِقْعَاءِ قَالَ الْمُحَدِّثُونَ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْجُلُوسُ عَلَى صَدْرِ قَدَمَيْهِ مَاسًّا بِأَلْيَتَيْهِ عَقِبَهُ، وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ تَعْرِيفَاتٍ عَنْ الْفُقَهَاءِ ظَاهِرَةً فِي مَعَانِيهَا. [بَابُ حَدِّ الرُّكُوعِ] (ح د د) : بَابُ حَدِّ الرُّكُوعِ يَظْهَرُ أَنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اكْتَفَى بِحَدِّ الْمَازِرِيِّ بِقَوْلِهِ " انْعِطَافُ الظَّهْرِ مُطَأْطِئًا " لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمَحْدُودِ فِي مَقُولَتِهِ وَزِيَادُهُ الْحَالِ الْمَذْكُورَةِ لِيَخْرُجَ بِهَا انْعِطَافُهُ غَيْرَ مُطَأْطِئٍ (فَإِنْ قِيلَ) مَنْ كَانَ حَالُ ظَهْرِهِ كَذَلِكَ لَهُ رُكُوعٌ وَلَيْسَ فِيهِ مَا ذُكِرَ مِنْ الِانْعِطَافِ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ وَالْحَاصِلُ لَا يُؤْمَرُ بِهِ (قُلْنَا) ذَكَرُوا أَنَّ ذَلِكَ يَنُوبُ فِيهِ الْإِيمَاءُ بِالنِّيَّةِ فَيُزَادُ أَوْ بَدَلُ ذَلِكَ لِيَكُونَ الْحَدُّ مُنْعَكِسًا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ حَدّ السُّجُودِ] (ح د د) : بَابُ حَدِّ السُّجُودِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَسُّ الْأَرْضِ أَوْ مَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ سَطْحِ مَحَلِّ الْمُصَلِّي كَالسَّرِيرِ بِالْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ " فَقَوْلُهُ " مَسُّ الْأَرْضِ " هُوَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةِ حَصِيرٍ أَوْ بِوَاسِطَةٍ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْلَ فِي السُّجُودِ ثُمَّ زَادَ دُخُولَ مَنْ صَلَّى عَلَى سَرِيرٍ وَنَحْوِهِ وَأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَاجِدٌ بِقَوْلِهِ " أَوْ مَا اتَّصَلَ بِهَا " أَيْ بِالْأَرْضِ مِنْ سَطْحِ مَحَلِّ الْمُصَلِّي وَانْظُرْ مَا نَقَلُوهُ فِيمَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ فِي مُجْمَلٍ وَمَا ذُكِرَ عَنْ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ مَعَ هَذَا الرَّسْمِ. ثُمَّ قَالَ " بِالْجَبْهَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وَالْأَنْفِ " أَشَارَ أَنَّ أَصْلَ السُّجُودِ إنَّمَا هُوَ بِهِمَا وَإِنَّمَا زَادَ " مِنْ سَطْحِ مَحَلِّ الْمُصَلِّي ". إشَارَةً إلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مَحَلُّهُ بِالْأَرْضِ وَسَجَدَ عَلَى سَرِيرٍ بِالْأَرْضِ لَيْسَ بِسَاجِدٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ بِسَطْحِ مَحَلِّ الْمُصَلِّي وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ صَلَّى بِالْأَرْضِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ حُفْرَةٌ فِيهَا كُرْسِيٌّ مُسَاوٍ لِلْأَرْضِ وَوَضَعَ وَجْهَهُ عَلَيْهِ يَلْزَمُ عَلَى مُقْتَضَى حَدِّهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِسُجُودٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ عَلَى سَطْحٍ مُتَّصِلٍ بِالْأَرْضِ فِي مَحَلِّ الْمُصَلِّي وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَلْتَزِمُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ السُّجُودُ وَفِيهِ بَحْثٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَصَدَ الْمَاهِيَّةَ الصَّحِيحَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَالْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا. [بَابُ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ] ِ لَمَّا وَقَعَ حَدُّ الرُّكُوعِ وَحَدُّ السُّجُودِ كَانَ الرَّفْعُ ظَاهِرَ الْمَعْنَى بِسَبَبِ حَدِّ ضِدِّهِ فَلِذَا اُسْتُغْنِيَ عَنْ حَدِّهِ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ يُقَالُ فِي حَدِّ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ (قُلْنَا) يُقَالُ إزَالَةُ انْعِطَافِ الظَّهْرِ بِحَرَكَةِ الْجِسْمِ إلَى أَعْلَى وَيَبْقَى أَعَمَّ مِنْ حُصُولِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرَّفْعِ وَالِاعْتِدَالِ أَمْ لَا (فَإِنْ قُلْتَ) وَكَيْفَ يُقَالُ فِي الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ (قُلْنَا) يُقَالُ أَيْضًا إزَالَةُ مَسِّ الْأَرْضِ أَوْ مَا اتَّصَلَ بِهَا كَذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ التَّسْلِيمِ فِي الصَّلَاة] (س ل م) : بَابُ التَّسْلِيمِ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ التَّلَفُّظُ بِالسَّلَامِ عَلَيْكُمْ كَمَا قَدَّمْنَا فِي التَّكْبِيرِ وَهُوَ جَلِيٌّ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ. [بَابُ ضَوَابِطِ الْمَنْسِيَّاتِ فِي الصَّلَاة] بَابُ ضَوَابِطِ الْمَنْسِيَّاتِ هَذَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدٍ وَبَسْطٍ أَخَّرْته حَتَّى يَقَعَ الْمَقْصِدُ بِتَمَامِهِ وَيُذْكَرُ فِي آخِرِ التَّأْلِيفِ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ ضَوَابِطِهِ مِنْهُ مَا يَكُونُ تَأْلِيفًا حَسَنًا مُسْتَقِلًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِنِيَّةِ الشَّيْخِ الْوَلِيِّ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَبِعَمَلِهِ وَبِعِلْمِهِ وَمَنَّ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلِهِ. [بَابُ حَدّ الْخُشُوع] (ح د د) : بَابُ حَدِّ الْخُشُوعِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَاقِلًا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ " الْخَوْفُ بِاسْتِشْعَارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ الْخَالِقِ " فَقَوْلُهُ " الْخَوْفُ " جِنْسٌ وَقَوْلُهُ " بِاسْتِشْعَارِ إلَخْ " أَخْرَجَ بِهِ الْخَوْفَ مِنْ سَبَبٍ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِخُشُوعٍ وَقَوْلُهُ " الْوُقُوفُ " الْمُرَادُ بِهِ الْحُصُولُ لِيَشْمَلَ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ وَالسُّجُودَ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَرُبَّمَا عَبَّرَ بِالْقَائِمِ وَالْوَاقِفِ عَنْ الْمُلَازِمِ لِلشَّيْءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَفِيهِ نَوْعٌ مِنْ التَّجَوُّزِ وَالِاسْتِعَارَةِ وَذَكَرَ الْخَالِقَ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى بِاسْمِ الْجَلَالَةِ أَوْ الرَّبِّ وَهُوَ أَخْصَرُ إشَارَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى " {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ} [النحل: 17] " وَإِنَّ الْخَوْفَ الَّذِي يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ خَوْفٌ مِمَّنْ يَتَّصِفُ بِالْخَلْقِ وَانْفَرَدَ بِهِ فَلَا يَقَعُ لَك خَوْفٌ مِنْ غَيْرِهِ بِوَجْهٍ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ وَلَا يَجْلِبُ وَلَا يَدْفَعُ وَإِذَا تَمَكَّنَ هَذَا الْخَوْفُ مِنْ الْقَلْبِ خَشَعَتْ الْجَوَارِحُ وَأَقْبَلَ الْقَلْبُ عَلَى الرَّبِّ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَهُنَا تَتَفَاوَتُ صَلَاةُ الْأَبْرَارِ وَتَتَرَقَّى بِقُوَّةِ الصَّفَاءِ وَالْأَسْرَارِ وَيُكْتَبُ لِلْمُصَلِّي مِنْ صَلَاتِهِ مَا خَشَعَ فِيهِ لُبُّهُ وَحَضَرَ لَهُ قَلْبُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُسَامِحُ لَنَا مَا نَنْسُبُهُ لِأَنْفُسِنَا مِنْ أَعْمَالِنَا بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ. [بَابُ رَسْمِ الْإِمَامَة] (ر س م) : بَابُ رَسْمِ الْإِمَامَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " اتِّبَاعُ مُصَلٍّ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ غَيْرَ تَابِعٍ غَيْرَهُ " اعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَسَمَ الْإِمَامَةَ وَهِيَ مِنْ صِفَةِ الْإِمَامِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جِنْسُ الْحَدِّ يَصْدُقُ عَلَى الْمَحْدُودِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمَصْدَرَ الْمَذْكُورَ مَسْبُوكٌ مِنْ فِعْلٍ بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ وَالْمُصَلِّي هُوَ الْإِمَامُ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْإِمَامَةُ أَنْ يُتْبَعَ الْمُصَلِّي بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ كَذَا وُجِدَ هَذَا اللَّفْظُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالثَّابِتُ فِي نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنُسْخَةِ سَيِّدِي عِيسَى الْغُبْرِينِيِّ أَنْ يَتْبَعَ وَأَصْلَحْت إلَى ذَلِكَ فِي النُّسْخَتَيْنِ مَعًا وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا فَسَّرْنَا بِهِ قَوْلَهُ اتِّبَاعُ وَقَوْلُهُ " فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ " لِيَدْخُلَ فِيهِ الْمَسْبُوقُ وَمَنْ شَابَهَهُ إذَا أَدْرَكَ مَا يُعْتَدُّ بِهِ وَقَوْلُهُ " غَيْرُ تَابِعِ غَيْرِهِ " الظَّاهِرُ أَنَّهُ صِفَةٌ لِمُصَلٍّ لِيَخْرُجَ بِهِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ قَدْ اتَّبَعَ غَيْرَهُ، قَالَ الشَّيْخُ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَابْنُ حَبِيبٍ مَنْ ائْتَمَّ بِمَأْمُومٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ (فَإِنْ قُلْتَ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ اسْتِدْلَالُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا نَقَلَهُ مِنْ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ لَا يُوجِبُ الزِّيَادَةَ فِي الْحَدِّ إلَّا إذَا كَانَ الْحَدُّ لِلصَّحِيحِ وَحْدَهُ وَقَدْ شَاهَدْنَاهُ يَرْسُمُ الْحَقِيقَةَ الْمُطْلَقَةَ الْقَابِلَةَ لِلصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الزِّيَادَةِ (قُلْنَا) الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَقَرَّرُ ذَلِكَ إذَا تَعَقَّلَ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِثُبُوتِ أَجْزَائِهَا الشَّرْعِيَّةِ ثُمَّ طَرَأَ الْفَسَادُ مِنْ وُجُودِ مَانِعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا هُنَا فَلَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ الْإِمَامَةَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ أَصْلِ وَضْعِهَا أَنَّ الْإِمَامَ يَكُونُ مَتْبُوعًا وَلَا يَكُونُ تَابِعًا فَإِنْ وَجَدَ مَأْمُومًا فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ إمَامٌ لِأَنَّهُ لَمْ تَنْعَقِدْ فِي حَقِّهِ إمَامَةٌ حَتَّى تَقْبَلَ الْفَسَادَ كَمَا يُقَالُ فِي الصَّلَاةِ الْمُنْعَقِدَةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَإِنَّهَا لَا تَقْبَلُ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ صَحَّ بِنَاءُ الْمَصْدَرِ مِنْ فِعْلِ الْمَفْعُولِ مِنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ عُلِمَ مَا فِيهِ بَيْنَ الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ (قُلْنَا) هَذَا قَرِيبٌ وَعَلَيْهِ خَرَّجُوا قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» لِأَنَّهُمْ جَوَّزُوا فِيهِ الْإِضَافَةَ إلَى الْفَاعِلِ وَإِلَى الْمَفْعُولِ وَالشَّيْخُ تِلْمِيذُهُ الْفَقِيهُ سَيِّدِي الْأَبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَرَّجَ عَلَى ذَلِكَ قَضِيَّةُ شَيْخِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَشْهُورَةِ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ (فَإِنْ قُلْتَ) كَانَ يَمْضِي لَنَا مِرَارًا إنْ قُلْنَا مَا سِرُّ كَوْنِ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَقُلْ فِي حَدِّ الْإِمَامَةِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا كَوْنَهُ مُتَّبِعًا فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ غَيْرَ تَابِعٍ غَيْرَهُ (قُلْنَا) لَعَلَّ الشَّيْخَ أَشَارَ إلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي الْإِحْرَامِ فَرَاجِعْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يُؤْخَذُ مِنْ حَدِّ الشَّيْخِ أَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ مَعَ الْإِمَامِ حَصَلَ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ مَأْمُومٌ وَكُلُّ مَأْمُومٍ كَذَلِكَ أَمْ لَا يُقَالُ ذَلِكَ (قُلْنَا) الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤْخَذُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْمَأْمُومِيَّةِ حُصُولُ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَالْكُبْرَى مَمْنُوعَةٌ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ مَا يَشْهَدُ لَهُ وَمَا يُخَالِفُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ حَدِّ الشَّيْخِ حَدُّ الِائْتِمَامِ وَحَدُّ الْمَأْمُومِ وَحَدُّ الْإِمَامِ أَمَّا حَدُّ الِائْتِمَامِ فَيُقَالُ اتِّبَاعُ مُصَلٍّ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَإِنَّمَا زِدْنَا مُنْفَرِدًا لِيَدْخُلَ فِي الْحَدِّ اتِّبَاعُ الرَّجُلِ الرَّجُلَ إذَا لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهُ وَحَدُّ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ ظَاهِرٌ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. [بَاب حَدّ الْبِنَاء وَالْقَضَاءِ فِي الْمَسْبُوقِ] (ح د د) : بَابُ حَدِّ الْبِنَاءِ وَالْقَضَاءِ فِي الْمَسْبُوقِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " وَالْبِنَاءُ وَالْقَضَاءُ تَقَدَّمَ رَسْمُهُمَا " وَأَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 إلَى فَصْلِ الرُّعَافِ حَيْثُ قَالَ وَالْقَضَاءُ فِعْلُ مَا فَاتَ بِصِفَتِهِ وَالْبِنَاءُ بِصِفَةِ تَالِي مَا فُعِلَ هُنَا فَقَطْ وَ " فِي الْمَسْبُوقِ " عَلَى أَنَّهُ أَوَّلُهَا هَذَا الْكَلَامُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ وَبَسْطِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَعْضَهُ وَذِكْرُ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا تَتَوَقَّفُ هَذِهِ الْحُدُودُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَسَائِلُ اجْتِمَاعِ الْقَضَاءِ وَالْبِنَاءِ فِي الرُّعَافِ وَمَا شَابَهَهُ وَذَلِكَ فِي صُوَرٍ. (الْأُولَى) أَنْ يُدْرِكَ الْمَأْمُومُ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ مَعًا وَيَسْبِقَهُ الْإِمَامُ بِالْأُولَى وَتَفُوتُهُ الرَّابِعَةُ فَعَلَى مَذْهَبِ سَحْنُونَ يَأْتِي بِرَابِعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا سِرًّا وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَأْتِي بِالْبِنَاءِ بِرَكْعَةٍ سِرًّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَهَلْ يَجْلِسُ أَمْ لَا قَوْلَانِ. (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يُدْرِكَ الْإِمَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ تَفُوتَهُ الثَّانِيَةُ وَالرَّابِعَةُ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ سِرًّا وَيَجْلِسُ وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَجْلِسُ عَلَى الْمَشْهُورِ ثُمَّ يَأْتِي بِالْقَضَاءِ بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَيَجْهَرُ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَتَكُونُ صَلَاتُهُ جُلُوسًا. (الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَسْبِقَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَتَيْنِ وَيُدْرِكَ مَعَهُ الثَّالِثَةَ وَتَفُوتَهُ الرَّابِعَةُ فَعَلَى قَوْلِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْبِنَاءِ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَجْلِسُ اتِّفَاقًا ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ نَسَقًا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَأَمَّا الْقَضَاءُ فِي الْمَسْبُوقِ وَالْبِنَاءِ فَقِيلَ قَاضٍ مُطْلَقًا وَقِيلَ بَانٍ مُطْلَقًا وَقِيلَ بَانٍ فِي الْأَفْعَالِ قَاضٍ فِي الْأَقْوَالِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى ذَلِكَ فَنَقُولُ قَوْلُ الشَّيْخِ فِي حَدِّ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الرُّعَافِ فِعْلُ مَا فَاتَ بِصِفَتِهِ مَعْنَاهُ فِعْلُ الْفَائِتِ بِصِفَةِ مَا يَكُونُ عَلَيْهِ إنْ جَهْرًا فَجَهْرًا وَإِنْ سِرًّا فَسِرًّا وَإِنْ كَانَ بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ فَكَذَلِكَ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَإِذَا أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فَقَطْ فَالْقَضَاءُ فِعْلُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِصِفَتِهَا بِالْقِرَاءَةِ وَكَذَلِكَ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَفَاتَتْهُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ فَإِنَّ الْقَضَاءَ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ صِفَتُهُ مَا ذُكِرَ وَكَذَلِكَ إذَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَتَيْنِ يَأْتِي بِهِمَا بِصِفَتِهِمَا فِعْلًا وَقَوْلًا وَأَمَّا الْبِنَاءُ فِي بَابِ الرُّعَافِ فَهُوَ فِعْلُ مَا فَاتَ بِصِفَةٍ تَالِي مَا فُعِلَ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى يَأْتِي بِفِعْلِ مَا فَاتَ بِصِفَةِ تَالِي مَا فُعِلَ بِاَلَّذِي فُعِلَ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَهَذِهِ رَابِعَةٌ لِإِمَامِهِ فَيَأْتِي فِيهَا بِالْفَاتِحَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ صِفَةُ التَّالِي لِلَّذِي فُعِلَ وَاَلَّذِي فُعِلَ هُوَ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ هِيَ تَالِي ذَلِكَ فَيَأْتِي بِصِفَتِهَا وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُمَا تَالِي مَا فُعِلَ وَذَلِكَ صِفَةُ فِعْلِهِمَا وَفِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ يَأْتِي أَيْضًا بِرَكْعَةٍ بِالْحَمْدِ فَقَطْ لِأَنَّهَا صِفَةُ الثَّالِثَةِ وَهِيَ التَّالِي لِمَا فُعِلَ. وَقَوْلُهُ فَقَطْ مِثْلُ مَا قَدَّمْنَاهُ اسْمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 فِعْلٍ بِمَعْنَى انْتَهِ وَلَا تَزِدْ عَلَى مَا ذُكِرَ أَيْ فَلَا تُقَدِّرُ أَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ أَوَّلُ صَلَاةِ الْمُصَلِّي وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ الْبِنَاءِ فِي الْمَسْبُوقِ وَلِذَا قَالَ وَفِي بَابِ الْمَسْبُوقِ عَلَى أَنَّهَا أَوَّلُهَا وَمَعْنَاهُ أَنَّ حَدَّ الْبِنَاءِ فِي بَابِ الْمَسْبُوقِ فِعْلُ مَا فَاتَ بِصِفَةِ تَالِي مَا فُعِلَ بِشَرْطِ أَنَّ الرَّكْعَةَ الْمُدْرَكَةَ يُقَدَّرُ أَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاتِهِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْبِنَاءِ مُطْلَقًا إذَا أَدْرَكَ مَسْبُوقٌ رَكْعَةً رَابِعَةً خَلْفَ إمَامٍ فَقَامَ يَأْتِي بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَيَصْدُقُ فِي فِعْلِ الْمُصَلِّي أَنَّهُ فَعَلَ مَا فَاتَ إنْ كَانَ بَانِيًا بِشَرْطِ أَنْ يُقَدِّرَ أَنَّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ الْمُدْرَكَةَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ ثَانِيَةٍ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ ثُمَّ يَجْلِسُ لِأَنَّهَا ثَانِيَةٌ ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ نَسَقًا بِالْحَمْدِ فَاَلَّذِي فَعَلَ هُوَ الرَّابِعَةُ وَتَالِيهَا مَا بَعْدَهَا وَصِفَةُ الثَّانِيَةِ عَلَى أَنَّ الْمُدْرَكَةَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ وَيَجْلِسُ وَالْبَاقِي بِصِفَةِ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَصَارَ سَبْكُ كَلَامِهِ وَالْبِنَاءُ فِي بَابِ الْمَسْبُوقِ فِعْلُ مَا فَاتَ بِصِفَةِ تَالِي مَا فُعِلَ عَلَى أَنَّهَا أَوَّلُهَا وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّهَا أَوَّلُهَا حَالٌ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ وَصَاحِبُ الْحَالِ الضَّمِيرُ الْعَائِدُ عَلَى الْمَوْصُولِ فِي فُعِلَ أَيْ مُقَدَّرًا عَلَى أَنَّهَا أَوَّلُهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى أَنَّهُ وَبَعْضُهَا عَلَى أَنَّهَا فَأَمَّا نُسْخَةُ أَنَّهُ فَالضَّمِيرُ مُذَكَّرٌ يَعُودُ عَلَى مَا فُعِلَ وَعَلَى التَّأْنِيثُ رَاعَى مَعْنَى الرَّكْعَةِ الْمُدْرَكَةِ وَالضَّمِيرُ فِي أَوَّلِهَا يَعُودُ عَلَى الصَّلَاةِ لِلْعِلْمِ بِهَا فَهَذَا حَدُّ الْبِنَاءِ فِي الْمَسْبُوقِ وَحَدُّهُ فِي بَابِ الرُّعَافِ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُزَادُ فِيهِ هَذَا الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ. (فَإِنْ قُلْتَ) هَذِهِ الزِّيَادَةُ تَصْدُقُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْبِنَاءِ مُطْلَقًا فِي الْمَسْبُوقِ وَمَنْ يَقُولُ بِالْبِنَاءِ فِي الْأَفْعَالِ وَالْقَضَاءِ فِي الْأَقْوَالِ فَكَيْفَ يَصِحُّ صِدْقُ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ (قُلْتُ) الْأَوَّلِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ تَقْدِيرُهَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي كُلِّ قَوْلٍ غَايَتُهُ أَنَّ قَوْلًا يُطْلِقُهَا وَقَوْلًا يُقَيِّدُهَا فَصَحَّ أَنَّ التَّقْدِيرَ الْمُطْلَقَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَأَمَّا الْقَضَاءُ فِي الْمَسْبُوقِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَضَاءِ الْمُطْلَقِ فِي الْبَابَيْنِ فَلِذَلِكَ أَطْلَقَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِذَا أَدْرَكَ الرَّابِعَةَ مَثَلًا وَفَرَّعْنَا عَلَى الْقَضَاءِ فَالْمُدْرَكُ هُوَ آخِرُ الصَّلَاةِ فَيَقْضِي مَا فَاتَ بِصِفَةِ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ نَسَقًا بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ ثُمَّ يَجْلِسُ ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِالْحَمْدِ وَحْدَهَا وَهِيَ الثَّالِثَةُ فَصَدَقَ حَدُّهُ فِي الْبَابَيْنِ بِقَوْلِهِ فَعَلَ مَا فَاتَ بِصِفَتِهِ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيَعْنِي بِالْقَضَاءِ مَا يَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ عِوَضًا مِمَّا فَاتَهُ قَبْلَ دُخُولِهِ مَعَ الْإِمَامِ وَبِالْبِنَاءِ مَا فَاتَ الْمَأْمُومَ بَعْدَ دُخُولِهِ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْمَأْمُومُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ أَمَّا إنْ دَخَلَ مَعَهُ فَفِيهِ نَظَرٌ سَيَأْتِي فَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ رَسْمِ الشَّيْخِ وَكَلَامِ الْمَغْرِبِيِّ وَمَا أَحَالَ عَلَيْهِ سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْفَصْلِ وَرَأَيْت مُقَيَّدًا بِخَطِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 بَعْضِ تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الشَّيْخَ أَوْرَدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ حَدَّ الْقَضَاءِ يَصْدُقُ عَلَى صُوَرِ الْبِنَاءِ لِأَنَّ الْبَانِيَ إذَا أَتَى بِرَكْعَةٍ ثَانِيَةٍ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَإِنَّهُ يَأْتِي فِيهَا بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ لِأَنَّهَا ثَانِيَةٌ وَذَلِكَ صِفَتُهَا وَيَأْتِي بِجُلُوسٍ وَهُوَ مِنْ صِفَةِ مَا فَاتَ ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ نَسَقًا وَذَلِكَ مِنْ صِفَتِهَا فَيَصْدُقُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فِعْلُ مَا فَاتَ بِصِفَتِهِ هَذَا مَعْنَى مَا رَأَيْته وَنُسِبَ ذَلِكَ لِلشَّيْخِ الْفَلَّاحِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْجَوَابُ عَلَى مَا رَأَيْت أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ فِي حَدِّ الْبِنَاءِ مَا قَيَّدَهُ بِهِ مِنْ التَّقْدِيرِ اللَّازِمِ لَهُ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَضَاءِ وَأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَاتَ بِصِفَتِهِ مُطْلَقًا بَلْ فَعَلَ مَا فَاتَ بِصِفَةِ تَالِي مَا فَعَلَ عَلَى أَنَّهُ أَوَّلُ الصَّلَاةِ وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ فِي فَهْمِهِ وَصِحَّتِهِ وَمِمَّا أَوْرَدَ عَلَى حَدِّ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قِرَاءَتِهِ رَسْمَهُ أَنَّ قَبْلَ كَيْفَ يَصْدُقُ رَسْمُهُ فِي الْقَضَاءِ وَالْبِنَاءِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي ذَكَرَ فِيمَا إذَا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَالرَّابِعَةَ وَفَاتَتْهُ رَكْعَتَانِ وَقَدْ سَمَّاهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ قَضَاءً. فَإِنْ قِيلَ يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا حَدُّ الْقَضَاءِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ ابْنَ يُونُسَ نَقَلَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ وَلَا يَجْلِسُ ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِالْحَمْدِ فَقَطْ وَالْقَضَاءُ لَا يَصْدُقُ فِي الرَّكْعَةِ الْمَأْتِيِّ بِهَا بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ إلَّا إذَا جَلَسَ بَعْدَهَا وَإِنْ قِيلَ يَصْدُقُ فِيهِمَا حَدُّ الْبِنَاءِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ مِنْ صِفَةِ تَالِي مَا فُعِلَ الْجُلُوسَ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ لِلْأُولَى فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ التَّحْقِيقَ فِيهِمَا أَنَّهُمَا بِنَاءٌ وَهُوَ الَّذِي حَقَّقَ أَبُو عِمْرَانَ وَغَيْرُهُ وَإِطْلَاقُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَيْهِمَا قَضَاءً مَجَازٌ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَفْظِيٌّ اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ وَالْمَغْرِبِيَّ وَابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنَ هَارُونَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمَغْرِبِيُّ فِي رَسْمِ الْقَضَاءِ وَالْبِنَاءِ وَمَا أَوْرَدَ أَيْضًا بَعْضُ الطَّلَبَةِ عَلَى الْقَضَاءِ مَا إذَا أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ فَاتَتْهُ الرَّكْعَتَانِ وَفَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِ سَحْنُونَ بِتَقْدِيمِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ قَالَ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ ثُمَّ يَجْلِسُ وَكَيْفَ يَصِحُّ فِيهِ حَدُّ الْقَضَاءِ مَعَ أَنَّ الْجُلُوسَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ مِنْ صِفَةِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَوَقَعَ الْجَوَابُ بِأَنَّ سَحْنُونًا لَعَلَّهُ مَضَى عَلَى أَنَّ الْمَسْبُوقَ بَاقٍ فِي الْأَفْعَالِ قَاضٍ فِي الْأَقْوَالِ ثُمَّ نَظَرْنَا الْمَنْقُولَ عَنْهُ فِي الْقَضَاءِ فِي الْمَسْبُوقِ فَوَجَدْنَا النَّقْلَ عَنْهُ فِيمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ أَنَّهُ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ نَسَقًا بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ وَانْظُرْ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 [بَاب حَدّ الِاسْتِخْلَافِ فِي الصَّلَاةِ] ح د د) : بَابُ حَدِّ الِاسْتِخْلَافِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " تَقْدِيمُ إمَامٍ بَدَلَ آخَرَ لِإِتْمَامِ صَلَاةٍ " فَقَوْلُهُ " تَقْدِيمُ " جِنْسٌ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَاهِيَةِ الْمَحْدُودِ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَقَوْلُهُ " إمَامٍ " احْتَرَزَ بِهِ مِنْ تَقْدِيمِ غَيْرِ الْإِمَامِ وَقَوْلُهُ " بَدَلَ آخَرَ " يُرِيدُ عِوَضَ إمَامٍ آخَرَ فَحُذِفَ مَوْصُوفٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ مِنْ اللَّفْظِ قَوْلُهُ " لِإِتْمَامِ صَلَاةٍ " يَخْرُجُ بِهِ إذَا قُدِّمَ إمَامٌ عِوَضَ إمَامٍ بِمَسْجِدٍ وَبَدَلَ آخِرَ إمَّا مَفْعُولٌ أَوْ حَالٌ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَآخَرَ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ جَرٍّ أَصْلُهُ بَدَلًا مِنْ آخَرَ أَيْ مِنْ إمَامٍ آخَرَ لَكِنْ حَذَفَ ذَلِكَ اخْتِصَارًا وَالْإِضَافَةُ إلَى الْإِمَامِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَفْعُولِ أَيْ تَقْدِيمُ رَجُلٍ إمَامًا أَعَمُّ مِنْ تَقْدِيمِ الْإِمَامِ أَوْ مِنْ تَقْدِيمِ الْجَمَاعَةِ إذَا لَمْ يُقَدِّمْ الْإِمَامُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا قَدَّمَ الْإِمَامُ رَجُلًا مِنْ الْمَأْمُومِينَ ثُمَّ تَقَدَّمَ رَجُلٌ غَيْرُهُ وَلَمْ يُقَدِّمْهُ الْجَمَاعَةُ وَلَا الْإِمَامُ وَصَلَّى بِهِمْ قِيلَ إنَّ الْمَنْصُوصَ صِحَّةُ الصَّلَاةِ بِهِمْ وَلَمْ يَقَعْ تَقْدِيمٌ لَهُ مِنْ أَحَدٍ وَهُوَ اسْتِخْلَافٌ وَإِنَّمَا وَقَعَ لَهُ التَّقَدُّمُ لَا التَّقْدِيمُ (قُلْنَا) يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا صَلَّتْ الْجَمَاعَةُ خَلْفَهُ فَذَلِكَ تَقْدِيمٌ لَهُ الْتِزَامًا (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَرَّرْتَ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْمَفْعُولِ وَهَلْ تَصِحُّ الْإِضَافَةُ إلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولُ مُقَدَّرٌ أَيْ تَقْدِيمُ إمَامٍ رَجُلًا مَنْ صِفَتُهُ أَنَّهُ بَدَلُ إمَامٍ آخَرَ (قُلْتُ) قَوْلُهُ بَدَلَ إمَامٍ آخَرَ يُبْعِدُهُ وَيُفْسِدُهُ إذَا تَأَمَّلْته وَعَلَى تَسْلِيمِهِ يَكُونُ الْحَدُّ غَيْرَ جَامِعٍ لِخُرُوجِ صُورَةِ تَقْدِيمِ الْجَمَاعَةِ (فَإِنْ) قُلْتَ حَدُّ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْتَضِي أَنَّهُ خَاصٌّ بِالِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِإِتْمَامِ صَلَاةٍ وَالْإِتْمَامُ يَقْتَضِي أَنَّ الصَّلَاةَ اُبْتُدِئَتْ وَالثَّانِي أَتَمَّهَا وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْحَدُّ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ بِمَا إذَا اسْتَخْلَفَ عَلَى الصَّلَاةِ ابْتِدَاءً قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا فَإِنَّهُ يُسَمَّى اسْتِخْلَافًا وَقَدْ وَقَعَ لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْجُمُعَةِ إذَا خَطَبَ إمَامٌ ثُمَّ قَدَّمَ وَالٍ آخَرَ وَأَذِنَ فِي الصَّلَاةِ لِلْأَوَّلِ وَصَلَّى أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَوَجَّهَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَهُمَا مَا بِأَنَّهُ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الصَّلَاةِ فَهَذَا اسْتِخْلَافٌ لَيْسَ فِيهِ إتْمَامُ صَلَاةٍ وَإِنَّمَا فِيهِ ابْتِدَاءُ صَلَاةٍ (قُلْنَا) كَأَنْ يَظْهَرَ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنًى أَعُمَّ وَعَلَى مَعْنًى أَخَصَّ فَالِاسْتِخْلَافُ الْمَحْدُودُ بِالْمَعْنَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 الْأَخَصِّ وَقَدْ غَلَبَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ذَلِكَ فِيهِ وَالْآخَرُ اُسْتُعْمِلَ وَلَمْ يَغْلِبْ وَجَرَتْ عَادَةُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُحَدُّ مِثْلُ ذَلِكَ بِالْمَعْنَيَيْنِ وَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ فِي الْجَوَابِ وَلَا يُقَالُ إنَّ حَدَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ بِمَا إذَا قَدَّمَ إمَامٌ آخَرَ بَعْدَ فَوَاتِ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ مُمْتَنِعٌ اسْتِخْلَافُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمُسْتَخْلِفِ جُزْءٌ يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّا نَقُولُ نَمْنَعُ عَدَمَ صَادِقِيَّةِ الِاسْتِخْلَافِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ فِيهَا اسْتِخْلَافٌ وَالْحَدُّ يَعُمُّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ لِأَنَّ شَرْطَ الِاسْتِخْلَافِ قَدْ فُقِدَ (فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ) الِاسْتِخْلَافُ يَسْتَلْزِمُ مُسْتَخْلِفًا فِيهِ وَمُسْتَخْلَفًا عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَأْمُومُ الَّذِي كَانَ يَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي اللَّفْظِ مُطَابَقَةً لَكِنَّهُ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ الْتِزَامًا وَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَقَدْ وُجِدَتْ صُورَةٌ فِيهَا الِاسْتِخْلَافُ وَلَمْ يُوجَدْ الْمُسْتَخْلَفُ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا ابْنُ الْمَوَّازِ اسْتِخْلَافًا فَيَكُونُ الرَّسْمُ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ بِاعْتِبَارِ لَازِمِ الْمَحْدُودِ وَالصُّورَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا الْوَاقِعَةُ فِي رَجُلٍ أَدْرَكَ ثَانِيَةَ الصُّبْحِ فَاسْتَخْلَفَهُ عَلَيْهَا مَنْ أَمَّهُ وَكَانَ وَحْدَهُ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُصَلِّي الثَّانِيَةَ وَيَجْلِسُ ثُمَّ يَقْضِي الرَّكْعَةَ الْأُولَى. (فَالْجَوَابُ) أَنْ نَقُولَ هَذِهِ الصُّورَةُ الْمَذْكُورَةُ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ الِاسْتِخْلَافِ فِيهَا فَقِيلَ إنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِخْلَافُ فِيهَا وَيَبْنِي عَلَى حُكْمِ إمَامِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ الْمَذْكُورُ وَقِيلَ إنَّهُ يَبْنِي حُكْمَ نَفْسِهِ وَلَا عَمَلَ عَلَى اسْتِخْلَافِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَضُعِّفَ بِأَنَّهُ إذَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ فَلَا يَصِحُّ انْتِقَالُهُ إلَى الْفِدْيَةِ وَضُعِّفَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَقَالَ أَصْبَغُ يَبْتَدِي صَلَاتَهُ وَوُجِّهَ بِأَنَّ قَبُولَهُ الِاسْتِخْلَافَ يُصَيِّرُهُ مُسْتَخْلِفًا وَلَازِمُ ذَلِكَ مُسْتَخْلِفٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَإِذَا بَطَلَ اللَّازِمُ بَطَلَ مَلْزُومُهُ وَإِذَا تَقَرَّرَ هُنَا فَلَنَا أَنَّا نَلْتَزِمُ أَنَّ هَذَا اسْتِخْلَافٌ لَكِنَّهُ فَاسِدٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا الْإِيرَادَ لَيْسَ هُوَ عَلَى عَكْسِ الْحَدِّ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَدْلُولِ الِاسْتِخْلَافِ الْمَحْدُودِ مَا مَعْنَاهُ فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. [بَابُ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ الشَّرْعِيِّ] (ق ص ر) : بَابُ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ الشَّرْعِيِّ لَمْ يَحُدَّهُ الشَّيْخُ إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنْ نَقُولَ " نَقْصُ مُسَافِرٍ نِصْفَ الرُّبَاعِيَّةِ " فَتَأَمَّلْ لِأَيِّ شَيْءٍ عَدَلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ هَذَا وَلَمْ يُعَرِّفْ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِمَقَاصِدِهِ السَّنِيَّةِ وَعُلُومِهِ السُّنِّيَّةِ وَتَأَمَّلْ كَلَامَ الشَّيْخِ فِي بَحْثِهِ مَعَ ابْنِ هَارُونَ فِي الْحَجِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 حَيْثُ قَالَ لَوْ اسْتَغْنَى ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ رَسْمِ النُّسُكِ بِرَسْمِ الْهَدْيِ لَصَحَّ لِأَنَّ تَعْرِيفَ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ الْمُنْحَصِرِ جِنْسُهُمَا فِيهِمَا تَعْرِيفٌ لِلْآخَرِ كَتَعْرِيفِ الزَّوْجِ بِأَنَّهُ الْمُنْقَسِمُ بِمُتَسَاوِيَيْنِ فَرَدَّهُ الشَّيْخُ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَقَائِقِ الْعَقْلِيَّةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ ثُمَّ تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي أَحَدِ النَّوْعَيْنِ أَنْ يَكُونَ خَاصِّيَّةٌ أَخَصَّ مِنْ الْمُسَاوِي لِنَقِيضِ الْآخَرِ كَمَا يُقَالُ الصَّلَاةُ الرُّبَاعِيَّةُ انْحَصَرَتْ فِي تَمَامٍ وَقَصْرٍ وَخَاصِّيَّةُ التَّمَامِ عَدَمُ نَقْصِهَا عَنْ أَرْبَعٍ وَخَاصِّيَّةُ الْقَصْرِ أَخَصُّ مِنْ نَقْصِهَا لِأَنَّهُ نَقْصُ شَطْرِهَا فَانْظُرْهُ مَعَ مَا ذُكِرَ هُنَا. [بَابُ حَدّ سَبَبِ الْقَصْر فِي الصَّلَاة] (ح د د) : بَابُ حَدِّ سَبَبِ الْقَصْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ سَفَرُ مَعْزُومٍ عَلَى طُولٍ جَزْمًا " فَقَوْلُهُ " سَفَرُ مَعْزُومٍ إلَخْ " أَيْ سَبَبُ الْقَصْرِ الْمُبِيحِ لَهُ السَّفَرُ الْمَعْزُومُ " عَلَى طُولِهِ " احْتَرَزَ بِهِ مِنْ غَيْرِ الْجَازِمِ كَمَا إذَا خَرَجَ لِطَلَبِ آبِقٍ لَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ فَهُوَ سَفَرُ مَعْزُومٍ عَلَى طُولِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِجَازِمٍ لِأَنَّهُ إذَا وَجَدَهُ رَجَعَ فَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى طُولِهِ جَازِمًا بِطُولِهِ وَ " جَزْمًا " حَالٌ مِنْ طُولِهِ أَيْ طُولًا مَجْزُومًا بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْمُرَادُ بِطُولِهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَإِذَا عَزَمَ عَلَى الْمَسَافَةِ كَانَ جَازِمًا بِهَا فَمَا فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْجَزْمِ (قُلْتُ) لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لِأَنَّ قَصْدَ الطُّولِ لَا يَسْتَدْعِي الْجَزْمَ بِالطُّولِ (فَإِنْ قُلْت) إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْعَزْمَ بِمَعْنَى الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْعَزْمَ أَخَصُّ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ (قُلْنَا) وَلَوْ قُلْنَا بِذَلِكَ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْعَزْمِ طُولٌ مُطْلَقًا وَالطُّولُ الْمَجْزُومُ بِهِ أَخَصُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا قِيلَ بِأَنَّ الْعَزْمَ بِمَعْنَى الْإِرَادَةِ وَأَنَّ الْإِرَادَةَ أَخَصُّ وَلَمْ يَقُلْ بِالْعَكْسِ عَلَى مَا وَقَعَ هُنَا لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَانْظُرْهُ مَعَ مَا وَقَعَ لَهُ فِي حَدِّ الِاعْتِكَافِ فِي قَوْلِهِ مَعْزُومٍ عَلَى طُولِهِ مَعَ مَا هُنَا وَانْظُرْ كَلَامَ الْقَرَافِيُّ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ قَصَرَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَبَبَ الْقَصْرِ فِيمَا ذَكَرَهُ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحَاجَّ مِنْ مَكَّةَ يَقْصُرُ وَالسَّبَبُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ (قُلْنَا) لَعَلَّ الشَّيْخَ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ الْأَصْلَ عَدَمُهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَكَأَنَّهُ خَرَجَ بِالسَّنَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الطُّولَ فِي التَّعْرِيفِ وَعَرَّفَ بِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ (قُلْتُ) قَدْ عَرَّفَهُ بَعْدُ بِقَرِيبٍ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ صَحَّ إطْلَاقُ السَّفَرِ وَلَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 يُقَيِّدْهُ بِغَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَإِنَّ مَا نَهَى عَنْهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْقَصْرِ (قُلْنَا) قَدْ زَادَ ذَلِكَ فِي بَيَانِ الطُّولِ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَتَأَمَّلْ لَطَافَةَ رَدِّهِ لِتَعْرِيفِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَا أَلْزَمَهُ عَلَيْهِ أَمْرٌ لَازِمٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ الْقَصْرُ لِلصَّلَاةِ حَتَّى يَبْلُغَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا أَوْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ قَبْلَ حُصُولِ السَّبَبِ وَهُوَ بُلُوغُهُ لِلْمَسَافَةِ فَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ سَمْعًا وَالثَّانِي بَاطِلٌ عَقْلًا وَفِي كَلَامِهِ اخْتِصَارٌ عَجِيبٌ وَلَفٌّ وَنَشْرٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَرَدُّهُ لِمَنْ أَجَابَ عَنْ الْإِيرَادِ بِأَنَّ السَّفَرَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ حَذَفَ قَبْلَهُ لَفْظَةَ الشُّرُوعِ وَالتَّقْدِيرُ شُرُوعٌ فِي سَفَرٍ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ صَائِبٌ وَضَرْبٌ لَازِبٌ لِأَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ عَطَفَ الشُّرُوعَ عَلَى السَّفَرِ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشُّرُوعَ وَرَدَّهُ الثَّانِي صَائِبٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ إرَادَةُ سَفَرٍ إلَخْ فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ قَالَ إرَادَةُ سَفَرٍ مُرَادٍ وَبَيَانُهُ بِمَا قَرَّرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ. [بَاب رَسْمِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] (ر س م) : بَابُ رَسْمِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " رَكْعَتَانِ تَمْنَعَانِ وُجُوبَ ظُهْرٍ عَلَى رَأْيٍ أَوْ تُسْقِطُهَا عَلَى آخَرَ " هَذَا الْحَدُّ لَا بُدَّ أَنْ نُقَدِّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَتَوَقَّفُ فَهْمُهُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِ سَعْيِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ هَلْ يُعِيدُ ظُهْرًا أَرْبَعًا أَبَدًا أَمْ لَا فَالْمَشْهُورُ الْإِعَادَةُ وَالشَّاذُّ عَدَمُهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ وَابْنِ وَهْبٍ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ مُخَرَّجٌ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ تَعَلَّقَ بِالْجُمُعَةِ فَعَلَى هَذَا يَقْضِي أَرْبَعًا لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ الشَّاذُّ مُخَرَّجٌ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ تَعَلَّقَ بِالظُّهْرِ وَيُسْقِطُ وُجُوبُ الظُّهْرِ الْجُمُعَةَ فَلَا يَقْضِي لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ. (فَإِنْ قُلْتَ) يَقَعُ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ هَلْ الْجُمُعَةُ بَدَلٌ مِنْ الظُّهْرِ أَمْ لَا وَهَلْ هِيَ فَرْضُ يَوْمِهَا أَمْ لَا وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلَ مَشْهُورَةً وَفُرُوعًا مَسْطُورَةً فَهَلْ هُوَ هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمَازِرِيُّ أَمْ لَا (قُلْنَا) يَظْهَرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ فَمَنْ قَالَ بِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ الظُّهْرِ فَهُوَ الْجَارِي عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمَازِرِيِّ وَقَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ مِنْ الْوُضُوءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وَالْوُجُوبُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْوُضُوءِ وَمَنْ قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ بَدَلًا فَهُوَ الْأَوَّلُ وَمَنْ قَالَ بِأَنَّهَا فَرْضُ يَوْمِهَا فَهُوَ الْأَوَّلُ أَيْضًا وَمَنْ قَالَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضَ يَوْمِهَا فَهُوَ الْقَائِلُ بِالْبَدَلِيَّةِ وَفِيهِ بَحْثٌ فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ فِي رَسْمِهَا " رَكْعَتَانِ " وَهُوَ جِنْسٌ يَشْمَلُ الصُّبْحَ وَصَلَاةَ الْقَصْرِ وَغَيْرَهُمَا وَ " تَمْنَعَانِ وُجُوبَ ظُهْرٍ " مُخَرَّجٌ لِمَا ذُكِرَ لِعَدَمِ مَنْعِهِمَا ذَلِكَ وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ الْمَشْهُورِ الَّذِي وَجَّهَ بِهِ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِذَلِكَ قَالَ " عَلَى رَأْيٍ " وَقَوْلُهُ " أَوْ تُسْقِطُهَا عَلَى آخَرَ " أَشَارَ إلَى الْقَوْلِ الشَّاذِّ وَأَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ الظُّهْرُ فِي الْأَصْلِ وَالْجُمُعَةُ بَدَلٌ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ الشَّيْخُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي مَوْضُوعِهَا تُرَدَّدُ لِمَا وُضِعَتْ فِيهِ بَيْنَ الْمَشَايِخِ كَمَا وَقَعَ لَهُ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ. (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْ تُسْقِطَانِهِ وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى الظُّهْرِ (قُلْتُ) إنَّمَا أَنَّثَهُ مُرَاعَاةً لِلصَّلَاةِ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا أَشَرْتُمْ إلَيْهِ مِنْ تَوْجِيهِ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الظُّهْرِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ رَدَّهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدُ بِمَا مَعْنَاهُ أَنَّ الظُّهْرَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِهِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّ الظُّهْرَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مَمْنُوعٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْمَمْنُوعِ بِوَاجِبٍ فَلَا شَيْءَ مِنْ الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِوَاجِبٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ صَحِيحٌ فَكَيْفَ يَرْسُمُ بِهِ مَا ذُكِرَ. (فَالْجَوَابُ) أَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْنَعُ ذَكَرَهُ فِي الرَّسْمِ عَلَى الرَّأْيِ الْآخَرِ وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى رَأْيٍ آخَرَ ذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا وَهَذَا صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ (فَإِنْ قُلْتَ) حَاصِلُ كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَدِّهِ أَنَّهُ يَقُولُ حَدُّ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا وَصْلٌ لَا بَدَلٌ رَكْعَتَانِ تُسْقِطَانِ وُجُوبَهَا عَلَى الرَّأْيِ الْآخَرِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَرُبَّمَا يُقَالُ بِرَدٍّ عَلَى الرَّأْيِ الْأَوَّلِ صَلَاةٌ ظُهْرِ الْمُسَافِرِ عَلَى رَأْيِ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ فِي الْقَصْرِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا رَكْعَتَانِ تُسْقِطَانِ وُجُوبَ ظُهْرٍ (قُلْتُ) لَا يَصِحُّ إيرَادُ ذَلِكَ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ وُجُوبَ ظُهْرٍ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يَمْنَعَانِ وُجُوبَ الظُّهْرِ الْحَضَرِيِّ وَهُمَا ظُهْرٌ لِمُسَافِرٍ. [بَابٌ فِي شُرُوطِ وُجُوبِ الْجُمُعَة] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " الذُّكُورِيَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ عَلَى طَرِيقِ الْإِقَامَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وَالْكَوْنُ بِمِصْرِهَا أَوْ قُرْبِهِ " وَالْقُرْبُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافُ قَوْلِهَا وَزِيَادَةٌ يَسِيرَةٌ وَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ. [بَابٌ فِي شُرُوطِ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " إمَامٌ وَالْقَرْيَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْبِنَاءِ وَالْمَسْجِدُ وَخُطْبَةٌ " وَهُوَ ظَاهِرٌ وَتَأَمَّلْ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ رَسْمِ الْوُجُوبِ وَضَابِطُ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شُرُوطِ الْأَدَاءِ وَانْظُرْ الصَّوْمَ فَإِنَّ فِيهِ مَا يُنَاسِبُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْجَنَائِزِ] (ر وح) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا. كِتَابُ الْجَنَائِزِ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ رَسْمَ الرُّوحِ بِقَوْلِهِ " ذُو جَسَدٍ وَيَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ وَعَيْنَيْنِ وَرَأْسٍ " وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَنْ قُطِعَ رَأْسُهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ قَطْعُ رَأْسِ الرُّوحِ فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَعُودُ عَلَى الشَّخْصِ الْمَقْطُوعِ مِنْهُ بِسُرْعَةٍ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّقَبَةِ وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَذْكُورٌ فِيهَا الْجِنَازَةُ وَغُسْلُ الْمَيِّتِ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ وَهِيَ حَقَائِقُ وَذُكِرَ فِيهَا الرُّوحُ أَمَّا الْجِنَازَةُ فَهِيَ لَقَبٌ عَنْ الْمَيِّتِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا عَلَى مَا عُلِمَ فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ وَالْغُسْلُ الشَّرْعِيُّ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي غُسْلِ الْحَيِّ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ يُؤْخَذُ تَعْرِيفُهَا مِنْ الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ كَقَوْلِهِ ذَاتَ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ وَهَذِهِ ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ وَصَاحِبَةُ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ مِنْهَا مَا يَكُونُ فِيهِ غَيْرُهُمَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ مِنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مَعَهُمَا دُعَاءٌ فَقَطْ (فَإِنْ قُلْتَ) صَلَاةُ الْجِنَازَةِ قَدْ قِيلَ إنَّهَا لَا إحْرَامَ فِيهَا وَإِنَّمَا تَكْبِيرَاتُهَا كَالرَّكَعَاتِ وَلِذَا إذَا سَبَقَ الْإِمَامُ الْمَأْمُومَ بِتَكْبِيرَةٍ أَوْ تَكْبِيرَتَيْنِ فَلَا يُكَبِّرُ حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ لَوْ كَبَّرَ قَبْلَهُ لَكَانَ قَضَاءً فِي صُلْبِهِ فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ فِيهَا تَسْلِيمًا فَقَطْ لَا إحْرَامَ وَتَسْلِيمٌ فَلَا يَصِحُّ دُخُولُهَا تَحْتَ الرَّسْمِ (قُلْتُ) هَذَا لَا يَصِحُّ إيرَادُهُ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ غَيْرُ الْإِحْرَامِ وَالتَّكْبِيرَةُ لَا يَلْزَمُ إذَا كَانَتْ كَالرَّكْعَةِ أَنَّهُ لَا إحْرَامَ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَهُ ابْتِدَاءُ الصَّلَاةِ بِنِيَّةٍ وَالْمَسْأَلَةُ وَقَعَتْ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا إنَّ الْمَسْبُوقَ بِالتَّكْبِيرِ لَا يُكَبِّرُ حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَدْخُلُ بِالنِّيَّةِ وَقِيلَ إنَّهُ يُكَبِّرُ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ فَتَقْيِيدُ الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ بِأَنَّ الْإِحْرَامَ مَوْجُودٌ وَالتَّكْبِيرَةُ صَارَتْ كَالرَّكْعَةِ وَهَذَا فِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى وَالْقَوْلُ الثَّانِي صَيَّرَهَا تَكْبِيرَةَ إحْرَامٍ كَتَكْبِيرَةِ الصَّلَاةِ فَلِذَا قَالَ يُكَبِّرُهَا فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ فِيهَا فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ السُّؤَالَ لَا يَرِدُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَالْإِحْرَامَ مَوْجُودَانِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ فَتَأَمَّلْهُ. [كِتَابُ الزَّكَاةِ] (ز ك و) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا. كِتَابُ الزَّكَاةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الزَّكَاةُ اسْمًا جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ شُرِطَ وُجُوبُهُ لِمُسْتَحِقِّهِ بُلُوغُ الْمَالِ نِصَابًا وَمَصْدَرًا إخْرَاجُ جُزْءٍ " إلَخْ قَوْلُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الزَّكَاةُ اسْمًا " انْتَصَبَ اسْمًا عَلَى مَا قِيلَ فِي قَوْلِنَا الدَّلِيلُ لُغَةً قِيلَ عَلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ مَرْدُودٌ وَقِيلَ عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ وَإِنَّمَا قُلْنَا النَّصْبُ عَلَى التَّمْيِيزِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَصِحُّ نَصْبُ التَّمْيِيزِ بَعْدَهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْإِبْهَامِ الذَّاتِيِّ وَالْعَرَضِيِّ اُنْظُرْ مَا فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ " جُزْءٌ " هَذَا يُنَاسِبُ الِاسْمِيَّةَ لِأَنَّهُ مِنْ مَقُولَتِهَا وَ " جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ " يَشْمَلُ الْخُمُسَ فِي الرِّكَازِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ " شَرْطُ وُجُوبِهِ إلَخْ " يُخْرِجُ الْخُمُسَ وَمَا شَابَهَهُ وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِّ الثَّانِي " إخْرَاجٌ " مُنَاسِبٌ لِلْمَصْدَرِيَّةِ وَهَذَا الْمَعْنَى وَقَعَ لِابْنِ عُصْفُورٍ فِي الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ فِي حُدُودِ الْحَقَائِقِ النَّحْوِيَّةِ وَذَلِكَ جَارٍ عَلَى قَوَاعِدِ الْحِكْمَةِ مِنْ الْمَعْقُولَاتِ. (فَإِنْ قُلْتَ) مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ النِّصَابَ سَبَبٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَالسَّبَبُ مَا لَزِمَ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ مُسَبِّبِهِ لِذَاتِهِ وَلَا يُقَالُ فِيهِ شَرْطٌ لِأَنَّ حَدَّ الشَّرْطِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ فَمَا بَالُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ " شَرْطُ وُجُوبِهِ " وَلَمْ يَقُلْ سَبَبُ وُجُوبِهِ (قُلْتُ) كَانَ يَظْهَرُ أَنَّ الشَّيْخَ تَسَامَحَ فِي لَفْظِهِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ رَاعَى الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ وَأَوْرَدَ عَلَى الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ قِيلَ لَهُ الْحَدُّ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ صُورَةٍ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ إذَا قَالَ شَخْصٌ إنْ بَلَغَ مَالِي عِشْرِينَ دِينَارًا ذَهَبًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ ذَهَبًا فَيَصْدُقُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْخُمُسَ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ وَ " شَرْطُ وُجُوبِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ بُلُوغُ الْمَالِ نِصَابًا " وَرَأَيْت فِي الْجَوَابِ عَنْ الشَّيْخِ إنَّ ذَلِكَ لَا يَرِدُ لِأَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ شَرْعِيَّةٌ فَهَذَا سَبَبٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 فَلَمَّا رَأَيْت هَذَا قَوِيَ السُّؤَالُ الْأَوَّلُ وَإِنَّ الشَّرْطَ هُنَا مَقْصُودٌ مِنْهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُوَفِّقُنَا وَيُفَهِّمُنَا عَنْهُ بِبَرَكَتِهِ وَحُسْنِ نِيَّتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ سُبْحَانَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) النِّصَابُ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِلْمُخَاطَبِ (قُلْتُ) لَمَّا ذَكَرَ مِقْدَارَهُ بَعْدُ تَسَامَحَ فِي ذِكْرِهِ الْحَدَّ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لَا يُقَالُ أَنَّهُ يَرِدُ عَلَى حَدِّهِ إنَّ الدَّيْنَ إذَا قُبِضَ مِنْهُ دُونَ النِّصَابِ بَعْدَ قَبْضِ النِّصَابِ يَصْدُقُ فِي زَكَاةِ غَيْرِ النِّصَابِ أَنَّهَا زَكَاةٌ وَلَمْ يَبْلُغْ مَا لَهَا نِصَابًا لِأَنَّا نَقُولُ الْمُزَكَّى مُضَافٌ لِلْمَقْبُوضِ تَقْدِيرًا وَفِيهِ نَظَرٌ وَتَأَمُّلٌ لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْ الْمَصْرِفَ فِي الرَّسْمِ كَمَا صَنَعَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَيَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ. [بَابُ مَعْرِفَةِ نِصَابِ كُلِّ دِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ] ٍ مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ ضَابِطِهِ هُنَا نَذْكُرُهُ فِي آخِرِ تَأْلِيفِنَا مَعَ مَا فِيهِ طُولٌ مِنْ ضَوَابِطِهِ لِتَتِمَّ الْفَائِدَةُ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [بَابُ رَسْمِ الرِّبْحِ الْمُزَكَّى] (ر ب ح) : بَابُ رَسْمِ الرِّبْحِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " زَائِدُ ثَمَنِ مَبِيعٍ تَجْرٍ عَلَى ثَمَنِهِ الْأَوَّلِ إنَّمَا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " زَائِدٌ " وَلَمْ يَقُلْ زِيَادَةٌ لِأَنَّ الرِّبْحَ الْمُرَادُ مِنْهُ اصْطِلَاحًا هَذَا الْعَدَدُ الزَّائِدُ لَا الزِّيَادَةُ وَلَا يُسْتَعْمَلُ عَادَةً فِي الزِّيَادَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَلِذَا لَمْ يَقُلْ اسْمًا وَمَصْدَرًا كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ فَلَا يَرِدُ سُؤَالٌ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ " ثَمَنُ مَبِيعٍ " احْتَرَزَ بِهِ مِنْ زِيَادَةِ غَيْرِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ كَنُمُوِّ الْمَبِيعِ وَقَوْلُهُ " تَجْرٍ " احْتَرَزَ بِهِ مِمَّنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ بَاعَهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ وَكَانَتْ لِلْقُنْيَةِ وَقَوْلُهُ " عَلَى ثَمَنِهِ الْأَوَّلِ " احْتَرَزَ بِهِ مِنْ زِيَادَةِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ إذَا نَمَا لَهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَتَأَمَّلْ لِأَيِّ شَيْءٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثَمَنِ مَبِيعٍ تَجْرٍ " فَظَاهِرُهُ أَنَّ " زَائِدُ ثَمَنِ مَبِيعٍ " قُنْيَةٌ لَا يُسَمَّى رِبْحًا وَلَعَلَّهُ قَصَدَ الرِّبْحَ الْمُزَكَّى فِي حَدِّهِ فَتَأَمَّلْهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَصْدِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 [بَابُ رَسْمِ الْفَائِدَةِ الْمُزَكَّاة] فيد: بَابُ رَسْمِ الْفَائِدَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - " مَا مُلِكَ لَا عَنْ عِوَضٍ لِتَجْرٍ " مَعْنَاهُ مَالٌ " مُلِكَ لَا عَنْ عِوَضِ مِلْكٍ " إمَّا هِبَةٌ أَوْ صِلَةٌ أَوْ مِيرَاثٌ أَوْ غَلَّةٌ مِنْ مِلْكٍ فَمَا كَانَ عَنْ عِوَضِ مِلْكٍ لِلتِّجَارَةِ فَلَيْسَ بِغَلَّةٍ وَمَا انْتَفَى عَنْهُ ذَلِكَ فَهُوَ نَفْيٌ أَخَصُّ فَهُوَ أَعَمُّ أَمَّا " لَا عَنْ عِوَضٍ " أَصْلًا أَوْ " عَنْ عِوَضِ مِلْكٍ لَا لِتَجْرٍ " وَيَخْرُجُ عَنْهُ الرَّسْمُ لِأَنَّهُ قَالَ " عَنْ عِوَضِ مِلْكٍ لِتَجْرٍ " وَكَذَلِكَ سِلْعَةُ التِّجَارَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ مَا يَتَجَدَّدُ لَا عَنْ مَالٍ مُزَكًّى وَعُدُولُ الشَّيْخِ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ حَدُّ ابْنِ الْحَاجِبِ أَخْصَرَ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي عَدَدِ حُرُوفِهِ لَمْ يَظْهَرْ سِرُّهُ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ الْعِوَضَ وَالْمِلْكَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِمَا وَقُبِلَ فِي سِرِّ عُدُولِهِ عَنْهُ أَنَّ رَسْمَهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِأَنَّ مَا تَجَدَّدَ عَنْ ثَمَنٍ مُزَكًّى فِي الْخَرْصِ عَنْ أَصْلِ قُنْيَةٍ ثَمَنُهُ فَائِدَةٌ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا رَسْمُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَصْدُقُ عَلَيْهَا رَسْمُ الشَّيْخِ. [بَابُ الْغَلَّةِ الْمُزَكَّاة] (غ ل ل) : بَابُ الْغَلَّةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَا نَمَا عَنْ أَصْلٍ قَارَنَ مِلْكَهُ نُمُوُّهُ حَيَوَانٌ أَوْ نَبَاتٌ أَوْ أَرْضٌ " قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. مَا نَمَا " حَسَنٌ فِي الْجِنْسِيَّةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ عُرْفًا بِالْغَلَّةِ الْمَالُ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ النَّمَاءُ إلَخْ لِأَنَّ النَّمَاءَ مَصْدَرٌ وَقَوْلُهُ " عَنْ أَصْلٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْفَائِدَةَ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْمُ عَنْ أَصْلٍ وَقَوْلُهُ " قَارَنَ مِلْكَهُ نُمُوُّهُ " أَخْرَجَ بِهِ الرِّبْحَ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَارِنْ " نُمُوُّهُ " الْمِلْكَ بَلْ النُّمُوُّ بَعْدَ انْتِقَالِ الْمَالِكِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى حَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ النَّمَاءُ عَنْ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَضَةٍ بِهِ لَكِنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ جِهَةِ الْجِنْسِيَّةِ وَأَخْصَرُ لِقِلَّةِ حُرُوفِهِ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ زَادَ أَنَّ مَحَلَّ الْغَلَّةِ " حَيَوَانٌ أَوْ نَبَاتٌ أَوْ أَرْضٌ " فَذَلِكَ بَدَلٌ مِنْ أَصْلِ الْمُقَيَّدِ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا فَائِدَةُ زِيَادَةِ مَا ذُكِرَ (قُلْتُ) هُوَ بَيَانٌ لِلْأَصْلِ الَّذِي نَمَا عَنْهُ وَتُوضَعُ لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 [بَابُ دَيْنِ الْمُحْتَكِرِ الْمُزَكَّى] د ي ن) : بَابُ دَيْنِ الْمُحْتَكِرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ " مَالٌ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ صَادِقٌ عَلَى دَيْنِ الْمُحْتَكِرِ أَوْ ثَمَنِ مَا مُلِكَ لِتَجْرٍ " يَعْنِي إذَا بَاعَ سِلْعَةً لِلتِّجَارَةِ بِدَيْنٍ وَكَانَ الْبَائِعُ مُحْتَكِرًا فَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ دَيْنِ الْمُحْتَكِرِ وَالْمَقْصِدُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُزَكًّى بِشَرْطِهِ وَالرَّسْمُ أَخَذْته مِنْ لَازِمِ مَا ذَكَرَهُ. [بَابُ رَسْمِ عَرَضِ التَّجْرِ الْمُزَكَّى] (ت ج ر) : بَابُ رَسْمِ عَرَضِ التَّجْرِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَا مُلِكَ بِعِوَضٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِلرِّبْحِ أَوْ بِهِ لَهُ " قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مَا مُلِكَ " صَادِقٌ عَلَى الْعَرَضِ لِلتَّجْرِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَمْلُوكِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَقَوْلُهُ " بِعِوَضٍ " يَخْرُجُ بِهِ مَا مُلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْمَوْهُوبِ وَقَوْلُهُ " ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ " يَخْرُجُ بِهِ مَا مُلِكَ بِغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَرَضِ تَجْرٍ وَقَوْلُهُ " لِلرِّبْحِ " أُخْرِجَ بِهِ عَرَضُ الْقُنْيَةِ وَالْغَلَّةِ وَقَوْلُهُ " أَوْ بِهِ لَهُ " أَيْ وَكَذَلِكَ مَا مُلِكَ بِمَا مُلِكَ مِنْ عَرَضٍ بِعِوَضٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَهُ أَيْ لِلرِّبْحِ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ وَعَاوَضَ بِهِ عَرَضًا آخَرَ لِذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَرَضِ التِّجَارَةِ أَخْرَجَ بِهِ الْمَحْبُوسَ لَا لِارْتِفَاعِ السُّوقِ كَمَا إذَا حَبَسَهُ لِلْإِدَارَةِ وَذَكَرَهُ بِالشَّرْطِ لِصِحَّةِ تَفْرِيعِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ وَمَقْصِدُهُ بَعْدَ هَذَا التَّعْرِيفِ الْحُكْمُ عَلَى الْمُعَرَّفِ بِأَنَّ ثَمَنَهُ إذَا بِيعَ حُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْعَرَضِ إذَا كَانَ لِلْإِدَارَةِ فَإِنَّ حُكْمَهُ غَيْرُ هَذَا وَإِنَّمَا قَالَ الشَّيْخُ " ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ " وَلَمْ يَقُلْ عَيْنًا كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِأَنَّ الْعَيْنَ خَاصٌّ بِمَا ضُرِبَ مِنْهُمَا وَلِذَا عَبَّرَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إرَادَةً مِنْهُ لِجَمْعِ الرَّسْمِ وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ سِرُّ كَوْنِ الشَّيْخِ ذَكَرَ فِي الْمُبَادَلَةِ لَفْظَ الْعَيْنِ وَفِي الصَّرْفِ لَفْظَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 [بَابُ الِاحْتِكَارِ] ح ك ر) : بَابُ الِاحْتِكَارِ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ مَا مُلِكَ بِعِوَضٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ مَحْبُوسًا لِارْتِفَاعِ سُوقِ ثَمَنِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (فَإِنْ قُلْتَ) لِمَ لَمْ يُعَرِّفْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَرَضَ الْإِدَارَةِ (قُلْتُ) لَمَّا عَرَّفَ عَرَضَ التَّجْرَ بِمَا ذُكِرَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ عَرَضِ الْإِدَارَةِ وَعَرَّفَ عَرَضَ الِاحْتِكَارِ فَيُؤْخَذُ مِنْ لَفْظِهِ رَسْمُ عَرَضِ الْإِدَارَةِ فَيُقَالُ الْإِدَارَةُ " مَا مُلِكَ بِعِوَضٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِلرِّبْحِ أَوْ بِهِ لَهُ " غَيْرِ مَحْبُوسٍ لِارْتِفَاعِ سُوقِهِ وَتَأَمَّلْ هُنَا الْبَحْثَ الَّذِي لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ شَيْخِهِ ابْنِ هَارُونَ فِي رَسْمِ الْهَدْيِ وَالنُّسُكِ لِأَنَّ الشَّيْخَ هُنَا اسْتَغْنَى بِرَسْمِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ عَنْ رَسْمِ الْآخَرِ وَهُوَ سُؤَالُ ابْنِ هَارُونَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فَتَأَمَّلْهُ. [بَابٌ فِي عَرَضٍ الْغَلَّةِ] (ع ر ض) : بَابٌ فِي عَرَضٍ الْغَلَّةِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَا مُلِكَ بِذَلِكَ لِابْتِغَاءِ غَلَّتِهِ " مَعْنَاهُ أَنَّ مَا مُلِكَ بِعِوَضٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ بِعَرَضِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ " لِابْتِغَاءِ غَلَّتِهِ " فَهُوَ عَرَضُ الْغَلَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَعَرَضُ الْغَلَّةِ إذَا اُشْتُرِيَ لِتَجْرٍ وَقُنْيَةٍ فَقِيلَ يَغْلِبُ التَّجْرُ وَقِيلَ الْقُنْيَةُ وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَحْثٌ لِأَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي تَفْسِيرِ عَرَضِ التَّجْرِ وَعَرَضُ الْغَلَّةِ لَا يَنْحَصِرُ فِي ذَلِكَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِصِحَّةِ عَوْدِ الضَّمِيرِ الْمَذْكُورِ فِي رَسْمِ عَرَضِ التَّجْرِ عَلَى الْعَرَضِ وَيَصِحُّ الْمَعْنَى عَلَيْهِ وَيَصِحُّ رَسْمُ عَرَضِ الْغَلَّةِ بِمَا ذُكِرَ وَالْعَرَضُ إذَا قُصِدَ بِهِ شِرَاءُ عَرَضٍ لِتَجْرٍ فِيهِ خِلَافٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَوْرَدَ عَلَى الشَّيْخِ فِي قَوْلِهِ هُنَا وَفِي كَوْنِ مَا اُشْتُرِيَ لِتَجْرٍ أَوْ قُنْيَةٍ رِوَايَتَا أَشْهَبُ وَغَيْرِهِ إنْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَصْدِ اجْتِمَاعِهِمَا لَا مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا قَالَ الشَّيْخُ فِيمَا قُيِّدَ عَنْهُ وَقَصْدُ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ لَيْسَ بِمُحَالٍ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي بَابِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 [بَابُ عَرَضِ القنية الْمُزَكَّى] ق ن ي) : بَابُ عَرَضِ الْقُنْيَةِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَا مُلِكَ لَا لِأَحَدِهِمَا " مَعْنَاهُ مَا مُلِكَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. أَوْ بِعِوَضِهِمَا أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ غَلَّةً وَلَا رِبْحًا وَعَلَيْهِمَا يَعُودُ الضَّمِيرُ الْمَفْهُومُ مِمَّا تَقَدَّمَ. [بَابُ الْمُدِيرِ] (د ور) : بَابُ الْمُدِيرِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهَا " مَنْ لَا يَكَادُ أَنْ يَجْتَمِعَ مَالُهُ عَيْنًا " وَرُوِيَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مَنْ لَا يُحْصِي مَا يُخْرِجُهُ وَمَا يَدْخُلُهُ وَمَا يَقْتَضِيهِ وَحَدُّهُ ظَاهِرٌ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا يَقْصِدُ أَمْرًا وَيَخُصُّهُ بِهِ لِحِكْمَةٍ عِنْدَهُ لِقُوَّةِ فَهْمِهِ وَحُسْنِ تَصَرُّفِهِ فَمَا سِرُّ كَوْنِهِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى عَرَضِ التَّجْرِ ذَكَرَ حَدَّهُ بِمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَعْرِفَةُ الْمُحْتَكِرِ وَعَرَضُ التَّجْرِ هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِدَارَةِ وَالِاحْتِكَارِ وَلَمَّا أَتَى إلَى مَا يُقَابِلُ ذَلِكَ ذَكَرَ الْمُدِيرَ وَعَرَّفَهُ بِمَا ذُكِرَ وَالْجَارِي عَلَى أُسْلُوبِهِ الْأَوَّلِ أَنْ يُعَرِّفَ عَرَضَ الْإِدَارَةِ وَيُعَرِّفَ مِنْ لَازِمِهِ الْمُدِيرَ وَالْحَاصِلُ فِي السُّؤَالِ أَمَّا أَنْ يُعَرِّفَ عَرَضَ الْإِدَارَةِ وَيُعَرِّفَ عَرَضَ الِاحْتِكَارِ وَيُعَرِّفَ الْمُدِيرَ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا أَنْ يُعَرِّفَ الْمُحْتَكِرَ كَمَا عَرَّفَ الْمُدِيرَ وَيُعَرِّفَ عَرَضَ الِاحْتِكَارِ مِنْ ذَلِكَ وَالتَّخْصِيصُ بِمَا فَعَلَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سِرٍّ ثُمَّ يُقَالُ أَيْضًا مَا سِرُّ كَوْنِهِ عَرَّفَ الْمُدِيرَ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ يَأْتِ بِنَقِيضِ خَاصِّيَّةِ الِاحْتِكَارِ (قُلْتُ) يَحْتَاجُ لِتَأَمُّلٍ فِي الْجَوَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُدُودُ هَذِهِ الْحَقَائِقِ كُلِّهَا فَرَاجِعْهَا. [بَابُ الرِّكَازِ] (ر ك ز) : بَابُ الرِّكَازِ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ هُوَ دِفْنٌ جَاهِلِيٌّ وَهُوَ جَلِيٌّ (فَإِنْ قُلْتَ) الرِّكَازُ الْمُرَادُ مِنْهُ عُرْفًا الْمَالُ فَكَيْفَ صَحَّ جَعْلُ الْجِنْسِ مَصْدَرًا لَهُ (قُلْتُ) الدِّفْنِ هُنَا بِكَسْرِ الدَّالِ بِمَعْنَى الْمَدْفُونِ وَهُوَ الْعُرْفُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 [بَابُ الْخُلْطَةِ فِي الزَّكَاة] خلط: (بَابُ الْخُلْطَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " اجْتِمَاعُ نِصَابَيْ نَوْعٍ نَعَمِ مَالِكَيْنِ فَأَكْثَرَ فِيمَا يُوجِبُ تَزْكِيَتَهُمَا عَلَى مِلْكٍ وَاحِدٍ قَوْلُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ: " اجْتِمَاعُ " تَصْيِيرُهُ الْجِنْسَ لِلْخُلْطَةِ مَا ذُكِرَ صَحِيحٌ قَوْلُهُ " نِصَابَيْ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ نِصَابًا فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا فَلَا يَكُونُ خُلْطَةً شَرْعِيَّةً قَوْلُهُ " نَوْعُ نَعَمٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْخُلْطَةَ فِي غَيْرِ النَّعَمِ وَأَخْرَجَ بِهِ أَيْضًا الْخُلْطَةَ فِي نَوْعَيْنِ قَوْلُهُ " مَالِكَيْنِ فَأَكْثَرَ " ظَاهِرٌ وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ " فَأَكْثَرَ " قَوْلُهُ " فِيمَا يُوجِبُ " إلَخْ يَتَعَلَّقُ بِاجْتِمَاعٍ أَيْ الِاجْتِمَاعُ فِيمَا يُوجِبُ التَّزْكِيَةَ " عَلَى مِلْكٍ وَاحِدٍ " فَإِذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَالِاجْتِمَاعُ فِي هَذَيْنِ النِّصَابَيْنِ مِنْ نَوْعِ الْغَنَمِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُوجِبَةِ لِلْخُلْطَةِ مِنْ رَاعٍ وَمَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلتَّزْكِيَةِ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى مِلْكٍ وَاحِدٍ فَتَكُونُ شَاةً عَلَيْهِمَا وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ الِاجْتِمَاعَ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ خَاصِّيَّةَ الْخُلْطَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ عَرَّفَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَصْدِهِ لِذِكْرِهِ النِّصَابَ فِي مِلْكِ كُلٍّ مِنْ الْمَالِكَيْنِ فَلِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْ أَهْلِيَّةَ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا فَإِنَّهُمَا لَيْسَا بِخَلِيطَيْنِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا فَتَخْصِيصُهُ مَسْأَلَةً دُونَ غَيْرِهَا لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُهُ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تُطْلَقُ وَلَا تَصْدُقُ فِي غَيْرِ النِّصَابِ. [بَابُ الرِّقَابِ] رقب: بَابُ الرِّقَابِ " الرِّقَابُ شِرَاءُ رَقِيقٍ يُعْتَقُونَ وَوَلَاؤُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ " وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ " شِرَاءٌ " فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ عَنْ الزَّكَاةِ فَلَيْسَ مِنْ الرِّقَابِ وَقَدْ وَقَعَ مَا يُوهِمُ الْخِلَافَ فِيهِ. [بَابُ الْغَارِمِ] (غ ر م) : بَابُ الْغَارِمِ مَدِينٌ آدَمِيٌّ لَا فِي فَسَادٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 [بَابُ ابْنِ السَّبِيلِ] ب ن ي) : بَابُ ابْنِ السَّبِيلِ يُؤْخَذُ مِنْ حَدِّ الشَّيْخِ أَنَّهُ ذُو سَفَرِ طَاعَةٍ. [بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] (ز ك و) : بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الْفِطْرُ مَصْدَرًا إعْطَاءُ مُسْلِمٍ فَقِيرٍ لِقُوتِ يَوْمِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ غَالِبِ الْقُوتِ أَوْ جُزْؤُهُ الْمُسَمَّى لِلْجُزْءِ الْمَقْصُورِ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ " ثُمَّ قَالَ " وَاسْمًا صَاعٌ يُعْطَى مُسْلِمًا " إلَخْ فَأَمَّا الْحَدُّ الْمَصْدَرِيُّ فَيُنَاسِبُهُ الْإِعْطَاءُ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَسِرُّهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِرَارًا وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى ذِكْرِ الرَّسْمَيْنِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ الشَّرْعِيَّةَ تُطْلَقُ عَلَى أَمْرَيْنِ عَلَى الشَّيْءِ الْمُخْرَجِ وَعَلَى الْإِخْرَاجِ وَقَوْلُهُ " مُسْلِمٍ " أَصْله مَفْعُولٌ فَأُضِيفَ الْمَصْدَرُ اخْتِصَارًا لِيَخْرُجَ بِهِ مَنْ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ لِأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ وَلَا تُسَمَّى زَكَاةَ فِطْرٍ شَرْعًا وَقَوْلُهُ " فَقِيرٌ " اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ الْغَنِيِّ أَيْضًا قَوْلُهُ " لِقُوتٍ " يَظْهَرُ أَنَّهَا لَامُ عِلَّةٍ لِلْإِعْطَاءِ لِيَخْرُجَ بِهِ إذَا أُعْطِيَ لِغَيْرِ قُوتِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَإِنَّمَا هُوَ لِذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اغْنُوهُمْ عَنْ سُؤَالِ ذَلِكَ الْيَوْمِ» وَقَوْلُهُ " صَاعًا " هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِلْمَصْدَرِ أُخْرِجَ مَا أَعْطَى مَا لَيْسَ بِصَاعٍ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَلَيْسَ بِفِطْرٍ قَوْلُهُ " مِنْ غَالِبِ " صِفَةٌ لِلصَّاعِ اُحْتُرِزَ بِهِ إذَا أَخْرَجَهُ مِمَّا لَيْسَ بِغَالِبٍ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى زَكَاةً وَالْغَالِبُ يَأْتِي تَفْسِيرُهُ قَوْلُهُ " أَوْ جُزْؤُهُ " مَعْطُوفٌ عَلَى الصَّاعِ الْمَفْعُولِ وَهَذَا لِيَدْخُلَ بِهِ فِي الْحَدِّ صُورَةُ الشَّرِكَةِ فِي الْعَبْدِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَانَ عَبْدٌ لِرَجُلٍ فِيهِ نِصْفٌ وَلِآخَرَ ثُلُثٌ وَلِآخَرَ سُدُسٌ فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْحِصَصِ وَالشَّاذُّ عَلَى الرُّءُوسِ وَقِيلَ يَجِبُ صَاعٌ مُسْتَقِلٌّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ عَلَى الرُّءُوسِ فَيَكُونُ أَثْلَاثًا وَإِنْ كَانَ عَلَى الْحِصَصِ فَعَلَى قَدْرِ النِّسْبَةِ فَمَنْ لَهُ نِصْفٌ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي نِصْفِهِ نِصْفُ صَاعٍ وَمَنْ لَهُ ثُلُثٌ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ ثُلُثُ صَاعٍ وَمَنْ لَهُ سُدُسٌ فَالْوَاجِبُ فِي السُّدُسِ سُدُسُ صَاعٍ وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا الْقِسْمَةُ عَلَى الرُّءُوسِ فَالْوَاجِبُ ثُلُثُ صَاعٍ عَلَى قَدْرِ نِسْبَةِ الرُّءُوسِ. فَقَوْلُهُ " أَوْ جُزْؤُهُ الْمُسَمَّى " إلَخْ الضَّمِيرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 فِي جُزْؤُهُ يَعُودُ عَلَى الصَّاعِ وَجُزْؤُهُ مَفْعُولٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَفْعُولِ قَبْلَهُ وَالْمُسَمَّى صِفَةٌ لِجُزْئِهِ وَلِجُزْءٍ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى وَ " الْمَقْصُورُ " صِفَةٌ " لِلْجُزْءِ " جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ وَ " وُجُوبُهُ " فَاعِلٌ بِهَا وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ عَائِدٌ عَلَى جُزْئِهِ الْمَوْصُوفِ بِصِفَتِهِ وَضَمِيرُ " عَلَيْهِ " عَلَى الْجُزْءِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ إمَّا صَاعًا كَامِلًا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ وَإِمَّا جُزْءَ صَاعٍ سُمِّيَ بِجُزْءٍ قَدْ قَصَرَ وُجُوبَ الْجُزْءِ الْمُسَمَّى عَلَى ذَلِكَ الْجُزْءِ فَإِنْ كَانَ جُزْءُ الْمِلْكِ ثُلُثًا فَالْجُزْءُ الْمُسَمَّى ثُلُثٌ مِنْ صَاعٍ وَهُوَ الْوَاجِبُ قَصَرُهُ عَلَى الْجُزْءِ الثُّلُثِ وَإِنْ كَانَ نِصْفًا فَنِصْفٌ مِنْ صَاعٍ وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُسَمَّى أَوْ النَّقْصَ مِنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّاعِ هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ وَسَيَظْهَرُ لَك بَعْدُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي " عَلَيْهِ " يَعُودُ عَلَى الْمُعْطَى وَهُوَ بَعِيدٌ هَذَا حَدُّ الْمَصْدَرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَ " اسْمَا صَاعٌ " إلَخْ فَيُقَالُ فِيهِ صَاعٌ مِنْ غَالِبِ الْقُوتِ أَوْ جُزْؤُهُ الْمُسَمَّى لِلْجُزْءِ الْمَقْصُورِ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ يُعْطَى مُسْلِمًا فَقِيرًا لِقُوتِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَمَعْنَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرَّسْمِ الْمَصْدَرِيِّ وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ مَانِعٍ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى صُورَةِ إعْطَاءِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى هَذَا الْإِعْطَاءِ زَكَاةَ فِطْرٍ. قَالَ وَكَذَلِكَ إذَا أَعْطَى الْعَبْدُ مُسْلِمًا كَذَلِكَ. قَالَ وَأَجَابَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ فِي الْحَدِّ مَا يَخْرُجُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ " الْمَقْصُورُ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ " وَالْكَافِرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ هَذَا فَظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي عَلَيْهِ يَعُودُ عَلَى الْمُعْطَى الْمَفْهُومِ مِنْ الْكَلَامِ وَالسِّيَاقُ وَفِيهِ بَحْثٌ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ رَاعَى الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلَ بِالْحِصَصِ أَوْ الْقَوْلَ بِالرُّءُوسِ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ رَاعَى الْقَوْلَ بِالْحِصَصِ وَلِذَا قَالَ الْمَقْصُورُ وُجُوبُهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَيْ إنَّ الْجُزْءَ الْمُخْرَجَ سُمِّيَ لِلْجُزْءِ الَّذِي قُصِرَ وُجُوبُهُ عَلَى الْمُخْرَجِ إمَّا ثُلُثٌ أَوْ رُبْعٌ عَلَى حَسَبِ مَا اقْتَضَتْهُ التَّسْمِيَةُ وَالْقِسْمَةُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَصْرِفِ مُسْلِمٌ فَقِيرٌ لَمْ يُرَاعِ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ عَلَى قَوْلِ كَثِيرٍ وَلَمْ يُرَاعِ عَدَمَ قُوتِ الْيَوْمِ عَلَى قَوْلِ أَبِي مُصْعَبٍ (قُلْت) رَاعَى الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُرَاعَى فَقِيرُ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَبِذَلِكَ تَأَوَّلُوا كَلَامَ مَنْ أَطْلَقَ فِي مَصْرِفِ الزَّكَاةِ فَلِذَا قَالَ مُسْلِمٌ فَقِيرٌ. (فَإِنْ قُلْتَ) لَمْ يُقَيِّدْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّاعَ بِالْوُجُوبِ فَهَلْ يَرِدُ عَلَى حَدِّهِ إذَا أَخْرَجَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ صَاعًا إلَى آخِرِهِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَصْدُقُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 عَلَيْهِ زَكَاةُ فِطْرٍ شَرْعًا وَإِنَّمَا هِيَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ أَجْنَبِيٍّ (قُلْتُ) لَعَلَّ الْجَوَابَ يُؤْخَذُ مِنْ جَوَابِ الشَّيْخِ فِي صُورَةِ الْكَافِرِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ بَعْدَ رَسْمِهِ وَلَا يُنْتَقَضُ هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ يُورَدُ عَلَى رَسْمِهِ كَمَا نَذْكُرُهُ وَتَقْدِيرُ السُّؤَالِ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ صَاعًا ثَانِيًا بَعْدَ إخْرَاجِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهِ يُنْتَقَضُ بِهِ عَلَى الرَّسْمِ فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ لِدُخُولِ مَا لَيْسَ مِنْهُ فِيهِ لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ هِيَ الْأُولَى فَأَجَابَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَيْسَتْ بِزَكَاةٍ بَلْ هِيَ زَكَاةٌ وَقَدْ عَدَّدَهَا كَمَا يُعَدِّدُ الضَّحِيَّةَ وَالْجَامِعُ أَنْ يُقَالَ عِبَادَةٌ مُقَرَّرَةٌ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهَا لِمَعْنًى فِي زَمَنٍ خَاصٍّ فَيَصِحُّ تَعْدَادُهَا أَصْلُهُ الْأُضْحِيَّةُ قَوْلُهُ وَإِلَّا زِيدَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً أَعْنِي تَعْدَادَ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا مَنْصُوصَةٌ وَكَانَ يَمْضِي لَنَا أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ كَذَلِكَ فَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إذَا ضَحَّى عَنْ نَفْسِهِ وَعَدَّدَ ثَانِيًا كَذَلِكَ وَأَمَّا إذَا ضَحَّى عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ ضَحَّى عَنْ أَجْنَبِيٍّ فَلَا يُسَمَّى أُضْحِيَّةً شَرْعِيَّةً بِوَجْهٍ كَمَا إذَا أَخْرَجَ الزَّكَاةَ عَنْ أَجْنَبِيٍّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الصِّيَامِ] (ص وم) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الصِّيَامِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " رَسْمُهُ عِبَادَةٌ عَدَمِيَّةٌ وَقْتُهَا وَقْتُ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى الْغُرُوبِ " ثُمَّ قَالَ " وَقَدْ يُحَدُّ بِأَنَّهُ كَفٌّ بِنِيَّةٍ عَنْ إنْزَالٍ يَقَظَةً وَوَطْءٍ وَإِنْعَاظٍ وَمَذْيٍ وَوُصُولِ غِذَاءٍ غَيْرِ غَالِبِ غُبَارٍ أَوْ ذُبَابٍ أَوْ فِلْقَةٍ بَيْنَ الْأَسْنَانِ بِحَلْقٍ أَوْ جَوْفٍ زَمَنَ الْفَجْرِ حَتَّى الْغُرُوبِ دُونَ إغْمَاءٍ أَكْثَرَ نَهَارِهِ " هَذَا كَلَامُ هَذَا الشَّيْخِ الْإِمَامِ السُّنِّيِّ السُّنِّيِّ أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا بَرَكَتَهُ وَأَدَامَ عَلَيْنَا مِنَّتَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا سِرُّ كَوْنِ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَبَّرَ فِي الْأَوَّلِ بِالرَّسْمِ وَفِي الثَّانِي بِالْحَدِّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ التَّعْرِيفُ عِنْدَهُ بِالذَّاتِيَّاتِ وَتَارَةً يَكُونُ بِالْعَرَضِيَّاتِ وَقَدْ قَدَّمْتُمْ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ التَّعْرِيفَ بِالذَّاتِيِّ فِي الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّ أَجْزَاءَهُ الشَّرْعِيَّةَ غَيْرُ مَحْمُولَةٍ كَالرَّكْعَةِ وَالسَّجْدَةِ وَأَيْضًا كَيْفَ يَتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَرَضِيِّ وَالذَّاتِيِّ هُنَا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَخْبَارٍ عَنْ الشَّرْعِ (قُلْتُ) أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْأَجْزَاءَ الشَّرْعِيَّةَ يُمْكِنُ حَمْلُهَا بِوَاسِطَةِ ذُو كَمَا فَعَلَ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ الثَّانِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَاعَى أَنَّ الْمُعَرَّفَ إذَا كَانَ فِيهِ جِنْسٌ وَخَاصَّةٌ لَازِمَةٌ لِلْمَحْدُودِ مِمَّا عُلِمَ فِي الشَّرْعِ أَنَّهَا لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي تَقْوِيمِ الْمَاهِيَّةِ كَالْوَقْتِ فِي الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْعِبَادَةِ شَرْعًا لَازِمٌ لَهَا مِنْ خَاصَّتِهَا عُرْفًا يُطْلِقُ عَلَيْهِ رَسْمًا لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ دَاخِلٍ وَهُوَ الْعِبَادَةُ وَخَارِجٍ وَهِيَ الْخَاصَّةُ وَأَمَّا إذَا عُلِمَ مِنْ الشَّرْعِ مَجْمُوعُ أُمُورٍ فِي مَاهِيَّةٍ فَيَكُونُ حَدًّا فَلَمَّا ذَكَرَ الْكَفَّ وَقَيَّدَهُ بِالنِّيَّةِ وَذَكَرَ الْمَكْفُوفَ عَنْهُ فَكَأَنَّهُ رَكَّبَ مَاهِيَّةَ الصَّوْمِ بِمَا أَمَرَ الشَّارِعُ بِهِ فِي مَاهِيَّتِه الْمَطْلُوبَةِ وَصَيَّرَ وُقُوعَ ذَلِكَ فِي زَمَنٍ خَاصٍّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوَّلَ اعْتَبَرَ فِيهِ لُزُومَ الْوَقْتِ الْمَخْصُوصِ لِعَادَةٍ مُرَكَّبَةٍ وَالثَّانِي لَاحَظَ فِيهِ ذِكْرَ أَجْزَاءِ الْمَاهِيَّةِ الْمُجْتَمِعَةِ الْوَاقِعَةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ " عِبَادَةٌ عَدَمِيَّةٌ " احْتَرَزَ بِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ الْفِعْلِيَّةِ كَالصَّلَاةِ وَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ عِبَادَةٍ عَدَمِيَّةٍ كَعِبَادَةِ تَرْكِ الزِّنَى وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ " وَقْتُهَا " إلَخْ أَخْرَجَ بِهِ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ الْعَدَمِيَّةِ كَتَرْكِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَدَّمْتُمْ مِرَارًا أَنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُلَاحِظُ مَقُولَةَ الْمَحْدُودِ فِي جِنْسِ الْحَدِّ مَا أَمْكَنَ وَالصَّوْمُ هُنَا صَيَّرَهُ عَدَمِيًّا وَالصَّلَاةُ صَيَّرَهَا فِعْلِيَّةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ تَعَبَّدَنَا بِالصَّوْمِ وَتَعَبَّدَنَا بِالصَّلَاةِ وَأَمَرَنَا بِهِمَا لِقَوْلِهِ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] «وَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَالصِّيَامُ عِبَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ وَتَرْتِيبُ ذَلِكَ أَنَّ الصِّيَامَ مُتَعَبَّدٌ بِهِ أَيْ مَطْلُوبٌ مِنْ مُكَلَّفٍ وَكُلُّ مُتَعَبَّدٍ بِهِ فِعْلِيٌّ فَالصِّيَامُ فِعْلِيٌّ أَمَّا الصُّغْرَى فَبِظَوَاهِرِ الشَّرِيعَةِ وَأَمَّا الْكُبْرَى فَبِالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ فَعَلَ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا أَمَّا الْأَمْرُ فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَأَمَّا النَّهْيُ فَهُوَ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ وَإِذَا صَحَّتْ النَّتِيجَةُ مِنْ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ بَطَلَ قَوْلُنَا إنَّ الصِّيَامَ عِبَادَةٌ عَدَمِيَّةٌ لِإِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ أَوْ الْمُتَضَادَّيْنِ فَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ عِبَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ لَا عَدَمِيَّةٌ (قُلْتُ) كَانَ يَمْضِي لَنَا فِي الْجَوَابِ أَنَّ التَّسَامُحَ وَاقِعٌ فِي قَوْلِهِ عَدَمِيَّةٌ أَيْ أَنَّ وُجُودَهَا فِي الْخَارِجِ لَا صُورَةَ حِسِّيَّةَ لَهُ كَصُورَةِ عِبَادَةِ الصَّلَاةِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْبَةِ الْخَارِجِيَّةِ الْفِعْلِيَّةِ وَهَذَا أَقْرَبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 مَا يُجَابُ بِهِ عَنْهُ وَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَفَعَ بِهِ (فَإِنْ قِيلَ) أَيْضًا مَا سِرُّ كَوْنِهِ قَالَ فِي الصَّلَاةِ قُرْبَةٌ وَهُنَا عِبَادَةٌ مَعَ أَنَّ قُرْبَةً أَخْصَرُ لَفْظًا وَالْقُرْبَةُ وَالْعِبَادَةُ مُتَقَارِبَانِ مَعْنًى. فَظَهَرَ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْقُرْبَةَ وَرَدَتْ فِي الشَّرْعِ فِي الصَّلَاةِ وَمَا اُشْتُقَّ مِنْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] وَقَالَ «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» فَذَكَرَ فِي ذَلِكَ مَا وَرَدَ شَرْعًا وَفِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى (فَإِنْ قُلْتَ) أَوْرَدَ بَعْضُ تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ عَلَى شَيْخِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صُورَةً مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ مِنْ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَوْمٍ فَرَأَيْت فِي الْجَوَابِ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ بِنِيَّةٍ وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ بِوَجْهٍ وَلَا إيرَادُ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الْحَدَّ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُصَدَّرٌ بِقَوْلِهِ عِبَادَةٌ وَهَذِهِ الصُّورَةُ الْعَدَمِيَّةُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا عِبَادَةٌ بِوَجْهٍ وَأَيْضًا مَا قَدَّمْنَا مِنْ مَعْنَى الْحَدِّ يَرُدُّ هَذَا ثُمَّ قَوْلُهُ " بِنِيَّةٍ " إنَّمَا ذَكَرَ فِي الْحَدِّ الثَّانِي وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَوَّلِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ " وَقْتُهَا " إلَخْ مَعْنَاهُ خَاصِّيَّتُهَا الشَّرْعِيَّةُ وَالْوَقْتُ فِي صُورَةِ الْيَمِينِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا أَجَابَ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْ النِّيَّةَ فِي الرَّسْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ مَنْ أَتَى بِتِلْكَ الْعِبَادَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ قَوْلَهُ عِبَادَةٌ يَسْتَدْعِي نِيَّةً وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مَعْقُولَةَ الْمَعْنَى فَلَا نِيَّةَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُمْ قَسَّمُوهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الرَّسْمَ الْأَوَّلَ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا يَعُمُّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ فَإِنَّ الصَّوْمَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَاسِدٌ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ التَّحَرُّزَ مِنْ مَوَانِعِهِ وَالثَّانِي قَصَدَ بِهِ الْمَاهِيَّةَ الشَّرْعِيَّةَ الصَّحِيحَةَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَظْهَرُ بَعْدَ شَرْحِهِ. هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّسْمِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْحَدُّ الثَّانِي فَقَوْلُهُ " فَقَدْ يُحَدُّ " إلَخْ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَطْلَقَ الْحَدَّ عَلَى الرَّسْمِ فِي الثَّانِي وَهُوَ بَعِيدٌ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَصَدَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ وَقَوْلُهُ " كَفٌّ " الْكَفُّ هُوَ مَدْلُولُ الْأَمْرِ بِالصَّوْمِ هُنَا وَمَدْلُولُ النَّهْيِ مُطْلَقًا فَمَعْنَى قَوْلِهِ صُومُوا أَيْ كُفُّوا وَالْكَفُّ لُغَةً الْإِمْسَاكُ الْمُطْلَقُ وَقُصِرَ ذَلِكَ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَا خَصَّهُ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا كَانَ الْأَمْرُ بِالصَّوْمِ هُوَ الْكَفَّ الْمَذْكُورَ وَذَلِكَ مَعْنَى النَّهْيِ عَلَى الْمُخْتَارِ فَيَكُونُ الصَّوْمُ مَدْلُولُهُ مَدْلُولَ النَّهْيِ فَيَرْجِعُ الصِّيَامُ فِي الْمَعْنَى إلَى مَعْنَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ لَا تَأْكُلْ وَلَا تَشْرَبْ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ وَمَدْلُولُ النَّهْيِ كَفٌّ فَالصِّيَامُ قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَبِلَفْظِ النَّهْيِ وَقَدْ قَرَّرْتُمْ أَنَّهُ مِنْ الْمَأْمُورَاتِ وَهُوَ الْحَقُّ (قُلْنَا) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَضَى فِيمَا يَظْهَرُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَالنَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ وَهُوَ مُخْتَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَنَقْلٌ عَنْ الْقَاضِي فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ فَإِذَا قُلْنَا بِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يُقَالَ صُمْ هُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا لَا تَأْكُلْ إلَخْ فَصَحَّ أَنَّهُ مِنْ الْمَأْمُورَاتِ وَمِنْ الْمَنْهِيَّاتِ عَنْ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ وَقَوْلُهُ " كَفٌّ " هَذَا مِمَّا يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا فِي قَوْلِهِ " عَدَمِيَّةٌ " وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْعَدَمِيَّةَ الَّتِي لَا وُجُودَ لَهَا مُطْلَقًا بَلْ الَّتِي لَا صُورَةَ لَهَا خَارِجًا وَالْكَفُّ عَنْ الْمَذْكُورِ كَذَلِكَ قَوْلُهُ " بِنِيَّةٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْكَفَّ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ وَ " عَنْ إنْزَالٍ " يَتَعَلَّقُ بِالْكَفِّ وَ " يَقَظَةً " يَخْرُجُ بِهِ إنْزَالُ النَّوْمِ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ شَرْعًا فِي الصَّوْمِ " وَوَطْءٍ " مَعْطُوفٌ عَلَى إنْزَالٍ " وَإِنْعَاظٍ " كَذَلِكَ " وَمَذْيٍ " كَذَلِكَ هَذَا مَا يَمْنَعُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الصَّائِمِ أَوْ يَمْنَعَ سَبَبَهُ قَوْلُهُ " وَوُصُولِ غِذَاءٍ " هَذَا مَا يَمْنَعُ إدْخَالَهُ عَلَى الصَّائِمِ وَاحْتَرَزَ مِنْ الَّذِي لَيْسَ بِغِذَاءٍ وَلَيْسَ فِيهِ شُغْلُ الْمَعِدَةِ وَيُغَذِّيهَا قَوْلُهُ " غَيْرِ " صِفَةٌ لِلْغِذَاءِ وَ " غَالِبِ غُبَارٍ " أَخْرَجَ بِهِ مَا لَيْسَ بِغَالِبٍ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ تُرَخِّصُهُ لِضَرُورَتِهِ وَكَذَلِكَ " الذُّبَابِ " إذَا غَلَبَ فَرُخِّصَ فِيهِ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى غُبَارٍ قَوْلُهُ " أَوْ فِلْقَةٍ بَيْنَ الْأَسْنَانِ " الظَّاهِرُ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ غَالِبِ قَوْلُهُ " لِحَلْقٍ " يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ وُصُولِ كَأَنَّهُ قَالَ وُصُولٌ إلَى حَلْقٍ. قَوْلُهُ " أَوْ جَوْفٍ " مَعْطُوفٌ عَلَى الْحَلْقِ وَالْمُرَادُ بِالْجَوْفِ الْمَعِدَةُ إذَا وَصَلَ إلَيْهَا مِنْ مَنْفَذٍ وَاسِعٍ وَلِذَا زَادَ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَكَانَ الِاكْتِفَاءُ بِالْحَلْقِ ظَاهِرًا وَكَذَلِكَ مَائِعُ الْحُقْنَةِ يَلْزَمُ بِهِ الْقَضَاءُ عَلَى قَوْلِهَا. قَوْلُهُ " زَمَنَ الْفَجْرِ " مَعْمُولٌ لِلْكَفِّ بِنِيَّةٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ كَفٌّ بِنِيَّةٍ مِنْ زَمَنِ الْفَجْرِ حَتَّى الْغُرُوبِ. قَوْلُهُ " دُونَ إغْمَاءِ أَكْثَرِ نَهَارِهِ " زَادَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِيَكُونَ حَدُّهُ جَامِعًا لِصُوَرِ الْإِغْمَاءِ غَيْرَ مَا اسْتَثْنَى مِنْ الصُّورَةِ وَتَأَمَّلْ لَفْظَ دُونَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا ذَكَرَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي أَصْلِهَا وَكَيْفَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ بِهَا هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِّ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَحْضَرَ صُورَةً يَتَوَهَّمُ إيرَادَهَا عَلَى حَدِّهِ وَهِيَ مَنْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ غَدًا فَبَاتَ وَأَكَلَ نَاسِيًا فَيُقَالُ صَوْمُهُ صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ فَيَكُونُ الْحَدُّ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ كَفٌّ عَنْ وُصُولِ الْغِذَاءِ فَقَالَ الشَّيْخُ هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 لَا يُرَدُّ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ وَجَّهَهُ بِأَنَّهُ رَاعَى فِيهِ لَغْوَ الْأَكْلِ شَرْعًا وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا. قَالَ وَإِنْ لَمْ يُرَاعِ ذَلِكَ فَيُزَادُ فِي الْحَدِّ غَيْرُ مَنْسِيِّهِ فِي تَطَوُّعٍ وَيُزَادُ ذَلِكَ أَثَرَ جَوْفٍ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَظْهَرُ مِنْ قَصْدِ حَدِّهِ الثَّانِي إنَّهُ إنَّمَا حَدُّ الْمَاهِيَّةِ الصَّحِيحَةِ (قُلْتَ) بَلْ إنَّمَا حَدٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ مُحَافَظَتَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الْقُيُودِ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ فَأَمَّا النِّيَّةُ فَهِيَ عَلَى أَصْلِ الْمَشْهُورِ وَمَنْ يَقُولُ الْمُعَيَّنُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَلَا تُزَادُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَإِنْعَاظٍ إنَّمَا يَلْزَمُ ذِكْرُهُ عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِفَسَادِ الصَّوْمِ إذَا أَنْعَظَ وَفِيهِ خِلَافٌ وَكَذَلِكَ الْمَذْيُ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ عَلَى النَّقْضِ بِهِ إذَا كَانَ عَنْ سَبَبٍ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا كَانَ الْمَذْيُ أَوْ الْإِنْعَاظُ عَنْ غَيْرِ سَبَبٍ مِنْ الصَّائِمِ هَلْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا أَثَرَ لَهُ (قُلْنَا) لَا يُرَدُّ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ كَفٌّ عَنْ كَذَا فَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى تَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِمْسَاكِ عَنْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُهُ وَوُصُولِ غِذَاءٍ إنْ قَصَدَ مَا يُغَذِّي الْمَعِدَةَ وَيُقَوِّيهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَا اسْتَثْنَى مِنْ الْغُبَارِ لِأَنَّ الْغُبَارَ غَيْرَ الْغَالِبِ لَا تَغْذِيَةَ فِيهِ لَهَا وَإِنْ عَنَى مَا يَشْغَلُهَا وَإِنْ كَانَ لَا يُغَذِّيهَا فَيُرَدُّ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ قَالَ لَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِهَا (قُلْتُ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ إنَّ الْحَدَّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَكُونُ مَا ذَكَرَ هُوَ الْمَشْهُورَ (فَإِنْ قُلْتُ) ظَاهِرُهُ إنَّ غَالِبَ غَيْرِ الْغُبَارِ يَنْقُضُ مُطْلَقًا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي غُبَارِ الدَّقَّاقِينَ وَلَمْ يُعَيِّنُوا فِيهِ الْمَشْهُورَ. (قُلْتُ) هَذَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُهُ لِحَلْقٍ أَوْ جَوْفٍ قَدْ قُلْتُمْ إنَّهُ أَطْلَقَ الْجَوْفَ عَلَى الْمَعِدَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْدُ فِي مُبْطِلِ الصَّوْمِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَطْلَقَ فِي الْوُصُولِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مَنْفَذٍ وَاسِعٍ أَمْ لَا وَقَدْ قَيَّدُوهُ بِالْمَنْفَذِ الْوَاسِعِ وَكَذَلِكَ أَيْضًا إنْ فَسَّرْنَا الْجَوْفَ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَعِدَةِ وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الْحُقْنَةَ تُبْطِلُ إنْ كَانَتْ بِمَائِعٍ وَتَأَمَّلْ مَا سِرُّ كَوْنِهِ قَالَ حَتَّى الْغُرُوبِ وَلَمْ يَقُلْ إلَى الْغُرُوبِ مَعَ أَنَّهُ أَخْصَرُ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ وَقَعَ فِيهَا إلَى اللَّيْلِ وَتَأَمَّلْ أَيْضًا سِرَّ كَوْنِهِ لَمْ يَقُلْ حَتَّى اللَّيْلِ وَاللَّيْلُ أَخْصَرُ وَمُوَافِقٌ لِلْقُرْآنِ وَلَعَلَّهُ قَصَدَ الْبَيَانَ فِي مَبْدَأِ اللَّيْلِ بِذِكْرِ الْغُرُوبِ وَأَيْضًا فَهُوَ الْمُقَابِلُ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَدْ قَالَ فِي وَقْتِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ اُنْظُرْهُ وَتَأَمَّلْ مَا رَدَّ بِهِ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 رَسْمَ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الِاعْتِكَافِ فَإِنَّ الرَّدَّ الثَّانِيَ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُقَالُ إنَّهُ وَارِدٌ عَلَى رَسْمِهِ هُنَا فِي قَوْلِهِ كَفٌّ إلَخْ فَيُقَالُ يَرُدُّ عَلَيْهِ حَالُ مَنْ أَتَمَّ صَوْمَهُ يَوْمَ الصَّوْمِ قَبْلَ تَمَامِهِ وَظَهَرَ لِي إذَا تُؤُمِّلَ أَنَّهُ غَيْرُ وَارِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَتَأَمَّلْ أَيْضًا مَا أَوْرَدَهُ عَلَى ابْنِ رُشْدٍ مِنْ النَّقْضِ هَلْ يَرُدُّ عَلَيْهِ بَعْضُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَرْحَمُهُ وَيَنْفَعُ بِهِ وَيُفْهِمُنَا عَنْهُ. [بَابٌ فِي شُرُوطِ الْوُجُوبِ فِي رَمَضَانَ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ " صَيَّرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوُجُوبَ فِي رَمَضَانَ مَوْقُوفًا عَلَى هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ وَهُمَا عِنْدَهُ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ عَدَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " الْإِسْلَامَ " مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَابْنُ الْحَاجِبِ عَدَّهُ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ (قُلْتُ) لَعَلَّ ابْنَ الْحَاجِبِ مَضَى عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَرَّ عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ وَهَذَا الْخِلَافُ مَعْلُومٌ خَارِجَ الْمَذْهَبِ وَفِي الْمَذْهَبِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَرَّ عَلَى قَوْلٍ وَلَعَلَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَحَّ عِنْدَهُ فِي الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَ (فَإِنْ قُلْتُ) قَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْفَرْقَ بَيْنَ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ وَأَنَّ الشَّيْءَ إذَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ كَدُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ مَا لَا يُطْلَبُ فِعْلُهُ مِنْ الْمُكَلَّفِ كَالْإِقَامَةِ وَعُلِّقَ أَمْرٌ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَمَطْلُوبًا مِنْهُ فَهُوَ شَرْطُ الْأَدَاءِ كَسِتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ لِلْجُمُعَةِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَالْإِسْلَامُ الْمَذْكُورُ كَيْفَ تَصْدُقُ فِيهِ خَاصِّيَّةُ شَرْطِ الْوُجُوبِ بَلْ صَادِقِيَّةُ خَاصِّيَّةِ الْأَدَاءِ أَقْرَبُ إلَيْهِ (قُلْتُ) هَذَا كَانَ يَمْضِي الْبَحْثُ فِي كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَعَلَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ عِنْدَهُ الْفَارِقُ الْمَذْكُورُ وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ الْجُمُعَةِ إنَّ الْغَالِبَ فِي التَّفْرِيقِ مَا ذَكَرْنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وَكَانَ أَيْضًا يَمْضِي لَنَا فِي الْقَدِيمِ سُؤَالٌ أَوْرَدَهُ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْبَجَائِيِّينَ عَلَى بَعْضِ شُيُوخِنَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ التَّفْرِيقِ الْمَذْكُورِ وَحَاصِلُ مَعْنَاهُ إذَا صَحَّ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ وَقَدْ قُلْتُمْ بِأَنَّ كُلَّ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَهُوَ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ وَلَا عَكْسَ فَصَحَّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ أَخَصُّ وَشَرْطَ الْأَدَاءِ أَعَمُّ وَالْأَخَصُّ يَسْتَلْزِمُ الْأَعَمَّ فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ لَزِمَ فِي شَرْطِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ مَثَلًا أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا لِلْمُكَلَّفِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَاصِّيَّةِ الْأَعَمِّ غَيْرُ مَطْلُوبٍ لِلْمُكَلَّفِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَاصِّيَّةِ الْأَخَصِّ وَالتَّالِي بَاطِلٌ لِثُبُوتِ الْإِحَالَةِ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ ظَاهِرٌ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ وَوَقَعَتْ عَنْ ذَلِكَ أَجْوِبَةٌ فِيهَا أَبْحَاثٌ يَطُولُ جَلْبُهَا وَتُخْرِجُ عَنْ الْغَرَضِ وَتَأَمَّلْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَطَرِيقَهُ مَعَ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ. - رَحِمَهُ اللَّهُ - [بَابٌ فِي شَرْطِ صِحَّةِ الصَّوْمِ] قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " الْأَوَّلُ وَالْعَقْلُ وَعَدَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كُلَّ زَمَنِهِ " قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " الْأَوَّلُ " أَيْ الْإِسْلَامُ فَصَيَّرَهُ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ ثَانِيًا كَمَا صَيَّرَهُ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ أَوَّلًا وَهَذَا يُقَوِّي السُّؤَالَ وَالْإِشْكَالَ وَلَعَلَّ الشَّيْخَ لَمْ يَعْمَلْ عَلَى الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُ وَذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعَقْلَ فِي شَرْطِ الصِّحَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْوُجُوبِ وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْوُجُوبِ وَلَعَلَّ الشَّيْخَ ذَكَرَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ فِي شَرْطِ الْوُجُوبِ. قَوْلُهُ " كُلَّ زَمَنِهِ " يَعُودُ إلَى النَّقَاءِ مِمَّا ذَكَرَ وَإِنَّ النَّقَاءَ مِمَّا ذَكَرَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ فِي جَمِيعِ زَمَنِهِ وَأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ مِنْهُ بَلْ مَهْمَا كَانَ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ فِي وَقْتِ صَوْمٍ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَمَلَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَهُمَا هَلْ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِهِ رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا ذَكَرَ أَوْ رَاجِعٌ لِلْأَخِيرِ كَمَا ذَكَرْنَا هُنَا وَالْأَظْهَرُ عِنْدَهُ هُوَ الْأَوَّلُ فَهَلْ يَصِحُّ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ ذَلِكَ (قُلْتُ) يُمْكِنُ ذَلِكَ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ وَضِدُّهُ مَانِعٌ مِنْ صِحَّتِهِ أَصْلِيًّا أَوْ طَارِئًا كَالرِّدَّةِ وَكَذَلِكَ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ بِشَرْطِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) أَطْلَقَ فِي الْعَقْلِ وَقَدْ قَدَّمَ شَرْطَ إبْطَالِ الْإِغْمَاءِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 رَسْمِهِ (قُلْتُ) فِيهِ نَظَرٌ كَمَا ذَكَرْنَا (فَإِنْ قُلْتَ) ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ بَلْ نَصُّهُ أَنَّ النَّقَاءَ الْمَذْكُورَ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ وَابْنُ الْحَاجِبِ عَدَّهُ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ (قُلْتُ) لَعَلَّ ابْنَ الْحَاجِبِ مَرَّ عَلَى مَا مَرَّ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ أَنَّ الْحَيْضَ مَانِعٌ مِنْ تَقَرُّرِ الْوُجُوبِ وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَرَّ عَلَى قَوْلِ الْأَقَلِّ وَالْقَاضِي مِنْهُمْ وَأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَقَرِّرٌ وَلِذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ كَذَا قَرَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَا انْبَنَى عَلَيْهِ شَرْطُ الْوُجُوبِ وَشَرْطُ الصِّحَّةِ وَلَك النَّظَرُ فِي ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ هُنَا وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي تَقَرُّرِ الْوُجُوبِ وَذَكَرَ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْقَضَاءِ عَلَى الْحَائِضِ وَمَنْ وَافَقَهَا. [بَابٌ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَغَيْرُهُ] (ص وم) : بَابٌ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَغَيْرُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ حُرَّيْنِ فِي مِصْرٍ صَغِيرٍ مُطْلَقًا وَكَبِيرٍ فِي غَيْمٍ أَوْ بِخَبَرِ جَمَاعَةٍ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ أَوْ بِإِكْمَالِ ثَلَاثِينَ مَتَى غُمَّ وَلَوْ شُهُورًا " ذَكَرَ ذَلِكَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَوَّلِ عَلَى أَصْلِ الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِمَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ وَأَمَّا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ فَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " وَكَبِيرٍ فِي غَيْمٍ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا كَانَ كَبِيرًا وَلَمْ يَكُنْ غَيْمٌ وَرَآهُ عَدْلَانِ فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ ذَكَرَهُ بَعْدُ قَوْلُهُ " أَوْ بِخَبَرِ " هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ " أَوْ بِإِكْمَالِ ثَلَاثِينَ " إلَخْ كَذَلِكَ أَيْضًا وَلَا عَمَلَ عَلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِ وَالْغَايَةُ الْمَذْكُورَةُ ذَكَرَهَا لِاسْتِبْعَادِ الشُّهُورِ الْمُتَعَدِّدَةِ الْكَثِيرَةِ مَعَ الْغَيْمِ وَأَنَّهُ يُعْمَلُ عَلَى مَا ذَكَرَ لَا عَلَى غَيْرِهِ. [بَابٌ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ] (ش ك ك) : بَابٌ يَوْمُ الشَّكِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " صَبِيحَةُ لَيْلَةِ غَيْمِ الْتِمَاسِهِ " مَعْنَاهُ أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي هُوَ صَبِيحَةُ اللَّيْلَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا غَيْمٌ فِي جِهَةِ الْتِمَاسِ الْهِلَالِ وَفِي وَقْتِهِ وَكَأَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَطْلَقَ الْجُزْءَ عَلَى الْكُلِّ فَإِنَّ الصَّبِيحَةَ جُزْءٌ مِنْ الْيَوْمِ وَيَوْمُ الشَّكِّ هُوَ الْيَوْمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 كُلُّهُ الَّذِي صَبِيحَتُهُ مَا ذَكَرَ وَخَصَّ اللَّيْلَةَ بِالْغَيْمِ لِأَنَّ الْتِمَاسَ الْهِلَالِ إذَا لَمْ يُرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَقْتُهُ ذَلِكَ فَإِنْ اُلْتُمِسَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَكَانَ غَيْمٌ عِنْدَ الْتِمَاسِهَا فِي جِهَتِهِ ثَبَتَ الشَّكُّ بِذَلِكَ وَالْغَيْمُ الْحَائِلُ عَنْ الرُّؤْيَةِ بِسَحَابٍ كَثِيفٍ أَوْ رَقِيقٍ. [بَابٌ فِي مُبْطِلِ الصَّوْم] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " يُبْطِلُهُ وُصُولُ غِذَاءٍ لِحَلْقٍ أَوْ مَعِدَةٍ مِنْ مَنْفَذٍ وَاسِعٍ وَمَغِيبُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَالْمَنِيُّ بِلَذَّةٍ يَقَظَةً " هَذَا أَيْضًا رَسْمٌ لِلْمُبْطِلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ ثُمَّ فُرِّعَ الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَكُنْ غِذَاءٌ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ فِي النَّفْلِ وَلَا فِي السَّهْوِ فِي الْفَرْضِ ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي غَيْرِ الْمَنْفَذِ الْوَاسِعِ (فَإِنْ قُلْتَ) فَلِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ فِي الثَّانِي مَغِيبُ الْحَشَفَةِ وَهُوَ أَخْصَرُ مِمَّا ذَكَرَ (قُلْتُ) أَحَالَ عَلَى مَا قَدَّمَ مِنْ الشُّرُوطِ فِي مُوجِبِ الْغُسْلِ وَلَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ لَوْ قَالَ مَغِيبُ حَشَفَةٍ هَذَا إذَا فَهِمْتَ مَا قَدَّمَهُ فِي مُوجِبِ الْغُسْلِ وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ اخْتِصَارِهِ وَأَوْرَدَ فِي الْمَجْلِسِ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَسْقَطَ مِنْ مُبْطِلَاتِ الصَّوْمِ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ وَهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا فِي الْإِبْطَالِ وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ بِأَنْ قَالَ إنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ قَالَ النَّقَاءُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ جَمِيعَ النَّهَارِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ كَانَ الْحَيْضُ مَانِعًا مِنْ الْوُجُوبِ فِي جَمِيعِ وَقْتِ الصَّوْمِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُقَالُ إنَّ الصَّوْمَ أَبْطَلَهُ الْحَيْضُ لِأَنَّ الْإِبْطَالَ فَرْعُ تَقَرُّرِ الْوُجُوبِ وَقَدْ انْتَفَى بِمَا قَرَّرْنَا وَلِذَلِكَ حَذَفَ الشَّيْخُ ذَلِكَ وَصَوَّبْنَا ذَلِكَ ثُمَّ تَأَمَّلْت كَلَامَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الَّذِي أَوْرَدَ عَلَى كَلَامِهِ السُّؤَالَ فَوَجَدْته خَالَفَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي شَرْطِهِ فَإِنَّهُ صَيَّرَ النَّقَاءَ الْمَذْكُورَ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ فِي كُلِّ الزَّمَانِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ قَبْلُ فَتَأَمَّلْهُ وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ مُبْطِلِ الصَّوْمِ يُرِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ الصَّوْمُ الْوَاجِبُ أَعْنِي صَوْمَ رَمَضَانَ بِقَرِينَةِ ضَمِيرِ يُبْطِلُهُ كَمَا فَعَلَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ بِإِعَادَةِ ضَمِيرِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ وَفِي بَعْضِهَا يَأْتِي بِمَا يَعُمُّ صَوْمَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ الصَّوْمَ الْمُطْلَقَ لَوَرَدَ عَلَيْهِ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا فِي تَطَوُّعِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُهُ وَمَضَى لَنَا النَّظَرُ فِي قَوْلِهِ لِحَلْقٍ أَوْ مَعِدَةٍ وَحَقُّهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْمَعِدَةِ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَيْهَا مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 الْوَاسِعِ إلَّا بَعْدَ الْحَلْقِ وَوَجَدْت شَيْخَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْرَدَهُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ حَيْثُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي شَرْطِ الصَّوْمِ وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ الشُّرُوطَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ ضِدَّهَا فِي الْإِبْطَالِ. [بَابٌ فِي مُوجِبِ الْقَضَاءِ لِرَمَضَانَ] َ وَوَاجِبُهُ الصِّيَامُ الْمَضْمُونُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " فِطْرُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَلَوْ مُكْرَهًا " وَالْمَعْنَى بِهِ عَمْدًا اخْتِيَارًا هَذَا أَيْضًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ إلَّا مَا نَقَلَ عِيَاضٌ فِي قَوْلِهِ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ قَضَاءُ مُفْطِرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا قَالَ الشَّيْخُ لَعَلَّ الشَّاذَّ عِنْدَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى فِي الْحَالِفِ اُنْظُرْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. [بَابٌ فِي مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ فِي إفْسَادِ رَمَضَانَ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (انْتِهَاكٌ لَهُ لِمُوجِبِ الْغُسْلِ وَطْئًا وَإِنْزَالًا وَالْإِفْطَارُ بِمَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ أَوْ الْمَعِدَةِ مِنْ الْفَمِ) قَوْلُهُ " انْتِهَاكٌ لَهُ " إنَّمَا يَكُونُ الِانْتِهَاكُ مَعَ الْعَمْدِ وَأَمَّا النَّاسِي وَالْمُتَأَوِّلُ فَلَا. قَوْلُهُ " لِمُوجِبِ الْغُسْلِ " مِثْلُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْقَضَاءِ لَكِنْ هُنَا فَسَّرَهُ بِالْوَطْءِ وَالْإِنْزَالِ (فَإِنْ قِيلَ) لَمْ يَزِدْ هَذَا الْقَيْدُ فِي إبْطَالِ الصَّوْمِ (قُلْنَا) لَمَّا ذَكَرَ الِانْتِهَاكَ نَاسَبَ ذَلِكَ لِأَنَّ الِانْتِهَاكَ بِالْإِنْزَالِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ قَوْلُهُ " وَالْإِفْطَارُ " هَذَا مِنْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي مَسَائِلَ. [بَاب زَمَن قَضَاء الْفِطْر فِي رَمَضَان] بَابٌ زَمَنُ الْقَضَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (زَمَنُ قَضَائِهِ غَيْرُ زَمَنِهِ وَمَا حَرُمَ صَوْمُهُ) اللَّخْمِيُّ أَوْ وَجَبَ بِنَذْرٍ هَذَا أَخْصَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. [بَابٌ فِي قَدْرِ كَفَّارَةِ الْعَمْدِ لِلْفِطْرِ فِي رَمَضَان] بَابٌ فِي قَدْرِ كَفَّارَةِ الْعَمْدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " قَدْرُهَا سِتُّونَ مُدًّا نَبَوِيًّا لِسِتِّينَ مِسْكِينًا بِالسَّوِيَّةِ " وَهُوَ ظَاهِرٌ. [كِتَابُ الِاعْتِكَافِ] (ع ك ف) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الِاعْتِكَافِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " لُزُومُ مَسْجِدٍ مُبَاحٍ لِقُرْبَةٍ قَاصِرَةٍ بِصَوْمٍ مَعْزُومٍ عَلَى دَوَامِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً سِوَى وَقْتِ خُرُوجِهِ لِجُمُعَةٍ أَوْ لِمُعَيَّنِهِ الْمَمْنُوعِ فِيهِ " قَوْلُهُ " لُزُومُ " اللُّزُومُ هُنَا بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ لُبْثٍ فِي " مَسْجِدٍ " أَوْ غَيْرِهِ وَلِذَا قَيَّدَهُ بِمَسْجِدٍ مُطْلَقٍ وَأَخْرَجَ بِهِ اللُّزُومَ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ لِلْمُجَاوِرِ بِهَا أَوْ غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَقَوْلُهُ " مُبَاحٍ " يُخْرِجُ مَسْجِدَ الدَّارِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَكَفُ فِيهِ وَقَوْلُهُ " لِقُرْبَةٍ " احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا إذَا كَانَ مُلَازِمًا لَا لِقُرْبَةٍ وَقَوْلُهُ " قَاصِرَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْمُتَعَدِّيَةَ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ فِي الِاعْتِكَافِ وَمَنْ لَازَمَ لَهَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُعْتَكِفٌ وَبِهَا اعْتَرَضَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَوْلُهُ " بِصَوْمٍ " الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ وَالصَّوْمُ رُكْنٌ فِيهِ أَوْ شَرْطٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَخْرَجَ بِهِ إذَا لَازِمُ الْمَسْجِدَ بِغَيْرِ صَوْمٍ وَيَخْرُجُ بِهِ الْجِوَارُ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ صَوْمٌ وَقَوْلُهُ " مَعْزُومٌ ". صِفَةٌ لِلُزُومٍ لِأَنَّ اللُّزُومَ بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ وَالْإِقَامَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ بِنِيَّةِ الْعَزْمِ عَلَى الدَّوَامِ فَلِذَا خُصِّصَ اللُّزُومُ وَقَوْلُهُ " يَوْمًا وَلَيْلَةً " مُتَعَلِّقٌ بِدَوَامِهِ وَهُوَ أَقَلُّ الِاعْتِكَافِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي نُسْخَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَقَلُّهُ يَوْمٌ وَقِيلَ وَلَيْلَةٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ فَعَرَّفَ الشَّيْخُ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَعَلَّهُ عِنْدَهُ الْمَشْهُورُ وَانْظُرْ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ فَرْحُونٍ. (فَإِنْ قُلْتَ) وَهَلْ يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِاللُّزُومِ مَعْنًى (قُلْتُ) ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَصِحُّ ذَلِكَ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ لُزُومَ الْمَسْجِدِ يَوْمًا وَلَيْلَةً مَعْزُومٌ عَلَى ذَلِكَ اللُّزُومِ - يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَيَكُونُ اللُّزُومُ الْمُرَادُ بِهِ اللُّبْثُ وَلَوْ رَدَّ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ سُؤَالًا حَاصِلُهُ مَا سِرُّ ذِكْرِ الدَّوَامِ فِي رَسْمِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ حُذِفَ لَصَحَّ الْمَعْنَى عَلَيْهِ وَأَجَبْت عَنْهُ بِأَنِّي ظَهَرَ لِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ لِإِخْرَاجِ مَا ذَكَرَهُ لِأَنَّ الْعَزْمَ مُتَعَلِّقُهُ دَوَامُ اللُّزُومِ لَا اللُّزُومُ وَمَا يَتِمُّ الْإِخْرَاجُ لِلصُّوَرِ إلَّا بِهِ وَكَذَلِكَ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ إنَّمَا يَتِمُّ بِذِكْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ " سِوَى وَقْتِ خُرُوجِهِ لِجُمُعَةٍ " اُسْتُثْنِيَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا لِيُخْرِجَ هَذِهِ الصُّورَةَ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ " دَوَامِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً " فَكَأَنَّهُ قَالَ مَعْزُومٌ عَلَى الدَّوَامِ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إلَّا فِيمَا ذُكِرَ فَإِنَّهُ لَا يَعْزِمُ عَلَى الدَّوَامِ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ لَكَانَ إذَا خَرَجَ فِي حَالَةِ خُرُوجِهِ يَقَعُ النَّقْضُ بِهِ كَمَا اُعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ إنَّهُ إذَا خَرَجَ لِلْجُمُعَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا عَلَى الشَّاذِّ وَوَقَعَ الْجَوَابُ عَنْهُ وَإِنَّهُ غَيْرُ مُقْنِعٍ وَقَوْلُهُ " لَوْ لِمُعَيِّنِهِ الْمَمْنُوعِ فِيهِ " الَّذِي فِي نُسْخَةِ الشَّيْخِ لِمُعَيِّنِهِ بِالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَالنُّونِ وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى لِمَعْنِيِّهِ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ بَعْدَ النُّونِ وَالْمُرَادُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَاجَاتِ لِلْإِنْسَانِ وَالْحَاجَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا يُمْنَعُ فِي الْمَسْجِدِ وَمِنْهَا مَا يَجُوزُ فَإِذَا خُصِّصَ ذَلِكَ بِالصِّفَةِ وَالضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ بِ " فِيهِ " يَعُودُ عَلَى الْمَسْجِدِ وَعَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى الْمَعْنَى الَّذِي يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِيهِ الْخُرُوجُ وَيُضْطَرُّ إلَيْهِ مِمَّا هُوَ مَمْنُوعٌ فِي الْمَسْجِدِ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْجَنَابَةِ إذَا احْتَلَمَ فَيَجِبُ الْخُرُوجُ لِلْغُسْلِ وَلِلْحَيْضِ وَلِلْمَرَضِ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ حَتَّى يَزُولَ الْمَانِعُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَيَخْرُجَ لِشِرَاءِ طَعَامِهِ الضَّرُورِيِّ بِهِ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ وَأَمَّا الْأَكْلُ الْخَفِيفُ فَلَا يَخْرُجُ لَهُ وَكَذَلِكَ النَّوْمُ وَهُمَا قَرِيبَتَانِ مَعْنًى. (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ عَرَّفَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاعْتِكَافَ الصَّحِيحَ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ حَدُّ مَا هُوَ أَعَمُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ مَا هُوَ أَخَصُّ وَلِذَا زَادَ فِي حَدِّهِ كَافًا إلَخْ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَاعَاتِهِ بِوَجْهٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ شُرُوطَهُ وَأَرْكَانَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ كَافًا عَنْ مَوَانِعِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا بَالُ الشَّيْخِ اعْتَبَرَ مَا هُوَ أَعَمُّ وَفِي الصَّوْمِ رَاعَى مَا هُوَ أَخَصُّ (قُلْتُ) فِي الصَّوْمِ أَتَى بِرَسْمٍ أَعَمَّ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخُصُوصِ وَلِمَنْ زَادَ الْخُصُوصَ أَنْ يَزِيدَ فِي الرَّسْمِ كَافًا عَنْ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ. (فَإِنْ قُلْتَ) لَمْ يَعْتَرِضْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ إذَا سَكِرَ لَيْلًا وَصَحَا قَبْلَ الْفَجْرِ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ مَعَ أَنَّهُ قَصَدَ الْحَدَّ الصَّحِيحَ وَلَا يُقَالُ لَعَلَّهُ قَصَدَ الْحَدَّ الصَّحِيحَ عَلَى قَوْلٍ وَلَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 يَقْصِدْ الْمَشْهُورَ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ قُيُودَ الْمَشْهُورِ كَالْمَسْجِدِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَالصَّوْمُ وَفِيهِ خِلَافٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ (قُلْتُ) لَمْ يَظْهَرْ جَوَابٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَيْضًا بِعَدَمِ اطِّرَادِهِ إذَا اعْتَكَفَ فِي مَسَاجِدِ الْبُيُوتِ وَهُوَ لَيْسَ بِاعْتِكَافٍ شَرْعِيٍّ عَلَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ وَلِذَا زَادَ فِي حَدِّهِ مُبَاحٌ (قُلْتُ) أَشَارَ إلَى الْعَهْدِ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الْمَسَاجِدِ الْمُطْلَقَةِ وَهُوَ الْحَقِيقِيَّةُ وَمَسْجِدُ الدَّارِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَسْجِدٌ بِالْإِطْلَاقِ فَحُمِلَ عَلَى الْمَجَازِ فِيهِ لِلتَّقْيِيدِ وَلِذَا لَمْ يَعْتَرِضْ ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى لِوُرُودِ سُؤَالٍ يُقَالُ فِيهِ إنْ صَحَّ ذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ الشَّيْخُ لِوَصْفِ الْمَسْجِدِ بِالْإِبَاحَةِ بَلْ يَقُولُ كَمَا عَبَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ (فَإِنْ قُلْتَ) الِاعْتِكَافُ قُرْبَةٌ وَالصَّلَاةُ قُرْبَةٌ وَالصِّيَامُ قُرْبَةٌ وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَيَّرَ الْجِنْسَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مُخْتَلِفٌ (كَذَا) فَقَالَ فِي الصَّلَاةِ قُرْبَةٌ وَقَالَ فِي الصِّيَامِ عِبَادَةٌ وَقَالَ هُنَا فِي الِاعْتِكَافِ لُزُومُ مَسْجِدٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُنَاسَبَةِ وَسِرِّ عُدُولٍ وَسِرِّ التَّخْصِيصِ (قُلْتُ) أَمَّا الصَّلَاةُ فَقَدْ قَدَّمْنَا إنَّ الْقُرْبَةَ وَالْعِبَادَةَ مُتَقَارِبَانِ إلَّا أَنَّ الْقُرْبَةَ أَخْصَرُ لَفْظًا فَعَدَلَ إلَيْهَا كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ وَتَقَدَّمَ فِي الصِّيَامِ أَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يَقَعَ التَّعْبِيرُ فِيهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَأَمَّا الِاعْتِكَافُ فَإِنَّمَا عَبَّرَ بِاللُّزُومِ لِأَنَّهُ جِنْسٌ أَقْرَبُ لِلِاعْتِكَافِ وَأَصْلُهُ لُغَةً اللُّزُومُ وَفِي الشَّرْعِ حَقِيقَةً فِي لُزُومٍ خَاصٍّ وَعَدَلَ الشَّيْخُ عَنْ لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ لِلْعِبَادَةِ إلَى قُرْبَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَتَأَكَّدُ السُّؤَالُ عَلَيْهِ فِي الصَّوْمِ. (فَإِنْ قُلْتَ) نَقَلَ الشَّيْخِ هُنَا عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ الِاعْتِكَافُ قُرْبَةٌ وَهَذَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهِ وَالْحُكْمُ لَا يَصِحُّ التَّعْرِيفُ بِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الْمَحْدُودِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَيُقَالُ فِي الصَّلَاةِ كَيْفَ صَحَّ التَّعْرِيفُ بِالْقُرْبَةِ وَصُيِّرَتْ جِنْسًا لِلصَّلَاةِ مُقَيَّدَةً بِمَا ذُكِرَ مَعَهَا (قُلْتُ) لَيْسَتْ الْقُرْبَةُ فِي حَدِّ الصَّلَاةِ مَحْكُومًا بِهَا بَلْ الْمُرَادُ ذِكْرُ جِنْسِهَا الْأَقْرَبِ لَهَا وَلَمَّا عَرَّفَ ابْنُ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاعْتِكَافَ بِقَوْلِهِ لُزُومُ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ الْمَسْجِدَ لِلْعِبَادَةِ صَائِمًا كَافًّا عَنْ الْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ يَوْمًا فَمَا فَوْقَهُ بِالنِّيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُرَدُّ بِحَشْوِ الْمُسْلِمِ وَالنِّيَّةِ وَالْجِمَاعِ لِإِغْنَاءِ الْعِبَادَةِ وَالْمُقَدِّمَاتِ عَنْهَا يَعْنِي لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ وَهَذَا وَاقِعٌ فِي كَلَامِ شَيْخِهِ فَهُوَ مَسْبُوقٌ بِهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ طَرْدُهُ وَقَعَ فِي كَلَامِ شَيْخِهِ أَيْضًا مَا يُومِئُ إلَيْهِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِأَنَّ حَالَ مَنْ اعْتَكَفَ إلَخْ هَذَا لَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 يُشِرْ إلَيْهِ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ اعْتِرَاضٌ حَسَنٌ أَدَارَ فِيهِ التَّقْسِيمَ فِي الْخَارِجِ لِلْحَاجَةِ إذَا كَانَ مُعْتَكِفًا فَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُعْتَكِفٌ فَالرَّسْمُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ لِعَدَمِ وُجُودِ لُزُومِ الْمَسْجِدِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَكِفٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ عَكْسُهُ أَيْضًا بِاعْتِكَافِهِ سَائِرَ الْيَوْمِ سِوَى وَقْتِ الْخُرُوجِ لِأَنَّهُ لَمْ يُلَازِمْ الْمَسْجِدَ يَوْمًا كُلَّهُ لِخُرُوجِهِ فِي الزَّمَنِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ شَرْعًا وَلَمْ يَصْدُقْ فِيهِ الرَّسْمُ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُبْطِلُهُ إلَخْ (فَإِنْ قُلْتَ) هَذَا هَلْ هُوَ رَاجِعٌ لِإِبْطَالِ طَرْدِ الرَّسْمِ أَوْ لِإِبْطَالِ عَكْسِهِ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ لِإِبْطَالِ الْعَكْسِ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُحَقِّقَ أَنَّ ثَمَّ صُورَةٌ مِنْ الِاعْتِكَافِ وَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهَا وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي رَسْمِهِ وَغَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي رَسْمِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ الْعَزْمَ الْمَذْكُورَ وَالضَّمِيرُ فِي الْيَوْمِ الْمُضَافِ إلَيْهِ يَعُودُ عَلَى الِاعْتِكَافِ فَكَأَنَّهُ قَالَ يَبْطُلُ عَكْسُهُ حَالَ مَنْ أَتَمَّ يَوْمَ الِاعْتِكَافِ قَبْلَ تَمَامِهِ وَقَبْلَ تَمَامِهِ مَعْمُولٌ لِلْحَالِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ أَتَمَّ يَوْمَ الِاعْتِكَافِ بِلُزُومِ الْمَسْجِدِ فَحَالَةُ لُزُومِ الْمُعْتَكَفِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُعْتَكِفٌ شَرْعًا وَانْظُرْ حَدَّ الصَّوْمِ هَلْ يَرِدُ هَذَا عَلَيْهِ. (فَإِنْ قُلْتَ) مَا بَالُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَصَّ الْجُمُعَةَ بِالذِّكْرِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَتَرَكَ مَا يُوَافِقُهَا كَالْخُرُوجِ لِتَمْرِيضِ الْأَبَوَيْنِ (قُلْتُ) لَعَلَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ مُعَيَّنِهِ إلَخْ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَتَأَمَّلْهُ فَفِيهِ نَظَرٌ. (فَإِنْ قُلْتَ) مَا سِرُّ كَوْنِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَمْ يَأْتِ بِمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ (قُلْتُ) لِأَنَّ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ لَا بُدَّ مِنْهُمَا فِي مُسَمَّى الِاعْتِكَافِ كَمَا قَدَّمْنَا قَبْلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ النَّقْلِ وَلَفْظُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ أَخْصَرُ مِنْهُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ يَلْزَمُهُ إذَا لَازَمَ الْمَسْجِدَ بِشُرُوطِهِ يَوْمًا أَنْ يَصْدُقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُعْتَكِفٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَتَى بِجُزْءِ الِاعْتِكَافِ لَا بِكُلِّ الِاعْتِكَافِ وَالْجُزْءُ غَيْرُ الْكُلِّ فَهَذِهِ صُورَةٌ نُقِضَ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ طَرْدِهِ بِقَوْلِهِ يَوْمًا فَمَا فَوْقَهُ فَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمًا وَلَيْلَةً لِأَنَّ قَوْلَهُ فَمَا فَوْقَهُ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْيَوْمِ وَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ قَبْلُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ فِي طَرَفَيْ تَقْسِيمِهِ وَأَوْرَدَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الْيَوْمَ إنْ أُرِيدَ بِهِ النَّهَارُ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى النَّهَارِ شَيْئًا صَحَّ فِيهِ الِاعْتِكَافُ مَعَ الْيَوْمِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الدَّوْرَةُ فَيَلْزَمُ أَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 لَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الدَّوْرَةِ. وَأَجَابَ الشَّيْخُ سَيِّدِي عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِثْلُ قَوْلِك فَصَاعِدًا (قُلْتُ) وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ ابْنِ عُصْفُورٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْ هَذَا بِعَشَرَةٍ فَصَاعِدًا إذَا بَاعَ بِعَشَرَةٍ هَلْ يَخْرُجُ مِنْ الْعُهْدَةِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ فَجَوَابُ الشَّيْخِ سَيِّدِي عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجْرِي عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الزِّيَادَةِ وَيَكُونُ الْتَزَمَ أَنَّ الْيَوْمَ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ الدَّوْرَةُ فِي كَلَامِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَفِيهِ بَحْثٌ. [بَابُ مَا يَجِبُ بِهِ خُرُوجُ الْمُعْتَكِفِ مِنْ الْمَسْجِدِ] ِ مَعَ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " طُرُوُّ حَيْضٍ أَوْ مَرَضٍ يَمْنَعُهُ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ " وَيُضَافُ لَهُ مَا ذُكِرَ مِنْ خُرُوجِهِ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. [بَابُ مُبْطِلُ الِاعْتِكَافِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " يُبْطِلُهُ الْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ لِلَّذَّةِ وَلَوْ لَيْلًا وَلَوْ سَهْوًا " هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. [بَابُ مَا يُوجِبُ ابْتِدَاءَ كُلِّ الِاعْتِكَافِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " إفْسَادُ بَعْضِهِ عَمْدًا مُطْلَقًا وَنِسْيَانًا بِغَيْرِ فِطْرِ الْغِذَاءِ " أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى مَا يُوجِبُ ابْتِدَاءَ أَيَّامِ الِاعْتِكَافِ كُلِّهَا فَإِذَا أَفْسَدَ بَعْضَ الِاعْتِكَافِ عَمْدًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءً كَانَ بِالْأَكْلِ لَوْ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُفْسِدُهُ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فِي غَيْرِ الْأَكْلِ كَذَلِكَ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَكْلُ نِسْيَانًا فَإِنَّهُ يَقْضِي وَيَبْنِي عَلَى مَا قَدَّمَ عَلَى تَفْصِيلٍ بَيْنَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. [بَابُ الْجِوَارِ فِي الِاعْتِكَاف] بَابُ الْجِوَارِ لَمْ يَحُدَّهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يُؤْخَذُ حَدُّهُ مِنْ حَدِّ الِاعْتِكَافِ وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الْجِوَارُ كَالِاعْتِكَافِ إلَّا جِوَارَ مَكَّةَ وَالْمُشَبَّهُ غَيْرُ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَهُوَ غَيْرُهُ وَيُمْكِنُ رَسْمُهُ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ مَكَّةَ بِرَسْمِ الِاعْتِكَافِ وَفِي مَسْجِدِ مَكَّةَ بِقَوْلِنَا لُزُومُ مَسْجِدِ مَكَّةَ نَهَارًا لِقُرْبَةٍ قَاصِرَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْحَجِّ] (ح ج ج) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الْحَجِّ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْخِلَافَ فِي صِحَّةِ تَعْرِيفِهِ فَنُقِلَ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِعُسْرِهِ وَرَدَّهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ بِأَنَّ حُكْمَ الْفَقِيهِ عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ يَسْتَلْزِمُ إدْرَاكَ فَصْلِهِ أَوْ خَاصَّتِهِ فَلَا عُسْرَ قَالَ الشَّيْخُ تِلْمِيذُهُ سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْآبِيُّ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك ضَعْفُهُ قَالَ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ قَدْ يَكُونُ لِوُجُودِ شَرْطٍ أَوْ عَدَمِهِ وَالشَّرْطُ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ بِأَحَدِهِمَا إدْرَاكُ الْفَصْلِ أَوْ الْخَاصَّةِ. قَالَ سَلَّمْنَا أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إدْرَاكُ ذَلِكَ فَقَدْ يُدْرَكُ أَحَدُهُمَا وَيُجْهَلُ الْجِنْسُ الْأَقْرَبُ وَالْحَدُّ إنَّمَا هُوَ بِالْجِنْسِ الْأَقْرَبِ وَالْفَصْلِ وَهَذَا كَمَا قِيلَ الْعِلْمُ لَا يُحَدُّ لِعُسْرِهِ فَأَحَدُ مَا قِيلَ فِي وَجْهِ الْعُسْرِ عَدَمُ الْإِحَاطَةِ بِالْجِنْسِ الْأَقْرَبِ فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ السَّوَادَ لَوْنٌ وَمَعْنًى وَالْمَعْنَوِيَّةُ جِنْسُهُ الْأَبْعَدُ وَاللَّوْنِيَّةُ جِنْسُهُ الْأَقْرَبُ وَلَا نَعْلَمُ فِي الْعِلْمِ إلَّا أَنَّهُ مَعْنًى وَالْجِنْسُ الَّذِي نِسْبَتُهُ إلَيْهِ نِسْبَةُ اللَّوْنِيَّةِ إلَى السَّوَادِيَّةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ. (قُلْتُ) رَدُّ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا بُدَّ مِنْ بَسْطِهِ وَإِذَا بَسَطْنَاهُ وَعَلِمْنَا قَصْدَهُ ظَهَرَ لَك ضَعْفُ مَا رَدَّ بِهِ تِلْمِيذُهُ وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّهُ يُقَالُ لِشَيْخِهِ لَا عُسْرَ فِي تَعْرِيفِ حَقِيقَةِ الْحَجِّ بَلْ فِيهِ يُسْرٌ لِأَنَّ الْفَقِيهَ الْعَارِفَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْمَاهِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَبِمَا نَصُّوا عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ وَاللَّوَازِمِ لَهَا فَإِذَا حَقَّقَ الْفَقِيهُ مَا يَلْزَمُ ثُبُوتُهُ لِلْمَاهِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُهَا وَمِنْ وُجُودِهَا وُجُودُهُ مَعَ فَقْدِ الْمَانِعِ فَإِنْ وُجِدَ مَا ذُكِرَ حُكِمَ بِصِحَّتِهَا وَإِنْ عُدِمَ حُكِمَ بِفَسَادِهَا وَذَلِكَ يَتَقَرَّرُ بِمَا ثَبَتَتْ فَصْلِيَّتُهُ أَوْ خَاصِّيَّتُهُ الْمُمَيِّزَةُ لَهُ وَإِذَا تَقَرَّرَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ مِنْ الْفَقِيهِ سَهُلَ عَلَيْهِ إدْرَاكُ مَا يُصَيِّرُهُ فَصْلًا لِلْمَاهِيَّةِ إنْ عَلِمَهُ أَوْ خَاصَّةً لَهَا إنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 ثَبَتَ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْهَا فَكَيْفَ يَقُولُ أَنَّهُ يَعْسُرُ ذَلِكَ عَلَى الْفَقِيهِ فَقَوْلُ تِلْمِيذِهِ الرَّادِّ عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ لَا يَظْهَرُ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِوُجُودِ شَرْطٍ أَوْ عَدَمِهِ نَقُولُ ذَلِكَ الشَّرْطُ الَّذِي حُكِمَ بِصِحَّةِ الْمَاهِيَّةِ بِوُجُودِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي تَقَرُّرِ الصِّحَّةِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ كَانَ كَالْخَاصَّةِ لِلْمَاهِيَّةِ فَقَوْلُهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ إدْرَاكٌ إلَخْ بَلْ يُقَالُ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ بِالصِّحَّةِ يَسْتَلْزِمُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْفَصْلُ ثَبَتَتْ الْخَاصَّةُ وَهُوَ مَعْنَى الشَّرْطِ الَّذِي تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ وَالشَّرْطُ إذَا تَقَرَّرَ فِيهِ مُلَازَمَتُهُ لِلْمَشْرُوطِ طَرْدًا وَعَكْسًا كَانَ كَالْخَاصَّةِ أَوْ خَاصَّةً قَوْلُهُ سَلَّمْنَا إلَخْ فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ فُهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِّ الْحَدُّ التَّامُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ مَا يَعُمُّ التَّامَّ وَالنَّاقِصَ بَلْ وَالرَّسْمُ وَإِطْلَاقُ الْحَدِّ عَلَيْهِ سَائِغٌ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِمَا اُسْتُبْعِدَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. ثُمَّ نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ الشَّيْخِ ابْنِ هَارُونَ أَنَّهُ قَالَ لَا يُعْرَفُ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ لِلْحُكْمِ بِوُجُودِهِ ضَرُورَةً وَتَصَوُّرُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ ضَرُورَةً ضَرُورِيٌّ وَأَجَابَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمِ تَصَوُّرُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مَا وَالْمَطْلُوبُ مَعْرِفَةُ حَقِيقَتِهِ وَتَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ قِيلَ أَنَّهُ قَالَ لَا يُحَدُّ وَلَا يُرْسَمُ فَنَقُولُ قَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ هُنَا كَذَلِكَ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَعْرِفَتَهُ بِوَجْهٍ مَا فَلِذَا أَجَابَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ تَصَوُّرُهُ بِوَجْهٍ مَا وَالْمَطْلُوبُ مَعْرِفَةُ حَقِيقَتِهِ وَلَمَّا ذَكَرَ سَيِّدِي الْفَقِيهُ الْأَبِيُّ هَذَا الرَّدَّ تَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ تَصَوُّرُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مَا شُرِطَ فِي الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ بِالدَّلِيلِ وَأَمَّا مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ ضَرُورَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ ضَرُورِيًّا وَهَذَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي التَّصْدِيقِ إذَا كَانَ ضَرُورِيًّا أَنْ يَكُونَ التَّصَوُّرُ ضَرُورِيًّا وَتَأَمَّلْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْفَخْرَ فِي قَوْلِهِمْ الْعِلْمُ لَا يُحَدُّ إمَّا لِعُسْرِهِ وَإِمَّا لِضَرُورَتِهِ وَهُمَا قَوْلَانِ وَعَلَيْهِمَا جَرَى الشَّيْخَانِ فِي بَحْثِهِمَا ابْنُ هَارُونَ وَابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ وَيُمْكِنُ رَسْمُهُ " بِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يَلْزَمُهَا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ عَاشِرِ ذِي الْحِجَّةِ " فَقَوْلُهُ عِبَادَةٌ جِنْسٌ تَدْخُلُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَغَيْرُهَا قَوْلُهُ يَلْزَمُهَا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ خَاصَّةً لَهَا لِأَنَّهَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ وَلَا يُفَارِقُهَا فَتَمْتَازُ عَنْ كُلِّ عِبَادَةٍ شَرْعِيَّةٍ بِذَلِكَ وَيَشْمَلُ الرَّسْمَ الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ وَالْفَاسِدَ مِنْهُ (فَإِنْ قُلْتُ) لِأَيِّ شَيْءٍ عَبَّرَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ عِبَادَةٌ وَلَمْ يَقُلْ قُرْبَةٌ كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 قَالَ فِي الصَّلَاةِ وَالْقُرْبَةِ أَخْصَرُ وَيَحْصُلُ قَصْدُهُ مِنْهَا (قُلْتُ) تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي حَدٍّ قَبْلَ هَذَا وَلَمْ تَظْهَرْ قُوَّةُ جَوَابٍ وَالْعِبَادَةُ تَشْمَلُ الْقُرُبَاتِ كُلَّهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا قَالَ تَعَالَى {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] فِي الصَّلَاةِ أَشَارَ فِيهَا إلَى حِكْمَتِهَا وَهِيَ التَّقَرُّبُ فَلَاحَظَ ذَلِكَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّ اللَّهَ خَصَّ بِهِ الصَّلَاةَ لِشَرَفِهَا وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» فَصَارَتْ الْعِبَادَةُ كَأَنَّهَا أَعَمُّ وَالْقُرْبَةُ كَأَنَّهَا أَخَصُّ عِبَادَةً فَأَتَى فِيهَا بِأَخَصَّ جِنْسٍ وَلِذَلِكَ خَصَّ الصَّلَاةَ بِالْقُرْبَةِ لَا يُقَالُ قَدْ قَالَ تَعَالَى {وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} [الحج: 77] بَعْدَ ذِكْرِ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ تَقَرَّبُوا لِرَبِّكُمْ كَمَا قَرَّرْنَاهُ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ أَوْ حَدِّهَا قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ وَهُنَا لَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ (قُلْتُ) ذَلِكَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ أَرْكَانَهُ كُلَّهَا لَيْسَتْ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ الْخَارِجِيَّةَ الْحِسِّيَّةَ كُلَّهَا أَفْعَالٌ مَحْسُوسَةٌ وَالْحَجُّ أَعَمُّ لِأَنَّ فِيهِ أَرْكَانًا فِعْلِيَّةً كَالطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ وَالسَّعْيِ وَفِيهِ رُكْنٌ لَيْسَ فِعْلِيًّا بَلْ صِفَةً تَقْدِيرِيَّةً تُوجِبُ عَدَمًا لِمَا مُنِعَ فِيهِ كَالْإِحْرَامِ فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْعِبَادَةَ هُنَا وَقَيَّدَ الْقُرْبَةَ هُنَاكَ. (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ أَتَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الصَّلَاةِ بِالْإِحْرَامِ وَالتَّسْلِيمِ وَلَمْ يَأْتِ بِغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَجْزَاءِ (قُلْتُ) لِأَنَّ مَجْمُوعَهُمَا خَاصٌّ بِالصَّلَاةِ وَلَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا وَتَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ بِالْأَوَّلِ وَتَنْحَلُّ بِالثَّانِي لِمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ فَذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الصَّلَاةِ خَاصِّيَّتَهَا وَمَا تَنْعَقِدُ بِهِ وَتَتَقَرَّرُ الصَّلَاةُ بِوُجُودِهِ وَذَلِكَ كَافٍ فِي التَّعْرِيفِ وَذُكِرَ فِي الْحَجِّ لَازِمُهُ الْخَاصُّ بِهِ الَّذِي يَمْتَازُ بِسَبَبِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ مُعْظَمُ الْحَجِّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَجُّ عَرَفَةَ» فَكَانَ ذَلِكَ تَعْرِيفًا لَهُ مِنْهُ بِالْخَاصِّيَّةِ (فَإِنْ قُلْتَ) فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَهَلَّا اخْتَصَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ عِبَادَةٌ ذَاتُ وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ إلَخْ وَيَحْصُلُ الْقَصْدُ مِنْهُ كَمَا حَصَلَ الْقَصْدُ فِي الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ ذَاتُ إلَخْ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ قَوْلَهُ يَلْزَمُهَا أَصْرَحُ فِي الرُّكْنِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ ذَاتُ وُقُوفٍ وَإِنْ صَحَّ أَنَّ ذَاتَ بِمَعْنَى صَاحِبُ وَالصُّحْبَةُ تَقْتَضِي الْمُلَازَمَةَ لَكِنَّ ذَلِكَ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ وَخُصَّ ذَلِكَ بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِذَاتِ وُقُوفٍ فَقَدْ يُرَدُّ عَلَيْهِ النَّقْضُ بِصَلَاةِ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَالْخُطْبَةِ لِأَنَّهُمَا يَصْحَبُهُمَا وُقُوفٌ فَيُرَدُّ عَدَمُ الطَّرْدِ عَلَى رَسْمِهِ فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَلْزَمُهَا يَقْتَضِي لُزُومًا لِلْعِبَادَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلُزُومُ الْوُقُوفِ لَيْسَ لِذَاتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 الْخُطْبَةِ وَلَا الصَّلَاةِ فَتَأَمَّلْهُ. (فَإِنْ قُلْتَ) مَا سِرُّ كَوْنِهِ عَرَّفَ الصَّلَاةَ تَعْرِيفًا وَاحِدًا وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْخَاصَّةِ وَالْحَجِّ قَدْ قَرَّرَ فِيهِ تَعْرِيفَيْنِ وَذَكَرَ فِي الثَّانِي جَمِيعَ لَوَازِمِهِ شَرْعًا. (قُلْتُ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا ذُكِرَ مَا ذُكِرَ مِنْ عُسْرِهِ أَرَادَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُبَيِّنَ يُسْرَهُ بِحَدَّيْنِ بِرَسْمٍ تَامٍّ أَوْ بِحَدٍّ عَلَى مَا فِيهِ وَأَنَّ الْفَقِيهَ الْعَارِفَ بِقَوَاعِد الشَّرِيعَةِ لَا يَصْعُبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ رَسْمُهُ عِنْدَهُ أَوْ حَدُّهُ فَفِي ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ التَّنْكِيتِ عَلَى مَنْ عَسُرَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا قَالَ عِبَادَةٌ يَلْزَمُهَا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَيُكْتَفَى بِذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَجُّ عَرَفَةَ» . (قُلْتُ) لَمَّا كَانَ الْحَدِيثُ فِيهِ نَوْعَ إجْمَالٍ فِي زَمَنِ الْوُقُوفِ تَعَرَّضَ لِمَا يُفَسِّرُهُ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ لَيْلَةُ يَوْمِ النَّحْرِ وَذَلِكَ مُفِيدٌ لِلتَّفْسِيرِ وَأَخْصَرُ مِمَّا فُسِّرَ بِهِ كَمَا قَالَ بَعْدُ فِي الطَّوَافِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَآهُ أَبْيَنَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اللَّيْلَةُ الْآتِيَةُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ لَا يُقَالُ أَنَّ هَذَا يُرَدُّ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الطَّوَافِ لِظُهُورِ عَدَمِ وُرُودِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ وَحَدُّهُ بِزِيَادَةٍ وَطَوَافٍ ذِي طُهْرٍ أَخَصُّ بِالْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ سَبْعًا بَعْدَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَمِنْهَا إلَيْهَا سَبْعًا بَعْدَ طَوَافٍ كَذَلِكَ لَا بِقَيْدِ وَقْتِهِ بِإِحْرَامٍ فِي الْجَمِيعِ قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُمْكِنُ حَدُّهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ رَسْمِيٌّ وَالثَّانِي حَدِّيٌّ وَلَا فَرْقَ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ بِالْخَاصَّةِ وَالثَّانِي بِالذَّاتِيِّ وَكَيْفَ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَى الْأَجْزَاءِ الذَّاتِيَّةِ هُنَا وَيَقَعُ التَّعْرِيفُ بِهَا وَقَدْ قَدَّمْنَا إشْكَالَهُ وَمَا فِيهِ وَرَأَيْتُ عَنْ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ أَنَّهُ قَالَ هَذَا فِيهِ تَسَامُحٌ فِي إطْلَاقِ الْحَدِّ هُنَا وَهَذَا صَحِيحٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُمْكِنُ حَدُّهُ بِزِيَادَةٍ إلَخْ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْأَوَّلَ رَسْمِيٌّ وَأَضَافَ إلَيْهِ مَا يُصَيِّرُهُ رَسْمًا شَبِيهًا بِالْحَدِّ بِزِيَادَةِ خَوَاصِّ الْمَاهِيَّةِ كُلِّهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُمْكِنُ رَسْمُهُ رَسْمًا تَامًّا بِالْأَوَّلِ وَرَسْمًا بِالثَّانِي بِزِيَادَةِ هَذِهِ الْخَوَاصِّ فِيهِ اللَّازِمَةِ لَهُ الْمَطْلُوبَةِ شَرْعًا وَهَذَا يَرِدُ فِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَجْزَاءَ الْحَدِّ وَذَاتِيَّتَه فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا ذُكِرَ وَقَدْ يُقَالُ بِأَنَّ الرَّسْمَ أَطْلَقَهُ عَلَى الْحَدِّ النَّاقِصِ فَكَأَنَّهُ قَالَ يُمْكِنُ حَدُّهُ حَدًّا نَاقِصًا بِالْأَوَّلِ وَحَدًّا تَامًّا بِالثَّانِي لِأَنَّ الْأَوَّلَ ذُكِرَ فِيهِ بَعْضُ ذَاتِيَّاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَالثَّانِي اُسْتُوْفِيَ فِيهِ ذَلِكَ وَرُبَّمَا أَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا فَقَالَ إنَّ لُزُومَ الْأَجْزَاءِ لِلْمَاهِيَّةِ خَاصَّةٌ لَهَا فَلَيْسَ ثَمَّ ذَاتِيٌّ وَوَقَعَ هُنَا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ الْمَشَذَّالِيِّ كَلَامٌ قَالَ لَا خَفَاءَ أَنَّ لُزُومَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ذَاتِيٌّ لِلْحَجِّ لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 رُكْنٌ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ رَسْمًا لِأَنَّهُ لَا يُؤْتَى فِي الرَّسْمِ بِالذَّاتِيَّاتِ كُلِّهَا وَإِنْ قِيلَ بِأَنَّ اللُّزُومَ الْمَذْكُورَ خَارِجِيٌّ فَيَلْزَمُ عَدَمُ صِحَّةِ الْحَدِّ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الذَّاتِيِّ ضَرُورَةً قَوْلُهُ أَنَّهُ يُحَدُّ بِزِيَادَةِ مَا ذُكِرَ فَيُضَافُ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ وَأَجَابَ بِأَنْ قَالَ إنَّا نَلْتَزِمُ صِحَّةَ الرَّسْمِ وَأَنَّهُ ذُكِرَ فِيهِ الْجِنْسُ الْبَعِيدُ وَالْخَاصَّةُ وَقَوْلُكُمْ ذِي الْوُقُوفِ ذَاتِيٌّ مَمْنُوعٌ إنَّمَا الذَّاتِيُّ فِعْلُ الْوُقُوفِ فَانْظُرْهُ مَعَ مَا ذَكَرْنَا وَمِثْلُ هَذَا وَاقِعٌ لِلْوَانُّوغِيِّ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَطَوَافُ ذِي طُهْرٍ أَخَصُّ يَظْهَرُ أَنَّهُ قَصَدَ الْحَدَّ لِلْحَجِّ الشَّرْعِيِّ سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا قَالَ بِإِحْرَامٍ فِي الْجَمِيعِ عَلَى مَا سَيَأْتِي رُبَّمَا يُفْهَمُ أَنَّ مُرَادَهُ الْمَاهِيَّةُ الصَّحِيحَةُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَجْزَاءِ الْحَجِّ وَقَوْلُهُ ذِي طُهْرٍ أَخَصُّ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الطَّائِفَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَالْمُصَلِّي فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طَهُورٍ وَالطُّهْرُ الْأَخَصُّ هُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وُجُودُ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْكُبْرَى ثُبُوتُ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَلِذَا قِيلَ ذِي طُهْرٍ أَخَصُّ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذِي طُهْرٍ فَقَطْ لَصَدَقَ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى إذَا كَانَ عَلَيْهَا وَقَدْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَصْغَرَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَصِحَّ الطَّوَافُ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ شَرْعًا وَأَيْضًا لَوْ أَطْلَقَ الطُّهْرَ دَخَلَتْ طَهَارَةُ الْخَبَثِ وَهِيَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ بَلْ فِي كَمَالِهِ وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ هَذَا أَقْرَبُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ وَقَدْ فَسَّرَهُ تِلْمِيذُهُ سَيِّدِي الْفَقِيهُ الْأَبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ وَيَعْنِي بِطُهْرٍ أَخَصَّ أَنَّ الِاغْتِسَالَاتِ فِي الْحَجِّ لَا تَكْفِي إلَّا أَنْ يُقْصَدَ بِهِ ذَلِكَ الَّذِي اغْتَسَلَ لَهُ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الِاغْتِسَالَاتِ إنَّمَا هِيَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ فَلَا يَصِحُّ ذِكْرُهَا فِي خَاصِّيَّتِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ لِأَنَّ اغْتِسَالَ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ وَلَمْ يُقْصَدْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا ذُكِرَ شَرْطُ الطَّوَافِ. (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قُلْتُمْ بِأَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَدَّ الْمَاهِيَّةَ الشَّرْعِيَّةَ أَعَمَّ مِنْ صَحِيحِهَا أَوْ فَاسِدِهَا فَمَا بَالُهُ اشْتَرَطَ فِي الطَّوَافِ شَرْطَ صِحَّتِهِ وَقَالَ فِي الصَّلَاةِ ذَاتِ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ وَلَمْ يَقُلْ لِذِي طُهْرٍ أَخَصَّ (قُلْتُ) لَمَّا احْتَاجَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى جَمْعِ أَجْزَاءِ الْمَحْدُودِ فِي الْحَدِّ وَكَانَ فِيهَا مَا هُوَ جَلِيٌّ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فِي وَقْتِهِ وَذَكَرَ الطَّوَافَ احْتَاجَ إلَى بَيَانِهِ بِمَا صَيَّرَهُ الشَّارِعُ رُكْنًا فِي الْحَجِّ وَأَمَرَ بِهِ فَذَكَرَ صِفَةَ الطَّوَافِ الشَّرْعِيِّ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا وَهِيَ الَّتِي وَقَعَ التَّعْرِيفُ بِهَا وَفِيهِ بَحْثٌ وَقَوْلُهُ بِالْبَيْتِ أَخْرَجَ بِهِ الطَّوَافَ بِغَيْرِ الْبَيْتِ وَالْبَيْتُ الْكَعْبَةُ عَلَمٌ عَلَى ذَلِكَ مَشْهُورٌ وَقَوْلُهُ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 يَسَارِهِ بَيَانٌ لِصِفَةِ صِحَّةِ الطَّوَافِ الشَّرْعِيِّ وَنَصَبَ سَبْعًا عَلَى الْمَصْدَرِ كَقَوْلِك ضَرَبْتُهُ عِشْرِينَ ضَرْبَةً وَبَعْدَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ أَخْرَجَ بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ وَبَيَّنَ بِهِ إنَّ ذَاتِيَّ الْحَجِّ مِنْ الطَّوَافِ إنَّمَا هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ لِقَوْلِهِ ثُمَّ أَفِيضُوا (فَإِنْ قُلْتَ) مَا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ صَحِيحٌ وَأَمَّا تَرْتِيبُ كَوْنِ الْبَيْتِ عَنْ الْيَسَارِ فَهَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ. (قُلْتُ) نَعَمْ ذَلِكَ شَرَطَ فِي صِحَّتَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلِ وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّهُ قَالَ يَتَخَرَّجُ إذَا طَافَ مَنْكُوسًا عَلَى تَارِكِ السُّنَنِ مُتَعَمِّدًا وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ بَعْدَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ قِيلَ وَأَجْرَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى تَنْكِيسِ الْوُضُوءِ وَنُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَنَّهُ قَالَ التَّنْكِيسُ فِي الْعِبَادَةِ أَمَّا فِي تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ فَفِي ذَلِكَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ وَأَمَّا فِي تَنْكِيسِ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ فِي مِثْلِ تَقْدِيمِ سُجُودِهَا عَلَى رُكُوعِهَا فَذَلِكَ يُبْطِلُهَا بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ كَانَ فِي تَنْكِيسِ صِفَةِ الْأَقْوَالِ مِثْلُ قِرَاءَتِهِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِالْحَمْدِ فَقَطْ وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ مُتَعَمِّدًا فَقِيلَ الصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ وَقِيلَ بِبُطْلَانِهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ وَدَلِيلُ الْمَشْهُورِ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا مَرَّ بِقَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لَا تُجْمَعُ فِيهَا الْجُمُعَةُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ وَيُعِيدُونَ مَعَ أَنَّهُ فَرْضُهُ رَكْعَتَانِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَأَتَى بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ تُجْزِئُ عَنْ الظُّهْرِ ثُمَّ قَالَ وَمَسْأَلَةُ الطَّائِفِ بِالْبَيْتِ مَنْكُوسًا أَشَدُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ هَذَا الَّذِي رَأَيْته عَنْهُ فَتَأَمَّلْهُ وَيُرَدُّ فِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَتَأَمَّلْ كَلَامَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَيْفَ يَصِحُّ لَهُ الدَّلِيلُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِمَامِ الْمُصَلِّي بِالْقَرْيَةِ فَإِنَّ فِيهَا تَرْكَ السُّنَّةِ مُتَعَمِّدًا وَالتَّنْكِيسُ لَمْ يُوجَدْ وَقَصْدُهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ تَرْكُ السُّنَّةِ مُتَعَمِّدًا يُوجِبُ الْإِعَادَةَ فِيمَا يَظْهَرُ وَيُفْهَمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَسَعْيٌ مَعْطُوفٌ عَلَى طَوَافٍ وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الذَّاتِيُّ الثَّالِثُ. ثُمَّ إنَّهُ رَسَمَهُ أَيْضًا كَمَا رَسَمَ الطَّوَافَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِلسَّامِعِ فَبَيَّنَهُ بِخَوَاصِّهِ فَقَالَ مِنْ الصَّفَا لِلْمَرْوَةِ وَهَذَا الرَّتِيبُ وَاجِبٌ وَغَيْرُهُ لَغْوٌ وَمِنْهَا أَيْ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا سَبْعًا نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْضًا. ثُمَّ أَشَارَ إلَى شَرْطِ السَّعْيِ الذَّاتِيِّ وَهُوَ شَرْطُ صِحَّتِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ بَعْدَ طَوَافٍ كَذَلِكَ أَيْ مِثْلُ الطَّوَافِ الْمَذْكُورِ بِصِفَتِهِ وَهُوَ طَوَافُ ذِي طُهْرٍ أَخَصُّ إلَخْ. وَقَوْلُهُ لَا يُقَيَّدُ وَقْتُهُ أَخْرَجَ بِهِ خُصُوصَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ الْمَذْكُورِ وَإِنَّ السَّعْيَ أَنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حُصُولُ طَوَافٍ قَبْلَهُ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ لَا خُصُوصَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ طَوَافًا وَاجِبًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ تِلْمِيذُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي وَقْتِ السَّعْيِ أَنْ يَكُونَ هُوَ وَقْتُ الطَّوَافِ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِإِحْرَامٍ فِي الْجَمِيعِ صِفَةٍ لِلْعِبَادَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْ عِبَادَةٍ مَصْحُوبَةٍ بِإِحْرَامٍ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ أَجْزَائِهَا لَا فِي وُقُوفِهَا وَلَا فِي طَوَافِهَا وَلَا فِي سَعْيِهَا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ مُجْتَمِعَةٌ وَأَنَّ الْإِحْرَامَ مَصْحُوبٌ بِكُلٍّ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَزِدْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَكَانَ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ طَوَافًا صَحِيحًا شَرْعِيًّا ثُمَّ أَحْرَمَ بَعْدَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الطَّوَافُ جُزْءًا مِنْ الْحَجِّ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ فِي غَيْرِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) وَلِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ كَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ ذَاتِ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ فِي الْجَمِيعِ (قُلْتُ) الْفَارِقُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَنَّ الْحَجَّ عِبَادَاتٌ وَالصَّلَاةُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ وَلِذَا قَالَ عِزُّ الدِّينِ إذَا فَرَّقَ النِّيَّةَ عَلَى أَجْزَائِهَا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهَا لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ. (فَإِنْ قُلْتَ) كَلَامُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَسَنٌ جِدًّا وَيَرِدُ عَلَيْهِ سُؤَالٌ فِي كَوْنِهِ ذَكَرَ فِي التَّفْسِيرِ لِلْمَحْدُودِ الْإِحْرَامَ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ كَمَا بَيَّنَ مَا أُبْهِمَ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَجِّ فَأَحَالَ السَّامِعَ عَلَى إبْهَامٍ فِي مَقَامِ الْإِفْهَامِ. (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ حُسْنِ إدْرَاكِهِ وَبَلَاغَةِ فَهْمِهِ لَمَّا كَانَ الْإِحْرَامُ فِيهِ أَشْكَالٌ وَأَقْوَالٌ وَاسْتَشْكَلَ فَهْمُهُ عِزُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ احْتَاجَ إلَى تَعْرِيفٍ لَهُ مُسْتَقِلٍّ فِيهِ طُولٌ وَذَكَرَهُ قَرِيبًا مِنْ هَذَا وَحَقَّقَهُ وَعُلِمَ أَنَّ تَأْلِيفَهُ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ صَلُحَتْ جَوْدَتُهُ وَمُشَارَكَتُهُ وَطَالَعَهُ فَاتَّكَلَ عَلَى مَا بَيَّنَهُ لِكَثْرَةِ طُولِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَأَفْهَمَ مَقْصِدَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا صَحَّ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَجْزَاءِ الْحَجِّ وَأَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ ذَلِكَ فَهَلَّا اشْتَرَطَ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَنْ لَا يَقِفَ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ عَرَفَةَ مِنْ الْحَرَمِ وَعَرَفَةَ مِنْ الْحِلِّ فَهَلَّا زَادَ ذَلِكَ فِي هَذَا الرُّكْنِ كَمَا ذَكَرَ التَّرْتِيبَ فِي الطُّولِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ اتَّكَلَ عَلَى رَسْمِ الْوُقُوفِ الرُّكْنِيِّ لِمَا يَأْتِي لَهُ كَمَا أَشَارَ إلَى الْإِحْرَامِ وَفِيهِ بَحْثٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ. [بَابٌ فِيمَا يَجِبُ الْحَجُّ بِهِ وَمَا يَصِحُّ بِهِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " يَجِبُ بِالتَّكْلِيفِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِطَاعَةِ وَالْإِسْلَامِ " قَوْلُهُ " بِالتَّكْلِيفِ " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ مِنْ مَجْنُونٍ وَمَا شَابَهَهُ " وَالْحُرِّيَّةِ " أَخْرَجَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 بِهَا الْعَبْدَ " وَالِاسْتِطَاعَةِ " أَخْرَجَ بِهَا غَيْرَ الْمُسْتَطِيعِ " وَالْإِسْلَامِ " أَخْرَجَ بِهِ الْكَافِرَ (فَإِنْ قُلْتَ) هَذِهِ شُرُوطُ وُجُوبٍ أَوْ شُرُوطُ صِحَّةٍ (قُلْتُ) شُرُوطُ وُجُوبٍ وَيَأْتِي مَا تَقَدَّمَ فِي الصِّيَامِ فِي شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَشُرُوطِ الصِّحَّةِ وَمَا فَرَّقَ بِهِ بَيْنَهُمَا وَقَالَ الشَّيْخُ بَعْدَ فِي شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَيَصِحُّ بِالْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ فَيَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ وَمِنْ الْعَبْدِ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُمَا وَتَأَمَّلْ لِأَيِّ شَيْءٍ عَدَلَ عَنْ عِبَارَةِ الصِّيَامِ فِي قَوْلِهِ شُرُوطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ (فَإِنْ قُلْتَ) الْحُرِّيَّةُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْعَبْدِ وَإِذَا حَجَّ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَالْجُمُعَةُ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِهَا الْحُرِّيَّةُ وَإِذَا صَلَّاهَا أَجْزَأَتْهُ عَنْ ظُهْرِهِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا (قُلْتُ) الْجُمُعَةُ اُخْتُلِفَ فِي خِطَابِهِ بِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ فَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَهُوَ مُخَاطَبٌ بِهَا فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ لِحَقِّ السَّيِّدِ فَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ حَاصِلٌ وَقِيلَ إنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهَا كَمَا قِيلَ فِي الْحَجِّ وَعَلَى هَذَا فَقِيلَ إنَّمَا أَجْزَأَتْهُ فِي الْجُمُعَةِ عَنْ الظُّهْرِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ بَدَلٌ عَنْ الظُّهْرِ وَالْحَجُّ لَيْسَ لَهُ بَدَلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَاب الِاسْتِطَاعَة فِي الْحَجّ] بَابُ الِاسْتِطَاعَةِ قُدْرَةُ الْوُصُولِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ وَزَادٌ وَرَاحِلَةٌ. [بَابٌ فِي مُسْقِطِ وُجُوبِ الْحَجّ] يَسْقُطُ بِطَلَبِ نَفْسٍ أَوْ مُجْحِفٍ أَوْ مَا لَا حَدَّ لَهُ. [بَابُ شُرُوطِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ] صِحَّةُ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ أَوْ جَمَاعَةِ نِسَاءٍ أَوْ نَاسٍ. [بَابُ إحْرَامِ الْحَجِّ] (ح ر م) : بَابُ إحْرَامِ الْحَجِّ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ عِزَّ الدِّينِ اسْتَشْكَلَ تَعْرِيفَهُ وَأَنَّهُ أَبْطَلَ كَوْنَهُ التَّلْبِيَةَ لِأَنَّهُ رُكْنٌ وَالتَّلْبِيَةُ لَيْسَتْ بِرُكْنٍ وَأَبْطَلَ كَوْنَ الْإِحْرَامِ النِّيَّةَ فَإِنَّهَا شَرْطٌ فِي الْحَجِّ فَهِيَ خَارِجَةٌ وَالْإِحْرَامُ دَاخِلٌ وَنُقِلَ أَنَّ تَقِيَّ الدِّينِ عَرَّفَهُ بِأَنَّهُ الدُّخُولُ إلَخْ قَالَ وَرَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 بِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ الدُّخُولُ بِهِ النِّيَّةُ وَالتَّلْبِيَةُ وَالتَّوَجُّهُ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ وَالنِّيَّةُ وَالتَّلْبِيَةُ لِلْمَكِّيِّ وَالْوَاجِبُ مِنْ هَذِهِ النِّيَّةِ وَحْدَهَا وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَا يَكُونُ جُزْءًا مِنْ وَاجِبٍ وَالْإِحْرَامُ جُزْءٌ قَالَ الشَّيْخُ وَيُرَدُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ بِأَنْ نَقُولَ التَّوَجُّهُ وَاجِبٌ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِ الْمَكِّيِّ وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي وَالصَّقَلِّيِّ أَنَّهُمَا حَدَّاهُ بِاعْتِقَادِ الدُّخُولِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَلَمْ يَرْتَضِ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْحُدُودِ ثُمَّ رَدَّ حَدَّ تَقِيِّ الدِّينِ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ أَدَارَ التَّقْسِيمَ فِي قَوْلِهِ الدُّخُولُ فِي أَحَدِ النُّسُكَيْنِ إلَخْ فَإِنْ أَرَادَ حَقِيقَةَ الدُّخُولِ وَهُوَ إنْشَاؤُهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرَ مَحْرَمٍ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِي ذَلِكَ وَإِذَا دَخَلَ فِي أَحَدِ النُّسُكَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ وُجُودُ الْإِحْرَامِ حَقِيقَةً بَعْدَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْرَمٍ بِدُخُولِهِ هَذَا خُلْفٌ وَإِنْ أَرَادَ بِالدُّخُولِ مُطْلَقَ فِعْلِ الْحَاجِّ أَوْ مُطْلَقَ فِعْلِ مَا فِي الْعُمْرَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَنْفِيَ عَنْ الْمُحْصَرِ الْإِحْرَامَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ فِعْلِ النُّسُكَيْنِ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ أَنَّ النَّائِمَ لَا إحْرَامَ لَهُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ ثُمَّ رَدَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَدَّ الصَّقَلِّيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ بِقَوْلِهِ وَيَبْطُلُ الْحَدُّ الثَّانِي بِالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَالْغَافِلِ عَنْ الِاعْتِقَادِ فَيَكُونُ الْحَدُّ غَيْرَ جَامِعٍ لِأَنَّهُمْ مُحْرِمُونَ إجْمَاعًا ثُمَّ قَالَ وَلَا يُرَدَّانِ أَيْ الْحَدَّانِ اللَّذَانِ رَدَّهُمَا بِأَنْ يُقَالَ الدُّخُولُ فِي الْحَجِّ مُضَافٌ لِلْحَجِّ وَالْإِحْرَامُ جُزْءٌ مِنْ الْحَجِّ فَتَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ الْحَجِّ عَلَى الْإِحْرَامِ فَصَارَ الْحَجُّ مُتَوَقِّفًا عَلَى الْإِحْرَامِ وَالْإِحْرَامُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْحَجِّ إمَّا أَنَّ الْحَجَّ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ وَالتَّعْرِيفُ لِلْمَاهِيَّةِ يَقَعُ بِهِ وَإِمَّا أَنَّ الْإِحْرَامَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحَجِّ فَإِنَّهُ وَقَعَ تَعْرِيفُهُ بِمَا أُضِيفَ إلَى الْحَجِّ فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الدَّوْرُ وَهُوَ بَاطِلٌ عَقْلًا. قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُرَدُّ هَذَا الدَّوْرُ لِأَنَّا نَمْنَعُ الْمُقَدِّمَةَ الثَّانِيَةَ الْقَائِلَةَ وَالْإِحْرَامُ جُزْءُ الْحَجِّ فَتَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ الْحَجِّ عَلَيْهِ وَبَيَانُ سَنَدِ الْمَنْعِ أَنْ نَقُولَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَجُّ مُعَرَّفًا بِغَيْرِ الْحَدِّ التَّامِّ إمَّا بِحَدٍّ نَاقِصٍ أَوْ رَسْمٍ تَامٍّ أَوْ نَاقِصٍ وَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ إلَّا إذَا وَقَعَ التَّعْرِيفُ بِالْحَدِّ التَّامِّ أَوْ بِنَاقِصٍ وَيَكُونُ مُجَرَّدَ الْإِحْرَامِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي اخْتِصَارِهِ مَعَ غَزَارَةِ كَثْرَةِ جَمْعِهِ وَعِلْمِهِ. ثُمَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَغْلَظَ فِي الصَّدْعِ بِالْحَقِّ وَالنُّطْقِ بِالصِّدْقِ إنْ كُلُّهُمْ تَكَلَّمَ بِالْغَلَطِ أَيْ كُلُّ شَخْصٍ حَادٌّ أَوْ بَاحِثٌ مِمَّنْ ذَكَرَهُ. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ سَبَبَ وُقُوعِ الْغَلَطِ مِنْ عَدَمِ تَحَقُّقِ الشُّعُورِ بِمُمَيِّزِ مَاهِيَّةِ الْإِحْرَامِ وَمَعْرِفَةِ حَقِيقَتِهِ عَنْ الَّذِي يَنْعَقِدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 الْإِحْرَامُ بِهِ وَبِوُجُودِهِ فَالنِّيَّةُ يَنْعَقِدُ بِهَا الْإِحْرَامُ وَكَذَلِكَ التَّوَجُّهُ وَذَلِكَ كُلُّهُ سَبَبٌ فِي حُصُولِ الْإِحْرَامِ وَالسَّبَبُ غَيْرُ الْمُسَبَّبِ قَطْعًا كَمَا نَقُولُ الصَّلَاةُ لَهَا إحْرَامٌ وَتَكْبِيرُ إحْرَامٍ فَالتَّكْبِيرُ مَعَ النِّيَّةِ سَبَبٌ فِي حُصُولِ الْإِحْرَامِ وَالْإِحْرَامُ مُسَبَّبٌ فَاحْتَاجَ الشَّيْخُ الْمُحَقِّقُ لِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إلَى بَيَانِ حَقِيقَةِ الْإِحْرَامِ وَذَكَرَ سَبَبَهُ هَذَا مِنْ مَحَاسِنِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَزَارَةِ عِلْمِهِ فَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَسْمِ الْإِحْرَامِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا حُرْمَةَ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ مُطْلَقًا وَإِلْقَاءِ التَّفَثِ وَالطِّيبِ وَلُبْسِ الذُّكُورِ الْمَخِيطَ وَالصَّيْدِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لَا يَبْطُلُ بِمَا تَمْنَعُهُ (أَقُولُ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَى أَنَّ الْإِحْرَامَ مَعْنًى حُكْمِيٌّ تَقْدِيرِيٌّ كَالطَّهَارَةِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلِذَا ذَكَرَ الْجِنْسَ لِيُنَاسِبَ الْمَحْدُودَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَقُولَتِهِ. وَقَوْلُهُ حُرْمَةٌ يَخْرُجُ بِهِ الطَّهَارَةُ وَهُوَ كَالْفَصْلِ. قَوْلُهُ مُقَدِّمَاتُ الْوَطْءِ إذَا حَرُمَ الْمُقَدِّمَاتُ حَرُمَ الْوَطْءُ وَلِذَا اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا قَالَ مُقَدِّمَةُ الْوَطْءِ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى مُحَلًّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيَعُمُّ فَيَقُومُ مَقَامَ الْجَمْعِ وَهُوَ أَخْصَرُ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ فِي ذَلِكَ نِزَاعًا فَصَرَّحَ بِمَا يُزِيلُ الْإِشْكَالَ فِي الْحَدِّ. قَوْلُهُ مُطْلَقًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ لَيْلًا وَنَهَارًا سِرًّا وَجِهَارًا كَانَ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ أَوْ فِي غَيْرِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْإِطْلَاقِ لَا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا بِخِلَافِ إلْقَاءِ التَّفَثِ وَالطِّيبِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَقْرَبُ وَلَوْ قَالَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا حُرْمَةَ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الْإِطْلَاقِ لَصَدَقَ فِي حَالَةِ الطَّوَافِ مَثَلًا فَصَدَقَ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ أَنَّهُ أَوْجَبَ حُرْمَةَ الْمُقَدِّمَاتِ فَمَا وَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَجِّ لَا يَدُلُّ عَلَى عُمُومِ التَّحْرِيمِ فِيهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ مُطْلَقًا أَيْ فِي جَمِيعِ حَالَاتِ الْحَجِّ قَوْلُهُ وَإِلْقَاءِ التَّفَثِ عَطْفٌ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ وَالطِّيبِ كَذَلِكَ وَلُبْسِ الذُّكُورِ الْمَخِيطَ إلَى آخِرِهِ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا زَادَ الذُّكُورَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَحْرُمُ فِي حَقِّهَا ذَلِكَ لِأَنَّ إحْرَامَهَا غَيْرُ إحْرَامِ الرَّجُلِ وَلِلشَّيْخِ فِي لَفْظِ إحْرَامِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ بَحْثٌ حَسَنٌ. وَقَوْلُهُ وَالصَّيْدُ كَذَلِكَ فِي الْعَطْفُ وَمُرَادُهُ الِاصْطِيَادُ لَا مِلْكُ الصَّيْدِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ صَيْدٌ ثُمَّ أَحْرَمَ وَلَمْ يَكُنْ حَامِلُهُ لَا يَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ فَفِيهِ مَا يُتَأَمَّلُ اُنْظُرْ مَا فِي الصَّيْدِ. (فَإِنْ قُلْتَ) أَطْلَقَ الصَّيْدَ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ صَيْدُ الْبَرِّ لَا الْبَحْرِ (قُلْتُ) رَأَى أَنَّ الصَّيْدَ الْمُطْلَقَ لَقَبٌ عَلَى صَيْدِ الْبَرِّ. قَوْلُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ رَاجِعٌ لِلْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُمْنَعُ مَعَ الِاخْتِيَارِ كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 قَوْلُهُ لَا يَبْطُلُ بِمَا تَمْنَعُهُ صِفَةٌ لِلصِّفَةِ أَوْ حَالٌ وَزَادَ ذَلِكَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الصِّفَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ إحْرَامَ غَيْرِهَا يَبْطُلُ بِمَمْنُوعِهِ كَإِحْرَامِ الصَّلَاةِ وَإِحْرَامِ الِاعْتِكَافِ وَإِحْرَامِ الصَّوْمِ وَهَذِهِ لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ وَمُرَادُهُ بِالْبُطْلَانِ قَطْعُهَا أَيْ لَا يَجِبُ قَطْعُهَا بِحُصُولِ مَمْنُوعِهَا وَإِنْ كَانَ الْمَمْنُوعُ مِمَّا يُفْسِدُ الْحَجَّ كَالْوَطْءِ لِأَنَّ مَمْنُوعَاتِ الْحَجِّ مِنْهَا مُفْسِدٌ وَغَيْرُ مُفْسِدٍ هَذَا مَعْنَى هَذَا الْحَدِّ وَفِيهِ بَحْثٌ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ (فَإِنْ قُلْتَ) هَذَا الْأَخِيرُ أَيُّ شَيْءٌ أَخْرَجَ بِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْإِحْرَامَاتِ الَّتِي شَارَكَتْ هَذَا الْإِحْرَامَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الصِّفَاتِ (قُلْتُ) كَانَ يَمْضِي لَنَا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مَا يُخْرَجُ بِهِ لِأَنَّ إحْرَامَ الصَّلَاةِ إنْ سُلِّمَ دُخُولُهُ فَلَا يُشَارِكُ الْإِحْرَامَ الْمَذْكُورَ فِيمَا ذُكِرَ وَكَذَلِكَ الِاعْتِكَافُ وَالصِّيَامُ وَلَمْ يُبَيِّنْ بِهِ إلَّا زِيَادَةً خَاصَّةً لِهَذَا الْإِحْرَامِ. [بَابُ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ إحْرَامُ الْحَجِّ] (ع م ر) : بَابُ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ إحْرَامُ الْحَجِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " فَيَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ مَعَ ابْتِدَاءِ تَوَجُّهِ الْمَاشِي أَوْ اسْتِوَاءِ الرَّاكِبِ عَلَى رَاحِلَتِهِ " قَوْلُهُ " بِالنِّيَّةِ " هُوَ قَرِيبٌ مِمَّا مُيِّزَ بِهِ إحْرَامُ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ قَالَ ابْتِدَاؤُهَا مُقَارِنًا لِنِيَّتِهَا وَتَأَمَّلْ مَا سِرُّ تَلْوِينِهِ فِي الْعِبَارَةِ هُنَا مَعَ مَا فِي إحْرَامِ الصَّلَاةِ وَهُنَا صَيَّرَ مِثْلَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي الْإِحْرَامِ وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ قَوْلُهُ " ابْتِدَاءِ تَوَجُّهِ الْمَاشِي " يُرِيدُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَكَانَ رَاجِلًا. قَوْلُهُ " أَوْ اسْتِوَاءِ إلَخْ " هَذَا فِي الرَّاكِبِ وَلَا يُزَادُ التَّلْبِيَةُ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَلَا يُكْتَفَى بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ إلَّا مَا وَقَعَ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَاللَّخْمِيِّ (فَإِنْ قُلْتَ) وَقَعَ فِيهَا إذَا قَالَ أَنَا مُحْرِمٌ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَهُوَ يَوْمَ يُكَلِّمُهُ مُحْرِمٌ فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْإِحْرَامَ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ نِيَّةِ مَا أُضِيفَ إلَيْهَا (قُلْتُ) تَأْوِيلُ بَعْضِهِمْ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِإِنْشَاءِ إحْرَامٍ وَتَأَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَكُونُ بِغَيْرِ إنْشَاءٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ وَعَلَى الثَّانِي فِيهِ نَظَرٌ وَذَكَرَ الشَّيْخُ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ هُنَا وَلَمْ يُبَيِّنْ مَعْنَاهَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 [بَابٌ فِي الْعُمْرَةِ] ع م ر) : بَابٌ فِي الْعُمْرَةِ يُؤْخَذُ حَدُّهَا مِنْ كَلَامِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنْ نَقُولَ عِبَادَةٌ يَلْزَمُهَا طَوَافٌ وَسَعْيٌ فِي إحْرَامٍ جُمِعَ فِيهِ بَيْنَ حِلٍّ وَحَرَمٍ فَقَوْلُنَا عِبَادَةٌ جِنْسٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْحَجُّ وَقَوْلُنَا يَلْزَمُهَا طَوَافٌ وَسَعْيٌ إلَخْ يَخْرُجُ الْحَجُّ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ أَنْ يُجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ حِلٍّ وَحَرَمٍ (فَإِنْ قُلْتَ) حَجُّ الْقَارِنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُجْمَعُ فِي إحْرَامِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ (قُلْتُ) لَيْسَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْحَجِّ بَلْ لِأَجْلِ عُمْرَةِ الْقِرَانِ وَأَيْضًا فَلَا يُرَدُّ حَجُّ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَوَافٌ وَسَعْيٌ فَقَطْ بَلْ لَوَازِمُ الْحَجِّ الْمَذْكُورَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ بِالْعُمْرَةِ وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ قَالُوا إنَّهَا عُمْرَةٌ وَيَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ فَكَيْفَ يَصْدُقُ الْحَدُّ فِي ذَلِكَ (قُلْتُ) لَا يَخْلُو إطْلَاقُ الْعُمْرَةِ عَلَيْهَا قَبْلَ الْجَمْعِ مِنْ مُسَامَحَةٍ فِي ذَلِكَ وَالْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ وَالْمَكَانِيُّ تَعْرِيفُهُمَا جَلِيٌّ. [بَابُ الْإِفْرَادِ فِي الْحَجِّ] (ف ر د) : بَابُ الْإِفْرَادِ فِي الْحَجِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " الْإِفْرَادُ الْإِحْرَامُ بِنِيَّةِ الْحَجِّ فَقَطْ " قَوْلُهُ " الْإِحْرَامُ " جِنْسٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْقِرَانُ وَالْمُتْعَةُ. قَوْلُهُ " فَقَطْ " أَخْرَجَ بِهِ مَا ذُكِرَ فَقَوْلُهُ فَقَطْ أَصْلُهُ مَا تَقَدَّمَ مِرَارًا. [بَابُ الْقِرَانِ] (ق ر ن) : بَابُ الْقِرَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " الْإِحْرَامُ بِنِيَّةِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ " وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا يُقَالُ الْإِرْدَافُ بِالْحَجِّ قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ قِرَانٌ لَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ قِرَانٌ أَيْ مُلْحَقٌ بِالْقِرَانِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُتْعَةِ] (م ت ع) : بَابُ الْمُتْعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - " إحْرَامُ مَنْ أَتَمَّ رُكْنَ عُمْرَتِهِ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وَلَوْ بِآخِرِ شَرْطٍ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِحَجِّ عَامِهِ لَا حَلْقِهَا " قَوْلُهُ " إحْرَامُ مَنْ أَتَمَّ " جِنْسٌ وَمَا بَعْدَهُ يَخْرُجُ بِهِ الْقِرَانُ وَالْإِفْرَادُ. قَوْلُهُ " وَلَوْ بِآخِرِ " أَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِحْلَالَ مِنْ الْعُمْرَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ أَيُّ رُكْنٍ كَانَ وَلَوْ بِشَرْطٍ مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يَقَعُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ بَعْدَهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ سَعْيُهُ لَا حَلْقُهُ وَلَوْ بَعْضُ السَّعْيِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا حَلْقِهَا أَيْ لَا حَلْقِ الْعُمْرَةِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى آخِرِ أَيْ وَلَوْ بِآخِرِ شَرْط لَا بِحَلْقِ وَقَوْلُهُ " لِحَجِّ عَامِهِ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا كَانَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ مِنْ عَامَيْنِ وَهَذَا الشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْهُ قِيلَ بِاتِّفَاقٍ وَأَشَارَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ وَهُوَ إتْمَامُ رُكْنٍ مِنْ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ وَهُوَ جَلِيٌّ كَمَا قَرَّرَ هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَعْنَى الْمُتْعَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ عَرَّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُتْعَةَ الْمُطْلَقَةَ أَوْ الْمُتْعَةَ الَّتِي يَلْزَمُ الدَّمُ فِيهَا فَإِنْ عَرَّفَ الْمُتْعَةَ الْمُطْلَقَةَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ ثُمَّ يَذْكُرُ شُرُوطَ وُجُوبِ الدَّمِ وَإِنْ عَرَّفَ الْمُتْعَةَ الَّتِي يَجِبُ الدَّمُ فِيهَا فَقَدْ أَسْقَطَ شَرْطَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَقِيقَةُ الْمُتْعَةِ الشَّرْعِيَّةِ عِنْدَهُ مَا ذُكِرَ وَلَا تَصْدُقُ الْمُتْعَةُ عَلَى غَيْرِهَا وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَشَرْطُ الدَّمِ فِيهَا ذِكْرُهُ بَعْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُرَاهِقِ] (ر هـ ق) : بَابُ الْمُرَاهِقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مَنْ خَافَ فَوَاتَ الْوُقُوفِ إنْ طَافَ وَسَعَى " قَالَ الْبَاجِيُّ مَنْ ضَاقَ وَقْتُ إدْرَاكِ وُقُوفِهِ عَنْهُمَا لِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ. وَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ بَيْنَ الرَّسْمَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الرَّمَلِ] (ر م ل) : بَابُ الرَّمَلِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " التَّلْقِينُ هُوَ الْخَبَبُ " الْبَاجِيُّ الْإِسْرَاعُ بِالْخَبِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 [بَابٌ فِي الْوُقُوفِ الرُّكْنِيِّ] وق ف) : بَابٌ فِي الْوُقُوفِ الرُّكْنِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ " كَوْنٌ غَيْرُ مَشْيٍ بِعَرَفَةَ لَيْلًا سِوَى عُرَنَةَ " قَوْلُهُ " كَوْنٌ " جِنْسٌ يَعُمُّ السُّكُونَ وَالْمَشْيَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوُقُوفِ وَالْجُلُوسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ " غَيْرُ مَشْيٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْمَارَّ بِعَرَفَةَ وَبِعَرَفَةَ يَتَعَلَّقُ بِكَوْن وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ " لَيْلًا " إذَا وَقَفَ بِالنَّهَارِ وَ " سِوَى عُرَنَةَ " مَوْضِعٌ بِالْحَرَمِ وَعَرَفَةَ كُلُّهَا حِلٌّ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ عَرَّفَ الشَّيْخُ الْوُقُوفَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ أَوْ الْأَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ (قُلْتُ) إنْ قَصَدَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ إشْكَالٌ وَإِنْ قَصَدَ الْأَعَمَّ فَفِيهِ الْإِشْكَالُ لِأَنَّهُ إنْ قَصَدَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمَارَّ إذَا لَمْ يَقِفْ فَفِيهِ خِلَافٌ وَقَالَ فِيهَا قُلْتُ مَنْ مَرَّ بِهَا بَعْدَ دَفْعِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقِفْ أَيُجْزِئُهُ قَالَ قَالَ مَالِكٌ مَنْ وَقَفَ لَيْلًا بَعْدَ الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ وَلَمْ نَكْشِفْهُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَأَمَّا إنْ نَوَى بِمُرُورِهِ الْوُقُوفَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ قَصَدَ الْمُخْتَلِفَ فَلَا يَظْهَرُ لِاسْتِثْنَائِهِ عُرَنَةَ سِرٌّ لِأَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ إذَا مَرَّ بِعَرَفَةَ جَاهِلًا فَقِيلَ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَيَحْتَاجُ هَذَا إلَى تَأَمُّلٍ مَعَ نُصُوصِ الْمَذْهَبِ اُنْظُرْ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ كَوْنٌ غَيْرُ مَشْيٍ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ الْعَشْرِ مِنْ ذِي حِجَّةٍ إلَخْ لِئَلَّا يَكُونَ رَسْمُهُ غَيْرَ مُطَّرِدٍ بِمَا لَا يَخْفَى (قُلْتُ) قَرِينَةُ قَوْلِهِ الْوُقُوفِ الرُّكْنِيِّ يَعْنِي فِي الْحَجِّ يُغْنِي عَنْهُ وَلَا يَخْلُو مِنْ تَسَامُحٍ فِيهِ. [بَابُ وَقْتِ أَدَاءِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " يَوْمُ النَّحْرِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ " قَوْلُهُ " يَوْمُ النَّحْرِ " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ " طُلُوعِ الْفَجْرِ " لِأَنَّ الرَّمْيَ قَبْلَهُ. لَغْوٌ قَوْلُهُ " إلَى الْغُرُوبِ " (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ هَلْ يَرْمِي (قُلْتُ) يَرْمِي وَاخْتُلِفَ فِي لُزُومِ الدَّمِ قَالَ الشَّيْخُ فَعَلَى الدَّمِ يَكُونُ اللَّيْلُ قَضَاءً وَعَلَى نَفْيِهِ يَكُونُ وَقْتَ ضَرُورَةِ أَدَاءً فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 [بَابُ أَوَّلِ وَقْتِ الرَّمْي] ِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَآخِرُهُ قَالَ " مِنْ الزَّوَالِ وَآخِرُهُ إلَى الْغُرُوبِ " (فَإِنْ قُلْتَ) مَا وَقْتُ الِاخْتِيَارِ فِيهِ (قُلْتُ) إلَى الِاصْفِرَارِ وَمِنْ الِاصْفِرَارِ إلَى الْغُرُوبِ ضَرُورَةً كَذَا قَالُوهُ. [بَابُ وَقْتِ الْقَضَاءِ لِرَمْيِ الْجِمَارِ] بَابُ وَقْتِ الْقَضَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ " وَقَوْلُ الْبَاجِيِّ مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ إلَى غُرُوبِ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ سَوَاءٌ فَلَا قَضَاءَ لِلرَّابِعِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ مَا يَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ الْأَصْغَرُ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " بِرَمْيِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ " مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ رَمَى الْعَقَبَةَ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءُ وَالصَّيْدُ وَالطِّيبُ وَقَوْلُهُ " بِرَمْيٍ " يَتَعَلَّقُ بِمُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ. [بَابُ فَوْتِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " بِخُرُوجِ وَقْتِهَا كَفِعْلِهَا فِي الْإِحْلَالِ الْأَصْغَرِ ". [بَابُ التَّحَلُّلِ الْأَكْبَرِ مِنْ الْحَجّ] (ط وف) : بَابُ التَّحَلُّلِ الْأَكْبَرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ سَبْعًا " كَمَا مَرَّ قَالَ الْبَاجِيُّ هُوَ نِهَايَةُ الْإِحْلَالِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 [بَابُ طَوَافِ الصَّدْرِ] طوف: بَابُ طَوَافِ الصَّدْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " طَوَافُ الْوَدَاعِ ". [بَابُ مُفْسِدُ الْحَجِّ بِالْوَطْءِ] (ف س د) : بَابُ مُفْسِدُ الْحَجِّ بِالْوَطْءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مَغِيبُ الْحَشَفَةِ كَمَا مَرَّ فِي الْغُسْلِ قَبْلَ الْوُقُوفِ " هَذَا رَسْمُ الْأَمْرِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْحَشَفَةِ فِي الْغُسْلِ فَرَاجِعْهُ. [بَابُ مُفْسِدِ الْعُمْرَةِ] (ف س د) : بَابُ مُفْسِدِ الْعُمْرَةِ قَالَ " بِهِ قَبْلَ تَمَامِ سَعْيِهَا " قَوْلُهُ " بِهِ " أَيْ بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ. [بَابُ مَمْنُوعِ الْإِحْرَام] ِ غَيْرُ مُفْسِدِهِ قَالَ " التَّطَيُّبُ وَإِزَالَةُ الشُّعْثِ وَلُبْسُ الرَّجُلِ الْمَخِيطَ لِكَيْفِ لُبْسِهِ كَالْقَمِيصِ وَالْجُبَّةِ وَالْبُرْنُسِ وَالْقَلَنْسُوَةِ " ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَسْمَ مَا يُمْنَعُ فِي الْحَجِّ وَلَا يَكُونُ مُفْسِدًا قَوْلُهُ " وَلُبْسُ الرَّجُلِ " أَخْرَجَ بِهِ الْأُنْثَى وَقَوْلُهُ " لِكَيْفِ لُبْسِهِ " أَخْرَجَ بِهِ مَا ذُكِرَ عَنْ الْبَاجِيِّ فِي قَوْلِهِ إلَّا الْمَخِيطَ عَلَى صُورَةِ النَّسْجِ كَمِئْزَرٍ وَرِدَاءٍ مُرَقَّعَيْنِ وَأُلْحِقَ بِالْمَخِيطِ الْعُقَدُ، وَالتَّزَرُّرُ وَالْمُلَبَّدُ وَالْمَنْسُوجُ عَلَى صُورَةِ الْمَخِيطِ. [بَابُ مُوجِبِ الْفِدْيَةِ] (ف د ي) : بَابُ مُوجِبِ الْفِدْيَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ " فِعْلُ مَمْنُوعٍ غَيْرُ مُفْسِدٍ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا أَوْ اضْطِرَارًا أَوْ مُخْتَارًا " وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 [بَابُ دِمَاءِ الْإِحْرَامِ] (د م ي) : بَابُ دِمَاءِ الْإِحْرَامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " دِمَاءُ الْإِحْرَامِ هَدْيٌ وَهُوَ مَا كَانَ لِصَيْدٍ أَوْ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ فَسَادٍ أَوْ فَوْتٍ " ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ يَجِبُ فِي الْحَجِّ عَنْ نَحْوِ أَرْبَعِينَ خَصْلَةٍ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ أَرَادَ النَّوْعَ لَمْ يُجَاوِزْ الثَّلَاثِينَ وَإِنْ أَرَادَ الشَّخْصَ فَهِيَ إلَى الْأَلْفِ أَقْرَبُ لِإِمْكَانِ بُلُوغِهِ بِآحَادِ الصَّيْدِ ثُمَّ قَالَ وَنُسُكُ ابْنِ شَاسٍ مَا كَانَ لِإِلْقَاءِ تَفَثٍ أَوْ رَفَاهِيَةٍ يُمْنَعُهَا الْمُحْرِمُ. قَالَ وَهُوَ أَوْجَزُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَوْ رَفَاهِيَةٌ مِنْ الْمَحْظُورِ الْمُنْجَبِرِ وَتَأَمَّلْ بَحْثَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ الطُّرْطُوشِيِّ فَفِيهِ إجْمَالٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ فِي قَوْلِهِ " دِمَاءُ الْإِحْرَامِ " أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ دِمَاءِ الْحَجِّ وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِنَا دِمَاءُ الْإِحْرَامِ لَكَانَ أَسْلَمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا بِالْجَمْعِ فِي الْمَحْدُودِ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَدَّ عَلَى ابْنِ هَارُونَ بِمَا حَاصِلُ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّيْخَ ابْنَ هَارُونَ زَعَمَ أَنَّ تَعْرِيفَ الْهَدْيِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ يُغْنِي عَنْ تَعْرِيفِ النُّسُكِ لِأَنَّ الْهَدْيَ وَالنُّسُكَ نَوْعَانِ تَحْتَ دَمِ الْحَجِّ وَهُمَا مُتَضَادَّانِ فَتَعْرِيفُ أَحَدِهِمَا تَعْرِيفٌ لِلْآخَرِ فَإِنَّ مَنْ عَرَّفَ الزَّوْجَ بِأَنَّهُ الْمُنْقَسِمُ بِمُتَسَاوِيَيْنِ فَقَدْ عَرَّفَ الْمُفْرَدَ بِأَنَّهُ الْعَدَدُ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ بِمُتَسَاوِيَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُرَدُّ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَقَائِقِ الْعَقْلِيَّةِ لِأَنَّ خَاصَّةَ الْآخَرِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُسَاوِيَةً لِنَقِيضِ خَاصِّيَّةِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا لَمَا انْحَصَرَ جِنْسُهُمَا فِيهِمَا. وَأَمَّا الْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ فَلَا لِأَنَّهَا جَعْلِيَّةٌ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ خَاصِّيَّةَ الْآخَرِ مُسَاوِيَةً أَوْ أَخَصَّ ثُمَّ بَيَّنَ الْأَخَصِّيَّةَ فِي صُورَةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا جِنْسٌ لِصَلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ بِتَمَامٍ وَقَصْرٍ مَعَ أَنَّ خَاصِّيَّةَ التَّمَامِ عَدَمُ النَّقْصِ عَنْ أَرْبَعٍ وَخَاصِّيَّةُ الْقَصْرِ لَيْسَ هُوَ النَّقِيضُ الْمُسَاوِي لِخَاصِّيَّةِ الْأَوَّلِ بَلْ خَاصِّيَّةُ الْقَصْرِ أَخَصُّ لِأَنَّ خَاصِّيَّةَ الْقَصْرِ لَيْسَ هُوَ نَقْصُ الصَّلَاةِ عَنْ أَرْبَعٍ بَلْ نَقْصُهَا بِنَقْصِ شَطْرِهَا وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ نَقْصِهَا لِأَنَّهُ أَخَصُّ مِنْ نَقْصِهَا عَنْ أَرْبَعٍ فَصَحَّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَ نَوْعَيْ الْجِنْسِ فِي الشَّرْعِ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ خَاصِّيَّتُهُ ثُبُوتَ أَمْرٍ وَخَاصِّيَّةُ النَّوْعِ الْآخَرِ لَيْسَتْ مُسَاوِيَةً لِنَقِيضِ الْآخَرِ بَلْ خَاصِّيَّةُ الْآخَرِ أَخَصُّ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْرَدَ سُؤَالًا خَفِيفًا لِأَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِلَا يُقَالُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وَحَاصِلُهُ أَنْ يُقَالَ خَاصِّيَّتُهُ التَّمَامُ لَيْسَ كَمَا ذَكَرْتُمْ وَهُوَ عَدَمُ نَقْصِهَا عَنْ أَرْبَعٍ بَلْ عَدَمُ نَقْصِ شَطْرِهَا وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَيْهِ فَخَاصِّيَّةُ الْقَصْرِ هِيَ عَيْنُ نَقِيضِ ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ مَا أَشَرْتُمْ إلَيْهِ فِي خَاصِّيَّةِ الْقَصْرِ أَنَّهَا أَخَصُّ ثُمَّ قَالَ فِي الْجَوَابِ لَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَصَحَّ التَّمَامُ بِثَلَاثٍ وَالتَّالِي بَاطِلٌ إجْمَاعًا بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ ضَرُورَةُ اسْتِلْزَامِ وُجُودِ الْخَاصَّةِ لِمَا هِيَ لَهُ قَطْعًا وَهُوَ جَلِيٌّ ثُمَّ قَالَ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ صَرْفُ النُّسُكِ لِلْهَدْيِ وَامْتَنَعَ صَرْفُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ لِلْآخَرِ وَهَذَا مِنْ تَمَامِ الرَّدِّ عَلَى الشَّيْخِ ابْنِ هَارُونَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَنَّ الْأُمُورَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَجْرِي عَلَى الْأُمُورِ الْعَقْلِيَّةِ فَكَمَا أَنَّ أَحَدَ الضِّدَّيْنِ شَرْعًا إذَا عُرِفَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ تَعْرِيفِ ضِدِّهِ الْآخَرِ شَرْعًا بِمَا قَرَّرَهُ مِنْ جَوَازِ أَنَّ الشَّرْعَ يَجُوزُ أَنْ يُعْرَفَ الضِّدُّ الْآخَرُ بِأَخَصَّ مِنْ نَقِيضِ ضِدِّهِ لَا بِنَقِيضِ ضِدِّهِ كَذَلِكَ يَجُوزُ فِي الشَّرْعِ أَنَّ أَحَدَ الضِّدَّيْنِ أَوْ النَّوْعَيْنِ يُصْرَفُ لِلضِّدِّ الْآخَرِ شَرْعًا وَيَنُوبُ عَنْهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ عَقْلًا فِي أَحَدِ النَّوْعَيْنِ عَنْ الْآخَرِ كَمَا لَا يَتَأَتَّى أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ إلَّا بِنَقِيضِ مَا عُرِفَ بِهِ الْآخَرُ وَوَجَدْت هَذَا الْأَخِيرَ مَكْتُوبًا لِبَعْضِ الشُّيُوخِ وَهَذَا لَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأُمُورِ الْجَعْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ ضَرُورِيٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ إشْعَارِ الْإِبِلِ بِسَنَامِهَا] (ش ع ر) : بَابُ إشْعَارِ الْإِبِلِ بِسَنَامِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - " شَقٌّ يُسِيلُ دَمًا " مَعْنَاهُ ظَاهِرٌ (فَإِنْ قُلْتَ) يَظْهَرُ لَوْ قَالَ شَقٌّ يُسِيلُ دَمًا عَرْضًا عَلَى رَأْيٍ وَطُولًا عَلَى آخَرَ كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ إذَا كَانَ فِي الْأَصْلِ خِلَافٌ وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ هَلْ يَكُونُ عَرْضًا أَوْ طُولًا بَعْدُ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ أُجْرِيَ عَلَى طَرِيقِهِ وَعَادَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. [بَابُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ فِي الْإِبِلِ وَالْحَيَوَانِ] (ط ول) : بَابُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ فِي الْإِبِلِ وَالْحَيَوَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَسَّرَ الصَّقَلِّيُّ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ بِعَرْضِ السَّنَامِ فَقَطْ مِنْ الْعُنُقِ إلَى الذَّنَبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 فَالْعَرْضُ عَلَى هَذَا فِي الْحَيَوَانِ مِنْ الرَّأْسِ إلَى الذَّنْبِ وَالطُّولُ مِنْ ظَهْرِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ لِأَسْفَلِهَا هَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَ الصَّقَلِّيُّ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّ مَالِكًا قَالَ يَكُونُ عَرْضًا وَابْنُ حَبِيبٍ قَالَ طُولًا وَكَذَلِكَ نَقَلَ الصَّقَلِّيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامَ الصَّقَلِّيِّ وَاللَّخْمِيِّ قَالَ لَمْ أَجِدْ لُغَوِيًّا فَسَّرَ الطُّولَ إلَّا بِضِدِّ الْعَرْضِ وَالْعَرْضَ إلَّا بِضِدِّ الطُّولِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ وَهَذَا لَا يَصِحُّ التَّفْسِيرُ بِهِ لِوُقُوعِ الدَّوْرِ فِيهِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّ الطُّولَ هُوَ الْبُعْدُ الْمَفْرُوضُ أَوَّلًا وَقِيلَ أَطْوَلُ الِامْتِدَادَيْنِ الْمُتَقَاطِعَيْنِ فِي السَّطْحِ ثُمَّ قَالَ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَخْذَ مِنْ رَأْسِ الْإِنْسَانِ إلَى قَدَمِهِ وَمِنْ ظَهْرِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ لِأَسْفَلِهَا طُولٌ ثُمَّ قَالَ وَالْعَرْضُ هُوَ الْمَفْرُوضُ ثَانِيًا أَوْ الِامْتِدَادُ الْأَقْصَرُ فَمِنْ يَمِينِ الْإِنْسَانِ لِيَسَارِهِ وَرَأْسِ الْحَيَوَانِ لِذَنَبِهِ عَرْضٌ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَعَلَّ الْعَرْضَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي النَّعَمِ كَنَقْلِ الْبَيْضَاوِيِّ وَهُوَ الطُّولُ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ كَمَا مَرَّ فَيَتَّفِقَانِ (قُلْتُ) فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ تَفْسِيرَ الطُّولِ فِي الْإِبِلِ وَالْحَيَوَانِ مِنْ ظَهْرِهَا لِأَسْفَلِهَا وَتَفْسِيرُ عَرْضِهَا مِنْ رَأْسِهَا لِذَنَبِهَا وَتَأَمَّلْ كَيْفَ يَقَعُ الِاتِّفَاقُ بَيْنَ مَالِكٍ وَابْنِ حَبِيبٍ بِمَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ مَحَلِّ ذَكَاةِ الْهَدْيِ الزَّمَانِيِّ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " بَعْدَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ نَهَارًا " هَذَا رَسْمٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلًا أَنَّهُ يَجُوزُ فِي لَيْلَتَيْ تَالِيَيْهِ. [بَابُ مَحَلِّ ذَكَاةِ الْهَدْيِ الْمَكَانِيِّ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مِنًى بِشَرْطِ كَوْنِهِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ تَالِيَيْهِ فِي حَجٍّ وَهُوَ جَلِيٌّ ". [بَابُ الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ] (ي وم) : بَابُ الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " يَوْمُ النَّحْرِ وَتَالِيَاهُ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 [بَابُ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ] ي وم) : بَابُ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " تَالِي يَوْمِ النَّحْرِ وَتَالِيَاهُ " فَتَلَخَّصَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مَعْلُومٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ وَالرَّابِعُ مَعْدُودٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالْيَوْمَانِ مَعْلُومَانِ مَعْدُودَانِ. [كِتَابُ الصَّيْدِ] (ص ي د) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الصَّيْدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّيْدُ مَصْدَرًا أَخْذُ غَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ مِنْ وَحْشِ طَيْرٍ أَوْ بَرٍّ أَوْ حَيَوَانِ بَحْرٍ بِقَصْدٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاسْمًا " مَا أُخِذَ " إلَخْ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ تَرَكَ ابْنُ الْحَاجِبِ حَدَّهُ لِجَلَائِهِ يُرَدُّ بِأَنَّ الْجَلَاءَ الْمُغْنِي عَنْ التَّعْرِيفِ الْجَلَاءُ الضَّرُورِيُّ لَا النَّظَرِيُّ قَالَ فَإِنْ أَرَادَ الْجَلَاءَ النَّظَرِيَّ فَهُوَ مُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُهُ مَا ادَّعَاهُ وَإِنْ قَصَدَ الضَّرُورِيَّ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ لَهُ هَذَا مَعْنَى مَا ذُكِرَ وَهُوَ حَقٌّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الشَّيْخَ فِي التَّيَمُّمِ نَقَلْنَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَمْ أَحُدَّهُ لِظُهُورِ مَعْنَاهُ فَكَيْفَ يُرَدُّ مَا قَالَ شَيْخُهُ هُنَا وَلَعَلَّهُ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ ظُهُورِ هَذَا الرَّدِّ لَهُ فَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحَدِّ الْمَصْدَرِيِّ " أَخْذُ إلَخْ " الْأَخْذُ مُنَاسِبٌ لِمَقُولَةِ الْمَحْدُودِ وَقَوْلُهُ " غَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ " أَخْرَجَ بِهِ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ الْمَغْرِبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ أَنَّ الصَّيْدَ يُطْلَقُ عَلَى الِاصْطِيَادِ وَعَلَيْهِ حَمَلَ تَرْجَمَتَهَا وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَالِاصْطِيَادُ سَبَبٌ فِي الْأَخْذِ لَا أَنَّهُ أَخْذٌ فَكَيْفَ يُفَسَّرُ بِهِ الصَّيْدُ وَهُوَ سَبَبٌ عَنْهُ. قُلْتُ. تَقَدَّمَ لَنَا فِي إقْرَائِهَا هَذَا السُّؤَالُ وَوَقَعَ الْجَوَابُ أَنَّ الصَّيْدَ نَمْنَعُ أَنَّهُ بِمَعْنَى الِاصْطِيَادِ كَمَا ذَكَرَ الْمَغْرِبِيُّ بَلْ بِمَعْنَى أَخْذِ الصَّيْدِ لِأَنَّهُ مَصْدَرُ فِعْلٍ ثُلَاثِيٍّ بِمَعْنَى أَخَذَ وَاصْطَادَ مَصْدَرُهُ الِاصْطِيَادُ فَصَحَّ كَلَامُ الشَّيْخِ وَكَلَامُ الْمَغْرِبِيِّ فِيهِ بَحْثٌ قَوْلُهُ " بِقَصْدٍ " أَيْ بِنِيَّةِ الِاصْطِيَادِ وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْآتِي بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَالْإِضَافَةُ الْمَذْكُورَةُ إلَى الْمَفْعُولِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ إلَى الْفَاعِلِ لِقَرِينَةِ النِّيَّةِ. (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا فُسِّرَ تَمَّ الصَّيْدُ بِالْأَخْذِ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ لَا بِالِاصْطِيَادِ فَيُقَالُ ذَكَرَ النِّيَّةَ فِيهِ فِيهَا نَظَرٌ لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الِاصْطِيَادِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 لَا فِي أَخْذِ الصَّيْدِ بَعْدَ الِاصْطِيَادِ (قُلْتُ) لَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ تَجَوُّزٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. فَإِنْ قُلْتَ لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ الشَّيْخُ فِي رَسْمِهِ مِنْ وَحْشٍ أَوْ حَيَوَانِ بَحْرٍ بِقَصْدٍ وَهُوَ أَخْصَرُ وَالْوَحْشُ يَعُمُّ مَا ذَكَرْت قُلْتُ هَذَا سُؤَالٌ أَوْرَدْنَاهُ فِي إقْرَائِهِ وَبَسَطَهُ ثُمَّ ظَهَرَ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْوَحْشَ غَلَبَ فِي وَحْشِ الْبَرِّ فَلِذَلِكَ ذَكَرَ الطَّيْرَ لِئَلَّا يَكُونَ رَسْمُهُ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى رَسْمٍ لِبَعْضِ تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ قَالَ فِيهِ أَخْذٌ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ مِنْ وَحْشٍ أَوْ حَيَوَانِ بَحْرٍ مُوجِبُهُ تَمَلُّكُهُ فَرَأَيْتُ أَنَّ السُّؤَالَ قَوِيٌّ عِنْدَهُ وَزَادَ مَا زَادَ فِي آخِرِ حَدِّهِ وَحَذَفَ قَوْلَهُ " بِقَصْدٍ " لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ مَا لَا يُوجِبُ تَمَلُّكَهُ شَرْعًا فَيُخْرِجُ إبْهَامَ الْإِضَافَةِ إلَى الْفَاعِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ مُحَرَّمَاتِ الصَّيْدِ وَفِيهِ بَحْثٌ " فَإِنْ قُلْتَ " أُورِدَ عَلَى رَسْمِ الشَّيْخِ أَنَّ ذِكْرَ الْقَصْدِ فِي رَسْمِهِ إنْ زِيدَ لِإِخْرَاجِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ إضَافَةِ الْفَاعِلِ فَإِنَّهُ يُوقِعُ فِي إخْرَاجِ صَيْدِ الْبَحْرِ مِنْ مَجُوسِيٍّ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدٌ بِوَجْهٍ حَتَّى لَوْ أَخَذَ مَجْنُونٌ مِنْهُ صَيْدًا لَكَانَ مُبَاحًا شَرْعًا لِأَنَّ مَيْتَتَهُ يَجُوزُ أَكْلُهَا. (قُلْتُ) صَوَّبْنَا فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْقَصْدَ يُخَصُّ بِهِ الْبَرِّيُّ وَمَا قَبْلَهُ وَلَا يَصِحُّ تَعْمِيمُهُ فَلَوْ زِيدَ بِقَصْدٍ فِي بَرِّيٍّ لَكَانَ صَوَابًا ثُمَّ عَرَضَ لِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قُيِّدَ بِذَلِكَ تُرَدُّ إضَافَةُ الْفَاعِلِ فِي الْبَحْرِيِّ فَإِذَا أَخَذَ حُوتَ غَيْرِهِ ثُمَّ أَخْرَجَ لِلسَّاحِلِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الرَّسْمُ وَلَيْسَ بِصَيْدٍ شَرْعًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ رَسْمِ الْمَصِيدِ بِهِ] (ص ي د) : بَابُ رَسْمِ الْمَصِيدِ بِهِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيَوَانٌ مُعَلَّمٌ أَوْ آلَةٌ غَيْرُهُ قَوْلُهُ (حَيَوَانٌ مُعَلَّمٌ) حَيَوَانٌ جِنْسٌ وَمُعَلَّمٌ فَصْلٌ وَالتَّعْلِيمُ يَأْتِي بَعْدُ فَعُرِّفَ بِجَلِيٍّ يُذْكَرُ بَعْدُ " وَقَوْلُهُ أَوْ آلَةٌ " أَشَارَ بِهَا إلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ فِي قَوْلِهِ ذَاتُ حَدٍّ يَجْرَحُ وَذَلِكَ شَرْطٌ فِي الْآلَةِ وَكُلُّ شَيْءٍ يَجْرَحُ مِنْ عُودٍ أَوْ حَجَرٍ حَادٍّ صَحَّ الِاصْطِيَادُ بِهِ وَقَوْلُهُ " غَيْرُهُ " يَظْهَرُ أَنَّهُ زِيَادَةُ بَيَانٍ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى آلَةٍ لَصَحَّ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ الْآلَةِ مَعَ مَا قَالُوهُ فِيمَا إذَا صِيدَ طَيْرٌ بِخَمْرٍ فَجَعَلُوا الْخَمْرَ آلَةً وَلَمْ يُدْخِلْهَا الشَّيْخُ وَيَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْآلَةِ مَا يُؤْكَلُ بِهِ الصَّيْدُ لَا مَا يُؤْخَذُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 [بَابُ الْمَصِيدِ] ص ي د) : بَابُ الْمَصِيدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَقَدَّمَ فِي الرَّسْمِ وَهَذَا مِنْ حُسْنِ اخْتِصَارِهِ فَإِنْ " قُلْتَ " قَدْ قَالَ فِي رَسْمِ الصَّيْدِ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ مِنْ وَحْشِ طَيْرٍ إلَخْ فَكَيْفَ يُؤْخَذُ رَسْمُ الْمَصِيدِ مِنْهُ (قُلْتُ) يُقَالُ الْمَأْخُوذُ غَيْرُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْ وَحْشِ طَيْرٍ أَوْ بَرٍّ أَوْ حَيَوَانِ بَحْرٍ بِقَصْدٍ فَقَوْلُهُ غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ أَخْرَجَ بِهِ مَا قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَحْشِ وَيَجْمَعُ ذَلِكَ جَمِيعَ مَا فِي الْبَرِّ مِنْ طَيْرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَوَحِّشِ قَوْلُهُ أَوْ حَيَوَانٍ بَحْرِيٍّ أُدْخِلَ بِهِ صَيْدُ الْبَحْرِ فِي جَمِيعِ حَيَوَانِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) ابْنُ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْوَحْشُ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ الْمَأْكُولُ فَزَادَ فِي الْقُيُودِ الْمَأْكُولَ وَحَذَفَ حَيَوَانَ بَحْرٍ (قُلْتُ) أَمَّا حَذْفُهُ لِحَيَوَانِ بَحْرٍ فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ انْعِكَاسِ رَسْمِهِ لِأَنَّ الْمَصِيدَ شَرْعًا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَالْحَدُّ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ زَادَهُ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَمَّا زِيَادَةُ قَوْلِهِ الْمَأْكُولِ فَلَمْ يَعْتَبِرْهَا الشَّيْخُ لِأَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ ذَكَرَ الصُّورَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَى جَوَازِهَا شَرْعًا وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ثُمَّ يُفَرِّعُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلَ يَذْكُرُ فِيهَا الْخِلَافَ وَيُرَتِّبُهَا عَلَى قُيُودِهِ وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَصَدَ مَا يَعُمُّ الْمَصِيدَ الْمُحَرَّمَ وَالْجَائِزَ وَلِذَا قَالَ بَعْدُ وَالْمُحَرَّمُ أَكْلُهُ صَيْدُهُ لَهُ مِثْلُهُ (فَإِنْ قُلْتَ) إنْ صَحَّ مَا ذَكَرْته فَلِأَيِّ شَيْءٍ خُصِّصَ الْوَحْشُ بِالطَّيْرِ وَهَلَّا قَالَ حَيَوَانٌ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ وَشَمِلَ ذَلِكَ صَحِيحَ الصَّيْدِ وَفَاسِدَهُ عُمُومًا وَيَشْمَلُ مَا نَدَّ مِنْ الْمُتَأَنَّسِ عَلَى قَوْلٍ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَأَى غَلَبَةَ اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ لَفْظَ الصَّيْدِ فِي الْمُتَوَحِّشِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَانْظُرْ لِأَيِّ شَيْءٍ عَدَلَ الشَّيْخُ إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ مَعْجُوزٌ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ أَخْصَرُ مِمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ [بَابُ شَرْطِ الصَّائِدِ فِيمَا تَعَذَّرَتْ ذَكَاتُهُ فِي الْبَرِّ] قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إسْلَامُ صَائِدِهِ وَقَصْدُهُ ذَكَاتَهُ قَوْلُهُ " إسْلَامُ صَائِدِهِ " أَخْرَجَ بِهِ الْكَافِرَ الْكِتَابِيَّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْمَجُوسِيَّ بِاتِّفَاقٍ قَوْلُهُ " وَقَصْدُهُ ذَكَاتَهُ " أَخْرَجَ بِهِ مَنْ لَا يُمَيِّزُ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ (فَإِنْ قُلْتَ) عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُخَالِفَةٌ لِمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ لِأَنَّهُ قَالَ أَرْكَانُهُ الصَّائِدُ وَالْمَصِيدُ وَالْمَصِيدُ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَلِذَا قَالَ شَارِحُهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ بِالذَّاتِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَاعِلِ وَمَا بِهِ الْعَمَلُ وَمَحَلُّ الْفِعْلِ قَالَ وَلَمْ يَجْعَلْ مِنْهَا صِفَةَ الِاصْطِيَادِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ بِالذَّاتِ هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ وَبَيَانُ الْمُخَالَفَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْمَصِيدَ بِهِ وَعَرَّفَهُ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَصِيدَ وَأَحَالَ تَعْرِيفَهُ عَلَى الْحَدِّ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّائِدَ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ الصَّائِدُ كُلُّ مُسْلِمٍ يَصِحُّ مِنْهُ الْقَصْدُ إلَى الِاصْطِيَادِ (قُلْتُ) الْمَعْنَى الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ أَتَى بِهِ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ بَلْ عَدَلَ عَنْ لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِظُهُورِ فَسَادِهِ فِي إتْيَانِهِ بِلَفْظِ السُّؤَالِ فِي الْجِنْسِ لِظُهُورِ خَلَلِ ذِكْرِ الْإِسْلَامِ فِي صَائِدِ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِسْلَامُ وَيَصِحُّ فِي صَائِدِهِ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا كِتَابِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ قَالَ شَارِحُهُ لِأَنَّ الْبَحْرَ طَهُورٌ مَاؤُهُ حِلٌّ مَيْتَتُهُ فَغَايَتُهُ إذَا صَادَهُ كَافِرٌ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً وَهِيَ حَلَالٌ أَكْلُهَا فَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْطِ الصَّيْدِ مَا رَأَيْته وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. [كِتَابُ الذَّبَائِحِ] (ذ ب ح) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الذَّبَائِحِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَقَبٌ لِمَا يَحْرُمُ بَعْضُ أَفْرَادِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ لِعَدَمِ ذَكَاتِهِ أَوْ سَلْبِهَا عَنْهُ وَمَا يُبَاحُ بِهَا مَقْدُورًا عَلَيْهِ قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " لَقَبٌ " اللَّقَبُ يُطْلِقُونَهُ عَلَى الْأَعْلَامِ الْمُشْعِرَةِ بِالْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَرُبَّمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا دَلَّ عَلَى جَمْعِ الْمَعْنَى كَاَلَّذِي اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ صِيغَةُ الذَّبَائِحِ وَأُطْلِقَتْ عَلَيْهِ فَهِيَ لَقَبٌ لَهُ وَلِذَلِكَ عَدَّدَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَجْمُوعُ مَا وُضِعَتْ لَهُ الذَّبَائِحُ فَقَالَ لِمَا يَحْرُمُ بَعْضُ أَفْرَادِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَاحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا يَحْرُمُ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ ثُمَّ قَالَ لِعَدَمِ ذَكَاتِهِ أَيْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُذَكًّى لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ إمَّا لِعَدَمِ تَذْكِيَتِهِ وَإِمَّا لِتَذْكِيَتِهِ ذَكَاةً فَاسِدَةً وَقَدْ عَرَّفَ الشَّيْخُ الذَّكَاةَ بَعْدُ بِقَرِيبٍ كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ قَوْلُهُ " أَوْ سَلْبِهَا عَنْهُ " أَشَارَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 إلَى مَا كَانَ مُحَرَّمًا مِمَّا لَا تَنْفَعُ فِيهِ الذَّكَاةُ وَلَا يَقْبَلُهَا كَالْخِنْزِيرِ أَوْ مَا شَابَهَهُ ثُمَّ قَالَ وَمَا يُبَاحُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا يَحْرُمُ وَقَوْلُهُ " بِهَا " أَيْ بِالذَّكَاةِ قَوْلُهُ " مَقْدُورًا عَلَيْهِ " حَالٌ مِنْ الْمَوْصُولِ لِيَخْرُجَ الصَّيْدُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَصْدُوقِ الذَّبَائِحِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ لَقَبَ الذَّبَائِحِ انْحَصَرَ فِي مَجْمُوعِ أَمْرَيْنِ مَا يَحْرُمُ مِمَّا ذُكِرَ وَمَا يُبَاحُ مِمَّا ذُكِرَ. (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ يَقُولُ فَيُخْرَجُ الصَّيْدُ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ اللَّقَبِ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ لَهُ أَنَّ الصَّيْدَ يَكُونُ مَصْدَرًا وَيَكُونُ اسْمًا فَحَدَّهُ بِحَدَّيْنِ فَأَمَّا الْحَدُّ الْمَصْدَرِيُّ فَلَا يَدْخُلُ فِي اللَّقَبِ وَأَمَّا الِاسْمِيُّ فَكَذَلِكَ لِمَا قُلْت فِي تَفْسِيرِ اللَّقَبِ أَوَّلًا (قُلْتُ) أَمَّا الْمَصْدَرِيُّ فَلَا يُرَدُّ كَمَا قُلْتُ وَأَمَّا الِاسْمِيُّ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ الشَّيْخُ دُخُولَهُ فِي أَحَدِ أَسْمَاءِ مَدْلُولِ اللَّقَبِ وَهُوَ قَوْلُهُ مَا يُبَاحُ بِالذَّكَاةِ فَقَوْلُهُ مَا يُبَاحُ بِالذَّكَاةِ يَدْخُلُ فِيهِ الِاسْمِيُّ مِنْ الصَّيْدِ فَأَخْرَجَهُ بِقَوْلِهِ مَقْهُورًا عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْتَ) عَلَى تَسْلِيمِ مَا ذَكَرْته تَقَدَّمَ فِي حَدِّ الصَّيْدِ اسْمًا أَنَّهُ مَا أُخِذَ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ مِنْ وَحْشٍ طَيْرًا أَوْ بَرًّا أَوْ حَيَوَانِ بَحْرٍ بِقَصْدٍ يَدْخُلُ الصَّيْدُ عَلَى هَذَا فِي قَوْلِهِ مَا يُبَاحُ بِهَا حَتَّى يَخْرُجَ بِقَوْلِهِ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ (قُلْتُ) الَّذِي يُبَاحُ بِالذَّكَاةِ هُوَ الْمَذْكُورُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ أَمْ لَا فَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِ الصَّيْدِ بِقَوْلِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ. (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ الشَّيْخُ فِي الصَّيْدِ حَدَّهُ اسْمًا وَحَدَّهُ مَصْدَرًا وَلَمْ يَقُلْ فِي الذَّبَائِحِ كَذَلِكَ (قُلْتُ) ذَلِكَ جَلِيٌّ لِأَنَّ الصَّيْدَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَفْعُولُ وَالْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ الْأَمْرَانِ فَصَحَّ الْجَوَابُ وَالذَّبَائِحُ إنَّمَا هِيَ الْآنَ اسْمٌ وَكَانَتْ جَمْعًا وَمُفْرَدُهَا ذَبِيحَةٌ ثُمَّ سُمِّيَ بِجَمْعِهَا فَصَحَّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ مَا ذُكِرَ فِيهَا (فَإِنْ قُلْتَ) إنْ قَصَدَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ لَفْظَةُ الْجَمْعِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِهِمْ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ غَيْرُ خَاصٍّ بِمَا ذُكِرَ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا الْآلَةَ وَالذَّبْحَ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَهَلَّا قَالَ وَمَا يَقَعُ الذَّبْحُ مِنْ آلَةٍ وَكَيْفِيَّةِ ذَكَاةٍ (قُلْتُ) لِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِعَدَمِ ذَكَاتِهِ وَالذَّكَاةُ تَسْتَلْزِمُ مَا أَشَرْت إلَيْهِ مِمَّا تَقَعُ التَّذْكِيَةُ بِهِ اكْتَفَى بِذَلِكَ لِمَا يَذْكُرُهُ. [بَابُ مَعْرُوضِ الذَّكَاةِ] (ع ر ض) : بَابُ مَعْرُوضِ الذَّكَاةِ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ نَقُولَ مَعْرُوضُ الذَّكَاةِ النَّعَمُ غَيْرُ الْجَلَّالَةِ وَالطَّيْرُ وَهُوَ مَا شُرِعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 فِيهِ الذَّكَاةُ وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ لَفْظِهِ وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا (فَإِنْ قُلْتَ) ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ الْمَذْبُوحُ وَالشَّيْخُ قَالَ مَعْرُوضُ الذَّكَاةِ وَالْمَذْبُوحُ أَخْصَرُ فَلِمَ عَدَلَ عَنْهُ (قُلْتُ) عَدَلَ الشَّيْخُ عَنْ قَوْلِهِ الْمَذْبُوحُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا وَقَعَ الذَّبْحُ فِيهِ فِعْلًا وَلَيْسَ الْقَصْدُ ذَلِكَ هُنَا فَقَوْلُهُ الْمَعْرُوضُ أَدَلُّ عَلَى الْقَصْدِ حَقِيقَةً وَعَدَلَ أَيْضًا عَنْ الذَّبْحِ لِقُصُورِهِ عَلَى مَا ذُبِحَ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا نُحِرَ وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الذَّكَاةُ وَلَمْ يَقُلْ الذَّبْحُ فَإِنْ قِيلَ مَا قَصْدَهُ بِقَوْلِهِ مَعْرُوضُ الذَّكَاةِ النَّعَمُ غَيْرُ الْجَلَّالَةِ وَقَصْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذُكِرَ (قُلْتُ) مُرَادُهُ مَا يُشْرَعُ فِيهِ الذَّكَاةُ بِاتِّفَاقٍ وَلَيْسَ فِيهِ كَرَاهَةٌ وَلَا تَحْرِيمٌ وَيُخْرَجُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَرُمَ بِإِجْمَاعٍ كَالْخِنْزِيرِ وَمَا اُتُّفِقَ عَلَى كَرَاهَتِهِ وَمَا اُخْتُلِفَ فِي كَرَاهَتِهِ وَتَحْرِيمِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ فِي الْجَلَّالَةِ (قُلْتُ) نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ الْكَرَاهَةَ فِيهَا وَنَقَلَ غَيْرُهُ التَّحْرِيمَ وَلَمْ يَحْفَظْهُ الشَّيْخُ وَهَذَا أَخَذْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدُ وَالطَّيْرُ كُلُّهُ حَتَّى جَلَّالَتُهُ (فَإِنْ قُلْتَ) الْخُطَّافُ فِيهَا خِلَافٌ فِي كَرَاهَتِهَا مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا غَيْرُ مُفْتَرِسٍ مِنْ الطَّيْرِ (قُلْتَ) هَذَا صَحِيحٌ وَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ غَيْرُ خُطَّافِهِ فَإِنْ قِيلَ الشَّيْخُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ الْأَنْعَامُ وَالشَّيْخُ قَالَ النَّعَمُ (قُلْتُ) الشَّيْخُ ذُكِرَ مَا هُوَ أَحْسَنُ وَأَخْصَرُ وَقَدْ تَعَقَّبَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ (فَإِنْ قُلْتَ) ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ الْجَلَّالَةُ وَغَيْرُهَا وَالشَّيْخُ ذَكَرَ مَا رَأَيْت (قُلْتُ) لَعَلَّ ابْنَ الْحَاجِبِ إنَّمَا رَأَى كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَلَمْ يَرَ كَلَامَ ابْنِ حَبِيبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ سِبَاعِ غَيْرِ الطَّيْرِ] (س ب ع) : بَابُ سِبَاعِ غَيْرِ الطَّيْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهِيَ مَا يَفْتَرِسُ وَيَأْكُلُ اللَّحْمَ لَا الْكَلَأَ هَذَا ظَاهِرٌ وَقَدْ ذُكِرَ الْخِلَافُ فِيهَا وَطُرُقُ الْمَذْهَبِ وَالْكَلَأُ بِالْقَصْرِ هُوَ النَّبَاتُ وَالرَّبِيعُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 [بَابُ مَقْطُوعِ الذَّكَاةِ] قَالَ قَالَ اللَّخْمِيُّ كُلُّ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ وَالْمَرِيءِ فِي الْجَوْزَةِ أَوْ تَحْتِهَا فَهَذَا مَا يُطْلَبُ قَطْعُهُ فَإِنْ وَقَعَ كَذَلِكَ أَجْزَأَ بِاتِّفَاقٍ إذَا تَوَفَّرَتْ شُرُوطُ الذَّبْحِ وَذَبَحَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ دَخَلَ الْخِلَافُ إلَّا إذَا لَمْ يَقْطَعْ شَيْئًا مِنْ الْحُلْقُومِ أَوْ قَطَعَهُ وَلَمْ يَقْطَعْ الْوَدَجَيْنِ اُنْظُرْ ذَلِكَ قَوْلُهُ " فِي الْجَوْزَةِ أَوْ تَحْتِهَا " أَخْرَجَ بِهِ إذَا وَقَعَ الْقَطْعُ فَوْقَهَا وَبَقِيَتْ بِيَدِهِ وَهِيَ الْمُغَلْصَمَةُ وَفِيهَا مَا هُوَ مَعْلُومٌ. [بَابُ دَلِيلِ الْحَيَاةِ فِي الصَّحِيحِ] نُقِلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ سَيَلَانُ دَمِهَا وَنُقِلَ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَوْ شَخْبُهُ وَهُوَ خُرُوجُ الدَّمِ بِصَوْتٍ. [بَابٌ فِي الْمَرِيضَةِ الْمُشْرِفَةِ لِلْمَوْتِ] (م ر ض) : بَابٌ فِي الْمَرِيضَةِ الْمُشْرِفَةِ لِلْمَوْتِ قَالَ هِيَ الَّتِي إنْ تُرِكَتْ مَاتَتْ وَهُوَ ظَاهِرٌ. [بَابٌ فِي دَلِيلِ اسْتِجْمَاعِ حَيَاةِ الْمَرِيضَةِ] قَالَ قَالَ مُحَمَّدٌ حَرَكَةُ رِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا أَوْ طَرَفِ عَيْنِهَا ابْنُ حَبِيبٍ أَوْ اسْتِفَاضَةُ نَفْسِهَا فِي جَوْفِهَا أَوْ مَنْخِرَيْهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُقَاتِلِ] (ق ت ل) : بَابُ الْمُقَاتِلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - انْقِطَاعُ النُّخَاعِ الْمُخُّ الْأَبْيَضُ فِي فَقَارِ الْعُنُقِ أَوْ الظَّهْرِ وَانْتِشَارُ الدِّمَاغِ أَوْ الْحَشْوَةِ وَخَرْقُ الْأَوْدَاجِ وَانْفِتَاقُ الْمَصِيرِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَقَطْعُ الْوَدَجِ الْوَاحِدِ وَقُيِّدَ بِذَلِكَ بِالْأَعْلَى اُنْظُرْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. [بَابٌ فِي الْجَنِينِ الَّذِي تَكُونُ ذَكَاتُهُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ] (ج ن ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 بَابٌ فِي الْجَنِينِ الَّذِي تَكُونُ ذَكَاتُهُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ قَالَ هُوَ الَّذِي يَمُوتُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ فِي بَطْنِهَا إنْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ قَوْلُهُ " هُوَ الَّذِي يَمُوتُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا لَمْ يَمُتْ فِيهَا وَخَرَجَ حَيًّا وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ إذَا خَرَجَ حَيًّا وَكَانَ مِثْلُهُ لَا يَعِيشُ فَقِيلَ لَمْ يُؤْكَلْ وَلَوْ ذُكِّيَ وَقَالَ الْجَلَّابُ إنْ اسْتَهَلَّ صَارِخًا ذُكِّيَ وَإِلَّا فَلَا يُؤْكَلُ وَقِيلَ يُكْرَهُ أَكْلُهُ بِالذَّكَاةِ اُنْظُرْهُ وَقَوْلُهُ " بِذَكَاةِ أُمِّهِ " أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا مَاتَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَقَوْلُهُ " إنْ تَمَّ خَلْقُهُ وَبُتَّ شَعْرُهُ " الْمُعْتَبَرُ شَعْرُ جَسَدِهِ لَا عَيْنَيْهِ وَتَمَامُ خَلْقِهِ إذَا كَمُلَتْ خِلْقَتُهُ وَلَوْ خُلِقَ نَاقِصَ الْيَدِ وَكَانَ تَامًّا فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ فَإِذَا لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ وَلَا نَبَتَ شَعْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ آلَة الصَّيْد] (أول) : بَابُ الْآلَةِ مَا يَقْطَعُ اللَّحْمَ بِضَغْطِهِ لِأَسْفَلَ قَوْلُهُ " مَا يَقْطَعُ اللَّحْمَ " يَشْمَلُ الزُّجَاجَ وَالْحَجَرَ الْحَادَّ وَسَائِرَ الْحَدِيدِ وَهَذَا يَشْمَلُ مَا قَطَعَ اللَّحْمَ مُطْلَقًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَوْ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَوْلُهُ " بِضَغْطِهِ لِأَسْفَلَ " أَخْرَجَ بِهِ الْمِنْشَارَ وَالْمِنْجَل لِأَنَّهُمَا يَجْبِذَانِ إلَى فَوْقَ فَإِنْ وَقَعَ الذَّبْحُ بِذَلِكَ فَلَا يُسَمَّى ذَبْحًا شَرْعِيًّا وَلِذَا قِيلَ إذَا كَانَ الْمِنْجَلُ أَمْلَسَ صَحَّ الذَّبْحُ بِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ هَذَا ذَكَرُوهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا كَانَ الْمِنْشَارُ لَيْسَ بِذَكَاةٍ لِأَنَّ فِيهِ خَنْقًا لِلْمَذْبُوحِ. . [بَابُ الذَّكَاةِ] (ذ ك و) : بَابُ الذَّكَاةِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذَّكَاةُ نَحْرٌ وَذَبْحٌ وَفِعْلُ مَا يُعَجِّلُ الْمَوْتَ بِنِيَّةٍ فِي الْجَمِيعِ حَدُّهُ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ] (ض ح و) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْمًا مَا تُقُرِّبَ بِذَكَاتِهِ مِنْ جِذْعِ ضَأْنٍ أَوْ ثَنِيِّ سَائِرِ النَّعَمِ سَلِيمَيْنِ مِنْ بَيِّنِ عَيْبٍ مَشْرُوطًا بِكَوْنِهِ فِي نَهَارِ عَاشِرِ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ تَالِيَيْهِ بَعْدَ صَلَاةِ إمَامِ عِيدِهِ لَهُ وَقَدْرُ زَمَنِ ذَبْحِهِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ تَحَرِّيًا لِغَيْرِ حَاضِرٍ. قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اسْمًا رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَسَامَحَ فِي قَوْلِهِ اسْمًا لِأَنَّ الْمَصْدَرَ إمَّا التَّضْحِيَةُ أَوْ التَّضَحِّي وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَلَيْسَ مَعْنَاهَا الْمَصْدَرَ بِوَجْهٍ تَصْدُقُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ فِيمَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا أَوْ اسْمَ مَصْدَرٍ مِثْلَ الزَّكَاةِ وَالصَّيْدِ وَاشْتِقَاقُهَا مَعْلُومٌ وَيَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الشَّيْخِ غَيْرُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ وَأَنَّ مُرَادَهُ بِالِاسْمِ هُنَا أَنَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ لِأَعَمَّ ثُمَّ خَصَّصَهَا الشَّرْعُ وَصَيَّرَهَا اسْمًا عَلَى مَا ذُكِرَ وَلِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِغَيْرِ هَذَا وَرُبَّمَا تُطْلَقُ الْأُضْحِيَّةُ عَلَى التَّقَرُّبِ بِالذَّكَاةِ إلَخْ لَكِنَّهُ لَيْسَ غَالِبًا فَلَا يُقَابَلُ هَذَا الِاسْمُ بِالْمَصْدَرِ بَلْ يُرَادُ بِلَفْظِهَا التَّقَرُّبُ كَمَا وَقَعَ لَهُ فِيمَا سَيَأْتِي فِي الْوَدِيعَةِ قَوْلُهُ " مَا تُقُرِّبَ " هُوَ أَعَمُّ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْمُتَقَرَّبِ بِهِ مِنْ طَاعَةٍ وَقَوْلُهُ " بِذَكَاةٍ " خَرَجَ بِهِ التَّقَرُّبُ بِغَيْرِ الذَّكَاةِ وَخَصَّ الذَّكَاةَ لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ الذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ قَوْلُهُ " مِنْ جِذْعٍ " إلَخْ بَيَانٌ لِلْمُتَقَرَّبِ بِهِ بِالذَّكَاةِ وَذَلِكَ شَرْطٌ فِيهِ. قَوْلُهُ " سَلِيمَيْنِ " صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهُ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ الْمَعِيبِ الْبَيِّنِ عَيْبُهُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ شَرْعًا قَوْلُهُ " مَشْرُوطًا " حَالٌ مِنْ الْمُتَقَرَّبِ بِهِ وَيَخْرُجُ بِهِ الْعَقِيقَةُ وَمَا شَابَهَهَا مِنْ الْهَدْيِ وَالنُّسُكِ فِي زَمَنِهِمَا (فَإِنْ قُلْتَ) مَا سِرُّ كَوْنِهِ قَالَ نَهَارُ عَاشِرِ ذِي الْحِجَّةِ وَلَمْ يَقُلْ نَهَارُ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ أَخْصَرُ وَيُؤَدِّي مَعْنَاهُ (قُلْتُ) تَقَدَّمَ لَنَا نَظِيرُ هَذَا فِي الْحَجِّ وَلَمْ تَظْهَرْ قُوَّةُ جَوَابٍ مَعَ أَنَّهُ قَدْ اُسْتُعْمِلَ ذَلِكَ فِي رَسْمِ الطَّوَافِ وَفِي غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ " بَعْدَ صَلَاةٍ " إلَى قَوْلِهِ " وَلَوْ تَحَرِّيًا " مَعْمُولٌ لِلذَّكَاةِ احْتَرَزَ بِذَلِكَ مِمَّا إذَا تَقَرَّبَ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ الزَّمَانِ أَوْ مِمَّا إذَا ذَبَحَ الْإِمَامُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالضَّمِيرُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 عِيدِهِ عَائِدٌ عَلَى عَاشِرِ ذِي الْحِجَّةِ وَلَهُ يَعُودُ عَلَى الْإِمَامِ قَوْلُهُ " وَقَدْرِ " مَعْطُوفٍ عَلَى الصَّلَاةِ أَيْ وَبَعْدَ قَدْرِ زَمَنِ ذَبْحِ الْإِمَامِ احْتَرَزَ بِهِ مِنْ ذَبْحِ غَيْرِ الْإِمَامِ قَبْلَ ذَبْحِ الْإِمَامِ قَوْلُهُ " لِغَيْرِ حَاضِرٍ " مُتَعَلِّقٌ بِقَدْرٍ وَأَدْخَلَ بِهِ إذَا تَحَرَّى مَنْ لَا إمَامَ لَهُمْ ذَبْحَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا ذَبَحَ إمَامٌ بَعْدَ صَلَاتِهِ وَقَبْلَ خُطْبَتِهِ فَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا غَيْرَهُ فَحَقُّ الشَّيْخِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ صَلَاتِهِ وَقَبْلَ خُطْبَتِهِ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَأَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْعِيدِ تُلَازِمُهَا الْخُطْبَةُ فَلِذَلِكَ اسْتَغْنَى عَنْهَا وَبِذَلِكَ أَجَابَ الشَّيْخُ سَيِّدِي عِيسَى عَلَى أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي كَوْنِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْقَاضِي. (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَزِدْ فِي هَذَا الْحَدِّ الَّذِي قُصِدَ بِهِ الْمَاهِيَّةُ الصَّحِيحَةُ السَّلَامَةُ مِنْ الشَّرِكَةِ فِي لَحْمِهَا وَذَلِكَ شَرْطٌ بِاتِّفَاقٍ وَلَا تُجْزِئُ مَعَ الشَّرِكَةِ (قُلْتُ) تَقَدَّمَ لَنَا إيرَادُهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ جَوَابٌ مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدَّ ظَاهِرٌ مِنْهُ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَصَدَ فِيهِ رَسْمَ الْمَاهِيَّةِ الصَّحِيحَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ لَمَّا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ بَيْعِ مَا كَانَ مَعِيبًا مِنْ الْأُضْحِيَّةِ قَالَ فَالرَّسْمُ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْبَيْعِ فِيهَا وَقَعَ مَعِيبًا عَلَى مَا وَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَنَظِيرُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ فَعُرِفَ بِمَا يَشْمَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ لِأَنَّ الْفَاسِدَةَ تَشَارُكُ الصَّحِيحَةَ فِي جُزْءِ خَاصِّيَّتِهَا وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ الْبَيْعِ فَيُقَالَ فِي تَعْرِيفِهَا " مَا ذُكِّيَ مِنْ نَعَمٍ قُصِدَ بِهِ قُرْبَةُ الذَّكَاةِ الْمَشْرُوطَةِ بِأَنَّهَا فِي نَهَارِ عَاشِرِ ذِي الْحِجَّةِ " قَوْلُهُ مَا ذُكِّيَ مِنْ نَعَمٍ احْتَرَزَ بِهِ مِنْ غَيْرِ النِّعَمِ فَلَا يُسَمَّى أُضْحِيَّةً قَوْلُهُ قُصِدَ بِهِ قُرْبَةُ الذَّكَاةِ احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْقُرْبَةَ وَأَمَّا قَصْدُ الذَّكَاةِ وَلَيْسَ بِأُضْحِيَّةٍ قَوْلُهُ الْمَشْرُوطَةُ لِيَخْرُجَ بِهِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ الْعَقِيقَةِ وَغَيْرِهَا (فَإِنْ قُلْتَ) مَا سِرُّ كَوْنِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَاهِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ الشَّامِلَةَ لِلصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ ذَكَرَ مَا رَأَيْته وَلَمْ يَقُلْ مَا تُقُرِّبَ بِذَكَاتِهِ مِنْ نَعَمٍ مَشْرُوطًا بِكَوْنِهَا فِي عَاشِرِ ذِي الْحِجَّةِ (قُلْتُ) كَأَنْ يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا أُجْرِيَ عَلَى أَصْلِهِ فِي اخْتِصَارِهِ وَجَمْعِهِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ قَصْدَهُ إدْخَالُ مَنْ ضَحَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ كَمَا ذُكِرَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ الْعَاشِرُ وَلَا تَدْخُلُ هَذِهِ الصُّورَةُ فِي الرَّسْمِ إلَّا بِعِبَارَتِهِ الَّتِي عَدَلَ إلَيْهَا وَقَدْ أَدَّى فِيمَا يَظْهَرُ مَا ذَكَرَهُ طَرْدًا وَعَكْسًا وَلَعَلَّهُ قَصَدَ مَا نَفْهَمُهُ عَنْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَنْفَعُنَا بِهِ وَيَفْتَحُ عَلَى قُلُوبِنَا بِسَبَبِ مَحَبَّتِهِ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ. (فَإِنْ قُلْتَ) اسْمُ الْأُضْحِيَّةِ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ يُطْلَقُ عَلَى مَا أُعِدَّ لِلْأُضْحِيَّةِ قَبْلَ التَّقَرُّبِ بِهِ وَيُطْلَقُ عَلَى مَا تُقُرِّبَ بِهِ قَالَ فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وَمَنْ ضَلَّتْ أُضْحِيَّتُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِهَا الصَّادِقَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ الذَّبْحِ وَظَاهِرُ رَسْمِ الشَّيْخِ إنَّمَا هِيَ مَا تُقُرِّبَ بِهِ فِعْلًا (قُلْتُ) رَاعَى الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأُضْحِيَّةَ الَّتِي لَهَا خَوَاصُّ عَدَمِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ الذَّبْحِ سِيمَا عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالذَّبْحِ وَفِيهِ بَحْثٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمَأْمُورِ بِالْأُضْحِيَّةِ] (أم ر) : بَابُ الْمَأْمُورِ بِالْأُضْحِيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحُرُّ الْقَادِرُ عَلَيْهَا إلَّا الْحَاجَّ بِمِنًى أَخْرَجَ بِالْحُرِّ الْعَبْدَ هَذَا لَا يَلْزَمُهُ وَبِالْقَادِرِ عَلَيْهَا مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى شِرَائِهَا وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا مِمَّنْ تُجْحِفُ بِمَالِهِ وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ لَتَسَلَّفَ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَهْلُ مِنًى لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَضَاحِيٌّ وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْحَجِّ فَهُوَ هَدْيٌ. [بَابٌ فِيمَنْ يُشْرِكُ فِي ثَوَابِ الْأُضْحِيَّةِ] (ض ح ي) بَابٌ فِيمَنْ يُشْرِكُ فِي ثَوَابِ الْأُضْحِيَّةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَهْلُ بَيْتِهِ بِشَرْطِ قَرَابَتِهِمْ وَكَوْنِهِمْ فِي نَفَقَتِهِ وَمُسَاكَنَتِهِ وَزَوْجَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَذُو الرِّقِّ كَأُمِّ الْوَلَدِ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ. [بَابُ أَيَّامِ الذَّبْحِ] (ذ ب ح) : بَابُ أَيَّامِ الذَّبْحِ قَالَ يَوْمُ النَّحْرِ وَتَالِيَاهُ. [بَابٌ فِي وَقْتِ الذَّبْحِ] قَالَ فِي الْأُولَى بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ لِلْإِمَامِ وَلِغَيْرِهِ وَذَبْحُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ. [بَابُ الْعَقِيقَةِ] (ع ق ق) : بَابُ الْعَقِيقَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا تُقُرِّبَ بِذَكَاتِهِ مِنْ جَذَعِ ضَأْنٍ أَوْ ثَنِيِّ سَائِرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 النَّعَمِ سَالِمَيْنِ مِنْ بَيِّنِ عَيْبٍ مَشْرُوطٍ بِكَوْنِهِ فِي نَهَارِ سَابِعِ وِلَادَةِ آدَمِيٍّ حَيٍّ عَنْهُ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ أَوَّلَ الرَّسْمِ فِي الْأُضْحِيَّةِ إلَى قَوْلِهِ فِي نَهَارِ سَابِعٍ وَبِهِ تَخْرُجُ الْأُضْحِيَّةُ " وَقَوْلُهُ وِلَادَةِ آدَمِيٍّ " احْتَرَزَ مِنْ وِلَادَةِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى عَقِيقَةً وَإِنْ سُمِّيَ لُغَةً وَقَوْلُهُ " حَيٍّ " احْتَرَزَ بِهِ مِنْ الْمَوْلُودِ مَيِّتًا فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ عَنْهُ الْعَقِيقَةُ وَقَوْلُهُ " عَنْهُ " الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْآدَمِيِّ وَيَتَعَلَّقُ الْمَجْرُورُ بِقَوْلِهِ تُقُرِّبَ وَيَخْرُجُ الذَّبْحُ مِنْ غَيْرِ تَقَرُّبٍ عَنْهُ قَالَ الشَّيْخُ وَعَلَى رِوَايَةٍ إلَخْ أَشَارَ إلَى أَنَّ الرَّسْمَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنْ أَرَدْت الشَّاذَّ فَاذْكُرْ مَا أَشَارَ إلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعَقِيقَةُ اسْمًا كَمَا قَالَ فِي الْأُضْحِيَّةِ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ أَحَالَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِقَوْلِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ تَسَامَحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْ حَدَّهَا مَصْدَرًا هُنَا بِمَعْنَى أَنَّ مَعْنَاهَا الذَّبْحُ لِلتَّقَرُّبِ بِذَكَاةِ جَذَعٍ إلَخْ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ أَصْلُهَا مَوْضُوعٌ لُغَةً لِلذَّبْحِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْقَطْعُ وَمِنْهُ عَنْ وَالِدَيْهِ (قُلْتُ) هَذَا غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِشَعْرِ الْمَوْلُودِ ثُمَّ نُقِلَتْ شَرْعًا إلَى ذَبْحِ الْمَوْلُودِ وَهُوَ الَّذِي مَرَّ عَلَيْهِ كَثِيرٌ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلذَّبْحِ وَهُوَ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُومُ ثُمَّ خُصِّصَتْ بِمَا ذُكِرَ شَرْعًا وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْخِلَافِ بَعْدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قُلْتَ) عَادَتُهُ إذْ كَانَ خِلَافٌ مِثْلُ ذَلِكَ يَقُولُ رَسْمُهَا عَلَى رَأْيِ كَذَا وَعَلَى آخَرَ كَذَا وَهُنَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ (قُلْتُ) تَقَوَّى عِنْدَهُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فَخَصَّصَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَدُّ الْأَوَّلُ وَابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الثَّانِي فَإِنَّهُ قَالَ ذَبْحُ الْوِلَادَةِ وَإِنْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ بِكَسْرِ الذَّالِ لَا بِفَتْحِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِهَا وَاعْتَرَضَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَسْمَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ بِذَبْحِ غَيْرِ النَّعَمِ وَبِذَبْحِهَا بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ وَمَا يُذْبَحُ لِوِلَادَةِ غَيْرِ آدَمِيٍّ قَالَ وَيَبْطُلُ عَكْسُهُ بِأَنَّهُ لَا يَتَأَوَّلُ إلَّا مَا ذُبِحَ لِلْوِلَادَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَقِيقَةٍ وَإِنَّمَا الْعَقِيقَةُ مَا ذُبِحَ لِلْمَوْلُودِ لَا لِلْوِلَادَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَبَحْثٌ حَسَنٌ بَاهِرٌ. [كِتَابُ الْأَيْمَانِ] (أم ن) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كِتَابُ الْأَيْمَانِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْيَمِينُ عُرْفًا قِيلَ مَعْنَاهَا ضَرُورِيٌّ لَا يُعْرَفُ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي نَظِيرِهِ ثُمَّ قَالَ " وَالْحَقُّ أَنَّهُ نَظَرِيٌّ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَقَالَ الْأَكْثَرُ: التَّعْلِيقُ مِنْهُ لِتَرْجَمَتِهَا كِتَابَ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ " هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَقَدَّمَ لَهُ نَظِيرُهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْخِلَافُ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي التَّعَالِيقِ هَلْ هِيَ أَيْمَانٌ أَوْ الْتِزَامَاتٌ فَحَقَّقَ الشَّيْخُ أَنَّهَا أَيْمَانٌ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَاصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَإِطْلَاقَاتِهِمْ وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا قِيلَ بِذَلِكَ فَيَلْزَمُ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ وَإِذَا تَعَارَضَ الْمَجَازُ وَالِاشْتِرَاكُ فَالْمَجَازُ أَوْلَى وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا أَشْكَلَ عَلَى مَعَ مَا قَرَّرَهُ فِي الْعِدَّةِ وَأَجَابَ عَنْ إطْلَاقَاتِ الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَلَعَلَّ الْجَوَابَ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا عَيْنُ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ هُنَا لِدَلِيلٍ يَخُصُّ هَذَا الْمَحَلَّ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً مَا لَزِمَ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ دُونَ نِيَّةٍ وَالتَّالِي بَاطِلٌ لِأَنَّ التَّعَالِيقَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ وَبَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْمَجَازَ لَا يَلْزَمُ اللَّفْظُ لَهُ حُكْمُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ رَدَّ مَا أَوْرَدَ عَلَى مَا بَيَّنْت بِهِ الْمُلَازَمَةَ بِأَنَّ اللُّزُومَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ إنَّمَا لَزِمَ لِأَنَّهُ رَاجِحٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا مَرْدُودٌ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقَصْدُ مِنْ الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ ثُمَّ إنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ حَقَّقَ أَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ نَظَرِيٌّ لِأَنَّهُ أَعْنِي الْيَمِينَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَكُلُّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ فَالْيَمِينُ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ وَمَا كَانَ غَيْرَ ضَرُورِيٍّ فَهُوَ نَظَرِيٌّ وَهِيَ دَعْوَاهُ بَيَانَ الصُّغْرَى بِمَا نَقَلَهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي كَوْنِ التَّعَالِيقِ مِنْ الْأَيْمَانِ أَمْ لَا وَالْكُبْرَى جَلِيَّةٌ قَطْعِيَّةٌ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ صَحَّ الْحَدُّ لَهَا فَحَدُّهَا بِقَوْلِهِ الْيَمِينُ قَسَمٌ أَوْ الْتِزَامٌ مَنْدُوبٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الْقُرْبَةُ أَوْ مَا يَجِبُ بِإِنْشَاءٍ لَا يَفْتَقِرُ لِقَبُولٍ مُعَلَّقٍ بِأَمْرٍ مَقْصُودٍ عَدَمُهُ قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " قَسَمٌ " أَشَارَ إلَى أَنَّ الْيَمِينَ فِي الشَّرْعِ تُطْلَقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ وَأَنَّهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ كَمَا تَقُولُ الْعَيْنُ فِي اللُّغَةِ لَهُ ثَلَاثُ مَدْلُولَاتٍ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 الْعَيْنُ الْبَاصِرَةُ وَعَيْنُ الذَّهَبِ وَالْعَيْنُ الْمَأْكُولَةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْيَمِينُ يُطْلَقُ عَلَى الْقَسَمِ وَعَلَى الْتِزَامٍ إلَخْ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ عَرَّفَ حَقَائِقَ مَعَانِي الْمُشْتَرَكِ فِي حَدٍّ وَاحِدٍ وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ (قُلْتُ) لَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ حَدٌّ لَفْظِيٌّ فَبَيَّنَ بِهِ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ أَدْخَلَ أَوْ فِي التَّحْدِيدِ وَهُوَ يُنَافِي التَّرْدِيدَ (قُلْتُ) أَوْ هُنَا الْمُرَادُ بِهَا التَّقْسِيمُ كَمَا تَقُولُ تَصْدُقُ الْكَلِمَةُ عَلَى كَذَا وَكَذَا وَفِي الْجَوَابِ مَا لَا يَخْفَى وَلَعَلَّ مِنْ هَذَا يَظْهَرُ الْجَوَابُ عَنْ كَوْنِهِ لَمْ يَقُلْ الْإِيمَانُ لَقَبٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الذَّبَائِحِ وَالْقَسَمُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَقَدْ عَرَّفُوهُ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَأَصْلُ الْيَمِينِ مَوْضُوعَةٌ عَلَيْهِ لُغَةً (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا عُلِمَ فِي الْعُرْفِ وَفِي الشَّرْعِ مِنْ أَنَّ اللُّغَةَ تَكُونُ عَامَّةً فِي مَدْلُولِ مَوْضُوعٍ وَالْعُرْفُ يُخَصِّصُ ذَلِكَ فِي فَرْدٍ مِنْ ذَلِكَ كَالدَّابَّةِ وَالصَّوْمِ وَهُنَا اللُّغَةُ خَصَّصَتْ وَالشَّرْعُ عَمَّمَ اللَّفْظَ الْخَاصَّ (قِيلَ) قَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ شُرَّاحِ الْمُدَوَّنَةِ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ يَأْتِي نَظِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ " أَوْ الْتِزَامُ مَنْدُوبٍ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الْقُرْبَةُ " قَوْلُهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الْقُرْبَةُ مَرْفُوعٌ صِفَةً لِلِالْتِزَامِ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي لِلْيَمِينِ فَالْتِزَامُ مَنْدُوبٍ عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ النَّذْرُ وَالْيَمِينُ وَغَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الْقُرْبَةُ يَخْرُجُ بِهِ النَّذْرُ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ هَذَا قَصَدَ بِهِ الْقُرْبَةَ وَكَذَا إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فَهُوَ كَذَلِكَ وَإِذَا قَالَ إنْ قُلْتُ كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ قُرْبَةً وَإِنَّمَا قَصَدَ الِامْتِنَاعَ فَهُوَ يَمِينٌ وَالْأَوَّلُ نَذْرٌ فَأَخْرَجَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - النَّذْرَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) يُفْهَمُ مِنْ هُنَا أَنَّ حَدَّ النَّذْرِ الْتِزَامُ مَنْدُوبٍ مَقْصُودٍ بِهِ الْقُرْبَةُ وَقَالَ فِي بَابِ النَّذْرِ الْتِزَامُ طَاعَةٍ بِنِيَّةِ قُرْبَةٍ وَهُوَ أَخْصَرُ مِمَّا تَضَمَّنَهُ رَسْمُهُ هُنَا فَالْجَارِي عَلَى هَذَا الْحَدِّ أَنْ يَقُولَ فِي حَدِّ أَحَدِ أَقْسَامِ الْيَمِينِ الْتِزَامُ طَاعَةٍ لَا بِنِيَّةِ قُرْبَةٍ وَذَلِكَ يَحْصُلُ مَعْنَى مَا حُدَّ بِهِ النَّذْرُ فِي بَابِهِ وَهُوَ أَخْصَرُ فِي الْحَدِّ هُنَا فِي الْيَمِينِ فَلِأَيِّ شَيْءٍ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ (قُلْتُ) الْجَوَابُ عَنْهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا بَعْدَ تَحْقِيقِ حَدِّ النَّذْرِ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَانْظُرْهُ هُنَاكَ وَلَعَلَّهُ عَبَّرَ بِالطَّاعَةِ لِوُقُوعِهَا فِي الْحَدِيثِ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ» فَجَاءَ بِهِ عَلَى لَفْظِ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ " أَوْ مَا يَجِبُ بِإِنْشَاءٍ لَا يَفْتَقِرُ " إلَخْ مَا مِنْ قَوْلِهِ مَا يَجِبُ إنْشَاءٌ يَظْهَرُ فِيهِ أَنَّهُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَطْفًا عَلَى الْأَوَّلِ الْمَرْفُوعِ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْإِنْشَاءِ مَثَلًا الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى أَمْرٍ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَطْفًا عَلَى الْمُضَافِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 إلَيْهِ وَهُوَ الْمَنْدُوبُ تَقْدِيرُهُ الْتِزَامُ مَا يَجِبُ بِإِنْشَاءٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَتَكُونُ مَعَانِي الْيَمِينِ ثَلَاثَةً وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الثَّالِثُ مِنْ مَعَانِي الْيَمِينِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ مَا يَجِبُ بِإِنْشَاءٍ وَالْإِنْشَاءُ هُوَ مَا يَقَعُ بِهِ مَدْلُولُهُ مِثْلَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتَ حُرٌّ وَثَوْبِي صَدَقَةٌ فَأَخْرَجَ الصَّدَقَةَ وَمَا شَابَهَهَا مِنْ الْحَدِّ وَمَا يَفْتَقِرُ لِقَبُولٍ مِنْ الْمُعْطِي وَبَقِيَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ قَوْلُهُ " مُعَلَّقٌ " يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا صِفَةً لِالْتِزَامِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ الْمَذْكُورَ فِي الْإِنْشَاءِ وَالْمَنْدُوبَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِإِنْشَاءٍ فَعَلَى هَذَا وَصْفُ الْإِنْشَاءِ الْمُقَيَّدِ بِكَوْنِهِ مُعَلَّقًا بِأَمْرٍ كَمَا إذَا قُلْتَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ إنْ سَرَقْتُ فَعَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْرِ وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ تَعْلِيقِ الْإِنْشَاءِ وَإِنْشَاءِ التَّعْلِيقِ وَالْإِنْشَاءُ هَاهُنَا مُعَلَّقٌ ثُمَّ وَصَفَ الْأَمْرَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ عَدَمُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لَا فِي الْحِنْثِ وَلَا فِي الْبَرِّ فَفِي الْبِرِّ فِي قَوْلِك أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الْأَمْرُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ دُخُولُ الدَّارِ وَالْمَقْصِدُ عَدَمُ دُخُولِهَا. وَفِي الْحِنْثِ فِي قَوْلِك إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ عَدَمُ دُخُولِ الدَّارِ وَالْمَقْصِدُ عَدَمُ ذَلِكَ الْعَدَمِ وَهُوَ دُخُولُهَا وَإِنَّمَا وَصَفَ الْأَمْرَ بِمَا ذُكِرَ لِيَخْرُجَ عَنْهُ إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ إنْ بَرِئَ ابْنِي مِنْ مَرَضِهِ أَوْ إنْ بَرِئَ ابْنِي مِنْ مَرَضِهِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَهَذَا نَذْرٌ لَا يَمِينٌ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ الْمَقْصُودُ عَدَمَهُ بَلْ وُجُودُهُ هَذَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ مِنْ حَدِّ هَذَا الْإِمَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَسْكَنَهُ دَارَ السَّلَامِ وَمَا قَرَرْت بِهِ كَلَامَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي قَوْلِهِ بِأَمْرٍ مَقْصُودٍ عَدَمُهُ وَأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ مَقْصُودُ الْعَدَمِ فِي الْبَرِّ وَفِي الْحِنْثِ فِي قَوْلِنَا إنْ لَمْ تَدْخُلِي فَأَنْتِ طَالِقٌ هُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ وَقَعَ لِلشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي تَأْوِيلِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مَا يُوهِمُ خِلَافَ مَا قَرَرْته وَأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ فِي الْحِنْثِ تَأْكِيدُ دُخُولِ طَلَبِ الدَّارِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ " وَإِنْ كَانَ نَفْيًا عَلَى دَعْوَى تَحَقُّقِهِ كَفِعْلٍ لَهُ غَيْرِ مُحَرَّمٍ " إلَخْ وَلْنَذْكُرْ مَعْنَى مَا يُمَيِّزُ هَذِهِ الْجُمْلَةَ بِاخْتِصَارٍ ثُمَّ نُشِيرُ إلَى كَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَيْ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى نَفْيٍ يُمْكِنُ دَعْوَى تَحْقِيقِهِ غَيْرَ مُحَرَّمٍ مُنِعَ الزَّوْجُ مِنْ زَوْجِهِ حَتَّى يَقَعَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَقَسَمُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ أَوَّلًا عَلَى أَقْسَامِ الْأَوَّلِ الْأَمْرُ الْمُحَقَّقُ الثَّانِي الْغَالِبُ وُقُوعُهُ الثَّالِثُ الْمُحْتَمَلُ مِمَّا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ مُثْبَتًا نَحْوَ إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَذَا يَنْتَظِرُ حَتَّى يَجِيءَ زَيْدٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا خِلَافَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ كَانَ نَفْيًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وَهِيَ الْجُمْلَةُ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا مِنْ كَلَامِهِ قَالَ شَارِحُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا مَعْنَاهُ لَيْسَ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِالنَّفْيِ هُنَا كَوْنَ الشَّرْطِ الَّذِي عَلَّقَ الْحَالِفُ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ مَطْلُوبً الِانْتِفَاءِ لِلْحَالِفِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُ مَا عَبَّرَ الْحَالِفُ بِالنَّفْيِ بِصِيغَتِهِ فِي الْفِعْلِ الَّذِي قَصَدَ إلَى تَحْصِيلِهِ وَعَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ الْفِعْلِ لِيُلْزِمَ نَفْسَهُ الْفِعْلَ الْمَطْلُوبَ فَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ فَمُرَادُهُ تَأْكِيدُ طَلَبِ دُخُولِ الدَّارِ لَا تَأْكِيدُ انْتِفَاءِ دُخُولِ الدَّارِ سَبَبُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ وَهُوَ مَا عُلِمَ مِنْ شُحِّ الْإِنْسَانِ بِإِخْرَاجِ امْرَأَتِهِ مِنْ عِصْمَتِهِ فَإِذَا عَلَّقَ ذَلِكَ عَلَى انْتِفَاءِ أَمْرٍ مَا كَانَ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى طَلَبِ ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى انْتِفَائِهِ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ يُوهِمُ هَذَا خِلَافَ مَا قَرَرْته (قُلْتُ) لِأَنَّهُ لَمَّا تَأَوَّلَ النَّفْيَ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ قَسِيمٌ لِلثُّبُوتِ قَبْلَهُ وَالثُّبُوتُ قَبْلَهُ مُعَلَّقُ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ وَهُوَ صُورَةُ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ عِنْدَهُ عَلَّقَ فِيهِ الطَّلَاقَ عَلَى النَّفْيِ أَوْهَمَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ لَيْسَ الْمَطْلُوبُ عَدَمَهُ مُطْلَقًا كَمَا قَرَرْتُمْ وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لَا يُخَالِفُ مَا قَرَّرْنَاهُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ بَلْ يُؤَكِّدُهُ وَأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ فِي الشَّرْطِ فِي الْيَمِينِ مَطْلُوبُ الِانْتِفَاءِ لَا فِي الْبَرِّ وَلَا فِي الْحِنْثِ لَكِنَّ صُورَةَ الْحِنْثِ الشَّرْطُ فِيهَا عُبِّرَ فِيهِ بِصِيغَةِ النَّفْيِ فِي الْفِعْلِ وَالْبِرُّ عُبِّرَ فِيهِ فِي الشَّرْطِ بِصِيغَةِ الثُّبُوتِ وَهَذَا فِي الْمَعْنَى يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ فِي قَوْلِهِ مُعَلَّقٌ بِأَمْرٍ مَطْلُوبٍ عَدَمُهُ وَإِنَّمَا تَأَوَّلَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِتَكُونَ صُورَةُ النَّفْيِ عِنْدَهُ مِنْ قَبِيلِ صُورَةِ الْحِنْثِ كَمَا أَنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى فِي الثُّبُوتِ مِنْ الْبِرِّ وَالْمَقْصِدُ فِي الْمِثَالَيْنِ عَدَمُ الْمُعَلَّقِ قَرَّرْنَاهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ صُورَةَ الْحِنْثِ الْمَطْلُوبَ فِيهَا تَأْكِيدُ ثُبُوتِ دُخُولِ الدَّارِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ وَهُوَ نَفْيُ الدُّخُولِ مَقْصُودٌ عَدَمُهُ بَلْ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ تَأْكِيدَ طَلَبِ دُخُولِ الدَّارِ وَلِذَا أَحَالَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ أَعَمُّ مِنْ يَمِينٍ مُعَلَّقٍ وَأَنَّ كُلَّ يَمِينٍ مُعَلَّقٍ تَعْلِيقٌ وَلَا عَكْسَ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ مَا رَأَيْت فَإِذَا قَالَ إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَصَدَ مَجِيئَهُ لَا عَدَمَ مَجِيئِهِ فِي التَّعْلِيقِ فَهَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي كَانَ يَظْهَرُ لَنَا وَأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى طَلَاقًا مُعَيَّنًا مُؤَجَّلًا لَا يَمِينًا وَرُبَّمَا يَقُومُ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِقْرَاءِ مِنْ مَسَائِلَ فِقْهِيَّةٍ تَدُلُّ عَلَى مَا حَقَّقَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ ابْنُ سَحْنُونَ عَنْ أَبِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 إذَا قَالَ رَجُلٌ إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَزَوْجُهُ طَالِقٌ إنْ قَصَدَ جَعْلَ قُدُومِهِ أَجَلًا كَقَوْلِهِ إذَا صَدَرَ الْحَاجُّ طَلُقَتْ عَلَيْهِ الْآنَ وَإِنْ قَصَدَ أَنَّهُ لَا يَقْدَمُ الْبَلَدَ فَقَدِمَ مَيِّتًا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ كَيْفَ صَيَّرَ الْأَوَّلَ طَلَاقًا مُؤَجَّلًا فَعَجَّلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَالثَّانِي يَمِينًا فَلَمْ يُعَجِّلْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ الزَّمَنَ الْمُحَقَّقَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْتَ) هَذِهِ الصُّورَةُ قَدْ نُقِلَتْ الْآنَ عَنْ الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ قَالَ لَا يُنَجَّزُ فِيهَا الطَّلَاقُ بَلْ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَجِيءَ زَيْدٌ أَمْ لَا وَلَا خِلَافَ فِيهِ (قُلْت) يَعْنِي بِذَلِكَ إذَا قَصَدَ الشِّقَّ الثَّانِيَ فِي كَلَامِ سَحْنُونَ فَلَا شَكَّ كَمَا قَرَّرْنَا (فَإِنْ قُلْتَ) وَكَيْفَ يُعَجِّلُ فِيهِ سَحْنُونٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الطَّلَاقَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ لَيْسَ بِغَالِبٍ وَلَا مُحَقَّقٍ (قُلْتُ) لَمَّا قَصَدَ تَنْظِيرَهُ بِقُدُومِ الْحَاجِّ دَلَّ عَلَى خُصُوصِ غَلَبَةِ قُدُومِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَعَلَى ذَلِكَ يُقَرَّرُ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسَائِلِ الْمُحَقَّقِ أَوْ الْغَالِبِ فِي تَنْجِيزِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ قَصَدَ الْمُعَلَّقَ إنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ الْفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ كَالْمُؤَجَّلِ فِي الطَّلَاقِ الَّذِي شَبَّهُوهُ بِنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ إطْلَاقِ الْيَمِينِ عَلَى ذَلِكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُسَامَحَةٍ هَذَا الَّذِي كُنْت أَفْهَمُ عَلَيْهِ كَلَامَهُ وَأَعْتَقِدُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْمُقْرِي فِي قَوَاعِدِهِ أَنَّ التَّعْلِيقَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مُطْلَقًا أَيْمَانٌ حَقِيقَةً وَذَكَرَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا أَيْمَانٌ بِشَرْطِ الِامْتِنَاعِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ أَقْعَدُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَبِأُمَّهَاتِ مَذْهَبِهِ عَلَى أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ يَقُولُ إنَّهَا لَيْسَتْ بِأَيْمَانٍ بِوَجْهٍ وَهُوَ مِنْ أُصُولِ الْمَذْهَبِ وَوَقَفْتُ عَلَى كَلَامِ الْمُقْرِي حِينَ الْإِقْرَاءِ لِهَذَا الْفَصْلِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا حَقَّقْنَا مَا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَنَّ التَّعْلِيقَ أَعَمُّ مِنْ يَمِينِ التَّعْلِيقِ فَيُقَالُ كَيْفَ صَحَّ لَهُ إنْ قَالَ فِي طَالِعَةِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ التَّعْلِيقُ مِنْ الْأَيْمَانِ وَهَذِهِ عِنْدَهُ نَتِيجَةٌ وَالصُّغْرَى عِنْدَهُ التَّعْلِيقُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ يَمِينٌ فِي كَلَامِهَا. وَفِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَهُوَ يَمِينٌ وَالنَّتِيجَةُ كَمَا ذَكَرْنَا وَظَاهِرٌ أَنَّهَا كُلِّيَّةٌ مُوجَبَةٌ وَهِيَ دَعْوَاهُ فَكَيْفَ يُثْمِرُ حَدُّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُوجَبَةً جُزْئِيَّةً وَهِيَ بَعْضُ التَّعْلِيقِ يَمِينٌ لَا كُلُّهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ دَعْوَاهُ الَّتِي اسْتَدَلَّ عَلَيْهَا كُلِّيَّةٌ وَمَا خُصِّصَ بِهِ الْحَدُّ اقْتَضَى أَنَّهَا جُزْئِيَّةٌ (قُلْتُ) لَنَا أَنْ نَقُولَ بِأَنَّ الدَّعْوَى جُزْئِيَّةٌ وَهُوَ التَّعْلِيقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى مَا قُصِدَ عَدَمُهُ وَيُثْمِرُ كَلَامُهُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا قَرَرْتَ بِهِ كَلَامَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَحِيحٌ وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَيَخْرُجُ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ إلَخْ وَبِأَيِّ قَيْدٍ يَخْرُجُ (قُلْتُ) يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ أَخْرَجَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي الْتِزَامُ مَنْدُوبٍ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الْقُرْبَةُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا قُرْبَةَ فِيهِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا صَحَّ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ فَكَيْفَ يَصِحُّ فِي الْعِتْقِ وَالْعِتْقُ قُرْبَةٌ فَكَيْفَ يَخْرُجُ وَقَدْ الْتَزَمَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ فِيهِ الْتِزَامُ الْقُرْبَةِ فَهُوَ يَمِينٌ فَكَيْفَ صَحَّ إخْرَاجُهُ وَالْقَصْدُ دُخُولُهُ وَكَيْفَ صَحَّ فِيهِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ نَذْرٌ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ (قُلْتُ) هَذَا تَقَدَّمَ لَنَا إشْكَالُهُ مِرَارًا هُنَا وَفِي النَّذْرِ وَيُمْكِنُ فَهْمُهُ مِمَّا وَقَعَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لِابْنِ رُشْدٍ لِأَنَّهُ وَقَعَ لَهُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ إنَّمَا عُيِّنَتْ لِلنَّذْرِ لِقَرِينَةِ صُورَةِ النَّذْرِ فِي قَوْلِنَا لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدِي فَأَخْرَجَهَا ذَلِكَ عَنْ الْيَمِينِ وَكَانَتْ نَذْرَ الْأَجِيرِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا وَفَاءَ لَهُ إلَّا بِنِيَّةٍ وَالنِّيَّةُ هُنَا فِيهِ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْقُرْبَةُ وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ إشْكَالِ قَوْلِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا فِيمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ نَذْرٌ وَلَا وَفَاءَ لَهُ فَيُقَالُ كَيْفَ يَقُولُ لِأَنَّهُ نَذْرٌ وَهُوَ قَابِلٌ لِلْيَمِينِ فَالْجَوَابُ أَنَّ صُورَةَ النَّذْرِ فِيهِ عَيَّنَتْ النَّذْرِيَّةَ وَأَخْرَجَتْهُ عَنْ الْيَمِينِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي النَّذْرِ بِمَا يُنَاسِبُ الْقَوْلَيْنِ فِي النَّاقَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْيَمِينَ تَصْدُقُ شَرْعًا عَلَى الْقَسَمِ فِي مِثْلِ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت وَتَصْدُقُ فِي قَوْلِنَا إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَعَبْدِي حُرٌّ وَتَصْدُقُ فِي قَوْلِنَا إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَا تَصْدُقُ فِي إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ طَلَاقُ زَوْجَتِي وَلَا فِي قَوْلِنَا إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدِي لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَعَلَيَّ عِتْقُ عَبْدِي الْتِزَامُ نَذْرٍ فِي عِتْقٍ لَا الْتِزَامُ قُرْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا نَذْرٌ فَلِذَا كَانَ نَذْرًا لَا يَمِينًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ الْيَمِينُ شَرْعًا اتِّفَاقًا] يُؤْخَذُ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - " مَا دَلَّ عَلَى ذَاتِهِ الْعَلِيَّةِ " قَوْلُهُ " مَا دَلَّ " إلَخْ أَخْرَجَ بِهِ مَا دَلَّ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ الصِّفَةِ أَوْ الْحَادِثِ وَالْحَلِفُ بِالصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ فِيهِ خِلَافٌ وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ وَأَمَّا الْحَادِثُ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ. [بَابٌ فِيمَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِاتِّفَاقٍ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا مَعْنَاهُ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ " الْحَلِفُ بِمَا دَلَّ عَلَى ذَاتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 الْعَلِيَّةِ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ مِنْ عَاقِلٍ بَالِغٍ مُسْلِمٍ حَنِثَ طَوْعًا وَبِالنَّذْرِ الْمُبْهَمِ " قَوْلُهُ " مُسْتَقْبَلٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْمَاضِي لِأَنَّ الْمَاضِيَ قَدْ يَكُونُ فِيهِ الْغَمُوسُ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَاللَّغْوُ كَذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ صَحَّ ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (قُلْتُ) اعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ بَعْدُ وَزَعَمَ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ لَا لَغْوَ وَلَا غَمُوسَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَرَدَّ عَلَى الشَّيْخِ فِي تَجْوِيزِهِ ذَلِكَ فِي اللَّغْوِ قِيَاسًا عَلَى الْمَاضِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَدِّهِ شَأْنُ الْعِلْمِ الْحَادِثِ تَعَلُّقُهُ بِمَا وَقَعَ لَا بِمُسْتَقْبَلٍ لِأَنَّهُ غَيْبٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْكَفَّارَةِ فِي حَلِفِهِ عَلَى مَا وَقَعَ تَرْكُهَا فِي حَلِفِهِ عَلَى مَا يَقَعُ لِعُذْرِ الْأَوَّلِ وَجُرْأَةِ الثَّانِي وَهُوَ جَلِيٌّ قَوْلُهُ " مُمْكِنٍ " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْمُمْكِنِ مِثْلَ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ غَدًا فَهَذَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَهُوَ غَمُوسٌ وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْدُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَوْلُهُ " عَاقِلٍ " أَخْرَجَ بِهِ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ الصَّبِيَّ وَالْكَافِرَ قَوْلُهُ " حَنِثَ طَوْعًا " هَذَا شَرْطٌ فِي الْكَفَّارَةِ أَيْضًا وَقَدْ ذَكَرَ الشَّرْطَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالطَّوَاعِيَةُ يَظْهَرُ أَنَّهَا فِي الْيَمِينِ وَفِي الْحِنْثِ وَتَأَمَّلْ هَلْ يَرِدُ عَلَيْهِ إذَا حَلَفَ وَاسْتَثْنَى فَلَا كَفَّارَةَ لَا إذَا قُلْنَا الِاسْتِثْنَاءُ حَلٌّ لِلْيَمِينِ أَوْ رَفْعٌ لِلْكَفَّارَةِ فَلَوْ زَادَ غَيْرَ مُسْتَثْنًى بِمَشِيئَةِ اللَّهِ لَصَحَّ. [بَابٌ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ وَالْغَمُوسِ] (ل غ و) : بَابٌ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ وَالْغَمُوسِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِيهَا الْحَلِفُ بِاَللَّهِ عَلَى مَا يُوقِنُهُ فَيَتَبَيَّنُ خِلَافُهُ وَالْغَمُوسُ الْحَلِفُ عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ أَوْ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ قَالَ الشَّيْخُ فَيَدْخُلُ الظَّنُّ فِي ذَلِكَ قَالَ وَجَعَلَهُ الْبَاجِيُّ لَغْوًا. [بَابُ صِيغَة الْيَمِين] (ص ي غ) : بَابُ الصِّيغَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مَا صُرِّحَ فِيهِ بِأَدَاةِ الْقَسَمِ وَالْمُقْسَمِ بِهِ " كَمَا إذَا قَالَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ وَأُقْسِمُ بِاَللَّهِ وَذَكَرَ الْبَاجِيُّ فِي ذَلِكَ الِاتِّفَاقَ وَانْظُرْ مَا فَرَّعَهُ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَلَوْ قَالَ صِيغَةُ الْقَسَمِ لَكَانَ صَوَابًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 [بَابٌ فِيمَا تَتَعَدَّدُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ عَلَى وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ بِنِيَّةِ تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ وَبِتَكَرُّرِ النَّذْرِ الْمُبْهَمِ عَطْفًا وَغَيْرَهُ وَلَوْ مُعَلَّقًا عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَوْ قَبْلَ ذِكْرِهِ وَبِذِكْرِ الصِّفَةِ مَعَ الذَّاتِ وَالْيَمِينِ مَعَ النَّذْرِ " قَوْلُهُ " بِتَكَرُّرِ الْيَمِينِ " ظَاهِرُ مَعْنَاهُ وَقَوْلُهُ " بِنِيَّةِ تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا نَوَى تَعَدُّدَ الْيَمِينِ فَقَطْ قَوْلُهُ " عَطْفًا " مِثْلَ قَوْلِهِ عَلَيَّ نَذْرٌ وَنَذْرٌ قَوْلُهُ " وَغَيْرُ عَطْفٍ " مِثْلُ قَوْلِهِ عَلَيَّ عِشْرُونَ نَذْرًا قَوْلُهُ " وَلَوْ مُعَلَّقًا عَلَى مُعَيَّنٍ " مِثْلَ إنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَعَلَيَّ نَذْرٌ وَنَذْرٌ قَوْلُهُ " وَلَوْ قَبْلَ ذِكْرِهِ " كَقَوْلِهِ عَلَيَّ نَذْرٌ وَنَذْرٌ إنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا قَوْلُهُ " وَبِذِكْرِ الصِّفَةِ مَعَ الذَّاتِ " كَقَوْلِنَا وَاَللَّهِ لَا دَخَلْتُ وَعِلْمِ اللَّهِ لَا دَخَلْتُ وَالْيَمِينُ مَعَ النَّذْرِ وَعَلَيَّ نَذْرٌ إنْ دَخَلْتُ. [بَابٌ فِيمَا تَتَّحِدُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنِيَّةِ التَّأْكِيدِ وَقَالَ بَعْدُ مَا مَعْنَاهُ وَكَذَا إذَا كَرَّرَ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ مَوْصُوفًا بِصِفَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَكَذَا إذَا أَقْسَمَ بِالذَّاتِ وَوَصَفَهَا بِصِفَاتٍ اُنْظُرْهُ. [بَابٌ فِيمَا يَتَعَدَّدُ بِهِ مُوجِبُ الْحِنْثِ كَفَّارَةٌ أَوْ غَيْرُهَا] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ مَعَ تَغَايُرِ مُتَعَلَّقِهَا وَلَوْ بِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْ الْآخَرِ أَوْ لَازِمًا لَهُ مُسَاوِيًا عَلَى رَأْيٍ إنَّمَا قَالَ الشَّيْخُ كَفَّارَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِيَشْمَلَ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ وَغَيْرَهَا مِمَّا يُوجِبُ الْحِنْثَ وَقَوْلُهُ " بِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ مَعَ تَغَايُرِ مُتَعَلِّقِهَا " أَخْرَجَ بِهِ إذَا اتَّحَدَ الْمُتَعَلَّقُ وَمِثَالُ اخْتِلَافِ الْمُتَعَلَّقِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا غَدًا ثُمَّ لَأُكَلِّمُهُ بَعْدَ غَدٍ قَوْلُهُ " وَلَوْ جُزْءًا مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 الْآخَرِ " أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّعَدُّدَ يَقَعُ بِمُغَايَرَةِ الْأَوَّلِ لِلثَّانِي بِمَا تَتَقَرَّرُ الْمُغَايَرَةُ بِهِ عَقْلًا وَلَوْ بِالْجُزْئِيَّةِ وَالْكُلِّيَّةِ فَإِذَا حَلَفَ لَأُكَلِّمُ زَيْدًا غَدًا ثُمَّ حَلَفَ لَأُكَلِّمُهُ غَدًا وَلَا بَعْدَ غَدٍ فَقَدْ تَعَدَّدَ الْمُتَعَلَّقُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ جُزْءٌ مِنْ الثَّانِي فَإِذَا حَنِثَ فِي غَدٍ فَفِيهِ كَفَّارَتَانِ لِأَنَّ فِيهِ يَمِينَيْنِ لَا إنْ قَدَّمَ وَلَا إنْ أَخَّرَ عَلَى مَا حَقَّقَهُ وَقَدْ رَدَّ عَلَى الصَّقَلِّيِّ قَوْلَهُ فِي زَعْمِهِ إنْ حَلَفَ لَأُكَلِّمُ غَدًا ثُمَّ حَلَفَ لَأُكَلِّمُ غَدًا وَلَا بَعْدَ غَدٍ حَيْثُ قَالَ إنْ كَلَّمَهُ غَدًا فَكَفَّارَتَانِ قَالَ وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ غَدٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا صَحِيحٌ ثُمَّ زَادَ فَقَالَ وَلَوْ قَدَّمَ يَمِينَهُ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مُطْلَقًا وَقَاسَ ذَلِكَ مَا لَوْ كَرَّرَ الثَّانِيَةَ فَإِنَّ فِيهَا كَفَّارَةً وَاحِدَةً فَإِذَا ذَكَرَهَا أَوَّلًا ثُمَّ أَعَادَ الْأُولَى فَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ قِيَاسًا عَلَى مَا ذُكِرَ هَذَا عَيْنُ مَا ذُكِرَ. قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَادًّا عَلَيْهِ فِي قِيَاسِهِ أَنَّ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ مَعَ الْمَقِيسِ بَيْنَهُمَا فَارِقٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ اتَّحَدَ فِيهِ مُتَعَلِّقُ الْيَمِينِ وَالْمَقِيسُ اخْتَلَفَ فِيهِ مُتَعَلِّقُهَا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْكُلِّيَّةَ وَالْجُزْئِيَّةَ الِاخْتِلَافُ بِهِمَا يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فِي الْمُتَعَلِّقِ فِي الْيَمِينِ وَمَا قَالَهُ حَقٌّ وَإِلَّا لَمَا صَحَّ لِلصَّقَلِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَقُولَ مَعَ تَقْدِيمِ مَا هُوَ جُزْءٌ إذَا حَنِثَ فِيهِ أَنَّ فِيهِ كَفَّارَتَيْنِ وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِنَصِّهِ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجِبْ الِاخْتِلَافَ الْمَذْكُورَ فَلَا سَبَبَ لِاخْتِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ غَيْرَ مَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ ثُمَّ اسْتَدَلَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا قَالَهُ مِنْ تَحْقِيقِ الِاخْتِلَافِ بِالْجُزْئِيَّةِ وَالْكُلِّيَّةِ بِمَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَجَّحَهُ فِي الْحَالِفِ لَأُكَلِّمُ إنْسَانًا ثُمَّ حَلَفَ لَأُكَلِّمُ زَيْدًا أَنَّهُ إذَا كَلَّمَ زَيْدًا لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ. (فَإِنْ قُلْتَ) مَا مَعْنَى قَوْلِهِ " أَوْ لَازِمًا مُسَاوِيًا عَلَى رَأْيٍ " (قُلْتُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي خَتَمَ بِهَا الْفَصْلَ وَنَقَلَ فِيهَا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا نُقِلَ وَهِيَ إذَا حَلَفَ لَأُكَلِّمُ شَخْصًا ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي حَلِفِهِ ثُمَّ كَلَّمَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ (فَإِنْ قُلْتَ) وَكَيْفَ يَتَقَرَّرُ فِيهَا الْمُسَاوَاةُ فِي اللُّزُومِ (قُلْتُ) لِأَنَّ كَلَامَ زَيْدٍ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مَلْزُومٌ لِلْحِنْثِ فِي كَلَامِ زَيْدٍ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْحِنْثُ فِي كَلَامِ زَيْدٍ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَازِمٌ مُسَاوٍ لِمَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 [بَابٌ فِي شَرْطِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ] قَالَ مَا مَعْنَاهُ " نِيَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ وَنُطْقُهُ وَعَدَمُ فَصْلِهِ اخْتِيَارًا فِيهِ وَفِي مُطْلَقِ اسْتِثْنَاءٍ ". [بَابُ الثُّنْيَا] (ث ن ي) : بَابُ الثُّنْيَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ ابْنِ رُشْدٍ " اسْتِدْرَاكٌ بِالِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ صُدُورِ الْيَمِينِ دُونَ نِيَّةٍ " وَذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَالَ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِصِفَةِ الِاسْتِثْنَاءِ فَلَا يَجِبُ اتِّصَالُهُ وَنُطْقُهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بَعْدُ لِأَنَّ الثِّنْيَا إلَخْ. [بَابُ الْمُحَاشَاةِ] (ح ش و) : بَابُ الْمُحَاشَاةِ قَالَ الشَّيْخ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا فَسَّرَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ مَا ذُكِرَ قَبْلُ هُوَ الَّذِي فَسَّرَ بِهِ ابْنُ مُحْرِزٍ الْمُحَاشَاةَ اُنْظُرْهُ. [بَابٌ فِي يَمِينِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ] (ي م ن) : بَابٌ فِي يَمِينِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " يَمِينُ الْبِرِّ مَا مُتَعَلِّقُهَا نَفْيٌ أَوْ وُجُودُ مُؤَجَّلٍ وَيَمِينُ الْحِنْثِ خِلَافُهَا " قَوْلُهُ " مَا مُتَعَلِّقُهَا نَفْيٌ " مِثْلَ مَا قَامَ أَوْ وُجُودُ مُؤَجَّلٍ مِثْلَ وَاَللَّهِ إنْ جَاءَ شَهْرٌ لَأَضْرِبَنَّ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَيَمِينُ الْحِنْثِ خِلَافُهَا " مَعْنَاهُ فَيُقَالُ فِي رَسْمِهَا " مَا مُتَعَلِّقُهَا وُجُودٌ أَوْ وُجُودُ غَيْرِ مُؤَجَّلٍ " هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ الْمَعْنَى مِنْهُ (فَإِنْ قِيلَ) يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ صَيَّرَ قِسْمَ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ لِأَنَّ الْوُجُودَ أَعَمُّ مِنْ الْوُجُودِ الْمُؤَجَّلِ وَغَيْرُ الْمُؤَجَّلِ وَالْوُجُودُ الْمُؤَجَّلُ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ وُجُودٍ (قُلْتُ) لَا شَكَّ فِي إشْكَالِ كَلَامِهِ وَلَوْ قَالَ يَمِينُ الْحِنْثِ مَا مُتَعَلَّقُهُ وُجُودٌ غَيْرُ مُؤَجَّلٍ وَيَمِينُ الْبِرِّ هُوَ بِخِلَافِهِ لِمَا وَرَدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 [بَابُ الْكَفَّارَةِ] ك ف ر) : بَابُ الْكَفَّارَةِ قَالَ " إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ كَالزَّكَاةِ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ تَخْيِيرًا لِمَنْ وَجَدَ ". [بَابُ الطَّعَامِ] (ط ع م) : بَابُ الطَّعَامِ قَالَ " مِنْ الْحَبِّ الْمُقْتَاتِ غَالِبًا " ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَدْرِ الْكَفَّارَةِ. [بَابُ الْكِسْوَةِ] (ك س و) : بَابُ الْكِسْوَةِ قَالَ " فِيهَا مَا تَحِلُّ بِهِ الصَّلَاةُ لِلْمَرْأَةِ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَلِلرَّجُلِ ثَوْبٌ ". [بَابٌ فِي شُرُوطِ الرَّقَبَةِ] (ش ر ط) : بَابٌ فِي شُرُوطِ الرَّقَبَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا مَعْنَاهُ " إيمَانُهَا وَالسَّلَامَةُ مِنْ عَيْبٍ يَمْنَعُ تَمَامَ السَّعْيِ وَغَيْرُ مُلَفَّقَةٍ مُحَرَّرَةٍ لَهُ خَالِيَةً مِنْ شَوَائِبِ الْعِتْقِ وَمِنْ الْعِوَضِ " فَإِنْ تَوَفَّرْت هَذِهِ الشُّرُوطُ أَجْزَأَتْ بِاتِّفَاقٍ وَانْظُرْ مَا فَرَّعَ عَلَيْهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 [بَابٌ فِيمَا يُوجِبُ اعْتِبَارَ النِّيَّةِ فِي الْيَمِينِ مُطْلَقًا] قَالَ مَا مَعْنَاهُ " الْمُوَافَقَةُ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ أَوْ الْمُخَالَفَةُ لَهُ بِأَشَدَّ " وَهُوَ ظَاهِرٌ. [بَابٌ فِي الْبِسَاطِ] (ب س ط) : بَابٌ فِي الْبِسَاطِ قَالَ " هُوَ سَبَبُ الْيَمِينِ ". [بَابٌ فِي شَرْطِ النِّيَّةِ] (ش ر ط) : بَابٌ فِي شَرْطِ النِّيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " حُصُولُهَا قَبْلَ تَمَامِ الْيَمِينِ وَهِيَ بَعْدَهَا وَلَوْ وُصِلْت بِهَا لَغْوٌ ". [بَابٌ فِيمَا يُوجِبُ الْحِنْثَ فِي تَعَذُّرِ الْمَحْلُوفِ عَلَى فِعْلِهِ] ِ وَمَا يُوجِبُ فِيهِ الْحِنْثُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا مَعْنَاهُ " مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ غَيْرُ مُؤَجَّلٍ وَتَعَذَّرَ بِانْعِدَامِ مَحَلِّهِ بَعْدَ الْحَلِفِ قَبْلَ إمْكَانِهِ وَبَعْدَ إمْكَانِهِ يُوجِبُ الْحِنْثَ " مِثَالُ ذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَيَذْبَحَنَّ حَمَامَةً فَقَامَ مَكَانَهُ فَوَجَدَهَا مَيِّتَةً فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ عَلَى ضَرْبِ فُلَانٍ فَأَمْكَنَهُ الضَّرْبُ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَهُنَا مُعَارَضَاتٌ وَمُنَاقَصَاتٌ وَأَجْوِبَةٌ اُنْظُرْهَا (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا حَلَفَ لَيَطَأَنَّ امْرَأَتَهُ فَقُطِعَ ذَكَرُهُ وَلَمْ يُفَرِّطْ (قُلْتُ) لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَالنَّصُّ كَذَلِكَ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ لَفْظُهُ وَقَوْلُهُ " غَيْرُ مُؤَجَّلٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْمَحْلُوفَ عَلَى فِعْلُهُ مُؤَجَّلًا وَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا اُنْظُرْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 [بَابٌ فِيمَا يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْيَمِينِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ] ِ دَائِمًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَقْيِيدُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِذَاتِهِ. [بَابُ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْيَمِينِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ دَائِمًا] قَالَ مَا مَعْنَاهُ " تَقْيِيدُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِمِلْكٍ مُعَيَّنٍ " فَإِذَا أَشَارَ إلَى شَيْءٍ وَحَلَفَ عَلَى تَرْكه أَوْ سَمَّاهُ تَعَلَّقَ بِهِ الْحَلِفُ دَائِمًا وَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِالْإِضَافَةِ بِشَخْصٍ فِيهِ خِلَافٌ كَمَا إذَا قَالَ لَا أَسْتَخْدِمُ عَبْدَ فُلَانٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَسْتَخْدِمُهُ بَعْدَ عِتْقِ سَيِّدِهِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ اُنْظُرْهُ. [بَابُ النَّذْرِ] (ن ذ ر) : بَابُ النَّذْرِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَدُّ النَّذْرِ الْأَعَمِّ مِنْ الْجَائِزِ " إيجَابُ امْرِئٍ عَلَى نَفْسِهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْرًا " مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ النَّذْرَ يُطْلَقُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَبِمَعْنًى أَخَصَّ وَالْأَعَمُّ يُطْلَقُ عَلَى الْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْحَرَامِ لِمَا وَرَدَ فِي الْإِطْلَاقَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَتَأَمَّلْ هَلْ يَرِدُ عَلَى هَذَا الْحَدِّ بَعْضُ صُوَرِ الْيَمِينِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " وَأَخَصُّهُ الْمَأْمُورُ بِأَدَائِهِ الْتِزَامُ طَاعَةٍ بِنِيَّةِ قُرْبَةٍ لَا لِامْتِنَاعٍ مِنْ أَمْرٍ هَذَا يَمِينٌ حَسْبَمَا مَرَّ " أَشَارَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْيَمِينِ فَانْظُرْهُ وَرَاجِعْهُ قَوْلُهُ " الْتِزَامٌ " جِنْسٌ مُنَاسِبٌ لِلْجِنْسِ شَرْعًا وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الْعُمُومُ قَوْلُهُ " طَاعَةٍ " أَخْرُج بِهِ الْمَكْرُوهَ وَالْمُبَاحَ وَالْمُحَرَّمَ الدَّاخِلَةَ فِي الْأَعَمِّ قَوْلُهُ بِنِيَّةِ قُرْبَةٍ أَخْرَجَ بِهِ الْتِزَامَ الطَّاعَةِ لَا بِنِيَّةِ قُرْبَةٍ وَهُوَ أَحَدُ أَقْسَامِ الْيَمِينِ ثُمَّ قَالَ لَا لِامْتِنَاعٍ مِنْ أَمْرٍ. (فَإِنْ قُلْتَ) هَذَا قَيْدٌ زَادَهُ الشَّيْخُ يَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الرَّسْمِ وَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِلَازِمِ صِفَةِ قَيْدِ الْحَدِّ لِأَنَّ الصِّفَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الطَّاعَةَ الَّتِي لَمْ تُقْصَدْ بِهَا قُرْبَةٌ لَيْسَتْ بِنَذْرٍ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الِامْتِنَاعَ مِنْ أَمْرٍ فَالصِّفَةُ الثَّانِيَةُ مُؤَكِّدَةٌ لِمَعْنَى الْأُولَى وَالْحَدُّ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِصَارِ لَا عَلَى الْإِكْثَارِ مَعَ تَمَامِ الْبَيَانِ وَإِزَالَةِ الْحَشْوِ فَمَا سِرُّ هَذِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 الزِّيَادَةِ ثُمَّ مِمَّا يُؤَكِّدُ السُّؤَالَ أَنَّهُ اُسْتُغْنِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي حَدِّ الْيَمِينِ فِي قَوْلِهِ الْتِزَامُ مَنْدُوبٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ بِهِ الْقُرْبَةُ وَلَا يُقَالُ لِمَا قَالَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الْقُرْبَةُ ذَكَرَهُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَلَا يَحْتَاجُ مَعَهَا إلَى تَحْقِيقِ نَفْيِ الِامْتِنَاعِ بِخِلَافِ مَا هُنَا لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ إذَا تَعَيَّنَ التَّعْبِيرُ فِي كُلِّ مَحَلٍّ بِذَلِكَ وَهَلَّا عُبِّرَ هُنَا كَمَا عُبِّرَ هُنَاكَ (قُلْتُ) السُّؤَالُ كُنْتُ أُورِدُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ قُوَّةُ جَوَابٍ إلَّا بِتَكَلُّفٍ وَكَانَ يَظْهَرُ قَبْلُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا لِامْتِنَاعٍ إلَخْ لَيْسَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ وَتَأَمَّلْ وَجْهَ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ النَّاقَةِ وَمَسْأَلَةُ النَّاقَةِ قَالَ الشَّيْخُ فِيهَا وَمِنْ ثَمَّ خَرَّجَ ابْنُ رُشْدٍ رِوَايَةً مُحَمَّدٍ لُزُومَ الْهَدْيِ وَعَدَمَ لُزُومِهِ فِي مَسْأَلَةِ امْرَأَةٍ قَالَتْ لِنَاقَةٍ لَهَا وَقَدْ شَرَدَتْ إنْ لَمْ تَقْدَمِي فَأَنْتِ بَدَنَةٌ فَلَمْ تَقْدَمْ فَخَرَّجَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى حَمْلِ لَفْظِهَا عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ بِخُرُوجِهِ مَخْرَجَ الْيَمِينِ مِنْ الِامْتِنَاعِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْيَمِينَ بِمَا فِي طَاعَةٍ لَازِمٍ أَوْ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى النَّذْرِ لِأَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ مَنْ كَانَ عَاقِلًا فَكَانَ ذَلِكَ نَذْرًا لَا لَازِمَ لَهُ وَهِيَ النِّيَّةُ فَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْيَمِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي شُرُوطِ وُجُوبِ النَّذْرِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرْطُ وُجُوبِهِ التَّكْلِيفُ وَالْإِسْلَامُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْجِهَادِ] (ج هـ د) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كِتَابُ الْجِهَادِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجِهَادُ قِتَالُ مُسْلِمٍ كَافِرًا غَيْرَ ذِي عَهْدٍ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ أَوْ حُضُورُهُ لَهُ أَوْ دُخُولُ أَرْضِهِ لَهُ قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " قِتَالُ مُسْلِمٍ " الْقِتَالُ مَصْدَرُ قَاتَلَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ» الْحَدِيثَ " وَقَالَهُ تَعَالَى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] وَقَوْلُهُ " مُسْلِمٌ " اُحْتُرِزَ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِ كَمَا إذَا قَاتَلَ الْكَافِرُ كَافِرًا وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ وَكَافِرًا مَفْعُولٌ بِهِ وَقَوْلُهُ " غَيْرَ ذِي عَهْدٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْمُعَاهَدَ إذَا قَتَلَهُ مُسْلِمٌ فَلَيْسَ بِجِهَادٍ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الذِّمِّيِّ إذَا نَقَضَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 عَهْدَهُ وَحَارَبَ فَإِنَّ قِتَالَهُ لَيْسَ بِجِهَادٍ فَيَخْرُجُ مِنْ حَدِّهِ عَلَى أَصْلِ الْمَشْهُورِ فِي ذَلِكَ وَالْعَهْدُ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ أَقْسَامَ الْعَهْدِ مِنْ الِاسْتِيمَانِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَأْتِي لَهُ بَعْدُ فِي الْمُعَاهَدَةِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ " لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ " اُحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا إذَا قَاتَلَ لِدُنْيَا أَوْ لِمَالٍ أَوْ حِمْيَةً فَلَيْسَ بِجِهَادٍ شَرْعِيٍّ كَمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ " أَوْ حُضُورُهُ " أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْجِهَادَ أَعَمُّ مِنْ الْمُقَاتَلَةِ أَوْ الْحُضُورِ لِلْقِتَالِ وَالضَّمِيرُ فِي الْحُضُورِ يَعُودُ عَلَى الْقِتَالِ وَضَمِيرُ لَهُ يَعُودُ عَلَى إعْلَاءِ أَوْ عَلَى الْقِتَالِ الْمُعَلَّلِ وَضَمِيرُ أَرْضِهِ يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى الْكَافِرِ وَلَهُ عَلَى الْقِتَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ الْأَوَّلَ عَائِدٌ عَلَى الْقِتَالِ وَالثَّانِي لِلْقِتَالِ أَوْ لِإِعْلَاءِ الْكَلِمَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْف جُعِلَ الْمَفْعُولُ كَلِمَةَ كَافِرًا وَقَدْ وَقَعَ رَعْيُ أَنَّ الْحَدَّ عِنْدَهُ أَعَمُّ مِنْ الْمَشْهُورِ وَغَيْرِهِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ جِهَادَ الْمُحَارِبِ جِهَادٌ (قُلْتُ) ذَلِكَ مُبَالَغَةٌ لَا حَقِيقَةٌ (فَإِنْ قُلْتُ) الْقِتَالُ الْمَذْكُورُ أَصْلُهُ الْمُفَاعَلَةُ فِي اللُّغَةِ فَهَلْ الْمَقْصُودُ هُنَا ذَلِكَ أَوْ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ (قُلْتُ) الَّذِي كَانَ يَمُرُّ لَنَا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِأَنَّ الْفِعَالَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ وَإِلَّا كَانَ حَدُّهُ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ بِمَا إذَا قُتِلَ كَافِرُ وَهُوَ قَائِمٌ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ. (فَإِنْ قُلْت) لِأَيٍّ شَيْءٍ قَالَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَلَمْ يَأْتِ بِعِلَّةٍ أَخَصَّ مِنْ ذَلِكَ (قُلْتَ) لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ ذَلِكَ وَعُلِّلَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجِبُ التَّأَدُّبُ وَالِاتِّبَاعُ (فَإِنْ قُلْت) إنْ صَحَّ مَا ذَكَرْته فَإِنَّهُ وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا» وَهَذَا فِيهِ حَصْرٌ وَقَصْرٌ (قُلْنَا) ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْبَيَانِ لِمَا غَلَبَ مِنْ الشَّهْوَةِ فِي الْقِتَالِ لِلَّحْمِيَّةِ وَالْعِلَّةُ تُفِيدُ ذَلِكَ بِنَفْسِهَا كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْكَلِمَةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُرَادُ بِهَا الْكَلِمَةُ اللُّغَوِيَّةُ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الْمُشَارُ إلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} [آل عمران: 64] الْآيَةُ " وَلَمْ يَقُلْ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ هَارُونَ مُحَافَظَةً عَلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ التَّعَبُّدِ وَذِكْرِ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي الرَّسْمِ لِلْبَرَكَةِ وَإِضَافَةٌ الْكَلِمَةِ إلَى اللَّهِ مَعْنَى ذَلِكَ الْكَلِمَةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا وَمَا خَلَقَ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِأَمْرِهَا. (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا اخْتَصَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذِكْرً الْمُسْلِمِ كَمَا اخْتَصَرَهُ ابْنُ هَارُونَ فِي رَسْمِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَلَّمَهُ لَهُ وَمَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ إلَّا بِمَا ذَكَرَهُ وَإِنَّمَا اخْتَصَرَهُ لِأَنَّ إعْلَاءَ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يَكُونُ قَصْدًا مِنْ مُسْلِمٍ فَذَلِكَ كَمَا قِيلَ فِي الِاعْتِكَافِ أَنَّ الْقُرْبَةَ تَدُلُّ عَلَى الْإِسْلَامِ (قُلْتُ) هَذَا صَحِيحٌ لَكِنْ فِيهِ إيضَاحٌ وَبَيَانٌ وَفِيهِ بَحْثٌ (فَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 قُلْتَ) قَوْلُ الشَّيْخِ ابْنِ هَارُونَ قِتَالُ الْعَدُوِّ يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ بِمَنْ قَاتَلَ ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ عَدُوٌّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ} [الممتحنة: 1] (قُلْتُ) يَظْهَرُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ وَهُوَ الْحَرْبِيُّ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى (فَإِنْ قُلْتَ) هَذَا الرَّسْمُ الْمَذْكُورُ فِيهِ تَقْسِيمٌ بِأَوْ وَقَدْ قَدَّمْنَا مِرَارًا أَنَّهُمْ أَوْرَدُوا فِيهِ السُّؤَالَ الْمَعْلُومَ. (قُلْتُ) تَقَدَّمَ الْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِثْلَهُ فِي غَيْرُ الْأُمُورِ الْعَقْلِيَّةِ فَكَأَنَّهُ ذَكَرَ خَاصَّةً لِلْجِهَادِ فِي قِسْمٍ مِنْهُ وَخَاصَّةً فِي قِسْمٍ آخَرَ كَمَا تَقُولُ الْإِنْسَانُ إمَّا صَقَلِّيٌّ أَوْ زِنْجِيٌّ وَالْإِنْسَانُ مَحْصُورٌ فِي ذَلِكَ. (فَإِنْ قُلْتَ) إطْلَاقُ الْجِهَادِ عَلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ هَلْ هُوَ مِنْ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ أَوْ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ (قُلْتُ) يُمْكِنُ أَنَّهُ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَأَنَّ الرَّسْمَ الْمَذْكُورَ فِيهِ تَعْرِيفُ رَسْمٍ نَاقِصٍ لِكُلِّ قِسْمٍ وَلَوْ أَرَادَ الرَّسْمَ التَّامَّ لَقَالَ إتْعَابُ نَفْسٍ بِقِتَالِ مُسْلِمٍ كَافِرًا غَيْرَ ذِي عَهْدٍ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ أَوْ حُضُورِهِ لَهُ أَوْ دُخُولِ أَرْضِهِ لَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ مَدْلُولِهِ الشَّرْعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ (فَإِنْ قُلْتَ) رَأَيْتُ بِخَطِّ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مُدَوَّنَتِهِ بِخَطِّ يَدِهِ مَكْتُوبًا فِي طُرَّتِهَا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ الْجِهَادُ قِتَالُ الْكَافِرِ لِكُفْرِهِ أَوْ حُضُورِهِ لَهُ أَوْ دَخَلَ أَرْضَهُ لِذَلِكَ وَهَذَا الرَّسْمُ يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَمَّا جِنْسُهُ فَهُوَ مُوَافِقٌ لَهُ وَأَمَّا حَذْفُ الْمُسْلِمِ فَقَدْ خَالَفَهُ فِي حَذْفِهِ (قُلْتُ) لَمَّا قَالَ لِكُفْرِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُقَاتَلَ لِلْكُفْرِ مُخَالِفٌ لَهُ فِي دِينِهِ وَفِيهِ بَحْثٌ وَلَمْ يَذْكُرْ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُهُ لِأَنَّهُ إذَا قَاتَلَهُ لِكُفْرِهِ فَقَدْ قَصَدَ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ اخْتِصَارُ لَكِنَّ حَدَّهُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَرْجَحُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي سِرِّهِ وَقَوْلُهُ أَوْ دُخُولُ أَرْضِهِ لِذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِهِ لَكَانَ أَوْجَزَ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ وَالْعَمَلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي تَأْلِيفِهِ الَّذِي حَقَّقَهُ وَرَوَاهُ وَهُوَ آخِرُ حَدِّهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ مِنْ الطَّلَبَةِ عَلَى الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ إذَا أَبْقَى الْإِمَامُ جَمَاعَةً فِي مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي إعَانَتِهِمْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْقِتَالِ فَإِنَّهُمْ مُجَاهِدُونَ وَفِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى لِأَنَّا نَقُولُ: ذَلِكَ مُلْحَقٌ عِنْدَهُمْ بِالْمُجَاهِدِ لَا أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُجَاهِدٌ وَتَقَدَّمَ لَهُمْ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَلْحَقُ بِهِ الْمُتَغَيِّرُ فَتَأَمَّلْهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنْ قِيلَ تَقَدَّمَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الشَّيْخِ ابْنِ هَارُونَ وَفِي ضِمْنِهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ ارْتَضَى كَلَامَهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي حَدِّهِ الْعَدُوَّ وَقُلْنَا إنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 الْعَدُوَّ أَعَمُّ مِنْ الْحَرْبِيِّ وَقَدْ وَقَفْت حِينَ إقْرَاءِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْجِهَادِ فِي قَوْلِهِ قِيلَ فَحَرْبِيٌّ إلَخْ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْجَوَابِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ نَزَلَ بِسَاحِلِنَا مِنْ الْعَدُوِّ وَعَلَى مَا يَرْفَعُ الِاعْتِرَاضَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْعَدُوِّ فَذِكْرُ مَالِكٌ الْعَدُوَّ هُنَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادَفَتِهِ لِلْحَرْبِيِّ (قُلْتُ) يَظْهَرُ ذَلِكَ وَيَكُونُ غَلَبَ ذَلِكَ شَرْعًا وَالْآيَةُ لِعُمُومِ الْعَدُوِّ فِي الْغَالِبِ وَغَيْرِهِ وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى الشَّيْخِ ابْنِ هَارُونَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا سَلَّمْنَا ذَلِكَ وَأَنَّ الْعَدُوَّ مُرَادِفٌ عُرْفًا لِلْحَرْبِيِّ فَهَلَّا قَالَ الشَّيْخُ فِي رَسْمِهِ قِتَالُ مُسْلِمٍ حَرْبِيًّا أَوْ عَدُوًّا وَهُوَ أَخْصَرُ مِمَّا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ كَافِرًا غَيْرَ ذِي عَهْدٍ. (قُلْتُ) يَأْتِي مَا يُجَابُ بِهِ عَنْهُ فِي شَرْحِ لَفْظِهِ فِي قَوْلِهِ فَيَخْرُجُ إلَخْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ لَا رَبَّ غَيْرُهُ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيَخْرُجُ قِتَالُ الذِّمِّيِّ الْمُحَارَبِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ غَيْرُ نَقْضٍ يَعْنِي بِقَوْلِهِ غَيْرِ ذِي عَهْدٍ ثُمَّ رَدَّ رَسْم ابْنُ هَارُونَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ بِالصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فِي رَسْمِهِ قَالَ وَهُمَا جِهَادٌ اتِّفَاقًا وَرَدّ رَسْمُ شَيْخِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِذَلِكَ وَبِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرَدٍ إذَا قَاتَلَ لَا لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الرِّبَاطِ] (ر ب ط) : بَابُ الرِّبَاطِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - " الرِّبَاطُ الْمَقَامُ حَيْثُ يُخْشَى الْعَدُوُّ بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ لِدَفْعِهِ وَزَادَ عَنْ الْبَاجِيِّ وَلَوْ بِتَكْثِيرِ السَّوَادِ " قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " الْمَقَامُ " اسْمُ مَصْدَرٍ وَقَوْلُهُ " حَيْثُ يُخْشَى الْعَدُوُّ " ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَمُنْتَهَاهُ قِيلَ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ بِالْأَهْلِ وَفِيهِ خِلَافٌ أَشَارَ إلَيْهِ بَعْدُ وَلَوْ قَالَ بِغَيْرِ أَهْلٍ عَلَى رَأْيٍ وَمُطْلَقًا عَلَى آخَرَ لَصَحَّ قَوْلُهُ حَيْثُ يُخْشَى الْعَدُوُّ اُحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ لَا يُخْشَى مِنْهُ عَدُوٌّ فِي حَالَةِ الرِّبَاطِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى رِبَاطًا شَرْعًا وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ نَزَلَ بِهِ الْعَدُوُّ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَعُدْ بَعْدَ سِنِينَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِرِبَاطٍ كَذَا قِيلَ فِي الْمَذْهَبِ (فَإِنْ قُلْتَ) وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ «فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ» فِي الْحَثِّ عَلَى طَاعَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَذَلِكَ يَدُلُّ عُمُومُ الرِّبَاطِ وَصَدَّقَهُ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ (قُلْتُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 ذَلِكَ مُبَالَغَةٌ لَا حَقِيقَةٌ قَوْلُهُ " لِدَفْعِهِ " مَعْنَاهُ لِأَجْلِ قَصْدِ دَفْعِهِ أُخْرِجَ بِهِ مَا إذَا قَامَ بِالْمَوْضِعِ لَا لِذَلِكَ وَانْظُرْ فِيمَا إذَا شَرِكَ فِي نِيَّتِهِ كَمَا إذَا حَجَّ وَنَوَى التَّجْرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الدِّيوَانِ] (د ون) : بَابُ الدِّيوَانِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " لَقَبٌ لِرَسْمِ جَمْعِ أَسْمَاءِ أَنْوَاعِ الْمُعَدِّينَ لِقِتَالِ الْعَدُوِّ لِعَطَاءٍ " قَوْلُهُ " لَقَبُ رَسْمٍ " أَيْ لَفْظٌ دَلَّ عَلَى رَسْمٍ وَهُوَ الرَّسْمُ لِجَمْعِ الْأَسْمَاءِ قَوْلُهُ " أَنْوَاعِ " الْأَنْوَاعُ بِمَعْنَى الْأَصْنَافِ أَيْ أَصْنَافِ الْمُعَدِّينَ قَوْلُهُ " لِقِتَالِ الْعَدُوِّ " اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ قِتَالِ غَيْرِ الْعَدُوِّ كَقِتَالِ أَهْلِ الْحِرَابَةِ وَغَيْرِهِمْ قَوْلُهُ " لِعَطَاءٍ " مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمْعِ أَيْ الْجَمْعِ لِأَجْلِ الْعَطَاءِ وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي يُعْطَى لِلْمُقَاتَلَةِ وَأَصْلُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْإِمَامِ سَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصَارَ سُنَّةً بَعْدَهُ وَهُوَ مِنْ حَسَنَاتِهِ وَاَللَّهُ يَنْفَعُنَا بِهِ. [بَابُ الْأَمَانِ] (أم ن) : بَابُ الْأَمَانِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " رَفْعُ اسْتِبَاحَةِ دَمِ الْحَرْبِيِّ وَرِقِّهِ وَمَالِهِ حِينَ قِتَالِهِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَيْهِ مَعَ اسْتِقْرَارِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ مُدَّةً مَا " قَوْلُهُ " رَفْعُ " مَصْدَرٌ مُنَاسِبٌ لِلْأَمَانِ لِأَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ قَوْلُهُ " اسْتِبَاحَةُ دَمِ الْحَرْبِيِّ " اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ اسْتِبَاحَةِ دَمِ غَيْرِهِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقَاتِلِ قَوْلُهُ " وَرِقِّهِ " أَخْرَجَ بِالْمُعَاهَدَةِ قَوْلُهُ " حِينَ قِتَالِهِ " إلَخْ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الصُّلْحِ وَالْمُهَادَنَةِ وَالِاسْتِيمَانِ وَلَمَّا فَرَغَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ هَذَا الْحَدِّ قَالَ فَيَدْخُلُ الْأَمَانُ بِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِاسْتِبَاحَتِهَا، الثَّلَاثَةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا هِيَ النَّفْسُ وَالدَّمُ وَالْمَالُ وَإِنَّمَا دَخَلَ التَّأْمِينُ بِأَحَدِهَا لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ يَتَقَرَّرُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِرَفْعِ كُلِّهِ أَوْ بِرَفْعِ أَحَدِ أَجْزَائِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَمَانَ يَكُونُ أَعَمَّ مِنْ التَّأْمِينِ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا وَإِذَا أَطْلَقَ الْإِمَامُ الْأَمَانَ يُحْمَلُ عَلَى الْعُمُومِ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يُقَيِّدْ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الرَّفْعَ بِقَوْلِهِ رَفْعُ الْإِمَامِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لَهُ حِينَ الْقِتَالِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ عَمَّ الْأَمَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 الصَّحِيحَ وَغَيْرَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا ذَكَرَ الْأَمَانَ وَرَسْمَهُ ذَكَرَ قَبْلَهُ وَفِي الرِّوَايَاتِ وَأَقْوَالِ الرُّوَاةِ وَالْأَشْيَاخِ لَفْظُ الْأَمَانِ وَالْمُهَادَنَةِ وَالصُّلْحِ وَالِاسْتِيمَانِ وَالْمُعَاهَدَةِ وَالْعَهْدِ وَمِنْهَا مُتَبَايِنٌ وَمُتَرَادِفٌ فَحَدُّ الْأَمَانِ فَمَا وَجْهُ ذَلِكَ (قُلْتُ) هَذَا ذَكَرَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُمْ ذَكَرُوهَا وَلَمْ يَعْرِفُوهَا وَهِيَ حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٌ فَذَكَرَ كَلَامَ الْأَشْيَاخِ وَإِطْلَاقَ الرِّوَايَاتِ وَأَقْوَالَ الثِّقَاتِ وَمَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ إطْلَاقِهِمْ فَاحْتَاجَ إلَى رَسْمِهَا لِأَنَّهَا شَرْعِيَّةٌ هَذَا مَوْقِعُ كَلَامِهِ وَحُسْنُ نِظَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ. [بَابُ مَا يَثْبُتُ بِهِ الْأَمَانُ] يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِكُلِّ لِسَانٍ عُبِّرَ بِهِ عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَفْهَمْهُ الْمُؤَمَّنُ وَبِالْإِشَارَةِ لَهُ وَبِظَنِّ الْمُؤْمِنِ الْأَمَانَ مِنْ لَفْظِ الْمُؤَمِّنِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ. [بَابُ الْمُهَادَنَةِ] (هـ د ن) : بَابُ الْمُهَادَنَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الصُّلْحُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ هَاهُنَا أَلْفَاظًا لِلْفُقَهَاءِ الْأَمَانُ وَالْمُهَادَنَةُ وَالصُّلْحُ وَالِاسْتِيمَانُ وَالْمُعَاهَدَةُ إلَّا أَنَّ فِيهَا أَلْفَاظًا مُتَرَادِفَةً وَمُتَبَايِنَةً فَالْمُتَرَادِفَةُ مِنْهَا الْمُهَادَنَةُ وَالصُّلْحُ وَالِاسْتِيمَانُ وَالْمُعَاهَدَةُ وَالْبَاقِي مُتَبَايِنٌ قَالَ " الْمُهَادَنَةُ عَقْدُ الْمُسْلِمِ مَعَ الْحَرْبِيِّ عَلَى الْمُسَالَمَةِ مُدَّةً لَيْسَ هُوَ فِيهَا تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ " قَوْلُهُ " عَقْدٌ " يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ فِيهِ إيجَابٌ وَقَبُولٌ مِنْ الْمُصْطَلَحَيْنِ وَالْتِزَامٌ مِنْهُمَا وَقَوْلُهُ " الْمُسْلِمُ " اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ عَقْدِ الْحَرْبِيِّ مَعَ حَرْبِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى ذَلِكَ صُلْحًا هُنَا شَرْعِيًّا وَلَا مُعَاهَدَةً قَوْلُهُ " مُدَّةً إلَخْ " قَالَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ الْأَمَانُ وَالِاسْتِيمَانُ لِأَنَّ الْأَمَانَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَمِّنُ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ الِاسْتِيمَانُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ مُدَّةً يَنْقَضِي بِانْقِضَائِهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَقْدُ الْمُسْلِمِ وَالْأَمَانِ قَالَ فِيهِ رَفْعٌ إلَخْ فَمَا شَأْنُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَيَّرَ الْجِنْسَ هُنَا الْعَقْدَ وَفِي الْأَوَّلِ الرَّفْعُ وَمَا سِرُّهُ هُنَا زَادَ الْمُسْلِمُ وَفِي الْأَوَّلِ أَطْلَقَ (قُلْتُ) إنَّمَا قَالَ هُنَا الْعَقْدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْفَعْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 اسْتِبَاحَةً مُطْلَقَةً وَإِنَّمَا عَقَدَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَعَدَمُ الْقِتَال بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ بِخِلَافِ الْأَمَانُ فَإِنَّهُ اقْتَضَى تَحْرِيمَ الْقِتَالِ وَالرُّقْيَةِ وَأَخْذَ الْمَالِ فَنَاسَبَ الرَّفْعَ هُنَاكَ وَالْعَقْدَ هُنَا لِأَنَّ ذَلِكَ الْأَمَانَ لَا يُمْكِنُ زَوَالُ مُتَعَلِّقِهِ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ مَا دَامَ شَرْطَ صُلْحِهِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ فَإِذَا زَالَ عَادَتْ الْمُسَالَمَةُ حَرْبًا وَتُضْرَبُ رِقَابُ الْكُفَّارِ بَعْدَهَا ضَرْبًا وَأَمَّا كَوْنُهُ لَمْ يُقَيِّدْ الْأَمَانُ بِالْإِسْلَامِ فَلِأَنَّ أَمَانَ الذِّمِّيِّ فِيهِ خِلَافٌ وَالرَّسْمُ لِمُطَلَّقِ أَمَانٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى عَنْك. [بَابُ الِاسْتِيمَانِ] (ي م ن) : بَابُ الِاسْتِيمَانِ قَالَ الشَّيْخُ بَعْدُ وَهُوَ الْمُهَادَنَةُ ثُمَّ قَالَ فِي الرَّسْمِ " تَأْمِينُ حَرْبِيٍّ يَنْزِلُ لِأَمْرٍ يَنْصَرِفُ بِانْقِضَائِهِ " قَوْلُ الشَّيْخِ تَأْمِينٌ بِمَعْنَى إعْطَاءِ الْأَمَانِ لَهُ إلَّا أَنَّهُ أَمَانٌ خَاصٌّ لِأَنَّهُ نُزُولٌ لِأَمْرٍ يَنْصَرِفُ بِانْتِفَائِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُؤَمَّنُ بِنُزُولِهِ لِأَرْضِ الْإِسْلَامِ لِشِرَاءٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ فَإِذَا فَرَغَ مُسَبَّبُهُ انْصَرَفَ الْأَمَانُ وَهَذَا الْقَيْدُ أَخْرَجَ بِهِ الْمُهَادَنَةَ وَغَيْرَهَا (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبْلَ هَذَا إنَّ الِاسْتِيمَانَ يَخْرُجُ مِنْ حَدِّ الْمُهَادَنَةِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ جِنْسِهَا ثُمَّ يَخْرُجُ بِفَصْلِهَا وَكَيْف يَدْخُلُ التَّأْمِينُ تَحْتَ الْعَقْدِ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّ التَّأْمِينَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ أَعَمُّ مِنْهُ فَيَخْرُجُ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقَيْدِ فِيمَا قَدَّمَهُ وَتَأَمَّلْ أَيْضًا لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يُعَبِّرْ بِالْعَقْدِ فِي هَذَا الرَّسْمِ فِي الْجِنْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [بَابُ الْجِزْيَةِ الْعَنْوِيَّةِ] (ج ز ي) : بَابُ الْجِزْيَةِ الْعَنْوِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا أُلْزِمَ الْكَافِرَ مِنْ مَالٍ لِأَمْنِهِ بِاسْتِقْرَارِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَصَوْنِهِ قَوْلُهُ " مَا لَزِمَ الْكَافِرَ " هُوَ أَعَمُّ مِنْ الَّذِي لَزِمَهُ لِأَجْلِ جِزْيَتِهِ أَوْ لِأَجْلِ تَعْشِيرِهِ قَوْلُهُ " لِأَمْنِهِ مِنْهُ بِاسْتِقْرَارِهِ " يَخْرُجُ بِهِ مَا لَزِمَهُ إذَا بَاعَ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 اشْتَرَى فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ لِأَمْنِهِ فَقَطْ وَقَوْلُهُ " تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَصَوْنِهِ " يَخْرُجُ بِهِ الصُّلْحِيَّةُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَا لَزِمَ الْكَافِرَ وَهُوَ صَحِيحٌ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَافِرٍ عَلَى تَأْمِينِهِ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ قَالَ الشَّيْخُ يَلْزَمُ عَدَمُ الِانْعِكَاسِ بِالْجِزْيَةِ اللَّازِمَةِ بَعْدَ تَقَرُّرِ لُزُومِهَا وَقَبْلَ أَخْذِهَا فِعْلًا لِأَنَّهَا جِزْيَةٌ وَلَمْ يَقَعْ فِيهَا أَخْذٌ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ بِهَا بَعْدَ لُزُومِهَا وَقَبْلَ أَخْذِهَا ثُمَّ قَالَ وَغَيْرُ مُطَّرَدٍ بِمَا أَخَذَ مِنْ مَالٍ عَلَى مُجَرَّدِ تَأْمِينٍ لِلَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى هَذَا حَدُّهُ وَلَيْسَ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْجِزْيَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ وَارِدٌ عَلَى ابْنِ رُشْدٍ وَلَمْ يَرِدْ عَلَى حَدِّ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قُلْتُ) لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ جَعَلَ الْجِزْيَةَ هِيَ الْمَأْخُوذَةَ فِعْلًا وَهَذَا ظَاهِرُ خُصُوصِيَّتِهِ بِمَا خَصَّهُ وَالشَّيْخُ صَيَّرَ الْجِزْيَةَ مَا لَزِمَ الْكَافِرَ إلَخْ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَأْخُوذِ فِعْلًا أَوْ مَا لَزِمَ وَلَمْ يُؤْخَذْ وَكَذَلِكَ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ النَّقْضُ بَعْدَ الِاطِّرَادِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ قَالَ وَهِيَ نَوْعَانِ عَنْوَةٌ الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْجِزْيَةِ الْمُطْلَقَةِ لَا عَلَى مَا وَقَعَ الْحَدُّ لَهُ هُنَا فَتَأَمَّلْهُ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا فَهِمَ بَعْضُهُمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْجِزْيَةِ الصُّلْحِيَّةِ] (ج ز ي) : بَابُ الْجِزْيَةِ الصُّلْحِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا الْتَزَمَ كَافِرٌ لِمَنْعِ نَفْسِهِ أَدَاءَهُ عَلَى إبْقَائِهِ بِبَلَدِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ يَجْرِي عَلَيْهِ قَوْلُهُ " مَا الْتَزَمَ " جِنْسٌ لِلْجِزْيَةِ وَهُوَ مَاضٍ وَعَبَّرَ الشَّيْخُ هُنَا فِي الصُّلْحِيَّةِ بِالْتَزَمَ وَقَالَ فِي الْعَنْوِيَّةِ مَا أَلْزَمَ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعَنْوِيَّةَ كَانَ صَاحِبُهَا مَغْلُوبًا مَقْهُورًا فَأَلْزَمَهُ أَهْلُ الْإِسْلَامِ أَدَاءَ مَالٍ لِمَصْلَحَةٍ عَلَى بَقَائِهِ بِالْأَرْضِ لِعِمَارَتِهَا لِصَلَاحِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الصُّلْحِ الْأَرْضُ أَرْضُهُمْ بِالْتِزَامِ مَنْ قَبْلَهُمْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ فَإِذَا طَلَبُوا أَنَّهُمْ يُسَالِمُونَ وَالْتَزَمُوا فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا جِزْيَةٌ صِغَارًا لَهُمْ قَالُوا وَيَجِبُ كَفُّ الْقِتَالِ عَنْهُمْ إذَا دَعَوْا إلَى ذَلِكَ وَكَانَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ يَجْرِي عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ " لِمَنْعِ نَفْسِهِ " صِفَةٌ لِكَافِرٍ وَقَوْلُهُ " أَدَاءَهُ " مَفْعُولٌ بِالْتَزَمَ وَقَوْلُهُ " عَلَى إبْقَائِهِ بِبَلَدِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ " هَذَا الشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَبِهِ يَتِمُّ تَحْرِيمُ قِتَالِهِمْ وَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ إذَا صُولِحَ الْعَدُوُّ بِمَالٍ عَلَى هُدْنَةٍ مَعَ بَقَائِهِ فِي مَحَلِّهِ وَمِنْ لَازِمِ أَنَّهُمْ تَحْتَ الْإِسْلَامِ جَرَيَانُ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ قَالُوا وَيُبَاعُ عَلَيْهِمْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ رَقِيقِهِمْ وَيُؤْخَذُ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْف قُلْتَ يُؤْخَذُ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي سَمَاعِ يَحْيَى خِلَافُهُ (قُلْتُ) قَالَ الشَّيْخُ الصَّحِيحُ مَا فِي سَمَاعِ سَحْنُونَ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ حَصَلَ ثَلَاثَةُ أَقُولُ فِي أَسِرْ فِي يَدِ أَهْلِ الصُّلْحِ وَأَهْلِ الْجِزْيَةِ وَهُنَا مَسَائِلُ فِقْهِيَّةٌ يَتَوَقَّفُ فَهْمُهَا عَلَى هَذِهِ الْأَلْقَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَاَللَّهُ يُوَفِّقُنَا لِلْفَهْمِ عَنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ. [بَابُ مَا مُلِكَ مِنْ مَالِ كَافِرٍ] (م ول) : بَابُ مَا مُلِكَ مِنْ مَالِ كَافِرٍ قَالَ الشَّيْخُ إمَّا غَنِيمَةٌ أَوْ مُخْتَصٌّ أَوْ فَيْءٌ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْغَنِيمَةُ مَا كَانَ بِقِتَالٍ أَوْ بِحَيْثُ يُقَاتَلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " مَا كَانَ بِقِتَالٍ " أَيْ مَا مُلِكَ بِقِتَالٍ اُحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا مُلِكَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قَوْلُهُ " أَوْ بِحَيْثُ يُقَاتَلُ عَلَيْهِ " لِيَدْخُلَ بِهِ مَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ بَعْدَ نُزُولِ الْجَيْشِ قَالَ وَأَمَّا مَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ نُزُولِ الْجَيْشِ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْجَيْشِ فَهُوَ غَنِيمَةٌ وَمَا انْجَلَى عَنْهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْجَيْشِ فَهُوَ فَيْءٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُخْتَصُّ بِآخِذِهِ مَعْنَاهُ وَالْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْ كَافِرٍ الْمُسَمَّى بِالْمُخْتَصِّ بِآخِذِهِ وَلَا يُسَمَّى غَنِيمَةً وَلَا فَيْئًا " مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ غَيْرِ مُؤَمَّنٍ دُونَ عِلْمِهِ أَوْ كُرْهًا دُونَ صُلْحٍ وَلَا قِتَالِ مُسْلِمٍ وَلَا قَصْدٍ بِخُرُوجِهِ إلَيْهِ مُطْلَقًا عَلَى رَأْيٍ أَوْ بِزِيَادَةٍ مِنْ أَحْرَارِ الذُّكُورِ الْبَالِغِينَ عَلَى رَأْيٍ " قَوْلُهُ " مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ " جِنْسٌ يَشْمَلُ الْغَنِيمَةَ وَغَيْرَهَا مِمَّا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ وَقَوْلُهُ " غَيْرِ مُؤَمَّنٍ " لِيَخْرُجَ بِهِ مَا أُخِذَ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ قَوْلُهُ " دُونَ عِلْمِهِ " اُحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا وَهَبَهُ الْحَرْبِيُّ قَوْلُهُ " أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 كُرْهًا " يَعُمُّ الصُّلْحَ وَغَيْرَهُ فَأَخْرَجَ مَا أُخِذَ مِنْ الصُّلْحِ بِقَوْلِهِ " دُونَ صُلْحٍ " قَوْلُهُ " وَلَا قِتَالٍ " أَخْرَجَ الْغَنِيمَةَ لِأَنَّهَا لِأَجْلِ قِتَالٍ قَوْلُهُ " وَلَا قَصْدِهِ " إلَخْ أَخْرَجَ بِهِ إذَا كَانَ الْمَالُ بِحَيْثُ يُقَاتَلُ عَلَيْهِ فَإِذَا قُصِدَ الْقِتَالُ أَوْ انْجَلَى أَهْلُ الْمَالِ فَلَا يَخْتَصُّ بِآخِذِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَأَخْرَجَهُ بِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِثَالُ الْمُخْتَصِّ بِآخِذِهِ الدَّاخِلُ فِي حَدِّهِ مَا هَرَبَ بِهِ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ بِمَالِهِ أَوْ مَا غَنِمَهُ الذِّمِّيُّونَ وَقَوْلُهُ " مُطْلَقًا عَلَى رَأْيٍ " أَشَارَ إلَى الْخِلَافِ فَإِنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ الْمُحَارِبِينَ الْأَحْرَارِ الذُّكُورِ الْبَالِغِينَ غَنِيمَةً بِلَا خِلَافٍ وَمَا غَنِمَهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مُخْتَصٌّ بِهِمْ وَمَا غَنِمَهُ الْعَبِيدُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ قِيلَ لَا يَكُونُ غَنِيمَةً وَيَخْتَصُّ بِهِمْ وَقِيلَ يُخَمَّسُ فَكَانَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنْ أَطْلَقْتُ فِي الْحَدِّ حَتَّى يَدْخُلَ الْخِلَافُ وَيَكُونُ الْحَدُّ الْأَعَمَّ مِنْ الشَّاذِّ وَالْمَشْهُورِ تَرَكْتُ الْإِطْلَاقَ وَلَا تَقْيِيدَ وَإِلَّا قَيَّدْتُ ذَلِكَ بِزِيَادَةٍ مِنْ أَحْرَارِ الذُّكُورِ الْبَالِغِينَ فَعَلَى الْإِطْلَاقِ يُخَمَّسُ مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ أَوْ الْمَرْأَةُ عَلَى قَوْلٍ وَلَا يَدْخُلُ وَعَلَى قَوْلٍ لَا يُخَمَّسُ وَيَخْتَصُّ بِأَخْذِهِ وَعَلَى التَّقْيِيدِ يَكُونُ خَاصًّا بِهِ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمُخْتَصُّ كَمَا يَصْدُقُ عَلَى مَا غَنِمَهُ الذِّمِّيُّ قَالَ الشَّيْخُ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْمُخْتَصِّ الرِّكَازُ (فَإِنْ قُلْتَ) فَبِأَيِّ قَيْدٍ يَخْرُجُ مَالُ الرِّكَازِ وَأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُخْتَصًّا بِأَخْذِهِ بَلْ يُخَمَّسُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْفَيْءِ. (قُلْتُ) لَعَلَّهُ يَخْرُجُ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ لِأَنَّ الرِّكَازَ مَالٌ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا مَالِكَ لَهُ وَهَذَا مَالٌ أُخِذَ مِنْ حَرْبِيٍّ حَائِزٍ لَهُ (فَإِنْ قُلْت) قَدْ تَقَدَّمَ فِي الرِّكَازِ مَوَاضِعُ يَكُونُ فِيهَا لِآخِذِهِ وَوَاجِدِهِ وَلَا يُخَمَّسُ " فَيُقَالُ " قَدْ وُجِدَ مَالُ مُخْتَصٍّ بِأَخْذِهِ مِنْ حَرْبِيٍّ لَا مَالُ مُخْتَصٍّ بِأَخْذِهِ مُطْلَقًا وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ لَا يَصِحُّ الْإِخْرَاجُ بِهِ وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ بَحْثُهُ فِي الْمُطْلَقِ. [بَابُ الْفَيْءِ] (ف يء) : بَابُ الْفَيْءِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْفَيْءُ مَا سِوَاهُمَا مِنْهُ هَذَا رَسْمٌ لِلْفَيْءِ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ مَالِ كَافِرٍ مِمَّا سِوَى الْغَنِيمَةِ وَسِوَى الْمُخْتَصِّ بِأَخْذِهِ الْمَحْدُودَيْنِ فَلَا يَرِدُ الرِّكَازُ الْمَذْكُورُ عَلَى حَدِّ الْفَيْءِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَتَأَمَّلْهُ وَتَأَمَّلْ بِأَيِّ شَيْءٍ تَخَرَّجَ مِنْ حَدِّ الْفَيْءِ عَلَى مَا ذَكَرَ الْهِبَةَ وَغَيْرَهَا فِيهِ مَا لَا يَخْفَى مِنْ الْبَحْثِ يُذْكَرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. تَنْبِيهَاتٌ: يُذَيَّلُ بِهَا عَلَى مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ مِمَّا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْحَرْبِيِّ. (الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ فِي التَّقْسِيمِ مَا مُلِكَ مِنْ مَالِ الْكَافِرِ إمَّا غَنِيمَةٌ أَوْ مُخْتَصٌّ أَوْ فَيْءٌ تَرِدُ فِيهِ أَسْئِلَةٌ. (الْأَوَّلُ) أَنْ يُقَالَ لِأَيِّ شَيْءٍ أَخَّرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَلَامَ عَلَى الْفَيْءِ وَحَقُّهُ تَقْدِيمُهُ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ فَيُقَدِّمُهُ تَبَرُّكًا كَمَا قَدَّمَ الْغَنِيمَةَ وَيُؤَكِّدُ السُّؤَالَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُنَا فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ حَيْثُ قَالَ فِي رَسْمِ الْفَيْءِ وَالْفَيْءُ مَا لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ وَالْفَيْءُ مَا لَمْ يُقَاتِلُوا عَلَيْهِ كَمَا قَالَ فِي قَسِيمِهِ تَبَرُّكًا بِالْقُرْآنِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ يَأْتِي فِيهَا الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَسْمِهِ بِمَا يُنَاسِبُ مِمَّا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي حَدِّ الْجِهَادِ الْقِتَالُ إلَخْ. (وَالْجَوَابُ) أَنْ نَقُولَ إنَّمَا أَخَّرَهُ لِأَنَّ خَاصَّتَهُ لَمَّا كَانَتْ فِيهَا نَفْيٌ لِخَاصَّةِ الْغَنِيمَةِ وَالْمُخْتَصُّ أَخَّرَ ذَلِكَ بَعْدَ تَعْرِيفِهِمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ. (السُّؤَالُ الثَّانِي) أَنَّ التَّقْسِيمَ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الَّذِي مُلِكَ مِنْ ذِمِّيٍّ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثِ وَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ الْكَافِرِ وَقَدْ حُصِرَ فِيهَا مَا ذُكِرَ عَلَى وَجْهِ مَنْعِ الْخُلُوِّ فَهِيَ غَيْرُ صَادِقَةٍ. (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْكَافِرَ الْمَذْكُورَ اللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الرَّسْمِ الْمَوْصُوفِ بِصِفَتِهِ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ ذِي عَهْدٍ السُّؤَالُ الثَّالِثُ إنْ سَلَّمْنَا الْعَهْدَ الْمَذْكُورَ فِي الرَّسْمِ وَهُوَ الْكَافِرُ غَيْرُ ذِي عَهْدٍ فَمَا أَخَذَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَرْبِيٍّ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ يَرِدُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا عَدَمُ الصِّدْقِ فِي الْقَضِيَّةِ الْمَانِعَةِ الْخُلُوِّ. (وَالْجَوَابُ) أَنَّ السِّيَاقَ دَلَّ عَلَى قَيْدٍ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ الْقَهْرِيَّةُ فَالتَّقْدِيرُ مَا مُلِكَ مِنْ مَالِ الْكَافِرِ قَهْرًا وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ وَلِلْمُخْتَصِّ لَا يُقَالُ إنَّ الْمُخْتَصَّ قَدْ يَكُونُ فِي الْمَأْخُوذِ دُونَ عِلْمِ الْحَرْبِيِّ وَمَا كَانَ دُونَ عِلْمِهِ فَلَا قَهْرَ فِيهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِالْقَهْرِ مَا لَا قُدْرَةَ عَلَى دَفْعِهِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ الثَّانِي مِمَّا يَدُلُّ بِهِ أَنَّ الشَّيْخَ لَوَّنَ التَّعْبِيرَ فَقَالَ فِي مَحَلِّ التَّقْسِيمِ مَا مُلِكَ وَقَالَ فِي جِنْسِ بَعْضِ الْأَقْسَامِ مَا أُخِذَ وَقَالَ مَا كَانَ وَهَلَّا قَالَ فِي الْجَمِيعِ مَا مُلِكَ أَوْ مَا أُخِذَ (قُلْتُ) أَمَّا الْمُقَسَّمُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِمَا مُلِكَ فَهُوَ جِنْسٌ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ حَقِيقِيٌّ وَيَشْهَدُ فِيهِ بِالْمِلْكِ الَّذِي يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِجَمِيعِ خَوَاصِّهِ وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ وَغَيْرُهُ إنَّ مَنْ عَلِمَ شِرَاءً مِنْ غَنِيمَةٍ يَشْهَدُ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ بِالْمُلْكِ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ مَمْلُوكَةٌ لِغَانِمِيهَا فَتَصْرِيحُهُ بِالْمِلْكِ فِيهِ فَائِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَأَمَّا التَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ مَا كَانَ أَيْ مَا وُجِدَ فِيهِ الْمِلْكُ بِقِتَالٍ فَهُوَ يَرْجِعُ إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 الْأَوَّلِ وَلَوْ قَالَ مَا مُلِكَ بِقِتَالٍ لَصَحَّ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ وَأَمَّا التَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ مَا أُخِذَ فِي الْمُخْتَصِّ فَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا عُلِمَ الْمِلْكُ فِي الْمُخْتَصِّ ضَرُورَةَ أَنَّهُ أَخَصُّ مِنْ الْمُقَسَّمِ ذَكَرَ الْأَخْذَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ فِي الْمَحْدُودِ الْمُخْتَصِّ بِأَخْذِهِ نَاسَبَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ مَا أُخِذَ وَفِيهِ أَيْضًا الْمِلْكُ. التَّذْيِيلُ الثَّالِثُ قَوْلُهُ وَالْفَيْءُ مَا سِوَاهُمَا تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْفَيْءَ غَيْرُ الْغَنِيمَةِ وَغَيْرُ الْمُخْتَصِّ مِمَّا مُلِكَ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ فَيُقَالُ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ مَنْ أَخَذَ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ شَيْئًا مَلَكَهُ بِهِبَةٍ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ فَيْئًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالرَّسْمُ غَيْرُ مَانِعٍ. (وَالْجَوَابُ) أَنْ نَقُولَ قَدْ قَدَّمْنَا فِي الْقِسْمِ الْجَامِعِ لِلْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالْقَهْرِيَّةِ وَإِذَا تَمَّ ذَلِكَ كَانَتْ الْقَهْرِيَّةُ مَوْجُودَةً فِي كُلٍّ أَخَصَّ مِنْ أَقْسَامِهِ ضَرُورَةً وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَلَا تَرِدُ الصُّورَةُ الْمَذْكُورَةُ وَلَا يُعَارِضُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْقَيْدِ الْمَأْخُوذِ فِي الْمُقَسَّمِ ذَكَرُهُ قَوْلُهُ أَوْ كُرْهًا فِي رَسْمِ الْمُخْتَصِّ وَإِذَا تَأَمَّلْته لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِيَخْرُجَ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلِذَا قَيَّدَهُ بِمَا رَأَيْتَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ التَّذْيِيلُ الرَّابِعُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي رَسْمِ الْغَنِيمَةِ مَا كَانَ بِقِتَالٍ أَوْ بِحَيْثُ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْقِتَالَ فِي الْغَنِيمَةِ وَذَكَرَ السَّبَبَ فِيهَا وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْقِتَالَ لِأَجْلِ الْغَنِيمَةِ مَانِعٌ مِنْ الشَّهَادَةِ وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْغَنِيمَةُ مَا قُوتِلُوا عَلَيْهِ قَالَ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا سَبَبٌ فِي الْأَخْذِ إلَّا الْقِتَالَ قَالَ وَرُبَّمَا تُعُقِّبَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ تَفْسِيرُ الْغَنِيمَةِ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْقِتَالَ لِأَجْلِ الْغَنِيمَةِ مَانِعٌ مِنْ الشَّهَادَةِ فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ مَا حَصَلَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ انْتَهَى مَعْنَاهُ وَهَذَا الْإِيرَادُ بِعَيْنِهِ يَرِدُ عَلَى تِلْمِيذِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ أَنَّهُ الظَّنُّ بِهِ أَنَّهُ قَدْ آوَرَدَهُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ أَنْ نَقُولَ عِبَارَةُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَرِدُ عَلَيْهَا مَا أُورِدَ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عِبَارَةَ الشَّيْخِ قَالَ فِيهَا مَا كَانَ بِقِتَالٍ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَعْنَاهَا مَا كَانَ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ بِسَبَبِ قِتَالٍ فَاَلَّذِي أَفَادَهُ السَّبَبُ أَنَّ وُجُودَ مِلْكِ الْمَالِ بِسَبَبِ الْقِتَالِ وَهَلْ الْقِتَالُ إنَّمَا كَانَ لِذَلِكَ وَحْدَهُ أَوْ كَانَ الْقِتَالُ لِإِعْلَاءِ الْكَلِمَةِ وَنَشَأَ عَنْهُ أَخْذُ الْمَالِ الْأَمْرُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَالْأَعَمُّ لَا إشْعَارَ لَهُ بِأَخَصِّهِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي الْإِشْكَالُ عَلَيْهِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ ظَاهِرٌ مَعْنَاهُ فِي قَوْلِهِ مَالُ الْغَنِيمَةِ مَا قُوتِلُوا عَلَيْهِ أَنَّ قِتَالَهُ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الْغَنِيمَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ بَحْثَ الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 يَرُدُّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ مَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ قَالَ الْغَنِيمَةُ مَا قُوتِلُوا عَلَيْهِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَا ذُكِرَ بَلْ مَعْنَاهُ الْمَالُ الْمُقَاتَلُ عَلَيْهِ وَأَفَادَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ إنَّمَا حُصِّلَ بِالْقِتَالِ وَهَلْ كَانَ قَصْدُ الْقِتَالِ لِأَخْذِهِ أَوْ كَانَ الْقِتَالُ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَنَشَأَ عَنْهُ الْأَخْذُ وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَهُوَ مَعْنَى مَا قَرَّرْنَا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ مَا ذَكَرَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. [بَاب فِي النَّفَل] (ن ف ل) : بَابٌ فِي النَّفْلِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النَّفَلُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ مَا يُعْطِي الْإِمَامُ مِنْ خُمْسِ الْغَنِيمَةِ لِمُسْتَحِقِّهَا لِمَصْلَحَةٍ قَوْلُهُ: " مَا يُعْطِي الْإِمَامُ مِنْ خُمْسِ الْغَنِيمَةِ " خَاصٌّ بِالْإِعْطَاءِ مِنْهَا مُسْتَحِقَّهَا احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا يُعْطِيهِ لِغَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَفْلٍ قَوْلُهُ " لِمَصْلَحَةٍ " احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا يُعْطِيهِ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ شَرْعًا وَلَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ بِنَظَرِ الْمَعْبُودِ الَّذِي لَا رَبَّ سِوَاهُ لَا بِنَظَرِ هَوَاهُ وَيَنْقَسِمُ إلَى جُزْئِيٍّ وَكُلِّيٍّ فَالْجُزْئِيُّ مَا يَثْبُتُ بِإِعْطَائِهِ بِالْفِعْلِ وَالْكُلِّيُّ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِ الْإِمَامِ فَإِنَّ النَّفَلَ لَا يَسْتَحِقُّهُ قَاتَلَهُ عَلَى مَذْهَبِنَا بِقَتْلِهِ وَفِيهِ مَسَائِلُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدَّمَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِّ الزَّكَاةِ حَدَّهَا اسْمًا وَمَصْدَرًا وَالنَّفَلُ لَمْ يَصْنَعْ فِيهِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ قَابِلٌ لِلِاسْمِيَّةِ وَالْمَصْدَرِيَّةِ فَهَذَا التَّخْصِيصُ مَا سِرُّهُ (قُلْتُ) الَّذِي اسْتَقْرَيْتُ مِنْهُ فِي غَالِبِ حَالِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَاهِيَّةَ الشَّرْعِيَّةَ إنْ وَقَعَ اسْتِعْمَالُهَا فِي مَصْدَرٍ وَاسْمٍ وَكَثُرَ فِي ذَلِكَ إطْلَاقُ الرُّوَاةِ وَالْفُقَهَاءِ فَيَحُدُّهُمَا مَعًا لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهَا فَإِنْ غَلَّبَ أَحَدًا فَإِنَّمَا يَتَعَرَّضُ لِتَعْرِيفِ مَا غَلَّبَ. [بَابٌ فِي السَّلَبِ] (س ل ب) : بَابٌ فِي السَّلَبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ كُلُّ ثَوْبٍ عَلَيْهِ وَفَرَسُهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ يُمْسِكُهُ لِوَجْهِ قِتَالٍ عَلَيْهِ لَا مَا تُجُنِّبَ أَوْ كَانَ مُنْفَلِتًا عَنْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَانْظُرْ كَلَامَ سَحْنُونَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وَكَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَمَا ذَكَر هُنَا مِنْ الْمَسَائِل كُلُّ ذَلِكَ يَجْرِي عَلَى مُسَمَّى السَّلَبِ شَرْعًا مَا هُوَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَقَبِلَ الشَّيْخُ رَسْمَ ابْنِ حَبِيبٍ مَعَ أَنَّ فِيهِ تَصْدِيرَ الرَّسْمِ بِكُلٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَاب الْغُلُول شَرَعَا] (غ ل ل) : بَابُ الْغُلُولِ شَرْعًا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ عُرْفًا أَخْذُ مَا لَمْ يُبَحْ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ حَوْزِهَا وَاحْتُرِزَ مِمَّا أُبِيحَ فِيهَا لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِغُلُولٍ كَالطَّعَامِ مُطْلَقًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عُرْفًا أَشَارَ بِهِ إلَى مُخَالِفِهِ لِمَا وَقَعَ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ حَيْثُ قَالَ وَالْغُلُولُ الْخِيَانَةُ بِأَخْذِ الشَّيْءِ لِلْغَيْرِ عَلَى الِاخْتِفَاءِ (قُلْتُ) وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي اللُّغَةِ وَفِي الْعُرْفِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ يُطْلَقُ الْعُرْفُ عَلَى غَيْرِ عُرْفِ الْفُقَهَاءِ كَمَا وَقَعَ لَهُ فِي الْوَقْتِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ يَنْفَعُنَا بِهِ. [كِتَابُ النِّكَاحِ] (ن ك ح) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ النِّكَاحِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ " النِّكَاحُ عَقْدٌ عَلَى مُجَرَّدِ مُتْعَةِ التَّلَذُّذِ بِآدَمِيَّةٍ غَيْرِ مُوجِبٍ قِيمَتُهَا بِبَيِّنَةٍ قَبْلَهُ غَيْرَ عَالِمٍ عَاقِدُهَا حُرْمَتَهَا إنْ حَرَّمَهَا الْكِتَابُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْآخَرِ " هَذَا حَدُّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَرَضِيَ عَنْهُ وَقَدْ رَدَّ عَلَى ابْنِ بَشِيرٍ حَدَّهُ وَرَدَّهُ حَلِيٌّ طَرْدًا وَعَكْسًا لِأَنَّهُ قَالَ فِي حَدِّهِ عَقْدٌ عَلَى الْعُضْوِ بِعِوَضٍ هَذَا لَا شَكَّ فِي نَقْضِهِ طَرْدًا بِبَعْضِ صُوَرِ الزِّنَا وَصَادِقِيَّةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ قَالَ وَعَكْسُهُ يَبْطُلُ بِالنِّكَاحِ الَّذِي عُقِدَ عَلَى الْإِصْدَاقِ فَإِنَّهُ نِكَاحٌ، هَذَا إنْ أَرَادَ أَنْ يَحُدَّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ وَإِنْ أَرَادَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 الصَّحِيحَ فَقَطْ بَطَلَ طَرْدُهُ بِنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ الْفَاسِدَةِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ اسْتَعْذَرَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كَوْنِهِ لَمْ يَذْكُرْ حَدَّهُ بِأَنَّهُ ذَكَرَ أَرْكَانَهُ قَالَ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْحَدِّ إلَّا ذِكْرُ أَرْكَانِهِ وَقَدْ ذَكَرَهَا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَرْكَانُهُ الْحِسِّيَّةُ وَلَا يَصِحُّ الْحَدُّ بِهَا لِأَنَّهَا لَا تُحْمَلُ عَلَى الْمَحْدُودِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِالْأَرْكَانِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَالْكَافِرُ بَعْدَ أَنْ يُسْلِمَ لَهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ فِي الْعُقْدَةِ الثَّانِيَةِ لَا الْأُولَى هَذَا الْكَلَامُ مِنْ تَمَامِ الرَّدِّ عَلَى شَيْخِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكَأَنَّهُ يَقُولُ إنْ سَلِمَ أَنَّ الْحَدَّ يَكُونُ بِذِكْرِ أَجْزَاءِ الْمَحْدُودِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِالْأَجْزَاءِ الْمَحْمُولَةِ وَهِيَ الثَّانِيَةُ فِي لَفْظِهِ لَا الْأَجْزَاءُ الْمَحْسُوسَةُ وَهِيَ الْأُولَى وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ هُنَا الرَّهُونِيُّ فِي الْمُقَدِّمَةِ عَنْ صَاحِبِ الْقِسْطَاسِ فِي الْحَدِّ بِالْأَجْزَاءِ الْمَحْسُوسَةِ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَاعْتَرَضَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَلَى الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَسْلِيمِهِ أَنَّ الصِّيغَةَ مِنْ أَرْكَانِ النِّكَاحِ بِمَا نُشِيرُ إلَيْهِ فِي الصِّيغَةِ وَرَأَيْت أَيْضًا لِلشَّيْخِ الْمَذْكُورِ اعْتِرَاضًا يَقُولُ فِيهِ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ الْأَجْزَاءُ الْمَعْنَوِيَّةُ لَا الْأَجْزَاءُ الْحِسِّيَّةُ مَمْنُوعٌ قَوْلُهُ لِامْتِنَاعِ حَمْلِهَا عَلَيْهِ مُسَلَّمٌ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ رُكْنِيَّتَهَا لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِالْأَجْزَاءِ الْحِسِّيَّةِ إذْ هُوَ عَامٌّ فِيهَا وَفِي الشُّرُوطِ أَلَا تَرَى كَيْفَ تَعَقَّبَ عَلَى ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْغَزَالِيِّ جَعَلَهُمْ الْأَهْلَ وَالْمَحَلَّ وَالْقَصْدَ مَعَ اللَّفْظِ مِنْ أَرْكَانِ الطَّلَاقِ مَعَ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَكُلٌّ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ لَيْسَ رُكْنًا لَهُ فَمَا تُعُقِّبَ بِهِ هُنَاكَ يَرِدُ هُنَا فَتَأَمَّلْ هَذَا فَإِنَّ فِيهِ بَحْثًا ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى شَرْحِ حَدِّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلُهُ " عَقْدٌ " عَبَّرَ الشَّيْخُ فِي الْجِنْسِ هُنَا بِالْعَقْدِ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِيهِ إيجَابٌ وَقَبُولٌ مِنْ جَانِبَيْنِ وَالْعَقْدُ فِيهِ لُزُومٌ لِلْعَاقِدِ عَلَى نَفْسِهِ أَمْرًا مِنْ الْأُمُورِ وَأَصْلُ الْعَقْدِ فِي اللُّغَةِ الرَّبْطُ وَمِنْهُ عَقَدَ إزَارَهُ وَقَدْ يُسْتَعَارُ وَيُسْتَعْمَلُ لِلْمَعَانِي كَمَا قَالَ الْحُطَيْئَةُ قَوْمٌ إذَا عَقَدُوا عَقْدًا لِجَارِهِمْ الْبَيْتَ وَالنِّكَاحُ وَالْبَيْعُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فِيهَا لُزُومٌ لِلنَّفْسِ فَلِذَا قَالَ عَقْدٌ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمَقُولَةِ ثُمَّ قَالَ عَلَى مُجَرَّدِ هَذَا هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " مُجَرَّدٌ " مُجَرَّدٌ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ جَرَّدَ وَهُوَ صِفَةٌ قَبْلَ الْإِضَافَةِ لِلْمُتْعَةِ أَيْ الْمُتْعَةُ الْمُجَرَّدَةُ بِمَعْنَى أَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ مِنْ غَيْرِ إضَافَةِ شَيْءٍ إلَيْهَا وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ الْعَقْدِ عَلَى الْمَنَافِعِ وَالذَّوَاتِ وَالْمُتْعَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 مَعْلُومَةٌ مَشْهُورَةٌ فَلِذَا عَرَّفَهُ بِهَا وَهِيَ التَّلَذُّذُ وَالتَّمَتُّعُ أَعَمُّ مِنْ التَّلَذُّذِ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ يَكُونُ مَعْنَوِيًّا وَحِسِّيًّا كَتَمَتُّعِ الْجَاهِ وَالْوِلَايَةِ وَتَمَتُّعِ الرُّكُوبِ وَالْأَكْلِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَالتَّلَذُّذُ يَكُونُ فِي الْأُمُورِ الْحِسِّيَّةِ فَأَخْرَجَ بِمُجَرَّدِ الْمُتْعَةِ مَا ذَكَرْنَا مِمَّا لَمْ يَقْصِدْ وَدَخَلَ مَا قَصَدَ فِي أَصْلِهِ التَّمَتُّعُ فَقَطْ ثُمَّ أَخْرَجَ الْأُمُورَ الْمَعْنَوِيَّةَ بِقَوْلِهِ التَّلَذُّذُ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ الْحِسِّيَّةِ التَّلَذُّذَ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِقَوْلِهِ بِآدَمِيَّةٍ هَذَا الَّذِي ظَهَرَ وَزَعَمَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ أَخْرَجَ بِهِ الْعَقْدَ عَلَى الْجِنِّيَّةِ وَفِيهِ عِنْدِي بُعْدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ قَالَ " غَيْرُ مُوجِبٍ قِيمَتَهَا " هَذَا الْقَيْدُ أَخْرَجَ بِهِ تَحْلِيلَ الْأَمَةِ إذَا وَقَعَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَقَدَ عَلَى مُجَرَّدِ التَّلَذُّذِ بِآدَمِيَّةٍ بِبَيِّنَةٍ لَكِنَّهُ عَقَدَ عَلَى تَلَذُّذٍ بِآدَمِيَّةٍ يُوجِبُ ذَلِكَ التَّلَذُّذُ قِيمَةَ الْآدَمِيَّةِ وَالْقِيمَةُ فِي الْمُحَلَّلَةِ تَجِبُ بِالتَّلَذُّذِ وَقِيلَ بِالْغِيبَةِ عَلَى الْمُحَلَّلَةِ وَإِطْلَاقُ مُتْعَةِ التَّلَذُّذِ يُوجِبُ إدْخَالَ نِكَاحِ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَوْلُهُ " بِبَيِّنَةٍ " حَالٌ مِنْ التَّلَذُّذِ مَعْنَاهُ فِي حَالِ كَوْنِ التَّلَذُّذِ يَكُونُ بِبَيِّنَةٍ قَبْلَ وُجُودِهِ أَخْرَجَ بِهِ صُورَةَ الزِّنَا قَوْلُهُ " غَيْرَ عَالِمٍ " يُحْتَمَلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلَى الْحَالِ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ الْمُتْعَةُ وَهُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عَقْدٌ عَلَى الْمُتْعَةِ الْمُجَرَّدَةِ فِي التَّلَذُّذِ بِآدَمِيَّةٍ حَالَ كَوْنِ الْمُتْعَةِ غَيْرَ عَالِمٍ عَاقِدُهَا حُرْمَتَهَا وَهِيَ حَالٌ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُتْعَةَ الْمَذْكُورَةَ الْمُقَيَّدَةَ فِي حَالَةِ كَوْنِ الْعَاقِدِ عَلَيْهَا لَا يَعْلَمُ حُرْمَتَهَا وَلَمَّا حَذَفَ الْجَارَّ اتَّصَلَ الضَّمِيرُ وَيَحْتَمِلُ الرَّفْعَ عَلَى الصِّفَةِ وَهُوَ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الشُّيُوخِ وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ صُورَةَ الْعَقْدِ عَلَى آدَمِيَّةٍ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا وَالْعَاقِدُ عَالِمٌ بِتَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ بِتِلْكَ الْآدَمِيَّةِ كَالْعَقْدِ عَلَى الْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنِكَاحٍ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنَا وَالسِّفَاحِ فَلَا يُلْحَقُ فِيهِ وَلَدٌ وَلَا يُدْرَأُ فِيهِ حَدٌّ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ عَلَى التَّحْرِيمِ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ فِي أَنَّ ذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلَى مَا حُرِّمَتْ الْمُتْعَةُ فِيهِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَا قَالَ " إنْ حَرَّمَهَا الْكِتَابُ عَلَى الْمَشْهُورِ " وَجُمْلَةُ إنْ حَرَّمَهَا فِيهِ تَقْيِيدٌ وَقَعَ الْحَالُ مَوْقِعَهَا فَكَأَنَّهَا حَالٌ مُقَدَّرَةٌ كَمَا أَنَّ جُمْلَةَ الشَّرْطِ حَالٌ فِي قَوْلِهِ إنْ تَسْتَغِيثُوا بِنَا الْبَيْتَ وَتَقَدَّمَ فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ جُمْلَةَ الْحَالِ لَا تُصَدَّرُ بِاسْتِقْبَالٍ ثُمَّ أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى تَحْرِيمِ الْكِتَابِ بَلْ ذَلِكَ عَامٌّ فِيمَا وَقَعَ تَحْرِيمُهُ بِالْكِتَابِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَهُوَ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ مِمَّا حَرَّمَهُ الْكِتَابُ وَحْدَهُ مِمَّا عُدَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 تَعَالَى فَلِذَا قَالَ " أَوْ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْآخَرِ " وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْكِتَابِ أَيْ مَا حَرَّمَهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وَهُمَا طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ فِي الْمَذْهَبِ بَنَوْا عَلَيْهِمَا مَسَائِلَ فِي النِّكَاحِ وَالزِّنَا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحِلِّهِ وَنَذْكُرُ مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فِي فَهْمِ رَسْمِهِ وَمِثَالُ ذَلِكَ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ نَكَحَ نِكَاحَ مُتْعَةٍ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فَهَلْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ نِكَاحٌ يَثْبُتُ فِيهِ لَوَازِمُ النِّكَاحِ أَوْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الزِّنَا قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ النِّكَاحِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الزِّنَا فَالْأَوَّلُ يَقُولُ بِعَدَمِ حَدِّهِ وَبِإِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِهِ وَالثَّانِي عَكْسُهُ فَالْأَوَّلُ يُرَاعِي الْمُحَرَّمَاتِ بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَطْ وَمَا حُرِّمَ بِالسُّنَّةِ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ ذَلِكَ وَالثَّانِي يُرَاعِي مَا يَعُمُّ ذَلِكَ فَإِذَا صَحَّ هَذَا وَجَبَ أَنْ يَقُولَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا رَأَيْته فِي لَفْظِهِ أَوْ الْإِجْمَاعُ بِغَيْرِ وَاوٍ بَعْدَ أَوْ وَكَانَ يَمُرُّ لِبَعْضِهِمْ وَذَكَرَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ أَنَّ صَوَابَهُ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَيَقُولُ فِي بَعْضِ مَجَالِسِهِ إنَّ صَوَابَهُ أَوْ وَالْإِجْمَاعُ بِزِيَادَةِ وَاوٍ بَعْدَ أَوْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَقُولُ بِالثَّانِي وَالثَّانِي يَقُولُ بِالْأَوَّلِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْوَاوِ وَعَلَى مَا قَرَّرْته يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ وَاوٍ وَلِأَنَّا قَرَّرْنَا أَنَّ أَحَدَهُمَا عَلَّلَ التَّحْرِيمَ بِأَمْرٍ خَاصٍّ وَالْآخَرَ عَلَّلَهُ بِأَمْرٍ عَامٍّ فَلَا يَصِحُّ إلَّا كَمَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَالدَّلِيلُ الثَّانِي أَعَمُّ وَأَشْمَلُ وَالْأَوَّلُ أَخَصُّ وَأَقَلُّ أَفْرَادًا فَيَتَعَيَّنُ حَرْفُ أَوْ فَتَأَمَّلْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ حَرَّمَهَا الْكِتَابُ عَلَى الْمَشْهُورِ فَظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي كُلِّ مَا حَرَّمَ الْكِتَابُ وَأَنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ وَلَدٌ وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ الْمُعْتَدَّةَ وَهُوَ عَالِمٌ بِتَحْرِيمِهَا لَا يُحَدُّ وَقَدْ حُرِّمَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ (قُلْتُ) النَّصُّ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ لَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ قَالُوا إنَّهَا خَرَجَتْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَلِذَا عَارَضُوهَا بِمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً خَامِسَةً قَالَ اللَّخْمِيُّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالْأَصْلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَا خَرَجَ عَنْ الْأَصْلِ فَهُوَ نَادِرٌ لَا يَقَعُ النَّقْضُ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) كَلَامُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُنَا فِي حَدِّهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَهْمَا كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ مَا حَرَّمَهُ الْكِتَابُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ نِكَاحًا وَيُحَدُّ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ وَلَدٌ وَذَلِكَ لَازِمُ الزِّنَا وَقَدْ عَدَّ الْفُقَهَاءُ مَسَائِلَ يَقَعُ فِيهَا الْحَدُّ وَيُلْحَقُ فِيهَا النَّسَبُ فَعَدُّوا مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا عَقَدَ عَلَى مَا عَلِمَ تَحْرِيمَهُ وَوَطِئَ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ (قُلْتُ) أَشَارَ إلَى اسْتِشْكَالِ ذَلِكَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَتَأَوَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إنَّمَا عَلِمَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَوَابٌ وَلِذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضَابِطًا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ حَدٍّ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ وَيَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ فَالنَّسَبُ فِيهِ ثَابِتٌ وَكُلُّ حَدٍّ لَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ فَالْوَلَدُ فِيهِ مَنْفِيٌّ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ حَيْثُ قَالَ إنَّ الْحَدَّ إذَا ثَبَتَ انْتَفَى الْوَلَدُ (فَإِنْ قُلْتَ) رَأَيْتُ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - سُؤَالًا أَظُنُّهُ لَمْ يَرَ كَلَامَ الشَّيْخِ وَهُوَ فِيهِ وَأَجَابَ عَنْهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ حَدَّ الشَّيْخِ يَرِدُ عَلَيْهِ عَدَمُ الِانْعِكَاسِ بِصُورَةٍ إذَا دَخَلَ الزَّوْجُ بِزَوْجِهِ دُونَ إشْهَادٍ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ بِطَلَاقٍ لِإِقْرَارِهِمَا وَإِذَا كَانَ الدُّخُولُ فَاشِيًّا أَوْ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ فَهَذِهِ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ النِّكَاحِ وَلَيْسَ فِيهَا بَيِّنَةٌ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْفُشُوَّ لَيْسَ بِبَيِّنَةٍ وَالشَّاهِدَ كَذَلِكَ وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَصْدَ إخْرَاجُ هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ عَلَّلَ دَرْءَ الْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ لَا بِثُبُوتِ النِّكَاحِ فَهَلْ هَذَا الْجَوَابُ صَحِيحٌ (قُلْتُ) حَاصِلُهُ الْتَزَمَ أَنَّهُ سِفَاحٌ لَا نِكَاحٌ وَدُرِئَ الْحَدُّ فِيهِ لِمَا ذَكَرَ وَفِيهِ بَحْثٌ وَقَدْ أُورِدَتْ عَلَى رَسْمِ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسْئِلَةٌ مِنْهَا خُرُوجُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَهُوَ لَا يَرِدُ بَلْ يَدْخُلُ لِأَنَّهُ لِلْأَعَمِّ مِنْ الْفَاسِدِ وَالصَّحِيحِ وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمَةُ تَتَزَوَّجُ كَافِرًا وَكَذَلِكَ أَنْكِحَةُ الْمُشْرِكِينَ وَكَذَلِكَ إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْوَكِيلُ غَيْرُ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ وَالْمُوَكِّلُ عَالِمٌ وَلَك النَّظَرُ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ وَهَلْ يُقَالُ فِيهَا أَنْكِحَةٌ فَاسِدَةٌ وَأُورِدَ عَلَى الْحَدِّ مَنْ حَلَّلَ أُمَّ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقِيمَةَ وَكَذَا إذَا حَلَّلَ أَمَتَهُ لِخَصِيٍّ أَوْ لِمَقْطُوعِ الذَّكَرِ بِبَيِّنَةٍ فِي كُلِّ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقِيمَةَ وَلَيْسَ بِنِكَاحٍ (فَإِنْ قُلْتَ) تَعْرِيفُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ أَوْ الصَّحِيحُ وَحْدَهُ (قُلْتُ) أَرَادَ عُمُومَ النِّكَاحِ سَوَاءً كَانَ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (فَإِنْ قُلْتَ) إنْ صَحَّ مَا أَشَرْتُمْ إلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ لِزِيَادَةِ قَوْلِهِ إنْ حَرَّمَهَا إلَخْ لِأَنَّ الْفَاسِدَ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٍ يُوجِبُ الْحَدَّ وَقِسْمٍ لَا يُوجِبُهُ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ (قُلْتُ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الَّذِي وَقَعَ تَحْرِيمُهُ بِالْكِتَابِ وَالنَّاكِحُ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ نِكَاحٌ بَلْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ سِفَاحٌ لِأَنَّ النِّكَاحَ وَالسِّفَاحَ مُتَنَافِيَانِ لِتَنَافِي خَاصَّتِهِمَا لِأَنَّ تَنَافِي اللَّازِمِ يَدُلُّ عَلَى تَنَافِي الْمَلْزُومِ وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى مِثْلِ بَعْضِ الصُّوَرِ نِكَاحٌ بِاعْتِبَارِ قَصْدِ النَّاكِحِ فَذَلِكَ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 يُخِلُّ بِمَا ذَكَرْنَا فَقَوْلُكُمْ إنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ نِكَاحٌ فَاسِدٌ بَاطِلٌ فَلِذَا زَادَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا رَأَيْته (فَإِنْ قُلْتَ) وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فَإِنْ وَقَعَ كَانَ نِكَاحًا فَاسِدًا لِصَدَاقِهِ وَصُورَتُهُ إذَا عَقَدَ عَلَى الْمُتْعَةِ بِامْرَأَةٍ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ مَثَلًا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ تَبِيعَهُ عَبْدَهَا فَهَذَا كَيْفَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مُجَرَّدِ الْمُتْعَةِ وَقَدْ قَارَنَ الْعَقْدَ هُنَا مُعَاوَضَةٌ بِمَالٍ فَالْعَقْدُ قَدْ وَقَعَ عَلَى مَجْمُوعِ الْمُتْعَةِ مَعَ الَّذِي انْضَافَ إلَيْهَا فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هَذَا نَقْضًا عَلَى الْعَكْسِ لِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مِنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَمْ يَقَعْ فِيهَا عَقْدٌ عَلَى مُجَرَّدِ الْمُتْعَةِ (قُلْتُ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنْ نَقُولَ إنَّ الْقَصْدَ الْأَصْلِيَّ إنَّمَا هُوَ الْمُتْعَةُ وَمَا كَانَ بِالْعَرْضِ وَالتَّبَعِيَّةِ فَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَجُعِلَ التَّبَعُ كَأَنَّهُ عَدَمٌ فَلِذَا كَانَ ذَلِكَ نِكَاحًا وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ وَفِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى عَلَيْك وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (فَإِنْ قُلْتَ) عَادَةُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَدِّهِ إذَا كَانَتْ أَوْصَافٌ حِسِّيَّةٌ لِلْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهَا يَذْكُرُ مَا يَصِحُّ حَمْلُهُ وَيُضِيفُهُ إلَى الْأَرْكَانِ مِثْلَ قَوْلِهِ الصَّلَاةُ ذَاتُ إحْرَامٍ إلَخْ وَهُنَا لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا رَسْمٌ لِلنِّكَاحِ ذَكَرَ فِيهِ لَوَازِمَ خَاصَّةً بِهِ تُخْرِجُهُ عَنْ الزِّنَا وَمَا شَابَهَهُ مِنْ التَّحْلِيلِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ أَجْزَائِهِ مِنْ صَدَاقٍ وَصِيغَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اخْتَارَ فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ غَيْرُ رُكْنٍ فِي صَحِيحِ النِّكَاحِ لَكِنَّ إسْقَاطَهُ مُنَافٍ وَلِذَا قَالَ إنَّ إمْكَانَ لُزُومِ الصَّدَاقِ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَاعْتَرَضَ هُنَاكَ عَلَى شَيْخِهِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ فِي كَلَامِهِ تَنَافِيًا حَيْثُ صَرَّحَ بِأَنَّ النِّكَاحَ الصَّدَاقُ فِي مُطْلَقِهِ رُكْنٌ وَأَنَّهُ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ غَيْرُ رُكْنٍ (فَإِنْ قُلْتَ) النِّكَاحُ الْمُسَمَّى بِالْجَفْنَةِ إمَّا صَحِيحٌ إذَا عُدِمَ الْكَتْبُ أَوْ فَاسِدٌ وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ نِكَاحٌ وَلَيْسَ فِيهِ بَيِّنَةٌ قَبْلَ التَّلَذُّذِ فَهُوَ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ. (قُلْتُ) الْجَوَابُ أَنَّا نَقُولُ إنَّ الْوَلِيمَةَ فِيهِ الْمَقْصِدُ مِنْهَا إظْهَارُ النِّكَاحِ فَهِيَ كَالْبَيِّنَةِ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَقُولَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَانْظُرْ الشَّيْخَ فِي الْوَلِيمَةِ فَإِنَّ لَهُ بَحْثًا يُنَاسِبُ مَا هُنَا. [بَابُ صِيغَةِ النِّكَاحِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَفْظَةِ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ مَعْنَاهُ مَا دَلَّ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ أَوْ لَفْظِ الْإِنْكَاحِ كَمَا إذَا قَالَ زَوَّجْتُكهَا أَوْ أَنْكَحْتهَا هَذَا إنْ قَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ دِينَارٍ وَالْمُغِيرَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِرْ فَيُقَالُ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي لَفْظٌ دَلَّ عَلَى التَّمْلِيكِ أَبَدًا هَذَا مَعْنَى مَا فَهِمْتُ مِنْهُ فَلَوْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا دَلَّ عَلَيْهِ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ أَوْ الْإِنْكَاحِ عَلَى رَأْيٍ أَوْ مَا دَلَّ عَلَى التَّمْلِيكِ أَبَدًا عَلَى رَأْيٍ لَصَحَّ وَجَرَى عَلَى عَادَتِهِ فَلَا تَصِحُّ عَلَى الرَّأْيِ الثَّانِي الْإِبَاحَةُ أَوْ الْإِجَارَةُ أَوْ الْعَارِيَّةُ لِقَوْلِهِ عَلَى التَّمْلِيكِ أَبَدًا وَلَوْ زِيدَ أَوْ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ لَكَانَ حَسَنًا وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ هُنَا فِي الصِّيغَةِ لَا يَرِدُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِمَّا اعْتَرَضَ بِهِ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي بَابِ الضَّمَانِ أَنَّ الصِّيغَةَ دَلِيلٌ عَلَى الْأَجْزَاءِ لَا أَنَّهَا هِيَ الْأَجْزَاءُ وَيُعْتَرَضُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ هُنَا وَعَلَى مَنْ سَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ وَالشَّيْخُ لَمْ يَعْتَرِضْهُ هُنَا وَقَدْ رَأَيْتُ لِبَعْضِهِمْ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ وِلَايَة عَقْدِ النِّكَاح] (ول ي) : بَابُ الْوِلَايَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَلِيُّ مَنْ لَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِلْكٌ أَوْ أُبُوَّةٌ أَوْ تَعْصِيبٌ أَوْ إيصَاءٌ أَوْ كَفَالَةٌ أَوْ سَلْطَنَةٌ أَوْ ذُو إسْلَامٍ قَوْلُهُ " الْوَلِيُّ " يَعْنِي الشَّرْعِيَّ الْحَقِيقِيَّ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ " مَنْ لَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ " أَيْ الَّذِي اسْتَقَرَّ لَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَفْظُ الْمَرْأَةِ يُطْلَقُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَذَلِكَ يَشْمَلُ الْأَمَةَ وَغَيْرَهَا وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يُقَابِلُ الْمَرْءَ أَيْضًا أَيْ اسْتَقَرَّ لَهُ نَظَرٌ عَلَى الْمَرْأَةِ ثُمَّ قَسَمَ النَّظَرَ إلَى أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ نَظَرُ الْمِلْكِ وَقَدَّمَهُ لِقُوَّتِهِ. (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يُقَالُ إنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ أَقْوَى فِي الْجَبْرِ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ لِأَنَّهُ إذَا عَقَدَ غَيْرُ الْأَبِ مَعَ وُجُودِهِ يَجِبُ فَسْخُ النِّكَاحِ بِاتِّفَاقٍ عَلَى طَرِيقِ الْأَكْثَرِ بِخِلَافِ السَّيِّدِ فِي أَمَتِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ (قُلْتُ) الْقُوَّةُ تَحْصُلُ بِقُوَّةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَوْلَى عَلَيْهِ حَتَّى بِالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَوْلُهُ " أَوْ تَعْصِيبٌ " كَالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ أَوْ الشَّقِيقِ وَكَالْعُمُومَةِ قَوْلُهُ " أَوْ إيصَاءٌ " أَيْ مَنْ أَسْنَدَ إلَيْهِ الْإِيصَاءَ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ أَوْ سَلْطَنَةٌ يَعْنِي مَنْ تَقَرَّرَ عَلَيْهَا نَظَرٌ مِنْ سُلْطَانٍ وَهُوَ الْقَاضِي قَوْلُهُ " أَوْ إسْلَامٌ " هُوَ أَعَمُّ الْوِلَايَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) أَوْ الْمَذْكُورَةُ هُنَا لِأَيِّ مَعْنًى هِيَ وَهَلْ مَعْنَاهَا كَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ سَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا نَقَلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا قَالَ مَالِكٌ وَقَوْلُ عُمَرَ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ السُّلْطَانِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ وَالْمُسَاوَاةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُزَوِّجَ وَالْوَصِيُّ حَاضِرٌ وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى التَّرْتِيبِ فِي الِاخْتِيَارِ لَا فِي الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ يَقُولُ أَوْلِيَاءُ الْمَرْأَةِ أَحَقُّ (قُلْتُ) كَلَامُ الشَّيْخِ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَظْهَرُ أَنَّهُ قَصَدَ بِهَا التَّنْوِيعَ (فَإِنْ قُلْتَ) ذُو الرَّأْيِ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ (قُلْتُ) بَلْ ذَكَرَهُ لِأَنَّهُمْ فَسَّرُوهُ بِالرَّجُلِ مِنْ الْعَشِيرَةِ وَابْنِ الْعَمِّ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَتَمَ فِي آخِرِهَا بِذِي الْإِسْلَامِ وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ خُتِمَ بِالسُّلْطَانِ (قُلْتُ) السُّلْطَانُ نَائِبٌ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْجَمَاعَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ تُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ (فَإِنْ قُلْتَ) بَعْضُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ مِمَّا عُرِّفَ بِهِ الْوَلِيُّ تَحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرٍ عُرْفًا كَالْأَوْصِيَةِ (قُلْتُ) رَآهَا جَلِيَّةً فِي مَعْنَاهَا وَاوٌ هُنَا عَلَى مَا فَسَّرْنَا وَتَجْرِي مَسَائِلُ عَلَى حَدِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَحْكَامٌ يَطُولُ تَنْزِيلُهَا عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْمَالِكُ لِعَبْدِهِ يَجْبُرُهُ سَيِّدُهُ وَلَيْسَ هُوَ مَنْ لَهُ مِلْكٌ عَلَى الْمَرْأَةِ (قُلْتُ) الْوَلِيُّ الَّذِي وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ شَرْطٌ أَوْ رُكْنٌ فِي النِّكَاحِ هُوَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ فَلَا يَرِدُ مَا ذَكَرْته (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُهُ أَوْ كَفَالَةٌ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَافِلَ وَلِيٌّ مُطْلَقًا وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ خَصَّهُ بِالدَّنِيَّةِ (قُلْتُ) قَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ أَيْضًا بِالْإِطْلَاقِ فِي وِلَايَتِهِ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي حَدِّهِ وَلَا يَضُرُّهُ أَيْضًا الْإِطْلَاقُ فِي عَدَمِ الْقَيْدِ بِبُلُوغٍ وَعَقْلٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ] (ن ك ح) : بَابٌ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَسْمَهُ فَذَكَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنْ يَعْقِدَ الْوَلِيُّ نِكَاحَهَا وَيُوقِفَهُ عَلَى إجَازَتهَا وَيَذْكُرُ أَنَّهُ لَمْ يُعْلِمْهَا بِذَلِكَ وَهَذَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ بَابٌ فِي تَفْسِيرِ النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ الَّذِي فَهِمَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ كَلَامِ الْبَاجِيِّ. وَفَهِمْنَا عَنْهُ أَوَّلًا مِنْ كَلَامِهِ وَآخِرًا أَنَّ النِّكَاحَ الْمَوْقُوفَ رَسْمُهُ أَنْ يَعْقِدَ الْوَلِيُّ نِكَاحَهَا وَيُوقِفَهُ عَلَى إجَازَتِهَا وَيَذْكُرُ أَنَّهُ لَمْ يُعْلِمْهَا ذَلِكَ أَوْ يُكْمِلُ الْوَلِيُّ الْعَقْدَ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمَرْأَةِ عَلَى أَنَّهَا بِالْخِيَارِ فَهِيَ مَصْدُوقَةٌ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَعْقِدَ الْوَلِيُّ النِّكَاحَ وَيُوقِفَهُ عَلَى إجَازَةِ الْمَرْأَةِ وَيَذْكُرَ أَنَّهُ لَمْ يُعْلِمْهَا ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وَهَذَا مَوْقُوفُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَفَهِمْت مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَلِيَّ أَنْفَذَ الْإِيجَابَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَوْقَفَ إنْفَاذَ الْقَبُولِ مِنْ الزَّوْجِ عَلَى إجَازَتِهَا وَلِذَا قَالَ بَعْدُ وَكَذَا لَوْ أَنْفَذَ الزَّوْجُ قَبُولَهُ وَبَقِيَ الْإِيجَابُ مَوْقُوفًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ الزَّوْجَ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْقَبُولَ وَأَوْقَفَ إيجَابَهُ عَلَى الْوَلِيِّ بِإِجَازَةِ الزَّوْجَةِ فَالنِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ لَهُ صُورَتَانِ كَمَا قَرَّرْنَا كُلٌّ مِنْهُمَا لَمْ تُقَرَّرْ فِيهِ صُورَةُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ بَعْدُ وَالْأَمْرُ الثَّانِي مِنْ النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ أَنْ يُكْمِلَ الْوَلِيُّ الْعَقْدَ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمَرْأَةِ عَلَى أَنَّهَا بِالْخِيَارِ قَالَ فَهَذَا مَوْقُوفٌ طَرَفَاهُ عَلَى الْخِيَارِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ وَحَصَلَتْ صُورَةُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَتَقَرَّرَ ذَلِكَ فِيهِ بِقَيْدِ الْخِيَارِ وَلِذَا قَالَ مَوْقُوفٌ طَرَفَاهُ عَلَى الْخِيَارِ مَعْنَاهُ إيجَابُ الْقَبُولِ مِنْ الزَّوْجِ وَإِيجَابُ الْوَلِيِّ الْإِعْطَاءَ مَوْقُوفٌ عَلَى خِيَارِ الزَّوْجَةِ هَذَا مَعْنَى مَا فَهِمَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِذَا قَالَ بَعْدُ. (قُلْتُ) الْفَرْقُ بَيْنَ الضَّرْبَيْنِ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَتَقَرَّرْ فِيهِ مَجْمُوعُ حَقِيقَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالثَّانِي تَقَرَّرَ فِيهِ مُقَيَّدًا بِخِيَارٍ وَالْأَوَّلُ يَمْتَنِعُ كَوْنُ تَمَامِهِ إنْ تَمَّ يَوْمَ نُزُولِهِ بَلْ يَوْمَ تَمَّ وَالثَّانِي يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِ وَهُوَ جَلِيٌّ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ فَهَذَا الَّذِي كُنَّا نَفْهَمُ عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَامَ وَيُفْهَمُ أَنَّ النِّكَاحَ الْمَوْقُوفَ عَلَى غَيْرِ قَوْلِ الْبَاجِيِّ إيقَاعُ الْعَقْدِ عَلَى أَمْرٍ يُؤَوَّلُ وَقْفُهُ عَلَيْهِ دُونَ تَصْرِيحٍ بِهِ وَهَذَا مُغَايِرٌ لِمَا قَرَّرْنَا عَنْ الْبَاجِيِّ وَزَادَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ وَجَدَ فِي تَفْسِيرِ الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ الْمَوْقُوفِ فِي كَلَامِ ابْنِ زَرْقُونٍ وَنَقَلَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ مَا يُخَالِفُ كَلَامَ الْبَاجِيِّ فَإِنَّ نَصَّهُ أَوْ يَكُونُ مَوْقُوفًا طَرَفَاهُ عَلَى رِضَا الْمَرْأَةِ وَرِضَا الزَّوْجِ وَيُكْمِلُ الْوَلِيُّ الْعَقْدَ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا إذَا تَأَمَّلْته تَجِدُهُ مُغَايِرًا لِمَا فَهِمْنَاهُ وَقَرَّرْنَاهُ وَفَهِمَهُ الشَّيْخُ عَنْ الْبَاجِيِّ طَرَفَاهُ فَتَأَمَّلْهُ وَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ النِّكَاحَ الْمَوْقُوفَ طَرَفَاهُ أَثْقَلُ مِنْ الْمَوْقُوفِ أَحَدُ طَرَفَيْهِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُر الْبَاجِيُّ خِلَافًا فِي صِحَّةِ الْمَوْقُوفِ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِالْقُرْبِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي كَرَاهَتِهِ وَمَا بَعُدَ مِنْهُ ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا فِي إمْضَائِهِ وَالْمَوْقُوفُ طَرَفَاهُ فِي إجَازَتِهِ مُطْلَقًا قَوْلَانِ وَالْمَنْعُ هُوَ الصَّحِيحُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ الْقُرْبُ وَالْبُعْدُ فِيهِ الْقِيَاسُ أَنَّهُ سَوَاءٌ وَالتَّفْرِيقُ اسْتِحْسَانٌ وَقَيَّدَ الْبَاجِيُّ كَلَامَهُ فِيمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَنْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا وَمَعْلُومٌ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ الطُّرُقِ فِي حُكْمِ النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ. (فَإِنْ قُلْتَ) فَإِذَا حَقَّقْت مَا ذَكَرَهُ وَأَنَّ الْمَوْقُوفَ طَرَفَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وَقَعَتْ فِيهِ صُورَةُ النِّكَاحِ عَلَى خِيَارِ الزَّوْجَةِ فَيُقَالُ إنْ صَحَّ ذَلِكَ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْخِيَارِ الشَّرْطِيِّ فِي النِّكَاحِ وَقَدْ قَالُوا فِي مِثْلِهِ إنْ شَرَطَ الْوَلِيُّ أَوْ الزَّوْجُ مَشُورَةَ مَنْ قَرُبَ فَهُوَ نِكَاحٌ فِيهِ خِيَارٌ فَإِنْ أَجَازَهُ بِالْقُرْبِ جَازَ كَذَا وَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ وَلَمْ يَفْتَرِقَا مِنْ الْمَجْلِسِ وَهُوَ أَوْسَعُ مِنْ الصَّرْفِ وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ وَلَوْ قَرُبَ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ جَوَازَهُ فِيمَا قَرُبَ فَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ كَلَامِ الْبَاجِيِّ كَيْفَ سَلَّمَ لَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مِنْ النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ وَهُوَ نَظِيرُ النِّكَاحِ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ الشَّرْطِيُّ وَقَدْ عَلِمْتَ الْفَرْقَ فِي النَّقْلِ فِي اخْتِلَافِ الْحُكْمِ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ النِّكَاحَ الْمَوْقُوفَ طَرَفَاهُ عَلَى خِيَارٍ يَعْنِي مِمَّنْ هُوَ رُكْنٌ فِي النِّكَاحِ كَالزَّوْجَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَاجِيُّ وَنِكَاحُ الْخِيَارِ وَقَعَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالرِّضَى مِنْ الزَّوْجَةِ وَوَقَفَ ذَلِكَ عَلَى مَشُورَةِ أَجْنَبِيٍّ خَارِجٍ عَنْ رُكْنِ النِّكَاحِ كَمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمَوْقُوفَ عَلَى مَا يُعْلَمُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْخِيَارُ فِيهِ حُكْمِيٌّ لَا شَرْطِيٌّ وَمَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ يَقْتَضِي أَنَّهُ شَرْطِيٌّ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا عُقْدَةَ فِيهِ بِوَجْهٍ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْخِيَارِ لِلزَّوْجَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خِيَارٌ شَرْطِيٌّ فِي الثَّانِي وَلِمُرَاعَاةِ هَذَا الْمَعْنَى رَدَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ اسْتِدْلَالَهُ عَلَى مَنْ قَالَ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ إذَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ رِضًا أَنَّهُ يَقَعُ التَّحْرِيمُ بِهِ قَالَ الشَّيْخُ فِي الرَّدِّ عَلَى قَائِلِهِ وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ التَّحْرِيمُ بِهِ وَهُوَ مَذْهَبُهُ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ زَوَّجْتُ ابْنَتِي إنْ رَضِيَ فُلَانٌ فَقَالَ فُلَانٌ لَا أَرْضَى لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ هَذَا إيقَاعُ الْعَقْدِ دُونَ تَصْرِيحٍ بِوَقْفِهِ عَلَى أَمْرٍ يُؤَوَّلُ وَقَفَهُ عَلَيْهِ أَقْرَبُ لِلتَّمَامِ وَالصِّحَّةِ مُصَرِّحًا بِوَقْفِهِ عَلَيْهِ. وَلِذَا خَالَفَ الْخِيَارُ الْحُكْمِيُّ الشَّرْطِيَّ وَلِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي كَوْنِهِ صَرَّحَ الْمَوْقُوفُ فِيهِ عَقْدُ خِيَارٍ حُكْمِيٍّ فَتَأَمَّلْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاتِّفَاقَ عَلَى وَكِيلٍ عَقَدَ النِّكَاحَ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُوَكِّلُ بِأَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ وَهَذَا مَعَ مَا قَرَّرْته يُخَالِفُ مَا أَصَّلْته (قُلْتُ) قَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْكَلَامَ بَعْدُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ حَيْثُ قَسَّمَ الْعَاقِدَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِطَرِيقِ الْبَاجِيِّ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ رَأَيْت مَا فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ مِنْ الْخِلَافِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فِي فَهْمِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ السَّيِّدَ إذَا تَزَوَّجَ عَبْدُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلِلسَّيِّدِ الْخِيَارُ فِي إجَازَتِهِ وَلَوْ طَالَ أَمْرُهُ (قُلْتُ) صُورَةُ الْعَبْدِ تَرِدُ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 تَفْسِيرِ النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ غَيْرِ كَلَامِ الْبَاجِيِّ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ فِيهَا إيقَاعُ الْعَقْدِ عَلَى أَمْرٍ إلَخْ فَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْ مُعَارَضَتِهَا بِمَا ذَكَرَ وَعَلَى مَا قَرَّرْنَا مِنْ كَلَامِ الْبَاجِيِّ لَا تَدْخُلُ هَذِهِ فِي صُورَةِ النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ فَتَأَمَّلْهُ وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَذَكَرَ أَنَّ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِهَا عَلَى الرَّدِّ إذْ لَمْ يَنْبَرِمْ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ نِكَاحٌ وَتَزْوِيجُ الْعَبْدِ عَلَى الْإِجَازَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مَعَ مَا قَدَّمْنَا عَنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُ وَتَأَمَّلْ كَلَامَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي نِكَاحِ الْخِيَارِ وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ عَلَى التُّونُسِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ فِي تَلَقِّيهمَا كَلَامَ أَشْهَبَ بِالْقَبُولِ فِي قَوْلِهِ قَدْ زَوَّجْتُك وَزَوَّجْتُك وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي جَوَابِ الشَّرْطِ وَلَنَا فِيهِ كَلَامٌ اُنْظُرْهُ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ بَعَثَ فِيهِ سُؤَالًا بَنَى عَلَيْهِ مَسَائِلَ أَجَبْنَاهُ عَنْهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. [بَابُ الْعَاضِلِ فِي النِّكَاحِ] (ع ض ل) : بَابُ الْعَاضِلِ فِي النِّكَاحِ الْعَاضِلُ الرَّادُّ لِلْأَكْفَاءِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَقِيلَ الرَّادُّ أَوَّلُ كُفْءٍ وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا اُنْظُرْهُ. [بَابٌ فِي شُرُوطِ الْوَلِيِّ] عَقْلُهُ وَبُلُوغُهُ وَحُرِّيَّتُهُ وَذُكُورِيَّتُهُ. [بَابُ الْكَفَاءَةِ] (ك فء) : بَابُ الْكَفَاءَةِ قَالَ هِيَ الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُقَارَبَةُ. [بَابٌ فِي نِكَاحِ السِّرِّ] (ن ك ح) : بَابٌ فِي نِكَاحِ السِّرِّ قِيلَ حَدُّهُ نِكَاحٌ عُقِدَ بِغَيْرِ عَدْلَيْنِ وَقِيلَ مَا أَسَرَّ الشُّهُودُ حِينَ عَقْدِهِ بِكَتْمِهِ وَهُمَا ظَاهِرَانِ وَمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مَانِعِ النَّسَبِ فِي النَّسَبِ] قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَرْعُهُ وَأَصْلُهُ وَأَقْرَبُ فَرْعِهِ وَأَبْعَدُ أَقْرَبِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 هَذَا الرَّسْمُ أَوْ الضَّابِطُ يَظْهَرُ بَسْطُهُ بَعْدَ بَسْطِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَبْلَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالْقَرَابَةُ هِيَ التِّسْعُ فِي قَوْلِهِ حُرِّمَتْ وَهِيَ أُصُولُهُ الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى مَفْهُومٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ الشَّخْصُ أَوْ الْمَوْلُودُ وَيَعْنِي بِالْأَصْلِ الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَصْلٌ لِلْمَوْلُودِ وَفُصُولُهُ يَعْنِي الْأَوْلَادَ وَإِنْ وَقَعَ انْسِفَالٌ وَفُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ يَعْنِي الْأُخُوَّةَ مِنْ أَيْ جِهَةٍ وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ يَعْنِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَأَمَّا أَوْلَادُهُنَّ فَيَجُوزُ تَزْوِيجُهُنَّ لِقَوْلِهِ أَوَّلُ فَصْلٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ جَمْعٌ لِمَا فِي الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ {أُمَّهَاتِكُمْ} [الأحزاب: 4] الْآيَةَ " فَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ وَكَذَلِكَ الْجَدَّاتُ مِنْ أَيْ جِهَةٍ وَالْبَنَاتُ فِي قَوْلِهِ وَفُصُولُهُ كَذَلِكَ وَالْأَخَوَاتُ فِي قَوْلِهِ وَفُصُولُ أَوَّلِ الْأُصُولِ وَقَوْلُهُ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ فِي قَوْلِهِ وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ فَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ بَدِيعٌ مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمَّا جَرَتْ عَادَةُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِمَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى قُوَّةِ الِاخْتِصَارِ وَتَحَفُّظًا مِنْ الِانْتِشَارِ مَعَ الْجَمْعِ الْبَدِيعِ وَالرَّسْمِ الْمَنِيعِ عَدَلَ إلَى قَوْلِهِ فَرْعُهُ إلَخْ الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْفَرْعُ هُوَ الْفَصْلُ وَحَسُنَ ذَلِكَ مِنْ الشَّيْخِ لِأَنَّ الْأَصْلَ يُقَابِلُهُ الْفَرْعُ وَلَمْ يَجْمَعْ كَمَا جَمَعَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ وَالْمُرَادُ بِالْفَرْعِ مَا يَتَفَرَّعُ عَنْ الشَّخْصِ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ مُطْلَقًا وَأَصْلُهُ الْأَبُ وَالْأُمُّ فَمَا عَلَا (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا قَدَّمَ الْأَصْلَ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ فِي الْوُجُودِ عَلَى الْفَرْعِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ. (قُلْتُ) لِيَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَيْهِ بِالْقُرْبِ فِي قَوْلِهِ وَأَقْرَبُ فَرْعِهِ أَيْ فَرْعِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْأَخَوَاتُ مِنْ أَيْ جِهَةٍ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُنَّ أَقْرَبُ فَرْعِ الْأَصْلِ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ لِأَنَّهُنَّ يَصْدُقُ فِيهِنَّ أَنَّهُنَّ أَقْرَبُ فَرْعِ الْأَصْلِ قَوْلُهُ " وَأَبْعَدُ " أَيْ أَبْعَدُ أَقْرَبِ فَرْعِ الْأَصْلِ وَزَادَ ذَلِكَ لِيَدْخُلَ فِي ذَلِكَ بَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَإِنْ سَفَلْنَ وَالضَّمِيرُ فِي أَقْرَبِهِ الْمُضَافُ إلَيْهِ يَعُودُ عَلَى فَرْعِهِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي ضَمِيرُهُ يَعُودُ عَلَى الْأَصْلِ فَصَحَّ تَفْسِيرُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَظَهَرَ سِرُّ اخْتِصَارِهِ لِأَلْفَاظِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِأَنَّ كَلَامَهُ أَوْجَزُ وَأَخْصَرُ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَبْسَطُ وَأَظْهَرُ وَحَذَفَ مِنْهُ مِنْ أَحْرُفِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِهِ فَلِلَّهِ دَرُّهُ مِنْ إمَامٍ أَحْيَا اللَّهُ بِهِ قَوَاعِدَ رُسُومِ الْإِسْلَامِ وَالْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ الَّتِي حَقَّقَهَا سَيِّدُ الْأَنَامِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 [بَابُ مَانِعِ الصِّهْرِ] قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - زَوْجَةُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَمَنْ لَهَا عَلَى زَوْجِهِ وِلَادَةٌ وَفَرْعُ زَوْجَةٍ مَسَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ هَكَذَا فِي نُسْخَةٍ وَرَأَيْت نُسْخَةً عَنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ فِيهَا عِوَضَ قَوْلِهِ وَمَنْ لَهَا عَلَى زَوْجِهِ وِلَادَةٌ لَفْظَ قَوْلِهِ وَأَصْلُ زَوْجِهِ وَيَظْهَرُ مَعْنَاهُ بَعْدُ وَلَمَّا كَانَتْ مَوَانِعُ الْمُصَاهَرَةِ أَرْبَعًا فِي الْآيَةِ جَمَعَ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِ كَلِمَاتٍ الْأُولَى رَسْمٌ لِقَوْلِهِ وَلَا تَنْكِحُوا الْآيَةَ فَقَالَ زَوْجَةُ أَصْلِهِ أَيْ زَوْجَةُ الْأَبِ وَعَبَّرَ بِالْأَصْلِ لِيَدْخُلَ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ فِي الْأُبُوَّةِ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَوْ الْأَبِ وَالثَّانِي قَوْلُهُ وَفَرْعِهِ عَطَفَهُ عَلَى الْأَصْلِ أَيْ وَفَرْعِ أَصْلِهِ وَذَلِكَ رَاجِعٌ لِحَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ مِثْلِ الصِّنْفِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلِذَا عَبَّرَ بِالْفَرْعِ وَالثَّالِثُ قَوْلُهُ " وَمَنْ لَهَا عَلَى زَوْجِهِ وِلَادَةٌ " رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَذَلِكَ عَامٌّ فِي جِهَةِ أُمِّهَا أَوْ أَبِيهَا هَذَا عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ وَأَمَّا عَلَى نُسْخَةٍ وَأَصْلُ زَوْجِهِ فَمَعْنَاهُ ذَلِكَ وَهُوَ أَخْصَرُ وَلِذَا رَجَعَ إلَيْهِ وَالرَّابِعُ قَوْلُهُ " وَفَرْعُ زَوْجَةٍ مَسَّهَا " وَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء: 23] الْآيَةَ وَعَبَّرَ بِالْفَرْعِ لِيَشْمَلَ وَيَعُمَّ الِابْنَ وَالْبِنْتَ وَإِنْ سَفَلَ وَإِذَا وَازَنْت بَيْنَ كَلَامِهِ وَكَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلِمْت حُسْنَ اخْتِصَارِهِ لِلَفْظِهِ وَعُدُولَهُ عَنْ أُسْلُوبِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) يُطْلِقُ عَلَى الْمَرْأَةِ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ وَالزَّوْجُ أَخْصَرُ فَمَا بَالُهُ عَبَّرَ تَارَةً بِالزَّوْجَةِ فِي رُسُومِهِ وَتَارَةً بِالزَّوْجِ (قُلْتُ) لَمْ يَظْهَرْ لِي قُوَّةُ سِرٍّ وَلَوْ أَتَى بِزَوْجٍ فِي الْجَمِيعِ لَصَحَّ (فَإِنْ قُلْتَ) ابْنُ الْحَاجِبِ زَادَ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ (قُلْتُ) زِيَادَةُ بَيَانٍ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ الشَّرْعِ أَنَّ الرَّضَاعَ كَالنَّسَبِ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ زَادَ ذِكْرَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ (قُلْتُ) لَمَّا وَقَعَتْ ظَوَاهِرُ تَدُلُّ عَلَى مُرَاعَاةِ الْمَفْهُومِ فِي الْآيَةِ زَادَ ذَلِكَ بَيَانًا. [بَابٌ فِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ فِي النِّكَاحِ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ] (ن ك ح) : بَابٌ فِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ فِي النِّكَاحِ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْرُمُ الْجَمْعُ فِي النِّكَاحِ وَلَوْ فِي عَقْدَيْنِ بَيْنَ كُلِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 فَرْعٍ وَأَصْلِهِ وَأَقْرَبِ فَرْعِهِ وَلَوْ بِرَضَاعٍ هَذَا بِالْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ وَهِيَ أَيْضًا يُطْلَبُ فِيهَا الْجَمْعُ كَالرُّسُومِ وَلَمْ نَتَعَرَّضْ لِأَكْثَرِ ضَوَابِطِ الشَّيْخِ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى جَمْعٍ يَخُصُّهَا وَلَكِنَّ هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ احْتَجْنَا إلَيْهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَيَظْهَرُ هَذَا أَيْضًا بَعْدَ بَسْطِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ (قَالَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضَابِطُهُ كُلُّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مِنْ الْقَرَابَةِ وَالرَّضَاعِ مَا يَمْنَعُ نِكَاحَهُمَا لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا وَزِيدَ مِنْ الْقَرَابَةِ لِأَجْلِ الْمَرْأَةِ مَعَ أُمِّ زَوْجِهَا وَمَعَ ابْنَتِهِ مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُمِّهَا لِأَنَّ الضَّابِطَ الْمَذْكُورَ دَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ لِأَنَّا إنْ قَدَّرْنَا إحْدَاهُمَا ذَكَرًا وَالْأُخْرَى أُنْثَى لَمُنِعَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا ابْنَتُهُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ مَعَ الْجَدَّةِ وَلَوْ عَلَتْ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ مَعَ ابْنَتِهَا وَلَوْ سَفَلَتْ وَمَعَ أُخْتِهَا لِأَنَّهَا أُخْتٌ لِلذَّكَرِ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ مَعَ ابْنَةِ أَبِيهَا أَوْ جَدَّتِهَا أَوْ جَدِّهَا وَلَوْ بَعْدَ ذَلِكَ وَزَادَ الشَّيْخُ ابْنُ الْحَاجِبِ مَعَ الْقَرَابَةِ لِيَصِحَّ طَرْدُهُ وَيَخْرُجُ عَنْهُ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا وَقَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ضَابِطِ ذَلِكَ فِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ فِي النِّكَاحِ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ كُلِّ فَرْعٍ وَأَصْلِهِ أَوْ أَقْرَبِ فَرْعِهِ وَلَوْ بِرَضَاعٍ فَقَوْلُهُ " بَيْنَ كُلِّ فَرْعٍ وَأَصْلِهِ " كَالْبِنْتِ مَعَ أُمِّهَا لِأَنَّ الْبِنْتَ فَرْعٌ وَأُمَّهَا أَصْلٌ وَكَذَلِكَ لَوْ عَلَا ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ مَعَ ابْنَتِهَا وَلَوْ سَفَلَتْ فَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ بَيْنَ كُلِّ فَرْعٍ وَأَصْلِهِ وَقَوْلُهُ " أَوْ أَقْرَبِ فَرْعِهِ " الضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ يَعُودُ إلَى الْأَصْلِ مَعْنَاهُ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ كُلِّ فَرْعٍ وَأَقْرَبِ وَذَلِكَ صَادِقٌ فِي الْمَرْأَةِ مَعَ الْأُخْتِ مُطْلَقًا مِنْ أَيْ جِهَةٍ كَانَتْ وَكَذَلِكَ ابْنَةُ أَبِيهَا وَجَدِّهَا أَوْ جَدَّتِهَا وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ تَمَامِ جَدِّهِ كَالْمَرْأَةِ وَأُمِّهَا وَجَدَّتِهَا وَلَوْ عَلَتْ وَابْنَتُهَا وَلَوْ سَفَلَتْ وَأُخْتُهَا وَلَوْ مِنْ أُمٍّ وَابْنَةُ أَبِيهَا أَوْ جَدَّتُهَا وَلَوْ بَعُدَ فَقَوْلُهُ كَالْمَرْأَةِ إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ سَفَلَتْ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ فَرْعُ أَصْلِهِ وَالْبَاقِي بَيَانٌ لِلْبَاقِي مِنْ رَسْمِهِ. (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ زَادَ هُنَا وَلَوْ بِرَضَاعٍ وَلَمْ يَزِدْ ذَلِكَ فِي رَسْمِ الْمُصَاهَرَةِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ (قُلْتُ) هَذَا السُّؤَالُ كَانَ يَرِدُ قَدِيمًا وَلَمْ يَظْهَرْ قُوَّةُ جَوَابٍ عَنْهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَكَلَامُهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالْإِيجَازِ فِي النَّظْمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاخْتِصَارٌ بَاهِرٌ وَاَللَّهُ يَحْفَظُ مِنَّا السَّرَائِرَ وَالظَّوَاهِرَ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 [بَابُ النِّكَاحِ الْمُحَلِّلِ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لِمُطَلِّقِهَا] ن ك ح) : بَابُ النِّكَاحِ الْمُحَلِّلِ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لِمُطَلِّقِهَا قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " هُوَ وَطْؤُهُ إيَّاهَا بِعَقْدٍ صَحِيحٍ لَازِمٍ وَطْئًا مُبَاحًا يُوجِبُ الْغُسْلَ دُونَ إنْزَالٍ " وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ وَهَذَا الرَّسْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِذَا عُدِمَ قَيْدٌ مِنْ الْقُيُودِ الَّذِي ذَكَرَ جَاءَ الْخِلَافُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ التَّعْرِيضِ فِي النِّكَاحِ] (ع ر ض) : بَابُ التَّعْرِيضِ فِي النِّكَاحِ ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ شَاسٍ فِيهَا وَالتَّعْرِيضُ خِلَافُ التَّصْرِيحِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَتَضَمَّنَ كَلَامُهُ مَا يَصِحُّ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَقْصُودِ وَعَلَى غَيْرِ مَقْصُودِهِ إلَّا أَنَّ إشْعَارَهُ بِجَانِبِ الْمَقْصُودِ أَتَمُّ وَأَرْجَحُ وَأَصْلُهُ مِنْ عُرْضِ الشَّيْءِ وَهُوَ جَانِبُهُ كَأَنَّهُ يَحُومُ بِهِ حَوْلَهُ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَدْ يُسَمَّى تَلْوِيحًا لِأَنَّهُ يَلُوحُ مِنْهُ مَا يُرِيدُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِنَايَةِ أَنَّ الْكِنَايَةَ يَذْكُرُ الشَّيْءَ بِذِكْرِ لَازِمِهِ كَقَوْلِنَا فُلَانٌ طَوِيلُ النِّجَادِ وَالتَّعْرِيضُ يَذْكُرُ كَلَامًا يَحْتَمِلُ مَقْصُودَهُ وَغَيْرَ مَقْصُودِهِ وَالْقَرَائِنُ تُفِيدُ الْمَقْصُودَ وَتَأَمَّلْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ مَعَ كَلَامِ أَهْلِ الْبَيَانِ وَكَذَلِكَ التَّعْرِيضُ فِي الزِّنَا وَتَأَمَّلْ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ قَالُوا إلَخْ فَكَأَنَّهُ اعْتَرَضَ ذَلِكَ كَعَادَتِهِ. [بَابُ الْمُوَاعَدَةِ] ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَارْتَضَاهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ اُنْظُرْهُ. [بَابُ نِكَاحِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا] (ن ك ح) : بَابُ نِكَاحِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنِكَاحُهَا إلَخْ وَذَلِكَ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ اُنْظُرْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ مَا عَقَدَهُ الثَّانِي بِنِيَّةِ تَحْلِيلِهَا مَعْنَاهُ نِكَاحٌ عَقَدَهُ الزَّوْجُ الثَّانِي قَاصِدًا تَحْلِيلَ الْمُطَلَّقَةِ الْمُثَلَّثَةِ وَأَخْرَجَ بِقَصْدِ التَّحْلِيلِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ قَصْدَ الْمَرْأَةِ وَكَذَلِكَ نِيَّةُ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ خَرَجَتْ أَيْضًا وَالنَّصُّ كَذَلِكَ فِي سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ بَنَى الشَّيْخُ رَسْمَهُ وَإِلَّا فَقَدْ قِيلَ فِي الْمَذْهَبِ إنْ هَمَّ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ بِالتَّحْلِيلِ يُوجِبُ الْفَسَادَ (فَإِنْ قُلْتُ) الرَّسْمُ الْأَوَّلُ الْمَذْكُورُ قَبْلَ هَذَا يَصْدُقُ عَلَى صُورَةٍ لَا يَصِحُّ الْإِحْلَالُ فِيهَا وَهِيَ إذَا أَبَتَّ مُسْلِمٌ زَوْجَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ بِالثَّلَاثِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ أَبَانَهَا فَإِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِحْلَالٍ وَرَسْمُ الشَّيْخِ يَصْدُقُ فِيهَا أَنَّهُ إحْلَالٌ. (قُلْتُ) الْجَوَابُ عَنْهَا أَنَّ نِكَاحَ النَّصْرَانِيِّ لَهَا لَيْسَ بِنِكَاحٍ فَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ فِيهَا وَقَدْ أَشَارَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَى هَذَا الْجَوَابِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّ ذَلِكَ يَحِلُّهَا وَقَالَهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ أَصْوَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا عُمُومَ لِلْفِعْلِ وَالنَّكِرَةُ فِي غَيْرِ نَفْيٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهَذَا يَجْمَعُ الدَّيْنَ كُلَّهُ قَالَ الشَّيْخُ فَاسْتُشْكِلَ وَيُجَابُ بِأَنَّهَا فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ وَذَكَرْنَا هَذَا لِأَنَّ فِيهِ مَا يُتَأَمَّلُ وَذَلِكَ أَنَّ النَّفْيَ ارْتَفَعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمُتَكَلِّمُ فِيهَا لِأَنَّ الْغَايَةَ كَالْإِنْشَاءِ بِخِلَافِ آيَةِ الدَّيْنِ فَهِيَ لَيْسَ فِيهَا مَا يَرْفَعُهُ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَظِيرًا لِلْأُخْرَى. [بَابُ الرِّقِّ الْمَانِعِ مِنْ النِّكَاحِ وَقْتًا مَا] (ر ق ق) : بَابُ الرِّقِّ الْمَانِعِ مِنْ النِّكَاحِ وَقْتًا مَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " رِقُّهَا مُدَّةَ كُفْرِهَا حَسْبَمَا سَيَأْتِي " قَوْلُهُ " رِقُّهَا " أَيْ رِقُّ الْمَرْأَةِ مُدَّةَ الْكُفْرِ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَمَةَ الْكَافِرَةَ الْكِتَابِيَّةَ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا مُدَّةَ كُفْرِهَا وَكَذَلِكَ الْمَجُوسِيَّةُ فَإِنْ أَسْلَمَتْ جَازَ نِكَاحُهَا لِلْعَبْدِ وَأَمَّا الْحُرُّ فَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى قَوْلٍ أَوْ بِشَرْطِ عَدَمِهِ أَوْ مِنْ الْعَنَتِ وَالطُّولِ عَلَى آخَرَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ " حَسْبَمَا سَيَأْتِي " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 يَعْنِي عِنْدَ قَوْلِهِ الْكَافِرَةُ إنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَمَةً إلَخْ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكِتَابِيَّةَ الْأَمَةَ تُوطَأُ بِالْمِلْكِ وَلَا يَصِحُّ وَطْؤُهَا بِالنِّكَاحِ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا وَلَا يُزَوِّجُهَا رَبُّهَا مِنْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ وَالْمَجُوسِيَّةُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا بِنِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْخُنْثَى] (خ ن ث) : بَابُ الْخُنْثَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مَنْ لَهُ فَرْجُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى " هَذَا الرَّسْمُ يَعُمُّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ وَغَيْرُ الْمُشْكِلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَإِنْ وُجِدَ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى الذُّكُورِيَّةِ أَوْ الْأُنُوثِيَّةِ عُمِلَ عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ مُشْكِلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْجَبِّ] (ج ب ب) : بَابُ الْجَبِّ قَالَ قَالَ عِيَاضٌ الْمَجْبُوبُ الْمَقْطُوعُ كُلُّ مَا هُنَالِكَ وَارْتَضَى الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الرَّسْمَ ثُمَّ قَالَ وَلَا يُرَدُّ بِقَوْلِهَا إنْ كَانَ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ قَائِمَ الْخَصَا لِأَنَّ الْمُفَسَّرَ الْمُطْلَقَ غَيْرُ مُضَافٍ وَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ مَا قَدَّمَ فِي حَدِّ الْمُطْلَقِ وَبَحَثَ مَعَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْخَصِيِّ] (خ ص ي) : بَابُ الْخَصِيِّ قَالَ عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - زَوَالُ الْأُنْثَيَيْنِ قَطْعًا أَوْ سَلًّا قَالَ وَيُطْلِقُهُ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَقْطُوعِ أَحَدِهِمَا وَتَأَمَّلْ هَذَا فَفِيهِ مُنَاقَشَةٌ. [بَابُ الْعِنِّينِ] (ع ن ن) : بَابُ الْعِنِّينِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَاصِلُ نَقْلِ عِيَاضٍ وَالْبَاجِيُّ أَنَّ الْعِنِّينَ ذُو ذَكَرٍ لَا يُمْكِنُ بِهِ جِمَاعٌ لِشِدَّةِ صِغَرِهِ أَوْ لِدَوَامِ اسْتِرْخَائِهِ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ الْعِنِّينُ مَا لَا يَنْتَشِرُ ذَكَرُهُ وَلَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ وَهَذَا ظَاهِرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 [بَابُ الْحَصُورُ] ح ص ر) : بَابُ الْحَصُورُ نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ الْبَاجِيِّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ مَنْ خُلِقَ دُونَ ذَكَرٍ أَوْ بِذَكَرٍ صَغِيرٍ كَالزِّرِّ لَا يُمْكِنُ بِهِ وَطْءٌ قَالَ الْبَاجِيُّ وَانْفَرَدَ بِذِكْرِ الْحَصُورِ وَجَعَلَهُ الْقَاضِي مِنْ مُسَمَّى الْعِنِّينِ قَالَ الشَّيْخُ يَرُدُّ قَوْلَ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ بِمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ فِي النَّوَادِرِ رَوَى أَبُو زَيْدٍ فِي الْحَصُورِ لَهُ مِثْلُ التَّالِي لَا أَنَّهُ كَالْخَصِيِّ لَا يُؤَجَّلُ وَتُطْلَقُ عَلَيْهِ مَكَانَهُ يَعْنِي إنْ طَلَبَتْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ الِاعْتِرَاضِ] (ع ر ض) بَابُ الِاعْتِرَاضِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّلْقِينُ " الْمُعْتَرَضُ مَنْ هُوَ بِصِفَةِ مَنْ يَطَأُ وَرُبَّمَا كَانَ بَعْدَ وَطْءٍ أَوْ عَنْ امْرَأَةٍ دُونَ أُخْرَى ". وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ يُسَمُّونَهُ عِنِّينًا هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ وَهُوَ جَلِيٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ عَيْبِ الْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ] يُؤْخَذُ مِنْهُ جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ وَدَاءُ فَرْجٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ. [الْغُرُورِ فِي النِّكَاحِ] (غ ر ر) بَابُ الْغُرُورِ فِي النِّكَاحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إخْفَاءُ نَقْصٍ مُعْتَبَرٍ بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِذِكْرِ ثُبُوتِ نَقِيضِهِ أَوْ تَقَرَّرَ عُرْفٌ بِثُبُوتِهِ قَوْلُهُ " إخْفَاءُ نَقْصٍ " أَخْرَجَ بِهِ مَا لَيْسَ بِنَقْصٍ قَوْلُهُ " مُعْتَبَرٍ " أَخْرَجَ بِهِ مَا لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي النِّكَاحِ إذَا أَخْفَى قَوْلُهُ " بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ " أَخْرَجَ بِهِ الْإِخْفَاءَ فِي السِّلْعَةِ قَوْلُهُ " بِذِكْرِ ثُبُوتِ نَقِيضِهِ " كَمَا إذَا صَرَّحَ بِأَمْرٍ مُعْتَبَرٍ بِأَنَّهُ فِيهَا أَوْ لَهَا ثُمَّ ثَبَتَ خِلَافُهُ وَقَوْلُهُ " أَوْ تَقَرَّرَ عُرْفٌ " لِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْغُرُورُ وَالْغِشُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وَالتَّدْلِيسُ كُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ وَقَدْ ذَكَرَ فِي رَسْمِهَا فِي الْبُيُوعِ إيرَادَ الْبَائِعِ إلَخْ وَهُنَا صَيَّرَ الْجِنْسَ إخْفَاءَ نَقْصٍ وَهَلَّا قَالَ فِي رَسْمِهَا إيرَادٌ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ عَبَّرَ بِأَحَدِ الْجَائِزَيْنِ (فَإِنْ قُلْتَ) النَّقْصُ أَجْمَلُ فِيهِ (قُلْتُ) قَدْ ذَكَرَ بَعْدُ مَا يُبَيِّنُهُ وَأَطْلَقَ الْإِخْفَاءَ لِأَنَّهُ يَعُمُّ إخْفَاءَ الزَّوْجِ وَإِخْفَاءَ الزَّوْجَةِ وَإِخْفَاءَ الْوَلِيِّ وَالنَّقْصُ إمَّا بِإِخْفَاءِ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعِ أَوْ بِإِخْفَاءِ أَنَّهَا فِي عِدَّةٍ أَوْ إخْفَاءِ كَوْنِهَا أَمَةً وَقَوْلُهُ " نَقْصٍ مُعْتَبَرٍ " أَخْرَجَ بِهِ مَا لَيْسَ بِنَقْصٍ مُعْتَبَرٍ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا غَرَّ مُسْلِمٌ كِتَابِيَّةً فَإِنَّهُ وَقَعَ الْخِيَارُ لَهَا كَمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى وَقِيلَ لَا خِيَارَ لَهَا (قُلْتُ) لِأَنَّ شَرْطَهَا فِيهِ غَرَضٌ لَهَا لَا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ عَيْبٌ وَفِيهِ نَظَرٌ تَأَمَّلْهُ. [بَابُ شُرُوطِ الصَّدَاقِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ إلَخْ أَخْرَجَ بِهِ مَا لَمْ تَنْتَفِعْ بِهِ الزَّوْجَةُ أَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَوَّلٍ كَمَنْ تَزَوَّجَ بِقُرْآنٍ يَقْرَؤُهُ فَإِنْ وَقَعَ فَالنِّكَاحُ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَا وَكَذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَ بِقِصَاصٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَأَجَازَهُ سَحْنُونٌ وَتَأَمَّلْ مَا وَجَّهَ بِهِ الشَّيْخُ كَلَامَ سَحْنُونَ فَإِنَّهُ جَارٍ عَلَى أَصْلِ أَشْهَبَ فِي قَوْلِهِ يُجْبَرُ الْقَاتِلُ عَلَى الدِّيَةِ فَتَأَمَّلْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ لَا غَرَرَ فِيهِ زِيَادَةٌ فِي قَيْدِهِ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَاعَى مَا يَعُمُّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ وَلِذَا قَالَ بَعْدُ وَيُطْلَبُ كَوْنُهُ لَا غَرَرَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا يَخْلُو مِنْ بَحْثٍ فِيهِ. [بَابُ الشَّرْطِ الَّذِي يَبْطُلُ فِي النِّكَاحِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشَّرْطُ غَيْرُ الْمُنَافِي فِيهِ وَمَا يَقْتَضِيهِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِيَمِينٍ مَعَ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ فَأَخْرَجَ بِالْمُنَافِي لِلْعَقْدِ إسْقَاطَ النَّفَقَةِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ النِّكَاحَ وَأَخْرَجَ بِمَا يَقْتَضِيهِ اشْتِرَاطَ النَّفَقَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ مُؤَكِّدٌ لِلْعَقْدِ وَمِثَالُ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا مُنَافَاةَ فِيهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَهَذَا سَاقِطٌ وَأَخْرَجَ بِالْيَمِينِ إذَا كَانَ الشَّرْطُ مُعَلَّقًا بِطَلَاقٍ وَشِبْهِهِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ وَأَخْرَجَ بِتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ نِكَاحَ التَّفْوِيضِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ بَعْدُ اُنْظُرْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 [بَابٌ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ] ن ك ح) : بَابٌ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَا عُقِدَ دُونَ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ وَلَا إسْقَاطِهِ وَلَا صَرْفِهِ لِحُكْمِ أَحَدٍ " قَوْلُهُ " مَا عُقِدَ دُونَ تَسْمِيَةٍ " أَصْلُهُ نِكَاحٌ عُقِدَ فَأَطْلَقَ مَا عَلَى النِّكَاحِ لِأَنَّ نِكَاحَ التَّسْمِيَةِ قِسْمٌ مِنْهُ وَهُوَ جِنْسٌ لَهُ وَقَوْلُهُ " دُونَ تَسْمِيَةٍ " احْتَرَزَ بِهِ مِنْ النِّكَاحِ الْمُسَمَّى قَوْلُهُ " وَلَا إسْقَاطِهِ " احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا إذَا تَزَوَّجَ عَلَى أَلَّا صَدَاقَ لَهَا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسَمًّى قَوْلُهُ " وَلَا صَرْفٍ لِحُكْمِ أَحَدٍ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِ فُلَانٍ فِيمَا يُعِينُهُ مِنْ مَهْرِهَا لِأَنَّهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْمُسَمَّى بِنِكَاحِ التَّحْكِيمِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا عُقِدَ دُونَ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا جَرَتْ عَادَةٌ بِمَهْرٍ فِي عُرْفٍ وَوَقَعَ الْعَقْدُ وَلَمْ تَقَعْ تَسْمِيَةٌ فَإِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تَرِدُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ التَّفْوِيضِ (قُلْتُ) نُقِلَ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُهُ حُكْمُ التَّفْوِيضِ وَنُقِلَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ التَّسْمِيَةِ فَأَمَّا إنْ صَحَّحْنَا مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ فَنَلْتَزِمُ دُخُولَ ذَلِكَ فِي الْحَدِّ وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ الْمَازِرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَنَا أَنْ نَقُولَ التَّسْمِيَةُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا قَوْلِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً أَوْ عُرْفِيَّةً وَفِيهِ نَظَرٌ. (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صُورَةً مُرَكَّبَةً فِي نِكَاحٍ وَاحِدٍ يَكُونُ قَدْ سُمِّيَ النَّقْدُ فِيهِ وَفُوِّضَ الْمُؤَجَّلُ فَكَيْفَ تَدْخُلُ هَذِهِ الصُّورَةُ فِي حَدِّهِ مَعَ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الصَّدَاقَ إمَّا مُسَمًّى أَوْ مُفَوَّضٌ وَهَذَا مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا (قُلْتُ) لَنَا أَنْ نَقُولَ بِمَنْعِ حَصْرِ الْقِسْمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْحَدُّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا يَسْتَلْزِمُهَا وَيَصْدُقُ فِيهَا فَنَقُولُ النِّكَاحُ بِاعْتِبَارِ الصَّدَاقِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ تَسْمِيَةٌ وَتَفْوِيضٌ وَمُرَكَّبٌ مِنْهُمَا (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ صَحَّ النِّكَاحُ فِي التَّفْوِيضِ مَعَ أَنَّ الصَّدَاقَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَهَذَا نِكَاحٌ لَا صَدَاقَ فِيهِ (قُلْتُ) تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ أَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَإِسْقَاطُهُ يُفْسِدُ النِّكَاحَ وَإِمْكَانُ لُزُومِ الصَّدَاقِ شَرْطٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الصَّحِيحِ (فَإِنْ قِيلَ) نِكَاحُ التَّسْمِيَةِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الصَّدَاقِ فِيهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (قِيلَ) قَدْ أَجَابَ الشَّيْخُ عَنْهُ بِأَنَّ اللُّزُومَ لِعَارِضٍ وَهُوَ لَا يُنَافِي الْإِمْكَانَ الْأَصْلِيَّ وَقَدْ رَدَّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ إنَّهُ رُكْنٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ السُّؤَالِ فِي التَّفْوِيض وَالشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 أَرَادَ أَنْ يُجِيبَ عَنْ الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ الشَّيْخُ وَحَاصِلُ جَوَابِهِ أَنَّ الصَّدَاقَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ مُطْلَقِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَأَنَّهُ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ غَيْرُ رُكْنٍ قَالَ الشَّيْخُ وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا الْكَلَامَ عَلِمَ تَنَافِيهِ لِأَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ رُكْنًا لِمُطْلَقِ الْمَاهِيَّةِ غَيْرَ رُكْنٍ لِأَخَصِّهَا مُتَنَافٍ. (فَإِنْ قُلْتَ) إنَّمَا يَصِحُّ التَّنَافِي فِي مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْأُمُورِ الْعَقْلِيَّةِ وَأَمَّا الْجَعْلِيَّةُ فَلَا مَانِعَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (قُلْتُ) يُمْكِنُ الْبَحْثُ مَعَهُ بِذَلِكَ وَيُقَوِّيهِ بَحْثُهُ مَعَ الشَّيْخِ ابْنِ هَارُونَ فِي بَابِ دِمَاءِ الْحَجِّ فِي الْهَدْيِ وَالنُّسُكِ اُنْظُرْهُ مَعَ هَذِهِ وَمَا يَأْتِي بِهِ فِي رَعْيِ الْخِلَافِ وَتَأَمَّلَ السُّؤَالَ الَّذِي رَتَّبَهُ عَلَى بَحْثِهِ مَعَ ابْنِ الْحَاجِبِ قَبْلَ بَحْثِهِ مَعَ شَيْخِهِ فَكَانَ يَمُرُّ فِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَقَوْلُهُ " مَا عُقِدَ دُونَ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ إلَخْ " هُوَ أَجْمَعُ وَأَمْنَعُ وَأَخْصَرُ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي قَوْلِهِ هُوَ أَنْ يَقُولُوا أَنْكَحْنَاك وَلَا يُسَمُّوا صَدَاقًا وَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيرٌ بِاعْتِبَارِ مَقُولَةِ الْمَحْدُودِ لِأَنَّ قَوْلَهُ هُوَ أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ هُوَ نِكَاحَ التَّفْوِيضِ وَإِنَّمَا هُوَ صِيغَتُهُ فَتَأَمَّلْهُ وَقَدْ حَرَّرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ عِبَارَتَهُ بِقَوْلِهِ عَقْدٌ بِلَا ذِكْرِ مَهْرٍ بِلَا وَهَبْتُ وَهُوَ أَخْصَرُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّيْخِ وَزَادَ قَوْلَهُ بِلَا وَهَبْتُ وَأَتَى الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ وَلَا إسْقَاطُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ خَلِيلٌ مَا يُسْقِطُ التَّحْكِيمَ لِأَنَّ الرَّسْمَ عِنْدَهُ لِمَا يَعُمُّهَا لِقَوْلِهِ نِكَاحُ التَّفْوِيضِ وَالتَّحْكِيمُ عَقْدٌ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ وَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا أَنْ نَقُولَ الصَّدَاقُ فِي النِّكَاحِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُسَمًّى أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ قَدْ ذُكِرَ فِيهِ الصَّدَاقُ فَهُوَ مُسَمًّى وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الصَّدَاقُ وَلَا أُسْقِطَ وَلَا صُرِفَ لِحُكْمِ أَحَدٍ فَهُوَ تَفْوِيضٌ وَإِنْ أُسْقِطَ فَهُوَ نِكَاحٌ عَلَى الْإِصْدَاقِ وَإِنْ صُرِفَ لِحُكْمِ أَحَدٍ فَهُوَ تَحْكِيمٌ وَعَدَلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الصَّدَاقِ إلَى الْمَهْرِ لِلِاخْتِصَارِ كَعَادَتِهِ. (فَإِنْ قُلْتَ) مَا مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ دُونَ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ هَلْ مَعْنَاهُ لَمْ يُسَمَّ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ بِمَعْنَى الْكُلِّيَّةِ أَوْ لَمْ يُسَمَّ لِمَجْمُوعِ الْمَهْرِ بِمَعْنَى الْكُلِّ فَإِنْ أَرَادَ لَمْ يُسَمَّ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ وَرَدَّ عَلَى ذَلِكَ عَدَمُ انْعِكَاسِهِ بِصُورَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِيمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ وَالصَّقَلِّيُّ عَنْهُ وَصُورَتُهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا نَكَحَهَا عَلَى أَنَّ نَقْدَهَا عِشْرُونَ دِينَارًا وَعَلَى أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ فِي بَقِيَّةِ مَهْرِهَا ثُمَّ لَمْ يَرْضُوا بِمَا فَرَضَ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ الْمِثْلِ ثُمَّ فَارَقَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَبَيَانُ خُرُوجِهَا عَنْ رَسْمِهِ أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ قَدْ فَرَضَ لَهَا وَسَمَّى بَعْضَ مَهْرِهَا مَعَ أَنَّهَا تَفْوِيضٌ وَإِنْ أَرَادَ لَمْ يُسَمِّ مَجْمُوعَ مَهْرِ الصَّدَاقِ لِتَدْخُلَ هَذِهِ الصُّورَةُ مُحَافَظَةً عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 الْعَكْسِ فَيَرِدُ عَدَمُ طَرْدِهِ بِصُورَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ الْحَاجِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ مَنْ دَفَعَ نَقْدًا أَوْ هَدِيَّةً وَسَكَتَ عَنْ عَدَدِ الْكَالِئِ وَأَجَلِهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ وَالصَّدَاقُ الْمُعَجَّلُ وَالْهَدِيَّةُ وَيَسْقُطُ الْكَالِئُ لِلسُّكُوتِ عَنْهُ فَهَذِهِ الصُّورَةُ مَجْمُوعُهَا لَيْسَ مِنْ التَّفْوِيضِ وَيَصْدُقُ عَلَيْهَا رَسْمُهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي حَمَلْنَا عَلَيْهِ لَفْظَهُ (قُلْتُ) لَنَا أَنْ نَخْتَارَ أَنَّ الْمَعْنَى دُونَ تَسْمِيَةِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ وَإِنْ وَقَعَ فِيهِ تَسْمِيَةٌ فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَلَا يُسَمَّى تَفْوِيضًا وَالنَّقْضُ بِالصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِابْنِ الْمَوَّازِ لَا يَرِدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّهَا تَفْوِيضًا بَلْ لَفْظُهُ إلَى التَّحْكِيمِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ التَّفْوِيضِ فَصُورَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ إنَّمَا هِيَ مِنْ التَّحْكِيمِ وَإِنْ شَارَكَ التَّحْكِيمَ التَّفْوِيضُ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَفِي لَفْظِ ابْنِ يُونُسَ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَا تَرِدُ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى صُورَةُ ابْنِ الْحَاجِّ عَلَى هَذَا الرَّسْمِ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ لَا يُسَمَّى تَفْوِيضًا وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّفْوِيضُ فِي بَعْضِ الصَّدَاقِ لَا فِي كُلِّهِ وَالْمَحْدُودُ إنَّمَا هُوَ التَّفْوِيضُ فِي الصَّدَاقِ كُلِّهِ وَلَنَا أَيْضًا أَنْ نَقُولَ إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ دُونَ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ أَيْ لَمْ يُسَمِّ كُلَّهُ فَيَكُونُ كُلًّا لَا كُلِّيَّةً فَمَا وُجِدَتْ فِيهِ تَسْمِيَةٌ فَلَا يُسَمَّى نِكَاحَ تَفْوِيضٍ وَذَلِكَ لَا يَصْدُقُ عَلَى الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لِأَنَّ مَجْمُوعَ مَا وَقَعَ فِيهَا لَا يُسَمَّى تَفْوِيضًا. (لَا يُقَالُ) إنَّ الصَّدَاقَ قَدْ انْقَسَمَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إمَّا مُسَمًّى أَوْ تَفْوِيضٌ أَوْ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا كَصُورَةِ ابْنِ الْحَاجِّ وَفِيهَا التَّفْوِيضُ وَلَا يَصْدُقُ فِيهَا الرَّسْمُ (لِأَنَّا نَقُولُ) الْمَحْدُودُ إنَّمَا هُوَ تَفْوِيضُ كُلِّ الصَّدَاقِ لَا تَفْوِيضٌ فِي بَعْضِ الصَّدَاقِ وَلَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ سَيِّدِي الْبُرْزُلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صُورَةَ ابْنِ الْحَاجِّ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَذَكَرَ حُكْمَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ ابْنِ الْمَوَّازِ السَّابِقَةَ وَبَيَانُ الْمُخَالَفَةِ ظَاهِرٌ وَلِذَا لَمْ يُقَرِّرْهُ وَذَلِكَ أَنْ نَقُولَ صُورَةُ ابْنِ الْحَاجِّ فِيهَا صَدَاقٌ مُرَكَّبٌ مِنْ تَسْمِيَةٍ وَمِنْ تَفْوِيضٍ فَأَعْطَى كَلَامًا يَلِيقُ بِهِ شَرْعًا بِاعْتِبَارِ حُكْمِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْجَارِي عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ ابْنُ الْمَوَّازِ كَذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ بَلْ صَيَّرَ الصَّدَاقَ كُلَّهُ حُكْمُهُ حُكْمُ التَّفْوِيضِ هَذَا بَيَانُ الْمُخَالَفَةِ فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَرِيبٍ مِمَّا فَهِمْنَا عَلَيْهِ مَسْأَلَةَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَأَنَّ الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ لَيْسَتْ مُرَكَّبَةً مِنْ تَسْمِيَةٍ وَتَفْوِيضٍ كَصُورَةِ ابْنِ الْحَاجِّ بَلْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَحْكِيمِ الزَّوْجِ قَالَ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ فُوِّضَ إلَيْهِ وَهَذَا أَشْبَهُ بِنِكَاحِ التَّحْكِيمِ فَتَقَوَّى عِنْدِي مَا فَهِمْته أَوَّلًا بِمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ شَيْخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ عَرَضَ لِي إشْكَالٌ وَذَلِكَ أَنْ نَقُولَ لِقَائِلٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 أَنْ يَقُولَ) إذَا قُلْتُمْ وَسَلَّمْتُمْ أَنَّ الصَّدَاقَ الْمُرَكَّبَ مِنْ الْمُسَمَّى وَالتَّفْوِيضِ يَعْمَلُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ حُكْمُهُ فَيُقَالُ كَذَلِكَ يُقَالُ فِي الصَّدَاقِ الْمُرَكَّبِ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَالتَّحْكِيمِ فَالْجَارِي عَلَى ذَلِكَ أَنْ يُعْطَى كُلُّ قِسْمٍ مَا يَلِيقُ بِهِ فِي حُكْمِهِ وَلَا يُغَلَّبُ التَّحْكِيمُ عَلَى التَّسْمِيَةِ كَمَا لَا يُغَلَّبُ التَّفْوِيضُ عَلَى التَّسْمِيَةِ وَقَدْ عُلِمَ قُوَّةُ الشُّبْهَةِ بَيْنَ التَّحْكِيمِ وَالتَّفْوِيضِ. (وَقَدْ يُقَالُ) إنَّمَا غُلِّبَ التَّحْكِيمُ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى الْمَذْكُورَ لَا تَتِمُّ تَسْمِيَتُهُ إلَّا بِمَا يَفْرِضُهُ الْمُحَكَّمُ فَكَأَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِذَا بَطَلَ شَرْطُهُ بَطَلَ حُكْمُهُ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّى السُّؤَالُ لَوْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا كَانَ الْمُؤَجَّلُ فِيهِ التَّحْكِيمُ يُغَلَّبُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا أَظُنُّهُ يَقُولُهُ وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُمْكِنُ ذِكْرُهُ وَالْمُذَاكَرَةُ بِهِ وَلِلنَّاظِرِ النَّظَرُ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابٌ فِي نِكَاحِ التَّحْكِيمِ] (ن ك ح) : بَابٌ فِي نِكَاحِ التَّحْكِيمِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " قَالُوا مَا عُقِدَ عَلَى صُرِفَ قَدْرُ مَهْرِهِ لِحُكْمِ حَاكِمٍ " بَيَانُهُ ظَاهِرٌ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا سِرُّ كَوْنِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ قَالُوا وَجَرَتْ الْعَادَةُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّعْبِيرِ إنَّمَا يُعَبِّرُ بِهِ مَنْ تَبَرَّأَ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى تَحْقِيقِ عُمُومِ مَا ذَكَرَ فِي الْمُحَكَّمِ وَلِذَا عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ قُلْتُ وَلَوْ كَانَ الْمُحَكَّمُ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ فَكَأَنَّ الشَّيْخَ يَقُولُ هَذَا الرَّسْمُ وَقَعَ لَهُمْ مَعَ ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ وَمِنْ ضَابِطِهِمْ مَا ذَكَرْنَا وَلَوْ لَمْ يَقُلْ قَالُوا أَوْهَمَ أَنَّ رَسْمَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ فَلَا يَتِمُّ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى عُمُومِهِ وَقَوْلُهُ " مَا عُقِدَ " مَا عَبَّرَ بِهَا عَنْ نِكَاحٍ عُقِدَ وَعَدَلَ عَنْهُ اخْتِصَارًا وَقَوْلُهُ " قَدْرُ مَهْرِهِ " الْقَدْرُ هُنَا هُوَ صَدَاقٌ عَلَى الْكَمِّ وَلَوْ أَتَى بِمَا يَعُمُّ الصِّفَةَ مِنْ كَيْفِيَّتِهِ أَوْ كَمِّيَّتِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ (فَإِنْ قِيلَ) التَّحْكِيمُ فِيهِ خَاصِّيَّةُ التَّفْوِيضِ مِنْ لُزُومِ صَدَاقِ الْمِثْلِ فِي مَحِلِّهِ سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمُحَكَّمُ زَوْجًا فَإِنَّ ابْنَ الْكَاتِبِ قَالَ إنَّهُ تَفْوِيضٌ " قِيلَ " التَّفْوِيضُ يُخَالِفُهُ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ وَلِذَلِكَ اُتُّفِقَ عَلَى جَوَازِهِ وَاخْتُلِفَ فِي نِكَاحِ التَّحْكِيمِ فِي صِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ وَمَا فُرِّعَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِخَاصِّيَّةٍ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 [بَابُ الشِّغَارِ] ش غ ر) بَابُ الشِّغَارِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ قَوْلُهُ زَوِّجْنِي مُوَلَّاتَك عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك مُوَلَّاتِي وَلَا مَهْرَ بَيْنَنَا شِغَارٌ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُعَرِّفْ الشِّغَارَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مِثَالًا لَهُ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ مَالِكٍ مُفَسِّرًا لِنِكَاحِ الشِّغَارِ فَإِنَّهُ قَالَ وَنِكَاحُ الشِّغَارِ مُحَرَّمٌ ثُمَّ قَالَ فِيهَا إلَخْ فَذَكَرَ مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّفْسِيرِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ نِكَاحُ الشِّغَارِ عَقْدٌ فِيهِ قَوْلُ الرَّجُلِ إلَخْ (فَإِنْ قُلْتَ) فَكَيْفَ يَصْدُقُ ذَلِكَ عَلَى نِكَاحِ الشِّغَارِ وَالنِّكَاحُ الْأَعَمُّ إنَّمَا هُوَ عَقْدٌ عَلَى مُجَرَّدِ مُتْعَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ هُوَ الْعَقْدُ (قُلْتُ) لَنَا أَنْ نَقُولَ لَيْسَ ذَلِكَ بِتَفْسِيرٍ لِنِكَاحِ الشِّغَارِ وَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ لِصِيغَةِ الشِّغَارِ الْمُضَافِ إلَيْهِ النِّكَاحُ وَذَلِكَ يَصِحُّ فِيهِ أَنْ يُفَسَّرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَنِكَاحُ الشِّغَارِ مَعْنَاهُ نِكَاحٌ وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ هَذَا هُوَ الَّذِي يُمْكِنُ تَقْرِيرُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ اُنْظُرْهُ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الشِّغَارَ إنَّمَا هُوَ خُلُوُّ الْبُضْعِ عَنْ الصَّدَاقِ لَا اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ وَإِذَا وَقَعَ قِيلَ يَفُوتُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ فِي الْمَذْهَبِ عَنْ مَالِكٍ وَقِيلَ يُفْسَخُ مُطْلَقًا بِطَلَاقٍ وَيَقَعُ فِيهِ الْمِيرَاثُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَظْهَرُ لَك وَجْهُهَا مِنْ حَدِّ رَعْيِ الْخِلَافِ (فَإِنْ قُلْتَ) وَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يُعَرَّفَ الشِّغَارُ بِقَوْلِنَا نِكَاحٌ يَكُونُ فِيهِ الْبُضْعِ صَدَاقًا وَهَلْ يَدْخُلُ مَا فِيهِ الْجَبْرُ أَمْ لَا (قُلْتُ) يُمْكِنُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ تَفْسِيرُهُ إنْ قُلْنَا إنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ إنَّهُ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي وَأَمَّا إنَّهُ هَلْ هُوَ خَاصٌّ بِمَنْ فِيهِ الْجَبْرُ أَمْ لَا فَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيهِ. [بَابُ الْمُعْتَبَرِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ] نَقَلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ التَّلْقِينِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِمَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ وَجَمَالٍ وَأُبُوَّةٍ وَأَقْرَانِهَا فِي سِنِّهَا وَنُقِلَ عَنْ الْبَاجِيِّ قَبْلَهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ أَرْبَعٌ صِفَةُ الدِّينِ وَالْمَالِ وَالْحَسَبِ وَالْجَمَالِ وَوَقَعَ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُنْظَرُ لِشَبَابِهَا وَمَوْضِعِهَا وَغَنَائِهَا وَتَأَمَّلْ مَا ذُكِرَ هُنَا وَمَا بَيْنَ كَلَامِ الْبَاجِيِّ وَالتَّلْقِينِ مِنْ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 [بَابُ مَتَى يُسَلَّمُ الْمَهْرُ الْحَالُّ لِلزَّوْجَةِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " بِإِطَاقَتِهَا الْوَطْءَ وَبُلُوغِ زَوْجِهَا " أَخْرَجَ بِقَوْلِهِ " إطَاقَتِهَا " إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَرِيضَةً فِي السِّيَاقِ وَوَقَعَ لِمَالِكٍ الْمَرِيضَةُ كَالصَّحِيحَةِ وَقَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِمَا ذَكَرْنَا وَانْظُرْ مَا وَقَعَ لِابْنِ الْحَاجِبِ هُنَا وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ لَكِنَّ تَقْيِيدَ اللَّخْمِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي دَفْعِ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرُ هَلْ هُوَ كَالنَّفَقَةِ أَوْ أَقْوَى اُنْظُرْ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِيهِ وَبُلُوغُ الزَّوْجِ أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْبَالِغِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُطِيقُ الْوَطْءَ فَهُوَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ أَطَاقَ الْوَطْءَ فَفِيهِ قَوْلَانِ قِيلَ كَالْبَالِغِ وَقِيلَ لَا. [بَابُ الْبَرَاءَةِ لِمُشْتَرِي الْجِهَازِ] قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِوُجُوهِ الْأَوَّلِ دَفْعُهُ لِلزَّوْجَةِ بِمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَفْعُهُ فِي بَيْتِ الْبِنَاءِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ عَنْ بُعْدٍ كَانَ الدَّافِعُ أَبًا أَوْ وَصِيًّا إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ الثَّانِي أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ بِبَيْتِ الْبِنَاءِ وَيَقِفَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ دُونَ دَفْعِ ذَلِكَ إلَيْهَا وَتَضَمُّنِ الْبَيِّنَةِ حُضُورَ الزَّوْجِ إلَى آخِرِهِ الثَّالِثُ أَنْ يُوَجَّهَ الْجِهَازُ لِبَيْتِ الْبِنَاءِ بِحَضْرَةِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ أَنْ يُقَوِّمُوهُ وَيُعَيِّنُوهُ وَلَا تُفَارِقُهُ حَتَّى يُوَجِّهُوهُ لِبَيْتِ الْبِنَاءِ وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهُ الشُّهُودُ، اُنْظُرْهُ. [بَابٌ فِيمَا يُوجِبُ كُلَّ الْمَهْرِ لِلزَّوْجَةِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " بِالْتِقَاءِ خِتَانَيْ الزَّوْجَيْنِ وَالزَّوْجُ بَالِغٌ أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا " يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا لِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَذَكَرَ هُنَا مَسَائِلَ مُخْتَلَفًا فِيهَا مِنْهَا طُولُ الْمُدَّةِ مَعَ أَخْلَاقِ شُورَتِهَا اُنْظُرْ مَا فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِيمَا يَثْبُتُ الْوَطْءُ بِهِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخَلْوَةِ النِّسَاءِ إنْ أَقَرَّ بِهِ وَهَذِهِ خَلْوَةُ الِاهْتِدَاءِ وَأَمَّا الزِّيَارَةُ فَذَكَرَ مَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ، اُنْظُرْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 [بَابٌ فِيمَا يَقَعُ الْفَسْخُ فِيهِ بِطَلَاقٍ] ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرِّوَايَتَيْنِ الْمَعْلُومَتَيْنِ وَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيهِمَا وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ النَّظَرِ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَيَسْتَدْعِي ذَلِكَ طُولًا يَخْرُجُ عَنْ الْمَقْصِدِ. [بَابٌ فِي رَعْيِ الْخِلَافِ] (ر ع ي) : بَابٌ فِي رَعْيِ الْخِلَافِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَسْمِهِ " إعْمَالُ دَلِيلٍ فِي لَازِمِ مَدْلُولِهِ الَّذِي أُعْمِلَ فِي نَقِيضِهِ دَلِيلٌ آخَرُ " هَذَا الرَّسْمُ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ مَا يَقَعُ الْفَسْخُ فِيهِ بِطَلَاقٍ أَوْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَاعِدَةَ رِوَايَةِ الْبَلَاغِ وَهِيَ كُلُّ نِكَاحٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ لَيْسَ بِحَرَامٍ بَيِّنٍ فَالْفَسْخُ فِيهِ بِطَلَاقٍ وَكُلُّ نِكَاحٍ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي فَسَادِهِ فَالْفَسْخُ فِيهِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَذَكَرَ رِوَايَةَ السَّمَاعِ الَّتِي قَالَ بِهَا أَكْثَرُ الرُّوَاةِ كُلُّ نِكَاحٍ كَانَا مَغْلُوبَيْنِ عَلَى فَسْخِهِ فَفَسْخُهُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَكُلُّ نِكَاحٍ لَمْ يَكُونَا مَغْلُوبَيْنِ عَلَى فَسْخِهِ فَالْفَسْخُ فِيهِ بِطَلَاقٍ وَرَتَّبَ الْمَسَائِلَ الْمَبْنِيَّةَ عَلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ بَحْثَ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَرَدَّ عَلَى شَيْخِهِ وَاسْتَطْرَدَ ذِكْرَ الْخِلَافِ الشَّاذِّ وَمُرَاعَاتِهِ وَذَكَرَ مِمَّا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْئِلَةِ الْغَرْنَاطِيَّةِ أَنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ يَسْتَنِدُونَ إلَى مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ وَجَعَلُوهُ قَاعِدَةً فَسَأَلَ السَّائِلُ عَنْ دَلِيلِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَاسْتَشْكَلَ السَّائِلُ مُرَاعَاةَ الْمُجْتَهِدِ دَلِيلَ غَيْرِهِ وَالْمُرَاعَى فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ الدَّلِيلُ لَا قَوْلُ الْقَائِلِ كَمَا حَقَّقَهُ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَوَّلِ شَرْحِهِ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ وَهَلْ يُرَاعَى كُلُّ خِلَافٍ أَوْ مَا يُرَاعَى إلَّا الْخِلَافُ الْقَوِيُّ فِيهِ خِلَافٌ وَكَذَلِكَ هَلْ يُرَاعَى الْخِلَافُ مُطْلَقًا كَانَ مَذْهَبِيًّا أَمْ لَا وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ وَتَأَمَّلْ كَلَامَ الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْكَلَامِ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فِي سُؤَالِهِ وَجَوَابِهِ وَكَذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَكُرِهَ لِلْخِلَافِ وَهَلْ يَصِحُّ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ ابْتِدَاءً أَوْ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ كَانَ يَمْضِي لَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكُرِهَ لِلْخِلَافِ وَقَبِلُوهُ وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الْإِمَامِ الْعُقْبَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ رَدَّ بِهِ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ ثُمَّ وَقَفْت عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ الْمَغْرِبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ فِي الْمَسْبُوقِ هَلْ هُوَ قَاضِيًا أَوْ بَانِيًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَأَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ فَإِذَا رَكَعَ وَسَجَدَ جَلَسَ فَإِذَا قَامَ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ إنَّمَا أَجَابَ بِأَنَّ مَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلَهَا وَرَأَى أَنْ يَحْتَاطَ بِزِيَادَةِ السُّورَةِ فِي السُّورَةِ رَعْيًا لِلْخِلَافِ قَالَ الشَّيْخُ وَفِيهِ إشْكَالٌ لِكَوْنِهِ رَاعَى الْخِلَافَ قَبْلَ الْوُقُوعِ وَإِنَّمَا يُرَاعَى بَعْدَ الْوُقُوعِ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ يَسْتَدْعِي سَبْقَ تَصَوُّرِهِ فَذَكَرَ رَسْمَهُ بِمَا نَقَلْنَا عَنْهُ فَقَوْلُهُ " إعْمَالُ دَلِيلٍ " جِنْسٌ لِرَعْيٍ يَصْدُقُ عَلَى رَعْيِ الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ (قُلْتَ) كَيْفَ صَحَّ فِي الْإِعْمَالِ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا لِلرَّعْيِ وَالرَّعْيُ مَعْنَاهُ اعْتِبَارُ الشَّيْءِ كَمَا تَقُولُ رَاعَى فُلَانٌ فُلَانًا مَعْنَاهُ اعْتَبَرَهُ وَقَامَ لَهُ بِمَا يُنَاسِبُهُ فَالْإِعْمَالُ كَأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ الرَّعْيِ (قُلْتُ) نَمْنَعُ ذَلِكَ بَلْ مَعْنَى رَعْيِ الْخِلَافِ الْإِعْمَالُ وَمَا أَشَرْت إلَيْهِ إنْ سَلِمَ فَإِنَّمَا هُوَ لُغَةٌ (فَإِنْ قُلْتَ) جَرَتْ عَادَتُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَسْمِهِ حَقَائِقَهُ أَنْ يَقُولَ فِي الْمَحْدُودِ إذَا كَانَ مُضَافًا لَقَبٌ عَلَى كَذَا كَمَا قَالَ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ وَغَيْرِهَا فَهَلَّا قَالَ هُنَا لَقَبٌ عَلَى إعْمَالِ إلَخْ (قُلْتُ) غَالِبُهُ كَمَا قُلْتَ وَرُبَّمَا وَقَعَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَمْ يَظْهَرْ مَا يَضْبِطُ لِي الْمَقَامَ الَّذِي يُعَيَّنُ فِيهِ بِاللَّقَبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ وَقَعَ لَهُ هُنَا أَنْ قَالَ عِبَارَةٌ عَنْ إعْمَالِ إلَخْ وَهَذَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّقَبِ لَكِنْ يُرَدُّ أَنْ يُقَالَ لَمْ قَالَ عِبَارَةٌ وَلَمْ يَقُلْ لَقَبٌ وَقَدْ قَدَّمْت وَجْهَهُ عَلَى مَا فِيهِ قَوْلُهُ " دَلِيلٍ " فَصْلٌ أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الدَّلِيلِ قَوْلُهُ " فِي لَازِمِ مَدْلُولِهِ " أَخْرَجَ بِهِ إعْمَالَ الدَّلِيلِ فِي مَدْلُولِهِ وَالدَّلِيلُ هُوَ مَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ وَالْمَطْلُوبُ هُوَ الْمَدْلُولُ فَالنَّهْيُ الْوَارِدُ مَثَلًا فِي نِكَاحِ الشِّغَارِ دَلِيلُ مَدْلُولِهِ تَحْرِيمُ نِكَاحِ الشِّغَارِ وَلَازِمُ هَذَا الْمَدْلُولِ فَسْخُهُ وَدَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلُ النَّهْيِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَفَسْخِهِ وَنِكَاحُ الشِّغَارِ إذَا وَقَعَ يَجِبُ فَسْخُهُ عِنْدَ مَالِكٍ بِطَلَاقٍ فِي رِوَايَةٍ وَبِغَيْرِ طَلَاقٍ فِي أُخْرَى وَمَنْ خَالَفَ مَالِكٌ يَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فَسْخُهُ وَالْجَارِي عَلَى فَسْخِهِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ أَنْ لَا يَلْزَمَ فِيهِ طَلَاقٌ إذَا وَقَعَ وَلَا مِيرَاثٌ وَقَدْ وَقَعَ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَقُولُ يَقَعُ الْفَسْخُ بِطَلَاقٍ وَيَلْزَمُ فِيهِ الطَّلَاقُ وَيَقَعُ الْمِيرَاثُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَالْجَارِي عَلَى أَصْلِ دَلِيلِهِ وَلَازِمِ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ فِي ذَلِكَ فَلَمَّا قَالَ بِثُبُوتِ الْمِيرَاثِ فَقَدْ أَعْمَلَ دَلِيلَ خَصْمِهِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ فَسْخِ نِكَاحِ الشِّغَارِ إذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وَقَعَ لِدَلِيلٍ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ عَدَمُ الْفَسْخِ وَعَدَمُ فَسْخِ النِّكَاحِ لَازِمُهُ ثُبُوتُ الْمِيرَاثِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَأَعْمَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَلِيلَ خَصْمِهِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ فَسْخِ نِكَاحِ الشِّغَارِ فِي لَازِمِ مَدْلُولِهِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِيرَاثِ وَهَذَا الْمَدْلُولُ الْمَذْكُورُ أَعْمَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَلِيلَهُ فِي نَقِيضِهِ وَهُوَ فَسْخُ النِّكَاحِ وَأَعْمَلَ دَلِيلَ خَصْمِهِ فِي لَازِمِ نَقِيضِ فَسْخِ النِّكَاحِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ فِيهَا إعْمَالُ دَلِيلِ كُلٍّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَكُونُ حُجَّةً فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ وَأَنَّهُ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ رُجْحَانِ دَلِيلِ الْمُخَالِفِ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا قَرَّرَ الرَّسْمَ وَحَقَّقَ بِهِ الْجَوَابَ عَنْ إشْكَالِ مَنْ سَأَلَ أَوْ رَدَّ سُؤَالًا وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ لِتَمَامِ فَائِدَتِهِ وَالسُّؤَالُ مَعْنَاهُ لَوْ صَحَّ مَا قَرَّرْتُمْ فِي مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ وَحَقَّقْتُمْ مِنْ مُلَاحَظَةِ لَازِمِ دَلِيلِ الْمَدْلُولِ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي نَقِيضِهِ دَلِيلٌ آخَرُ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى ثُبُوتِ مَلْزُومٍ وَلَا لَازِمَ لَهُ وَهُوَ بَاطِلٌ أَيُوجَدُ مَلْزُومٌ وَلَا لَازِمَ لَهُ مُحَالٌ وَفَصْلٌ لَمْ يَقُمْ نَوْعُهُ بِهِ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ مَلْزُومٌ لِنَفْيِ الْمِيرَاثِ وَإِذَا ثَبَتَ الْفَسْخُ انْتَفَى الْمِيرَاثُ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْعِصْمَةِ وَفَسْخُهُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهَا فَقَدْ وُجِدَ الْمَلْزُومُ وَهُوَ الْفَسْخُ بِدُونِ لَازِمِهِ وَهُوَ عَدَمُ الْإِرْثِ فَأَجَابَ الشَّيْخُ بِالْجَوَابِ الثَّانِي وَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الْأُمُورِ الْعَقْلِيَّةِ وَأَمَّا الْجَعْلِيَّةُ فَلَا غَرَابَةَ فِي وُجُودِ مَلْزُومٍ وَلَا لَازِمَ لَهُ لِثُبُوتِ مَانِعٍ مَنَعَ مِنْهُ وَأَمَّا الْجَوَابُ الْأَوَّلُ فَهُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ وَهُوَ قَدَحٌ فِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ بَابِ وُجُودِ الْمَلْزُومِ بَلْ مِنْ بَابِ نَفْيِ الْمَلْزُومِ أَوْ مِنْ بَابِ وُجُودِ اللَّازِمِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُغَايِرٌ لِمَا أَلْزَمهُ السَّائِلُ وَلَا إحَالَةَ فِيهِ بَيَانُهُ أَنْ نَقُولَ إنَّمَا ذَلِكَ مِنْ بَابِ نَفْيِ الْمَلْزُومِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَدَلِيلُهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِنَفْيِ صِحَّةِ النِّكَاحِ وَصِحَّةُ النِّكَاحِ مَلْزُومَةٌ لِلْإِرْثِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْإِرْثِ الَّذِي هُوَ صِحَّةُ النِّكَاحِ نَفْيُ اللَّازِمِ الَّذِي هُوَ الْإِرْثُ فَمَا قَالَ بِاعْتِبَارِ مَذْهَبِهِ إلَّا بِنَفْيِ الْمَلْزُومِ لَا بِثُبُوتِ الْمَلْزُومِ مَعَ نَفْيِ اللَّازِمِ وَبِاعْتِبَارِ رَعْيِ دَلِيلِ الْمُخَالِفِ فِي لَازِمِ مَدْلُولِهِ وَهُوَ الْإِرْثُ قَدْ أَثْبَتَ اللَّازِمَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْمَلْزُومِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ بَحْثِهِ مَعَ شَيْخِهِ وَذَكَرْنَاهُ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ فَرَاجِعْهُ وَبَعْدَ ذِكْرِ مَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَهُ فِي سُؤَالِهِ وَجَوَابِهِ بِمَا ذُكِرَ ظَهَرَ لِي تَلْخِيصُهُ بَعْدَ وُقُوفِي عَلَى مَا بَعْدَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا حَرَّرَ الرَّسْمَ قَالَ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ أَنْ نَقُولَ هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 حُجَّةٌ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ إشْكَالِ إعْمَالِ مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَلَوْ كَانَ حُجَّةً لَعَمَّ ذَلِكَ وَذَكَرَ مَا يَضْبِطُهُ بِقَوْلِهِ رُجْحَانُ دَلِيلِ الْمُخَالِفِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ عَلَى دَلِيلِهِ فِي لَازِمِ قَوْلِ الْمُخَالِفِ كَرُجْحَانِ دَلِيلِ الْمُخَالِفِ فِي ثُبُوتِ الْإِرْثِ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى دَلِيلِ مَالِكٍ فِي لَازِمِ مَدْلُولِ دَلِيلِهِ وَهُوَ نَفْيُ الْإِرْثِ قَالَ وَثُبُوتُ الرُّجْحَانِ وَنَفْيُهُ بِحَسَبِ النَّظَرِ مِنْ الْمُجْتَهِدِ فِي النَّازِلَةِ ثُمَّ أَوْرَدَ سُؤَالًا عَلَى مُقْتَضَى مَا اقْتَضَاهُ رَسْمُهُ وَضَابِطُهُ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ فِي كَوْنِ الْمُجْتَهِدِ يَسْتَعْمِلُ دَلِيلَهُ فِي مَدْلُولِ قَوْلِهِ وَيَسْتَعْمِلُ دَلِيلَ خَصْمِهِ فِي لَازِمِ مَدْلُولِ أَعْمَلَ فِي نَقِيضِهِ دَلِيلَ الْمُجْتَهِدِ يَئُولُ أَمْرُهُ إلَى أَنَّهُ قَالَ بِوُجُودِ مَلْزُومٍ وَأَبْطَلَ لَازِمَ مَدْلُولِهِ لِدَلِيلِ خَصْمِهِ وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ الْمَلْزُومِ وَلَا يُوجَدُ لَازِمُهُ " وَأَجَابَ " عَنْ ذَلِكَ بِجَوَابَيْنِ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَنَعَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ وُجُودِ الْمَلْزُومِ وَنَفْيِ اللَّازِمِ وَمِنْهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الشِّغَارِ وَشَبَهِهَا لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ نَفْيِ الْمَلْزُومِ وَمِنْ بَابِ إثْبَاتِ اللَّازِمِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَفْيِ الْمَلْزُومِ وَالْمَلْزُومُ هُوَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ وَيُسْتَعْمَلُ دَلِيلُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْمَلْزُومِ نَفْيُ اللَّازِمِ وَاللَّازِمُ هُوَ الْإِرْثُ وَالْمَلْزُومُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ وَاسْتَعْمَلَ دَلِيلَ خَصْمِهِ فِي لَازِمِ مَدْلُولِهِ وَهُوَ الْإِرْثُ وَذَلِكَ الْمَدْلُولُ اُسْتُعْمِلَ فِي نَقِيضِهِ دَلِيلٌ آخَرُ وَالْمَدْلُولُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي نَقِيضِهِ مَا ذَكَرَ وَهُوَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ الَّذِي لَازِمُهُ الْإِرْثُ وَأَمَّا أَنَّهُ مِنْ بَابِ إثْبَاتِ اللَّازِمِ فَلِرَعْيِ مَالِكٍ دَلِيلَ مُخَالِفِهِ فِي لَازِمِ مَدْلُولِهِ وَهُوَ الْإِرْثُ الْمَذْكُورُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ اللَّازِمِ إثْبَاتُ الْمَلْزُومِ فَحَاصِلُهُ لَيْسَ فِي إعْمَالِ دَلِيلِ مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ إثْبَاتُ مَلْزُومٍ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ بِوَجْهٍ وَإِنَّمَا فِيهِ نَفْيُ مَلْزُومٍ وَإِثْبَاتُ لَازِمٍ كَمَا قَرَّرْنَا وَلَمَّا قَرَّرْنَا كَلَامَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبَسَطْت سُؤَالَهُ وَجَوَابَهُ عَلَى مَا قَرَّرَهُ مِنْ دَلِيلِ رَعْيِ الْخِلَافِ وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْمَجْلِسِ الْمُرَاجَعَةُ فِي تَصْحِيحِ كَلَامِهِ وَأَشْكَلَ عَلَيْهِمْ دَعْوَى الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ ذَلِكَ مِنْ نَفْيِ الْمَلْزُومِ لَا مِنْ ثُبُوتِ الْمَلْزُومِ وَانْفَصَلَ الْمَجْلِسُ عَلَى نَظَرٍ وَبَحْثٍ فَرَاجَعْت كَلَامَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي لَفْظِهِ فَوَجَدْتُ فِيهِ مَا يُشِيرُ إلَى بَعْضِ مَا وَقَعَ بِالْمَجْلِسِ مِنْ سُؤَالٍ وَجَوَابٍ وَأَنَّ السَّائِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا كَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ وَمِنْ الْأَشْيَاخِ الرَّاسِخِينَ وَبَلَغَهُ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ الْعَالِمُ الثِّقَةُ الْأَمِينُ رَاجَعَهُ فِي كَلَامِهِ وَسُؤَالِهِ وَجَوَابِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وَبَعَثَ بِنَصِّ كَلَامِهِ وَتَلْخِيصِ مَا يَخُصُّ السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ مَعَ حَذْفِ مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ هُنَا أَنَّ السَّائِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ قَوْلُ الشَّيْخِ إنَّ مُرَاعَاةَ الْخِلَافِ فِي الشِّغَارِ تَرْجِعُ إلَى نَفْيِ الْمَلْزُومِ غَيْرُ بَيِّنٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ الْبَيَانِ بِوُجُوهٍ حَذْفِنَا الْأَوَّلَ لِطُولِ الْكَلَامِ فِيهِ الثَّانِي مِنْ الْوُجُوهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ بَيِّنٍ أَنَّهُ أَبْطَلَ مَا ادَّعَى الشَّيْخُ مِنْ لُزُومِ الْإِرْثِ لِلنِّكَاحِ وَأَنَّهُ لَازِمٌ أَعَمُّ وَعَلَيْهِ يَتِمُّ الْجَوَابُ فَقَالَ السَّائِلُ اللَّازِمُ هُنَا مُسَاوٍ لِمَلْزُومِهِ لِأَنَّ الْإِرْثَ اللَّازِمَ لِلنِّكَاحِ الْمَخْصُوصِ إرْثٌ خَاصٌّ لَا إرْثٌ مُطْلَقٌ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِدَوَرَانِهِ مَعَ وُجُودِهِ طَرْدًا وَعَكْسًا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَنَفْيَهُ فِي النِّكَاحِ الْمُجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ وَأَجَابَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنْ قَالَ الْإِرْثُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِمُطْلَقِ النِّكَاحِ غَيْرِ الْمُجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ وَنِكَاحٌ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّتِهِ وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ الْإِرْثُ مُسَاوٍ لَهُ فَإِنْ قَصَدَ الْأَوَّلَ لَمْ يُعَارِضْ قَوْلَنَا بِحَالٍ لِأَنَّ الْمُدَّعَى لَيْسَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْمُدَّعَى فِي أَنَّ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ مَلْزُومٌ لِلْإِرْثِ وَالْإِرْثُ لَازِمٌ لِنِكَاحٍ مُقَيَّدٍ بِالصِّحَّةِ وَالنِّكَاحُ الْمُقَيَّدُ بِالصِّحَّةِ مَلْزُومٌ لِمُطْلَقِ إرْثِ النِّكَاحِ الْأَعَمِّ الْمُقَابِلِ لِلصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَهَذَا اللَّازِمُ أَعَمُّ مِنْ الْمَلْزُومِ الْمَذْكُورِ ضَرُورَةَ كَوْنِ الْمَلْزُومِ مُقَيَّدًا بِالصِّحَّةِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّازِمُ مُسَاوِيًا لِأَنَّا قَرَّرْنَا أَنَّ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ نِكَاحٍ وَمُطْلَقُ نِكَاحٍ قَابِلٌ لِلصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَإِنَّمَا يَتَوَهَّمُ الْمُسَاوَاةَ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ إذَا وَقَعَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَمَرَةٌ بِحَالٍ وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ الضَّرُورِيَّةُ تَنْفِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ هَذَا خُلَاصَةُ رَدِّهِ عَلَى السَّائِلِ الْبَاحِثِ مَعَهُ فِي الرَّدِّ الثَّانِي عَلَى سُؤَالِهِ وَجَوَابِهِ وَهَذَا الْجَوَابُ قَدْ يُتَوَهَّمُ مُعَارَضَتُهُ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا إنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ الْإِرْثِ لِأَنَّهُ جَعَلَ عَدَمَ الْإِرْثِ أَوَّلًا لَازِمًا وَهُنَا لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ مُعَارَضٍ فِي التَّحْقِيقِ لِأَنَّهُ أَوَّلًا جَعَلَ الْمُسْتَلْزِمَ لِمَنْعِ الْإِرْثِ هُوَ الْفَسْخَ وَهُنَا ذَكَرَ أَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَسْتَلْزِمُهُ وَلَا تَصِحُّ الْمُعَارَضَةُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَفْسُوخُ وَالْفَاسِدُ مُتَسَاوِيَيْنِ أَمَّا إذَا لَمْ تَثْبُتْ مُسَاوَاتُهُمَا فَلَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَاسِدَ أَعَمُّ مِنْ الْمَفْسُوخِ وَمَا لَزِمَ الْأَخَصَّ قَدْ لَا يَلْزَمُ الْأَعَمَّ قَالَ السَّائِلُ الْمَذْكُورُ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ فِي الْبَحْثِ مَعَ الشَّيْخِ فِي زَعْمِهِ أَنَّ مَا ذَكَرَ إنَّمَا هُوَ مِنْ نَفْيِ الْمَلْزُومِ لَا مِنْ ثُبُوتِهِ قَالَ وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَالسُّؤَالُ بَاقٍ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ أَيْضًا مِنْ إثْبَاتِ الْمَلْزُومِ لِأَنَّ نَفْيَ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ هُوَ فَاسِدٌ النِّكَاحَ الْمَلْزُومَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 لِانْقِطَاعِ الْإِرْثِ ثُمَّ قَرَّرَهُ بِمَا حَاصِلُهُ مُعَارَضَةٌ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ يَقُولُ مَا ذَكَرْت مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ عِنْدَنَا مَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ وَذَلِكَ بِادِّعَاءِ أَنَّ فَسَادَ النِّكَاحِ مَلْزُومٌ لِعَدَمِ الْإِرْثِ فَآلَ الْأَمْرُ إلَى الْحُكْمِ بِثُبُوتِ الْمَلْزُومِ وَنَفْيِ لَازِمِهِ وَأَجَابَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَنْعِ أَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ النِّكَاحِ مَلْزُومٌ لِعَدَمِ الْإِرْثِ وَسَنَدُ الْمَنْعِ أَنَّ الْمَلْزُومَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ عَلَاقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ اللَّازِمِ وَهِيَ هُنَا أَنَّ نِسْبَةَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَى عَدَمِ الْإِرْثِ كَنِسْبَةِ النَّظَرِ الْفَاسِدِ إلَى عَدَمِ الْجَهْلِ وَالنَّظَرُ الْفَاسِدُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْجَهْلَ وَالْجَوَابُ الثَّانِي أَنْ نَقُولَ بِأَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِرْثِ لَا لِعَدَمِ الْإِرْثِ لِأَنَّ قَاعِدَةَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ يُوجِبُ تَرَتُّبَ بَعْضِ ثَمَرَاتِ الصَّحِيحِ عَلَيْهِ وَمِنْ ثَمَرَاتِ الصَّحِيحِ الْإِرْثُ وَذَلِكَ يُنْتِجُ إبْطَالَ قَوْلِكُمْ إنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ الْإِرْثِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ الْأَوَّلِ بِاخْتِصَارٍ وَأَمَّا الْجَوَابُ الثَّانِي فَرَدُّ السَّائِلِ عَلَيْهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالنَّقْضِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ وَكَذَلِكَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَأَنَّ انْفِكَاكَ اللَّازِمِ عَنْ مَلْزُومِهِ جَائِزٌ فِي الْجَمِيعِ قَالَ وَبَيَانُ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ فَإِنَّهُ قَدْ يُوجَدُ النَّظَرُ الصَّحِيحُ وَلَا يُوجَدُ الْعِلْمُ لِطَرَيَانِ آفَةٍ وَهَذَا كَلَامٌ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ لَا يَصِحُّ وَأَغْلَظَ فِي الْقَوْلِ هُنَا وَأَلْزَمَهُ إلْزَامَاتٍ شَنِيعَةً وَحُقَّ لَهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَى رَدِّ قَوْلِهِ بِأَدِلَّةٍ جَلِيَّةٍ وَمَا وَقَعَ بِهِ الْوَهْمُ أَنْ بَنَيْنَا عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ أَنَّ اسْتِلْزَامَ النَّظَرِ عَادِيٌّ فَقَدْ خَرَجَتْ الْمَسْأَلَةُ عَنْ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّهُ عَقْلِيٌّ فَإِنَّهُ يَقَعُ الِاسْتِلْزَامُ مَعَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ عَدَمُ الْآفَةِ وَهَذَا الْكَلَامُ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ وَهُوَ خُلَاصَةُ الْبَحْثِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْلَا الْخُرُوجُ عَنْ الْمَقْصِدِ لَأَشَرْنَا إلَى بَعْضِ مَا يَرِدُ فِي ذَلِكَ وَتَقَعُ الْمُذَاكَرَةُ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُوَفِّقُ الْجَمِيعَ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ عَلَى النَّاظِرِ (فَإِنْ قُلْتَ) يَرِدُ عَلَى رَسْمِهِ لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ إذَا أَعْمَلَ مُجْتَهِدٌ دَلِيلًا فِي لَازِمِ مَدْلُولٍ قَدْ أَعْمَلَ مُجْتَهِدٌ آخَرُ دَلِيلًا فِي نَقِيضِ ذَلِكَ الْمَدْلُولِ لِأَنَّ الرَّسْمَ صَادِقٌ عَلَيْهِ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدٍ بِمُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ وَفِيهِ بَحْثٌ (فَإِنْ قُلْتَ) رَسْمُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَعُمُّ مُرَاعَاةَ الْخِلَافِ ابْتِدَاءً أَوْ وُقُوعًا أَوْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْوُقُوعِ وَلَا يَصِحُّ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ ابْتِدَاءً (قُلْتُ) رَسْمُهُ يَعُمُّ ذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمِثَالِ إنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ الْفَهْمِ وَلَا يُقْصَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَكُرِهَ لِلْخِلَافِ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ وَقَدْ أَجَابَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 بِذَلِكَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعُقْبَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَدِيهَةً حِينَ سُئِلَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَرَسْمُ الشَّيْخِ إذَا سَلِمَ يَصْدُقُ فِي ذَلِكَ وَتَنْزِيلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ فَهِمَ الرَّسْمَ وَكَلَامُ الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هُنَا حَسَنٌ لِأَنَّهُ قَالَ كَثِيرًا مَا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ الْحُكْمُ كَذَا لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ وَيَقُولُونَ هَلْ يُرَاعَى كُلٌّ خِلَافٍ أَمْ لَا قَوْلَانِ وَإِذَا لَمْ نُرَاعِ كُلَّ خِلَافٍ رَاعَيْنَا الْمَشْهُورَ وَهَلْ الْمَشْهُورُ مَا كَثُرَ قَائِلُهُ أَوْ مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ فِيهِ خِلَافٌ وَاَلَّذِي يُعْتَقَدُ أَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يُرَاعِي مَنْ قَوِيَ دَلِيلُهُ وَإِذَا حُقِّقَ فَلَيْسَ بِمُرَاعَاةٍ لِلْخِلَافِ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا هُوَ إعْطَاءُ كُلٍّ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ مَا يَقْتَضِيهِ مِنْ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ الْمُعَارِضِ اُنْظُرْهُ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى مَا قَرَّرْنَا فِي رَسْمِ الشَّيْخِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَلْ تَجِبُ مُرَاعَاةُ الدَّلِيلِ أَوْ تَجُوزُ (قُلْتُ) يَظْهَرُ وُجُوبُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ وَتَأَمَّلْ بَحْثَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَعَ ابْنِ بَشِيرٍ فِي بَيْعِ الْعَذِرَةِ وَسَيَأْتِي. [بَابٌ فِي الْمُتْعَةِ] (م ت ع) : بَابٌ فِي الْمُتْعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مَا يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِإِعْطَائِهِ الزَّوْجَةَ لِطَلَاقِهِ إيَّاهَا " قَوْلُهُ مَا " يُؤْمَرُ الزَّوْجُ " جِنْسٌ يَعُمُّ جَمِيعَ مَا يُطْلَبُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِلزَّوْجَةِ وَقَوْلُهُ لِطَلَاقِهِ إيَّاهَا يُخْرِجُ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَالدُّيُونَ الَّتِي عَلَيْهِ لَهَا (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ يُخْرِجُ نِصْفَ الصَّدَاقِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ الزَّوْجُ لِأَجْلِ طَلَاقِهِ " إيَّاهَا " وَقَدْ أَوْرَدَ بَعْضُ الشُّيُوخِ عَلَيْهِ ذَلِكَ (قُلْتُ) لَا يَدْخُلُ ذَلِكَ لِأَنَّ النِّصْفَ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ لِأَجْلِ الطَّلَاقِ بَلْ كَانَ وَاجِبًا لَهَا لِأَنَّهَا تَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا وَفِيهِ بَحْثٌ (فَإِنْ قُلْتَ) يَرُدُّ عَلَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا أَعْطَتْ الزَّوْجَةُ زَوْجَهَا مَالًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُهَا ثُمَّ أَخَذَ الْمَالَ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَالُوا فَإِنَّهُ يَرُدُّ لَهَا الْمَالَ فَيَصْدُقُ فِيهِ أَنَّهُ مَا أُمِرَ الزَّوْجُ بِإِعْطَائِهِ الزَّوْجَةَ لِطَلَاقِهِ إيَّاهَا (قُلْتُ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنْ نَقُولَ قَوْلُهُ " لِطَلَاقِهِ إيَّاهَا " إذَا حَقَّقْت الْعِلَّةَ لَا يَرِدُ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) نَصَّ أَهْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهَا وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فِي أَصْلِهِ فَكَيْفَ صَحَّ قَوْلُهُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ (قُلْتُ) الْأَمْرُ أَعَمُّ مِمَّا يُقْضَى بِهِ أَمْ لَا وَالْمُسْتَحَبُّ مَأْمُورٌ بِهِ وَلَا يُقْضَى بِهِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ لَا يُقْضَى بِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيهَا بِالْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ (فَإِنْ قُلْتَ) مُتْعَةُ الْمُخَيَّرَةِ وَالْمُمَلَّكَةِ كَيْفَ يَدْخُلُ فِي رَسْمِهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ الزَّوْجَةِ لَا مِنْ الزَّوْجِ (قُلْتُ) لَنَا أَنْ نَقُولَ الرَّسْمُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا مُتْعَةَ لِمَنْ ذَكَرَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَإِنْ قُلْنَا بِالشَّاذِّ فَيُقَالُ الزَّوْجَةُ نَائِبَةٌ عَنْ الزَّوْجِ فَكَأَنَّهُ هُوَ الْمُطَلِّقُ إلَّا أَنَّهُ يُقَالُ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ إيَّاهَا أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. [بَابُ الْوَلِيمَةِ] (ول م) : بَابُ الْوَلِيمَةِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْبَاجِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْعَيْنِ طَعَامُ النِّكَاحِ وَنَقَلَ عِيَاضٌ عَنْ الْخَطَّابِيِّ أَنَّهَا طَعَامُ الْإِمْلَاكِ وَقِيلَ طَعَامُ الْعُرْسِ وَالْإِمْلَاكِ (قُلْتُ) تَأَمَّلْ هَذَا فَفِيهِ بَحْثٌ مَعَ مَا يَذْكُرُهُ بَعْدُ مِنْ الْخِلَافِ فِي مَحِلِّهَا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ فِيهَا أَنْ يُولِمَ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَنَقَلَ ابْنُ حَبِيبٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَحِبُّ الْإِطْعَامَ عَلَى النِّكَاحِ عِنْدَ عَقْدِهِ» وَنَقَلَ عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ اسْتِحْبَابَهَا عِنْدَ الْبِنَاءِ وَعِنْدَ الْعَقْدِ قَالَ وَاسْتَحَبَّهَا بَعْضُ شُيُوخِنَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَمَا ذَكَرَهُ عَنْ صَاحِبِ الْعَيْنِ لَا يُعَيِّنُ عَقْدًا وَلَا دُخُولًا لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي مَدْلُولِهِ خِلَافٌ وَقَوْلُ الْخَطَّابِيِّ يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ عَيْنُ الدُّخُولِ وَالْعَقْدِ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ فِيهِ مَا رَأَيْته وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [كِتَابُ الطَّلَاقِ] (ط ل ق) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الطَّلَاقِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تَرْفَعُ حِلِّيَّةَ مُتْعَةِ الزَّوْجِ بِزَوْجَتِهِ مُوجِبًا تَكَرُّرهَا مَرَّتَيْنِ لِلْحُرِّ وَمَرَّةً لِذِي رِقٍّ حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ قَبْلَ زَوْجٍ " ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الرَّسْمَ وَذَكَرَ بَعْدَهُ مَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ لَمْ يَرْسِمْهُ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ مَشْعُورٌ بِهَا لِلْعَوَامِّ قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْمَشْعُورَ بِهِ وُقُوعُهُ مِنْ حَيْثُ صَرِيحُ لَفْظِهِ أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وَلَا لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَهَذَا حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ قَوْلُهُ فِي رَسْمِهِ " صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ " تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَأْتِي بِالْجِنْسِ بِمَا يُنَاسِبُ الْمَحْدُودَ وَهُنَا الْمَحْدُودُ تُنَاسِبُهُ الصِّفَةُ الْحُكْمِيَّةُ كَمَا قَدَّمْنَا فِي الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهَا مَعَانٍ تَقْدِيرِيَّةٌ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلُهُ " تَرْفَعُ حِلِّيَّةَ " أَخْرَجَ بِهِ الطَّهَارَةَ وَمَا شَابَهَهَا مِنْ الْأَسْبَابِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَانِعٌ وَالطَّهَارَةُ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ سَبَبٌ وَإِنْ كَانَتْ شَرْطًا فِي الصَّلَاةِ وَالطَّلَاقُ لَمَّا كَانَ مَانِعًا نَاسَبَ فِيهِ ذِكْرُ الرَّفْعِ فَلِذَا قَالَ فِيهَا تَرْفَعُ عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْإِحْرَامِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ حُرْمَةَ إلَخْ فَتَأَمَّلْ مَا الْفَرْقُ فِي ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) وَهَلْ ثَمَّ فَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِهِ تَرْفَعُ الْحِلِّيَّةَ مَعَ تَوَجُّبِ الْحُرْمَةِ أَوْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (قُلْتُ) الرَّفْعُ أَشَدُّ مِنْ إيجَابِ الْمَنْعِ فِي الْحِلِّيَّةِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي النَّسْخِ وَذِكْرُ الرَّفْعِ هَاهُنَا أَنْسَبُ بِالطَّلَاقِ وَفِيهِ بَحْثٌ قَوْلُهُ " حِلِّيَّةَ " لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا لِأَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُرْفَعُ وَإِنَّمَا يُرْفَعُ الْمُتَعَلِّقُ بِهَا قَوْلُهُ " الزَّوْجَةِ إلَخْ " أَخْرَجَ بِهِ حِلِّيَّةَ الْمُتْعَةِ بِغَيْرِهَا. (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُهُ حِلِّيَّةَ الْمُتْعَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ لَا يَحِلُّ التَّلَذُّذُ بِهَا وَقَدْ ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ فِي التَّلَذُّذِ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا الْخِلَافَ (قُلْتُ) ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ الشُّيُوخُ مِثْلُ ابْنِ مُحْرِزٍ وَعِيَاضٍ وَغَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الْخِلَافَ فِي الْجُلُوسِ عِنْدَهَا (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ ذَكَرَ فِي رَسْمِ الْعِدَّةِ الرَّأْيَيْنِ وَبَنَى الْحَدَّ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ هُنَا (قُلْتُ) يَأْتِي مَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَأْوِيلِهِ بَعْدُ وَفِي الرَّجْعَةِ قَوْلُهُ " مُوجِبٌ تَكَرُّرُهَا مَرَّتَيْنِ إلَخْ " صِفَةٌ لِلصِّفَةِ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ عَلَى نُسْخَةِ الرَّفْعِ وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مُوجِبًا فَهُوَ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ زَادَ ذَلِكَ لِأَوْجُهٍ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ يَخْرُجُ بِذَلِكَ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ تَمْنَعُ أَوْ تَرْفَعُ الْمُتْعَةَ بِالزَّوْجَةِ وَذَلِكَ مِثْلُ إحْرَامِ الْحَجِّ وَأَنَّهُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تَرْفَعُ حِلِّيَّةَ الْمُتْعَةِ بِالزَّوْجَةِ فَزَادَ الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ أَنَّ مُوجِبَ تَكَرُّرِ الصِّفَةِ حُرْمَةُ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا قَبْلَ زَوْجٍ وَذَلِكَ مِنْ خَاصِّيَّةِ الطَّلَاقِ الْمُمْتَازِ بِهِ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ فَزَادَ ذَلِكَ لِيُخْرِجَ بِذَلِكَ مَا يُوجِبُ عَدَمَ طَرْدِ حَدِّهِ بِإِحْرَامِ الصَّلَاةِ أَوْ إحْرَامِ الْحَجِّ وَصِفَةِ الِاعْتِكَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ لَا يَرْفَعُ بَلْ يَمْنَعُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَبْنَاهُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّفْعِ وَالْمَنْعِ وَفِيهِ بَحْثٌ وَمَنَعَ قَوْلُهُ " قَبْلَ زَوْجٍ " زَادَ هَذَا الْقَيْدَ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ الْمُطْلَقَةَ وَإِنَّمَا يُوجِبُهَا مُقَيَّدَةً فَزَادَ الْقَيْدَ لِيَجْمَعَ خَاصِّيَّتَهُ. (فَإِنْ قُلْتَ) ضَمِيرُ تَكَرُّرِهَا يَعُودُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَكَيْفَ تُكَرَّرُ وَإِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 يَتَكَرَّرُ التَّطْلِيقُ وَالتَّطْلِيقُ غَيْرُ الطَّلَاقِ (قُلْتُ) إذَا تَكَرَّرَ التَّطْلِيقُ فَقَدْ تَكَرَّرَ الطَّلَاقُ تَقْدِيرًا وَالتَّطْلِيقُ حِسِّيٌّ وَالطَّلَاقُ تَقْدِيرِيٌّ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الطَّهَارَةِ التَّطْهِيرَ وَالطَّهَارَةَ فَكَذَلِكَ نَقُولُ هُنَا التَّطْلِيقُ وَالطَّلَاقُ فَرَسْمُ التَّطْلِيقِ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا عَرَّفَ التَّطْهِيرَ وَيُمْكِنُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ التَّلَفُّظُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ بِصَرِيحِهِ أَوْ كِنَايَتِهِ ظَاهِرَةً أَوْ خَفِيَّةً وَيَأْتِي حَدُّ الصَّرِيحِ مِنْ كَلَامِهِ وَمَا ذَكَرَ مَعَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) بِمَنْ نَصَبَ مَرَّتَيْنِ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ عَلَى الْمَصْدَرِ الْعَدَدِيِّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِمَرَّتَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُوجِبُ لِلتَّحْرِيمِ وَالزَّائِدُ لَا أَثَرَ لَهُ وَيُقَالُ فِي الطَّلَاقِ الثَّانِي تَكَرَّرَ وَكَذَا الثَّالِثُ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ مُتَكَرِّرٌ وَفَرَّقَ الشَّيْخُ بَيْنَ مَنْعِ حِلِّيَّةِ الْمُتْعَةِ وَبَيْنَ الْحُرْمَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَرَفْعُ حِلِّيَّةِ الْمُتْعَةِ لَا يَسْتَدْعِي التَّحْرِيمَ وَمُقْتَضَى التَّحْرِيمِ يَرْفَعُ حِلِّيَّةَ الْمُتْعَةِ قَطْعًا وَتَقَدَّمَ أَنَّ الصِّفَةَ الْحُكْمِيَّةَ فِي الطَّلَاقِ وَالطَّهَارَةِ عِنْدَ الْقَرَافِيُّ يَرْجِعَانِ إلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ اُنْظُرْ الْقَوَاعِدَ مِنْهُ وَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الطَّهَارَةِ وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ حَدَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ لِخُرُوجِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ فَهَذَا تَطْلِيقٌ وَهُوَ يُوجِبُ الطَّلَاقَ وَالطَّلَاقُ هُوَ الصِّفَةُ الْحُكْمِيَّةُ وَالْبَتَّةُ لَا تَتَبَعَّضُ فَلَا يَقَعُ تَكَرُّرٌ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ الثَّلَاثُ مِنْ غَيْرِ تَكَرُّرٍ ضَرُورَةَ عَدَمِ التَّبْعِيضِ وَإِذَا لَمْ يَقَعْ التَّكَرُّرُ فِي التَّطْلِيقِ فَلَا يَقَعُ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ قَالَ مُوجِبٌ تَكَرُّرُهَا فَالْحَدُّ غَيْرُ جَامِعٍ (قُلْتُ) لَنَا أَنْ نَمْنَعَ عَدَمَ التَّبْعِيضِ فَإِنَّ فِي الْمَذْهَبِ مَنْ قَالَ بِهِ وَلَوْ سَلَّمْنَا فَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرْتُمْ إذَا تُؤُمِّلَ لِأَنَّ التَّكَرُّرَ مَوْجُودٌ تَقْدِيرًا وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ حَقَّهُ أَنْ يَقُولَ إذًا مُوجِبٌ تَكَرُّرُهَا وُجُودًا أَوْ تَقْدِيرًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ حَدَّهُ عَامٌّ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ طَلَّقَ خُلْعًا أَوْ رَجْعَةً طَلَاقًا وَاحِدًا أَوْ ثَلَاثًا مُجْتَمِعًا أَوْ مُفْتَرِقًا. (فَإِنْ قُلْتَ) وَكَيْفَ يَصْدُقُ حَدُّهُ عَلَى طَلَاقِ الْخُلْعِ وَالْخُلْعُ هُوَ نَوْعُ مُعَاوَضَةٍ (قُلْتُ) التَّعْرِيفُ يَصْدُقُ عَلَى مَعْنَى الطَّلَاقِ لَا عَلَى مَا يُوجِبُ الطَّلَاقَ وَالْخُلْعُ أَوْجَبَ الطَّلَاقَ وَالرَّسْمُ لِلطَّلَاقِ الْمُقْسَمِ إلَى أَقْسَامٍ تَخْتَلِفُ أَسْبَابُهَا (فَإِنْ قُلْتَ) طَلَاقُ الرَّجْعِيَّةِ كَيْفَ رَفَعَ حِلِّيَّةَ الْمُتْعَةِ فِي حَالِ طَلَاقِهَا إنَّمَا رَفَعَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا. (قُلْتُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا نَقْلَانِ فِي مَذْهَبِنَا فَاَلَّذِي نَقَلَهُ عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ حَتَّى تَقَعَ حِلِّيَّتُهَا وَاَلَّذِي نَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ أَنَّهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا (قُلْتُ) وَاَلَّذِي حَقَّقَهُ الشَّيْخُ بَعْدَ هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ أَعَمُّ مِنْ إبَاحَةِ الِاسْتِمْتَاعِ وَعَدَمِهِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ وَقَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ مَرْغُوبٌ عَنْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) جَرَتْ عَادَةُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا كَانَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ خِلَافٌ يُشِيرُ فِي رَسْمِهِ إلَى الرَّأْيَيْنِ وَيَذْكُرُ فِيهِ رَسْمَيْنِ فَيَحُدُّهُ عَلَى رَأْيٍ بِكَذَا وَعَلَى الْآخَرِ بِكَذَا وَقَدْ قَدَّمْنَا لَهُ نَظَائِرَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَهُنَا لَمْ يَفْعَلْ مِثْلَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّك عَلِمْت مِنْ الْخِلَافِ مَا ذُكِرَ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ لَمَّا ضَعُفَ عِنْدَهُ الْقَوْلُ الْآخَرُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ فَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَا يَخُصُّهُ وَكَانَ هَذَا يَقَعُ الْجَوَابُ بِهِ هُنَا وَيَقَعُ الْإِقْنَاعُ بِهِ حَتَّى رَأَيْت فِي رَسْمِ الرَّجْعَةِ أَنَّهُ أَشَارَ فِي حَدِّهَا إلَى الرَّأْيَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فَتَقْوَى عِنْدِي السُّؤَالُ وَضَعُفَ مِنْ السُّؤَالِ الْحَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَقَالِ وَالْمُوَفِّقُ فِي الْأَعْمَالِ. (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَالُوا إنَّ الطَّلَاقَ قَدْ يَكُونُ مُبَاحًا وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا وَأَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ فَهَلْ أَطْلَقُوا ذَلِكَ عَلَى الطَّلَاقِ الْمَحْدُودِ أَوْ عَلَى التَّطْلِيقِ (قُلْتُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ الطَّلَاقُ الْمَحْدُودُ وَأَسْنَدَ إلَيْهِ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ التَّطْلِيقِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلَّقُ الْإِبَاحَةِ وَبَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» فَكَيْفَ يَكُونُ الْحَلَالُ مَبْغُوضًا وَالْبُغْضُ مِنْ اللَّهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ نَهَى عَنْهُ وَالْمَعْنَى الْمُحَالُ فِي حَقِّهِ مُحَالٌ تَقَرُّرُهُ وَلَكِنْ فِيهِ الْكِنَايَةُ عَنْ شِدَّةِ الْكَرَاهَةِ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَكَيْفَ يُوصَفُ بِالْحِلِّيَّةِ (قُلْتُ) هَذَا سُؤَالٌ مَعْلُومٌ قَدْ أَجَابَ عَنْهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ وَأَصْلُ السُّؤَالِ أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يُضَافُ إلَّا إلَى جِنْسِ الْمَوْصُوفِ بِهِ فَلَا يُقَالُ زَيْدٌ أَفْضَلُ الْحَمِيرِ وَإِذَا كَانَ الْبُغْضُ يَرْجِعُ إلَى الْكَرَاهَةِ فَكَيْفَ يُقَالُ الطَّلَاقُ أَكْرَهُ الْحَلَالِ وَالْحَلَالُ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْحَلَالَ مَا نُفِيَ فِيهِ الْحَرَجُ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَاجِبُ وَالْمَكْرُوهُ فَيَكُونُ الطَّلَاقُ مِنْ أَشَدِّ الْمَكْرُوهَاتِ وَقَدْ كَانَ يَمْشِي لَنَا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ فِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى وَقَرَّرَ الشَّيْخُ فَهْمَ الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَحْمَلُ كَوْنِهِ أَبْغَضَ أَنَّهُ أَقْرَبُ الْحَلَالِ إلَى الْبُغْضِ فَنَقِيضُهُ أَبْعَدُ عَنْ الْبُغْضِ فَيَكُونُ أَحَلَّ مِنْ الطَّلَاقِ كَقَوْلِ مَالِكٍ إلْغَاءُ الْبَيَاضِ أَحَلُّ هَذَا لَفْظُهُ وَفِيهِ تَعْقِيدٌ وَكَانَ يَمُرُّ لَنَا فِي فَهْمِهِ أَنَّ خُلَاصَةَ فَهْمِ الْحَدِيثِ أَنَّ عَدَمَ الطَّلَاقِ أَحَلُّ مِنْ الطَّلَاقِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنَ الطَّلَاقِ مُبَاحًا اسْتَوَتْ فِيهِ الطَّرَفَانِ لِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ أَبْغَضَ أَقْرَبُ الْحَلَالِ إلَى الْبُغْضِ لِأَنَّ الْحَلَالَ فِيهِ مَا يَكُونُ قَرِيبًا مِنْ الْبُغْضِ وَفِيهِ مَا يَكُونُ بَعِيدًا عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 ذَلِكَ الْقَرِيبِ. وَإِنْ كَانَ الطَّرَفَانِ فِيهِ مُسْتَوِيَانِ فِي الْقُدُومِ لَكِنْ رُبَّمَا كَانَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ مَا يُوجِبُ الْقُرْبَ مِنْ الْمُتَشَابِهِ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَقْرَبَ الْحَلَالِ إلَى الْبُغْضِ الطَّلَاقُ كَانَ نَقِيضُ الطَّلَاقِ وَهُوَ عَدَمُ الطَّلَاقِ أَبْعَدَ عَنْ الْبُغْضِ فَيَصْدُقُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ عَدَمَ الطَّلَاقِ أَحَلُّ مِنْ الطَّلَاقِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ ثَمَّ حَلَالًا وَأَحَلَّ، أَصْلُهُ مَا قَرَّرَهُ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ أَحَلُّهُ هَذَا مَعْنَاهُ وَلِلْمَازِرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي ذَلِكَ وَنَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ هُنَا لِتَمَامِ الْفَائِدَةِ بِمَا قُلْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ طَلَاقِ الْخُلْعِ] (ط ل ق) : بَابُ طَلَاقِ الْخُلْعِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ أَنْ قَسَمَ الطَّلَاقَ إلَى نَوْعَيْنِ بِعِوَضٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَدُونَهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي عَبَّرْنَا عَنْهُ بِقَوْلِنَا مَا كَانَ بِعِوَضٍ سَمَّاهُ كَثِيرٌ خُلْعًا (قُلْتُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ رَسْمٌ لَهُ وَأَنَّ طَلَاقَ الْخُلْعِ مَا كَانَ بِعِوَضٍ وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ الشُّيُوخِ مِنْ تَلَامِذَتِهِ أَنَّهُ عَرَّفَهُ بِقَوْلِهِ " عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى الْبُضْعِ تَمْلِكُ بِهِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا وَيَمْلِكُ بِهِ الزَّوْجُ الْعِوَضَ " وَهَذَا صَوَابٌ جَارٍ عَلَى قَاعِدَة الشَّيْخُ فِي رَسْمِ الْعُقُودِ (فَإِنْ قُلْتَ) حَدَّ الشَّيْخِ الطَّلَاقَ الْأَعَمَّ مِنْ طَلَاقِ الْخُلْعِ وَغَيْرِهِ فَطَلَاقُ الْخُلْعِ صِنْفٌ أَوْ نَوْعٌ مِنْ الطَّلَاقِ الْمَحْدُودِ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فِي رَسْمِهِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تَرْفَعُ حِلِّيَّةَ مُتْعَةِ الزَّوْجِ بِسَبَبِ عِوَضٍ عَلَى التَّطْلِيقِ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ أَنْسَبُ إلَّا أَنَّ طَلَاقَ الْخُلْعِ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ عَلَى الْمَعْنَى النَّاشِئِ عَنْ الْعَقْدِ وَعَلَى الْعَقْدِ فَصَحَّ حَدُّهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ يُطْلِقُونَ الْخُلْعَ عَلَى غَيْرِ طَلَاقِ الْخُلْعِ قَالَ فِيهَا مَا الْخُلْعُ وَمَا الْمُبَارَاةُ وَمَا الْفِدْيَةُ قَالَ قَالَ مَالِكٌ الْمُبَارَاةُ الَّتِي تُبَارِي زَوْجَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَالْمُخْتَلِعَةُ الَّتِي تَخْتَلِعُ مِنْ كُلِّ الَّذِي لَهَا وَالْمُفْتَدِيَةُ الَّتِي تُعْطِي بَعْضَ الَّذِي لَهَا قَالَ وَكُلُّهُ سَوَاءٌ (قُلْتُ) هَذَا اصْطِلَاحٌ وَفِيهِ اضْطِرَابٌ فِي النَّقْلِ وَالتَّفْسِيرِ فِي مَدْلُولِ أَلْفَاظِهِ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمُبَارَاةُ الَّتِي لَا تَأْخُذُ وَلَا تُعْطِي قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا يَصْدُقُ عَلَى أَكْثَرِ صُوَرِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ اُنْظُرْهُ وَالتَّحْرِيرُ هُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ مُتَّفِقَةٌ فِي الْمَعْنَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 [بَابُ الْمُطَلِّقُ بِالْخُلْعِ] ط ل ق) : بَابُ الْمُطَلِّقُ بِالْخُلْعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مَنْ صَحَّ طَلَاقُهُ " (قُلْتُ) هَذَا فِيهِ إحَالَةٌ عَلَى مَنْ يَصِحُّ طَلَاقُهُ مِنْ مَالِكِ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ سُلْطَانٍ وَخَلِيفَةٍ وَهَذَا قَرِيبٌ وَلَا يَجُوزُ الطَّلَاقُ بِالْخُلْعِ مِنْ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ طَلَاقُهُ وَالسَّيِّدُ عَنْ عَبْدِهِ الْبَالِغِ فِيهِ خِلَافٌ وَهَذِهِ مَسَائِلُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَمُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَرَسْمُهُ فِيهِ بَحْثٌ. [بَابُ بَاذِلِ الْخُلْعِ] بَذل بَابُ بَاذِلِ الْخُلْعِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَنْ صَحَّ مَعْرُوفُهُ " قَوْلُهُ (مَنْ صَحَّ مَعْرُوفُهُ) أَخْرَجَ بِهِ مَنْ لَا يَصِحُّ مَعْرُوفُهُ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ (فَإِنْ قُلْتَ) لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الرَّسْمَ قَالَ بَعْدَهُ لِأَنَّ عِوَضَهُ غَيْرُ مَالِيٍّ فَمَا مُنَاسَبَتُهُ (قُلْتُ) مُنَاسَبَتُهُ إنَّهُ صَيَّرَهُ مَعْرُوفًا فَاشْتَرَطَ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْرُوفِ فَلِذَلِكَ ذَكَرَ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ ذَلِكَ وَهُمْ يَقُولُونَ الْخُلْعُ كَالْبَيْعِ (قُلْتُ) فِيهِ شَائِبَةُ الْمَعْرُوفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ قَصَدَ الضَّرَرَ (قُلْتُ) قَيَّدُوهُ بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ ضَرَرًا كَشِرَاءِ الْعَدُوِّ الدَّيْنَ وَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ اخْتِلَاعُ الْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ بِلَا إذْنٍ مِنْ السَّيِّدِ وَالْمَأْذُونِ لَهَا فِي التَّجْرِ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُلْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا فِيهِ وَفِيهِ بَحْثٌ اُنْظُرْهُ وَأَمَّا الصَّبِيَّةُ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ فَوَقَعَ فِي سَمَاعِ يَحْيَى أَنَّ خُلْعَهَا مَاضٍ وَالْمَعْرُوفُ رَدُّ الْمَالِ وَلَا يَرِدُ ذَلِكَ عَلَى الْحَدِّ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْمَشْهُورَ فِيمَا يَظْهَرُ وَتَأَمَّلْ خُلْعَ الْأَبِ عَنْ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ وَمَا فِيهِ وَكَذَلِكَ خُلْعَ الصَّبِيِّ وَهَلْ يَجْرِي عَلَيْهَا الْحَدُّ كَخُلْعِ الْمَرِيضِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ صِيغَةِ الْخُلْعِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَلَوْ إشَارَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْبَادِيَةِ مِنْ الْحَفْرِ وَالدَّفْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 [بَابٌ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ] طلق بَابٌ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مَا كَانَ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ بَعْدَ غُسْلِهَا أَوْ تَيَمُّمِهَا وَاحِدَةً فَقَطْ " قَوْلُهُ " مَا كَانَ " مَعْنَاهُ طَلَاقٌ كَانَ فِي طُهْرٍ أَخْرَجَ بِالطُّهْرِ الْحَيْضَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِيهِ بِدْعَةٌ وَهُوَ بِدْعِيٌّ وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ فِيهِ قَوْلُهُ " لَمْ يَمَسَّ فِيهِ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا مَسَّهَا فِي طُهْرٍ فَإِنَّهُ لَا يُطَلِّقُهَا وَطَلَاقُهَا فِيهِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهٌ وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ فِيهِ كَلَامٌ لِلشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ " بَعْدَ غُسْلِهَا " أَخْرَجَ بِهِ إذَا لَمْ تَغْتَسِلْ فَإِنَّ طَلَاقَهَا فِيهِ بِدْعَةٌ قَبْلَ غُسْلِهَا وَهَذَا الشَّرْطُ مَضَى فِيهِ الشَّيْخُ عَلَى مَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا عَلَى مَا قَالَ فِي الْجَلَّابِ وَالتَّلْقِينِ وَقَوْلُهُ " أَوْ تَيَمُّمِهَا يَعْنِي " إذَا لَمْ تَجِدْ مَاءً وَكَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُبِيحُ لَهُ طَلَاقَهَا وَنَقَلَ ابْنُ حَارِثٍ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُبِيحَ لِلصَّلَاةِ يُبِيحُ طَلَاقَهَا (فَإِنْ قُلْتَ) فَإِذَا صَلَّتْ بِالتَّيَمُّمِ هَلْ يُبَاحُ طَلَاقُهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ (قُلْتُ) وَقَعَ لِعَبْدِ الْحَقِّ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَوْ صَلَّتْ بِحَيْثُ لَا تَتَنَفَّلُ بِهِ وَتَأَمَّلْ فِي جَرْيِ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي كَوْنِ التَّيَمُّمِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ قَوْلُهُ " وَاحِدَةً فَقَطْ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا أَطْلَقَ غَيْرَ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ بِدْعِيٌّ قَالُوا طَلَاقُهُ اثْنَيْنِ مَكْرُوهٌ وَثَلَاثًا حَرَامٌ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً ثُمَّ ارْتَجَعَ ثُمَّ طَلَّقَ وَاحِدَةً ثُمَّ ارْتَجَعَ ثُمَّ طَلَّقَ وَاحِدَةً هَلْ ذَلِكَ سُنِّيٌّ وَلَفْظُ الرَّسْمِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ (قُلْتُ) نَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ أَشْهَبَ جَوَازَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَك النَّظَرُ فِي صَادِقِيَّةِ لَفْظِ الشَّيْخِ عَلَى ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ فَقَطْ وَالظَّاهِرُ خُرُوجُهَا عَنْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِوَضَ قَوْلِهِ بَعْدَ غُسْلِهِمَا أَوْ تَيَمُّمِهَا يَحِلُّ لَهَا فِيهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ أَخْصَرُ مِمَّا ذَكَرَ وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ كَذَلِكَ (قُلْتُ) يَظْهَرُ إنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُصَرِّحَ بِطُهْرِ التَّيَمُّمِ لِلْغَرَابَةِ فِيهِ لِأَنَّ أَصْلَهُ إنَّهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلَا يَجُوزُ الْوَطْءُ بِهِ وَلَوْ قَالَ فِي رَسْمِهِ طَلَاقُ السُّنَّةِ طَلَاقٌ فِي طُهْرٍ إلَخْ لَكَانَ أَخْصَرَ مِمَّا ذَكَرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 [بَابٌ فِي شَرْطِ الطَّلَاقِ] طلق بَابٌ فِي شَرْطِ الطَّلَاقِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ " شَرْطُهُ أَهْلٌ وَمَحِلٌّ وَالْقَصْدُ مَعَ اللَّفْظِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ إشَارَةٍ وَسَبَبُهُ: وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ مَا فَسَّرَ بِهِ الشَّرْطَ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كَوْنِهِ صَيَّرَ الْمَذْكُورَاتِ أَرْكَانًا لِلطَّلَاقِ قَالَ مَا مَعْنَاهُ وَذَلِكَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَكُلُّ خَارِجٍ عَنْ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ غَيْرُ رُكْنٍ لَهُ فَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ فَرَكَّبَ قِيَاسًا مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ الصُّغْرَى فِيهِ مُحَصَّلَةٌ مُوجِبَةٌ وَالْكُبْرَى مُوجِبَةٌ مَعْدُولَةُ الْمَحْمُولِ وَالصُّغْرَى يُبْحَثُ فِيهَا بِمَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ وَبَعْضُ شُيُوخِنَا عَارَضَ كَلَامَهُ هُنَا بِسُكُوتِهِ عَنْ الرَّدِّ بِمِثْلِ هَذَا فِي النِّكَاحِ عَلَى الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي كَوْنِ الصِّيغَةِ رُكْنًا مِنْ النِّكَاحِ وَعِنْدِي لَيْسَ فِيهِ سُكُوتٌ بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأَرْكَانَ أَجْزَاءٌ حِسِّيَّةٌ فَالْمُرَكَّبُ حِسِّيٌّ فَهُوَ مُسَلَّمٌ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا جَعَلَهُ جُزْءًا لَهُ وَفِيمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ هُنَا مِنْ الْبَحْثِ مَعَ ابْنِ الْحَاجِبِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى عَلَيْك وَذَلِكَ أَنْ نَقُولَ قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَذْكُورَاتِ خَارِجَةً عَنْ حَقِيقَتِهِ إنْ عَنَى عَنْ الطَّلَاقِ الْمَحْدُودِ عِنْدَهُ فَمُسَلَّمٌ وَابْنُ الْحَاجِبِ لَمْ يَحُدَّهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ وَإِنْ عَنَى الطَّلَاقَ الْحِسِّيَّ الَّذِي أَرْكَانُهُ الْحِسِّيَّةُ أَجْزَاءٌ لَهُ فَلَيْسَتْ بِخَارِجَةٍ مِنْ ذَلِكَ بَلْ دَاخِلَةٌ فِيهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّلَاقَ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مَا عَرَّفَهُ الشَّيْخُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَذْكُورَ هُوَ إنَّمَا شَرْطٌ فِيهِ وَيُطْلَقُ عَلَى صُورَةٍ خَارِجِيَّةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَذْكُورَةَ أَجْزَاءٌ لَهُ وَلَا يَكْتَفِي بِهَذِهِ عَنْ رَسْمِ الْمَعْنَوِيِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْأَهْلِ] (أهـ ل) بَابُ الْأَهْلِ الْأَهْلُ هُوَ الْمُوقِعُ لِلطَّلَاقِ وَشَرْطُهُ الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ وَمَا يُفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِهِ جَلِيٌّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 [بَابُ الْمَحِلِّ] ح ل ل) بَابُ الْمَحِلِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " وَهُوَ الْعِصْمَةُ ثُمَّ قَالَ شَرْطُهُ مُقَارَنَةُ إنْشَائِهِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا لِامْتِنَاعِ وُجُودِ حَالٍّ دُونَ مَحِلٍّ " قَوْلُهُ " وَهُوَ الْعِصْمَةُ " (فَإِنْ قُلْتَ) تَفْسِيرُ الْمَحِلِّ بِالْعِصْمَةِ تَفْسِيرٌ بِالْمُسَاوِي أَوْ الْأَخْفَى وَلَمْ يُبَيِّنْهَا بَعْدُ (قُلْتَ) كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْعِصْمَةَ مَشْهُورَةٌ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى عَلَيْك مِمَّا يَرُدُّ بِهِ عَلَى شَيْخِهِ وَغَيْرِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالصَّوَابُ رَسْمُهَا قَوْلُهُ " مُقَارَنَةُ إنْشَائِهِ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا لَمْ يُقَارِنْ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ الْمَحِلَّ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلٍّ وَعِصْمَةٍ تَحْقِيقًا لِوُجُودِهَا حِسًّا وَوَقَعَ الطَّلَاقُ فِعْلًا أَوْ تَقْدِيرًا كَمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقًا فِي أَجْنَبِيَّةٍ عَلَى تَقْدِيرِ تَزْوِيجِهَا وَلِذَا قَالَ فِيهَا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إنْ تَزَوَّجْتهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّعْلِيقَ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ اللَّافِظِ وَلَوْ بِسِيَاقٍ أَوْ نِيَّةٍ وَهَذَا الشَّرْطُ الْأَوَّلُ لِلْمَحَلِّ وَذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرْطًا آخَرَ بَعْدُ قَالَ فِيهِ وَشَرْطُ اعْتِبَارِ الْمَحِلِّ مُقَارَنَةُ سَبَبِ الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا زَادَ ذَلِكَ فِي شَرْطِ اعْتِبَارِ الْمَحِلِّ لِيُدْخِلَ صُورَةَ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرَهَا إذَا حَلَفَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا لَا أَكَلْت هَذَا الرَّغِيفَ ثُمَّ أَبَانَهَا فَأَكَلَتْهُ أَوْ لَمْ يُبِنْهَا بِالثَّلَاثِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ رَاجَعَهَا وَأَكَلَتْ بَقِيَّتَهُ حَنِثَ وَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ فَإِنْ أَبَانَهَا بِالثَّلَاثِ ثُمَّ رَاجَعَهَا وَأَكَلَتْ فَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ فَلِذَا قَالَ شَرْطُ اعْتِبَارِ الْمَحِلِّ أَيْضًا مُقَارَنَةُ سَبَبِ الطَّلَاقِ فَتَأَمَّلْهُ وَسَبَبُ الطَّلَاقِ هُوَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْقُصُورِ مَعَ اللَّفْظِ وَانْظُرْ مَا هُنَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهَا أَبْحَاثٌ تَأَمَّلْ ذَلِكَ فِيهِ. [بَابُ الْقَصْدِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ فِي الطَّلَاقِ] (ق ص د) : بَابُ الْقَصْدِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ فِي الطَّلَاقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " شَرْطُهُ تَعَلُّقُهُ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ مَعَهُ " قَوْلُهُ " شَرْطُهُ " يَعْنِي شَرْطُ اعْتِبَارِ قَصْدِ الطَّلَاقِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْقَصْدَ الْمُجَرَّدَ عَنْ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ شَرْعًا وَانْظُرْ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَرَافِيُّ مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ بِالنِّيَّةِ لَا يَلْزَمُ اتِّفَاقًا إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الطَّلَاقِ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ قَوْلُهُ " تَعَلُّقُهُ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ " كَمَا إذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَصَدَ النُّطْقَ بِهِ فِي الطَّلَاقِ فَإِنْ نَطَقَ بِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ فَظَاهِرُهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ خِلَافًا وَكَذَا إذَا قَصَدَ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَجَرَى لِسَانُهُ عَلَى قَوْلِهِ كُلِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ سَبْقَ اللِّسَانِ لَغْوٌ وَكَذَا إذَا نَوَى لَفْظًا فَغَلَبَهُ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ امْرَأَةٌ اسْمُهَا طَالِقٌ فَنَادَاهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " أَوْ غَيْرِهِ مَعَهُ " مَعْنَاهُ غَيْرُ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الطَّلَاقِ مَعَ الْقَصْدِ كَالْإِشَارَةِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِمَّا قُصِدَ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ الْأَفْعَالِ أَوْ اللَّفْظِ الَّذِي لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ مِنْ بَابِ الدَّلَالَةِ بِاللَّفْظِ وَغَيْرُ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الطَّلَاقِ هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) الْكِنَايَاتُ الظَّاهِرَةُ كَيْفَ تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ (قُلْتُ) تَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي أَصْلِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَا يُبْنَى عَلَى ذَلِكَ لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ لَفْظِ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ] (ط ل ق) بَابُ لَفْظِ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " هُوَ مَا لَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ بِنِيَّةِ صَرْفِهِ " مَعْنَاهُ مَا لَا تَنْفَعُ فِيهِ النِّيَّةُ فِي رَفْعِهِ. [بَابُ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ] كني بَابُ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ قَالَ " مَا يُصْرَفُ عَنْهُ بِهَا " مَعْنَاهُ لَفْظٌ يَنْفَعُ صَرْفُهُ عَنْ الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ. [بَابُ الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ] (ك ن ي) بَابُ الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ قَالَ " هِيَ مَا تَتَوَقَّفُ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ عَلَيْهَا " أَيْ لَفْظٌ تَتَوَقَّفُ دَلَالَتُهُ عَلَى الطَّلَاقِ عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ مِنْ اللَّافِظِ. [بَابُ شَرْطِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ] (ط ل ق) بَابُ شَرْطِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ قَالَ " شَرْطُهُ الِاتِّصَالُ وَعَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ " زَادَ اللَّخْمِيُّ وَشَرْطُ نِيَّتِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْيَمِينِ قَوْلُهُ " الِاتِّصَالُ " قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَلِذَا قَالَ كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 مَرَّ فِي الْأَيْمَانِ قَوْلُهُ " وَعَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ " قَالَ فِي الْمَحْصُولِ الْإِجْمَاعُ عَلَى فَسَادِهِ اُنْظُرْ مَا نُقِلَ هُنَا عَنْ الْقَرَافِيُّ مِنْ الْخِلَافِ عَنْ ابْنِ طَلْحَةَ وَعَرَّفَ الشَّيْخُ هُنَا بِهِ وَنُسِبَ الشَّيْخُ إلَى الْوَهْمِ فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّ ابْنَ طَلْحَةَ الْمَنْقُولَ عَنْهُ هُوَ الْمُعَرِّفُ بِهِ بَلْ هُوَ غَيْرُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى مَاضٍ الْمُخْتَلَفِ فِي حِنْثِهِ] طلق بَابٌ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى مَاضٍ الْمُخْتَلَفِ فِي حِنْثِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا مَعْنَاهُ " الْمُعَلَّقُ عَلَى فِعْلٍ مُرَتَّبٍ عَلَى فَرْضٍ مَاضٍ لَمْ يَقَعْ " قَوْلُهُ " الْمُعَلَّقُ " احْتَرَزَ بِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُعَلَّقِ " قَوْلُهُ عَلَى فِعْلٍ مُرَتَّبٍ " أَخْرَجَ مَا لَيْسَ بِمُرَتَّبٍ عَلَى فَرْضِ قَوْلِهِ " مَاضٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْمُسْتَقْبِلَ قَوْلُهُ " لَمْ يَقَعْ " أَخْرَجَ بِهِ مَا وَقَعَ فَإِذَا تَوَفَّرَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ مِنْ الْحَالِفِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يُحْكَمُ بِحِنْثِهِ أَمْ لَا وَصُورَتُهُ لَوْ جِئْتنِي بِالْأَمْسِ لَقَضَيْتُك حَقَّك وَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ كُنْت حَاضِرَ الشِّرْكِ مَعَ أَخِي لَفَقَأْتُ عَيْنَك وَيَتَحَصَّلُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْحِنْثُ مُطْلَقًا وَعَدَمُهُ وَالتَّفْصِيلُ إنْ كَانَ الْفِعْلُ مَمْنُوعًا حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنَّمَا كَانَ حَانِثًا فِي الْمَمْنُوعِ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى مَا لَا يَبَرُّ فِيهِ وَلِأَنِّي مِثْلُهُ كَذَا قِيلَ وَبَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نُشِيرُ إلَى مَا عَادَةُ الطَّلَبَةِ يَمُرُّونَ عَلَى أَشْكَالِهِ لِتَتِمَّ الْفَائِدَةُ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا تَكَلَّمَ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَلَامِيِّ عَلَى التَّوْبَةِ وَعَرَّفَهَا فَقَالَ هِيَ النَّدَمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لِأَجْلِ مَا يَجِبُ النَّدَمُ لَهُ قَالَ زَادَ الْآمِدِيُّ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ لِمِثْلِهِ إنْ أَمْكَنَهُ كَتَوْبَةِ الزَّانِي السَّلِيمِ لَا الْمَجْبُوبِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَوْبَتِهِ هَذَا الْعَزْمُ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ أَنَّهُ لَا تُتَصَوَّرُ تَوْبَتُهُ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ أَبِي هَاشِمٍ هُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْخِلَافِ بِالطَّلَاقِ لَوْ كُنْت حَاضِرَ الشِّرْكِ مَعَ أَخِي لَفَقَأْت عَيْنَك إنْ اعْتَبَرْنَا الْعَزْمَ لِذَاتِهِ. وَإِنْ اُعْتُبِرَ لِتَرْكِ الْمَعْزُومِ عَلَيْهِ فَحُصُولُهُ فِي الْمَجْبُوبِ تَمَّ فَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ الْإِجْرَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَمْ يَظْهَرْ لِكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَكُنْتُ أُقَرِّرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ فَإِنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا ذَكَرَ فِي الزَّانِي إذَا جُبَّ هَلْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَتَصِحُّ أَمْ لَا تَوْبَةَ لَهُ وَنُقِلَ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ تَصِحُّ تَوْبَتُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَزْمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 الْمُشْتَرَطُ فِي التَّوْبَةِ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ أَنَّهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعَزْمَ الْمَذْكُورَ شَرْطٌ فِي التَّوْبَةِ وَإِذَا تَعَذَّرَ الشَّرْطُ تَعَذَّرَ الْمَشْرُوطُ وَالشَّرْطُ هُنَا مُتَعَذِّرٌ لِاسْتِحَالَةِ الزِّنَا عَادَةً مِنْ الْمَجْبُوبِ وَذَلِكَ الْمُتَعَذِّرُ هُوَ الَّذِي يَعْزِمُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ فَلَمَّا حَقَّقَ ذَلِكَ كَأَنَّهُ فَصَّلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ لَا يَخْلُو أَنْ نَقُولَ بِأَنَّ الْعَزْمَ إنَّمَا هُوَ مَشْرُوطٌ قَصْدًا أَوْ إنَّهُ مَشْرُوطٌ وَسِيلَةً لِتَرْكِ الْمَعْزُومِ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِتَرْكِ الْمَعْزُومِ عَلَيْهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ حُصُولَ تَرْكِ الْمَعْزُومِ عَلَيْهِ فِي الْمَجْبُوبِ أَشَدُّ مِنْ تَرْكِهِ فِي غَيْرِ الْمَجْبُوبِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَجْبُوبِ ذَلِكَ وَتَصِحُّ مِنْهُ التَّوْبَةُ كَمَا ذَكَرَتْهُ الْجَمَاعَةُ لِأَجْلِ مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ كَوْنِ الْعَزْمِ إنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْعَزْمَ إنَّمَا طُلِبَ فِي التَّوْبَةِ لِذَاتِهِ وَعَلَيْهِ مَضَى أَبُو هَاشِمٍ فِي الْمَجْبُوبِ فَهَذَا يَشْهَدُ لَهُ مَا وَقَعَ لِلْمَشْهُورِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ قَالَ بِالْحِنْثِ فِيهَا مَعَ كَوْنِهِ قَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى فِعْلٍ مُعَلَّقٍ عَلَى أَمْرٍ قَدْ عَزَمَ عَلَى فِعْلِهِ عَلَى تَقْدِيرِهِ فِيمَا مَضَى مَعَ اسْتِحَالَةِ وُجُودِ ذَلِكَ الْفِعْلِ حَالَ الْعَزْمِ مُمْكِنًا فَكَمَا لَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ الْمَجْبُوبِ لِاسْتِحَالَةِ تَقْدِيرِ الْعَزْمِ فِيهِ عَلَى تَرْكِ الْمَعْدُومِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وُجُودُ الْبِرِّ مِنْ الْحَالِفِ الْمَذْكُورِ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ الْعَزْمِ فِيهِ الْمَطْلُوبُ لِذَاتِهِ وَلِذَا حَنِثَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرَادَ التَّقْسِيمَ أَنَّ الْعَزْمَ إنْ طُلِبَ لِذَاتِهِ فِي التَّوْبَةِ صَحَّ قَوْلُ أَبِي هَاشِمٍ فِي عَدَمِ صِحَّةِ تَوْبَةِ الْمَجْبُوبِ وَجَرَى ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيمَا ذَكَرَ وَكَانَ دَلِيلًا لَهُ وَإِنْ كَانَ وَسِيلَةً لِتَرْكِ الْمَعْزُومِ عَلَيْهِ صَحَّ قَوْلُ الْجُمْهُورِ إنَّ تَوْبَةَ الْمَجْبُوبِ صَحِيحَةٌ بِمَا ذَكَرَ وَكَانَ يَمُرُّ لَنَا أَنَّ الْقَائِلَ بِالْحِنْثِ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ إنَّمَا عَلَّلَهَا أَهْلُ الْمَذْهَبِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى مَا لَا يَبَرُّ فِيهِ وَلَا فِي مِثْلِهِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُغَايِرَةٌ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ إذَا تَأَمَّلْتَهَا وَفِي ذَلِكَ بَحْثٌ لَا يَخْفَى لِأَنَّ عِلَّةَ الشَّيْخِ تُوجِبُ الْحِنْثَ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِي تَنْجِيزِهِ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمُحَالِ. [بَابٌ فِيمَا يُنْجَزُ فِيهِ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ] (ط ل ق) بَابٌ فِيمَا يُنْجَزُ فِيهِ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِاتِّفَاقٍ " هُوَ مَا عُلِّقَ بِأَجَلٍ يَبْلُغُهُ عَادَةً " هَذَا ظَاهِرٌ كَمَنْ كَانَ عُمْرُهُ ثَلَاثِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 سَنَةً ثُمَّ عَلَّقَ الطَّلَاقَ إلَى الثَّلَاثِينَ فَإِنَّهُ يُنْجَزُ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ كَمَا إذَا قَالَ مِائَةُ سَنَةً فَلَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بِاتِّفَاقٍ اُنْظُرْهُ. [بَابُ الْمُخْتَلَفِ فِي تَنْجِيزِهِ مِنْ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ] خَلْف بَابُ الْمُخْتَلَفِ فِي تَنْجِيزِهِ مِنْ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ قَالَ " الْمُعَلَّقُ عَلَى غَالِبِ الْوُجُودِ كَتَعْلِيقِهِ عَلَى الْحَيْضِ أَوْ إذَا قَالَ لِحَامِلٍ إذَا وَضَعْت ". [بَابُ التَّوْكِيلِ فِي الطَّلَاقِ] (وك ل) بَابُ التَّوْكِيلِ فِي الطَّلَاقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " جَعْلُ إنْشَائِهِ بِيَدِ الْغَيْرِ بَاقِيًا مَنْعَ الزَّوْجِ مِنْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ صَيَّرَ جِنْسَ الثَّلَاثِ التَّفْوِيضَ وَلَمْ يُعَرِّفْهَا وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَيَّرَ الْجِنْسَ لَهَا الْجَعْلَ وَهُوَ وَالصَّوَابُ وَإِلَيْهِ رَجَعَ فِي حَدِّ الْوَكَالَةِ بَعْدَ أَنْ عَرَّفَهَا أَوَّلًا بِلَفْظِ النِّيَابَةِ وَالْمَصْدَرُ فِي الْجَمِيعِ مُضَافٌ إلَى الْمَفْعُولِ وَالْفَاعِلُ الزَّوْجُ أَوْ نَائِبُهُ لِيَدْخُلَ وَكِيلُ الزَّوْجِ إذَا وَكَّلَ آخَرَ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَالْمَعْنَى وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَى الْإِنْشَاءِ يَعُودُ عَلَى الطَّلَاقِ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ وَكَذَلِكَ فِي ثُبُوتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ " جَعْلُ إنْشَائِهِ " أَيْ إنْشَاءِ الطَّلَاقِ وَالْجِنْسُ مُنَاسِبٌ لِلْمَحْدُودِ وَذَلِكَ يَعُمُّ التَّمْلِيكَ وَالتَّخْيِيرَ قَوْلُهُ " بَاقِيًا مَنْعَ الزَّوْجِ مِنْهُ " يُخْرِجُهُمَا لِأَنَّ لَهُ الْعَزْلَ فِي التَّوْكِيلِ وَأَخْرَجَ الرِّسَالَةَ بِقَوْلِهِ " جَعْلُ إنْشَائِهِ " لِأَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يُجْعَلْ لَهُ الْإِنْشَاءُ وَهُوَ جَلِيٌّ وَلَا يُقَالُ الَّذِي وَقَعَ بِالْإِنْشَاءِ إنَّمَا هُوَ التَّطْلِيقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلًا وَهُوَ صَوَابٌ. [بَابُ الرِّسَالَةِ] (ر س ل) بَابُ الرِّسَالَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " جَعْلُ إعْلَامِ الزَّوْجَةِ بِثُبُوتِهِ لِغَيْرِهِ " فَقَوْلُهُ " جَعْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 إعْلَامِ " أَخْرَجَ الْوَكَالَةَ وَالتَّمْلِيكَ وَالتَّخْيِيرَ وَقَوْلُهُ " بِثُبُوتِهِ " أَيْ بِثُبُوتِ الطَّلَاقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْجِنْسُ مُنَاسِبٌ. [بَابُ التَّمْلِيكِ] (م ل ك) بَابُ التَّمْلِيكِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ " جَعْلُ إنْشَائِهِ حَقًّا لِغَيْرِهِ رَاجِحًا فِي الثَّلَاثِ يَخُصُّ فِيمَا دُونَهَا بِنِيَّةِ أَحَدِهِمَا " فَقَوْلُهُ " جَعْلُ إنْشَائِهِ " يَدْخُلُ فِيهِ التَّوْكِيلُ فَأَخْرَجَهُ بِقَوْلِهِ " حَقًّا لِغَيْرِهِ " وَالْحَقُّ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لِغَيْرِهَا ثُمَّ خَرَجَ التَّخْيِيرُ بِقَوْلِهِ " رَاجِحًا فِي الثَّلَاثِ " قَوْلُهُ " يَخُصُّ فِيمَا دُونَهَا بِنِيَّةٍ أَحَدُهُمَا " أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَهُ مُنَاكَرَتُهَا وَيَصْدُقُ فِيمَا زَادَ عَلَى وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي التَّمْلِيكِ وَإِلَّا فَلَا مُنَاكَرَةَ لَهُ وَالضَّمِيرُ فِي دُونِهَا يَعُودُ عَلَى الثَّلَاثِ وَضَمِيرُ أَحَدِهِمَا يَعُودُ عَلَى الزَّوْجَيْنِ. [بَابُ التَّخْيِيرِ] (خ ي ر) بَابُ التَّخْيِيرِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " جَعْلُ الزَّوْجِ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا حُكْمًا أَوْ نَصًّا عَلَيْهَا حَقًّا لِغَيْرِهِ " قَوْلُهُ " نَصًّا أَوْ حُكْمًا " أَخْرَجَ بِهِ التَّمْلِيكَ وَالْحُكْمَ كَقَوْلِهِ خَيَّرْتُك وَمَا شَابَهَهُ وَالنَّصُّ مَلَّكْتُك ثَلَاثًا فَإِنْ (قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ قَالَ الشَّيْخُ هُنَا جَعْلُ الزَّوْجِ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَقُلْ فِي التَّمْلِيكِ كَذَلِكَ بَلْ حَذَفَ الزَّوْجَ وَأَتَى بِالْكِنَايَةِ عَنْ الطَّلَاقِ وَهَلَّا قَالَ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَقُولُ جَعْلُ إنْشَائِهِ ثَلَاثًا حُكْمًا أَوْ نَصًّا حَقًّا لِغَيْرِهِ وَهُوَ أَخْصَرُ مِنْ لَفْظِهِ (قُلْتُ) هَذَا غَيْرُ مُطَّرِدٍ بِتَقْدِيرِ الشَّارِعِ هَذَا الْحُكْمُ لِلْغَيْرِ (فَإِنْ قُلْتَ) إنْ صَحَّ الْجَوَابُ هُنَا فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَلَى التَّمْلِيكِ (قُلْتُ) لَا يَرُدُّ إذَا تُؤُمِّلَ (فَإِنْ قُلْتَ) لِسَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا قَالَ لِلزَّوْجَةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ خَيَّرْتُك فَلَهُ الْمُنَاكَرَةُ وَإِذَا صَحَّتْ الْمُنَاكَرَةُ فِي الْعَدَدِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ صُورَةِ التَّمْلِيكِ لِأَنَّ مِنْ خَاصِّيَّتِهِ الْمُنَاكَرَةُ لِعَدَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى الثَّلَاثِ حُكْمًا أَوْ نَصًّا (قُلْتُ) لَعَلَّ جَوَابَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّ الصُّورَةَ مِنْ التَّخْيِيرِ أُلْحِقَتْ بِالتَّمْلِيكِ لِقَرِينَةٍ وَفِي الدَّعْوَى مَا يَصْدُقُهَا وَفِيهِ بَحْثٌ (فَإِنْ قُلْتَ) يَرِدُ أَيْضًا عَلَى حَدِّ التَّمْلِيكِ إذَا قَالَ لَهَا مَلَّكْتُك طَلْقَةً فَهَذَا تَمْلِيكٌ وَلَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ رَاجِحًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 فِي الثَّلَاثِ فَيَكُونُ الْحَدُّ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ وَيُقَالُ أَيْضًا إذَا كَانَ التَّمْلِيكُ شَرْطًا فِي أَصْلِ الْعُقْدَةِ فَلَا مُنَاكَرَةَ لِلزَّوْجِ وَقَدْ قُلْتُمْ مَنْ لَازِمِهِ صِحَّةُ الْمُنَاكَرَةِ (قُلْتُ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ الرَّسْمُ إنَّمَا هُوَ لِلتَّمْلِيكِ الْمُطْلَقِ لَا لِتَمْلِيكٍ خَاصٍّ وَهَذَا تَمْلِيكٌ فِي وَاحِدَةٍ فَتَأَمَّلْهُ فَفِيهِ بَحْثٌ وَهَذِهِ الْأَسْئِلَةُ أَقْوَى مِنْ أَجْوِبَتِهَا. [بَابٌ فِي صِيغَةِ التَّخْيِيرِ] (ص وغ) بَابٌ فِي صِيغَةِ التَّخْيِيرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " صِيغَتُهُ فِيهَا اخْتَارِي نَفْسَك " وَرُوِيَ أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا أَوْ اخْتَارِي أَمْرَك ثَلَاثًا (فَإِنْ قُلْتَ) مَرَّ لَنَا إشْكَالٌ فِي فَهْمِ سِرِّ تَعْبِيرِهِ فِي صِيغَةِ التَّخْيِيرِ بِمَا رَأَيْته وَلَمْ يُعَبِّرْ بِذَلِكَ فِي صِيغَةِ التَّمْلِيكِ وَلَمْ يَمْضِ لَنَا قُوَّةُ جَوَابٍ بَعْدَ مُرَاجَعَةٍ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي صِيغَةِ التَّمْلِيكِ] (ص وغ) بَابٌ فِي صِيغَةِ التَّمْلِيكِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى جَعْلِ الطَّلَاقِ بِيَدِهَا أَوْ بِيَدِ غَيْرِهَا دُونَ تَخْيِيرٍ " كَذَا وَجَدْت هَذَا الرَّسْمَ أَوْ الضَّابِطَ وَلَمْ يَظْهَرْ لَنَا سِرُّ تَقْيِيدِهِ بِمَا رَأَيْته مَعَ أَنَّهُ عَبَّرَ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ فِي النِّكَاحِ الصِّيغَةُ مَا دَلَّ إلَى آخِرِهِ وَفِي الْعُمْرَى الصِّيغَةُ مَا دَلَّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَعَبَّرَ بِمَا دَلَّ وَعَبَّرَ هُنَا بِمَا رَأَيْته مَعَ أَنَّ مَا دَلَّ أَخْصَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ إنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَى هُنَا بِلَفْظِ كُلٍّ فِي هَذَا الرَّسْمِ وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ قَصَدَ الضَّابِطَ لَكِنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَ التَّخْيِيرَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ الرَّسْمَ كَذَلِكَ مَضَى فَهْمُهُ عِنْدِي وَلَوْ قَالَ لَفْظٌ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ لَدَخَلْت الْإِشَارَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ يَرِدُ عَلَى رَسْمِهِ صِيغَةُ التَّمْلِيكِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ قَصَدَ الضَّابِطَ كَذَا مَرَّ لَنَا فِي الْجَوَابِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى لِأَنَّهُ أَخْرَجَ التَّخْيِيرَ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى. [بَابُ جَوَابِ الْمَرْأَةِ فِي قَصْدِ التَّمْلِيكِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ " (قُلْت) أَمَّا الْقَوْلُ فَظَاهِرٌ وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وَكِنَايَةٍ وَأَمَّا الْفِعْلُ فَكَمَا إذَا نَقَلَتْ مَتَاعًا لَهَا وَارْتَحَلَتْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ مِمَّا يُشْبِهُ الْجَوَابَ فَإِنَّهَا تُسْأَلُ فَإِنْ قَالَتْ أَرَدْتُ الطَّلَاقَ صُدِّقَتْ وَإِنْ أَرَادَتْ الْفِرَاقَ وَلَا نِيَّةَ لَهَا فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ اُنْظُرْهُ وَتَأَمَّلْ إطْلَاقَ الشَّيْخِ الْفِعْلَ فَفِيهِ مَا يُنْظَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي الرَّجْعَةِ] (ر ج ع) بَابٌ فِي الرَّجْعَةِ تُقَالُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَصَوَّبَ الْجَوْهَرِيُّ الْفَتْحَ وَوَقَعَ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ بِالْكَسْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " رَفْعُ الزَّوْجِ أَوْ الْحَاكِمِ حُرْمَةَ الْمُتْعَةِ بِالزَّوْجَةِ لِطَلَاقِهَا قَالَ فَتَخْرُجُ الْمُرَاجَعَةُ قَالَ وَعَلَى رَأْيٍ رَفْعُ إيجَابِ الطَّلَاقِ حُرْمَةَ الْمُتْعَةِ بِالزَّوْجَةِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا " ثُمَّ نَقَلَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ حَدَّ الرَّجْعَةَ بِقَوْلِهِ رَدُّ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ قَاصِرٍ عَنْ الْغَايَةِ ابْتِدَاءً غَيْرُ خُلْعٍ بَعْدَ دُخُولٍ وَوَطْءٍ جَائِزٍ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " قَبِلُوهُ وَيَبْطُلُ طَرْدُهُ بِتَزْوِيجِ مَنْ صَحَّ رَجْعَتُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا " فَنَقُولُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَدَّ الْمُعْتَدَّةَ كَأَنَّهُ كَالْجِنْسِ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ إذَا رَدَّ مُعْتَدَّةً مَعَ كَوْنِ الطَّلَاقِ بَائِنًا وَيَشْمَلُ غَيْرَهُ وَقَوْلُهُ الْمُعْتَدَّةُ احْتَرَزَ بِهِ إذَا خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا مُرَاجَعَةٌ لَا رَجْعَةٌ قَوْلُهُ عَنْ طَلَاقٍ قَاصِرٍ أَيْ رَدُّ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ بِالطَّلَاقِ قَوْلُهُ قَاصِرٍ عَنْ الْغَايَةِ احْتَرَزَ بِهِ إذَا رَدَّهَا بَعْدَ غَايَةِ الطَّلَاقِ إمَّا بِالثَّلَاثِ فِي الْحُرِّ أَوْ بِاثْنَيْنِ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِرَجْعَةٍ. قَوْلُهُ ابْتِدَاءً قَرَّرَهُ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِوَجْهَيْنِ اُنْظُرْهُ قَوْلُهُ غَيْرُ خُلْعٍ أَخْرَجَ بِهِ طَلَاقَ الْخُلْعِ لِأَنَّ مَا يَقَعُ بَعْدَهُ مُرَاجَعَةٌ لَا رَجْعَةٌ وَكَذَلِكَ بَعْدَ دُخُولِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 إلَخْ اُنْظُرْ شَارِحَهُ وَمَا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْئِلَةِ وَفِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهَا بَحْثٌ لَا يَخْفَى فَلْنَرْجِعْ إلَى اعْتِرَاضِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَذَا الرَّسْمِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ اخْتَصَّ بِهِ بَعْدَ أَنْ قَبِلَهُ شُرَّاحُهُ قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ إلَخْ مَعْنَاهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ فِيهَا الْحَدُّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِرَجْعَةٍ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ يَقُولُ الشَّيْخُ قَبِلُوهُ وَقَدْ اسْتَحْضَرَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِثْلَ هَذَا الرَّدِّ وَأَخْرَجَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ الْمُعْتَدَّةُ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِمُعْتَدَّةٍ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ مَضَى عَلَى أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ إطْلَاقُهُ عَلَى مَا مَضَى حَقِيقَةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذَا خِلَافُ مَا يَنُصُّ عَلَيْهِ فِي اللِّعَانِ وَوَجَدَ بِخَطِّ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا فِي رَدِّهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي مُبَيَّضَتِهِ كَلَامٌ يُتَأَمَّلُ فِيهِ وَلَفْظُهُ فَإِنْ قِيلَ هِيَ بَعْدَ الْعِدَّةِ غَيْرُ مُعْتَدَّةٍ مُنِعَ لِأَنَّ الْمُشْتَقَّ مِنْ مَعْنًى لَا يَصْدُقُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ حُصُولِهِ لَا قَبْلَ تَمَامِهِ كَالْقَاتِلِ وَلِقَوْلِهَا إنْ قَالَتْ الْمُعْتَدَّةُ قَدْ دَخَلْت فِي دَمِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ قَالَتْ كُنْت كَاذِبَةً انْتَهَى وَتَأَمَّلْ هَذَا الْكَلَامَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إلْزَامَاتٌ شَنِيعَةٌ وَأَمَّا حَدُّ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ فَالْمَحْدُودُ هُوَ الْمَصْدَرُ وَلِذَا أَتَى بِالرَّفْعِ وَهُوَ مَصْدَرٌ وَالرَّفْعُ جِنْسٌ وَذِكْرُ الزَّوْجِ أَخْرَجَ بِهِ رَفْعَ غَيْرِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَقَعُ بِهِ رَفْعُ الْحُرْمَةِ وَهُوَ مَا تَقَعُ بِهِ الرَّجْعَةُ وَالْمَرْفُوعُ بِهِ نِيَّةٌ وَلَفْظٌ وَلَا يَقَعُ ذَلِكَ بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. فَإِنْ قَالَ مَتَى طَلَّقْتُك فَقَدْ ارْتَجَعْتُك فَهَلْ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِذَلِكَ قَالَ فِي سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ لَا تَصِحُّ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ (فَإِنْ قُلْتَ) إنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتهَا فَقَدْ طَلَّقْتهَا فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَازِمٌ فَمَا الْفَرْقُ (قُلْتُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الطَّلَاقُ حَقٌّ عَلَى الرَّجُلِ وَالرَّجْعَةُ حَقٌّ لَهُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ بِالْتِزَامِهِ وَاَلَّذِي لَهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ " أَوْ الْحَاكِمُ " أَشَارَ بِهِ إلَى إدْخَالِ مَا إذَا طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ وَامْتَنَعَ مِنْ الرَّجْعَةِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالرَّجْعَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالرَّجْعَةِ (قُلْتُ) كَمَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِرَفْعِ الْحُرْمَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ حُرْمَةَ الْمُتْعَةِ تَرْتَفِعُ بِرَجْعَةِ الْحَاكِمِ فَيَصِحُّ وَطْءُ الزَّوْجِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 بِهَا وَهُوَ لَا يَجُوزُ. (قُلْتُ) بَلْ الْأَصَحُّ جَوَازُ الْوَطْءِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ قَوْلُهُ " حُرْمَةُ الْمُتْعَةِ " هَذَا هُوَ الْمَرْفُوعُ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ رَفْعِ الْحِلِّيَّةِ قَوْلُهُ " بِطَلَاقِهَا " مُتَعَلِّقٌ بِالْحُرْمَةِ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ رَفْعِ الزَّوْجِ الْحُرْمَةَ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ كَمَا إذَا رَفَعَ حُرْمَةَ الظِّهَارِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا وَقَعَ الظِّهَارُ فَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ وَأَمَّا الْمُتْعَةُ فَلَا فَلَا يَدْخُلُ الظِّهَارُ فِي الْحَدِّ فَكَيْفَ يَخْرُجُ مِنْهُ مَا لَا دُخُولَ لَهُ (قُلْتُ) بَلْ تَحْرُمُ الْمُتْعَةُ كَالْقُبْلَةِ وَمَا شَابَهَهَا وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ ذَلِكَ وَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " فَتَخْرُجُ الْمُرَاجَعَةُ " إنَّمَا خَرَجَتْ لِأَنَّهَا مُفَاعِلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالرَّجْعَةُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ فَخَرَجَتْ مِنْ قَوْلِهِ " رَفْعُ الزَّوْجِ " وَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " وَعَلَى رَأْيٍ " إلَخْ هَذَا أَشَارَ بِهِ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ بَشِيرٍ وَأَشَارَ إلَى هَذَا آخِرَ الرَّجْعَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي رَسْمِ الطَّلَاقِ وَهُوَ أَنَّ عِيَاضًا يَقُولُ إنَّهَا مُحَرَّمَةٌ حَتَّى يَرْتَجِعَ وَابْنُ بَشِيرٍ يَقُولُ إنَّهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ وَتَقَدَّمَ إشْكَالُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ هُنَا وَلَمْ يَزِدْهَا فِي الطَّلَاقِ وَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ عِيَاضٍ هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِهِ لَا يَرَى شَعْرَهَا وَلَا يَتَلَذَّذُ بِهَا (فَإِنْ قُلْتَ) مَا سِرُّ كَوْنِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الطَّلَاقِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ الرَّفْعَ إلَخْ وَلَمْ يَقُلْ هُنَا فِي الرَّجْعَةِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ إبَاحَةَ الْمُتْعَةِ إلَخْ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَأَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الرَّجْعَةَ عُرْفًا الْمُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ وَذَلِكَ الْمَصْدَرُ يَسْتَلْزِمُ مَعْنًى يَتَّصِفُ بِهِ الزَّوْجُ كَالتَّطْهِيرِ مَعَ الطَّهَارَةِ وَالطَّلَاقُ الْمُرَادُ مِنْهُ عُرْفًا الْمَعْنَى أَوْ الصِّفَةُ وَإِنْ كَانَ مُرَادًا بِهِ التَّطْلِيقُ أَيْضًا وَالتَّطْلِيقُ غَيْرُ الصِّفَةِ فَيَصِحُّ مُرَاعَاةُ الصِّفَةِ وَيَصِحُّ مُرَاعَاةُ الْفِعْلِ فَرَاعَى مَا غَلَبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى تَحْقِيقِ الِاسْتِعْمَالِ وَغَلَبَتِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَهُوَ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي الْمُرَاجَعَةِ] (ر ج ع) بَابٌ فِي الْمُرَاجَعَةِ لَمْ أَرَ الشَّيْخَ حَدَّهَا وَيُمْكِنُ أَنَّهُ رَأَى أَنَّهَا تَدْخُلُ تَحْتَ حَدِّ النِّكَاحِ لِأَنَّ النِّكَاحَ إمَّا بِمُرَاجَعَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا فَيُقَالُ فِيهَا نِكَاحٌ مِنْ زَوْجٍ فِي زَوْجَةٍ أَبَانَهَا بِغَيْرِ الثَّلَاثِ. [بَابُ صِيغَةِ الرَّجْعَةِ] نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ " رَاجَعْتُهَا وَارْتَجَعْتُهَا ابْنُ شَاسٍ وَرَجَعْتُهَا وَرَدَدْتُهَا إلَى النِّكَاحِ وَلَفْظُ الْإِمْسَاكِ وَكُلُّ لَفْظٍ يَحْتَمِلُ الِارْتِجَاعَ إذَا نَوَاهُ بِهِ " هَذَا الْكَلَامُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ قَسَمَ مَا يَقَعُ الِارْتِجَاعُ بِهِ إلَى قِسْمَيْنِ صَرِيحًا وَمُحْتَمِلًا بِنِيَّةٍ وَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ مَا دَلَّ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 الِارْتِجَاعِ صَرِيحًا أَوْ مُحْتَمِلًا بِنِيَّةٍ كَمَا ذَكَرَ فِي التَّمْلِيكِ ثُمَّ يَذْكُرُ الْأَمْثِلَةَ (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ قَالَ رَاجَعْتُك ثُمَّ قَالَ كُنْت لَاعِبًا فَهِيَ رَجْعَةٌ فَظَاهِرُهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ (قُلْتُ) لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فِي ادِّعَائِهِ عَدَمَ النِّيَّةِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَوْلُ دُونَ نِيَّةٍ لَا تَصِحُّ بِهِ رَجْعَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِالظَّاهِرِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ طَلَاقِ الْمُسْتَفْتِي دُونَ نِيَّةٍ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَنَّ اللَّفْظَ الصَّرِيحَ لَا يَفْتَقِرُ لِلنِّيَّةِ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْإِيلَاءِ] (ء ل و) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الْإِيلَاءِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " حَلِفُ زَوْجٍ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ يُوجِبُ خِيَارَهَا فِي طَلَاقِهِ " ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ رَسْمَهُ فِي قَوْلِهِ الْحَلِفُ بِيَمِينٍ يَتَضَمَّنُ تَرْكَ وَطْءِ الزَّوْجَةِ غَيْرِ الْمُرْضِعِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يَلْزَمُ الْحِنْثَ فِيهَا حُكْمًا فَلْنُشِرْ إلَى بَيَانِهِ لِيَظْهَرَ رَدُّهُ عَلَيْهِ فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ حَلِفُ الْإِيلَاءِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْيَمِينُ مُطْلَقًا وَقِيلَ هُوَ الِامْتِنَاعُ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي امْتِنَاعٍ خَاصٍّ وَكَأَنَّ الشَّيْخَ ابْنَ الْحَاجِبِ فَهِمَ أَنَّ الْإِيلَاءَ اللُّغَوِيَّ اُسْتُعْمِلَ فِي بَعْضِ مَدْلُولِهِ شَرْعًا بِنَقْلٍ أَوْ تَخْصِيصٍ وَذِكْرُ الْيَمِينِ ثَانِيًا اعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً قَوْلُهُ يَتَضَمَّنُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّضْمِينَ اللُّغَوِيَّ الَّذِي يَعُمُّ الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثَ وَزَادَ غَيْرَ الْمُرْضِعَةِ لِيُخْرِجَ بِهِ صُورَةَ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ ضَرَرًا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا حَلَفَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ فَمَا دُونَهَا قَوْلُهُ يَلْزَمُ الْحِنْثُ فِيهَا حُكْمًا أَخْرَجَ بِهِ إنْ وَطَأْتُكِ فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى السُّوقِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَلْزَمُ شَرْعًا وَلِلشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هُنَا كَلَامٌ حَسَنٌ رَتَّبَهُ عَلَى هَذَا الرَّسْمِ اُنْظُرْهُ وَلَوْلَا الْخُرُوجُ عَنْ الْمَقْصِدِ لَذَكَرْنَا مَا يَلِيقُ بِهِ فَإِذَا عَرَّفْنَا كَلَامَهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ. فَقَوْلُ الشَّيْخِ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَبِلُوهُ إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقُولُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ قَبْلَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 صُورَةُ الْمُدَوَّنَةِ دَائِمًا إمَّا أَنْ تَكُونَ وَارِدَةً عَلَى طَرْدِهِ أَوْ وَارِدَةً عَلَى عَكْسِهِ بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ قَالَ فِيهَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك فِي هَذِهِ الدَّارِ سَنَةً فَلَيْسَ بِمُولٍ وَيُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ لِوَطْئِهَا إنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ أَوْ فِي هَذَا الْمِصْرِ فَهُوَ مُولٍ وَبَيَانُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَا يَخْلُو أَنْ تَرِدَ عَلَى الطَّرْدِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ أَنْ نَقُولَ لِأَيِّ شَيْءٍ قُلْتُمْ إنَّهُ غَيْرُ مُولٍ فِي صُورَةِ الدَّارِ فَإِنْ عَلَّلْتُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ فِيهِ رَسْمُ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ الْمُدَّةَ الْمَعْلُومَةَ يَسْتَدْعِي بَقَاءَ تَرْكِ الْوَطْءِ الْمُطْلَقِ بِاعْتِبَارِ الْبِقَاعِ وَغَيْرِهَا وَالْحَلِفُ فِي الدَّارِ الْمُعَيَّنَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ تَرْكِ الْوَطْءِ فِيهَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ تَرْكِ وَطْءٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ حُصُولُ تَرْكِ الْوَطْءِ الْمُطْلَقِ فَلَا يَقَعُ النَّقْضُ عَلَى طَرْدِ الْحَدِّ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَصْدُقُ فِي الدَّارِ الْمُعَيَّنَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَرِدُ عَلَى الْحَدِّ إبْطَالُ عَكْسِهِ بِصُورَةِ الْبَلْدَةِ أَوْ الْمِصْرِ لِأَنَّهَا مِنْ صُورَةِ الْإِيلَاءِ كَمَا نَصَّ فِيهَا وَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهَا بِعَيْنِ مَا ذَكَرْتُمْ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَسْتَدْعِي تَرْكَ الْوَطْءِ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ تَرْكٌ لِأَخَصَّ. وَإِنْ قُلْتُمْ بِأَنَّ وَطْأَهَا فِي الدَّارِ لَيْسَ بِأَخَصَّ مِنْ مُطْلَقِ الْوَطْءِ بَلْ مُسَاوٍ لَهُ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ غَيْرَ وَارِدَةٍ عَلَى عَكْسِ الْحَدِّ وَالْأُولَى تَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ ثُمَّ أَشَارَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ صُوَرَ الْإِيلَاءِ فِيهَا مَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْإِيلَاءِ وَفِيهِ مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهِيَ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ غَيْرُ مُولٍ وَقَالَ أَصْبَغُ إنَّهُ مُولٍ فَحَدُّ ابْنُ الْحَاجِبِ إنَّمَا يَجْرِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ لَا عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ وَحَدُّ الشَّيْخِ يَجْرِي عَلَى كُلِّ قَوْلٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ فِي الْحَدِّ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى كُلِّ قَوْلٍ وَلَا يَكُونُ حَدًّا عَلَى الْمَشْهُورِ وَحْدَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا الشَّيْخَ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُ الْحَدَّ خَاصًّا بِالْمَشْهُورِ وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ غَالِبُ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ فِي الرُّسُومِ أَنَّ الْحَدَّ لِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَيَبْقَى كَوْنُ مَا سِوَى ذَلِكَ لِلنَّظَرِ قَالَ وَهُوَ الْحَقُّ اُنْظُرْهُ ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى حَدِّ الشَّيْخِ قَوْلُهُ " حَلِفُ " جِنْسٌ مِثْلُ جِنْسِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَوْلُهُ " زَوْجٍ " أَتَى بِهِ مُنْكَرًا وَهُوَ أَخْصَرُ مِنْ لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَوْلُهُ " عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجِهِ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا حَلَفَ عَلَى غَيْرِ تَرْكِ الْوَطْءِ قَوْلُهُ " يُوجِبُ خِيَارَهَا فِي طَلَاقِهِ " أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا بِمَا هُوَ مِثْلُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَأَقَلَّ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا فِي ذَلِكَ. (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 حَلِفٌ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ تَرْكُ الْوَطْءِ فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَلْتَقِي مَعَهَا سَنَةً لَمْ يَحْلِفْ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ (قُلْتُ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ الْتِزَامًا وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ بَعْدُ وَدَلَالَةُ الِالْتِزَامِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ كَدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَغْتَسِلَ مِنْ جَنَابَةٍ سَنَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ الْإِيلَاءِ وَمَا يُقَالُ إنَّ دَلَالَةَ الِالْتِزَامِ مَهْجُورَةٌ فِي الْحُدُودِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ أَوْ اصْطِلَاحٌ وَهُنَا لِلشَّيْخِ بَحْثٌ فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ وَلِشَيْخِهِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بَحْثٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهَا لَا اغْتَسَلْت مِنْ جَنَابَةٍ هَلْ هُوَ كِنَايَةٌ أَمْ لَا (فَإِنْ قُلْتَ) مَا زَادَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي آخِرِهِ فِي قَوْلِهِ يَلْزَمُ الْحِنْثُ فِيهَا حُكْمًا لَا بُدَّ مِنْهُ وَكَيْفَ يُوَفِّي بِهِ كَلَامُ الشَّيْخِ هُنَا مَعَ حَذْفِهِ (قُلْتُ) قَوْلُهُ " يُوجِبُ " إلَخْ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْتِزَامًا لِأَنَّ مَا لَا يُوجِبُ عَلَى زَوْجِهَا حُكْمًا لَا يُوجِبُ لَهَا خِيَارًا فِي نَفْسِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا حَلَفَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيتَ عِنْدَهَا أَبَدًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ بِالْإِضْرَارِ وَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ بِحَالٍ فَظَاهِرُ هَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الِالْتِزَامَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ وَأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُطَابَقَةِ (قُلْتُ) لَيْسَ فِيهِ مَا يُنَاقِضُهُ بِوَجْهٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى مَا يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ الْوَطْءِ وَإِنَّمَا حَلَفَ عَلَى مَا يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ الْوَطْءِ بِلَيْلٍ فَقَطْ فَتَأَمَّلْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى وَقَوْلُهُ " يُوجِبُ خِيَارَهَا " صِفَةٌ لِحَلِفِ الزَّوْجِ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ أَوْجَبَ خِيَارَهَا وَالْمُوجِبُ لِلْخِيَارِ إنَّمَا هُوَ تَلَوُّمُ الْقَاضِي لَهُ فِي الْوَطْءِ فَإِذَا امْتَنَعَ خُيِّرَتْ (قُلْتُ) لَمَّا كَانَ التَّلَوُّمُ مُسَبَّبًا عَنْ الْحَلِفِ صَحَّ أَنَّ سَبَبَ السَّبَبِ سَبَبٌ فَتَأَمَّلْ كَلَامَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (فَإِنْ قُلْتَ) وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا» وَهَذَا إطْلَاقٌ شَرْعِيٌّ وَأَنَّهُ يَكُونُ فِي شَهْرٍ (قُلْتُ) إنَّمَا ذَلِكَ لُغَةً وَالشَّرْعُ قَرَّرَ فِي الْآيَةِ الْعُرْفِيَّ وَقَدْ قَدَّمْنَا إشْكَالَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ عَلَى الْعُرْفِيِّ وَفِي اسْتِدْلَالِ الْفُقَهَاءِ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْإِيلَاءِ بَحْثٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ شَرْطِ الْمُوَلِّي] قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " كَوْنُهُ زَوْجًا مُسْلِمًا مُكَلَّفًا مُمْكِنًا وَطْؤُهُ " وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 [بَابُ التَّلَوُّمِ لِلْمَرْأَةِ فِي الْإِيلَاءِ] ذَكَرَ الشَّيْخُ رَضِيَ عَنْهُ فِي نُسْخَةٍ تُمَكَّن الزَّوْجَةُ مِنْ وَقْفِ زَوْجِهَا الْمُوَلِّي لِتَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ إيلَائِهِ أَوْ ضَرْبِهَا لَفَيْئَتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ مَعْنَى الرَّسْمِ ظَاهِرٌ إذَا عُرِفَ وَجْهُ الْإِيلَاءِ وَصَرِيحُهُ وَزَمَنُ التَّلَوُّمِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. [بَابُ فَيْئَةِ الْمُوَلِّي] اُنْظُرْ مَا ذَكَرَهُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [كِتَابُ الظِّهَارِ] (ظ هـ ر) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الظِّهَارِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " تَشْبِيهُ زَوْجٍ زَوْجَهُ أَوْ ذِي أَمَةٍ حَلَّ وَطْؤُهُ إيَّاهَا بِمَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ بِظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ فِي تَمَتُّعِهِ بِهِمَا وَالْجُزْءُ كَالْكُلِّ وَالْمُعَلَّقُ كَالْحَاصِلِ " ثُمَّ قَالَ " وَأَصْوَبُ مِنْهُ تَشْبِيهُ ذِي حِلِّ مُتْعَةٍ حَاصِلَةٍ أَوْ مُقَدَّرَةٍ بِآدَمِيَّةٍ إيَّاهَا أَوْ جُزْؤُهَا بِظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ بِمَنْ حُرِّمَ أَبَدًا أَوْ جُزْئِهِ فِي الْحُرْمَةِ. ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ تَشْبِيهُ مَنْ يَجُوزُ وَطْؤُهَا بِمَنْ يَحْرُمُ يَبْطُلُ طَرْدُهُ بِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَفُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ فَهِيَ الْبَتَاتُ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّهُ وَلَيْسَ بِظِهَارٍ لِنَصِّهَا قَالَ وَيَبْطُلُ عَكْسُهُ إذَا شَبَّهَ جُزْءَ زَوْجَتِهِ بِأُمِّهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُشَبِّهْ الزَّوْجَةَ كُلَّهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَهَذَا إيرَادٌ ظَاهِرٌ عَلَيْهِ. (فَإِنْ قُلْتَ) لَمَّا شَرَحَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا الرَّسْمَ وَذَكَرَ بَعْضَ اعْتِرَاضَاتٍ وَأَجَابَ عَنْهَا قَالَ وَقَدْ تَرَكْت اعْتِرَاضَاتٍ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ مِمَّا ذَكَرْنَا وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ قَوِيٌّ مِنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكَيْفَ يَقُولُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَا رَأَيْت (قُلْتَ) لَيْسَ هَذَا مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الَّتِي رَآهَا بَلْ مِمَّا ظَهَرَ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَاحِبِ الْفَهْمِ السَّلِيمِ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى رَسْمِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ قَوْلُهُ فِي جِنْسِهِ " تَشْبِيهٌ " التَّشْبِيهُ مَصْدَرٌ وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنًى عَامٍّ وَهُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمُشَارَكَةِ أَمْرٍ لِأَمْرٍ فِي مَعْنًى وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي أَرْبَعَةَ أُمُورٍ مُشَبَّهٌ وَمُشَبَّهٌ بِهِ وَوَجْهٌ وَأَدَاةٌ وَهَذَا يَشْمَلُ الِاسْتِعَارَةَ وَغَيْرَهَا وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنًى أَخَصَّ عِنْدَ أَرْبَابِ الْبَيَانِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ اسْتِعَارَةً وَلَا تَجْرِيدًا وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَعْنَى الْأَخَصُّ وَلَمْ يَقُلْ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ مَعَ أَنَّ التَّشْبِيهَ يُوجِبُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّطْلِيقِ وَالطَّلَاقِ وَيَحْتَاجُ لِجَوَابِهِ وَالتَّشْبِيهُ الْمَذْكُورُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ وَنُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ الْوَانُّوغِيِّ أَنَّهُ قَالَ إعْرَابُ هَذَا الرَّسْمِ يَصْعُبُ عَلَى الْمُبْتَدِئِ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الرَّسْمِ الثَّانِي وَيَظْهَرُ لَك مِمَّا نَذْكُرُهُ مَعَ كُلِّ جُمْلَةٍ فِي تَقْرِيرِهَا وَقَوْلُهُ " زَوْجٌ " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الزَّوْجِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الظِّهَارَ شَرْعًا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّشْبِيهِ الْخَاصِّ بِهِ فَإِذَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ فَهُوَ مِنْ الْكِنَايَاتِ لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّشْبِيهُ الْأَخَصُّ الْمَذْكُورُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ أُمِّي (قُلْتُ) قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا لَيْسَ بِظِهَارٍ وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ. (فَإِنْ قُلْتَ) وَقَدْ وَقَعَ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّهُ ظِهَارٌ (قُلْتُ) هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ الْأَدَاةُ وَلِذَا أَرْبَابُ الْبَيَانِ اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِك زَيْدٌ أَسَدٌ هَلْ هُوَ تَشْبِيهٌ أَوْ اسْتِعَارَةٌ فَيَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى (فَإِنْ قُلْتَ) إنْ صَحَّ مَا ذَكَرْته فَالْمُرَادُ بِالتَّشْبِيهِ الْأَعَمُّ فَتَدْخُلُ الِاسْتِعَارَةُ (قُلْتُ) يَلْزَمُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا فَعَلَى هَذَا فِي لَفْظِ التَّشْبِيهِ إجْمَالٌ وَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَشْبِيهُ زَوْجٍ زَوْجَهُ أَخْرَجَ بِهِ تَشْبِيهَ زَوْجٍ غَيْرَ زَوْجِهِ قَوْلُهُ " أَوْ ذِي أَمَةٍ " مَعْطُوفٌ عَلَى الزَّوْجِ أَشَارَ بِهِ لِإِدْخَالِ الْأَمَةِ فِي الظِّهَارِ وَاشْتَرَطَ فِي الْأَمَةِ أَنْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا إذَا مَلَكَ بَعْضَهَا وَتَخْرُجُ بِهِ الْمُعْتَقَةُ إلَى أَجَلٍ وَتَدْخُلُ فِيهِ الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فَإِنَّ الظِّهَارَ يَصِحُّ فِيهِمَا كَالْأَمَةِ الْمُطَلَّقَةِ قَوْلُهُ " إيَّاهَا " مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ وَطْؤُهُ قَوْلُهُ " بِمَحْرَمٍ مِنْهُ " يَتَعَلَّقُ بِالتَّشْبِيهِ أَيْ التَّشْبِيهِ بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ لَا فِي غَيْرِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ التَّشْبِيهُ الْمُطْلَقُ وَالظَّهْرُ وَغَيْرُهُ كِنَايَةٌ وَصَرِيحًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي قَوْلُهُ " أَوْ بِظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ " أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا شَبَّهَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ ظَهْرٍ فَلَا طَلَاقَ وَأَدْخَلَ بِهِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَهُوَ ظِهَارٌ قَوْلُهُ " فِي تَمَتُّعِهِ بِهِمَا " هَذَا وَجْهُ التَّشْبِيهِ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا إذَا قَصَدَ التَّشْبِيهَ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 أَوْ فِي قَبَاحَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِظِهَارٍ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ وَالْجُزْءُ كَالْكُلِّ وَالْمُعَلَّقُ كَالْحَاصِلِ. (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ أَوْ إنَّهُ مِمَّا أَلْحَقَهُ بِالْحَدِّ كَمَا قَصَدَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُلْحَقٌ بِالْمَحْدُودِ كَمَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ وَيُلْحَقُ بِهِ الْمُتَغَيِّرُ (قُلْتُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الشَّيْخَ قَصَدَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ لِيَكُونَ حَدُّهُ مُنْعَكِسًا وَلِذَا اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ فِي عَدَمِ عَكْسِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) إنْ صَحَّ مَا أَشَرْتُمْ إلَيْهِ فَهَلَّا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَيْضًا بِعَدَمِ الْعَكْسِ فِي الْمُعَلَّقِ (قُلْتُ) الظَّاهِرُ أَنْ لَا فَرْقَ وَلِذَا كَانَ تَتْمِيمًا لِحَدِّهِ فَتَكُونُ الْجُمْلَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ حَالَيْنِ مِنْ الْمَفْعُولِ مِنْ بَابِ جَاءَ زَيْدٌ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ فَتَأَمَّلْهُ وَهَذَا تَحَمُّلٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْحَدِّ وَهُوَ اسْتِئْنَافٌ وَمَا أَوْرَدَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ الْجُزْءِ وَارِدٌ عَلَيْهِ أَوَّلًا (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ هَلْ هُوَ ظِهَارٌ مِنْ الْكِنَايَاتِ أَوْ طَلَاقٌ أَوْ لَيْسَ ظِهَارًا وَلَا طَلَاقًا (قُلْتُ) فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ حَيْثُ تَكَلَّمُوا عَلَى صَرِيحِ الظِّهَارِ وَكِنَايَتِهِ وَفِيهِ اضْطِرَابٌ فِي الْمَذْهَبِ وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ ذَلِكَ طَلَاقٌ وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ بِظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ لِيُخْرِجَ بِهِ هَذِهِ الصُّورَةَ. (فَإِنْ قُلْتَ) مَا ذَكَرْته وَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَالْحَدُّ عِنْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَدْ قَدَّمْت الْآنَ فِي الْإِيلَاءِ مَا رَجَحَ بِهِ حَدُّهُ عَلَى حَدِّ ابْنُ الْحَاجِبِ (قُلْتُ) هَذَا وَقَعَ لِلشَّيْخِ فِيهِ اخْتِلَافٌ فِي حُدُودِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَانْظُرْ مَا لِلشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هُنَا فِي أَوَّلِ الظِّهَارِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُنَاسِبُ مَا قُلْنَاهُ وَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَصْوَبُ مِنْهُ يَعْنِي أَصْوَبُ مِنْ حَدِّهِ الْأَوَّلِ وَعَبَّرَ بِالْأَصْوَبِ لَا بِالصَّوَابِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَوَابٌ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَصَحُّ الْحُدُودِ قِيلَ وَلَوْ قَالَ وَصَحِيحُ الْحُدُودِ لَكَانَ صَوَابًا وَقِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْفَرْعِيَّاتِ يُقَالُ فِيهِ أَصَحُّ وَمُقَابِلُهُ صَحِيحٌ وَفِي غَيْرِهَا يُقَابِلُهُ الْفَاسِدُ وَلِلشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بَحْثٌ فِي ذَلِكَ إذَا قُلْنَا إنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ اُنْظُرْ السَّلَمَ مِنْهُ وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِّ الثَّانِي تَشْبِيهٌ إلَخْ التَّشْبِيهُ مِثْلُ التَّشْبِيهِ فِي الْحَدِّ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ ذِي حِلٍّ مُتْعَةً هُوَ أَخْصَرُ مِمَّا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ شَيْئَانِ كَمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ قَوْلُهُ حَاصِلَةٌ أَوْ مُقَدَّرَةٌ يَدْخُلُ فِيهِ الظِّهَارُ الْمُعَلَّقُ وَالْحَاصِلُ وَهُوَ أَصْرَحُ مِنْ الْأَوَّلِ وَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ بِآدَمِيَّةٍ يَتَعَلَّقُ بِمُتْعَةٍ أَخْرَجَ بِهِ إذَا شَبَّهَ الْمُتْعَةَ بِغَيْرِ آدَمِيَّةٍ قَوْلُهُ إيَّاهَا يَظْهَرُ أَنَّهُ مَفْعُولٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 بِتَشْبِيهٍ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ الْمُضَافِ إلَى الْمُتْعَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِمَا ذُكِرَ وَعَطَفَ الْجُزْءَ عَلَى ذَلِكَ لِيُدْخِلَ بِهِ تَشْبِيهَ الْبَعْضِ كَمَا ذُكِرَ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَقُلْ الشَّيْخُ وَكُلُّهَا وَهَذَا أَخْصَرُ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ " بِظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ " هَذَا الْمُشَبَّهُ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَا وَهُوَ كِنَايَةُ الظِّهَارِ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ أَوْ بِمَنْ حَرُمَ أَبَدًا وَهَذَا أَعَمُّ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ بِمَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ أَفْرَادًا مِنْ الْمَحْرَمِ فَيَدْخُلُ فِيهِ إذَا عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ بِهَا فِيهَا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ أَبَدًا فَإِنْ شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ كَانَ ذَلِكَ ظِهَارًا عَلَى حَدِّهِ هَذَا وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ غَيْرُ هَذَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَعْلُومَةِ بِتَحْرِيمِ الْأَبَدِ قَوْلُهُ أَوْ جُزْئِهِ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ يَكُونُ كُلًّا وَجُزْءًا كَمَا قَدَّمَ فِي الْمُشَبَّهِ وَهَذَا صَرِيحٌ وَلِذَا يَكُونُ تَشْبِيهَ كُلٍّ بِكُلٍّ وَجُزْءٍ بِجُزْءٍ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مَنْ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ قَوْلُهُ فِي الْحُرْمَةِ هَذَا هُوَ وَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ وَيَخْرُجُ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَهُوَ أَخْصَرُ مِمَّا ذَكَرَ فِي الْأَوَّلِ فِي قَوْلِهِ تَمَتُّعُهُ بِهِمَا وَظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ كَوْنُ الرَّسْمِ الثَّانِي أَصْوَبَ مِنْ الْأَوَّلِ اخْتِصَارًا وَجَمْعًا. (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا كَانَ أَصْوَبُ بِمَعْنَى أَحْسَنَ لِأَجْلِ اخْتِصَارِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْحَدَّ الْأَوَّلَ لَا يُخِلُّ بِطَرْدٍ وَلَا عَكْسٍ وَقَدْ زَادَ فِي الثَّانِي مَا لَيْسَ فِي الْحَدِّ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِهِ بِمَنْ حُرِّمَ أَبَدًا وَقُلْتُمْ ذَكَرَهُ لِيُدْخِلَ بِهِ مَا قَدَّمْنَا فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ صَحَّ أَنْ يُقَالَ الْحَدُّ الْأَوَّلُ غَيْرُ جَامِعٍ فَلَا يَصْدُقُ فِيهِ أَنَّهُ حَسَنٌ لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالْحُسْنِ وَالصَّوَابِ إلَّا مَا كَانَ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ نَقْضٌ لَا طَرْدًا وَلَا عَكْسًا (قُلْتُ) لَنَا أَنْ نَقُولَ بِأَنَّ الْأَصْوَبَ الْمُرَادُ بِهِ الْحَدُّ الصَّحِيحُ لَا الْأَكْمَلُ لِأَنَّ الصَّوَابَ مُقَابِلُهُ الْخَطَأُ وَهُوَ كَمَا قِيلَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَصَحُّ الْحُدُودِ وَمَا قَدَّمْنَا مِمَّا يُوهِمُ أَنَّ الْأَصْوَبَ وَالْأَصَحَّ مُتَغَايِرَانِ فِيهِ بَحْثٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ شَرْطِ الْمَظَاهِرِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " إسْلَامُهُ " وَهُوَ ظَاهِرٌ. [بَابُ صَرِيحِ الظِّهَارِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَابِعًا لِابْنِ شَاسٍ " مَا فِيهِ ظَهْرٌ مُؤَبَّدَةُ التَّحْرِيمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ عَمَّتِي " قَوْلُهُ مَا فِيهِ ظَهْرٌ أَيْ الصِّيغَةُ الَّتِي فِيهَا ظَهْرٌ مُؤَبَّدَةُ التَّحْرِيمِ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ ذَكَرَ " مُؤَبَّدَةُ التَّحْرِيمِ " وَلَمْ يَقُلْ ذَاتُ مَحْرَمٍ (قُلْتُ) لِأَنَّهُ صَوَّبَ فِي الْحَدِّ الثَّانِي مَا قَدَّمَ لِأَنَّهُ أَعَمُّ وَأَجْمَعُ وَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الظَّهْرِ مَعَ الْمَحْرَمِ. [بَابُ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ فِي الظِّهَارِ] (ك ن ي) بَابُ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ فِي الظِّهَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مَا سَقَطَ فِيهِ أَحَدُهُمَا كَأُمِّي أَوْ ظَهْرِ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ " وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الصَّرِيحِ. [بَابُ الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ فِي الظِّهَارِ] (ك ن ي) بَابُ الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ فِي الظِّهَارِ قَالَ كَاسْقِنِي الْمَاءَ مُرَادٌ بِهِ الظِّهَارُ هَذَا لَفْظُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا (فَإِنْ قُلْتَ) الْجَارِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّسْمَيْنِ أَنْ يَقُولَ الْخَفِيَّةُ مَا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ وَاحِدًا مِنْهُمَا (قُلْتُ) الْمَعْنَى عَلَيْهِ وَحَذَفَهُ اخْتِصَارًا وَقَالَ بَعْدُ وَكِنَايَتُهُ الْخَفِيَّةُ مَا مَعْنَى لَفْظِهِ إلَخْ اُنْظُرْهُ مَعَ هَذَا (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّ صَرِيحَ الظِّهَارِ مَا يُذْكَرُ فِيهِ الظَّهْرُ فِي ذَاتٍ مَحْرَمٍ وَغَيْرِهَا وَعِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَا ذُكِرَ فِيهِ ذَاتُ مَحْرَمٍ وَلَمْ يُذْكَرْ الظَّهْرُ وَالرَّسْمُ الْمَذْكُورُ لَا يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ مِنْهُمَا (قُلْتُ) لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ صِدْقِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ قَالَ مَا يُذْكَرُ فِيهِ الظَّهْرُ فِي ذَاتِ مَحْرَمٍ وَغَيْرِهَا فَقَوْلُهُ غَيْرِهَا يَعُمُّ الْمُحَرَّمَةَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ وَإِنْ عَمَّ فِيهَا فَتَدْخُلُ الْأَجْنَبِيَّةُ فَإِذَا ذَكَرَ الظَّهْرَ مَعَهَا كَانَ صَرِيحًا عَلَى النَّقْلِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّسْمِ فَتَأَمَّلْهُ وَأَمَّا عَدَمُ صِدْقِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَأَجْلَى مِنْ ذَلِكَ وَتَأَمَّلْ النَّقْلَ مَعَ الرَّسْمِ وَحَقُّ الشَّيْخِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ طَرِيقَةَ ابْنِ رُشْدٍ مُخَالِفَةٌ لِكَلَامِ ابْنِ شَاسٍ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا الْحَاجَةُ إلَى تَفْسِيرِ هَذِهِ الْحَقَائِقِ (قُلْتُ) الْحَاجَةُ إلَيْهَا فِي تَفْسِيرِ لَفْظِهِ فِي إرَادَتِهِ الطَّلَاقَ دُونَ الظِّهَارِ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ وَالصَّرِيحُ لَا يَصْدُقُ فِيهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ وَيَصِحُّ فِي الْكِنَايَاتِ وَالْكِنَايَةُ يَصْدُقُ فِيهَا مُطْلَقًا وَالصَّرِيحُ إذَا أَتَى مُسْتَفْتِيًا صَدَقَ وَإِنْ حَضَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ بِهِ يَصْدُقُ وَيُؤْخَذُ بِالطَّلَاقِ لِإِقْرَارِهِ بِهِ وَبِالظِّهَارِ بِصَرِيحِ لَفْظِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 [بَابُ الْعَوْدَةِ] عود: بَابُ الْعَوْدَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُوَطَّإِ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ وَالْإِمْسَاكِ مَعًا وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْوَطْءِ فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَتَأَمَّلْ مَا بُنِيَ عَلَى ذَلِكَ. [بَابُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ] مَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَتَأَمَّلْ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ هُنَا عَنْ إشْكَالِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا فَظَاهَرَ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَاجِزٍ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ بَلْ الْعِتْقُ فِيهَا وَاعْتُرِضَتْ بِأَنَّ عِتْقَهَا مَشْرُوطٌ بِالْعَزْمِ عَلَى وَطْئِهَا وَوَطْؤُهَا مَلْزُومٌ لِمُلْكِهَا وَمِلْكُهَا مُنَاقِضٌ لِعِتْقِهَا فَيَلْزَمُ مُنَاقَضَةُ الشَّرْطِ لِلْمَشْرُوطِ فَتَأَمَّلْ جَوَابَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ حَسَنٌ وَمَنْ بَحَثَ فِيهِ لَا عَمَلَ عَلَى قَوْلِهِ إذَا فَهِمَ وَلَوْلَا الطُّولُ لَبَيَّنَّاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ اللِّعَانِ] (ل ع ن) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ اللِّعَانِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " حَلِفُ الزَّوْجِ عَلَى زِنَا زَوْجَتِهِ أَوْ نَفْيِ حَمْلِهَا اللَّازِمِ لَهُ وَحَلِفُهَا عَلَى تَكْذِيبِهِ إنْ أَوْجَبَ نُكُولَهَا حَدَّهَا بِحُكْمِ قَاضٍ " ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا رَدَّ بِهِ حَدَّ ابْنِ الْحَاجِبِ وَحَدُّهُ يَمِينُ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ بِزِنًا أَوْ نَفْيِ نَسَبٍ وَيَمِينُ الزَّوْجَةِ عَلَى تَكْذِيبِهِ وَرَدِّهِ مِنْ أَوْجُهٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ بِحَلِفِهِمَا مَرَّةً وَأَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ بِلِعَانِ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَى زَوْجَتِهِ لِعَانٌ وَبِلِعَانِ مَنْ أَبَانَ زَوْجَتَهُ وَأَبْطَلَ أَيْضًا طَرْدَهُ بِلِعَانِ مَنْ نَكَلَتْ زَوْجَتُهُ عَنْ تَمَامِ حَلِفِهَا وَأَبْطَلَ عَكْسَهُ بِلِعَانِ مَنْ نَفَى مَا وَلَدَتْهُ امْرَأَتُهُ فِي غِيبَتِهِ وَقَدِمَ بَعْدَ مَوْتِهَا هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 خُلَاصَةُ مَعْنَى كَلَامِهِ وَلَكِنْ مِنْ تَمَامِ الْفَائِدَةِ أَنْ نَذْكُرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِحَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ يَمِينُ الزَّوْجِ أَيْ حَلِفُ الزَّوْجِ قَوْلُهُ عَلَى زَوْجِهِ أَخْرَجَ بِهِ الْحَلِفَ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجَةِ قَوْلُهُ بِزِنًى أَوْ نَفْيِ نَسَبٍ أَخْرَجَ بِهِ الْحُقُوقَ الْمَالِيَّةَ وَقَوْلُهُ وَيَمِينُ الزَّوْجَةِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَحْدُودَ مُرَكَّبٌ مِنْ مَجْمُوعِ الْحَلِفَيْنِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ بِحَلِفِهِمَا مَرَّةً وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلِعَانٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الثَّانِي أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ بِلِعَانِ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَى زَوْجَتِهِ لِعَانٌ أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ اللِّعَانَ قَدْ يَكُونُ مِنْ الزَّوْجِ وَحْدَهُ وَلَا يَكُونُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَذَكَرُوا مِنْهُ مَسَائِلَ مِنْهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِ الْغَيْرِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لَهَا إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ وَطِئَتْ غَصْبًا وَعُلِمَ الْغَصْبُ فَإِنَّ الزَّوْجَ وَحْدَهُ يَلْتَعِنُ وَهُوَ وَارِدٌ قَالَ وَيَبْطُلُ عَكْسُهُ أَيْضًا بِلِعَانِ مَنْ أَبَانَ زَوْجَتَهُ لِأَنَّهُ لِعَانٌ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا زَوْجَةٌ حَقِيقَةً. وَأَجَابَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ بِأَنَّ الْوَصْفَ هُنَا لَيْسَ بِمَحْكُومٍ بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَعَلَّقُ الْحُكْمِ وَجَوَابُهُ هُوَ جَوَابُ الْقَرَافِيُّ وَمَا بَيَّنَ بِهِ قَاعِدَتَهُ فِي ذَلِكَ وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ ابْنُ عَرَفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَأَلْزَمَهُ فِي ذَلِكَ إلْزَامَاتٍ جَارِيَةً عَلَى قَوَاعِدِ الْمَنْطِقِ وَغَيْرِهِ وَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الْفِقْهِيِّ وَالْأَصْلِيِّ وَرَدَّ الشَّيْخُ الْإِمَامُ هُنَا كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِمَا يَخُصُّ هَذَا الْمَحِلَّ تَنَزُّلًا عَلَى صِحَّةِ الْقَاعِدَةِ بِأَنَّهُ إنْ حَافَظَ عَلَى عَكْسِ الْحَدِّ بِجَوَابِهِ فَقَدْ أَخَلَّ بِطَرْدِهِ فِي صُورَةِ مَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ فَوَطِئَهَا ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهَا وَنَفَاهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِهِ وَتَحْلِفُ هِيَ عَلَى تَكْذِيبِهِ فَهَذِهِ الصُّورَةُ لَيْسَتْ بِلِعَانٍ لِأَنَّهَا فِي غَيْرِ زَوْجَةٍ فَإِنْ حَقَّقَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ إطْلَاقِ الزَّوْجَةِ حَقِيقَةً لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ لِلْحُكْمِ فَيَكُونُ حَدُّهُ غَيْرَ مُطَّرِدٍ بِهَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ الشَّيْخُ وَيَبْطُلُ طَرْدُهُ أَيْضًا بِلِعَانِ مَنْ نَكَلَتْ زَوْجَتُهُ عَنْ تَمَامِ حَلِفِهَا أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا حَلَفَ أَرْبَعًا ثُمَّ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى تَكْذِيبِهِ مَرَّةً ثُمَّ نَكَلَتْ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ اللِّعَانِ لِصَادِقِيَّةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ بِلِعَانٍ شَرْعِيٍّ قَالَ وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ عَكْسُهُ أَيْضًا بِلِعَانِ مَنْ نَفَى مَا وَلَدَتْهُ امْرَأَتُهُ فِي غِيبَتِهِ وَقَدِمَ بَعْدَ مَوْتِهَا لِأَنَّهُ لِعَانٌ وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ إلَّا حَلِفٌ وَاحِدٌ وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ تَصَرُّفِهِ وَتَمَامِ عِنَايَتِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ فَلْنَرْجِعْ إلَى حَدِّ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَفَعَ بِهِ قَوْلُهُ " حَلِفُ " عَدَلَ عَنْ لَفْظِ جِنْسِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وَإِلَّا فَالْيَمِينُ وَالْحَلِفُ مُتَرَادِفَانِ قِيلَ إنَّ الْحَلِفَ وَالْقَسَمَ وَالْيَمِينَ إنَّمَا يَلْزَمُ التَّرَادُفُ فِيهَا لُغَةً وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَلَا لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الشَّرْعِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ الْحَلِفِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهَا فِي الشَّرْعِ فِي الْقَسَمِ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْيَمِينُ الشَّرْعِيَّةُ وَالْحَلِفُ لَا يُرَادُ بِهَا. فَنَقُولُ الْيَمِينُ وَالْقَسَمُ لَيْسَا بِمُتَرَادِفَيْنِ وَأَمَّا الْيَمِينُ مَعَ الْحَلِفِ فَهُمَا مُتَرَادِفَانِ شَرْعًا وَالْمُرَادُ مِنْ الْيَمِينِ وَالْحَلِفِ هُنَا الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِصِفَاتِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْيَمِينُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ السِّيَاقُ فِي الْبَابِ وَلَوْ خَصَّصَ الشَّيْخُ الْقَسَمَ بِاَللَّهِ لَكَانَ أَحْسَنَ قَوْلُهُ " الزَّوْجِ " عَرَّفَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يُنَكِّرْهُ كَمَا نَكَّرَهُ فِي الظِّهَارِ وَهُوَ أَخْصَرُ وَأَتَى بِلَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَمْ يَظْهَرْ سِرُّ عُدُولِهِ عَنْ تَنْكِيرِهِ قَوْلُهُ " عَلَى زِنَا زَوْجَتِهِ " لَفْظُهُ فِي الْأَحْرُفِ مِثْلُ لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ مَعَ أَنَّهُ أَخْصَرُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِحَرْفٍ إلَّا أَنَّهُ غَايَرَ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَعِبَارَتُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحْكَمُ مَعْنًى لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ هُوَ زِنَا الزَّوْجَةِ لَا أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ لِأَجْلِ الزِّنَا وَلَا أَنَّ الْحَلِفَ وَقَعَ بِالزِّنَا إنْ كَانَتْ بَاءُ الْآلَةِ فَلِذَلِكَ غَيْرُ التَّعْبِيرَ لِأَنَّهُ أَجْلَى وَأَبْيَنُ فِي التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ " أَوْ نَفْيِ حَمْلِهَا " أَدْخَلَ بِهِ صُوَرًا مِنْ اللِّعَانِ كَثِيرَةً إذَا نَفَى وَلَدًا أَوْ نَفَى حَمْلًا (فَإِنْ قُلْتَ) عِبَارَتُهُ مُغَايِرَةٌ لِعِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ مَعَ أَنَّهُ يَظْهَرُ أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ لَفْظَ نَفْيِ نَسَبٍ يَصْدُقُ فِي نَفْيِ نَسَبِ الزَّوْجَةِ عَنْ أَبِيهَا وَذَلِكَ لَيْسَ بِلِعَانٍ فَإِنْ أَصْلَحَهُ بِقَوْلِهِ نَفْيِ نَسَبِ حَمْلِهَا كَانَ أَطْوَلَ. (فَإِنْ قُلْت) وَأَيْنَ نَفْيُ الْوَلَدِ (قُلْت) يَصْدُقُ عَلَى مَنْ نَفَى حَمْلًا أَنَّهُ نَفَى الْوَلَدَ وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ قَوْلُهُ " اللَّازِمُ لَهُ " أَخْرَجَ بِهِ الْحَمْلَ غَيْرَ اللَّازِمِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا لِعَانَ فِيهِ كَمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الزَّوْجُ خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ وَيَدْخُلُ إذَا وَضَعَتْهُ وَسَكَتَ فَإِنَّهُ لَازِمٌ لَهُ وَيَخْرُجُ بِمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ بِحُكْمِ قَاضٍ قَوْلُهُ " وَحَلِفُهَا عَلَى تَكْذِيبِهِ إنْ أَوْجَبَ نُكُولَهَا حَدَّهَا " أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا حَلَفَ وَنَكَلَتْ وَلَمْ يُوجِبْ النُّكُولُ حَدَّهَا كَمَا إذَا غُصِبَتْ فَأَنْكَرَ وَلَدَهَا وَثَبَتَ الْغَصْبُ فَلَا لِعَانَ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا اللِّعَانُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تَرُدُّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ لِأَنَّهُ صَيَّرَ اللِّعَانَ يَلْزَمُهُ يَمِينَانِ وَزِيَادَةُ الشَّيْخِ تُخْرِجُ هَذِهِ الصُّورَةَ وَإِنَّ حَلِفَهُمَا مَعًا مَشْرُوطٌ بِكَوْنِ نُكُولِهَا يُوجِبُ حَدَّهَا قَوْلُهُ " بِحُكْمِ قَاضٍ " أَخْرَجَ بِهِ لِعَانَ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِلِعَانٍ شَرْعِيٍّ وَيَخْرُجُ الْمَسْكُوتُ عَلَى وَضْعِ الْوَلَدِ وَلَا يَرِدُ عَلَى الشَّيْخِ حَلِفُهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ فَلَيْسَ بِلِعَانٍ شَرْعِيٍّ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ فَتَدْخُلُ صُوَرُ اخْتِلَافِ لَفْظِ الْيَمِينِ لِصِحَّةِ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهَا يَعْنِي إذَا حَلَفَ الزَّوْجُ بِلَفْظٍ يَخُصُّهُ وَحَلَفَتْ الزَّوْجَةُ بِلَفْظٍ خَاصٍّ بِهَا فَيَدْخُلُ فِي الْحَدِّ ذَلِكَ وَإِذَا ذَكَرَ الزَّوْجُ فِي الْخَامِسَةِ الْغَضَبَ وَعَكَسَتْ الزَّوْجَةُ فَلَيْسَ بِلِعَانٍ شَرْعِيٍّ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ فَتَخْرُجُ هَذِهِ الصُّورَةُ قَالَ وَيَدْخُلُ حَلِفُ مَنْ أَبَانَ زَوْجَتَهُ. (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ يَدْخُلُ ذَلِكَ وَقَدْ اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَمْ يَزُلْ مَا يُوجِبُ الِاعْتِرَاضَ مِنْ ذِكْرِ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ (قُلْتُ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ زَادَ مَا يُزِيلُ الِاعْتِرَاضَ وَهُوَ حُكْمُ الْحَاكِمِ لِصِحَّةِ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ فَقَوْلُهُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ فِي الزَّوْجِ سَوَاءً كَانَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا أَوْ فِيهِ بَحْثٌ هَذَا مَا يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ وَتِلْمِيذُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَيِّدِي الْفَقِيهُ الْأَبِيُّ لَمَّا ذَكَرَ حَدَّهُ وَذَكَرَ سَمَاعَ يَحْيَى أَنَّهُ إذَا أَبَانَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ نَسَبَهَا لِلزِّنَا أَنَّهُ يُلَاعِنُ وَقِيلَ بِعَدَمِ اللِّعَانِ أَوْرَدَ سُؤَالًا عَلَى الْحَدِّ وَهُوَ السُّؤَالُ الَّذِي وَرَدَ عَلَى حَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ لِخُرُوجِ هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا زَوْجَةً ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِمَا أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَعَ أَنَّهُ رَأَى رَدَّ شَيْخُهُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ دَاخِلَةٌ كَمَا ذَكَرَ فَانْظُرْهُ وَتَأَمَّلْهُ فَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى مَعَ أَنَّ الشَّيْخَ لَا يَقُولُ بِمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ وَإِنَّمَا سَلَّمَهُ هُنَا تَنَزُّلًا وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا قَدَّمْنَا فِي الرَّجْعَةِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ. [بَابُ شَرْطِ الزَّوْجِ الْمُلَاعِنِ] قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " تَكْلِيفُهُ وَإِسْلَامُهُ " أَخْرَجَ بِهِ الصَّبِيَّ وَمَنْ شَابَهَهُ وَالْإِسْلَامُ أَخْرَجَ الْكَافِرَ وَيَدْخُلُ الْفَاسِقُ وَالْعَبْدُ وَعَدَلَ عَنْ لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِظُهُورِ ذَلِكَ فِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِ. [بَابُ شَرْطِ اللِّعَانِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " ثُبُوتُ الزَّوْجِيَّةِ " وَثُبُوتُهَا إمَّا بِشَهَادَةٍ أَوْ بِصَدَاقِهِمَا أَوْ بِالْإِقْرَارِ كَالطَّارِئَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ مَحَلُّ اللَّعَّانِ وَوَقْتُهُ كُلُّ ذَلِكَ جَلِيٌّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 [بَابُ شَرْطِ وُجُوبِ اللِّعَانِ عَلَى الزَّوْجَةِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " إسْلَامُهَا وَحُرْمَتُهَا " وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْمُلَاعِنُ جَلِيٌّ فِي كَلَامِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابٌ فِي التَّوْأَمَيْنِ] (وأ م) : بَابٌ فِي التَّوْأَمَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مَا لَيْسَ بَيْنَ وَضْعِهِمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ " قَوْلُهُ " مَا لَيْسَ " مَعْنَاهُ أَخَوَانِ لَيْسَ بَيْنَ وَضْعِهِمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَخْرَجَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُمَا لَيْسَا بِتَوْأَمَيْنِ بَلْ هُمَا بَطْنَانِ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ إذَا نَفَى أَحَدُهُمَا وَأَثْبَتَ الْآخَرُ أَوْ أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَنَفَى الثَّانِيَ فَإِنَّهُ يُلَاعِنُ لِلثَّانِي فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَتَأَمَّلْ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْبَحْثِ فِي كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ هُمَا أَخَوَانِ أَعْنِي التَّوْأَمَيْنِ شَقِيقَانِ (قُلْتُ) فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا شَقِيقَانِ وَنُقِلَ عَنْ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ دِينَارٍ أَنَّهُمَا لِأُمٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ دَلِيلِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ] (ب رء) بَابُ دَلِيلِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ قَالَ عِدَّةٌ وَاسْتِبْرَاءٌ فَالْعِدَّةُ قَالَ الشَّيْخُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِدَّةُ مُدَّةُ مَنْعِ النِّكَاحِ لِفَسْخِهِ أَوْ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ " ثُمَّ قَالَ فَتَدْخُلُ مُدَّةُ مَنْ طَلَّقَ رَابِعَةً نِكَاحَ غَيْرِهَا إنْ قِيلَ هُوَ لَهُ عِدَّةٌ وَإِنْ أُرِيدَ إخْرَاجُهُ قِيلَ مُدَّةُ مَنْعِ الْمَرْأَةِ إلَخْ ثُمَّ قَالَ وَفِي بَعْضِ مَسَائِلِ اسْتِبْرَائِهَا إطْلَاقُ لَفْظِهِ عَلَيْهَا مَجَازًا وَفِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ مُدَّةَ مَنْعِهِ لِلْفَسْخِ عِدَّةٌ وَقَوْلُهَا إنْ عُلِمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَسَادُ نِكَاحِهِ وَأَنَّهُ لَا يُقِرُّ بِحَالٍ فَلَا إحْدَادَ عَلَيْهَا وَلَا عِدَّةَ وَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ اسْتِبْرَاءً مَعْنَاهُ لَا عِدَّةَ وَفَاةٍ وَأَطْلَقَ الِاسْتِبْرَاءَ عَلَى عِدَّةِ الْفَسْخِ مَجَازًا لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مُدَّةُ مَنْعِ " أَتَى بِالْجِنْسِ مُدَّةِ مَنْعِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلْعِدَّةِ لِأَنَّهَا زَمَانٌ يُنَاسِبُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالْعِدَّةِ لِقَوْلِهِ {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أَيْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 مُسْتَقْبِلَاتٍ لِعِدَّتِهِنَّ فَالْعِدَّةُ سَمَّاهَا الشَّرْعُ لِتِلْكَ الْمُدَّةِ وَنَهَى عَنْ التَّزْوِيجِ فِيهَا بِقَوْلِهِ {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] وَلِذَا قَالَ مُدَّةُ مَنْعِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ مُدَّةِ الْمُحْرِمَةِ أَوْ الْمُحْرِمِ أَوْ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَقَوْلُهُ الْمُرَادُ بِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ ثُمَّ قَالَ " لِفَسْخِهِ " أَخْرَجَ بِهِ مَا ذَكَرْنَا وَبَعْضَ صُوَرِ الِاسْتِبْرَاءِ. (فَإِنْ قُلْتَ) أَطْلَقَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ لِفَسْخِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ إذَا فُسِخَ فِيهِ الْعِدَّةُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ (قُلْتُ) كَذَلِكَ وَقَعَ فِي إطْلَاقِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ شَارِحُهُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا وَمَا فُسِخَ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ فَالْعِدَّةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْعِدَّةِ فِي الصَّحِيحِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ فَثَلَاثُ حِيَضٍ وَقِيلَ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَثَلَاثٌ وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ وَالرَّسْمُ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا نِكَاحَ فَيَفْسَخُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ " أَوْ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ " هَذِهِ أَسْبَابُ الْعِدَّةِ وَأَخْرَجَ بِهَا بَقِيَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالضَّمِيرُ الْعَائِدُ عَلَى النِّكَاحِ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَتَدْخُلُ مُدَّةُ مَنْعِ الزَّوْجِ إلَخْ أَشَارَ بِذَلِكَ لِمَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا وَهِيَ هَلْ الْعِدَّةُ مِنْ عَوَارِضِ الْمَرْأَةِ أَوْ تَعْرِضُ لِلرَّجُلِ الْعِدَّةُ شَرْعًا كَمَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مُدَّةَ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ لِأَنَّهَا فِي الْعِصْمَةِ فَيَصْدُقُ عَلَى زَمَنِ مَنْعِ الزَّوْجِ مِنْ النِّكَاحِ عِدَّةٌ لِصِدْقِ الْحَدِّ فِيهِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ أُرِيدَ إخْرَاجُهُ قِيلَ مُدَّةَ مَنْعِ الْمَرْأَةِ النِّكَاحَ إلَخْ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (فَإِنْ قُلْتَ) جَرَتْ عَادَةُ الشَّيْخِ مِرَارًا فِي مِثْلِ هَذَا إذَا كَانَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ حَدِّهِ عَلَى رَأْيٍ وَعَلَى رَأْيٍ آخَرَ يُقَالُ مَنَعَ الزَّوْجُ إلَخْ وَذَلِكَ أَخْصَرُ كَمَا وَقَعَ لَهُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. (قُلْتُ) الْجَوَابُ بِأَنَّ الْقَوْلَ فِي مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ ذَلِكَ عِدَّةُ ضَعِيفٍ فَضَعُفَ عِنْدَهُ الْقَوْلُ فَلِذَا عَيَّنَ مَا هُنَا وَفِيهِ بَحْثٌ بِمَا ضَعُفَ بِهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الرَّجْعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ مَسَائِلِ اسْتِبْرَاءِ الْمُدَوَّنَةِ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ إطْلَاقَ الْعِدَّةِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ وَالشَّيْخُ أَخْرَجَ الِاسْتِبْرَاءَ مِنْ حَدِّ الْعِدَّةِ وَأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ أَطْلَقَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ عِدَّةً وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ. فَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ وَكَذَلِكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ التَّصْرِيحِ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ مُدَّةَ الْمَنْعِ لِأَجْلِ فَسْخِ النِّكَاحِ أَطْلَقَ عَلَيْهَا عِدَّةً ذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا وَقَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 فِيهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ إطْلَاقِ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ فَإِنَّهُ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَمَقْصِدُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعِدَّةَ زَمَنُهَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاءٌ وَزَمَنُ الِاسْتِبْرَاءِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ عِدَّةٌ إلَّا مَجَازًا وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَنْ تَبِعَهُ حَيْثُ قَالَ الْعَدَدُ وَجَمْعُ ذَلِكَ وَأَدْخَلَ فِيهِ الِاسْتِبْرَاءَ لِأَنَّ ذَلِكَ أَخَذُوهُ مِنْ إطْلَاقَاتِ الْمُدَوَّنَةِ فَلَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي رَسْمِ الْيَمِينِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ وَأَشْكَلَ عَلَيَّ الْجَوَابُ عَنْ الشَّيْخِ بِمَا ذَكَرَ هُنَا مَعَ هُنَاكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَمِمَّا يُنْظَرُ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ إذَا ضُرِبَ لَهَا أَجَلُهَا وَفَرَغَ الْأَجَلُ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ وَالْمُدَّةُ عِدَّةٌ بِنَفْسِهَا فَكَيْفَ تَدْخُلُ هَذِهِ الصُّورَةُ فِي حَدِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا تَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ لِمَوْتِهِ وَيَعْنِي إمَّا حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا وَيَرِدُ عَلَى حَدِّ الْعِدَّةِ أُمُّ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا فَإِنَّهَا عِدَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ اسْتِبْرَاءٌ وَقَدْ شَهَرَ الشَّيْخُ أَنَّهَا عِدَّةٌ فَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ حَدِّهِ فَهُوَ غَيْرُ جَامِعٍ. [بَابٌ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الْعِدَّةُ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " لِخَلْوَتِهِمَا وَلَوْ بِزِيَارَةٍ تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ وَلَوْ بِإِكْرَاهٍ ". [بَابٌ فِيمَا تَسْقُطُ بِهِ الْعِدَّةُ] ُ ذُكِرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - [بَابٌ فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ] قَالَ مَا مَعْنَاهُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ لِلْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ وَلَوْ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ صَغِيرَةٍ وَفِيهِ مَا يُنْظَرُ. [بَابٌ فِي اسْتِبْرَاءِ الْحُرَّةِ فِي غَيْرِ اللِّعَانِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا بِهِ عِدَّتُهَا وَلَوْ قَضَتْ بِاسْتِبْرَاءِ اللِّعَانِ بِحَيْضَةٍ وَتَأَمَّلْهُ فَفِيهِ مَا يُتَأَمَّلُ. [كِتَابُ الِاسْتِبْرَاءِ] (ب رء) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الِاسْتِبْرَاءِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ " مُدَّةُ دَلِيلِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَا لِرَفْعِ عِصْمَةٍ أَوْ طَلَاقٍ قَالَ فَتَخْرُجُ الْعِدَّةُ وَيَدْخُلُ اسْتِبْرَاءُ الْحُرَّةِ وَلَوْ لِلِعَانٍ وَالْمَوْرُوثَةُ لِأَنَّهُ لِلْمِلْكِ لَا لِذَاتِ الْمَوَاتِ " وَجَعَلَ الْقَرَافِيُّ جِنْسَهُ طَلَبَ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِأَنَّهُ اسْتِفْعَالٌ يُخْرِجُ اسْتِبْرَاءَ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ يَكُونُ لَا عَنْ طَلَبٍ وَنُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَنَّهُ سَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَيَذْكُرُونَ لَهُ مَثَلًا وَجُزْئِيَّاتٍ وَلَا يُعَرِّفُونَهُ فَلِذَا عَرَّفَهُ وَبَيَّنَهُ بِمَا ذَكَرَهُ فَقَوْلُ الشَّيْخِ " مُدَّةُ " صَيَّرَ ذَلِكَ جِنْسًا لِلِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ شَرْعًا زَمَنُ دَلِيلِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَبَّرَ بِالْمُدَّةِ وَلَمْ يَقُلْ زَمَنٌ وَهُوَ أَخْصَرُ وَالْقَرَافِيُّ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ لِأَنَّهُ لَوْ رَاعَيْنَا اشْتِقَاقَ اللَّفْظِ فِي الشَّرْعِ لَأَبْطَلْنَا كَثِيرًا مِنْ الْحَقَائِقِ فِي رَسْمِهَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُوَافِقَةٍ لِجِنْسِهَا فَصَارَ الِاسْتِبْرَاءُ لَقَبًا عَلَى الْمُدَّةِ وَلَمْ يُلَاحَظْ فِيهَا مَصْدَرٌ بِوَجْهٍ وَلَا طَلَبٍ وَأَوْرَدَ الشَّيْخُ مَا ذُكِرَ فِي رَدِّهِ عَلَيْهِ تَنَزُّلًا مِنْهُ مَعَهُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْته لَخَرَجَ اسْتِبْرَاءُ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ لَا طَلَبَ فِيهِ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ مُدَّةَ دَلِيلِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَا لِرَفْعِ عِصْمَةٍ وَلَا لِطَلَاقٍ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ " لَا لِرَفْعِ عِصْمَةٍ " هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْفَسْخِ وَالْمَوْتِ فَمَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ عِدَّةً (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا صَحَّ هَذَا مَا ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَيِّ شَيْءٍ قَالَ فِي حَدِّ الْعِدَّةِ مُدَّةُ مَنْعِ النِّكَاحِ لِفَسْخِهِ أَوْ لِمَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ وَهَلَّا قَالَ مُدَّةُ مَنْعِ النِّكَاحِ لِرَفْعِ عِصْمَةٍ أَوْ طَلَاقٍ كَمَا قَالَ هُنَا وَذَلِكَ يَعُمُّ الْقِسْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ كَمَا قَرَّرْته. (قُلْتُ) الْجَوَابُ عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَظْهَرْ وَيَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَكَذَلِكَ لَمْ يَظْهَرْ سِرُّ كَوْنِهِ عَدَلَ أَنْ يَقُولَ مُدَّةُ دَلِيلِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فِي حَدِّ الْعِدَّةِ وَلَمْ يَقُلْ هُنَا كَمَا قَالَ فِي حَدِّ الْعِدَّةِ وَقَوْلُهُ " دَلِيلُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ " أَشَارَ إلَى أَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا هُوَ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِأَجْلِ الِاسْتِبْرَاءِ فَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَسِرُّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَيَدْخُلُ اسْتِبْرَاءُ الْحُرَّةِ " يَعْنِي أَنَّ الْحُرَّةَ يَقَعُ الِاسْتِبْرَاءُ فِيهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَمَا إذَا زَنَتْ ثُمَّ قَالَ " وَلَوْ لِلِعَانٍ " يَعْنِي وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مُدَّةُ دَلِيلِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِيَعْتَمِدَ عَلَيْهِ فِي اللِّعَانِ إذَا أَرَادَهُ وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِثَلَاثِ حِيَضٍ (فَإِنْ قُلْتَ) صُورَةُ اللِّعَانِ قَدْ تَقَدَّمَ رَدُّ الشَّيْخُ بِهَا عَلَى حَدِّ الْقَرَافِيُّ وَهُنَا قَدْ أَدْخَلَهَا فِي حَدِّهِ (قُلْتُ) صَحَّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَرَافِيُّ حَقَّقَ الطَّلَبَ فِي الْمَحْدُودِ وَأَتَى بِجِنْسٍ لَا يُنَاسِبُهُ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ اسْتِبْرَاءَ اللِّعَانِ لَا يَكُونُ عَنْ طَلَبٍ بَلْ فِيهِ مُدَّةُ دَلِيلِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ حَيْضَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ وَقَدْ وَقَعَتْ فَاعْتَمَدَ الزَّوْجُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ أَوْ غَيْرِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) اللِّعَانُ إذَا تَمَّ يَقَعُ فِيهِ الْفَسْخُ قِيلَ بِطَلَاقٍ وَقِيلَ لَا وَقِيلَ بِحُكْمٍ مِنْ الْحَاكِمِ وَنُسِبَ هَذَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمٍ وَبَنَوْا عَلَيْهِ مَسَائِلَ مَعْلُومَةً وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَيُقَالُ كَيْفَ تَدْخُلُ مُدَّةُ مَا بَعْدَ اللِّعَانِ فِي الِاسْتِبْرَاءِ بَلْ تَدْخُلُ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِطَلَاقٍ فَقَدْ صَدَقَ فِيهِ حَدُّ الْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَ بِفَسْخٍ مِنْ الْحَاكِمِ فَكَذَلِكَ (قُلْتُ) الْمُدَّةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا بِالدُّخُولِ فِي الِاسْتِبْرَاءِ الْمُدَّةُ الَّتِي قَبْلَ وُجُودِ فُرْقَةِ اللِّعَانِ وَهِيَ مُدَّةُ الْحَيْضَةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الثَّلَاثِ الَّتِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا الْمُلَاعِنُ كَمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا الْمُدَّةُ الَّتِي بَعْدَ الْفُرْقَةِ فَهِيَ عِدَّةٌ كَمَا ذَكَرَ فِي السُّؤَالِ دَاخِلٌ فِي رَسْمِ الْعِدَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي النِّكَاحِ الثَّالِثِ إذَا أَسْلَمَتْ نَصْرَانِيَّةٌ تَحْتَ نَصْرَانِيٍّ فُسِخَ نِكَاحُهَا وَاعْتَدَّتْ فَأَطْلَقَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ عِدَّةً وَالْحَدُّ يَصْدُقُ عَلَيْهَا وَلَيْسَ بِاسْتِبْرَاءٍ (قُلْتُ) رَأَيْت لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ بِنَفْسِهَا أُورِدَتْ عَلَى الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنَعَ أَنَّ ذَلِكَ عِدَّةٌ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَيْهَا مَجَازًا وَاسْتَشْهَدَ بِمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (فَإِنْ قُلْتَ) الْعِدَّةُ تَكُونُ بِالْأَقْرَاءِ وَالِاسْتِبْرَاءُ بِالْحِيَضِ أَمَّا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ فِي الْحُرَّةِ وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ بِحَيْضَتَيْنِ (قُلْتُ) وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَفَسَخَ النِّكَاحَ بَعْدَ الْبِنَاءِ لَمْ يَمَسَّهَا إلَّا بَعْدَ حَيْضَتَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ قَالَ وَاسْتِبْرَاؤُهَا حَيْضَتَانِ فَقَدْ صَيَّرَ اسْتِبْرَاءَ الزَّوْجَةِ هُنَا حَيْضَتَيْنِ وَذَلِكَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي حَدِّ الشَّيْخِ لِأَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَطْلَقَ عَلَيْهَا اسْتِبْرَاءً فَهُوَ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ لَا مِنْ الْعِدَّةِ فَيَكُونُ رَسْمُ الشَّيْخِ غَيْرُ جَامِعٍ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ اسْتَشْكَلَ عِيَاضٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي إطْلَاقِ الِاسْتِبْرَاءِ فِيهَا وَقَالَ إنَّهُ لَفْظٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وَقَدْ سَمَّاهَا عِدَّةً فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ وَقَالَ إنَّهَا كَعِدَّةِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ حَيْضَتَانِ (قُلْتُ) لَا شَكَّ أَنَّ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يُعَيِّنُ أَنَّهَا عِدَّةٌ فَحَدُّ الْعِدَّةِ يَصْدُقُ عَلَيْهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِاسْتِبْرَاءٍ وَجَوَابُ الشَّيْخِ بِالْمَجَازِ يَبْعُدُ فِي هَذِهِ لِقُوَّةِ قَوْلِهِ كَعِدَّةِ النِّكَاحِ فَعَلَى تَسْمِيَةِ هَذَا اسْتِبْرَاءً حَقِيقَةً تَرِدُ عَلَى عَكْسِ الِاسْتِبْرَاءِ وَعَلَى مَنْعِ حَدِّ الْعِدَّةِ وَتَأَمَّلْ أَيْضًا الْخِلَافَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا عِدَّةٌ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ ثُمَّ بَاعَهَا (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا وَقَعَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي اللِّعَانِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَكُونُ هَلْ بِحَيْضَةٍ أَوْ بِثَلَاثٍ (قُلْتُ) الْجَارِي عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْأَمَةِ يَخْرُجُ أَنَّهُ ثَلَاثُ حَيْضٍ لَكِنَّ نُصُوصَ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ بِحَيْضَةٍ وَأُجِيبَ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ قَوْلُهُ " وَالْمَوْرُوثَةُ " يَعْنِي إذَا مَاتَ رَجُلٌ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَلَا يَقْرَبُهَا الْوَارِثُ حَيْثُ يَصِحُّ وَطْؤُهُ حَتَّى يَقَعَ الِاسْتِبْرَاءُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِرَفْعِ عِصْمَةٍ بِالْمَوْتِ وَإِنَّمَا هُوَ رَفْعٌ لِلْمِلْكِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا مَاتَ نَصْرَانِيٌّ عَنْ نَصْرَانِيَّةٍ حُرَّةٍ وَوَطِئَهَا مُسْلِمٌ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا (قُلْتُ) تَزْوِيجُهَا بَعْدَ الْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ يَجْرِي عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْعِدَّةِ أَوْ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّ لَوَازِمَهُمَا تَخْتَلِفُ (فَإِنْ قُلْتَ) وَهَلْ هَذِهِ الصُّورَةُ عِدَّةٌ أَوْ اسْتِبْرَاءٌ (قُلْتُ) وَقَعَ لِابْنِ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ ذَلِكَ اسْتِبْرَاءٌ لَا عِدَّةٌ وَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ بَعْدَ الْمَوْتِ وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهَا حَيْضَةً وَاحِدَةً (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا كَانَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَتَرِدُ عَلَى جَمْعِ الْحَدِّ لِأَنَّ فِيهَا رَفْعَ الْعِصْمَةِ وَفِيهَا الِاسْتِبْرَاءُ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهَا وَارِدَةٌ عَلَى الرَّسْمِ إنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ فَلَا لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا رَفْعُ مِلْكٍ وَالْعِدَّةُ عِنْدَهُمْ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْمُسْتَبْرَآتِ حَرَامٌ فِي الْمُدَّةِ الْمَعْلُومَةِ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا وَأَجَازَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْمَسْبِيَّةِ تُمْلَكُ بِشِرَاءِ الِاسْتِمْتَاعِ بِغَيْرِ الْوَطْءِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْمُوَاضَعَةِ] (وض ع) : بَابُ الْمُوَاضَعَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنْ يُجْعَلَ مَعَ الْأَمَةِ مُدَّةَ اسْتِبْرَائِهَا فِي حَوْزِ مَقْبُولٍ خَبَرُهُ عَنْ حَيْضَتِهَا " قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " أَنْ يُجْعَلَ " بِمَعْنَى الْجَعْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 مَعَ الْأَمَةِ وَهُوَ كَالْجِنْسِ لِلْمُوَاضَعَةِ فَهِيَ لَقَبٌ عَلَى الْجَعْلِ الْمَذْكُورِ " وَمَعَ الْأَمَةِ " أَخْرَجَ بِهِ الْحُرَّةَ إذَا وَضَعَتْ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ أَوْ أَمِينَةٍ وَقَوْلُهُ " مُدَّةَ اسْتِبْرَائِهَا " أَخْرَجَ مَا إذَا وُضِعَتْ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ لِاخْتِبَارِ عَيْبِهَا قَوْلُهُ " مَقْبُولٍ خَبَرُهُ عَنْ حَيْضَتِهَا " نَائِبٌ عَنْ فَاعِلِ أَنْ يُجْعَلَ وَكَوْنُهُ مَقْبُولَ الْخَبَرِ أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْأَمِينِ وَعَنْ حَيْضَتِهَا يَتَعَلَّقُ بِالْخَبَرِ وَأَخْرَجَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ عَيْبٍ بِهَا وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَبُولَ الْخَبَرِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى قَوْلٍ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَخْبَرَ مَقْبُولُ الْخَبَرِ عَنْ غَيْرِهِ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ إذَا قَالَ رَجُلٌ أَخْبَرَنِي جَارِي أَنَّهَا حَاضَتْ أَوْ زَوْجَتِي وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ إذَا أَوْدَعَ الْمُودَعُ عِنْدَ زَوْجَتِهِ وَرَدَّهُ الشَّيْخُ بِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ هُنَا أَشَدُّ وَكَذَلِكَ أَطْلَقَ وَلَوْ كَانَ مَقْبُولُ الْخَبَرِ مُبْتَاعًا وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَأْمُونِ أَهْلٌ وَفِي الْمَذْهَبِ خِلَافٌ فِي كَرَاهِيَتِهِ وَمَنْعِهِ. (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى يَدِ امْرَأَةٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بَلْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الشَّأْنُ كَوْنُهَا عَلَى يَدِ امْرَأَةٍ فَكَيْفَ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ مَقْبُولٍ خَبَرُهُ (قُلْتُ) يَدْخُلُ لِأَنَّ الْمُرَادَ النِّسْبَةُ كَقَوْلِهِ إنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ فِي فَصْلِ الْإِمَامَةِ قَالَ فِيهَا اتِّبَاعُ مُصَلٍّ وَلَمْ يَقُلْ أَنْ يُتَّبَعَ مُصَلٍّ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ وَهُنَا لَمْ يُرَاعِ ذَلِكَ وَيَقُولُ جَعَلَ مَقْبُولَ خَبَرٍ مَعَ أَنَّهُ أَخْصَرُ (قُلْتُ) مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ اتِّبَاعٌ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْوَاقِعُ فِي نُسْخَةِ الشَّيْخِ بِخَطِّهِ وَفِي نُسْخَةِ الشَّيْخِ سَيِّدِي عِيسَى الْغُبْرِينِيِّ أَنْ يُتْبَعَ عَلَى لَفْظِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ وَكَانَتْ فِي كِلَا النُّسْخَتَيْنِ اتِّبَاعُ ثُمَّ أُصْلِحَتْ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَعَلَى ذَلِكَ لَا يَرِدُ هَذَا السُّؤَالُ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ كَذَلِكَ فَلَعَلَّهُ رَاعَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ كَثْرَةَ الْبَيَانِ هُنَا فَلِذَلِكَ عَبَّرَ هُنَا بِمَا رَأَيْتَ وَفِيهِ نَظَرٌ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يَصْدُقُ حَدُّ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ اشْتَرَى أَمَةً مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ أَمَّنَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الْمُوَاضَعَةِ (قُلْتُ) ظَاهِرُ الْحَدِّ أَنَّ ذَلِكَ صَادِقٌ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَقْبُولَ الْخَبَرِ وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ مَذْهَبِيٌّ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ كَرَاهَةُ الْوَضْعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ بِالْمَنْعِ وَفِي النَّقْلِ اخْتِلَافٌ اُنْظُرْهُ وَالضَّمَانُ فِي الْمُوَاضَعَةِ مِنْ الْبَائِعِ فِيمَا يُحْدِثُ بِالْأَمَةِ وَالنَّقْدِ بِشَرْطٍ لَا يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ وَطْءٌ لِلْمُبْتَاعِ وَلَا تَلَذُّذٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 [بَابٌ فِي الْإِحْدَادِ] ح د د) بَابٌ فِي الْإِحْدَادِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " تَرْكُ مَا هُوَ زِينَةٌ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ قَالَ فَيَدْخُلُ تَرْكُ الْخَاتَمِ فَقَطْ لِلْمُبْتَذَلَةِ " ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ مُحْرِزٍ تَرْكُ الزِّينَةِ الْمُعْتَادَةِ يَبْطُلُ طَرْدُهُ بِصِحَّةِ سَلْبِ الزِّينَةِ الْمُعْتَادَةِ عَمَّنْ لَبِسَتْهُ مُبْتَذَلَةً قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَخْ ظَاهِرُهُ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ اخْتَصَّ بِهِ وَقَالَ شَارِحُهُ إنَّ الْفُقَهَاءَ وَشُرَّاحَ الْحَدِيثِ فَسَّرُوهُ بِذَلِكَ وَغَيْرُهُمْ وَمَا أَوْرَدَهُ مِنْ عَدَمِ طَرْدِهِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُبْتَذَلَةٍ وَتَرَكَتْ الزِّينَةَ الْمُعْتَادَةَ فِي حَيَاةِ زَوْجِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ يَصْدُقُ فِي حَقِّهَا الْحَدُّ وَتُوصَفُ بِذَلِكَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ الْإِحْدَادِ لِأَنَّهُ لِمَحْدُودٍ هُوَ إحْدَادُ الزَّوْجَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَلَيْسَ فِي الْحَدِّ مَا يُخْرِجُ صُورَةَ الِاعْتِرَاضِ وَلَا يُخْرِجُ ذَلِكَ تَقْيِيدُ الْإِحْدَادِ لِأَنَّهُ الْمَحْدُودُ كَمَا أَشَارَ إلَى نَظِيرِ ذَلِكَ فِي حَدِّ الْمُطْلَقِ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الصُّورَةُ الْوَارِدَةُ كَمَا أُورِدَتْ عَلَى رَسْمِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَكَذَلِكَ تَرِدُ عَلَى رَسْمِ الشَّيْخِ وَلَيْسَ فِي حَدِّهِ مَا يُخْرِجُهَا فَتَأَمَّلْهُ. هَذَا إنْ فُهِمَ عَلَى هَذَا وَهُوَ مَا كَانَ يَتَقَدَّمُ فِيهِ وَإِنْ قُلْت فُهِمَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَالِاعْتِرَاضُ وَارِدٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الشَّيْخَ قَالَ تَرْكُ مَا هُوَ زِينَةٌ أَيْ تَرْكُ الزِّينَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالصُّورَةُ الْوَارِدَةُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا تَرْكُ الزِّينَةِ الْمُطْلَقَةِ لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَلَيْهَا هُوَ زِينَةٌ فِي الْجُمْلَةِ وَمَعْنَى كَلَامِ حَدِّ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ تَرْكُ مَا هُوَ زِينَةٌ أَتَى بِالتَّرْكِ وَصَيَّرَهُ جِنْسًا وَلَمْ يَقُلْ أَنْ تَتْرُكَ كَمَا قَدَّمَ فِي الْمُوَاضَعَةِ وَقَالَ مَا هُوَ زِينَةٌ وَلَمْ يَقُلْ تَرْكُ الزِّينَةِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَقْصُودٌ وَأَنَّ مَا مَوْصُولَةٌ لَا مَصْدَرِيَّةٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَصْدَ إنَّمَا هُوَ تَرْكُ الشَّيْءِ الَّذِي تَتَقَرَّرُ بِهِ الزِّينَةُ مِمَّا هُوَ مَعْلُومُ التَّزَيُّنِ بِهِ وَلَمْ يَقُلْ تَرْكُ الزَّوْجَةِ الزِّينَةَ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ لِزَوْجِهَا فَتَأَمَّلْهُ وَلَوْ قَالَ تَرْكُ مَا هُوَ زِينَةٌ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ لَزَوْجَةٍ مَاتَ زَوْجُهَا لَكَانَ حَسَنًا قَالُوا وَالْمَرْأَةُ إذَا عَقَلَتْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهَا وَإِلَّا فَعَلَى وَلِيِّهَا فِعْلُ ذَلِكَ بِهَا وَفِي الذِّمِّيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ خِلَافٌ قَوْلُهُ " وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ " مَعْنَاهُ تَرْكُ مَا هُوَ زِينَةٌ وَحَدُّهُ أَيْ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ كَثَوْبِ الزِّينَةِ وَحَدُّهُ وَمَا يُتَزَيَّنُ بِهِ وَلَوْ كَانَ مَعَ غَيْرِهِ لِيَدْخُلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 فِي ذَلِكَ مَنْ كَانَ عِنْدَهَا زِينَةٌ مَعَ حُلِيٍّ أَوْ خَاتَمٍ وَمَنْ كَانَ لَهَا خَاتَمٌ وَهِيَ مُبْتَذَلَةٌ وَلَا زِينَةَ لَهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا طَرْحُ الْخَاتَمِ كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ قَالُوا وَلَوْ كَانَ حَدِيدًا وَهُوَ صَحِيحٌ. (فَإِنْ قُلْتَ) ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ جَعَلَ لُزُومَ دَارِ السُّكْنَى إلَّا لِضَرُورَةٍ لِأَنَّهُ رَتَّبَ ذَلِكَ عَلَى الْحَدِّ وَصَيَّرَهُ نَتِيجَةً عَنْهُ وَلَيْسَ فِي الْإِحْدَادِ إلَّا تَرْكُ الزِّينَةِ الْمُعْتَادَةِ وَأَمَّا لُزُومُ الدَّارِ فَلَيْسَ مِنْهُ (قُلْتُ) يُتَأَوَّلُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا يَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْإِحْدَادِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الزِّينَةَ فِي الْحَدِّ وَلَمْ يُبَيِّنْهَا وَالزِّينَةُ يَخْتَلِفُ حَالُهَا بِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ فَعُرِفَ بِأَمْرٍ مَجْهُولٍ (قُلْتُ) أَحَالَ فِي ذَلِكَ عَلَى عُرْفِ كُلِّ مَوْضِعٍ وَمَا يُعَدُّ زِينَةً عِنْدَهُمْ عُرْفًا وَلَيْسَ فِيهِ جَهَالَةٌ بَلْ ذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عُرْفِ كُلِّ شَخْصٍ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي كُلُّ لَوْنٍ تَتَزَيَّنُ بِهِ النِّسَاءُ تُمْنَعُ مِنْهُ الْحَادُّ وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ فِي زِينَةِ الْحَادِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ هُنَا كَلَامُهُ مُعْتَرَضٌ فِي قَوْلِهِ لَا تَلْبَسُ مَصْبُوغًا إلَخْ اُنْظُرْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) الزِّينَةُ هَلْ تَعُمُّ اللِّبَاسَ وَغَيْرَهُ (قُلْتُ) نَعَمْ تَعُمُّ اللِّبَاسَ وَغَيْرَهُ مِنْ دُهْنٍ وَطِيبٍ وَمُشْطٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ كَانَتْ تَطَيَّبَتْ هَلْ يَصْدُقُ فِيهَا الْحَدُّ (قُلْتُ) نَعَمْ وَنَصُّهَا كَذَلِكَ أَنَّهَا يَجِبُ عَلَيْهَا زَوَالُ الطِّيبِ كَمَا يَجِبُ زَوَالُ زِينَةِ اللِّبَاسِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ. [بَابُ الْمَفْقُودِ] (ف ق د) : بَابُ الْمَفْقُودِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ وَيُمْكِنُ الْكَشْفُ عَنْهُ " قَوْلُهُ " مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ " أَصْلُ الْجِنْسِ الْغَائِبِ الَّذِي انْقَطَعَ خَبَرُهُ فَيَخْرُجُ بِالْمُنْقَطِعِ خَبَرُهُ الْأَسِيرُ وَيُمْكِنُ الْكَشْفُ عَنْهُ أَمَّا حَالٌّ أَوْ صِفَةٌ يَخْرُجُ بِهِ الْمَحْبُوسُ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ الْكَشْفُ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْمَفْقُودِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ فَيَخْرُجُ الْأَمِيرُ ابْنُ عَاتٍ وَالْمَحْبُوسُ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ الْكَشْفُ عَنْهُ فَعَلَى هَذَا لَا تَنْكِحُ امْرَأَةُ الْأَسِيرَ إلَّا أَنْ يَصِحَّ مَوْتُهُ أَوْ تَنَصُّرُهُ طَائِعًا وَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ لَهُ حَالٌ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الطَّوْعِ. (فَإِنْ قُلْتَ) أَطْلَقَ الشَّيْخُ فِي حَدِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَظَاهِرُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 مَنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُسَمَّى مَفْقُودًا شَرْعًا وَلَهُ الْحُكْمُ الْخَاصُّ بِهِ فِي زَوْجَتِهِ وَمَالِهِ مَعَ أَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مَنْ فُقِدَ بِبَلْدَةٍ فِي زَمَنِ الطَّاعُونِ حَكَمُوا لَهُ بِحُكْمِ الْمَيِّتِ (قُلْتُ) مَسَائِلُ هُنَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا مِثْلُ مَفْقُودِ قِتَالِ الْعَدُوِّ وَمَفْقُودِ حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ مَنْ فُقِدَ فِي جِهَةِ أَرْضِ الْحَرْبِ وَالرَّسْمُ لِمَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُ الشَّيْخِ مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ هَلْ يَعُمُّ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ أَوْ هُوَ خَاصٌّ بِالْحُرِّ (قُلْتُ) يَعُمُّ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَإِنَّمَا وَقَعَ اخْتِصَاصُ الْعَبْدِ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا فُقِدَ عَبْدٌ ثُمَّ عَتَقَ وَلَهُ وَلَدٌ أَحْرَارٌ هَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ (قُلْتُ) ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الْحَدِّ وَقَدْ وَقَعَ فِيهَا قَالَ إنْ فُقِدَ عَبْدٌ فَأُعْتِقَ وَلَهُ وَلَدٌ وُقِفَ الْمِيرَاثُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّ الْعِتْقَ صَادَفَهُ حَيًّا وَلَا يُوقَفُ لَهُ إرْثُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ عَلَى أَصْلِ الرِّقِّ حَتَّى يَصِحَّ الْعِتْقُ ثُمَّ زَادَ فِيهَا زِيَادَةً أَوْجَبَتْ إشْكَالًا وَهُوَ أَنَّ الْمَالَ يُدْفَعُ بِحَمِيلٍ لِوَرَثَةِ الِابْنِ حَتَّى نَاقَضَهَا بَعْضُهُمْ بِمَنْ قُضِيَ لَهُ بِإِرْثٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حَمِيلٌ وَذَلِكَ جَوْرٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي الْحَمَّالَةِ وَأَجَابَ بَعْضُ الشُّيُوخِ عَنْ ذَلِكَ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَحِلِّهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَهُوَ أَعْلَمُ سُبْحَانَهُ. [كِتَابُ الرَّضَاعِ] (ر ض ع) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الرَّضَاعِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الرَّضَاعُ عُرْفًا وُصُولُ لَبَنِ آدَمِيٍّ بِمَحِلٍّ مَظِنَّةُ غِذَاءٍ " ثُمَّ قَالَ لِتَحْرِيمِهِمْ بِالسَّعُوطِ وَالْحُقْنَةِ وَلَا دَلِيلَ إلَّا مُسَمَّى الرَّضَاعِ " (قُلْتُ) ذَكَرُوا أَنَّهُ يُقَالُ الرَّضَاعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَيُقَالُ الرَّضَاعَةُ وَالرَّضَاعَةُ كَذَلِكَ وَيُقَالُ رَضِعَ رَضْعًا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَيُقَالُ أَرْضَعَتْ إرْضَاعًا قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " عُرْفًا " مَعْنَاهُ عُرْفًا شَرْعِيًّا وَخَصَّصَ هَذَا الْمَحْدُودُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَحُدُّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الرَّضَاعَ غَلَبَ فِي الْمَعْهُودِ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ ضَمُّ الشَّفَتَيْنِ عَلَى مَحِلِّ خُرُوجِ اللَّبَنِ مِنْ ثَدْيٍ لِطَلَبِ خُرُوجِهِ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ حَيْثُ حَكَمُوا بِأَنَّ الْحُقْنَةَ وَالسَّعُوطَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 يَقَعُ التَّحْرِيمُ بِهِمَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَ عُرْفًا شَرْعِيًّا صَادِقٌ عَلَيْهِمَا وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ حَيْثُ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى قَوْلِهِ وَيُلْحَقُ بِهِ الْمُتَغَيِّرُ فِي الْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَكَذَا يُقَالُ هُنَا لَعَلَّهُ مِمَّا أُلْحِقَ بِالرَّضَاعِ احْتِيَاطًا فِي الْبَابِ لَا أَنَّ الْعُرْفَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَضَاعٌ وَفِيهِ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ يَقُولُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِتَحْرِيمِهِمْ وَهَذَا يَقْتَضِي الِاتِّفَاقَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَقَدْ نَقَلَ الْخِلَافَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّعُوطِ. (قُلْتُ) الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ وَصَلَ الْجَوْفَ فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَالْخِلَافُ إذَا لَمْ يَصِلْ فَالتَّحْرِيمُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَصَحَّ قَوْلُهُ أَوَّلًا مَعَ قَوْلِهِ آخِرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَوْرَدَ عَلَى الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ لَا يُحَرِّمُ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَحْدُودَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَضَاعٌ وَكَوْنُهُ لَا يُحَرِّمُ أَمْرٌ آخَرُ وَرَاءَهُ فَالْمَحْدُودُ مَاهِيَّةُ الرَّضَاعِ بِمَا هُوَ لَا أَفْرَادُهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَوْلُهُ " وُصُولُ لَبَنِ " جِنْسٌ وَلَمْ يَقُلْ إيصَالُ لَبَنٍ لِأَنَّ الْوُصُولَ أَعَمُّ وَالْإِيصَالُ أَخَصُّ لِأَنَّ الْوُصُولَ بُلُوغُ اللَّبَنِ إلَى مَا ذَكَرَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ بِمُوصِلٍ وَصَلَهُ وَقَصَدَ وُصُولَهُ أَمْ لَا وَإِيصَالُهُ قَصَدَ فَاعِلٌ وُصُولَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي نَظِيرِهِ نَظَرٌ وَقَوْلُهُ لَبَنِ أَخْرَجَ بِهِ وُصُولَ مَاءٍ وَمَا شَابَهَهُ أَوْ غِذَاءٍ قَوْلُهُ آدَمِيٍّ أَخْرَجَ بِهِ لَبَنَ غَيْرِ الْآدَمِيِّ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَحْدَهُ هُنَا أَعَمُّ مِنْ الرَّضَاعِ الْمُعْتَبَرِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ لَا يُؤَثِّرُ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَلَوْ أَرَادَ الرَّضَاعَ الْمُؤَثِّرَ لِغَيْرِهِ وَيَدْخُلُ لَبَنُ الْمَيْتَةِ بِاتِّفَاقٍ وَكَذَلِكَ لَبَنُ الصَّغِيرَةِ عَلَى الْخِلَافِ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ لَبَنُ الْعَجُوزِ وَيَدْخُلُ فِيهِ رَضَاعُ الْكَبِيرِ وَلَبَنُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنْ قِيلَ ابْنُ الْحَاجِبِ ذَكَرَ فِي الشُّرُوطِ آدَمِيَّةً أُنْثَى وَالشَّيْخُ قَالَ آدَمِيٌّ وَكُلٌّ مُشْكِلٌ قُلْتُ شَارِحُهُ أَجَابَ عَنْ قَوْلِهِ أُنْثَى بِأَنَّ اللَّفْظَ قَابِلٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ النَّفْسَ وَهِيَ أَعَمُّ فَخَصَّ ذَلِكَ وَالشَّيْخُ هُنَا أَرَادَ التَّشَبُّهَ قَوْلُهُ " بِمَحِلٍّ " إلَخْ لِيُدْخِلَ بِهِ الْحُقْنَةَ وَالسَّعُوطَ وَالْكُحْلَ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِهِ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ اللَّبَنَ الْمَاءَ الْأَصْفَرَ فَإِنَّهُ لَغْوٌ وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ اللَّبَنُ الْمَخْلُوطُ وَلَبَنُ الذَّكَرِ عَلَى الْخِلَافِ وَاعْتِبَارُ مَا يَحْرُمُ بِهِ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَإِطْلَاقُ اللَّبَنِ يَصْدُقُ عَلَى مَصَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَهُنَا مَسَائِلُ يُنْظَرُ فِيهَا مَعَ حَدِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 [بَابُ مَا يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ مِنْ الرَّضِيعِ مِنْ مُرْضِعِهِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَثْبُتُ أُمُومَةُ الْمُرْضِعَةِ وَأُبُوَّةُ مَنْ لَهُ اللَّبَنُ بِوَطْءٍ يَلْحَقُ وَلَدُهُ بِهِ كَالْوِلَادَةِ) قَوْلُهُ " أُمُومَةُ الْمُرْضِعَةِ " أَطْلَقَ فِي الْمُرْضِعَةِ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ سَرِيَّةً أَوْ بِغَيْرِ زَوْجٍ كَمَا إذَا دَرَّتْ الْبِكْرُ عَلَى صَبِيٍّ وَإِذَا تَقَرَّرَتْ الْأُمُومَةُ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ كَانَ أَخًا لِلرَّضِيعِ إمَّا شَقِيقًا أَوْ لِأُمٍّ كَانَ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا قَوْلُهُ " وَأُبُوَّةُ مَنْ لَهُ إلَخْ " أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُرْضِعَةَ إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَإِنَّهُ صَاحِبُ اللَّبَنِ بِشَرْطِ أَنْ يَقَعَ وَطْءٌ مِنْهُ لِلزَّوْجَةِ مِنْ صِفَةِ ذَلِكَ الْوَطْءِ أَنْ يَلْحَقَ الْوَلَدُ بِالْوَاطِئِ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ وَطْءٌ إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ وَطْءٌ بَلْ وَقَعَ مِنْهُ عَقْدٌ كَمَا إذَا دَرَّتْ الْبِكْرُ وَرَضِعَهَا صَبِيٌّ وَكَانَ رَجُلٌ عَقَدَ النِّكَاحَ عَلَيْهَا ثُمَّ فَارَقَهَا وَلَمْ يَطَأْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْأُبُوَّةُ لِلزَّوْجِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ قَدْ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَصَيَّرَهَا مَحَلَّ نَظَرٍ فَانْظُرْهُ قَوْلُهُ " يَلْحَقُ وَلَدُهُ بِهِ " أَخْرَجَ وَلَدَهُ بِهِ إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ اللَّبَنَ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمًا فِي حَقِّ صَاحِبِ اللَّبَنِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ فِيهِ وَلَدٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا مُدَّةُ لُحُوقِ الْوَلَدِ بِالزَّوْجِ فِي النِّكَاحِ وَذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا لَمْ تَزَلْ الزَّوْجَةُ فِي عِصْمَتِهِ فَلَا إشْكَالَ فِيهَا وَإِنْ فَارَقَهَا وَلَمْ تَتَزَوَّجْ فَإِنَّ اللَّبَنَ لَا يَزَالُ مَحْكُومًا بِهِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ كَخَمْسِ سِنِينَ فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُ فِيهَا وَلَدٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ سَحْنُونٌ وَيَكُونُ أَشَارَ إلَى مَا يَنْقَطِعُ بِهِ اللَّبَنُ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الِاحْتِرَازُ مِنْ الزِّنَا إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ " كَالْوِلَادَةِ " يَعْنِي كَمَا أَنَّ الْوِلَادَةَ مِنْ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ يَثْبُتُ بِهَا حُكْمُ الْأُبُوَّةِ أَوْ الْأُمُومَةِ فَكَذَا فِي الرَّضَاعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي النِّسْبَةِ الْمُلْغَاةِ فِي الرَّضَاعِ] (ن س ب) : بَابٌ فِي النِّسْبَةِ الْمُلْغَاةِ فِي الرَّضَاعِ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهَا النِّسْبَةُ الَّتِي لَمْ تُمَاثِلْ النِّسْبَةَ فِي النَّسَبِ أَوْ الْوِلَادَةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ النِّسْبَةَ فِي النَّسَبِ تَقَدَّمَ مَا يَجْمَعُهَا فِي ضَابِطِهَا وَهِيَ السَّبْعُ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بِالنَّسَبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 فَالْأُمُّ كُلُّ مَنْ لَهَا عَلَيْك وِلَادَةٌ وَإِنْ عَلَتْ وَالْبِنْتُ كُلُّ مَنْ لَك عَلَيْهَا وِلَادَةٌ وَإِنْ سَفَلَتْ وَالْأُخْتُ كُلُّ مَنْ جَمَعَك وَإِيَّاهَا صُلْبٌ أَوْ بَطْنٌ فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْكَ أُخْتُ أُخْتِك مِنْ أَبِيهَا إذَا كَانَتْ أُخْتًا لِأُمٍّ لَك وَلَا أُخْتُ أُخْتِكَ مِنْ أُمِّهَا إذَا كَانَتْ أُخْتًا لِأَبٍ لَك بِخِلَافِ إذَا كَانَتْ شَقِيقَةً فَإِنَّ أُخْتَهَا تَحْرُمُ عَلَيْك قَطْعًا وَأَجْرِ ذَلِكَ فِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ فَإِذَا رَضِعَ صَبِيٌّ امْرَأَةً فَلَا تَحْرُمُ عَلَى أَخِي الرَّضِيعِ أَوْ أَوْلَادِ الْمُرْضِعَةِ لِأَنَّ النِّسْبَةَ الْوَاقِعَةَ بَيْنَهُمَا إنَّمَا أَثَّرَتْ لِأَنَّ وَلَدَهَا أَخِ الْأَخِ الرَّضِيعِ وَهَذِهِ النِّسْبَةُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا لَا تُوجِبُ تَحْرِيمًا فِي النَّسَبِ لِأَنَّا قَرَّرْنَا أَنَّ أُخْتَ الْأُخْتِ فِي النَّسَبِ الْغَيْرِ الْآيِلِ إلَى ذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمًا وَإِنَّمَا يُوجِبُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ جَمْعُ الصُّلْبِ أَوْ الْبَطْنِ بَيْنَهُمَا كَمَا قَرَّرْنَا فِي رَسْمِ الْإِخْوَةِ فَلِذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النِّسْبَةِ الْمُلْغَاةِ كَنِسْبَةِ أَخِ الْأَخِ غَيْرِ آيِلَةٍ إلَى ذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ النِّسْبَةَ الْمُجَرَّدَةَ لَا عِبْرَةَ بِهَا مِنْ ذَاتِهَا. فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ صَحَّ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ صَيَّرَ قِسْمَ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ لِأَنَّ النَّسَبَ هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوِلَادَةِ لِقَوْلِهِمْ حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ سَبْعًا مِنْ النَّسَبِ وَسِتًّا مِنْ الرَّضَاعِ وَأَدْخَلُوا فِي حُرْمَةِ النَّسَبِ الْأُمُومَةَ وَالْأُبُوَّةَ لِلْوِلَادَةِ قُلْتُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ النَّسَبُ هُنَا الْمُرَادُ مِنْهُ نَسَبٌ خَاصٌّ وَهُوَ الْقَسِيمُ لِلْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَرَّرَ مَا تَثْبُتُ بِهِ الْأُمُومَةُ فِي الرَّضَاعِ وَالْأُبُوَّةُ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا اقْتَضَاهُ النَّسَبُ وَإِنَّ النِّسْبَةَ الثَّابِتَةَ فِي الرَّضَاعِ إنْ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ نِسْبَةِ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِ وِلَادَةٍ أَوْ عَلَى الْوِلَادَةِ فَلَا أَثَرَ لَهَا كَالصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَخِ الْأَخِ فَإِنَّهَا مُلْغَاةٌ شَرْعًا لَا يَثْبُتُ بِهَا حُكْمٌ وَأَجْرِ عَلَى مِنْوَالِ ذَلِكَ فِي أَمْثِلَةٍ كَثِيرَةٍ وَلِذَا وَقَعَ فِي السَّمَاعِ فِي أَخَوَيْنِ وُلِدَ لِأَحَدِهِمَا جَارِيَةٌ وَلِلْآخَرِ غُلَامٌ فَأَرْضَعَ أَحَدُهُمَا أُمَّ أَبَوَيْهِمَا قَالَ لَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّهَا إنْ أَرْضَعَتْ الذَّكَرَ فَهُوَ عَمٌّ لِلصَّبِيَّةِ وَإِلَّا فَهِيَ عَمَّةٌ لِلصَّبِيِّ قَالَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَخَوَانِ شَقِيقَيْنِ أَوْ لِأُمٍّ وَأَمَّا إنْ كَانَا لِأَبٍ وَأَرْضَعَتْ أَحَدَ الصَّبِيَّيْنِ جَدَّةُ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ وَطْءِ الْجَدِّ فَلَا يَقَعُ تَحْرِيمٌ لِأَنَّ أُخْتَ الْعَمِّ وَعَمَّةُ الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَالنَّسَبِ حَلَالٌ كَأُخْتِ الْأَخِ وَعَمَّةِ الْعَمِّ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. [بَابُ النِّسْبَةِ الْمُوجِبَةِ التَّحْرِيمَ فِي الرَّضَاعِ] (ن س ب) : بَابُ النِّسْبَةِ الْمُوجِبَةِ التَّحْرِيمَ فِي الرَّضَاعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا مَعْنَاهُ النِّسْبَةُ الَّتِي مَاثَلَتْ النِّسْبَةَ فِي النَّسَبِ أَوْ الْوِلَادَةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 أَنَّ النِّسْبَةَ الَّتِي تَتَقَرَّرُ فِي الرَّضَاعِ إنْ شَابَهَتْ نِسْبَةً فِي النَّسَبِ كَنِسْبَةِ أَنَّهَا أُمّ أَوْ بِنْتٌ أَوْ أُخْتٌ أَوْ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ أَوْ بِنْتُ أَخٍ أَوْ بِنْتُ أُخْتٍ فَهَذِهِ النِّسْبَةُ يُعْتَبَرُ التَّحْرِيمُ بِهَا بِخِلَافِ نِسْبَةِ مَا تَقَدَّمَ فِي أَخِ الْأَخ أَوْ أُخْتِ الْأُخْتِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُمَا فَلِذَا قَالَ بَعْدُ فَمُحَرَّمُهُمَا فِي أَحَدِهِمَا مُحَرَّمٌ يَعْنِي فَحَرَّمَ النِّسْبَةَ فِي نِسْبَةِ النَّسَبِ أَوْ نِسْبَةِ الْوِلَادَةِ مِمَّا تَقَرَّرَ فِيهِ التَّحْرِيمُ فَهُوَ مُحَرَّمٌ فِي الرَّضَاعِ كَابْنَةِ الْأَخِ فِي الرَّضَاعِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ لِأَنَّهَا أَوْجَبَتْ نِسْبَةً فِي النَّسَبِ تُوجِبُ الْحُرْمَةَ لِأَنَّ بِنْتُ أَبِيهِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا إمَّا شَقِيقَةٌ أَوْ لِأَبِيهِ فَهِيَ أُخْتُهُ وَكَذَلِكَ بِنْتُ الْأَخِ لِلْأُمِّ ثُمَّ قَالَ وَمُقَابِلُهُ مُقَابِلُهُ بِمَعْنًى وَغَيْرُ الْمُحَرَّمِ فِي النَّسَبِ أَوْ الْوِلَادَةِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ فِي الرَّضَاعِ كَابْنَةِ الْعَمِّ فِيهِ وَابْنَةِ الْخَالَةِ ثُمَّ ذَكَرَ مَسَائِلَ تَمْثِيلًا اُنْظُرْهُ وَلَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْكَلَامَ أَشَارَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى تَوَهُّمِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي زَعْمِهِ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَأَنَّ ظَاهِرَهُ كُلُّ مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ فَهُوَ يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يُخَصِّصُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ وَذَكَرَ أَرْبَعَ صُوَرٍ خَارِجَةٍ عَنْ الْعَامِّ قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا وَهْمٌ لِأَنَّ الْمُخْرِجَ مِنْ الْعَامِّ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَهُ وَالصُّوَرُ الْمَذْكُورَةُ لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَهُ بِوَجْهٍ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِمَا تَقِفُ عَلَيْهِ فِيهِ وَمَا ذَكَرَهُ صَوَابٌ لِأَنَّ الَّذِي يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ ذَكَرُوا لَهُ ضَابِطًا يَجْمَعُهُ وَلَا يَصْدُقُ ذَلِكَ عَلَى الصُّوَرِ الْمُسْتَثْنَاةِ إذَا تَأَمَّلْته وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الشَّبِيبِيُّ الْأَرْبَعَةَ الصُّوَرِ وَزَادَ صُورَتَيْنِ اُنْظُرْهُ وَانْظُرْ انْتِهَازَ الْفُرْصَةِ فَإِنْ الشَّيْخَ ابْنَ مَرْزُوقٍ سُئِلَ عَنْ كَلَامِ الشَّيْخِ وَذَكَرَ مَا يَلِيقُ بِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَفِيهِ مَا يُبْحَثُ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي الْغِيلَةِ] (غ ي ل) : بَابٌ فِي الْغِيلَةِ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَفْسِيرِهَا قَوْلَيْنِ قِيلَ هِيَ وَطْءُ الْمُرْضِعِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقِيلَ إرْضَاعُ الْحَامِلِ وَانْظُرْ مَا بُنِيَ عَلَى ذَلِكَ. . [كِتَابُ النَّفَقَةِ] (ن ف ق) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ النَّفَقَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ (مَا بِهِ قِوَامُ مُعْتَادِ حَالِ الْآدَمِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 دُونَ سَرَفٍ) قَوْلُهُ " مَا بِهِ قِوَامُ مُعْتَادِ حَالِ الْآدَمِيِّ " أَخْرَجَ بِهِ قِوَامَ مُعْتَادِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ " مُعْتَادِ حَالِ الْآدَمِيِّ " مَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ فِي حَالِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَفَقَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَقَوْلُهُ " دُونَ سَرَفٍ " أَخْرَجَ بِهِ السَّرَفَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَفَقَةٍ شَرْعًا وَلَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا النَّفَقَةُ الَّتِي يُحْكَمُ بِهَا (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ الْمُرَادُ هُنَا بِالسَّرَفِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْحَجْرِ أَوْ غَيْرِهِ (قُلْتُ) لَا بَلْ الْمُرَادُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ النَّاسِ فِي نَفَقَتِهِمْ الْمُسْتَلَذَّةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (فَإِنْ قُلْتَ) هَذَا الْقَيْدُ هَلْ هُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ مُعْتَادِ حَالِ الْآدَمِيِّ (قُلْتُ) لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّ مُعْتَادَ حَالِ الْآدَمِيِّ هُوَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ قُوَّةِ أَكْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ مِنْ " غَيْرِ سَرَفٍ " قُيِّدَ لِقَوْلِهِ مَا بِهِ قِوَامٌ وَهُوَ الْمُنْفِقُ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتَدْخُلُ الْكِسْوَةُ أَشَارَ بِهِ إلَى خِلَافٍ مَشْهُورٍ قَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ أَنَّ الْكِسْوَةَ هَلْ تَدْخُلُ فِي النَّفَقَةِ أَمْ لَا فَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ وَمَنْ وَافَقَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي النَّفَقَةِ وَعَلَيْهِ بَنَوْا إذَا الْتَزَمَ نَفَقَةً رَجُلٌ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ كِسْوَتُهُ أَمْ لَا وَاحْتَجَّ بِالْآيَةِ {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: 6] الْآيَةَ وَرَدَّهُ ابْنُ سَهْلٍ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْوَاجِبَةِ لَا فِي الْمُتَطَوَّعِ بِهَا وَقَدْ أَحْسَنَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا الْبَحْثَ وَجَمْعَ النَّقْلِ وَحَاصِلُ مَا فِي النَّقْلِ أَنَّ ابْنَ زَرْبٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرَهُ مِنْ الشُّيُوخِ قَالُوا بِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا الْتَزَمَ نَفَقَةً عَلَى أَحَدٍ ثُمَّ قَالَ أَرَدْت غَيْرَ الْكِسْوَةِ لَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَتَلْزَمُهُ الْكِسْوَةُ وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ يُصَدَّقُ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْآيَةِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا أَرَى ذَلِكَ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَقَدْ تَعَرَّفَتْ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ فِي الطَّعَامِ دُونَ الْكِسْوَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَاصِلُهُ أَنَّ النَّفَقَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ ثُمَّ خُصِّصَتْ عِنْدَهُ عُرْفًا فِي الطَّعَامِ فَقَطْ قَالَ الشَّيْخُ وَتَقَرَّرَ فِي مَبَادِئِ الْأُصُولِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْلِ ثُمَّ قَالَ وَفِي قَوْلِهِ النَّفَقَةُ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ مُسَامَحَةٌ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفَهِمَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِمَا ذُكِرَ صَحِيحٌ وَمَا مَوْقِعُ قَوْلِهِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي مَبَادِئِ الْأُصُولِ إلَخْ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى ابْنِ رُشْدٍ وَلَا يُرَدُّ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْعُرْفُ لَمْ يَثْبُتْ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ ثُبُوتَهُ وَالْبَحْثَ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ الْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْلِ إلَّا إذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، نَعَمْ يُقَالُ تَعَارُضُ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَهُوَ أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا كَمَا إذَا قَالَ لَا أَكَلْت رَأْسًا وَقَدْ أَكَلَ رَأْسَ الْحُوتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 وَقَدْ وَقَعَ فِي الْوَكَالَاتِ مَا عَارَضَهُ وَأُجِيبَ عَنْهُ عَلَى قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَهَذَا عِنْدِي مِنْهُ وَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُسَامَحَةٌ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ النَّفَقَةُ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَهَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَإِنَّمَا الْعُمُومُ هُنَا صَلَاحِيٌّ لَا شُمُولِيٌّ (قُلْتُ) وَلَعَلَّ ابْنَ رُشْدٍ يَرَى أَنَّهُ اسْمُ الْجِنْسِ عَامٌّ لِأَنَّهُ مُحَلَّى بِاللَّامِ أَوْ مُضَافٌ وَفِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَاك وَتَأَمَّلْ بَحْثَ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ ابْنِ سَهْلٍ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ ذِكْرَهُ عَنْ الْمَقْصِدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُوَفِّقُنَا بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ. [بَابٌ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ] ِ يُؤْخَذُ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنَّهَا تَجِبُ بِدُعَاءِ الْبَالِغِ إلَى الْبِنَاءِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا فِي مَرَضِ السِّيَاقِ بَعْدَ قَدْرِ التَّرَبُّصِ لِلْبِنَاءِ وَالشُّورَةِ) قَوْلُهُ " بِدُعَاءِ الزَّوْجِ " كَذَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالدَّاعِي أَمَّا الزَّوْجَةُ إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ أَبُو الْبِكْرِ إذَا كَانَتْ تَحْتَ نَظَرِ أَبِيهَا وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ ذَلِكَ الزَّوْجَةُ قَالَ عِيَاضٌ هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَخَالَفَ الْمَأْمُونِيُّ فِي ذَلِكَ اُنْظُرْهُ وَقَوْلُهُ " الْبَالِغِ " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْبَالِغِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُطِيقِ الْوَطْءَ عَلَى قَوْلَيْنِ قَوْلُهُ " وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا " إلَخْ أَخْرَجَ بِهِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي السِّيَاقِ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ بِهِ النَّفَقَةُ وَوَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَنْظُرُ فِيهِ اُنْظُرْ عِيَاضًا فَإِذَا وَقَعَ عَقْدُ النِّكَاحِ فَلَا تَجِبُ بِهِ النَّفَقَةُ وَحْدَهُ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالِ اُنْظُرْهُ. [بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالِ النَّفَقَةِ] ِ هِيَ عَلَى قَدْرِ عُسْرِهِ وَيُسْرِهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ الْمُعْتَبَرُ حَالُهُمَا وَحَالُ بَلَدِهِمَا وَزَمَنُهُمَا وَسِعْرُهُمَا وَاعْتَرَضَ الشَّيْخُ عَلَى شَيْخِهِ فِي نَقْلِ حَالِ الزَّوْجِ فَقَطْ. [بَابٌ فِيمَا تَكُونُ مِنْهُ النَّفَقَةُ] ُ قَالَ قَالَ اللَّخْمِيُّ الْمُعْتَبَرُ الصِّنْفُ الَّذِي يَجْرِي بَيْنَهُمَا بِبَلَدِهِمَا قَمْحًا أَوْ شَعِيرًا أَوْ ذُرَةً أَوْ تَمْرًا وَهُوَ ظَاهِرٌ اُنْظُرْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 [بَابٌ فِي اللِّبَاسِ] لَبِسَ: بَابٌ فِي اللِّبَاسِ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَمِيصٌ وَوِقَايَةٌ وَقِنَاعٌ عَلَى قَدْرِهِمَا فِي الْجَوْدَةِ وَالدَّنَاءَةِ وَيُسْرِ الزَّوْجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي الْإِسْكَانِ] (س ك ن) : بَابٌ فِي الْإِسْكَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَالنَّفَقَةِ وَحَالِ الْمَسْكَنِ قَدْرًا وَصِفَةً وَمَكَانًا بِاعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْحَضَانَةِ] (ح ض ن) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الْحَضَانَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ " هِيَ مَحْصُولُ قَوْلِ الْبَاجِيِّ حِفْظُ الْوَلَدِ فِي مَبِيتِهِ وَمُؤْنَةِ طَعَامِهِ وَلِبَاسِهِ وَمَضْجَعِهِ وَتَنْظِيفِ جِسْمِهِ " قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " هِيَ مَحْصُولُ " أَيْ مَعْنَاهَا مَحْصُولُ قَوْلِ الْبَاجِيِّ فَصَيَّرَ الْحَضَانَةَ اسْمَ مَصْدَرٍ صَادِقَةٍ عَلَى الْحِفْظِ الْمَذْكُورِ وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنْ يُحْفَظَ الْوَلَدُ وَبِنَاءُ الْمَصْدَرِ مِنْ الْمَفْعُولِ فِيهِ خِلَافٌ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ ذَلِكَ مِنْ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يُصَرَّحُ بِالْفَاعِلِ وَقَدْ قَدَّمْنَا قَرِيبًا مِنْ هَذَا وَقَدْ وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى الْفَاعِلِ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَسِيبَوَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَمْنَعُهُ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَعَلَيْهِ يُفْهَمُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْحِكَايَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا فِي عَطِيَّةِ الْقَوْمِ عَلَى قَدْرِ أَقْدَارِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَقَصْرُ الْحِفْظِ لِلْحَاضِنِ عَلَى مَا ذُكِرَ فَلَا لَهُ نَظَرٌ فِي غَيْرِ هَذَا فَإِنْ كَانَ لِلْمَحْضُونِ أَبٌ فَيَنْظُرُ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا مِنْ مَالِهِ وَتَعْلِيمِهِ الصَّنْعَةَ وَتَزْوِيجِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى أَنَّ خِتَانَ الْمَحْضُونِ يَكُونُ عِنْدَ أَبِيهِ وَيُرَدُّ إلَى الْأُمِّ وَالرُّقَادِ اخْتَارَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّهُ عِنْدَ الْأُمِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 [بَابٌ فِي مُسْتَحِقِّ الْحَضَانَةِ] ِ إذَا كَانَ أَبَوَا الْوَلَدِ زَوْجَانِ هُمَا يَعْنِي أَنَّ الْأَبَوَيْنِ الْحَضَانَةُ لَهُمَا (فَإِنْ قُلْتَ) وَهَلْ يَصِحُّ لِلْأَبِ أَنْ يَهَبَ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ وَلَا مَقَالَ لِلْأُمِّ (قُلْتُ) وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لِلْأَبِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ ضَرَرًا وَانْظُرْ الْمُدَوَّنَةَ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي وَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ فِي النِّكَاحِ حَيْثُ تَكَلَّمَ عَلَى الْكَافِلِ. [بَابُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ مِنْ نِسَائِهَا] قَالَ مَنْ لَهَا عَلَيْهِ أُمُومَةُ وِلَادَةٍ بِسَبَبِهَا وَلَوْ بَعُدَتْ وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ بَابٌ فِيمَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ مِنْ نِسَاءِ الْأَبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ لَهُ عَلَيْهِ أُمُومَةٌ كَمَا مَرَّ وَأَوَّلُ فَصْلٍ لِمَنْ هِيَ لَهُ عَلَيْهِ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ كَمَا مَرَّ فِي نِسَاءِ الْأُمِّ فَيُقَالُ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ أُمُومَةُ وِلَادَةٍ بِسَبَبِهِ وَلَوْ بَعُدَتْ فَتَدْخُلُ جَدَّةُ الْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ وَقَوْلُهُ وَأَوَّلُ فَصْلٍ لِمَنْ هِيَ لَهُ عَلَيْهِ فَتَدْخُلُ الْعَمَّةُ وَتَخْرُجُ الْأُخْتُ لِأَبٍ كَمَا ذُكِرَ وَتَأَمَّلْ كَلَامَهُ فِي قَوْلِهِ وَتَلْحَقُ بِنْتُ الْأَخِ وَانْظُرْ فِيهِ تَرْتِيبَ الْقَوْمِ فِي الْحَضَانَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [كِتَابُ الْبُيُوعِ] (ب ي ع) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الْبُيُوعِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِّ الْبَيْعِ الْأَعَمِّ " عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى غَيْرِ مَنَافِعَ وَلَا مُتْعَةِ لَذَّةٍ " وَأَشَارَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَقَعُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الشَّرْعِيِّ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ شَرْعًا وَيَقَعُ بِمَعْنًى أَخَصَّ فَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْحَدِّ الْأَعَمِّ هِبَةُ الثَّوَابِ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْبَيْعِ وَهُوَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالصَّرْفُ أَيْضًا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالْمُرَاطَلَةُ كَذَلِكَ وَالسَّلَمُ كَذَلِكَ قَوْلُهُ " عَلَى غَيْرِ مَنَافِعَ " أَخْرَجَ بِهِ الْإِجَارَةَ وَالْكِرَاءَ وَقَوْلُهُ " وَلَا مُتْعَةِ لَذَّةٍ " أَخْرَجَ بِهِ النِّكَاحَ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى مُتْعَةِ لَذَّةٍ وَأَتَى بِالْعَقْدِ فِي الْجِنْسِ كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ الْعُقُودِ أَعَمَّهُ وَأَخَصَّهُ ثُمَّ قَالَ وَالْغَالِبُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ الْأَعَمِّ فَيُزَادُ مَعَ الْحَدِّ الْأَعَمِّ " ذُو مُكَايَسَةٍ أَحَدُ عِوَضَيْهِ غَيْرُ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ مُعَيَّنٌ غَيْرُ الْعَيْنِ فِيهِ " هَذَا الْحَدُّ لِلْأَخَصِّ الَّذِي غَلَبَ الِاسْتِعْمَالُ فِيهِ فِيمَا ذُكِرَ فَأَشَارَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الشَّرْعَ رُبَّمَا كَانَ يَسْتَعْمِلُ اللَّفْظَ عَامًّا فِي مَوَاضِعَ وَيُخَصِّصُهُ فِي غَالِبِ اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ فَيَصِحُّ الْحَدُّ لِلْأَعَمِّ لِأَنَّهُ شَرْعِيٌّ وَلِلْأَخَصِّ لِأَنَّهُ هُوَ غَالِبُهُ وَبِهَذَا يَظْهَرُ مَا يَأْتِي فِي حُدُودٍ صُنِعَ فِيهَا مِثْلُ هَذَا قَالَ فَتَخْرُجُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ. " فَذُو مُكَايَسَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ هِبَةَ الثَّوَابِ وَ " أَحَدُ عِوَضَيْهِ غَيْرُ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْمُرَاطَلَةَ وَالصَّرْفَ وَقَوْلُهُ " مُعَيَّنٌ غَيْرُ الْعَيْنِ فِيهِ " أَخْرَجَ بِهِ السَّلَمَ وَغَيْرُ الْعَيْنِ فِيهِ نَائِبٌ عَنْ فَاعِلِ مُعَيَّنٍ وَفِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِمُعَيَّنِ وَهُوَ صِفَةٌ لِعَقْدِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَيْنِ فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ مُعَيَّنٌ لَيْسَ فِي ذِمَّةٍ وَلِذَلِكَ خَرَجَ بِهِ السَّلَمُ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَيْنِ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ لَا أَنَّهُ مُعَيَّنٌ فَمُعَيَّنٌ إلَخْ صِفَةٌ لِلْعَقْدِ فَالْعَقْدُ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِيهِ أَحَدُ عِوَضَيْهِ غَيْرَ عَيْنٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا شَخْصِيًّا لَا كُلِّيًّا فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ بِثَوْبٍ مُعَيَّنٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْعِوَضَيْنِ يَصْدُقُ فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ عَيْنٍ وَكَذَا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِعَيْنٍ أَوْ دَارًا بِعَيْنٍ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ غَيْرُ عَيْنٍ وَيَبْقَى الْعَيْنُ أَعَمَّ مِنْ كَوْنِهِ مُعَيَّنًا أَوْ فِي الذِّمَّةِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْعَيْنُ أَخَصُّ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 أَعَمُّ فَهَلَّا قَالَ مُعَيَّنٌ غَيْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِيهِ (قُلْتُ) الْعَيْنُ خَاصٌّ بِالْمَضْرُوبِ فَلِذَا كَانَ أَخَصَّ وَعَيْنُ الْأَخَصِّ لِمَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ فِي بَيَانِ قَوْلِهِ وَدَفْع عِوَضٍ إلَخْ فَلِذَلِكَ أَتَى بِالْأَخَصِّ وَلَمْ يَأْتِ بِالْأَعَمِّ (فَإِنْ قُلْتَ) فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فُلُوسًا فَهَلْ يَصْدُقُ الرَّسْمُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ فِيهِ (قُلْتُ) يَأْتِي الْخِلَافُ فِيهَا هَلْ تَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ تَحْتَ الْعِوَضِ أَوْ النَّقْدِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّسْمَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ بِهَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ أَنَّهُ أَدْخَلَهَا فِي الصَّرْفِ فَتَأَمَّلْ فِي ذَلِكَ. (فَإِنْ قُلْتَ) مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ فِي الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ عِنْدَهُ (قُلْتُ) يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الَّذِي غَلَبَ فِيهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي لَفْظِ الْبَيْعِ وَلَا يَتَبَادَرُ غَيْرُهُ هُوَ الْأَخَصُّ لِأَنَّ الْمُتَرْجَمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ هُوَ الْمُتَبَادَرُ حَدُّهُ وَالْأَعَمُّ هُوَ مَا أُطْلِقَ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الْحَقَائِقِ وَلَمْ يَغْلِبْ فِيهِ شَرْعًا وَلَا يَتَبَادَرُ بِالْإِطْلَاقِ إلَى ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ إلَّا بِقَرِينَةٍ (فَإِنْ قُلْتَ) يُقَالُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَعَمَّ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ لَا حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَرَسْمُهُ إنَّمَا هُوَ لِلْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ (قُلْتُ) لَنَا أَنْ نَقُولَ بِأَنَّهَا حَقِيقَةٌ لَيْسَ فِيهَا غَلَبَةٌ وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ لِتَصْرِيحِهِ بِأَنَّهُ غَالِبٌ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ أَخْرَجَ النِّكَاحَ مِنْ الْحَدِّ الْأَعَمِّ فَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ تَرْجَمَةِ الْفُقَهَاءِ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ يُطْلِقُوا الْبَيْعَ فَكَذَلِكَ السَّلَمُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِعَدَمِ إطْلَاقِ الْبَيْعِ عَلَى النِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْبُيُوعِ حُكْمًا فَكَذَا قِيلَ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ وَمَا شَابَهَهَا (قُلْتُ) هَلْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ لَيْسَتْ حَقِيقَةً فِيهِ وَفِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ لِأَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَمَا احْتَاجَ إلَى إخْرَاجِهِ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ لَا تُطْلَقُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَقَوْلُ الشَّيْخِ الْبَيْعِ الْأَعَمِّ الْأَعَمِّ صِفَةٌ لِلْبَيْعِ وَالْبَيْعِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ حَدُّ الْبَيْعِ الْأَعَمِّ عَقْدٌ إلَخْ وَحَدُّ الْبَيْعِ الْأَعَمِّ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ الْعَقْدُ إلَخْ مِثْلَ قَوْلِك حَدُّ الْإِنْسَانِ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ قَوْلِنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وَبَيْنَ قَوْلِنَا حَدُّ الْإِنْسَانِ حَيَوَانٌ فَيَتَعَيَّنُ حَذْفُ الْمُضَافِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ ثُمَّ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ وَدَفْعُ عِوَضٍ فِي مَعْلُومِ قَدْرٍ غَيْرُ مَسْكُوكٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِأَجْلِ سَلَمٍ لَا بَيْعٍ. (فَإِنْ قُلْتَ) بَعْدَ أَنْ شَرَحْت حَدَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَا مَوْقِعُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قُلْتُ) مَوْقِعُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ الْبَيْعَ وَذَكَرَ خَاصَّتَهُ وَمَيَّزَهُ عَنْ السَّلَمِ بِقَوْلِهِ مُعَيَّنٌ غَيْرُ الْعَيْنِ فِيهِ عَلِمَ أَنَّ السَّلَمَ غَيْرُ الْعَيْنِ فِيهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَإِذَا كَانَ غَيْرُ الْعَيْنِ مُعَيَّنًا فِي الْعُقْدَةِ شَمِلَ إذَا أَعْطَى جُبَّةً فِي دِرْهَمٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ أَوْ جُبَّةً فِي بُرْنُسٍ فَعَلِمْنَا مِنْ هَذَا إذَا بَاعَ جُبَّةً بِدِينَارٍ مُعَيَّنٍ نَقْدًا أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 ذَلِكَ بَيْعُ نَقْدٍ وَإِذَا بَاعَ جُبَّةً بِدِينَارٍ فِي ذِمَّةٍ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّ ذَلِكَ بَيْعُ أَجَلٍ وَإِذَا بَاعَ دِينَارًا نَقْدًا بِثَوْبٍ فِي ذِمَّةٍ إلَى أَجَلٍ كَانَ سَلَمًا وَإِذَا بَاعَ ثَوْبًا بِثَوْبٍ نَقْدًا كَانَ بَيْعًا فَحَدُّ الْبَيْعِ صَادِقٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالسَّلَمُ صَادِقٌ عَلَى الثَّالِثِ وَالصُّورَةُ الرَّابِعَةُ بَيْعٌ أَيْضًا لِصِدْقِ الْحَدِّ عَلَيْهَا (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَى الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ (قُلْتُ) صِدْقُهُ عَلَيْهَا ظَاهِرٌ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ مُعَيَّنٌ غَيْرُ الْعَيْنِ فِيهِ إذَا كَانَ فِيهِ غَيْرُ عَيْنٍ كَانَ مُعَيَّنًا فَكَأَنَّهُ قَالَ غَيْرُ الْعَيْنِ فِي هَذَا الْعَقْدِ مُشَخَّصٌ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ ثَوْبٌ مُعَيَّنٌ بِثَوْبٍ مُعَيَّنٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصْدُقُ فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ عَيْنٍ وَإِذَا فَهِمْت هَذَا عَلِمْت مَوْقِعَ كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ فَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ إذَا دُفِعَ عِوَضٌ مُعَيَّنٌ فِي مَعْلُومِ قَدْرٍ غَيْرِ مَسْكُوكٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِأَجَلٍ هَلْ هُوَ بَيْعُ أَجَلٍ أَوْ سَلَمٍ وَصُورَتُهُ إذَا دَفَعَ بُرْنُسًا مَثَلًا فِي عَشْرَةِ أَقْفِزَةٍ إلَى شَهْرٍ أَوْ فِي عَبْدٍ إلَى شَهْرٍ أَوْ فِي عُرُوضٍ مَوْصُوفَةٍ إلَى شَهْرٍ أَوْ فِي وَزْنِ حُلِيٍّ أَوْ تِبْرٍ إلَى شَهْرٍ فَهَذَا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَوَابِهِ يُقَالُ فِيهِ سَلَمٌ سَوَاءٌ كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ عُرُوضًا لَا بَيْعُ أَجَلٍ لِأَنَّ حَدَّ الْبَيْعِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَيْنِ فِيهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَهَذَا هُوَ مَا وَعَدَ بِهِ أَنَّهُ يَأْتِي فِي سِرِّ قَوْلِهِ مُعَيَّنٌ غَيْرُ الْعَيْنِ فِيهِ. (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أَعْطَى بُرْنُسًا فِي عَبْدٍ وَدِينَارًا فِي الذِّمَّةِ إلَى شَهْرٍ فَهَلْ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ الْبَيْعِ أَوْ مِنْ السَّلَمِ (قُلْتُ) وَقَعَ نَظِيرُ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَذَكَرُوا أَنَّ فِيهَا بَيْعًا وَسَلَمًا وَكَانَ قَدْ تَقَدَّمَ لَنَا الْبَحْثُ فِي كَلَامِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي صِدْقِ حَدِّهِ فِي هَذِهِ وَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّ فِيهِ مَا يُتَأَمَّلُ وَتَأَمَّلْ أَيْضًا هَذِهِ الصُّورَةَ فَإِنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ أَجَازُوهَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَذَكَرُوا مَسَائِلَ لَا تَجُوزُ حَيْثُ يَكُونُ فِيهَا رُخْصَةٌ وَعَزِيمَةٌ وَالسَّلَمُ قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ رُخْصَةٌ وَتَأَمَّلْ كَلَامَ الْقَرَافِيُّ فِي ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَدِلَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ لَمْ يَنْفَسِخْ بَيْعُهُ وَلَوْ بِيعَ مُعَيَّنًا انْفَسَخَ بَيْعُهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ هَذَا الْكَلَامُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ بَيَانِ مَا يُفْهَمُ بِهِ مُرَادُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَنَقُولُ لَا شَكَّ أَنَّ الْقَوَاعِدَ الْمَذْهَبِيَّةَ فَرَّقَتْ بَيْنَ بَيْعِ مَا كَانَ مُعَيَّنًا وَبَيْنَ بَيْعِ مَا فِي الذِّمَّةِ وَلَوَازِمُ ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ وَاخْتِلَاقُ اللَّوَازِمِ يُؤْذِنُ بِاخْتِلَافِ الْمَلْزُومَاتِ فَمِنْ لَوَازِمِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ أَنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ يَدِهِ يَرْجِعُ فِي عِوَضِهِ إنْ لَمْ يَفُتْ وَفِي قِيمَتِهِ إنْ فَاتَ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ بِذَلِكَ وَأَمَّا مَا بِيعَ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ إذَا أَتَى بِهِ الْمَدِينُ وَاسْتُحِقَّ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يُفْسَخُ بَلْ يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِالْمِثْلِ حَتَّى تَبْرَأَ الذِّمَّةُ بِهِ فَإِذَا عَرَفْنَا ذَلِكَ فَكَأَنَّ الشَّيْخَ يَقُولُ مَا ثَبَتَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ بِعِوَضٍ لَا يُسَمَّى بَيْعًا إلَى أَجَلٍ بَلْ يُسَمَّى سَلَمًا لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ لَمَا وَقَعَ فِيهِ فَسْخٌ لِلْعُقْدَةِ وَذَلِكَ مِنْ خَاصِّيَّةِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَلَوْ كَانَ بَيْعًا مُعَيَّنًا لَوَقَعَ الْفَسْخُ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِنُصُوصِ الْمَذْهَبِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ ظَاهِرٌ بِمَا قَرَّرْنَاهُ هَذَا لَفْظُ كَلَامِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَوْقِعُهُ لَا يُقَالُ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ادَّعَى دَعْوَى مُرَكَّبَةً وَهِيَ أَنَّ الْعِوَضَ فِي الذِّمَّةِ سَلَمٌ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِأَجَلٍ وَاسْتِدْلَالُهُ إنَّمَا أَنْتَجَ أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ بِدَلِيلِ عَدَمِ فَسْخِهِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِ وَذَلِكَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ وَبَيْنَ السَّلَمِ فَأَيُّ دَلِيلٍ يُعَيِّنُ الْعُقْدَةَ الْمَذْكُورَةَ أَنَّهَا سَلَمٌ لَا بَيْعَةُ أَجَلٍ لِأَنَّا نَقُولُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفَتَحَ عَلَى لُبِّنَا مِنْ بَرَكَتِهِ بِمَنِّهِ إذَا تَأَمَّلْتَ حَدَّهُ لِلْبَيْعِ وَبَيَانَ قَصْدِهِ وَظَهَرَ لَك فَرْقَهُ عَلِمْتَ. اسْتِدْلَالَهُ عَلَى قَصْدِهِ وَفِيهِ بَحْثٌ وَمَا لَخَصَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْبَيْعِ الْأَخَصِّ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَلَامُهُ عَلَى كُلِّ قِسْمٍ مَعَ مُقَابِلِهِ وَغَيْرِ مُقَابِلِهِ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالتَّرْتِيبِ الْعَجِيبِ وَالتَّحْصِيلِ الْقَرِيبِ فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ جَلِيٌّ لِأَنَّ الْأَقْسَامَ الْمَذْكُورَةَ عَشْرَةٌ وَيَتَرَكَّبُ مِنْ كُلٍّ بِالنَّظَرِ مَعَ غَيْرِهِ نَحْوَ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ صُورَةً خَمْسَةٌ مِنْهَا مُتَبَايِنَةٌ وَالْبَاقِي فِيهَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ مِثْلَ بَيْعِ الْمُؤَجَّلِ وَبَيْعِ الْحَاضِرِ فَإِذَا بَاعَ سِلْعَةً حَاضِرَةً بِدِينَارٍ إلَى شَهْرٍ فَيَصْدُقُ فِيهَا الْبَيْعَانِ وَإِذَا بَاعَ عَبْدًا غَائِبًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ صَدَقَ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ وَإِذَا بَاعَ سِلْعَةً بِدِينَارٍ نَقْدًا صَدَقَ الثَّانِي وَحْدَهُ وَبَاقِيهَا جَلِيٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ مَعْرِفَةَ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ مَعْلُومَةٌ حَتَّى لِلصِّبْيَانِ قَالَ الشَّيْخُ الْمَعْلُومُ ضَرُورَةُ وُجُودِهِ عِنْدَ وُقُوعِهِ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عِلْمُ حَقِيقَتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَنْظِيرُهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ دَفْعُ عِوَضٍ فِي مُعَوَّضٍ قَالَ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْفَاسِدُ قَالَ وَخَصَّصَ بَعْضُهُمْ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ بِصَحِيحِهَا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ وَمَعْرِفَتُهُ تَسْتَلْزِمُ مَعْرِفَةَ الْفَاسِدِ أَوْ أَكْثَرِهِ فَقَالَ نَقْلُ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ بَلْ شُبْهَةَ الْمِلْكِ قَالَ وَذِكْرُ لَفْظِ الْعِوَضِ فِيهِ خَلَلٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْبَيْعِ أَوْ مَا هُوَ مَلْزُومٌ لَهُ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التَّعْرِيفُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِهِ لِلَّخْمِيِّ لِأَنَّهُ قَالَ الْبَيْعُ التَّعَاقُدُ وَالثَّانِي لِلْمَازِرِيِّ وَالصَّقَلِّيِّ قَالَ وَقَصْر ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ التَّعَقُّبَ عَلَيْهِمَا بِمَا ذُكِرَ يُرَدُّ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا بَيْعَ الْمُعَاطَاةِ فَكَيْفَ يَقْصُرُ الِاعْتِرَاضَ بِمَا ذَكَرَهُ وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ الشَّيْخِ قَالَ وَالثَّانِي لَا يَتَنَاوَلُ شَيْئًا مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّ نَقْلَ الْمِلْكِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 لَازِمٌ لِلْبَيْعِ أَعَمُّ مِنْهُ يَعْنِي وَاللَّازِمُ إذَا كَانَ أَعَمَّ لَا يَصِحُّ التَّعْرِيفُ بِهِ فَإِنَّ الْحَدَّ غَيْرُ مَانِعٍ فَإِنْ نُقِلَ الْمِلْكُ يَعُمُّ الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ وَإِنَّمَا كَانَ أَعَمَّ لِأَنَّهُ يَعُمُّ السَّلَمَ وَهِبَةَ الثَّوَابِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَنْقُلُ الْمِلْكَ هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ اُنْظُرْهُ فَإِنَّهُ حَسَنٌ وَلَا شَكَّ فِيمَا رَدَّ بِهِ وَفِيهِ التَّرْكِيبُ فَإِنَّ الْمِلْكَ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ حَقِيقَةٍ وَفِيهِ اضْطِرَابٌ فِي تَفْسِيرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَنْفَعُنَا بِهِ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَلْنَذْكُرْ هُنَا مَا رَأَيْته لِتِلْمِيذِهِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ شَيْخِنَا وَشَيْخِ شُيُوخِنَا سَيِّدِي أَبِي الْقَاسِم - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ فَبَعْدَ مَا ذَكَرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاعْتِرَاضِ. قَالَ وَهَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتُ وَالْأَجْوِبَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ طَلَبُ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ وَخَاصَّتِهِ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ قَالَ وَحَقَائِقُ الْأَشْيَاءِ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ وَالْمَطْلُوبُ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ وَغَيْرِهَا إنَّمَا هُوَ تَمْيِيزُهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ عَمَّا يُشَارِكُهَا فِي بَعْضِ حَقَائِقهَا حَتَّى يَخْرُجَ عَنْهَا مَا يُسْرِعُ إلَى النَّفْسِ دُخُولُهُ لَا غَيْرِهِ مِثْلَ قَوْلِنَا مَا الْإِنْسَانُ فَيُقَالُ مُنْتَصِبُ الْقَامَةِ فَيَحْصُلُ التَّمْيِيزُ عَنْ بَقِيَّةِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يُسْرِعُ إلَى النَّفْسِ دُخُولُهَا لَا غَيْرِهَا لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْحَائِطُ وَالْعَمُودُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ هُنَا لَمْ يَقَعْ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمَنْطِقِيِّينَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَقَعُ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ وَإِنَّ قَصْدَهُمْ مَا يَقَعُ التَّمْيِيزُ بِهِ وَلَوْ بِأَدْنَى خَاصِّيَّةٍ قَالَ ثُمَّ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ يَعْتَرِضُونَ عَلَيْهِمْ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ قَصَرُوا ذَاتِيَّاتِ الْحَقِيقَةِ أَوْ خَاصِّيَّتَهَا وَهُمْ لَا يَقْصِدُونَ ذَلِكَ قَالَ وَكَذَا وَقَعَ لِابْنِ الْبِنَا قَالَ وَمَنْ عَرَفَ الْبَيْعَ بِمَا عَرَفَهُ بِهِ إنَّمَا قَصْدُهُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ لَا تَحْصِيلِ الذَّاتِيَّاتِ فَلَا يَصِحُّ اعْتِرَاضُهُمْ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ. [بَابُ الصِّيغَةِ فِي الْبَيْعِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَلَوْ مُعَاطَاةً " مَعْنَاهُ الْأَمْرُ الدَّالُ عَلَى الْبَيْعِ فَيَدْخُلُ فِيهِ اللَّفْظُ وَالْإِشَارَةُ وَالْقَرَائِنُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ وَالْمُنَاوَلَةُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ " وَلَوْ مُعَاطَاةً " تَقْدِيرُهُ الشَّيْءُ الدَّالُ عَلَى الْبَيْعِ بِأَيِّ دَلَالَةٍ وَلَوْ كَانَ بِمُعَاطَاةٍ وَمُعَاطَاةً نُصِبَ عَلَى خَبَرِ كَانَ وَحَذْفُهُ بَعْدَ لَوْ كَثِيرٌ مُشْتَهِرٌ وَوَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا فُهِمَ عَنْ الْأَخْرَسِ عُمِلَ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ وَقَالَ الْبَاجِيُّ كُلُّ إشَارَةٍ فُهِمَ مِنْهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَ بِهَا الْبَيْعُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ الصِّيغَةُ وَيَعْنِي بِذَلِكَ رُكْنَهُ الْحِسِّيَّ الَّذِي لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُهُ وَلَهُ أَرْكَانٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحْدُودَ رُكْنُهُ مَا ذَكَرَهُ وَكَيْفَ صَحَّ لَهُ ذَلِكَ هُنَا وَصَحَّ اعْتِرَاضُهُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الطَّلَاقِ حَيْثُ عُدَّ مِنْ أَرْكَانِهِ أَهْلٌ وَمَحِلٌّ فَقَالَ إنَّمَا ذَلِكَ شَرْطٌ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ فَهَلْ يُقَالُ لَهُ هَذَا كَذَلِكَ (قُلْتُ) يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مَعْنًى لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْأَهْلُ رُكْنًا مِنْهُ بِخِلَافِ الْعَقْدِ الْحِسِّيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمَرْسُومَةَ لَيْسَتْ الْحِسِّيَّةَ الْخَارِجِيَّةَ فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى وَلَهُ أَيْ وَلِلْبَيْعِ الْحِسِّيِّ أَرْكَانٌ لَا لِلْبَيْعِ الْمَحْدُودِ فَتَأَمَّلْهُ وَظَاهِرُهُ أَيُّ صِيغَةٍ لَفْظِيَّةٍ كَانَتْ بِلَفْظِ الْخَبَرِ أَوْ بِلَفْظِ الْإِنْشَاءِ تَصِحُّ صِيغَةً لِلْبَيْعِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك بِكَذَا فَإِنْ وَقَعَ الْجَوَابُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ وَجَبَ الْبَيْعُ وَلَزِمَ اتِّفَاقًا وَاخْتُلِفَ إذَا قَالَ الْبَائِعُ خُذْهَا بِكَذَا أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْنِيهَا بِكَذَا فَقِيلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَقِيلَ كَالْمُسَاوَمَةِ فَيَدْخُلُ الْخِلَافُ وَرَجَّحَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَوَجَّهَهُ الشَّيْخُ هُنَا بِأَنَّ بِعْنِي أَمْرًا بِمَا يُصَيِّرُ الْآمِرَ مُبْتَاعًا وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى اسْتِدْعَائِهِ حُصُولَ الْمَطْلُوبِ أَوْ إرَادَتِهِ عُرْفًا وَكِلَاهُمَا يَدُلُّ ظَاهِرًا عَلَى الْتِزَامِ الْمُسْتَدْعِي أَوْ الْمُرَادِ وَرَأَيْت مَنْقُولًا عَنْ الشَّيْخِ هُنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْآمِرَ تَلْزَمُهُ الْإِرَادَةُ وَعِنْدَنَا لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا وَقَعَ اللُّزُومُ هُنَا لِأَجْلِ الْعُرْفِ فِي الْبَيْعِ. (قُلْتُ) وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَا يَفْهَمُ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ وَأَجَبْته بِهَذَا ثُمَّ رَأَيْته لَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ وَعَلِمَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ قَطْعًا كَمَا هُوَ الْمَقْطُوعُ بِهِ عَنْهُ وَأَهْلُ الْحَقِّ يَقُولُونَ بِأَنَّ الْإِرَادَةَ وَالْأَمْرَ بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْلِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ حَقٌّ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَتَأَمَّلْ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَارِقَةِ وَهُوَ الْقَرَافِيُّ وَكَانَ يَمْضِي فِيهِ بَحْثٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْعَاقِدِ الَّذِي يَلْزَمُ عَقْدَهُ] ُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " الْجَائِزُ الْأَمْرِ الطَّائِعُ " قَوْلُهُ " الْجَائِزُ " أَخْرَجَ بِهِ الْمَضْرُوبَ عَلَى يَدَيْهِ وَالطَّائِعُ أَخْرَجَ بِهِ الْمُكْرَهَ وَمَا فُرِّعَ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ. [بَابُ شَرْطِ الْمَبِيعِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَقَرُّرُ مِلْكِ مُبْتَاعِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ وَجَبَ عِتْقُهُ إذْ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 يَجِبُ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ مَعْنَى ذَلِكَ شَرْطُ الْمَبِيعِ فِيمَا يَصِحُّ الِانْعِقَادُ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُصْحَفِ أَوْ الْمُسْلِمِ مِنْ كَافِرٍ لِأَنَّ مُبْتَاعَهُ لَا يُقَرَّرُ لَهُ مِلْكٌ عَلَى الْمَبِيعِ وَلِذَا إذَا أَسْلَمَ عَبْدُهُ بِيعَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَرَّرُ مِلْكُهُ عَلَيْهِ أَوْ مَعْنَاهُ شَرْطُ الْمَبِيعِ فِي جَوَازِ الْقُدُومِ عَلَى الْبَيْعِ (قُلْتُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلَ (فَإِنْ قُلْتَ) هَذَا الشَّرْطُ لِأَيِّ شَيْءٍ أَفْرَدَ بَيَانَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهَلَّا ذَكَرَهُ فِي ذَلِكَ مَعَ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ (قُلْتُ) فِيهِ مَا يَحْتَاجُ لِتَأَمُّلٍ وَتَأَمَّلْ اعْتِرَاضَ الشَّيْخِ عَلَى ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ لِلْكَافِرِ مُشْتَرِي الْمُسْلِمِ عِتْقُهُ قَالَ الشَّيْخُ قَبِلُوهُ وَلَا أَعْرِفُهُ نَصًّا وَتَأَمَّلْ النَّظَرَيْنِ اللَّذَيْنِ أَشَارَ إلَيْهِمَا وَقَالَ فِي مَوْضِعِ النَّظَرِ الثَّانِي قَالُوا وَلَهُ الْعِتْقُ فَانْظُرْ ذَلِكَ وَتَأَمَّلْهُ. [بَابُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ] (ع ق د) : بَابُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ " يُطْلَبُ أَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ مَمْلُوكٌ لِبَائِعِهِ أَوْ لِمَنْ نَابَ عَنْهُ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ وَلَا غَرَرَ " قَوْلُهُ " يُطْلَبُ أَنَّهُ طَاهِرٌ " وَجَدْت مُقَيَّدًا عَنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِيلَ لَهُ لِأَيِّ شَيْءٍ عَدَلْت عَنْ لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ طَاهِرٌ وَقُلْت يُطْلَبُ قَالَ يَشْمَلُ هَذَا الضَّابِطُ جَمِيعَ الصُّوَرِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ لِأَنَّ الْأَقْوَالَ اتَّفَقَتْ عَلَى أَنَّهُ تُطْلَبُ هَذِهِ الْقُيُودُ ابْتِدَاءً فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (قُلْتُ) طَاهِرٌ أَخْرَجَ بِهِ النَّجِسَ لَا الْمُتَنَجِّسَ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَلَحْمِهِ وَالْعَذِرَةُ عَلَى الْخِلَافِ وَالزِّبْلُ عَلَى مَا فِيهِ وَالْكَلْبُ عَلَى الْخِلَافِ وَيَخْرُجُ مَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ يَعْنِي حَالًا وَمَآلًا أَمَّا الْحَالُ فَقَطْ فَلَا، اُنْظُرْ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ مِنْ مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ وَمَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَيَخْرُجُ بَيْعُ الْآبِقِ وَمَا شَابَهَهُ وَالشَّارِدِ وَيَخْرُجُ بَيْعُ الْغَاصِبِ وَالْمُعْتَدِي وَيَدْخُلُ بِبَيْعِ الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُقَدَّمِ وَيَخْرُجُ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ وَهُنَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ تَجْرِي عَلَى مَا ذُكِرَ مُفَرَّعَةً عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَاخْتِلَافًا وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ خُرُوجِ الْعَذِرَةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ ذَكَرُوا الْخِلَافَ فِيهَا. وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ مَنْعُ بَيْعِهَا وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إجَازَةِ بَيْعِ الزِّبْلِ جَوَازَ بَيْعِهَا فَإِنَّهُ يَقُولُ إذَا أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْعَ الزِّبْلِ مَعَ وُجُودِ نَجَاسَتِهِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ جَوَازُ بَيْعِ الْعَذِرَةِ لِمُسَاوَاتِهِمَا فِي الْحُكْمِ قَالَ الشَّيْخُ وَصَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 بِتَعَقُّبِ تَخْرِيج اللَّخْمِيِّ بِالْفَرْقِ لِلْخِلَافِ فِي نَجَاسَةِ الزِّبْلِ دُونَ الْعَذِرَةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ فَارِقًا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْمَذْكُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ وَهُوَ إبْدَاءُ خُصُوصِيَّةٍ فِي الْأَصْلِ هِيَ شَرْطٌ فَكَيْفَ يُقَالُ ذَلِكَ هُنَا (قُلْتُ) يُقَالُ ذَلِكَ لِأَنَّ الزِّبْلَ لَمَّا تَقَرَّرَ فِيهِ وُجُودُ الْخِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ وَعَدَمِ نَجَاسَتِهِ فَعِلَّةُ جَوَازِ الْبَيْعِ فِي الْأَصْلِ لَهَا خُصُوصِيَّةٌ فِي الْأَصْلِ هِيَ شَرْطٌ فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُ الْفَرْعِ بِهِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْفَرْقُ هُوَ رَاجِعٌ إلَى أَحَدِ الْمُعَارَضَتَيْنِ عَلَى قَوْلٍ وَإِلَيْهِمَا مَعًا عَلَى قَوْلٍ فَتَأَمَّلْ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ وَهَلْ ذَلِكَ مُعَارَضَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ هُمَا مُعَارَضَتَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ رَدُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ بِقَوْلِهِ لَوْ اُعْتُبِرَ هَذَا فَارَقَا مَا صَحَّ تَخْرِيجُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ فِي الزِّبْلِ لِمَالِكٍ مِنْ مَنْعِهِ فِي الْعَذِرَةِ وَمَعْنَى هَذَا أَنْ يُقَالَ لَوْ صَحَّ اعْتِبَارُ الْفَارِقِ الْمَذْكُورِ فِي الزِّبْلِ وَأَنَّهُ لَا تَلْحَقُ الْعَذِرَةُ بِهِ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْخِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ لَمَا صَحَّ لِابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَقِيسَ مَنْعَ بَيْعِ الزِّبْلِ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْعَذِرَةِ وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِمَا وَقَعَ لَهُ فِي كَلَامِ مَالِكٍ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ لِأَنَّ الْخُصُوصِيَّةَ فِي الزِّبْلِ لَوْ اُعْتُبِرَتْ عِنْدَهُ فَارِقًا لَكَانَ فَرْقًا مَانِعًا مِنْ مُسَاوَاةِ نَجَاسَةِ الزِّبْلِ لِنَجَاسَةِ الْعَذِرَةِ فَنَجَاسَةُ الزِّبْلِ أَخَفُّ وَنَجَاسَةُ الْعَذِرَةِ أَثْقَلُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ بَيْعِ الْعَذِرَةِ مَنْعُ بَيْعِ الزِّبْلِ فِي تَخْرِيجِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَلَمَّا خَرَّجَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ دَلَّ عَلَى إبْطَالِ الْفَارِقِ وَإِلْغَائِهِ فَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُهُ وَالْفَرْقُ بِهِ ثُمَّ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَقَلَ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ رَدَّ عَلَى ابْنِ بَشِيرٍ بِقَوْلِهِ هُوَ بِنَاءً عَلَى مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ وَتَرْكُ مُرَاعَاتِهِ لَا يُوجِبُ تَخْطِئَةً قَالَ لَا يَتِمُّ هَذَا رَدًّا عَلَى ابْنِ بَشِيرٍ إلَّا بِأَنْ يَزِيدَ ابْنَ الْقَاسِمِ إلْغَاءَ مَانِعِيَّةِ النَّجَاسَةِ فِي الزِّبْلِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتِهَا مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةٍ لِدَلِيلِ الْقَوْلِ بِعَدَمِ نَجَاسَتِهِ فَسَاوَتْ حِينَئِذٍ الْعَذِرَةُ الزِّبْلَ فَإِنْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ قَصْدُهُ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ بَشِيرٍ فَلَا يَتِمُّ الرَّدُّ عَلَيْهِ لِجَوَازِ اعْتِبَارِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا الْمَعْنَى فَارِقًا عَلَى الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ وَلَا جَوَابَ عَنْهُ إلَّا بِمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ الْآنَ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْكَلَامَ هُنَا وَرَاجِعْ مَا ذَكَرْنَا فِي مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ هَلْ تَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ أَمْ لَا وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَذَكَرْنَا هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الْبَحْثَ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ مِنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ النَّظَرُ فِيهِ وَالتَّوَقُّفُ فِي فَهْمِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كَلَامَ شَيْخِهِ وَمَا بَيَّنَهُ بِهِ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُلْهِمُ الْجَمِيعَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ بِمَنِّهِ. [بَيْعِ الْجُزَافِ] (ب ي ع) : بَابُ بَيْعِ الْجُزَافِ قَالَ (بَيْعُ مَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِهِ دُونَهُ) قَوْلُهُ " بَيْعُ " هَذَا جِنْسٌ يَدْخُلُ فِيهِ سَائِرُ الْبُيُوعِ قَوْلُهُ " مَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِهِ " أَخْرَجَ بِهِ مَا لَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِهِ قَوْلُهُ " دُونَهُ " يَعْنِي دُونَ الْعِلْمِ بِقَدْرِهِ أَخْرَجَ بِذَلِكَ مَا عُلِمَ قَدْرُهُ مِنْ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ بَيْعُ مَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِهِ فَمَا كَانَ مُمْكِنًا صَارَ فِيهِ فِعْلًا لِأَنَّ مَا أَمْكَنَ عِلْمُهُ صَارَ مَعْلُومًا (فَإِنْ قُلْتَ) كَثِيرُ الْحِيتَانِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا مَشَقَّةَ فِي عِلْمِهِ بِالْعَدِّ يَصْدُقُ فِيهِ الْحَدُّ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ الْجُزَافُ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ عَرَفَ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ فَيُقَالُ فِيهِ جُزَافٌ فَاسِدٌ وَلَا يُقَالُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى جُزَافًا وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ كَلَامُ الْمَازِرِيِّ وَغَيْرِهِ فِي الْجَوَاهِرِ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ حَتَّى الطَّيْرِ فِي الْأَقْفَاصِ اُنْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَكَلَامَ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ وَانْظُرْ مَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي حَمَامِ الْبُرُوجِ وَمَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. [بَابٌ فِي شَرْطِ الْجُزَافِ] (ج ز ف) : بَابٌ فِي شَرْطِ الْجُزَافِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَهْلُ الْعَاقِدَيْنِ قَدْرَ كَيْلِ الْمَبِيعِ أَوْ وَزْنِهِ أَوْ عَدَدِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. [بَابُ شَرْطِ لُزُومِ بَيْعِ الْغَائِبِ] (ب ي ع) : بَابُ شَرْطِ لُزُومِ بَيْعِ الْغَائِبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصْفُهُ بِمَا تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ فِيهِ يَعْنِي لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ أَوْصَافٍ تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ فِيهَا فِي الْمَبِيعِ وَبَيَانُهَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ مَقِيسٌ عَلَى السَّلَمِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي السَّلَمِ ذَلِكَ وَيَعْنِي بِذَلِكَ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ أَجَازَهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ قِيَاسًا عَلَى السَّلَمِ ثُمَّ اُعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصَاحِبِ التَّلْقِينِ فِي قَوْلِهِمَا وَصِفَةُ مَا يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ قَاصِرٌ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 [بَابُ مَا يَحْرُمُ بِهِ فَضْلُ الْقَدْرِ وَالنِّسَاءِ] ق د ر) : بَابُ مَا يَحْرُمُ بِهِ فَضْلُ الْقَدْرِ وَالنِّسَاءِ قَالَ مَا مَعْنَاهُ عِوَضَا مُتَّحِدَيْ جِنْسِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ رِبَوِيّ الطَّعَامِ قَوْلُهُ عِوَضَا مُتَّحِدَيْ أَخْرَجَ بِهِ اخْتِلَافَ جِنْسِ مَا ذُكِرَ بِمِثْلِ الدَّنَانِيرِ فِيمَا بَيْنَهَا وَالدَّرَاهِمِ فِيمَا بَيْنَهَا فَلَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ فَضْلٌ وَلَا تَأْخِيرٌ وَكَذَلِكَ " رِبَوِيُّ الطَّعَامِ " وَفِيهِ إحَالَةٌ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ تَفْسِيرِ الرِّبَوِيِّ وَقَالَ جِنْسُ الذَّهَبِ وَلَمْ يَقُلْ الْعَيْنِ لِيَعُمَّ أَصْنَافَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَوْ ذَكَرَهُ لَكَانَ أَخْصَرَ وَلَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ وَاعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِكَوْنِهِ أَطْلَقَ الْفَضْلَ فَأَلْزَمَهُ امْتِنَاعَ فَضْلِ الصِّفَةِ وَكَذَلِكَ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي ذِكْرِ النُّقُودِ وَهُوَ جَلِيٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مَا يَحْرُمُ فِيهِ النِّسَاءُ] (ن سء) : بَابُ مَا يَحْرُمُ فِيهِ النِّسَاءُ فَقَطْ قَالَ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ " عِوَضًا مُخْتَلِفَيْ جِنْسِهِ أَوْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ " مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ وَهُوَ التَّأْخِيرُ مَحَلُّ مَنْعِهِ الْعِوَضَانِ مِنْ الطَّعَامِ اللَّذَانِ اخْتَلَفَ جِنْسُهُمَا فَالْقَمْحُ مَعَ الْفُولِ مَحَلٌّ لِتَحْرِيمِ النِّسَاءِ وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ مَحَلًّا لِمَنْعِ التَّفَاضُلِ بِالْقَدْرِ وَلِذَا قَالَ النِّسَاءُ فَقَطْ وَكَذَلِكَ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ فِي جِنْسِهِ يَعُودُ عَلَى الطَّعَامِ الْمَذْكُورِ لَا عَلَى الرِّبَوِيِّ كَذَا قَيَّدَ عَنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَزِدْ فِي الْمُمْتَنِعِ الْفُلُوسَ مَعَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَعَ أَنَّ حُكْمَهُمَا حُكْمُ الْعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الصَّرْفِ] (ص ر ف) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الصَّرْفِ قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ " الصَّرْفُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِفُلُوسٍ " قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " بَيْعُ " جِنْسٌ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وَقَوْلُهُ " الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ " يَخْرُجُ بِهِ الْبَيْعُ الْأَخَصُّ لِأَنَّ مِنْ خَاصَّتِهِ كَوْنُ أَحَدِ عِوَضَيْهِ غَيْرَ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ قَوْلُهُ " أَوْ أَحَدِهِمَا بِفُلُوسٍ " أَشَارَ إلَى أَنَّ الْفُلُوسَ حُكْمُهَا حُكْمُ النَّقْدِ لَا حُكْمُ الْعَرْضِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُسْتَدِلًّا عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْفُلُوسِ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ مِنْ بَابِ الصَّرْفِ أَنَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَنْ صَرَفَ دَرَاهِمَ بِفُلُوسٍ فَقَدْ أَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ صَرْفًا وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ الْإِطْلَاقُ يَكُونُ مَجَازًا وَيَكُونُ حَقِيقَةً فَلَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْإِطْلَاقَ أَصْلُهُ الْحَقِيقَةُ وَالْحَمْلُ عَلَيْهَا وَاجِبٌ. وَهَذَا قَدْ قَدَّمْنَا إشْكَالَهُ بِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ الْمَجَازُ وَالِاشْتِرَاكُ فَالْمَجَازُ مُقَدَّمٌ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ اسْتَدَلَّ بِهَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ وَتَقَدَّمَ لَنَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ بَحْثُ الشَّيْخُ بِمِثْلِ هَذَا وَأَنَّ الْمَجَازَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَصَيَّرَ مَا وَقَعَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْإِطْلَاقَاتِ مَجَازًا فَتَأَمَّلْهُ وَهُوَ لَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ لَا يُقَالُ كَيْفَ جَعَلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْبَيْعَ جِنْسًا لِلصَّرْفِ وَالْمُتَبَادَرُ فِي الْبَيْعِ مَا تَقَدَّمَ حَدُّهُ أَوْ رَسْمُهُ وَقَدْ زَادَ فِيهِ مَا يَخْرُجُ بِهِ الصَّرْفُ عَنْهُ وَإِذَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَكُونُ جِنْسًا لَهُ فَهَذَا فِيهِ تَدَافُعٌ لِأَنَّا نَقُولُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ لِلْبَيْعِ حَدَّيْنِ حَدَّ الْأَعَمِّ وَحَدَّ الْأَخَصِّ فَاَلَّذِي صَيَّرَهُ جِنْسًا أَعَمَّهُ لَا أَخَصَّهُ وَصَحَّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْجِنْسَ قَدْ حَدَّهُ قَبْلُ فَلِذَا عَرَّفَ بِهِ بَعْدُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا صَحَّ زِيَادَةٌ مَا أَدْخَلَ بِهِ الْفُلُوسَ فَهَلَّا أَتَى بِمَا يَعُمُّ الْفُلُوسَ وَغَيْرَهَا وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَا أُجْرِيَ مُجْرَى الْفُلُوسِ يَقُومُ مَقَامَهُ حَتَّى الْجُلُودِ وَمَا شَابَهَهَا (قُلْتُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْفُلُوسِ الْكِنَايَةُ عَنْ الَّذِي نَابَ عَنْ النَّقْدَيْنِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفُلُوسَ حُكْمُهَا حُكْمُ النَّقْدِ وَقَدْ وَقَعَ ذِكْرُهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَوَاضِعَ لَكِنْ قِيلَ الْغَالِبُ فِيهَا الْكَرَاهَةُ. (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا قَالَ بَيْعُ ذَهَبٍ مُنْكَرًا وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْمُعَرَّفِ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّ السُّؤَالَ وَارِدٌ وَيَتَأَكَّدُ لِأَنَّهُ نَكَّرَ الْفُلُوسَ وَلَا فَرْقَ وَلَعَلَّهُ تَبَرَّكَ بِالْحَدِيثِ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِيهِ مُعَرَّفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) قِيلَ أَنَّهُ أَوْرَدَ عَلَى الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسْمَهُ فِيهِ حَشْوٌ لِأَنَّ أَخْصَرَ مِنْ حَدِّهِ أَنْ يُقَالَ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أَوْ بِفُلُوسٍ فَأَجَابَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ هَذَا أَبْيَنُ فَهَلْ هَذَا السُّؤَالُ صَحِيحٌ وَجَوَابُهُ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّ السُّؤَالَ غَيْرُ وَارِدٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَالُ أَخْصَرَ مِنْ كَذَا فِي لَفْظَيْنِ إذَا كَانَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا وَالْأَخْصَرُ يُؤَدِّي ذَلِكَ وَهُنَا لَوْ قَالَ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أَوْ بِفُلُوسٍ فَإِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 يَصْدُقُ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِأَحَدِهِمَا وَأَمَّا بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفُلُوسِ فَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِاللَّازِمِ وَدَلَالَةُ الِالْتِزَامِ فِي الرُّسُومِ فِيهَا مَا هُوَ مَعْلُومٌ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ أَشَارَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي جَوَابِهِ ذَلِكَ وَلِأَنَّك سَلَّمْت أَنَّ الدَّلَالَةَ حَاصِلَةٌ إلَّا أَنَّهَا خَفِيَّةٌ وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا أَبْيَنُ وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِأَحَدِهِمَا (قُلْتُ) يَحْتَمِلُ هَذَا أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ وَالصَّوَابُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ السُّؤَالَ غَيْرُ وَارِدٍ. (فَإِنْ قُلْتَ) أَوْرَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى حَدِّ الشَّيْخِ أَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِأَنَّ مِنْ الصَّرْفِ بَيْعُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِفُلُوسٍ وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي حَدِّهِ لِقَوْلِهِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَأَحَدُهُمَا غَيْرُ مَجْمُوعِهِمَا فَهَلْ يُرَدُّ عَلَيْهِ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا يَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ الشَّيْخُ بَيْعُ الْعَيْنِ بِعَيْنِ غَيْرِهِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِفُلُوسٍ (قُلْتُ) لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كَذَلِكَ لَكَانَ حَدُّهُ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ لِخُرُوجِ بَيْعِ حُلِيِّ الذَّهَبِ بِفِضَّةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَفِي حَدِّهِ تَسَامُحٌ بِذِكْرٍ أَوْ جَوَابِهِ تَقَدَّمَ مِرَارًا (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ الْمُنَاجَزَةَ فِي هَذَا الرَّسْمِ قِيلَ فِيهَا أَنَّهَا رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ وَكُلَّمَا صَحَّ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصَّةِ فِي الرَّسْمِ أَوْ الرُّكْنِ فِي الْحَدِّ هَذَا لَا يُرَدُّ بِوَجْهٍ لِأَنَّ الْحَدَّ أَوْ الرَّسْمَ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْخَوَاصِّ لِجَوَازِ التَّعْرِيفِ بِبَعْضِهَا وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَالَ إلَى رُكْنِيَّةِ التَّنَاجُزِ قَالَ لِتَوَقُّفِ مَاهِيَّةِ الصَّرْفِ عَلَيْهِ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْهَا وَإِنْ كَانَ صَرَّحَ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّهُ شَرْطٌ وَقَالَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ وَلَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ هَذَا الْكَلَامَ بَعْدُ وَجَدْت طُرَّةً مِنْ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ قَالَ قِيلَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ رُكْنًا لَذَكَرَهُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ قَالَ وَهَذَا وَهْمٌ مِمَّنْ أَوْرَدَهُ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ هُنَا بِالرَّسْمِ لَا بِالْحَدِّ. (فَإِنْ قُلْتَ) هَذَا الْخِلَافُ هُوَ هَلْ التَّنَاجُزُ رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ هَلْ تَنْبَنِي عَلَيْهِ ثَمَرَةٌ شَرْعِيَّةٌ أَمْ لَا ثَمَرَةَ لَهُ فِي بَابِ الصَّرْفِ (قُلْتُ) قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ يَجْرِي عَلَى الشَّرْطِيَّةِ أَنَّ الصَّرَّافَ إذَا وَزَنَ الدِّينَارَ فَضَاعَ يَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْ رَبِّهِ لِعَدَمِ انْبِرَامِ الْعَقْدِ بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ هَكَذَا نَقَلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ وَقَبِلَهُ وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ بَحْثٌ فِي ذَلِكَ يُخْرِجُنَا عَنْ الْمَقْصَدِ لَكِنْ نُشِيرُ إلَى بَحْثٍ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي مُخْتَصَرِهِ وَوَقَفْت عَلَيْهِ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا قَيَّدَهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ جَرَى فِي مَجْلِسِهِ قِيلَ لَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشَّرْطُ تَصَوُّرُهُ مُنْفَكًّا عَنْ الْمَشْرُوطِ أَيْ مَوْجُودٌ دُونَ الْمَشْرُوطِ وَالتَّنَاجُزُ دُونَ الصَّرْفِ لَا يُوجَدُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا قَالَ فَأَجَابَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 التَّنَاجُزَ قَوْلُكُمْ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الصَّرْفِ بَلْ يُوجَدُ وَلَا يُوجَدُ الصَّرْفُ الصَّحِيحُ وَمِثْلُهُ الصَّرْفُ عَلَى خِيَارٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَصْرِفُ مِنْك هَذَا الدِّينَارَ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ بَيْنَنَا وَنَتَنَاجَزُ فَهَذَا لَا يَجُوزُ مَعَ أَنَّ الشَّرْطَ مَوْجُودٌ وَالْمَشْرُوطُ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَهُوَ الصَّرْفُ الصَّحِيحُ قَالَ قِيلَ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَلَيْسَ التَّنَاجُزُ مِثْلَ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ فَيَكُونُ لَهُ مَاهِيَّةٌ خَارِجَةٌ عَنْ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الْحَيَاةُ فِي الْعَقْلِيَّاتِ فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَجْلِسِهِ بِأَنْ قَالَ لَيْسَ كُلُّ الْمَشْرُوطَاتِ كَذَلِكَ بَلْ مِنْهَا مَا يَكُونُ حِسِّيًّا وَمِنْهَا مَا يَكُونُ حُكْمِيًّا وَلَمَّا ذَكَرَ هَذَا قَالَ اُنْظُرُوا فِي هَذَا الْجَوَابِ هَلْ فِيهِ مُغَالَطَةٌ أَوْ غَلَطٌ فَلْنُشِرْ إلَى بَسْطِ الْإِيرَادِ الْمَذْكُورِ وَجَوَابِهِ فَحَاصِلُ بَحْثِ قَائِلِهِ أَوْ مُورِدِهِ أَنْ يَقُولَ لَوْ كَانَ التَّنَاجُزُ فِي الصَّرْفِ شَرْطًا لَصَحَّ وُجُودُهُ بِدُونِ مَشْرُوطِهِ وَالتَّالِي بَاطِلٌ، بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ حَقِيقَةَ الشَّرْطِ تَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ تَعَقُّلًا كَوُجُودِ الْحَيَاةِ مَعَ الْعِلْمِ وَالْوُضُوءِ مَعَ الصَّلَاةِ وَالتَّنَاجُزُ لَا يَصِحُّ وُجُودُهُ وَلَا تَعَقُّلُهُ خَارِجًا عَنْ الصَّرْفِ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا بِمَا قَرَّرْنَاهُ وَأَجَابَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَنْعِ التَّالِي وَحَقَّقَ تِلْكَ الصُّورَةَ بِالتَّنَاجُزِ فِي خِيَارِ الصَّرْفِ بَلْ الصَّرْفُ الصَّحِيحُ لَمْ يُوجَدْ وَوُجِدَ التَّنَاجُزُ وَهَذَا كَمَا يُتَعَقَّلُ مَنْ صَلَّى بِطَهَارَةٍ ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِغَيْرِ الْحَدَثِ فَالصَّلَاةُ الصَّحِيحَةُ لَمْ تُوجَدْ وَوُجِدَ شَرْطُهَا. (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا صَحَّ الْجَوَابُ بِمَا قَرَّرْته فَكَيْفَ يَقُولُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَانْظُرُوا فِي هَذَا الْجَوَابِ هَلْ هُوَ مُغَالَطَةٌ أَوْ غَلَطٌ وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ مُغَالَطَةٌ وَلَا غَلَطٌ بَلْ جَارٍ عَلَى الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ. (قُلْتُ) لَعَلَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَابِ ثَانِيًا عَنْ سُؤَالِهِ الثَّانِي لَا أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بَعْدَ تَقَرُّرِ السُّؤَالِ الثَّانِي مَا مَوْقِعُهُ وَكَيْفَ تَقْرِيرُهُ وَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِتَمَامِ الْفَائِدَةِ مِنْ كَلَامِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ. [بَابٌ فِي شَرْطِ الرَّدِّ فِي الدِّرْهَمِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَشَرْطُ الرَّدِّ عَلَى الْمَشْهُورِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ " كَوْنُهُ فِي دِرْهَمِ كُلِّ الثَّمَنِ وَسِكَّةِ الْمَرْدُودِ وَعَدَمِ زِيَادَتِهِ عَلَى النِّصْفِ وَعَدَمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 حُضُورِهِ لِلْمُبْتَاعِ وَتَأَخُّرِهِ عَنْ الْبَيْعِ وَمُنَاجَزَتِهِ وَالْمَبِيعُ كَالصَّرْفِ " مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ جَرَى فِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَغَيْرِ الْمَشْهُورِ لَا يَشْتَرِطُهَا كُلَّهَا فَإِذَا اجْتَمَعَتْ كَانَ الرَّدُّ جَائِزًا بِاتِّفَاقٍ لِأَنَّ الشَّاذَّ يُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُ الرَّدُّ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فَقَوْلُهُ " فِي دِرْهَمِ كُلِّ الثَّمَنِ " احْتَرَزَ بِهِ مِنْ الرَّدِّ فِي الْجُمْلَةِ وَأَنْ يَكُونَ الدِّرْهَمُ الْمَرْدُودُ فِيهِ لَا كُلِّ الثَّمَنِ قَوْلُهُ " وَسِكَّةِ الْمَرْدُودِ " عَطْفٌ عَلَى الدِّرْهَمِ وَأَخْرَجَ بِهِ كَوْنَهُ غَيْرَ مَسْكُوكٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ اتِّحَادَ السِّكَّةِ وَقَوْلُهُ " وَعَدَمِ " عَطْفٌ عَلَى الدِّرْهَمِ وَالضَّمَائِرُ الْمُضَافَةُ بَعْضُهَا عَائِدٌ عَلَى الرَّدِّ وَبَعْضُهَا عَلَى الْمَرْدُودِ قَوْلُهُ " وَعَدَمِ حُضُورِهِ " الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْمَرْدُودِ وَضَمِيرُ تَأَخُّرِهِ يَعُودُ عَلَى الرَّدِّ قَوْلُهُ " وَالْمَبِيعُ كَالصَّرْفِ " الَّذِي كَانَ يَمْضِي لَنَا فِي فَهْمِهِ أَنَّ الْمَبِيعَ عَطْفٌ عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَهُوَ مَخْفُوضٌ وَأَشَارَ بِهِ إلَى الشَّرْطِ لِعَاشِرِ وَأَنَّ مِنْ شَرْطِ الرَّدِّ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ الْوَاقِعُ فِيهِ حُكْمُهُ حُكْمُ الصَّرْفِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ لَا مِنْ بَدَلٍ فِيهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ وَكَانَ يَمْضِي لَنَا أَنَّ الشَّيْخَ يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ عَشَرَةُ شُرُوطٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ الدِّرْهَمِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الرَّدِّ فِي الذَّهَبِ مُطْلَقًا وَيَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ فِيهِ مَسْكُوكًا وَاتِّحَادُ السِّكَّةِ مِنْ شَرْطِهِ سِكَّةُ الْمَرْدُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُرَاطَلَةِ] (ر ط ل) : بَابُ الْمُرَاطَلَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الْمُرَاطَلَةُ بَيْعُ ذَهَبٍ بِهِ وَزْنًا أَوْ فِضَّةً كَذَلِكَ " (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ صَحَّ إدْخَالُ هَذَا الْبَابِ تَحْتَ الْكِتَابِ مِنْ الصَّرْفِ وَهُوَ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْمُرَاطَلَةِ (قُلْتُ) هَذَا السُّؤَالُ أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَرْجِمْ عَلَى الصَّرْفِ وَإِيرَادُهُ عَلَى الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا أَقْوَى فِي السُّؤَالِ لِلتَّرْجَمَةِ وَالتَّرْجَمَةُ عِنْدَهُمْ كَالْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ مُلْحَقَةٌ بِالصَّرْفِ وَقَعَتْ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ وَكَذَا الِاقْتِضَاءُ وَالْمُبَادَلَةُ أَدْخَلُوهَا فِي كِتَابِ الصَّرْفِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " بَيْعُ ذَهَبٍ " جِنْسٌ يَدْخُلُ فِيهِ الصَّرْفُ كَمَا تَقَدَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 قَوْلُهُ " بِهِ " يَخْرُجُ بِهِ الصَّرْفُ قَوْلُهُ " وَزْنًا " أَخْرَجَ بِهِ الْمُبَادَلَةَ لِأَنَّهَا عَدَدٌ لَا وَزْنٌ قَوْلُهُ " أَوْ فِضَّةً كَذَلِكَ " مَعْنَاهُ أَوْ بَيْعُ فِضَّةٍ بِهَا وَزْنًا فَاخْتَصَرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتَخْرُجُ الْفُلُوسُ يَعْنِي أَنَّ الْفُلُوسَ إذَا بِيعَ مِنْهَا فَلْسٌ بِفَلْسٍ وَزْنًا فَلَا يُسَمَّى مُرَاطَلَةً وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ فِيهَا. (فَإِنْ قُلْتَ) هَذَا يُعَارِضُهُ مَا قَدَّمَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَدِّ الصَّرْفِ فَإِنَّهُ أَدْخَلَهَا فِي الصَّرْفِ وَذَلِكَ يَدُلُّ أَنَّهَا مِنْ النُّقُودِ فَيَحْرُمُ فِيهَا مَا يَحْرُمُ فِي النُّقُودِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الرِّبَا وَالتَّفَاضُلِ الثَّمَنِيَّةُ لَا غَلَبَتُهَا فَكَيْفَ الْجَمْعُ. (قُلْتُ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ إنَّمَا أَدْخَلَهَا فِي الصَّرْفِ لِأَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَطْلَقَ عَلَى بَيْعِهَا بِالْعَيْنِ صَرْفًا فَسَمَّاهُ صَرْفًا فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَتِهَا فِي الْحَدِّ لِجَمْعِهِ وَهُنَا لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهَا مُرَاطَلَةً وَلَكِنْ ذَكَرَ فِيهَا لَازِمَ ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى الْخِلَافِ فِيهَا (فَإِنْ قُلْنَا) حُكْمُهَا حُكْمُ النُّقُودِ فَيُزَادُ فِي الرَّسْمِ مَا يَدْخُلُهَا وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا ذَكَرَ أَوَّلًا وَتَخْرُجُ مِنْ الْحَدِّ وَلِذَا قَالَ بَعْدُ وَتَدْخُلُ بِزِيَادَةٍ أَوْ فَلْسٍ بِمِثْلِهِ عَدَدًا لَا وَزْنًا وَذَكَرَ مَا يَشْهَدُ لَهُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَأَنَّ بَيْعَ الْفُلُوسِ تُطْلَبُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ عَدَدًا (فَإِنْ قُلْتَ) عَادَةُ الشَّيْخِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنْ يَذْكُرَ حَدًّا أَوْ رَسْمًا ثُمَّ يَقُولُ عَلَى رَأْيٍ وَعَلَى رَأْيٍ بِزِيَادَةٍ إلَخْ وَقَدْ وَقَعَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ مِرَارًا كَمَا قَدَّمْنَا وَهُوَ أَخْصَرُ وَهُنَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ بَلْ قَالَ كَمَا رَأَيْته وَالْجَارِي عَلَى عَادَتِهِ أَنْ يَقُولَ بَيْعُ ذَهَبٍ بِهِ وَزْنًا أَوْ فِضَّةً كَذَلِكَ عَلَى رَأْيٍ وَعَلَى رَأْيٍ بِزِيَادَةٍ أَوْ فَلْسٍ بِمِثْلِهِ عَدَدًا لَا وَزْنًا (قُلْتُ) لَعَلَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ عِنْدَهُ فِي التَّعْبِيرِ لَا أَنَّهُ يَقْصِدُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مَا يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ فِي ضَبْطِ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا فَائِدَةُ زِيَادَةِ قَوْلِهِ لَا وَزْنًا وَذِكْرُ الْعَدَدِيَّةِ كَافٍ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ زِيَادَةُ بَيَانٍ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَازِمًا وَلَمْ يَقُلْ فِي الْمُرَاطَلَةِ بَيْعُ الذَّهَبِ بِمِثْلِهِ وَزْنًا لَا عَدَدًا. (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ خَصَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِالْمُرَاطَلَةِ وَلَمْ يَقُلْ فِي الصَّرْفِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِفَلْسٍ عَدَدًا (قُلْتُ) لَمَّا ذُكِرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفُلُوسِ أَوْ الْفِضَّةِ بِهِ وَسَمَّاهُ صَرْفًا فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحَدِّ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُ الشَّيْخِ بَيْعُ الذَّهَبِ بِهِ وَزْنًا مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْوَزْنِيَّةَ لَا تُحَقِّقُ الْمُمَاثَلَةَ وَالْمَطْلُوبُ فِي الْمُرَاطَلَةِ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْوَزْنِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا (قُلْتُ) قَوْلُهُ وَزْنًا تَمْيِيزٌ لِلْمُبْهَمِ وَلَمَّا ذَكَرَ بَيْعَ الذَّهَبِ بِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ فَلَا بُدَّ أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 تَكُونُ الْمُعَاوَضَةُ بِالذَّهَبِ الْمُمَاثِلِ وَالْمِثْلِيَّةُ الْمُبْهَمَةُ فُسِّرَتْ بِقَوْلِهِ وَزْنًا فَكَأَنَّهُ قَالَ بَيْعُ الذَّهَبِ بِذَهَبٍ مُمَاثِلٍ لَهُ وَزْنًا فَاخْتَصَرَ ذَلِكَ لِلْإِيجَازِ فِي الْحَدِّ (فَإِنْ قُلْتَ) وَلِأَيِّ شَيْءٍ صَرَّحَ بِالْمِثْلِ فِي الْفُلُوسِ وَلَمْ يَقُلْ أَوْ فَلْسٌ بِهِ عَدَدًا (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ زِيَادَةُ بَيَانٍ وَلَمْ يَظْهَرْ سِرُّ تَعْرِيفِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الصَّرْفِ وَالتَّنْكِيرِ هُنَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ بَشِيرٍ بَيْعُ الْعَيْنِ بِمِثْلِهِ وَزْنًا يُرَدُّ بِقُصُورِهِ عَلَى الْعَيْنِ دُونَ أَصْلِ الْعَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الرَّدِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا قَرِيبًا مِنْهُ فَلِذَلِكَ عَدَلَ الشَّيْخُ عَنْ الْعَيْنِ إلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنَّ الْعَيْنَ خَاصٌّ بِالْمَضْرُوبِ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي حَدِّ الْمُرَاطَلَةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا كَمَا إذَا بَاعَ ذَهَبًا وَازِنًا بِفِضَّةٍ وَازِنَةٍ وَكَانَ الشَّيْخُ قَبِلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ وَجَرَتْ عَادَتُهُ أَنَّ مَا سَبَقَ بِهِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ لَا يَعْتَرِضُ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ بَحْثٌ لَهُ وَإِنَّمَا يَذْكُرُ مَا غَفَلَ عَنْهُ غَيْرُهُ فَهَلْ هَذَا الِاعْتِرَاضُ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ (قُلْتُ) يَظْهَرُ إيرَادُهُ وَيُتَلَمَّحُ لَهُ جَوَابٌ فِيهِ نَظَرٌ وَذَلِكَ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِبَيْعِ الْعَيْنِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْعَيْنُ وَمَصْدُوقُهُ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ مَضْرُوبَيْنِ فَلَا بُدَّ فِي الْمَصْدُوقِ مِنْ مِثْلِيَّةٍ فِي صِفَةٍ نَفْسِيَّةٍ وَبَيَانُ النَّظَرِ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُبَادَلَةِ] (ب د ل) : بَابُ الْمُبَادَلَةِ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُبَادَلَةَ وَعَزَا رَسْمَهَا لِابْنِ بَشِيرٍ لِأَنَّهُ رَضِيَ رَسْمَهُ لَهَا بِمَا ذُكِرَ فَلَمْ يَذْكُرْهُ مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ مَخَافَةَ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِهِ وَهَذَا مِنْ حُسْنِ فِعْلِهِ وَتَحْسِينِ نِيَّتِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ فَقَالَ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ " بَيْعُ الْعَيْنِ بِمِثْلِهِ عَدَدًا " فَقَوْلُهُ " بَيْعُ الْعَيْنِ " جِنْسٌ يَدْخُلُ فِيهِ الصَّرْفُ وَالْمُرَاطَلَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ " بِمِثْلِهِ " أَخْرَجَ بِهِ الصَّرْفَ قَوْلُهُ " عَدَدًا " أَخْرَجَ بِهِ الْمُرَاطَلَةَ وَذَلِكَ إذَا أَعْطَى دِينَارًا عَدَدًا بِدِينَارٍ وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَنْقَصَ فَهَذِهِ مُبَادَلَةٌ شَرْعًا لَا مُرَاطَلَةٌ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ عَبَّرَ هُنَا بِالْعَيْنِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ لِسِرِّ مَا تَقَدَّمَ (قُلْتُ) إنَّمَا عَبَّرَ هُنَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ هُنَالِكَ لِأَنَّهُ حَافِظٌ فِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الْعَيْنِ لِتَدْخُلَ فِي الصَّرْفِ وَهُنَا لَا تَقَعُ الْمُبَادَلَةُ فِي أَصْلِ الْعَيْنِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَقَعُ فِي الْمَضْرُوبِ مِنْ الْعَيْنِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 فِي الْفُلُوسِ فَحُسْنُ التَّعْبِيرِ هُنَا بِالْعَيْنِ وَفِي غَيْرِ الْمُبَادَلَةِ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْعَيْنِ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ بَيْعُ الْعَيْنِ بِهِ وَصَرَّحَ بِالْمِثْلِ (قُلْتُ) هُنَا يَجِبُ التَّصْرِيحُ بِالْمِثْلِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِهِ لَصَدَقَ عَلَى بَيْعِ دِينَارٍ عَدَدًا بِدِرْهَمٍ عَدَدًا فَنَاسَبَ أَنْ يُقَالَ بِمِثْلِهِ عَدَدًا (فَإِنْ قُلْتَ) لِمَ لَمْ يَزِدْ هُنَا بَعْدَ قَوْلِهِ عَدَدًا لَا وَزْنًا كَمَا زَادَهُ قَبْلُ فِي الْمُرَاطَلَةِ فِي الْفُلُوسِ فَإِنْ كَانَ ذِكْرُ الْعَدَدِ يُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ جَرْيًا عَلَى مَا يَتَعَيَّنُ رَعْيُهُ عِنْدَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ عَامِّ الِاخْتِصَارِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يُغْنِي عَنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا هُنَا (قُلْتُ) تَقَدَّمَ مَا فِي هَذَا فَرَاجِعْهُ ثَمَّةَ وَلَمْ يَظْهَرْ قُوَّةُ جَوَابٍ فِي الْفَهْمِ عَنْ مُرَادِهِ وَسِرِّ تَخْصِيصِهِ. (فَإِنْ قُلْتَ) وَقَعَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ بَدَلُ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ نَاقِصَةٍ بِوَازِنَةٍ فَقَدْ أَطْلَقَ الذَّهَبَ وَلَمْ يَقُلْ الْعَيْنَ. (قُلْتُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ كَالثَّلَاثَةِ إلَى السِّتَّةِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْوَاقِعُ فِيهَا فِي الْمَضْرُوبِ غَايَةُ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا أَطْلَقَتْ الْأَعَمَّ عَلَى الْأَخَصِّ (فَإِنْ قُلْتَ) حَدُّ الشَّيْخِ أَعَمُّ مِنْ الْمُبَادَلَةِ الصَّحِيحَةِ أَوْ الْفَاسِدَةِ (قُلْتُ) هُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ لَهَا شُرُوطًا فِي الْجَوَازِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُثِيبُهُ وَيَرْضَى عَنْهُ. [بَابٌ فِي الِاقْتِضَاءِ] (ق ض ي) : بَابٌ فِي الِاقْتِضَاءِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الِاقْتِضَاءُ عُرْفًا قَبْضُ مَا فِي ذِمَّةِ غَيْرِ الْقَابِضِ " قَوْلُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " عُرْفًا " تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي نَصْبِ ذَلِكَ وَأَنَّ ذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الدَّلِيلُ لُغَةً أَيْ حَدُّ الدَّلِيلِ فِي اللُّغَةِ وَإِنَّمَا خَصَّصَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاقْتِضَاءَ بِالْعُرْفِ مَعَ أَنَّ الْمَعْلُومَ أَنَّهُ إنَّمَا يَحُدُّ الْحَقَائِقَ الْعُرْفِيَّةَ الشَّرْعِيَّةَ لِأَنَّ الِاقْتِضَاءَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ يَخْتَلِفُ وَمَقْصِدُهُ أَخَصُّ عَرَّفَ فِي الشَّرْعِ قَوْلَهُ " قَبْضُ " إشَارَةً إلَى أَنَّهُ حِسِّيٌّ وَحُكْمِيٌّ وَلِذَلِكَ أَخْرَجَ الْمُقَاصَّةَ بِقَوْلِهِ غَيْرِ الْقَابِضِ وَأَخْرَجَ بِالذِّمَّةِ الْمُعَيَّنَ إذَا قَبَضَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) ذِكْرُ الذِّمَّةِ فِي الرَّسْمِ فِيهِ إبْهَامٌ لِأَنَّهَا حَقِيقَةٌ وَقَدْ اضْطَرَبَ فِي تَفْسِيرِهَا (قُلْتُ) رَسَمَهَا الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي السَّلَمِ وَسَتَأْتِي. (فَإِنْ قُلْتَ) رَسْمُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصْدُقُ عَلَى مَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ وَقَبَضَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ فِيهِ الِاقْتِضَاءُ شَرْعًا وَالرَّسْمُ صَادِقٌ عَلَيْهِ (قُلْتُ) لَا نُسَلِّمُ صِدْقَ الرَّسْمِ عَلَيْهِ لِأَنَّ قَبْضَ مَا فِي الذِّمَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 يَسْتَدْعِي بَرَاءَتهَا وَقَبْضُ الْمُتَعَدِّي لَا يُوجِبُ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَلَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ رَسْمَ الِاقْتِضَاءِ عُرْفًا أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ قَبْضِ الْكِتَابَةِ وَقَدْ سَمَّاهَا اقْتِضَاءً فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَخْرُجُ أَيْضًا قَبْضُ مَنَافِعِ الْمُعَيَّنِ لِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا اقْتِضَاءَ مَنَافِعَ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَصْدُقُ عَلَى هَذَيْنِ لِأَنَّ فِي الْحَدِّ قَبْضُ مَا فِي الذِّمَّةِ وَهَذَانِ لَيْسَا فِي ذِمَّةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيُقَالُ قَبْضُ مَا وَجَبَ مَنْفَعَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فِي غَيْرِ ذِمَّةِ قَابِضِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ حَدَّ الْبَيْعَ الْأَعَمَّ عُرْفًا وَالْبَيْعَ الْأَخَصَّ وَخَصَّصَ كُلًّا بِرَسْمِهِ وَالْجَارِي عَلَى ذَلِكَ هُنَا أَنْ يَقُولَ كَذَلِكَ فَيَحُدُّ الِاقْتِضَاءَ بِحَدٍّ أَعَمَّ وَيَحُدُّهُ بِحَدٍّ أَخَصَّ وَالْمَقْصِدُ بِمَسَائِلِ الصَّرْفِ إنَّمَا هُوَ أَخَصُّهُ لَا أَعَمُّهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَمَا ذُكِرَ فِي الْبَيْعِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الشَّرِكَةِ (قُلْتُ) هَذَا سُؤَالٌ ظَاهِرٌ وَلَعَلَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَصَدَ ذَلِكَ وَيَكُونُ حَدُّهُ الْأَخَصُّ هُوَ الْأَوَّلُ وَحَدُّهُ الْأَعَمُّ هُوَ الثَّانِي إلَّا أَنْ يُقَالَ لَوْ قَصَدَ ذَلِكَ لَمَا أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَنْفَعُنَا بِهِ وَبِعِلْمِهِ وَيَمُنُّ عَلَيْنَا بِمَا مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) اسْتِدْلَالُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الِاقْتِضَاءَ يُطْلَقُ عَلَى اقْتِضَاءِ الْمَنَافِعِ فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَطْلَقَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُقَيَّدًا لَا مُطْلَقًا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْمَجَازِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ الِاقْتِضَاءَ مُطْلَقًا لَا يَتَبَادَرُ فِي الذِّهْنِ مَا ذُكِرَ (قُلْتُ) وَهَذَا قَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا الْبَحْثُ بِهِ فِي نَظِيرِ اسْتِدْلَالِهِ وَيَظْهَرُ وُرُودُهُ. (فَإِنْ قُلْتَ) وَهَلْ يُقَالُ ذَلِكَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْكِتَابَةِ (قُلْتُ) الْبَحْثُ يُمْكِنُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ (فَإِنْ قُلْتَ) وَقَعَ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ لَفْظُ الِاقْتِضَاءِ عُرْفًا وَلَفْظُ الْقَضَاءِ وَقَدْ وَقَعَ أَصْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «إنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إذَا قَضَى سَمْحًا إذَا اقْتَضَى» وَالْقَضَاءُ مِنْ فِعْلِ الْمَدِينِ وَالِاقْتِضَاءُ مِنْ فِعْلِ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَمَا سِرُّ كَوْنِ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَعَرَّضَ لِحَقِيقَةِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ كَثِيرٌ تَرَدُّدُهُ فِيهِمَا فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَغَيْرِهِ (قُلْتُ) لَمْ يَظْهَرْ سِرُّ تَخْصِيصِهِ وَلَعَلَّهُ لِغَلَبَةِ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ الِاقْتِضَاءِ وَانْظُرْهُ مَعَ مَا وَقَعَ لَهُمْ فِي كِتَابِ السَّلَمِ وَحَدُّ الْقَضَاءِ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَدِّهِ هُنَا فَيُقَالُ فِيهِ دَفْعُ مَا وَجَبَ مَنْفَعَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فِي غَيْرِ ذِمَّةِ قَابِضِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَمَا يَرُدُّ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا بَاعَ ثَوْبًا بِدِينَارٍ ثُمَّ دَفَعَ عَنْ الدِّينَارِ دَرَاهِمَ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الثَّوْبَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِمَا دَفَعَ لَهُ وَسَمَّوْا ذَلِكَ اقْتِضَاءً فَكَيْفَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 يَدْخُلُ فِي رَسْمِهِ (قُلْتُ) دُخُولُهُ ظَاهِرٌ فِي حَدِّهِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ فِيهِ قَبْضُ مَا وَجَبَ إلَخْ وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدُ فِي قَوْلِهِ وَاقْتِضَاءُ مَا لَزِمَ عَنْ اسْتِحْقَاقِ عِوَضٍ أُخِذَ عَنْ أَحَدِ عِوَضَيْ الصَّرْفِ مُتَعَلِّقٌ بِعِوَضٍ عِوَضُهُ دُونَهُ وَمُتَعَلِّقٌ خَبَرٌ عَنْ اقْتِضَاءُ وَمَعْنَاهُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ وَهِيَ الْوَاقِعَةُ فِي السُّؤَالِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ الطَّعَامِ] (ط ع م) : بَابُ الطَّعَامِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الطَّعَامُ مَا غَلَبَ اتِّخَاذُهُ لِأَكْلِ الْآدَمِيِّ أَوْ لِإِصْلَاحِهِ أَوْ شُرْبِهِ " قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَدْخُلُ الْمِلْحُ وَالْفِلْفِلُ وَنَحْوُهُمَا فِي ذَلِكَ لِأَجْلِ ذِكْرِ الْإِصْلَاحِ قَالَ وَيَدْخُلُ اللَّبَنُ يَعْنِي لِأَجْلِ قَوْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مَا غَلَبَ اتِّخَاذُهُ مِمَّا لَمْ يَغْلِبْ اتِّخَاذُهُ لِلْأَكْلِ وَإِنْ أُكِلَ فَلَا يَكُونُ طَعَامًا وَيَخْرُجُ مِنْ حَدِّ الشَّيْخِ الْمَاءُ فَإِنَّهُ مَا غَلَبَ اتِّخَاذُهُ لِلشُّرْبِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ غَالِبٌ لِلشُّرْبِ وَالْمَاءُ غَلَبَ فِي غَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدْ وَقَعَ لِابْنِ نَافِعٍ مَا يُخَالِفُهُ قَالَ الشَّيْخُ وَيَخْرُجُ الزَّعْفَرَانُ قَالَ لِأَنَّهُ وَإِنْ اُتُّخِذَ لِلْإِصْلَاحِ فَلَمْ يَغْلِبْ لَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يُرَدُّ عَلَى الشَّيْخِ زَيْتُ الزَّيْتُونِ فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَيَكُونُ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْلِبْ لِلشُّرْبِ وَلَا لِلطَّعَامِ بَلْ الْغَالِبُ فِيهِ الْوَقِيدُ وَالصَّنْعَةُ وَالْأَكْلُ مَوْجُودٌ وَلَمْ يَغْلِبْ فِيهِ كَمَا قِيلَ فِي الزَّعْفَرَانِ وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ إصْلَاحٌ فَلَمْ يَغْلِبْ فِيهِ (قُلْتُ) يَظْهَرُ إيرَادُهُ وَلَعَلَّ جَوَابَهُ أَنَّهُ رَاعَى أَصْلَ اتِّخَاذِهِ وَمَا عَدَاهُ عَارِضٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ حَدَّ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ مَا يُعَدُّ طَعَامًا لَا دَوَاءً وَفَسَّرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِمَا اُتُّخِذَ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ أَرَادَ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ خَرَجَ الْمِلْحُ لِاِتِّخَاذِهِ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَالدَّبْغِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْهِ الزَّعْفَرَانُ ثُمَّ أَنَّ الشَّيْخَ قَالَ الْأَوْلَى تَفْسِيرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِمَا يُقْصَدُ لِطَعْمِهِ قَالَ وَيَبْطُلُ بِمَا تَقَدَّمَ (قُلْتُ) وَسَلَمُ الشَّيْخُ ذُكِرَ الطَّعَامُ فِي حَدِّهِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَاك مِمَّا قَدَّمْنَاهُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَيَّدَ الشَّيْخُ فِي حَدِّ الطَّعَامِ غَلَبَةَ الِاتِّخَاذِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ كُلِّيَّةً فِي الزَّرِيعَةِ وَقَاعِدَةٌ حَاصِلُهَا أَنَّ مَا يُؤْكَلُ أَوْ يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ مَا يُؤْكَلُ فَهُوَ طَعَامٌ وَعَكْسُهُ عَلَى أَنَّ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَهُمْ بَحْثًا (قُلْتُ) اُنْظُرْ ابْنَ رُشْدٍ فَإِنَّهُ قَيَّدَ الْمُدَوَّنَةَ بِمَا يُصَحِّحُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 [بَابٌ فِي شَرْطِ الْمُمَاثَلَةِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - " اتِّحَادُ الْعِوَضَيْنِ فِي دَرَجَةِ الطِّيبِ " أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الْعِوَضَيْنِ اللَّذَيْنِ تَجِبُ فِيهِمَا الْمُمَاثَلَةُ مِنْ الطَّعَامِ وَسِيَاقُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَتَّحِدَ الْعِوَضَانِ فِي دَرَجَةِ الطِّيبِ وَإِلَّا فَلَا تُوجَدُ الْمُمَاثَلَةُ وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَ الْعِوَضَانِ فِي دَرَجَةِ الطِّيبِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِمَا التَّمَاثُلُ وَلِذَا قَالَ فِيهَا لَا يَجُوزُ فَرِيكُ الْحِنْطَةِ بِيَابِسِهَا وَلَا السَّمْنُ بِالزُّبْدِ مُتَمَاثِلًا وَلَا مُتَفَاضِلًا وَهُنَا مَسَائِلُ لِلَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ وَبَحْثٌ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَانْظُرْ كَلَامَهُ. [بَابُ الِاقْتِنَاءِ فِي الْحَيَوَانِ] (ق ن و) : بَابُ الِاقْتِنَاءِ فِي الْحَيَوَانِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْبَاجِيُّ " الِاتِّخَاذُ لِلْوِلَادَةِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ وَغَيْرِهَا وَالْفَحْلَةِ وَالشَّعْرِ فِي التَّيْسِ " وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ الْمُزَابَنَةِ] (ز ب ن) : بَابُ الْمُزَابَنَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْمَازِرِيُّ " الْمُزَابَنَةُ عِنْدَنَا بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ أَوْ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِيهِمَا " قَالَ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَبِلُوهُ قَالَ وَيَبْطُلُ عَكْسُهُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ الْمُزَابَنَةِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ لِمُطَابَقَتِهِ لِلْحَدِّ وَأَصْلُهَا لُغَةً الْمُدَافَعَةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَدْفَعُ صَاحِبَهُ وَيَغْبِنُهُ وَالشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَيَّرَ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي صِنْفَيْنِ كَمَا مَضَى عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَالَ وَهِيَ قَدْ تَكُونُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ كَكَوْنِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ جُزَافًا وَقَدْ تَكُونُ فِي صِنْفَيْنِ فِي الْأَجَلِ كَصُوفٍ فِي ثَوْبٍ مِنْ صُوفٍ مُؤَخَّرٍ وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ فِيمَا يَجُوزُ مِنْهُ وَمَا لَا يَجُوزُ اُنْظُرْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا لَمْ يَرْتَضِ الشَّيْخُ هَذَا الْحَدَّ وَكَانَ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ فَلِمَ لَمْ يَذْكُرْ لَهَا حَدًّا (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّ حَدَّهَا عِنْدَهُ بِزِيَادَةِ مَا يَجْمَعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 بِهِ رَسْمَهَا بِقَوْلِهِ أَوْ صِنْفَيْنِ يَخْرُجُ الْمُؤَخَّرُ مِنْهُمَا مِنْ الْمُعَجَّلِ فَيُضَافُ ذَلِكَ لِلرَّسْمِ الْمَذْكُورِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا تَبَيَّنَ الْفَضْلُ فِي بَيْعِ الْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ مِنْ جِنْسِهِ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيِّ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْمُزَابَنَةِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ الشَّيْخُ وَرَسْمُ الْمَازِرِيُّ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ مُزَابَنَةٌ وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ تَلْغَى تِلْكَ الْمُزَابَنَةَ (قُلْتَ) لَنَا أَنْ نَلْتَزِمَ صِدْقَ الْحَدِّ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ مُزَابَنَةٌ لَكِنْ أَجَازُوا ذَلِكَ لِذَهَابِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْجَهَالَةُ الَّتِي يَدْفَعُ بِهَا كُلُّ أَحَدٍ صَاحِبَهُ لِأَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ الْفَضْلُ فَلَا جَهَالَةَ فِي الْعَقْدِ وَفِيهِ بَحْثٌ. [بَابُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ] (ك لء) : بَابُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَهُوَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَحَقِيقَتُهُ " بَيْعُ شَيْءٍ فِي ذِمَّةٍ بِشَيْءٍ فِي ذِمَّةٍ أُخْرَى غَيْرُ سَابِقٍ تَقَرُّرُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ " وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ مَلْزُومٌ لِتَعَدُّدِ الذِّمَّةِ ثُمَّ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَوَجْهُهُ كَصَرِيحِهِ كَوَجْهِ الظِّهَارِ وَالتَّفْلِيسِ لَا كَوَجْهِ الشِّغَارِ (قُلْتُ) رَسْمُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ أَشْكَلَ عَلَيَّ فَهْمِهِ لِأَنَّهُ رَسْمًا يَصْدُقُ عَلَى ابْتِدَاءِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ أَخَفُّهَا ثُمَّ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ ثُمَّ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَقَدْ تَوَقَّفْنَا فِي الْفَهْمِ عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا بُدَّ فِي تَفْسِيرِ كَلَامِهِ أَنْ نَقُولَ الَّذِي وَقَعَ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَقَائِقَ هُنَا ثَلَاثٌ ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَبَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَفَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ فَالْأَوَّلُ أَخَفُّهَا وَالثَّانِي يَلِيهِ وَالثَّالِثُ أَقْوَاهَا وَالْأَوَّلُ يَسْتَلْزِمُ عِمَارَةَ ذِمَّتَيْنِ وَقَعَتْ عِمَارَتُهُمَا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَالثَّانِي يَسْتَلْزِمُ ذِمَّتَيْنِ وَقَعَتْ عِمَارَةُ إحْدَى الذِّمَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى وَالثَّالِثُ يَسْتَدْعِي عِمَارَةَ ذِمَّةٍ وَاحِدَةٍ بِدَيْنٍ فُسِخَ فِيهِ الدَّيْنُ السَّابِقُ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحَدِّ الْمَذْكُورِ مَا ذُكِرَ فِيهِ إنْ قُصِدَ بِهِ حَدُّ الْحَقِيقَةِ الْأُولَى صَحَّ ذَلِكَ فِيهِمَا وَالْحَدُّ الثَّانِي الْمُرَتَّبُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ حَدًّا لِلْقِسْمِ الثَّالِثِ لِوُرُودِ الثَّانِي عَلَيْهِ فِي طَرْدِهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ حَدًّا لِلثَّانِي لِوُرُودِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ. وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَيْنَا فِي فَهْمِهِ كَمَا أَشْكَلَ أَيْضًا مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ بَيْعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ يَدْخُلُ تَحْتَ الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الرَّسْمُ الْمَذْكُورُ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَارْتَضَاهُ كَمَا تَرَى مَا يُورِدُ عَلَيْهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ كَلَامٌ يَحْتَاجُ إلَى الْفَهْمِ عَنْهُ وَالْمُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ إمَامٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَى غَوْرِ كَلَامِهِ إلَّا مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَمَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ وَجْهِ الظِّهَارِ وَالتَّفْلِيسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا كَمَا إذَا بَاعَ دَيْنًا قَدْ تَقَرَّرَ فِي ذِمَّةٍ بِدَيْنٍ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ تَحَيُّلٌ كَمَا إذَا بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَى السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَهَذَا لَمْ يَقْصِدْ فِيهِ إلَى بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لَكِنْ آلَ أَمْرُهُ إلَى تُهْمَةِ ذَلِكَ فَلِذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَرَّةً أَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَمَرَّةً مِنْ وَجْهِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَالْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَلِكَ بِخِلَافِ وَجْهِ الشِّغَارِ وَصَرِيحُهُ عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ هُنَالِكَ وَلِذَا أَشَارَ الْمَغْرِبِيُّ فِي وَجْهِ الشِّغَار بِقَوْلِهِ صَيَّرَ وَجْهَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ كَصَرِيحِهِ وَلَمْ يُصَيِّرْ وَجْهَ الشِّغَارِ كَصَرِيحِهِ وَمَا ذُكِرَ فِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَابْتِدَاءِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوَجْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ وَجْهَ الظِّهَارِ وَصَرِيحَهُ فِي بَابِهِ وَاحِدٌ وَلَمْ يَظْهَرْ لَنَا وَجْهُ الظِّهَارِ إلَّا فِي كِنَايَتِهِ. وَأَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَيْنَا فِي اخْتِلَاف الْحُكْمِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ فِي الْوَجْهِ إذَا ادَّعَى الطَّلَاقَ فَتَأَمَّلْهُ وَأَمَّا صَرِيحُ التَّفْلِيسِ وَوَجْهُ التَّفْلِيسِ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالصَّرِيحِ إذَا كَانَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ وَأَرَادَ بِوَجْهِ التَّفْلِيسِ فِيمَا لَمْ يَحِلَّ إذَا فَلَّسَ فِيمَا قَدْ حَلَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابٌ فِي الْغَرَرِ] (غ ر ر) : بَابٌ فِي الْغَرَرِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْمَازِرِيُّ " الْغَرَرُ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ السَّلَامَةِ وَالْعَطَبِ " قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُرِيدُ ذُو الْغَرَرِ أَوْ صِفَةُ مَا تَرَدَّدَ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ إنْ بَقِيَ مِنْ غَيْرِ حَذْفٍ فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِمَا تَرَدَّدَ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَيْسَ مِنْ مَقُولَةِ الْمَحْدُودِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَذْفٍ إمَّا مِنْ الْحَدِّ وَإِمَّا مِنْ الْمَحْدُودِ وَهَذَا عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] هَلْ يُحْذَفُ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ الثَّانِي لِأَنَّ دَلَالَةَ الِاقْتِضَاءِ هُنَا تَقْتَضِي أَنْ لَا بُدَّ مِنْ حَذْفٍ وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 فَإِنْ وَقَعَ الْحَذْفُ مِنْ الْأَوَّلِ صَحَّ الْجِنْسُ لِلْمَحْدُودِ لِأَنَّهُ مِنْ مَقُولَتِهِ وَإِنْ وَقَعَ الْحَذْفُ مِنْ الثَّانِي صَحَّ أَيْضًا ذَلِكَ ثُمَّ أَنَّ الشَّيْخَ لَمَّا حَقَّقَ صِحَّةَ التَّرْكِيبِ فِي الْحَدِّ قَالَ إنَّ الرَّسْمَ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ قَالَ لِخُرُوجِ غَرَرٍ فَاسِدٍ صَوَّرَ بَيْعَ الْجُزَافِ وَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَغَيْرَهُمَا إذْ لَا عَطَبَ فِيهِمَا. (قُلْتُ) أَشَارَ بِذَلِكَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجُزَافَ يُشْتَرَطُ فِيهِ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنَّهُمَا جَاهِلَانِ عَالِمَانِ جَاهِلَانِ بِالْمِقْدَارِ عَالِمَانِ بِالْحَزْرِ فَلَوْ قَدَّرْنَا عِلْمَهُمَا بِالْمِقْدَارِ لَكَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا لِأَجْلِ الدُّخُولِ عَلَى الْغَرَرِ إذْ لَا عَطَبَ فِي ذَلِكَ وَالْغَرَرُ مَوْجُودٌ وَكَذَلِكَ فِي بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ ثُمَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَقْرَبُ أَنَّ بَيْعَ الْغَرَرِ " مَا شُكَّ فِي حُصُولِ أَحَدِ عِوَضَيْهِ أَوْ مَقْصُودٍ مِنْهُ غَالِبًا " قَوْلُهُ " مَا شُكَّ " مَا صَادِقَةٌ عَلَى الْبَيْعِ أَيِّ بَيْعٍ وَهُوَ جِنْسُ الْغَرَرِ قَوْلُهُ " فِي حُصُولِ أَحَدِ عِوَضَيْهِ " مِثْلَ بَيْعِ الْبَعِيرِ الشَّارِدِ أَوْ الْجَنِينِ وَيَدْخُلُ فِيهِ فَاسِدُ بَيْعِ الْجُزَافِ فَإِنَّهُ فِيهِ شَكٌّ فِي حُصُولِ عِوَضِهِ قَوْلُهُ " أَوْ مَقْصُودٍ مِنْهُ غَالِبًا " مَعْطُوفٌ عَلَى حُصُولِ مَعْنَاهُ أَوْ مَا شُكَّ فِي مَقْصُودٍ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ غَالِبًا اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ كَدُخُولِ الْحَمَّامِ مَعَ اخْتِلَافِ قَدْرِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ شَكٌّ فِي الْمَقْصُودِ مِنْهُ غَالِبًا (فَإِنْ قُلْتَ) وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» وَفِي رِوَايَةٍ «عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» وَتَعَرَّضَ الْمَازِرِيُّ لِرَسْمِ الْغَرَرِ فَقَطْ. . (قُلْتُ) إنَّمَا تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَحْدَهُ لِأَنَّ بَيْعَ الْحَصَاةِ مِنْ الْغَرَرِ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْعُرْبَانِ وَبَيْعُ الْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ وَكَذَلِكَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ أَوْ أَصْنَافِ الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَرَسْمُ الْغَرَرِ يُغْنِي لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ وَرَسْمُ كُلِّ صِنْفٍ بِخَاصَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ بَيْعُ الْغَرَرِ ذُو الْجَهْلِ وَالْخَطَرِ وَتَعَذُّرُ التَّسْلِيمِ مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ الْجَهْلَ صِفَةٌ لِلْعَاقِدِ وَالْغَرَرَ صِفَةٌ لِلْمَبِيعِ فَهُوَ تَعْرِيفٌ بِمُبَايَنٍ قَالَ وَلِأَنَّ الْخَطَرَ مُسَاوٍ لِلْغَرَرِ وَتَعَذُّرُ التَّسْلِيمِ إنَّمَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ حِكْمَةً فِي التَّعْلِيلِ بِالْغَرَرِ (قُلْتُ) وَهَذَا جَلِيٌّ فِي الرَّدِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْجَهْلَ يَكُونُ مِنْ وَصْفِ الْفَاعِلِ وَيَكُونُ مِنْ وَصْفِ الْمَفْعُولِ يُقَالُ الْعَاقِدُ بِهِ جَهْلٌ بِالْمَبِيعِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ أَيْ بِهِ جَهْلٌ بِمَعْنَى مَجْهُولٌ وَفِيهِ غَرَرٌ وَغَرَرُهُ هُوَ جَهْلُهُ لَكِنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 هَذَا فِيهِ تَجَوُّزٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ الْمَصْدَرُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ ثُمَّ أَنَّهُ لَا يُنْجِي مِنْ الِاعْتِرَاضِ إذَا تُؤُمِّلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ] (ب ي ع) : بَابُ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ نُقِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ قَالَ " تَنَاوُلُ عَقْدِ الْبَيْعِ لُزُومًا بَيْعَتَيْنِ عَلَى أَنْ لَا يَتِمَّ مِنْهُمَا إلَّا وَاحِدَةٌ " قَالَ كَبَيْعِ ثَوْبٍ بِدِينَارٍ وَآخَرَ بِدِينَارَيْنِ يَخْتَارُ أَيَّهمَا شَاءَ لَازِمًا لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ قَالَ تَنَاوُلُ الْبَيْعِ مَبِيعَيْنِ لَا يَتِمُّ مَعَ لُزُومِهِ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا إلَّا فِي أَحَدِ الْمَبِيعَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَقُلْنَا فِي أَحَدِ الْمَبِيعَيْنِ لَا أَحَدِ الثَّمَنَيْنِ وَلَا أَحَدِ الْمَثْمُونَيْنِ لِيَعُمَّ الْأَمْرَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيهِ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ صَحَّ الْجِنْسُ فِي حَدِّ الشَّيْخَيْنِ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ بِقَوْلِهِمَا تَنَاوُلُ وَالتَّنَاوُلُ لَا يَصْدُقُ مَعْنًى عَلَى الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ (قُلْتُ) هَذَا يُفْهَمُ عَنْ الشَّيْخِ أَنَّهُ رَدَّهُ لِقَوْلِهِ بَعْدُ وَالْأَوْلَى مَا يَخُصُّ مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ فَعَدَلَ عَنْ الْجِنْسِ الْمَذْكُورِ إلَى مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ بَيْع إلَخْ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ إنَّمَا هُوَ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ لَا التَّنَاوُلُ. (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا صَحَّ مَا قُلْته فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَجِبُ لَا أَنَّهُ يَقُولُ وَالْأَوْلَى لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ جَعْلِهِ جِنْسًا وَهُوَ لَا يَصِحُّ (قُلْتُ) تَقَدَّمَ فِي الظِّهَارِ الْجَوَابُ عَنْ مِثْلِهِ وَالتَّنَاوُلُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الشُّمُولِ أَيْ أَنْ تَشْتَمِلَ عُقْدَةُ الْبَيْعِ وَبَيْعَتَيْنِ مَفْعُولٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ وَلُزُومًا حَالٌ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَالْعَامِلُ الْمُضَافُ قَدْ اقْتَضَى الْعَمَلَ قَوْلُهُ " عَلَى أَنْ لَا يَتِمَّ " إلَخْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَلَيْسَ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَهُوَ حَالٌ أَيْضًا فَالْحَالُ الْأُولَى أَخْرَجَ بِهَا الْخِيَارَ وَالثَّانِيَةُ أَخْرَجَ بِهَا لُزُومَ الْبَيْعَتَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَعْرِيفُ الْبَاجِيِّ يَشْمَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ الْمَذْكُورِ قَدْ يَكُونُ مِنْهُ صُوَرٌ جَائِزَةٌ كَمَا إذَا بَاعَ لَهُ ثَوْبًا بِدِينَارٍ أَوْ ثَوْبَيْنِ بِدِينَارٍ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ لَهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا وَوَقَعَ التَّسَاوِي فِي الثَّوْبَيْنِ وَفِي صِفَةِ الثَّمَنَيْنِ فَإِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ جَائِزَةٌ وَيَصْدُقُ عَلَيْهَا الرَّسْمُ وَالْغَرَضُ هُنَا لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَخْتَارُ الْمَثْمُونَ الْمُسَاوِي لِصَاحِبِهِ بِالثَّمَنِ الْقَلِيلِ فَحَدُّ الْبَاجِيِّ يَشْمَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وَمِثَالُهُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَعَلَّلَ فِيهِ الْفَسَادَ بِالْجَهَالَةِ وَهَذَا يُنَافِي حَدَّهُ لِأَنَّ الْمِثَالَ لِلْحَدِّ إنَّمَا فَائِدَتُهُ صِدْقُ الْحَدِّ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ ثُمَّ قَالَ وَتَعْرِيفُ ابْنِ رُشْدٍ يَشْمَلُ أَيْضًا الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ وَتَقْسِيمُهُ ذَلِكَ إلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ يُنَاسِبُ عُمُومَ حَدِّهِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ حَقُّ الْبَاجِيِّ أَنْ يُقَيِّدَ حَدَّهُ بِمَا يَخُصُّ الْفَاسِدَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَكَذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا حَدَّا الْحَقِيقَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا فَالْحَدُّ إنَّمَا هُوَ لَهَا وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ وَالْأَوْلَى مَا يَخُصُّ مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ وَمُتَعَلِّقُ النَّهْيِ إنَّمَا هُوَ الصُّوَرُ الْفَاسِدَةُ. (فَإِنْ قُلْتَ) فَهْمُك هَذَا الْكَلَامَ عَلَى مَا ذَكَرْته يُنَافِي مَا أَصَّلْته قَبْلُ فِي جَعْلِ التَّنَاوُلِ جِنْسًا لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ اقْتَضَى أَنَّ مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الصُّوَرِ الْفَاسِدَةِ (قُلْتُ) لَا يُنَافِيهِ بَلْ الصُّوَرُ الْفَاسِدَةُ هِيَ عُقْدَةُ الْبَيْعِ كَمَا قُلْنَاهُ وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ فِي حَدِّهِ بَيْعٌ لِأَحَدِ مَثْمُونَيْنِ يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ فِيهِمَا أَوْ بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ كَذَلِكَ لُزُومًا لِأَحَدِ عَاقِدَيْهِ فَقَوْلُهُ بَيْعُ جِنْسٍ مُنَاسِبٌ لِمَقُولَةِ الْمَحْدُودِ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّنَاوُلَ (فَإِنْ قُلْتَ) مُتَعَلِّقُ النَّهْيِ يَخُصُّ بَيْعَتَيْنِ دَخَلَتَا تَحْتَ بَيْعَةٍ وَالْحَدُّ يَخُصُّ بَيْعَةً تَحْتَهَا بَيْعَتَانِ (قُلْتُ) اللَّفْظُ مُخْتَلِفٌ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ نَهْيٌ عَنْ بَيْعَتَيْنِ دَاخِلَتَيْنِ تَحْتَ عَقْدٍ أَوْ نَهْيٌ عَنْ عَقْدٍ تَحْتَهُ بَيْعَتَانِ قَوْلُهُ " أَحَدِ مَثْمُونَيْنِ " اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ بَيْعِ الْمَثْمُونَيْنِ وَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي أَوْرَدَهَا بَعْدُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ قَوْلُهُ " يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ فِيهِمَا " أَخْرَجَ بِهِ الصُّورَةَ الْجَائِزَةَ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَاعْتَرَضَ بِهَا عَلَى حَدِّ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْحَدَّ هُنَا إنَّمَا هُوَ لِلصُّوَرِ الْمَمْنُوعَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا قَوْلُهُ " أَوْ بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ كَذَلِكَ " أَشَارَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ يَعُمُّ الثَّمَنَ وَالْمَثْمُونَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاخْتِلَافُ الْغَرَضِ فِي الثَّمَنَيْنِ كَاخْتِلَافِهِ فِي الْمَثْمُونَيْنِ وَقَوْلُهُ " لُزُومًا " حَالٌ أَخْرَجَ بِهِ صُورَةَ الْخِيَارِ وَإِذَا مَنَعَ اللُّزُومَ فِي أَحَدِهِمَا فَأَحْرَى فِيهِمَا. (فَإِنْ قُلْتَ) ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ سَلَّمَ حَدُّ ابْنِ رُشْدٍ إلَّا فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ وَأَمَّا كَوْنُهُ أَخْصَرَ فِي لَفْظِ الْمَبِيعَيْنِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِ الثَّمَنُ وَالْمَثْمُونُ فَظَاهِرٌ مِنْهُ أَنَّهُ سَلَّمَهُ فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَهَلَّا اقْتَصَرَ الشَّيْخُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ بَيْعُ لِأَحَدِ الْمَبِيعَيْنِ وَيَخْتَصِرُ قَوْلَهُ أَوْ بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ كَذَلِكَ (قُلْتُ) الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ إطْلَاقَ الْمَبِيعَيْنِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ غَالِبًا عَلَى الْمَثْمُونِ الثَّانِي أَنَّ التَّجَوُّزَ فِي الرَّسْمِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَمَا أَوْرَدَهُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ صَحِيحٌ وَلَا يُرَدُّ عَلَى حَدِّ الشَّيْخِ لِقَوْلِهِ أَحَدِ الْمَثْمُونَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 [بَابٌ فِي بَيْعِ الثُّنْيَا] قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّمَ ابْنُ رُشْدٍ لَفْظَ الثُّنْيَا فِي بِيَاعَاتِ الشُّرُوطِ الْمُنَافِيَةِ لِلْبَيْعِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ بَيْعُ الشُّرُوطِ الْمُسَمَّاةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بَيْعُ الثُّنْيَا كَالْبَيْعِ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَخَصَّهُ الْأَكْثَرُ بِمَعْنَى قَوْلِهَا فِي بُيُوعِ الْآجَالِ فَمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ مَتَى رَدَّ الثَّمَنَ فَالسِّلْعَةُ لَهُ قَالَ فِيهَا وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا وَتَأَمَّلْ مَا هُنَا مِنْ الْكَلَامِ وَالْبَحْثِ وَمَا أَشَرْنَا إلَى لَفْظِهِ بَعْدُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابٌ فِي بَيْعِ الْعُرْبَانِ] (ع ر ب) : بَابٌ فِي بَيْعِ الْعُرْبَانِ قَالَ الشَّيْخُ فَسَّرَهُ فِي الْمُوَطَّإِ بِإِعْطَاءِ الْمُبْتَاعِ الْبَائِعَ أَوْ الْمُكْرِي دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا عَلَى أَنَّهُ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَهُوَ مِنْ الثَّمَنِ وَإِلَّا بَقِيَ لِلْبَائِعِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا يَصْلُحُ بِهِ التَّعْرِيفُ لِبَيْعِ الْعُرْبَانِ فَيُقَالُ مَا سِرُّ كَوْنِ الشَّيْخِ لَمْ يَبْحَثْ فِيهِ كَمَا بَحَثَ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ مَعَ أَنَّ مَعْرُوضَ النَّهْيِ إنَّمَا هُوَ بَيْعُ الْعُرْبَانِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْإِعْطَاءُ الْمَذْكُورُ وَقَعَ فِي الْبَيْعِ لَا أَنَّهُ نَفْسُ الْبَيْعِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّ الْجَارِي عَلَى مَا قَدَّمَهُ أَنْ يَقُولَ عَقْدٌ أَعْطَى فِيهِ الْمُشْتَرِي إلَخْ وَظَهَرَ فِي سِرِّ تَخْصِيصِ الْأُولَى بِالرَّدِّ جَوَابٌ فِيهِ تَأَمَّلْ وَذَلِكَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْعُرْبَانِ فِي الْبَيْعِ وَوَقَعَ فِي أَبِي دَاوُد أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ» فَعَلَى هَذَا مَعْنَاهُ عُرْبَانِ وَقَعَ فِي الْبَيْعِ وَيَكُونُ التَّفْسِيرُ لِلْعُرْبَانِ لَا لِلْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ عُرْبَانٌ فَالْعُرْبَانُ فِي الْبَيْعِ هُوَ الْإِعْطَاءُ الْمَذْكُورُ وَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ بَحْثٍ سِيَّمَا وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ وَبَيْعُ الْعُرْبَانِ فَسَّرَهُ فِي الْمُوَطَّإِ إلَخْ وَلَا يَخْلُو مِنْ مُسَامَحَةٍ فِي ذَلِكَ لِلْأَقْدَمَيْنِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ زَيْدًا الرَّاوِي قِيلَ لَهُ مَا الْعُرْبَانُ قَالَ هُوَ الرَّجُلُ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ فَيَقُولُ إنْ أَخَذْتُهَا وَإِلَّا رَدَدْتُهَا وَزِدْتُهَا مَعَهَا سِلْعَةً وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعَّفَهُ الشَّيْخُ وَرَمَى رَاوِيهِ بِالْكَذِبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ بِمَنِّهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 [بَابُ بَيْعِ النَّجْشِ] ن ج ش) : بَابُ بَيْعِ النَّجْشِ نَقَلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ قَالَ مَالِكٌ النَّجْشُ أَنْ تُعْطِيَهُ بِسِلْعَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا وَلَيْسَ فِي نَفْسِك شِرَاؤُهَا فَيَقْتَدِي بِك غَيْرُك ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّاجِشَ الَّذِي يَزِيدُ فِي سِلْعَةٍ لِيَقْتَدِيَ بِهِ غَيْرُهُ فَإِنْ (قُلْتَ) ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ سَلَّمَ هَذَيْنِ الرَّسْمَيْنِ مِنْ جِهَةِ صَادِقِيَّةِ الْجِنْسِ عَلَى الْمَحْدُودِ وَالنَّاجِشُ لَا يَصْدُقُ عَلَى بَيْعِ النَّجْشِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ مَا فَسَّرَ بِهِ مَالِكٌ (قُلْتُ) لَيْسَ هُوَ تَفْسِيرٌ لِبَيْعِ النَّجْشِ وَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ لِلنَّجْشِ وَهَذَا مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَلَامِ مَالِكٍ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ بِاللَّازِمِ وَلَمَّا نَقَلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا تَقَدَّمَ قَالَ: وَكَلَامُ الْمَازِرِيِّ أَعَمُّ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ حَسَنٌ وَتَأَمَّلْ لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَأْتِ فِي بَيْعِ النَّجْشِ بِحَدٍّ يَخُصُّهُ وَيَقُولُ بَيْعٌ اشْتَمَلَ عَلَى زِيَادَةٍ إلَخْ. [بَابُ فِي الْأَرْضِ الْمُطَبَّلَةِ] (ء ر ض) : بَابُ فِي الْأَرْضِ الْمُطَبَّلَةِ وَأَرْضِ الْجَزَاءِ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ أَرْضَ الْجَزَاءِ هِيَ الَّتِي وُضِعَ عَلَيْهَا قَدْرٌ مَعْلُومٌ حِينَ إحْيَائِهَا وَالْأَرْضُ الْمُطَبَّلَةُ هِيَ الَّتِي وُضِعَ عَلَيْهَا قَدْرٌ مَعْلُومٌ بَعْدَ إحْيَائِهَا قَالَ وَالْأُولَى كَائِنَةٌ عِنْدَنَا بِتُونُسَ وَالثَّانِيَةُ غَيْرُ كَائِنَةٍ وَهِيَ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا فِي كُتُبِ الْوَثَائِقِ بِأَرْضِ الطَّبْلِ وَالْوَظِيفِ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَوَازَ بَيْعِ الْأَرْضِ الْأُولَى بِشَرْطِ أَدَاءِ الْقَدْرِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ عَامٍ فِي الْعَقْدِ وَالثَّانِيَةِ ذَكَرَ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَتَأَمَّلْ مَا أَشَارَ إلَيْهِ هُنَا وَكَانَ يَمُرُّ لَنَا عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا بَحْثٌ فِي بَعْضِ أَدِلَّتِهِ وَأَلْزَمَهُ بَعْضُ مَا لَا يَقُولُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ. [بَابٌ فِي التَّسْعِيرِ] (س ع ر) : بَابٌ فِي التَّسْعِيرِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " تَحْدِيدُ حَاكِمِ السُّوقِ لِبَائِعِ الْمَأْكُولِ فِيهِ قَدْرًا لِلْمَبِيعِ بِدِرْهَمٍ مَعْلُومٍ " قَوْلُهُ " تَحْدِيدُ " مُنَاسِبٌ لِلْمَحْدُودِ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وَقَوْلُهُ " حَاكِمِ " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ حَاكِمِ السُّوقِ كَمَا إذَا حَدَّدَ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى تَسْعِيرًا وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْحَاكِمِ قَوْلُهُ " لِبَائِعِ الْمَأْكُولِ " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْمَأْكُولِ لِأَنَّهُ لَا يُسَعَّرُ قَوْلُهُ " فِيهِ " يَتَعَلَّقُ بِالْبَائِعِ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى السُّوقِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الظَّرْفِ وَإِلَّا دَخَلَ فِيهِ إذَا حَدَّدَ حَاكِمُ السُّوقِ عَلَى بَائِعِ الْمَأْكُولِ قَدْرًا فِي مَبِيعِهِ فِي غَيْرِ السُّوقِ فَتَأَمَّلْهُ وَقَدْرًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ وَلِلْمَبِيعِ صِفَةٌ لِلْقَدْرِ وَبِدِرْهَمٍ يَتَعَلَّقُ بِالتَّحْدِيدِ (فَإِنْ قُلْتَ) يَدْخُلُ تَحْتَهُ إذَا سَعَّرَ حَاكِمُ السُّوقِ لِلْجَالِبِ مَعَ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا يُسَعِّرُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مَحِلًّا لِلتَّسْعِيرِ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ قَصَدَ التَّسْعِيرَ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ وَهُوَ أَعَمُّ لَا أَنَّهُ قَصَدَ الصَّحِيحَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ بَعْدَ الْحَدِّ فَالْجَالِبُ لَا يُسَعَّرُ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْحَدِّ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْبَائِعِ مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَبِيعَ فِي السُّوقِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [كِتَابُ بُيُوعِ الْآجَالِ] (ب ي ع) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ بُيُوعِ الْآجَالِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " يُطْلَقُ مُضَافًا وَلَقَبًا الْأَوَّلُ مَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ الْعَيْنُ وَمَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ غَيْرَ مَا سُلِّمَ ثُمَّ قَالَ وَالثَّانِي اللَّقَبِيُّ لَقَبٌ لِمُتَكَرِّرِ بَيْعِ عَاقِدِهِ الْأَوَّلِ وَلَوْ بِغَيْرِ عَيْنٍ قَبْلَ اقْتِضَائِهِ " قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُطْلَقُ مُضَافًا وَلَقَبًا أَشَارَ إلَى أَنَّ بُيُوعَ الْآجَالِ لَهُ مَفْهُومَانِ مَفْهُومٌ إضَافِيٌّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ أُضِيفَ إلَى أَجَلٍ وَضِدُّ ذَلِكَ بَيْعُ النَّقْدِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ وَلَهُ مَفْهُومٌ سُمِّيَ فِيهِ بِالْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ وَصَارَ لَقَبًا عَلَى مَعْنًى وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِقَوْلِهِ إمَّا حَدُّهُ مُضَافًا وَإِمَّا حَدُّهُ لَقَبًا وَكَلَامُ الشَّيْخِ هُنَا أَخْصَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي أَصْلَيْهِ وَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْ لَفْظِهِ قَوْلُهُ " الْأَوَّلُ مَا أُجِّلَ " إلَخْ أَيْ الْأَوَّلُ الَّذِي يُطْلَقُ مُضَافًا حَدُّهُ مَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ الْعَيْنُ مَعْنَاهُ الْبَيْعُ الَّذِي أُجِّلَ ثَمَنُهُ الْعَيْنُ وَمَا أُجِّلَ جِنْسٌ وَثَمَنُهُ الْعَيْنُ فَصْلٌ خَرَجَ بِهِ السَّلَمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 لِأَنَّ الْمُؤَجَّلَ فِيهِ لَيْسَ هُوَ الْعَيْنُ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْمَحْدُودُ إنَّمَا هُوَ الْحَقِيقَةُ الْمُتَّحِدَةُ وَالْبُيُوعُ هُنَا هُوَ الْمُضَافُ وَهُوَ جَمْعٌ (قُلْتُ) فِيهِ تَسَامُحٌ وَاضِحٌ (فَإِنْ قُلْتَ) لَمَّا عَرَّفَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْمَعْنَى الْإِضَافِيَّ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ عَرَّفَ الْأُصُولَ بِالْأَدِلَّةِ ثُمَّ عَرَّفَ الْفِقْهَ وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ الْمَدْلُولُ الْإِضَافِيُّ وَالشَّيْخُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ هُنَا (قُلْتُ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَاعَى مَعْنَى الْإِضَافِيَّةِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمُتَضَايِفَيْنِ وَهُمَا مَعْلُومَانِ فَلِذَا ذَكَرَ مَا رَأَيْت (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ يَكُونُ فِي الْعُقْدَةِ الْعَيْنُ وَحْدَهُ مُؤَجَّلًا وَقَدْ يَكُونُ الْمَثْمُونُ مُؤَجَّلًا وَقَدْ يَكُونُ الْأَجَلُ فِي عُقْدَةٍ فِيهَا سَلَمٌ وَثَمَنٌ مُؤَجَّلٌ فَالْأَوَّلُ بَيْعُ أَجَلٍ وَالثَّانِي سَلَمٌ وَالثَّالِثُ هَلْ يُسَمَّى سَلَمًا أَوْ أَجَلًا أَوْ هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا فَإِنْ سُمِّيَ أَجَلًا فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ حَدِّهِ يَكُونُ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ وَإِنْ كَانَ سَلَمًا فَهُوَ وَارِدٌ عَلَى حَدِّ السَّلَمِ وَإِنْ كَانَ مُرَكَّبًا مِنْهُمَا فَهُوَ وَاسِطَةٌ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِقْهًا (قُلْتُ) لَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ هَذِهِ الْعُقْدَةَ اشْتَمَلَتْ عَلَى سَلَمٍ وَبَيْعِ أَجَلٍ فَيَصْدُقُ الرَّسْمُ عَلَى كُلٍّ مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْتَ) يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعُقْدَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (قُلْتُ) لَا يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ وَتَأَمَّلْ كَلَامَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدُ فِي قَوْلِهِ وَرُبَّمَا أَطْلَقَ إلَخْ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الصُّورَةَ الْمُرَكَّبَةَ الْأَصْلُ إطْلَاقُ كُلِّ لَفْظٍ عَلَيْهَا بِمَا يَخُصُّهَا إلَّا إذَا وَقَعَ تَغْلِيبٌ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَرُبَّمَا أَطْلَقَ ثَانِيًا فَتَأَمَّلْهُ فَعَلَى هَذَا كَيْفَ يَصْدُقُ حَدُّهُ عَلَيْهَا (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرُبَّمَا أُطْلِقَ عَلَى مَا أُجِّلَ ثَمَنُ الْعَيْنِ أَنَّهُ سَلَمٌ بِمَجَازِ التَّغْلِيبِ مَا مَوْقِعُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قُلْتُ) مَوْقِعُهُ أَنَّهُ لَمَّا عَرَّفَ بَيْعَهُ الْأَجَلَ وَذَكَرَ خَاصِّيَّةَ ذَلِكَ وَخَاصِّيَّةَ السَّلَمِ فَقَالَ فِي الْأَوَّلِ مَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ الْعَيْنُ وَقَالَ فِي الثَّانِي مَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ غَيْرَ مَا سُلِّمَ وَذَكَرَ الشَّاهِدَ عَلَى الثَّانِي فِيمَنْ أَسْلَمَ طَعَامًا فِي فُلُوسٍ وَالْفُلُوسُ غَيْرُ عَيْنٍ فَكَانَ ذَلِكَ سَلَمًا وَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهَا كَالْعُرُوضِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ يَغْلِبُ السَّلَمُ فِي إطْلَاقِهِ عَلَى مَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ عَيْنًا وَقَدْ يَغْلِبُ الْبَيْعُ عَلَى مَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ غَيْرَ عَيْنٍ وَإِنَّمَا نَبَّهَ بِذَلِكَ لِئَلَّا يُرَدَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ حَدُّك غَيْرُ صَحِيحٍ فِي الطَّرَفَيْنِ فَإِنَّهُ فِيهَا أَطْلَقَ السَّلَمَ عَلَى مَا كَانَ ثَمَنُهُ عَيْنًا مُؤَجَّلًا وَأَطْلَقَ الْبَيْعَ عَلَى مَا كَانَ ثَمَنًا مُؤَجَّلًا غَيْرَ عَيْنٍ فَأَجَابَ بِمَا رَأَيْته مِنْ الْمَجَازِ فِي التَّغْلِيبِ وَأَنَّ التَّغْلِيبَ يَجُوزُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا اجْتَمَعَ مَعَ صَاحِبِهِ فَيُطْلِقُ عَلَيْهِ غَيْرَ اسْمِهِ الْخَاصِّ بِهِ فَانْظُرْ لَفْظَهُ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ سَأَلَ بَعْضُ نُبَلَاءِ الْفُقَهَاءِ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 مَوْقِعِ هَذَا الْكَلَامِ وَاسْتَشْكَلَهُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ وَمَوْقِعُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمَا اسْتَشْكَلَ بِهِ الْمُورِدُ لَا يُرَدُّ لِأَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ تَحَكُّمٌ فِي كَوْنِهِ صَيَّرَ أَحَدَهُمَا سَلَمًا حَقِيقَةً وَبَيْعَةَ أَجَلٍ مَجَازًا وَبِالْعَكْسِ بَلْ قَصْدُهُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ تَدْخُلُ صُورَةُ التَّرْكِيبِ فِي رَسْمِهِ قُلْنَا إنْ صَحَّ التَّغْلِيبُ فِي الصُّورَتَيْنِ فَقَدْ دَخَلَ فِي الرَّسْمِ مَا وَقَعَ التَّغْلِيبُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَغْلِيبٌ فَيُؤْتَى لِكُلِّ عُقْدَةٍ بِمَا يَخُصُّهَا مِنْ رَسْمِهَا فَيُقَالُ وَمَنْ أَسْلَمَ وَبَاعَ عَبْدًا بِمِائَةٍ إلَى شَهْرٍ وَطَعَامًا بِعَبْدٍ إلَى شَهْرٍ وَقَدْ أَشَرْت إلَى مَا يُبْحَثُ فِيهِ قَبْلَ هَذَا (فَإِنْ قُلْتَ) مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ وَمَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ غَيْرَ مَا سُلِّمَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ بِمَا إذَا أَعْطَى دِينَارًا نَقْدًا فِي عَبْدٍ مُعَيَّنٍ إلَى يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمُعَيَّنِ الَّذِي يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ إمَّا جَوَازًا وَإِمَّا مَنْعًا وَذَلِكَ بَيْعٌ لَا سَلَمٌ وَيَصْدُقُ فِيهِ مَا ذُكِرَ مِنْ خَاصِّيَّةِ السَّلَمِ وَكَذَا إذَا بَاعَ دَابَّةً بِنَقْدٍ وَاسْتَثْنَى رُكُوبَهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ (قُلْتُ) لَهُ أَنْ يُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ قَوْلَهُ ثَمَنُهُ الْعَيْنُ وَثَمَنُهُ غَيْرُهَا إعْرَابُهُ أَنَّ الْعَيْنَ صِفَةٌ لِلثَّمَنِ أَوْ بَدَلٌ وَكَذَلِكَ فِي الثَّانِي وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُؤَجَّلَ هُوَ الثَّمَنُ كَانَ عَيْنًا أَوْ غَيْرَهُ وَمَا ذُكِرَ لِمُؤَجَّلٍ هُوَ الْمَثْمُونُ وَفِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى عَلَى نَاظِرِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) أَوْرَدَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى الشَّيْخِ إذَا أَسْلَمَ دِينَارًا فِي ثُبُوتٍ فَإِنَّ هَذَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الرَّسْمُ لِأَنَّ الْمُؤَجَّلَ مَثْمُونٌ لَا ثَمَنٌ فَهَلْ ذَلِكَ صَحِيحٌ أَمْ لَا (قُلْتُ) رُوعِيَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كَأَنَّهُ اشْتَرَى بِغَيْرِ عَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ وَهَذَا فِيهِ بَحْثٌ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْجَوَابِ فِي سُؤَالِ بَيْعِ الْمُعَيَّنِ وَتَأَمَّلْ أَيْضًا الْمَنَافِعَ الْمَضْمُونَةَ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا سَلَمٌ عُرْفًا وَقَدْ أُخْرِجَتْ مِنْ رَسْمِ السَّلَمِ وَهَذَا يَصْدُقُ فِيهَا وَلَعَلَّهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الرَّسْمَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَا يُشِيرُ بِهِ إلَى فَرْقٍ بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ. [بَابٌ فِي شَرْطِ بَيْعِ الْأَجَلِ] (ب ي ع) : بَابٌ فِي شَرْطِ بَيْعِ الْأَجَلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " شَرْطُهُ كَالنَّقْدِ مَعَ تَعْيِينِ الْأَجَلِ نَصًّا أَوْ عُرْفًا " قَوْلُهُ " كَالنَّقْدِ " يَعْنِي كُلُّ مَا يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ النَّقْدِ فَهُوَ شَرْطٌ فِيهِ وَقَدْ قَدَّمَهُ قَوْلُهُ " مَعَ " إلَخْ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَجَلَ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ إمَّا بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْعَادَةِ وَقَدْ ذَكَرَ مَا يَشْهَدُ لِلْعَادَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالثَّانِي لَقَبٌ إلَخْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 مَعْنَاهُ وَالْقِسْمُ الثَّانِي الَّذِي أُطْلِقَ لَقَبًا حَدُّهُ لَقَبًا إلَخْ فَالثَّانِي صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مُقَدَّرٍ وَصِفَتُهُ مَحْذُوفٌ أَيْضًا لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُ مَا ذُكِرَ بَعْدَهُ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي هَذَا الْحَمْلِ وَاللَّقَبُ الْمَذْكُورُ أَطْلَقَهُ عَلَى مَعْنًى كُلِّيٍّ صَيَّرَهُ الشَّيْخُ لِمَعْنًى عَامٍّ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّقَبِ فِي الْإِعْلَامِ وَأَشَارَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَى ذَلِكَ فِي لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ صَحِيحٌ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا فَسَّرْنَا كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِنَا أَمَّا حَدُّ الْمَفْهُومِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِلَفْظِ بُيُوعِ الْآجَالِ لَقَبًا فَلَمْ يَصِرْ عَامًّا اللَّفْظُ اللَّقَبِيُّ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا (قُلْتُ) هَذَا الْمَعْنَى وَقَعَ فِي لَفْظِ شُرَّاحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَتَأَوَّلَهُ فِي أَصْلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّ بُيُوعَ الْآجَالِ كَانَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اللَّقَبُ فَالْبَحْثُ وَاقِعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَإِنْ قُلْتَ) الَّذِي فَهِمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ ذَلِكَ حَدٌّ لَفْظِيٌّ فَهَلْ يُقَرِّرُ عَلَيْهِ كَلَامَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قُلْتُ) يَأْتِي مَا لِلشَّيْخِ مَعَ شَيْخِهِ مِنْ الْبَحْثِ فِي الْمَسْأَلَةِ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ تَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذِكْرِ لَفْظِ اللَّقَبِ فِي هَذَا الرَّسْمِ (قُلْتُ) لِأَنَّهُ لَمَّا تَقَرَّرَ عِنْدَهُ شَرْعًا مَفْهُومَانِ لِبُيُوعِ الْآجَالِ أَحَدُهُمَا لَقَبِيٌّ وَالْآخَرُ إضَافِيٌّ صَحَّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُضَافَ وَالْمُضَافَ إلَيْهِ وُضِعَا عَلَى مَعْنًى مَفْهُومٍ مِنْهُمَا وَهُوَ مَدْلُولُ مَا ذُكِرَ فَنَاسَبَ فِي ذِكْرِ مَا ذُكِرَ وَرُبَّمَا اُسْتُعْمِلَ ذَلِكَ اللَّفْظُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَالذَّبَائِحِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ قَوْلُهُ " لِتَكَرُّرِ بَيْعِ عَاقِدِهِ الْأَوَّلِ " أَخْرَجَ بِهِ عَدَمَ تَكَرُّرِ الْبَيْعِ فِي الْعُقْدَةِ وَتَكَرُّرِهَا مِنْ غَيْرِ عَاقِدِهِ الْأَوَّلِ وَالْأَوَّلِ صِفَةٌ لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ " وَلَوْ بِغَيْرِ عَيْنٍ قَبْلَ اقْتِضَائِهِ " اُحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا إذَا كُرِّرَ مَعَ الْعَاقِدِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الِاقْتِضَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَعْنَى اللَّقَبِيِّ وَقَوْلُهُ (وَلَوْ بِغَيْرِ عَيْنٍ) هِيَ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ بِعَيْنٍ وَبِغَيْرِ عَيْنٍ لِيَدْخُلَ فِيهِ صُورَةُ غَيْرِ الْعَيْنِ كَمَا إذَا بَاعَ فَرَسًا بِعَشَرَةِ أَثْوَابٍ إلَى أَجَلٍ فَيَصْدُقُ الْحَدُّ فِيمَا بَاعَ بِعَيْنٍ إلَى أَجَلٍ أَوْ بَاعَ بِمَثْمُونٍ إلَى أَجَلٍ وَيَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَى فِعْلٍ مِنْ غَيْرِ عَقْدِ سِلْعَةٍ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ مَعَ رَجُلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ قَبْلَ الِاقْتِضَاءِ أَوْ قَبْلَ الْحُلُولِ مَعَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ. (فَإِنْ قُلْتَ) الْمَدْلُولُ الْإِضَافِيُّ هَلْ يَصْدُقُ عَلَى الْمَدْلُولِ اللَّقَبِيِّ أَمْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ (قُلْتُ) لَا يَصْدُقُ مَدْلُولُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْأَصْلِيِّ إلَى أَنَّ الْمَدْلُولَ الْإِضَافِيَّ لُغَةً يَصْدُقُ عَلَى الْمَدْلُولِ اللَّقَبِيِّ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَقَطْ (فَإِنْ قُلْتَ) رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْمَشَايِخِ سُؤَالًا أَوْرَدَهُ عَلَى رَسْمِ الشَّيْخِ اللَّقَبِيِّ وَالْمَوْرِدُ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 تَلَامِذَتِهِ قَالَ فَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ ثَوْبًا عِنْدَ الظُّهْرِ ثُمَّ تَبَايَعَا ثَوْبًا آخَرَ عِنْدَ الْغُرُوبِ قَبْلَ اقْتِضَاءِ ثَمَنِ الْأَوَّلِ فَهَذِهِ صُورَةٌ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ فِي الْآجَالِ وَالرَّسْمُ صَادِقٌ عَلَيْهَا وَأَجَابَ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ بِمَنْعِ دُخُولِهَا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتَكَرَّرْ فِي مَبِيعٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا تَكَرَّرَ الْبَيْعُ لَا الْمَبِيعُ وَالشَّيْخُ قَالَ لَقَبٌ لِمُتَكَرِّرِ بَيْعٍ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لِشَيْءٍ تَكَرَّرَ فِيهِ بَيْعٌ فَهَلْ هَذَا الْجَوَابُ حَسَنٌ. (قُلْتُ) هُوَ حَسَنٌ وَنَاقَشَهُ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ الشَّيْخِ إلَّا أَنَّ فِيهِ عِنَايَةً فَإِنَّ لَفْظَهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ نُبَلَاءِ الطَّلَبَةِ سُؤَالًا قَرِيبًا مِنْ هَذَا السُّؤَالِ وَهُوَ يَقُولُ يَنْظُرُ مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ تَكَرُّرُ الْبَيْعِ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ مَا يُتَأَمَّلُ. (فَإِنْ قُلْتَ) أَوْرَدَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ سُؤَالًا فَقَالَ مِنْ أَيْنَ يُشْتَرَطُ الْأَجَلُ فِي رَسْمِهِ وَبُيُوعُ الْآجَالِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْأَجَلِ (قُلْتُ) ظَهَرَ لِي فِي الْجَوَابِ أَنَّ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ رَاجِعٌ إلَى الْمَعْنَى الْإِضَافِيِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ هُوَ لَفْظٌ لِمَا تَكَرَّرَ فِيهِ الْبَيْعُ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْبَيْعُ الْمُؤَجَّلُ وَهَذَا وَإِنْ صَحَّ الْجَوَابُ بِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ قَصْدُهُ وَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةٍ أُخْرَى. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى مَا يَعُمُّ الْخِلَافُ مِمَّا تَقَعُ فِيهِ التُّهْمَةُ مُطْلَقًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِينَةِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّ أَهْلَ الْعِينَةِ تَقَعُ التُّهْمَةُ فِيهِمْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِالْأَجَلِ لَكِنَّ قَوْلَ الشَّيْخِ قَبْلَ اقْتِضَائِهِ فِي رَسْمِهِ يُضْعِفُ هَذَا الْجَوَابَ. (فَإِنْ قُلْتَ) الصُّوَرُ الَّذِي رَتَّبُوا عَلَيْهَا مَسَائِلَ الْبَيْعِ اللَّقَبِيِّ أَصْلُهَا فِي تَأْجِيلِ الثَّمَنِ (قُلْتُ) قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْبَيْعَتَيْنِ إذَا كَانَتَا نَقْدًا فَلَا تُهْمَةَ فِيهِمَا عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِ الْعِينَةِ وَالتُّهْمَةُ يُحْكَمُ بِهَا فِيهِمْ وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ نَقْدًا وَالثَّانِي مُؤَجَّلًا فَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَجَلَ فِي بَابِ بُيُوعِ الْآجَالِ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ هُوَ فِي مَوَاطِنِ مَظِنَّةِ التُّهْمَةِ وَالرَّسْمُ لِلْمَشْهُورِ وَغَيْرِهِ وَالصَّحِيحُ مِنْهَا وَالْفَاسِدُ كَمَا قَدَّمْنَا وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى ثُمَّ أَنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَكَرَ هُنَا كَلَامًا وَأَبْحَاثًا لَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى بَعْضِهَا لِيَحْصُلَ لِطَالِبِهِ فَهْمُهُ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهَا وَلَمَّا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحَدِّ اللَّقَبِيِّ لَقَبٌ لِمَا يُفْسِدُ بَعْضَ صُوَرِهِ مِنْهَا لِتَطَرُّقِ التُّهْمَةِ بِأَنَّهُمَا قَصَدَا إلَى ظَاهِرٍ جَائِزٌ لِيَتَوَصَّلَا بِهِ إلَى بَاطِنٍ مَمْنُوعٍ حَسْمًا لِلذَّرِيعَةِ فَلْنُنَبِّهْ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ بَعْضِ لَفْظِهِ فَنَقُولُ قَوْلُهُ " لَقَبٌ لِمَا يُفْسِدُ بَعْضَ صُوَرِهِ " أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِبَيْعٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ بَعْضُ الصُّوَرِ الْفَاسِدَةِ مِنْ بُيُوعِ الْآجَالِ وَالصُّوَرُ الْفَاسِدَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا كَانَ بِنَصٍّ مِنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَمِنْهَا مَا مُنِعَ لِلتُّهْمَةِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ كَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 بِعَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِعَشَرَةٍ إلَى أَجَلِهِ نَفْسِهِ فَهِيَ مِنْ الصُّوَرِ الْجَائِزَةِ. وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ إلَى دُونِ الْأَجَلِ فَهِيَ صُورَةٌ فَاسِدَةٌ وَفَسَادُهَا لِأَجْلِ التُّهْمَةِ فَتَكَرُّرُ الْبَيْعِ فِي الْمَبِيعِ الْأَوَّلِ بَيْنَ الْبَيْعَتَيْنِ يَكُونُ فِي بَعْضِهَا صُوَرٌ فَاسِدَةٌ لِلتُّهْمَةِ فَبَيْعُ الْآجَالِ لَقَبٌ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَخْفَاك أَنَّ كَلَامَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَبْيَنُ مِنْ هَذَا فِي حَدِّهِ وَأَحْسَنُ إذَا تَأَمَّلْته وَأَخْصَرُ لَفْظًا إذَا فَهِمْته ثُمَّ نَقَلَ الشَّيْخُ بَحْثَ شَيْخُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسُؤَالَهُ وَجَوَابَهُ وَفَهِمَ مِنْ جَوَابِهِ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ لَمْ يَقْصِدْ تَعْرِيفًا وَإِنَّمَا قَصَدَ بَيَانَ مُسَمَّى اللَّفْظِ عُرْفًا مَعَ دُخُولِ غَيْرِهِ فِيهِ قَالَ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ الْعِلْمِيَّةِ وَلَا شَكَّ فِيمَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ كَذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَى فَهْمِهِ وَكَانَ يَمُرُّ لَنَا فَهْمٌ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَرَاجِعْ لَفْظَهُ وَسُؤَالَهُ وَجَوَابَهُ. وَلَمَّا أَطَالَ الشَّيْخُ فِي بَيَانِ الرَّدِّ عَلَيْهِ قَالَ وَالْأَمْرُ أَجْلَى مِنْ أَنْ يُقَرَّرَ قَالَ وَمَنْ أَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ قَصَدَ التَّعْرِيفَ لَا الْإِخْبَارَ بِقَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ لَا تَنْعَكِسُ كَنَفْسِهَا وَأَشَارَ بِهَذَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ لَفْظَ ابْنِ الْحَاجِبِ إذَا كَانَ الْمَقْصِدُ مِنْهُ الْإِخْبَارَ بِكُلِّيَّةٍ لَا تَنْعَكِسُ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ كَمَا يُقَالُ كُلُّ إنْسَانٍ حَيَوَانٌ وَلَا يَنْعَكِسُ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ نَقْضٌ عَلَى مَنْ أَخْبَرَ فِيمَنْ أَخْبَرْنَا بِهِ وَالسِّيَاقُ وَالْقَصْدُ إنَّمَا هُوَ إعْطَاءُ كُلِّيَّةٍ مُطَّرِدَةٍ مُنْعَكِسَةٍ فَلَا يَصِحُّ جَوَابُهُ بِوَجْهٍ وَاسْتَحْضَرَ هُنَا بَحْثَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الطَّهَارَةِ وَكُلَّ مَا لَا يَفْسُدُ إلَخْ. (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُ الشَّيْخِ قَصْدُهُ التَّعْرِيفُ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ اللَّفْظِيُّ (قُلْتُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَفْظِيًّا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَسْمِيًّا وَأَجَابَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ إيرَادِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي صُوَرِ الصَّرْفِ وَالِاقْتِضَاءِ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي مِنْهَا عَائِدٌ عَلَى بُيُوعِ الْآجَالِ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ النَّقْضِ بِمَسَائِلِ الصَّرْفِ وَالِاقْتِضَاءُ مِنْ ثَمَنِ الطَّعَامِ طَعَامًا فَإِذَا كَانَ الْبَيْعُ نَقْدًا فَلَا يُرَدُّ النَّقْضُ وَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ مَعْنَاهُ بَلْ هُوَ مِنْ مَسَائِلِ بُيُوعِ الْآجَالِ وَلَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا الْجَوَابَ ذَكَرَ أَنَّهُ أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُ الْمَشَارِقَةِ عَلَى لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى بُيُوعِ الْآجَالِ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الدَّوْرُ وَبَيَانُهُ ظَاهِرٌ. وَأَجَابَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّا نَمْنَعُ لُزُومَ الدَّوْرِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ لَا يَعُودُ عَلَى اللَّفْظِ الدَّالِ بِالْمَعْنَى اللَّقَبِيِّ بَلْ بِالْمَعْنَى الْإِضَافِيِّ وَيَكُونُ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ وَذَكَرَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ وَتَأَمَّلْ هَذَا الْجَوَابَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْحَدُّ غَيْرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 مُنْعَكِسٍ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى بُيُوعِ الْآجَالِ بِالْمَعْنَى الْإِضَافِيِّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْحَدُّ خَاصًّا بِمَا يَكُونُ الْمُؤَجَّلُ هُوَ الثَّمَنُ الْعَيْنُ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْنَى الْإِضَافِيُّ فَكَانَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَافِظٌ عَلَى الطَّرْدِ فَأَخَلَّ بِالْعَكْسِ وَقَدْ وَقَعَ لَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَرِيبًا مِنْ هَذِهِ النُّكْتَةِ فِي التَّفْسِيرِ الْمُقَيَّدِ عَنْهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى قَوْله تَعَالَى " {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ} [البقرة: 252] " فَإِنَّهُ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ الْمُضَارِعُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَجَوَّزَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَاضِي بِتَصَوُّرِ تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِذَا كَانَ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيَكُونُ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ أَيْ نَتْلُوا مِثْلَهَا عَلَيْك، وَتَقَدَّمَ لَنَا فِيهِ بَحْثٌ يَأْتِي هُنَا ثُمَّ أَوْرَدَ سُؤَالًا بِأَنَّ شَرْطَ الِاسْتِخْدَامِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ كَالدِّرْهَمَيْنِ فِي قَوْلِنَا عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ أَيْ وَنِصْفُ دِرْهَمٍ آخَرُ مِثْلُهُ وَهُنَا الْمَعْنَى مُتَغَايِرٌ. وَلَفْظُ بُيُوعِ الْآجَالِ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ لَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ وَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِجَوَابِ قِفْ عَلَيْهِ فَفِيهِ مَا يُبْحَثُ فِيهِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ أَهْلِ الْبَيَانِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَفَعَ بِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَتِهِ بِمَنِّهِ بَابُ مَا يَجْمَعُ الْمَمْنُوعَ فِي الْمَعْنَى اللَّقَبِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ طَرِيقَانِ إجْمَالِيٌّ وَتَفْصِيلِيٌّ فَالْإِجْمَالِيُّ قَالَ فِيهِ الْمَازِرِيُّ ضَابِطُهُ إلْغَاءُ الْمَبِيعِ ثَوْبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِرُجُوعِهِ لِبَائِعِهِ وَاعْتِبَارُ مَا خَرَجَ مِنْ الْيَدِ وَلَمْ يَعُدْ وَمَا أُخِذَ مِنْهُ فَإِنْ صَحَّ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَانْظُرْ مَا أَوْرَدَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مَا يُمْنَعُ فِيهِ اقْتِضَاءُ الطَّعَامِ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَمَا يَجُوزُ] ُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضَابِطُهُ جَعْلُ الْمُقْتَضِي ثَمَنًا لِلْمَبِيعِ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ الطَّعَامَ الْمُقْتَضِي صَيَّرَهُ ثَمَنًا لِلْمَبِيعِ فَإِنْ جَازَ بَيْعُهُ بِهِ جَازَ وَإِلَّا مُنِعَ فَإِذَا بَاعَ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ أَخَذَ طَعَامًا عِنْدَ الْأَجَلِ أَوْ قَبْلَهُ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ فَلَا يَجُوزُ لِدُخُولِ الرِّبَا فِيهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ صِنْفِهِ وَقَدْرِهِ وَقَدْ حَلَّ الْأَجَلُ جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ وَاقْتِضَاءُ الطَّعَامِ مِنْ ثَمَنِ الطَّعَامِ لَا يَجُوزُ لِأَجْلِ مَا ذُكِرَ قَالَ الشَّيْخُ وَلِذَا اُمْتُنِعَ أَخْذُ الطَّعَامِ عَنْ كِرَاءِ أَرْضٍ بِعَيْنٍ يَعْنِي لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالطَّعَامِ وَيَجُوزُ إذَا بَاعَ طَعَامًا نَقْدًا بِثَمَنٍ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهُ زَيْتًا نَقْدًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 [بَابُ الْعِينَةِ] ع ي ن) : بَابُ الْعِينَةِ نَقَلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ أَبِي عُمَرَ أَنَّهُ عَرَّفَ بَيْعَ الْعِينَةِ " بِبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك " قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ أَخَصُّ مِمَّا ذَكَرَهُ وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ لِأَنَّ مَنْ بَاعَ طَعَامًا فِي ذِمَّتِهِ عَلَى الْحُلُولِ فَهُوَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك وَلَيْسَ مِنْ الْعِينَةِ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ الْبَيْعُ الْمُتَحَيَّلُ بِهِ إلَى دَفْعِ عَيْنٍ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا مِثَالُ ذَلِكَ إذَا بَاعَ سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَى السِّلْعَةَ بِخَمْسَةٍ نَقْدًا فَإِنْ السِّلْعَةُ رَجَعَتْ إلَى يَدِ صَاحِبِهَا وَدَفَعَ خَمْسَةً يَأْخُذُ عَنْهَا عَشَرَةً عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَصَدَّقَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَمَا شَابَهَهَا أَنَّ فِيهَا بَيْعًا مُتَحَيَّلًا بِهِ إلَى دَفْعِ عَيْنٍ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْبَيْعِ جِنْسُ الْبَيْعِ لِأَنَّ التَّحَيُّلَ وَقَعَ مِنْ بَيْعَيْنِ وَصُوَرُ الْعِينَةِ حَصَرُوهَا فِي مَسَائِلَ وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا التَّشْدِيدُ وَالْوَعِيدُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا النَّاسُ تَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَلَاءً فَلَا يُرْفَعُ عَنْهُمْ حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُمْ» اللَّهُمَّ لَا تُهْلِكْنَا بِسُوءِ فِعْلِنَا وَلَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا وَلَقَدْ وَاَللَّهِ كَثُرَ خُبْثُنَا وَقَلَّ حَيَاؤُنَا مِنْ رَبِّنَا وَمَا ذَكَرَهُ رَحِمَهُ فِي رَسْمِهِ حَسَنٌ وَاضِحٌ سَنِيٌّ وَمَعْنًى جَلِيٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ بَيْعِ الْخِيَارِ] (خ ي ر) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ بَيْعِ الْخِيَارِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْعُ الْخِيَارِ " بَيْعٌ وُقِّفَ بَتُّهُ أَوَّلًا عَلَى إمْضَاءٍ يُتَوَقَّعُ " قَوْلُهُ " بَيْعٌ " هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْإِضَافِيُّ فِيهِ وَلَا يَكُونُ كَبُيُوعِ الْآجَالِ وَصَرَّحَ هُنَا بِالْجِنْسِ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ بَلْ مَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ الْعَيْنُ وَيَشْمَلُ بَيْعَ الْبَتِّ وَالْخِيَارِ قَوْلُهُ " وُقِّفَ بَتُّهُ أَوَّلًا " أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْبَتَّ الْأَوَّلَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 إمْضَاءٍ يَأْتِي فَأَخْرَجَ بَيْعَ الْبَتِّ قَالَ الشَّيْخُ وَيَخْرُجُ ذُو الْخِيَارِ الْحُكْمِيِّ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْحَدِّ لِأَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي فِيهِ خِيَارٌ حُكْمِيٌّ لَمْ يَتَوَقَّفْ بَتُّهُ أَوَّلًا عَلَى إمْضَاءٍ مُتَوَقَّعٍ فَيُقَالُ فِي الْحُكْمِيِّ بَيْعٌ آلَ إلَى خِيَارٍ لَا أَنَّهُ بَيْعٌ بُنِيَ عَلَى خِيَارٍ (فَإِنْ قُلْتَ) وَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُقَيِّدَ الْمَحْدُودَ بِقَوْلِنَا بَيْعُ الْخِيَارِ الشَّرْطِيِّ (قُلْتُ) لَا لِأَنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْحُكْمِيِّ. (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَلْ بَنَى حَدَّهُ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ مُنْعَقِدٌ حَتَّى يَنْحَلَّ أَوْ مُنْحَلٌّ حَتَّى يَنْعَقِدَ (قُلْت) الْمُقَرَّرُ أَنَّهُ مُنْعَقِدٌ لَا أَنَّهُ مُنْحَلٌّ حَتَّى يَنْعَقِدَ فَلِذَا عَرَّفَهُ بِمَا رَأَيْت (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ عَلِمْت مَا فِي الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا فَالْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الشَّيْخِ أَنْ يَحُدَّهُ عَلَى الرَّأْيَيْنِ وَقَدْ قَدَّمْنَا لَهُ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ صَحِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مُنْحَلٌّ حَتَّى يَنْعَقِدَ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَكْثَرُ مَسَائِلِهِمْ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ وَقَعَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَالُوا إنَّ الْخِيَارَ فِي الصَّرْفِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَبَنَوْا ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُنْعَقِدٌ (قُلْتُ) لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ وَأَقَلُّهُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ الْمُوَاعَدَةِ وَفِيهَا مَا هُوَ مَعْلُومٌ وَيُقَوِّي السُّؤَالَ عَلَى الْحَدَّانِ الشَّيْخُ ذَكَرَ بَعْدَ طَرِيقَيْنِ الْأُولَى ذَكَرَ فِيهَا قَوْلَيْنِ بِالْعَقْدِ وَالْحَلِّ وَالثَّانِيَةُ ذَكَرَ فِيهَا الِاتِّفَاقَ عَلَى الْحَلِّ وَالْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ مُمْضًى مِنْ يَوْمِ نَزَلَ أَوْ مِنْ يَوْمِ أَمْضَى (فَإِنْ قُلْتَ) وُقِّفَ بَتُّهُ هَلْ هُوَ بِأَمْرٍ لَفْظِيٍّ أَوْ أَعَمَّ مِنْ اللَّفْظِيِّ وَالْعُرْفِيِّ وَالْحَالِيِّ (قُلْتُ) الظَّاهِرُ عُمُومُ ذَلِكَ فَيَدْخُلُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ وَأَنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ لِأَنَّ الرَّسْمَ لِلْأَعَمِّ مِنْ الْمَشْهُورِ. (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يُرَدُّ عَلَى الشَّيْخِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ صُورَةُ بَيْعِ الثُّنْيَا بَعْدَ الْعَقْدِ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي إنْ أَتَيْتنِي بِالثَّمَنِ فَالسِّلْعَةُ رَدٌّ عَلَيْك أَيُّهَا الْبَائِعُ وَقَدْ نَصَّ عَلَى جَوَازِهَا أَصْبَغُ فَيَصْدُقُ فِيهَا أَنَّهُ بَيْعٌ وُقِّفَ بَتُّهُ أَوَّلًا عَلَى إمْضَاءٍ يُتَوَقَّعُ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ فِي إمْضَاءِ مَا وَقَعَ مِنْ الْمُشْتَرِي. (قُلْتُ) جَوَابُ هَذَا السُّؤَالِ إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى مَا فَهِمَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَيْعِ الثُّنْيَا لِأَنَّهُ قَالَ مَنْ أَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ الْتِزَامَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ إنْ كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي عُدَّ مِنْهُ الْبَتُّ وَالْبَائِعُ عَلَى خِيَارٍ فَيَلْزَمُ ضَرْبُ الْأَجَلِ فِيهَا لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ صَحَّ كَلَامُ الشَّيْخِ هَذَا فَنَقُولُ إنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مِنْ بَيْعِ الْخِيَارِ لَكِنَّ فِيهَا ثَنْيًا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مَا ذَكَرَهُ فَنَقُولُ إنَّمَا ذَلِكَ وَعْدٌ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْقَفَهُ عَلَى سَبَبٍ لَا أَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ فِيهِ خِيَارٌ وَإِنَّمَا هُوَ وَعْدٌ بِبَيْعٍ وَلِذَا إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي اخْتَلَفُوا هَلْ يُسْقِطُ ذَلِكَ اللُّزُومَ أَمْ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 فَقَالَ ابْنُ تَلِيدٍ أَنَّ حُكْمُهُ حُكْمُ الْهِبَةِ وَقَالَ غَيْرُهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعِدَّةِ وَتَأَمَّلْ مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ بِمَنِّهِ (فَإِنْ قُلْتَ) نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ الْفَلَّاحِيِّ أَنَّهُ أَوْرَدَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هِبَةَ الثَّوَابِ يَصْدُقُ الرَّسْمُ عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ بِبَيْعِ خِيَارٍ فَالْحَدُّ غَيْرُ مَانِعٍ (قُلْتُ) نُقِلَ عَنْ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ هِبَةَ الثَّوَابِ إذَا هَلَكَ الْعِوَضُ فِيهَا يَكُونُ الضَّمَانُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهُ بَتٌّ أَوَّلًا. وَحَاصِلُ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّهُ مَنَعَ صِدْقَ الرَّسْمِ وَأَنَّ الْهِبَةَ فِيهَا وَقْفٌ بَلْ فِيهَا بَتٌّ وَدَلِيلُهُ مَا ذُكِرَ وَأَجَابَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنْ قَالَ لَنَا أَنْ نَقُولَ الْخِيَارُ هُنَا حُكْمِيٌّ لَا شَرْطِيٌّ (قُلْتُ) هَذَا لَا يُنَافِي الْأَوَّلَ إذَا تَأَمَّلْته بَلْ يَرْجِعُ إلَيْهِ مَعْنًى وَهُوَ لَازِمُهُ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُزَادَ بِثَمَنٍ مُسَمًّى لِيُخْرِجَ صُورَةَ الْهِبَةِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي الْجَوَابَيْنِ تَأَمُّلٌ. [بَابُ دَلِيلِ رَفْعِ الْخِيَارِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " قَوْلٌ وَفِعْلٌ الْمَازِرِيُّ وَتَرْكٌ هُوَ عَدَمُهُمَا " قَوْلُهُ " قَوْلٌ " الْقَوْلُ وَاضِحٌ وَالْفِعْلُ يَأْتِي رَسْمُهُ قَوْلُهُ " وَتَرْكٌ هُوَ عَدَمُهُمَا " مَعْنَاهُ عَدَمُ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ كَمَا إذَا بَقِيَ الْمَبِيعُ عَلَى خِيَارٍ بِيَدِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ أَمَدِهِ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْخِيَارَ. [بَابٌ فِي الْفِعْلِ الدَّالِ عَلَى إسْقَاطِ الْخِيَارِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مَا خُصَّ صُدُورُهُ بِالْمَالِكِ " قَوْلُهُ " مَا خُصَّ " أَيْ فِعْلٌ خُصَّ صُدُورُهُ بِالْمَالِكِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ كَنَظَرِ فَرْجِ الْأَمَةِ لِلتَّلَذُّذِ وَتَزْوِيجِ الْأَمَةِ وَتَجْرِيدِهَا لِلَّذَّةِ وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ الْأَمَةَ أَوْ الْعَبْدَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ أَوْ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ سُبْحَانَهُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [كِتَابُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ] (ر د د) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الرَّدُّ بِالْعَيْبِ لَقَبٌ لِتَمَكُّنِ الْمُبْتَاعِ مِنْ رَدِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 مَبِيعِهِ عَلَى بَائِعِهِ لِنَقْصِهِ عَنْ حَالَةٍ بِيعَ عَلَيْهَا غَيْرِ قِلَّةِ كَمَيِّتِهِ قَبْلَ ضَمَانِهِ مُبْتَاعَهُ " قَوْلُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَقَبٌ مَعْنَاهُ كَمَا قَدَّمْنَا فِي بُيُوعِ الْآجَالِ (فَإِنْ قُلْتَ) وَهَلْ يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهُ مَعْنًى لَقَبِيًّا وَمَعْنًى غَيْرَ لَقَبِيٍّ (قُلْتُ) الْمَبِيعُ بِالْعَيْبِ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنًى إضَافِيٍّ وَعَلَى الْمَعْنَى اللَّقَبِيِّ وَاللَّقَبِيُّ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ وَالْإِضَافِيُّ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ فَالرَّدُّ مَعْلُومٌ وَهُوَ النَّقْضُ وَالْمَبِيعُ مَعْلُومٌ وَالْمَعْنَى مِنْ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ نَقْضُ الْمَبِيعِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ فَالْمَعْنَى الْإِضَافِيُّ غَيْرُ الْمَعْنَى اللَّقَبِيِّ لِأَنَّ التَّمْكِينَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ النَّقْضِ غَيْرُ نَقْضِ الْبَيْعِ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ كَمَا قَالَهُ فِي بَيْعِ الْآجَالِ يُطْلَقُ مُضَافًا وَيُطْلَقُ لَقَبًا. (قُلْتُ) لَمَّا كَانَ بُيُوعُ الْآجَالِ مُضَافًا لَهُ مَسَائِلُ فِقْهِيَّةٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْكُتُبِ حَسَنٌ مِنْ الشَّيْخِ ذِكْرُ الْحَدَّيْنِ وَلَمَّا كَانَ رَدُّ الْبَيْعِ أَيْ نَقْضُهُ بِالْمَعْنَى الْإِضَافِيِّ لَمْ يَذْكُرُوا مَسَائِلَهُ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا مَسَائِلَ حَالَةِ تَمْكِينِ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ صَحَّ لِلشَّيْخِ أَنْ يَذْكُرَ الْمَعْنَى اللَّقَبِيَّ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ الَّذِي تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ بِهَذَا اللَّقَبِ (فَإِنْ قُلْتَ) تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ أَنَّ الشَّيْخَ رَاعَى الْمَعْنَى الْإِضَافِيَّ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ لَقَبٌ وَهُنَا بِالْعَكْسِ (قُلْتُ) ذَلِكَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ مُمَانِعٌ لِبَيْعِ الْبَتِّ يَعُمُّهُمَا الْبَيْعُ فَصَحَّ حَدُّهُ بِمَا ذُكِرَ لِصَادِقِيَّةِ الْبَيْعِ الْأَعَمِّ عَلَيْهِ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْفَقِيهِ مَا ذُكِرَ (فَإِنْ قُلْتَ) كَثِيرًا مَا يَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ هَلْ هُوَ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ أَوْ نَقْضُ بَيْعٍ وَرُبَّمَا يُعَبِّرُونَ بِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ وَهَلْ هُوَ مِنْ أَصْلِهِ أَمْ لَا قَوْلَانِ وَالْحَدُّ لَا بُدَّ أَنْ يَصْدُقَ عَلَى كُلِّ قِسْمٍ مِنْ الْأَقْسَامِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّمْكِينُ مِنْ الرَّدِّ صَادِقًا عَلَى كُلٍّ وَالتَّمْكِينُ مِنْ الرَّدِّ غَيْرُ نَقْضِ الْبَيْعِ وَغَيْرُ ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ. (قُلْتُ) لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى التَّمْكِينَ الْمَذْكُورَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَهَلْ حُكْمُهُ شَرْعًا حُكْمُ الرَّدِّ أَوْ حُكْمُهُ حُكْمُ النَّقْضِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فَرَّعُوا عَلَيْهِ مِنْ مَسَائِلِهِمْ إذَا هَلَكَتْ السِّلْعَةُ الْمَبِيعَةُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ رَدِّهَا وَبَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ رَدِّهَا بِحُكْمٍ أَوْ قِيَامِ شَهَادَةٍ قِيلَ الضَّمَانُ فِيهَا مِنْ بَائِعِهَا وَقِيلَ مِنْ مُشْتَرِيهَا وَقَدْ بَحَثَ فِي الْإِجْرَاءِ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَحِلِّهِ (قَوْله) تَمْكِينُ الْمُشْتَرِي جِنْسٌ وَوُجِدَ بِخَطِّ بَعْضِ مَشَايِخِ الْعَصْرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ اُنْظُرْ هَلْ يَرُدُّ عَلَى عَكْسِهِ رَدُّ الْوَارِثِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ سِلْعَةً وَوَجَدَ فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وَارِثُهُ عَيْبًا فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى الْوَارِثِ مُشْتَرٍ وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَكَذَا عِنْدِي إذَا قَامَ بِالْعَيْبِ وَكِيلُ الْمُشْتَرِي فَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ أَوْ نَائِبُهُ فِي الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (قَوْله) " مَنْ رَدَّ مَبِيعَهُ " فَصْلٌ وَالْمَبِيعُ أَخْرَجَ بِهِ إذَا رَدَّ غَيْرَ مَبِيعِهِ قَوْلُهُ " لِنَقْصِهِ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا أَقَالَهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمَبِيعِ فَإِنَّ لَهُ رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ قَوْلُهُ " عَنْ حَالَةٍ بِيعَ عَلَيْهَا " أَخْرَجَ بِهِ النَّقْصَ عَنْ غَيْرِ الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُهُ " غَيْرِ قِلَّةِ كَمَيِّتِهِ " صِفَةٌ لِحَالَةٍ أَخْرَجَ بِهِ صُورَةَ اسْتِحْقَاقِ الْحِلِّ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي قَوْلُهُ " قَبْلَ ضَمَانِهِ " يَتَعَلَّقُ بِالنَّقْصِ وَمُبْتَاعُهُ فَاعِلٌ بِالْمَصْدَرِ وَلَمْ يَقُلْ قَبْلَ بَيْعِهِ بَلْ قَبْلَ ضَمَانِهِ لِيَدْخُلَ فِي ذَلِكَ حَادِثُ الْعَيْبِ فِي الْغَائِبِ وَالْمُوَاضَعَةِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ الْبَائِعِ وَالنَّقْصُ وَاقِعٌ فِي الْمَبِيعِ وَهُوَ فِي ضَمَانِهِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ حَدِّهِ فَيَدْخُلُ حَادِثُ النَّقْصِ فِي الْغَائِبِ وَالْمُوَاضَعَةِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَبَتِّ الْخِيَارِ لَا الرَّدِّ لِاسْتِحْقَاقِ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ أَوَّلًا وَبَيَّنَّا بِهِ كَلَامَهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (فَإِنْ قُلْتَ) الرَّدُّ بِالْعَيْبِ يُعَبِّرُ بِهِ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَسَائِلِ الْعُيُوبِ فِي الْمَبِيعِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ رَدِّ الْمَبِيعِ أَوْ الرُّجُوعِ بِالْعَيْبِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ إذَا كَانَ يَسِيرًا فِي الدُّورِ وَمَا شَابَهَهَا وَاللَّقَبُ الْمَذْكُورُ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ التَّمْكِينِ مِنْ رَدِّ الْمَبِيعِ أَوْ التَّمَكُّنِ مِنْ الرُّجُوعِ بِمَا يَنُوبُ الْعَيْبَ إذَا وَقَعَ الْفَوَاتُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (قُلْتُ) لَا بُدَّ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَاعَى مَعْنًى أَخَصَّ وَهُوَ التَّمَكُّنُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّ الْآخَرَ إنَّمَا هُوَ الْقِيَامُ بِعَيْبٍ وَفِيهِ بَحْثٌ وَكَذَلِكَ يَتَأَمَّلُ ذِكْرَ الرَّدِّ فِي الْحَدِّ مَعَ أَنَّ الْمَحْدُودَ فِيهِ الرَّدُّ وَبَعْدَ أَنْ قَيَّدْتُ مَا ذَكَرْتُ وَقَفْتُ عَلَى بَحْثٍ لِلشَّيْخِ الْوَانُّوغِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ) مَا مَعْنَاهُ قَدْ يُقَالُ أَنَّ حَدَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ الْمَبِيعِ إذَا فَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِعِتْقٍ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا قَدَّمْنَا (قَالَ) وَيُعْتَرَضُ أَيْضًا بِمَا إذَا بِيعَ عَلَى عِدَّةِ أَذْرُعٍ فَوَجَدَ دُونَهَا فَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ تَحْتَ الْحَدِّ لِأَنَّهُ قَالَ غَيْرِ نَقْصِ كَمَيِّتِهِ ثُمَّ قَالَ لَا يُقَالُ هَذِهِ الصُّورَةُ اسْتِحْقَاقٌ قَالَ لِأَنَّ حَدَّ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَنْطَبِقُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ قَالَ رَفْعُ مِلْكٍ إلَخْ قَالَ لِأَنَّ هَذَا النَّاقِصَ لَا يُقَالُ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَعَلَى صِحَّةِ إطْلَاقِ الشَّيْءِ مَجَازًا عَلَيْهِ لَمْ يُتَيَقَّنْ فِيهِ مِلْكٌ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ يُقَالُ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَدُّ الْمُتَرْجَمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حَدَّهُ لَقَبًا وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا فِيهِ إلَّا عَلَى مَا يُوجِبُ الرَّدَّ أَوْ التَّمْكِينَ لَا عَلَى التَّمْكِينِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ قَالَ مَا يُصَحِّحُ التَّمْكِينَ أَوْ مَا أَوْجَبَ تَمْكِينَ الْمُشْتَرِي لَكَانَ أَوْلَى وَفِي الْجَمِيعِ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 كَلَامَهُ هَذَا وَمَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ فَمَا قَالَهُ الْمُعْتَرِضُ غَيْرُ لَازِمٍ وَإِنْ ثَبَتَ مَا قَالَهُ الْمُعْتَرِض فَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَإِلَّا فَكُلُّ مَا ذَكَرَاهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ اُسْتُعْمِلَ لِمَا يُوجِبُ الرَّدَّ وَلِلتَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَانْظُرْهُ مَعَ مَا شَرَحْنَا بِهِ رَسْمَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ] (غ ش ش) : بَابُ الْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ الْغِشُّ وَالتَّدْلِيسُ فِي الْبَيْعِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " إبْدَاءُ الْبَائِعِ مَا يُوهِمُ كَمَالًا فِي مَبِيعِهِ كَاذِبًا أَوْ كَتْمُ عَيْبِهِ " قَوْلُهُ " إبْدَاءُ الْبَائِعِ " بِمَعْنَى إظْهَارِ الْبَائِعِ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ بَاعَ غُلَامًا فِي ثَوْبِهِ أَثَرُ مِدَادٍ وَبِيَدِهِ قَلَمٌ وَدَوَاةٌ وَذَلِكَ يُوهِمُ كَمَالًا فِي الْعَقْلِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ أُمِّيٌّ فَقَدْ غَشَّهُ بِذَلِكَ وَهَذَا مِنْ التَّغْرِيرِ الْفِعْلِيِّ وَهُوَ مِنْ الْغِشِّ كَمَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ وَانْظُرْ هَذَا الرَّسْمَ فِي التَّدْلِيسِ مَعَ رَسْمِهِ فِي الْغِشِّ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ وَتَأَمَّلْ النِّسْبَةَ بَيْنَ التَّدْلِيسِ وَالْغِشِّ هُنَاكَ وَظَاهِرُهُ هُنَا التَّرَادُفُ وَتَأَمَّلْ مَا سِرُّ تَعْبِيرِهِ هُنَا بِمَا رَأَيْت وَفِي الْمُرَابَحَةِ عَبَّرَ عَنْ الْغِشِّ بِمَا تَقِفُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ بَعْدُ وَالتَّغْرِيرُ الْفِعْلِيُّ قَالَ ابْنُ شَاسٍ هُوَ أَنْ يَفْعَلَ بِالْمَبِيعِ فِعْلًا يَظُنُّ بِهِ الْمُشْتَرِي كَمَالًا فَلَا يُوجَدُ زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ كَتَلْطِيخِ الثَّوْبِ بِالْمِدَادِ قَالَ الشَّيْخُ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْبَائِعَ فَعَلَهُ ثُمَّ ذَكَرَ تَصْوِيرَ الْمَازِرِيِّ قَالَ عَنْهُ كَمَنْ بَاعَ غُلَامًا فِي ثَوْبِهِ أَثَرُ الْمِدَادِ وَبِيَدِهِ الدَّوَاةُ وَالْقَلَمُ فَإِذَا بِهِ أُمِّيٌّ وَبَعْدَ هَذَا قَالَ الشَّيْخُ وَتَصْوِيرُ الْمَازِرِيِّ أَبْيَنُ يَعْنِي مِنْ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَمَنْ تَبِعَهُ لِأَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي مَعْنَى كَلَامِهِمَا هَذَا إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْبَائِعَ فَعَلَهُ أَوْ أَمَرَ بِهِ لِاحْتِمَالِ فِعْلِهِ الْعَبْدُ دُونَ إذْنِ سَيِّدِهِ لِكَرَاهِيَةِ بَقَائِهِ فِي مِلْكِهِ وَكَلَامُ الْمَازِرِيِّ لَا يُحْوِجُ إلَى ذَلِكَ التَّقْيِيدِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابٌ فِيمَا يُهَدِّدُ فِي حَقِّ الْمُدَلِّسِ بِسَبَبِ تَدْلِيسِهِ] ِ قَالَ مَا مَعْنَاهُ مَا حَدَثَ بِمَعِيبٍ بِسَبَبِ مَا دَلَّسَ بِهِ فِيهِ أَوْ حِينَ فِعْلِهِ الْمَبِيعَ أَوْ مِنْ مُعْتَادٍ فِيهِ مِثَالُ الْأَوَّلِ إذَا دَلَّسَ بِحَمْلِهَا فَمَاتَتْ مِنْ النِّفَاسِ وَكَذَلِكَ إذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي قَطْعِ الثَّوْبِ بِمُعْتَادٍ اُنْظُرْهُ وَتَأَمَّلْ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ مَعَ مَا هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 [بَابُ الْبَرَاءَةِ] ب رء) : بَابُ الْبَرَاءَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " تَرْكُ الْقِيَامِ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ " قَوْلُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرْكُ مَصْدَرٌ يُنَاسِبُ بَرَاءَةَ الْمُشْتَرِي وَاحْتَرَزَ بِقَدِيمٍ مِنْ الْحَادِثِ وَقَوْلُهُ " الْقِيَامِ بِعَيْبٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْقِيَامَ لَا بِعَيْبٍ كَتَرْكِ الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ إبْرَاءٌ عُرْفًا لَا بَرَاءَةٌ عُرْفِيَّةٌ قَوْلُهُ " قَدِيمٍ " أَخْرَجَ بِهِ تَرْكَ الْقِيَامِ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ فَإِنَّهُ لَا قِيَامَ لَهُ وَلَيْسَ بَرَاءَةٌ مَعْهُودَةٌ شَرْعِيَّةٌ (فَإِنْ قُلْتَ) يَصْدُقُ حَدُّ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَنْ بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ ثُمَّ تَرَكَهُ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُقَالُ فِي ذَلِكَ بَيْعُ بَرَاءَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ بَيْعَ الْبَرَاءَةِ إنَّمَا هُوَ تَرْكُ الْقِيَامِ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ (قُلْتُ) يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ بَيْعُ الْبَرَاءَةِ ثُمَّ حَدُّ الْبَرَاءَةِ وَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ تَعْرِيفُ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَى تَرْكِ الْقِيَامِ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَفِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى وَقَدْ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْمَشَايِخِ مِنْ تَلَامِذَتِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ أَوْرَدَ عَلَى الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْبَرَاءَةَ شَرْطُ تَرْكِ الْقِيَامِ لَا تَرْكِ الْقِيَامِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي قِيَامٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيْعَ بَرَاءَةٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَأَجَابَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا نُقِلَ عَنْهُ فِي نَصِّ النَّاقِلِ بِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ لِزِيَادَةِ شَرْطٍ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ مَلْزُومُ تَرْكِ الْقِيَامِ وَمَلْزُومُهُ هُوَ الشَّرْطُ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِاللُّزُومِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى التَّصْرِيحِ بِهِ هَذَا لَفْظُهُ فَتَأَمَّلْ جَوَابَهُ فَإِنَّ فِيهِ عِنَايَةً ظَاهِرَةً وَقَوْلُ الشَّيْخِ الْقَدِيمِ يَدُلُّ عَلَى مَعْرِفَتِهِ وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (فَإِنْ قُلْتَ) الْوَاقِعُ فِي أَلْفَاظِ الْفُقَهَاءِ وَفِيهَا بَيْعُ الْبَرَاءَةِ وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى عُقْدَةٍ مِنْ بَائِعٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَيْبٍ فِي مَبِيعِهِ يَقْتَضِي عَدَمَ قِيَامِ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ بِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَلَمْ يَعْرِفْ الشَّيْخُ مَا وَقَعَ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ فَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ بَيْعُ الْبَرَاءَةِ بَيْعٌ تُرِكَ فِيهِ الْقِيَامُ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ (قُلْتُ) هَذَا صَحِيحٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَنَّهُ عَرَّفَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْعَيْبِ فِي بَيْعِ الْبَرَاءَةِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ عُلِمَ بَيْعُ الْبَرَاءَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَعْمَالِ الْبَرَاءَةِ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا اخْتِلَافًا شَدِيدًا فَأَيُّ قَوْلٍ يَتَنَاوَلُهُ الرَّسْمُ (قُلْتُ) الرَّسْمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 صَادِقٌ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ يَلِيقُ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) السُّنَّةُ فِي بَيْعِ الْبَرَاءَةِ عُمُومُهَا فِي كُلِّ عَيْبٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فَيُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ فِي الرَّسْمِ تَرْكُ الْقِيَامِ بِكُلِّ عَيْبٍ (قُلْتُ) لَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بَلْ ذَلِكَ يَعُمُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي قَدْرِ مَنَابِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ مِنْ ثَمَنِ الْمَعِيبِ] (ع ي ب) : بَابٌ فِي قَدْرِ مَنَابِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ مِنْ ثَمَنِ الْمَعِيبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " جُزْؤُهُ الْمُسَمَّى لِلْخَارِجِ مِنْ تَسْمِيَةِ فَضْلِ قِيمَتِهِ سَلِيمًا مِنْهُ عَلَى قِيمَتِهِ مَعِيبًا بِهِ يَوْمَ ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ الْمَبِيعَ مِنْ قِيمَتِهِ سَلِيمًا " قَوْلُهُ (جُزْؤُهُ الْمُسَمَّى لِلْخَارِجِ) الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى ثَمَنِ الْمَعِيبِ وَالْمُسَمَّى صِفَةٌ بِمَعْنَى النَّظِيرِ وَلِلْخَارِجِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُسَمَّى وَمِنْ تَسْمِيَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْخَارِجِ وَضَمِيرُ قِيمَتِهِ يَعُودُ عَلَى الْمَعِيبِ وَضَمِيرُ مِنْهُ عَائِدٌ عَلَى الْعَيْبِ وَعَلَى قِيمَتِهِ يَتَعَلَّقُ بِفَضْلِ وَبِهِ يَعُودُ عَلَى الْعَيْبِ وَيَوْمَ ضَمَانِ مَعْمُولٌ لِلْقِيمَةِ وَمِنْ قِيمَتِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّسْمِيَةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ إذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي التَّمَسُّكَ بِالْمَعِيبِ بَعْدَ حُدُوثِ عَيْبٍ عِنْدَهُ إمَّا مُفِيتٌ أَوْ مُتَوَسِّطٌ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ سَلِيمًا وَيُقَوَّمُ مَعِيبًا ثُمَّ يُؤْخَذُ فَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ فَضْلُ السَّالِمِ عَلَى الْمَعِيبِ وَيُسَمَّى مِنْ قِيمَةِ السَّلِيمِ وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنَّا إذَا قَوَّمْنَا مَثَلًا الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى بِسِتَّةِ دَنَانِيرَ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا سَلِيمًا ثُمَّ قَوَّمْنَاهُ مَعِيبًا يَوْمَ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي لَهُ لَا يَوْمَ الْعَقْدِ فَوَجَدْنَاهُ ثَمَانِيَةً فَوَجَدْنَا ذَلِكَ ثُلُثًا فَهَذَا الْجُزْءُ يُؤْخَذُ مِثْلُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ دِينَارَانِ قَالَ الْمَازِرِيُّ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ ضَمَانِ ذَاتِ الْمُوَاضَعَةِ وَالْغَائِبِ وَالْمَحْبُوسَةِ بِالثَّمَنِ وَلَا يُرَاعَى وَقْتُ الْعَقْدِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ إذَا حَدَثَ عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَيْبٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ إذَا تَمَاسَكَ أَوْ كَانَ عَيْبٌ خَفِيفٌ وَقَدْ ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثَلَاثَةَ ضَوَابِطَ هَذَا الْأَوَّلُ هَذَا فِي قَدْرِ الْحَادِثِ مِنْ الْعَيْبِ الْأَوَّلِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي وَالثَّانِي فِي حَقِّ الْبَائِعِ إذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَطْلُبُهُ بِمَا نَقَصَ عِنْدَهُ وَالثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الزِّيَادَةِ الَّتِي زَادَهَا الْمُشْتَرِي لِيَكُونَ شَرِيكًا بِهَا مَعَ الْبَائِعِ فَتَأَمَّلْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 [بَابٌ فِي قَدْرِ الْحَادِثِ مِنْ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " قَدْرُ الْحَادِثِ مِنْهُ الْجُزْءُ الْمُسَمَّى لِلْخَارِجِ مِنْ تَسْمِيَةِ فَضْلِ قِيمَتِهِ بِالْقَدِيمِ عَلَى قِيمَتِهِ بِهِمَا مِنْ قِيمَتِهِ بِالْقَدِيمِ فَقَطْ " قَوْلُهُ قَدْرِ الْحَادِثِ مِنْهُ أَيْ مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجِبُ لِلْبَائِعِ مِنْ مُقَاصَّةِ الْمُشْتَرِي بِمَا لَهُ نَقْصٌ فِي مَبِيعِهِ وَضَمِيرُ قِيمَتِهِ يَعُودُ عَلَى الْمَبِيعِ وَعَلَى قِيمَتِهِ يَتَعَلَّقُ بِفَضْلِ وَضَمِيرُ بِهِمَا عَائِدٌ عَلَى الْقَدِيمِ الْحَادِثِ وَمِنْ قِيمَتِهِ يَتَعَلَّقُ بِتَسْمِيَةِ وَقَوْلُهُ فَقَطْ تَقَدَّمَ مِرَارًا مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً عَلَى أَنَّهَا سَلِيمَةٌ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا ثُمَّ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ لَا يُوجِبُ الْفَوَاتَ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ وَطَلَبَ الْبَائِعُ مِنْهُ مَا نَقَصَ عِنْدَهُ الْحَادِثُ فَذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَعْرِفُ بِهِ قَدْرَ الْحَادِثِ قَالَ فَيُقَوَّمُ الْمَبِيعُ عَلَى أَنَّهُ سَالِمٌ بِاثْنَيْ عَشَرَ ثُمَّ يُقَوَّمُ عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ بِثَمَانِيَةٍ ثُمَّ يُقَوَّمُ عَلَى أَنَّهُ بِالْعَيْبَيْنِ بِسِتَّةٍ فَمَا نَقَصَتْهُ الْقِيمَةُ الثَّالِثَةُ عَنْ الثَّانِيَةِ وَهُوَ دِينَارَانِ نُسِبَ إلَى الْقِيمَةِ الْأُولَى وَذَلِكَ السُّدُسُ فَبِذَلِكَ يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فَتَأَمَّلْهُ. [بَابُ مَعْرِفَةِ قَدْرِ زِيَادَةٍ زَادَهَا الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " وَقَدْرُ الزِّيَادَةِ الْجُزْءُ الْمُسَمَّى لِلْخَارِجِ مِنْ تَسْمِيَةِ فَضْلِ قِيمَتِهِ مَعِيبًا مَعَ مَا زِيدَ عَلَيْهِ عَلَى قِيمَتِهِ مَعِيبًا دُونَهُ مِنْ قِيمَتِهِ مَعِيبًا مَعَ مَا زِيدَ عَلَيْهِ " هَذَا فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي وَمِنْ تَسْمِيَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْخَارِجِ كَمَا تَقَدَّمَ وَضَمِيرُ قِيمَتِهِ يَعُودُ عَلَى الْمَبِيعِ وَمَعِيبًا حَالٌ وَعَلَى مُتَعَلِّقٌ بِفَضْلِ وَضَمِيرُ دُونَهُ يَعُودُ عَلَى مَا زِيدَ عَلَيْهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّا إذَا سَمَّيْنَا فَضْلَ قِيمَةِ الْمَبِيعِ مَعِيبًا مَعَ قِيمَةِ مَا زَادَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى قِيمَتِهِ مَعِيبًا دُونَ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 قِيمَتِهِ مَعِيبًا مَعَ مَا زِيدَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ مِثَالًا يَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ مَسَائِلَ وَلِذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَوْ اجْتَمَعَ قَدِيمٌ وَحَادِثٌ زِيَادَةً فِي مَبِيعٍ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَبِيعٍ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ اجْتَمَعَ فِيهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ وَعَيْبٌ حَادِثٌ وَزِيَادَةٌ فِيهِ زَادَهَا الْمُشْتَرِي كَصَبْغٍ وَغَيْرِهِ فَقِيمَتُهُ سَلِيمًا مِائَةٌ وَقِيمَتُهُ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ ثَمَانُونَ وَقِيمَتُهُ بِالْحَادِثِ سَبْعُونَ قَالَ فَقَدْرُ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ مِنْ الثَّمَنِ خَمْسَةٌ لِأَنَّ عِشْرِينَ مِنْ الْمِائَةِ خُمُسٌ فَيَرْجِعُ بِخُمُسِ الثَّمَنِ يَعْنِي فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي وَقَدْرُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ أَنْ أَسْقَطَ مِنْهُ مَنَابَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ ثُمُنُهُ لِأَنَّ عَشَرَةً مِنْ ثَمَانِينَ ثُمُنٌ وَهُوَ فَضْلُ قِيمَتِهِ بِالْقَدِيمِ عَلَى قِيمَتِهِ بِهِمَا مِنْ قِيمَةِ الْقَدِيمِ وَهَذَا فِي حَقِّ الْبَائِعِ كَمَا قَدَّمْنَا (فَإِنْ قُلْتَ) وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَغَيْرُ مُسْقِطٍ عَشَرَةً. (قُلْتُ) مَعْنَاهُ إنْ وَقَعَ إسْقَاطُ مَنَابِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ مِنْ الثَّمَنِ فَنِسْبَةُ مِقْدَارِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ مِنْهُ ثُمُنُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ فَالنِّسْبَةُ عُشْرٌ وَأَشَارَ بِالتَّرْدِيدِ إلَى أَنَّ الْمُؤَدَّى وَاحِدٌ فِي الِاعْتِبَارَيْنِ مَعًا وَكُلٌّ صَحِيحٌ ثُمَّ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مَعَ زِيَادَةٍ إلَخْ وَهَذِهِ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَزِيدَ عَلَى قِيمَةِ النَّقْصِ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ تَزِدْ فَلَا جَبْرَ فِيهَا كَمَا إذَا كَانَتْ سَبْعِينَ مَعَ الزِّيَادَةِ وَدُونَهَا وَإِنْ كَانَتْ ثَمَانِينَ فَإِذَا قُلْنَا بِالْجَبْرِ فَيَسْقُطُ الطَّلَبُ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ لِجُبْرَانِهِ إنْ رُدَّ الْمَبِيعُ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ وَأَنَّ الصَّنْعَةَ يَقَعُ الْجَبْرُ بِهَا لِلْعَيْبِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ وَقَعَ فِي كَلَامِ التُّونُسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِذَا قَالَ وَعَلَى عَدَمِ الْجَبْرِ يَغْرَمُ قَدْرَ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ وَيَكُونُ شَرِيكًا فِي الْمَبِيعِ بِثَمَنِهِ يَعْنِي يَكُونُ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا بِثَمَنِ الْمَبِيعِ (فَإِنْ قُلْتَ) هَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَنَظِيرَهَا لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّقْوِيمِ بِأَرْبَعِ قِيَمٍ قِيمَتُهُ سَالِمًا وَقِيمَتُهُ بِالْقَدِيمِ وَمِنْهُ بِالْحَادِثِ ثُمَّ يُقَوَّمُ رَابِعًا بِالزِّيَادَةِ وَقَدْ اعْتَرَضَ شَارِحُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَيْهِ (قُلْتُ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَقَّقَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ الْمَذْكُورِ وَوَهِمَ شَيْخُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَحَقَّقَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ سَلِيمًا لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ قِيمَةُ قَدْرِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ اُنْظُرْهُ وَتَأَمَّلْ أَسْئِلَتَهُ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَجْوِبَتَهُ فَإِنَّهَا حَسَنَةٌ وَرَدُّهُ عَلَى شَيْخِهِ صَائِبٌ إذَا تَأَمَّلْته وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ لَا شَكَّ فِي تَصْحِيفِ نُسْخَتِهِ وَتَأَمَّلْ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَلِّسِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا ثَلَاثَ قِيَمٍ وَلَك التَّأَمُّلُ مَعَ مَا حَقَّقَهُ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 [بَابُ مَا يَكُونُ فِيهِ الْمَبِيعُ الْمُتَعَدِّدُ كَالْمُتَّحِدِ فِي الْعَيْبِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَعِيبُ وَجْهُهُ أَوْ أَحَدُ مُزْدَوِجَيْهِ كَمُتَّحِدٍ وَالْأَخَصُّ الْمَرَدُّ الْمَعِيبُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ يَوْمَ وَجَبَ هَذَا ظَاهِرٌ وَانْظُرْ مَا فِي وَجْهِ الصَّفْقَةِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ فِي الطَّعَامِ وَالْعُرُوضِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابٌ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْعَيْبُ] ُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَمَاعُ عِيسَى أَهْلُ الْبَصَرِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّ مَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَتَسْتَوِي النَّاسُ فِي مَعْرِفَتِهِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ عَدْلَيْنِ وَإِنْ اخْتَصَّ مَعْرِفَتُهُ بِأَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِهَا وَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَزَادَ الشَّيْخُ إذَا لَمْ تُشْتَرَطْ الْعَدَالَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ سَلَامَتِهِ مِنْ جَرْحِهِ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَامْرَأَتَانِ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ صِفَةِ يَمِينِ الْبَائِعِ فِي الْعَيْبِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ أَبُو عُمَرَ يَحْلِفُ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ عَيْبٌ أَوْ مَا بِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ وَصَوَّبَ الشَّيْخُ ذَلِكَ وَقَالَ إنَّهُ مُقْتَضَى الْأُصُولِ اُنْظُرْهُ هُنَا وَانْظُرْ فَصْلَ الدَّعْوَى. [بَابُ الْفَوَاتِ فِي الْمَبِيعِ] ِ قَالَ تَغَيُّرُ الْمَبِيعِ بِمُعْتَبَرٍ فِيهِ فَتَأَمَّلْ هَلْ يُقَالُ هَذَا سَبَبُ الْفَوَاتِ لَا أَنَّهُ فَوَاتٌ وَالسَّبَبُ غَيْرُ مُسَبِّبِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [كِتَابُ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ] (ب ي ع) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي نَقْلِهِ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَعِيَاضٍ وَغَيْرِهِمَا " الْفَاسِدُ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 الْبُيُوعِ نَوْعَانِ مَا لَا يَصِحُّ رَفْعُ الْمُكَلَّفِ أَثَرَ فَسَادِهِ. وَمَا يَصِحُّ لِلْمُكَلَّفِ رَفْعُ أَثَرِ فَسَادِهِ وَهُوَ ذُو حَقٍّ لِآدَمِيٍّ فَقَطْ كَبَيْعِ الْأَجْنَبِيِّ غَيْرَ وَكِيلٍ " وَسَلَّمَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَيْنِ الرَّسْمَيْنِ لِنَوْعَيْ الْفَسَادِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى مِنْ دُورِ الِاشْتِقَاقِ وَالْإِحَالَةِ عَلَى مَا لَمْ يَعْلَمْ السَّامِعُ وَأَشَارُوا بِالْأَوَّلِ إلَى مَا فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَبِالثَّانِي لِمَا فِيهِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ كَبَيْعِ التَّفْرِقَةِ وَغَيْرِهَا وَاعْتَرَضَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ فِي كَوْنِهِمْ قَسَمُوا الْفَاسِدَ إلَى الْقِسْمَيْنِ وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْمَكْرُوهِ قَالَ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِانْدِرَاجِ الْمَكْرُوهِ تَحْتَ الْفَاسِدِ قَالَ وَالْأَظْهَرُ إنْ عَنَوْا بِالْفَاسِدِ مَا نُهِيَ عَنْهُ فَقَطْ فَمُنْدَرِجٌ وَإِنْ عَنَوْا بِهِ ذَلِكَ مَعَ سَلْبِ خَاصِّيَّةِ الصَّحِيحِ وَهِيَ الْإِمْضَاءُ فَغَيْرُ مُنْدَرِجٍ (قُلْتُ) وَلَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ تَرْجَمَةَ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ الْجَارِي عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ أَنْ يَحُدَّ ذَلِكَ بِحَدَّيْنِ لَقَبًا وَإِضَافِيًّا وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ إضَافِيًّا مَعَ أَنَّ الْفَاسِدَةَ صِفَةٌ لِلْبُيُوعِ وَلَعَلَّهُ رَاعَى الْمَعْنَى وَفِيهِ نَظَرٌ وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى اخْتِصَاصِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ بِالْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ أَنَّ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ مِنْ عَوَارِضِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يَقُولُوا الصَّلَاةُ الْفَاسِدَةُ أَوْ الصِّيَامُ أَوْ الْأَنْكِحَةُ الْفَاسِدَةُ كَمَا قَالُوا الْبُيُوعُ الْفَاسِدَةُ وَتَرْجَمُوا عَلَى ذَلِكَ بَلْ خَصُّوا ذَلِكَ بِالْبَيْعِ وَحْدَهُ وَنُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ فِي ذَلِكَ جَوَابَانِ فِيهِمَا بَحْثٌ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْقَوَاعِدَ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي هَذَا الْبَابِ يُوجَدُ مَعْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ مِنْ صَرْفٍ وَسَلَمٍ وَإِجَارَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْعِبَادَةَ لَا يُوجَدُ فِيهَا ذَلِكَ لِأَنَّ لَهَا مَا يَخُصُّهَا وَأَنْتَ تَرَى مَا فِيهِ وَالثَّانِي أَضْعَفُ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَوَقَعَ لِلشَّيْخِ فِي غَيْرِ هَذَا إنْ قَالَ الْفَاسِدُ مَا قَارَنَهُ عَدَمُ شَرْطٍ أَوْ وُجُودُ مَانِعٍ وَقَالَ هُنَا الْفَاسِدُ مَا لَا يَصِحُّ إلَخْ فَتَأَمَّلْ مَا بَيْنَ الْحَدَّيْنِ مِنْ الِاتِّفَاقِ أَوْ الِاخْتِلَافِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْإِشَارَةُ كَافِيَةٌ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ بَيْعِ الِاخْتِيَارِ] (ب ي ع) : بَابُ بَيْعِ الِاخْتِيَارِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا مَعْنَاهُ يُطْلَقُ عَلَى مُعَيَّنَيْنِ عَلَى نَوْعٍ هُوَ قَسِيمٌ لِبَيْعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 الْخِيَارِ وَعَلَى نَوْعٍ هُوَ قِسْمٌ مِنْ بَيْعِ الْخِيَارِ فَالْأَوَّلُ حَدُّهُ " بَيْعُ بَتٍّ فِي بَعْضِ عَدَدٍ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ عَلَى خِيَارِ الْمُبْتَاعِ فِي تَعْيِينِهِ " وَأَمَّا بَيْعُ الِاخْتِيَارِ الَّذِي هُوَ قِسْمٌ مِنْ بَيْعِ الْخِيَارِ فَحَدُّهُ بِقَوْلِهِ " بَيْعُ بَعْضِ عَدَدٍ مِنْ نَوْعٍ عَلَى خِيَارِ الْمُبْتَاعِ فِي تَعْيِينِهِ وَبَتِّهِ " فَحَصَلَ مِنْ رَسْمِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مَعْرِفَةُ رَسْمِ مَا يَعُمُّهُمَا فَيُقَالُ بَيْعُ الِاخْتِيَارِ الْأَعَمُّ مِنْهُمَا بَيْعٌ فِي بَعْضِ عَدَدٍ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ عَلَى خِيَارِ الْمُشْتَرِي فِي تَعْيِينِهِ وَذَلِكَ شَامِلٌ لَهُمَا بَتًّا وَخِيَارًا وَقَدْ قَدَّمَ الشَّيْخُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ أَنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ قَسِيمُهُ بَيْعُ الْبَتِّ وَأَمَّا بَيْعُ الِاخْتِيَارِ فَيُطْلَقُ كَمَا ذُكِرَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مَعْنًى يُنَافِي بِهِ بَيْعَ الْخِيَارِ وَمَعْنًى يَصْدُقُ عَلَيْهِ فِيهِ بَيْعُ الْخِيَارِ فَقَالَ فِي الْأَوَّلِ بَيْعُ بَتٍّ فَقَوْلُهُ بَيْعُ بَتٍّ أَخْرَجَ بِالْبَتِّ بَيْعَ الْخِيَارِ قَوْلُهُ " فِي بَعْضِ عَدَدٍ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْبَيْعَ فِي كُلِّ الْعَدَدِ قَوْلُهُ " عَلَى خِيَارِ الْمُشْتَرِي " أَخْرَجَ بِهِ خِيَارَ الْبَائِعِ فِي تَعْيِينِهِ وَبَتِّهِ قَوْلُ الشَّيْخِ فِي حَدِّ بَيْعِ الِاخْتِيَارِ الْقِسْمُ مِنْ بَيْعِ الْخِيَارِ " بَيْعُ بَعْضِ عَدَدٍ " هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْبَتِّ قَوْلُهُ " عَلَى خِيَارِ الْمُشْتَرِي " احْتَرَزَ بِهِ مِنْ خِيَارِ الْبَائِعِ قَوْلُهُ " فِي تَعْيِينِهِ وَبَتِّهِ " أَخْرَجَ بِهِ بَيْعَ الِاخْتِيَارِ الْقَسِيمِ لِبَيْعِ الْخِيَارِ فَصَارَ عَلَى هَذَا بَيْعُ الْخِيَارِ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ خِيَارٌ لَيْسَ فِيهِ اخْتِيَارٌ كَمَا إذَا بَاعَ سِلْعَةً عَلَى خِيَارِ الْمُشْتَرِي وَخِيَارٌ فِيهِ اخْتِيَارٌ كَمَا إذَا بَاعَ أَحَدَ سِلْعَتَيْنِ عَلَى تَعْيِينِ خِيَارٍ لِلْمُشْتَرِي وَعَلَى خِيَارِ بَتِّهِ فَإِذَا اخْتَارَ وَاحِدَةً انْعَقَدَ الْبَيْعُ وَلَزِمَ الْبَائِعَ ذَلِكَ وَإِذَا رَدَّ وَلَمْ يَخْتَرْ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْعُ الِاخْتِيَارِ الْقَسِيمُ إذَا اخْتَارَ وَعَيَّنَ لَزِمَ التَّعْيِينُ فَقَطْ وَإِذَا لَمْ يَخْتَرْ لَا يَقَعُ فَسْخٌ وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ إذَا ضَاعَ وَاحِدٌ مِنْ الْمَبِيعِ فِي الِاخْتِيَارِ الْقَسِيمِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِي يَضْمَنُ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ بِالثَّمَنِ وَعَلَى الِاخْتِيَارِ الَّذِي هُوَ قَسْمٌ يَلْزَمُهُ نِصْفُ ثَمَنِ التَّالِفِ وَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ نِصْفُ ثَمَنِهِمَا وَهُمَا بَيْنَهُمَا قَالَ الشَّيْخُ اللَّخْمِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ أَخَذَ ثَوْبَيْنِ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا أَوْ يَرُدُّهُمَا فَادَّعَى تَلَفَهُمَا فَقِيلَ يَضْمَنُ أَحَدَهُمَا بِالثَّمَنِ وَأَشْهَبُ يَضْمَنُهُمَا مَعًا وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَحَصَلَ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ يَسْأَلُ رَجُلًا دِينَارًا فَأَعْطَاهُ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ يَخْتَارُ فِيهَا أَحَدَهَا فَزَعَمَ أَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 تَلِفَ دِينَارٌ وَهُنَا أَبْحَاثٌ تَخْرُجُ عَنْ الْمَقْصِدِ فِي الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ فَطَالِعْ دَقَائِقَهُ وَرَقَائِقَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَتَحْصِيلَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ. [بَابُ الْإِقَالَةِ] (ق ي ل) : بَابُ الْإِقَالَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " تَرْكُ الْمَبِيعِ لِبَائِعِهِ بِثَمَنِهِ " قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْكُ الْمَبِيعِ هَذَا جِنْسٌ لِلْإِقَالَةِ وَتَأَمَّلْ كَيْفَ تَدْخُلُ فِيهِ الْإِقَالَةُ مِنْ بَعْضِ الْمَبِيعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا حَدُّ الْإِقَالَةِ الْمُطْلَقَةِ وَفِيهِ بَحْثٌ وَقَوْلُهُ " لِبَائِعِهِ " أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا تَرَكَهُ لِغَيْرِ بَائِعِهِ قَوْلُهُ " بِثَمَنِهِ " أَخْرَجَ بِهِ مَا لَوْ تَرَكَهُ بِثَمَنٍ آخَرَ فَإِنَّهُ بَيْعٌ آخَرُ وَخَرَجَ أَيْضًا مَا إذَا تَرَكَهُ لَهُ هِبَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ. (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يَصْدُقُ حَدُّ الشَّيْخِ عَلَى الثُّنْيَا بَعْدَ عُقْدَةِ الْبَيْعِ فِيمَا إذَا بَاعَ سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ وَقَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِي قَالَ لِلْبَائِعِ إنْ أَتَيْتنِي بِعَشَرَةٍ رَدَدْت عَلَيْك السِّلْعَةَ فَأَتَاهُ بِهَا فَرَدَّ عَلَيْهِ السِّلْعَةَ (قُلْتُ) إذَا وَقَعَ الرَّدُّ مِنْ الْمُشْتَرِي فَهِيَ إقَالَةٌ سَبَبُهَا الثُّنْيَا وَلَا تَصْدُقُ الثُّنْيَا إلَّا عَلَى قَوْلِ الْمُشْتَرِي مَا ذَكَرَهُ وَالْإِقَالَةُ تَصْدُقُ عَلَى فِعْلِهِ غَايَتُهُ إقَالَةٌ نَشَأَتْ عَنْ ثُنْيَا وَقَدْ تَقَعُ الْإِقَالَةُ لَا عَنْ ثُنْيَا فَالْحَدُّ لِلْإِقَالَةِ الْمُطْلَقَةِ بِذَلِكَ كُنْت أُجِيبُ عَنْ مِثْلِ هَذَا السُّؤَالِ (فَإِنْ قُلْتَ) وَهَلْ هَذِهِ ثُنْيَا صَحِيحَةٌ أَوْ فَاسِدَةٌ (قُلْتُ) هَذِهِ ثُنْيَا صَحِيحَةٌ لِأَنَّهَا بَعْدَ عُقْدَةِ الْبَيْعِ وَالْفَاسِدَةُ مَا كَانَ فِي أَصْلِهِ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صِحَّةَ ذَلِكَ فِي الثُّنْيَا فَرَاجِعْ إشْكَالَهُ لَا يُقَالُ قَدْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَوَاضِعَ فِي الشُّفْعَةِ وَفِي غَيْرِهَا أَنَّ الْإِقَالَةَ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْعٌ إلَّا فِي مَسَائِلَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُقَالُ الْإِقَالَةُ بَيْعٌ وَكُلُّ بَيْعٍ مُعَاوَضَةٌ فَيَنْتِجُ الْإِقَالَةُ مُعَاوَضَةً ثُمَّ يُقَالُ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ بِتَرْكِ مَبِيعٍ فَيَنْتِجُ لَا شَيْءَ مِنْ الْإِقَالَةِ بِتَرْكِ مَبِيعٍ وَالنَّتِيجَةُ تُنَافِي حَدَّ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّا نَقُولُ بِمَنْعِ الْكُبْرَى فِي الْقِيَاسِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُكُمْ لَا شَيْءَ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ بِتَرْكِ مَبِيعٍ فَلَا تَصْدُقُ الْكُبْرَى إلَّا بِقَيْدِ قَوْلِنَا وَلَا شَيْءَ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ بِتَرْكِ مَبِيعٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَقَعُ الْإِنْتَاجُ لَا شَيْءَ مِنْ الْإِقَالَةِ بِتَرْكِ مَبِيعٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِلنَّتِيجَةِ. فَإِنْ (قُلْتَ) وَلِأَيِّ شَيْءٍ قَالَ تَرْكُ الْمَبِيعِ لِبَائِعِهِ بِثَمَنِهِ وَهَلَّا قَالَ بَيْعُ الْمَبِيعِ لِبَائِعِهِ بِثَمَنِهِ (قُلْتُ) إذَا حُقِّقَتْ الْإِقَالَةُ فَالْمَقْصِدُ أَنَّهُ تَرْكٌ لِحَقِّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 فِي الْبَيْعِ فَفِيهَا نَوْعٌ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَنَاسَبَ قَوْلَهُ تَرْكُ إلَخْ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَالَ الشَّيْخُ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِ الْإِقَالَةِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَهَلَّا زَادَ فِي رَسْمِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ (قُلْتُ) لَمَّا كَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِي مَعْنَيَيْنِ صَحَّ لَهُ إطْلَاقُ الْحَدِّ عَلَيْهَا وَإِنْ غَلَبَ الِاسْتِعْمَالُ وَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ تُحَدُّ بِحَدٍّ أَعَمَّ وَأَخَصَّ كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ وَمَعْنَى مَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْإِقَالَةُ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ بَيْعٌ أَنَّهَا حُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْعِ إلَّا فِيمَا اُسْتُثْنِيَ لَا أَنَّهَا تَدْخُلُ تَحْتَ حَدِّ الْبَيْعِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ وَرَسْمُهُ يَعُمُّ الصَّحِيحَ مِنْهَا وَالْفَاسِدَ وَهِيَ تَكُونُ رُخْصَةً وَعَزِيمَةً الْأُولَى فِيمَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ بِثَمَنِهِ هَلْ الْمُرَادُ عَيْنُهُ أَوْ أَعَمُّ مِنْ الْعَيْنِ وَالْمِثْلِ. [بَابُ التَّوْلِيَةِ] (ول ي) : بَابُ التَّوْلِيَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " تَصْيِيرُ مُشْتَرٍ مَا اشْتَرَاهُ لِغَيْرِ بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ " صَيَّرَ الْجِنْسَ هُنَا تَصْيِيرًا لَا تَرْكًا وَسَرَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْإِقَالَةَ فِيهَا رَدٌّ لِلْبَائِعِ فَكَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِيمَا ثَبَتَ حَقُّهُ فِيهِ لِلْبَائِعِ فَهُوَ رُجُوعٌ لِأَصْلٍ فَنَاسَبَ التَّرْكَ فِي الْحَقِّ وَالْأَجْنَبِيُّ لَا حَقَّ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَيُنَاسِبُ التَّصْيِيرَ مِنْ الْمُشْتَرِي لَهُ وَلَوْ قَالَ تَصْيِيرُ مَبِيعٍ لِغَيْرِ بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ فَرُبَّمَا نَقَضَ ذَلِكَ بِالشَّرِيكِ إذَا شَفَعَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَصْدُقُ فِيهِ تَصْيِيرُ مَبِيعٍ لِغَيْرِ بَائِعِهِ بِخِلَافِ إذَا قَالَ تَصْيِيرُ مُشْتَرٍ مَا اشْتَرَاهُ إلَخْ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فَتَأَمَّلْهُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يُصَيِّرْ لِلشَّفِيعِ شَيْئًا وَلَا يُقَالُ يَرِدُ عَلَى رَسْمِهِ صُورَةُ مَنْ اشْتَرَى مِنْ الْمَغْنَمِ ثُمَّ جَاءَ رَبُّ ذَلِكَ وَعَرَفَهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِثَمَنِ الْمُشْتَرِي فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَيَّرَ لِغَيْرِ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ لِأَنَّا نَقُولُ نَمْنَعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَيَّرَ ذَلِكَ بَلْ جُبِرَ عَلَيْهِ وَالتَّصْيِيرُ فِيهِ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلتَّوَلِّيَةِ لَا جَبْرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَرَحِمَهُ اللَّهُ وَهِيَ رُخْصَةٌ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ كَيْلِهِ وَشَرْطُهَا كَوْنُ الثَّمَنِ عَيْنًا. [بَابٌ فِي شَرْطِ الْإِقَالَةِ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ] ِ قَالَ " عَدَمُ تَغَيُّرِ الثَّمَنِ بِمَا تَخْتَلِفُ بِهِ الْأَغْرَاضُ غَالِبًا " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 فَلَا تَجُوزُ بِغَيْرِ الثَّمَنِ وَلَا عَلَيْهِ وَأَخَذَ غَيْرَهُ وَلَا بِهِ مَعَ زِيَادَةِ اُنْظُرْ بَقِيَّتَهُ قَالَ بَعْدُ وَيُطْلَبُ كَوْنُهَا عَلَى نَفْسِ رَأْسِ الْمَالِ غَيْرِ مُغَيَّرٍ عَنْ حَالِهِ حِينَ الْعَقْدِ اُنْظُرْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ مَا أَحْسَنَ كَلَامَهُ وَأَجْمَعَهُ. [بَابُ الشَّرِكَةِ] (ش ر ك) : بَابُ الشَّرِكَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " الشَّرِكَةُ هُنَا جَعْلُ مُشْتَرٍ قَدْرًا لِغَيْرِهِ بِاخْتِيَارِهِ مِمَّا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ بِمَنَابِهِ مِنْ الثَّمَنِ " قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " الشَّرِكَةُ هُنَا " احْتَرَزَ بِذَلِكَ مِنْ الشَّرِكَةِ الْمُتَرْجَمِ عَلَيْهَا بِكِتَابِ الشَّرِكَةِ وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ هُنَا إلَى فَصْلِ الْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ أَيْ الشَّرِكَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَهُمَا ثُمَّ قَالَ جَعْلُ مُشْتَرٍ صَيَّرَ الْجِنْسَ لِلشَّرِكَةِ جَعْلًا، وَتَأَمَّلْ كَيْفَ عَبَّرَ فِي الْإِقَالَةِ بِالتَّرْكِ وَفِي التَّوْلِيَةِ بِالتَّصْيِيرِ وَفِي الشَّرِكَةِ بِالْجَعْلِ وَيَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَمَّا الْإِقَالَةُ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُنَاسِبُهَا التَّرْكُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَالتَّصْيِيرُ يُنَاسِبُ التَّوْلِيَةَ وَالْجَعْلُ بِمَعْنَى التَّصْيِيرِ وَهُوَ يُنَاسِبُ الشَّرِكَةَ وَالتَّوْلِيَةَ كَمَا قَدَّمْنَا وَلَوْ قَالَ جَعْلٌ فِيهِمَا لَكَانَ أَخْصَرَ فِيمَا يَظْهَرُ قَوْله " مُشْتَرٍ قَدْرًا لِغَيْرِهِ " أَخْرَجَ بِهِ التَّوْلِيَةَ فَإِنَّهَا فِي جَمِيعِ الْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ " بِاخْتِيَارِهِ " أَخْرَجَ مَا إذَا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي نِصْفَ شِقْصٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّ نِصْفَهُ مِنْ يَدِهِ أَوْ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ جَعْلُ الْمُشْتَرِي قَدْرًا لِغَيْرِهِ لَكِنَّهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَعِنْدِي إنْ أَرَادَ الشَّيْخُ ذَلِكَ فَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الِاسْتِحْقَاقِ لَا حُكْمُ الْبَيْعِ وَلَعَلَّ الشَّيْخَ رَأَى أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمَ الْبَيْعِ لَكِنَّهُ جَبَرَ عَلَى الْأَخْذِ مِنْ يَدِهِ فَيُقَالُ وَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا وَجُبِرَ فِيهِ فَلَمْ يَجْعَلْ إلَّا أَنْ يُقَالَ جُعِلَ مُجْبَرًا لَا مُخْتَارًا وَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ مَا أَجَبْنَا بِهِ فِي التَّوْلِيَةِ قَوْلُهُ " لِنَفْسِهِ " أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا بِنَصٍّ وَتَأَمَّلْ لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ لِنَفْسِهِ فِي التَّوْلِيَةِ قَوْلُهُ " بِمَنَابِهِ مِنْ ثَمَنِهِ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا اشْتَرَى سِلْعَةً بِدِينَارٍ ثُمَّ جَعَلَ لِأَجْنَبِيٍّ فِيهَا الرُّبُعَ بِنِصْفِ دِينَارٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ شَرِكَةٌ هُنَا. (فَإِنْ قُلْت) إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَشْرَكْتُك بِالثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ فَإِنَّ الْحَدَّ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَدْرَ قَدْ عُلِمَ وَإِذَا قَالَ أَشْرَكْته فَقَطْ فَهَذِهِ شَرِكَةٌ لَمْ تَبِنْ قَدْرًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 فَتَخْرُجُ مِنْ الْحَدِّ وَالْقَصْدِ خُرُوجُهَا أَوْ يُقَالُ بِدُخُولِهَا وَالْحَدُّ غَيْرُ جَامِعٍ (قُلْتُ) إذَا أُطْلِقَ لَفْظُ الشَّرِكَةِ فَالْمَنْقُولُ عَنْ الْأَشْيَاخِ أَنَّ الْقَدْرَ مَعْلُومٌ وَيُحْمَلُ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَقِيلَ بِالْإِجْمَالِ وَيَقَعُ السُّؤَالُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَفَعَ بِهِ (فَإِنْ قُلْتُ) الْإِقَالَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ هَلْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْعِ وَلَوَازِمِ الْبَيْعِ فِيهَا أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتَ بِذَلِكَ فَلْيَقُلْ فِي جِنْسِ الْجَمِيعِ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَيَذْكُرُ مَعَ ذَلِكَ مَا يَخُصُّ بِهِ الْمَحْدُودَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ خَوَاصِّهِ أَوْ يَقُولُ بَيْعُ إلَخْ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ فَلَمْ يَقُلْ بِعُمُومِهِ فِي الْجَمِيعِ أَحَدٌ (قُلْتُ) قَدْ ذَكَرُوا مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا حُكْمُ الْبَيْعِ وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ الْقَصْدُ الْمُكَايَسَةَ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي وَلَّيْتُك كَذَا بَعْدَ الشِّرَاءِ عَلَى أَنْ تُوَلِّيَنِي كَذَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ أَصْلِ الْمَعْرُوفِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا اشْتَرَيْت سِلْعَةً بِعَيْنِهَا فَلَمْ تَقْبِضْهَا حَتَّى أَشْرَكْت فِيهَا فَهَلَكَتْ قَبْلَ قَبْضِهِ إيَّاهَا فَضَمَانُ ذَلِكَ مِنْكُمَا فَظَاهِرٌ مِنْ هَذَا أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْبَيْعِ (قُلْتُ) هَذَا قَدْ اعْتَرَضَهَا سَحْنُونٌ وَلِلشُّيُوخِ فِيهَا كَلَامٌ يَخُصُّ الْمُدَوَّنَةَ اُنْظُرْهُ وَغَالِبُ مَسَائِلِهِمْ أَنَّهَا مِنْ الْمَعْرُوفِ وَتَأَمَّلْ مَا حَدَّ بِهِ الْمُرَابَحَةَ وَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ هُنَاكَ فَإِنَّهُ يُنَاسِبُ مَا هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ] (س وم) : بَابُ بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ لَمَّا قَسَّمَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ الْبَيْعَ بِاعْتِبَارِ طَرِيقِ ثَمَنِهِ وَعَلِمَ قَدْرَهُ فَكَانَ مِنْ أَقْسَامِهِ بَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ فَقَالَ فِي رَسْمِهِ " بَيْعٌ لَمْ يَتَوَقَّفْ ثَمَنُ مَبِيعِهِ الْمَعْلُومِ قَدْرُهُ عَلَى اعْتِبَارِ ثَمَنِهِ فِي بَيْعٍ قَبْلَهُ إنْ الْتَزَمَ مُشْتَرِيهِ ثَمَنَهُ لَا عَلَى قَبُولِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ " فَقَوْلُهُ " بَيْعٌ " جِنْسٌ لِلْمُرَابَحَةِ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ " لَمْ يَتَوَقَّفْ ثَمَنُ بَيْعِهِ الْمَعْلُومِ قَدْرُهُ " أَخْرَجَ بِهِ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ قَوْلُهُ " إنْ الْتَزَمَ " أَخْرَجَ بِهِ بَيْعَ الْمُزَايَدَةِ وَقَوْلُهُ " ثَمَنُ مَبِيعِهِ الْمَعْلُومِ قَدْرُهُ " أَخْرَجَ بِهِ بَيْعَ الِاسْتِيمَانِ فَخَرَجَ مِنْ هَذَا الْحَدِّ الِاسْتِيمَانُ وَالْمُزَايَدَةُ وَالْمُرَابَحَةُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ لَا رَبَّ غَيْرِهِ رَبُّ الْأَرْبَابِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 [بَابُ الْمُزَايَدَةِ] ز ي د) : بَابُ الْمُزَايَدَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا حَاصِلُهُ " بَيْعٌ لَمْ يَتَوَقَّفْ ثَمَنُ مَبِيعِهِ الْمَعْلُومِ قَدْرُهُ عَلَى اعْتِبَارِ ثَمَنِهِ فِي بَيْعٍ قَبْلَهُ إنْ الْتَزَمَ مُشْتَرِيهِ ثَمَنَهُ عَلَى قَبُولِ الزِّيَادَةِ " وَتُفْهَمُ قُيُودُهُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَهَذِهِ مِنْ مَحَاسِنِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ. [بَابُ الِاسْتِيمَانِ] (ي م ن) : بَابُ الِاسْتِيمَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا حَاصِلُهُ " بَيْعٌ يَتَوَقَّفُ صَرْفُ قَدْرِ ثَمَنِهِ لِعُرْفٍ عَلِمَهُ أَحَدُهُمَا " قَوْلُهُ " صَرْفُ ثَمَنِهِ " إلَخْ أَخْرَجَ بِذَلِكَ الْمُرَابَحَةَ وَالْمُزَايَدَةَ وَالْمُسَاوَمَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ وَحَقُّ الشَّيْخِ أَنْ يَقُولَ عَلَى رَأْيِ كَذَا وَعَلَى آخَرَ كَذَا كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ فِي مِثْلِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الشَّيْخُ رَحِمَهُ فِي الْحَدِّ تَعَيُّنَ الْمَبِيعِ فِي الْعَقْدِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْخِلَافَ فَذَكَرَ عَنْ طَرِيقِ عِيَاضٍ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِهِ فِي الْعَقْدِ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ قَالَ وَالْخِلَافُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِيمَانَ فِي عُرْفِ النَّاسِ فِي نَفْسِ الْقَدْرِ أَوْ كَوْنُهُ عَلَى عُرْفِ النَّاسِ قَالَ وَأَكْثَرُ بَيَّاعَاتِ سُوقِ الْعَطَّارِينَ فِي بَلَدِنَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ عِيَاضٍ أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُ يَأْتِي الْمُشْتَرِي لِلْعَطَّارِ وَيَقُولُ لَهُ أَعْطِنِي بُقْرَاطٍ فُلْفُلَ وَزَعْفَرَانَ فَيُدْخِلُ الْعَطَّارُ يَدَهُ وَيُقَرْطِسُ وَلَا يُعَيِّنُهُ لَهُ وَهَذَا مَعْنَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا نَبَّهَ الشَّيْخُ عَلَى ذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّ فِيهَا مُسْتَنَدًا فَلَا يُغَيِّرُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَصَدُوهُ وَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ كَلَامِ الْقَبَّابِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْمُرَابَحَةِ] (ر ب ح) : بَابُ الْمُرَابَحَةِ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ اسْتَشْكَلَ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ الْمُرَابَحَةَ لِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ وَإِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 الطَّالِبُ لِلرِّبْحِ الْبَائِعُ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِمْ طَارَقْتُ النَّعْلَ وَنَقَلَ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ الْتَزَمَ أَنَّ الْمُرَابَحَةَ وَقَعَتْ مِنْ الْجَانِينَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي يَطْلُبُ رِبْحَ عِوَضِهِ وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ جَلِيٌّ وَذَكَرَ الشَّيْخُ سَيِّدِي أَبُو الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَأْلِيفِهِ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَرَّفَهَا فِي غَيْرِ مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ " الْبَيْعُ الْمُرَتَّبُ ثَمَنُهُ عَلَى ثَمَنِ بَيْعٍ قَبْلَهُ " قَالَ فَلَا تَرِدُ التَّوْلِيَةُ وَالْإِقَالَةُ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِيهِمَا هُوَ عَيْنُ الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَ هَذَا الْحَدَّ بِعَيْنِهِ قَبْلَ الْمُرَابَحَةِ يَلِيهَا فِي بَقِيَّةِ تَقْسِيمِ الْبُيُوعِ فَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " بَيْعٌ مُرَتَّبٌ ثَمَنُهُ عَلَى ثَمَنِ بَيْعٍ سَبَقَهُ غَيْرِ لَازِمٍ مُسَاوَاتُهُ لَهُ " قَالَ خَرَجَ بِالْأَوَّلِ بَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ وَالْمُزَايَدَةِ وَالِاسْتِيمَانِ وَبِالثَّانِي الْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى كَوْنِهِ بَيْعًا يُعْنَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالثَّانِي " قَوْلُهُ غَيْرُ لَازِمٍ مُسَاوَاتُهُ لَهُ " مَعْنَاهُ غَيْرُ لَازِمٍ مُسَاوَاةُ ثَمَنِ الثَّانِي لِثَمَنِ الْأَوَّلِ فَتَخْرُجُ الْإِقَالَةُ لِأَنَّهَا مُسَاوِيَةٌ فِيهَا الثَّمَنَ الثَّانِيَ لِلثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا وَكَذَلِكَ الشُّفْعَةُ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى كَوْنِهِ بَيْعًا فَإِذَا اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ بَاعَهَا بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ دِينَارٍ دِرْهَمًا رِبْحًا فَهَذَا الثَّانِي بَيْعٌ مُرَتَّبٌ ثَمَنُهُ عَلَى ثَمَنِ مَبِيعٍ وَهُوَ ثَمَنُ بَيْعِ الْأَوَّلِ قَبْلَهُ غَيْرُ لَازِمٍ مُسَاوَاتُهُ الثَّمَنَ الثَّانِيَ لِلثَّمَنِ الْأَوَّلِ (فَإِنْ قُلْتَ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِقَالَةَ صَدَّرَ فِيهَا الْجِنْسَ بِالتَّرْكِ وَالتَّوْلِيَةِ بِالتَّصْيِيرِ وَلَمْ يُصَدِّرْ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ وَقَدْ صَرَّحَ هُنَا بِأَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْبَيْعِ فَمَا سِرُّ كَوْنِهِ خَصَّصَ مَا تَقَدَّمَ بِمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْبَيْعِ فِي الْجِنْسِ وَهُنَا عَكْسٌ (قُلْتُ) تَقَدَّمَ مَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِهِ وَأَنَّ فِيهَا بَيْعًا فِيهِ مَعْرُوفٌ وَغَلَبَ الْمَعْرُوفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ صَحَّ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَقُولَ وَتَخْرُجُ الشُّفْعَةُ بِالثَّانِي مَعَ أَنَّهُ حَدُّ الشُّفْعَةِ بِاسْتِحْقَاقِ الشَّرِيكِ إلَخْ فَصَيَّرَهَا لَيْسَتْ بَيْعًا وَإِنَّمَا هِيَ اسْتِحْقَاقٌ وَمَا لَيْسَ بِبَيْعٍ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ لَفْظِ الْبَيْعِ وَمَا لَا يَكُونُ دَاخِلًا لَا تَحْتَ الْجِنْسِ لَا يَصِحُّ إخْرَاجُهُ وَإِلَّا لَزِمَ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا غَيْرَ دَاخِلٍ وَهُوَ مُحَالٌ وَيُؤَيِّدُ هَذَا السُّؤَالُ وَيُقَوِّيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى كَوْنِهِ بَيْعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ خُرُوجَهُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى صِحَّةِ دُخُولِهِ وَلَا يَدْخُلُ إلَّا إذَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَيْعٌ وَهَذَا تَقَرَّرَ السُّؤَالُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا أَخْرَجَهَا عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 الْقَوْلِ أَنَّهَا بَيْعٌ وَلَعَلَّ النُّسْخَةَ عَلَى كَوْنِهِمَا بَيْعًا يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَنَّ الشُّفْعَةَ وَالرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَإِنْ قِيلَ فِيهِمَا بِالْبَيْعِ فَمَا مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّهُ هَلْ يُحْكَمُ لَهُمَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ فِيمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا مِنْ الْمَسَائِلِ أَمْ لَا وَذَكَرُوا لِذَلِكَ مَسَائِلَ فِي الشُّفْعَةِ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا ثُمَّ أَكْرَاهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بِالشُّفْعَةِ هَلْ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَفْسَخَ الْكِرَاءَ وَهَلْ الْكِرَاءُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَوْ لِلْمُشْتَرِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ حُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْعِ أَوْ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَمْ يُطْلِقُوا عَلَى ذَلِكَ بَيْعًا وَإِنَّمَا قَالُوا حُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْعِ فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْ ابْنَ سَهْلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ أَشْبَعَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ صِيغَةِ قَدْرِ الرِّبْحِ وَالْوَضِيعَةِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرًا عُرْفًا " وَهُوَ ظَاهِرٌ ثُمَّ قَالَ فَرِبْحُ كُلِّ عَدَدٍ مُفَسِّرُهُ إنْ لَمْ يَفْضُلْهُ وَإِلَّا فَفَضَّلَهُ أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ تَارَةً يَقُولُ أَبِيعُك بِرِبْحِ الْعَشَرَةِ دِرْهَمًا أَوْ بِرِبْحِ الْعَشَرَةِ عَشْرَةً أَوْ بِرِبْحِ الْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ أَوْ أَكْثَرَ فَمَا وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِهِ إنْ كَانَ مِثْلًا لِمَا قَبْلَهُ أَوْ أَقَلَّ فَهَذَا الرِّبْحُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا قَبْلَهُ فَالزَّائِدُ عَلَى الْأَوَّلِ هُوَ الرِّبْحُ وَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ كَلَامِهِ وَمَا فِي النَّقْلِ هَذَا فِي قَدْرِ الرِّبْحِ. [بَابٌ فِي قَدْرِ الْوَضِيعَةِ] (وض ع) : بَابٌ فِي قَدْرِ الْوَضِيعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضَبَطَ الْمَازِرِيُّ وَكَذَلِكَ ابْنُ مُحْرِزٍ وَالصَّقَلِّيُّ بِأَنْ يُوضَعَ مِنْ الثَّمَنِ الْجُزْءُ الْمُسَمَّى لِيَخْرُجَ مِنْ تَسْمِيَتِهِ الْعَدَدُ الثَّانِي مِنْهُ مَعَ الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَكُنْ الثَّانِي أَكْثَرَ وَإِلَّا فَمِنْ تَسْمِيَةِ الزَّائِدِ مِنْهُ مَعَ الْأَوَّلِ وَهَذَا نَتْرُكُهُ حَتَّى نَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَعَ بَقِيَّةِ ضَوَابِطَ فِيهَا طُولٌ نُلْحِقُهَا بِآخِرِ التَّأْلِيفِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابٌ فِيمَا يُحْسَبُ لَهُ الرِّبْحُ مِنْ عِوَضِ الْمَبِيعِ] (ر ب ح) : بَابٌ فِيمَا يُحْسَبُ لَهُ الرِّبْحُ مِنْ عِوَضِ الْمَبِيعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مَا دُفِعَ عِوَضًا عَنْ الْمَبِيعِ لِعَقْدِ بَيْعٍ عَلَيْهِ وَثَمَنِ مَا زِيدَ فِيهِ وَلَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 [بَابٌ فِي الْغِشِّ] غ ش ش) : بَابٌ فِي الْغِشِّ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ وَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ الْغِشُّ هُنَا لِأَنَّهُ قَدَّمَ الْغِشَّ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَقَالَ الشَّيْخُ هُنَا فِي حَدِّهِ " أَنْ يُوهِمَ وُجُودَ مَفْقُودٍ فِي الْمَبِيعِ أَوْ يَكْتُمَ فَقْدَ مَوْجُودٍ مَقْصُودٍ فَقْدُهُ مِنْهُ لَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ لَهُمَا " قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " أَنْ يُوهِمَ " مَصْدَرٌ مُنَاسِبٌ لِلْمَحْدُودِ فِي مَقُولَتِهِ وَيَرُدُّ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي كَوْنِهِ لَمْ يَقُلْ إيهَامُ وَهُوَ أَخْصَرُ قَوْلُهُ " وُجُودَ مَفْقُودٍ " مَعْنَاهُ إيهَامُ الْبَائِعِ أَنَّ الْمَبِيعَ بِهِ صِفَةٌ مَقْصُودَةٌ الْمُشْتَرِي يَرْغَبُ فِيهَا أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا أَوْهَمَ مَفْقُودًا غَيْرَ مَقْصُودٍ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ قَوْلُهُ " مَقْصُودٍ " صِفَةٌ لِمَفْقُودٍ قَوْلُهُ " أَوْ يَكْتُمَ " هَذَا أَحَدُ قِسْمَيْ الْغِشِّ وَزَادَهُ لِيَكُونَ حَدًّا مُنْعَكِسًا قَوْلُهُ " مَقْصُودٍ فَقْدُهُ مِنْهُ " أَخْرَجَ بِهِ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ فَقْدُ الْمَكْتُومِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي الْبَيْعِ قَوْلُهُ " لَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ " الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْمَبِيعِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ وَالضَّمِيرُ مِنْ قَوْلِهِ لَهُمَا يَعُودُ عَلَى الْمَفْقُودِ وَالْمَوْجُودُ وَأَخْرَجَ بِهَذَا الْقَيْدِ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ تَنْقُصُ لَهُمَا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِغِشٍّ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا مِثَالُ مَا أُوهِمَ فِيهِ مَفْقُودٌ فِي الْمَبِيعِ وَمَا مِثَالُ صُورَةِ الْكَتْمِ (قُلْتُ) كَمَنْ وَرِثَ سِلْعَةً ثُمَّ بَاعَهَا وَأَوْهَمَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا فَهَذَا قَدْ أَوْهَمَ مَوْجُودًا مَفْقُودًا وَهُوَ شِرَاؤُهَا وَشِرَاءُ السِّلْعَةِ فِي بَيْعِهَا فِي الْمُرَابَحَةِ مَقْصُودٌ فِي الْمَبِيعِ وَمِثَالُ صُورَةِ الْكَتْمِ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً تَطُولُ إقَامَتُهَا عِنْدَهُ ثُمَّ يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَطُلْ فَهَذَا قَدْ كَتَمَ فَقْدُ مَوْجُودٍ مَقْصُودٍ فَقْدُهُ وَذَلِكَ مِنْ الْغِشِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَابَحَةَ يَقَعُ فِيهَا الْكَذِبُ فِي الثَّمَنِ وَيُوجَدُ فِيهَا الْعَيْبُ وَيُوجَدُ فِيهَا الْغِشُّ وَأَحْكَامُ ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ (فَإِنْ قُلْتَ) حَقُّ الشَّيْخِ أَنْ يَقُولَ فِي حَدِّ الْغِشِّ كَمَا قَدَّمَ فِي تَقْيِيدِهِ فِي الشَّرِكَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ الْإِقَالَةِ فَيَقُولُ الْغِشُّ هُنَا لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ الْغِشُّ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (قُلْتَ) يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَعَلَّهُ رَأَى السِّيَاقَ يُعَيِّنُ الْمَحْدُودَ وَفِيهِ بَحْثٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ نَقُولُ أَمَّا الْغِشُّ هُنَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرَّدِّ فِي الْعَيْبِ مَعَ الْقِيَامِ وَأَمَّا الْكَذِبُ فَحُكْمُهُ مَعَ الْقِيَامِ يُخَالِفُ الْغِشَّ لِأَنَّ الْغِشَّ إذَا ثَبَتَ فِي الْمُرَابَحَةِ فَلِلْمُشْتَرِي فَسْخُهُ وَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ فِي الْفَوَاتِ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الْمُسَمَّى وَأَمَّا الْكَذِبُ فَيَلْزَمُهُ مَعَ الْقِيَامِ إذَا أَسْقَطَ الْبَائِعُ الْكَذِبَ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ تَتَرَكَّبُ مَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ بِأَنْ تَكُونَ كَذِبٌ مَعَ غِشٍّ أَوْ كَذِبٌ مَعَ عَيْبٍ أَوْ غِشٌّ مَعَ عَيْبٍ أَوْ كَذِبٌ وَغِشٌّ وَعَيْبٌ مِثْلَ مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً لَا وَلَدَ لَهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا وَتَلِدُ ثُمَّ يَبِيعُهَا بِكُلِّ الثَّمَنِ بِدُونِ وَلَدٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَوَلَدُهَا عَيْبٌ وَطُولُ إقَامَتِهَا غِشٌّ وَمَا نَقَصَ التَّزْوِيجُ وَالْوَلَدُ مِنْ قِيمَتِهَا كَذِبٌ وَلِكُلٍّ حُكْمٌ يَخُصُّهُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ حَدُّ الْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ بِقَوْلِهِ إبْدَاءُ إلَخْ وَهُنَا قَدْ رَأَيْت مَا حَدَّ بِهِ (قُلْتُ) الْغِشُّ هُنَا هُوَ الْمَعْلُومُ بِغِشِّ الْمُرَابَحَةِ وَهُوَ مُغَايِرٌ لِلتَّدْلِيسِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ إذَا تَأَمَّلْت ذَلِكَ وَلَك النَّظَرُ فِي غِشِّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَفِي غِشِّ الْمُرَابَحَةِ هَلْ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ أَوْ مُطْلَقٌ وَالظَّاهِرُ التَّبَايُنُ لِتَنَافُرِ خَوَاصِّهِمَا رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ وَنَفَعَ بِهِ بِمَنِّهِ. [بَابُ الْإِبَارِ فِي النَّخْلِ] (ء ب ر) : بَابُ الْإِبَارِ فِي النَّخْلِ نَقَلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْبَاجِيِّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَنْشَقَّ الطَّلْعُ عَنْ الثَّمَرَةِ وَلَا يَخْفَاك مَا فِيهِ وَتَأَمَّلْ كَلَامَهُ بَعْدُ وَمَا ذَكَرَ فِي اللِّقَاحِ وَلَوْلَا الْخُرُوجُ عَنْ الْمَقْصِدِ لَذَكَرْنَاهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْهُ فِي أَقْسَامِ الْإِبَارِ وَإِبَارِ التِّينِ وَمَا لَا نَوْرَ لَهُ أَنْ يُبْرِزَ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ عَنْ مَوْضِعِهَا وَتَتَمَيَّزُ عَنْ أَصْلِهَا وَإِبَارُ النَّخْلِ الَّتِي لَا تُؤَبَّرُ أَنْ تَبْلُغَ مَبْلَغَ الْإِبَارِ فِي غَيْرِهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [كِتَابُ الْعَرِيَّةِ] (ع ر ي) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الْعَرِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِّهَا " مَا مُنِحَ مِنْ ثَمَرٍ يَيْبَسُ " قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ الْمَازِرِيُّ هِيَ هِبَةُ الثَّمَرَةِ وَقَالَ عِيَاضٌ مَنْحُ ثَمَرِ النَّخْلِ عَامًّا وَقَالَ الْبَاجِيُّ هِيَ النَّخْلَةُ الْمَوْهُوبُ ثَمَرُهَا لِأَنَّ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ الْعَرَايَا نَخْلٌ تُوهَبُ قَوْلُ الشَّيْخِ فِي حَدِّ الْعَرِيَّةِ مَا مُنِحَ الْعَرِيَّةُ فَعِيلَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة وَلَمَّا غَلَبَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 التَّسْمِيَةُ دَخَلَتْ التَّاءُ فِيهَا وَنَقَلَ عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا فِي اشْتِقَاقِهَا وَحَصَلَ عَشَرَةُ أَقْوَالٍ وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ النَّخْلَةُ يُعِيرُهَا صَاحِبُهَا زَمَانًا ثُمَّ غَلَبَ فِي الشَّرْعِ عُمُومُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي ثَمَرِ النَّخْلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَيْبَسُ وَهَذَا يَشْهَدُ لِمَا قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ يُعَمِّمُ اللَّفْظَ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَدْلُولِهِ لُغَةً وَالْغَالِبُ عَكْسُهُ وَقَوْلُهُ " مَا مُنِحَ " أَيْ أُعْطِيَ وَهُوَ عَامٌّ فِي الثَّمَرِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ خُصِّصَ ذَلِكَ بِالثَّمَرِ ثُمَّ خُصِّصَ ذَلِكَ بِمَا يَيْبَسُ فَدَخَلَ فِيهِ ثَمَرُ النَّخْلِ وَالْعِنَبُ وَالتِّينُ وَغَيْرُ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) الْمَذْهَبُ وَغَيْرُهُ اخْتَلَفَ هَلْ يَقْصُرُ ذَلِكَ عَلَى النَّخْلِ وَالْعِنَبِ أَوْ عَلَى مَا يَخْرُصُ أَوْ عَلَى مَا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ وَقَدْ خَصَّصَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَسْمَهُ بِمَا ذُكِرَ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ رَسَمَ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ يُخَالِفُ حَدَّهُ لِعُمُومِهِ فِي جَمِيعِ الثِّمَارِ وَمُغَايِرٌ لَهُ فِي لَفْظِ الْهِبَةِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ عِيَاضٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَاصِرٌ عَلَى ثَمَرِ النَّخْلِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ مُخَالِفٌ فِي الْهِبَةِ وَفِي الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ صَيَّرَ الْعَرِيَّةُ النَّخْلَةَ وَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قُلْتُ) إطْلَاقُ الرِّوَايَاتِ بِإِضَافَةِ الْبَيْعِ إلَيْهَا يَمْنَعُ كَوْنَهَا الْإِعْطَاءَ أَوْ النَّخْلَ إشَارَةً إلَى رَدِّ قَوْلِ الْمَازِرِيِّ فِي كَوْنِهِ صَيَّرَهَا هِبَةً وَرَدَّ عَلَى مَنْ سَمَّاهَا نَخْلَةً بِأَنَّ إطْلَاقَ الرِّوَايَاتِ بَيْعُ الْعَرِيَّةِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ الْعَرِيَّةُ مَا مُنِحَ مِنْ الثَّمَرِ لَا إعْطَاءُ الثَّمَرِ وَلَا النَّخْلَةُ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْبَيْعِ إنَّمَا هُوَ الْمَمْنُوحُ مِنْ الثَّمَرِ بَدَلٌ شَرْعًا عَلَى أَنَّ الْعَرِيَّةَ هِيَ ذَلِكَ كَمَا حَدَّ بِهِ لَا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرُوهُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ نَخْلٌ تُوهَبُ فَقَدْ صَحَّ التَّفْسِيرُ بِذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ وَالْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا وَجَدَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ تَأَوَّلْنَا كَلَامَهُمْ عَلَى الْمَجَازِ عَلَى حَذْفٍ فَيُقَالُ بَيْعُ ثَمَرِ الْعَرِيَّةِ لِأَجْلِ الرُّجُوعِ إلَى أَصْلِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ (قُلْتُ) لَمَّا كَانَ الْأَثَرُ مَوْقُوفًا وَوَقَعَ فِي الْأَحَادِيثِ اخْتِلَافٌ فِي الْإِطْلَاقَاتِ رَجَعْنَا إلَى تَحْقِيقِ إطْلَاقَاتِ الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِهِمْ وَمَا تَوَاطَئُوا عَلَيْهِ فِي اصْطِلَاحَاتِهِمْ فَلَمَّا عَبَّرُوا فِي مَقَامِ التَّحْقِيقِ بِمَا ذُكِرَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ فَهِمُوا مَا ذُكِرَ (فَإِنْ قُلْتَ) كِتَابُ الْعَرِيَّةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا يَذْكُرُونَ مِنْهُ الْعَرِيَّةَ وَبَيْعَ الْعَرِيَّةِ وَتَشَاغَلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْعَرِيَّةِ وَلَمْ يُعَرِّفْ بَيْعَ الْعَرِيَّةِ. (قُلْتُ) الْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا عَرَّفَ الْعَرِيَّةَ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ بَيْعُ الْعَرِيَّةِ مَعَ إضَافَةِ لُزُومِ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطِهَا وَفِيهِ بَحْثٌ فَيُقَال فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بَيْعُ الْمُعْرِي مَا مُنِحَ مِنْ ثَمَرٍ يَيْبَسُ لِلْمُعْرَى بِخَرْصِهِ ثَمَرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِغَيْبِهِ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 [بَابٌ فِي شُرُوطِ رُخْصَةِ الْعَرِيَّةِ] ِ قَالَ " كَوْنُ شِرَائِهَا بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَكَوْنُهُ بِخَرْصِهَا مِنْ صِنْفِهَا وَكَوْنُهُ لِمُدَّةِ جُذَاذِهَا وَكَوْنُهُ فِي ذِمَّةٍ " أَمَّا الشَّرْطُ الْأَوَّلُ فَهُوَ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ خِلَافُهُ وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ نَصَّ فِيهَا لَا يَجُوزُ بِثَمَرٍ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهَا قَالَ الشَّيْخُ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ خَيْرٌ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ النَّوْعُ لِأَنَّ الصِّنْفَ أَخَصُّ مِنْ النَّوْعِ اُنْظُرْهُ وَقَوْلُهُ لِمُدَّةِ جُذَاذِهَا هُوَ نَصُّهَا فِيهَا وَكَوْنُهُ فِي الذِّمَّةِ قَالَ فِيهَا أَيْضًا لَا يَجُوزُ بِخَرْصِهَا مِنْ حَائِطٍ آخَرَ بِعَيْنِهِ اُنْظُرْ مَا فِيهِ مِنْ كَلَامِ الْبَاجِيِّ وَالْمَازِرِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَانْظُرْ مَا فِي اشْتِرَاطِ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي اشْتِرَاطِ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْأَقَلِّ مِنْهَا خِلَافًا وَيَخْرُجُ مِنْ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمِقْدَارِ فَقَطْ. [بَابٌ فِي الَّذِي يُبْطِلُ الْعَرِيَّةَ] َ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مَوْتُ مُعْرِيهَا أَوْ فَلَسُهُ قَبْلَ حَوْزِهَا " اُنْظُرْهُ. [كِتَابُ الْجَوَائِحِ] (ج وح) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الْجَوَائِحِ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ الشُّيُوخَ يُعَبِّرُونَ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ بِالْجَوَائِحِ وَيَكْتُبُونَهُ كَذَلِكَ وَتَبْدِيلُ الْأَسْمَاءِ أَصْلُهُ فِي الشَّرْعِ لِحُسْنِ التَّفَاؤُلِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَا أُتْلِفَ مِنْ مَعْجُوزٍ عَنْ نَفْعِهِ عَادَةً قَهْرًا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ نَبَاتٍ بَعْدَ بَيْعِهِ " قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَا أُتْلِفَ " صَيَّرَ الْجَائِحَةَ عُرْفًا شَرْعِيًّا هِيَ التَّلَفُ وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الْمُصِيبَةُ الْعَامَّةُ الْمُذْهِبَةُ لِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ثُمَّ خُصِّصَتْ فِي الشَّرْعِ بِمَا ذُكِرَ قَوْلُهُ " مِنْ مَعْجُوزٍ " مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ وَالْمَعْجُوزُ عَنْ دَفْعِهِ عَادَةً أَخْرَجَ بِهِ مَا لَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 يَعْجِزْ عَنْ دَفْعِهِ وَاَلَّذِي لَمْ يَعْجِزْ عَنْ دَفْعِهِ كَالْبَرْدِ وَالنَّارِ وَالرِّيحِ وَالْغَرَقِ وَالْجَرَادِ وَالسَّمُومِ وَقَدْ أُطْلِقَ عَلَيْهَا جَائِحَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا السَّارِقُ وَالْجَيْشُ فَفِيهِمَا خِلَافٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَاجِيُّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِهَا الَّذِي أَصَابَ الثَّمَرَةَ بِكُلِّ وَجْهٍ أَوْ مَا أَصَابَ الثَّمَرَةَ بِغَالِبٍ لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْقَوْلَانِ وَقِيلَ أَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى أَمْرٍ سَمَاوِيٍّ. (فَإِنْ قُلْتَ) عَلَى أَيِّ مَذْهَبٍ عَرَفَ الشَّيْخُ (قُلْتُ) لَا يَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ وَلَا عَلَى الثَّالِثِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى الثَّانِي (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْف يَصِحُّ عَلَى الثَّانِي وَقَدْ قَالَ فِيهَا أَوْ لِغَالِبٍ لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ مُطْلَقًا فَفِيهِ قُيُودٌ لَمْ يَذْكُرْهَا الشَّيْخُ (قُلْتُ) يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ مَعْجُوزٍ عَنْ دَفْعِهِ عَادَةً يَسْتَلْزِمُ تِلْكَ الْقُيُودَ وَقَوْلُهُ " قَدْرًا " مَفْعُولٌ بِأَتْلَفَ وَأَطْلَقَ فِي الْقَدْرِ حَتَّى يَعُمَّ الثِّمَارَ وَغَيْرَهَا إلَّا أَنَّ الثِّمَارَ فِيهَا شَرْطُ الثُّلُثِ وَأَطْلَقَ فِي الثَّمَرِ ظَاهِرُهُ أَيُّ ثَمَرٍ كَانَ وَالنَّبَاتُ كَالْبُقُولِ وَمَا شَابَهَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا تَحْدِيدَ فِي قَدْرِهَا (فَإِنْ قُلْتَ) يَصْدُقُ حَدُّ الشَّيْخِ عَلَى مَنْ اشْتَرَى شَجَرًا وَفِيهَا ثَمَرٌ ثُمَّ أُصِيبَ الثَّمَرُ أَنْ يَكُونَ جَائِحَةً وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا جَائِحَةَ فِي ذَلِكَ (قُلْتُ) الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ وَالشَّيْخُ رُبَّمَا يَكُونُ حَدَّهُ لِعُمُومِ الْمَسَائِلِ وَهُنَا مَسَائِلُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا قَوْلُهُ (بَعْدَ بَيْعِهِ) أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ قَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا وَبَعْدَ الْبَيْعِ مَعْمُولٌ لِلْفِعْلِ الصِّلَةِ وَتَأَمَّلْ هَذَا فَفِيهِ مَا يُتَأَمَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُهُ أَوْ نَبَاتٍ أَطْلَقَ فِيهِ وَظَاهِرُهُ أَيُّ نَبَاتٍ كَانَ حَتَّى إذَا بَاعَ نَبَاتًا مِنْ رَبِيعٍ أَوْ غَيْرِهِ كَوَرَقِ تُوتٍ أَوْ وَرَقِ غَيْرِهِ (قُلْتُ) ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ مَسَائِلَ مَشْهُورَةً وَفِيهَا خِلَافٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ فِي رَسْمِهِ لِلْجَائِحَةِ بِأَنَّ الرَّسْمَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ لِلِاسْمِ وَأَجَابَ الشَّيْخُ بِأَنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَ ذَلِكَ عَلَى الِاسْمِ وَأَجَابَ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ بِأَنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَ ذَلِكَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ فَالصَّوَابُ ذِكْرُ الْحَدَّيْنِ أَوْ الرَّسْمَيْنِ وَأَوْرَدَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَيَاتِهِ إذَا سَاقَى رَجُلٌ رَجُلًا زَيْتُونًا فَأُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ فَإِنَّ فِيهَا الرُّجُوعَ بِهَا وَالْبَيْعُ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا وَالرَّسْمُ فِيهِ اشْتِرَاطُ الْبَيْعِ فَالرَّسْمُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ وَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْبَيْعِ وَهَذَا الْجَوَابُ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْتَاجُ إلَى فَهْمٍ عَنْهُ فَإِنَّ مَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الشَّيْءِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَدِّ إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظًا وَقَدْ صَرَّحَ فِي كَثِيرٍ مِنْ رُسُومِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَيُعَيِّنُ مَا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ مَا كَانَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 لِلصَّوَابِ (فَإِنْ قُلْتَ) يَرُدُّ عَلَى الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُقَالَ رَسْمُهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ لِوُجُودِ الْجَائِحَةِ فِي الَّذِي لَمْ يَقَعْ بَيْعُهُ مِنْ النَّبَاتِ بَلْ وَقَعَ اسْتِئْجَارُ الْمَاءِ لَهُ وَقَدْ قَالَ فِي شُفْعَتِهَا مَنْ اشْتَرَى شِرْبَ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ لِسَقْيِ زَرْعٍ لَهُ فَغَارَ الْمَاءُ وُضِعَ عَنْ مُشْتَرِيهِ مَا قَلَّ مِنْهُ فَهَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ رَسْمِهِ لِعَدَمِ وُجُودِ الْبَيْعِ فِي ثَمَرٍ أَوْ نَبَاتٍ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ أَنْ يَقُولَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ ذَلِكَ مِمَّا أُلْحِقَ بِالْبَابِ لَا أَنَّهُ مِنْ الْبَابِ لِأَنَّهُ لَمْ يُطْلِقْ فِيهَا عَلَيْهَا الْجَائِحَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الثُّلُثُ فِي وَضْعِ الْجَوَائِح] بَابٌ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الثُّلُثُ فِي وَضْعِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهَا هُوَ فِيمَا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ وَيُتْرَكُ حَتَّى يُجَذَّ جَمِيعُهُ كَانَ مِمَّا يَخْرُصُ أَمْ لَا كَالنَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَالزَّيْتُونِ اُنْظُرْهُ فَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ السَّلَمِ] (س ل م) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ السَّلَمِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يُوجِبُ عِمَارَةَ ذِمَّةٍ بِغَيْرِ عَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ غَيْرَ مُتَمَاثِلِ الْعِوَضَيْنِ " قَوْلُهُ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ " تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ الْأَعَمِّ قَوْلُهُ " يُوجِبُ عِمَارَةَ ذِمَّةٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْمُعَاوَضَةَ فِي الْمُعَيَّنَاتِ قَوْلُهُ " بِغَيْرِ عَيْنٍ " أَخْرَجَ بِهِ بَيْعَةَ الْأَجَلِ قَوْلُهُ " وَلَا مَنْفَعَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْكِرَاءَ الْمَضْمُونَ وَمَا شَابَهَهُ مِنْ الْمَنَافِعِ فِي الذِّمَّةِ قَوْلُهُ " غَيْرَ مُتَمَاثِلِ الْعِوَضَيْنِ " أَخْرَجَ بِهِ السَّلَفَ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيَخْرُجُ شِرَاءُ الدَّيْنِ وَالْكِرَاءُ الْمَضْمُونُ وَالْقَرْضُ (فَإِنْ قُلْتَ) أَمَّا خُرُوجُ الْقَرْضِ فَقَدْ بَيَّنَّاهُ قَبْلُ وَكَذَلِكَ الشِّرَاءُ الْمَضْمُونُ وَأَمَّا بَيْعُ الدَّيْنِ فَكَيْفَ يَخْرُجُ مِنْ حَدِّهِ (قُلْتُ) كَانَ يَمُرُّ لَنَا فِي بَيَانِهِ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْرَجَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يُوجِبُ عِمَارَةَ الذِّمَّةِ وَكَذَا وَجَدْته أَيْضًا مُقَيَّدًا عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فَعَقْدُ السَّلَفِ أَوْجَبَ عِمَارَةَ ذِمَّةٍ وَبَيْعُ الدَّيْنِ عَقْدٌ قَرَّرَ الْعِمَارَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وَلَمْ يُوجِبْ عِمَارَةَ ذِمَّةٍ خَالِيَةٍ مِنْ الدَّيْنِ وَكَانَ يَمْضِي لِبَعْضِهِمْ إنْ قَالَ تُمْنَعُ أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ لَمْ يُوجِبْ عِمَارَةَ ذِمَّةٍ بَلْ أَوْجَبَ عِمَارَةَ ذِمَّةٍ لِشَخْصٍ لَمْ تَكُنْ ذِمَّةٌ عَامِرَةٌ لَهُ بَلْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ وَوَقَعَ الْجَوَابُ بِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ مِنْ خَاصِّيَّتِهِ إيجَابُ عِمَارَةِ ذِمَّةٍ مُطْلَقَةٍ أَيْ لَمْ تَعْمُرْ إلَّا بِسَبَبِ الْعَقْدِ وَهَذَا إنْ سَلَّمَ فَإِنَّهُ إنَّمَا عَمَرَ ذِمَّةً مُقَيَّدَةً فَإِنَّ الذِّمَّةَ كَانَتْ عَامِرَةً وَفِيهِ بَحْثٌ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا مَوْقِعُ زِيَادَةِ الشَّيْخِ الَّتِي زَادَهَا بَعْدَ إخْرَاجِ الدَّيْنِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَإِنْ مَاثَلَ حُكْمَهُ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ عُرْفًا وَالْمُخْتَلِفَانِ يَجُوزُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ (قُلْتُ) مَوْقِعُ هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ بَيْعُ الدَّيْنِ شَارَكَ السَّلَمُ فِي حُكْمِهِ وَكُلُّ مَا شَارَكَهُ فِي حُكْمِهِ فَهُوَ سَلَمٌ فَبَيْعُ الدَّيْنِ سَلَمٌ فَلَا يَخْرُجُ بَلْ يَدْخُلُ أَمَّا الصُّغْرَى فَلِأَنَّ السَّلَمَ أَوْجَبَ عِمَارَةَ ذِمَّةٍ بِغَيْرِ عَيْنٍ وَلَا مَنَافِعَ وَبَيْعُ الدَّيْنِ الْمَبِيعِ فِيهِ كَذَلِكَ فَقَدْ شَارَكَ السَّلَمَ فِي حُكْمِهِ وَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ إنَّمَا أَخْرَجْنَاهُ مِنْهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى بَيْعِ الدَّيْنِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ أَنَّهُ سَلَمٌ وَالرَّسْمُ لَمَّا غَلَبَ إطْلَاقُهُ شَرْعًا فَالْحَدُّ إنَّمَا هُوَ لِلْغَالِبِ ثُمَّ إذَا سُلِّمَتْ الْمُشَارَكَةُ فَلَنَا الْقَدْحُ فِي الْكُبْرَى بِأَنَّهَا غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِوَاءِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي حُكْمٍ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ وَهَذَا جَلِيٌّ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي اشْتَرَكَ فِيهِ السَّلَمُ وَالدَّيْنُ (قُلْتُ) تَقَرُّرُهُمَا فِي الذِّمَّةِ وَأَنَّ الْمُقَرَّرَ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ عَيْنٍ وَلَا مَنَافِعَ وَلَا يُشْتَرَى بِدَيْنٍ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ قَبْلُ وَإِذَا كَانَ بَيْعُ الدَّيْنِ لَا يُقَالُ فِيهِ سَلَمٌ فَلَا يَكُونُ نَاقِضًا لِطَرْدِ حَدِّهِ بِمَا زَادَهُ فِي حَدِّهِ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا مَوْقِعُ قَوْلِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدُ وَلَا يَدْخُلُ إتْلَافُ الْمِثْلِيِّ غَيْرَ عَيْنٍ وَلَا هِبَةَ غَيْرِ مُعَيَّنٍ (قُلْتُ) مَوْقِعُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَهِمَ أَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ مُطَّرِدٍ فَلَا يَدْخُلُ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ وَهُوَ جَلِيٌّ وَلِذَا غَيَّرَ الْعِبَارَةَ هُنَا فَتَأَمَّلْهُ وَأَوْرَدَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ عَلَى رَسْمِهِ إذَا رَدَّ الْمُقْرِضُ غَيْرَ الْقَرْضِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ سَلَمًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ الرَّسْمَ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ وَعِنْدِي فِي صِحَّةِ صِدْقِ الرَّسْمِ نَظَرٌ لِأَنَّ الرَّسْمَ يَقْتَضِي أَنَّ ثَمَّ عِوَضَيْنِ غَيْرَ مُتَمَاثِلَيْنِ وَفِي رَدِّ عَيْنِ الْقَرْضِ لَا عِوَضَ (قَوْلُهُ) غَيْرَ مُتَمَاثِلِ الْعِوَضَيْنِ عُدُولٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ عِوَضَيْنِ غَيْرَ مُتَمَاثِلَيْنِ لَا سَلْبَ حَتَّى يَلْزَمَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَعَمُّ مِمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عِوَضٌ أَصْلًا أَوْ عِوَضَانِ مُتَمَاثِلَانِ وَانْظُرْ إخْرَاجَهُ الْقَرْضَ بِقَوْلِهِ غَيْرَ مُتَمَاثِلِ الْعِوَضَيْنِ مَعَ حَدِّهِ لِلْقَرْضِ بِمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ دَفْع مُتَمَوَّلٍ إلَخْ (فَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 قُلْتَ) أَوْرَدَ عَلَى الْحَدِّ أَسْئِلَةً الْأَوَّلُ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ تِلْمِيذُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَيِّدِي الْفَقِيهُ الْأَبِيُّ قَالَ قَوْلُهُ مُتَمَاثِلِ الْعِوَضَيْنِ حَافِظٌ فِيهِ عَلَى الطَّرْدِ فَأَخَلَّ بِالْعَكْسِ لِأَنَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَسَلَّمَك ثَوْبًا فِي مِثْلِهِ كَقَرْضِك ثَوْبًا فِي مِثْلِهِ الْمَسْأَلَةُ وَبَيَانُ إيرَادِهِ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ سَمَّاهَا سَلَمًا وَالزِّيَادَةُ تَمْنَعُ دُخُولَهَا فَهَلْ هَذَا صَحِيحٌ (قُلْتُ) كَانَ يَمُرُّ لَنَا فِي جَوَابِهِ أَنَّ تَسْمِيَةَ ذَلِكَ سَلَمًا مَجَازٌ بِقَرِينَةِ تَشْبِيهِهِ بِالسَّلَفِ فَهُوَ سَلَفٌ لَا سَلَمٌ لِأَنَّ حُكْمَ السَّلَفِ وَلَازِمَهُ وَخَاصِّيَّتَهُ مَوْجُودَةٌ فِيهِ وَالسُّؤَالُ الثَّانِي ذِكْرُهُ الذِّمَّةَ وَفِيهِ تَرْكِيبٌ فِي الْحَدِّ وَهُوَ مُخِلٌّ بِالتَّعْرِيفِ وَقَدْ اعْتَرَضَ الشَّيْخُ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَوَاضِعِهِ فِي ذِكْرِ التَّرْكِيبِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَوْمِ. (قُلْتُ) وَهَذَا وَارِدٌ عَلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنْ يُقَالَ الذِّمَّةُ يَذْكُرُ حَدَّهَا بَعْدُ بِقَرِيبٍ وَكَثِيرًا مَا وَقَعَ لِلشَّيْخِ ذَلِكَ وَفِيهِ مَا فِيهِ وَلَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ سَيِّدِي الْفَقِيهُ الْأَبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ يُوجِبُ عِمَارَةَ الذِّمَّةِ بَيْعُ الدَّيْنِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَقَالَ الشَّيْخُ إنَّمَا يَخْرُجُ بَيْعُ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سَلَمًا فِي الْعُرْفِ قَالَ وَالصَّوَابُ مَا قُلْنَا لِأَنَّ السَّلَمَ هُوَ الْمُعَرَّفُ وَالْمُعَرَّفُ لَا يَخْرُجُ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى لِأَنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَقُلْ خَرَجَ ذَلِكَ لِأَجْلِ مَا ذُكِرَ بَلْ الْمُوجِبُ لِلْخُرُوجِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ عِمَارَةِ ذِمَّةٍ كَمَا قَرَّرْنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ سَبَبَ الْإِتْيَانِ بِمَا يُخْرِجُهُ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ لِأَيِّ شَيْءٍ أَخْرَجْته بِمَا ذَكَرْته فَأَجَابَ بِأَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ لَا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ سَلَمًا وَالرَّسْمُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ لِمَا غَلَبَ فِيهِ الْإِطْلَاقُ الشَّرْعِيُّ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَجِدُهُ صَوَابًا لَا شَكَّ فِيهِ وَبَحْثُ تِلْمِيذِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَظْهَرْ بِوَجْهٍ وَنَقَلَ الشَّيْخُ الْوَانُّوغِيُّ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ قَالَ حَدَّ أَصْحَابُنَا السَّلَمَ بِأَنَّهُ بَيْعٌ مَعْلُومٌ فِي الذِّمَّةِ مَحْصُورٌ بِالصِّفَةِ بِعِوَضٍ حَاضِرًا وَمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ رَسْمِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ إلَّا عَلَى بَيْعِ الدَّيْنِ لِقَوْلِهِ مَعْلُومٌ فِي الذِّمَّةِ وَالسَّلَمُ لَيْسَ هُوَ مَعْلُومٌ فِي الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ عَقْدٌ يُوجِبُ عِمَارَةَ ذِمَّةٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. [بَابٌ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِي عِوَضِ السَّلَمِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا اخْتِلَافُ مَنَافِعِ عِوَضَيْهِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وَالْمُسْلَمَ فِيهِ إنْ اتَّحَدَا فِي الْجِنْسِيَّةِ فَإِنَّ اخْتِلَافَ مَنْفَعَتِهِمَا تُصَيِّرُهُمَا كَالْمُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ كَجِذْعٍ فِي مِثْلِهِ إنْ اخْتَلَفَتْ مَنْفَعَتُهُمَا جَازَ وَكَذَا كِبَارُ الْخَيْلِ فِي كِبَارِهَا إذَا كَانَ جَوَادًا فِي غَيْرِ جَوَادٍ وَكَذَلِكَ الْغَنَمُ فِي مِثْلِهَا إذَا كَانَتْ غَزِيرَةَ اللَّبَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ حَدِّ الْكِبَرِ فِي الْخَيْلِ] ِ قَالَ بُلُوغُهَا الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ. [بَابٌ فِي شُرُوطِ السَّلَمِ] ِ اُنْظُرْهَا فِيهِ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ مِنْهُ. [بَابُ مَا يَلْزَمُ فِيهِ قَضَاءُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ] ِ قَالَ مَا مَعْنَاهُ حُلُولُهُ بِصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ مَعَ يُسْرِ الْمَدِينِ. [بَابُ حُسْنِ الِاقْتِضَاءِ وَالْقَضَاءِ] (ق ض ي) : بَابُ حُسْنِ الِاقْتِضَاءِ وَالْقَضَاءِ قَالَ مَا مَعْنَاهُ " قَضَاؤُهُ بِأَقَلِّ قَدْرًا فَقَطْ مِنْ صِنْفِهِ وَالْقَبْضُ مِنْ الْمَدِينِ جَائِزٌ فَهَذَا حُسْنُ اقْتِضَاءٍ وَعَكْسُهُ حُسْنُ قَضَاءٍ " أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ إذَا حَلَّ بِصِفَتِهِ وَأَعْطَى الْمَدِينَ أَقَلَّ قَدْرًا فَهُوَ حُسْنُ اقْتِضَاءٍ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَالْمُنْتَفَعُ هُوَ الْمَدِينُ وَلِذَا قَالَ وَالْقَبْضُ مِنْ الْمَدِينِ جَائِزٌ وَإِنْ دَفَعَ الْمَدِينُ أَكْثَرَ قَدْرًا عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ حُسْنُ قَضَاءٍ وَالْقَابِضُ لِلْمَنْفَعَةِ صَاحِبُ الدَّيْنِ وَلَوْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِأَقَلِّ قَدْرٍ أَوْ رَدَاءَةٍ وَفِي عَكْسِ ذَلِكَ يَكُونُ قَدْرًا أَوْ جَوْدَةً لَكَانَ حَسَنًا لِأَنَّهُ قَالَ وَكَذَا فِي صِفَتَيْ الرَّدَاءَةِ وَالْجَوْدَةِ مَعَ اتِّحَادِ الْقَدْرِ هَذَا مَا يَجُوزُ فِي الْقَضَاءِ أَوْ الِاقْتِضَاءِ وَأَمَّا إنْ كَانَ أَقَلَّ قَدْرًا وَأَجْوَدَ صِفَةً فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِدَوَرَانِ الْفَضْلِ وَأَمَّا عَكْسُهُ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَبَحْثٌ هُنَا لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ شَيْخِهِ حَيْثُ اسْتَشْكَلَ قَوْلَهُمْ يَجُوزُ أَخْذُ الْأَدْنَى فِي الطَّعَامِ قَالَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَا فِي الذِّمَّةِ وَإِلَّا لَزِمَ قَبُولُهُ وَكَوْنُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 غَيْرَهُ يُوجِبُ كَوْنَهُ بَيْعَ طَعَامٍ قَبْلَ قَبْضِهِ وَحَاصِلُ بَحْثِ شَيْخِهِ وَإِشْكَالِهِ أَنْ يُقَالَ دَائِمًا إمَّا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الْأَدْنَى مَعَ غَيْرِهِ مِمَّا فِي الذِّمَّةِ مُغَايِرٌ لِمَا فِي الذِّمَّةِ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ مُغَايِرًا لَزِمَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالتَّالِي بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُغَايِرٍ لَزِمَ جَبْرُ رَبِّهِ عَلَى أَخْذِهِ وَالتَّالِي بَاطِلٌ وَبَيَانُ الْمُلَازَمَتَيْنِ ظَاهِرٌ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقِسْمَ الْأَوَّلَ وَقَدَحَ فِي الْمُلَازَمَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بِأَنَّهُ مُغَايِرٌ وَلَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمُغَايَرَةَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ بِدَلِيلِ إذَا أَخَذْنَا أَقَلَّ مِمَّا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ مُغَايِرٌ لِمَا فِيهَا وَلَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ مِنْ كَوْنِهِ بَيْعًا لِأَنَّا صَيَّرْنَا الْأَدْنَى صِفَةً كَالْأَقَلِّ مِنْهَا إعْطَاءً لِلْجُزْءِ الْمَعْقُولِ حُكْمَ الْمَحْسُوسِ فِيمَا لَا خُصُوصِيَّةَ فِيهِ لِأَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [بَابٌ فِي جَوَازِ اقْتِضَاءِ غَيْرِ جِنْسِ مَا أُسْلِمَ فِيهِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضَبَطَ ابْنُ مُحْرِزٍ جَوَازَهُ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ قَالَ فَيَمْتَنِعُ وَهُوَ طَعَامٌ وَبِصِحَّةِ بَيْعِهِ بِالْمُقْتَضَى فَيَمْتَنِعُ وَرَأْسُ الْمَالِ ذَهَبٌ وَالْمُقْتَضَى غَيْرُ الطَّعَامِ فِضَّةٌ وَبِالْعَكْسِ اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابٌ فِي الذِّمَّةِ] (ذ م م) : بَابٌ فِي الذِّمَّةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هِيَ تَقْدِيرِيٌّ يَفْرِضُهُ الذِّهْنُ لَيْسَ بِذَاتٍ وَلَا صِفَةٍ لَهَا وَتَعَقَّبَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ إنْ قَامَ زِيدَ ذِمَّة وَعَرَّفَهَا بِأَنَّهَا " مِلْكُ مُتَمَوَّلٍ كُلِّيٍّ حَاصِلٌ أَوْ مُقَدَّرٌ " ثُمَّ قَالَ فَخَرَجَ عَنْهُ مَا أَمْكَنَ حُصُولُهُ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ وِلَايَةٍ أَوْ وُجُوبِ حَقٍّ لِقِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ مُتَمَوَّلًا إذْ لَا يُسَمَّى ذَلِكَ فِي الْعُرْفِ ذِمَّةً وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى تَعْرِيفِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ السَّلَمَ مِنْ شَرْطِهِ أَنَّ الْمَبِيعَ فِيهِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا مَعْنَى تَعَلُّقِهِ بِذِمَّةٍ أَوْ قَوْلِهِمْ الْمُسْلَم فِيهِ فِي الذِّمَّةِ (قُلْتُ) ذَلِكَ مَجَازٌ وَمَا فِيهِ مِنْ الظَّرْفِيَّةِ فِيهَا تَجَوُّزٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَإِنَّمَا الذِّمَّةُ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ وَلَيْسَ بِذَاتٍ قَائِمَةٍ يَكُونُ فِيهَا شَيْءٌ وَلَا صِفَةٍ حَالَّةٍ فِي مَوْصُوفِهَا وَلَكِنَّهَا مِنْ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي صُيِّرَ فِيهَا الْمَعْدُومُ مَوْجُودًا (فَإِنْ قُلْتَ) مَا مَعْنَى الْمِلْكِ فِي الْجِنْسِ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 الشَّيْءُ الْمُتَمَلَّكُ أَوْ اسْتِحْقَاقُ التَّصَرُّفِ فِي الْمُتَمَلَّكِ وَهُوَ الَّذِي عُرِفَ بِهِ الْمِلْكُ بَعْدُ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَكَيْفَ يُقَالُ أَنَّ الذِّمَّةَ مُتَمَلَّكَةٌ وَإِنَّمَا الْمُتَمَلَّكُ مَا فِيهَا لَا هِيَ وَإِنْ أُرِيدَ الِاسْتِحْقَاقُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِّ الْمِلْكِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَيْسَتْ هِيَ الِاسْتِحْقَاقُ (قُلْتُ) كَانَ يَعْرِضُ لِي ذَلِكَ وَكُنْت أَقُولُ صَوَابُهُ ذَاتُ مِلْكِ مُتَمَوَّلٍ كُلِّيٍّ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُضَافٌ إلَيْهَا أَيْ ذَاتٌ يُضَافُ لَهَا مِلْكٌ أَيْ اسْتِحْقَاقُ تَصَرُّفٍ فِي مُتَمَوَّلٍ قَوْلُهُ كُلِّيٍّ احْتَرَزَ بِهِ مِنْ الْمِلْكِ الْجُزْئِيِّ وَهِيَ الْقَابِلَةُ لِلْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَيُقَالُ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْمِلْكَ عَلَى الْحَقِّ وَفِيهِ بَحْثٌ وَقَصَدَ بِمُتَمَوَّلٍ إخْرَاجَ الْأُمُورِ الْمُتَمَلَّكَةِ الْغَيْرِ الْمُتَمَوَّلَةِ مِنْ الْحُقُوقِ غَيْرِ الْمَالِيَّةِ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ أَوْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ (فَإِنْ قُلْتَ) وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ وِلَايَةٍ (قُلْتُ) يَعْنِي كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ فِي الْإِعْطَاءِ وَالْجَبْرِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ غَيْرُ مَالِيَّةٍ (فَإِنْ قُلْتَ) وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ حَاصِلٌ أَوْ مُقَدَّرٌ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُتَمَوَّلَ الْكُلِّيَّ إمَّا حَاصِلٌ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْإِمْكَانِ وَإِنَّمَا أَخْرَجَ مَا ذُكِرَ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى ذَلِكَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ ذِمَّةً (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ صَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى ذَلِكَ ذِمَّةً أَوْ فِي ذِمَّةٍ (قُلْتُ) الصَّوَابُ مِمَّا ذُكِرَ وَانْظُرْ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ عَرَّفَ الذِّمَّةَ بِغَيْرِ هَذَا وَمِنْ لَازِمِ الذِّمَّةِ أَنَّ الْمُتَقَرِّرَ فِيهَا كُلِّيٌّ لَا جُزْئِيٌّ وَبَنَى الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ مَسَائِلَ وَأَنَّ مُصِيبَةَ مَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الْمَدِينِ حَتَّى يَقْبِضَ ذَلِكَ صَاحِبُ الدَّيْنِ (فَإِنْ قُلْتَ) رَسْمُهُ لِلدَّيْنِ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ بِمَا قَالَ الْغَيْرُ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا اشْتَرَى سِلْعَةً بِدَنَانِيرَ غَائِبَةٍ قَالَ يَضْمَنُهَا إذَا تَلِفَتْ وَتَعَلَّقَتْ بِالذِّمَّةِ فَالذِّمَّةُ هُنَا مِلْكٌ مُتَمَوَّلٌ جُزْئِيٌّ لَا كُلِّيٌّ لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ مُعَيَّنَةٌ (قُلْتُ) قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا هُوَ مَعَ شَرْطِهِ لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَالْغَيْرُ كَأَنَّهُ أَلْغَى التَّعْيِينَ فَالذِّمَّةُ مُتَمَوَّلٌ كُلِّيٌّ فَالْحَدُّ يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا مَعًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. [كِتَابُ الْقَرْضِ] (ق ر ض) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الْقَرْضِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " دَفْعُ مُتَمَوَّلٍ فِي عِوَضٍ غَيْرِ مُخَالِفٍ لَهُ لَا عَاجِلًا " الْقَرْضُ هُوَ السَّلَفُ قَوْلُ الشَّيْخِ دَفْعُ مُتَمَوَّلٍ صَيَّرَ جِنْسَ الْقَرْضِ دَفْعًا (فَإِنْ قُلْتَ) فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ الْقَرْضَ يَخْرُجُ مِنْ حَدِّ الْمُسْلِمِ بِمَا زَادَهُ مِنْ الْقَيْدِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ صَدَقَ عَلَى السَّلَفِ أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَلِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ عَقْدٌ مُعَاوَضَةٍ عَلَى دَفْعِ مُتَمَوَّلٍ إلَخْ (قُلْتُ) لَعَلَّ الشَّيْخَ رَأَى أَنَّ الْقَرْضَ غَلَبَ فِي دَفْعِ مَا ذُكِرَ فَقَصَرَهُ عَلَى الدَّفْعِ. (فَإِنْ قُلْتَ) فَإِذَا عَقَدَ عُقْدَةَ الْقَرْضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ فَهَلْ يُقَالُ بَيْنَهُمَا قَرْضٌ (قُلْتُ) إذَا ثَبَتَ عُرْفًا أَنَّهُ غَلَبَ عَلَى الدَّفْعِ فَلَا يُقَالُ إلَّا مَجَازًا وَإِنْ صَحَّ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَيَيْنِ فَيَكُونُ الْحَدُّ بِقَوْلِهِ دَفْعُ غَيْرِ مُنْعَكِسٍ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالْمُعَاطَاةِ كَمَا اعْتَرَضَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَنْ حَدَّ الْبَيْعَ بِقَوْلِهِ دَفْعُ عِوَضٍ فِي مُعَوَّضٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّلَفَ غَلَبَ عَلَى دَفْعِ الْمُتَمَوَّلِ وَهُوَ قَصْدُ الْفُقَهَاءِ فِي الِاسْتِعْمَالِ قَوْلُهُ " مُتَمَوَّلٍ " أَخْرَجَ بِهِ مَا لَيْسَ بِمُتَمَوَّلٍ إذَا دَفَعَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَرْضٍ وَلَا يُقْرَضُ مِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ " فِي عِوَضٍ " أَخْرَجَ بِهِ دَفْعَهُ هِبَةً قَوْلُهُ " غَيْرِ مُخَالِفٍ " أَخْرَجَ بِهِ دَفْعَهُ فِي الْمُخَالِفِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا قَوْلُهُ لَا عَاجِلًا " عَطْفٌ بِلَا عَلَى حَالٍ مُقَدَّرَةٍ أَيْ الْمُتَمَوَّلُ الْمَدْفُوعُ فِي عِوَضٍ غَيْرِ مُخَالِفٍ حَالَةَ كَوْنِهِ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا لَا عَاجِلًا أَخْرَجَ بِذَلِكَ الْمُبَادَلَةَ الْمِثْلِيَّةَ فَإِنَّهَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهَا لَوْلَا الزِّيَادَةُ. (فَإِنْ قُلْتَ) أَيُّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فَقَطْ (قُلْتُ) لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا عَاجِلًا أَخْصَرُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُقَدَّرًا يُوجِبُهُ الْإِعْرَابُ لَا يَخْرُجُ ذَلِكَ عَنْ الِاخْتِصَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَشْمَلُ الْفَاسِدَ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْحَدَّ لِلصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ قَالَ وَإِنْ أَرَدْت الصَّحِيحَ زِدْت فِي آخِرِ الْحَدِّ فَضْلًا فَقَطْ لَا يُوجِبُ إمْكَانَ عَارِيَّةٍ لَا تَحِلُّ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّةٍ هَذَا كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَوْلُهُ تَفَضُّلًا احْتَرَزَ بِهِ مِنْ قَصْدِ نَفْعِ الْمُسْلِفِ وَأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ نَفْعَ الْمُسْتَسْلِفِ فَقَطْ لَا نَفْعَهُمَا وَلَا نَفْعَ أَجْنَبِيٍّ لِأَنَّ ذَلِكَ سَلَفٌ فَاسِدٌ وَلِذَا قَالَ فَقَطْ وَهُوَ اسْمُ فِعْلٍ وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ الْفَاءُ هَلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 هِيَ عَاطِفَةٌ أَمْ لَا فِيهِ مَا مَرَّ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُهُ تَفَضُّلًا إنَّمَا يَخْرُجُ بِهِ النَّفْعُ لِنَفْسِهِ وَالنَّفْعُ لَهُمَا وَأَمَّا النَّفْعُ لِأَجْنَبِيٍّ فَفِيهِ التَّفَضُّلُ عَلَيْهِ كَالْمُتَسَلِّفِ (قُلْتُ) لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْمَعْرُوفَ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْأَجْنَبِيِّ لِجَرِّ نَفْعٍ لَهُ قَوْلُهُ لَا يُوجِبُ إمْكَانَ عَارِيَّةٍ لَا تَحِلُّ أَخْرَجَ بِهِ عَارِيَّةَ الْفُرُوجِ فِي قَرْضِ الْأَبْنَاءِ وَلَا يُقَالُ هَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَجَازَ الْقَرْضَ عَلَى رَدِّ الْمِثْلِ لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ إنَّمَا أَجَازَ ذَلِكَ بِشَرْطِ مَا ذَكَرْنَا وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ لَا يُوجِبُ إمْكَانَ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ وَلِذَا قِيلَ يَجُوزُ قَرْضُ الْأَمَةِ لِلْمَرْأَةِ وَلِذَوِي الْمَحَارِمِ مِنْهَا. (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يَرُدُّ عَلَى حَدِّ الشَّيْخِ الْأَوَّلِ دَفْعُ شَاةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي شَاةٍ مُعَيَّنَةٍ وَأَنَّ رَسْمَهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ فِيهِ الْقَرْضُ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَى لَفْظِهِ وَيُرَدُّ إذَا بَاعَ شَاةً بِشَاةٍ إلَى أَجَلٍ وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ فِي الْأَوَّلِ فِي عِوَضٍ كُلِّيٍّ لِأَنَّ مِنْ خَاصَّتِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَصِحَّ ضَبْطُهُ بِصِفَةٍ كُلِّيَّةٍ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ فَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ تُرَابُ الْمَعَادِنِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَرْضِينَ وَعَلَى ذَلِكَ أَجَّرُوا السَّلَفَ فِي مَاءِ الْقَوَادِيسِ (فَإِنْ قُلْتَ) لَمْ يُقَيِّدْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُتَعَلِّقَهُ فَهَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ السَّلَفُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَإِذَا دَفَعَ مَالًا عَلَى مُعَيَّنٍ فَهُوَ عِنْدَهُ سَلَفٌ كَمَا ذُكِرَ (قُلْتُ) يَصْدُقُ فِيهِ سَلَفٌ وَيَأْتِي لَهُ مُتَعَلِّقُهُ بَعْدُ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ هَذَا الْجَوَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ وَصِحَّتُهُ فَقَصَرَ تَعَلُّقَهُ عَلَى مَالٍ بِعَيْنِهِ تَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنُ سَهْلٍ فِيهِ فِي شَرْطِ تَعَلُّقِ السَّلَمِ بِالذِّمَّةِ وَذَكَرَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهَا ذَلِكَ اُنْظُرْهُ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قُلْنَا مُمَاثِلُهُ بَدَلًا عَنْ مُخَالِفِهِ لَمْ يَشْمَلْ إلَّا مَا شُرِطَ فِيهِ رَدُّ الْمِثْلِ لِامْتِنَاعِ مُمَاثَلَةِ الشَّيْءِ نَفْسِهِ وَصِحَّةِ غَيْرِ مُخَالَفَةِ الشَّيْءِ نَفْسِهِ (قُلْتُ) مَوْقِعُ هَذَا الْكَلَامِ كَأَنَّ سَائِلًا سَأَلَ عَنْ سِرِّ كَوْنِ الشَّيْخِ أَتَى بِغَيْرِ مُخَالِفٍ وَمُمَاثِلٍ أَخْصَرَ وَهُوَ مُؤَدَّى مَعْنَاهُ. فَأَجَابَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِجَوَابٍ حَسَنٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ دَفْعُ مُتَمَوَّلٍ فِي عِوَضٍ مُمَاثِلٍ لَكَانَ حَدُّهُ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ بِمَا إذَا دَفَعَ ثَوْبًا وَرَدَّهُ لَهُ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ قَبُولُهُ وَكَانَ ذَلِكَ قَرْضًا وَلَا يَصْدُقُ فِيهِ أَنَّهُ دَفْعُ مُتَمَوَّلٍ فِي عِوَضٍ مُمَاثِلٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الثَّانِي وَمُحَالٌ أَنْ يُمَاثِلَ نَفْسَهُ لِأَنَّ الْمِثْلَيْنِ غَيْرَانِ وَلَا يُرَدُّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ غَيْرِ مُخَالِفٍ لِأَنَّ الشَّيْءَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ نَفْسَهُ هَذَا مَوْقِعُ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَهُنَا مَسَائِلُ لَوْلَا الطُّولُ لَجَلَبْت مِنْهَا مَا يُفْهَمُ بِهِ الْحَدُّ طَرْدًا وَعَكْسًا لِكَثْرَةِ أَمْثِلَتِهَا (فَإِنْ قِيلَ) صُورَةُ السَّلَمِ الَّتِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَوْرَدَتْ نَقْضًا عَلَى حَدِّ السَّلَمِ فِي قَوْلِهَا وَسَلَّمَك ثَوْبًا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 مِثْلِهِ إلَخْ هَلْ تَرُدُّ عَلَى رَسْمِهِ فِي الْقَرْضِ (قُلْتُ) لَا تُرَدُّ بَلْ هِيَ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ السَّلَفِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَأْوِيلِهَا الْمَانِعِ مِنْ نَقْضِهَا عَلَى السَّلَمِ وَقَالُوا هُنَا لِلْمُقْرِضِ رَدُّ عَيْنِ الْقَرْضِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ فَتَأَمَّلْهُ وَنَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْقَرْضِ مَعْلُومَةٌ لِلْعَامَّةِ فَضْلًا عَنْ الْخَاصَّةِ هَذَا كَثِيرًا مَا يَقُولُهُ الشَّيْخُ الْمَذْكُورُ عَلَى جَلَالَةِ قَدْرِهِ وَرُسُوخِهِ فِي عِلْمِهِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ تِلْمِيذُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ بِرَدِّهِ الصَّائِبِ وَكَلَامِهِ اللَّازِبِ وَقَدْ رَدَّ بِهِ مِرَارًا فِي مَوَاضِعَ تُوجِبُ إعَادَتَهَا تَكْرَارًا وَقَدْ قَدَّمْنَا مِثْلَهَا مِرَارًا وَزَادَ هُنَا فِي تَمَامِ رَدِّهِ إنْ قَالَ وَأَشْيَاءُ كَثِيرَة مَعْلُومَةٌ مِنْ حَيْثُ وُجُودِهَا ضَرُورَةً عَسِيرٌ عِلْمُهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا مَعْقُولَةً كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَعْلُومَانِ لِلْعَوَامِّ مِنْ حَيْثُ وُجُودِهِمَا لَا مِنْ حَيْثُ مَعْقُولِيَّتُهُمَا. (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا ذَكَرَ حَدَّ الْقَرْضِ الصَّحِيحِ زَادَ مَا رَأَيْته وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ أَعَمُّ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ صُورَةِ الْفَسَادِ وَلَا يَخْفَى ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِهِ (قُلْتُ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهَا كُلَّهَا تَرْجِعُ بِالْمَعْنَى لِمَا ذَكَرَهُ فِي حَدِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيَنْفَعُنَا بِهِ بِفَضْلِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) حَدُّ الْقَرْضِ الْأَوَّلِ يَعُمُّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ كَمَا ذُكِرَ وَصُوَرُ الْفَسَادِ فِيهِ كَثِيرَةٌ فَإِنْ وَقَعَ لِأَيِّ شَيْءٍ يُرَدُّ (قُلْتُ) اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَيُعَبِّرُونَ عَنْ ذَلِكَ فِي إقْرَائِهِمْ بِقَوْلِهِمْ هَلْ يُرَدُّ إلَى فَاسِدِ أَصْلِهِ أَوْ صَحِيحِ نَفْسِهِ هَذِهِ أَحْسَنُ عِبَارَةٍ فِيهِ اُنْظُرْ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَعْنَاهَا هَلْ يَكُونُ فِيهِ الْقِيمَةُ أَوْ الْمِثْلُ وَانْتَقَدَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ كَيْفَ يُرَدُّ الْفَاسِدُ لِفَاسِدِ أَصْلِهِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُصَحَّحَ الْفَاسِدُ بِالْفَاسِدِ قَالَ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَكُنْت أُجِيبُهُمْ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ دَلَّ السِّيَاقُ عَلَيْهِ تَقْدِيرُهُ إلَى صَحِيحٍ فَاسِدٍ أَصْلُهُ قَالَ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ أَنَّ حَمْلَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ أَصْوَبُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى الْفَاسِدَ يُرَدُّ إلَى صَحِيحِ أَصْلِهِ أَوْ صَحِيحِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا قُلْنَا أَصْوَبُ مِنْ هَذِهِ لِتَعَذُّرِ صِدْقِ ظَاهِرِهَا لِأَنَّ ظَاهِرَهَا رَدُّهُ إلَى نَفْسِ صَحِيحِ أَصْلِهِ وَصَحِيحُ أَصْلِهِ إنَّمَا هُوَ إمْضَاؤُهُ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى فِيهِ وَهَذَا فِي الْقَرْضِ الْفَاسِدِ مُتَعَذِّرٌ تَصَوُّرًا وَتَصْدِيقًا فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنَ هَارُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) إنْ قُلْنَا بِالْحَدِّ الثَّانِي فَيُقَالُ يُرَدُّ عَلَى رَسْمِهِ إذَا سَلَّفَهُ دِرْهَمًا قَصْدًا لِلتَّفَضُّلِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ عَدَدًا حُسْنَ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ (قُلْتُ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ السَّلَفُ فِي أَصْلِهِ جَائِزٌ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْفَسَادُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 فِي الِاقْتِضَاءِ فَقَطْ. (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أَخَّرَهُ بِدَيْنٍ قَدْ حَلَّ فَهُوَ سَلَفٌ وَلَيْسَ فِيهِ دَفْعٌ لِأَنَّ مَنْ أَخَّرَ مَا وَجَبَ لَهُ عُدَّ مُسَلِّفًا اتِّفَاقًا وَمَنْ قَدَّمَ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُدَّ مُسَلَّفًا عَلَى الْمَشْهُورِ (قُلْتُ) يُقَالُ إنَّمَا ذَلِكَ تَقْدِيرًا لَا حَقِيقَةً فَلَوْ قَالَ دَفْعُ مُتَمَوَّلٍ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَجْمَعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ بِمَنِّهِ وَلَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ حُكْمُهَا حُكْمُ السَّلَفِ لَا أَنَّهُ سَلَفٌ حَقِيقَةً وَلِقَائِلٍ أَنْ يُورِدَ عَلَى قَوْلِهِ صَحِيحِ أَصْلِهِ أَوْ فَاسِدِ أَصْلِهِ مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا أَقْرَضَ رِطْلًا مِنْ خُبْزِ الْفُرْنِ بِرِطْلٍ مِنْ خُبْزِ التَّنُّورِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَذَا وَقَعَ فِيهَا لِأَنَّ التَّحَرِّي فِي ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا يَتَحَرَّى فِي الدَّقِيقِ وَهُوَ قَرْضٌ فَاسِدٌ وَالْمَسْأَلَةُ وَقَعَتْ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاسْتَشْكَلَ أَصْلَهَا ابْنُ مُحْرِزٍ فَهَذِهِ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الْفَسَادِ فِي الْقَرْضِ وَلَا تَرْجِعُ إلَى مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ مِنْ كَوْنِ أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى صَحِيحِ النَّفْسِ أَوْ فَاسِدِ الْأَصْلِ إذَا وَقَعَتْ إلَّا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فَيَنْظُرُ مَا وَقَعَ لِلشُّيُوخِ فِيهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي مُتَعَلِّقِ الْقَرْضِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُتَعَلِّقُ الْقَرْضِ " مَا صَحَّ ضَبْطُهُ بِصِفَةٍ كُلِّيًّا " قَالَ الشَّيْخُ فَيَخْرُجُ كَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ تُرَابُ الْمَعَادِنِ وَالصَّوَّاغِينَ وَالدُّورِ وَالْأَرْضُونَ قَالَ الشَّيْخُ وَمِنْهَا عِنْدِي قَرْضُ قَوَادِسَ قَفِصَة وَنَحْوِهَا لِأَنَّهَا قَدْرُ مَاءِ عَيْنٍ بِقَدْرٍ مِنْ أَصْلِهَا كَقَوْلِهَا فِي شِرْبِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ مِنْ عَيْنِ هَذَا رَاجِعٌ لِكَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّةٍ مِنْ جُزْءٍ أَوْ مِنْ أَرْضٍ مُعَيَّنَةٍ وَلِهَذَا وَقَعَتْ بِهِ الشُّفْعَةُ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ وَالْأَرْضُ لَا تُقْرَضُ وَأَجَابَ عَنْ فَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ بِقَرْضِ مَاءِ لَيْلَةٍ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَاءٍ فَخَرَجَ عَنْ أَصْلِهِ وَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ فِي النَّهْرِ وَفَتْوَى بَعْضِهِمْ بِجَوَازِهِ فِي الْقَوَادِسِ لَا أَعْرِفُهُ نَصًّا وَلَا تَصْرِيحًا ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْقَرْيَةِ وَأَسْلَمَ فِي طَعَامِهَا وَفَرَّقَ الشَّيْخُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الطَّعَامَ الْأَصْلُ جَوَازُ السَّلَمِ فِيهِ وَالْأَرْضَ الْأَصْلُ مَنْعُ الْقَرْضِ فِيهَا اُنْظُرْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَانَ يَمُرُّ لَنَا أَنَّ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ بِجَوَازِ السَّلَمِ فِي الْفَدَادِينِ الْجَوَازُ فِي قَرْضِ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ مَا جَازَ السَّلَمُ فِيهِ إلَّا الْجَوَارِي جَازَ قَرْضُهُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 يَجُوزُ قَرْضُ مَا يَثْبُتُ سَلَمًا إلَّا الْجَوَارِي وَهَذِهِ الْكُلِّيَّةُ صَحِيحَةٌ بِقَيْدِ اسْتِثْنَائِهَا وَكَانَ يَمُرُّ لَنَا فِي الْجَوَابِ صِحَّةُ جَوَابِ الشَّيْخِ فِي مَسْأَلَةِ السَّلَمِ فِي طَعَامِ الْقَرْيَةِ. (فَإِنْ قُلْتَ) لَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكُلِّيَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ مُطَّرِدَةٌ مُنْعَكِسَةٌ غَيْرَ أَنَّ الْعَكْسَ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى اسْتِثْنَاءٍ قَالَ وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْعَكْسِ فِي هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ وَزَعَمَ أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَ يَصِحُّ قَرْضُهُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ فَمَا مَعْنَى عَدَمِ صِحَّةِ مَا ذُكِرَ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ (قُلْتُ) كَانَ يَمُرُّ لَنَا فِيهِ تَرَدُّدٌ فِي فَهْمِهِ وَيُمْكِنُ فَهْمُهُ أَنَّ الْكُلِّيَّةَ الْمَذْكُورَةَ عَكْسُهَا مَا ثَبَتَ قَرْضُهُ يَجُوزُ سَلَفُهُ عَلَى غَيْرِ اصْطِلَاحِ الْمَنْطِقِيِّينَ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي أَصْلِهَا ثُمَّ نَقَلَ الشَّيْخُ أَنَّ قَائِلًا زَعَمَ أَنَّ الْعَكْسَ فِيهَا لَا يَصِحُّ لِنَقْضِهَا بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ فَكَانَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ صَوَّبَ هَذَا وَأَنَّ الْعَكْسَ فِيهَا لَا يَصِحُّ بِكُلِّ وَجْهٍ لَا إنْ ذَكَرَ الِاسْتِثْنَاءَ فِيهَا وَلَا إنْ لَمْ يَذْكُرْ. [بَابُ الْمُقَاصَّةِ] (ق ص ص) : بَابُ الْمُقَاصَّةِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مُتَارَكَةُ مَطْلُوبٍ بِمُمَاثِلِ صِنْفِ مَا عَلَيْهِ لِمَا لَهُ عَلَى طَالِبِهِ فِيمَا ذُكِرَ عَلَيْهِمَا " وَفِي نُسْخَةٍ مُتَارَكَةُ مَطْلُوبِ مِثْلِ صِنْفِ مَا عَلَيْهِ لِمَا لَهُ عَلَى طَالِبِهِ فِيمَا ذُكِرَ عَلَيْهِمَا مَالِيًّا قَوْلُهُ " مُتَارَكَةُ " مَصْدَرٌ مِنْ تَارِكٍ وَذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِلْمُقَاصَّةِ لِأَنَّهَا مِنْ فَاعِلَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ قَدْ تَرَكَ الطَّلَبَ لِوُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ بِمَا فِي ذِمَّتِهِ فَحَسُنَ مِنْ الشَّيْخِ التَّعْبِيرُ بِالْمُتَارَكَةِ قَوْلُهُ " مَطْلُوبٍ " يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا وَفَاعِلًا وَطَالِبه وَإِنْ كَانَ مَرْفُوعًا فَهُوَ مَفْعُولٌ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوبًا فَهُوَ فَاعِلٌ قَوْلُهُ " بِمُمَاثِلِ " مُتَعَلِّقٌ بِمَطْلُوبٍ وَلِمَا لَهُ مُتَعَلِّقٌ بِمُمَاثِلٍ وَعَلَى طَالِبِهِ يَتَعَلَّقُ بِالصِّلَةِ قَوْلُهُ " مُمَاثِلٍ " صِفَةُ قَوْلِهِ " صِنْفِ " فَاعِلٌ بِمُمَاثِلٍ أَيْ مُمَاثِلٍ فِي الصِّنْفِيَّةِ فَيَخْرُجُ بِهِ الْمُخْتَلِفَانِ جِنْسًا أَوْ نَوْعًا فَإِنَّ الْمُقَاصَّةَ فِي ذَلِكَ لَا تَصِحُّ وَلَا تَجِبُ فَإِنْ تَمَاثَلَا فِي الصِّنْفِيَّةِ وَاخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ مَعْلُومٌ بِاعْتِبَارِ حُلُولِ الْأَجَلِ وَعَدَمِهِ وَاشْتَرَطَ الشَّيْخُ فِي الْمُقَاصَّةِ الْمُمَاثَلَةَ فِي الصِّنْفِيَّةِ فَقَطْ وَقَدْ قِيلَ إنْ وَقَعَ اخْتِلَافٌ فِي الْمِقْدَارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وَالصِّفَةِ فَلَا تَصِحُّ الْمُقَاصَّةُ وَرُبَّمَا يُشْكِلُ كَلَامُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَلْ أَرَادَ عُمُومَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَالْمَشْهُورَ وَغَيْرَهُ أَوْ مُرَادُ الْخُصُوصِ فِي الْحَدِّ وَفِيهِ بَحْثٌ. قَوْلُهُ " فِيمَا ذُكِرَ " إلَخْ يَتَعَلَّقُ بِمُتَارَكَةُ أَخْرَجَ بِهِ الْمُتَارَكَةَ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ هَذَا الْحَدُّ الْأَوَّلُ الَّذِي رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ وَالْحَدُّ الثَّانِي قَرِيبٌ مِنْهُ بِزِيَادَةٍ مَالِيًّا فِي آخِرِهِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا زِيدَ إلَخْ وَلْنَذْكُرْ كَلَامَهُ فِي قَوْلِهِ وَلَا يُنْتَقَضُ طَرْدُهُ بِمُتَارَكَةِ مُتَقَاذِفَيْنِ حَدَّهُمَا أَوْ طَلَبِهِمَا عَلَى شَرْطِ ثُبُوتِ الْحَدِّ بِالْحُكْمِ بِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَوْرَدَ عَلَى الْحَدِّ فِي عَدَمِ طَرْدِهِ مُتَارَكَةِ رَجُلٍ رَجُلًا طَلَبَ حَدَّ صَاحِبِهِ وَقَدْ قَذَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَلَا يُرَدُّ ذَلِكَ وَبَيَانُ تَوَهُّمِ إيرَادِهِ أَنَّ الْحَدَّ يَصْدُقُ فِيهِ مُتَارَكَةُ مَطْلُوبٍ بِمُمَاثِلِ صِنْفِ مَا عَلَيْهِ لِمَا لَهُ عَلَى طَالِبِهِ فِيمَا ذُكِرَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْحَدَّ مُمَاثِلٌ لِلْحَدِّ وَكُلُّ وَاحِدٍ طَالِبٌ لِصَاحِبِهِ بِمِثْلِ مَا يَطْلُبُهُ بِهِ الْآخَرُ فَمُتَارَكَةُ ذَلِكَ مُقَاصَّةٌ. (فَإِنْ قُلْتَ) لِمَ زَادَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى شَرْطِ ثُبُوتِ إلَخْ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ أَشَارَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ وَنَفَعَ بِهِ إلَى أَنَّ الْقَاذِفَ إذَا قَذَفَ فَهَلْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ كَحَقٍّ ثَبَتَ مِنْ مَالٍ أَوْ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ كَانَ مُتَعَلِّقُ الْمُتَارَكَةِ الْحَدَّ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي كَانَ مُتَعَلِّقُهَا طَلَبَ الْحُكْمِ بِالْحَدِّ لَا الْحَدَّ وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ فَهْمِ لَفْظِهِ إلَّا أَنَّ الْخِلَافَ الْمُشَارَ إلَيْهِ الْمَفْهُومُ مِنْهُ لَمْ نَرَهُ فِي فَصْلِ الْقَذْفِ وَإِنَّمَا رَأَيْت هَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ اُنْظُرْهُ قَوْلُهُ وَلَا بِمُتَارَكَةِ مُتَجَارِحَيْنِ جُرْحَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ لِأَنَّ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عُرْفًا لَا لُغَةً مَا صَحَّ قِيَامُ أَحَدِهِمَا بَدَلَ الْآخَرِ وَهَذَا لَا يَصْدُقُ عَلَى حَدَّيْ الْقَذْفِ وَلَا طَلَبِهِمَا وَلَا عَلَى الْجُرْحَيْنِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَصِحُّ بَدَلَ الْآخَرِ وَإِلَّا زِيدَ مَالِيًّا هُنَا مِثْلُ مَا قَدَّمْنَا فِي الْقَذْفَيْنِ وَأَجَابَ الشَّيْخُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُرَدُّ عَلَى الْحَدِّ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ لِأَنَّ الْمُمَاثِلَ هُنَا الْمُرَادُ بِهِ الْمُمَاثِلُ الْعُرْفِيُّ لَا اللُّغَوِيُّ وَالْمُمَاثِلُ الْعُرْفِيُّ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ صَاحِبِهِ وَالْمُمَاثِلُ صِنْفُ مَا عَلَيْهِ لِمَا لَهُ فِي الْأَمْوَالِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَنُوبَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ لِأَنَّ مِنْ خَاصَّةِ الْمُمَاثَلَةِ ذَلِكَ فَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْمَالِ لِأَجْلِ مَا يَسْتَلْزِمُهُ وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ فَلَا ثُبُوتَ لِصِحَّةِ النِّيَابَةِ فَلَا تَثْبُتُ الْمُمَاثَلَةُ الْعُرْفِيَّةُ لِنَفْيِ خَاصِّيَّتِهَا وَنَفْيُ خَاصِّيَّتِهَا بِالْإِجْمَاعِ ذُكِرَ ثُمَّ قَالَ وَإِلَّا إلَى آخِرِهِ إنْ لَمْ تَسْلَمْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي الْمُمَاثَلَةِ فَيُزَادُ مَا ذُكِرَ حَتَّى يَطَّرِدَ الْحَدُّ. (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يُرَدُّ عَلَى الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 أَنْ يُقَالَ هَذِهِ عِنَايَةٌ فِي الْحَدِّ وَإِبْهَامٌ فِيهِ لِأَنَّ غَايَةَ ذَلِكَ إنْ أَوْجَبَ الِاشْتِرَاكَ فِي الْمُمَاثَلَةِ (قُلْتُ) لَا يُرَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ مُقَدَّمٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ اللُّغَةِ فَلَا إبْهَامَ بَلْ إفْهَامٌ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُنَا مَا عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ لَفْظِ الدَّيْنِ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى سُؤَالٍ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ تَقُلْ لَفْظَ الدَّيْنِ وَهُوَ أَخْصَرُ مِمَّا عَلَيْهِ قَالَ فِي الْجَوَابِ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ أَعَمُّ وَالدَّيْنُ أَخَصُّ فَلَوْ عَبَّرَ بِالدَّيْنِ لَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالْكِتَابَةُ وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِمَا بِالْمُقَاصَّةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مُلَاحَظَةِ الْأَلْفَاظِ الْمُخْتَصَرَةِ الَّتِي يَتِمُّ الْجَمْعُ فِيهَا وَالْمَنْعُ وَإِنْ فَادَ ذَلِكَ غَيْرَهَا (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ إنَّ الْمُقَاصَّةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ وَقَدْ حَدَّ الشَّيْخُ بَيْعَ الدَّيْنِ بِمَا يُنَاسِبُ جِنْسَهُ فَإِنَّهُ قَالَ بَيْعُ شَيْءٍ إلَخْ فَمَا سِرُّ كَوْنِهِ قَالَ مُتَارَكَةٌ فِي جِنْسِ الْمُقَاصَّةِ (قُلْتُ) تَقَدَّمَ لَنَا لَعَلَّ الْمُقَاصَّةَ صَارَتْ لَقَبًا عَلَى الْمُتَارَكَةِ شَرْعًا وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ بَيْعَ الدَّيْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ ثُمَّ أَنَّ الشَّيْخَ أَشَارَ إلَى فَائِدَةٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّ الْمُقَاصَّةَ جَائِزَةٌ قَالَ فَيَجِبُ تَفْسِيرُ الْمُدَوَّنَةِ بِالْجَوَازِ الْأَعَمِّ مِنْ الْوُجُوبِ لَا بِالْجَوَازِ الْأَخَصِّ الَّذِي هُوَ قَسِيمُهُ لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَا الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْجَوَازِ الْأَخَصِّ لَكَانَ فِيهَا أَنَّ الْمُقَاصَّةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُهَا فَيَجِبُ تَأْوِيلُهَا بِمَا ذَكَرَهُ. (فَإِنْ قُلْتَ) كَثِيرًا مَا يَقُولُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَشْهُورُ قَدْ لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا وَيَكُونُ الْمَشْهُورُ فِي غَيْرِهَا خِلَافًا لِلْمَغَارِبَةِ (قُلْتُ) ذَلِكَ حَيْثُ يَتَعَيَّنُ النَّصُّ وَيَتَعَذَّرُ التَّأْوِيلُ وَإِنْ أَمْكَنَ فَيَجِبُ لِوُجُوبِ الْأَصْلِ الْمَشْهُورِ ثُمَّ قَالَ وَمِنْ نَحْوِ هَذَا يَقَعُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا هُوَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْعَقْلِيَّةِ لِلْمُشَارَكَةِ فِي عُلُومِهَا أَوْ لِفِطْرَةٍ سُنِّيَّةٍ وَهَذَا حَقٌّ لِأَنَّ الْمُشَارَكَةَ فِي الْعُلُومِ لِمَنْ يُرِيدُ الْفَهْمَ عَلَى حَقِيقَتِهِ الْجَارِي عَلَى أُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَالْقَوَاعِدِ الْعَقْلِيَّةِ وَاجِبٌ سِيَّمَا مَعَ تَعَرُّضِ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ يُجْرِيهَا عَلَى قَوَاعِدَ أُصُولِيَّةٍ وَمَسَائِلَ مَنْطِقِيَّةٍ وَكَلِمَاتٍ عُرْفِيَّةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُعَرِّفُنَا قَدْرَنَا وَيُعَلِّمُنَا مَا جَهِلْنَا وَيَنْفَعُنَا بِمَا عَلَّمَنَا. [كِتَابُ الرُّهُونِ] (ر هـ ن) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الرُّهُونِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الرَّهْنُ مَالٌ قَبْضُهُ تَوَثُّقٌ بِهِ فِي دَيْنٍ " قَوْلُهُ " الرَّهْنُ " الرَّهْنُ فِي اللُّغَةِ اللُّزُومُ وَالثُّبُوتُ فَمَا ثَبَتَ وَلَزِمَ فَهُوَ رَهْنٌ وَفِي الشَّرْعِ أَخَصُّ وَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مَالٌ " جِنْسٌ مُنَاسِبٌ لِلرَّهْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ عَرَّفَ الشَّيْخُ الِاسْمَ وَتَرَكَ الْمَصْدَرَ وَقَدْ عَرَّفَ الْأَمْرَيْنِ فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا وَحَقُّهُ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَصْدُقُ عَلَى إعْطَائِهِ وَهُوَ الْمَصْدَرُ (قُلْتُ) قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الشَّيْخَ رُبَّمَا وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ جَوَابٌ فِيهِ عَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَ مَعْنَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ فَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى فَإِنْ صَحَّ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِهِ عَرَّفَهُمَا وَهُنَا قَدْ ذُكِرَ بَعْدُ أَنَّ إطْلَاقَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى الْمَرْهُونِ أَنَّهُ رَهْنٌ وَلِذَلِكَ رَدَّ عَلَى ابْنِ شَاسٍ بَعْدُ فِي كَوْنِهِ صَيَّرَ الْمَرْهُونَ رُكْنًا فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذُكِرَ (فَإِنْ قُلْتَ) وَكَيْفَ اعْتَرَضَ هُنَا عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّ رَسْمَهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمَصْدَرَ وَهُوَ غَيْرُهُ (قُلْتُ) هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ الرَّهْنِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ إذًا تَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيَصِحُّ رَدُّهُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِمَا ذَكَرَهُ قَوْلُهُ " قَبْضُهُ " هَذَا أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ يَتَقَرَّرُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ وَقَعَ مِنْهُ صِحَّةُ التَّوَثُّقِ بِهِ قَوْلُهُ " فِي دَيْنٍ " أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ فِي مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي دَيْنٍ وَالدَّيْنُ لَا يَتَقَرَّرُ فِي الْمُعَيَّنَاتِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا صَحَّ لَهُ ذَلِكَ فَقَدْ يُقَالُ أَنَّ حَدَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الرَّهْنَ يَصِحُّ فِي الْعَارِيَّةِ وَإِطْلَاقَاتِهِمْ تَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (قُلْتُ) الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الرَّهْنَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُعَيَّنِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي قِيمَتِهِ إذَا هَلَكَ وَكَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ تَأَوَّلُوا مَا وَقَعَ لَهُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ ذَكَرَ بَعْدَمَا يُوجِبُ إشْكَالًا عَلَى فَهْمِ السَّامِعِ فِي حَدِّهِ هُنَا فَإِنَّهُ قَالَ الْمَرْهُونُ فِيهِ مَالٌ كُلِّيٌّ لَا يُوجِبُ الرَّهْنَ فِيهِ إلَى آخِرِ حَدِّهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فَقَالَ قَوْلُنَا مَالٌ دُونَ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ لِيَشْمَلَ الْكِتَابَةَ وَيَخْرُجُ بِالْكُلِّيِّ الْمَالُ الْمُعَيَّنُ فَظَهَرَ لِي حِينَ الْإِقْرَاءِ فِي حَدِّ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ قُلْتَ إنْ صَحَّ حَدُّ الْمَرْهُونِ فِيهِ فَذَلِكَ يُوجِبُ عَدَمَ عَكْسِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 حَدِّ الرَّهْنِ وَإِنْ صَحَّ مَا هُنَا مِنْ ذِكْرِ الدَّيْنِ أَبْطَلَ مَا يَأْتِي لَهُ فِيمَا قَرَّرَهُ (قُلْتُ) ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتَخْرُجُ الْوَدِيعَةُ بِقَوْلِهِ تَوَثَّقَ بِهِ (قُلْتُ) يُمْكِنُ جَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الدَّيْنَ هُوَ أَعَمُّ يُقَابِلُ مَا كَانَ مُعَيَّنًا وَكَوْنُهُ فِي الذِّمَّةِ أَخَصَّ فَلَا يَصْدُقُ عَلَى الْكِتَابَةِ أَنَّهَا فِي ذِمَّةٍ عَلَى مَا قَرَّرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الدَّيْنُ فِي الذِّمَّةِ وَشَرَحَ بِهِ كَلَامَهُ وَأَنَّ الْكِتَابَةَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا دَيْنٌ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ فَصَحَّ عَلَى هَذَا صِدْقُ حَدِّهِ فِي الرَّهْنِ عَلَى الْكِتَابَةِ لِقَوْلِهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَقُلْ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ وَلَمَّا صَحَّحَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْكِتَابَةَ يَصِحُّ الرَّهْنُ فِيهَا عَدَلَ عَنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ هُنَا وَذِكْرُ مَالٍ كُلِّيٍّ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ إذَا صَحَّ إدْخَالُ الْكِتَابَةِ تَحْتَ الدَّيْنِ فِي حَدِّ الرَّهْنِ فَهَلَّا اقْتَصَرَ عَلَى الدَّيْنِ هُنَا وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ مَالٍ كُلِّيٍّ وَالدَّيْنُ أَخْصَرُ مِنْ هَذَا وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ بِهِ خَفِيفٌ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتَخْرُجُ الْوَدِيعَةُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَوَثَّقَ بِهِ قَوْلُهُ وَالْمَصْنُوعُ بِيَدِ صَانِعِهِ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ لَمْ يُقْبَضْ لِلتَّوَثُّقِ قَوْلُهُ وَقَبْضُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَبْدًا جَنَى عَلَيْهِ يَعْنِي يَخْرُجُ أَيْضًا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ لِلتَّوَثُّقِ مِنْ أَصْلِهِ ثُمَّ زَادَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ فَيُقَالُ الْعَبْدُ الْجَانِي وَالْمَصْنُوعُ شَارَكَا الرَّهْنَ فِي الِاخْتِصَاصِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ كَانَا رَهْنًا وَهَذَا سُؤَالٌ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي السَّلَمِ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ الصُّغْرَى مِنْ الْأَوَّلِ وَحَذَفَ الْكُبْرَى لِلْعِلْمِ بِهَا فَالصُّغْرَى الْعَبْدُ الْجَانِي وَالْمَصْنُوعُ شَارَكَا الرَّهْنَ فِي الِاخْتِصَاصِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ رَهْنًا فَالنَّتِيجَةُ اللَّازِمَةُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمَا رَهْنٌ فَأَجَابَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَلِفَيْنِ قَدْ يَشْتَرِكَانِ فِي حُكْمٍ أَعَمَّ وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ التَّمَاثُلَ وَهَذَا قَدْحٌ فِي الْكُبْرَى فَيَمْتَنِعُ صِدْقُهَا كُلِّيَّةً فَتَأَمَّلْهُ وَتَأَمَّلْ هَذَا الْكَلَامَ مَعَ مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ فِي خَاصِّيَّةِ الرَّهْنِ (فَإِنْ قُلْتَ) النُّسْخَةُ الَّتِي رَأَيْنَاهَا وَجَرَتْ فِي مَجَالِسِ أَشْيَاخِنَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَرَأَيْته مَنْسُوبًا عَنْ الشَّيْخِ أَنَّهُ قَالَ قَبْضُ مَالٍ تَوَثَّقَ بِهِ فِي دَيْنٍ أَوْ لِلتَّوَثُّقِ فِي دَيْنٍ (قُلْتُ) هَذِهِ النُّسْخَةُ لَمْ تَثْبُتْ عَنْهُ وَلَعَلَّهَا مِنْ ابْتِكَارِ مَجَالِسِهِ قَالَ الشَّيْخُ الْوَانُّوغِيُّ فِي تَعْلِيقَتِهِ مِنْ تَلَامِذَتِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا خَفَاءَ فِي إشْكَالِ تَعَرُّفِ شَيْخُنَا لِلرَّهْنِ قَالَ مَا مَعْنَاهُ أَمَّا مَا حَاصِلُهُ قَبْضُ مَالٍ لِلتَّوَثُّقِ إلَخْ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَشْمَلُ مَا هُوَ مَقْبُوضٌ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْقَبْضَ عِنْدَنَا لَيْسَ مِنْ حَقِيقَةِ الرَّهْنِ وَأَمَّا مَا حَاصِلُهُ مَالٌ مَقْبُوضٌ إلَخْ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا الرَّسْمَ إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى الْمَرْهُونِ وَحَقِيقَةُ الرَّهْنِ أَمْرٌ آخَرُ وَرَاءَهُ وَهُوَ قَوْلُنَا عَقْدٌ لَازِمٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ قُصِدَ بِهِ التَّوَثُّقُ فِي الْحُقُوقِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ (قُلْتُ) هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ أَمَّا مَحْصُولُ مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّسْمِ الْأَوَّلِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ فِي مُخْتَصَرِهِ بَلْ فِي كِتَابِهِ مَا يَنْفِيهِ رَأْسًا وَأَنَّ الرَّهْنَ عِنْدَهُ عُرْفًا إنَّمَا هُوَ الْمَرْهُونُ وَإِنْ قَصَدَ أَنَّ مَحْصُولَ حَدِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ يَرْجِعُ إلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ مَا قَرَّرَنَا بِهِ كَلَامَهُ أَوَّلًا وَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرُهُ وَقَوْلُهُ وَحَقِيقَةُ الرَّهْنِ وَرَاءَ هَذَا فِيهِ سَهْوٌ عَنْ كَلَامِ الشَّيْخِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ سَيَأْتِي لَهُ الرَّدُّ عَلَى ابْنِ شَاسٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ قَوْلُهُ وَلَا تَدْخُلُ الْوَثِيقَةُ إلَخْ يَعْنِي لِأَجْلِ قَوْلِهِ مَالٍ ثُمَّ قَالَ الرَّهْنُ إذَا اُشْتُرِطَتْ مَنْفَعَتُهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْحَدِّ لِأَنَّ شَرْطَهَا لَا يُنَافِي الْقَبْضَ لِلتَّوَثُّقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا اُشْتُرِطَتْ مَنْفَعَتُهُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ هَلْ يَضْمَنُهُ أَمْ لَا فَعَلَى مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ كَأَنَّهُ غَلَّبَ بَابَ الْإِجَارَةِ فَصَيَّرَ اشْتِرَاطَ الْمَنْفَعَةِ يُنَافِي الْقَبْضَ لِلتَّوَثُّقِ (قُلْتُ) وَهَذَا الْأَصْلُ فِيهِ خِلَافٌ وَأَشَارَ ابْنُ يُونُسَ إلَى ذَلِكَ وَلَعَلَّ الشَّيْخَ لَمْ يُرَاعِ ذَلِكَ وَتَقَوَّى عِنْدَهُ الْقَوْلُ الْآخَرُ أَوْ يَقُولُ عَدَمُ الضَّمَانِ لَا يُنَافِي الْقَبْضَ لِلتَّوَثُّقِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا اشْتَرَى سِلْعَةً وَحَبَسَهَا فِي الثَّمَنِ أَوْ مَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنْ الصُّنَّاعِ إذَا أَمْسَكُوا مَا وَقَعَتْ فِيهِ الصَّنْعَةُ لِلثَّمَنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى رَهْنًا فَيَكُونُ الرَّسْمُ غَيْرَ مُطَّرِدٍ لِأَنَّ الرَّسْمَ يُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ (قُلْتُ) لَهُ أَنْ يَقُولَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعْنَى قَوْلِنَا مَالٌ قَبْضُهُ تَوَثَّقَ بِهِ فِي دَيْنٍ أَنَّ أَصْلَ الْقَبْضِ لِذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى وَلَا يُقَالُ الْمُرَادُ الْقَبْضُ الْحِسِّيُّ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ خُرُوجُ مَا إذَا كَانَتْ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةٌ فَرَهَنَهَا صَاحِبُهَا عِنْدَهُ فِي دَيْنٍ فَإِنَّ هَاهُنَا لَيْسَ قَبْضًا حِسِّيًّا لِذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا ارْتَهَنَ مُسْلِمٌ خَمْرًا مِنْ ذِمِّيٍّ هَلْ يَصْدُقُ الرَّسْمُ فِيهِ (قُلْتُ) يَصْدُقُ ذَلِكَ لِأَنَّ الرَّهْنَ أَعَمُّ مِنْ الْفَاسِدِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ أَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ رَهْنًا فِيهَا وَأَمَّا لَوْ كَانَ رَاهَنَ الْخَمْرُ مُسْلِمًا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ رَهْنًا لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالٍ شَرْعِيٍّ لِلْمُسْلِمِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أَعْطَى مَدِينٌ سِلْعَةً لِرَجُلٍ يَبِيعُهَا وَيَقْتَضِي مِنْ ثَمَنِهَا مِمَّا عَلَى الْمَدِينِ فَفَلَّسَ الْمَدِينُ قَبْلَ الْبَيْعِ قَالَ مَالِكٌ هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وَلَا يَكُونُ رَهْنًا كَمَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ أَنْفِقْ عَلَى الرَّهْنِ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَك مِنْهُ وَالرَّسْمُ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ السِّلْعَةَ الْمَقْبُوضَةَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا مَالٌ إلَخْ فَيَكُونُ الْحَدُّ غَيْرَ مُطَّرِدٍ (قُلْتُ) هَذَا الْأَصْلُ فِيهِ خِلَافٌ وَهُوَ هَلْ لَا بُدَّ مِنْ دَلَالَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 الرَّهْنِ مُطَابِقَةً أَوْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْتِزَامًا اُنْظُرْ ذَلِكَ فَيَكُونُ كَلَامُ الشَّيْخِ جَارِيًا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فَقَطْ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الصُّوَرَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا رَهْنٌ وَمَعْنَى كَلَامِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ رَهْنًا أَيْ لَيْسَ رَهْنًا يَخْتَصُّ بِهِ فَالْمَنْفِيُّ إنَّمَا هُوَ الِاخْتِصَاصُ لَا أَصْلُ الرَّهْنِيَّةِ فَيَكُونُ غَايَتُهُ رَهْنًا فَاسِدًا وَالْحَدُّ يَصْدُقُ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ثُمَّ نَقَلَ الشَّيْخُ لَفْظَ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي حَدِّهِ فِي قَوْلِهِ إعْطَاءُ أَمْرِ وَثِيقَةٍ بِحَقٍّ فَقَالَ فَنَقَضَهُ ابْنُ هَارُونَ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ بِالْحَلِفِ لِذِي حَقٍّ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ وَالْحَمِيلِ بِهِ وَالْإِشْهَادِ وَأَجَابَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِمَنْعِ دُخُولِ مَا ذُكِرَ تَحْتَ الْحَدِّ قَالَ لِأَنَّ لَفْظَ إعْطَاءِ يَقْتَضِي حَقِيقَةَ دَفْعِ شَيْءٍ مَا قَالَ وَلَفْظُ وَثِيقَةٍ يَقْتَضِي صِحَّةَ رُجُوعِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لِيَدِ الدَّافِعِ إذَا أَخَذَ حَقَّهُ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْحَمِيلِ وَلَا فِي الْيَمِينِ وَالْوَثِيقَةِ وَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فِيهَا فَلَا يَلْزَمُ رَدُّهَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ وَرَدَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَفْظُ إعْطَاءٍ يَقْتَضِي حَقِيقَةَ دَفْعِ شَيْءٍ إنْ أَرَادَ دَفْعًا حِسِّيًّا بَطَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِنَا إعْطَاء عَهْدِ اللَّهِ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَإِنْ أَرَادَ الْأَعَمَّ مِنْهُ وَمِنْ الْمَعْنَى فَقَدْ دَخَلَ مَا وَقَعَ النَّقْضُ بِهِ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْحِسِّيُّ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ عَكْسُهُ بِرَهْنِ الدَّيْنِ قَالَ وَقَوْلُهُ لَفْظُ الْوَثِيقَةِ إلَخْ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ لُزُومِ رَدِّ الْوَثِيقَةِ نَفْيُ صِحَّةِ الرَّدِّ لِأَنَّ نَفْيَ اللُّزُومِ أَخَصُّ وَاللَّازِمُ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ الصِّحَّةُ حَسْبَمَا صَرَّحَ بِهِ قَالَ الشَّيْخُ وَيَتَعَقَّبُ رَسْمُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الرَّهْنَ بِحَالٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ وَالْإِعْطَاءُ مَصْدَرٌ وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ وَمَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ كَمَا قَدَّمْنَا (قُلْتُ) هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَمَّا الرَّدُّ الْأَوَّلُ فَفِيهِ بَحْثٌ فِي قَوْلِهِ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْهُ الِاشْتِرَاكُ وَالْمَجَازُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَقَدْ سَلَّمَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحِسِّيِّ وَزَادَ إطْلَاقُهُ فِي الْمَعْنَوِيِّ فَتَنْتِفِي حَقِيقَتُهُ فِيهِ إلَّا بِنَصٍّ لُغَوِيٍّ وَأَمَّا مَا أَوْرَدَهُ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ خُرُوجِ رَهْنِ الدَّيْنِ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا الرَّدُّ الثَّالِثُ فَصَحِيحٌ وَبَحْثُ لَازِمٌ وَكَأَنَّ الشَّيْخَ سَلَّمَ أَنَّ الْوَثِيقَةَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَا يَجِبُ رَدُّهَا بَلْ يَجِبُ إبْطَالُهَا وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ وَمَا رَدَّ بِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ أَخِيرًا تَقَدَّمَ فَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 [بَابُ صِيغَةِ الرَّهْنِ] ر هـ ن) : بَابُ صِيغَةِ الرَّهْنِ قَالَ الشَّيْخُ " مَا دَلَّ عَلَى خَاصَّتِهِ وَهِيَ اخْتِصَاصُ مَنْ حِيزَ لَهُ بِهِ عَنْ سِوَاهُ " قَوْلُهُ " مَا دَلَّ عَلَى خَاصَّتِهِ " مَا دَلَّ جِنْسٌ وَظَاهِرُهُ أَعَمُّ مِنْ الْمَحْدُودِ وَهُوَ الصِّيغَةُ وَلَا يَكُونُ أَعَمَّ حَتَّى يُدْخِلَ فِي ذَلِكَ غَيْرَ الصِّيغَةِ فِي الرَّهْنِ وَيُخْرِجَ غَيْرَ صِيغَةِ الرَّهْنِ بِالْخَاصِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَوْلُهُ " وَهِيَ اخْتِصَاصُ " إلَخْ تَفْسِيرٌ لِلْخَاصِّيَّةِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْمُرَادُ بِالصِّيغَةِ اللَّفْظِيَّةِ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ وَمَا فَسَّرَ بِهِ يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِهَا وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَمْرُ الصِّيغَةِ كَالْبَيْعِ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ الصِّيغَةُ اللَّفْظِيَّةُ وَقَدْ رَدَّ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لَفْظَ الرَّهْنِ لَا بُدَّ مِنْهُ بِأَنْ قَالَ لَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ إجْمَالُهُ (فَإِنْ قُلْتَ) أَيُّ شَيْءٍ يُعَيِّنُ الدَّلِيلُ أَنَّهُ لَفْظٌ وَصِيغَةٌ وَالدَّلِيلُ أَعَمُّ (قُلْتُ) فَيُقَدَّرُ اللَّفْظُ الدَّالُ وَالسِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ قَالَ خَلِيلٌ وَفِي افْتِقَارِ الرَّهْنِ لِلَّفْظِ مُصَرَّحًا بِهِ تَأْوِيلَانِ (فَإِنْ قُلْتَ) وَهَلْ تَدْخُلُ دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْمُطَابَقَةِ (قُلْتُ) الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَالرَّسْمُ لِمَا هُوَ أَعَمُّ فَتَأَمَّلْهُ وَتَأَمَّلْ مَا عُورِضَ بِهِ قَوْلُهُمَا وَتَأَمَّلْ مَا قَدَّمَهُ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْحَائِزِ وَالْمَصْنُوعِ فَإِنَّهُ هُنَا صَيَّرَ خَاصِّيَّةَ الرَّهْنِ الِاخْتِصَاصَ بِالْحَوْزِ عَمَّنْ سِوَاهُ وَذُكِرَ قَبْلُ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ أَعَمُّ لَا أَنَّهُ أَخَصُّ. [بَابُ الْمَرْهُونِ] (ر هـ ن) : بَابُ الْمَرْهُونِ يَظْهَرُ مِنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الرَّهْنَ وَالْمَرْهُونَ عُرْفًا بِمَعْنًى وَاحِدٍ لِأَنَّهُ حَدَّ أَوَّلًا الرَّهْنَ بِأَنَّهُ مَالٌ إلَخْ ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا رَدًّا عَلَى ابْنِ شَاسٍ فِي قَوْلِهِ إنْ رُكْن الرَّهْن الْمَرْهُون قَالَ الشَّيْخُ (قُلْتُ) هُوَ مُسَمَّى الرَّهْن فِي إطْلَاقَات الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فَكَأَنَّهُ يَقُول - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يَصِحّ مَا ذَكَره لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ قَوْله أَنَّهُ رُكْن لِلرَّهْنِ لَزِمَ أَنَّ الشَّيْءَ يَكُونُ جُزْءَ نَفْسِهِ وَالتَّالِي بَاطِلٌ لِإِحَالَتِهِ، بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْإِطْلَاقَ الْمَذْكُورَ يَدُلُّ عَلَى تَرَادُفِهِمَا اصْطِلَاحًا، وَهُوَ الَّذِي حَدَّدْنَاهُ بِقَوْلِنَا: مَالٌ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 [بَابٌ فِي شَرْطِ الرَّهْنِ] ر هـ ن) : بَابٌ فِي شَرْطِ الرَّهْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ ابْنِ شَاسٍ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَوْفَى مِنْهُ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ ثَمَنِ مَنَافِعِهِ قَوْلُهُ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَوْفَى مِنْهُ يَعْنِي بِالْإِمْكَانِ الشَّرْعِيِّ وَالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ إذَا كَانَ مُمَاثِلًا لِلدَّيْنِ فَفِيهِ جَوَازُ رَهْنِ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ بِشَرْطِهِ عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ يَعْنِي أَنَّهُ بِيَاعٌ لِأَجَلِ الْقَضَاءِ قَوْلُهُ أَوْ ثَمَنُ مَنَافِعِهِ يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مُخَالِفَةً لِلدَّيْنِ (فَإِنْ قُلْتَ) لَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلَ ابْنِ شَاسٍ هَذَا قَالَ بَعْدَهُ (قُلْتُ) فِيهَا يَجُوزُ ارْتِهَانُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي وَقْتٍ وَيَجُوزُ فِي وَقْتٍ قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ ارْتِهَانُ خَمْرٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ فَهَلْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الشَّرْطِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ مَسَائِلِهَا يَشْهَدُ لَهُ (قُلْتُ) كَذَا يَظْهَرُ مِنْهُ وَفِيهِ مَا يُتَأَمَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمَرْهُونِ فِيهِ] (ر هـ ن) : بَابُ الْمَرْهُونِ فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مَالٌ كُلِّيٌّ لَا يُوجِبُ الرَّهْنُ فِيهِ غُرْمَ رَاهِنِهِ مَجَّانًا بِحَالٍ " قَالَ فَقَوْلُنَا مَالٌ دُونَ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ لِيَشْمَلَ الْكِنَايَةَ وَهَذَا تَقَدَّمَ إشْكَالُهُ مَعَ مَا قَدَّمَهُ وَسَلَّمَهُ فِي حَدِّ الرَّهْنِ قَالَ وَيَخْرُجُ بِالْكُلِّيِّ الْمَالُ الْمُعَيَّنُ ثُمَّ أَقَامَ الْبُرْهَانَ عَلَى امْتِنَاعِ الرَّهْنِ فِي الْمَالِ الْمُعَيَّنِ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَوْ صَحَّ الرَّهْنُ فِي الْمُعَيَّنِ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى أَحَدِ الْمُحَالَيْنِ إمَّا انْقِلَابُ حَقِيقَتِهِ أَوْ انْقِلَابُ حَقِيقَةِ الرَّهْنِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ هَلَاكُ الْمُعَيَّنِ وَلَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا فَإِنْ اسْتَوْفَيْنَا الْمُعَيَّنَ مِنْ الرَّهْنِ فَقَدْ أَبْطَلْنَا حَقِيقَةَ الْمُعَيَّنِ لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ لَا يُقْضَى عَنْهُ بِشَيْءٍ وَقَدْ وَقَعَ الْقَضَاءُ مِنْ الرَّهْنِ هَذَا خُلْفٌ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ الرَّهْنِ بَطَلَ كَوْنُ الرَّهْنِ مُتَوَثِّقًا بِهِ لِأَنَّ فَائِدَةَ تَوَثُّقِهِ الْقَضَاءُ مِنْهُ وَإِذَا بَطَلَتْ خَاصِّيَّتُهُ بَطَلَتْ حَقِيقَتُهُ هَذَا خُلْفٌ فَصَحَّ بُطْلَانُ التَّالِي الْمَذْكُورِ وَبَيَانُ الْحَصْرِ فِي الْمُتَّصِلَةِ بِمَنْعِ الْخُلُوِّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُنَا لَا يُوجِبُ إلَخْ لِتَدْخُلَ الْكِتَابَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُكَاتَبِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ قَالَ وَهَذَا لِأَنَّ الرَّهْنَ بِهَا يَصِحُّ مِنْ الْمُكَاتَبِ لَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ غُرْمًا مَجَّانًا بِحَالٍ لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 إنْ رَدَّ الْكِتَابَةَ دُونَ الرَّهْنِ أَوْ بِهِ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ غُرْمًا مَجَّانًا بِحَالٍ وَإِنْ عَجَزَ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِعَجْزِهِ صَارَ مِلْكُهُ مِلْكًا لِسَيِّدِهِ ضَرُورَةَ نَفُدْ انْتِزَاعِ السَّيِّدِ مَالَهُ وَهَذَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْغُرْمُ مَجَّانًا بِحَالٍ وَأَخْذُ الرَّهْنِ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ يُوجِبُ عَلَى الرَّاهِنِ غُرْمًا مَجَّانًا فِي حَالَةِ عَجْزِهِ بَعْدَ أَخْذِ الرَّهْنِ فِيمَا فِيهِ رَهْنٌ أَوْ بَعْضُهُ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِلرَّاهِنِ عَلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَامِلْهُ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ مِنْهُ فِي الْكِتَابَةِ وَهُوَ لَا يَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهَا لِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا زَادَ قَوْلَهُ " لَا يُوجِبُ " إلَخْ لِيَكُونَ حَدُّهُ جَامِعًا مَانِعًا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَزِدْهَا كَانَ حَدُّهُ غَيْرَ مَانِعٍ لِدُخُولِ رَهْنِ الْأَجْنَبِيِّ فِي الْكِتَابَةِ وَلَمَّا ذَكَرَهَا أَخْرَجَ رَهْنَ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ رَهْنَ الْأَجْنَبِيِّ فِيهَا يُؤَدِّي إلَى الْغُرْمِ مَجَّانًا بِخِلَافِ رَهْنِ الْمُكَاتَبِ فِي كِتَابَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤَدِّي لِذَلِكَ وَبَيَّنَ ذَلِكَ أَحْسَنَ بَيَانٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَيَنْبَغِي عَلَى مَا قَرَّرَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الرَّهْنِ فِي الْكِتَابَةِ فَمَنْ قَالَ لَا رَهْنَ فِيهَا مُطْلَقًا فَقَدْ أَخْطَأَ وَمَنْ قَالَ بِالرَّهْنِ مُطْلَقًا فَقَدْ أَخْطَأَ وَالْحَقُّ فِيهَا التَّفْصِيلُ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ فِيهِ التَّفْصِيلُ وَهِيَ مَسَائِلُ مَعْلُومَةٌ كَمَسَائِلِ الْبَرَادِعِيِّ وَغَيْرِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَهُوَ أَعْلَمُ وَبِهِ سُبْحَانَهُ التَّوْفِيقُ. [بَابٌ فِي صِفَةِ قَبْضِ الرَّهْنِ فِيمَا يُنْقَلُ وَضَبْطُهُ فِيمَا لَا يُنْقَلُ] ُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَوَّلِ نَاقِلًا عَنْ الْمَازِرِيِّ بِنَقْلِ التَّصَرُّفِ فِيهِ عَنْ رَاهِنِهِ لِمُرْتَهِنِهِ مَا يُنْقَلُ بِنَقْلِهِ تَحْتَ يَدِهِ وَقَالَ فِي الثَّانِي بِصَرْفِ التَّصَرُّفِ فِيهِ عَنْ رَاهِنِهِ لِمُرْتَهِنِهِ وَهُنَا مَسَائِلُ يَطُولُ جَلْبُهَا اُنْظُرْهُ فِيهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَخَاصَّةُ الرَّهْنِ هِيَ اخْتِصَاصُ الْمُرْتَهِنِ بِهِ بِذَلِكَ فَسَّرَهَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - اُنْظُرْهُ. [بَابٌ فِي حَوْزِ الرَّهْنِ] (ح وز) : بَابٌ فِي حَوْزِ الرَّهْنِ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ رَسْمَهُ " رَفْعُ مُبَاشَرَةِ الرَّاهِنِ التَّصَرُّفَ فِي الرَّهْنِ " لِأَنَّهُ قَالَ وَلَمَّا كَانَ الْحَوْزُ رَفْعَ مُبَاشَرَةِ الرَّاهِنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 التَّصَرُّفَ فِي الرَّهْنِ صَحَّ وَصْفُهُ بِيَدِ مَنْ لَا تَسَلُّطَ لِلرَّاهِنِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيمَا بِيَدِهِ وَبَطَلَ فِي غَيْرِهِ اُنْظُرْهُ. يُغَابُ عَلَيْهِ [كِتَاب التفليس] (ف ل س) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ التَّفْلِيسِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّفْلِيسُ أَخَصُّ وَأَعَمُّ فَالتَّفْلِيسُ الْأَخَصُّ حَدَّهُ بِقَوْلِهِ " حُكْمُ الْحَاكِمِ بِخَلْعِ كُلِّ مَا لِمَدِينٍ لِغُرَمَائِهِ لِعَجْزِهِ عَنْ قَضَاءِ مَا لَزِمَهُ " قَالَ فَيَخْرُجُ " بِخَلْعِ " إلَخْ خَلْعِ كُلِّ مَالِهِ بِاسْتِحْقَاقِ عَيْنِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَعَمُّ " قِيَامُ ذِي دَيْنٍ عَلَى مَدِينٍ لَيْسَ لَهُ مَا يَفِي بِهِ " قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَدِّ الْأَخَصِّ " حُكْمُ الْحَاكِمِ " أَشَارَ إلَى أَنَّ التَّفْلِيسَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَكُونُ بِحُكْمٍ فَأَطْلَقَ التَّفْلِيسَ عُرْفًا عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ ثُبُوتَ خَلْعِ الْمَالِ غَيْرُ الْحُكْمِ بِهِ وَإِنَّمَا التَّفْلِيسُ هُوَ الْحُكْمُ بِالْخَلْعِ لَا ثُبُوتُ الْخَلْعِ اُنْظُرْ ابْنَ فَرْحُونٍ فِي الْأَحْكَامِ وَالْجِنْسِ وَهُوَ حُكْمُ الْحَاكِمِ لَمْ تَتَقَدَّمْ مَعْرِفَتُهُ وَحَدَّ بِهِ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَفِيهِ بَحْثٌ قَوْلُهُ " بِخَلْعِ كُلِّ مَا " أَخْرَجَ بِهِ حُكْمَهُ بِأَدَاءِ مَالٍ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ " لِمَدِينِ " صِلَةٌ لِمَا وَلِغُرَمَائِهِ يَتَعَلَّقُ بِمَدِينٍ وَيُحْتَمَلُ تَعَلُّقُهُ بِ " خَلْعِ " قَوْلِهِ " لِعَجْزِهِ " إلَخْ يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ وَخَرَجَ خَلْعُ كُلِّ مَالِهِ بِاسْتِحْقَاقِ عَيْنِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا وَالْأَخَصُّ إذَا ثَبَتَ مَنْعُ مَا مَنَعَهُ الْأَعَمُّ وَيَمْنَعُ مِنْ مُطْلَقِ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (فَإِنْ قُلْت) إذَا اتَّفَقَ الْغُرَمَاءُ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ مِنْ الْمُفْلِسِ وَاقْتَسَمُوهُ فَهُوَ تَفْلِيسٌ أَخَصُّ وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ فِي السَّمَاعِ وَالْحَدُّ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ (قُلْت) الْوَاقِعُ فِي السَّمَاعِ أَنَّهُ كَتَفْلِيسِ السُّلْطَانِ وَلَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ تَفْلِيسًا، اُنْظُرْهُ. قَوْلُهُ فِي حَدِّ الْأَعَمِّ " قِيَامُ " إلَخْ مُنَاسِبٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 لِإِطْلَاقِ التَّفْلِيسِ عَلَى قِيَامِ الْغُرَمَاءِ وَبَاقِيهِ ظَاهِرٌ فِي إخْرَاجِهِ وَإِدْخَالِهِ وَالْأَعَمُّ مِنْ خَاصِّيَّتِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ تَبَرُّعٌ وَلَا مُعَامَلَةٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَا مُحَابَاةٍ إلَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِفِعْلِهِ وَالْأَخَصُّ يَمْنَعُ مَا مَنَعَهُ الْأَعَمُّ وَيَمْنَعُ مُطْلَقَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ اُنْظُرْهُ وَتَأَمَّلْ مَا هُنَا مِنْ مَسَائِلَ تَجْرِي عَلَى الْحَدَّيْنِ وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَعَمُّ وَالْأَخَصُّ فَإِنَّمَا جَرَتْ عَادَتُهُ أَنَّهُ إذَا حَدَّ الْأَعَمَّ يَأْتِي بِحَدٍّ لِلْأَخَصِّ بِمَا يَخُصُّهُ وَهُنَا كَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ فِي حَدِّ الْبَيْعِ الْأَعَمِّ وَالْبَيْعِ الْأَخَصِّ، وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ ثُمَّ إنِّي رَأَيْت لِتِلْمِيذِهِ الشَّيْخِ الْوَانُّوغِيِّ إنْ قَالَ اُنْظُرْ حَدَّ شَيْخِنَا لِلتَّفْلِيسِ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ، فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ إنَّ حَدَّ الْأَعَمِّ لَا بُدَّ أَنْ يَنْطَبِقَ عَلَى حَدِّ الْأَخَصِّ وَفِي تَعْرِيفِ الشَّيْخِ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَبَيَانُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ظَاهِرٌ وَهُوَ مَعْنَى مَا وَقَعَ الْأَشْكَالُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَخَصَّ جِنْسُهُ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَجِنْسُ الْأَعَمِّ قِيَامُ الْغُرَمَاءِ وَقِيَامُ الْغُرَمَاءِ لَا يَصْدُقُ عَلَى مَا ذَكَرَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْأَعَمِّيَّةُ وَالْأَخَصِّيَّةُ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْأَحْكَامِ لَا بِاعْتِبَارِ الصِّدْقِ وَلَا شَكَّ إنَّ الْأَوَّلَ أَخَصُّ مِنْ الثَّانِي بِمَعْنَى أَنَّ الْأَوَّلَ إذَا ثَبَتَ مُنِعَ مِنْ كُلِّ مَا مَنَعَهُ الثَّانِي دُونَ الْعَكْسِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (فَإِنْ قُلْت) مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي رَسْمِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ إنَّ التَّفْلِيسَ فِيهِ صَرِيحٌ وَوَجْهُ فَمَا صَرِيحُهُ وَمَا وَجْهُهُ (قُلْت) اُنْظُرْ فَصْلَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّا قَرَّرْنَا مَا يَفْهَمُ بِهِ كَلَامَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَنْفَعُنَا بِمُؤَلِّفِهِ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَيَرْحَمُهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْوَلِيُّ الْحَفِيظُ [بَاب فِي دَيْنِ الْمُحَاصَّةِ] (د ي ن) : بَابٌ فِي دَيْنِ الْمُحَاصَّةِ قَالَ الشَّيْخُ " مَا كَانَ عَنْ عِوَضٍ مَالِيٍّ لَزِمَ آخِذَ الْعِوَضِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا أَوْ بُضْعٍ أَوْ مُتْعَةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ " قَوْلُهُ فِي الْجِنْسِ " مَا كَانَ " أَيْ مَالٌ كَانَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ دَيْنِ الْمُحَاصَّةِ قَوْلُهُ " عَنْ عِوَضٍ مَالِيٍّ " أَخْرَجَ بِهِ مَا لَيْسَ عَنْ عِوَضٍ كَالتَّبَرُّعَاتِ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَيْنِ مُحَاصَّةٍ قَوْلُهُ " مَالِيٍّ " أَخْرَجَ الْعِوَضَ غَيْرَ الْمَالِيِّ يُنْظَرُ مَا أَخْرَجَ بِهِ الشَّيْخُ فِي أَصْلِهِ لَزِمَ إخْرَاجُ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ " آخِذُ الْعِوَضِ " إلَخْ إنَّمَا أَشَارَ ذَلِكَ بَيَانًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 لِلْعِوَضِ وَقَوْلُهُ " أَوْ بُضْعٍ " إلَخْ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ مَالِيٍّ، قَوْلُهُ " أَوْ مُتْعَةٍ " أَيْ مَا كَانَ عَنْ مُتْعَةٍ وَأَرَادَ بِهِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ عَنْ مُتْعَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ مِنْ مَسَائِلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي النِّكَاحِ وَالزَّكَاةِ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ. [بَاب الْحَجَر] (ح ج ر) : بَابُ الْحَجْرِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ مَنْعَ مَوْصُوفِهَا نُفُوذَ تَصَرُّفِهِ فِي الزَّائِدِ عَلَى قُوتِهِ أَوْ تَبَرُّعِهِ بِمَالِهِ " قَالَ وَبِهِ دَخَلَ حَجْرُ الْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ، قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمَازِرِيُّ اكْتَفَى عَنْ حَدِّهِ بِقَوْلِهِ مَعْنَاهُ لُغَةً الْمَنْعُ وَالْحَدُّ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَذَلِكَ عُرْفًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْعُرْفِيُّ أَخَصُّ. قَوْلُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ " جَعَلَ الْجِنْسَ لِلْحَجْرِ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُرَاعِي الْمَقُولَةَ فَرَأَى أَنَّ الْحَجْرَ لُغَةً الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَفِي الشَّرْعِ إنَّمَا هُوَ مَعْنَى مَا ذَكَرَ كَالطَّهَارَةِ شَرْعًا؛ وَلِذَا اعْتَرَضَ عَلَى الْمَازِرِيِّ فِيمَا ذَكَرَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ فِيمَا ذَكَرَ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ أَنَّهُ الْمَنْعُ لُغَةً وَفِي الشَّرْعِ مَنْعٌ خَاصٌّ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ فِي الْحَدِّ مَنْعُ. . . إلَخْ لَا أَنْ يَقُولَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْمَنْعِ وَلَا يَصْدُقُ الْمَنْعُ الْأَعَمُّ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى مَوْجِهَا الْأَخَصِّ. (فَإِنْ قُلْت) هَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الْحَجْرَ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِمَنْعِ التَّصَرُّفِ لِذِي مَالٍ فِي الزَّائِدِ إلَخْ وَيُؤَكِّدُ السُّؤَالَ بِمَا ذَكَرَهُ فِي حَدِّهِ لِلتَّفْلِيسِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَدَّيْنِ وَهَلْ يَصِحُّ فِي حَدِّ التَّفْلِيسِ أَنْ يُقَالَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ كَمَا قَالَ هُنَا (قُلْت) لَعَلَّهُ رَاعَى إطْلَاقَاتِ الْفُقَهَاءِ وَإِنَّ الْأَوَّلَ أَطْلَقُوهُ فِي عُرْفِهِمْ عَلَى الْحُكْمِ وَالْحَجْرُ أَطْلَقُوهُ عَلَى الصِّفَةِ، وَالْمَقْصِدُ أَنَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ تَعُمُّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ وَالسَّفِيهَ فَلِذَا ذَكَرَهَا وَلَوْ ذَكَرَ الْحُكْمَ لَمَا صَحَّ عُمُومُهُ وَخَصَّ بِالتَّفْلِيسِ لِصِحَّةِ الْعُمُومِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَوْلُهُ " فِي الزَّائِدِ عَلَى قُوتِهِ " أَخْرَجَ بِهِ الْقُوتَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْعِوَضِ (فَإِنْ قُلْت) قَدْ قَيَّدَ الشَّيْخُ بَعْدَ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْقُوتِ بِقَوْلِهِ إنْ أَحْسَنَهَا (قُلْت) هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَزِيَادَةُ الْقَيْدِ هُنَا تُحْسِنُ وَلَا تُخِلُّ قَوْلُهُ " أَوْ تَبَرُّعِهِ بِمَالِهِ " قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ يَدْخُلُ حَجْرُ الْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَزِدْهَا لَكَانَ الْحَدُّ غَيْرَ جَامِعٍ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ وَالْمَرِيضَ يَجُوزُ لَهُمَا التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ. (فَإِنْ قُلْت) الزَّوْجَةُ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهَا يَجُوزُ لَهُمَا التَّصَرُّفُ الْخَاصُّ وَهُوَ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْحَدِّ مَنْعُ التَّبَرُّعِ الْمُطْلَقِ، وَالزَّوْجَةُ لَا يُقَالُ فِيهَا كَذَلِكَ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ الْمُطْلَقَ إذَا نُفِيَ نُفِيَ أَخَصُّهُ (قُلْت) الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْخَاصِّيَّةَ أَنَّهُ لَا يَتَبَرَّعُ بِكُلِّ مَالِهِ وَهَذَا صَحِيحٌ وَلَا يُنَافِي جَوَازَ الثُّلُثِ وَالْحَدُّ يَصْدُقُ فِي ذَلِكَ وَيَدْخُلُ فِي الْحَدِّ الْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ وَالْعَبْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَعْلُومَةِ وَيَخْرُجُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَاب فِي صِيغَةِ الْإِذْنِ فِي التَّجْرِ] (ص وغ) : بَابٌ فِي صِيغَةِ الْإِذْنِ فِي التَّجْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَلَوْ ظَاهِرًا " وَالْفِعْلُ الدَّالُ كَالْقَوْلِ (فَإِنْ قُلْت) هَلَّا قَالَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرًا قَوْلًا أَوْ فِعْلًا وَهُوَ أَخَصْرُ مِمَّا ذَكَرَ (قُلْت) يَظْهَرُ أَنَّهُ زِيَادَةُ بَيَانٍ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ خَلَّى بَيْنَ عَبْدِهِ وَبَيْنَ التِّجَارَةِ تَجَرَ بِمَا شَاءَ وَهَذَا مِنْ الْفِعْلِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ (م ر ض) : بَابٌ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَخُوفُ الْمَرَضِ تَقَدَّمَ فِي طَلَاقِ الْمَرِيضِ الَّذِي تَقَدَّمَ -. [كِتَابُ الصُّلْحِ] (ص ل ح) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الصُّلْحِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " انْتِقَالٌ عَنْ حَقٍّ أَوْ دَعْوَى بِعِوَضٍ لِرَفْعِ نِزَاعٍ أَوْ خَوْفِ وُقُوعِهِ " قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ هُوَ قَبْضُ شَيْءٍ عَنْ عِوَضٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 يَدْخُلُ فِيهِ مَحْضُ الْبَيْعِ قَالَ وَقَوْلُ عِيَاضٍ هُوَ مُعَاوَضَةٌ عَلَى دَعْوَى يُخْرِجُ عَنْهُ صُلْحَ الْإِقْرَارِ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ تَابِعًا لِابْنِ شَاسٍ الصُّلْحُ مُعَاوَضَةٌ كَالْبَيْعِ وَإِبْرَاءٍ وَإِسْقَاطٍ تَقْسِيمٌ لَهُ لَا تَعْرِيفٌ فَلَا يُتَوَهَّمُ نَقْضُهُ بِمَحْضِ الْبَيْعِ وَهِبَةِ كُلِّ الدَّيْنِ أَوْ بَعْضِهِ؛ لِعَدَمِ انْدِرَاجِهِمَا تَحْتَ مَوْرِدِ التَّقْسِيمِ. قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - انْتِقَالٌ عَنْ حَقٍّ ظَاهِرٍ عِنْدَهُ أَوْ نَصَّ أَنَّ الصُّلْحَ لَيْسَ مُعَاوَضَةً، وَالْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ الصُّلْحُ بَيْعٌ يَقْصِدُونَ بِهِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ، وَقَدْ نَقَلَ عِيَاضٌ أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ عَنْ دَعْوَى قَالَ وَهَذَا يُخْرِجُ مِنْهُ صُلْحَ الْإِقْرَارِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا وَرَدَّهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِدُخُولِ الْبَيْعِ فَصُيِّرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصُّلْحُ لَيْسَ هُوَ الْمُعَاوَضَةُ وَإِنَّمَا هُوَ الِانْتِقَالُ بِهَا. (فَإِنْ قُلْت) إذَا كَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ أَبْطَلَ الرَّسْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِمَا ذَكَرَ فَهَلَّا قَالَ مُعَاوَضَةٌ عَنْ حَقٍّ إلَخْ وَيَتِمُّ رَسْمُهُ وَلَا يَصِحُّ عَلَيْهِ وُرُودُ مَا أَوْرَدَهُ (قُلْت) يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَهُ لَصَحَّ وَالِانْتِقَالُ عَنْ الْحَقِّ إنَّمَا هُوَ سَبَبٌ عَنْ الصُّلْحِ أَوْ مُسَبِّبٌ فَتَأَمَّلْهُ قَوْلُهُ " حَقٌّ أَوْ دَعْوَى " الْأَوَّلُ يَدْخُلُ فِيهِ الْإِقْرَارُ وَالثَّانِي صُلْحُ الْإِنْكَارِ وَ " بِعِوَضٍ " يَتَعَلَّقُ بِانْتِقَالٍ يَخْرُجُ بِهِ الِانْتِقَالُ بِغَيْرِ عِوَضٍ قَوْلُهُ " لِرَفْعِ نِزَاعٍ " يَخْرُجُ بِهِ بَيْعُ الدَّيْنِ وَمَا شَابَهَهُ قَوْلُهُ " أَوْ خَوْفُ وُقُوعِهِ " لِيَدْخُلْ فِيهِ الصُّلْحُ عَنْ مَحْجُورٍ وَمَا شَابَهَهُ. (فَإِنْ قُلْت) الصُّلْحُ قَدْ يَكُونُ عَنْ إقْرَارٍ وَإِنْكَارٍ فَكَيْفَ يَدْخُلُ فِي حَدِّهِ (قُلْت) يَدْخُلُ ذَلِكَ لِصِدْقِ الْحَدِّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا. (فَإِنْ قُلْت) السُّكُوتُ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ فِيهِ أَيَكُونُ الرَّسْمُ فِيهِ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ لِأَنَّهُ صُلْحٌ أَمْ لَا؟ (قُلْت) قَالُوا: حُكْمُهُ حُكْمُ الْإِقْرَارِ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَقِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ قَوْلِهِ أَوْ دَعْوَى وَإِذَا كَانَ إقْرَارٌ وَإِنْكَارٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْإِقْرَارِ. (فَإِنْ قُلْت) مَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَا يَتَوَهَّمُ نَقْضَهُ إلَخْ (قُلْت) أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ مِنْ النَّقْضِ تَوَهُّمًا مِنْهُ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ عَرَّفَ الصُّلْحَ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَسَّمَهُ لَا عَرَّفَهُ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ نَقْضٌ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَ التَّقْسِيمِ وَهُوَ لَفْظُ الصُّلْحِ لَا يَصْدُقُ عَلَى الصُّوَرِ الْمَنْقُوضِ بِهَا هَذَا مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الَّذِي لَا رَبَّ سِوَاهُ وَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ تَقْسِيمًا بَلْ تَعْرِيفًا لَفْظِيًّا انْحَصَرَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ فِي الْمَذْكُورِ، وَقَدْ قَدَّمَنَا كَثِيرًا لِلشَّيْخِ مِنْهُ وَيَأْتِي لَهُ فِي الْغِرَاسَةِ اُنْظُرْهُ وَوَجَدْت بِخَطِّ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اُنْظُرْ رَسْمَ الشَّيْخِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 هُنَا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا حَدَّ بِهِ فِي فَرْضَيْهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُخَالَفَةَ وَوَجَدْت بِخَطِّ شَيْخِنَا الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عِقَابٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا نَقَلَهُ النَّاقِلُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَيْضًا اُنْظُرْ حَدَّ الصُّلْحِ هُنَا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي فَرْضَيْهِ، قَالَ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدَّعْوَى قَسِيمَةً لِلْحَقِّ وَقَالَ فِي فَرْضَيْهِ هُوَ مُعَاوَضَةٌ عَنْ دَعْوَى انْتِقَالِ الْوَارِثِ عَنْ نَصِيبِهِ وَكُلٌّ مِنْ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَدْ غَفَلَ عَنْ مُرَادِهِ فِي الْفَرْضِيِّ وَفِي الْفِقْهِيِّ وَمُرَادُهُ فِي الْفَرْضِيِّ إنَّمَا هُوَ صُلْحٌ خَاصٌّ وَهُوَ صُلْحُ الْوَرَثَةِ الَّذِينَ فِي الْمِيرَاثِ وَالصُّلْحُ هُنَا أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ قَالَ شَيْخُنَا الْأَخِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذِكْرُ الِانْتِقَالِ فِيهِ أَشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ عَنْ الصُّلْحِ لَا أَنَّهُ هُوَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْحَوَالَةِ] (ح ول) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الْحَوَالَةِ " طَرْحُ الدَّيْنِ عَنْ ذِمَّةٍ بِمِثْلِهِ فِي أُخْرَى " قَالَ وَلَا تُرَدُّ الْمُقَاصَّةُ إذْ لَيْسَتْ بِطَرْحٍ بِمِثْلِهِ فِي أُخْرَى لِامْتِنَاعِ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِذِمَّةِ مَنْ هُوَ لَهُ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ تَبْرَأُ بِهَا الْأُولَى تَعَقَّبَ بِأَنَّ النَّقْلَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ وَبِحَشْوِ تَبْرَأُ بِهَا الْأُولَى؛ لِعَدَمِ أَفَادَتْهُ مَدْخَلًا أَوْ مَخْرَجًا وَتَعَقَّبَ بَعْضَ الْبَجَائِيِّينَ قَوْلَ الْقَاضِي تَحْوِيلُ الْحَقِّ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ تَبْرَأُ بِهَا الْأُولَى بِأَنَّهُ بَيَانُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ يُرَدُّ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ فِي التَّعْرِيفِ لُغَوِيَّةٌ وَالْمُعَرِّفُ الْعُرْفِيَّةُ وَهِيَ أَخَصّ مِنْ الْأُولَى وَالْأَعَمُّ غَيْرُ الْأَخَصِّ وَأَعْرَفُ قَالَ وَتَرْجِيحُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَخَذَ لَفْظَةَ الْحَقِّ بَدَلًا مِنْ لَفْظَةِ الدَّيْنِ لِزَعْمِهِ أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْمَنَافِعِ إلَّا بِتَكَلُّفٍ يُرَدُّ بِمَنْعِ كَوْنِهِ تَكَلَّفَ فِي الْمَضْمُونَةِ وَهِيَ الْمَعْرُوضَةِ لِلْحَوَالَةِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " طَرْحُ الدَّيْنِ " جَعَلَ جِنْسَ الْحَوَالَةِ طَرْحًا لِلدَّيْنِ وَإِسْقَاطُ الدَّيْنِ نَاشِئٌ عَنْ تَحَقُّقِ الْحَوَالَةِ. (فَإِنْ قُلْت) الْحَوَالَةُ فِي اللُّغَةِ الْإِحَالَةُ أَوْ التَّحْوِيلُ، وَقَدْ حَقَّقَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ الْقَاضِي فِي جِنْسِهِ حَيْثُ أَتَى بِالْحَقِيقَةِ الْأَعَمِّيَّةِ اللُّغَوِيَّةِ قَالَ وَذَلِكَ حَسَنٌ فِي التَّعْرِيفِ إذَا كَانَتْ اللُّغَوِيَّةُ مَشْهُورَةً ثُمَّ قَصُرَتْ عُرْفًا عَلَى بَعْضِ مَعَانِيهَا وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ النَّقْلِ فَمَا بَالُ الشَّيْخِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 رَآهُ وَسَلَّمَهُ وَلَمْ يَعْتَرِضْهُ وَخَالَفَ فِي الْجِنْسِ (قُلْت) لَعَلَّهُ عَدَلَ عَلَى التَّحْوِيلِ إلَى الطَّرْحِ وَعَدَلَ عَنْ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَنْتَقِلُ بِنَفْسِهِ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى وَلَمْ يَتَحَوَّلْ وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ الْأُخْرَى مِثْلُهُ لَا هُوَ، وَقَدْ سَقَطَ عَنْ الذِّمَّةِ الْأُولَى مِثْلُ مَا ثَبَتَ فِي الثَّانِيَةِ، فَصَحَّ لِلشَّيْخِ أَنْ يَقُولَ طَرْحُ إلَخْ وَهُوَ أَخَصْرُ لَفْظًا وَأَتَمُّ مَعْنَى مِنْ حَدِّ الْقَاضِي فِي قَوْلِهِ تَحْوِيلُ الْحَقِّ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ تَبْرَأُ بِهَا الْأُولَى. (فَإِنْ قُلْت) هَلَّا قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اتِّبَاعُ مَدِينٍ طَالَبَهُ عَلَى مِثْلِهِ فِي ذِمَّةٍ أُخْرَى، وَقَدْ وَقَعَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ مَنْ اتَّبَعَ عَلَى مَلِيٍّ فَالِاتِّبَاعُ فِعْلُ فَاعِلٍ مِنْ الْمَدِينِ لِطَالِبِ الدَّيْنِ وَهِيَ الْحَوَالَةُ (قُلْت) يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ بَلْ هُوَ أَوْلَى لِلَفْظِ الْحَدِيثِ. (فَإِنْ قُلْت) لَعَلَّ الْحَوَالَةَ الشَّرْعِيَّةَ اقْتَضَتْ أَنَّ الْمُحَالَ قَدْ تَرَكَ دَيْنَهُ عَلَى الْمُحِيلِ بِمَا أُحِيلَ بِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ ذِكْرِ الطَّرْحِ وَإِنَّ الِاتِّبَاعَ لَا يَدُلَّ عَلَى الطَّرْحِ فِي الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ، وَهَذَا يُمْكِنُ قَصْدُهُ مِمَّا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ بَعْدُ (قُلْت) عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَوْ أَتَى بِلَفْظِ الْحَدِيثِ لَكَانَ أَصْوَبَ وَبَعْدَ أَنْ أَقْرَأْت فِي كِتَابِ الْحَوَالَةِ وَرَأَيْت الْخِلَافَ هَلْ الْحَوَالَةُ رُخْصَةٌ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالْبَاجِيِّ خَالَفَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهَا مِنْ بَيْعِ نَقْدٍ بِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ بِرِضَى الْمُحَالِ ظَهَرَ لِي سُؤَالٌ عَلَى حَدِّ الشَّيْخِ بِأَنْ يُقَالَ لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَحُدَّهَا بِحَدَّيْنِ عَلَى الرَّأْيَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَقُولُ بَيْعٌ إلَخْ وَالثَّانِي مَا ذَكَرَ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ " بِمِثْلِهِ فِي أُخْرَى " يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ طَرْحُ مَعْنَاهُ إزَالَةُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةٍ أُخْرَى احْتَرَزَ بِهِ مِنْ طَرْحِ الدَّيْنِ وَإِسْقَاطِهِ بِغَيْرِ مَا ذَكَرَ فَإِنَّهُ لَيْسَ حَوَالَةٌ ثُمَّ أَنَّ الشَّيْخَ قَالَ لَا يُرَدُّ عَلَى طَرْدِ الْحَدِّ الْمُقَاصَّةُ لِصِدْقِ الْحَدِّ فِيهَا لِأَنَّ الْمُقَاصَّةَ لَا يَصْدُقُ فِيهَا الْحَدُّ لِأَنَّ إسْقَاطَ الدَّيْنِ الْمُمَاثِلِ لِمَا فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَسْقُطْ فِي الْمُقَاصَّةِ لِمِثْلِ دَيْنٍ فِي ذِمَّةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِذِمَّةِ مَنْ هُوَ لَهُ وَوَجَدْت بِخَطِّ بَعْضِ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اُنْظُرْ اللَّامَ فِي حَدِّ الْحَوَالَةِ هَلْ تَقْتَضِي الْعُمُومَ فَيَبْطُلُ عَكْسُ رَسْمِهِ بِالْحَوَالَةِ فِي بَعْضِ الدَّيْنِ وَقَالَ أَيْضًا فِي قَوْلِ الشَّيْخِ لِامْتِنَاعِ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَجْرِي ذَلِكَ إلَّا عَلَى قَوْلِ إسْمَاعِيلَ الْقَاضِي بِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ مَنْ قَدَّمَ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ يُعَدُّ مُسَلِّفًا وَيَقْتَضِيهِ مِنْ ذِمَّتِهِ فَيَصِحُّ تَعَلُّقُ الذِّمَّةِ بِذِمَّةِ مَنْ هُوَ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِذِمَّةِ مَنْ هُوَ لَهُ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 قِيلَ يُقَالُ نَقَلَ فُلَانٌ الْمَسْأَلَةَ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَعَقَّبَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ أَيْضًا بِحَشْوٍ قَوْلُهُ تَبْرَأُ بِهَا الْأُولَى؛ لِعَدَمِ إفَادَتِهِ مَخْرَجًا أَوْ مَدْخَلًا وَحَدَّ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ أَنْ قَالَ فِيهِ نَظَرٌ إذْ يَكُونُ لِلِاطِّلَاعِ عَلَى أَجْزَاءِ الْحَقِيقَةِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْحَشْوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ حَشْوٌ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الطَّرْدِ وَالْجَمْعِ ثُمَّ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْبَجَائِيِّينَ أَنَّهُ تَعَقَّبَ عَلَى الْقَاضِي فِي قَوْلِهِ تَحْوِيلُ الْحَقِّ مِنْ ذِمَّةٍ لِذِمَّةٍ تَبْرَأُ بِهَا الْأُولَى بِأَنَّهُ بَيَانٌ لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ قَالَ وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ فِي التَّعْرِيفِ لُغَوِيَّةٌ وَالْمُعَرِّفُ الْعُرْفِيَّةُ وَهِيَ أَخَصُّ مِنْ الْأُولَى وَالْأَعَمُّ غَيْرُ الْأَخَصِّ وَاعْتَرَضَ عَلَى شَيْخِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ قَالَ ذَكَرَ الْحَقَّ عِوَضًا عَنْ الدَّيْنِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَكَلَّفُ صِدْقُهُ عَلَى الْمَنَافِعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُرَدُّ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُرَادُ مِنْهَا الْمَضْمُونَةُ وَلَا تُكَلَّفُ. [بَابُ صِيغَة الْحَوَالَةِ] (ص وغ) : بَابُ صِيغَةِ الْحَوَالَةِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَا دَلَّ عَلَى تَرْكِ الْمُحَالِ دَيْنُهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ بِمِثْلِهِ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ " قَوْلُهُ " مَا دَلَّ " عَامٌّ وَظَاهِرُهُ بِصِيغَةِ اللَّفْظِ أَوْ بِغَيْرِ لَفْظٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا قَرِيبًا مِنْهُ وَالْمُرَادُ اللَّفْظُ الصَّرِيحُ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ أَوْ مَا يَنُوبُ مَنَابَهُ وَقَوْلُهُ " تَرْكِ الْمُحَالِ " أَخْرَجَ بِهِ مَا لَيْسَ فِيهِ تَرْكٌ فَإِذَا قَالَ اقْبِضْ دَيْنَك مِنْ غَرِيمِي فَهُوَ وَكَالَةٌ لَا حَوَالَةٌ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْحَقِّ قَوْلُهُ " بِمِثْلِهِ " إلَخْ أَخْرَجَ بِهِ الْحَوَالَةَ عَلَى غَيْرِ أَصْلِ دَيْنٍ فَإِنَّهَا حَمَّالَةٌ وَمَا وَقَعَ فِي ثَانِي السَّلَمِ مِنْ إطْلَاقِ الْحَوَالَةِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ مَجَازٌ وَهُوَ جَوَابُ الشَّيْخِ عَنْ الْإِيرَادِ الْمَعْلُومِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ اُنْظُرْهُ بَعْدُ. (فَإِنْ قُلْت) وَهَلَّا اخْتَصَرَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ فِي حَدِّ الْحَوَالَةِ وَقَالَ فِي ذِمَّةٍ أُخْرَى (قُلْت) لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَتِهَا هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمُحَالَ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمُحِيلِ لِأَنَّ رِضَى كُلٌّ مِنْهُمَا جُزْءٌ فِي الْحَوَالَةِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ بَيَانًا وَفِيهِ بَحْثٌ. (فَإِنْ قُلْت) لَمْ لَمْ يَذْكُرْ حُلُولَ الْمُحَالِ بِهِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِحَوَالَةٍ (قُلْت) الْحَدُّ لِلصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَهِيَ حَوَالَةٌ لَكِنَّهَا فَاسِدَةٌ شَرْعًا. [بَاب فِي شُرُوطِ الْحَوَالَةِ] : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 بَابٌ فِي شُرُوطِ الْحَوَالَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَوَقُّفُهَا عَلَى رِضَى الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ وَكَوْنُهَا عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ وَكَوْنُهَا بِمَا حَلَّ لَا عَلَى مَا حَلَّ وَتَمَاثَلَ صِنْفُ الدَّيْنَيْنِ اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ مِنْ الشُّرُوطِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [كِتَابُ الْحَمَالَةِ] (ح م ل) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الْحَمَالَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الْتِزَامُ دَيْنٍ لَا يُسْقِطُهُ أَوْ طَلَبُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لِمَنْ هُوَ لَهُ " ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ تَابِعًا لِلْقَاضِي الضَّمَانُ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ لَا يَتَنَاوَلُهَا لِأَنَّ شَغْلَ ذِمَّةٍ أُخْرَى إنَّمَا هُوَ لَازِمُهَا لِأَنْفُسِهَا لِأَنَّهَا مُكْتَسِبَةٌ وَالشَّغْلُ حُكْمٌ غَيْرُ مُكْتَسِبٍ يَنْشَأُ عَنْ مُكْتَسَبٍ كَالْمِلْكِ مَعَ الْبَيْعِ فَتَأَمَّلْهُ وَلَيْسَ فِيهِ اعْتِرَاضٌ كَمَا أَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ شَغْلُ الذِّمَّةِ هُوَ الِالْتِزَامُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ شَغْلُ الذِّمَّةِ فَقَدْ ثَبَتَ الِالْتِزَامُ وَإِذَا ثَبَتَ الِالْتِزَامُ ثَبَتَ شَغْلُ الذِّمَّةِ وَهَذَا شَأْنُ الْمُرَادِفِينَ وَهَذِهِ مُغَالَطَةٌ أَوْ غَلَطٌ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا أَنْتَجَ لَهُ الْمُلَازَمَةَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَرَادُفِهِمَا لِجَوَازِ اخْتِلَافِ مَصْدُوقِهِمَا قَطْعًا كَالْإِنْسَانِ وَالنَّاطِقِ وَدَلِيلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَلَّ عَلَى اخْتِلَافِهِمَا قَطْعًا مَعَ تَلَازُمِهِمَا، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقِيَاسٍ مِنْ الشَّكْلِ الثَّانِي فَيُقَالُ الْحَمَالَةُ فِيهَا اكْتِسَابٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ الشَّغْلِ فِيهِ اكْتِسَابٌ فَلَا شَيْءَ مِنْ الْحَمَالَةِ بِشَغْلٍ وَهُوَ الْمُدَّعَى أَمَّا الصُّغْرَى فَظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الِالْتِزَامَ مِنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَبَيَانُ الْكُبْرَى أَنَّ الشَّغْلَ إنَّمَا حَصَلَ مِنْ سَبَبِهِ لَا أَنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ كَالْمِلْكِ مَعَ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إطْلَاقُ الْحَمَالَةِ عَلَى الطَّلَبِ عُرْفًا إنَّمَا هُوَ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ يُرَدُّ بِمَنْعِهِ لِظَاهِرِ إطْلَاقَاتِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْمُتَقَدِّمِينَ وَالرُّوَاةِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ " الْتِزَامُ دَيْنٍ " ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهَا تَعْمِيرَ ذِمَّةِ الْمُلْتَزَمِ وَهُوَ جِنْسٌ عَامٌّ قَوْلُهُ " لَا يُسْقِطُهُ " أَخْرَجَ بِهِ الْحَوَالَةَ كَمَا تَقَدَّمَ. (فَإِنْ قُلْت) يُرَدُّ عَلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُقَالَ إخْرَاجُ الْحَوَالَةِ فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 إنَّمَا هُوَ بَعْدَ تَقَرُّرِ الْإِدْخَالِ وَالْحَوَالَةُ طَرْحٌ لِدَيْنٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَالطَّرْحُ غَيْرُهُ (قُلْت) لَا يَخْلُو مِنْ بَحْثٍ وَلَا يُقَالُ إنَّ فِيهَا طَرْحَ وَالْتِزَامَ طَرْحِ الطَّرْحِ مِنْ الْمُحِيلِ وَالِالْتِزَامِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ وَلَا الْتِزَامُهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ فَتَأَمَّلْهُ قَوْلُهُ " أَوْ طَلَبِ " إلَخْ مَجْرُورٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الْتِزَامِ دَيْنٍ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحَمَالَةُ بِالْوَجْهِ وَالْحَمَالَةُ بِالطَّلَبِ. (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ يَدْخُلَانِ وَهُوَ قَدْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْ طَلَبِ، وَقَدْ صَيَّرْت الطَّلَبَ قَسِيمًا لِلْوَجْهِ (قُلْت) حَمَالَةُ الْوَجْهِ فِيهَا الطَّلَبُ أَيْضًا وَالطَّلَبُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِّ هُوَ أَعَمُّ طَلَبٍ لَا خُصُوصُ طَلَبٍ، وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ حَمَالَةِ الْوَجْهِ وَحَمَالَةِ الطَّلَبِ فِي الْوَجْهِ إذَا لَمْ يَقَعْ تَحْضِيرُهُ فَإِنَّ الْغَرِيمَ يَطْلُبُهُ بِالْمَالِ بِخِلَافِ حَمَالَةِ الطَّلَبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَالِ فِي شَيْءٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُتَحَمِّلِ لَهُ] (ح م ل) : بَابُ الْمُتَحَمِّلِ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ ثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى الْمُتَحَمِّلِ عَنْهُ وَلَوْ جَهِلَ قَوْلُهُ " مَنْ ثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى الْمُتَحَمِّلِ عَنْهُ " أَخْرَجَ بِالْقَيْدِ مَنْ ثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى غَيْرِ الْمُتَحَمِّلِ عَنْهُ قَوْلُهُ " وَلَوْ جَهِلَ " مَعْنَاهُ وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ مَجْهُولًا وَلِذَا قَالُوا إنْ تَحَمَّلَ دِينًا عَلَى مَيِّتٍ لَزِمَ الْمُتَحَمِّلُ مَا ظَهَرَ مِنْ الدَّيْنِ وَكَوْنُهُ جَهِلَ قَدْرَ الْمُتَحَمِّلِ بِهِ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الْحَمَالَةِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ جَهِلَ غَايَةً مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ حَالَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ مِرَارًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي الْحَمِيلِ] (ح م ل) : بَابٌ فِي الْحَمِيلِ قَالَ: قَالَ الْبَاجِيُّ: مَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ ضَمَانُ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالصَّبِيُّ وَالسَّفِيهُ وَالزَّوْجَةُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ. (فَإِنْ قُلْت) الْحَمِيلُ قَدْ يَكُونُ فِي طَلَبِ الْغَرِيمِ فَقَطْ وَهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا ذَكَرَ مِنْ عَدَمِ الْحَجْرِ (قُلْت) يُحْمَلُ كَلَامُ الْبَاجِيِّ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مَا تَسْقُطُ بِهِ الْحَمَالَةُ] ُ قَالَ بِإِسْقَاطِ الْمُتَحَمِّلِ بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ وَانْظُرْ مَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ اُنْظُرْ مَا يُوجِبُ تَعْجِيلَ الْقَضَاءِ مِنْ تَرِكَةِ الْغَرِيمِ وَمَا لَا يُوجِبُهُ مِنْ الْحَمِيلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 [بَابُ الْمَضْمُونِ] ض م ن) : بَابُ الْمَضْمُونِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا يَتَأَتَّى نَيْلُهُ مِنْ الضَّامِنِ أَوْ مَا يَسْتَلْزِمُهُ فَيَدْخُلُ الْوَجْهُ وَكُلُّ كُلِّيٍّ لِأَنَّ الْجُزْئِيَّ الْحَقِيقِيَّ كَالْمُعَيَّنِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَلِذَا جَازَتْ بِعَمَلِ الْمُسَاقَاةِ لِأَنَّهُ كُلِّيٌّ حَسْبَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَجْوِبَتُهَا مَعَ غَيْرِهَا وَتَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُفْتِينَ قَوْلُهُ " مَا يَتَأَتَّى نَيْلُهُ مِنْ الضَّامِنِ " مَعْنَاهُ شَيْءٌ وَهُوَ جِنْسُ قَوْلِهِ مَا يَتَأَنَّى نَيْلُهُ مِنْ الضَّامِنِ أَخْرَجَ بِهِ الْحَدُّ وَذُو الْقِصَاصِ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَيَخْرُجُ الْجُزْئِيَّاتُ كُلُّهَا فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهَا. (فَإِنْ قُلْت) بِأَيِّ شَيْءٍ يَدْخُلُ الْوَجْهُ (قُلْت) يَظْهَرُ أَنَّهُ أَدْخُلهُ بِقَوْلِهِ أَوْ مَا يَسْتَلْزِمُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ مَا إلَخْ عُطِفَ عَلَى فَكَأَنَّهُ يَقُولُ الْمَضْمُونُ شَيْئَانِ أَمَّا أَنْ يَتَمَكَّنُ فِيهِ الْأَخْذُ مِنْ الضَّامِنِ أَوْ مَا يَسْتَلْزِمُ مَا يَتَأَتَّى أَخْذُهُ مِنْ الضَّامِنِ كَضَمَانِ الْوَجْهِ لِأَنَّ مِنْ لَازِمِهِ الْغَرَامَةَ. (فَإِنْ قُلْت) إنْ صَحَّ هَذَا فَضَمَانُ الطَّلَبِ كَيْفَ يَدْخُلُ فِي هَذِهِ (قُلْت) فِيهِ نَظَرٌ وَذَكَرَ الشَّيْخُ هُنَا مَسْأَلَةً حَسَنَةً وَهِيَ مَنْ ادَّعَى دَابَّةً وَأَرَادَ وَقْفَهَا لِيَشْهَدَ عَلَيْهَا ثُمَّ أَعْطَى ضَامِنًا بِهَا وَأَخْرَجَهَا فَضَاعَتْ فِي الرَّعْيِ فَقَالَ سَحْنُونٌ يَضْمَنُ وَقَالَ أَصْبَغُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ أَوْ الْمَعْنَى وَالْأَظْهَرُ الْمَعْنَى قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا يُشْبِهُ ضَمَانَ الْمُعَيَّنِ فَانْظُرْ ذَلِكَ فِيهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ صِيغَةِ الْحَمَالَةِ] (ص وغ) : بَابُ صِيغَةِ الْحَمَالَةِ الصِّيغَةُ مَا دَلَّ عَلَى الْحَقِيقَةِ عُرْفًا وَهُوَ جَلِيٌّ. [بَاب فِي ضَابِطِ تَرَاجُعِ الْحُمَلَاءِ فِيمَا ابْتَاعُوهُ مُتَحَامِلِينَ] َ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رُجُوعُ كُلِّ غَارِمٍ عَلَى مَنْ لَقِيَهُ بِمَا غَرِمَ عَنْهُ مِنْ ثَمَنِ مَا ابْتَاعَهُ وَبِمَا يُوجِبُ مُسَاوَاتَهُ إيَّاهُ فِيمَا غَرِمَهُ بِالْحَمَالَةِ عَنْ غَيْرِهِمْ هَذَا تَفْهَمُ بِهِ مَسْأَلَةَ الْحُمَلَاءِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ هِيَ مِنْ الْمُسَمَّاةِ بِالْمَسَائِلِ الطُّبُولِيَّةِ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْمُوَضِّحَتَيْنِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكُنْت رَأَيْت فِيهَا تَصْنِيفًا صَغِيرًا أَوْ ذَكَرَ لِي الشَّيْخُ ابْنُ الْحُبَابِ أَنَّ أَبَا كَامِلٍ الْحُسَيْنَ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِهِ وَبَسَطَ وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى طُولٍ وَنُؤَخِّرُهُ مَعَ ضَوَابِطِهِ ذَكَرْنَاهَا مِنْ الْمَنْسِيَّاتِ وَغَيْرِهَا لِنُلْحِقَهَا بِآخِرِ هَذَا التَّقْيِيدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [كِتَابُ الشَّرِكَةِ] (ش ر ك) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الشَّرِكَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الشَّرِكَةُ الْأَعَمِّيَّةُ تَقَرُّرُ مُتَمَوَّلٍ بَيْنَ مَالِكَيْنِ فَأَكْثَرَ مِلْكًا فَقَطْ وَالْأَخَصِّيَّةُ بَيْعُ مَالِكٍ كُلَّ بَعْضِهِ بِبَعْضِ كُلِّ الْآخَرِ مُوجِبٌ صِحَّةَ تَصَرُّفِهِمَا فِي الْجَمِيعِ " فَيَدْخُلُ فِي الْأَوَّلِ شَرِكَةُ الْإِرْثِ وَالْغَنِيمَةِ لَا شَرِكَةُ التَّجْرِ وَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْعَكْسِ، وَشَرِكَةُ الْأَبَدَانِ وَالْحَرْثِ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ فِي الثَّانِيَةِ وَفِي عِوَضِهِ فِي الْأُولَى، وَقَدْ يَتَبَايَنَانِ فِي الْحُكْمِ شَرِكَةُ الشَّرِيكِ بِالْأُولَى جَائِزَةٌ وَبِالثَّانِيَةِ مَمْنُوعَةٌ وَذَكَرَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا ذَكَرَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ الشَّرِكَةَ تَصْدُقُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَبِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ وَحَدَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ فَقَالَ فِي الْأَعَمِّيَّةِ " تَقَرُّرُ مُتَمَوَّلٍ " إلَخْ فَذَكَرَ جِنْسًا لِلشَّرِكَةِ وَهُوَ التَّقَرُّرُ وَهُوَ الثُّبُوتُ فَتَرْجِعُ إلَى مَعْنًى نِسْبِيٍّ وَقَوْلُهُ مُتَمَوَّلٍ أَخْرَجَ بِهِ مَا لَيْسَ بِمُتَمَوَّلٍ كَثُبُوتِ النَّسَبِ بَيْنَ إخْوَةٍ وَغَيْرِهِمْ قَوْلُهُ " بَيْنَ مَالِكَيْنِ " مَعْمُولٌ لِتَقَرُّرِ وَأَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْمَالِكَيْنِ، قَوْلُهُ " فَأَكْثَرَ " أَدْخَلَ بِهِ مَا إذَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ وَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ مَا ذَكَرُوهُ فِي قَوْلِهِمْ فَصَاعِدًا وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ ابْنِ عُصْفُورٍ وَابْنِ الصَّائِغِ قَوْلُهُ " مِلْكًا " أَخْرَجَ بِهِ مِلْكَ الِانْتِفَاعِ كَمَا إذَا كَانَا يَنْتَفِعَانِ بِحَبْسِ الْمَدَارِسِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ فِيهِ تَقَرُّرُ مُتَمَوَّلٍ إلَخْ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ. (فَإِنْ قُلْت) لَا يَدْخُلُ مِلْكُ الِانْتِفَاعِ حَتَّى يَخْرُجَ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَالِكَيْنِ يُخْرِجُ ذَلِكَ (قُلْت) لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِكَيْنِ مَنْ يَصِحُّ نِسْبَةُ الْمِلْكِ إلَيْهِمَا فَأَخْرَجَ بِهِ مَنْ لَا يَصِحُّ لَهُمَا مِلْكٌ فَلَا تَصِحُّ لَهُ شَرِكَةٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ بَيْنَ مِنْ يَقْبَلُ الْمِلْكَ وَقَوْلُهُ مِلْكًا أَيْ مِلْكًا بِالْفِعْلِ وَفِيهِ مَا يُتَأَمَّلُ، قَوْلُهُ " فَقَطْ " تَقَدَّمَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِرَارًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 وَمَعْنَاهَا انْتَهِ عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِنْ الشَّرِكَةِ الْأَخَصِّيَّةِ فَإِنَّ فِيهَا زِيَادَةَ التَّصَرُّفِ وَهَذِهِ لَا زِيَادَةَ فِيهَا لِلشَّرِيكَيْنِ. (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ تَدْخُلُ فِي الْأَعَمِّيَّةِ وَتَصْدُقُ فِيهَا مَعَ أَنَّ الْأَخَصِّيَّةَ فِي جِنْسِهَا ذِكْرُ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ لَا يَصْدُقُ فِيهِ التَّقَرُّرُ وَلَا يَصِحُّ الْإِخْرَاجُ إلَّا بَعْدَ صِحَّةِ الْإِدْخَالِ. (قُلْت) الْجَوَابُ أَنَّ الْأَخَصِّيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَدْخُلُ بِاعْتِبَارِ صَادِقِيَّةِ الْأَعَمِّ بِاعْتِبَارِ مَقُولَتِهِمَا فَهِيَ تَسْتَلْزِمُ الْأَعَمِّيَّةَ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَتِهَا؛ لِأَنَّ تَقَرُّرَ مُتَمَوَّلٍ مِنْ لَازِمِهَا فَهُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِمَا ذَكَرَ عَنْ لَازِمِ الْأَخَصِّيَّةِ. (فَإِنْ قُلْت) الْأَعَمُّ يَصْدُقُ حَدُّهُ عَلَى الْأَخَصِّ وَالْقَيْدُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَقَطْ عَلَى مَا قَدَّرْته يَقْتَضِي أَنَّهُ مُنَافٍ لِخَاصِّيَّةِ الْأَخَصِّ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ صَادِقِيَّةِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ (قُلْت) هَذَا السُّؤَالُ ظَهَرَ فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَ شَرْحِ الْحَدِّ وَيُمْكِنُ جَوَابُهُ أَنَّ نَفْيَ التَّصَرُّفِ هُوَ الْخَاصَّةُ لِلْأَعَمِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّصَرُّفُ وَكَوْنُهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّصَرُّفُ هُوَ أَعَمُّ مِنْ وُجُودِ التَّصَرُّفِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْأَخَصِّ هُوَ الْخَاصِّيَّةُ لَهُ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِدْقِ حَدِّ الْأَعَمِّ عَلَيْهِ كَمَا تَقُولُ الْحَيَوَانُ مِنْ خَاصَّتِهِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ النَّاطِقِيَّةِ وَالْإِنْسَانُ مِنْ خَاصَّتِهِ وُجُودُ النَّاطِقِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَأَمَّا حَدُّ الْأَخَصِّيَّةِ فَقَالَ فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْعُ مَالِكٍ كُلَّ إلَخْ قَوْلُهُ " بَيْعُ مَالِكٍ " جَعَلَ الْجِنْسَ هُنَا بَيْعًا فَهُوَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّرِكَةَ الْأَخَصِّيَّةَ مِنْ الْبَيْعِ فَصَيَّرَ جِنْسَهَا بَيْعًا فَيَقْتَضِي أَنَّ فِيهَا مُعَاوَضَةً كَمَنْ لَهُ دَنَانِيرُ شَارَكَ بِهَا مَالِكٌ مِثْلُهَا فَهَذِهِ مُعَاوَضَةٌ مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ فِي مُشَارَكَةِ الْفِضَّةِ وَكَذَلِكَ مُشَارَكَةُ الْعُرُوضِ الْمِثْلِيَّةِ وَأَمَّا الْمُخْتَلِفَةُ وَاخْتِلَافُ الدَّنَانِيرِ مَعَ الدَّرَاهِمِ فِي الشَّرِكَةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ قِيلَ يَصِحُّ ذَلِكَ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَحَدُّ الشَّيْخِ يَعُمُّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ (فَإِنْ قُلْت) إذَا صَحَّ ذَلِكَ وَإِنَّ الشَّرِكَةَ بَيْعٌ فَهَلْ الْمُرَادُ بِالْجِنْسِ الْبَيْعُ الْأَعَمُّ أَوْ الْأَخَصُّ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَعَمُّ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّيْخَ قَدْ قَصَّرَ مَا يَزِيدُ بِهِ الْأَعَمُّ عَلَى الْأَخَصِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أُمُورٍ وَهِيَ هِبَةُ الثَّوَابِ وَالصَّرْفُ وَالْمُرَاطَلَةُ وَالسَّلَمُ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّرِكَةَ وَإِنْ قَصَدَ الْأَخَصَّ فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي رَسْمِهِ مَا يَخْرُجُ بِهِ الصَّرْفُ وَالْمُرَاطَلَةُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ إخْرَاجُ أَحَدِ صُوَرِ الشَّرِكَةِ بِقَوْلِهِ أَحَدُ عِوَضَيْهِ غَيْرُ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَالشَّرِكَةُ قَدْ تَكُونُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِاتِّفَاقٍ وَفِي اخْتِلَافٍ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ (قُلْت) لَنَا أَنْ نَخْتَارَ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَعَمُّ وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يُوجِبُ الْقَصْرَ أَوْ الْحَصْرَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ إنَّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 مَقْصُورَةٌ لِقَوْلِهِ فَتَخْرُجُ الْأَرْبَعَةُ وَلَا يَخْلُو مِنْ بَحْثٍ وَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَإِنْ قُلْت) إنَّمَا فِي الشَّرِكَةِ وَكَالَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ لَا بَيْعَ (قُلْت) بَلْ مُعَاوَضَةٌ قَارَنَتْهَا وَكَالَةٌ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ فِي تَعَالِيلِهِمْ إذَا تَأَمَّلْتهَا. (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الشَّرِكَةَ بَيْعٌ فَصَيَّرَهَا نَفْسَ الْبَيْعِ الْمَخْصُوصِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدُ فِي مَسْأَلَةِ مُشَارَكَةِ الذِّمِّيِّ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَسْتَشْكِلُ بِأَنَّ الشَّرِكَةَ مَلْزُومَةٌ لِلْبَيْعِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَإِذَا كَانَتْ مَلْزُومَةً لِلْبَيْعِ وَالْبَيْعُ لَازِمُهَا فَاللَّازِمُ غَيْرُ الْمَلْزُومِ (قُلْت) الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ هُنَا هُوَ الْمُقَيَّدُ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ وَذَلِكَ لَازِمٌ مُسَاوٍ مِنْ خَاصَّةِ الشَّرِكَةِ كَالضَّاحِكِ وَالْإِنْسَانِ وَتَأَمَّلْ سُؤَالَ الشَّيْخِ الَّذِي أَشَرْت إلَيْهِ وَجَوَابُهُ فَكَانَ يَمْضِي لَنَا فِيهِ مُبَاحَثَةٌ قَوْلُهُ " مَالِكٍ كُلَّ بَعْضِهِ " أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا بَاعَ الْكُلَّ بِكُلٍّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَرِكَةٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ الشَّرِكَةُ بِالصِّنْفِ وَالثُّلُثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ قَوْلُهُ " بِبَعْضِ كُلِّ الْآخِرِ " صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مُقَدَّرٍ أَيْ الْبَعْضُ الْآخَرُ أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا بَاعَ بَعْضًا بِكُلٍّ قَوْلُهُ " مُوجِبٌ " صِفَةٌ لِلْبَيْعِ وَقَوْلُهُ " صِحَّةُ تَصَرُّفِهِمَا " إلَخْ مَفْعُولٌ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِشَرِكَةِ التَّجْرِ وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ شَرِكَةَ غَيْرِ التَّجْرِ كَمَا إذَا خَلَطَا طَعَامًا لِأَكْلٍ فِي الرُّفْقَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ التَّصَرُّفَ الْمُطْلَقَ لِلْجَمِيعِ وَضَمِيرُ تَصَرُّفِهِمَا عَائِدٌ عَلَى الْمَالِكَيْنِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَكِيلُ صَاحِبِهِ فِي تَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِهِ فَشَرِكَةُ الْإِرْثِ تَدْخُلُ فِي الْحَدِّ الْأَوَّلِ كَمَا ذُكِرَ وَكَذَلِكَ الْغَنِيمَةُ. وَأَمَّا شَرِكَةُ التَّجْرِ فَتَدْخُلُ فِي الثَّانِي لِصَادِقِيَّةِ الْحَدِّ الثَّانِي عَلَيْهَا وَشَرِكَةُ الْإِرْثِ وَالْغَنِيمَةِ يَدْخُلَانِ فِي الْحَدِّ الثَّانِي هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى الْعَكْسِ وَفِي اللَّفْظِ مُنَاقَشَةٌ لَا تَخْفَى وَذَلِكَ أَنْ يُقَالَ، أَمَّا شَرِكَةُ الْإِرْثِ فَلَا تَدْخُلُ فِي الثَّانِي فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ فِي الرَّسْمِ مَا يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِهَا كَمَا يُقَالُ لَا تَدْخُلُ الْمُرَاطَلَةُ وَالصَّرْفُ فِي الْبَيْعِ الْأَخَصِّ، وَأَمَّا شَرِكَةُ التَّجْرِ فَكَوْنُهَا لَا تَدْخُلُ فِي الرَّسْمِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ أَنَّهُ رَسْمٌ أَعَمُّ فَيَصْدُقُ عَلَى مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَخَصُّهُ وَلَعَلَّ هَذَا يُضَعِّفُ الْجَوَابَ عَنْ السُّؤَالِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَنَّهُ لَا يَعْنِي بِالْأَعَمِّ مَا قُدِّمَ فِيهِ وَفِيهِ مَا يُنْظَرُ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْجَوَابِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ وَالسُّؤَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَمَّا شَرِكَةُ الْأَبَدَانِ وَالْحَرْثِ فَبِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ يَدْخُلَانِ فِي الْأَخَصِّيَّةِ وَفِي عِوَضِهِ يَدْخُلَانِ فِي الْأَعَمِّيَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْأَبَدَانِ وَمَا شَابَهَهَا يَصْدُقُ فِيهَا بَيْعُ مَالِكٍ إلَخْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ قَدْ بَاعَ بَعْضَ مَنَافِعِهِ بِبَعْضِ مَنَافِعِ غَيْرِهِ مَعَ كَمَالِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 التَّصَرُّفِ. وَأَمَّا عِوَضُ ذَلِكَ فَيَدْخُلُ تَحْتَ أَعَمِّهَا وَلَيْسَ فِيهِ تَصَرُّفٌ ثُمَّ قَالَ، وَقَدْ يَتَبَايَنَانِ فِي الْحُكْمِ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَعَمِّيَّةَ وَالْأَخَصِّيَّةَ وَإِنْ صَدَقَ فِيهِمَا الْأَعَمُّ عَلَى أَخَصِّهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ فِيهِمَا شَرْعًا كَمَا ذَكَرَ اُنْظُرْهُ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ قَدْ أَذِنَ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا مَعَ أَنْفُسِهِمَا قَبِلُوهُ وَيَبْطُلُ طَرْدُهُ بِقَوْلِ مَالِكِ شَيْءٍ لِغَيْرِهِ أَذِنْت لَك فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ مَعِي وَقَوْلُ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ شَرِكَةٌ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ مِلْكُ أَحَدِهِمَا لَمْ يَضْمَنْهُ الْآخَرُ وَهُوَ لَازِمُ الشَّرِكَةِ وَنَفْيُ اللَّازِمِ يَنْفِي الْمَلْزُومَ وَعَكْسُهُ فَخُرُوجُ شَرِكَةِ الْجَبْرِ كَالْوَرَثَةِ وَشَرِكَةُ الْمُتَبَائِعَيْنِ شَيْئًا بَيْنَهُمَا، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا إذْ لَا إذْنَ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا وَلِذَا اخْتَلَفَ فِي تَصَرُّفِ أَحَدِهِمَا هَلْ هُوَ كَغَاصِبٍ أَمْ لَا وَمَا ذَكَرَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَائِبٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا وُجِدَ فِي حَدِّهِ الْوَكَالَةُ فَقَطْ، وَقَدْ قَرَّرْنَا أَنَّ الشَّرِكَةَ الْأَخَصِّيَّةَ اشْتَمَلَتْ عَلَى مُعَاوَضَةٍ وَوَكَالَةٍ وَلِذَا أَلْزَمَهُ مَا ذَكَرَ فِي عَدَمِ طَرْدِ حَدِّهِ وَمَا أَبْطَلَ فِيهِ الْعَكْسَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ عَمَّمَ الْحَدَّ لِلشَّرِكَةِ، وَقَدْ قُلْنَا بِأَنَّهَا أَخَصُّ وَأَعَمُّ فَإِطْلَاقُ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ يُخْرِجُ الشَّرِكَةَ الْأَعَمِّيَّةَ وَكَذَلِكَ مَا أَوْرَدَ عَلَيْهِ مِنْ شَرِكَةِ الْمُتَبَائِعَيْنِ عَبْدًا بَيْنَهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَا رَتَّبَهُ الشَّيْخُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ حَسَنٌ اُنْظُرْهُ فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ صِيغَة الشَّرِكَة] (ص وغ) : بَابُ الصِّيغَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ابْنُ شَاسٍ مَا دَلَّ عُرْفًا عَلَى الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الدَّلَالَةِ فَيَكْفِي اشْتِرَاكُنَا إنْ فُهِمَ الْمَقْصُودُ عُرْفًا ابْنُ الْحَاجِبِ مَا يَدُلُّ لَفْظًا أَوْ عُرْفًا وَالْأَوْلَى مَا دَلَّ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَفْظًا أَوْ عُرْفًا وَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي أَنَّ الشَّيْءَ يَقُومُ مَقَامَ نَفْسِهِ وَالْقَائِمُ مَقَامَ الشَّيْءِ غَيْرُ نَفْسِهِ وَالثَّانِي يَقْتَضِي كَوْنَ قِسْمِ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ مَا يَدُلُّ لَفْظًا يَنْقَسِمُ إلَى مَا يَدُلُّ وَضْعًا وَعُرْفًا وَمَا يَدُلُّ عُرْفًا يَنْقَسِمُ إلَى مَا يَدُلُّ لَفْظًا أَوْ فِعْلًا فَهُوَ كَقَوْلِك الْحَيَوَانُ إنْسَانٌ أَوْ أَبْيَضُ وَمَا رَدَّ بِهِ عَلَى حَدِّ ابْنِ شَاسٍ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ مَا رَدَّ بِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَتَأَمَّلْ هَلْ يُرَدُّ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ الْحَدِّ مَا أَوْرَدَهُ ثَانِيًا أَمْ لَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 [بَابٌ فِي شَرِكَةِ عِنَانٍ] شرك: بَابٌ فِي شَرِكَةِ عِنَانٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أَعْلَمُ شَرِكَةَ عِنَانٍ وَلَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ يَعْرِفُهَا قَالَ قَالَ عِيَاضٌ ضَبَطْنَاهُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَفِي بَعْضِ كُتُبِ اللُّغَةِ بِفَتْحِهَا وَلَمْ أَرْوِهِ وَمَعْنَى قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَمْ يُعْرَفْ اسْتِعْمَالُ هَذَا اللَّفْظِ بِبَلَدِهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي تَفْسِيرِهَا فَقِيلَ الشَّرِيكُ الْمَخْصُوصُ وَقِيلَ الشَّرِكَةُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَقِيلَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَبِيعُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ تَفْسِيرَهُ بِخِلَافِ مَا قَدَّمَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مَعْنَى الْخَلْطِ فِي الشَّرِكَةِ] (خ ل ط) : بَابُ مَعْنَى الْخَلْطِ فِي الشَّرِكَةِ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَعْنَاهُ خِلَافًا قِيلَ الْخَلْطُ الْحِسِّيُّ الَّذِي يُفِيدُ عَدَمَ تَمْيِيزِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ وَقِيلَ مُجَرَّدُ اجْتِمَاعِهِمَا فِي حَوْزٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ هَذَا أَوْ شِرَاءُ كُلٍّ بِمَالِهِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي مَحَلِّ الشَّرِكَةِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَحَلُّهَا مَالٌ أَوْ عَمَلٌ وَهُوَ جَلِيٌّ. [بَابٌ فِي شُرُوطِ شَرِكَة الْأَبَدَانِ] ِ قَالَ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا شَرْطُهَا اتِّحَادُ صَنْعَتَيْهِمَا وَمَكَانَيْهِمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ شَرْطَهَا وَلَمْ يُعَرِّفْهَا فَتَأَمَّلْهُ وَذَكَرَ شَرْطَهَا أَنْ لَمْ تُفْتَقَرْ لِآلَةٍ تُقَارِبُهُمَا فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَمَلِ وَمَعْرِفَتِهِ وَوَحْدَةِ الْعَمَلِ وَانْظُرْهُ. [بَابُ شَرِكَةِ الْوَجْهِ] (ش ر ك) : بَابُ شَرِكَةِ الْوَجْهِ قَالَ فَسَّرَهَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَبِيعَ الْوَجِيهُ مَالَ الْخَامِلِ بِزِيَادَةِ رِبْحٍ لِيَكُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 لَهُ بَعْضُهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى الذِّمَمِ دُونَ مَالٍ وَلَا صَنْعَةٍ عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَيَاهُ يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِمَا وَرِبْحُهُ بَيْنَهُمَا وَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ الْحَدُّ الْأَوَّلُ مُغَايِرٌ لِلثَّانِي وَالثَّانِي يَرُدُّ شَرِكَةَ الْوَجْهِ إلَى شَرِكَةِ الذِّمَمِ. (فَإِنْ قُلْت) شَرِكَةُ الذِّمَمِ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الشَّرِكَةِ الْمَحْدُودَةِ أَوَّلًا فَكَيْفَ يَصْدُقُ الْمَحْدُودُ الْأَخَصُّ عَلَيْهَا وَلَيْسَ فِيهَا مُبَايَعَةٌ (قُلْت) لَا بُدَّ مِنْ مُسَامَحَةٍ فِي إطْلَاقِ الشَّرِكَةِ الْعُرْفِيَّةِ عَلَيْهَا وَإِنْ جَرَى الْعُرْفُ بِأَنَّهَا شَرِكَةٌ فَتُرَدُّ عَلَى الْحَدِّ الْمُتَقَدِّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابٌ فِي شَرِكَةِ الذِّمَمِ] (ش ر ك) : بَابٌ فِي شَرِكَةِ الذِّمَمِ قَالَ شَرِكَةٌ بِمَا يَتَقَرَّرُ فِي ذِمَّتِهِمَا مَضْمُونًا عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ شَرِكَةٌ فِيهِ مُسَامَحَةٌ فِي الِاشْتِقَاقِ الْمُؤَدِّي إلَى الدُّورِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الشَّرِكَةُ الْمُطْلَقَةُ مَعْلُومَةٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَا يُمَيِّزَ الْأَخَصَّ مِنْهَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْوَكَالَةِ] (وك ل) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الْوَكَالَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نِيَابَةُ ذِي حَقٍّ غَيْرِ ذِي إمْرَةٍ وَلَا عِبَادَةٍ لِغَيْرِهِ فِيهِ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ بِمَوْتِهِ " الْوَكَالَةُ لُغَةً تُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ أَحَدُهَا الْحِفْظُ وَهُوَ يَعُمُّ هَذَا الْبَابَ وَغَيْرَهُ، ثُمَّ خَصَّ ذَلِكَ شَرْعًا عَلَى حِفْظِ خَاصٍّ كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ وَهُوَ نِيَابَةٌ خَاصَّةٌ فَلَا تُطْلَقُ عَلَى نِيَابَةِ الْأَمَرَةِ خِلَافًا لِابْنِ رُشْدٍ فَإِنَّهُ سَمَّاهَا وَكَالَةٌ وَكَذَلِكَ عِيَاضٌ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُمْ اسْتَعْمَلُوهَا فِي النِّيَابَةِ الْمُطْلَقَةِ، قَالَ الشَّيْخُ مَنْ تَأَمَّلَ وَأَنْصَفَ عَلِمَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْوَكَالَةَ عُرْفًا خَاصَّةً بِمَا ذَكَرَ قَالَ: لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ عُرْفًا وَذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا فِيهِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " نِيَابَةُ " ذَكَرَهَا جِنْسٌ لِلْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُهَا وَغَيْرُهَا وَخَاصَّةُ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ اسْتِحْقَاقُ جَاعِلِهَا فِعْلَ مَا وَقَعَتْ النِّيَابَةُ فِيهِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ بَعْدُ وَإِنَّ الِاسْتِقْرَاءَ مِنْ الشَّرْعِ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ " ذِي حَقٍّ " أَخْرَجَ بِهِ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 فَإِنَّهُ لَا نِيَابَةَ لَهُ وَالنِّيَابَةُ الْمَذْكُورَةُ أَصْلُهَا اسْمُ مَصْدَرٍ لَا إنْ كَانَتْ مِنْ نَوَّبَ مُضَعَّفِ الْعَيْنِ وَلَا إنْ أُخِذَتْ مِنْ نَابَ وَالظَّاهِرُ أَخْذُهَا مِنْ نَوَّبَ لِقَوْلِهِ ذِي حَقٍّ هُوَ الْمُنَوَّبُ، وَقَدْ رَأَيْت سُؤَالًا عَلَى ذَلِكَ أُورِدَ عَلَى الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَذْكُرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ " غَيْرِ ذِي إمْرَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ وَالْخَاصَّةَ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: غَيْرِ إمْرَةٍ لَكَانَ أَخَصْرَ وَلَوْ أَسْقَطَ ذَلِكَ فِي الْحَدِّ الثَّانِي وَلَوْ كَانَ ذَكَرَ لِفَائِدَةٍ لَمَا حَذَفَهُ مِنْ الثَّانِي قَوْلُهُ " وَلَا عِبَادَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ إمَامَةَ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ مُتَعَلِّقٍ بِنِيَابَةٍ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ قَوْلُهُ " غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ " إلَخْ أَخْرَجَ بِهِ الْوَصِيَّ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِيهِ عُرْفًا وَكِيلٌ وَلِذَا فَرَّقُوا بَيْنَ فُلَانٍ وَكِيلِي وَوَصِيِّي وَهَذَا بَنَاهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ مِنْ تَحْقِيقِ خُصُوصِيَّتِهَا بِمَا ذَكَرَ مِنْ مَعْنَاهَا وَأَوْرَدَ لِلشَّيْخِ سُؤَالًا بِأَنَّ اللَّخْمِيَّ قَالَ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ قَالَ الشَّيْخُ لَا يُقَالُ بِأَنَّ ذَلِكَ وَكَالَةٌ فِي الْإِمْرَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَكَالَةٌ عَلَى فِعْلٍ لَا إمَارَةٍ فِيهِ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ إنَّهُ قَالَ اعْتَرَضَ عَلَى رَسْمِ الْوَكَالَةِ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ قَالَ بِالْإِجَارَةِ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا (وَأَجَابَ) بِأَنَّهَا وَكَالَةٌ لِأَنَّهُمْ قَسَّمُوا الْوَكَالَةَ عَلَى قِسْمَيْنِ بِأَجْرٍ وَبِغَيْرِ أَجْرٍ (قُلْت) هَذَا سُؤَالٌ وَجَوَابٌ فِيهِمَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ الْمَحْدُودَةَ هِيَ الَّتِي تَرْجَمَ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ وَهِيَ لَا تَصْدُقُ عَلَى الْإِجَارَةِ الَّتِي تَرْجَمَ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ وَإِنْ وُجِدَتْ نِيَابَةٌ فِيهَا بِالِاسْتِلْزَامِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَقُولَةَ مُخْتَلِفَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ جِنْسُهَا عَقْدٌ وَالْوَكَالَةُ جِنْسُهَا نِيَابَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَرَأَيْت بِخَطِّ تَلَامِذَتِهِ مَا كَتَبَهُ مِمَّا أُورِدَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَدِّهِ لَهَا مَا مَعْنَاهُ أَوْرَدَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ، وَيُقَالُ إنَّهُ تِلْمِيذُهُ الْفَقِيهُ سَيِّدِي الْأَبِيُّ عَلَى شَيْخِهِ أَنَّ قَوْلَ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نِيَابَةُ إلَخْ هَذَا مَصْدَرٌ، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى فَاعِلِهِ أَوْ إلَى مَفْعُولِهِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ، أَمَّا بَيَانُ بُطْلَانِ إضَافَتِهِ إلَى فَاعِلِهِ فَلِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تُعْقَلُ إلَّا فِي حَقِّ الْوَكِيلِ لَا فِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُوَكَّلُ فَبَطَلَ أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْفَاعِلِ، وَأَمَّا بُطْلَانُ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَفْعُولِ فُلَانٍ فِي اللَّفْظِ مَا يُنَافِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ نِيَابَةُ ذِي حَقٍّ لِغَيْرِهِ تَمْنَعُ الْإِضَافَةَ إلَى الْمَفْعُولِ، وَقَدْ يُضَافُ لَا إلَى الْفَاعِلِ وَلَا إلَى الْمَفْعُولِ تَقُولُ الْعَرَبُ لَهُ صَوْتٌ صَوْتُ حِمَارٍ فَصَوْت مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِغَيْرِهِمَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ وَتَأَمَّلْ هَذَا الْجَوَابَ فَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى وَلَيْسَ الْمَصْدَرُ فِي الْآيَةِ وَلَا فِي الْمِثَالِ مِثْلُ الْحَدِّ إذَا تَأَمَّلْت ذَلِكَ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّ النِّيَابَةَ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ التَّنْوِيبِ وَالْإِضَافَةِ لِلْفَاعِلِ وَلَا إحَالَةَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 قَالَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ النِّيَابَةَ مُسَاوِيَةٌ فِي الْمَعْرِفَةِ لِلْوَكَالَةِ فَالتَّعْرِيفُ لَهَا بِهَا دَوْرٌ فَلَمَّا ذَكَرَ هَذَا الِاحْتِمَالَ عَرَّفَهَا بِرَسْمٍ آخَرَ فَقَالَ هِيَ جَعْلُ ذِي أَمْرٍ غَيْرِ إمْرَةِ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِغَيْرِ الْمُوجِبِ لُحُوقَ حُكْمِهِ جَاعِلَهُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ قَوْلُهُ جَعَلَ الْجَعْلَ بِمَعْنَى التَّصْيِيرِ قَوْلُهُ ذِي أَمْرٍ أَيْ صَاحِبِ أَمْرٍ وَعَدَلَ عَنْ النِّيَابَةِ لِمَا تَقَدَّمَ اُنْظُرْ لِأَيِّ شَيْءٍ عَدَلَ عَنْ حَقٍّ إلَى أَمْرٍ وَقَوْلُهُ أَمْرُ الْأَمْرِ وَالْحَقُّ يَظْهَرُ أَنَّ الْأَمْرَ أَعَمُّ مِنْ الْحَقِّ، قَوْلُهُ غَيْرِ ذِي إمْرَةٍ أَخْرَجَ بِهِ نِيَابَةَ إمَامِ الطَّاعَةِ أَمِيرًا أَوْ قَاضِيًا قَوْلُهُ الْمُوجِبُ لُحُوقَ حُكْمِهِ جَاعِلَهُ صِفَةٌ لِلتَّصَرُّفِ وَجَاعِلُهُ مَفْعُولُ بِلُحُوقٍ وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ إمَامَ الصَّلَاةِ قَالَ لِعَدَمِ لُحُوقِ فِعْلِ نَائِبِ الصَّلَاةِ الْجَاعِلِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ التَّصَرُّفَ الْمَجْعُولَ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ يُوجِبُ لُحُوقَ حُكْمِهِ لِلْجَاعِلِ حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ الْفَاعِلُ وَإِمَامُ الصَّلَاةِ لَيْسَ فِعْلُهُ كَذَلِكَ قَالَ وَتَخْرُجُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ صَاحِبِهَا يُوجِبُ لُحُوقَهُ بِغَيْرِ الْجَاعِلِ. (فَإِنْ قُلْت) هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ نَائِبٌ فِي فِعْلِهِ عَنْ الْمُقَدَّمِ عَلَيْهِ لَا عَنْ الْمُقَدَّمِ وَالْمَعْلُومُ أَنَّهُ عَنْ الْمُقَدَّمِ وَهُوَ الْجَاعِلُ (قُلْت) هَذَا فِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَدَقَ أَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمُقَدَّمِ فَهُوَ نَائِبٌ عَنْ الْمُقَدَّمِ عَلَيْهِ أَيْضًا فَصَحَّ خُرُوجُهَا وَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَصْلِ الْحَجْرِ وَأَنَّهُ نَقَلَ الْخِلَافَ إذَا قَدَّمَ الْقَاضِي رَجُلًا عَلَى أَيْتَامٍ هَلْ هُوَ وَكِيلٌ عَنْ الْقَاضِي أَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ جَبَرَ الْخَلَلَ الَّذِي تَرَكَهُ الْأَبُ وَهُوَ عَدَمُ التَّقْدِيمِ قَالَ وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ إذَا عَلِمَ الْمُقَدَّمُ رُشْدَ الْمَحْجُورِ هَلْ يَدْفَعُ الْمَالَ لَهُ دُونَ مَشُورَةِ قَاضٍ قَالَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ مَشُورَتِهِ فَتَأَمَّلْ هَذَا النَّقْلَ مَعَ مَا نَقَلَ غَيْرُهُ وَتَأَمَّلْ إنَّ مُقَدَّمَ الْقَاضِي قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ الْقَاضِي فِي قَوْلٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ أَتَى بِحَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ هِيَ نِيَابَةٌ فِيمَا لَا تَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمُبَاشَرَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا بَاطِلٌ ضَرُورَةً بِمَا ذَكَرَ خُرُوجَهُ مِنْ إمَامِ الطَّاعَةِ وَمَا ذَكَرَ مَعَهُ هَذَا مَا ذَكَرَ وَيُبْطِلُ طَرْدَهُ أَيْضًا بِأَدَاءِ وَاجِبٍ عَنْ الْغَيْرِ لَا بِأَمْرِهِ كَقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ هَارُونَ وَيُبْطِلُهُ أَيْضًا النِّيَابَةُ فِي الْمَعَاصِي كَالسَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ وَرَدَّهُ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّا نَمْنَعُ صَادِقِيَّةِ النِّيَابَةِ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَالِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُمَا دَلَّا عَلَى أَنَّ شَرْطَ النِّيَابَةِ اسْتِحْقَاقُ جَاعِلِهَا فِعْلَ مَا وَقَعَتْ النِّيَابَةُ فِيهِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْكَلَامَ فَإِنَّهُ حَسَنٌ إنْ صَحَّ الِاسْتِقْرَاءُ مِنْ الشَّرْعِ كَمَا ذُكِرَ، وَقَدْ صَحَّ عِنْدَ الشَّيْخِ ذَلِكَ وَلِذَا ذَكَرَ النِّيَابَةَ فِي جِنْسِ حَدِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ شَيْخِهِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 وَرَدَّ عَلَيْهِ بِأَحْسَنِ كَلَامٍ فِي مُنَاقَضَةِ لَفْظِهِ وَبَيَانِ حُسْنِ إلْزَامِهِ وَذَلِكَ أَنَّ شَيْخَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ ظَاهِرُ لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ سَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ الرُّسُومِ كَعَادَتِهِ فِي أَوَائِلِ الْكُتُبِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ هَذَا وَإِنَّ مَعْنَى الْوَكَالَةِ جَلِيٌّ وَهُوَ النِّيَابَةُ لَا يَحْتَاجُ إلَّا إلَى تَفْسِيرِ اللَّفْظِ فَقَطْ لَا إلَى حَدٍّ وَلَا إلَى رَسْمٍ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى مَحَلِّ الْوَكَالَةِ فَيَكُونُ قَصْدُهُ بَيَانَ مَا تَصِحُّ فِيهِ الْوَكَالَةُ، وَلِذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْوَكِيلُ مَعْرُوفٌ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ بَعْدَ نَقْلِهِ هَذَا الْكَلَامَ، قَوْلُهُ أَوَّلًا ظَاهِرُ لَفْظِهِ أَنَّهُ رَسْمٌ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ ثَانِيًا الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَقْرَبُ لِلْفَهْمِ مِنْ غَيْرِهِ فَجَعَلَ نَقِيضَهُ أَقْرَبَ يُنَاقِضُهُ وَقَوْلُهُ لَا يَحْتَاجُ إلَّا إلَى تَفْسِيرِ اللَّفْظِ بِاللَّفْظِ نَصَّ مِنْهُ أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لَفْظِيٌّ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ لَا يُنْجِيهِ مِنْ التَّعَقُّبِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّعْرِيفِ اللَّفْظِيِّ اتِّحَادُ مَدْلُولِ اللَّفْظَيْنِ وَهُمَا هُنَا مُتَغَايِرَانِ لِأَنَّ مَدْلُولَ النِّيَابَةِ أَعَمُّ مِنْ مَدْلُولِ الْوَكَالَةِ لِصِدْقِ النِّيَابَةِ عَلَى مَا لَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ الْوَكَالَةُ فَإِنَّ النِّيَابَةَ تَصْدُقُ عَلَى إمَامِ الطَّاعَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَا تَصْدُقُ الْوَكَالَةُ عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ كَمَنْ عَرَّفَ الْقَمْحَ بِقَوْلِهِ هُوَ الْحَبُّ الْمَأْكُولُ وَهَذَا بَحْثٌ حَسَنٌ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ فِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى. (فَإِنْ قُلْت) هَلْ يَدْخُلُ فِي حَدِّ الشَّيْخِ الْوَكَالَةُ الْمُطْلَقَةُ وَالْمُقَيَّدَةُ أَوْ لَا تَدْخُلُ إلَّا الْمُقَيَّدَةُ (قُلْت) الظَّاهِرُ دُخُولُ الْوَكَالَتَيْنِ فِي الْحَدِّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَالَ ذِي حَقٍّ لِغَيْرِهِ فِيهِ حَقٌّ فَالْحَقُّ لَا إنْ كَانَ مُطْلَقًا وَلَا إنْ كَانَ عَامًّا إلَّا مَا خَصَّصَتْهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ ذَلِكَ لِعُرْفٍ أَوْ غَيْرِهِ. (فَإِنْ قُلْت) إذَا قَالَ لِرَجُلٍ أَقِرَّ عَنِّي أَوْ اعْتَرِفْ عَنِّي بِمِائَةِ دِينَارٍ فَهَلْ هَذِهِ الصُّورَةُ وَكَالَةٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ الْآمِرِ فَإِنْ كَانَتْ وَكَالَةً فَكَيْفَ يَصِحُّ دُخُولُهَا فِي الْحَدَّيْنِ (قُلْت) هَذِهِ الصُّورَةُ ذَكَرَهَا الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَ فِيهَا وَجْهَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَاَلَّذِي حَقَّقَ الشَّيْخُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْوَكَالَةِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ أَوْ جَعْلِهِ ذَلِكَ بِيَدِ غَيْرِهِ فَانْظُرْهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمَهُ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْنِي لِرَجُلٍ وَأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ الشِّرَاءَ وَرِضَاهُ قَالَ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي أَنَّ الطَّلَبَ لِلشَّيْءِ إرَادَةٌ لَهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابٌ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ الْوَكَالَةُ] قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّخْمِيُّ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 وَالْجُعْلُ وَالْإِجَارَةُ وَاقْتِضَاءُ الدَّيْنِ وَعَقْدُ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقُ وَإِقَامَةُ الْحَدِّ وَبَعْضُ الْقُرَبِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَبِعَهُ الْمَازِرِيُّ إلَّا أَنَّهُ أَضَافَ ذَلِكَ لِلنِّيَابَةِ لَا لِلْوَكَالَةِ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ بَعْدُ وَالِاسْتِقْرَاءُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ حَقٌّ لِلْمُوَكَّلِ أَوْ عَلَيْهِ غَيْرُ خَاصٍّ بِهِ جَازَ فِيهِ التَّوْكِيلُ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ قَالَ وَقَوْلُنَا غَيْرُ خَاصٍّ بِهِ احْتَرَزْنَا بِهِ بِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِغَيْرِهِ فَوَكَّلَ غَيْرَهُ عَلَى أَدَائِهَا فَإِنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّوْكِيلُ؛ لِأَنَّ حَلِفَ غَيْرِهِ غَيْرُ حَلِفِهِ فَهُوَ غَيْرُ الْحَقِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْت) الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تَجُوزُ فِيهِ الْوَكَالَةُ عَرَّفَهَا بِمَا تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْوَكَالَةَ الشَّرْعِيَّةَ هِيَ أَخَصُّ مِنْ النِّيَابَةِ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ الْمُسَاوَاةُ وَذَلِكَ مُنَافٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ (قُلْت) لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ مَصْدُوقِهِمَا وَلَا يَلْزَمُ التَّسَاوِي بِمَا ذَكَرَ أَنَّ النِّيَابَةَ خَاصَّةٌ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْثِلَةِ. (فَإِنْ قُلْت) مَا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ مَجْهُولٌ لِلسَّامِعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّفْسِيرُ بِهِ (قُلْت) لَهُ أَنْ يَقُولَ أَنَّهُ قَدْ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ إلَخْ فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِمَا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ شَرْعًا فَتَصِحُّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَكَالَةُ. (فَإِنْ قُلْت) مَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَبِعَهُ الْمَازِرِيُّ إلَخْ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ أَضَافَ ذَلِكَ لِلنِّيَابَةِ لَا لِلْوَكَالَةِ (قُلْت) يَظْهَرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ عَائِدَةٌ إلَى الْمِثْلِ وَإِنَّ اللَّخْمِيَّ أَضَافَهَا لِلْوَكَالَةِ وَالْمَازِرِيُّ أَضَافَهَا إلَى النِّيَابَةِ وَفِي ذَلِكَ إشْكَالٌ وَهُوَ يُنَاقِضُ مَا قَدَّمْنَاهُ الْآنَ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِنَّ اللَّخْمِيَّ لَمْ يَقْصِدْ تَفْسِيرَ مَا تَجُوزُ فِيهِ الْوَكَالَةُ بِمَا تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ كَمَا بَيَّنَّاهُ إلَّا عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَقَلَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ وَلَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي أَعْمَالِ الْأَبَدَانِ الْمَحْضَةِ كَالصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَكَذَلِكَ الْحَجُّ إلَّا أَنَّهُ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِهِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْقُضُ قَوْلُهُ فِي أَعْمَالِ الْأَبَدَانِ الْمَحْضَةِ بِقَوْلِهَا مَعَ غَيْرِهَا فِي الْعَاجِزِ عَنْ الرَّمْيِ لِمَرَضٍ فِي الْحَجِّ يَرْمِي عَنْهُ. (فَإِنْ قُلْت) هَلْ تَدْخُلُ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الْوَكَالَةُ فِي الْكَفَالَةِ (قُلْت) يَظْهَرُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ وَشَرَحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَتَكَفَّلْ عَنْهُ، وَقَدْ رَدَّهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِإِنَّ الْوَكَالَةَ إنَّمَا تُطْلَقُ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِيمَا يَصِحُّ لِلْمُوَكِّلِ مُبَاشَرَتُهُ وَكَفَالَةُ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ مُمْتَنِعَةً وَشَرَحَهُ ابْنُ هَارُونَ بِوَجْهٍ آخَرَ يُمْكِنُ دُخُولُ الْكَفَالَةِ فِيهِ اُنْظُرْهُ (فَإِنْ قُلْت) وَهَلْ تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي الطَّلَاقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 قُلْت) نَعَمْ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَيْهِ، وَأَمَّا الظِّهَارُ فَقَالَ ابْنُ هَارُونَ لَا تَصِحُّ فِي الظِّهَارِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ مِنْ الْقَوْلِ قَالَ وَيَجْرِي عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، ثُمَّ إنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَاسَ الظِّهَارَ عَلَى الطَّلَاقِ فَكَمَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي الطَّلَاقِ تَصِحُّ فِي الظِّهَارِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ إنْشَاءٌ مُجَرَّدٌ وَفَرَّقَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الطَّلَاقَ يَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ حَقِّ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الظِّهَارِ. (فَإِنْ قُلْت) مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ ضَابِطِ مَا يَجُوزُ فِيهِ التَّوْكِيلُ أَعْنِي قَوْلَهُ وَالِاسْتِقْرَاءُ إلَخْ هَلْ يَرْجِعُ إلَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَوْ يُخَالِفُهُ (قُلْت) يَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ مَعْنًى وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ طَرْدًا وَعَكْسًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [كِتَابُ الْإِقْرَارِ] (ق ر ر) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ كِتَابُ الْإِقْرَارِ الْإِقْرَارُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الِاعْتِرَافُ وَيُقَالُ قَرَّرَهُ فَأَقَرَّ إذَا حَمَلَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ وَحَقِيقَتِهِ الْعُرْفِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُعَرِّفُوهُ وَكَأَنَّهُ عِنْدَهُمْ بَدِيهِيٌّ وَمَنْ أَنْصَفَ لَمْ يَدْعُ بَدَاهَتَهُ لِأَنَّ مُقْتَضَى حَالِ مُدَّعِيهَا أَنَّهُ " قَوْلٌ يُوجِبُ حَقًّا عَلَى قَائِلِهِ " وَلَا شَكَّ فِيمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنَّ تَصَوُّرَ مَاهِيَّتِه الْعُرْفِيَّةِ لَيْسَتْ ضَرُورِيَّةً فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِهِ يَتَرَدَّدُ فِيهَا هَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ أَمْ لَا كَمَا تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ فِي الصَّلَاةِ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآنَ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَقِرَّ عَنِّي بِمِائَةٍ هَلْ هُوَ إقْرَارٌ أَوْ وَكَالَةٌ فَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ ضَرُورِيَّ التَّصَوُّرِ لَمَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي تَصَوُّرِ فَرْدٍ مِنْ مَصْدُوقَاتِهِ وَمَا أَثْمَرَهُ حَالُهُ مُدَّعِي الضَّرُورَةِ كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ إنَّمَا أَوْجَبَ لَهُ تَصَوُّرُ أَمْرٍ عَامٍّ وَالنِّزَاعُ فِي مُسَمَّاهُ الْعُرْفِيُّ الْخَاصُّ بِهِ عُرْفًا، ثُمَّ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْحَقُّ أَنَّهُ نَظَرِيٌّ فَيُعَرَّفُ بِأَنَّهُ " خَبَرٌ يُوجِبُ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى قَائِلِهِ فَقَطْ بِلَفْظِهِ أَوْ لَفْظِ نَائِبِهِ " قَوْلُهُ " خَبَرٌ " جِنْسٌ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْإِنْشَاءُ لِأَنَّهُ قَسِيمُهُ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ يَقَعُ بِهِ مَدْلُولُهُ وَالْخَبَرُ يَتْبَعُ مَدْلُولَهُ قَالَ الشَّيْخُ وَتَخْرُجُ الْإِنْشَاءَاتُ كَبِعْت وَاشْتَرَيْت وَنَطَقَ الْكَافِرُ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَشَارَ إلَى أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ أَخْبَارًا فَلَا تَدْخُلُ فِي الْحَدِّ وَفِي جِنْسِهِ، ثُمَّ قَالَ وَلَازِمُهُمَا أَيْ نَطَقَ بِمَا يَسْتَلْزِمُ الْتِزَامَ الشَّهَادَتَيْنِ (قُلْت) ، أَمَّا خُرُوجُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 الْإِنْشَاءَاتِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا النُّطْقُ بِالشَّهَادَةِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ إنْشَاءٌ وَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَبَرًا كَمَا قِيلَ فِي اللَّهُ أَكْبَرُ وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ قَوْلُهُ الْإِخْبَارُ عَنْهَا ظَاهِرٌ أَنَّهُ إقْرَارٌ فَتَأَمَّلْهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَالرِّوَايَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ " يُوجِبُ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى قَائِلِهِ فَقَطْ " أَخْرَجَ بِهِ الرِّوَايَةَ وَالشَّهَادَةَ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ فَذَلِكَ خَبَرٌ أَوْجَبَ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى مُخْبِرِهِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ فَإِنَّهُ خَبَرٌ أَوْجَبَ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَقَطْ وَإِذَا قَالَ فِي ذِمَّتِي دِينَارٌ فَهُوَ خَبَرٌ أَوْجَبَ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى الْمُخْبِرِ وَحْدَهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَقَطْ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ مِرَارًا، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رُبَّمَا أَوْهَمَ عِنْدَ سَائِلٍ مَا يُورَدُ عَلَى حَدِّهِ بِإِخْبَارِ الْقَائِلِ زَيْدٌ زَانٍ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَبَرٌ يُوجِبُ حُكْمَ إلَى آخِرِهِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إقْرَارًا فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْحَدُّ بِصَادِقٍ عَلَيْهِ لِقَوْلِنَا حُكْمَ صِدْقِهِ وَهَذَا أَوْجَبَ حُكْمًا عَلَى قَائِلِهِ فَقَطْ لَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ حُكْمُ مَا اقْتَضَاهُ الصِّدْقُ؛ لِأَنَّ مَا اقْتَضَاهُ الصِّدْقُ جَلْدُ مِائَةٍ عَلَى غَيْرِهِ وَالْحُكْمُ الْمُرَتَّبُ عَلَى هَذَا ثَمَانُونَ إنْ لَمْ يَكُنْ صَادِقًا هَذَا كَانَ يَمُرُّ فِي فَهْمِهِ وَعِنْدِي فِي ذَلِكَ نَظَرٌ. . [بَابُ الْمُقِرِّ] (ق ر ر) : بَابُ الْمُقِرِّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْ لَهُ رَسْمًا وَلَا ضَابِطًا كَعَادَتِهِ وَكَذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِصُعُوبَةِ ضَبْطِهِ فِي رَسْمٍ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ الْعَامَّ مَعَ الصِّبَا يُلْغِيهِ مُطْلَقًا وَمَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ وَكَانَ سَفِيهًا بَالِغًا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي الْبَدَنِ وَحَجْرُ الْمُفْلِسِ يُبْطِلُهُ فِي مُتَعَلِّقِ حَجْرِهِ فَقَطْ وَحَجْرُ الرِّقِّ يُلْغِيهِ فِي الْمَالِ لَا الْبَدَنِ وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ يَجُوزُ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ فَأَنْتَ تَرَى كَثْرَةَ الشُّرُوطِ وَاخْتِلَافَ مَحَالِّهَا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْمُقِرِّ لَهُ] (ق ر ر) : بَابُ الْمُقِرِّ لَهُ قَالَ قَالَ الْمَازِرِيُّ مَنْ يَصِحُّ مِلْكُهُ لَا مَنْ يَمْتَنِعُ كَالْحَجْرِ قَالَ الشَّيْخُ فَيَصِحُّ لِلْعَبْدِ لِصِحَّةِ مِلْكِهِ قَوْلُهُ " مَنْ يَصِحُّ مِلْكُهُ " لَا شَكَّ أَنَّ الْعَبْدَ يَصِحُّ مِلْكُهُ فَلَوْ اعْتَرَفَ لِدَابَّةٍ فَلَيْسَ بِمُقِرٍّ لَهَا شَرْعًا وَلَوْ اعْتَرَفَ بِحَمْلٍ صَحَّ أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبَ الْمِلْكِ وَقَوْلُ الشَّيْخُ لَا مَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 يَمْتَنِعُ هَذَا الْكَلَامُ لَمْ تَظْهَرْ ثَمَرَةُ زِيَادَتِهِ وَلَا قُوَّةِ مَعْنَاهُ قَالُوا الْمُقِرُّ بِالْحَمْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ بَيَّنَ مَا يَصِحَّ عَمِلَ عَلَيْهِ وَإِنْ بَيَّنَ مَا لَا يَصِحُّ بَطَلَ وَإِنْ تَعَذَّرَ تَفْسِيرُهُ فَفِيهِ كَلَامٌ يَطُولُ جَلَبَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ صِيغَةِ مَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ] (ص وغ) : بَابُ صِيغَةِ مَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ. قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا دَلَّ عَلَى ثُبُوتِ دَعْوَى الْمُقِرِّ لَهُ مِنْ لَفْظِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ كُتُبِهِ أَوْ إشَارَته بِدَيْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ تَأَمَّلْ هُنَا مَسَائِلَ وَانْظُرْ هَذَا الرَّسْمَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِّ صِيغَةِ مَا قُدِّمَ مِنْ الْحُدُودِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الصِّيغَةَ أَعَمُّ مِنْ اللَّفْظِ أَوْ الْفِعْلِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [كِتَابُ الِاسْتِلْحَاقِ] (ل ح ق) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الِاسْتِلْحَاقِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " ادِّعَاءُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ أَبٌ لِغَيْرِهِ " قَوْلُهُ " ادِّعَاءُ الْمُدَّعِي " جِنْسٌ يَشْمَلُ ادِّعَاءَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْجَدِّ وَالْأُمِّ قَوْلُهُ " أَنَّهُ أَبٌ " أَخْرَجَ بِهِ مِنْ ذَكَرَ فَإِنْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْأَبِ قَالَ الشَّيْخُ وَيَخْرُجُ قَوْلُهُ هَذَا أَبِي وَهَذَا أَبُو فُلَانٍ وَيَخْرُجُ عَنْهُ أَيْضًا قَوْلُ الرَّجُلِ لِوَلَدِهِ هَذَا وَلَدِي لِأَنَّهُ لَيْسَ بِادِّعَاءٍ؛ لِأَنَّ الِادِّعَاءَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا جُهِلَتْ الدَّعْوَى فِيهِ. (فَإِنْ قُلْت) لَوْ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ادِّعَاءُ شَخْصٌ أَنَّ إنْسَانًا وَلَدَهُ لَصَحَّ وَكَانَ أَخَصْرُ فَلِأَيِّ شَيْءٍ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ (قُلْت) لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْمُدَّعِي لَهُ مَدْخَلٌ وَفِيهِ جِنْسٌ وَأَخْرَاجٌ بِخَاصِّيَّةٍ فَفِيهِ رَسْمٌ تَامٌّ. (فَإِنْ قُلْت) حَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَ مَا يُخْرِجُ بِهِ كَثِيرًا مِنْ صُوَرٍ مَذْكُورَةٍ فِي الِاسْتِلْحَاقِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الِاسْتِلْحَاقِ (قُلْت) لَيْسَتْ مِنْ الِاسْتِلْحَاقِ الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ فِيهِ صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ وَرَسْمُهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. (فَإِنْ قُلْت) إذَا خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَقَالَ هَؤُلَاءِ أَوْلَادِي فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 اسْتِلْحَاقًا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّهُمْ أَوْ مَلَكَهَا (قُلْت) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ اسْتِلْحَاقٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا. (فَإِنْ قُلْت) الِاسْتِلْحَاقُ اسْتِفْعَالُ وَاصِلِهِ طَلَبَ لُحُوقِ شَيْءٍ وَالِادِّعَاءُ إخْبَارٌ بِقَوْلٍ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ وَالْأَخْبَارُ غَيْرُ الطَّلَبِ (قُلْت) الِاسْتِلْحَاقُ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ كَمَا ذَكَرَ وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ غَلَبَ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فَلِذَلِكَ عَرَّفَهُ بِمَا يُنَاسِبُهُ وَذَكَرَ فِيهِ الْجِنْسَ الْمُنَاسِبَ لِمَعْنَاهُ فِي الْعُرْفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُوَفِّقُنَا لِلْفَهْمِ عَنْهُ بِمَنِّهِ. [بَابُ مُبْطِلِ الِاسْتِلْحَاقِ] : بَابُ مُبْطِلِ الِاسْتِلْحَاقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَانِعُ الْعَقْلِ أَوْ الْعَادَةِ أَوْ الشَّرْعِ، أَمَّا مَانِعُ الْعَقْلِ فَكَمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَلْحَقُ صَغِيرًا وَاسْتَلْحَقَ أَكْبَرَ مِنْهُ وَمَانِعُ الْعَادَةِ كَمَا إذَا عَلِمَ مِنْ حَالِهِ إنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بَلَدَ الْوَلَدِ لِبُعْدِهَا وَالشَّرْعُ كَمَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ اشْتَهَرَ بِنَسَبِهِ لِغَيْرِهِ وَتَأَمَّلْ مَا فَسَّرَ بِهِ الشَّيْخُ الْأَوَّلَ وَمِثْلُ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ. (فَإِنْ قُلْت) بَقِيَ عَلَى الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَانِعٌ آخَرُ وَهُوَ تَكْذِيبُ الْمُسْتَلْحَقِ لِمَنْ اسْتَلْحَقَهُ (قُلْت) ذَكَرَ فِي ذَلِكَ طُرُقًا فِي الْمَذْهَبِ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [كِتَابُ الْوَدِيعَةِ] (ود ع) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الْوَدِيعَةِ الْوَدِيعَةُ لُغَةً بِمَعْنَى الْأَمَانَةِ وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ كَذَا قِيلَ وَتُطْلَقُ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ فِي الْحِفْظِ وَذَلِكَ يَعُمُّ حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ الْآدَمِيِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} [الأحزاب: 72] {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ} [النساء: 58] وَوَقَعَ لِلْمُقْرِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ كَلَامٌ لَا يَحِلُّ كُتُبُهُ وَلَا نَقَلَهُ نَبَّهْت عَلَيْهِ لِلِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَيُقَالُ أَوْدَعَ فُلَانٌ فُلَانًا عَلَى أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ صَيَّرَهُ نَائِبًا عَنْهُ فِي حِفْظِ مَالِهِ وَعَلَى مَعْنَى ذَلِكَ يُفْهَمُ مَعْنَى مَا وَرَدَ أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَك وَأَمَانَتَك مَعْنَاهُ أَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 الْحِفْظَ لَك، وَأَمَّا فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ فَهِيَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ وَتُطْلَقُ عَلَى الْمَصْدَرِ وَعَلَى الِاسْمِ كَمَا قَدَّمَ الشَّيْخُ ذَلِكَ مِرَارًا. (فَإِنْ قُلْت) إذَا تَقَرَّرَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ إنَّهَا تَرِدُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ فَهَلَّا قَالَ حَدُّهَا مَصْدَرًا وَحَدُّهَا اسْمًا (قُلْت) قَدْ أَشَارَ الشَّيْخُ إلَى مَعْنَى ذَلِكَ لَا إلَى لَفْظِهِ كَمَا يُرَدُّ عَلَيْك مِنْ كَلَامِهِ. (فَإِنْ قُلْت) قَدْ قَرَّرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَهَا مَعْنًى عَامٌّ وَلَهَا مَعْنًى خَاصٌّ وَإِنَّ مَعْنَاهَا الْخَاصُّ مَا يَخُصُّ مَحَلُّهَا هُنَا وَمَعْنَاهَا الْعَامُ يَصْدُقُ عَلَى مَسَائِلَ مِنْ النِّيَابَةِ فِي حِفْظِ الْوَلَدِ وَالْأَمَانَاتِ وَالْأَمَةِ وَالْإِجَارَاتِ وَغَيْرِهَا فَهَلَّا قَالَ الشَّيْخُ أَيْضًا، أَمَّا حَدُّهَا الْعَامُّ، وَأَمَّا حَدُّهَا الْخَاصُّ كَمَا فَعَلَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْحَقَائِقِ (قُلْت) الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ لَا الْعُرْفِيِّ الشَّرْعِيِّ فَلِذَلِكَ لَمْ يَخُصَّ الْعَامَّ بِرَسْمٍ (قُلْت) وَهَذَا وَاضِحٌ فِي حِفْظِ الْوَلَدِ فَلَا يَصِحُّ فِي حِفْظِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي الرَّسْمِ وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ أَدْخَلَهَا وَذَكَرَ كَلَامًا فِيهِ بَحْثٌ إذَا تَأَمَّلْته لِأَنَّ الْمَقْصِدَ الْعُرْفِيَّ الْوَدِيعَةِ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ فَتَأَمَّلْهُ قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ يَعْنِي الْوَدِيعَةَ فَالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ قَالَ نَقْلُ مُجَرَّدِ حِفْظِ مِلْكٍ يُنْقَلُ قَوْلُهُ " نَقْلُ " مُنَاسِبٌ لِلْمَحْدُودِ وَهُوَ جِنْسٌ لَهُ قَوْلُهُ مُجَرَّدُ حِفْظٍ وَلَمْ يَقُلْ حِفْظُ لِيُخْرِجَ مَا فِيهِ نَقْلُ الْحِفْظِ مَعَ التَّصَرُّفِ كَالْوَكَالَةِ، وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ الْحِفْظِ فَقَطْ وَيَخْرُجُ الْإِيصَاءُ. (فَإِنْ قُلْت) عَادَتُهُ إذَا قَصَدَ الْخُصُوصِيَّةَ فِي مَعْنَى أَنْ يَذْكُرَ لَفْظَةَ فَقَطْ وَهُوَ أَخَصْرُ مِنْ مُجَرَّدُ فَلَوْ قَالَ نَقْلُ حِفْظِ مِلْكٍ فَقَطْ يُنْقَلُ لَصَحَّ وَكَانَ أَخَصْرَ مِنْ مُجَرَّدٍ (قُلْت) لَوْ قَالَ نَقْلُ حِفْظِ مِلْكٍ فَقَطْ رُبَّمَا أَوْهَمَ رُجُوعَهُ إلَى الْمِلْكِ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الْحِفْظِ فَلِذَا ذَكَرَ لَفْظَةَ مُجَرَّدُ لِتَعْيِينِهَا وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ مِلْكِ إذَا أَوْدَعَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ لِحِفْظِهِ فَأَنَّهُ لَيْسَ وَدِيعَةً وَقَوْلُهُ " يُنْقَلُ " صِفَةٌ لِلْمِلْكِ وَأَخْرَجَ بِهِ مَا لَا يُنْقَلُ مِنْ الْأُصُولِ كَالرُّبْعِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَدْخُلُ فِي الْحَدِّ إيدَاعُ الْوَثَائِقِ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ، قَالَ وَيَخْرُجُ حِفْظُ الْإِيصَاءِ وَالْوَكَالَةُ لِأَنَّهُمَا لَا زَيْدَ مِنْهُ، يَعْنِي لِأَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ الْمُخْرِجَةَ فِيهَا أَزْيَدُ مِنْ الْحِفْظِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْوَدِيعَةِ إنَّ خَاصَّتَهَا مُجَرَّدُ الْحِفْظِ قَالَ وَحِفْظُ الرُّبْعِ يَعْنِي أَنَّهُ خَارِجٌ كَمَا خَرَجَ مَا قَبْلَهُ لَكِنَّ مَخْرَجَهُ قَوْلُهُ يُنْقَلُ وَالرُّبْعُ لَا يُنْقَلُ فِيهِ وَيُخْرِجُ الْأَوَّلَ مَا ذَكَرْنَا وَلِذَا كَرَّرَ الشَّيْخُ الْحِفْظَ مَعَ الرُّبْعِ فَتَأَمَّلْهُ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ وَبِمَعْنَى لَفْظِهَا، أَيْ الْوَدِيعَةُ حَدُّهَا بِمَعْنَى لَفْظِهَا الِاسْمِيِّ لَا مَعْنَى لَفْظِ الْإِيدَاعِ أَشَارَ إلَى مَعْنَاهَا الِاسْمِيِّ وَهُوَ الْمَعْلُومُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 الْمُسْتَعْمَلُ مُتَمَلِّكٌ نَقْلُ مُجَرَّدِ حِفْظِهِ يُنْتَقَلُ قَوْلُهُ " مُتَمَلِّكٌ " اسْمٌ مِنْ الْأَسْمَاءِ جِنْسٌ مُنَاسِبٌ لِلْمَحْدُودِ عُرْفًا وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُودَعُ. (فَإِنْ قُلْت) هَلَّا قَالَ مِلْكٌ وَهُوَ أَخَصْرُ (قُلْت) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَنَّ الْمَعْنَى النِّسْبِيَّ وَالِاسْمِيَّ فَلَمْ يَقَعْ فِيهِ بَيَانُ مَعْنَى مَا عُيِّنَ لِذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَهُ فِي الْحَدِّ الْأَوَّلِ (فَإِنْ قُلْت) إنْ صَحَّ مَا قَرَّرْته فَهَلَّا قَالَ مَمْلُوكٌ وَهُوَ أَخَصْرُ مِنْ مُتَمَلِّكٍ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْته (قُلْت) هَذَا رُبَّمَا يُقَالُ وَارِدٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَمْلُوكَ أَخَصُّ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْمُتَمَلِّكِ وَالْقَصْدُ مَا يَعُمُّ مَا ثَبَتَ مِلْكُهُ أَوْ تَمَلُّكُهُ بِوَضْعِ الْيَدِ الْجَائِزَةِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى مِنْ التَّأَمُّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ قَوْلُهُ " نَقْلُ مُجَرَّدِ حِفْظِهِ يُنْتَقَلُ " تَقَدَّمَ مَا يَخْرُجُ بِهَذِهِ الْقُيُودِ فِي الْحَدِّ الْمَصْدَرِيِّ. (فَإِنْ قُلْت) أَعْرَابُ يَنْتَقِلُ يَظْهَرُ أَنَّهُ جُمْلَةُ حَالِيَّةٌ أَيْ حَالَةُ كَوْنِهِ مُتَنَقِّلًا أَوْ صَفُّهُ لِيَخْرُجَ بِهِ الرُّبْعُ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَهَلَّا قَالَ مَنْقُولٌ وَهُوَ أَخَصْرُ وَالْأَصْلُ الْإِفْرَادُ (قُلْت) لَعَلَّ جَوَابَهُ أَنَّ هَذَا أَصْرَحُ فِي الْبَيَانِ. (فَإِنْ قُلْت) وَهَلَّا اخْتَصَرَ وَقَالَ أَمَّا حَدُّهُ اسْمًا وَمَصْدَرًا كَعَادَتِهِ وَقَوْلُهُ بِمَعْنَى لَفْظِهَا فِيهِ طُولٌ فِي الْجَوَابِ (قُلْت) يَأْتِي مَا يُنَاسِبُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُفَهِّمُنَا عَنْهُ. (فَإِنْ قُلْت) الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَيْفَ صَحَّ أَنْ يَقُولَ فِي رَسْمِ الْوَدِيعَةِ بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ فَخَرَجَ حِفْظُ الْإِيصَاءِ وَالْوَكَالَةِ لِأَنَّهُمَا لَا زَيْدَ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَقَعُ الْإِخْرَاجُ بَعْدَ صِحَّةِ إدْخَالِ الْمَخْرَجِ، وَقَدْ قَدَّمَ أَنَّ حَدَّ الْوَكَالَةِ نِيَابَةُ ذِي حَقٍّ إلَخْ فَقَدْ ذَكَرَ فِي جِنْسِهَا النِّيَابَةَ فَيُقَالُ دَائِمًا، أَمَّا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّقْلِ أَوْ يُقَالُ بِصِحَّةِ الدُّخُولِ وَإِنَّ النِّيَابَةَ أَخَصْرُ فَتَخْرُجُ بِمُجَرَّدِ الْحِفْظِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ الْإِخْرَاجُ الْمَذْكُورُ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا دُخُولَ لَهَا فِي النَّقْلِ لِعَدَمِ صَادِقِيَّتِهِ عَلَيْهَا وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي فَيُقَالُ الْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الشَّيْخِ فِي مُرَاعَاةِ شِدَّةِ اخْتِصَارِهِ أَنْ يَقُولَ فِي الْوَكَالَةِ نَقْلُ ذِي حَقٍّ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ أَخَصْرُ وَيُؤَدِّي مَعْنَى النِّيَابَةِ عَلَى تَسْلِيمِ مَا ذَكَرَ (قُلْت) الظَّاهِرُ أَنَّ النَّقْلَ أَعَمُّ وَإِنَّ النِّيَابَةَ دَاخِلَةٌ تَحْتَهُ وَإِنَّمَا خَصَّ حَدَّ الْوَكَالَةِ بِمَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ الْجِنْسُ الْقَرِيبُ وَعِنْدِي لَوْ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْإِيدَاعُ هُوَ تَنْوِيبٌ فِي مُجَرَّدِ حِفْظِ مِلْكٍ يُنْقَلُ لَكَانَ أَقْرَبُ إلَى مَعْنَى الْإِيدَاعِ وَيَصِحُّ الْإِخْرَاجُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ كَانَ النَّقْلُ أَقَلَّ أَحْرُفًا لَكِنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى تَحْقِيقِ مَعْنَى الْحَدِّ أَوْ الرَّسْمِ أَوْجَبُ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الِاخْتِصَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (فَإِنْ قُلْت) لِأَيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 شَيْءٍ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِلْكٌ يُنْقَلُ فِي الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَقَالَ فِي الْمَعْنَى الِاسْمِيِّ يُنْتَقَلُ عَلَى مَا رَأَيْته فِي النُّسْخَةِ وَالْجَارِي عَلَى عَادَتِهِ يُنْقَلُ فِيهِمَا (قُلْت) هَذَا عَرَضٌ لَنَا فِي أَقْرَاءِ الْمُدَوَّنَةِ فِي ذِكْرِ رَسْمِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ عَنْهُ قُوَّةُ جَوَابٍ. (فَإِنْ قُلْت) يَظْهَرُ سُؤَالٌ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ فِي الْمَعْنَى الِاسْمِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَهُ قَالَ وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ فَنَقُولُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَتَعَرَّضُ لِرَسْمِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ لَمْ يُطْلِقْهُ عَلَيْهِ عُرْفًا كَمَا قَالَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي خُطْبَتِهِ أَنَّهُ إنَّمَا تَعَرَّضَ لِلْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ فِي مُخْتَصَرِهِ (قُلْت) وَقَعَ الْجَوَابُ عَنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوَدِيعَةَ بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا قَصْدًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِالْعَرَضِ لِيَتِمَّ لَهُ رَدُّهُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي كَوْنِهِ عَرَّفَهَا بِقَوْلِهِ اسْتِنَابَةٌ إلَخْ كَمَا نَذْكُرُهُ وَلَا يُقَالُ إنَّ قَوْلَ الشَّيْخِ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ مَا ذَكَرَ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ اسْتَعْمَلُوا الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ كَثِيرًا؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا بَعْدَ حَدِّهِمْ الْوَدِيعَةَ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً وَمَنْدُوبَةً وَمُحَرَّمَةً وَمُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ لَيْسَ هُوَ الْمَعْنَى الِاسْمِيُّ قَطْعًا لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ وَإِنْ وُجِدَ فَهُوَ لِقَرِينَةٍ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ. (فَإِنْ قُلْت) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ حَدَّهَا اسْمًا كَذَا وَوَقَعَ لَهُ مِثْلُ هَذَا فِي الْعَارِيَّةِ اُنْظُرْهَا وَمَصْدَرًا كَذَا وَهُوَ أَخَصْرُ. (قُلْت) تَقَدَّمَ لِي هَذَا السُّؤَالُ فِي الْقَدِيمِ وَوَقَعَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الْحَاضِرِينَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ أَصْلُهَا فَعَيْلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٌ وَلَيْسَتْ مَصْدَرًا وَلَا اسْمَ مَصْدَرٍ وَلَكِنْ إذَا أُرِيدَ بِهَا قَصْدُ الْمَصْدَرِ كَانَ رَسْمُهَا كَذَا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيُّ كَانَ رَسْمُهَا كَذَا، وَإِنَّمَا يُقَالُ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ إذَا كَانَ اللَّفْظُ مَصْدَرًا أَوْ اسْمَ مَصْدَرٍ وَوَقَعَ الْإِقْنَاعُ بِهَذَا الْجَوَابِ، ثُمَّ وَجَدْنَا مَا يَرُدُّهُ مِنْ عَادَةِ الشَّيْخِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِّ الْعَارِيَّةِ اسْمًا وَمَصْدَرًا وَلَفْظُهَا لَيْسَ مَصْدَرًا وَلَا اسْمَ مَصْدَرٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. (فَإِنْ قُلْت) إذَا أَوْدَعَ مُسْلِمٌ خِنْزِيرًا أَوْ خَمْرًا عِنْدَ مُسْلِمٍ فَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ فِيهِ بِوَجْهٍ (قُلْت) نَعَمْ نَقُولُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ وَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَدِيعَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَلَا يُقَالُ بِأَنَّ الرَّسْمَ لِلصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ حَيْثُ جَرَى الْعُرْفُ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ الْوَدِيعَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَازِمَ الْوَدِيعَةِ وُقُوعُ الْحِفْظِ فِي الْمُودِعِ وَهَذَا لَا حُرْمَةَ لَهُ فَلَا حِفْظَ لَهُ وَلَا يُقَالُ بِأَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا بِأَنَّ الْغَاصِبَ إذَا غَصَبَ شَيْئًا، ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ فَإِنَّ الْوَدِيعَةَ هُنَا حَرَامٌ فَقَدْ أَشْبَهَ ذَلِكَ مَا ذَكَرَ فِي الْخَمْرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْخَمْرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ بِوَجْهٍ وَالْمَغْصُوبُ قَابِلٌ لِلْمِلْكِ بَلْ مَمْلُوكٌ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ. (فَإِنْ قِيلَ) الْوَصِيُّ يُودِعُ وَالْوَكِيلُ كَذَلِكَ وَالْمُودِعُ يُودِعُ وَلَا مِلْكَ (قُلْنَا) لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْحَدِّ أَنَّ الْمِلْكَ لِلنَّاقِلِ بَلْ النَّاقِلُ نَقْلُ مُجَرَّدِ حِفْظِ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِيهِ الْمِلْكُ شَرْعًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَهَذَا بَعْضُ مَا يَلِيقُ مِنْ كَلَامِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَا ذَكَرَ هُنَا بَعْضُهُمْ أَنَّ النَّقْلَ أَصْلُهُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ وَإِطْلَاقُهُ فِي الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ مَجَازٌ وَهُوَ مُجْتَنَبٌ فِي الرُّسُومِ وَالْحُدُودِ ضَعِيفٌ وَجَوَابُهُ لَا يَخْفَى، وَقَدْ وَقَعَ لِلشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا يَقْرَبُ مِنْهُ وَأَجَابَ بِمَا تَقِفُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اُنْظُرْ حَدَّ الْوَكَالَةِ وَمَا فِي ذَلِكَ مَعَ مَا هُنَا فَإِنَّهُ يُنَاسِبُهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَتَى بِحَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَالْغَزَالِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِمْ اسْتِنَابَةٌ فِي حِفْظِ الْمَالِ وَاعْتَرَضَهُ وَرَجَّحَ حَدَّهُ الْأَوَّلَ عَلَى حَدِّهِمْ مَعَ اخْتِصَارِهِ وَمُسَاوَاةِ حُرُوفِهِ قَالَ: لِأَنَّهُ بَاطِلٌ فِي عَكْسِهِ بِمَا أَدْخَلَهُ فِي حَدِّهِ مِمَّا عَدَّهُ وَأَبْطَلَ طَرْدَهُ بِمَا ذَكَرَ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حَدِّهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْمَعْنَى الِاسْمِيُّ وَلَا يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ الرَّسْمَ الْمَذْكُورَ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يَصْدُقُ عَلَى الِاسْمِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مُسَاوَاةَ الْحُرُوفِ لِلْحُرُوفِ تَمْتِينًا فِي الرَّدِّ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ جَامِعًا مَانِعًا صَادِقًا عَلَى مَقُولَةِ الْمَحْدُودِ، وَقَدْ سَاوَاهُ لَفْظٌ آخَرُ فِي عِدَّتِهِ مَعَ كَوْنِهِ لَا مُطَّرِدًا وَلَا مُنْعَكِسًا وَلَا حَافِظًا لِمَقُولَةٍ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى قُوَّةِ النَّقْدِ فِيهِ وَقَوْلُهُ مَا دَخَلَ فِي إبْطَالِ الْعَكْسِ هُوَ الْوَثَائِقُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا وَمَا خَرَجَ هُوَ الْإِيصَاءُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. قَالَ صَاحِبُ التَّكْمِلَةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي هِبَةِ الْمُدَوَّنَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْحَوْزِ فِي الْأَرْضِ الْغَائِبَةِ قَالَ فَبِهَا إذَا قُلْت فِي الْأَرْضِ قَبَضْت وَقَبِلْت لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَوْزًا كَالْإِشْهَادِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْحَوْزِ. قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِك أَرْضٌ أَوْ دَارٌ أَوْ رَقِيقٌ بِكِرَاءٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَذَلِكَ بِبَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّ قَوْلَك قَبَضْت حَوْزٌ فَإِنْ لَمْ تَقُلْ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ كَانَ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّكْمِلَةِ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِك أَرْضٌ يَنْقُضُ حَدُّ ابْنِ عَرَفَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ الْوَدِيعَةَ رَادًّا عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَشَارَ لِمَا قُلْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ وَدَعْوَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ فِي ذَلِكَ بَعِيدَةٌ، ثُمَّ أَتَى بِنَصِّ حَدِّ الشَّيْخِ وَرَدَّهُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَمَّا كَانَ فِي كَلَامِهِ بَعْضُ نَقْضٍ فِي الْأَفْهَامِ كَمَّلَهُ صَاحِبُ التَّكْمِلَةِ فَقَالَ وَجْهُ النَّقْضِ الْمَذْكُورِ عَلَى الشَّيْخِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 ابْنِ عَرَفَةَ بِمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهَا أَوْ وَدِيعَةٌ رُجُوعُ الْوَدِيعَةِ إلَى الْأَرْضِ فَقَدْ صَدَقَ أَنَّ الْأَرْضَ تَكُونُ وَدِيعَةً فَصَحَّ أَنَّ الرُّبْعَ شَرْعًا يَصِحُّ إيدَاعُهُ فَبَطَلَ اشْتِرَاطُهُ فِي الْحَدِّ أَنَّ الْمُودَعَ مِمَّا يُنْقَلُ وَبَطَلَ رَدُّهُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ. قَالَ وَقَوْلُهُ وَدَعْوَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ إلَخْ هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا ذَكَرْت بَلْ الْوَدِيعَةُ تَرْجِعُ إلَى الرَّقِيقِ وَالْعَارِيَّةُ تَرْجِعُ إلَى الدَّارِ وَالْكِرَاءُ إلَى الْأَرْضِ لَفًّا وَنَشْرًا مُرَتَّبًا، فَقَالَ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُسَلَّمًا لَكِنَّهُ بَعِيدٌ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَلَا دَلِيلَ يَصْرِفُهُ عَنْهُ هَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَ الشَّيْخَانِ وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الرَّدِّ عَلَى الشَّيْخِ إنْسَانٌ عَيَّنَ صُدُورَ الزَّمَانِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَعْرِيفِهِ لِهَذِهِ الْحَقَائِقِ إنَّمَا يُعَرِّفُ مِنْهَا مَا كَانَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً أَوْ تَمَالَتْ عَلَى إطْلَاقِهِ أُمَّهَاتِ الْكُتُبِ، وَقَدْ قَالُوا أَوْدَعْت الثَّوْبَ وَالدَّابَّةَ وَالْمَالَ وَلَمْ يَقُولُوا أَوْدَعْت الدَّارَ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ قَوْلُ الْقَائِلِ وَلَمْ يَقُولُوا شَهَادَةً عَلَى النَّفْيِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَفْيُ إطْلَاقِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إطْلَاقِ الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ ثُبُوتُ الْإِطْلَاقِ وَلَمْ يُوجَدْ وَهَذَا كَافٍ فِي اسْتِدْلَالِهِ فَإِذَا سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَرَدُّهُمَا بِمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِي إطْلَاقِ الْوَدِيعَةِ عَلَى مَا لَا يُنْقَلُ لَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ وَتَأْوِيلُهُ بِمَا ذَكَرْنَا يُعَيِّنُ اللَّفَّ وَالنَّشْرَ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ الظَّاهِرَ مَا ذُكِرَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا صَحَّ الِاسْتِقْرَاءُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ ذَلِكَ لَا يُعَيِّنُ مَا ذُكِرَ لِلْوَدِيعَةِ فَالْحَمْلُ عَلَى الْغَالِبِ أَوْ الْأَغْلَبُ هُوَ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ ذَلِكَ مَرَّةً لَا يُوجِبُ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُوجِبُهَا كَثْرَةُ الْإِطْلَاقَاتِ فَصَحَّ مِنْ هَذَا رَسْمُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَدِّهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ طَرْدًا وَعَكْسًا وَتَأَوُّلُ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ كَلَامَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كِتَابُ الْوَدِيعَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ فِي مَسَائِلِهَا مَا لَا يُنْقَلُ وَذَلِكَ أَوْلَى بِالْأَخْذِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَذَلِكَ كُلُّهُ جَلِيٌّ. [بَابُ الْمُودِعِ] (ود ع) : بَابُ الْمُودِعِ بِكَسْرِ الدَّالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْوَدِيعَةِ بِمِلْكٍ أَوْ تَفْوِيضٍ أَوْ وِلَايَةٍ فَيَدْخُلُ الْقَاضِي فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْغَائِبِ وَالْمَسْجُونِ قَوْلُهُ " مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ " هَذَا جِنْسٌ قَوْلُهُ " بِمِلْكٍ " إلَخْ جَمَعَ بِذَلِكَ أَقْسَامَ الْمُوَدِّعِينَ فَيَدْخُلُ الْمَالِكُ أَوْ نَائِبُهُ وَالْوَصِيُّ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 [بَابُ الْمُودَعِ] ودع: بَابُ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ مِنْ يُظَنُّ حِفْظُهُ قَوْلُهُ مَنْ يُظَنُّ حِفْظُهُ أَخْرَجَ بِذَلِكَ مَنْ لَا يُحْفَظُ إذَا ظُنَّ فِيهِ ذَلِكَ كَصَبِيٍّ صَغِيرٍ لَا يَعْقِلُ وَمَجْنُونٍ. [بَابُ شُرُوطِ الْوَدِيعَةِ] ِ بِاعْتِبَارِ فِعْلِهَا وَقَبُولِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَالَةُ الْفَاعِلِ وَظَنُّ صَوْنِهَا مِنْ الْقَابِلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، ثُمَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَجُوزُ الْوَدِيعَةُ مِنْ الصَّبِيِّ الْخَائِفِ عَلَيْهَا وَمِنْ الْعَبْدِ وَيَجُوزُ أَنْ يُودَعَا مَا خِيفَ تَلَفُهُ بِيَدِ مُودِعِهِ، وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ فَيَجُوزُ مِنْ الصَّبِيِّ الْخَائِفِ عَلَيْهَا أَنْ بَقِيَتْ بِيَدِهِ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَتَجُوزُ فِيمَنْ لَا يَخَافُ عَلَيْهِ التَّلَفُ كَأَوْلَادِ الْمُحْتَرَمِينَ. [بَابُ مُوجِبِ ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ] قَالَ تَصَرُّفُهُ بِغَيْرِ إذْنٍ عَادِيٍّ أَوْ جَحْدِهَا فَمَا فَوْقَهُمَا قَوْلُهُ " تَصَرُّفُهُ " أَيْ تَصَرُّفُ الْمُودَعِ بِفَتْحِ الدَّالِ قَوْلُهُ " بِغَيْرِ إذْنٍ " أَخْرَجَ التَّصَرُّفَ مَعَ الْإِذْنِ وَالْعَادِي غَيْرُ الْقَوْلِيِّ فَيَدْخُلُ الْقَوْلِيُّ. (فَإِنْ قُلْت) إذَا أَوْدَعَهَا لِضَرُورَةِ سَفَرٍ أَوْ عَوْرَةٍ مَنْزِلِهِ صَحَّ لَهُ ذَلِكَ وَأَيْنَ الْإِذْنُ (قُلْت) الْإِذْنُ هُنَا عَادِيٌّ أَوْ شَرْعِيٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَلِنَذْكُرَ هُنَا مَسْأَلَةً وَقَعَتْ لِتَمَامِ الْفَائِدَةِ لِمَا هُنَا مِنْ مُوجِبِ الضَّمَانَ وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهَا هُنَا لِئَلَّا يُوهَمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا صَوَّبْنَا مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ فِي النَّازِلَةِ، وَنَذْكُرُ مَا لَخَّصْته فِيهَا بَعْدَ تَصَوُّرِهَا وَتَأْمُلْهَا وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا أُعْطَى بِضَاعَةً أَمَانَةً يَتَّجِرُ بِهَا فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمَأْذُونِ فِيهَا عَادَةً فَذَهَبَ الْمَبْعُوثُ مَعَهُ بِالْمَالِ إلَى الْمَغْرِبِ، ثُمَّ قَدِمَ وَادَّعَى أَنَّهُ أَوْدَعَهُ بِبَلَدٍ مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ وَاسْتَظْهَرَ بِإِشْهَادٍ فِي ذَلِكَ وَإِنَّ الْعَدُوَّ دَمَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَخَذَ الْبَلْدَةَ الْمَذْكُورَةَ وَاسْتَوْلَى عَلَى مَا فِيهَا وَإِنَّهُ أَخَذَ مَا وَجَدَ بِالْبَلْدَةِ مِنْ الْمَتَاعِ وَغَيْرِهِ فَادَّعَى رَبُّ الْبِضَاعَةِ أَنَّ الرَّجُلَ تَعَدَّى فِي مَسِيرِهِ إلَى تِلْكَ الْبَلْدَةِ؛ لِأَنَّهُ سَافَرَ بِالْمَتَاعِ مِنْ بَلَدِ فَاسَ إلَيْهَا وَطَرِيقُهَا مَخُوفٌ وَتَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْهُ بِوُصُولِ الْمَتَاعِ إلَى تِلْكَ الْبَلْدَةِ الْمَأْمُونَةِ وَأَثْبَتَ أَنَّ الطَّرِيقَ مَخُوفٌ فَوَقَعَ الْكَلَامُ بَيْنَ فُقَهَاءِ الزَّمَانِ وَتَرَدَّدُوا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 النَّازِلَةِ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ بِضَمَانِ الْمُبْضَعِ مَعَهُ إذَا أَثْبَتَ مَا ذَكَرَ، وَقَالَ آخَرُونَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَ لِي وَانْتَصَرْت لَهُ بِمَسَائِلَ مَذْهَبِيَّةٍ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الضَّمَانِ شَبِيهَةٌ بِالنَّازِلَةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا أَثْبَتَ الْعُذْرَ؛ لِلْإِيدَاعِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إشْهَادٌ عَلَى الْإِيدَاعِ كَمَا صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ. " الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى " الشَّاهِدَةُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيمَنْ نَهَى رَجُلًا عَنْ الْخُرُوجِ بِالْمَالِ مِنْ مِصْرَ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِ إلَى إفْرِيقِيَّةَ عَيْنًا، ثُمَّ رَجَعَ بِهِ عَيْنًا قَبْلَ التَّجْرِبَةِ بِمِصْرَ فَخَسِرَ أَوْ ضَاعَ قَالَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَجْهُ الشَّبَهِ بِقِيَاسٍ تَمْثِيلِيٍّ فَيُقَالُ مَالٌ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ تَعَدَّى فِي الْخُرُوجِ، ثُمَّ عَادَ سَلِيمًا إلَى مَوْضِعٍ مَأْذُونٍ فِيهِ فَهَلَكَ فَلَا يَقَعُ الضَّمَانُ فِيهِ أَصْلُهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقَالُ بِإِبْدَاءِ فَارَقَ بِالْإِذْنِ الْجُزْئِيِّ فِي صُورَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْإِذْنِ الْكُلِّيِّ فِي الصُّورَةِ الْوَاقِعَةِ وَالْإِذْنُ الْجُزْئِيُّ أَقْوَى مِنْ الْكُلِّيِّ لِأَنَّا نَقُولُ الْعِلَّةُ الْمَنْصُوصَةُ الَّتِي ذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ رَدَّهُ إلَى مِصْرَ هَذِهِ الْعِلَّةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَاعَى فِيهَا الْإِذْنُ الْعَامُّ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ مِنْ غَيْرِ إضَافَةِ شَيْءٍ إلَيْهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْإِذْنَ الْخَاصَّ وَهُوَ التَّجْرُ فِي بَلَدِ مِصْرَ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ قُلْنَا بِمَا يُنَاسِبُ بَسَاطَةَ الْعِلَّةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي قُلْنَا بِمَا يُنَاسِبُ تَرْكِيبَهَا وَبَسَاطَتَهَا أَوْلَى. " الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ " مَنْ أَنْفَقَ وَدِيعَةً، ثُمَّ رَدَّهَا لِمَوْضِعِهَا فَقَدْ قَالَ فِيهَا لَا ضَمَانَ فِيهَا بَعْدَ ضَيَاعِهَا وَهِيَ أَحْرَوِيَّةٌ فِي النَّازِلَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا ضَمَانَ مَعَ رَدِّ الْمِثْلِ فَأَحْرَى مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقِرَاضِ اُنْظُرْهُ وَالِاسْتِدْلَالُ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَدْ عَلِمَ مَا فِي النَّازِلَةِ مِنْ الْخِلَافِ. " الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ " مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ مَنْ اسْتَوْدَعَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا، ثُمَّ أَقَرَّ الْمُودِعُ بِرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ، ثُمَّ هَلَكَ ذَلِكَ فَقَالَ رَبُّهُ هَلَكَ بِيَدِك قَبْلَ رَدِّهِ وَقَالَ الْمُودِعُ إنَّمَا هَلَكَ بَعْدَ الرَّدِّ قَالَ صَدَقَ الْمُودِعُ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ رَدَّهُ قَالَ وَهَذَا إذَا أَقَرَّ وَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بَيِّنَةٌ بِالرَّدِّ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَنُقِلَ عَنْ سَحْنُونَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ تَسَلُّفِهَا وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ الْإِجْرَاءِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا قَرَّرْنَا أَنَّ تَسَلُّفَ الْوَدِيعَةِ أَقْوَى لِتَلَفِ الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ هُنَا قَائِمَةٌ فَتَأَمَّلْهُ وَتَقَدَّمَ بَحْثٌ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي غَيْرِ هَذَا حَذَفْنَاهُ لِطُولِهِ. " الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ " الشَّاهِدَةُ لِلنَّازِلَةِ مَا ذَكَرَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالنَّصُّ فِيهِ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَبَرِئَ إنْ رَجَعَتْ سَالِمَةً قَالَ شَارِحُهُ مَا مَعْنَاهُ فَإِنْ سَافَرَ الْوَدِيعَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ، ثُمَّ رَجَعَتْ سَالِمَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ ضَاعَتْ فَهَذِهِ قَوِيَّةُ الشَّبَهِ وَأَقْوَى مِمَّا ذَكَرْنَا فِي الشَّبَهِ. " الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ " إذَا أَوْدَعَ وَدِيعَةً، ثُمَّ تَعَدَّى الْمُودِعَ وَأَوْدَعَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى يَدِهِ فَهَلَكَتْ فَقَالُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهَذِهِ قَرِيبَةٌ مِنْ الرَّابِعَةِ فِي قُوَّةِ الشَّبَهِ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَمِنْ غَيْرِهَا وَتُقَوِّي الْقِيَاسَ الدَّالَّ عَلَى عَدَمِ الضَّمَانِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَمَنْ قَالَ بِالضَّمَانِ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ اسْتَدَلَّ عَلَى قَوْلِهِ بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ اكْتَرَى دَابَّةً وَبَلَغَ الْغَايَةَ، ثُمَّ زَادَ زِيَادَةً عَلَى الْمَسَافَةِ أَوْ حَبَسَهَا أَيَّامًا، ثُمَّ رَجَعَتْ بِحَالِهَا فَقَالَ لِرَبِّهَا الْكِرَاءُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَخْذِ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّعَدِّي أَوْ الْكِرَاءِ فِيمَا حَبَسَهَا فِيهِ قَالَ فَكَمَا أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ بِالضَّمَانِ وَلَوْ رَجَعَتْ سَالِمَةً فَكَذَلِكَ فِي النَّازِلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْجَامِعِ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فَظَهَرَ لِي فِي رَدِّ هَذَا الْقِيَاسِ أَنْ قُلْت: إنْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ الْمُعَارِضِ لِقِيَاسِ عَدَمِ الضَّمَانِ يَتَرَجَّحُ الْقِيَاسُ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى أَصْلٍ قَوِيٍّ فِي الشَّبَهِ مِنْ جِنْسِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الْبِضَاعَةَ وَالْوَدِيعَةَ وَالْقِرَاضَ كُلٌّ مِنْهَا قَرِيبٌ فِي الشَّبَهِ وَأَقَرَّ جِنْسًا مِنْ الْأَكْرِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَكْرِيَةَ فِيهَا الْمُعَاوَضَةُ وَلَا عِوَضَ فِي الْمَذْكُورِ بِوَجْهٍ وَبَابُ الْأَكْرِيَةِ أَبْعَدُ فِي الشَّبَهِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي عَدَمِ الضَّمَانِ فَثَمَّ خُصُوصِيَّاتٌ اخْتَصَّ بِهَا مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ: إنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي عَلَّلَ بِهَا ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ قَالَ: لِأَنَّهُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى الْمَأْمَنِ بَعْدَ التَّعَدِّي فِيهَا وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِرَاءِ عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ، أَمَّا لِأَنَّهُ حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا أَوْ أَنَّهُ لَمَّا تَعَدَّى فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْهَلَاكُ مِنْ غَيْرِ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَبْقَى عَلَى حَالٍ وَكِلَا الْعِلَّتَيْنِ لَا يُمْكِنُ وُجُودُهُمَا فِي النَّازِلَةِ الْمَذْكُورَةِ. ثُمَّ إنَّ مَسْأَلَةَ الْكِرَاءِ قَدْ ضَعَّفَهَا سَحْنُونٌ وَنَاقَضَهَا بِمَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ الَّتِي اكْتَرَاهَا وَحَمَلَ عَلَيْهَا وَزْنًا مَعْلُومًا، ثُمَّ زَادَ عَلَيْهَا مَا تُعْطِبُ بِمِثْلِهِ، ثُمَّ نَزَعَ الزِّيَادَةَ، ثُمَّ مَاتَتْ قَالَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، ثُمَّ مِمَّا يُقَوِّي مَا اخْتَرْنَاهُ أَنَّ سَحْنُونًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَاسَ وَاسْتَدَلَّ عَلَى قَوْلِهِ بِمَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ إذَا رَدَّهَا بَعْدَ تَسْلُفْهَا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قِيَاسِنَا الْأَوَّلِ وَتَأَمَّلْ هُنَا مَعَ مُنَاقَضَةِ سَحْنُونَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بَقِيَ أَنْ يُقَالَ تَنْظِيرُ سَحْنُونَ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْوَدِيعَةِ يُضَعِّفُ مَا أَشَرْتُمْ إلَيْهِ مِنْ بَعْدِ هَذَا الْقِيَاسِ فِي الْكِرَاءِ الَّذِي قِيسَتْ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 الْوَدِيعَةُ وَفِيهِ نَظَرٌ أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا وَمَسْأَلَةُ الْغَصْبِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ الشَّبَهِ فِيهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. (فَإِنْ قِيلَ) كَلَامُ الشَّيْخِ هُنَا فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَوْضِعِ الضَّمَانِ يَشْهَدُ لِمَنْ خَالَفَ (قُلْت) لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِ لَفْظٍ بِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ نَظِيرِ النَّازِلَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [كِتَابُ الْعَارِيَّةِ] (ع ر ي) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الْعَارِيَّةِ قَالَ ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ الْعَارِيَّةَ بِالتَّشْدِيدِ مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ قَالَ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٍ قَالَ يُقَالُ هُمْ يَتَعَوَّرُونَ الْعَوَارِيَّ بَيْنَهُمْ وَقِيلَ مُسْتَعَارًا بِمَعْنَى مُتَعَاوَرٌ أَيْ مُتَدَاوَلٌ وَفِي بَعْضِ حَوَاشِي الصِّحَاحِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهَا مِنْ الْعَارِ وَإِنْ كَانَ قَدْ قِيلَ فَلَيْسَ هُوَ الْوَجْهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مِنْ التَّعَاوُرِ الَّذِي هُوَ التَّدَاوُلُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنْكَارَ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ بِأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ قَالَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ يَتَعَيَّرُونَ لِأَنَّ عَيْنَهُ يَاءٌ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ نَقَلَ عَنْ ابْنِ سِيدَهْ أَنَّهُ قَالَ إنَّهَا مِنْ الْعَارِ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ وَرَدَّ بِهِ عَلَى ابْنِ السَّيِّدِ، ثُمَّ نَقَلَ مَا يَشْهَدُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ كَلَامِ الْمُحْكَمِ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ يَتَعَوَّرُونَ الْعَوَارِيَّ وَحَيْثُ نَقَلَ إنَّمَا هُوَ مِنْ تَعَاقُبِ الْوَاوِ إلَى الْيَاءِ قَالَ الشَّيْخُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمُعَاقَبَةِ (قُلْت) يَظْهَرُ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا رَدَّ عَلَى الْجَوْهَرِيِّ حَيْثُ قَالَ إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَارِ، ثُمَّ قَالَ يَتَعَوَّرُونَ فَذَكَرَ مَا يَشْهَدُ لِلْوَاوِ لَا لِلْيَاءِ وَهَذَا كَافٍ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْجَوْهَرِيِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَوْ صَحَّ أَنَّهَا مِنْ الْعَارِ لَقُلْت يَتَعَيَّرُونَ وَنَقَلْت ذَلِكَ لُغَةٌ وَالتَّالِي بَاطِلٌ لِقَصْرِ نَقْلِك عَلَى مَا ذَكَرْت لَكِنْ تَأَمَّلْت لَفْظَ الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَوَجَدْته لَيْسَ مَعْنَاهُ ذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ مَا فَهِمَ الشَّيْخُ عَنْهُ مِنْ إنْكَارِ مَادَّةِ الْيَاءِ فَصَحَّ اعْتِرَاضُهُ عَلَيْهِ. (فَإِنْ قُلْت) الْعَارِيَّةُ مَا وَزْنُهَا وَالْيَاءُ الْمُشَدَّدَةُ فِيهَا مَا أَصْلُهَا وَالْيَاءُ الْمَذْكُورَةُ مَا هِيَ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَرِيَّةِ (قُلْت) ، أَمَّا وَزْنُهَا فَذَكَرَ الشَّيْخُ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ فِعْلِيَّةً وَإِنَّهَا مِنْ التِّعْوَارِ فَأَصْلُهَا عَوَرِيَّةٌ تَحَرَّكَ حَرْفُ الْعِلَّةِ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهُ فَقُلِبَتْ الْفَاءُ وَالْيَاءُ عَلَى هَذَا لِلنَّسَبِ وَالتَّاءُ لِلتَّأْنِيثِ كَمَا يُقَالُ هَاشِمِيَّةٌ وَيَاءُ النَّسَبِ إنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 تُنَافِي تَاءَ التَّأْنِيثِ قَبْلَ دُخُولِ يَاءِ النَّسَبِ فَتُحْذَفُ التَّاءُ لِأَجْلِهَا وَيَصِحُّ إدْخَالُ التَّاءِ بَعْدَ الْيَاءِ لِأَنَّ الْمَنْسُوبَ يَجْرِي مَجْرَى الصِّفَةِ، وَأَمَّا الْعَرِيَّةُ فَهِيَ فَعَيْلَةٌ كَنَطِيحَةٍ وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهَا عَلَى عَشَرَةِ أَقْوَالٍ فَقِيلَ يُقَالُ عَرَوْتُهُ إذَا طَلَبْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا ذَكَرَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَتَى بِالْعُرْفِيِّ، ثُمَّ حَدَّهَا مَصْدَرًا وَاسْمًا كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ إذَا كَانَ لِلْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ مَعْنَيَانِ فَالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ " تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ لَا بِعِوَضٍ " فَقَوْلُهُ " تَمْلِيكُ " مُنَاسِبٌ لِمَقُولَةِ الْمَحْدُودِ وَهُوَ جِنْسٌ وَمُنَاسِبٌ لِمَا وَقَعَ لَهُ فِي حَدِّ الْعَطِيَّةِ فِي بَابِ الْهِبَةِ وَأَدْخَلَ فِيهِ الْعَارِيَّةَ وَالْحَبْسَ لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْحَبْسِ إعْطَاءٌ. (فَإِنْ قُلْت) التَّمْلِيكُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ الشَّرْعِيُّ قَدْ حَدَّهُ الشَّيْخُ بَعْدُ فِي الدَّعْوَى وَهُوَ إحَالَةٌ عَلَى التَّعْرِيفِ بِمَجْهُولٍ (قُلْت) لَعَلَّهُ رَآهُ ظَاهِرًا وَفِيهِ نَظَرٌ قَوْلُهُ " مَنْفَعَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ تَمْلِيكَ الذَّوَاتِ مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ الْحَقِيقِيَّ فِي الذَّوَاتِ لَيْسَ إلَّا لِخَالِقِهَا وَلَكِنَّ الْقَصْدَ كَمَالُ التَّصَرُّفِ الْمُطْلَقِ وَقَوْلُهُ الْمَنْفَعَةُ يُخْرِجُ بِهِ تَمْلِيكَ الِانْتِفَاعِ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ فِيهَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الِانْتِفَاعِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُعِيرَ لِمِثْلِهِ بِخِلَافِ الِانْتِفَاعِ قَوْلُهُ " مُوَقِّتَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ الْمُطْلَقَةِ كَمَا إذَا مَلَكَ الْعَبْدُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ وَوَهَبَهَا إيَّاهُ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِعَارِيَّةٍ وَلَا يَدْخُلُ الْحَبْسُ فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْحَبْسَ فِيهِ مِلْكُ الِانْتِفَاعِ لَا الْمَنْفَعَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ ذَلِكَ فِيهِ بِالْإِطْلَاقِ قَوْلُهُ " لَا بِعِوَضٍ " يَخْرُجُ بِهِ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهَا بِعِوَضٍ وَالْعَارِيَّةُ بِغَيْرِ عِوَضٍ. (فَإِنْ قُلْت) قَوْلُهُ مُوَقِّتَةٌ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَارِيَّةَ الشَّرْعِيَّةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّوْقِيتِ فَإِذَا قَالَ أَعَرْتُك هَذَا الثَّوْبَ أَوْ الدَّارَ وَلَمْ يُوَقِّتْ أَجَلًا فَلَيْسَ بِعَارِيَّةٍ مَعَ أَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَارِيَّةً نَعَمْ اخْتَلَفُوا إذَا قَامَ الْمُعِيرُ وَأَرَادَ أَخْذَهَا عَلَى أَقْوَالٍ (قُلْت) يَعْنِي بِالتَّوْقِيتِ، أَمَّا لَفْظًا أَوْ عَادَةً قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتَدْخُلُ الْعُمْرَى وَالْإِخْدَامُ وَهَكَذَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ وَيَظْهَرُ لِي خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَقَبٌ عَلَى مَا بَوَّبُوا لَهُ فِي مَسَائِلِ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَلَمْ يُطْلِقُوا عَلَى الْعُمْرَى لَفْظَ الْعَارِيَّةِ عُرْفًا وَإِنَّمَا أَطْلَقُوا عَلَيْهَا عُمْرَةً فَدَلَّ عُرْفًا عَلَى أَنَّهَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا عَارِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ فِي عُرْفِهِمْ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَعْنًى أَعَمَّ مِمَّا وَقَعَ لَهُمْ وَوَقَفْت عَلَى قَرِيبٍ مِنْ هَذَا لِلشَّيْخِ خَلِيلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَعَلَى هَذَا حَقُّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَقُولَ لَهَا مَعْنَى أَعَمُّ وَمَعْنَى أَخَصُّ فَتَأَمَّلْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا الْحَبْسُ فَيَعْنِي أَنَّ الْحَبْسَ لَا يَدْخُلُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ مُؤَقَّتَةٍ وَالْحَبْسُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ وَيُعِينُهُ رَدُّهُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَكْسِ الْحَدِّ، وَأَمَّا حَدُّهُ اسْمًا فَقَالَ فِيهِ " مَالُ ذُو مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ مُلِكَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ " قَوْلُهُ " مَالُ " مُنَاسِبٌ لِمَقُولَةِ الْمَحْدُودِ وَبَيَانُ الْقُيُودِ ظَاهِرٌ مِمَّا قَدَّمْنَا فِي الْحَدِّ الْمَصْدَرِيِّ. (فَإِنْ قُلْت) لِأَيِّ شَيْءٍ قَالَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي الثَّانِي وَفِي الْأَوَّلِ لَا بِعِوَضٍ وَهَلَّا قَالَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي الْحَدَّيْنِ وَذَلِكَ أَخَصْرُ فِي الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ تَكُونُ لَا عَاطِفَةً فَيَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ (قُلْت) يُحْتَمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُقَالَ الثَّانِي أَخَصْرُ فِي اللَّفْظِ لَا فِي التَّقْدِيرِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ غَيْرُ مُرَاعًى فِي عَدِّ حُرُوفِ الِاخْتِصَارِ وَفِيهِ نَظَرٌ جَرَى فِي الْإِعْرَابِ أَنْ لَا عَاطِفَةٌ وَهَلْ تَوَفَّرَتْ شُرُوطُهَا (قُلْت) يَصِحُّ الْعَطْفُ بِهَا بَعْدَ الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِنَا قَامَ زَيْدٌ لَا عَمْرٌو، قَالُوا وَيَصِحُّ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا أَوْ مُقَدَّرًا كَقَوْلِهِمْ أَعْطَيْتُك لَا لِتَظْلِمَ أَيْ لِتَعْدِلَ لَا لِتَظْلِمَ وَهُنَا يُقَالُ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ بِتَرْكِ عِوَضٍ لَا بِعِوَضٍ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ نَقْضُ طَرْدِ الْحَدِّ الْأَوَّلِ وَالْحَدِّ الثَّانِي وَبَيَانُ مَا ذَكَرَهُ لَوْ فُرِضَ رَجُلٌ اكْتَرَى دَارًا سَنَةً، ثُمَّ تَوَفَّى وَتَرَكَ وَارِثًا فَإِنَّهُ حَصَلَ لَهُ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ لِلْوَارِثِ فِي طَرَفِ الْمَصْدَرِ وَفِي طَرَفِ الِاسْمِ يَصْدُقُ مَالٌ إلَخْ وَذَلِكَ كُلُّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَارِيَّةِ فَيَكُونُ الْحَدُّ غَيْرَ مَانِعٍ هَذَا مَعْنَى مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ وَنَقْضُ طَرْدِهِمَا بِإِرْثِ مِلْكِ مَنْفَعَةِ وَارِثِهِمَا مِمَّنْ حَصَلَا لَهُ بِعِوَضٍ لِحُصُولِهِمَا لِلْوَارِثِ بِغَيْرِ عِوَضٍ مِنْهُ وَبَسْطُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ الشَّيْخُ وَالْجَوَابُ بِأَنَّ عُمُومَ نَفْيِ الْعِوَضِ يَخْرُجُ ذَلِكَ مِنْ الْحَدَّيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا عِوَضَ فِي تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ رَأْسًا مِنْ أَصْلِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ فِيهَا عِوَضٌ مِنْ الْمَالِكِ الْمَوْرُوثِ فَلَا يَصْدُقُ فِيهَا النَّفْيُ الْمُطْلَقُ وَتَقَدَّمَ لَنَا فِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْفَهْمِ أَنْ يُقَالَ حَافَظَ عَلَى طَرْدِهِ فَأَخَلَّ بِعَكْسِهِ فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا أَعَارَ لَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ مُعِيرٌ بِنُصُوصِ الْفُقَهَاءِ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا. وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَيَلْزَمُ خُرُوجُ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ الْعَارِيَّةِ لِمَا حُوفِظَ فِيهِ عَلَى الطَّرْدِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الَّذِي وَقَعَ النَّقْضُ بِهِ إنَّ الْوَارِثَ الَّذِي وَرِثَ الْحَقَّ الَّذِي كَانَ لِمَوْرُوثِهِ وَهِيَ مَنْفَعَةٌ بِعِوَضٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 عِوَضٍ وَهَذَا لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي جَوَابِ الشَّيْخِ وَتَأَمَّلْ جَوَابَ ابْنِ رُشْدٍ فِي أَسْئِلَتِهِ إذَا مَاتَ الْمُكْرِي وَفِيهِ مَا يُنْظَرُ مَعَ هَذَا وَتَأَمَّلْ مَنْ يَصِحُّ لَهُ أَنْ يُعِيرَ وَمَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ فَلْيُتَأَمَّلْ مَعَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلْفَهْمِ عَنْهُ وَتَقَدَّمَ لَنَا سُؤَالٌ عَلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كَوْنِهِ ذَكَرَ الْإِنْشَاءَ فِي حَدِّ الْعُمْرَى فَقَالَ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةِ حَيَاةِ الْمُعْطَى بِغَيْرِ عِوَضِ إنْشَاءٍ وَلَمْ يَزِدْ هَذَا الْقَيْدَ هُنَا وَقَيْدُ الْإِنْشَاءِ أَخْرَجَ بِهِ الْحُكْمَ بِاسْتِحْقَاقِ الْعُمْرَى فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ هُنَا إنْ صَحَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ هُنَاكَ وَلَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ قَوِيٌّ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، ثُمَّ أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ تَمْلِيكُ مَنَافِعِ الْعَيْنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ قَالَ يَبْطُلُ طَرْدُهُ بِالْحَبْسِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَهَذَا يُعَيِّنُ أَنَّهُ أَخْرَجَ الْحَبْسَ مِنْ حَدَّيْهِ بِقَوْلِهِ مُؤَقَّتَةٌ وَيَأْتِي لَهُ بَعْدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ الْحَبْسُ فِي سُكْنَى الْمَدَارِسِ وَشَبَهِهِ لَيْسَ فِيهِ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ الِانْتِفَاعُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ كَلَامِ الْقَرَافِيُّ فَالْحَبْسُ عَلَى هَذَا يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ وَبِأَحَدِ قِسْمَيْهِ يُرَدُّ الِاعْتِرَاضُ قَالَ وَيَبْطُلُ عَكْسُهُ بِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْمَصْدَرَ وَالْعُرْفُ إنَّمَا هُوَ اسْتِعْمَالُهُ اسْمًا وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُعَارُ هَذَا كَلَامُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعُرْفَ فِي إطْلَاقِ الْعَارِيَّةِ إنَّمَا هُوَ الِاسْمُ وَتَقَدَّمَ لَنَا أَنَّهُ يَحُدُّ الْمَصْدَرُ وَالِاسْمُ إذَا كَانَ الِاسْتِعْمَالُ فِيهِمَا وَهُوَ الصَّوَابُ وَإِنْ صَحَّ الْعُرْفُ عِنْدَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يُحَدُّ إلَّا الِاسْمِيُّ فَتَأَمَّلْهُ، ثُمَّ يُقَالُ إذَا سَلَّمَ مَا ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَنَّهُ إنَّمَا يَصْدُقُ عُرْفًا عَلَى الِاسْمِيِّ فَيُقَالُ فِي حَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ شَيْئًا مِنْ صُوَرِ الْمَحْدُودِ بَلْ حَدُّ حَقِيقَةٍ بِغَيْرِ مَعْنَاهَا فَقَوْلُهُ لَا يَصْدُقُ إلَّا عَلَى الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ فَيَكُونُ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ فِيهِ مُنَاقَشَةٌ فَتَأَمَّلْهُ وَلَعَلَّ الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَيْنِ مَوْجُودَانِ عُرْفًا لَكِنَّ الْغَالِبَ الِاسْمِيَّةُ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَدْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى مِنْ التَّكَلُّفِ فِي الْجَوَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُعِيرِ] (ع ور) : بَابُ الْمُعِيرِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ لَا لِعَيْنِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجْعَلُ مَمْلُوكَ مَنْ مَلَكَهَا لِعَيْنِهِ إنَّمَا هُوَ الِانْتِفَاعُ لَا الْمَنْفَعَةُ قَوْلُهُ مِنْ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ هُوَ أَعَمُّ مِنْ مَالِكِ الذَّاتِ مَعَ مَنْفَعَتِهَا أَوْ مَالِكٍ لِلْمَنْفَعَةِ وَحْدَهَا قَوْلُهُ لَا لِعَيْنِهِ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ لِأَجْلِ عَيْنِ الْمَالِكِ فَلَيْسَ مَحَلًّا لِلْعَارِيَّةِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُهُ وَبَعْضُهُمْ إلَخْ أَشَارَ إلَى أَنَّ التَّقَيُّدَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى غَيْرِ قَوْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 الْبَعْضِ وَبَنَى الشَّيْخُ عَلَى هَذَا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعِيرَ الْمُسْتَعِيرُ أَمْ لَا وَأَخَذَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُعِيرُ وَأَنَّهُ أَحْرَوِيٌّ مِنْ الْإِجَارَةِ وَأَنْكَرَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَا أَيَّدَهُ بِهِ مِنْ الْوَصَايَا مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَ أَوَّلًا (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ صَحَّ لِلشَّيْخِ الِاسْتِدْلَال عَلَى مَنْعِ أَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ (قُلْت) قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ إذَا كَرِهَ فِي الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُعِيرَ فَكَيْفَ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ فِي تَسَلُّطِهِ فِي الْمَنْفَعَةِ أَضْعَفُ. (فَإِنْ قُلْت) مَا يَعْنِي بِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ لِلْعَيْنِ (قُلْت) يَعْنِي لَعَيْنِ الْمَالِكِ أَيْ مَلَكَهُ لِذَاتِ عَيْنِهِ رِفْقًا بِهِ وَمَسْأَلَةُ الْوَصَايَا الْمَذْكُورَةِ تَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فِي حَقِّ الْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ فَتَلَخُّصُ الْقَوْلَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرَ هُنَا عَنْ بَعْضِهِمْ مَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي تَعْرِيفِ الْمُسْتَحَقِّ لِمَنْ عَلَيْهِ حَبْسٌ وَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْمُسْتَعِيرِ] (ع ور) : بَابُ الْمُسْتَعِيرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَابَلَ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعِيرُ كَافِرٌ عَبْدًا مُسْلِمًا وَلَا وَلَدُ وَالِدِهِ وَاعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ رَسْمُهُ حَيْثُ قَالَ الْمُسْتَعِيرُ أَهْلٌ لِلتَّبَرُّعِ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَسْمُهُ قَاصِرٌ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ وَالْوَالِدَ أَهْلٌ لِلتَّبَرُّعِ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ رَدَّ عَلَى شَيْخِهِ الْجَوَابَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ اُنْظُرْهُ فَإِنَّهُ حَسَنٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَنْفَعُنَا بِهِ وَيَرْحَمُهُ بِفَضْلِهِ. [بَابُ الْمُسْتَعَارِ] (ع ور) : بَابُ الْمُسْتَعَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُسْتَعَارُ مَا صَحَّ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَاقِيَةُ ذَاتِهِ قَوْلُهُ بَاقِيَةُ ذَاتِهِ أَخْرَجَ بِهِ الْقَرْضَ فَلَا يَجُوزُ فِي الطَّعَامِ وَالذَّهَبِ وَلِلَّخْمِيِّ اخْتِيَارٌ حَسَنٌ اُنْظُرْهُ فَصَحَّ مِنْ حَدِّ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُسْتَعَارَ هُوَ الذَّاتُ لَا الْمَنْفَعَةُ قَالَ الشَّيْخُ وَهُوَ مُقْتَضَى عُرْفِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ لِمَنْ تَأَمَّلْ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ رَدَّ بِهِ عَلَى قَوْلِ شَيْخِهِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْمُسْتَعَارَ هُوَ الْمَنْفَعَةُ قَالَ الشَّيْخُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ عَارِيَّةٍ مُمْكِنُ كَوْنِهِ مُؤَدَّاةً وَلَا شَيْءَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ مُمْكِنٌ كَوْنُهُ مُؤَدَّاةً فَلَا شَيْءَ مِنْ الْعَارِيَّةِ بِمَنْفَعَةِ الصُّغْرَى دَلَّ عَلَيْهَا الْحَدِيثُ فِي أَبِي دَاوُد فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ «أَعَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 مُؤَدَّاةٌ فَقَالَ بَلْ مُؤَدَّاةٌ» وَالْكُبْرَى وَاضِحَةٌ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْمَنْفَعَةِ لَا تُرَدُّ وَلَا يُمْكِنُ رَدُّهَا عَادَةً وَلَا عَقْلًا فَالنَّتِيجَةُ صَادِقَةٌ وَتَنْعَكِسُ كَنَفْسِهَا فَصَحَّ الرَّدُّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِقِيَاسٍ مِنْ الشَّكْلِ الثَّانِي مُقَدِّمَتَاهُ صَحِيحَتَانِ الْأُولَى سَمْعِيَّةٌ وَالثَّانِيَةُ عَقْلِيَّةٌ. (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْعَارِيَّةَ فِيهَا مَا هُوَ مَضْمُونٌ وَفِيهَا مَا هُوَ مُؤَدَّاةٌ فَإِنَّمَا تَصْدُقُ الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةً جُزْئِيَّةً وَالصُّغْرَى كُلِّيَّةً هُنَا (قُلْت) الصُّغْرَى إنَّمَا هِيَ كُلُّ عَارِيَّةٍ مُمْكِنٌ أَنْ تَكُونَ مُؤَدَّاةً وَالْحَدِيثُ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ إذَا تَأَمَّلْته وَلَا بُدَّ مِنْ فَهْمِهِ عَلَى ذَلِكَ وَمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ تَقْسِيمِ الْعَارِيَّةِ الْمُقَسَّمُ فِيهِ الْعَارِيَّةُ اللُّغَوِيَّةُ الْجَوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَطْلَقَهَا عَلَى مَا يَعُمُّ الْقَرْضَ وَالسِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أُمَيَّةَ حَيْثُ أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَتْك رُسُلِي فَادْفَعْ لَهُمْ ثَلَاثِينَ دِرْعًا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا قَالَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ فَقَالَ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ» أَيْ لَيْسَ حُكْمُ ذَلِكَ حُكْمَ الْقَرْضِ يُرَدُّ مِثْلُهُ بِرَدِّ عَيْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي صِيغَة الْعَارِيَّةِ] (ص وغ) : بَابٌ فِي الصِّيغَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ ابْنُ شَاسٍ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنَاهَا أَيْ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى الْعَارِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ (قُلْت) بِحَسَبِ اللَّفْظِ أَوْ الْقَرِينَةِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى إعْمَالِ دَلَالَةِ الْقَرِينَةِ وَارْتَضَى الشَّيْخُ عِبَارَةَ ابْنِ شَاسٍ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا قَدَّمَ فِي صِيغَةٍ غَيْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُخْدِمِ] (خ د م) : بَابُ الْمُخْدِمِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُخْدِمُ ذُو رِقٍّ وَهَبَ مَالِكٌ خِدْمَتَهُ إيَّاهَا لِغَيْرِهِ. (فَإِنْ قُلْت) ذِكْرُ الْمُخْدِمِ هُنَا مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ هَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَارِيَّةَ تَشْمَلُهُ؛ لِأَنَّهَا تَنْقَسِمُ إلَى مَنْفَعَةٍ فِي حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ اسْتِطْرَادٌ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَوْهُوبَةِ (قُلْت) يَظْهَرُ مِنْ عُرْفِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَرَّحَ بِأَنَّهُ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْعَارِيَّةِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ قَبْلَ هَذَا، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى مَا قُلْنَا عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ. (فَإِنْ قُلْت) إذَا كَانَ الْإِخْدَامُ دَاخِلًا تَحْتَهَا وَيَكُونُ صِنْفًا مِنْهَا فَكَيْفَ يُمَيَّزُ عَنْ بَقِيَّةِ أَصْنَافِهَا (قُلْت) يُقَالُ تَمْلِيكِ مَنْفَعَةِ مُؤَقَّتَةٍ لَا لِغَرَضٍ فِي رِقٍّ وَهَذَا فِي الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَيُقَالُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 فِي الِاسْمِيِّ رِقُّ ذِي مَنْفَعَةٍ إلَخْ. (فَإِنْ قُلْت) هَلَّا مَيَّزَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَاصِّيَّةَ الْمُخْدَمِ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا كَمَا فَعَلَ فِي الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ (قُلْت) لَعَلَّهُ رَأَى ذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْ الَّذِي تَقَدَّمَ كَمَا بَيَّنَّا فِي الرَّسْمِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَقَوْلُهُ ذُو رِقٍّ يَشْمَلُ الرِّقَّ الْقِنُّ وَالْمُدَبَّرُ وَالْجُزْءُ مِنْ الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وَأُمَّ الْوَلَدِ فَلَا خِدْمَةَ فِيهِمَا وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا أَعْمَرَ ذُو جَنَّةٍ وَلَدَهُ مُدَّةً، ثُمَّ هِيَ لَهُ مِلْكٌ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْمَرُ وَالْمُعْمَرُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَمْ تَكُنْ مِيرَاثًا وَذَكَرَ فِيهَا قَوْلَيْنِ، وَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا اُنْظُرْ الشَّيْخَ فَإِنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَهَا هُنَا وَذَكَرَ مَا يُنَاسِبُ الْإِخْدَامَ، وَقَدْ وَقَعَتْ وَأَجَبْت فِيهَا بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخِدْمَةَ فِي حَدِّ الْمُخْدِمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخِدْمَةَ عِنْدَهُ أَشْهَرُ مِنْ الْمَحْدُودِ وَتَأَمَّلْ هَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْ مِلْكِ الْخِدْمَةِ بِالْإِخْدَامِ هَلْ يَخْدِمُ غَيْرَهُ أَمْ لَا وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ حَدِّهِ وَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مَعَ الْعَارِيَّةِ فَتَأَمَّلْ مَا فِيهِ. [كِتَابُ الْغَصْبِ] (غ ص ب) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. الْغَصْبِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الْغَصْبُ أَخْذُ مَالٍ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ ظُلْمًا قَهْرًا لَا لِخَوْفِ قِتَالٍ " الْغَصْبُ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الْمَالِ ظُلْمًا وَهُوَ فِي الشَّرْعِ أَخَصُّ مِنْهُ لُغَةً وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَخْذُ جِنْسٍ مُنَاسِبٍ لِمَقُولَةِ الْمَحْدُودِ وَقَوْلُهُ مَالٍ أَخْرَجَ غَيْرَ " الْمَالِ " فِي أَخْذِ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ وَإِنْ أَطْلَقُوا عَلَيْهِ غَصْبًا فَلَيْسَ مَقْصُودًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ اصْطِلَاحًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ لُغَةً قَوْلُهُ " غَيْرِ مَنْفَعَةٍ " أَخْرَجَ التَّعَدِّيَ قَوْلُهُ " ظُلْمًا " أَخْرَجَ أَخْذَهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ بِغَيْرِ بَاطِلٍ وَيَخْرُجُ أَيْضًا مِنْهُ إذَا ظَفِرَ الْمَغْصُوبُ بِمَالِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَأَخَذَهُ قَهْرًا وَكَذَا إذَا أَخَذَ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ وَكَذَا إذَا انْتَزَعَ الْمَالَ مِنْ يَدِ عَبْدِهِ أَوْ عَجَزَ مُكَاتَبُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ " قَهْرًا " أَخْرَجَ بِهِ السَّرِقَةَ وَالنُّهْبَةَ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنْ الْخِيَانَةِ قَوْلُهُ " لَا لِخَوْفِ قِتَالٍ " أَخْرَجَ الْحِرَابَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ أَخْرَجَ الْغِيلَةَ بِقَوْلِهِ قَهْرًا قَالَ إذْ لَا قَهْرَ فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَوْتِ مَالِكِهِ وَمَا ذَكَرَ حَسَنٌ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدَّ ابْنِ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ أَخْذُ الْمَالِ عُدْوَانًا قَهْرًا مِنْ غَيْرِ حِرَابَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 قَالَ فَيَبْطُلُ طَرْدُهُ بِأَخْذِ الْمَنَافِعِ كَذَلِكَ كَسُكْنَى رَبْعٍ وَحَرْثِهِ وَلَيْسَ غَصْبًا بَلْ تَعَدِّيًا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَعَقَّبَ بِتَرْكِيبِهِ يَعْنِي أَنَّ فِي حَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ التَّرْكِيبَ فِي الْحَدِّ وَهُوَ مُجْتَنَبٌ عِنْدَ الْقَوْمِ، ثُمَّ فَسَّرَ الشَّيْخُ التَّرْكِيبَ بِأَنَّهُ وَقْفُ مَعْرِفَةِ الْمَحْدُودِ عَلَى مَعْرِفَةٍ حَقِيقَةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ أَعَمَّ مِنْهُ وَلَا أَخَصَّ مِنْ أَعَمِّهِ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي ذِكْرِ الْحِرَابَةِ فِي ذِكْرِ الْغَصْبِ وَتَأَمَّلْ كَلَامَ الْمُقْتَرِحِ فِي التَّرْكِيبِ مَعَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْتَرَضَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّ هَذَا الرَّسْمَ فِيهِ ذِكْرُ سُلُوبٍ وَهِيَ لَا تُمَيَّزُ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَلَامُهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْعَدَمَ الْإِضَافِيَّ يُعِيدُ نَفْيَ مَا كَانَ يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ إفَادَةً ظَاهِرَةً، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا هُوَ جَلِيٌّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِذَلِكَ صَحَّ وُرُودُهُ فِي النُّعُوتِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَالْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] وَالْخَاصَّةُ فِي الْمَاهِيَّاتِ الْجَعْلِيَّةِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ يَصِحُّ كَوْنُهَا عَدَمِيَّةً قَالَ وَلِذَا لَمْ يَتَعَقَّبْ الْأَشْيَاخُ حَدَّ الْقَاضِي الْقِيَاسُ فِي قَوْلِهِ حَمْلُ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا بِجَامِعٍ بَيْنَهُمَا مِنْ إثْبَاتِ حُكْمٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ نَفْيِهِمَا فَاشْتَمَلَ رَسْمُهُ عَلَى قَيْدَيْنِ عَدَمِيَّيْنِ مَعَ كَثْرَةِ إيرَادِ الْأَسْئِلَةِ عَلَيْهِ. [بَابٌ فِي الْمَغْصُوبِ] (غ ص ب) : بَابٌ فِي الْمَغْصُوبِ الَّذِي لَيْسَ لِرَبِّهِ غَيْرُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَغْصُوبُ الْبَاقِي بِحَالِهِ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ فِي سُوقِهِ وَلَمْ يَطُلْ زَمَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ التَّعَدِّي] (ع د و) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ التَّعَدِّي قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التَّعَدِّي قَالَ الْمَازِرِيُّ هُوَ غَيْرُ الْغَصْبِ وَأَحْسَنُ مَا مَيَّزَ بِهِ عَنْهُ أَنَّ التَّعَدِّيَ الِانْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ دُونَ قَصْدِ تَمَلُّكِ الرَّقَبَةِ أَوْ إتْلَافِهِ أَوْ بَعْضِهِ دُونَ قَصْدِ تَمَلُّكِهِ وَبَعْدَ أَنْ قِيدَتْ هَذَا مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ رَأَيْت تَرْجَمَةَ التَّعَدِّي فِي نُسْخَةِ الشَّيْخِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ فِيهِ " التَّصَرُّفُ فِي الشَّيْءِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ دُونَ قَصْدِ تَمَلُّكِهِ " قَوْلُهُ " التَّعَدِّي الِانْتِفَاعُ " صَيَّرَ الْجِنْسَ الِانْتِفَاعَ بِمِلْكِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 الْغَيْرِ وَقَبِلَ الشَّيْخُ مِنْهُ ذَلِكَ وَالْجَارِي عَلَى حَدِّ الْغَصْبِ الَّذِي أَخْرَجَ مِنْهُ التَّعَدِّيَ بِقَوْلِهِ غَيْرِ مَنْفَعَةِ أَنَّ مُخْتَارَ الشَّيْخِ قَوْلُهُ: مَنْفَعَةِ مِلْكِ ظُلْمًا قَهْرًا لَا بِخَوْفِ قِتَالِ لَا لِقَصْدِ تَمَلُّكِ الرَّقَبَةِ، ثُمَّ يُضِيفُ بَاقِي الْحَدِّ وَهَذَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ نَقَلَ عَنْ الْمَازِرِيِّ هَذَا الْكَلَامَ مَا ذَكَرَهُ إلَّا لِلْفَرْقِ بَيْنَ التَّعَدِّي وَالْغَصْبِ وَاعْتَقَدَ أَنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَهُ رَسْمًا لِلتَّعَدِّي فَلِذَا شَرَحْته، ثُمَّ وَقَفْت عَلَى مَا ذَكَرْته عَنْ الشَّيْخِ أَوَّلًا فَإِنْ قِيلَ أَخْذُ مَنْفَعَةِ مِلْكِ الْغَيْرِ هُوَ الِانْتِفَاعُ أَوْ يَسْتَلْزِمُ الِانْتِفَاعُ قُلْنَا بَلْ الْأَخْذُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ قَوْلُهُ " بِمِلْكِ الْغَيْرِ " أَخْرَجَ بِهِ الِانْتِفَاعَ بِمِلْكِهِ قَوْلُهُ " بِغَيْرِ حَقٍّ " أَخْرَجَ بِهِ الْإِجَارَةَ وَالْعَارِيَّةَ وَغَيْرَهُمَا قَوْلُهُ " دُونَ قَصْدِ تَمَلُّكِهِ " أَخْرَجَ بِهِ الْغَصْبَ قَوْلُهُ " أَوْ إتْلَافُهُ " هَذَا قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ التَّعَدِّي وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْمِلْكِ وَهُوَ عُطِفَ عَلَى الِانْتِفَاعِ قَوْلُهُ " أَوْ بَعْضُهُ " لِيَدْخُلَ فِيهِ إهْلَاكُ بَعْضِ الشَّيْءِ وَقَوْلُهُ دُونَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ يَخْرُجُ بِهِ الْغَصْبُ أَيْضًا وَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ الرَّسْمِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ الشَّيْخِ فِي آخِرِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي قَوْلِهِ التَّصَرُّفُ إلَخْ هَلْ يَشْمَلُ جَمِيعَ مَا ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ فِي رَسْمِهِ أَمْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ مَا أَجْمَلَ فِي كَلَامِ الْمَازِرِيِّ فِي قِسْمٍ لِاسْتِهْلَاكٍ فِي مَسَائِلِ التَّعَدِّي فَقَالَ الِانْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ دُونَ حَقٍّ فِيهِ خَطَؤُهُ كَعَمْدِهِ أَوْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا إذْنِ قَاضٍ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ لِفَقْدِهِمَا قَالَ فَيَدْخُلُ تَعَدِّي الْمُقَارِضِ وَسَائِرِ الْأُجَرَاءِ وَالْأَجَانِبِ فَتَأَمَّلْ كَلَامَهُ هَذَا مَعَ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَدْ وَقَفْت عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ رَسْمِهِ لِلتَّعَدِّي بَعْدُ فَهُوَ أَخَصْرُ مِنْ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ وَلِذَا ذَكَرَ مَا رَأَيْته فَقَوْلُهُ التَّصَرُّفُ مُغَايِرٌ لِلِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ كَأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ التَّصَرُّفِ وَلَمْ يَقُلْ كَمَا قَدَّمْنَا أَخَذَ إلَخْ قَوْلُهُ " فِي الشَّيْءِ " يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَالٍ قَوْلُهُ " بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ " أَخْرَجَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَبٌّ كَالطُّرُقَاتِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ وَأَخْرَجَ بِبَاقِي رَسْمِهِ الْغَصْبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ فَإِذَا كَانَ رَبُّهُ صَبِيًّا وَأَذِنَ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ تَعَدِّيًا إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُعْتَبَرُ الْإِذْنُ الشَّرْعِيُّ وَإِذْنُ الْمَحْجُورِ لَيْسَ بِإِذْنٍ. [بَابُ الْفَسَاد الْيَسِير وَالْكَثِير فِي التَّعَدِّي] (ف س د) : بَابُ الْفَسَادِ الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرُ فِي التَّعَدِّي قَالَ الْيَسِيرُ مَا لَمْ يُبْطِلْ الْمَقْصُودَ وَالْكَثِيرُ مَا أَبْطَلَهُ وَلَوْ قَلَّ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي قَدْ أَشْكَلَ عَلَى كَثِيرٍ وَمُعْظَمُ التَّفَارِيقِ فِيهَا إشْكَالٌ وَعَلَيْهَا يَنْبَنِي رَسْمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَخُصُّهُ. (فَإِنْ قُلْت) قَدْ حَقَّقَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْفَرْقَ بَيْنِ التَّعَدِّي وَالْغَصْبِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي خَاصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَنَّهُ فِي التَّعَدِّي الِانْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ دُونَ قَصْدِ تَمَلُّكِ الرَّقَبَةِ وَإِنْ قَصَدَ التَّمَلُّكَ لِلرَّقَبَةِ فَهُوَ غَصْبٌ فَنَقُولُ عَلَى ذَلِكَ قَدْ وَقَعَ لِلْفُقَهَاءِ قَوْلُهُمْ إذَا غَصَبَ السُّكْنَى لِدَارٍ فَانْهَدَمَتْ الدَّارُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الضَّمَانَ فِي قِيمَةِ السُّكْنَى فَقَطْ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ إنَّمَا وَقَعَ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهُمْ سَمَّوْا ذَلِكَ غَصْبًا وَهُوَ فِي الْمَنْفَعَةِ (قُلْت) سَمُّوهُ غَصْبًا لُغَوِيًّا لَا شَرْعِيًّا وَكَثِيرًا مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِثْلُ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ النَّقْلَ فِي ضَمَانِ الدَّارِ اخْتَلَفَ عَلَى نَقْلِ ابْنِ شَاسٍ عَنْ الْمَذْهَبِ وَانْظُرْ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْبَحْثِ وَتَحْقِيقِ النَّقْلِ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ مُنَاقَضَةِ مَسْأَلَةِ الدَّارِ بِمَنْ تَعَدَّى عَلَى الدَّابَّةِ فِي الْكِرَاءِ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ لِلرَّقَبَةِ وَانْظُرْ كَلَامَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي بَابِ التَّعَدِّي، وَقَدْ بَحَثَ مَعَ شَيْخِهِ وَمَعَ ابْنِ الْحَاجِبِ رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ بِمَنِّهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. [كِتَابُ الِاسْتِحْقَاقِ] (ح ق ق) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ تَرَاجِمِ كُتُبِهَا الِاسْتِحْقَاقُ، ثُمَّ عَرَّفَهُ بِقَوْلِهِ " رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ بِثُبُوتِ مِلْكٍ قَبْلَهُ أَوْ حُرِّيَّةٍ كَذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ " الِاسْتِحْقَاقُ فِي اللُّغَةِ مَعْلُومٌ وَهُوَ إضَافَةُ الشَّيْءِ لِمَنْ يَصْلُحُ بِهِ وَلَهُ فِيهِ حَقٌّ وَفِي عُرْفِ الشَّرْعِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ بِثُبُوتِ مِلْكٍ قَبْلَهُ أَوْ حُرِّيَّةٍ كَذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَعَبَّرَ بِالرَّفْعِ وَهُوَ الْإِزَالَةُ كَمَا قِيلَ فِي النُّسَخِ رَفْعُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُنَا رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ وَالْمِلْكُ الْمَذْكُورُ عَرَّفَهُ الشَّيْخُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ اسْتِحْقَاقُ التَّصَرُّفِ فِي الشَّيْءِ بِكُلِّ أَمْرٍ جَائِزٍ فِعْلًا أَوْ حُكْمًا إلَى آخِرِ حَدِّهِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَعْسُرُ حَدُّهُ. (فَإِنْ قُلْت) فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَيُقَالُ فِي هَذَا الْحَدِّ التَّرْكِيبُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ قَبْلُ فِي حَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي حَدِّ الْغَصْبِ وَلَا يُجَابُ بِمَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُهُمْ عَنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 بِأَنَّهُ قَدْ عَرَّفَ الْحِرَابَةَ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا هَذَا لَا يَنْفَعُ إلَّا لَوْ وَقَعَ التَّعْرِيفُ فِيهِ قَبْلُ فَكَذَا يُقَالُ هُنَا (قُلْت) وَلَعَلَّ الْجَوَابَ عَنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ خَاصَّةً التَّرْكِيبُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَبَحْثٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ بِثُبُوتِ مِلْكِ رَفْعِ الْمِلْكِ بِالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ قَوْلُهُ " قَبْلَهُ " أَخْرَجَ بِهِ رَفْعَ الْمِلْكِ بِمِلْكٍ بَعْدَهُ قَوْلُهُ " أَوْ حُرِّيَّةٍ كَذَلِكَ " يَعْنِي بِثُبُوتِ حُرِّيَّةٍ قَبْلَهُ وَأَشَارَ بِهِ إلَى دُخُولِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْحُرِّيَّةِ قَوْلُهُ " بِغَيْرِ عِوَضٍ " أَخْرَجَ بِهِ مَا وُجِدَ فِي الْمَغَانِمِ بَعْدَ بَيْعِهِ أَوْ أَهَلَّ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِالثَّمَنِ فَلَوْلَا زِيَادَةُ هَذَا الْقَيْدِ لَكَانَ الْحَدُّ غَيْرَ مُطَّرِدٍ، ثُمَّ قَالَ فَيَخْرُجُ الْعِتْقُ يَعْنِي بَتَّ الْعِتْقَ لِأَنَّهُ رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ لَكِنْ لَا بِثُبُوتِ مِلْكٍ قَبْلَهُ فَخَرَجَ بِذَلِكَ كَمَا أَخْرَجْنَا مَا شَابَهَهُ وَانْظُرْ حَدَّ الْعِتْقِ مَعَ مَا هُنَا فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ رَفْعُ مِلْكٍ حَقِيقِيٍّ لَا بِشَيْءٍ مُحَرَّمٍ عَنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ يُفْهَمُ بِهِ دُخُولُ الْعِتْقِ. (فَإِنْ قُلْت) رَسْمُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رُبَّمَا يُقَالُ فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ إذَا اُسْتُحِقَّ مِلْكٌ بِحَبْسٍ كَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا، ثُمَّ أَثْبَتَ الْحَبْسَ كَمَا يَجِبُ فَإِنَّ الْمِلْكَ يُرْفَعُ بِالْحَبْسِ كَمَا قُلْتُمْ فِي الْعِتْقِ فَكَمَا أَدْخَلَ الْعِتْقَ حَقُّهُ أَنْ يُدْخِلَ الْحَبْسَ (قُلْت) يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ الْحَبْسَ إذَا ثَبَتَ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهِ إمَّا لِلْمُحْبِسِ أَوْ لِلْمُحْبَسِ عَلَيْهِ وَتَأَمَّلْ إذَا اسْتَحَقَّ حُرٌّ بِمِلْكٍ كَيْفَ تَدْخُلُ هَذِهِ الصُّورَةُ فِي كَلَامِهِ قَالَ وَمُطْلَقُ رَفْعِ مِلْكٍ بِمِلْكٍ بَعْدُ يَعْنِي أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ بِقَوْلِهِ فَإِذَا ثَبَتَ بَعْدَهُ بَيْعٌ أَوْ هِبَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ مَا يُنْقَلُ مِلْكًا فَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهِ. (فَإِنْ قُلْت) قَوْلُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ بِالِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ مِلْكُ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ قَائِلٌ فِي مَذْهَبِنَا بَلْ إذَا قَامَ قَائِمٌ عَلَى حَائِزٍ وَثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْقَائِمِ سُئِلَ الْحَائِزُ بِأَيِّ وَجْهٍ حَازَهُ فَإِنْ عَجَزَ وَسَلِمَ الطَّعْنُ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ حَكَمَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِرَفْعِ يَدِهِ بِالْمِلْكِ لِلْقَائِمِ فَحَقُّ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَقُولَ رَفْعُ حَوْزِ شَيْءٍ لَا رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ (قُلْت) لَعَلَّ الْحَائِزَ اسْتَنَدَ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ لِشِرَاءٍ أَوْ مَا يَشْهَدُ لِمِلْكِهِ (قُلْت) وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ فَعُقُودُ الْأَشْرِيَةِ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ مَذْهَبِنَا (فَإِنْ قُلْت) قَدْ أَقَامَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إفَادَةَ الْمِلْكِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ بِالِاشْتِرَاءِ مِنْ مَسَائِلَ ثَلَاثٍ وَلَعَلَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى ذَلِكَ (قُلْت) فِيهَا بَحْثٌ وَالْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ أَشَارَ إلَيْهَا فِي الْأَقْضِيَةِ وَفِيهَا بَحْثٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 فَرَاجِعْهُ. (فَإِنْ قُلْت) وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيمَنْ شَهِدَ بِمَوْتِهِ وَبِيعَتْ تَرِكَتُهُ، ثُمَّ قَدِمَ حَيًّا فَإِنْ ذَكَرَ الشُّهُودَ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا بِيعَ بِالثَّمَنِ فَيُقَالُ هَذِهِ صُورَةٌ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِيهَا الْعِوَضُ وَحْدُ الِاسْتِحْقَاقِ يَصْدُقُ فِيهَا فَفِيهِ عَدَمُ عَكْسٍ بِزِيَادَةٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ حُوفِظَ فِيهَا عَلَى الطَّرْدِ فَأُخِلَّ بِالْعَكْسِ (قُلْت) هَذَا السُّؤَالُ كَانَ يَظْهَرُ لِي عَلَيْهِ، ثُمَّ تَأَمَّلْت كَلَامَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنِيَّتِهِ الصَّالِحَةِ فَوَجَدْته لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ لِأَنَّهُمْ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا مَا أَطْلَقُوا عَلَى صُورَةِ النَّقْضِ اسْتِحْقَاقًا وَلَا يَتِمُّ النَّقْضُ إلَّا بِهِ، غَايَتُهُ أَنَّهُمْ ذَكَرُوهَا فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَكَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ فِيهَا لَا تَنْطَبِقُ عَلَى تَرْجَمَتِهَا وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ أَيْضًا أَنَّهُمْ لَمَّا وَجَّهُوا مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ فِي كَوْنِهِ يَأْخُذُ عَيْنَ شَيْئِهِ بِالثَّمَنِ قَالُوا: لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ أَصْلِهِ مَا وَقَعَ فِي الْمَغَانِمِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخُ ذَلِكَ بِالْقَيْدِ وَالْفَرْعُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ هَذَا الَّذِي ظَهَرَ لِي بِنِيَّتِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَوَقَفْت لِبَعْضِ تَلَامِذَتِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْرَدَ عَلَى الشَّيْخِ فِي حَيَاتِهِ عَلَى رَسْمِهِ الزَّوْجَةَ الْمَنْعِيَّ لَهَا زَوْجُهَا إذَا تَزَوَّجَتْ وَقَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ وَلَوْ وَلَدَتْ فَيَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنَّهُ رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ إلَخْ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ مَلَكَ الْعِصْمَةَ فَيَكُونُ الْحَدُّ غَيْرَ مَانِعٍ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِجَوَابَيْنِ الْأَوَّلُ كَوْنُ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ وَظَاهِرُ هَذَا النَّقْلِ أَنَّ الشَّيْخَ سَلَّمَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُطْلِقُوا عَلَيْهَا ذَلِكَ عُرْفًا وَالْحَدُّ لِلْعُرْفِيِّ لَا لِلُّغَوِيِّ الثَّانِي أَنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ بِأَنَّ هَذِهِ الْحُدُودَ وَالرُّسُومَ يَجِبُ أَنْ تَجْرِيَ عَلَى الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ لَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ السَّلْبِ وَالْعُدُولِ وَالسَّلْبُ هُنَا الَّذِي هُوَ بِغَيْرِ عِوَضٍ الْمُرَادُ مِنْهُ الْعُدُولُ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْقَابِلِيَّةِ لِلْعِوَضِ وَقَضِيَّةُ الْمَنْعِيِّ لَهَا زَوْجُهَا لَا تَقْبَلُ ذَلِكَ بِوَجْهٍ قَالَ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا. (فَإِنْ قُلْت) يَرُدُّ عَلَى الْحَدِّ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ إذَا وَقَعَ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ يَدِ غَاصِبٍ، ثُمَّ وَقَعَ الْحُكْمُ بِالرَّفْعِ الْمَذْكُورِ فَكَيْفَ يَصْدُقُ فِيهِ رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ وَالشَّيْءُ إنَّمَا هُوَ غَصْبٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ وَلِذَا إذَا أَخَذَ وَرَفَعَ يَدَهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْغَلَّةِ (قُلْت) لَا بُدَّ مِنْ مُسَامَحَةٍ فِي لَفْظِ الْمِلْكِ إذَا تَأَمَّلْت ذَلِكَ. (فَإِنْ قُلْت) قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِلْكِ شَيْءٍ قِيلَ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّيْءَ عَرَضٌ عَامٌّ فَلَوْ أَتَى الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَقْرَبِ جِنْسٍ لَهُ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَصْوَبَ فَيَقُولُ رَفْعُ مِلْكِ مَالٍ (قُلْت) لَوْ قَالَ ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 لَكَانَ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَأَيْت عَنْ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ أَنَّهُ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا الرَّسْمِ إذَا جَعَلَ زَوْجٌ لِزَوْجَتِهِ أَمْرَ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهَا وَمَلَّكَهَا ذَلِكَ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَطَلُقَتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ إنْ مَلَّكَهَا قَدْ رَفَعَتْهُ بِمَا مَلَكَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ قَبْلَ تَزْوِيجِهِ وَلَمَّا ذَكَرْت هَذَا بِالْمَجْلِسِ تَرَدَّدَ فِيهِ الطَّلَبَةُ لِلنُّبَلَاءِ عِنْدِي فِي صِحَّةِ وُرُودِهِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ نَمْنَعُ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَلَكَتْ أَمْرًا ثَبَتَ لَهَا مِلْكٌ فِيهِ بَلْ أَثْبَتَتْ إمَّا وَكَالَةً مِنْ الزَّوْجِ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَوْ أَثْبَتَتْ مَا يُوجِبُ الطَّلَاقَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يُورِدُ عَلَى الْحَدِّ بِوَجْهٍ، وَقَدْ رَأَيْت تَقْيِيدًا عَنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ تَصَوَّرَ ثُبُوتَ الِاسْتِحْقَاقِ بِدُونِ شَهَادَةٍ بِالْغَصْبِ مُشْكِلٌ قَالَ: لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تَشْهَدُ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِ مَالِكِهِ بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمَعْلُومَةِ قَالَ، ثُمَّ إنَّ وُجُودَ الْمُسْتَحَقِّ بِيَدِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ مَعَ الشَّهَادَةِ لِلْمُسْتَحِقِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا غَصَبَهُ فَيَلْزَمُ فِي الْمُسْتَحَقِّ مِنْ يَدِهِ مَا يَلْزَمُ الْغَاصِبُ مِنْ رَدِّ الْغَلَّةِ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ تَعَارَضَ الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ الْغَالِبُ أَنْ لَا يَحُوزَ الْإِنْسَانُ شَيْئًا إلَّا بِأَحَدِ الْوُجُوهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ خُرُوجِ الْمِلْكِ عَنْهُ فَرُوعِيَ الْغَالِبُ وَتُرِكَ الْأَصْلُ لِلْمَصْلَحَةِ فَتَأَمَّلْ هَذَا كَذَا وَجَدْته عِنْدِي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَنْفَعُنَا بِهِ وَبِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ. [كِتَاب الشُّفْعَةِ] (ش ف ع) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الشُّفْعَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الشُّفْعَةُ اسْتِحْقَاقُ شَرِيكٍ أَخَذَ مَبِيعَ شَرِيكِهِ بِثَمَنِهِ " الشُّفْعَةُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ الشَّفْعِ كَذَا قِيلَ؛ لِأَنَّ فِيهَا أَخْذًا وَضَمًّا لِحِصَّةٍ أُخْرَى شَفَعَتْهُ، وَأَمَّا فِي عُرْفِ الشَّرْعِ فَهُوَ أَخَصُّ وَوُضِعَتْ لَمَّا وَقَعَ الْحَدُّ لَهُ فَقَوْلُ الشَّيْخِ اسْتِحْقَاقٌ صَيَّرَهُ جِنْسًا لِلشُّفْعَةِ وَالِاسْتِحْقَاقُ الْمَعْهُودُ وَهُوَ رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ وَلَا يَصِحُّ هُنَا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْأَخْذِ بَلْ الْمُرَادُ بِالِاسْتِحْقَاقِ اللُّغَوِيُّ أَيْ طَلَبُ الشَّرِيكِ بِحَقِّ أَخْذِ مَبِيعِ شَرِيكِهِ وَطَلَبُهُ أَعَمُّ مِنْ أَخْذِهِ فَمَاهِيَّةُ الشُّفْعَةِ إنَّمَا هِيَ طَلَبُ الشَّرِيكِ بِحَقِّ أَخْذِ مَبِيعِ شَرِيكِهِ وَهِيَ مَعْرُوضَةٌ لِلْأَخْذِ وَعَدَمِهِ وَلِذَا عَبَّرَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لِمَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 لَا الْمَاهِيَّةُ قَابِلَةٌ لِلْأَخْذِ هُنَا وَالتَّرْكِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي الشَّرِيكِ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ حَالَةً يَثْبُتُ لَهُ بِهَا حَقٌّ فِي الشُّفْعَةِ كَمَا تَقُولُ فُلَانٌ يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ لِلْعَدَالَةِ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ حَالَةً تُوجِبُ لَهُ الِاخْتِصَاصَ بِذَلِكَ بِسَبَبِ بَيْعِ شَرِيكِهِ فَالْأَوَّلُ يَرْجِعُ إلَى طَلَبِ فِعْلٍ وَالثَّانِي لِنِسْبَةٍ فَإِذَا بَاعَ شَرِيكٌ حِصَّةً مِنْ دَارٍ فَلِشَرِيكِهِ الشُّفْعَةُ فَهَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ لَلشَّرِيك طَلَبَ أَخْذِ الْمَبِيعِ بِسَبَبِ الْبَيْعِ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّرِيكَ لَهُ حَالَةٌ اسْتَحَقَّ بِهَا الطَّلَبَ أَوْ الْأَخْذَ بِسَبَبِ الْبَيْعِ ذَلِكَ مِمَّا يُقَوِّي مَعْنَى الِاسْتِحْقَاقِ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالظَّاهِرُ هُوَ الصَّوَابُ. الثَّانِي وَطَلَبُ الشُّفْعَةِ يَبْعُدُ هُنَا وَسَنَزِيدُ ذَلِكَ بَيَانًا بَعْدُ، وَقَوْلُهُ " شَرِيكٍ " وَخَرَجَ بِهِ غَيْرُ الشَّرِيكِ وَقَوْلُهُ " مَبِيعِ شَرِيكِهِ " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ مَبِيعِ شَرِيكِهِ قَوْلُهُ " بِثَمَنِهِ " أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا اسْتَحَقَّهُ بِمِلْكٍ مَلَكَهُ بِهِ وَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشُفْعَةٍ أَوْ اسْتَحَقَّهُ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ إذَا بَاعَهُ لَهُ فَإِذَا فَهِمْت مَا ذَكَرْنَاهُ عَلِمْت مَا يَبْطُلُ بِهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فِي مَجْلِسِهِ: إنَّ الشَّيْخَ إنَّمَا عَرَّفَ بِالِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهُ مَالَ إلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: الشُّفْعَةُ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا مِنْ بَابِ الْبَيْعِ. وَهَذَا كَلَامٌ لَا صِحَّةَ لَهُ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِحْقَاقِ مَا بَيَّنَّا بِهِ كَلَامَهُ بِالْوَجْهَيْنِ وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلْمَذْهَبَيْنِ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: هَلْ تُعْطَى حُكْمَ الِاسْتِحْقَاقِ إذَا وَقَعَ أَخْذُ الشِّقْصِ أَمْ لَا وَلِذَا بَنَوْا عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلَ مِنْهَا إذَا اكْتَرَى الْمُشْتَرِي مُدَّةً، ثُمَّ وَقَعَ الِاسْتِحْقَاقُ هَلْ يَقَعُ الْفَسْخُ أَمْ لَا وَقَدَّمْنَا التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلُ. وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ الشُّفْعَةَ فِي الدَّيْنِ وَلَا يَصِحُّ إيرَادُهَا بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْمُورِدَ أَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ فِي الدَّيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا صُورَتُهَا اسْتِحْقَاقُ الْمَدِينِ أَخْذَ الدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ بِالْعِوَضِ الَّذِي بِيعَ بِهِ وَهَذِهِ الشُّفْعَةُ لَيْسَ فِيهَا شَرِكَةٌ فِي شِقْصٍ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي الدَّيْنِ» وَيَرُدُّ هَذَا الْكَلَامَ بِأَنَّ الشُّفْعَةَ حَيْثُ قِيلَ بِهَا إنَّمَا ذَلِكَ قَوْلٌ شَاذٌّ فِي الْمَذْهَبِ وَإِنْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ قَالُوا وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا الشُّفْعَةَ مَجَازًا بِمَعْنَى رَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمَدِينِ الشَّبِيهِ بِالشُّفْعَةِ. قَالُوا إنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَصِحَّ وَذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَسْمَ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ أَخَذَ الشَّرِيكُ حِصَّةً جَبْرًا شِرَاءٌ وَاعْتَرَضَهُ بِمَا سَيَأْتِي وَنَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ نَقَضَ طَرْدَهُ بِأَخْذِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لَا يَنْقَسِمُ بِمَا يَقِفُ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنٍ إنْ دَعَا لِبَيْعِهِ أَحَدُهُمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 الْمَأْخُوذَ كُلُّ الْمُشْتَرَكِ لَا حَظُّ الشَّرِيكِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُ ابْنُ الْحَاجِبِ جَبْرًا يَمْنَعُ دُخُولَ مَا ذَكَرَ لِأَنَّ قُدْرَةَ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الزِّيَادَةِ تَمْنَعُ كَوْنَ أَخْذِهِ جَبْرًا، ثُمَّ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا الرَّدَّ عَلَى الشَّيْخِ ابْنِ هَارُونَ فِي رَدِّهِ بِأَنَّ حَدَّ ابْنِ الْحَاجِبِ غَيْرُ مَانِعٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الشُّفْعَةِ فِي الْعُرُوضِ وَلَا شُفْعَةَ فِيهَا، قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا لَا يَخْفَى سُقُوطُهُ لِذِي فَهْمٍ (قُلْت) وَبَيَانُ أَنَّهُ سَاقِطٌ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ جَبْرًا وَالْجَبْرُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ حَاكِمٍ فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ يَقُولُ بِالشُّفْعَةِ فِي الْعُرُوضِ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فَلَا جَبْرَ لَهُ، ثُمَّ إنَّ الرَّسْمَ إنَّمَا هُوَ لِلْمَاهِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا مَا يَمْنَعُهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يُقَرِّرُهُ كَذَلِكَ وَرَأَيْت لِبَعْضِ فُقَهَاءِ شُيُوخِ الْعَصْرِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَيْضًا هُنَا كَلَامًا بَحَثَ فِيهِ مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ قَالَ وَجْهُ قَوْلِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ وَلَا يَخْفَى سُقُوطُهُ لِذِي فَهْمٍ فِي رَدِّهِ عَلَى الشَّيْخِ ابْنِ هَارُونَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَحْدُودَ هُوَ الْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ، وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِرَاضُ بِالْعُرُوضِ فِي عَدَمِ طَرْدِ الْحَدِّ. قَالَ الشَّيْخُ الْمَذْكُورُ وَمَا قَالَهُ الصَّاحِبُ الْمَذْكُورُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ حَمْلَ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى ذَلِكَ يُخِلُّ بِالْعَكْسِ فِي الْحَدِّ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لِلْجَارِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِهَا هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ بِاخْتِصَارٍ. (فَإِنْ قُلْت) مَا نَقَلَهُ عَنْ الصَّاحِبِ الْمَذْكُورِ لَا بُعْدَ فِي قَصْدِهِ مِنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَيَانِ سُقُوطِ مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا هُوَ لِلْحَقِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ مَذْهَبٍ وَلَا صِحَّةٍ وَلَا فَسَادٍ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ هُنَا (قُلْت) هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَمَا أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ الْمَذْكُورُ مِنْ عَدَمِ الْعَكْسِ فَلَنَا أَنْ نَقُولَ: نَلْتَزِمُ ذَلِكَ وَنَلْتَزِمُ أَنْ يُزَادَ فِي الرَّسْمِ بَعْدَ شَرِيكٍ أَوْ جَارٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ رُبَّمَا رَاعَى رَسْمًا عَلَى الْمَشْهُورِ وَكَذَا الشَّيْخُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَمُحَقِّقُو الشُّيُوخِ رَأَوْا أَنَّ الرَّسْمَ أَوْ الْحَدَّ إنَّمَا هُوَ لِلْمَاهِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، وَقَدْ نَقْلنَا كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مَوَاضِعَ وَاخْتَارَ ذَلِكَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ كَذَلِكَ وَاعْتَرَضَ فِي الشَّهَادَةِ بِمَا يَجْرِي عَلَى مُرَاعَاةِ ذَلِكَ لَكِنْ إنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْخِلَافِ الْمَذْهَبِيِّ، وَأَمَّا مُطْلَقُ خِلَافٍ فَلَا وَهُوَ الصَّوَابُ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ الْفَقِيهَ الْمَذْكُورَ قَالَ: التَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ فِي بَيَانِ السُّقُوطِ أَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ مَعْنَى كَوْنِ الْحَدِّ غَيْرَ مَانِعٍ أَنْ يَصْدُقَ الْحَدُّ فِي فَرْدٍ مِنْ الْأَفْرَادِ خَارِجًا عَنْ مَاهِيَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 الْمَحْدُودِ فَيُوجِبُ الْحَدُّ إدْخَالَ شَيْءٍ فِي الْمَاهِيَّةِ مِمَّا لَيْسَ مِنْهَا وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الْحَدِّ الَّذِي هُوَ أَخْذُ الشَّرِيكِ إلَخْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْعُرُوضِ عَلَى مَذْهَبِنَا وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ فَكَيْفَ يَدَّعِي وُجُودَ صَادِقِيَّةِ الْحَدِّ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَنَقُولُ: أَمَّا تَفْسِيرُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ مَعْنَى كَوْنِ الْحَدِّ غَيْرَ مَانِعٍ فَصَحِيحٌ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا غَيْرُ مُطَّرِدٍ فِي اصْطِلَاحٍ، وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ فِي صُورَتِهِ فَيُقَالُ عَلَيْهِ لَمْ يُوجَدْ فِي صُورَتِنَا عَلَى مَا بُنِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَدَّ لِلْحَقِيقَةِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى كُلِّ مَذْهَبٍ كَانَ، ثُمَّ قَوْلُهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْعُرُوضِ عَلَى الْمَذْهَبِ هَذَا عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ مَارِثٍ، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُهُ الْخِلَافَ فِي الشُّفْعَةِ فِي الْعُرُوضِ وَالتَّعْرِيفِ لِلْمَشْهُورِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ إذَا بَاعَ شَرِيكٌ حَائِطًا وَفِيهِ عُرُوضٌ وَحَيَوَانٌ أَنَّ الشُّفْعَةَ فِي ذَلِكَ وَفِي الْعُرُوضِ، ثُمَّ قَالَ إنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخِ ابْنِ عَرَفَةَ إنَّمَا حُدُودُهُمَا قَاصِرَةٌ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهَذَا صَوَابٌ كَمَا قَدَّمْنَا وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّرْدِيدُ فِي مُرَاعَاةِ الْحَدِّ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ عَلَى قَوْلٍ مَذْهَبِيٍّ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ الْفَقِيهَ الْمَذْكُورَ اعْتَرَضَ عَلَى حَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَدَمِ مَنْعِهِ بِصُورَتَيْنِ. (الْأُولَى) مَسْأَلَةُ التَّيَمُّمِ إذَا كَانَ الْمَاءُ شَرِكَةً بَيْنَ حَيٍّ وَمَيِّتٍ وَلَا يَكْفِي إلَّا أَحَدُهُمَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْحَيُّ أَوْلَى بِالْقِيمَةِ وَقِيلَ الْمَيِّتُ أَوْلَى. (الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَ عَرَضٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ، ثُمَّ أَقَالَهُ بِشَرْطِ أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ فَإِنَّ الشَّرِيكَ يَأْخُذُهُ لِشَرْطِهِ وَهِيَ فِي السَّمَاعِ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ ابْنَ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَدَّ حَدَّ ابْنِ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ حَدُّ ابْنِ الْحَاجِبِ أَخْذَهَا لَا مَاهِيَّتَهَا؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مَعْرُوضَةٌ لِلْأَخْذِ وَنَقِيضِهِ وَهُوَ تَرْكُهَا، وَالْمَعْرُوضُ لِشَيْئَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ لَيْسَ عَيْنَ أَحَدِهِمَا وَإِلَّا اجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ وَتَقْرِيرُهُ جَلِيٌّ وَبَيَانُ تَقْرِيرِهِ فِيمَا كَانَ يَمْضِي لَنَا أَنْ نَقُولَ قَصْدُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْأَخْذَ غَيْرُ الشُّفْعَةِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ الرَّدَّ الْمَذْكُورَ فَالدَّعْوَى أَنَّ الْأَخْذَ غَيْرُ الشُّفْعَةِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقِيَاسٍ اسْتَثْنَى فِيهِ نَقِيضَ التَّالِي وَبَيَّنْت فِيهِ الْمُلَازَمَةَ بِقِيَاسِ حَمْلَيْ الصُّغْرَى بِالْفَرْضِ وَالْكُبْرَى بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْقِيَاسِ أَيْضًا فَيُقَالُ: الْأَخْذُ لَوْ كَانَ عَيْنَ الشُّفْعَةِ؛ لَصَحَّ اجْتِمَاعُ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَعَدَمُ الْأَخْذِ وَذَلِكَ مُحَالٌ قَطْعًا؛ لِامْتِنَاعِ التَّنَاقُضِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَالْقِدَمُ كَذَلِكَ فَصَحَّتْ النَّتِيجَةُ وَهِيَ الدَّعْوَى. (بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ) أَنَّا فَرَضْنَا أَنَّ الشُّفْعَةَ مَعْرُوضَةٌ أَيْ مَحَلًّا لِلْأَخْذِ وَنَقْضِهِ وَهُوَ تَرْكُهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 فَالصُّغْرَى مُسْلِمَةٌ بِالْفَرْضِ وَمَا كَانَ مَعْرُوضًا لِشَيْئَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ لَيْسَ عَيْنَ أَحَدِهِمَا قَطْعًا وَإِلَّا لَاجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ لِفَرْضِ أَنَّ الْمَعْرُوضَ هُوَ عَيْنُ أَحَدِ الْمُتَنَافِيَيْنِ مَعَ قَبُولِهِ لِلِاتِّصَافِ بِالْعَارِضِ الْآخَرِ فَالْجَوْهَرُ الْمَعْرُوضُ لِلْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ يَسْتَحِيلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَيْنَ أَحَدِ الْمُتَنَافِيَيْنِ وَإِلَّا لَزِمَ عَيْنُ اجْتِمَاعِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَطْلَقَ هُنَا الْمُتَنَاقِضَيْنِ عَلَى مَا يَعُمُّ النَّقِيضَيْنِ أَوْ مَا يَسْتَلْزِمُ النَّقِيضَيْنِ كَالْمُتَضَادِّينَ اللَّذَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ وَتَنَافِيهِمَا لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى مَا يَسْتَلْزِمُ النَّقِيضَيْنِ؛ لِأَنَّ تَضَادَّهُمَا لَيْسَ بِالذَّاتِ عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ عِنْدَهُمْ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ عَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ بِقَوْلِهِ: النَّقِيضُ أَوْ مَا يَسْتَلْزِمُ مَعْنَاهُ وَلَوْ قَالَ كَذَلِكَ هُنَا؛ لَكَانَ حَسَنًا وَلَمَا كَانَ كَلَامُهُ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ الْإِجْمَالِ أَوْ الِاحْتِمَالِ. اعْتَرَضَ عَلَيْهِ تِلْمِيذُهُ الشَّيْخُ الْوَانُّوغِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَهُ وَالْمَعْرُوضُ لِشَيْئَيْنِ إلَخْ الْبَحْثُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: (الْأَوَّلُ مِنْهُمَا) فِي صِحَّةِ جَعْلِ التَّرْكِ نَقِيضًا لِلْأَخْذِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ نَقِيضَ الْأَخْذِ لَا أَخْذَ وَلَا أَخْذَ أَعَمُّ مِنْ التَّرْكِ وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَ ذَوِي الْأَفْهَامِ السَّلِيمَةِ (قُلْت) ذَوُو الْأَفْهَامِ السَّلِيمَةِ لَا يُسَلِّمُونَ لَهُ هَذَا الْبَحْثَ الْمَذْكُورَ مَعَ شَيْخِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِذَا قَالَ الْمُكْمِلُ عَلَى التَّكْمِلَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ نَقْلِهِ لَهُ وَفِي النَّظَرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ لَهُ مَفْهُومَانِ أَحَدُهُمَا أَخَصُّ وَهُوَ تَصْرِيحُهُ بِالْإِسْقَاطِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نُسَلِّمُ أَنَّهُ أَخَصُّ مِنْ لَا أَخْذَ وَأَنَّ لَا أَخْذَ أَعَمُّ مِنْهُ، وَالْمَعْنَى الْآخَرُ فِي مَعْنَى التَّرْكِ عَدَمُ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ صَرَّحَ أَوْ سَكَتَ حَتَّى مَضَى مَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْقِيَامِ قَالَ وَهَذَا مُرَادُ الشَّيْخِ بِقَوْلِهِ نَقِيضُ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ مُسَاوٍ لِلنَّقِيضِ الَّذِي هُوَ لَا أَخْذَ (قُلْت) فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: إنَّ تَرْكَ الْأَخْذِ بِهَا الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ إسْقَاطِهَا، وَالسُّكُوتُ عَنْهُ مُسَاوٍ لِنَقِيضِ الْأَخْذِ فَصَحَّ إطْلَاقُ النَّقِيضِ عَلَيْهِ مِنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا صَوَابٌ وَهُوَ يَرْجِعُ لِمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ إطْلَاقِ النَّقِيضِ عَلَى مَا يَعُمُّ النَّقِيضَ حَقِيقَةً أَوْ مَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ كَالضِّدَّيْنِ الْمُسَاوِيَيْنِ لِلنَّقِيضِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَهُ قَبْلَ وُقُوفِي عَلَيْهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ نَقِيضَ الْأَخْذِ يَصْدُقُ عَلَى تَرْكِ الْأَخْذِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنَافٍ لِلْأَخْذِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ مُسَاوٍ لِنَقِيضِ الْأَخْذِ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنَافٍ لِلْأَخْذِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَا يُنَافِي الْأَخْذَ الْمَذْكُورَ بَلْ السُّكُوتُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ وَقَعَ الْبَحْثُ بِهِ مِنْ بَعْضِ الْحَاضِرِينَ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ الْأَخْذُ الْفِعْلِيُّ وَذَلِكَ مُنَافٍ لِلسُّكُوتِ وَقَسِيمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الْبَحْثِ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّكْمِلَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا أَلْزَمَهُ مِنْ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْمَعْرُوضَ لِشَيْئَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ لَوْ كَانَ عَيْنَ أَحَدِهِمَا لَزِمَ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ غَيْرُ وَاضِحٍ قَالَ بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَعْرُوضُ لِشَيْئَيْنِ بِقَيْدِ الْمَعِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِ وَإِنَّمَا اللَّازِمُ عَلَى مَا قَالَ كَوْنُ الْمَعْرُوضِ أَعَمَّ غَيْرُ أَعَمَّ؛ لِأَنَّ عَيْنَ أَحَدِهِمَا لَا يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يَحْتَمِلُهُ وَالْمَعْرُوضُ مُسَاوٍ لَهُ فَيَلْزَمُ عَدَمُ تَنَاوُلِهِ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ فَرَضْنَاهُ أَعَمَّ. هَذَا خُلْفٌ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّصْدِيقَ أَعَمُّ مِنْ عَارِضِيَّةِ اللَّذَيْنِ هُمَا السَّلْبُ وَالْإِيجَابُ وَاللَّوْنُ أَعَمُّ مِنْ الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ وَإِنَّمَا اللَّازِمُ مَا قُلْنَاهُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ بِقَيْدِ الِاجْتِمَاعِ قَالَ فَتَأَمَّلْهُ بِالْإِنْصَافِ لَا بِالْمَيْلِ وَالِاعْتِسَافِ، ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا جَرَى فِي كَلَامِنَا الْبَيَاضُ وَالسَّوَادُ؛ لِأَنَّ قَصْدَنَا مِثَالٌ نُمَهِّدُ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّصْدِيقِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ ثَبَتَ فِي النَّقِيضَيْنِ هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّكْمِلَةِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ قَصَدَ الْقَدْحَ فِي الْمُلَازَمَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَيَانُهَا وَأَنَّ الْمُلَازَمَةَ لَا يَصْدُقُ مَعْنَاهَا كُلِّيًّا عَامًّا وَإِنَّمَا تَصْدُقُ جُزْئِيَّةً فَالْقَصْدُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِهِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ وَالْمَعِيَّةُ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ بَلْ الْعَارِضَانِ لِلْمَعْرُوضِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ. (قُلْت) وَهُوَ كَلَامٌ لَمْ يَظْهَرْ بِوَجْهٍ وَلِذَا صَاحِبُ تَكْمِلَةِ التَّكْمِلَةِ لَمَّا ذَكَرَهُ قَالَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقْيِيدِ لَا عَلَى الْمَعِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ كَلَامُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَوَابٌ وَقَرَّرَهُ بِمَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَعْرُوضَ إذَا فَرَضْنَاهُ عَيَّنَ أَحَدَ الْعَارِضَيْنِ، فَأَمَّا أَنْ يُمْكِنَ عُرُوضُ الْعَارِضِ الْآخَرِ أَمْ لَا فَإِنْ أَمْكَنَ عُرُوضُهُ لَهُ، وَقَدْ فَرَضْنَاهُ مُنَافِيًا لِلْعَارِضِ الْآخَرِ فَقَدْ اجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ عُرُوضُهُ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ عَوَارِضِهِ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ مِنْ عَوَارِضِهِ هَذَا خُلْفٌ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الْوَانُّوغِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ التَّصْدِيقِ عَيْنَ الْإِيجَابِ تَنَاقُضًا إلَخْ فَكَلَامٌ ضَعِيفٌ لَا يَخْفَى ضَعْفُهُ عَلَى مَنْ لَهُ مُشَارَكَةٌ فِي الْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ وَهَذَا الرَّدُّ ظَاهِرٌ كَمَا ذَكَرَ الرَّادُّ (فَإِنْ قُلْت) عَلَى تَسْلِيمِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّكْمِلَةِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يَتَقَرَّرُ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ أَعَمَّ غَيْرَ أَعَمَّ يَتِمُّ مُرَادُ الشَّيْخِ مِنْ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ؛ لِأَنَّ أَعَمَّ نَقِيضُهُ لَا أَعَمَّ، فَقَدْ اجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ إذَا كَانَ الْمَعْرُوضُ الْأَعَمُّ عَيْنَ أَحَدِ الْمُتَضَادَّيْنِ بِمَا قَرَّرْنَا فَنَقُولُ: الشُّفْعَةُ أَعَمُّ مِنْ الْأَخْذِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ عَيْنَ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَكَانَتْ أَعَمُّ غَيْرَ أَعَمَّ وَهُوَ مُتَنَاقِضٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 قُلْت) هَذَا صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ وَلَيْسَ مُرَادُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِاجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ الْعَارِضَيْنِ وَهُوَ وَإِنْ صَحَّ لَمْ يَقْصِدْهُ الشَّيْخُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ نَرْجِعُ لِكَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَصْلِ كَلَامِهِ فِي رَدِّهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ أَخْذَهَا لَا مَاهِيَّتَهَا؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إلَخْ وَقَرَّرَ كَلَامَهُ بَعْضُ فُقَهَاءِ عَصْرِنَا مِمَّنْ لَهُ تَمَامُ الْمُشَارَكَةِ فِي الْعُلُومِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ إنَّ الدَّعْوَى أَنَّ الشُّفْعَةَ غَيْرُ الْأَخْذِ وَالدَّلِيلُ قِيَاسِيٌّ اقْتِرَانِيٌّ حَمْلِيٌّ بَيَّنْت كُبْرَاهُ بِشَرْطِيَّةٍ اسْتَثْنَى فِيهَا نَقِيضَ تَالِيهَا يُنْتِجُ نَقِيضَ مُقَدِّمِهَا وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الصُّغْرَى فِي كَلَامِ الشَّيْخِ الشُّفْعَةُ مَعْرُوضَةٌ لِلْأَخْذِ وَالتَّرْكِ وَالْكُبْرَى وَالْمَعْرُوضِ إلَخْ وَدَلِيلُ الْكُبْرَى قَوْلُهُ وَإِلَّا اجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ وَتَقْرِيرُهُ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ مُشَارَكَةٌ قَالَ وَالصُّغْرَى لَمْ يُبَيِّنْهَا الشَّيْخُ وَرَآهَا جَلِيَّةً وَيَظْهَرُ مِنْ قَصْدِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِدْلَالِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ هَذَا الشَّيْخُ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَرَّرْنَاهُ قَبْلَ لَفْظِهِ إلَّا أَنَّ هَذَا الشَّيْخَ لَمْ يُبَيِّنْ الْكُبْرَى وَهِيَ مِحَكُّ الْبَحْثِ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ الْفَقِيهَ الْمَذْكُورَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ انْتَقَدَ عَلَى الصُّغْرَى بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ مَنَعَ صِدْقَهَا بَلْ الْمَعْرُوضُ لِلْأَخْذِ وَالتَّرْكِ هُوَ الشِّقْصُ لَا الشُّفْعَةُ وَسَبَبُ عُرُوضِ الْأَخْذِ لَهُ هُوَ الشُّفْعَةُ الْمُعَرَّفَةِ بِالِاسْتِحْقَاقِ الْخَاصِّ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُنَا أَخَذْت الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَقُولَ أَخَذْت الشُّفْعَةَ إذْ الِاسْتِحْقَاقُ لَا يَتَعَقَّلُ كَوْنُهُ مَأْخُوذًا. ثُمَّ رَدَّ وَغَلَا وَعَلَا عَلَى الْإِمَام بِقَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ فَقَوْلُهُ مَعْرُوضَةٌ لِلْأَخْذِ لَا يَخْفَى سُقُوطُهُ وَهَذَا فِيهِ إغْلَاظٌ عَلَى الْإِمَامِ السَّنِيِّ الشَّيْخِ السُّنِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ فَنَقُولُ الْأَدَبُ وَاجِبٌ مَعَ الْأَئِمَّةِ السَّابِقِينَ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالدِّيَانَةِ وَكَلَامُ الْبَاحِثِ الْمَذْكُورُ كَلَامُ مَنْ وَقَفَ وَهْمُهُ عِنْدَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَ كَلَامَ الْفُقَهَاءِ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ الشُّفْعَةِ بِقَوْلِهِمْ أُخِذَ بِالشُّفْعَةِ وَأَسْقَطَ الشُّفْعَةَ وَمُسْقِطَاتُ الشُّفْعَةِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا مَا تَمْلَأُ بِهِ الدَّفَاتِرَ فِي كَثْرَةِ التَّعْبِيرِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَخْبَرَ بِالثَّمَنِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ دُونَ ذَلِكَ فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَيَحْلِفُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَقَالَ فِيهَا إنْ قَالَ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالثَّمَنِ وَفِيهَا إنْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ لَزِمَهُ وَقَالَ فِيهَا الْمُسَاوَمَةُ تُسْقِطُ الشُّفْعَةَ فَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ لَك أَنَّ الشُّفْعَةَ مَعْرُوضَةٌ لِلْأَخْذِ وَالتَّسْلِيمِ نَقْلًا وَعَقْلًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَخْذِ هُنَا الْقَبْضَ وَالْمُنَاوَلَةَ الْحِسِّيَّةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ الْقِيَامُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَخْذِ وَعَدَمِ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ فُلَانٌ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 إذَا قَامَ بِهَا وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَا إذَا سَلَّمَهَا وَالْأَخْذُ بِالشِّقْصِ بِمَعْنَى الْقَبْضِ بِسَبَبِ الشُّفْعَةِ فَإِذَا فَهِمْت هَذَا عَلِمْت أَنَّ الْبَاحِثَ تَسَاهَلَ وَأَطْلَقَ اللِّسَانَ فِي إنْسَانِ عَيْنِ الزَّمَانِ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ الْفَقِيهَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَعْتَرِضْ كَلَامَ هَذَا الْبَاحِثِ مِنْ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ. وَالصَّوَابُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ بَلْ قَالَ هَذَا لَا يُنْتَجُ لَهُ فِي مَقْصِدِهِ لِأَنَّ الْأَخْذَ إذَا كَانَ مِنْ عَوَارِضِ الْمَشْفُوعِ فِيهِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الشُّفْعَةِ كَانَ مِنْ عَوَارِضِ الشُّفْعَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا لَوْلَا الطُّولُ لَجَلَبْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ وَفِيهِ اعْتِرَاضَاتٌ لَا يَخْفَى ذِكْرُهَا يَخْرُجُ عَنْ مَقْصِدِنَا وَإِنَّمَا أَشَرْنَا لِهَذِهِ النُّبْذَةِ تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ فَلْنَرْجِعْ لِأَسْئِلَةٍ تَرِدُ عَلَى الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَنَقُولُ. (فَإِنْ قُلْت) قَدْ قَدَّمَ الشَّيْخُ فِي حَدِّ التَّفْلِيسِ أَنَّهُ قَالَ حُكْمُ الْقَاضِي بِخَلْعِ الْمَالِ إلَخْ وَكَانَ الْجَارِي عَلَى مَا قَدَّمَ أَنْ يَقُولَ فِي الشُّفْعَةِ أَنَّهُ الْحُكْمُ بِاسْتِحْقَاقِ شَرِيكٍ (قُلْت) سِرُّ ذَلِكَ أَنَّ التَّفْلِيسَ هُوَ الْحُكْمُ بِالْخَلْعِ وَلَا يَتَقَرَّرُ بِغَيْرِ حُكْمٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا هُنَا أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هُوَ طَلَبُ الشَّرِيكِ لِمَا ذَكَرَ أَوْ حَالَةٌ لِلشَّرِيكِ وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى حُكْمٍ بِوَجْهٍ وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحُكْمِ أَخْذُ الشَّرِيكِ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّ الْعَمَلَ عَلَى الْحُكْمِ وَالْأَخْذِ وَأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِالْإِشْهَادِ وَمَا وَقَعَ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ لَا عَمَلَ عَلَيْهِ وَقَدْ قَدَّمَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَخْذَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ نَفْسَ الْمَاهِيَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ عَارِضُهَا وَمَا قَالُوهُ إنَّ الشُّفْعَةَ تَفْتَقِرُ لِحُكْمٍ مَعْنَاهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى مَعَ مَا سَيَأْتِي فِي مُوجِبِ اسْتِحْقَاقِ الشَّفِيعِ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ هَذَا. (فَإِنْ قُلْت) قَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْمُوصِيَ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ وَالْأَبُ وَمُقَدَّمُ الْقَاضِي وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَرِيكٌ فَحَقُّ الشَّيْخِ أَنْ يَقُولَ أَوْ نَائِبَهُ (قُلْت) هَذَا يُظْهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَقَدْ يُصَرِّحُ الشَّيْخُ فِي مَوَاضِعَ بِالنِّيَابَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَصْلِ فِي الْحَدِّ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ هُنَا لَكَانَ حَسَنًا. (فَإِنْ قُلْت) أَوْرَدَ بَعْضُ شُيُوخِ الْعَصْرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا رَأَيْت عَنْهُ أَنَّ صُورَةً مِنْ صُوَرِ الثُّنْيَا تَرِدُ عَلَى رَسْمِهِ فِيمَا إذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي دَارٍ، ثُمَّ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَهُ لِشَرِيكِهِ، ثُمَّ الْتَزَمَ لَهُ أَنْ يُقِيلَهُ، ثُمَّ أَقَالَهُ عَلَى أَنَّهُ مَهْمَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَتَى بِمِثْلِ الثَّمَنِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ رَسْمُ الشَّيْخِ فِي الشُّفْعَةِ وَهِيَ مَنْصُوصَةٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ وَهِيَ لَيْسَتْ شُفْعَةً فَهَلْ يُرَدُّ ذَلِكَ (قُلْت) لَمَّا رَأَيْت عَنْهُ هَذَا السُّؤَالَ ظَهَرَ فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لَيْسَ بِشَرِيكٍ بَلْ كَانَ شَرِيكًا فَإِنْ أُجِيبَ بِجَوَابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] فَقَدْ عَلِمْت مَا تَقَدَّمَ فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ، ثُمَّ رَأَيْت عَنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ إصْلَاحُهُ اسْتِحْقَاقُ شَرِيكٍ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَرِيكٌ (فَإِنْ قُلْت) ذَكَرَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ حَدَّ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ بَحْثٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَتَى بِثَمَرَةِ الشُّفْعَةِ وَصَيَّرَهُ جِنْسًا لَهَا وَالثَّمَرَةُ خَارِجَةٌ عَنْ الْمُثْمِرِ لَهَا قَالَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ لَك أَنْ تَقُولَ اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ مُسَبَّبٌ عَنْ الشُّفْعَةِ وَالسَّبَبُ غَيْرُ الْمُسَبَّبِ (قُلْت) رَأَيْت فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ لِبَعْضِ الشُّيُوخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ قَالَ مَا نَصُّهُ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ بِأَنْ يُقَالَ مَعْنَى الِاسْتِحْقَاقِ كَوْنُ الشَّرِيكِ أَحَقَّ بِأَخْذِ الشِّقْصِ بِثَمَنِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَكَوْنُ الشَّرِيكِ أَحَقَّ هُوَ نَفْسُ الشُّفْعَةِ لَا مُسَبَّبٌ عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ بَحْثٌ. (فَإِنْ قُلْت) فَهَلْ يَصِحُّ الْجَوَابُ بِذَلِكَ (قُلْت) قَدْ أَشَارَ الْمُجِيبُ بِأَنَّ فِيهِ بَحْثًا وَلَا شَكَّ فِي الْبَحْثِ فِي هَذَا مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ تَفْسِيرُهُ الِاسْتِحْقَاقَ الْمَذْكُورَ بِمَا ذَكَرَ وَهُوَ تَفْسِيرُ لَفْظٍ بِلَفْظٍ أَخْفَى مِنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَحَقِّيَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهَا مَا يُوجِبُ الدُّورَ مَعَ تَفْسِيرِ الِاسْتِحْقَاقِ، ثُمَّ دَعْوَى الْمُجِيبِ بِأَنَّ هَذَا هُوَ عَيْنُ الشُّفْعَةِ مُصَادَرَةً فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ وَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ الْمَنْعُ مِنْ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَكُونُ سَبَبًا فِي الْمَذْكُورِ بَلْ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ بَيْعِ شَرِيكٍ حِصَّتَهُ مَعَ شَرِيكٍ وَذَلِكَ الْبَيْعُ سَبَبٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالِاسْتِحْقَاقُ قَدْ قَدَّمْنَا فِيهِ أَحَدَ أَمْرَيْنِ إمَّا طَلَبُ حَقٍّ وَإِمَّا حَالَةٌ لِلشَّرِيكِ بِهَا يَخْتَصُّ بِالشِّقْصِ عَنْ شَرِيكِهِ فَالشُّفْعَةُ هِيَ الِاسْتِحْقَاقُ الْمَذْكُورُ إلَخْ فَلَا تَصِحُّ السَّبَبِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْمُعْتَرِضُ بِمَا نَصُّوا عَلَيْهِ بَعْدُ فِي قَوْلِهِمْ مُوجِبُ اسْتِحْقَاقِ الشَّفِيعِ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ ثُبُوتُ مِلْكِ الشَّفِيعِ لِشِقْصٍ شَائِعٍ وَشِرَاءُ غَيْرِهِ شِقْصًا آخَرَ مِنْهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَهَذَا يَمْنَعُ أَنَّ الشُّفْعَةَ سَبَبٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَتَأَمَّلْهُ. (فَإِنْ قُلْت) هَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الشُّفْعَةَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ إلَخْ (قُلْت) لَمَّا قَوِيَ السُّؤَالُ عِنْدَ الْمُوَرَّدِ أَوَّلًا صَوَّبَ الرَّسْمَ بِهَذَا وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي عُرُوضُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَسْمٍ وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ التَّأْلِيفِ مِنْ أَنَّ الشَّيْخَ يُحَافِظُ عَلَى مَقُولَةِ الْحَدِّ مَعَ مَحْدُودِهِ مَا أَمْكَنَهُ جَرْيًا عَلَى الْقَوَاعِدِ الْعَقْلِيَّةِ فِي الرُّسُومِ وَلَا يَلْزَمُ اطِّرَادُ ذَلِكَ إلَّا فِيمَا يُشْبِهُ الْمَقُولَةَ مِنْ الصِّفَاتِ فَنَقُولُ: هُنَا عَيَّنَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجِنْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا بِالصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مَحْكُومٌ بِهَا شَرْعًا فَيُقَالُ: الْقَاضِي حَكَمَ بِهَا، الْقَاضِي أَبْطَلَهَا وَمُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ لَيْسَ هُوَ الصِّفَةَ الْحُكْمِيَّةَ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي غَيْرِ هَذَا فَلِذَا عَيَّنَ مَا رَأَيْت هُنَا وَخَصَّ فِي الطَّهَارَةِ مَا ذَكَرَ هُنَاكَ وَهَذَا لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ؛ لِأَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ حُكْمُ الْقَاضِي إنَّمَا تَعَلَّقَ بِإِلْزَامِ أَخْذِ الشِّقْصِ أَوْ التَّمَكُّنِ مِنْهُ، فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَرُدُّ عَلَى الْبَاحِثِ مَا ذَكَرَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُوَرِّدُ فِي رَسْمِهِ مِنْ ذِكْرِ الِاسْتِحْقَاقِ ظَاهِرٌ أَنَّهُ قَصَدَ بِالِاسْتِحْقَاقِ الطَّلَبَ وَالصَّوَابُ حَمْلُ الِاسْتِحْقَاقِ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَاخْتَرْنَاهُ وَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ يَرْجِعُ إلَى الصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ فَأَوَّلَ مُرَادَ الشَّيْخِ ذَلِكَ وَعَدَلَ عَنْ الصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ إنَّمَا يَقُولُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ حَيْثُ تَكُونُ الصِّفَةُ تُلْزِمُ حُصُولَ سَبَبٍ لِلْمُتَّصِفِ بِهَا كَالتَّوَضِّي فِي الطَّهَارَةِ وَالتَّوَجُّهِ مَعَ النِّيَّةِ فِي الْإِحْرَامِ وَالتَّلَفُّظِ فِي الطَّلَاقِ وَالْقَبُولِ فِي الْقَضَاءِ وَالشُّفْعَةُ هُنَا لَا يَتَقَرَّرُ فِيهَا ذَلِكَ وَفِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَاك وَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ مَا قُلْنَاهُ وَرَأَيْت لِلشَّيْخِ الْمَذْكُورِ إنْ قَالَ يَصِحُّ فِي الشُّفْعَةِ أَنْ يُقَالَ فِيهَا: كَوْنُ الشَّرِيكِ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَرِيكٌ أَحَقَّ بِأَخْذِ مَبِيعِ شَرِيكِهِ بِثَمَنِهِ فَتَأَمَّلْهُ فَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ] (ء خ ذ) : بَابُ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْآخِذُ وَهُوَ مُسْتَحِقُّ الشُّفْعَةِ هُوَ الشَّرِيكُ فِيمَا الشِّقْصُ الْمَبِيعُ بَعْضُهُ حِينَ بَيْعِهِ غَيْرُهُ. قَالَ فَلَا يُدْخِلُ بَائِعٌ بَعْضَ شِقْصِهِ وَإِنْ كَانَ شَرِيكًا حِينَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ مِنْ غَيْرِهِ قَوْلُهُ " الشَّرِيكُ " أَخْرَجَ بِهِ مَا لَيْسَ بِشَرِيكٍ وَهُوَ جِنْسٌ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُحْبِسُ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ " قَوْلُهُ فِيمَا الشِّقْصُ الْمَبِيعُ بَعْضُهُ " أَخْرَجَ بِهِ الشَّرِيكَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الشِّقْصِ قَوْلُهُ " حِينَ بَيْعِهِ غَيْرَهُ " قَالَ يَخْرُجُ بِهِ بَائِعُ بَعْضِ شِقْصِهِ وَإِنْ كَانَ شَرِيكًا حِينَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ مِنْ غَيْرِهِ وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ دَارٌ شَرِكَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُ الشِّرْكَيْنِ نِصْفَ نِصْفِهِ لِأَجْنَبِيٍّ فَالشُّفْعَةُ لِشَرِيكِهِ وَلَا يَدْخُلُ هُوَ وَإِنْ كَانَ حِينَ بَيْعِهِ شَرِيكًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ وَبِهَذَا اعْتَرَضَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى حَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَنْ تَبِعَهُ وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِهِ. (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ قُلْت: إنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 الْمُحْبِسَ إذَا حَبَسَ حَظَّهُ فِي دَارٍ، ثُمَّ بَاعَ شَرِيكُهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ وَالشَّرِيكُ مَالِكٌ لِحِصَّتِهِ، وَقَدْ نَصَّ هُنَا اللَّخْمِيُّ بِأَنَّ مِلْكَهُ سَقَطَ بِالتَّحْبِيسِ، وَقَدْ أَخَذَهُ الشَّيْخُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ قَالَ وَهَذَا نَصٌّ فِي سُقُوطِ مِلْكِ الْمُحْبِسِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَقُولُ إنَّهُ تَدْخُلُ فِي الشَّرِيكِ كَمَا قَدَّمْنَا. (قُلْت) ذَلِكَ لَمْ يُسَلِّمْهُ لَهُ وَأَحَالَ عَلَى الْحَبْسِ وَأَنَّ مَا قَالَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ بِدَلِيلِ الزَّكَاةِ فَتَأَمَّلْهُ، ثُمَّ أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الشَّرِيكُ وَالْمُحْبِسُ وَإِنْ كَانَتْ تَرْجِعُ إلَيْهِ قَالَ وَاقْتَصَرَ ابْنُ شَاسٍ عَلَى لَفْظِ الشَّرِيكِ قَالَ وَكِلَاهُمَا تَابِعٌ لِلْغَزَالِيِّ فِي وَجِيزِهِ مُعَبِّرًا بِلَفْظِ هَلْ كُلُّ شَرِيكٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ إجْمَالُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ مَا نَبَّهْنَا عَلَى وُجُوبِ خُرُوجِهِ وَهُوَ بَائِعٌ بَعْضَ شِقْصِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَزِيَادَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُحْبِسُ حَشْوٌ لِانْدِرَاجِهِ تَحْتَ عُمُومِ الشَّرِيكِ. (فَإِنْ قُلْت) قَدْ وَقَعَ فِي السَّمَاعِ أَنَّ الْمُحْبَسَ عَلَيْهِ إذَا أَرَادَ إلْحَاقَهَا بِالْحَبْسِ فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ أَرَادَ أَجْنَبِيٌّ ذَلِكَ لَصَحَّ لَهُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّنْ ذَكَرَ لَيْسَ بِشَرِيكٍ فَالرَّسْمُ غَيْرُ جَامِعٍ (قُلْت) لَا يَخْلُو مِنْ مُسَامَحَةٍ فِي ذَلِكَ إذَا تُؤُمِّلَ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ زَرْبٍ أَنَّ النَّاظِرَ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لَكِنْ هَذَا قَالُوا إنَّهُ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّجِرُ لِلْمُسْلِمِينَ. (فَإِنْ قُلْت) عَامِلُ الْقِرَاضِ هَلْ يَصْدُقُ فِيهِ الرَّسْمُ (قُلْت) لَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرِيكٍ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُوجِب لِاسْتِحْقَاقِ الشَّفِيع الْأَخْذ بِالشُّفْعَةِ] (وج ب) : بَابُ الْمُوجِبِ لِاسْتِحْقَاقِ الشَّفِيعِ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُبُوتُ مِلْكِ الشَّفِيعِ لِشِقْصٍ شَائِعٍ مِنْ كُلٍّ مِنْ رُبُعٍ وَاشْتِرَاءِ غَيْرِهِ شِقْصًا آخَرَ مِنْهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ السَّبَبَ فِي اسْتِحْقَاقِ الشَّفِيعِ لِلْأَخْذِ هُوَ ثُبُوتُ مِلْكِ الشَّفِيعِ عِنْدَ الْقَاضِي شِقْصًا شَائِعًا مِنْ كُلِّ رُبُعٍ وَثُبُوتُ شِرَاءِ غَيْرِ الشَّفِيعِ شِقْصًا آخَرَ مِنْ كُلِّ الرُّبْعِ فَإِذَا أَثْبَتَ هَذَانِ الْأَمْرَانِ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ قَالَ الشَّيْخُ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ لِلشَّفِيعِ بِالِاسْتِحْقَاقِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ مَا ذَكَرَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَصَّ ابْنِ فَتُّوحٍ دَلِيلًا عَلَى مَا ذَكَرَ وَأَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعِ هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَعْنَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 الْمُوجِبِ وَذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ابْنُ الْحَاجِبِ وَتُمْلَكُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَوْ بِالْإِشْهَادِ أَوْ بِالْقَضَاءِ وَيَلْزَمُ أَنْ عَلِمَ الثَّمَنَ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي أَنَّ الشُّفْعَةَ يَمْلِكُهَا الشَّفِيعُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ وَيَعْنِي بِالْإِشْهَادِ أَنَّهُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لَهُ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا أَعْلَمُ هَذَا الْمَعْنَى لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إلَّا لِابْنِ شَاسٍ وَلَفْظُهُ وَيَمْلِكُ الْآخِذُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمُشْتَرِي وَيَقْضِي الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ عِنْدَ الطَّلَبِ وَبِمُجَرَّدِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْأَخْذِ وَبِقَوْلِهِ أَخَذْت وَتَمَلَّكْت، ثُمَّ يَلْزَمُهُ إنْ كَانَ عَلِمَ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ لَمْ يَلْزَمْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا تَبِعَ فِيهِ الْغَزَالِيَّ فِي وَجِيزِهِ عَلَى عَادَتِهِ فِي إضَافَتِهِ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ لِلْمَذْهَبِ لِظَنِّهِ مُوَافَقَتَهُ إيَّاهُ وَهَذَا دُونَ بَيَانٍ لَا يَنْبَغِي حَسْبَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ غَيْرَ مَرَّةٍ. قَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَمْلُوكَ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ هُوَ نَفْسُ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لَا نَفْسُ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ فِيهِ وَرِوَايَاتُ الْمَذْهَبِ وَاضِحَةٌ بِخِلَافِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ رَسْمِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ قَالَ، وَأَمَّا مِلْكُ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ فِيهِ فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ نَصًّا جَلِيًّا إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِتُونُسَ عَامَ خَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ فِي شَفِيعٍ أَخَذَ بِشُفْعَتِهِ فِي دَارٍ يَمْلِكُ بَاقِيَهَا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ دُونَ أَنْ يُوقَفَ الْمُشْتَرِي وَيَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ الشَّفِيعَ بَاعَ جَمِيعَ الدَّارِ فَقَامَ الْمُشْتَرِي يُخَاصِمُ فِي الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ بِبَيْعِهَا دُونَ إشْهَادِ الشَّفِيعِ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ وَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ لَوْ أَتَى بِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ قَدَحَ فِي الشُّفْعَةِ عَلَيْهِ فَوَقَفَ الْقَاضِي فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَفَسْخِهِ وَشَاوَرَ فِي ذَلِكَ شَيْخَنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدًا السَّطِّيَّ فَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا غَيْرَ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ قَالَ الشَّيْخُ وَكُنْت أَنَا وَبَعْضُ فُقَهَاءِ الْوَقْتِ وَهُوَ الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيلٍ السَّكُونِيُّ شَهِيدَيْ النَّازِلَةِ فَعَتَبْنَا الْقَاضِي فِي الشَّهَادَةِ فِي الْبَيْعِ وَكَانَتْ شَهَادَتِي فِيهَا عَاطِفًا عَلَيْهِ لِاعْتِقَادِي فِقْهَهُ وَكَوْنَهُ مِنْ خَوَاصِّ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ فَاحْتَجَجْت عَلَى الْقَاضِي بِنَصَّيْ الْمُدَوَّنَةِ. (الْأَوَّلُ) فِي كِتَابِ الْخِيَارِ إذَا اخْتَارَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ الْمُتَبَائِعِينَ وَصَاحِبُهُ غَائِبٌ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ جَازَ عَلَى الْغَائِبِ وَالشَّفِيعُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَائِبًا. (الثَّانِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ قَالَ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ قَبْلَ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَعْدَ أَخْذِهِ وَالْعَمَلُ بِمَفْهُومَاتِهَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ طَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 وَانْفَصَلَتْ الْمَسْأَلَةُ عَنْ صُلْحٍ وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَانْظُرْ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ سَيِّدِي أَبُو الْقَاسِمِ مِنْ الْبَحْثِ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ وَرَأَى أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى أَنَّ الْإِشْهَادَ غَيْرُ نَافِعٍ وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي ذَلِكَ وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا يَحْتَاجُ لِتَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الشَّرِيكِ الْأَخَصِّ وَالْأَعَمِّ] (ش ر ك) : بَابُ الشَّرِيكِ الْأَخَصِّ وَالْأَعَمِّ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأَوَّلُ مَنْ شَارَكَ شَرِيكَهُ فِي جُزْءٍ يَخُصُّهُمَا مِنْ كُلٍّ فِيهِ شَرِيكٌ غَيْرُهُمَا وَالْأَعَمُّ مَنْ شَارَكَ شَرِيكَهُ فِي كُلٍّ بِجُزْءٍ مُشْتَرَكٌ فِيهِ قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَوَّلُ أَيْ الشَّرِيكُ الْأَخَصُّ مَنْ شَارَكَ شَرِيكَهُ هَذَا جِنْسٌ يَعُمُّ الْأَعَمَّ مُطْلَقًا وَالْأَعَمُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَخَصِّ قَوْلُهُ فِي جُزْءٍ يَخُصُّهُمَا كَالثُّمُنِ وَالسُّدُسِ وَجُزْءِ التَّعْصِيبِ لِلْعُصْبَةِ وَقَوْلُهُ مِنْ كُلٍّ يَتَعَلَّقُ بِجُزْءٍ وَقَوْلُهُ فِيهِ شَرِيكٌ إلَخْ صِفَةٌ لِكُلٍّ فَلَوْ فَرَضْنَا دَارًا اشْتَرَاهَا رَجُلَانِ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ زَوْجَتَيْنِ أَوْ أُخْتَيْنِ وَعَصَبَةٍ فَالشُّرَكَاءُ قَدْ تَعَدَّدَتْ وَالْوُجُوهُ قَدْ اخْتَلَفَ فَإِذَا بَاعَتْ زَوْجَةٌ مَثَلًا حَظَّهَا فَفِي الْمَسْأَلَةِ شَفِيعٌ أَخَصُّ هُوَ وَشَفِيعٌ أَعَمُّ فَالْأَخَصُّ الشَّرِيكُ الَّذِي شَارَكَ شَرِيكَهُ فِي جُزْءٍ يَخُصُّهُمَا كَالزَّوْجَةِ مَثَلًا فَإِنَّهَا شَارَكَتْ شَرِيكَهَا فِي جُزْءٍ يَخُصُّهُمَا مِنْ كُلٍّ وَهُوَ مَجْمُوعُ الدَّارِ وَفِي ذَلِكَ الْكُلِّ شَرِيكٌ غَيْرُهُمَا وَهُوَ الْأَجْنَبِيُّ وَغَيْرُهُ فَالْأَخَصُّ هُوَ الْأَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ هَذَا مَعْنَى الْأَخَصِّ مِنْ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَمَّا الْأَعَمُّ فَمَعْنَاهُ الشَّرِيكُ الَّذِي شَارَكَ شَرِيكَهُ فِي كُلِّ الدَّارِ وَبِجُزْءٍ مُشْتَرَكٍ فِيهِ كَالشَّرِيكِ الْأَجْنَبِيِّ فِيهَا مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الشُّرَكَاءِ، وَأَمَّا أَحَدُ الْعَصَبَةِ فَإِنَّهُ أَخَصُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ لِصِدْقِ خَاصِّيَّةِ الْأَخَصِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَارَكَ شَرِيكَهُ بِجُزْءٍ يَخُصُّهُمَا فِي كُلٍّ فِيهِ شَرِيكٌ غَيْرُهُمَا وَأَعَمُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجَتَيْنِ فَإِذَا أَسْقَطَتْ الزَّوْجَةُ حَقَّهَا فِي الشُّفْعَةِ أَخَذَ سَهْمَهَا الْعَصَبَةُ وَقُدِّمَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ هَذَا مَعْنَى الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ وَوَجَدْت مِمَّا كَانَ يَمْضِي فِي الْبَحْثِ هُنَا أَنْ قِيلَ: إنَّ الْعَصَبَةَ فِي الدَّارِ الْمَفْرُوضَةِ قَدْ قَالُوا بِأَنَّهُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَجَانِبِ حُكْمُهُمْ حُكْمُ شَرِيكٍ أَخَصَّ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى أَهْلِ السِّهَامِ حُكْمُ شَرِيكٍ أَعَمَّ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَصْدُقُ حَدُّ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى الْأَخَصِّ فِي الْعَصَبَةِ لِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَتْ خَاصِّيَّةُ الْأَخَصِّ فِي ذَلِكَ وَصَحَّ أَنَّ الشَّرِيكَ أَخَصُّ بَطَلَتْ فِي طَرَفِ الْأَعَمِّ مِنْ الْأَجَانِبِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. (فَإِنْ قُلْت) الْأَخَصُّ فِيهِ مَا فِي الْأَعَمِّ وَزِيَادَةٍ كَإِنْسَانٍ فِيهِ الْحَيَوَانِيَّةُ وَزِيَادَةُ النَّاطِقِيَّةِ فَكَيْفَ ذَلِكَ فِي الشَّرِيكِ الْأَعَمِّ مَعَ الْأَخَصِّ. (قُلْت) لَيْسَ الْقَصْدُ بِالْأَخَصِّ وَالْأَعَمِّ يَعْنِي بِهِ فِي الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 بَلْ الْقَصْدُ بِالْأَخَصِّ الْأَقْعَدُ فِي الشُّفْعَةِ وَالْأَعَمُّ الْأَبْعَدُ مِنْهُ كَمَا يُقَالُ: الْحَوْزُ الْأَخَصُّ وَالْحَوْزُ الْأَعَمُّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْأَخَصُّ فِيهِ الْمُشَارَكَةُ فِي الْكُلِّ بِجُزْءٍ مُشْتَرَكٍ فِيهِ وَهَذَا مِنْ خَاصِّيَّةِ الْأَعَمِّ فَقَدْ اشْتَمَلَ الْأَخَصُّ عَلَيْهِ كَاشْتِمَالِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْحَيَوَانِ وَفِيهِ زِيَادَةٌ أَنَّهُ شَارَكَ شَرِيكَهُ بِجُزْءٍ خَاصٍّ بِهِمَا مِنْ كُلٍّ فِيهِ شَرِيكٌ غَيْرُهُمَا وَهَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ فِي الْأَعَمِّ فَإِنَّ جُزْأَهُ الَّذِي وَقَعَ مُشْتَرَكٌ فِيهِ وَالْأَمْرُ الَّذِي يَخُصُّ الشَّرِيكَيْنِ أَمْرٌ دَخَلَا فِيهِ مَدْخَلًا وَاحِدًا إمَّا بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ جُزْءٍ اخْتَصَّ بِهِ فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ مَاتَ عَنْهُ فَوَرِثَهُ جَمَاعَةٌ وَعَلَى هَذَا يُفْهَمُ مَا وَقَعَ لِابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ إذَا اشْتَرَى ثَلَاثَةٌ دَارًا أَوْ وَرِثُوهَا، ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ لِنَفَرِ ثَلَاثَةٍ وَسَلَّمَ شُرَكَاؤُهُ فَإِذَا بَاعَ أَحَدُ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ فَالشُّفْعَةُ لِأَصْحَابِهِ وَهُمْ أَحَقُّ مِنْ شَرِيكَيْ الْبَائِعِ وَإِذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ دَخَلَ النَّفَرُ مَعَ الْبَاقِي مِنْ الشَّرِيكَيْنِ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا قَرَّرَ مَا قَرَّرَ مِنْ الْأَخَصِّيَّةِ وَالْأَعَمِّيَّةِ قَالَ فَيَصْدُقُ الْأَعَمُّ عَلَى شَرِيكٍ فِي كُلِّ غَيْرِ جُزْءٍ وَيَصْدُقُ الْأَعَمُّ عَلَى شَرِيكٍ فِي جُزْءٍ هُوَ كُلٌّ بِجُزْءٍ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْكُلِّ وَالْمَقْصِدُ أَنَّ الشَّرِيكَ الْأَعَمَّ يَصْدُقُ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ بِحَدِّهِ. (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ فِي رَسْمِ الْأَعَمِّ مَنْ شَارَكَ شَرِيكَهُ فِي كُلٍّ بِجُزْءٍ مُشْتَرَكٍ فِيهِ (قُلْت) لَا يَعْنِي بِالْكُلِّ هُنَا مَجْمُوعَ الْمَاهِيَّةِ كُلِّهَا الَّذِي وَقَعَ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا بِالْأَنْصِبَاءِ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ كُلٌّ فِي كُلٍّ مُطْلَقًا وَالْكُلُّ الْمُطْلَقُ لَهُ حَالَتَانِ حَالَةٌ لَا يَكُونُ جُزْءًا مِنْ غَيْرِهِ وَحَالَةٌ يَكُونُ جُزْءًا لِغَيْرِهِ كَالْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا لِيُفَرِّعَ عَلَيْهِ مَا يَذْكُرُهُ بَعْدُ وَمِثَالُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ قَالَ مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ زَوْجَاتٍ وَبَنِينَ مِنْ غَيْرِهِنَّ فَالزَّوْجَةُ شَرِيكٌ لِلْبَنِينَ وَشَرِيكَةٌ لِلزَّوْجَتَيْنِ فَشَرِكَتُهَا لِلزَّوْجَتَيْنِ شَرِكَةٌ خَاصَّةٌ وَشَرِكَتُهَا لِلْبَنِينَ شَرِكَةٌ عَامَّةٌ فَأَحَدُ الْبَنِينَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّ الشَّرِيكِ الْأَعَمِّ؛ لِأَنَّهُ شَارَكَ شَرِيكًا فِي كُلٍّ فِيهِ شَرِيكٌ غَيْرُهُمَا وَالْكُلُّ هُنَا أَصْلُ الْفَرِيضَةِ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ كُلٍّ آخَرَ لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا مُنَاسَخَةٌ وَمِثَالٌ لِلْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الشَّرِيكُ الْأَعَمُّ الَّذِي يَصْدُقُ فِيهِ أَنَّهُ شَرِيكٌ فِي جُزْءٍ هُوَ كُلٌّ لِجُزْءٍ مِنْ الْكُلِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَإِحْدَى الزَّوْجَاتِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ مَاتَتْ ثَانِيَةٌ عَنْ زَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ فَالزَّوْجَةُ الَّتِي مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ صَارَ بِسَبَبِ مَوْتِهَا الْجُزْءُ الْخَاصُّ بِالزَّوْجَاتِ مُشْتَرَكًا فِيهِ فَإِحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا شَرِيكٌ أَعَمُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ صَارَ وَارِثًا فِي الثَّمَنِ لِصِدْقِ خَاصِّيَّةِ الشَّرِيكِ الْأَعَمِّ فِيهِ وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 مُشَارِكٌ شَرِيكَهُ فِي كُلِّ مُشْتَرَكٍ فِيهِ فَقَدْ صَدَقَ حَدُّ الْأَعَمِّ عَلَى صُورَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ كُلٌّ لَيْسَ جُزْءًا وَكُلٌّ هُوَ جُزْءٌ فَإِحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجَةِ الثَّانِيَةِ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا شَرِيكٌ أَخَصُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى سِهَامِ غَيْرِ الثَّمَنِ وَكَذَلِكَ مَنْ دَخَلَ مَعَهَا فِي الثَّمَنِ وَشَرِيكٌ أَعَمُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتَةِ وَتَأَمَّلْ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ مِنْ إحْدَى الزَّوْجَيْنِ أَوْ مِنْ وَرَثَةِ الْمَيِّتَةِ وَأَجْرِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَعَمَّ لَا يَدْخُلُ عَلَى الْأَخَصِّ وَأَنَّ الْأَخَصَّ يَدْخُلُ عَلَى الْأَعَمِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَلَمَّا حَقَّقَ الْأَعَمَّ وَالْأَخَصَّ هُنَا بَيَّنَ أَنَّ الْمَوَارِيثَ تَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ الْأَعَمُّ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ عُمُومٌ كَالْجِنْسِ الْعَالِي كَالْأَعَمِّ مِنْ أَحَدِ الْبَنِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْأَعَمُّ لَيْسَ فَوْقَهُ عُمُومٌ يَدْخُلُ تَحْتَهُ يَكُونُ جِنْسًا لَهُ بَلْ هُوَ جِنْسُ الْأَجْنَاسِ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَنْطِقِيُّونَ بِالْجَوْهَرِ الَّذِي الْمُرَادُ بِهِ الْمَوْجُودُ لَا فِي الْمَوْضُوعِ وَمُقَابِلُهُ الْعَرَضُ وَتَحْتَهُ جَوْهَرٌ مُجَرَّدٌ وَجِسْمٌ وَهُمَا نَوْعَانِ لَهُ هَكَذَا قَرَّرَهُ بَعْضُهُمْ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْجَوْهَرُ الْفَرْدُ هُوَ جِنْسُ الْأَجْنَاسِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَشَرِيكٌ أَعَمُّ فَوْقَهُ وَتَحْتَهُ كَالْمُتَوَسِّطِ فِي الْأَجْنَاسِ كَأَحَدِ الزَّوْجَاتِ فِي الْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ الْمُشْتَرَكَ فِيهِ وَهُوَ الثَّمَنُ فِي الْفَرِيضَةِ فَوْقَهُ عُمُومٌ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ كُلٍّ وَتَحْتَهُ عُمُومٌ وَهُوَ نَصِيبُ الْمَيِّتَةِ بِاعْتِبَارِ فَرِيضَةٍ وَرِثَتْهَا وَنَظِيرَ هَذَا جِسْمٌ وَالسَّافِلُ كَأَحَدِ الْأُخْتَيْنِ؛ لِأَنَّ عُمُومَهُ لَيْسَ تَحْتَهُ عُمُومٌ وَنَظِيرُ هَذَا الْحَيَوَانُ عِنْدَهُمْ. قَالَ وَالْمُنْفَرِدُ كَزَوْجِ أَحَدِ الْأُخْتَيْنِ مَاتَتْ عَنْهُ وَعَنْ أُخْتِهَا هَذِهِ الْفَرِيضَةُ بِاعْتِبَارِ شَرِكَةِ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ تُشْبِهُ الْأَجْنَاسَ الْأَرْبَعَ يَعْنِي فَيُقَالُ فِي زَوْجِ أَحَدِ الْأُخْتَيْنِ شَرِيكٌ أَعَمُّ لَيْسَ تَحْتَهُ عُمُومٌ وَلَا فَوْقَهُ عُمُومٌ (فَإِنْ قُلْت) إنَّهُمْ قَالُوا لَا نَظِيرَ لِهَذَا الْقِسْمِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْفَلَاسِفَةَ نَظَرُوا ذَلِكَ بِالْأَرْوَاحِ الْمُفَارِقَةِ وَالْعُقُولِ وَعِنْدَنَا لَا يَخْرُجُ الْمَوْجُودُ الْحَادِثُ عَنْ جَوْهَرٍ أَوْ عَرَضٍ (قُلْت) هَذَا صَحِيحٌ وَلَكِنَّ الشَّيْخَ فَرَّعَ عَلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ وَالْحَاصِلُ مِنْ قَصْدِهِ أَنَّ فِي كَلَامِهِمْ مَا يَقْتَضِي قِسْمَةً رُبَاعِيَّةً بِالنِّسْبَةِ لِرَسْمِ الشَّرِيكِ الْأَعَمِّ فَاَلَّذِي يُشْبِهُ الْجِنْسَ الْعَالِيَ مَنْ لَهُ مُشَارَكَةٌ فِي عَامٍّ لَيْسَ فَوْقَهُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ وَهَذَا كَالْجِنْسِ الْعَالِي كَأَحَدِ الْبَنِينَ مِنْ الْفَرِيضَةِ الْأُولَى وَالسَّافِلُ كَأَحَدِ الْأُخْتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ قَدْ وَقَفَتْ الْمُشَارَكَةُ فِي حَظٍّ لَيْسَ تَحْتَهُ عَامٌّ غَيْرَهُ وَالْمُتَوَسِّطُ مِثْلُ إحْدَى الزَّوْجَاتِ الْبَاقِيَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَتْ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ فِيهِ عُمُومٌ فَوْقَهُ وَعُمُومٌ تَحْتَهُ وَهُوَ حَظُّ الْمَيِّتَةِ وَالْمُنْفَرِدُ كَزَوْجِ مَنْ مَاتَتْ عَنْ زَوْجِهَا وَعَنْ أُخْتِهَا كَمَا قَدَّمْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمَشْفُوع عَلَيْهِ] (ش ف ع) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 بَابُ الْمَشْفُوعِ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَشْفُوعُ عَلَيْهِ مَنْ مَلَكَ بِعِوَضٍ مُشَاعًا مِنْ رُبُعِ بَاقِيهِ لِغَيْرِهِ قَوْلُهُ " مَنْ مَلَكَ " " جِنْسٌ " قَوْلُهُ " بِعِوَضٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْهِبَةَ إذَا مَلَكَ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَشْفُوعًا عَلَيْهِ قَوْلُهُ " مُشَاعًا " احْتَرَزَ بِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُشَاعِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْمُشَاعِ وَمَا قُسِّمَ لَا شُفْعَةَ فِيهِ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهِ قَوْلُهُ " مِنْ رُبُعِ " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الرُّبْعِ قَوْلُهُ " بَاقِيهِ لِغَيْرِهِ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا بَاعَ بَعْضَ حَظِّهِ فَإِنَّ الْبَاقِيَ لِنَفْسِهِ وَبَعْدَ أَنْ شَرَحْنَا رَسْمَ الشَّيْخِ فِي الْمَشْفُوعِ عَلَيْهِ وَقَرَّرْنَا أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُضَافَ إلَى " غَيْرِ " يَعُودُ إلَى الْبَائِعِ لِيَخْرُجَ ذَلِكَ عَنْ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ إنَّمَا هُوَ لِلْبَائِعِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَرَّرْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، ثُمَّ أَوْرَدَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ سُؤَالًا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ عَلَى مَا وَقَعَ الْفَهْمُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ يُرَدُّ عَلَى الْحَدِّ أَوْ الرَّسْمِ إذَا بَاعَ الشَّرِيكُ بَعْضَ حِصَّتِهِ فَإِنَّ الْبَاقِيَ لَيْسَ هُوَ لِغَيْرِ الْبَائِعِ بَلْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ. فَلَمَّا سَمِعْنَا هَذَا السُّؤَالَ تَرَدَّدْنَا فِي الضَّمِيرِ لَعَلَّهُ يَصِحُّ عَوْدُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَصِحُّ الْكَلَامُ بِذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ لَا يَصِحُّ. فَقُلْنَا فِي الْإِشْكَالِ إذًا: دَائِمًا إمَّا أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ فَإِنْ عَادَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَتَدْخُلُ صُورَةٌ عَلَى رَسْمِهِ وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَنْ بَاعَ مِنْ دَارِهِ حَظًّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَشْفُوعٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا. وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْبَائِعِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكُ لَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْبَاقِي فِي الْكُلِّ لِغَيْرِ الْبَائِعِ بَلْ الْبَاقِي لَهُ وَلِغَيْرِهِ هَذَا مَعَ مَا وَقَعَ الْإِشْكَالُ بِهِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ.، ثُمَّ وَجَدْنَا فِي مُبَيَّضَةِ الشَّيْخِ أَنَّ الرَّسْمَ مِنْ مَلَكَ بِعِوَضٍ مُشَاعًا مِنْ رُبُعِ بَاقِيهِ لِغَيْرِ الْبَائِعِ فَعَيْنُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَ مِنْ عَوْدِ الضَّمِيرِ وَخَرَجَتْ صُورَةُ النَّقْضِ بِمَنْ بَاعَ بَعْضَ مِلْكِهِ مِنْ الرُّبْعِ وَبَقِيَتْ عَلَيْهِ صُورَةُ مَا إذَا بَاعَ بَعْضَ حِصَّتِهِ مَعَ شَرِيكٍ لَهُ فَلَمْ يَظْهَرْ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الصُّورَةِ.، ثُمَّ ظَهَرَ فِي الْبَحْثِ أَيْضًا أَنْ قُلْنَا إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي هَذَا الرَّسْمِ مَنْ مَلَكَ وَخَصَّصَ ذِكْرَ الْمِلْكِ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 تُسْتَحَقُّ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِ الْمِلْكِ فَلَمْ يُعَبِّرْ بِقَوْلِهِ مَنْ عَاوَضَ بِعِوَضٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي مِلْكًا وَإِنَّمَا يُفِيدُ الْحِيَازَةَ، فَيُقَالُ عَلَيْهِ إذَا صَحَّ ذَلِكَ وَبَنَى عَلَيْهِ هَذَا الرَّسْمَ فَلِمَ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ فِي رَسْمَيْنِ قَبْلَ هَذَا الْأَوَّلِ فِي الْمُوجِبِ لِاسْتِحْقَاقِ الشَّفِيعِ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ ثُبُوتُ مِلْكِ الشَّفِيعِ لِشِقْصٍ شَائِعٍ مِنْ كُلٍّ مِنْ رُبُعٍ وَاشْتِرَاءُ غَيْرِهِ شِقْصًا آخَرَ مِنْهُ فَقَدْ ذَكَرَ الْمِلْكَ فِي ثُبُوتِ مِلْكٍ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي طَرَفِ الْمُشْتَرِي لِلشِّقْصِ فَعَلَى ذَلِكَ يَقُولُ وَمَلَكَ غَيْرُهُ شِقْصًا آخَرَ مِنْهُ وَقَالَ فِي الْأَخْذِ لِلشُّفْعَةِ هُوَ الشَّرِيكُ فِيهَا الشِّقْصُ الْمَبِيعُ بَعْضُهُ حِينَ بَيْعِهِ غَيْرُهُ فَلَمْ يَذْكُرْ الْمِلْكَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْبَيْعَ فَعَلَى مُقْتَضَاهُ يَقُولُ فِيمَا الشِّقْصُ الْمَمْلُوكُ بَعْضُهُ إلَخْ. وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ لَا يَقْتَضِي مِلْكًا فَلِأَيِّ شَيْءٍ خَصَّصَ بَعْضَ الرُّسُومِ بِذَكَرِ الْمِلْكِ دُونَ بَعْضٍ وَالشُّفْعَةُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَخْذَ بِهَا إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِ الْمُوجِبِ فِي الْمِلْكِ وَإِثْبَاتِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ حَكَمَ الْقَاضِي بِالشُّفْعَةِ وَهَذَا يَحْتَاجُ لِتَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ وَجَوَابٍ. (فَإِنْ قُلْت) إذَا وَهَبَ جُزْءًا مِنْ شِقْصٍ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ وَقِيلَ لَا شُفْعَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالشَّيْخُ ظَاهِرُهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِهَا (قُلْت) حَدُّهُ إنَّمَا هُوَ هُنَا لِلْمَشْهُورِ فِيمَا يَظْهَرُ وَهَذَا فِيهِ اضْطِرَابٌ فِي مَوَاضِعَ مِنْ حُدُودِهِ. (فَإِنْ قُلْت) إنْ صَحَّ الْجَوَابُ بِذَلِكَ عَنْ الْهِبَةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْجَوَابُ عَمَّنْ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ حَظُّهُ مِنْ دَارٍ مِنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهُ فَإِنَّ اللَّخْمِيَّ ذَكَرَ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهَا وَذَكَرَ عَنْهُ سَحْنُونٌ فِي نَظِيرِهَا أَنْ لَا شُفْعَةَ وَذَكَرَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّ الْأَظْهَرَ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ فَهَذِهِ الصُّورَةُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا حَدُّهُ مَعَ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهَا (قُلْت) لَعَلَّ الشَّيْخَ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَانِعِ الَّتِي مَنَعَتْ مِنْ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ بَعْدَ قَبُولِهَا وَلَوْ زَادَ الشَّيْخُ فِي الرَّسْمِ بَعْدَ الرُّبْعِ مَا أَلْحَقَ بِهِ لَكَانَ حَسَنًا خَوْفًا مِنْ الشُّفْعَةِ فِي الثِّمَارِ لِأَنَّ فِيهَا الشُّفْعَةَ عَلَى قَوْلِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَإِنْ قُلْت) هِبَةُ الثَّوَابِ قَالُوا إنَّهَا كَالْبَيْعِ فَهَلْ تَدْخُلُ فِي الْعِوَضِ (قُلْت) إنْ وَقَعَ الثَّوَابُ قَبْلَ الْفَوَاتِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَ الْفَوَاتِ فَفِي ذَلِكَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ عِوَضٌ بِالْقِيمَةِ وَقَوْلُهُ مُشَاعًا مَفْعُولٌ وَمَا بَعْدَهُ صِفَةٌ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَتَأَمَّلْ لِأَيِّ شَيْءٍ عَدَلَ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ أَخَصْرُ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ مَلَكَ وَيُؤَدِّي مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَعْنَى كَلَامِهِ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. [كِتَابُ الْقِسْمَةِ] (ق س م) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الْقِسْمَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ الْقِسْمَةُ تَصْيِيرُ مَشَاعٍ مِنْ مَمْلُوكِ مَالِكَيْنِ مُعَيَّنًا وَلَوْ بِاخْتِصَاصِ تَصَرُّفٍ فِيهِ بِقُرْعَةٍ أَوْ تَرَاضٍ قَوْلُهُ " تَصْيِيرُ " جِنْسٌ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ وَالْقِسْمَةُ كَذَلِكَ عُرْفًا وَتَصْيِيرُ الْمَشَاعِ مُعَيَّنًا هُوَ التَّمْيِيزُ قَوْلُهُ " مَشَاعٍ " هُوَ أَعَمُّ مِنْ تَعْيِينِ الْمُشْتَرِي أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ وَتَعْيِينُ مُطْلَقِ عَدَدٍ مُوصَى بِهِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَتَعْيِينُ مُعْتِقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ أَحَدَهُمَا قَوْلُهُ " مِنْ مَمْلُوكِ مَالِكَيْنِ " احْتَرَزَ بِهِ مِنْ تَعْيِينِ الْمَشَاعِ فِي مِلْكِ مَالِكٍ قَوْلُهُ " مُعَيَّنًا " أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا صَيَّرَهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَقَوْلُهُ " مِنْ مَمْلُوكٍ " مُتَعَلِّقٍ " بِمَشَاعٍ " وَقَوْلُهُ " مُعَيَّنًا " مَعْمُولٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّصْيِيرِ وَهُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ لَهُ وَالْأَوَّلُ الْمُضَافُ إلَيْهِ وَأَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا صَيَّرَهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَمَا قَدَّمْنَا قَوْلُهُ " وَلَوْ بِاخْتِصَاصِ تَصَرُّفٍ فِيهِ " جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى حَالٍ مُقَدَّرَةٍ قَبْلَهَا تَقْدِيرُهُ صَيَّرَهُ بِاخْتِصَاصٍ أَيَّ اخْتِصَاصٍ كَانَ، وَلَوْ كَانَ بِاخْتِصَاصِ تَصَرُّفٍ كَمَا قَدَّمْنَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَلَمَّا كَانَتْ الْقِسْمَةُ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِهَانَاتٌ أَوْ مُهَايَاتٌ وَتَرَاضٍ وَقُرْعَةٌ وَالْمَقْسُومُ يَنْقَسِمُ إلَى مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَإِلَى عَقَارٍ وَعُرُوضٍ ذَكَرَ مَا يَعُمُّ مَحَالَّ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ أَوْ الْأَنْوَاعِ فَزَادَ فِي رَسْمِهِ قَوْلَهُ: وَلَوْ إلَى آخِرِهِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ التَّعْيِينُ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ وَإِنْ كَانَ بِتَصَرُّفٍ وَلَوْ كَانَ تَعْيِينُ كُلِّ شَرِيكٍ يَخْتَصُّ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَشَاعِ الْمُعَيَّنِ. (فَإِنْ قُلْت) فَمَا فَائِدَةُ هَذِهِ الْغَايَةِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ إلَخْ وَهَلَّا قَالَ بِاخْتِصَاصِ تَصَرُّفٍ وَيَتَعَلَّقُ بِالتَّصْيِيرِ وَهُوَ أَخَصْرُ وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ أَوْ يَقُولُ بِاخْتِصَاصِ تَصَرُّفٍ أَوْ بِقُرْعَةٍ أَوْ تَرَاضٍ (قُلْت) يَظْهَرُ أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَلَوْ قَالَهُ لَصَحَّ وَمَا زَالَ يُشْكِلُ عَلَيْنَا فَهْمُهُ فَهَمَّنَا اللَّهُ عَنْهُ وَلَا يُقَالُ إنَّ قِسْمَةَ التَّرَاضِي لَيْسَتْ مَقْصُودَةً بِالذَّاتِ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ بَلْ الْمَقْصُودُ الْقُرْعَةُ؛ فَلِذَا ذَكَرَ بِالْغَايَةِ مَا يُوهِمُ عَدَمَ الدُّخُولِ فِي الْحَدِّ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ صَحَّ قَصْدُ ذَلِكَ لَمَا ذَكَرَ الْقُرْعَةَ فِي الْغَايَةِ وَصَحَّ مِنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذِكْرُ الْقُرْعَةِ وَالْمُرَاضَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 فِي الْحَدِّ مَعَ أَنَّهُمَا يَفْتَقِرَانِ إلَى تَعْرِيفٍ لِقُرْبِ تَعْرِيفِهِمَا بَعْدُ. (فَإِنْ قُلْت) قَدْ قَسَمْت الْقِسْمَةَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّرَاضِيَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُهَايَاتِ وَلَهَا لَفْظٌ يَخُصُّهَا (قُلْت) بَلْ ذَكَرَهَا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ بِاخْتِصَاصِ تَصَرُّفٍ وَهُوَ مُنْتَهَى الْغَايَةِ. (فَإِنْ قُلْت) قَوْلُهُ بِقُرْعَةٍ أَوْ تَرَاضٍ بِأَيِّ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ (قُلْت) الصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ بِقُرْعَةٍ أَوْ تَرَاضٍ يَتَعَلَّقُ بِالتَّصْيِيرِ لَا بِاخْتِصَاصِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا مِنْ دُخُولِ قِسْمَةِ الْمُهَايَاتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَلَّقَ بِالِاخْتِصَاصِ يَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى خُصُوصِيَّةِ الْقُرْعَةِ وَالتَّرَاضِي وَتَخْرُجُ الْمُهَانَاتُ، وَإِنْ عَلَّقَ بِالتَّصْيِيرِ صَحَّ دُخُولُ الْمُهَانَاتِ، وَقَدْ قَالَ بَعْدُ فِي رَسْمِ الْمُهَانَاتِ اخْتِصَاصُ شَرِيكٍ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ فَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى مَعَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ إشْكَالِهِ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَدْخُلُ قِسْمُ مَا عَلَى مَدِينٍ وَلَوْ كَانَ غَائِبًا نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ سَهْلٍ فِي طَعَامٍ سَلِمَ فَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ مَا ذَكَرُوا فِي بَابِ الصُّلْحِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ الرَّسْمَ عَلَى مَا يَعُمُّ الْمَشْهُورَ وَغَيْرَهُ قَالَ وَيَخْرُجُ تَعْيِينُ مُعْتِقِ عَبْدَيْنِ أَحَدَهُمَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ مَالِكَيْنِ قَوْلُهُ وَتَعْيِينُ مُطْلِقِ عَدَدٍ مُوصَى بِهِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْهُ بِمَوْتِ الزَّائِدِ قَبْلَ تَعْيِينِهِ بِالْقِسْمَةِ أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ إذَا أَوْصَى بِعَشَرَةٍ مِنْ عَبِيدِهِ وَهُمْ خَمْسُونَ، ثُمَّ مَاتُوا قَبْلَ إخْرَاجِ الْوَصِيَّةِ إلَّا عَشَرَةً فَإِنَّ الْعَشَرَةَ تَتَعَيَّنُ لِلْعِتْقِ إنْ حَمَلَ ذَلِكَ الثُّلُثَ وَهَذِهِ تَخْرُجُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ مَالِكَيْنِ وَيَخْرُجُ الْجَمِيعُ بِقَوْلِهِ بِقُرْعَةٍ أَوْ تَرَاضٍ كَذَا رَأَيْت لِبَعْضِ الشُّيُوخِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَضِيَ عَنْهُ قَالَ: لَمْ يُعَرِّفْهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا شَارِحُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الشَّيْخِ الْغُبْرِينِيِّ أَنَّهُ عَرَّفَهَا بِقَوْلِهِ اخْتِصَاصُ الشَّرِيكِ بِالْمَشَاعِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا مَعْنَاهُ التَّعْرِيفُ بِالِاخْتِصَاصِ الْمَذْكُورِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاخْتِصَاصَ الْمَذْكُورَ ثَابِتٌ حَالَ الشَّرِكَةِ إمَّا أَنَّهُ خَاصٌّ بِهَا أَوْ عَامٌّ فِي الشَّرِكَةِ وَفِي غَيْرِهَا وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا يَصِحُّ التَّعْرِيفُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَصَحَّ التَّعْرِيفُ بِالْمُبَايِنِ أَوْ الْأَعَمِّ وَهُوَ مُحَالٌ عَقْلًا وَإِذَا وُجِدَ فِي الشَّرِكَةِ كَانَ إمَّا خَاصًّا بِهَا أَوْ يُوجَدُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ خَاصًّا فَقَدْ ثَبَتَتْ الْمُبَايَنَةُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ وَالشَّرِكَةَ مُتَبَايِنَانِ وَإِلَّا ثَبَتَ أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الشَّرِكَةِ وَالْقِسْمَةِ فَلَا يَصِحُّ التَّعْرِيفُ بِمُبَايِنٍ وَلَا بِأَعَمَّ، ثُمَّ بَيَّنَ وُجُودَ الِاخْتِصَاصِ فِي الشَّرِكَةِ بِمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ إذَا بَاعَتْ إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ حَظَّهَا فَالْأُخْرَى أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَلَوْلَا اخْتِصَاصِهَا بِحَظِّهَا مَشَاعًا لَمْ تَشْفَعْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 (فَإِنْ قُلْت) مَا ذَكَرَهُ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَحِيحٌ وَهَلْ إذَا اشْتَرَتْ الزَّوْجَةُ حَظَّ زَوْجَةٍ مَعَهَا تَخْتَصُّ بِهِ عَنْ الْوَرَثَةِ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَدَّرَهُ أَمْ لَا (قُلْت) نَعَمْ هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْوَاقِعَةُ فِي زَمَنِ شَيْخِهِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَظَهَرَ لِشَيْخِهِ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ بِنَصِّهَا فِي قَوْلِهَا مَنْ ابْتَاعَ شِقْصًا هُوَ شَفِيعُهُ مَعَ شَفِيعٍ آخَرَ تَحَاصَّا فِيهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِمَا يَضْرِبُ فِيهِ الْمُشْتَرِي بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّارِ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَمَا جَعَلَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْمُحَاصَّةَ لِأَنَّهُ سَاوَاهُمْ فَكَذَا يَقَعُ الِاخْتِصَاصُ لِلْأَخَصِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَرَجَعَ لِإِنْصَافِهِ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إنْ عَنِيَ الشَّيْخُ الْغُبْرِينِيُّ بِالِاخْتِصَاصِ مَا فَهِمْنَاهُ وَإِنْ فَسَّرَهُ بِتَعْيِينِ مَا كَانَ مَشَاعًا فَفِيهِ عِنَايَةٌ بِغَيْرِ لَفْظِ مُعَيِّنِهَا مَعَ يُسْرِهِ، ثُمَّ أَبْطَلَ طَرْدَهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْعِنَايَةِ بِاخْتِصَاصِ مُوصًى لَهُ بِعَدَدِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَذَلِكَ بِاخْتِصَاصِ مَنْ تَعَدَّى عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِمَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا الْمِثْلِيِّ قَدْرَ حَظِّ الْمُتَعَدِّي، كَنَقْلِهِ قَفِيزَ حِنْطَةٍ بَيْنَهُمَا فِي مَفَازَةٍ غَرَرًا تَلِفَ بِقَدْرِ حَظِّ النَّاقِلِ مِنْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ، ثُمَّ إنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ نَقَلَهُ إلَى مَفَازَةٍ غَرَرًا، فَأَتْلَفَ بِذَلِكَ مِقْدَارَ حَظِّهِ فَإِنَّ الْحَظَّ الْبَاقِيَ يَخْتَصُّ بِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقِسْمَةٍ فَهُوَ وَارِدٌ عَلَى طَرْدِ الْحَدِّ. (فَإِنْ قُلْت) هَذَا الِاخْتِصَاصُ يَجْرِي عَلَى أَنَّ الْجُزْءَ الْمَشَاعَ يَتَعَيَّنُ (قُلْت) لَا يَجْرِي عَلَى ذَلِكَ إذَا تَأَمَّلْت لِأَجْلِ التَّعَدِّي مِنْ الشَّرِيكِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَرَأَيْت لِبَعْضِ الشُّيُوخِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ قَالَ يُرَدُّ عَلَى رَسْمِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ اشْتَرَى وَيْبَةً مِنْ صُبْرَةٍ، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ الصُّبْرَةِ فَالْحَدُّ صَادِقٌ عَلَى ذَلِكَ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِقِسْمَةٍ وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ بَلْ نَلْتَزِمُ أَنَّ ذَلِكَ قِسْمَةٌ بِتَرَاضٍ؛ لِأَنَّ الرَّسْمَ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْقِسْمَةُ فَرْعُ الشَّرِكَةِ وَلَا شَرِكَةَ هَاهُنَا بِدَلِيلِ مَا إذَا ضَاعَ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الصُّبْرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ صَاحِبُ الْوَيْبَةِ وَانْظُرْ هَلْ تَخْرُجُ بِقَوْلِهِ بِقُرْعَةٍ أَوْ تَرَاضٍ. (فَإِنْ قُلْت) يُرَدُّ عَلَى رَسْمِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ بِمَا إذَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مَالِكَيْنِ إنْ كَانَ لَفْظُهُ تَثْنِيَةً وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ جَمْعًا فَيَكُونُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ بِالِاثْنَيْنِ الْمَالِكَيْنِ (قُلْت) فِيهِ تَأَمُّلٌ. [بَابُ قِسْمَة الْمُهَانَاتِ] (ق س م) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 بَابُ قِسْمَةِ الْمُهَانَاتِ وَيُقَالُ الْمُهَانَاتِ وَالْمُهَايَاتِ وَمَعْنَاهُمَا صَحِيحٌ. قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " اخْتِصَاصُ كُلِّ شَرِيكٍ بِمُشْتَرَكٍ فِيهِ عَنْ شَرِيكِهِ فِيهِ زَمَنًا مُعَيَّنًا مِنْ مُتَّحِدٍ أَوْ مُتَعَدِّدٍ يَجُوزُ فِي نَفْسِ مَنْفَعَتِهِ لَا فِي غَلَّتِهِ " قَوْلُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اخْتِصَاصٌ. (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ صَحَّ لِلشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ عَرَّفَ هَذِهِ الْقِسْمَةَ بِالِاخْتِصَاصِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْهُ مَا اعْتَرَضَ بِهِ عَلَى الشَّيْخِ الْغُبْرِينِيِّ فِي تَعْرِيفِ الْقِسْمَةِ الْمُطْلَقَةِ بِالِاخْتِصَاصِ مَعَ أَنَّ السُّؤَالَ يُرَدُّ عَلَيْهِ هُنَا بِعَيْنِهِ (قُلْت) يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ هُنَا بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالِاخْتِصَاصِ تَعْيِينُ الْمَشَاعِ وَلَا عِنَايَةَ هُنَا لِمَا ذَكَرَ فِي رَسْمِهِ مِمَّا يُعَيِّنُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَإِنْ قُلْت) وَكَيْفَ صَحَّ لِلشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ صَيَّرَ جِنْسَ الْمُهَانَاتِ الِاخْتِصَاصَ وَهُوَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّك إذَا عَرَّفْت الْحَيَوَانَ الْمُقَسَّمِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ فَإِنَّمَا تَجْعَلُ الْجِنْسَ لِحَدِّ الْإِنْسَانِ الْحَيَوَانِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ عَرَّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقِسْمَةَ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحَيَوَانِ، ثُمَّ قَسَّمَهَا، ثُمَّ عَرَّفَ أَقْسَامَهَا فَالْجَارِي عَلَى مَا قُلْنَاهُ أَنْ يَقُولَ قِسْمَةُ الْمُهَانَاتِ تَصْيِيرُ شَرِيكٍ يَخْتَصُّ عَنْ شَرِيكِهِ، ثُمَّ يَزِيدُ بَقِيَّةَ حَدِّهِ (قُلْت) هَذَا تَعْرِيفٌ بِالْخَاصَّةِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِصَاصَ الْمَذْكُورَ الَّذِي هُوَ التَّعَيُّنُ خَاصِّيَّةً لِقِسْمَةِ الْمُهَانَاتِ وَمَا ذَكَرَ السَّائِلُ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ لَا الرَّسْمِيِّ قَوْلُهُ " بِمُشْتَرَكٍ فِيهِ " أَخْرَجَ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا فِيهِ قَوْلُهُ " عَنْ شَرِيكِهِ فِيهِ " قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ أَخْرَجَ لَا عَنْ شَرِيكِهِ فِيهِ قَوْلُهُ " زَمَنًا مُعَيَّنًا " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَوْلُهُ " مِنْ مُتَّحِدٍ " كَالْعَبْدِ بَيْنَهُمَا " أَوْ مُتَعَدِّدٍ " كَعَبْدَيْنِ بَيْنَهُمَا فَإِذَا كَانَ عَبْدَانِ لِرَجُلَيْنِ قَالَ كُلٌّ لِصَاحِبِهِ نَخْدُمُ أَنَا يَوْمًا أَوْ شَهْرًا وَأَنْتَ كَذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُهَانَاتِ وَكَأَنَّهَا إجَارَةٌ. (فَإِنْ قُلْت) ذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّهَا مُنْقَسِمَةٌ إلَى قِسْمَيْنِ مُقَاسَمَةُ الزَّمَانِ وَمُقَاسَمَةُ الْأَعْيَارِ وَالشَّيْخُ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا مُقَاسَمَةَ الزَّمَانِ (قُلْت) لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ الْأَمْرَانِ لِقَوْلِهِ مُشْتَرَكٌ فِيهِ وَاعْتَرَضَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامَ عِيَاضٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ وَاحِدًا تَعَلَّقَ الْقِسْمُ فِيهِ بِالزَّمَانِ لِذَاتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 وَإِنْ كَانَ الْقِسْمُ فِي الْمُشْتَرَكِ الْمُتَعَدِّدِ تَعَلَّقَ الْقِسْمُ فِيهِ بِالزَّمَانِ بِالْعَرَضِ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَهُ بِالذَّاتِ آحَادُ الْمُشْتَرَكِ فِيهِ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الزَّمَانِ إذْ بِهِ يُعْلَمُ قَدْرُ الِانْتِفَاعِ وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَاخْتَلَفَ فِي الْقَدْرِ الْمُدَّةِ وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الشَّيْخُ الْمُدَّةَ الْمُعَيَّنَةَ عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا وَذَلِكَ لَازِمٌ لَهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا وَكَذَلِكَ فِي الدَّارِ وَغَيْرِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالسُّكْنَى وَالرُّكُوبِ وَالزِّرَاعَةِ لَا بِالِاسْتِغْلَالِ وَلِذَا قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجُوزُ فِي نَفْسِ مَنْفَعَتِهِ لَا فِي غَلَّتِهِ وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا لِلْمُهَانَاتِ مُسْتَأْنَفًا وَالْأَوَّلُ الظَّاهِرُ. (فَإِنْ قُلْت) قَدْ قَالُوا بِجَوَازِ قِسْمِ الْحَبْسِ بِالِاسْتِغْلَالِ وَفِيهِ خِلَافٌ (قُلْت) الْخِلَافُ فِيهِ كَمَا ذَكَرْت وَتَأَمَّلْ مَا تَأَوَّلَ بِهِ الشَّيْخُ ذَلِكَ مِنْ حَمْلِ الْقِسْمِ عَلَى ثَمَنِ الْمَنْفَعَةِ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَنْفَعُ بِهِ وَبِعِلْمِهِ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. [بَابُ فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي] (ق س م) : بَابُ فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَمَّاهَا الْقَاضِي قِسْمُهُ بَيْعٍ وَهِيَ أَخْذُ بَعْضِهِمْ بَعْضَ مَا بَيْنَهُمْ عَلَى أَخْذِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُ مَا يَعْدِلُهُ بِتَرَاضٍ مِلْكًا لِلْجَمِيعِ قَوْلُهُ أَخَذَ بَعْضُهُمْ. (فَإِنْ قُلْت) صَيَّرَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْجِنْسَ أَخْذًا فَهَلَّا قَالَ بَيْعُ بَعْضِهِمْ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا كَمَا ذَكَرَ عَنْ الْقَاضِي (قُلْت) يَظْهَرُ مِنْ رَسْمِهِ أَنَّهَا عِنْدَهُ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ بَيْعٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ بِالْمُرَاضَاةِ وَبِالْعَقْدِ وَقَوْلُهُ أَخَذَ ظَاهِرٌ فِي قَصْدِ الْمُعَاطَاةِ الْفِعْلِيَّةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بَيْعٌ وَتَأَمَّلْ لِأَيِّ شَيْءٍ قَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ تَصْيِيرُ وَهُنَا أَخَذَ وَانْظُرْ هَلْ الْأَخْذُ عَيْنُ قِسْمَةِ التَّرَاضِي أَوْ هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْهَا وَالضَّمِيرُ فِي بَعْضِهِمْ عَائِدٌ عَلَى الشُّرَكَاءِ أَيْ أَخَذَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بَعْضَ مَا بَيْنَهُمْ وَأَخْرَجَ بِالشُّرَكَاءِ الْأَجَانِبَ وَأَخْرَجَ بِالْبَعْضِ الْكُلَّ وَأَخْرَجَ بِمَا بَيْنَهُمْ مَا لَيْسَ فِيهِ شَرِكَةٌ. (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ صَحَّ جَمْعُ الشُّرَكَاءِ مَعَ أَنَّهُمَا قَدْ يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فَقَطْ (قُلْت) لَعَلَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ وَلَوْ قَالَ شَرِيكَيْنِ فَصَاعِدًا لَكَانَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ عَلَى أَخَذَ مُتَعَلِّقٌ بِأَخْذِ وَقَوْلُهُ كُلّ وَاحِدٍ لَا بُدَّ مِنْهُ وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ مَا إذَا لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ بِتَرَاضٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعِ مُرَاضَاةٍ قَوْلُهُ مِلْكًا لِلْجَمِيعِ حَالٌ مِنْ الْبَعْضِ أَخْرَجَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لِلْجَمِيعِ بَلْ كَانَ لِلْبَعْضِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَاب فِي قِسْمَة الْقُرْعَةِ] (ق س م) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 بَابٌ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هِيَ الْمَذْكُورَةُ بِالذَّاتِ يَعْنِي الْمَقْصُودَةَ بِالذَّاتِ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَهِيَ قِسْمَةُ الْقُرْعَةِ وَهِيَ فِعْلُ مَا يُعَيِّنُ حَظَّ كُلِّ شَرِيكٍ مِمَّا بَيْنَهُمْ بِمَا يَمْتَنِعُ عِلْمُهُ حِينَ فِعْلِهِ قَوْلُهُ فِعْلُ مَا يُعَيِّنُ هَذَا جِنْسٌ لِقِسْمَةِ الْقُرْعَةِ فَيُجَزَّأُ الْمَقْسُومُ بِالْقِيمَةِ عَلَى عَدَدِ سِهَامٍ أَقَلُّهُمْ جُزْءًا قَوْلُهُ مِمَّا بَيْنَهُمْ أَخْرَجَ بِهِ تَعْيِينَ مَا لَيْسَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ مِمَّا تُخْرِجُهُ قِسْمَةُ الْقُرْعَةِ فِي غَيْرِ هَذَا مِمَّا يُعَيِّنُ مَا لَيْسَ بَيْنَهُمْ قَوْلُهُ بِمَا يَمْتَنِعُ عِلْمُهُ حِينَ فِعْلِهِ أَخْرَجَ بِهِ مَا يَكُونُ فِيهِ الْفِعْلُ الْمَذْكُورُ مَعْلُومًا حِينَ الْفِعْلِ وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ يُعَيِّنُ أَيْ التَّعْيِينُ وَاقِعٌ بِشَيْءٍ يَمْتَنِعُ عِلْمُهُ حِينَ فِعْلِ التَّعْيِينِ فِيمَا عُلِمَ حِينَ فِعْلِهِ بِالتَّعْيِينِ لَيْسَ بِقُرْعَةٍ وَالْقُرْعَةُ وَكَيْفِيَّتُهَا مُقَرَّرَةٌ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَيُجَزَّأُ إلَخْ وَكَيْفِيَّةُ الْعَمَلِ قَدْ قَرَّرُوهُ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَحَلِّهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ لَا رَبَّ غَيْرُهُ. . [بَاب الْمَقْسُوم لَهُ] (ق س م) : بَابُ الْمَقْسُومِ لَهُ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذُو شِرْكٍ فِيمَا يَنْقَسِمُ قَوْلُهُ " ذُو شِرْكٍ " الْجِنْسُ مُنَاسِبٌ لِلْمَحْدُودِ قَوْلُهُ " فِيمَا يَنْقَسِمُ " أَخْرَجَ بِهِ مَا لَا يَنْقَسِمُ لِأَنَّهُ لَا قَسْمَ فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حُكْمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يُجْبَرُ لَهُ شَرِيكُهُ فِيهِ إنْ طَلَبَهُ. (فَإِنْ قُلْت) قَوْلُهُ فِيمَا يَنْقَسِمُ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا لَا يَنْقَسِمُ لَا قِسْمَةَ فِيهِ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْمَذْهَبِ مَسَائِلَ يَقَعُ الْقَسْمُ فِيهَا كَالْحَائِطِ قِيلَ يَنْقَسِمُ وَقِيلَ لَا " قُلْت " الْخِلَافُ فِيهِ خِلَافٌ فِي حَالٍ فَمَنْ رَآهُ كَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ أَوْ الْخَشَبَةِ فَفِيهِ ضَرَرٌ وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ يَقَعُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَعْدَ الْقَسْمِ يَقُولُ بِجَوَازِهِ. (فَإِنْ قُلْت) إذَا كَانَ ثَوْبٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ وَدَعَا أَحَدُهُمَا إلَى قَسْمِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْسَمُ وَكَيْفَ (قُلْت) قَالُوا يَتَقَاوَيَاهُ فِيمَا بَيْنَهُمَا أَوْ يَبِيعَانِهِ فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ وَاسْتَقَرَّ عَلَى ثَمَنٍ فَلِمَنْ أَبَى الْبَيْعَ أَخْذُهُ بِالثَّمَنِ قَالَ الْقَاضِي وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْمُقَاوَاةِ، وَأَمَّا طَالِبُ الْبَيْعِ فَلَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِزِيَادَةٍ اُنْظُرْ الْمُدَوَّنَةَ وَشُرَّاحَهَا وَمَا فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ مَا يُحْكَمُ فِيهِ بِبَيْعِ مَا لَا يَنْقَسِمُ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِدَعْوَى شَرِيكٍ فِيهِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الشَّرِكَةِ بِنَقْصِ ثَمَنِ حَظِّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 مُفْرَدًا عَنْ ثَمَنِهِ فِي بَيْعِ كُلِّهِ قَوْلُهُ " بِدَعْوَى شَرِيكٍ " مَعْنَاهُ إذَا دَعَا شَرِيكٌ فِي الشَّيْءِ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى الشَّرِكَةِ فِيهِ، وَأَمَّا إنْ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يُجْبَرُ غَيْرُهُ وَيُجْبَرُ هُوَ قَوْلُهُ " بِنَقْصٍ " إلَخْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ قَالَ الشَّيْخُ قَيَّدَ بِهَا غَيْرَ وَاحِدٍ ذَلِكَ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقَعُ نَقْصٌ فَلَا يَقَعُ جَبْرٌ وَإِذَا دَخَلَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَلَا يَصِحُّ جَبْرُهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ إلَّا مَا وَقَعَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْهِنْدِيِّ زَادَ اللَّخْمِيُّ إذَا كَانَ الرُّبْعُ لِلتَّجْرِ فَلَا جَبْرَ فِيهِ وَانْظُرْ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَانْظُرْ مَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ شَيْخِهِ وَتَأَمَّلْ مَا هُنَا مِنْ الْمَسَائِلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْقِرَاضِ] (ق ر ض) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الْقِرَاضِ الْقِرَاضُ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " تَمْكِينُ مَالٍ لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ لَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ " الْقِرَاضُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمُضَارَبَةُ فِي الْأَرْضِ وَخَصَّهُ الشَّارِعُ بِشَيْءٍ خَاصٍّ فَقَالَ الشَّيْخُ فِي جِنْسِهِ تَمْكِينٌ فَصَيَّرَهُ فِعْلًا مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ. (فَإِنْ قُلْت) تَمْكِينُ مَالٍ هَلْ هُوَ إعْطَاءُ الْمَالِ أَوْ التَّمْكِينُ أَعَمُّ (قُلْت) يَظْهَرُ أَنَّ التَّمْكِينَ أَعَمُّ مِنْ الْإِعْطَاءِ لُغَةً فَإِنْ كَانَ التَّمْكِينُ أَعَمَّ فَهُوَ بِمَعْنَى الْإِذْنِ فِي مَالٍ لَمْ يُتَّجَرْ بِهِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِنَا قَارَضَ فُلَانٌ فُلَانًا أَيْ أَذِنَ لَهُ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي إعْطَاءِ الْمَالِ وَعَلَى كُلٍّ فَلَيْسَ بِعَقْدٍ لَازِمٍ قَبْلَ الْعَمَلِ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ عَقْدٌ عَلَى تَمْكِينِ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَلِذَا تَعَقَّبَ عَلَى لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ الْفَسْخُ قَبْلَ الْعَمَلِ فَإِنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَكُونُ فِي عَقْدٍ لَازِمٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ أَعَمُّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَرَّفَ الْجُعْلَ بِالْعَقْدِ، وَقَدْ عَبَّرَ بَعْدُ بِالْعَقْدِ. (فَإِنْ قُلْت) ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا تَقَدَّمَ فِي رَسْمِ الْوَدِيعَةِ بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ نَقْلُ مَالٍ لِمُجَرَّدِ حِفْظِ إلَخْ فَصَيَّرَ الْجِنْسَ النَّقْلَ فَهَلَّا قَالَ هُنَا نَقْلُ مِلْكٍ إلَخْ وَهُوَ أَخَصْرُ مِنْ تَمْكِينِ (قُلْت) هَذَا مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَأَمُّلٍ وَجَوَابٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ النَّقْلَ يَسْتَدْعِي قَبْضًا فِعْلِيًّا بِخِلَافِ التَّمْكِينِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَقَدَ الْقِرَاضَ فِي مَالٍ وَلَمْ يَزَلْ بِيَدِ رَبِّهِ يَصْدُقُ التَّمْكِينُ دُونَ النَّقْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 وَذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ وَقَوْلُهُ " بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ " ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ بِدِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ جُزْءٌ مِنْ الرِّبْحِ، وَقَدْ نَصَّ فِيهَا عَلَى أَنَّهُ قِرَاضٌ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْجُزْءِ أَنْ يَعْلَمَ نِسْبَتَهُ أَوْ يُقَالُ قَوْلُهُ بِجُزْءٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الدِّرْهَمُ وَمَا شَابَهَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَاجِيِّ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ مِنْ الرِّبْحِ فِيهِ نِسْبَةٌ قَوْلُهُ " مَالٍ " احْتَرَزَ بِهِ مِنْ تَمْكِينِ غَيْرِ الْمَالِ وَأَطْلَقَ فِي الْمَالِ وَظَاهِرُهُ كَانَ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا لِيَعُمَّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ قَوْلُهُ " لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ " أَخْرَجَ بِهِ تَمْكِينَهُ لِغَيْرِ التَّجْرِ قَوْلُهُ " بِجُزْءٍ " أَخْرَجَ بِهِ مِنْ تَمْكِينِهِ لِيَتَّجِرَ بِهِ بِضَاعَةً وَقَوْلُهُ " مِنْ رِبْحِهِ " أَخْرَجَ بِهِ الْإِجَارَةَ عَلَى التِّجَارَةِ قَوْلُهُ " لَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ " أَخْرَجَ بِذَلِكَ إذَا مَكَّنَهُ عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالٍ بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ وَعَبَّرَ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فِيهِ. (فَإِنْ قُلْت) قَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقِرَاضَ الْفَاسِدَ يَدْخُلُ فِي حَدِّهِ كَالْقِرَاضِ بِالدَّيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَرْسُمُ فِي غَالِبِ أَمْرِهِ الْمَاهِيَّةَ الصَّحِيحَةَ (قُلْت) هَذَا اخْتَلَفَ فِيهِ حَالُهُ فِي رَسْمِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ قَبْلَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ. (فَإِنْ قُلْت) قَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْبَرَكَةُ سَيِّدِي أَبُو قَاسِمٍ الْبُرْزُلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الشَّيْخَ رَسَمَ الْقِرَاضَ مَرَّةً بِقَوْلِهِ عَقْدٌ عَلَى التَّجْرِ بِالْمَالِ بِقَدْرٍ لَا مِنْ غَيْرِ رِبْحِهِ لَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ قَالَ وَعَلَى كُلِّ اعْتِرَاضٍ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْحَدَّيْنِ فَمَا هُوَ الِاعْتِرَاضُ (قُلْت) الْحَدَّانِ اللَّذَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا هُمَا اللَّذَانِ ذَكَرَ الشَّيْخُ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي الثَّانِي، وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَعَلَّهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ عَلَى الثَّانِي فَلَعَلَّهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِ مَا ذَكَرَ فِي جِنْسِ الثَّانِي الْعَقْدَ وَفِي الْأَوَّلِ التَّمْكِينُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُ اعْتِرَاضٌ آخَرُ غَيْرُ الْمَذْكُورِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى الْحَدِّ الثَّانِي الْقِرَاضُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ مِنْ الثَّانِي قَوْلُهُ لَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَيْهِ كَمَا أُورِدَتْ عَلَى حَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَخْرُجُ عَنْ الْحَدِّ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَعْطَى رَجُلًا مَالًا يَعْمَلُ بِهِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلْعَامِلِ وَإِنَّمَا خَرَجَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ فِي الْحَدِّ أَنَّ جُزْءَ الرِّبْحِ لِلْعَامِلِ لَا كُلَّهُ فَإِذَا كَانَ كُلُّهُ فَلَيْسَ بِقِرَاضٍ. وَهَذِهِ الصُّورَةُ أَجَازَهَا فِيهَا وَقَالَ لَا بَأْسَ بِهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَى عَامِلِهَا وَخَالَفَ سَحْنُونٌ فِيهَا وَفِيهَا أَقَاوِيلُ مَعْلُومَةٌ وَتَعَالِيلُ مَرْسُومَةٌ وَيَظْهَرُ قَوْلُ سَحْنُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 لِأَنَّ ذَلِكَ كَالسَّلَفِ مُعَيَّنًا وَإِنَّمَا يَنْظُرُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى الْفِعْلِ لَا إلَى الْقَوْلِ وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ قَوْلًا بِالْمَنْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا رَأَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الضَّمَانِ وَغَيْرِهِ فِي صُورَةِ الرِّبْحِ لِلْعَامِلِ يُوجِبُ الْخِلَافَ هَلْ ذَلِكَ قِرَاضٌ أَوْ لَيْسَ بِقِرَاضٍ وَكَانَ الْحَدُّ لِأَمْرٍ أَعَمَّ مِنْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ قَالَ: فَإِنْ أُرِيدَ إدْخَالُ ذَلِكَ فِي الْحَدِّ وَتَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ قِرَاضًا قِيلَ فِي الْحَدِّ عَقْدٌ عَلَى التَّجْرِ بِمَالٍ بِعِوَضٍ لَيْسَ مِنْ غَيْرِ رِبْحِهِ قَوْلُهُ " عَقْدٌ " صَيَّرَ الْجِنْسَ هُنَا عَقْدًا وَأَوَّلًا تَمْكِينًا، وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا فِيهِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِالتَّمْكِينِ الدَّفْعُ وَالْإِعْطَاءُ كَمَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا قَوْلُهُ " عَلَى التَّجْرِ بِمَالٍ " تَقَدَّمَ مَا أَخْرَجَ بِهِ قَوْلُهُ " بِعِوَضٍ " تَقَدَّمَ مَا أَخْرَجَ بِهِ. قَوْلُهُ " لَيْسَ إلَخْ " إنَّمَا عَبَّرَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لِيُحَافِظَ عَلَى جَمِيعِ حَدِّهِ بِدُخُولِ الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ مِنْ غَيْرِ رِبْحِهِ هُوَ أَعَمُّ مِنْ جُزْءِ رِبْحِهِ وَمِنْ رِبْحِهِ كُلِّهِ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَحِمَهُ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ عَرَّفَ الْقِرَاضَ بِقَوْلِهِ إجَارَةٌ عَلَى التَّجْرِ بِمَالٍ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ قَالَ الشَّيْخُ وَيَبْطُلُ طَرْدُهُ بِمَدْلُولِ لَفْظِ مِنْ قَالَ آجَرْتُك عَلَى التَّجْرِ لِي بِهَذِهِ الْمِائَةِ سَنَةً بِنِصْفِ رِبْحِهَا، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَحِمَهُ ذَكَرَ جَوَابَ شَيْخِهِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْإِيرَادِ عَلَى حَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَدَمِ طَرْدِهِ وَإِنَّ ذَلِكَ إجَارَةٌ لَا قِرَاضٌ وَالْحَدُّ يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَحَاصِلُ جَوَابِ شَيْخِهِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ مَنَعَ أَنَّ الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْقِرَاضِ بَلْ مِنْهُ وَاعْتِبَارُ اللَّفْظِ فِي الْقِرَاضِ بِلَفْظِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَمْرٌ تَصْدِيقِيٌّ لَا تَصَوُّرِيٌّ وَالْكَلَامُ فِي التَّصَوُّرِ لَا فِي التَّصْدِيقِ فَلَا اعْتِبَارَ فِي ذِكْرِ اللَّفْظِ فِي الْقِرَاضِ بِحَالٍ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَادًّا عَلَى شَيْخِهِ رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ لَا يَصِحُّ إلْغَاءُ اعْتِبَارِ اللَّفْظِ فِي الْقِرَاضِ وَفِي بَيَانِ حَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ جَعْلِيَّةٌ فَكَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ فِي بَعْضِهَا مُعْتَبَرًا فَهُوَ كَذَاتِيٍّ لَهَا بِالْجَعْلِ الشَّرْعِيِّ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ فَمَعْنَى قَارَضْت بِنِصْفِ الرِّبْحِ وَأَجَرْت بِهِ مُمَاثِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ فَقَطْ وَمِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَعَلَى الثَّانِي بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ يَتَخَلَّفَانِ الْأَوَّلُ قِرَاضٌ وَالثَّانِي إجَارَةٌ هَذَا الْمُقَرَّرُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ ضَرُورَةً فَقَوْلُهُ بِلَغْوِ اعْتِبَارِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَةِ الْقِرَاضِ وَالْإِجَارَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ، ثُمَّ قَالَ الْحَقُّ أَنَّ النَّقْضَ وَارِدٌ عَلَى لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ. هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثُمَّ قَالَ فِي تَمَامِ رَدِّهِ عَلَى شَيْخِهِ، ثُمَّ قَوْلُهُ وَانْعِقَادُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 الْقِرَاضِ بِلَفْظِ الْقِرَاضِ وَغَيْرِهِ لَيْسَ مِنْ تَصَوُّرِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ أَحْكَامِهِ وَيَرْجِعُ إلَى التَّصْدِيقِ يُرَدُّ بِأَنَّا إنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِهِ لَمْ يَلْزَمْ رُجُوعُهُ لِلتَّصْدِيقِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ أَعَمُّ مِنْ التَّقْيِيدِيِّ وَالْإِسْنَادِيِّ وَالْأَعَمُّ لَا إشْعَارَ لَهُ بِالْأَخَصِّ هَذَا مَعْنَى بَحْثِهِ. (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ سَلَّمَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِابْنِ الْحَاجِبِ جَعْلَ جِنْسِ الْقِرَاضِ إجَارَةً وَهُوَ قَدْ صَوَّبَ فِي رَسْمِهِ التَّمْكِينَ وَالتَّمْكِينُ غَيْرُ الْإِجَارَةِ (قُلْت) لَعَلَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّسْلِيمِ أَوْ رَأَى الِاعْتِرَاضَ بِهِ ضَعِيفًا وَهُوَ بَعِيدٌ لَا يُعْتَرَضُ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا. (فَإِنْ قُلْت) إذَا عَرَّفَ بِجَعْلِ الْجِنْسِ إجَارَةً يُرَدُّ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ بِالْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ يَأْتِي رَسْمُهَا، وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ شَارِحُهُ فِي غَيْرِ هَذَا بِمِثْلِ هَذَا. (قُلْت) يَظْهَرُ أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَيْهِ فَإِنَّ قِيلَ هَذَا يَرُدُّ عَلَى حَدِّ الشَّيْخِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَا بِلَفْظِ إجَارَةٍ (قُلْت) لَهُ أَنْ يَقُولَ لَفْظُ الْإِجَارَةِ أَشْهَرُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَتَأَمَّلْ رَسْمَ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي قَوْلِهِ تَوْكِيلٌ عَلَى تَجْرٍ فِي نَقْدٍ مَضْرُوبٍ مُسَلَّمٍ بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ إلَخْ مَعَ رَسْمِ الشَّيْخِ وَابْنِ الْحَاجِبِ. [بَابٌ فِي شَرْطِ مَالِ الْقِرَاضِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرْطُ الْمَالِ كَوْنُهُ عَيْنًا مَعْلُومًا مَحُوزًا قَوْلُهُ " شَرْطُ الْمَالِ كَوْنُهُ عَيْنًا " هَذِهِ الشُّرُوطُ إذَا اجْتَمَعَتْ جَازَ فِي الْمَالِ الْقِرَاضُ بِاتِّفَاقٍ وَعَبَّرَ بِالْعَيْنِ؛ لِأَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ الْعَيْنَ هُوَ الْمَضْرُوبُ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ النَّقْدِ وَالْحُلِيِّ وَالتِّبْرِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ قَوْلُهُ " مَعْلُومًا " هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَالُ غَيْرَ مَعْلُومٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَخْرَجَ بِهِ الْمَالَ الْمَجْهُولَ قَدْرَهُ أَوْ صِفَتَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَقَرَّرُ بِهِ جَهْلُهُ قَالَ ابْنُ شَاسٍ احْتِرَازًا مِنْ دَفْعِ صُرَّةٍ عَيْنًا قِرَاضًا؛ لِأَنَّ جَهْلَ الْمَالِ يُؤَدِّي إلَى جَهْلِ الرِّبْحِ قَالَ الشَّيْخُ وَذَلِكَ وَاضِحٌ مِنْ مُقْتَضَى الْعَادِيَاتِ قَوْلُهُ " مَحُوزًا " أَخْرَجَ الدَّيْنَ إذَا قَارَضَ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَلْ لَا بُدَّ فِي الْمَالِ الْعَيْنِ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَازَهُ الْعَامِلُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَارَضَهُ بِدَيْنٍ عَلَى أَنْ يُخَلِّصَهُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَإِنْ وَقَعَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. (فَإِنْ قُلْت) وَكَذَلِكَ إذَا أَعْطَاهُ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ يَصْرِفَهَا فَقَالَ فِيهَا لَا خَيْرَ فِيهِ أَيْضًا (قُلْت) ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ مَحُوزًا لِأَنَّ مَا صَرَفَ بِهِ أَخَذَهُ قِرَاضًا قَبْلَ حَوْزِهِ وَقَوْلُهُ " عَيْنًا " أَخْرَجَ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 مَا عَدَا الْعَيْنَ. (فَإِنْ قُلْت) قَدْ قَالَ الشَّيْخُ بَعْدَ رَسْمِهِ وَأَصْلُهَا كَالنَّقْرِ حَيْثُ التَّعَامُلُ بِهَا جَائِزٌ اتِّفَاقًا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَقَدْ قُلْت بِأَنَّ الشُّرُوطَ لِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَحَقُّهُ أَنْ يُقَالَ عَيْنٌ أَوْ نَقْرٌ وَقَعَ التَّعَامُلُ بِهَا (قُلْت) مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا هُوَ عَلَى طَرِيقِ اللَّخْمِيِّ، وَقَدْ نَقَلَ الْخِلَافَ عَنْ غَيْرِهِ بَعْدُ، وَيَخْرُجُ التِّبْرُ وَفِيهِ خِلَافٌ، وَيَخْرُجُ الْفُلُوسُ وَفِيهَا خِلَافٌ أَيْضًا وَيَخْرُجُ الْعَرْضُ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْمَذْهَبُ عَلَى الْمَنْعِ بِهِ وَاخْتَلَفَ إذَا قَالَ لَهُ خُذْ هَذَا الْعَرْضَ بِعْهُ وَلَك أَجْرُ كَذَا وَاعْمَلْ بِثَمَنِهِ قِرَاضًا وَفِيهِ قَوْلَانِ بَيَّنَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَالْقَابِسِيُّ ذِكْرَ ذَلِكَ غَيْرُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ مَحُوزًا الدَّيْنَ إذَا كَانَ عَلَى رَجُلٍ فَلَا يَجُوزُ جَعْلُهُ قِرَاضًا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهَا ابْنُ يُونُسَ، وَغَيْرُهُ حَمَلَهَا عَلَى الْكَرَاهَةِ وَوَقَعَ لِلَّخْمِيِّ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ إذَا كَانَ مُوسِرًا غَيْرَ مُلِدٍّ. (فَإِنْ قُلْت) إنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْعَامِلِ فَهَلْ يَجُوزُ جَعْلُهُ قِرَاضًا لَهُ وَالرَّسْمُ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ أَنَّهُ عَيْنُ مَعْلُومٍ مَحُوزٍ (قُلْت) قَدْ وَقَعَ فِيهَا أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ أَيْضًا. (فَإِنْ قُلْت) لِأَيِّ شَيْءٍ مُنِعَ (قُلْت) عَلَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهُ أَنْظَرَهُ عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ لَهُ بِنِصْفِ الرِّبْحِ وَذَلِكَ رِبًا. (فَإِنْ قُلْت) هَلْ تَرِدُ هَذِهِ الصُّورَةُ (قُلْت) لَا تَرِدُ عَلَى مَا تَأَوَّلَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ إذَا تُؤُمِّلَ. (فَإِنْ قُلْت) الْوَدِيعَةُ إذَا كَانَتْ عَيْنًا عِنْدَ رَجُلٍ فَهَلْ يَجُوزُ الْقِرَاضُ فِيهَا (قُلْت) قَالُوا إنْ أَحْضَرَهَا صَحَّ الْقِرَاضُ بِهَا وَإِلَّا فَفِيهِ خِلَافٌ وَلِلَّخْمِيِّ فِيهِ تَفَاصِيلُ اُنْظُرْهُ (فَإِنْ قُلْت) قَدْ تَقَدَّمَ فِي شَرْطِ الْمَالِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَقَدَّمْنَا أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَبِلَ كَلَامَ ابْنِ شَاسٍ بِظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ وَعَلَّلَ ابْنُ شَاسٍ ذَلِكَ بِأَنَّ جَهْلَ الْمَالِ يَسْتَلْزِمُ جَهْلَ الرِّبْحِ فَيُقَالُ جَهْلُ الرِّبْحِ هُنَا مُغْتَفَرٌ وَفِيهِ رُخْصَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ إجَارَةٍ بِمَجْهُولٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْبَحُ فِي الْمَالِ، وَقَدْ لَا فَإِذَا صَيَّرَ فِيهِ ثُلُثَهُ لِلْعَامِلِ أَوْ رُبُعَهُ فَفِيهِ الْجَهَالَةُ عَلَى عِوَضِ الْعَمَلِ فَالْجَهَالَةُ مَوْجُودَةٌ عَلِمَ الْمَالَ أَوْ جَهِلَ فَكَيْفَ يُعَلِّلُ بِمَا رَأَيْته وَقَبِلَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قُلْت) الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ إذَا عَلِمَ قَدْرَ رِبْحِهِ عَلِمَ تَقْدِيرَ الرِّبْحِ وَحَصَلَ فِيهِ الْعِلْمُ بِنِسْبَةِ الْعِوَضِ عَادَةً وَحُصُولُ ذَلِكَ لِلْعَامِلِ هُوَ الَّذِي وَقَعَ الْجَهْلُ فِيهِ فَاغْتُفِرَ لِلضَّرُورَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابٌ فِي عَمَلِ الْقِرَاض] (ع م ل) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 بَابٌ فِي عَمَلِ الْقِرَاضِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّجْرُ بِالِابْتِيَاعِ وَالْبَيْعُ مُؤْنَتُهَا عَادَةً وَقَوْلُهُ " وَمُؤْنَتُهَا عَادَةً " لِيَدْخُلَ بِهِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ التَّجْرُ مِنْ كِرَاءِ بَيْتٍ وَإِجَارَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ تَجْرِ الْقِرَاضِ. (فَإِنْ قُلْت) إذَا أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ يُعْطِيهِ لِغَيْرِهِ وَالْعَمَلُ وَالتَّجْرُ عَلَى غَيْرِهِ هَلْ هُوَ قِرَاضٌ (قُلْت) قَالُوا إنَّهُ قِرَاضٌ فَاسِدٌ وَيَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ. (فَإِنْ قُلْت) إذَا دَفَعَ عَرَضًا لِرَجُلٍ يَقُولُ لَهُ بِعْهُ وَلَك إجَارَةُ كَذَا وَاعْمَلْ بِثَمَنِهِ قِرَاضًا هَذِهِ الصُّورَةُ فِي جَوَازِهَا خِلَافٌ أَجَازَهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَنَقَلَ عَنْ الْقَابِسِيِّ الْمَنْعَ وَأَجْرَى الْخِلَافَ عَلَى جَوَازِ اجْتِمَاعِ الْجُعْلِ مَعَ الْإِجَارَةِ فَهَلْ تَدْخُلُ هَذِهِ فِي هَذَا الرَّسْمِ أَمْ لَا (قُلْت) يَظْهَرُ أَنَّ الرَّسْمَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ مِنْ عَمَلِ الْقِرَاضِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَمِنْ عَمَلِهِ بَعْدَهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابٌ فِي عَاقِدِ الْقِرَاضِ دَافِعًا] (ع ق د) : بَابٌ فِي عَاقِدِ الْقِرَاضِ دَافِعًا قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ لَهُ تَنْمِيَةُ الْمَالِ غَيْرُ مَقْصُورَةٍ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ وَكِيلِهِ قَوْلُهُ " مَنْ لَهُ تَنْمِيَةُ الْمَالِ " جِنْسٌ مُنَاسِبٌ لِلْعَاقِدِ الدَّافِعِ قَوْلُهُ " غَيْرُ مَقْصُورَةٍ " حَالٌ مِنْ التَّنْمِيَةِ قَوْلُهُ " فِي فِعْلِهِ " الضَّمِيرُ فِيهِ يَعُودُ عَلَى مَنْ لَهُ التَّنْمِيَةُ أَخْرَجَ بِهِ مِنْ قَصْرِ فِعْلِهِ عَلَى التَّنْمِيَةِ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ دَافِعًا لِلْقِرَاضِ وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ عَامِلَ الْقِرَاضِ وَالْأَجِيرِ عَلَى التَّجْرِ وَظَاهِرُهُ كَانَ الدَّافِعُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، أَمَّا دَفْعُ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ فَصَحِيحٌ جَائِزٌ، وَأَمَّا دَفْعُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ فَقَدْ مَنَعَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ وَقَعَ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَأَمَّا عَكْسُ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ كَرَاهِيَتُهُ فِيهَا أَيْضًا قَوْلُهُ " أَوْ وَكِيلِهِ " هَذِهِ الزِّيَادَةُ لِيَدْخُلَ بِهَا الْوَكِيلُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا السُّؤَالَ عَلَى الشَّيْخِ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ وَفِي قَوْلِهِ لَمْ يَذْكُرْ النَّائِبَ عَنْ غَيْرِهِ فِي الشُّفْعَةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَدْخُلُ الْوَصِيُّ (فَإِنْ قُلْت) قَدْ قِيلَ بَلْ لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ لَوْ قَالَ أَوْ نَائِبُهُ لَدَخَلَ الْوَصِيُّ وَالْوَكِيلُ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَصِيُّ (قُلْت) أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ الْمُرَادُ مِنْهُ اللُّغَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ. (فَإِنْ قُلْت) أَيُّ شَيْءٍ أَخْرَجَ بِقَوْلِهِ غَيْرُ مَقْصُورَةٍ إلَخْ (قُلْت) أَخْرَجَ الشَّيْخُ بِهِ عَامِلَ الْقِرَاضِ وَالْأَجِيرَ عَلَى التَّجْرِ. (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 صَحَّ إخْرَاجُ عَامِلِ الْقِرَاضِ، وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَبْلَ هَذَا وَحَقَّقَهُ أَنَّ عَامِلَ الْقِرَاضِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ فِي حَقِّهِ ذَلِكَ إذَا دَفَعَ لَهُ الْمَالَ عَلَى ذَلِكَ وَإِمَّا إنْ قَارَضَ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ غَيْرَهُ وَأَذِنَ لَهُ رَبُّهُ فَصَحِيحٌ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ مِنْ الْمُقَارِضِ بَعْدَ الْعَقْدِ (قُلْت) لَمَّا أَذِنَ لَهُ رَبُّهُ جَازَ بِإِذْنِهِ. (فَإِنْ قُلْت) إذَا دَفَعَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ الْمَالَ قِرَاضًا أَجَازَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ لَهُ الْمَالَ مَقْصُورًا عَلَى تَجْرِهِ (قُلْت) الْمَأْذُونُ لَهُ صَارَ كَالْوَكِيلِ عَنْ رَبِّ الْمَالِ عَادَةً وَالْوَكِيلُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. [بَابُ عَاقِدِ الْقِرَاضِ أَخْذًا] (ع ق د) : بَابُ عَاقِدِ الْقِرَاضِ أَخْذًا قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ لَهُ بَيْعُ عَمَلِهِ مُطْلَقًا قَوْلُهُ " مَنْ لَهُ بَيْعُ عَمَلِهِ " جِنْسٌ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ بَيْعَ عَمَلِهِ مَنْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ عَمَلِهِ كَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ وَقَوْلُهُ " مُطْلَقًا " أَخْرَجَ بِهِ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي بَيْعِ صَنْعَتِهِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُهُ الْمَالَ لِلْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِ عَمَلٍ خَاصٍّ لَا مُطْلَقًا قَالَ فِيهَا مَنْ أَقْعَدَ عَبْدَهُ ذَا صَنْعَةٍ لَمْ يَكُنْ إذْنًا فِي تَجْرٍ وَلَا مُدَايَنَةَ. (فَإِنْ قُلْت) وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ السَّيِّدَ لَهُ أَنْ يُقَارِضَ عَبْدَهُ، وَقَدْ قُلْت يَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنْ الْحَدِّ (قُلْت) يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ فِي الْجَوَابِ. (فَإِنْ قُلْت) هَلْ يُقَارِضُ أَجِيرَهُ (قُلْت) فِي الْمُدَوَّنَةِ أَجَازَهُ وَخَالَفَهُ سَحْنُونٌ. (فَإِنْ قُلْت) إذَا دَفَعَ مُسْلِمٌ قِرَاضًا لِذِمِّيٍّ ظَاهِرُ رَسْمِ الشَّيْخِ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الرَّسْمَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ عَمَلِهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ (قُلْت) قَدْ وَقَعَ فِي السَّلَمِ الثَّانِي لَا أُحِبُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَدْفَعَ مَالًا قِرَاضًا لِذِمِّيٍّ فَظَاهِرُهَا الْجَوَازُ عَلَى كَرَاهَةٍ لَكِنَّ الشَّيْخَ بَعْدَ هَذَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ يَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى الْحُرْمَةِ اُنْظُرْ كَلَامَهُ وَسَبَبَ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا ذَكَرَ. وَأَمَّا أَخْذُ الْمُسْلِمِ الْقِرَاضَ مِنْ الذِّمِّيِّ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا وَالصَّوَابُ أَنَّ الْحَدَّ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ هَذَا؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تُؤْخَذُ مِنْ الْحُدُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [كِتَاب الْمُسَاقَاةِ] (س ق ي) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ اسْتِعْمَالُ رَجُلٍ رَجُلًا فِي نَخْلٍ أَوْ كَرْمٍ يَقُومُ بِإِصْلَاحِهِمَا لِيَكُونَ لَهُ سَهْمٌ مَعْلُومٌ مِنْ غَلَّتِهِمَا وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ فِيهِ قُصُورٌ عَنْهَا فَإِنَّهَا أَعَمُّ فَيَكُونُ فِي الشَّرْعِ تَعْمِيمٌ لِمَا خَصَّصَهُ فِي اللُّغَةِ وَوَقَعَ فِي لَفْظِ عِيَاضٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ السَّقْيِ لِلثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ عَمَلِهَا وَهَذَا مُغَايِرٌ لِلْأَوَّلِ وَقَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ فِي حَقِيقَتِهَا " عَقْدٌ عَلَى عَمَلِ مُؤْنَةِ النَّبَاتِ بِقَدْرٍ لَا مِنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ لَا بِلَفْظِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ جُعْلٍ " فَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " عَقْدٌ " صَيَّرَ جِنْسَهَا الْعَقْدَ وَلَمْ يُعَيِّنُ ذَلِكَ فِي الْقِرَاضِ وَلَعَلَّهُ رَأَى أَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ بِالْقَوْلِ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ مُنْحَلٌّ قِيلَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ نِزَاعٌ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمَشَائِخِ وَهَذَا يَتَمَشَّى عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي اللُّزُومَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ أَعَمُّ، قَوْلُهُ " عَلَى عَمَلِ مُؤْنَةِ " أَخْرَجَ بِهِ عَقْدَ حِفْظِ مَالٍ أَوْ التَّجْرَ بِهِ قَوْلُهُ " مُؤْنَةِ النَّبَاتِ " أَخْرَجَ بِهِ مُؤْنَةَ الْمَالِ وَعَمَّمَ النَّبَاتَ فَظَاهِرُهُ أَيَّ نَبَاتٍ كَانَ سَقْيًا أَوْ بَعْلًا، قَوْلُهُ " بِقَدْرٍ " مَعْنَاهُ بِعِوَضٍ كَمَا قِيلَ فِي الْحَدِّ الثَّانِي فِي الْقِرَاضِ قَوْلُهُ " لَا مِنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ " عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ بِعِوَضٍ مِنْ غَلَّتِهِ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءُ الْمُسَمَّى مِنْ الْغَلَّةِ ثُلُثٌ أَوْ رُبُعٌ أَوْ غَيْرُهُ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَجَعَلَهُ مِنْ الْمُسَاقَاةِ. (فَإِنْ قُلْت) لِأَيِّ شَيْءٍ غَيَّرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعِبَارَةَ فِي عِوَضِ الْمُسَاقَاةِ مَعَ عِوَضِ الْقِرَاضِ فَقَالَ فِي الْقِرَاضِ بِجُزْءٍ وَقَالَ هُنَا بِقَدْرٍ (قُلْت) ، أَمَّا الْحَدُّ الْأَوَّلُ فِي الْقِرَاضِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الشَّيْخَ أَخْرَجَ عَنْهُ مِثْلَ هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي أَدْخَلَهَا فِي الْمُسَاقَاةِ فَنَاسَبَ التَّعْبِيرَ فِي ذَلِكَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى النِّسْبَةِ مِنْ رِبْحِ الْمَالِ وَلَمَّا جَوَّزَ إدْخَالَ الصُّورَةِ الْمُخْرِجَةِ فِي الْقِرَاضِ عَبَّرَ بِمَا يَعُمُّ الْجُزْءُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْعِوَضُ وَكَذَا هُنَا عَبَّرَ بِالْقَدْرِ وَهُوَ الْعِوَضُ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنِّي كُنْت أُوَجِّهُهُ بِهَذَا. (فَإِنْ قُلْت) لِأَيِّ شَيْءٍ ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرَّسْمَيْنِ فِي الْقِرَاضِ وَهُنَا أَتَى بِمَا يُنَاسِبُ الْحَدَّ الثَّانِيَ فَقَطْ وَجَزَمَ بِإِدْخَالِ الصُّورَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 الْمُمَاثِلَةِ لِمَسْأَلَةِ الْقِرَاضِ وَبِأَنَّهَا مِنْ الْمُسَاقَاةِ وَتَرَدَّدَ هُنَاكَ فِي الْقِرَاضِ وَالْجَارِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْقِرَاضِ أَنْ يَحُدَّ هُنَا بِحَدِّهِ الْأَوَّلِ فَيَقُولُ تَمْكِينٌ كَمَا قَالَ فِي الْقِرَاضِ (قُلْت) ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمُسَاقَاةِ قَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا مِنْ الْمُسَاقَاةِ وَسَمَّاهَا بِهَا وَالْأُولَى لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّسْمِيَةِ وَلَكِنَّهُ جَوَّزَهَا فَاخْتَلَفَ فِيهَا فَلِذَلِكَ وَقَعَ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا رَأَيْته فِيهَا وَهَذَا مِنْ حُسْنِ فِطْرَتِهِ وَتَمَامِ قُوَّةِ بَلَاغَةِ فَهْمِهِ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ وَنَفَعَ بِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ، قَوْلُهُ " لَا بِلَفْظِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ بِأَحَدِ مَا ذَكَرَ وَتَقَدَّمَ فِي الْقِرَاضِ بَسْطُهُ. (فَإِنْ قُلْت) قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْقِرَاضِ لَا بِلَفْظِ إجَارَةٍ فَقَطْ وَهُنَا قَدْ رَأَيْت مَا رَأَيْت (قُلْت) يُمْكِنُ فِي الْجَوَابِ بِمَا فِيهِ تَكَلُّفٌ لَا يَخْفَى وَأَنْ يَكُونَ هُنَا عَبَّرَ بِالْبَيْعِ الَّذِي يَعُمُّ الْإِجَارَةَ وَهُوَ الْبَيْعُ الْأَعَمُّ وَأَنَّهُ خَيَّرَ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَرِيَ إمَّا أَنْ يَذْكُرَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَاقْتَصَرَ فِي الْقِرَاضِ عَلَى لَفْظِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا كَالْبَيْعِ وَفِيهِ بُعْدٌ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَدَّ عَلَى شَيْخِهِ فِي كَوْنِهِ اسْتَعْذَرَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ الْمُسَاقَاةَ وَذَكَرَ مَا ذَكَرَ، ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ لَمْ يُعَرِّفْهَا ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ رَسْمَهُ لِلْقِرَاضِ بِأَنَّهُ إجَارَةٌ عَلَى التَّجْرِ فِي الْمَالِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ يَدُلُّ عَلَى رَسْمِ الْمُسَاقَاةِ فَإِنَّهَا إجَارَةٌ عَلَى عَمَلِ الْحَائِطِ بِجُزْءٍ مِنْ غَلَّتِهِ وَهِيَ كَالْمَعْلُومَةِ ضَرُورَةً عِنْدَ الْفُقَهَاءِ (قُلْت) وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ فِي قَوْلِهِ وَهِيَ كَالْمَعْلُومَةِ ضَرُورَةً عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ فِيهِ شِبْهَ تَدَافُعٍ مَعَ مَا قَبْلَهُ وَلِذَا لَوْ قَالَ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ إلَخْ؛ لَكَانَ أَنْسَبَ وَفِيهِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ كَانَ حَدُّ الْقِرَاضِ يَدُلُّ عَلَى الْمُسَاقَاةِ لَدَلَّ عَلَيْهِ بِإِحْدَى ثَلَاثَةٍ وَهُوَ بَاطِلٌ ضَرُورَةَ انْحِصَارِ الدَّلَالَةِ فِي الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ لَيْسَ هُوَ الْمُسَاقَاةَ، وَلَا الْمُسَاقَاةُ جُزْءٌ مِنْهُ وَالثَّالِثُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا لُزُومَ ذِهْنًا وَلَا خَارِجًا وَإِنْ أَرَادَ اللُّغَوِيَّ كَدَلَالَةِ الْفِعْلِ عَلَى الْفَاعِلِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الشَّرِيعَةِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. ثُمَّ رَدَّ حَدَّهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ لِخُرُوجِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى كُلِّ الثَّمَرَةِ لِلْعَامِلِ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَبْطَلَ رَسْمَ ابْنِ رُشْدٍ فِي قَوْلِهِ الْعَمَلُ فِي الْحَائِطِ بِجُزْءٍ مِنْ ثَمَرَتِهِ وَأَنَّهُ يُبْطَلُ بِمَا أُبْطِلَ بِهِ رَسْمُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ وَيَبْطُلُ عَكْسُهُ بِتَصَوُّرِهَا قَبْلَ الْعَمَلِ قَالَ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَالَ الْعَمَلُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ الْعَمَلِ لِوُجُودِ عَقْدِهَا قَالَ وَيَبْطُلُ طَرْدُهُ بِالْعَمَلِ كَذَلِكَ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسَاقَاةٍ إذْ لَا يُحْكَمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 فِيهَا بِحُكْمِ الْمُسَاقَاةِ الْفَاسِدَةِ بَلْ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَمَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا عَقَدَ عَلَى عَمَلِ الْمُسَاقَاةِ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فَاسِدِ الْمُسَاقَاةِ وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ: غَايَةُ هَذَا أَنَّهَا فَاسِدَةٌ وَالرَّسْمُ الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ فَأَجَابَ بِأَنَّهَا فَاسِدَةٌ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ لَا أَنَّهَا فَاسِدَةٌ مِنْ بَابِ الْمُسَاقَاةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اخْتِلَافُ لَوَازِمِ الْبَابَيْنِ وَاخْتِلَافُ اللَّوَازِمِ يُؤْذِنُ بِاخْتِلَافِ الْمَلْزُومَاتِ بَيَانُ ذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ الْفَاسِدَةَ فِيهَا إجَارَةُ الْمِثْلِ، وَالْمُسَاقَاةَ الْفَاسِدَةَ فِيهَا مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ، وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ إجَارَةَ الْمِثْلِ تَكُونُ لِلْعَامِلِ مُطْلَقًا وَإِنْ قَلَّ مِنْهَا جُزْءُ الْعَمَلِ بِخِلَافِ مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِهِ وَفَوَائِدِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَرَضِيَ عَنْهُ. [بَابُ الْعَاقِدِ] (ع ق د) : بَابُ الْعَاقِدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ صَحَّ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَسَاقِي فِيهِ قَوْلُهُ " مَنْ صَحَّ تَصَرُّفُهُ " أَخْرَجَ بِهِ مَنْ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَيَدْخُلُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ قَبْلَ تَفْلِيسِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مُسَاقَاةُ الْمَرِيضِ الْمَرَضَ الْمَخُوفَ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ كَبَيْعِهِ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ مَعْلُومٌ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ وَالْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ. (فَإِنْ قُلْت) لِأَيِّ شَيْءٍ لَوَّنَ الشَّيْخُ الْعِبَارَةَ فَقَالَ فِي الْقِرَاضِ عَاقِدُهُ دَافِعًا وَآخِذًا، وَقَالَ هُنَا الْعَاقِدُ فَقَطْ (قُلْت) لَمْ يَظْهَرْ الْفَهْمُ عَنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَخْصِيصِهِ مَا ذَكَرَ هُنَا فِي الْعَاقِدِ الَّذِي يَعُمُّ الْمُسَاقِيَ وَالْمُسَاقَى، وَتَخْصِيصُهُ فِي الْقِرَاضِ كُلَّ قِسْمٍ بِرَسْمِهِ وَيَأْتِي مَا يَلْتَئِمُ مِنْهُ الْجَوَابُ قَوْلُهُ " فِي الْمَسَاقِي فِيهِ " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْمَسَاقِي فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي دُخُولِ الْعَاقِدَيْنِ وَأَنَّ الْعَامِلَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْمُسَاقَاةَ كَمَا ذَكَرَ فِيهَا بِشَرْطِهَا. (فَإِنْ قُلْت) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ فِي الْقِرَاضِ كَذَلِكَ وَيَقُولُ الْعَاقِدُ مَنْ صَحَّ تَصَرُّفُهُ فِي الْقِرَاضِ (قُلْت) إذَا تَأَمَّلْت مَا قَدَّمَ فِي الْقِرَاضِ مِنْ تَخْصِيصِ كُلٍّ بِرَسْمِهِ وَأَمْعَنْت النَّظَرَ يَظْهَرُ لَك عَدَمُ صِحَّةِ جَمْعِهِمَا فِي رَسْمٍ وَاحِدٍ؛ لِقُوَّةِ اخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا وَرُبَّمَا يَفْهَمُ الْجَوَابَ عَنْ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ قَبْلُ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ قَصْدِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَتَأَمَّلْ أَيْضًا لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ مَنْ صَحَّ تَصَرُّفُهُ أَوْ نَائِبُهُ أَوْ وَكِيلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 [بَابٌ فِي شَرْطِ حَظِّ الْعَامِلِ] قَالَ كَوْنُهُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ بِنِسْبَتِهِ لِكُلِّ غَلَّةِ الْحَائِطِ الْمُسَاقَى أَوْ بِكَوْنِهِ كُلَّهُ مُتَّحِدًا فِي سَقْيِهَا قَوْلُهُ " مَعْلُومُ الْقَدْرِ بِنِسْبَتِهِ " لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ الْقِرَاضِ قَوْلُهُ " لِكُلِّ غَلَّةٍ " هَذَا الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ " أَوْ بِكَوْنِهِ " عُطِفَ عَلَى نِسْبَتِهِ أَدْخَلَ بِهِ مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ الْمُسَاقَاةِ لِكُلِّ الْغَلَّةِ وَقَاسَهَا عَلَى الْقِرَاضِ وَفِيهِ لَهُمْ بَحْثٌ. (فَإِنْ قُلْت) إذَا جَازَتْ الْمُسَاقَاةُ بِكُلِّ الثَّمَرَةِ فَهَلْ ذَلِكَ هِبَةٌ لِلْعَامِلِ (قُلْت) قَالَ التُّونُسِيُّ هَذَا كُلُّهُ كَالْهِبَةِ وَإِنْ انْتَفَعَ رَبُّهَا بِسَقْيِ أُصُولِهِ كَالْعَبْدِ الْمُخْدَمِ فَإِنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْمُخْدِمِ لَا عَلَى سَيِّدِهِ وَوَقَعَ لِسَحْنُونٍ أَنَّ ذَلِكَ مِنْحَةً لَا مُسَاقَاةً وَانْظُرْ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ " مُتَّحِدًا " إلَخْ أَدْخَلَ بِهِ إذَا سَاقَى حَائِطَيْنِ فِي عَقْدٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ حَائِطَيْنِ سِقَاءً وَاحِدًا. (فَإِنْ قُلْت) وَهَلْ يَجُوزُ مُسَاقَاةُ الْعَامِلِ (قُلْت) نَعَمْ أَجَازَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَسَمَّاهَا مُسَاقَاةً إذَا كَانَ فِي مِثْلِ أَمَانَتِهِ قَالَ فِي السَّمَاعِ يُسَاقِي مَنْ شَاءَ عَلَى نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ. (فَإِنْ قُلْت) وَهَلْ يَجُوزُ الرِّبْحُ فِي مُسَاقَاةِ الْعَامِلِ مِثْلَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى النِّصْفِ وَيُعْطِي عَلَى الثُّلُثَيْنِ (قُلْت) لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَمَا وَقَعَ فِيهَا مُشْكِلٌ وَفِيهِ بَحْثٌ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدِي لَوْ ذَكَرَ رَسْمًا لِلْعَامِلِ لَكَانَ صَوَابًا وَعَلَيْهِ تَجْرِي مَسَائِلُ فِي ذَلِكَ كَعَادَتِهِ فِي رُسُومِهِ، وَقَدْ قَدَّمْت الْإِشَارَةَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ السُّنِّيِّ. - رَحِمَهُ اللَّهُ - [بَابٌ فِي الْعَمَلِ فِي الْمُسَاقَاةِ] يَظْهَرُ مِنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ ارْتَضَى كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فِي بَيَانِهِ لَهُ بِقَوْلِهِ عَمَلُ الْمُسَاقَاةِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْغَلَّةُ وَهِيَ قَائِمَةٌ فَإِنْ زَايَلَتْ الْأُصُولَ سَقَطَتْ قَوْلُهُ " مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْغَلَّةُ " فِيهِ إبْهَامٌ لَكِنْ بَيَّنَهُ كَمَا يَذْكُرُهُ بَعْدُ. (فَإِنْ قُلْت) وَهَلْ يَصْلُحُ مَا ذَكَرَهُ عَنْهَا بَيَانًا لِلْعَمَلِ (قُلْت) لَفْظُهُ قَابِلٌ لَهُ وَالصَّوَابُ أَنْ يُضَافَ مَا لِلَّخْمِيِّ لِلْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ لِمَجْمُوعِ ذَلِكَ وَلَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا ذَكَرْنَا قَالَ إنَّ عَمَلَ الْمُسَاقَاةِ كُلِّيٌّ فِي الذِّمَّةِ فَيَجِبُ ذِكْرُهُ فِي الْعَقْدِ كَمُسْلِمٍ فِيهِ وَتَأَمَّلْ بَاقِي كَلَامِهِ وَبَحْثُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْعُرْفَ مُبَيِّنٌ لِلْعَمَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ] (ز ر ع) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُزَارَعَةُ شَرِكَةٌ فِي الْحَرْثِ وَبِالثَّانِي عَبَّرَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ عَبَّرَ بِالْأَوَّلِ (قُلْتُ) أَصْلُهَا لُغَةً مَعْلُومٌ وَشَرْعًا رَدَّهَا إلَى نَوْعٍ مِنْ الشَّرِكَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدُّ الشَّرِكَةِ وَأَنَّهَا خَاصَّةٌ وَعَامَّةٌ وَأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي حَدِّ الْأَعَمِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ عِوَضِ الْعَمَلِ وَفِي الْأَخَصِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ وَأَشَارَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِلَفْظِ الْمُزَارَعَةِ فِيهِ خِلَافٌ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ وَيَظْهَرُ فِي سَبَبِ الْخِلَافِ مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ زَرَعْت وَلْيَقُلْ حَرَثْت» وَالْقُرْآنُ يَشْهَدُ لِهَذَا وَفِي كَوْنِهِ نَسَبَ الْحِرَاثَةَ لِلْآدَمِيِّينَ وَالزِّرَاعَةَ لِلْخَالِقِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ الزِّرَاعَةَ اشْتَمَلَتْ عَلَى حَقِيقَةِ الشَّرِكَةِ وَعَلَى حَقِيقَةِ الْإِجَارَةِ فَكَيْفَ قَالَ الشَّيْخُ شَرِكَةٌ فِي الْحَرْثِ فَهَلَّا قَالَ شَرِكَةٌ وَإِجَارَةٌ فِي الْحَرْثِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُغَارَسَةِ فِي قَوْلِهِ جُعْلٌ وَإِجَارَةٌ وَذَاتُ شَرِكَةٍ فِي الْأَصْلِ (قُلْتُ) وَإِنْ قُلْنَا فِيهَا الْأَمْرَانِ لَكِنْ غَلَبَ عَلَيْهَا أَحَدُهُمَا فَرَأَى الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ غَلَبَ عَلَيْهَا حُكْمُ الشَّرِكَةِ وَالْإِجَارَةُ تَبَعٌ لَهَا فَلِذَا قَالَ شَرِكَةٌ فِي الْحَرْثِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى تَغْلِيبِ الشَّرِكَةِ وَقَالَ سَحْنُونٌ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى تَغْلِيبِ الْإِجَارَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) لَئِنْ صَحَّ جَوَابُك بِهَذَا فَهَلَّا قَالَ الشَّيْخُ عَلَى رَأْيِ كَذَا وَعَلَى رَأْيِ كَذَا فَيَقُولُ شَرِكَةٌ عَلَى رَأْيٍ أَوْ إجَارَةٌ عَلَى رَأْيٍ مُرَاعِيًا فِي الْقَوْلَيْنِ مَا الْغَالِبُ فِيهِمَا (قُلْتُ) لَا يَخْلُو مِنْ مُسَامَحَةٍ وَوَقَعَ لِابْنِ يُونُسَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ أُرَاهُمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا إذَا لَمْ يُخْرِجُ الْعَامِلُ إلَّا عَمَلَ يَدِهِ أَنَّهُ أَجِيرٌ وَإِنْ كَافَأَ عَمَلُهُ مَا أَخْرَجَ صَاحِبُهُ وَإِنْ أَخْرَجَ الْعَامِلُ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ بَقَرًا أَوْ شَيْئًا مِنْ زَرِيعَةٍ وَلَوْ قَلَّ وَكَافَأَ ذَلِكَ وَعَمَلُ يَدِهِ مَا أَخْرَجَ الْآخَرُ فَإِنَّهُمَا شَرِيكَانِ قَالَ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَلَكِنْ هُمْ أَهْدَى إلَى الصَّوَابِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَقْرِيرُ كَوْنِ مَا قَالُوهُ هُوَ الصَّوَابُ إنَّ حَقِيقَةَ الشَّرِكَةِ مُبَايِنَةٌ لِحَقِيقَةِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشَّرِكَةِ عَدَمُ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِإِخْرَاجِ الْمَالِ وَالْآخَرِ بِإِخْرَاجِ الْعَمَلِ وَالْإِجَارَةُ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ وَحُكْمُ الشَّرِكَةِ أَنَّ فَائِدَتَهَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً لِمُسْتَحِقِّهَا بِطَرِيقِ نِسْبَةِ الشَّيْءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 إلَيْهِ كَالنِّصْفِ لَا بِمَعْرِفَةِ الْقَدْرِ وَزْنًا أَوْ عَدَدًا وَحُكْمُ الْإِجَارَةِ أَنَّ فَائِدَتَهَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً لِمُسْتَحِقِّهَا بِعَكْسِ ذَلِكَ انْتَهَى وَذَكَرْنَا هَذَا لِفَائِدَتِهِ وَالنَّظَرِ فِيهِ مَعَ حَدِّهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُوَفِّقُنَا لِلْفَهْمِ عَنْهُ بِمَنِّهِ [كِتَابُ الْمُغَارَسَةِ] (غ ر س) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الْمُغَارَسَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " جُعْلٌ وَإِجَارَةٌ وَذَاتُ شَرِكَةٍ فِي الْأَصْلِ " قُلْتُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ حَدًّا لِلْمُغَارَسَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَدٍّ لَهَا وَإِنَّمَا هُوَ تَقْسِيمٌ لَهَا فَيُقَالُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ لَا يَسْتَدْعِي مَعْرِفَتَهَا وَتَمْيِيزَهَا وَغَايَتُهُ أَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّهَا تَارَةً تَكُونُ إجَارَةً وَتَارَةً تَكُونُ جِعَالَةً وَتَارَةً تَكُونُ شَرِكَةً فِي الْأُصُولِ فَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَى رَجُلٍ أَنْ يَغْرِسَ لَهُ نَخْلًا فِي أَرْضٍ وَمَا ثَبَتَ مِنْهَا أَخَذَ فِيهِ جُعْلًا مُسَمًّى فَهِيَ جِعَالَةٌ وَلَهُ التَّرْكُ وَإِنْ اشْتَرَطَ إجَارَةً عَلَى جُزْءٍ مِنْ أَصْلٍ جَازَ كَمَا إذَا قَالَ اغْرِسْ لِي أَرْضِي نَخْلًا بِطَائِفَةٍ مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى فَهَذِهِ إجَارَةٌ وَإِذَا قَالَ اغْرِسْهَا نَخْلًا أَوْ شَبَهَهَا عَلَى قَدْرِ كَذَا وَالشَّجَرُ وَالْأَرْضُ بَيْنَهُمَا فَذَلِكَ أَيْضًا مُغَارَسَةٌ وَهَذَا شَامِلٌ لِلْفَاسِدَةِ وَالصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةُ فِيهَا نِزَاعٌ وَالْمُغَارَسَةُ لَهَا حُكْمٌ وَسُنَّةٌ تَخُصُّهَا فَلَيْسَتْ بِمَحْضِ إجَارَةٍ وَلَا جِعَالَةٍ فَأَشْبَهَتْ الْإِجَارَةَ لِلُزُومِ عَقْدِهَا وَتُشْبِهُ الْجِعَالَةَ لِوُقُوفِ عِوَضِهَا عَلَى ثُبُوتِ الْغَرْسِ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا عَرَّفَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُغَارَسَةَ بِقَوْلِهِ عَقْدٌ عَلَى تَعْمِيرِ أَرْضٍ بِشَجَرٍ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ كَالْإِجَارَةِ أَوْ كَالْجِعَالَةِ أَوْ بِجُزْءٍ مِنْ أَصْلٍ وَذَلِكَ يَجْمَعُ أَصْنَافَهَا الصَّحِيحَةَ وَالْفَاسِدَةَ وَذَلِكَ مَعْنَى مَا اسْتَلْزَمَهُ حُكْمُهُ الْمَذْكُورُ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَآهَا لَيْسَتْ عَقْدًا وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي آخِرِهَا بِأَنَّ الْخِلَافَ يَجْرِي فِيهَا قِيَاسًا عَلَى الْمُسَاقَاةِ فَتَلْزَمُ أَوْ عَلَى الْجِعَالَةِ فَلَا تَلْزَمُ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي حَدِّ الْإِجَارَةِ بِأَنَّ الْمُغَارَسَةَ تَدْخُلُ فِي الرَّسْمِ وَتَخْرُجُ بِقَوْلِهِ بِعِوَضٍ نَاشِئٍ عَنْهَا فَيُقَالُ عَلَى هَذَا فِي رَسْمِهَا بَيْعُ مَنْفَعَةِ عَاقِلٍ فِي عِمَارَةِ أَرْضٍ بِشَجَرٍ بِقَدْرِ إجَارَةٍ أَوْ جِعَالَةٍ أَوْ بِجُزْءٍ مِنْ أَصْلٍ وَمَا زِلْت أَسْتَشْكِلُ عَدَمَ رَسْمِهِ لَهَا وَلَمْ يَظْهَرْ قُوَّةُ جَوَابٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ السَّنِيِّ وَعَمَلِهِ السُّنِيِّ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَرَحِمَهُ بِمَنِّهِ. [كِتَابُ الْإِجَارَةِ] (أج ر) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الْإِجَارَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " بَيْعُ مَنْفَعَةِ مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ غَيْرَ سَفِينَةٍ وَلَا حَيَوَانٍ لَا يَعْقِلُ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْهَا بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا " قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " بَيْعُ مَنْفَعَةِ " صَيَّرَ الْإِجَارَةَ مِنْ قِسْمِ الْبَيْعِ مَعَ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الْبَيْعِ الْأَعَمِّ وَعَنْ الْأَخَصِّ وَلَعَلَّهُ أَطْلَقَ الْبَيْعَ فَلَوْ قَالَ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ لَكَانَ صَوَابًا إلَّا أَنْ يُرَاعِيَ اللُّغَةَ وَفِيهِ بَحْثٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ " مَنْفَعَةِ " الْمَنْفَعَةُ يَأْتِي تَعْرِيفُهَا بَعْدُ وَهِيَ مِنْ أَرْكَانِهَا وَأَخْرَجَ بِهِ بَيْعَ الذَّاتِ قَوْلُهُ " مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ " أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وَانْظُرْ فِي حَدِّ الْمَوْهُوبِ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَطْلَقَ النَّقْلَ مَعَ مَا هُنَا قَوْلُهُ " غَيْرَ سَفِينَةٍ " نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ السُّفُنِ قَوْلُهُ " وَلَا حَيَوَانٍ لَا يَعْقِلُ " أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ الرَّوَاحِلِ قَوْلُهُ " بِعِوَضٍ " جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا ثُمَّ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ نَاشِئٍ عَنْهَا لِيُخْرِجَ بِهِ الْقَرْضَ وَالْمُسَاقَاةَ وَالْمُغَارَسَةَ (فَإِنْ قُلْتَ) أَمَّا الْقِرَاضُ وَالْمُغَارَسَةُ وَالْمُسَاقَاةُ فَتَخْرُجُ بِقَوْلِهِ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْهَا وَأَمَّا الْجُعْلُ فَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا وَذِكْرُ التَّبْعِيضِ أَيُّ شَيْءٍ أَخْرَجَ بِهِ (قُلْتُ) يَأْتِي مَا فِيهِ ثُمَّ انْتَقَضَ عَلَى الْقَاضِي فِي قَوْلِهِ مُعَاوَضَةً عَلَى مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَخْفَى بُطْلَانُ طَرْدِهِ يَعْنِي بِالصُّوَرِ السَّابِقَةِ ثُمَّ قَالَ وَنَحْوُهُ قَوْلُ عِيَاضٍ بَيْعُ مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَ عَلَى الْقَاضِي مَعَ عَدَمِ عَكْسِهِ لِخُرُوجِ فَاسِدِهَا ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِهَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ طَرِيقًا فِي دَارٍ وَتَأَوَّلَهَا عَلَى الْمَجَازِ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الِاشْتِرَاكِ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ تَأَوَّلَهَا (قُلْتُ) لِئَلَّا يَرُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي إخْرَاجِ الْأَرْضِ مِنْ حَدِّهِ فَيُقَالُ لَهُ قَدْ أَطْلَقَ عَلَيْهَا فِيهَا إجَارَةً وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ فَهِيَ يُطْلَبُ إدْخَالُهَا لَا إخْرَاجُهَا فَأَجَابَ بِمَا رَأَيْت وَتَقَدَّمَ إشْكَالُ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَهُ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَقِيقَةُ فَإِنْ صَحَّ مَا هُنَا فَهُوَ يُرَدُّ عَلَى اسْتِدْلَالِهِ هُنَاكَ وَإِنْ صَحَّ مَا هُنَاكَ بَطَلَ تَأْوِيلُهُ هُنَا وَتَقَدَّمَ لَهُ مَا يَصْلُحُ الْفَهْمُ بِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 عَنْهُ وَتَسَامَحَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذِكْرِ الْمَنْفَعَةِ فِي هَذَا الرَّسْمِ وَرَسْمُهَا يَأْتِي لَهُ بَعْدُ قَوْلُهُ بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا (فَإِنْ قُلْتَ) أَيُّ شَيْءٍ أَخْرَجَ بِهَذَا الْقَيْدِ وَهُوَ قَوْلُهُ بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ وَهَلَّا اكْتَفَى بِقَوْلِهِ يَتَبَعَّضُ لِخُرُوجِ الْجِعَالَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ (قُلْتُ) كَانَ يُشْكِلُ عَلَيَّ فَهْمِهِ وَعَلَى مَنْ رَأَيْته يُقَرِّرُهُ ثُمَّ رَأَيْت عَنْ الشَّيْخِ سَيِّدِي عِيسَى أَنَّهُ قَالَ قَوْلُهُ بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا لِيُدْخِلَ صُورَةً مِنْ صُوَرِ الْجُعْلِ وَهِيَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى حَمْلِ خَشَبَةٍ فَحَمَلَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَإِنْ حَمَلَ آخِرً نِصْفِ الطَّرِيقِ الْآخَرِ فَإِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِ الْجُعْلَ وَكَذَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ وَهِيَ مَنْصُوصَةٌ وَهَذَا زَادَ إشْكَالًا عَلَى مَا رَأَيْت إذَا تَأَمَّلْتَهُ فَإِنَّ صُورَةَ الْجُعْلِ الْمُرَادِ إخْرَاجُهَا لَا إدْخَالُهَا ثُمَّ وَقَفْت عَلَى خَطِّ بَعْضِ أَشْيَاخِي مِنْ تَلَامِذَتِهِ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا قَرَّرَ ذَلِكَ اللَّفْظَ بِمَجْلِسِ الْمُؤَلِّفِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَنَفَعَ بِهِ أَشْكَلَ فَهْمُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِ مَجْلِسِهِ فَافْتَرَقَ الْمَجْلِسُ مِنْ غَيْرِ جَوَابٍ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ ذَكَرَ لَنَا الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ اهْتَمَّ غَايَةَ الِاهْتِمَامِ وَأَنَّهُ فَكَّرَ فِي ذَلِكَ جَالِسًا وَمُضْطَجِعًا فَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَنَوَيْت أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْغَبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي تَيْسِيرِ فَهْمِهِ ثُمَّ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيَّ سُبْحَانَهُ بِفَهْمِ قَوْلِي بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا وَأَنِّي ذَكَرْته خَوْفًا مِنْ نَقْضِ عَكْسِ الْحَدِّ لِأَجْلِ قَوْله تَعَالَى {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي} [القصص: 27] لِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا إجَارَةٌ عِوَضُهَا الْبِضْعُ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ فَلَوْ أَسْقَطْت بَعْضَهُ وَقُلْت يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا لَخَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ الْحَدِّ فَكَانَ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ وَهِيَ إجَارَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَقَدْ ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى جَوَازِ الْإِجَارَةِ ثُمَّ مِمَّا وُجِدَ مَكْتُوبًا بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى طُرَّةِ نُسْخَتِهِ بَعْضُهُ مِنْ قَوْلِي بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا ذَكَرْته خَوْفَ نَقْضِ عَكْسِهِ بِمِثْلِ قَوْلِهِ {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ} [القصص: 27] الْآيَةَ فَإِنَّهَا إجَارَةٌ إجْمَاعًا وَلِقَوْلِهِ {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} [القصص: 26] وَالْعِوَضُ فِيهَا لَا يَتَبَعَّضُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَيَّدَهُ مَنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) هَذِهِ الزِّيَادَةُ يُقَالُ إنْ صَحَّحْت عَدَمَ عَكْسِ الْحَدِّ فَإِنَّهَا تُوقِعُ فِي الْإِبْهَامِ وَفِي التَّعْرِيفِ لِأَنَّ الْبَعْضَ الَّذِي لَا يَتَبَعَّضُ مِنْ الْإِجَارَةِ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يُعَيِّنُهُ بِوَجْهٍ (قُلْتُ) لَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ فِيهِ وَإِبْهَامٍ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يَرُدُّ عَلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا تَأَوَّلَ بِهِ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ الْآنَ وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ وَهُوَ أَسْهَلُ مِنْ دَعْوَى الِاشْتِرَاكِ كَمَا قُلْتُمْ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَلَا يُخِلُّ ذَلِكَ بِالْعَكْسِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ خُرُوجُهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ زِيَادَةِ لَفْظِ احْتِمَالِ الْمَجَازِ (قُلْتُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 لَعَلَّهُ لَمَّا قَالَ أَطْلِقُوهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ بِإِجْمَاعٍ وَلَمْ يَتَأَوَّلُوهُ وَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَصْلِ الْإِجَارَةِ وَذَلِكَ كُلُّهُ يُؤْذِنُ بِمُرَاعَاةِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ لِمَا يُفْرَضُ لَهَا مَا يُقَوِّي حَقِيقَتَهَا وَهَذَا يُمْكِنُ الِانْفِصَالُ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِغَيْبِهِ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ وَقَدْ وُجِدَ مَا ذَكَرْنَا مَكْتُوبًا بِخَطِّ الشَّيْخِ عَلَى مُخْتَصَرِهِ وَنُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ سَيِّدِي عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا كَتَبْته عَلَى مُخْتَصَرِهِ فِي آخِرِ عُمْرِهِ حَيْثُ كَانَ يَصْعُبُ عَلَيْهِ فَهُمْ كَلَامِهِ قَالَ وَفِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ مَا تَرَاهُ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ حِينَئِذٍ عَلَى إدْخَالِ قَضِيَّةِ شُعَيْبٍ بِالْمَفْهُومِ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ الْجُعْلُ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الرَّسْمِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَعْضُ صُوَرِ هَذَا الْبَيْعِ يَتَبَعَّضُ فَكَذَا بَعْضُ صُوَرِ الْجُعْلِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ عَلَى هَذَا حَشْوٌ وَحِينَ قِرَاءَتِنَا عَلَيْهِ مَا كَانَ يُقَرِّرُهُ عَلَى هَذَا أَعْنِي عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ مِنْ بَعْضُهُ عَائِدٌ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ عَلَى أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْعِوَضِ أَيْ بَعْضُ الْعِوَضِ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِ الْمَنْفَعَةِ وَقَصَدَ بِذَلِكَ إخْرَاجُ الْجُعْلِ قَالَ وَيَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَدِّ عَلَى سَبِيلِ التَّرْتِيبِ فَذَكَرَ مَا يَخْرُجُ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ أَوَّلًا وَمَا يَخْرُجُ بِالثَّانِي ثَانِيًا إلَى آخِرِهَا وَآخِرُ مَا ذَكَرَ فِيهَا الْجُعْلُ وَآخِرُ قَيْدٍ فِي الْحَدِّ هُوَ قَوْلُهُ بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا فَيَكُونُ عَلَى هَذَا التَّبْعِيضِ فَصْلًا لِعِوَضِ الْإِجَارَةِ أَوْ خَاصَّةً لَهَا إذْ مَا مِنْ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ الْإِجَارَةِ إلَّا وَيَصِحُّ تَبْعِيضُ الْعِوَضِ فِيهَا لِأَنَّ التَّبْعِيضَ لَيْسَ خَاصَّةً وَلَا فَصْلًا لَهُ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَتَبَعَّضَ الْعِوَضُ فِي كُلِّ صُورَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا التَّبْعِيضُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَهُوَ عَرْضٌ عَام بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ صُوَرِ الْجُعْلِ لِأَنَّ أَكْثَرَ صُوَرِهِ لَا يَتَبَعَّضُ الْعِوَضُ فِيهَا وَهَذَا وَاضِحٌ وَأَنَّ قَضِيَّةَ شُعَيْبٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه تَكُونُ خَارِجَةً عَنْ الْحَدِّ عَلَى أَنَّهَا إجَارَةٌ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّبْعِيضَ فِيهَا حَاصِلٌ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْمَلَ بَعْضَ الْعِوَضِ خَاصَّةً لَرَجَعَ فِيهِ بِمَنَابِ مَا بَقِيَ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ. [بَابٌ فِي أَرْكَانِ الْإِجَارَةِ] ِ (قُلْتُ) لَمْ يُعَبِّرْ الشَّيْخُ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَى الْأَجْرِ بَعْدُ وَعَلَى الْمَنْفَعَةِ وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ شَاسٍ أَنَّ أَرْكَانَهَا ثَلَاثَةٌ قَالَ الْأَوَّلُ الْعَاقِدَانِ قَالَ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْعَاقِدَانِ كَالْمُتَبَايِعِينَ قَالَ الشَّيْخُ هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَلَّمَ الرُّكْنِيَّةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ فِي بَابِ الطَّلَاقِ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 [بَابُ الْأَجْرِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَالثَّمَنِ يُطْلَبُ كَوْنُهُ مَعْرُوفًا إلَخْ وَيُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ كَالثَّمَنِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ وَهُوَ أَخْصَرُ مِنْهُ (قُلْتُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَجْرَ كَالثَّمَنِ طَلَبَ الشَّرْعُ فِيهِ الْمَعْرِفَةَ وَالْإِجَارَةَ كَالْبَيْعِ وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ لَفْظِ الشَّرْطِ إلَى قَوْلِهِ يُطْلَبُ لِأَنَّ الطَّلَبَ أَخَفُّ مِنْ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَبُ ابْتِدَاءً وَيُسْتَخَفُّ الْأَمْرُ إذَا وَقَعَ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَالَ فِي الْبُيُوعِ جَهْلُ الثَّمَنِ مُطْلَقًا مَانِعٌ فَهَلْ هُوَ ضِدٌّ فِي الْمَعْنَى لِمَا ذَكَرَ هُنَا فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَيُقَالُ هُنَا يُطْلَبُ كَوْنُهُ مَعْرُوفًا مُطْلَقًا وَهُوَ أَخْصَرُ (قُلْتُ) الْإِطْلَاقُ الْمَذْكُورُ فِي جَهْلِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ ذَلِكَ الْمُرَادُ بِهِ مَا جُهِلَ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا وَلِذَا فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ مَا يَخُصُّ كُلَّ قِسْمٍ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يُطْلَبُ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ مِنْ الْمَعْرِفَةِ وَيُقَابِلُ ذَلِكَ الْجَهْلَ بِالثَّمَنِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِهِ كَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الشَّيْخُ هُنَا مَا شَابَهَ ذَلِكَ لَمَا كَانَ الْأَجْرُ فِيهِ مَجْهُولًا وَكَذَلِكَ ذَكَرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يَجِبُ تَعْجِيلُهُ مِنْ الْأَجْرِ وَمَا لَا يَجِبُ وَمَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ وَذَلِكَ كُلُّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ قَدْرًا وَصِفَةً وَقَالَ بَعْدُ إذَا كَانَ الْأَجْرُ عَيْنًا مُعَيَّنَةً وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) ظَاهِرٌ شَرْطُهُ الْمَذْكُورُ وَإِنَّ الْأَجْرَ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ يُطْلَبُ كَوْنُهُ مَعْرُوفًا قَدْرًا وَصِفَةً فِي أَصْلِ الْعَقْدِ مُخَالِفٌ لِمَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ قَالَ إذَا قَالَ اُحْصُدْ زَرْعِي فَمَا حَصَدْت وَلَقَطْتَ فَلَكَ نِصْفُهُ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ مَعَ أَنَّهُ حِينَ الْعَقْدِ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ وَلَا صِفَتَهُ (قُلْتُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَجَازَهَا فِيهَا عَلَى أَنَّهَا جِعَالَةٌ وَلِذَا قَالَ وَلَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ لِأَنَّهُ جَعَلَ وَذَكَرَ عَنْ الْغَيْرِ فِيهَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَوَجَّهَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلَيْنِ عَلَى ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاكْتِفَاءَ فِي عِلْمِ قَدْرِ الْجُعْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَاعِلِ بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ نِسْبَتِهِ لِمَا يَحْصُلُ لَهُ وَلِلْمَجْعُولِ لَهُ بِعِلْمِهِ بِهِ حِينَ فَعَلَهُ أَوْ اشْتِرَاطِ عِلْمِ قَدْرِهِ فِي الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ وَذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ اعْصِرْ زَيْتُونِي وَلَك نِصْفُ مَا عَصَرْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الزَّرْعِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَى كَيْفَ يَخْرُجُ بِخِلَافِ الْحَصَادِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 [بَابٌ فِيمَا يَجِبُ تَعْجِيلُهُ مِنْ الْأَجْرِ فِي الْإِجَارَةِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعِوَضُ الْمُعَيَّنُ يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ أَوْ اكْتَرَى بِمُعَيَّنٍ مِنْ عَرَضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ طَعَامٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَعْجِيلُهُ إنْ تَشَاحَّا فِي نَقْدِهِ فَإِنْ كَانَتْ سُنَّةُ الْبَلَدِ النَّقْدَ جَازَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ سُنَّةُ الْبَلَدِ التَّأْخِيرَ أَوْ نَصًّا عَلَى التَّأْخِيرِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ الصَّقَلِّيِّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ إذَا كَانَ الْعُرْفُ التَّأْخِيرَ الْجَوَازَ وَيُحْكَمُ بِالنَّقْدِ حَتَّى يَنُصَّا عَلَى التَّأْخِيرِ وَانْظُرْ بَحْثَ الشَّيْخِ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُنَا مَسَائِلُ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ مَنْفَعَةِ الْإِجَارَةِ] ِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا لَا يُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ حِسًّا دُونَ إضَافَةٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ غَيْرَ جُزْءٍ مِمَّا أُضِيفَ إلَيْهِ قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَا لَا يُمْكِنُ " أَيْ الشَّيْءُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَهُوَ عَامُّ جِنْسٍ لِلْمَنْفَعَةِ قَوْلُهُ " حِسًّا " احْتَرَزَ مِمَّا يُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ حِسًّا مِنْ الْأَعْيَانِ بِنَفْسِهِ كَالثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ فَإِنَّهُمَا لَيْسَا بِمَنْفَعَةٍ قَوْلُهُ " دُونَ إضَافَةٍ " مَعْمُولٌ لِإِشَارَةٍ وَهُوَ قَيْدٌ فِي الْإِشَارَةِ وَمَعْنَاهُ مَا لَا يُشَارُ إلَيْهِ حِسًّا إلَّا بِقَيْدِ الْإِضَافَةِ وَلَا يُمْكِنُ عَقْلًا إلَّا ذَلِكَ مِثْلُ رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ فَإِنَّهُمَا يُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِمَا حِسًّا مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ فَرُكُوبُ الدَّابَّةِ مَنْفَعَةٌ وَالدَّابَّةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ قَوْلُهُ " يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ " أَخْرَجَ بِهِ الْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ لِأَنَّهُمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُمَا وَلَا تُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِمَا حِسًّا إلَّا بِإِضَافَتِهِمَا تَقُولُ هَذَا عِلْمُ زَيْدٍ قَوْلُهُ " غَيْرَ جُزْءٍ مِمَّا أُضِيفَ إلَيْهِ " أَخْرَجَ بِهِ نَفْسَ نِصْفِ الْعَبْدِ وَنِصْفِ الدَّارِ مُشَاعًا لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُشَاعٌ لَا تُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ إلَّا مُضَافًا وَيُمْكِنُ أَخْذُ الْمَنْفَعَةِ مِنْهُ لَكِنَّهُ جُزْءٌ مِمَّا أُضِيفَ إلَيْهِ وَلَيْسَ رُكُوبُ الدَّابَّةِ وَمَا شَابَهَهُ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ يُمْكِنُ صِفَةً لِمَا يُمْكِنُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَرَّرْت قَوْلَهُ مَا لَا يُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ حِسًّا دُونَ إضَافَةٍ عَلَى مَعْنًى لَا تُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ حِسًّا بِإِضَافَةٍ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى نَفْيُ نَفْيٍ وَهُوَ إثْبَاتٌ فَخُلَاصَتُهُ مَا ذَكَرْته وَهُوَ أَخْصَرُ بِكَثِيرٍ فَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا هُوَ مُوَافِقٌ لَهُ فِي مَعْنَاهُ وَلِأَيِّ شَيْءٍ عَدَلَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ ذَلِكَ إلَى مَا ذَكَرَهُ (قُلْتُ) كَانَ يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِذَلِكَ دُونَ مَا ذَكَرَ لَصَدَقَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 غُلَامُ زَيْدٍ وَيَكُونُ مَنْفَعَةً فَيَكُونُ رَسْمُهُ غَيْرَ مُطَّرِدٍ لِأَنَّ غُلَامَ زَيْدٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أُشِيرَ إلَيْهِ حِسًّا بِإِضَافَةٍ وَهُوَ لَيْسَ بِمَنْفَعَةٍ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ بِدُونِ إضَافَةٍ لِأَنَّ الْمُضَافَ وَهُوَ الْغُلَامُ تُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَلَكَ النَّظَرُ فِيهِ (فَإِنْ قُلْتَ) أَطْلَقَ الشَّيْخُ فِي قَوْلِهِ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ذَهَبَتْ الْعَيْنُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قُلْتَ) هَذَا لَا يُخِلُّ بِحَدِّهِ فَإِنَّ حَدَّهُ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ إجَارَةٍ صَحِيحَةٍ أَوْ فَاسِدَةٍ وَقَدْ ذَكَرَ شَرْطَ الْمَنْفَعَةِ لِلْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ بَعْدُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ الشَّيْخُ وَهِيَ رُكْنٌ لِأَنَّهَا الْمُشْتَرَاةُ فَمَا بَيَانُ الِاسْتِدْلَالِ بِكَوْنِهَا مُشْتَرَاةً عَلَى الرُّكْنِيَّةِ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ جَلِيٌّ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُشْتَرَاةٌ وَكُلَّ مُشْتَرِي فَهُوَ رُكْنٌ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا أَرْكَانُهُ الصِّيغَةُ وَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي فَصَحَّ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُشْتَرَاةٌ وَكُلَّ مُشْتَرِي فَهُوَ رُكْنٌ فَالْمَنْفَعَةُ رُكْنٌ (فَإِنْ قُلْتَ) يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ سُؤَالَانِ: (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ هُنَا صَيَّرَ الْمَنْفَعَةَ فِي الْإِجَارَةِ مُشْتَرَاةً فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ بَيْعًا وَقَدْ أَخْرَجَهَا مِنْ حَدِّ الْبَيْعِ. (قُلْتُ) هَذَا فِيهِ تَسَامُحٌ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ. (الثَّانِي) أَنَّهُ تَقَدَّمَ إشْكَالُ كَوْنِ الشَّيْخِ صَيَّرَ ذَلِكَ رُكْنًا لِلْمَحْدُودِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ رُكْنٌ لِلْمَاهِيَّةِ الْحِسِّيَّةِ (قُلْتُ) تَقَدَّمَ تَأْوِيلُهُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ فِي الْبَيْعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يَرُدُّ عَلَى الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إجَارَةُ الرَّضَاعِ وَمَا ضَاهَاهُ مِمَّا أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ وَهُوَ جُزْءٌ فَيَكُونُ حَدُّهُ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَنْفَعَةِ الْإِجَارَةِ (قُلْتُ) لَمْ يَظْهَرْ قُوَّةُ جَوَابٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ شَرْطِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْإِجَارَة] بَابُ شَرْطِ الْمَنْفَعَةِ قَالَ شَرْطُهَا إمْكَانُ اسْتِيفَائِهَا دُونَ إذْهَابِ عَيْنٍ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا مَعْلُومَةً غَيْرُ وَاجِبٍ تَرْكُهَا وَلَا فِعْلُهَا فَخَرَجَ الْوَاجِبُ وَالْمُحَرَّمُ قَالَ الشَّيْخُ إمْكَانُ اسْتِيفَائِهَا أَخْرَجَ بِهِ الْعَيْنَ وَمَا شَابَهَهَا إلَّا مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ وَاخْتَارَهُ وَبَاقِي الشُّرُوطِ ظَاهِرٌ وَلِذَا قَالَ فَخَرَجَ إلَخْ وَاعْتَرَضَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْغَزَالِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ بِقَوْلِهِ وَتَبِعَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ الْغَزَالِيُّ فَقَالَا هِيَ مُتَقَوَّمَةٌ غَيْرُ مُتَضَمِّنَةً اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ قَصْدًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهَا غَيْرَ حَرَامٍ وَلَا وَاجِبَةً مَعْلُومَةً قَالَ فَفَسَّرُوا مُتَقَوَّمَةً بِمَا لَهَا قِيمَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 الْغَزَالِيِّ عَنَيْنَا بِالْمُتَقَوَّمِ إنْ اسْتَأْجَرَ تُفَّاحَةً لِلشَّمِّ وَالطَّعَامِ لِتَزْيِينِ الْحَانُوتِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْإِجَارَةَ وَحْدَهَا وَذَكَرَ أَصْنَافَهَا مِنْ إجَارَةِ عَبْدٍ وَحُرٍّ وَبِنَاءٍ وَحَفْرٍ وَرَضَاعٍ وَتَعْلِيمِ صَنْعَةٍ وَقُرْآنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُتَعَلِّقُ الْإِجَارَةِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ كِرَاءَ الْأَرْضِ وَالسُّفُنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِّهِ وَلَا يَصِحُّ انْطِبَاقُ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَعْمَلَ ذَلِكَ كُتُبًا كَمَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَذْكُرَ لَهَا رُسُومَهَا بِخَوَاصِّهَا (قُلْتُ) الصَّوَابُ ذَلِكَ كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سِيَّمَا وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلِذَلِكَ رَأَيْتُ الشَّيْخَ قَبْلَ هَذَا قَالَ وَلَمَّا خَلَطَ ابْنِ الْحَاجِبِ مَسَائِلَ كُتُبِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ بِمَسَائِلِ الْكِرَاءِ فِي الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وَالرَّوَاحِلِ كَابْنِ شَاسٍ تَابِعًا لِلْغَزَالِيِّ رَأَيْت إفْرَادَ الْكَلَامِ عَلَى مَسَائِلِ كُلِّ كِتَابٍ أَنْسَبَ لِلنَّاظِرِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَحَقُّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَعْرِفَهَا وَلَا بُدَّ أَنْ نُكْمِلَ عَلَى ذَلِكَ فِي ذِكْرِ الْحُدُودِ مَا أَدْمَجَهُ فِي حَدِّهِ مِنْ الْإِجَارَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. [كِتَابُ كِرَاءِ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ] (ك ر ي) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ كِرَاءِ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ يُؤْخَذُ حَدُّ ذَلِكَ مِمَّا قَدَّمَهُ فِي رَسْمِ الْإِجَارَةِ فَيُقَالُ " بَيْعُ مَنْفَعَةِ مَا لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ " فَيَدْخُلُ كِرَاءُ كُلِّ أَرْضٍ وَدَارٍ وَيَخْرُجُ مَا عَدَاهُمَا (فَإِنْ قُلْتَ) يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْحَدِّ عَدَمُ اطِّرَادِهِ بِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ جَوَازِ إجَارَةِ مَصَبِّ مِرْحَاضٍ وَإِجَارَةِ حَائِطٍ لِحَمْلِ خَشَبٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ إجَارَةً لَا كِرَاءً وَالْحَدُّ صَادِقٌ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَيَكُونُ حَدُّ الْإِجَارَةِ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ (قُلْتُ) لِلشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَقُولَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْكِرَاءِ وَإِطْلَاقُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ مَجَازٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ. لَا يُقَالُ إنَّ نَفْيَ الْإِمْكَانِ الْمَذْكُورِ فِي النَّقْلِ فِيهِ إجْمَالٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الْإِمْكَانَ هَلْ هُوَ الْعَقْلِيُّ أَوْ الْعَادِيُّ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُتَبَادِرُ أَنَّهُ الْإِمْكَانُ الْعَادِيُّ وَالسِّيَاقَ لَهُ مُدْخِلٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 [بَابُ مَنْفَعَةِ الْكِرَاءِ] ِ (فَإِنْ قُلْتَ) لَمْ يُعَرِّفْ الشَّيْخُ ذَلِكَ (قُلْتُ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا عَرَّفَ مَنْفَعَةَ الْإِجَارَةِ بِقَوْلِهِ مَا لَا تُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ حِسًّا إلَخْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ يَتَقَرَّرُ فِي مَنْفَعَةِ الْكِرَاءِ مَعْنَاهُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا صَحَّ ذَلِكَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الرَّسْمُ الْمُتَقَدِّمُ غَيْرَ مُطَّرِدٍ لِصِدْقِهِ فِي مَنْفَعَةِ الْكِرَاءِ (قُلْتُ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَقُلْ مَنْفَعَةً وَلَا إجَارَةً فِي الشَّيْءِ الْمَرْسُومِ وَإِنَّمَا قَالَ الْمَنْفَعَةَ الْمُطْلَقَةَ وَمَا تَرْجَمْت بِهِ يَرُدُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) بَعْدَ أَنْ عَرَّفْت الْكِرَاءَ وَمَنْفَعَتَهُ فَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي وَثَمَنَ الْكِرَاءِ (قُلْتُ) أَمَّا الشَّيْءُ الْمُكْتَرَى فَهُوَ مَحَلُّ الْكِرَاءِ فَهُوَ الدُّورُ وَالْأَرْضُونَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَأَمَّا الْمُكْرِي فَمَعْلُومٌ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَائِعِ وَالْمُكْتَرِي كَالْمُشْتَرِي وَأَمَّا ثَمَنُ الْكِرَاءِ فَكَالثَّمَنِ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَدْرٌ زَائِدٌ لِأَنَّهُمْ قَالُوا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِكُلِّ شَيْءٍ مَعْلُومٍ إلَّا بِالْجُزْءِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا وَقَدْ حَصَّلَ الشَّيْخُ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ فِيمَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ بِهِ الْأَرْضَ اُنْظُرْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِالْعُودِ وَالْحَطَبِ وَالْخَشَبِ وَهُوَ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ (قُلْتُ) نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ ابْنَ سَحْنُونَ قَالَ لِأَبِيهِ لِمَ - أَجَازَهَا وَهُوَ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ قَالَ لِطُولِ مُكْثِهَا. [بَابٌ فِي كِرَاءِ السُّفُنِ] ِ يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ لَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُقَالَ " بَيْعُ مَنْفَعَةِ مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ مِنْ جَارِيَةٍ بِبَحْرٍ " فَالْجِنْسُ الْمَذْكُورُ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ وَمَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وَفِي جَارِيَةٍ بِبَحْرٍ أَخْرَجَ بِهِ الرَّوَاحِلَ وَإِجَارَةَ الْعُقَلَاءِ وَالْجَارِيَةُ هِيَ السَّفِينَةُ (فَإِنْ قُلْتَ) ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ أَنَّ كِرَاءَ السُّفُنِ يَكُونُ جِعَالَةً وَيَكُونُ إجَارَةً فَالْجِعَالَةُ كَقَوْلِك إنْ بَلَّغْتنِي مَحَلَّ كَذَا فَلَكَ كَذَا وَالْإِجَارَةُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ شَيْئًا مَعْلُومًا عَلَى أَنْ يُبَلِّغَهُ الْمَحَلَّ فَلَهُ بِحِسَابِهِ فَهَلْ يَصْدُقُ الرَّسْمُ عَلَى هَذَيْنِ (قُلْتُ) هُوَ صَادِقٌ عَلَيْهِمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ فِيمَنْ اكْتَرَى مَرْكَبًا ثُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 أَخَذَتْ اللُّصُوصُ الْمَتَاعَ قَالَ فَإِنَّ الْكِرَاءَ لَازِمٌ وَإِنْ أَخَذَتْ الْمَرْكَبَ فَالْكِرَاءُ غَيْرُ لَازِمٍ وَتَأَمَّلْ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا أَخَذَتْ اللُّصُوصُ الدَّابَّةَ الْمَحْمُولَ عَلَيْهَا قَالَ فَمَا مَضَى مِنْ الْمُكْتَرِي وَخَالَفَهُ الشَّيْخُ تِلْمِيذُهُ الْبُرْزُلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - [بَابُ كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ] ِ يُمْكِنُ رَسْمُهُ مِمَّا قَدَّمَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُقَالَ بَيْعُ مَنْفَعَةِ مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ مِنْ حَيَوَانٍ لَا يَعْقِلُ وَشَرْحُهُ جَلِيٌّ مِمَّا شَرَحْنَاهُ قَبْلُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. [بَابُ مَا يُوجِبُ فَسْخَ الْإِجَارَةِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا فَوْتُ الْمُسْتَأْجَرِ مُعَيَّنًا أَوْ تَلَفُهُ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ هَلَاكُ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ بَعْدَ إجَارَتِهَا وَتَهَدُّمُ الدَّارِ وَغَرَقُ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ مِنْ التَّلَفِ وَعَمَّمَ الْإِجَارَةَ هُنَا فِي الْكِرَاءِ وَالرَّوَاحِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ شَاسٍ مِمَّا تَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ بِمَنْعِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ شَرْعًا كَسُكُونِ أَلَمِ السِّنِّ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى قَلْعِهَا وَكَذَلِكَ إنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْقِصَاصِ مِنْ رَجُلٍ وَوَقَعَ الْعَفْوُ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَظَاهِرُهُ قَبُولُ قَوْلِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي ذَهَابِ أَلَمِهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ إلَّا أَنْ يَقُومَ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ وَفِي يَمِينِهِ مَعَ ذَلِكَ نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا كَأَيْمَانِ التُّهَمِ (قُلْتُ) وَرُبَّمَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ مَعَ مَا وَقَعَ فِيهَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ اُنْظُرْهَا مَعَ هَذِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ. [بَابُ الصَّانِعِ الْمُنْتَصِبِ لِلصَّنْعَةِ] (ص ن ع) : بَابُ الصَّانِعِ الْمُنْتَصِبِ لِلصَّنْعَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ كِتَابُ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَرَأَيْت لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ تَقْيِيدًا يَقُولُ فِيهِ مَا سِرُّ كَوْنِ الشَّيْخِ لَمْ يَعْرِفْ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ كَمَا عَرَفَ بُيُوعَ الْآجَالِ لَقَبًا وَإِضَافَةً وَقَالَ فِي جَوَابِهِ لِأَنَّهُ غَلَبَ ذَلِكَ فِي الْمَعْنَى اللَّقَبِيِّ وَرَأَيْت لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ قَوْلَهَا تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ يَظْهَرُ فِيهِ أَنَّهُ لَقَبٌ فَقَطْ بِخِلَافِ بُيُوعِ الْآجَالِ قَالَ وَالشَّيْخُ لَمْ يُعَرِّفْ الْمَعْنَى اللَّقَبِيَّ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ فِي مُخْتَصَرِهِ وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ عَدَمَ الشَّيْءِ جَائِزَةٌ بِتَلَفِهِ بِسَبَبِهِ لَا بِسَبَبِ غَيْرِهِ وَفِي هَذَا الرَّسْمِ بَحْثٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 لَا يَخْفَى مِنْ أَوْجُهٍ عَدِيدَةٍ وَلَعَلَّ النَّاقِلَ لَمْ يُتْقِنْ نَقْلَهُ وَفَهْمَهُ وَنُقِلَ عَنْهُ فِي رَسْمِ الصَّانِعِ أَنَّهُ قَالَ الصَّانِعُ هُوَ بَائِعُ مَنْفَعَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ (قُلْتُ) هَذَا فِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى لِصِدْقِهِ عَلَى الْأَجِيرِ وَالْأَجِيرُ غَيْرُ الصَّانِعِ عُرْفًا لِاخْتِلَافِ لَفْظِهِمَا وَلَوَازِمِهِمَا ثُمَّ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَا ذَكَرْته فِي مُخْتَصَرِي هُوَ حُكْمُ الصَّنْعَةِ لَا تَعْرِيفُهَا وَهَذَا الْكَلَامُ كُلُّهُ لَمْ أَثِقْ بِنَقْلِهِ عَنْهُ ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ مَا نُقِلَ عَنْهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يُغْنِي عَنْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ وَاَلَّذِي فِي مُخْتَصَرِهِ فِي تَعْرِيفِ الصَّانِعِ أَنَّهُ الْمُنْتَصِبُ لِبَيْعِ صَنْعَتِهِ بِمَحَلِّهِ وَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفًا لِلصَّانِعِ الضَّامِنِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ قَالَ الْمُنْتَصِبُ مَنْ أَقَامَ نَفْسَهُ لِعَمَلِ الصَّنْعَةِ الَّتِي اُسْتُعْمِلَ فِيهَا بِسُوقِهَا أَوْ دَارِهِ وَغَيْرُ الْمُنْتَصِبِ مَنْ لَمْ يُقِمْ نَفْسَهُ لَهَا وَلَا مِنْهَا مَعَاشُهُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا رَسْمٌ لِلصَّانِعِ الْمُنْتَصِبِ وَفِيهِ ذَكَرَ الصَّنْعَةَ فِي رَسْمِهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الصَّانِعُ مَعْلُومٌ وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّمْيِيزُ لِلْمُنْتَصِبِ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ انْتِصَابُهُ لِجَمَاعَةٍ خَاصَّةٍ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ عِيَاضٍ أَنَّ الْخَاصَّ لِجَمَاعَةٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَ وَنَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُعَرِّفْ الصَّنْعَةَ كَمَا عَرَّفَ الْإِجَارَةَ (قُلْتُ) الْإِجَارَةُ قَدْ عَرَّفَهَا وَيَصْدُقُ عَلَى الصَّنْعَةِ تَعْرِيفُهَا غَايَتُهَا أَنَّهَا اخْتَصَّتْ بِاسْمٍ يَخُصُّهَا كَالْأَصْنَافِ تَحْتَ نَوْعٍ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْإِجَارَةِ كَمَا يُقَالُ الْإِنْسَانُ وَالصَّقْلَبِيُّ لَا يُقَالُ بِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْهَا لِأَنَّ اخْتِلَافَ اللَّوَازِمِ يُؤْذِنُ بِاخْتِلَافِ الْمَلْزُومَاتِ وَمِنْ لَازِمِ الْإِجَارَةِ عَدَمُ الضَّمَانِ وَمِنْ لَازِمِ الصَّنْعَةِ الضَّمَانُ لِأَنَّا نَقُولُ ضَمَانُ الصَّانِعِ خَارِجٌ عَنْ أَصْلِ قِيَاسِ الْأَجِيرِ لَكِنْ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فِيهِ وَاللَّازِمُ هُنَا لَمْ يَخْتَلِفْ مِنْ أَصْلِهِ لَكِنْ لِعَارِضٍ عَرَضَ لَهُ وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا وَقَعَ الْجَوَابُ بِهِ لِلشَّيْخِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ سَبَبُ إيجَابٍ لَاحِقٍ لَا يُنَافِي السَّابِقَ وَأَيْضًا ضَمَانُ الصَّانِعِ ضَمَانُ تُهْمَةٍ لَا ضَمَانُ أَصَالَةٍ (فَإِنْ قُلْتَ) الصَّانِعُ الْمُنْتَصِبُ لِلصَّنْعَةِ قَدْ ذَكَرَ فِيهِ الْقُيُودَ الْمَذْكُورَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي تَسْلِيمِ صَنْعَتِهِ هَلْ هُوَ كَمُعَيَّنٍ مَبِيعٍ أَوْ مَضْمُونٍ (قُلْتُ) ذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِرَسْمِهِ بِوَجْهٍ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ تَقَرُّرِ سَبَبِ الضَّمَانِ وَبَيَانِهِ أَنَّهُ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَلَاكِ الْمَصْنُوعِ بَعْدَ صَنْعَتِهِ وَكَانَ مُنْتَصِبًا فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا أَجْرَ لِلصَّانِعِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ بِعَدَمِ الضَّمَانِ وَثُبُوتِ الْأَجْرِ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الصَّنْعَةَ كَمَبِيعٍ مَضْمُونٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ رَآهَا كَمَبِيعٍ مُعَيَّنٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَبِفَضْلِهِ وَمِنَّتِهِ يُوصِلُنَا إلَى مَعْرِفَةِ التَّحْقِيقِ. [كِتَابُ الْجُعْلِ] (ج ع ل) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الْجُعْلِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى عَمَلِ آدَمِيٍّ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْ مَحَلِّهِ بِهِ لَا يَجِبُ إلَّا بِتَمَامِهِ " قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " عَقْدُ " صَيَّرَ جِنْسُ الْجِعَالَةِ الْعَقْدَ وَلَمْ يَقُلْ بَيْعُ وَالْعَقْدُ أَعَمُّ مِنْ الْبَيْعِ وَالْجِنْسُ الْأَقْرَبُ الْبَيْعُ فَهَلَّا قَالَ بَيْعُ كَمَا قَالَ فِي الْإِجَارَةِ وَيَكُونُ أَخْصَرَ فَيُعَبِّرُ بِقَوْلِهِ بَيْعُ عَمَلِ آدَمِيٍّ إلَخْ لَا يُقَالُ إنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَذَلِكَ أَخْصَرُ مِنْ الْعَقْدِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ أَعَمَّ مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّا نَقُولُ عَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ أَعَمُّ مِنْ بَيْعِ مَنْفَعَةٍ وَبَيْعُ مَنْفَعَةٍ أَخْصَرُ فَهُوَ أَقْرَبُ وَيُقَوِّي السُّؤَالَ أَنَّهُ عَبَّرَ فِي الْإِجَارَةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَعَلَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْإِجَارَةُ لَازِمَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ الْجِعَالَةِ نَاسَبَ فِي الْإِجَارَةِ الْبَيْعَ وَهُنَا الْعَقْدَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ قَوْلُهُ " عَلَى عَمَلِ آدَمِيٍّ " أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ السُّفُنِ وَكِرَاءَ الْأَرَضِينَ وَكِرَاءَ الرَّوَاحِلِ قَوْلُهُ " بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْ مَحَلِّهِ " أَخْرَجَ بِهِ الْمُسَاقَاةَ وَالْقِرَاضَ وَالْحَرْثَ. (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ يَخْرُجُ كِرَاءُ السُّفُنِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ وَلَمْ يَقُلْ شَرِكَةُ الْحَرْثِ وَكِرَاءُ الْأَرْضِ وَكِرَاءُ الرَّوَاحِلِ بِكِرَاءِ السُّفُنِ اخْتِصَارًا لِأَنَّ الْمُخْرِجَ لِلْجَمِيعِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ وَشَرِكَةُ الْحَرْثِ شَارَكَتْ الْقِرَاضَ وَالْمُسَاقَاةَ فِي الْجُزْءِ النَّاشِئِ قَوْلُهُ " بِهِ " قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا مَعْنَاهُ زِيدَ بِهِ خَوْفَ نَقْضِ عَكْسِ الْحَدِّ أَوْ رَسْمِهِ بِقَوْلِهِ إنْ أَتَيْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ عَمَلُهُ كَذَا أَشْهُرًا أَوْ خَدَمْته أَشْهُرًا لِأَنَّهُ جُعْلٌ فَاسِدٌ لِجَهْلِ عِوَضِهِ وَالْمُعَرَّفُ حَقِيقَتُهُ الْمَعْرُوضَةُ لِلصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ (قُلْتُ) هَذَا الْكَلَامُ كَانَ يَمْضِي لَنَا فِي فَهْمِهِ تَرَدُّدٌ. وَبَسْطُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ التَّعْرِيفَ لِمَاهِيَّةِ الْجُعْلِ الْمُطْلَقِ الْقَابِلِ لِلصَّحِيحِ وَفَاسِدِهِ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْ مَحَلِّهِ مُحَافَظَةً عَلَى طَرْدِهِ لِإِخْرَاجِ الْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ لِأَنَّهَا نَشَأَتْ عَنْ مَحَلِّ الْعَمَلِ لَكَانَ رَسْمُهُ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ فَيُقَالُ فِيهِ حَافَظَ عَلَى طَرْدِهِ فَأَخَلَّ بِعَكْسِهِ فَإِنَّ صُورَةَ النَّقْضِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْجِعَالَةِ الْفَاسِدَةِ وَقَدْ شَارَكَتْ الْقِرَاضَ فِيمَا خَرَجَ بِهِ لِأَنَّ عِوَضَهَا نَشَأَ عَنْ مَحَلِّ الْعَمَلِ فَتَكُونُ خَارِجَةً وَالْمَقْصُودُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 دُخُولُهَا وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً فَزَادَ قَوْلَهُ بِهِ لِتَدْخُلَ الصُّورَةُ الْمَذْكُورَةُ وَبَيَانُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ تُوجِبُ دُخُولَهَا أَنَّ النَّفْيَ بِقَوْلِهِ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْ مَحَلِّهِ بِهِ تَسَلَّطَ عَلَى مُقَيَّدٍ بِقَيْدٍ لَازَمَهُ يَتَعَلَّقُ بِنَاشِئٍ وَقِيلَ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَضَمِيرُ مَحَلِّهِ عَائِدٌ عَلَى عَمَلِ آدَمِيٍّ وَضَمِيرُ بِهِ كَذَلِكَ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ سَيِّدِي عِيسَى وَتَقْدِيرُهُ عِوَضٍ مِنْ صِفَتِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْخُوذٍ عَنْ مَحَلِّ الْعَمَلِ بِسَبَبِ عَمَلِ الْجَاعِلِ فَتَخْرُجُ الْمُسَاقَاةُ لِأَنَّ عِوَضَهَا مَأْخُوذٌ مِنْ مَحَلِّهَا بِسَبَبِ عَمَلِ جَاعِلِهَا وَتَدْخُلُ صُورَةُ الْجِعَالَةِ الْفَاسِدَةِ لِأَنَّ عِوَضَهَا غَيْرُ نَاشِئٍ عَنْ عَمَلِ عَامِلِهَا بَلْ أُخِذَ مِنْ عَمَلِ مَحَلِّهَا لَا بِسَبَبِ عَمَلِ عَامِلِهَا. (فَإِنْ قُلْتَ) إتْيَانُهُ بِالْآبِقِ سَبَبٌ وَعَمَلُ الْآبِقِ مُسَبَّبٌ فَيَصْدُقُ فِيهِ أَنَّ الْعِوَضَ نَشَأَ عَنْ الْعَمَلِ (قُلْتُ) الْمُتَبَادِرُ إلَى الْفَهْمِ السَّبَبُ الْقَرِيبُ قَوْلُهُ " لَا يَجِبُ إلَّا بِتَمَامِهِ " الْجُمْلَةُ صِفَةٌ لَعِوَضٍ أَيْ بِعِوَضٍ مَوْصُوفٍ بِكَوْنِهِ لَا يَجِبُ إلَّا بِتَمَامِهِ فَتَخْرُجُ الْإِجَارَةُ فِي الْآدَمِيِّ لِأَنَّ عِوَضَهَا يَتَبَعَّضُ عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ كَمَالِ تَصَرُّفِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى تَمَامِ اخْتِصَارِهِ قَالَ وَأَوْجَزُ مِنْ الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ " مُعَاوَضَةٍ عَلَى عَمَلِ آدَمِيٍّ يَجِبُ عِوَضُهُ بِتَمَامِهِ لَا بَعْضِهِ بِبَعْضِهِ " فَقَوْلُهُ " مُعَاوَضَةٍ " اخْتَصَرَ مِنْ الْأَوَّلِ عَقْدًا (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا اخْتَصَرَ الْعَقْدَ فَهَلَّا اخْتَصَرَ الْمُعَاوَضَةَ وَقَالَ بَيْعُ عَمَلِ آدَمِيٍّ كَمَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا (قُلْتُ) الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ الْبَيْعَ يَدُلُّ عَلَى اللُّزُومِ وَالْجِعَالَةَ فِيهَا عَدَمُ اللُّزُومِ فَالْمُعَاوَضَةُ لَهَا أَنْسَبُ الثَّانِي أَنَّا إنْ قُلْنَا بَيْعُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْعِوَضِ وَذِكْرِ مَا يُوصَفُ بِهِ فَيَزِيدُ فِي طُولِهِ وَهَذَا لَا يَخْفَى ضَعْفُهُ وَكَذَا الْأَوَّلُ قَوْلُهُ " عَلَى عَمَلِ آدَمِيٍّ " أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ السُّفُنِ وَالرَّوَاحِلِ قَوْلُهُ " يَجِبُ عِوَضُهُ بِتَمَامِهِ " أَخْرَجَ بِهِ الْقِرَاضَ قَالَ الشَّيْخُ لِعَدَمِ وُجُوبِ عِوَضِهِ لِجَوَازِ تَجْرِهِ وَلَا رِبْحَ قَوْلُهُ " لَا بَعْضِهِ بِبَعْضِهِ " أَخْرَجَ الْإِجَارَةَ وَالْمُسَاقَاةَ ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ رَسْمَ ابْنِ رُشْدٍ وَاعْتَرَضَهُ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ جَعَلَ الرَّجُلُ جُعْلًا عَلَى عَمَلِ رَجُلٍ إنْ لَمْ يُكْمِلْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ يَنْتَقِضُ بِالْقِرَاضِ لَا شَكَّ فِي نَقْضِهِ بِمَا ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَا يَنْتَقِضُ بِالْمُسَاقَاةِ وَغَيْرِهَا ثُمَّ قَوْلُهُ جَعَلَ الرَّجُلُ عَلَى عَمَلِ رَجُلٍ فِيهِ مَا لَا يَخْفَى لِأَنَّ الْجُعْلَ يَكُونُ مِنْ الْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ أَوْ مِنْ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا وَذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ قَضِيَّةَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي جَمَاعَةٍ نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ الْحَدِيثَ قَالَ الشَّيْخُ تَمَسَّكَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي جَوَازِ الْجُعْلِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 «وَمَا يُدْرِيك أَنَّهَا رُقْيَةٌ اضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ» قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ كَوْنِ إقْرَارِهِ إيَّاهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ إيَّاهُ بِالضِّيَافَةِ فَأَجَازَ لَهُمْ اسْتِخْلَاصَ ذَلِكَ بِالرُّقْيَةِ وَهِيَ رُخْصَةٌ اتِّفَاقًا وَكَانَ يَمُرُّ لَنَا أَنَّ فِيهِ بَحْثًا فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ صَحَّ احْتِمَالُهُ فَلَيْسَ كُلُّ احْتِمَالٍ فِي الْفَرْعِيَّاتِ يُسْقِطُ الِاسْتِدْلَالَ وَالرَّاجِحُ مَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ فَإِنْ قِيلَ عَلَيْهِ كَيْفَ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُمْ قَطَعُوا الْمَعْرُوفَ عَنْهُمْ لِقَطْعِهِمْ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي التَّعْلِيلِ بِهِ وَقَدْ بُعِثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَمِنْهَا أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَك وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَك وَالْجَوَابُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي حَالِ حَاجَةٍ وَخَوْفٍ مَعَ اضْطِرَارٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (فَإِنْ قُلْتَ) قَدَّمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجِعَالَةَ وَالْإِجَارَةَ وَعَلَى رَسْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَأَيُّ صُورَةٍ تَعَيَّنَتْ لِلْإِجَارَةِ أَوْ الْجِعَالَةِ فَظَاهِرٌ صَدَقَ الْحَدُّ فِيهِمَا وَقَدْ تَكُونُ الصُّورَةُ مُحْتَمِلَةٌ لَهُمَا مِثْلُ قَوْلِهَا الْقِطُّ زَيْتُونِيٌّ فَمَا لَقَطْتَ مِنْ شَيْءٍ فَلَكَ نِصْفُهُ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إجَارَةٌ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْجَوَازُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ جِعَالَةٌ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ يَنْظُرُ إلَى مَا غَلَبَ فِيهِ لَازِمُ الْإِجَارَةِ أَوْ الْجِعَالَةِ فَيُعَيَّنُ ذَلِكَ بِمَا غَلَبَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابٌ فِي شَرْطِ الْجَاعِلِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ الْمُعَاوَضَةِ فِيهِمَا أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ وَأَنْ يَكُونَ الْجَاعِلُ وَالْمَجْعُولُ لَهُ مِمَّنْ تَصِحُّ مُعَاوَضَتُهُ لِرُشْدِهِ أَوْ مَنْ نَابَ عَنْ مَحْجُورِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ الْبَيْعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ شَرْطُهُمَا أَهْلِيَّةُ الِاسْتِئْجَارِ وَالْعَمَلِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْعَمَلِ أَنَّ عَمَلَ الْجِعَالَةِ قَدْ يَمْتَنِعُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ كَمَا يُؤَاجَرُ ذِمِّيٌّ عَلَى طَلَبِ مُصْحَفٍ لِرَبِّهِ وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ مُدَّةَ حَيْضِهَا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا الِامْتِنَاعُ إنَّمَا هُوَ شَرْعِيٌّ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِقَصْدِ الْجِعَالَةِ عَلَى الْجَائِزِ مِنْهَا وَالْأَظْهَرُ اعْتِبَارُهَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا وَيُفَسَّرُ الِامْتِنَاعُ بِالِامْتِنَاعِ الْعَادِي كَمُجَاعَلَةِ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَوْمَ عَلَى رَفْعِ مَتَاعٍ مِنْ بِئْرٍ كَثِيرَةِ الْمَاءِ طَوِيلَةٍ (فَإِنْ قُلْتَ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رُبَّمَا يُقَالُ إنَّهُ أَيْضًا امْتِنَاعٌ شَرْعِيٌّ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَتْلِ النَّفْسِ وَهُوَ حَرَامٌ (قُلْتُ) الْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ الْمُحَرَّمَ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي أَصْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 الْعَقْدِ كَاسْتِئْجَارِ الْحَائِضِ فَتَأَمَّلْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) لَمْ يَرُدُّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعَمَلَ مَعَ أَهْلِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ (قُلْتُ) لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ أَهْلِيَّةَ الْمُعَاوَضَةِ تَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ امْتِنَاعُ عَادَةٍ فَلَا أَهْلِيَّةَ فِيهِ (فَإِنْ قُلْتَ) لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعْيِينَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ (قُلْت) ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَمَا اعْتَرَضَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ إلَّا فِي تَعْيِينِ الْعِوَضِ اُنْظُرْ ذَلِكَ. [بَابٌ فِي شَرْطِ الْجُعْلِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرْطُ الْجُعْلِ أَنْ لَا غَرَرَ فِيهِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدَّمَ الْآن شَرْطَ الْجُعْلِ (قُلْتُ) الْجُعَلُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ فَالْمُتَقَدِّمُ يَصْدُقُ عَلَى الْمَحْدُودِ وَهَذَا يَصْدُقُ عَلَى الْعِوَضِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا جَازَ بَيْعُهُ صَحَّ أَنْ يُجْعَلَ إجَارَةً أَوْ جُعْلًا. [بَابٌ فِي الْعَمَلِ فِي الْجُعْلِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ لَا يُشْتَرَطَ عِلْمُ مُتَعَسِّرِهِ وَانْظُرْ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَابْنِ فَتُّوحٍ مَعَ هَذَا لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَابْنِ فَتُّوحٍ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعَمَلِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بَلْ يَجُوزُ الْمَجْهُولُ قَالَ فَظَاهِرُهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ خِبْرَةِ الْأَرْضِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ اُنْظُرْهُ وَقَالَ قَبْلَ هَذَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْعَمَلُ فِيهِ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ مُتَعَسِّرِهِ بِخِلَافِ مُتَيَسِّرِهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ وَهُوَ نَصُّ ابْنِ فَتُّوحٍ عَنْ الْمَذْهَبِ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ كَوْنِ الْعَمَلِ مَعْلُومًا بَلْ يَجُوزُ فِيهِ الْمَجْهُولُ ظَاهِرُهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ خِبْرَةِ الْأَرْضِ وَقَدْ قُدِّمَ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خِبْرَةِ الْأَرْضِ اُنْظُرْهُ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ هَذَا ذَكَرَ كُلِّيَّةَ الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِهَا كُلُّ مَا جَازَ فِيهِ الْجُعْلُ جَازَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ وَلَيْسَ كُلَّمَا جَازَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ جَازَ فِيهِ الْجُعْلُ ثُمَّ قَالَ (قُلْتُ) صَدَقَ هَذِهِ الْكُلِّيَّةُ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ رُشْدٍ وَالتَّلْقِينِ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الْجُعْلِ فِي الْعَمَلِ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَعَلَى مَنْعِهِ فِيهِ صِدْقُهَا وَاضِحٌ وَيَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُ الْجُعْلِ عَلَى حَفْرِ الْأَرْضِ لِاسْتِخْرَاجِ مَائِهَا مَعَ جَهْلِهِ بِحَالِ الْأَرْضِ لِمُتَقَدِّمِ نَصِّهَا بِمَنْعِ الْإِجَارَةِ عَلَى حَفْرِهَا لِذَلِكَ مَعَ جَهْلِ حَالِهَا فَلَوْ جَازَ الْجُعْلُ فِيهِ مَعَ الْجَهْلِ كُذِّبَتْ الْكُلِّيَّةُ لِصِدْقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 نَقِيضِهَا أَوْ مُنَافِيهَا وَهُوَ قَوْلُنَا بَعْضُ مَا يَجُوزُ فِيهِ الْجُعْلُ لَيْسَ بِجَائِزٍ فِيهِ الْإِجَارَةُ أَوْ غَيْرُ جَائِزٍ فِيهِ الْإِجَارَةُ الْأَوَّلُ سَلْبٌ وَالثَّانِي عُدُولٌ وَذَلِكَ الْبَعْضُ هُوَ الْأَرْضُ الْمَجْهُولُ حَالُهَا لَهُمَا ثُمَّ قَالَ وَلَمَّا شَاعَ زَمَنُ قِرَاءَتِنَا صِحَّةَ قَوْلِ ابْنِ التِّلْمِسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْمَعَالِمِ الْفِقْهِيَّةِ مَهْمَا صَدَقَتْ الْقَضِيَّةُ صَدَقَ عَكْسُهَا إنْ كَانَ لَهَا عَكْسٌ وَعَكْسُ نَقِيضِهَا كَانَ يَمْشِي لَنَا قِرَاءَةً وَإِقْرَاءً اعْتِبَارُ ذَلِكَ فِي كُلِّيَّاتِ الْكِتَابِ فَعَكْسُ الْقَضِيَّةِ هَذِهِ بِالْمُسْتَوِي وَاضِحٌ صِدْقُهُ وَهُوَ قَوْلُنَا بَعْضُ مَا تَجُوزُ فِيهِ الْإِجَارَةُ يَجُوزُ فِيهِ الْجُعْلُ وَعَكْسُ نَقِيضِهَا بِالْمُسْتَوِي هُوَ قَوْلُنَا كُلُّ مَا لَا تَجُوزُ فِيهِ الْإِجَارَةُ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْجُعْلُ وَبِالْمُخَالِفِ وَهُوَ قَوْلُنَا لَا شَيْءَ مِمَّا تَجُوزُ فِيهِ الْإِجَارَةُ فَغَيْرُ جَائِزٍ فِيهِ الْجُعْلُ هَذَا كَلَامُهُ. قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صِدْقُ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ إلَخْ قَرَّرَ بِذَلِكَ أَنَّ الْكُلِّيَّةَ الْمَذْكُورَةَ لَا تَصْدُقُ عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةٍ وَتَصْدُقُ عَلَى قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ أَمَّا عَدَمُ صِدْقِهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ ذَكَرَ فَلِأَجْلِ النَّقْلِ عَنْهُمْ بِجَوَازِ الْجُعْلِ فِي حَفْرِ الْأَرْضِ مَعَ عَدَمِ الِاخْتِبَارِ وَأَمَّا صِدْقُهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ فَوَاضِحٌ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَجُوزُ فِي الْجُعْلِ وَلَا فِي الْإِجَارَةِ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ مَنْعُ الْجُعْلِ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْمَاءِ مِنْ الْأَرْضِ مَعَ الْجَهْلِ فَصِدْقُ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ مَلْزُومٌ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْعُ الْإِجَارَةِ عَلَى حَفْرِ الْأَرْضِ مَعَ جَهْلِ حَالِهَا فَيُقَالُ عَلَى ذَلِكَ لَوْ جَازَ الْجَهْلُ فِي الْجُعْلِ عَلَى ذَلِكَ كُذِّبَتْ الْكُلِّيَّةُ لِصِدْقِ نَقِيضِهَا أَوْ مُنَافِيهَا وَالنَّقْضُ هُوَ قَوْلُنَا بَعْضُ مَا يَجُوزُ فِيهِ الْجُعْلُ لَيْسَ بِجَائِزٍ فِيهِ الْإِجَارَةُ لِأَنَّ الْأُخْرَى كُلِّيَّةٌ مُوجَبَةٌ فَنَقِيضُهَا مَا ذَكَرَ وَالْمُنَافِي الْمُوجَبَةُ الْمَعْدُولَةُ الْمَذْكُورَةُ لِأَنَّ الْمُوجَبَةَ الْمَعْدُولَةَ مَعَ الْمُوجَبَةِ الْمُحَصَّلَةِ لَا يَجْتَمِعَانِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أَلْوَاحِ الْقَضَايَا لِأَنَّهُمَا يَتَعَاقَدَانِ صِدْقًا لِأَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي الْكَيْفِ مُخْتَلِفَانِ فِي الْعُدُولِ وَالتَّحْصِيلِ فَصَحَّ مِنْ صِدْقِ مَا ذَكَرَ كَذِبُ الْكُلِّيَّةِ وَالْبَعْضُ الصَّادِقُ فِيهِ هُوَ الْأَرْضُ الْمَجْهُولُ حَالُهَا فِي الْإِجَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ نَصُّهَا وَكَذِبُ الْكُلِّيَّةِ بَاطِلٌ لِثُبُوتِ صِدْقِهَا فَبَطَلَ جَوَازُ الْجَهْلِ فِي الْجُعْلِ عَلَى مَا ذَكَرَ وَبَيَانُ مَا قَرَّرَهُ مِنْ الْعَكْسِ فِي الْأَوَّلِينَ ظَاهِرٌ لِصَادِقِيَّةِ حَدِّ الْعَكْسِ عَلَى كُلِّ قَضِيَّةٍ أَمَّا عَكْسُ الْمُسْتَوِي فَرَسْمُهُ تَبْدِيلُ وَاحِدٍ مِنْ طَرَفَيْ الْقَضِيَّةِ بِعَيْنِ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ وَذَلِكَ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ بَعْضُ مَا تَجُوزُ فِيهِ الْإِجَارَةُ إلَخْ وَعَكْسُ النَّقِيضِ بِالْمُسْتَوِي تَبْدِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ طَرَفَيْ الْقَضِيَّةِ بِنَقِيضِ الْآخَرِ مَعَ الْمُوَافَقَةِ فِي الْكَيْفِ مَعَ بَقَاءِ الصِّدْقِ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ وَذَلِكَ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ كُلُّ مَا لَا تَجُوزُ فِيهِ الْإِجَارَةُ إلَخْ وَعَكْسُ النَّقِيضِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 الْمُخَالِفِ تَبْدِيلُ الطَّرَفِ الْأَوَّلِ بِنَقِيضِ الثَّانِي وَالثَّانِي بِعَيْنِ الْأَوَّلِ مَعَ الْمُخَالَفَةِ فِي الْكَيْفِ مَعَ بَقَاءِ الصِّدْقِ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ وَهَذَا الثَّالِثُ لَمْ يَظْهَرْ صِدْقُهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي رَأَيْت مِنْهُ فِي نُسْخَةٍ بَلْ صَوَابُهُ لَا شَيْءَ مِمَّا لَا تَجُوزُ فِيهِ الْإِجَارَةُ يَجُوزُ فِيهِ الْجُعْلُ فَتَأَمَّلْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا نَسَبَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْفِهْرِيِّ وَقَصْرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرُورِيٌّ فِي عِلْمِ الْمَنْطِقِ فِي كُلِّ كِتَابٍ مِنْهُ فِي تَقَرُّرِ الْعُكُوسَاتِ الثَّلَاثِ مَعَ إقَامَتِهِمْ الْبُرْهَانَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَظْهَرْ سِرُّ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ مَعَ مَعْرِفَةِ طَبَقَةِ الشَّيْخِ وَمَا لَهُ مِنْ تَأْلِيفِهِ الْمَنْطِقِيِّ (قُلْتُ) كَانَ يَمُرُّ لَنَا أَنَّ هَذَا وَإِنْ قُرِّرَ فِي كُتُبِ الْمَنْطِقِ لَكِنَّ لَفْظَ هَذَا الضَّابِطِ لَعَلَّهُ اخْتَصَّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ] (ح ي ي) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " لَقَبٌ لِتَعْمِيرِ دَامِرِ الْأَرْضِ بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ انْصِرَافِ الْمُعَمِّرِ عَنْ انْتِفَاعِهِ بِهَا " قَوْلُ الشَّيْخِ " لَقَبٌ " (فَإِنْ قُلْتَ) جَرَتْ عَادَةُ الشَّيْخِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ الْمُضَافَةِ أَنْ يَحُدَّهَا مُضَافَةً وَيَحُدَّهَا لَقَبًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ وَهَذَا رَسْمُهَا لَقَبًا فَقَطْ (قُلْتُ) لَمَّا كَانَتْ الْحَقَائِقُ لَهَا مَدْلُولٌ لَقَبِيٌّ شَرْعِيٌّ وَمَدْلُولٌ إضَافِيٌّ شَرْعِيٌّ فَنَاسَبَ أَنَّ حَدَّهَا بِاعْتِبَارِ الْمَدْلُولَيْنِ وَهُنَا الْمَعْنَى الْإِضَافِيُّ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى إلَّا لُغَةً لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ الْمُرَادَ مِنْهُ خِدْمَةُ الْأَرْضِ وَبِنَاؤُهَا وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا الْإِحْيَاءَ مَجَازًا وَالْمَوَاتَ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا مِلْكَ عَلَيْهَا أَوْ لَا نَبَاتَ بِهَا وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَجْرِ إطْلَاقُهُ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ عَلَى مَعْنًى يَخُصُّهُ شَرْعًا كَبَيْعِ الْأَجَلِ فِي الْمَعْنَى الْإِضَافِيِّ وَإِنَّمَا غَلَبَ هَذَا التَّرْكِيبُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَقَعَ التَّعْرِيفُ بِهِ فَهَذَا سِرُّ الْإِتْيَانِ بِاللَّفْظِ اللَّقَبِيِّ لِلرَّسْمِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " تَعْمِيرِ " مَصْدَرٌ مُنَاسِبٌ لِمَعْنَى الْمَحْدُودِ قَوْلُهُ " دَامِرِ الْأَرْضِ " أَخْرَجَ بِهِ الْأَرْضَ غَيْرَ الدَّامِرَةِ وَتَعْمِيرَ غَيْرِ الْأَرْضِ قَوْلُهُ " بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ انْصِرَافِ الْمُعَمَّرِ إلَخْ " أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى إخْرَاجِ أُمُورٍ لَا تُعَدُّ إحْيَاءً عُرْفًا كَرَعْيِ مَا بِحَوْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 الْأَرْضِ فَلَا يُعَدُّ إحْيَاءً يَخْتَصُّ بِهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ شَقَّ عُيُونًا مِنْ الْأَرْضِ وَحَفَرَ بِئْرًا لِغَيْرِ الْمَاشِيَةِ وَغَرَسَ شَجَرًا وَبَنَى بِنَاءً (فَإِنْ قُلْتَ) كَأَنَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَرَّفَ الْإِحْيَاءَ بِغَيْرِ مَعْلُومٍ لِلسَّامِعِ بَلْ فِيهِ إحَالَةٌ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ بَعْدُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَقَعُ الْإِحْيَاءُ بِهَا وَفِيهَا مَا هُوَ إحْيَاءٌ بِاتِّفَاقٍ مِثْلُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ لِغَيْرِ الْمَاشِيَةِ وَفِيهَا مَا لَيْسَ بِإِحْيَاءٍ بِاتِّفَاقِ وَفِيهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَحَفْرِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَأَنْتَ تَرَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِجْمَالِ. (قُلْتُ) أَحَالَ ذَلِكَ عَلَى نَظَرِ الْفَقِيهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَالْفَاهِمِ لِمِثْلِ هَذَا وَلَا يُخَاطَبُ إلَّا مَنْ مَارَسَ الْمَسَائِلَ الْفِقْهِيَّةَ وَخَتَمَ الْكُتُبَ أَوَّلَهَا وَآخِرَهَا وَلَازَمَ الْمُطَالَعَةَ مَعَ خِيَارِ الطَّلَبَةِ فِيهَا وَلَعَمْرِي قَلَّ مَنْ يَعْتَنِي وَيَسْأَلُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فَضْلًا عَمَّنْ يُلَازِمُهَا (فَإِنْ قُلْتَ) دَامِرِ الْأَرْضِ لَمْ يُبَيِّنْهُ أَيْضًا مَعَ أَنَّ دَامِرَ الْأَرْضِ قَدْ يَكُونُ فِيهِ مِلْكٌ (قُلْتُ) دَامِرُ الْأَرْضِ لَقَبٌ عَلَى مَا لَا مِلْكَ عَلَيْهِ وَلِذَا قَالَ بَعْدُ بِقَرِيبٍ وَمَعْرُوضُ الْإِحْيَاءِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِذِي حَقٍّ قَالَ وَيَمْتَنِعُ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ مِلْكٌ لِغَيْرِ إحْيَاءٍ وَقَالَ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِذِي حَقٍّ وَلَمْ يَقُلْ مِلْكٌ لِيُخْرِجَ بِذَلِكَ مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إحْيَاؤُهُ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَهُوَ الرَّبُّ الْعَلِيمُ الْعَلَّامُ. [بَابُ مَوَاتِ الْأَرْضِ] (م وت) : بَابُ مَوَاتِ الْأَرْضِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ ابْنِ غَانِمٍ مَوَاتُ الْأَرْضِ الَّتِي لَا نَبَاتَ لَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [فاطر: 9] فَلَا يَصِحُّ الْإِحْيَاءُ إلَّا فِي الْبُورِ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْمَوَاتُ الْأَرْضُ الْمُنْفَكَّةُ عَنْ الِاخْتِصَاصِ بِنَفْعٍ قَالَ وَقَدْ تَبِعَ الْغَزَالِيُّ هُوَ وَابْنُ شَاسٍ وَتَرَكَا رِوَايَةَ ابْنِ غَانِمٍ وَهِيَ أَجْلَى لِعَدَمِ تَوَقُّفِ تَصَوُّرِ مَدْلُولِهَا عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَمُوجَبِهِ (قُلْتُ) وَنَقَلَ غَيْرُهُ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّ الْمَوَاتَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا مِلْكَ عَلَيْهَا مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَهَذَا مُغَايِرٌ لِلرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَقَوْلُ الشَّيْخِ إنَّ رِوَايَةَ ابْنِ غَانِمٍ أَجْلَى لَمْ يَظْهَرْ مَعْنَاهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا مِرَارًا التَّرْدِيدُ فِي فَهْمِهِ وَفِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. [بَابٌ فِي مَعْرُوضِ الْإِحْيَاءِ] : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 بَابٌ فِي مَعْرُوضِ الْإِحْيَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِذِي حَقٍّ هَذَا التَّفْسِيرُ لِمَعْرُوضِ الْإِحْيَاءِ يَصِحُّ التَّفْسِيرُ بِهِ لِلْمَوَاتِ وَهُوَ أَقْوَى مِمَّا نُقِلَ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ وَرُبَّمَا يُقَالُ إنَّ كَلَامَ الْجَوْهَرِيِّ أَخَصُّ لِأَجْلِ قَوْلِهِ مِلْكُ وَالْحَقُّ أَعَمُّ مِنْ الْمِلْكِ وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْمِلْكِ الْحَوْزُ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ كَانَ هُوَ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ الْمَذْكُورِ فَيَتَقَارَبُ الْمَعْنَى فِيهِمَا (فَإِنْ قُلْتَ) وَقَعَ لِلْبَاجِيِّ هُنَا لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَعْرُوضِ الْإِحْيَاءِ قَالَ مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا لَمْ يَرْتَفِعْ مِلْكُهُ عَنْهَا بِانْدِرَاسِهَا اتِّفَاقًا وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشِّرَاءَ يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ الْحِيَازَةَ وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى مِلْكِهِ (قُلْتُ) يُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ الْإِمَامِ أَرْضًا وَلِذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِخَطِّهِ أَوْ شِرَاءً وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ التَّحْجِيرِ] (ح ج ر) : بَابُ التَّحْجِيرِ قَالَ عِيَاضٌ هُوَ ضَرْبُ حُدُودٍ حَوْلَ مَا يُرِيدُ إحْيَاءَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ لِبَيَانٍ. [بَابُ الْإِقْطَاعِ] (ق ط ع) : بَابُ الْإِقْطَاعِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَمْلِيكُ الْإِمَامِ جُزْءًا مِنْ أَرْضٍ ذَكَر الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جِنْسِ الْإِقْطَاعِ التَّمْلِيكَ وَالتَّمْلِيكُ يَعُمُّ الْعَطِيَّةَ كَمَا يُذْكَرُ بَعْدُ فِي رَسْمِ الْعَطِيَّةِ وَذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ (فَإِنْ قُلْتَ) أَطْلَقَ فِي الْأَرْضِ وَقَدْ نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّ الْإِقْطَاعَ لَا يَكُونُ فِي مَعْمُورِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ قَالُوا لِأَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْقَفَهَا (قُلْتُ) اللَّخْمِيُّ نَقَلَ خِلَافَ ذَلِكَ وَجَوَّزَ الْإِقْطَاعَ وَحَدُّ الشَّيْخِ يَعُمُّ الْقَوْلَيْنِ أَوْ يَعُمُّ صَحِيحَهُ وَفَاسِدَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) الْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ الْإِقْطَاعُ تَمْلِيكٌ وَانْتِفَاعٌ وَهُوَ عِنْدَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ وَتَعْرِيفُ الْإِقْطَاعِ بِالتَّمْلِيكِ هُنَا يَرُدُّهُ (قُلْت) الْإِقْطَاعُ إذَا أُطْلِقَ مُجَرَّدًا فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى التَّمْلِيكِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي التَّمْلِيكِ وَإِذَا أُرِيدَ الْإِحْيَاءُ، قُيِّدَ بِحَيْثُ قُسِّمَ فَإِنَّمَا هُوَ التَّقْسِيمُ لِلْإِحْيَاءِ لِأَنَّ الْإِقْطَاعَ الْمُطْلَقَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ وَلِذَا لَمَّا كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 الْإِقْطَاعُ حَقِيقَةً فِي التَّمْلِيكِ قَالُوا إنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي مَعْمُورِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ وَقَالُوا إنَّهُ يَجُوزُ إقْطَاعُ الِانْتِفَاعِ فِيهَا وَإِنْ مُنِعَ التَّمْلِيكُ فِيهَا وَوَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْإِقْطَاعَ أَعَمُّ وَأَنَّ الْإِقْطَاعَ يَكُونُ بِالتَّمْلِيكِ وَيَكُونُ بِالِانْتِفَاعِ فَانْظُرْهُ وَانْظُرْ مَا نَقَلَ الشَّيْخُ بَعْدُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَنْ الْأَخَوَيْنِ لَا يُقَالُ يَرُدُّ عَلَى رَسْمِهِ إذَا كَانَتْ أَرْضًا مَمْلُوكَةً لِلْإِمَامِ ثُمَّ وَهَبَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى إقْطَاعًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ هِبَةٌ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا ذَكَرَ الْإِمَامُ دَلَّ عَلَى حَيْثِيَّةِ التَّمْلِيكِ مِنْ حَيْثِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُفْهِمُنَا عَنْهُ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ. [بَابُ الْحِمَى] (ح م و) : بَابُ الْحِمَى قَالَ قَالَ الْبَاجِيُّ هُوَ أَنْ يَحْمِيَ مَوْضِعًا لَا يَقَعُ بِهِ التَّضْيِيقُ عَلَى النَّاسِ لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ لِذَلِكَ لِمَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ وَالْخَيْلِ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا (قُلْتُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ سَلَّمَ هَذَا الرَّسْمَ لِلَّخْمِيِّ مَعَ أَنَّ فِيهِ مَا يُوجِبُ الدَّوْرَ فِي التَّعْرِيفِ وَظَاهِرُ التَّعْرِيفِ أَنَّ الْحِمَى إنَّمَا هُوَ لِمَا خَصَّصَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَأَخَذَ الشَّيْخُ مِنْ ذَلِكَ طُولَ تَأْخِيرِ إخْرَاجِ الصَّدَقَةِ إذَا كَانَ لِيَتَوَخَّى مَصْرِفَهَا وَذَكَرَ الشَّيْخُ هُنَا الْحَدِيثَ الْمَعْلُومَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَى الْبَقِيعَ» وَصَوَّبَ فِيهِ الْبَاءَ قَبْلَ الْقَافِ وَذَكَرَ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ أَنَّهُ رَآهُ بِالنُّونِ وَاسْتَطْرَدَ كَلَامَ اللُّغَوِيِّينَ قَالَ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَرَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَلَامَ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي بَابِ الْأَشْرِبَةِ وَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ اللُّغَتَيْنِ وَقَالَ إنَّهُ بِالنُّونِ وَلَا وَجْهَ لِمَنْ رَوَاهُ بِالْبَاءِ وَذَكَرَ فِي الْمَشَارِقِ خِلَافَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [كِتَابُ الْحَبْسِ] (وق ف) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الْحَبْسِ الْفُقَهَاءُ بَعْضُهُمْ يُعَبِّرُ بِالْحَبْسِ وَبَعْضُهُمْ يُعَبِّرُ بِالْوَقْفِ وَالْوَقْفُ عِنْدَهُمْ أَقْوَى فِي التَّحْبِيسِ وَهُمَا فِي اللُّغَةِ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ يُقَالُ وَقَفْته وَأَوْقَفْته وَيُقَالُ حَبَسْته وَالْحَبْسُ يُطْلَقُ عَلَى مَا وُقِفَ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ الْإِعْطَاءُ وَكَذَلِكَ فِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ فَذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى عَادَتِهِ الْحَدَّيْنِ فَقَالَ فِي الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 مَصْدَرًا " وَهُوَ نُصِبَ عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ " إعْطَاءُ مَنْفَعَةِ شَيْءٍ مُدَّةَ وُجُودِهِ لَازِمًا بَقَاؤُهُ فِي مِلْكِ مُعْطِيهِ وَلَوْ تَقْدِيرًا " قَوْلُهُ " إعْطَاءُ " مُنَاسِبُ جِنْسِيَّةِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ لِأَنَّهُ مِنْ مَقُولَتِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) التَّمْلِيكُ وَالْإِعْطَاءُ هَلْ هُمَا مُتَرَادِفَانِ (قُلْتُ) مَا وَقَعَ لِلشَّيْخِ فِي حَدِّ الْعَطِيَّةِ فِي بَابِ الْهِبَةِ مَعَ مَا هُنَا يَدُلُّ عَلَى التَّرَادُفِ لِأَنَّهُ قَالَ الْعَطِيَّةُ تَمْلِيكُ مُتَمَوَّلٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ إنْشَاءً قَالَ فَيَدْخُلُ الْحَبْسُ وَالْهِبَةُ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُ " مَنْفَعَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ إعْطَاءَ ذَاتٍ كَالْهِبَةِ قَوْلُهُ " شَيْءٍ " أَطْلَقَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الشَّيْءِ وَلَمْ يَقُلْ مَنْفَعَةِ مَالٍ أَوْ مُتَمَوِّلٍ لِأَنَّ الشَّيْءَ أَعَمُّ لَكِنَّهُ رَأَى تَخْصِيصَهُ بِمَا فِي كَلَامِهِ مِنْ بَقَاءِ مِلْكِهِ وَذَلِكَ يَخُصُّ الشَّيْءَ بِالْمُتَمَوَّلِ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْءُ يُطْلَقُ عَلَى الْأَرَضِينَ وَالرِّبَاعِ وَالْحَيَوَانِ وَالطَّعَامِ وَالْعَيْنِ أَمَّا الْأَرْضُ وَمَا تَعَلَّقَ بِهَا فَلَا شَكَّ فِي تَعَلُّقِ الْحَبْسِ بِهَا وَالْحَيَوَانُ جَائِزٌ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَالطَّعَامُ قَالُوا لَا يَصِحُّ حَبْسُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَأَمَّا الْعَيْنُ فَوَقَعَ فِي السَّمَاعِ كَرَاهِيَةُ الْحَبْسِ فِيهَا قَالَ وَإِنْ وَقَعَ وَفَاتَ كَانَ مِلْكًا لِآخِرِ الْعَقِبِ إنْ كَانَ مُعَقِّبًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَقِّبًا رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ وَيَرْجِعُ مِلْكًا قَالَ الشَّيْخُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَبْسٍ لِأَنَّ مِنْ خَاصِّيَّةِ الْحَبْسِ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِهِ فَإِذَا صَحَّ مَا ذَكَرْنَاهُ كَانَ حَدُّهُ غَيْرَ مَانِعٍ لِدُخُولِ مَا لَيْسَ بِحَبْسٍ فِيهِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ لِلصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ لِأَنَّ خَاصِّيَّةَ الْحَبْسِ قَدْ ذَهَبَتْ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ لَمَّا ذَكَرَ فِي حَدِّهِ مُدَّةَ الْوُجُودِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَبْسَ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ وُجُودِهِ وَحُصُولِ مَنْفَعَتِهِ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيمَا تَذْهَبُ عَيْنُهُ كَالطَّعَامِ وَالْعَيْنِ هَذَا يُمْكِنُ فَهْمُهُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ لَازِمًا بَقَاؤُهُ إلَخْ يُخْرِجُ هَذَا أَيْضًا (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا اكْتَرَى أَرْضًا عَشْرَ سِنِينَ لِيُصَيِّرَهَا حَبْسًا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَكَيْفَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا حَدُّ الشَّيْخِ (قُلْتُ) هَذِهِ الصُّورَةُ ذَكَرُوهَا فِي الْحَبْسِ وَقَالُوا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُحْبِسُ مَالِكَ الرَّقَبَةِ بَلْ هُوَ أَعَمُّ كَالْمَنْفَعَةِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ وَإِنْ بِأُجْرَةٍ فَيَحْتَاجُ هُنَا إلَى تَأَمُّلٍ فِي دُخُولِهَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلُهُ " مُدَّةَ وُجُودِهِ " أَخْرَجَ بِهِ الْعَارِيَّةَ وَالْعُمْرَى وَالْعَبْدُ الْمُخْدِمُ حَيَاتَهُ يَمُوتُ قَبْلَ مَوْتِ رَبِّهِ كَذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَخُرُوجُ الْعَارِيَّةِ وَالْعُمْرَى ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ مُدَّةَ وُجُودِ ذَلِكَ وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُخْدِمُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ يَمُوتُ هُوَ خَارِجٌ أَيْضًا لِأَنَّ اللُّزُومَ فِي بَقَاءِ الْمِلْكِ يُخْرِجُ ذَلِكَ وَلِذَا قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 الشَّيْخُ بِعَدَمِ لُزُومِ بَقَائِهِ فِي مِلْكِ مُعْطِيهِ لِجَوَازِ الْبَيْعِ بِالرِّضَى فَخَاصِّيَّةُ الْحَبْسِ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِهِ مُطْلَقًا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَلَوْ تَقْدِيرًا قَوْلُهُ " وَلَوْ تَقْدِيرًا " حُذِفَتْ مِنْهُ كَانَ أَيْ وَلَوْ كَانَ اللُّزُومُ تَقْدِيرًا أَوْ الْمِلْكُ تَقْدِيرًا فَلُزُومُ بَقَاءِ الْمِلْكِ مِنْ خَاصِّيَّةِ الْحَبْسِ وَإِنْ كَانَ عَدَمُ اللُّزُومِ فِي الْمِلْكِ تَقْدِيرًا فَلَيْسَ مِنْ خَاصِّيَّةِ الْحَبْسِ وَمَا حَدَّ بِهِ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إعْطَاءَ مَنَافِعَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ رَدَّهُ عَلَيْهِ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَبْطَلَ طَرْدَهُ بِصُورَةِ الْمُخْدِمِ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ وَلَا يُرَدُّ بِأَنَّ جَوَازَ بَيْعِهِ يَمْنَعُ انْدِرَاجَهُ تَحْتَ التَّأْبِيدِ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِعْطَاءِ وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى الْمُخْدِمِ فِي لُزُومِ بَقَائِهِ فِي مِلْكِ مُعْطِيهِ هَذَا حَدُّهُ الْمَصْدَرِيُّ وَأَمَّا حَدُّهُ الِاسْمِيُّ فَمَا أَعْطَيْت مَنْفَعَتَهُ إلَخْ وَبَيَانُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْمَصْدَرِيِّ وَكَلَامُ الشَّيْخِ صَرِيحٌ بِأَنَّ الْحَبْسَ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْبَاجِيُّ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ خِلَافَ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ لِأَنَّهُ قَالَ الْحَبْسُ يُسْقِطُ الْمِلْكَ وَهُوَ غَلَطٌ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ قَالُوا إنَّهُ غَلَطٌ وَحَيْثُ ذَكَرُوا الْمِلْكَ وَعَرَّفُوهُ ذَكَرُوا مَا يَشْهَدُ لِقَوْلِهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْمِلْكُ اسْتِحْقَاقُ التَّصَرُّفِ فِي الشَّيْءِ بِكُلِّ أَمْرٍ جَائِزٍ فِعْلًا أَوْ حُكْمًا وَالْمُحْبِسُ لَا يَسْتَحِقُّ التَّصَرُّفَ بَلْ يُمْنَعُ مِنْهُ فَتَحْبِيسُهُ مَانِعٌ مِنْهُ وَإِذَا مُنِعَ مِنْ اللَّازِمِ لِلْمِلْكِ مُنِعَ الْمِلْكَ فَلَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ (قُلْتُ) هَذَا كَانَ يَقَعُ فِي ذِهْنِي ثُمَّ ظَهَرَ لِي فِيهِ جَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ عَارِضٌ مَنَعَ لَازِمَ الْمِلْكِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى (فَإِنْ قُلْت) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَبَّرَ بِالْمَنْفَعَةِ وَهِيَ أَخَصُّ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْحَبْسَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الْمَنْفَعَةِ كَمَنْ حَبَسَ دَارًا عَلَى شَخْصٍ أَوْ عَلَى حَسَبِ الِانْتِفَاعِ كَحَبْسِ الْمَدَارِسِ فَيَكُونُ الْحَدُّ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ لِثُبُوتِ حَبْسٍ فِيهِ انْتِفَاعُ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ لَا الْمَنْفَعَةِ (قُلْتُ) الْجَوَابُ عَنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ ذَكَرَ بَعْدُ أَنَّ مَا قَرَّرْنَاهُ هُوَ الْأَصْلُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُحْبِسُ قَصْرَ الْحَبْسِ عَلَى الِانْتِفَاعِ أَوْ يَجْرِي عُرْفٌ بِقَصْرِ ذَلِكَ كَحَبْسِ الْمَدَارِسِ وَإِذَا تَأَمَّلْت هَذَا فَلَا يُنَجِّي فِي الْجَوَابِ تَأَمَّلْ مَا يَأْتِي فِي الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الْحَبْسِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) الْقَرَافِيُّ ذَكَرَ الْإِجْمَاعَ فِي حَبْسِ الْمَسَاجِدِ أَنَّهُ إسْقَاطُ مِلْكٍ مِنْ الْحَبْسِ وَلِذَلِكَ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ فِيهِ فَكَلَامُهُ يُرَدُّ عَلَى حَدِّ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قُلْتُ) كَانَ يَمُرُّ لَنَا ذَلِكَ وَإِنَّهُ مُشْكِلٌ فِي كَلَامِ الْقَرَافِيُّ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 [بَابٌ فِي الْمُحْبَسِ] ِ اللَّخْمِيُّ الْأَرْضُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا كَالدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْحَوَائِطِ وَالْآبَارِ وَالْمَقَابِرِ وَالطُّرُقِ (قُلْتُ) هَذَا مِمَّا يُقَوِّي الِاعْتِرَاضَ فِي لَفْظِ الشَّيْءِ الَّذِي أَطْلَقَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَهَذَا رَسْمٌ لِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِيمَا يَصِحُّ التَّحْبِيسُ فِيهِ وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابٌ فِي الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ] ِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا جَازَ صَرْفُ مَنْفَعَةِ الْحَبْسِ لَهُ أَوْ فِيهِ أَشَارَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَنَّ الْمُحْبَسَ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي تُصْرَفُ الْمَنْفَعَةُ فِيهِ إنْ كَانَ غَيْرَ عَاقِلٍ أَوْ تُصْرَفُ لَهُ إنْ قَبِلَ الْمِلْكَ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَ خِلَافًا فِي الْقَبُولِ فِي الْمُعَيَّنِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي اخْتِصَاصِهِ أَوْ فِي أَصْلِ الْحَبْسِ وَبَنَوْا عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَقْبَلْ هَلْ يَرْجِعُ مِلْكًا أَوْ يُصْرَفُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ أَنَّ الْقَبُولَ فِي الْمُعَيَّنِ شَرْطٌ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلرَّدِّ وَغَيْرِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) صَرَّحَ هُنَا بِالشَّرْطِيَّةِ فِي الْقَبُولِ وَصَرَّحَ بِالرُّكْنِيَّةِ فِي الْهِبَةِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا (قُلْتُ) تَأَمَّلْ كَلَامَ الشَّيْخِ فِي فُصُولِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ قَضَى بِهِ الْبَحْثُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي الْمُحْبِسِ] ِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ صَحَّ تَبَرُّعُهُ وَقَبُولُهُ مِنْهُ قَوْلُهُ " مَنْ صَحَّ تَبَرُّعُهُ " جِنْسٌ أَخْرَجَ بِصِحَّةِ التَّبَرُّعِ الْمَضْرُوبَ عَلَى يَدِهِ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَمِنْ مُفْلِسٍ أَوْ مَدِينٍ قَدْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِهِ أَوْ عَبْدٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهَا أَوْ مَرِيضٍ مَرَضًا مَخُوفًا زَائِدًا عَلَى ثُلُثِهِ وَيَصِحُّ مِنْ الْإِمَامِ لِصِحَّةِ تَبَرُّعِهِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ وَالسَّمَاعِ وَسَلَّمَ الشَّيْخُ هَذَا هُنَا وَقَدْ يُبْحَثُ فِي التَّبَرُّعِ حَيْثُ عَرَّفَهُ بِهِ وَلَمْ يُعَرِّفْهُ فِي حَقِيقَةِ الْوَاهِبِ اُنْظُرْهُ قَوْلُهُ " وَقَبُولُهُ " عَطْفٌ عَلَى تَبَرُّعِهِ أَيْ وَمَنْ صَحَّ قَبُولُ التَّبَرُّعِ مِنْهُ أَخْرَجَ بِهِ الْكَافِرَ فِي قُرْبَةٍ دِينِيَّةٍ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ التَّبَرُّعُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ مُحْبِسًا قَالَ الشَّيْخُ وَأَمَّا الْمَنْفَعَةُ الْعَامَّةُ الدُّنْيَوِيَّةُ فَفِي رَدِّهَا نَظَرٌ ثُمَّ قَالَ وَالْأَظْهَرُ إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا رُدَّتْ (فَإِنْ قُلْتَ) تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ بَحْثٌ مَعَ الْبَاجِيِّ وَإِنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 الْأُمُورَ الَّتِي عُلِمَ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ حُكْمُهَا لَا يُقَالُ فِيهَا الْأَظْهَرُ وَلَا نَظَرَ بَلْ يُقْطَعُ بِالْحُكْمِ فِيهَا وَالْأُمُورُ الدُّنْيَوِيَّةُ الْعَامَّةُ إذَا اُفْتُقِرَ فِيهَا إلَى مَالٍ مِنْ كَافِرٍ فِيهِ إظْهَارُ مِنَّةِ الْكَافِرِ عَلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَالْإِيَالَةِ بِفِعْلِهِ وَمَا فِيهِ إذْلَالٌ أَوْ إعَانَةٌ عَلَى مِلَّتِهِمْ مَقْطُوعٌ بِتَحْرِيمِهِ فَلَا يُقَالُ فِي مِثْلِ هَذِهِ النَّازِلَةِ نَظَرٌ وَلَا أَظْهَرَ بَلْ الْقَطْعَ بِالْمَنْعِ مِنْ قَبُولِ فِعْلِ هَذَا الْكَافِرِ وَإِظْهَارُ أُبَّهَةِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ (قُلْتُ) الْمَسْأَلَةُ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الرَّدُّ عَلَى الْبَاجِيِّ إذَا حَبَسَ مُسْلِمٌ عَلَى كَنِيسَةٍ قَالَ الْبَاجِيُّ الْأَظْهَرُ عِنْدِي رَدُّهُ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ كَمَا لَوْ صَرَفَهَا إلَى أَهْلِ الْفِسْقِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَقِبَ هَذَا الْكَلَامِ قُلْتُ عَادَةُ الْأَشْيَاخِ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي إلَّا فِيمَا فِيهِ نَظَرٌ لَا فِي أَمْرٍ ضَرُورِيٍّ وَرَدُّ هَذَا الْحَبْسِ ضَرُورِيٌّ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي مَعْصِيَةٍ لَوْ أَعَانَ عَلَيْهَا وَمَا هَذَا شَأْنُهُ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَكَذَا مِنْ الْقَوَاعِدِ الْفُرُوعِيَّةِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا السَّائِلُ لَيْسَتْ مِثْلَ الْمَسْأَلَةِ الْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمُسْتَدَلَّ عَلَيْهَا مَنْفَعَةٌ عَامَّةٌ دُنْيَوِيَّةٌ وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَ الْبَاجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ حَبَسَ عَلَى أَهْلِ الْفِسْقِ فَالْحَبْسُ بَاطِلٌ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا بَطَلَ الْحَبْسُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ هَلْ يَرْجِعُ مِلْكًا (قُلْتُ) نَعَمْ يَرْجِعُ مِلْكًا لِلْمُحْبِسِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ كَذَا وَقَعَ لِلشَّيْخِ سَيِّدِي عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي جَوَابٍ لَهُ مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَرْجِعُ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي سُؤَالٍ وَقَعَ فِي عَصْرِهِ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْحِمَى حَبَسُوا عَلَى مَسَاجِدِ الْإِبَاضِيَّةِ وَعَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ الْمُلَازِمِينَ لِلْمَسَاجِدِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ انْقَرَضُوا رَجَعَ ذَلِكَ لِمَنْ عَلَى مَذْهَبِهِمْ بِالْجَبَلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجَعَ ذَلِكَ عَلَى جَزِيرَةِ جِرْبَة قَالَ السَّائِلُ ثُمَّ قَامَ قَائِمٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَخَرَّبَ مَسَاجِدَهُمْ فَسَأَلَ السَّائِلُ هَلْ يَكُونُ الْحَبْسُ بَاطِلًا لِانْقِطَاعِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ وَيَرْجِعُ مِيرَاثًا أَوْ يَرْجِعُ حَبْسًا أَوْ يَرْجِعُ لِفُقَرَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَأَجَابَ الشَّيْخُ سَيِّدِي عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا مَعْنَاهُ الْقِيَامُ عَلَى هَؤُلَاءِ وَاسْتِتَابَتُهُمْ مِنْ الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ لِمَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ الْحُكْمَ قَالَ وَإِحْبَاسُهُمْ يَجِبُ إبْطَالُهَا إذَا كَانَتْ عَلَى مَنْ يَتَمَذْهَبُ بِمَذْهَبِهِمْ ثُمَّ قَالَ وَبَعْدَ أَنْ أَرَاحَ اللَّهُ مِنْهُمْ فَتَرْجِعُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبِسِ مِمَّنْ هُوَ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجَعَ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ثُمَّ رُوجِعَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي فَهْمِ جَوَابِهِ لِأَنَّ كَلَامَهُ اقْتَضَى أَوَّلًا أَنَّ الْحَبْسَ بَاطِلٌ وَيَرْجِعُ مِلْكًا وَثَانِيًا اقْتَضَى أَنَّهُ يَرْجِعُ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ وَسُئِلَ الشَّيْخُ سَيِّدِي أَبُو الْقَاسِمِ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْحُكْمِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 النَّازِلَةِ فَقَالَ الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ إنْ قَصَدَ الْمُحْبِسِ اجْتِمَاعَهُمْ وَإِعَانَتَهُمْ عَلَى مَذْهَبِهِمْ فَالْحَبْسُ بَاطِلٌ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إلَّا قَرَابَتَهُ مَضَى الْحَبْسُ وَلِلشَّيْخِ الْوَانُّوغِيِّ فِيهَا كَلَامٌ وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ وَقَعَ فِيهَا الْجَوَابُ لِلَّخْمِيِّ وَالسُّيُورِيِّ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابٌ فِي الْحَوْزِ الْمُطْلَقِ] ِ الَّذِي يَعُمُّ حَوْزَ الْحَبْسِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعَطَايَا قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَقِيقَتُهُ رَفْعُ خَاصِّيَّةِ تَصَرُّفِ الْمِلْكِ فِيهِ عَنْهُ بِصَرْفِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِلْمُعْطِي أَوْ نَائِبِهِ (قُلْتُ) إنَّمَا قُلْتُ فِي التَّرْجَمَةِ الْحَوْزُ الْمُطْلَقُ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ يَظْهَرُ مِنْ قَصْدِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ قَالَ: وَشَرْطُهُ كَجِنْسِهِ الْعَطِيَّةُ حَوْزُهُ ثُمَّ قَالَ وَحَقِيقَتُهُ إلَخْ قَوْلُهُ " رَفْعُ " صَيَّرَ الْجِنْسَ رَفْعًا وَهُوَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ " خَاصِّيَّةِ تَصَرُّفِ الْمِلْكِ " خَاصِّيَّةُ تَصَرُّفِ الْمِلْكِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْبَيْعِ وَالِاسْتِغْلَالِ وَوَضْعُ الْيَدِ بِكِرَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ فِيهِ أَيْ فِي الْمِلْكِ وَقَوْلُهُ " عَنْهُ " أَيْ عَنْ الْمُعْطِي بِصَرْفِ التَّمَكُّنِ مُتَعَلِّقٌ بِرَفْعُ قَوْلُهُ " مِنْهُ " مُتَعَلِّقٌ بِالتَّمَكُّنِ وَضَمِيرُهُ يَعُودُ عَلَى الْمُعْطِي وَلِلْمُعْطِي مُتَعَلِّقٌ بِالصَّرْفِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ نَائِبِهِ لِلْمُعْطِي وَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ لِلْمُعْطِي حَوْزُ الرَّهْنِ وَمَعْنَاهُ رَفْعُ يَدِ الْمُعْطِي عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمِلْكِ وَرَدُّ ذَلِكَ إلَى يَدِ الْمُعْطِي أَوْ نَائِبِهِ وَنَائِبُهُ إمَّا وَكِيلُهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ مُقَدِّمٌ قَاضٍ وَهَذَا مَعْنَى مَا وَقَعَ فِي مَوَاضِعَ وَتَأَمَّلَ حَدَّ هَذَا الْحَوْزِ مَعَ مَا ذَكَرَ فِي حَدِّ الْحَوْزِ فِي الْهِبَةِ وَتَأَمَّلْ أَيْضًا الْحَوْزَ فِي حَبْسِ الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا وَمَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ فِي حَوْزِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْآبَارِ وَإِنْ رَفَعَ يَدَ الْمُحْبِسِ عَنْهَا وَتَخْلِيَتُهُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا كَافٍ وَأَمَّا حَوْزُ الْحَبْسِ فِي غَيْرِهَا عَلَى مُعَيَّنٍ فَرَفْعُ يَدِهِ بِتَسْلِيمِهِ لِغَيْرِهِ وَعَدَمِ عَوْدِهِ إلَيْهِ لِنَفْعِهِ بِهِ نَحْوَ مَا كَانَ قَبْلَ تَحْبِيسِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا وَهَبَ رَجُلٌ دَارًا ثُمَّ بَاعَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ الْحَوْزِ هَلْ هُوَ حِيَازَةٌ (قُلْتُ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَجَمَاعَةٌ أَنَّهُ حَوْزٌ وَقَالَ أَصْبَغُ لَيْسَ بِحَوْزٍ وَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي الرَّسْمِ عَلَى خِلَافٍ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ (فَإِنْ قُلْتَ) لِمَ لَمْ يَزِدْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَدَمَ عَوْدِهِ إلَيْهِ لِنَفْعِهِ بِهِ فِي حَدِّهِ وَهُوَ قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْحَبْسِ فَإِذَا حِيزَ كَمَا ذَكَرَ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ قَبْلَ عَامٍ وَبَقِيَ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ مَاتَ فَلَا يَصِحُّ حِيَازَةُ هَذَا الْحَبْسِ (قُلْتُ) حَدُّهُ لِلْأَعَمِّ وَالْحِيَازَةُ الصَّحِيحَةُ وَالْفَاسِدَةُ (فَإِنْ قُلْتَ) الْحَوْزُ الْمُطْلَقُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 هُوَ الْمَحْدُودُ وَهُوَ حَوْزَانِ حُكْمِيٌّ وَفِعْلِيٌّ فَالْفِعْلِيُّ قَدْ حَدَّهُ الشَّيْخُ فِي الْهِبَةِ بِقَوْلِهِ رَفْعُ تَصَرُّفِ الْمُعْطِي فِي الْعَطِيَّةِ بِصَرْفِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِلْمُعْطِي أَوْ نَائِبِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَبْسِ وَقَدْ رَأَيْت مَا ذَكَرَ هَذَا فِي الْحَدِّ لِلْحَوْزِ الْمُطْلَقِ وَقَسَّمَهُ إلَى نَوْعَيْنِ عَرَّفَ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يَخُصُّهُ وَفِي الْهِبَةِ عَرَّفَ الْحَوْزَ الْفِعْلِيَّ بِمَا عَرَّفَ بِهِ الْحَوْزَ الْمُطْلَقَ فَكَيْفَ يَقُولُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَبْسِ (قُلْتُ) الصَّوَابُ مَا وَقَعَ هُنَا وَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ هُنَاكَ حِسًّا أَوْ حُكْمًا (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ وَقَعَ فِي الْهِبَةِ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى صِغَارِ بَنِيهِ بِحَائِطٍ وَأَشْهَدَ بِهِ وَكَانَ فِي يَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَتَصَرُّفِهِ لِنَفْسِهِ قَبْلَ الصَّدَقَةِ بِالْأَكْلِ وَغَيْرِهِ حَتَّى مَاتَ فَالصَّدَقَةُ مَاضِيَةٌ فَهَذَا لَيْسَ فِيهِ الرَّفْعِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِّ وَهُوَ حَوْزٌ (قُلْتُ) قَدْ تَأَوَّلُوا ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ حَوْزٌ حُكْمِيٌّ شَرْعًا وَفِيهِ رَفَعَ ثُمَّ تَعَدَّى عَلَى غَلَّةِ وَلَدِهِ حُكْمًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ شَهَرَ فِيهَا الْمُتَيْطِيُّ الْبُطْلَانَ وَصَحَّحَ ابْنُ رُشْدٍ صِحَّةَ الْحَبْسِ وَانْظُرْ الْحَوْزَ الْحُكْمِيَّ فِي الْهِبَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) رَسْمُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْحَوْزِ هَلْ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَبْسَ لَا يَصِحُّ عَلَى الْمُحْبِسِ نَفْسَهُ (قُلْتُ) نَعَمْ يَلْزَمُ ذَلِكَ ضَرُورَةَ أَنَّ الْحَوْزَ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ مَا ذُكِرَ وَقَدْ اشْتَرَطَ فِي أَصْلِهِ رَفْعَ خَاصِّيَّةِ تَصَرُّفِ الْمِلْكِ مِنْ الْمُعْطِي إلَى الْمُعْطَى وَالْمُعْطَى هُنَا هُوَ الْمُعْطِي فَلَا يُمْكِنُ الْحَبْسُ لِانْتِفَاءِ لَازِمِهِ إذَا كَانَ الْحَبْسُ عَلَى مَنْ حَبَسَ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَكَذَا إنْ حَبَسَ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَحُوزَ الْغَيْرُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَا عَلَى الْغَيْرِ وَوَقَعَ لِابْنِ شَعْبَانَ مَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَانْظُرْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي وَقْتِ الْحَوْزِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقْتُهُ قَبْلَ فَلَسِهِ وَمَوْتِهِ وَمَرَضِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ أُجْمِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَلَسِ فَإِنَّهُ أَعَمُّ وَأَخَصُّ فَهَلْ الْمُرَادُ الْفَلَسُ الْأَعَمُّ أَوْ الْأَخَصُّ (قُلْتُ) مُطْلَقُ فَلَسٍ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا لَا إنْ كَانَ أَعَمَّ وَلَا إنْ كَانَ أَخَصَّ لِأَنَّ الْأَعَمَّ يَمْنَعُ التَّبَرُّعَ وَالْأَخَصَّ يَمْنَعُ مَا مَنَعَهُ الْأَعَمُّ وَالْبَيْعُ وَمَا شَابَهَهُ وَالْمَرَضُ يَعْنِي بِهِ الْمَخُوفَ (فَإِنْ قُلْت) هَلَّا اسْتَغْنَى عَنْ الْمَوْتِ بِالْمَرَضِ لِأَنَّهُ إذَا مُنِعَ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ فَأَحْرَى بَعْدَ الْمَوْتِ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَوْتَ قَدْ يَكُونُ وَلَا مَرَضَ وَفِيهِ بَحْثٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 [بَابٌ فِي الْحَوْزِ الْفِعْلِيِّ الْحِسِّيِّ] ِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا قَسَّمَ الْحَوْزَ إلَى قِسْمَيْنِ بَعْدَ تَعْرِيفِ الْأَوَّلِ يَعْنِي الْحِسِّيَّ فِي الصَّلَاةِ مِنْهَا لَا يُوَرَّثُ الْمَسْجِدُ إنْ كَانَ صَاحِبُهُ أَبَاحَهُ لِلنَّاسِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالْحِسِّيِّ رَفْعُ التَّصَرُّفِ فِعْلًا مِنْ يَدِ الْمُعْطِي إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ فَإِنْ كَانَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ مُعَيِّنًا فَبِرَفْعِ يَدِ الْمُعْطِي وَتَسْلِيمِهِ وَعَدَمِ عَوْدِهِ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ عَنْ كِتَابِ الْحَبْسِ فَلَوْ زَادَ مَعَ الْحَدِّ لِلْأَعَمِّ خَاصِّيَّةَ الْحَيِّ وَهُوَ الصَّرْفُ بِالْفِعْلِ لَصَحَّ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَتَأَمَّلْ هَذَا الْفِعْلِيَّ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي رَسْمِهِ لَهُ فِي الْهِبَةِ. [بَابٌ فِي الْحَوْزِ الْحُكْمِيِّ] ِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَوْزُ ذِي وِلَايَةٍ لِمَنْ هِيَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " حَوْزُ ذِي وِلَايَةٍ " يَدْخُلُ فِيهِ حَوْزُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُقَدَّمِ وَحَقُّهُ أَنْ يَزِيدَ أَوْ نَائِبِهِ وَكَذَا حَقُّهُ أَنْ يَزِيدَ مَا أَعْطَاهُ بَعْدَ قَوْلِهِ ذِي وِلَايَةٍ وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى هَذَا فِي الْحَوْزِ الْحُكْمِيِّ فِي الْهِبَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ حَوْزَ السَّفِيهِ لَا عَمَلَ عَلَيْهِ وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْمُوَثِّقِينَ. [بَابٌ فِي صِيغَةِ الْحَبْسِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا دَلَّ عَلَى مَاهِيَّتِه قَوْلًا أَوْ فِعْلًا قَوْلُهُ " مَا دَلَّ " يَعْنِي الشَّيْءَ الدَّالَّ عَلَى الْحَبْسِ قَوْلًا مِثْلَ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ فِي ذَلِكَ كَحَبَسْتُ وَأَوْقَفْت وَغَيْرِ ذَلِكَ قَوْلُهُ " أَوْ فِعْلًا " مِثْلُ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا ثُمَّ صَلَّى فِيهِ وَأَبَاحَهُ لِلنَّاسِ فَهَذَا دَلَالَةٌ فِعْلِيَّةٌ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا مَعْنَاهُ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْفِعْلَ مِنْ الصِّيغَةِ وَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى الْكَلَامِ لِتَسْمِيَتِهِمْ مَا يُفْهَمُ مِنْ حَالِ الشَّيْءِ كَلَامًا ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِمَا وَقَعَ فِيهَا إذَا أَبَاحَ الْمَسْجِدَ لِلنَّاسِ فَإِنَّهُ حَبْسٌ (فَإِنْ قُلْت) الصِّيغَةُ عِنْدَ الشَّيْخِ الْمُرَادُ بِهَا الْكَلَامُ اللُّغَوِيُّ وَلِذَا قَالَ لِتَسْمِيَتِهِمْ إلَخْ فَهَلَّا قَالَ كَلَامُ لُغَوِيٍّ دَلَّ عَلَى الْحَبْسِ (قُلْتُ) لَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِأَنَّ كَلَامَ اللُّغَةِ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ أَجْمَلَ فِي قَوْلِهِ فِعْلًا (قُلْتُ) لَا لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الدَّالَّ عَلَى مَاهِيَّةِ الْحَبْسِ قَوْلًا عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا بُدَّ مِنْهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْحَبْسِ (فَإِنْ قُلْتَ) وَبِنَاءُ صُورَةِ الْمَسْجِدِ هَلْ يَلْزَمُ بِهَا الْحَبْسُ أَمْ لَا (قُلْتُ) ظَاهِرُ كَلَامِ مُطَرِّفٍ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ أَنَّ ذَلِكَ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 يَلْزَمُ بِهِ الْحَبْسُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَلْزَمَ بِالْبِنَاءِ وَيُتِمَّ حَوْزَهُ بِإِبَاحَتِهِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَ بِهِ لِمَنْ جَوَّزَ أَنْ يَبْنِيَ مِثْلَ هَذَا الْبِنَاءِ مَسْجِدًا لِنَفْسِهِ بِدَارِهِ وَانْظُرْ مَا هُنَا مِنْ مَسَائِلِ أَلْفَاظِ الْحَبْسِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الْحَبْسِ لِمَنْ عَلَيْهِ حَبْسٌ] ٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْفَعَتُهُ ثُمَّ قَالَ وَهِيَ أَخَصُّ مِنْ الِانْتِفَاعِ لِاخْتِصَاصِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ بِجَوَازِ بَيْعِهَا دُونَ مِلْكِ الِانْتِفَاعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُحْبِسُ قَصْرَ اسْتِحْقَاقِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ عَلَى الِانْتِفَاعِ فَقَطْ أَوْ يَقْضِيَهُ عُرْفٌ كَحَبْسِ مَدَارِسِ الْعِلْمِ وَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ مَا ذَكَرَ فِي الْعَارِيَّةِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَانْظُرْ كَلَامَ الْقَرَافِيُّ مَعَ هَذَا وَرَاجِعْ حَدَّ الْحَبْسِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ بَابٌ فِي النَّظَرِ فِي الْحَبْسِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَنْ جَعَلَهُ لَهُ مَحْبِسُهُ أَوْ لِلْقَاضِي إنْ غَفَلَ عَنْهُ الْمُحْبِسُ وَأَخْذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْعَطِيَّةِ] (ع ط و) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّه عَلَى سَيِّدنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآله وَصَحِبَهُ وَسَلَّمَ بَابُ الْعَطِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْهِبَةُ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْعَطِيَّةِ ثُمَّ حَدَّ الْعَطِيَّةَ بِقَوْلِهِ " تَمْلِيكُ مُتَمَوَّلٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ إنْشَاءً " قَوْلُهُ " تَمْلِيكُ " مُنَاسِبٌ لِلْعَطِيَّةِ إنْ كَانَتْ لَقَبًا عَلَى الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَهِيَ اسْمُ مَصْدَرٍ لِأَنَّ قِيَاسَ الْمَصْدَرِ إعْطَاءٌ وَالْعَطِيَّةُ اسْمٌ لَهُ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الِاسْمِ قَوْلُهُ " مُتَمَوَّلٍ " أَخْرَجَ بِهِ تَمْلِيكَ غَيْرِ الْمُتَمَوَّلِ كَتَمْلِيكِ الْإِنْكَاحِ فِي الْمَرْأَةِ أَوْ تَمْلِيكِ الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ " بِغَيْرِ عِوَضٍ " أَخْرَجَ الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ قَوْلُهُ " إنْشَاءً " أَخْرَجَ بِهِ الْحُكْمَ بِاسْتِحْقَاقِ وَارِثٍ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مُتَمَوَّلٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ (فَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 قُلْتَ) كَيْفَ صَحَّ إخْرَاجُهُ بِقَوْلِهِ إنْشَاءً (قُلْتُ) الَّذِي فَهِمْت مِنْهُ أَنَّ التَّمْلِيكَ فِي الْعَطِيَّةِ فِيهَا إنْشَاءٌ بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِالِاسْتِحْقَاقِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ تَقْرِيرٌ لِمَا ثَبَتَ إرْثُهُ وَالْعَطِيَّةُ أَنْشَأَتْ التَّمْلِيكَ لَا أَنَّهَا قَرَّرَتْ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا فَهِمْنَا كَلَامَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا ذَكَرْته يَعْرِضُ لَنَا مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْحُكْمِ حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْحُكْمِ عَلَى الصَّحِيحِ فَذَكَرَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالتَّمْلِيكِ فِيهِ إنْشَاءٌ مِنْ الْحَاكِمِ وَذَكَرَ أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَكُونُ خَبَرًا كَقَوْلِ الْقَاضِي حَكَمْت بِالْأَمْسِ بِكَذَا إذَا أَشْهَدَ بِهِ وَقَدْ يَكُونُ إنْشَاءً كَقَوْلِهِ اشْهَدْ بِأَنِّي حَكَمْت وَأَلْزَمْت فُلَانًا كَذَا اُنْظُرْهُ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَكَيْفَ أَخْرَجَ لَفْظَ إنْشَاءِ صُورَةِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (قُلْتُ) وَظَهَرَ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْإِنْشَاءَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا لَكِنَّ الْإِنْشَاءَ فِي الْعَطِيَّةِ وَقَعَ التَّمْلِيكُ بِهِ وَالْإِنْشَاءُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ تَقْرِيرٌ لِمُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ وَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْجَوَابَ فَوَجَدْنَاهُ فِيهِ نَظَرٌ فَلَكَ النَّظَرُ فِي فَهْمِ كَلَامِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَفَهِمَنَا عَنْهُ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ وَانْظُرْ مَا يَأْتِي فِي رَسْمِ الْقَضَاءِ وَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي الثُّبُوتِ وَالْحُكْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيَدْخُلُ فِي الْعَطِيَّةِ الْعَارِيَّةُ وَالْحَبْسُ وَالْعُمْرَى وَالصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ هَذَا حَدُّ الْعَطِيَّةِ الْعَامَّةِ الَّتِي هِيَ كَالْحَيَوَانِ لِلْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ إنْ كَانَ مَا تَحْتَهَا نَوْعًا أَوْ كَالْإِنْسَانِ لِلصَّقْلَبِيِّ وَالزَّنْجِيِّ إنْ كَانَ صِنْفًا وَلَمَّا عَمَّتْ الْعَطِيَّةُ الْعَارِيَّةَ وَالْحَبْسَ وَالصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَالْعَارِيَّةُ وَالْحَبْسُ تَقَدَّمَ حَدُّهُمَا اُنْظُرْ الْحَبْسَ وَالْعَارِيَّةَ مَعَ مَا هُنَا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّمْلِيكَ أَعَمُّ مِنْ تَمْلِيكِ ذَاتٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ أَوْ انْتِفَاعٍ كَمَا يَكُونُ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الْحَبْسِ ثُمَّ حَدَّ الْعُمْرَى. [بَابُ الْعُمْرَى] (ع م ر) : بَابُ الْعُمْرَى قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ حَيَاةَ الْمُعْطَى بِغَيْرِ عِوَضٍ إنْشَاءً " أَخْرَجَ " بِالْمَنْفَعَةِ " إعْطَاءَ الذَّاتِ وَأَخْرَجَ " بِحَيَاةِ الْمُعْطَى " الْحَبْسَ وَالْعَارِيَّةَ وَالْمُعْطَى بِفَتْحِ الطَّاءِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُعْطِي بِكَسْرِهَا لَيْسَ بِعُمْرَى وَانْظُرْ تَقْسِيمَ الْعُمْرَى فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ " بِغَيْرِ عِوَضٍ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا كَانَ بِعِوَضٍ لِأَنَّ ذَلِكَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ وَقَوْلُهُ " إنْشَاءً " أَخْرَجَ بِهِ الْحُكْمَ بِاسْتِحْقَاقِ الْعُمْرَى كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ (فَإِنْ قُلْتَ) الْعُمْرَى الْمُعَقَّبَةُ هَلْ تَدْخُلُ فِي هَذَا أَمْ لَا (قُلْتُ) اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 حُكْمُهَا حُكْمُ الْحَبْسِ أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَرْجِعُ مِلْكًا أَوْ تَرْجِعُ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ فَإِنْ رَجَعَتْ مِلْكًا فَهِيَ عُمْرَى وَيَصْدُقُ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَإِنْ رَجَعَتْ حَبْسًا فَيُقَالُ إنَّهَا عُمْرَى حُكْمُهَا حُكْمُ الْحَبْسِ لَا إنَّهَا حَبْسٌ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي حَدِّهِ وَمَا تَصَرَّفَ فِيهِ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُنَا فِي حَدِّهِ حَسَنٌ لِأَنَّهُ حَدُّ مَا هُوَ عَامٌّ ثُمَّ حَدُّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ مِنْ الْأَنْوَاعِ مِثْلُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي حَدِّ الْإِجَارَةِ وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ثَمَّةَ وَقَدْ كَمَّلْت كَلَامَهُ مِثْلَ مَا هُنَا فَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُ الشَّيْخِ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ أَطْلَقَهَا فَظَاهِرٌ مِنْهُ أَنَّهَا تَكُونُ فِي كُلِّ مَا لَهُ مَنْفَعَةٌ فَتَكُونُ فِي الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ (قُلْتُ) أَمَّا الْحُلِيُّ فَتَكُونُ فِيهِ كَذَا قَالَ فِي الْهِبَاتِ مِنْهَا وَأَمَّا الثِّيَابُ قَالَ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهَا شَيْئًا وَقَدْ اخْتَصَرَهَا الْبَرَاذِعِيُّ سُؤَالًا وَجَوَابًا فِي قَوْلِهِ فَإِنْ أَعْمَرَ حُلِيًّا وَثِيَابًا قَالَ أَمَّا الْحُلِيُّ فَهُوَ كَالدُّورِ وَأَمَّا الثِّيَابُ فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهَا شَيْئًا قَالَ الشَّيْخُ اخْتَصَرَهَا لِإِشْكَالِهَا مِنْ حَيْثُ مُنَاقَضَةُ مَفْهُومِ تَفْصِيلِهَا مَنْطُوقَ قَوْلِهَا فِي الثِّيَابِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ قَالَ وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّفْصِيلَ فِي وُضُوحِ كَوْنِ الْحُلِيِّ كَالدُّورِ لِمُسَاوَاتِهِ إيَّاهَا فِي عَدَمِ ذَهَابِ عَيْنِهَا وَذَهَابِ عَيْنِ الثِّيَابِ بِالِانْتِفَاعِ فَتَأَمَّلْ الرَّسْمَ عَلَى هَذَا كَيْفَ صَحَّ إطْلَاقُهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابٌ فِي صِيغَةِ الْعُمْرَى] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْبَاجِيُّ مَا دَلَّ عَلَى هِبَةِ الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ الْمَحْدُودُ صِيغَةُ الْعُمْرَى وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ وَهَلْ تُرَدُّ صِيغَةُ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْحَدِّ فِيهِ نَظَرٌ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ كَأَسْكَنْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ عُمْرَك وَوَهَبْتُك سُكْنَاهَا عُمْرَك وَلَمْ يَزِدْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخَدَمْتُك هَذَا الْفَرَسَ عُمْرَك مَعَ أَنَّ ذَلِكَ عُمْرَى لِأَنَّ الْعُمْرَى تَكُونُ فِي الْحَيَوَانِ كُلِّهِ كَمَا ذَكَرَ فِيهَا فِي الْهِبَاتِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُفْهِمُنَا عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ بِمَنِّهِ. [بَابٌ فِي الرُّقْبَى] قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى فِي عَارِيَّتِهَا لَمْ يُعَرِّفْ مَالِكٌ الرُّقْبَى فَفُسِّرَتْ لَهُ فَلَمْ يُجِزْهَا وَهِيَ " تَحْبِيسُ رَجُلَيْنِ دَارًا بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 مِنْهُمَا فَحَظُّهُ حَبْسٌ عَلَى الْآخَرِ " (قُلْتُ) هَذَا تَفْسِيرُهَا وَرَسْمُهَا وَقَبِلَهُ الشَّيْخُ وَانْظُرْ مَسْأَلَةَ الْعَبْدِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَمَا لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ مَحَاسِنِ نَظَرِهِ وَبَحْثِهِ وَبَحَثَ ابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْهِبَةِ] ِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ": الْهِبَةُ لَا لِثَوَابٍ تَمْلِيكُ ذِي مَنْفَعَةٍ لِوَجْهِ الْمُعْطَى بِغَيْرِ عِوَضٍ " قَوْلُهُ " ذِي مَنْفَعَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْعَارِيَّةَ وَمَا شَابَهَا قَوْلُهُ " لِوَجْهِ الْمُعْطَى " أَخْرَجَ بِهِ الصَّدَقَةَ قَوْلُهُ " بِغَيْرِ عِوَضٍ " أَخْرَجَ بِهِ هِبَةَ الثَّوَابِ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَزِدْ هُنَا إنْشَاءً لِيُخْرِجَ بِهِ الْحُكْمَ بِاسْتِحْقَاقِ الْهِبَةِ كَمَا قَدَّمَ فِي الْعَطِيَّةِ وَالْعُمْرَى (قُلْتُ) الْجَارِي عَلَى مَا قَدَّمَ زِيَادَتُهُ وَلَعَلَّهُ لَمَّا قَالَ هُنَا لِوَجْهِ الْمُعْطَى اسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ إنْشَاءً لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ لِوَجْهِ الْمُعْطَى (فَإِنْ قُلْتَ) مَا وَقَعَ مِنْ قَوْلِهَا فِي قَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ وَهَبْت لَك نَفْسَك يُرَدُّ نَقْصُهُ عَلَى طَرْدِ حَدِّهِ هُنَا لِصِدْقِ الْحَدِّ عَلَيْهَا وَهِيَ مِنْ صُورَةِ الْعِتْقِ لَا مِنْ صُورَةِ الْهِبَةِ لَا يُقَالُ بِمَنْعِ أَنَّهَا مِنْ الْعِتْقِ لِلتَّصْرِيحِ فِيهَا بِالْهِبَةِ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ بَعْدُ أَنَّهَا مِنْ الْعِتْقِ وَرَدَّ بِهَا عَلَى مَنْ ذَكَرَهَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ قَبُولَ الْهِبَةِ لَيْسَ بِرُكْنٍ (قُلْتُ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا التَّمْلِيكُ سَلَّمْنَا ذَلِكَ وَلَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الْحَدِّ بِقَوْلِهِ لِوَجْهِ الْمُعْطَى فَتَأَمَّلْهُ. [بَابٌ فِي صِيغَةِ الْهِبَةِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَلَّ عَلَى التَّمْلِيكِ وَلَوْ فِعْلًا كَالْمُعَاطَاةِ قَوْلُهُ " مَا دَلَّ عَلَى التَّمْلِيكِ " يَعْنِي مُطَابَقَةً أَوْ الْتِزَامًا لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدُ وَدَلَالَةُ الِالْتِزَامِ مُعْتَبَرَةٌ كَمَا إذَا تَصَدَّقَ بِبَيْتٍ مِنْ دَارٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مِرْفَقُ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالْمِرْحَاضُ قَالَ الشَّيْخُ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَقِيلَ لَا شَيْءَ لَهُ فَإِذَا قَالَ الْمُتَصَدِّقُ إنَّمَا قَصَدْت الْبَيْتَ فَلَا يَصْدُقُ عَلَى ظَاهِرِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ يَصْدُقُ بِيَمِينٍ قَوْلُهُ " وَلَوْ فِعْلًا " إلَخْ مِثْلُ مَا إذَا حَلَّى وَلَدَهُ الصَّغِيرَ وَمَاتَ فَإِنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 الْحُلِيَّ لِلْوَلَدِ وَقَدْ قَسَّمَهُ ابْنُ رُشْدٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ اُنْظُرْ ذَلِكَ وَتَأَمَّلْ لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ فِي حَدِّ الصِّيغَةِ هُنَا كَمَا قَالَ فِي صِيغَةِ الْحَبْسِ فَيَقُولُ مَا دَلَّ عَلَى التَّمْلِيكِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الصِّيغَةَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْهِبَةِ وَهُوَ رُكْنُهُ الْأَوَّلُ وَزَادَ ابْنُ شَاسٍ الصِّيغَةُ مَعَ الْقَبُولِ فَصَيَّرَ الْقَبُولَ جُزْءًا مِنْ الرُّكْنِ وَلَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ اسْتَشْكَلَ كَوْنُ الْقَبُولِ رُكْنًا بِمَا وَقَعَ فِي الْعِتْقِ مِنْهَا فِي قَوْلِهَا مَنْ وَهَبَ لِعَبْدِهِ نَفْسَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ وَقَالَ فِيهَا إذَا قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت لَا عِتْقَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَكَانَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت وَأَجَابَ بِأَنَّ هِبَةَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ عِتْقٌ لَهُ لَا هِبَةٌ فَهُوَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى عِتْقٌ لَهُ غَيْرُ مُعَلَّقٍ وَالثَّانِي عِتْقٌ مُعَلَّقٌ عَلَى أَمْرٍ فَاعْتُبِرَ وَاسْتَدَلَّ لِلرُّكْنِيَّةِ بِمَا فِي سَمَاعِ يَحْيَى إنْ امْتَنَعَ الْمَدِينُ مِنْ قَبُولِ الْهِبَةِ فَلَا جَبْرَ لِغُرَمَائِهِ وَقَبُولُهُمْ لَغْوٌ وَتَأَمَّلْ مَا بَيَانُ أَخْذِ الرُّكْنِيَّةِ مِنْ هَذَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الرُّكْنَ وَالشَّرْطَ اشْتَرَكَا فِي تَوَقُّفِ وُجُودِ الْمَاهِيَّةِ عَلَيْهِمَا فَلَا يَقَعُ الْجَبْرُ وَلَوْ كَانَ شَرْطًا إلَّا أَنْ يُقَالَ الرُّكْنُ أُدْخِلَ فِي تَحَقُّقِ تَصَوُّرِ الْمَاهِيَّةِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَالشَّرْطُ خَارِجٌ عَنْهَا فَالرُّكْنُ يُحَقِّقُ تَصَوُّرَهَا وَالشَّرْطُ يُحَقِّقُ وُجُودَهَا فَلَوْ كَانَ الْقَبُولُ رُكْنًا لَجُبِرَ عَلَى حُصُولِ الشَّرْطِ لِتَحَقُّقِ تَصَوُّرِ الْمَاهِيَّةِ وَنُقِلَ عَنْ الْمُشَاوِرِ مَنْ سَكَتَ عَنْ قَبُولِ الصَّدَقَةِ ثُمَّ قَامَ بَعْدَ زَمَانٍ فَلَهُ الْقَبُولُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ طَلَب الْغَلَّةَ حَلَفَ مَا سَكَتَ تَرْكًا وَأَخَذَ الْغَلَّةَ قَالَ الشَّيْخُ فَفِيهِ مَعَ الرُّكْنِيَّةِ وَالْقَبُولِ نَظَرٌ إلَّا عَلَى أَنَّ بَتَّ الْخِيَارِ مُوجَبٌ فِيهِ مِنْ يَوْمِ عَقْدِهِ فَتَأَمَّلْهُ. [بَابُ الْمَوْهُوبِ] (وهـ ب) : بَابُ الْمَوْهُوبِ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ يَقْبَلُ النَّقْلَ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ شَاسٍ وَمَنْ تَبِعَهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الدَّارُ وَالثَّوْبُ وَالْمَنَافِعُ لَا مَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَزَادَ ابْنُ هَارُونَ كَالشُّفْعَةِ وَرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ قَالَ وَهُوَ حَسَنٌ لِأَنَّهُمَا مَالِيَّانِ وَكَذَا الْحَبْسُ لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ قَالَ الشَّيْخُ وَدُخُولُ الْمَنَافِعِ فِي ذَلِكَ خِلَافُ الْعُرْفِ وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (فَإِنْ قُلْتَ) النَّقْلُ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنًى حِسِّيٍّ وَمَعْنَوِيٍّ فَالْحِسِّيُّ مَا ذُكِرَ فِي الْإِجَارَةِ وَأَخْرَجَ بِهِ الدُّورَ وَالْأَرَضِينَ وَالْمَعْنَوِيُّ مَا ذُكِرَ هُنَا وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَلَهُ مَعْنَيَانِ فَفِيهِ اشْتِرَاكٌ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْإِبْهَامَ فِي مَقَامِ الْإِفْهَامِ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَأَى قَرِينَةً تُعَيِّنُ مُرَادَهُ وَقَالَ خَلِيلٌ يُنْقَلُ وَلَمْ يَقُلْ يَقْبَلُ النَّقْلَ. . [بَابُ الْوَاهِبِ] (وهـ ب) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 بَابُ الْوَاهِبِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ التَّبَرُّعُ أَعْرَفُ مِنْ الْهِبَةِ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ يَعْرِفُهَا دُونَهُ وَالْأَوْلَى هُوَ مَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ (قُلْتُ) إنْ صَحَّ ذَلِكَ فَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَسْمِ ذِكْرِ التَّبَرُّعِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ وَنَبَّهْنَا عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ وَقَوْلُنَا لَا حَجْرَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ يُخْرِجُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ قَالَ وَتَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ فِي ثُلُثِهِ إذْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِيهِ هَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَ وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ فِي ثُلُثِهَا وَلَا تَجُوزُ هِبَةُ السَّفِيهِ وَلَا الصَّبِيِّ وَلَا الْعَبْدِ (فَإِنْ قُلْتَ) فَهَلْ يُقَالُ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْحَجْرُ الشَّرْعِيُّ أَيْضًا الْهِبَةُ أَشْهَرُ مِنْهُ فَكَيْفَ صَحَّ التَّعْرِيفُ بِهِ كَمَا ذَكَرَ فِي التَّبَرُّعِ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ يَقُولُ إنَّ الْحَجْرَ عِنْدَ الْفَقِيهِ أَشْهَرُ وَفِيهِ نَوْعُ مُصَادَرَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي الصَّدَقَةِ] (ص د ق) : بَابٌ فِي الصَّدَقَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ الصَّدَقَةُ كَذَلِكَ لِوَجْهِ اللَّهِ بَدَلُ وَجْهِ الْمُعْطَى هَذَا الْكَلَامُ ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ عَرَّفَ الْهِبَةَ لَا لِثَوَابٍ بِقَوْلِهِ تَمْلِيكُ ذِي مَنْفَعَةٍ لِوَجْهِ الْمُعْطَى بِغَيْرِ عِوَضٍ فَذَكَرَ مَا رَأَيْته فَعَلَى هَذَا يُقَالُ فِي رَسْمِ الصَّدَقَةِ تَمْلِيكُ ذِي مَنْفَعَةٍ لِوَجْهِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ هَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَ فِي قَوْلِهِ الصَّدَقَةُ كَذَلِكَ إلَخْ فَقَوْلُهُ تَمْلِيكُ تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ قُيُودِهِ عَدَا قَوْلِهِ " لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى " أَخْرَجَ بِذَلِكَ الْهِبَةَ لَا لِثَوَابٍ وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ بِمَنِّهِ. بَابُ صِيغَةِ الصَّدَقَةِ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ رَسْمِ صِيغَةِ الْهِبَةِ عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَقُلْ صِيغَةُ الْهِبَةِ بَلْ قَالَ الصِّيغَةُ وَذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ ذِكْرِ الرَّسْمَيْنِ فِي الْهِبَةِ لَا لِثَوَابٍ وَالصَّدَقَةِ فَتَأَمَّلْهُ. [بَابٌ فِي الْحَوْزِ فِي الْعَطِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ] ِ الْحَوْزُ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَعْرِيفِهِ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَّفَ الْحَوْزَ فِي الْحَبْسِ بِقَوْلِهِ رَفْعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 خَاصِّيَّةِ تَصَرُّفِ الْمِلْكِ فِيهِ عَنْهُ بِصَرْفِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِلْمُعْطَى أَوْ نَائِبِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا يَشْمَلُ الْحِسِّيَّ وَالْحُكْمِيَّ وَهَذَا أَيْضًا يَشْمَلُ الْحَوْزَ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَجَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْزُ فَاسْتَغْنَى عَنْ رَسْمِهِ بِمَا قَدَّمَهُ فِي رَسْمِ الْحَوْزِ فِي الْحَبْسِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْحَوْزَ يَتَوَقَّفُ تَمَامُ الْهِبَةِ عَلَيْهِ إلَّا مَا رَوَى أَبُو تَمَّامٍ أَنَّ الصَّدَقَةَ وَالْحَبْسَ لَا يَفْتَقِرَانِ لِحَوْزٍ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ (فَإِنْ قُلْتَ) إنْ صَحَّ مَا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمُعَرَّفَ فِي الْحَبْسِ الْحَوْزُ الْمُطْلَقُ الَّذِي يَعُمُّ الْحَوْزَ الْحِسِّيَّ وَالْحُكْمِيَّ ثُمَّ قَسَّمَهُ إلَى قِسْمَيْنِ وَعَرَّفَ كُلًّا مِنْهُمَا وَاسْتَغْنَى عَنْ تَعْرِيفِ الْمُطْلَقِ هُنَا اتِّكَالًا عَلَى مَا قَدَّمَ فِي الْحَبْسِ فَهَلَّا أَحَالَ أَيْضًا تَعْرِيفَ الْقِسْمَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَبْسِ وَقَدْ عَرَّفَهُمَا هُنَاكَ وَقَسَّمَهُمَا وَهُنَا قَالَ الْحَوْزُ حُكْمِيٌّ وَحِسِّيٌّ ثُمَّ أَعَادَ التَّعْرِيفَ فِيهِمَا وَهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى مَعْنَى مَا ذَكَرَ فِي الْحَبْسِ (قُلْتُ) لَا شَكَّ أَنَّ الْجَارِيَ عَلَى أُسْلُوبِ الِاخْتِصَارِ أَنْ يُحِيلَ عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي الْحَبْسِ فِي تَعْرِيفِ أَعَمِّ الْحَوْزِ وَأَخَصِّهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ فِيهِمَا وَإِنْ أَرَادَ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ وَالْبَيَانِ فِي الْهِبَةِ فَلْيُعَرِّفْ الْحَوْزَ الْعَامَّ ثُمَّ يُعَرِّفْ كُلًّا مِنْ الْأَخَصَّيْنِ وَكَأَنَّهُ تَوَسَّطَ فِي الْهِبَةِ فَحَذَفَ تَعْرِيفَ الْأَعَمِّ وَذَكَرَ تَعْرِيفَ الْأَخَصَّيْنِ. لَا يُقَالُ إنَّمَا خَصَّهُمَا لِاخْتِلَافِ التَّعْرِيفِ فِي الْبَابَيْنِ وَحَذَفَ الْأَعَمَّ لِاتِّحَادِ الْحَقِيقَةِ فِيهِمَا فَإِنَّهُ عَرَّفَ الْحَوْزَ الْحِسِّيَّ فِي الْحَبْسِ بَيَّنَهُ بِمَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَنَّ الْمُرَادَ الْفِعْلِيَّ وَلَمَّا عَرَّفَ الْحُكْمِيَّ هُنَاكَ قَالَ حَوْزُ ذِي وِلَايَةٍ لِمَنْ هِيَ عَلَيْهِ وَهُنَا قَالَ فِي الْحُكْمِيِّ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ حَوْزُ الْوَلِيِّ إلَى آخِرِهِ وَقَالَ فِي الْفِعْلِيِّ رَفْعُ تَصَرُّفِ الْمُعْطِي فِي الْعَطِيَّةِ بِصَرْفِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِلْمُعْطَى أَوْ نَائِبِهِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْحَبْسِ لِأَنَّا نَقُولُ أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِيِّ فَلَا مُخَالَفَةَ إلَّا فِي اللَّفْظِ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَوْزُ الْوَلِيِّ لِمَنْ فِي حِجْرِهِ يَرْفَعُ مَعْنَى إلَى مَا وَقَعَ فِي الْحَبْسِ مِنْ حَوْزِ ذِي وِلَايَةٍ لِمَنْ هِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقَعْ خِلَافٌ إلَّا فِي اللَّفْظِ مَعَ قُرْبِ مَا بَيْنَ الْأَلْفَاظِ. وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِيِّ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ عَرَّفَهُ بِقَوْلِهِ رَفْعُ تَصَرُّفِ الْمُعْطِي فِي الْعَطِيَّةِ بِصَرْفِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِلْمُعْطَى أَوْ نَائِبِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَبْسِ وَاَلَّذِي قُرِّرَ فِي الْحَبْسِ لَيْسَ هُوَ هَذَا التَّعْرِيفُ لِلْفِعْلِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ تَعْرِيفُ الْحَوْزِ الْأَعَمِّ الشَّامِلِ لَلْفِعْلِيِّ وَالْحُكْمِيِّ فَفِي كَلَامِهِ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - إشْكَالٌ لِأَنَّهُ صَيَّرَ التَّعْرِيفَ لِمَاهِيَّةِ الْأَعَمِّ تَعْرِيفًا لِمَاهِيَّةِ أَخَصِّهِ هَذَا الَّذِي فَهِمْنَا عَنْهُ وَلَمْ نَطَّلِعْ عَلَى قَصْدِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُسَهِّلُ عَلَيْنَا فَهْمَ كَلَامِهِ بِبَرَكَتِهِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ هَذَا التَّقْيِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْقَصْدِ إنَّمَا هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 تَسْهِيلُ مَا فِيهِ مِنْ رُسُومِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ لِيَحْصُلَ لَهُمْ تَمَامُ الْفَائِدَةِ مِنْ هَذَا التَّأْلِيفِ الَّذِي أَعْجَزَ كَثِيرًا مِنْ الْفُحُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ فِي الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مِنْ تَطَفُّلِي فِي دَعْوَى شَرْحِهِ وَبَسْطِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُصَيِّرُ ذَلِكَ لِوَجْهِهِ وَيَنْفَعُنَا بِهِ وَبِمُؤَلَّفِهِ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ لَا رَبَّ غَيْرُهُ وَيَظْهَرُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّعْرِيفَ الَّذِي ذُكِرَ هُنَا فِيهِ مُغَايَرَةٌ لِمَا ذَكَرَ هُنَاكَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (فَإِنْ قُلْتَ) مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا مِنْ التَّعْرِيفِ لِلْحُكْمِيِّ فِي الْحَبْسِ هَلْ يُقَالُ إنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِأَنَّ ظَاهِرَ رَسْمِهِ أَنَّ ذَا الْوِلَايَةِ حَوْزُهُ لَيْسَ بِفِعْلِيٍّ مُطْلَقًا وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَاصِّيَّتِهِ فِي جَمِيعِ حَوْزِهِ وَأَنَّ السُّنَّةَ أَحْكَمَتْ لَهُ أَنَّهُ قَابِضٌ مَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ إنَّ الْأَبَ إذَا تَصَدَّقَ بِدَارِ سُكْنَاهُ عَلَى بَنِيهِ الصِّغَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ إخْلَائِهَا فِعْلًا مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَثِقَلِهِ بَلْ وَتُشَاهَدُ الْبَيِّنَةُ الدَّارُ فَارِغَةٌ مِنْ ذَلِكَ زَادَ بَعْضُهُمْ وَيُكْرِيهَا لَهُمْ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَهَذَا ذُو وِلَايَةٍ وَهَبَ دَارًا لِوَلَدِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحَوْزٍ حُكْمِيٍّ (قُلْتُ) لَا يَخْرُجُ ذَلِكَ عَنْ الْحَوْزِ الْحُكْمِيِّ وَمَا ذَكَرَ إنَّمَا هُوَ كَيْفِيَّةٌ لِلْحَوْزِ وَالْحِسِّيِّ إنَّمَا هُوَ صَرْفُ التَّمَكُّنِ لِلْمُعْطَى وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ دَارَ السُّكْنَى لَا بُدَّ مِنْ الْإِخْلَاءِ فِيهَا ثُمَّ بَاعَهَا الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ فِيهَا هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ الْحَوْزُ بِالْبَيْعِ أَمْ لَا (قُلْتُ) نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ الثَّمَنَ لِلْوَلَدِ لَا لِنَفْسِهِ قَالَ وَالْبَيْعُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لِلِابْنِ قَالَ وَالْجَارِي عَلَى أَنَّ شَرْطَ الصَّدَقَةِ إخْلَاءٌ لِلدَّارِ فِي دَارِ السُّكْنَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِلْوَرَثَةِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِيهِ طُولٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ الْحَوْزِ الْحُكْمِيِّ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ] ِ حَوْزُ الْوَلِيِّ لِمَنْ فِي حِجْرِهِ فَيَدْخُلُ الْكَبِيرُ السَّفِيهُ وَأَمَّا الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ فَلَا يَدْخُلُ وَكَذَلِكَ الْأُمُّ لِوَلَدِهَا وَالْإِشْهَادُ بِهِبَةِ الْأَبِ يُغْنِي عَنْ الْحِيَازَةِ إلَّا فِي دَارِ السُّكْنَى وَالْحَبْسِ كَذَلِكَ وَيَدْخُلُ مُقَدَّمُ الْقَاضِي وَكُلُّ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَيَجُوزُ أَمْرُهُ عَلَى الْمُقَدَّمِ عَلَيْهِ وَالْمَشْهُورُ قَصْرُ ذَلِكَ عَلَى الْأَبِ وَوَصِيِّهِ وَالسُّلْطَانِ وَمُقَدَّمِهِ وَفِي الْمَذْهَبِ خِلَافٌ مَعْلُومٌ فِي عَدَمِ الْقَصْرِ عَلَى ذَلِكَ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا وَهَبَ السَّيِّدُ لِأُمِّ وَلَدِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 أَوْ عَبْدِهِ فَقَدْ وَقَعَ لِابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْعَطَّارِ صِحَّةُ الْحَوْزِ لَهُمَا وَلَمْ يَتَعَقَّبْ ذَلِكَ الْبَاجِيُّ وَقَدْ أَخَذَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ بِالْأُولَى فَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْحَدِّ (قُلْتُ) إذَا بَنَيْنَا عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْمُرَادُ دُخُولُهُ وَحْدَهُ ذَكَرَ الْأَعَمَّ وَاعْتَرَضَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ وَشَرْطُ اسْتِقْرَارِهَا الْحَوْزُ إلَّا فِي صَدَقَةِ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ قَالَ وَتَرْكُ هَذَا أَحْسَنُ مِنْ ذِكْرِهِ لِاقْتِضَائِهِ الْعُمُومَ فِي كُلِّ عَطِيَّةٍ مِنْ عَيْنٍ أَوْ مِثْلِيٍّ وَإِيهَامُ قَصْرِهِ عَلَى الصَّغِيرِ خُرُوجَ السَّفِيهِ وَعَلَى الْأَبِ دُونَ وَصِيِّهِ وَالْقَاضِي وَمُقَدَّمِهِ فَيُوقِعُ النَّاظِرَ فِي خَطَإٍ فَاحِشٍ اُنْظُرْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا صَحَّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِالْعَيْنِ وَالْمِثْلِيِّ وَدَارِ السُّكْنَى فَهَلْ يُرَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي رَسْمِهِ لِلْحَوْزِ الْحُكْمِيِّ لِأَنَّهُ أَجْمَلَ فِيهِ (قُلْتُ) تَقَدَّمَ جَوَابُهُ فِي دَارِ السُّكْنَى وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ الْحَوْزُ الْحُكْمِيُّ حَوْزُ الْوَلِيِّ فَإِنَّ فِيهِ مُنَاقَشَةٌ وَحَوْزُ الْوَلِيِّ فِيهِ إجْمَالٌ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا لِأَنَّ فِيهِ مَا هُوَ بِالْإِشْهَادِ وَفِيهِ مَا هُوَ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْيَدِ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ حَوْزُ الْوَلِيِّ لِمَنْ فِي حِجْرِهِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ فِيمَا وَهَبَهُ غَيْرُ الْوَلِيِّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَحَوْزُ الْوَلِيِّ فِي هَذَا إنَّمَا هُوَ حِسِّيٌّ لَا حُكْمِيٌّ فَيَكُونُ حَدُّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ وَكَذَلِكَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ أَوْ النَّائِبُ عَنْ الْوَلِيِّ وَلَا يَخْلُو هَذَا الرَّسْمُ مِنْ مُسَامَحَةٍ عَلَى مَا عُلِمَ مِنْ تَحْقِيقِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَنْفَعُ بِهِ. [بَابٌ فِي الْحَوْزِ الْفِعْلِيِّ فِي عَطِيَّةِ غَيْرِ الِابْنِ] ِ لَوْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي عَطِيَّةِ غَيْرِ الْوَلِيِّ لِمَحْجُورِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ أَوَّلًا لَكَانَ ظَاهِرًا جَامِعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَفْعُ تَصَرُّفِ الْمُعْطِي فِي الْعَطِيَّةِ بِصَرْفِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِلْمُعْطَى أَوْ نَائِبِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَبْسِ (قُلْتُ) تَأَمَّلْ قَوْلَهُ كَمَا مَرَّ فِي الْحَبْسِ وَالرَّسْمِ الَّذِي عَرَّفَ بِهِ فِي الْحَبْسِ ظَاهِرُهُ يُخَالِفُهُ وَتَأَمَّلْ مَا قَدَّمْنَاهُ وَلَعَلَّنَا لَمْ نَفْهَمْ عَنْهُ قَوْلَهُ " رَفْعُ تَصَرُّفِ " الرَّفْعُ مَصْدَرٌ يُنَاسِبُ مَقُولَةَ الْحَوْزِ لِأَنَّ فِيهِ إزَالَةُ التَّصَرُّفِ قَوْلُهُ " الْعَطِيَّةِ " يَعُمُّ أَنْوَاعَ الْعَطِيَّةِ مِنْ حَبْسٍ وَعَارِيَّةٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَعُمْرَى قَوْلُهُ " بِصَرْفِ " يَتَعَلَّقُ بِرَفْعِ مَعْنَاهُ بِإِزَالَةِ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّصَرُّفِ وَعَلَيْهِ يَعُودُ ضَمِيرٌ مِنْهُ وَيَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ قَوْلُهُ " لِلْمُعْطَى " مُتَعَلِّقٌ بِالصَّرْفِ قَوْلُهُ " أَوْ نَائِبِهِ " عَطْفٌ عَلَى الْمُعْطَى وَالنَّائِبُ هُنَا الْوَكِيلُ أَوْ الْوَصِيُّ هَذَا مَعْنَى الْحَوْزِ الْعَقْلِيِّ الْأَعَمِّ مِنْ الْهِبَةِ وَغَيْرِهَا وَتَقَدَّمَ رَسْمُ الْحَوْزِ الْحُكْمِيِّ وَمَا فِيهِ مِنْ التَّسَامُحِ وَإِطْلَاقُهُ يَعُمُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 الْعَطِيَّةَ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِهَا وَلَوْ قَالَ فِي الْحُكْمِيِّ رَفَعَ تَصَرُّفَ الْمُعْطِي تَقْدِيرًا وَالْعَطِيَّةُ بِصَرْفِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لَهُ لِوِلَايَتِهِ عَلَى الْمُعْطَى لَصَحَّ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الرَّفْعَ فِعْلِيٌّ وَحُكْمِيٌّ وَهُوَ التَّقْدِيرِيُّ وَقَالَ فِي حَدِّ حَوْزِ الْحَبْسِ رَفْعُ خَاصِّيَّةِ تَصَرُّفِ الْمِلْكِ فِيهِ عَنْهُ بِصَرْفِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِلْمُعْطَى أَوْ نَائِبِهِ فَهَذَا الرَّسْمُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَوْزِ الْحَبْسِ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْمَحْدُودِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْحَوْزَ الْمُطْلَقَ فِي الْعَطِيَّةِ يَعُمُّ الْحَبْسَ كَمَا أَنَّ حَقِيقَةَ الْعَطِيَّةِ تَعُمُّ الْحَبْسَ فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَالْجَارِي عَلَى رَسْمِهِ هُنَا أَنْ يَقُولَ رَفْعُ تَصَرُّفِ الْوَاقِفِ فِي وَقْفِهِ بِصَرْفِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ نَائِبِهِ وَهَذَا مَعْنَى الْمُخَالَفَةِ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُكُمْ إنَّ حَوْزَ الْحَبْسِ أَخَصُّ مِنْ حَوْزِ الْعَطِيَّةِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ حَوْزَ الْحَبْسِ أَخَصُّ بِتَقْيِيدِ الْحَبْسِ وَأَعَمُّ مِنْ الْحُكْمِيِّ وَالْفِعْلِيِّ وَالْحَوْزُ الْفِعْلِيُّ أَخَصُّ لِلتَّقْيِيدِ بِالْفِعْلِيِّ وَأَعَمُّ مِنْ الْحَبْسِ وَغَيْرِهِ (قُلْتُ) هَذَا صَحِيحٌ إنْ كَانَ الْمُرَادُ حَدَّ حَوْزِ الْحَبْسِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ كَوْنَ الْمُرَادِ حَدَّ الْحَوْزِ الْمُطْلَقِ يُنَجِّي عَنْ الْإِيرَادِ. [بَابُ التَّحْوِيزِ] ِ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حُكْمَ التَّحْوِيزِ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ لَغْوُهُ فِي حَوْزِ الْهِبَةِ وَلَمْ يُعَرِّفْ التَّحْوِيزَ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ التَّحْوِيزَ هُوَ تَسْلِيمُ الْعَطِيَّةِ أَوْ الرَّهْنِ مِنْ الْمُعْطِي أَوْ الرَّاهِنِ لِمَنْ ثَبَتَ لَهُ ذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْحُكْمِ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ لَغْوُهُ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَالصَّحِيحُ أَنَّ الرَّهْنَ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّحْوِيزُ وَلَا يَكْفِي الْحَوْزُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. [بَابُ هِبَةِ الثَّوَابِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَطِيَّةٌ قُصِدَ بِهَا عِوَضٌ مَالِيٌّ. مَا أَخْرَجَ بِالْقُيُودِ ظَاهِرٌ وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الِاعْتِصَارِ] (ع ص ر) : بَابُ الِاعْتِصَارِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ارْتِجَاعُ الْمُعْطِي عَطِيَّةَ عِوَضٍ لَا بِطَوْعِ الْمُعْطَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 قَوْلُهُ ارْتِجَاعٌ وَلَمْ يَقُلْ رَدٌّ وَهُوَ أَخْصَرُ بَلْ صَيَّرَ الْجِنْسَ الِارْتِجَاعَ لِأَنَّهُ أَصْرَحُ مِنْ الرَّدِّ وَأَقْرَبُ إلَى الْعَوْدِ فِي الصَّدَقَةِ وَفِيهِ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْعَوْدِ فِي الْهِبَةِ قَوْلُهُ " دُونَ عِوَضٍ " أَخْرَجَ بِهِ شِرَاءَ الْهِبَةِ قَوْلُهُ " لَا بِطَوْعِ الْمُعْطَى " أَخْرَجَ بِهِ هِبَةَ الْمُعْطَى لِلْمُعْطِي (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يُقَالُ بِأَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ مَانِعٍ لِأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ الِارْتِجَاعَ فِي الصَّدَقَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِاعْتِصَارٍ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ أَعَمُّ مِنْهَا أَوْ يُقَالُ نَلْتَزِمُ دُخُولَهَا إلَّا أَنَّ الِاعْتِصَارَ صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ (قُلْتُ) يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالثَّانِي لِأَنَّ الْهِبَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الِاعْتِصَارِ وَالرَّسْمِ لِلْأَمْرِ الْأَعَمِّ مِنْ الْفَاسِدِ وَالصَّحِيحِ وَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْ الْمُعْطَى لَا إنْ كَانَ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قَصْدِ مَا ذَكَرْنَاهُ. [بَابُ صِيغَةِ الِاعْتِصَارِ] ِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظًا أَيْ مَا دَلَّ عَلَى الِاعْتِصَارِ لَفْظًا وَأَطْلَقَ فِي الدَّلَالَةِ مُطَابَقَةً أَوْ الْتِزَامًا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ هَلْ تَنْفَعُ فِي الِاعْتِصَارِ فَعَلَيْهِ إذَا وَهَبَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ ثُمَّ بَاعَ بِاسْمِ نَفْسِهِ وَمَاتَ فَإِنَّ الثَّمَنَ لِابْنِهِ حَتَّى يُصَرِّحَ بِالِاعْتِصَارِ وَقِيلَ بِصِحَّتِهِ بِذَلِكَ الْبَيْعِ الْمُسْتَلْزِمِ لَهُ وَقَدْ وَقَعَتْ مَسْأَلَةُ إذَا وَهَبَ لِابْنِهِ هِبَةً ثُمَّ مَحَا هِبَتَهُ هَلْ ذَلِكَ أَشَدُّ مِنْ الْبَيْعِ أَوْ هُوَ كَمَسْأَلَةِ الْبَيْعِ وَقَدْ وَقَعَتْ وَتَرَدَّدْنَا فِي ذَلِكَ وَظَاهِرُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لَفْظًا أَنَّهُ قَاصِرٌ عَلَى اللَّفْظِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ فِي رَسْمِ الصِّيغَةِ فِي مَوَاضِعَ يَرْسُمُهَا بِمَا يَعُمُّ اللَّفْظِيَّ وَالْعُرْفِيَّ وَالْفِعْلِيَّ وَهُنَا لَمَّا قَيَّدَ ذَلِكَ بِاللَّفْظِيِّ دَلَّ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ (فَإِنْ قُلْتَ) ظَاهِرُ هَذَا الْجِدِّ صِحَّةُ الِاعْتِصَارِ مِنْ كُلِّ مُعْطٍ مَعَ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْأَبِ بِشُرُوطِهِ وَبِمَنْ أَلْحَقَ بِهِ (قُلْتُ) تَقَدَّمَ مَا يُجَابُ عَنْهُ بِهِ قَبْلُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْعِدَّةِ] (ع د د) : بَابُ الْعِدَّةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إخْبَارٌ عَنْ إنْشَاءِ الْمُخْبِرِ مَعَ وَفَاءٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَوْلُهُ " إخْبَارٌ " مَصْدَرٌ مِنْ أَخْبَرَ يُخْبِرُ إخْبَارًا وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلْعِدَّةِ فَإِنَّهَا مَصْدَرُ وَعَدَ يَعُدُّ عِدَةً وَالْمَصْدَرُ الْأَصْلِيُّ وَعْدًا قَالَ تَعَالَى وَعْدَ الْحَقِّ وَالْإِخْبَارُ بِالشَّيْءِ الْإِعْلَامُ بِهِ وَهُوَ إيقَاعُ نِسْبَةٍ لَا وُقُوعُهَا وَهُوَ غَيْرُ الْخَبَرِ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِوُقُوعِ النِّسْبَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى إيقَاعِهَا وَقَوْلُهُ " عَنْ إنْشَاءِ " أَخْرَجَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ خَبَرٍ وَمَعْنًى عَنْ إنْشَاءِ أَيْ عَنْ وُقُوعِ إنْشَاءِ وَقَوْلُهُ " الْمُخْبِرِ " أَخْرَجَ بِهِ إنْشَاءَ غَيْرِ الْمُخْبِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَعْدٍ كَمَا إذَا قَالَ يَهَبُ زَيْدٌ لَك الدَّارَ غَدًا قَوْلُهُ " مَعَ وَفَاءٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ " أَيْ بِقَيْدِ الْوَفَاءِ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَفَاءً فَلَا يُقَالُ فِيهِ وَعْدٌ (فَإِنْ قُلْتَ) أَيُّ شَيْءٍ أَخْرَجَ بِهَذَا (قُلْتُ) لَعَلَّهُ أَخْرَجَ بِهِ مَا لَا يُطْلَبُ فِي الْوَفَاءِ بِهِ كَقَوْلِهِ أُطَلِّقُك غَدًا وَمَا شَابَهَهُ فَلَيْسَ هَذَا بِوَعْدٍ شَرْعِيٍّ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا ذَكَرُوهُ فِي مَسَائِلَ فِي الْخَلْعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْوَعْدِ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا خَالَعْتُكِ قَالُوا إنْ فُهِمَ الِالْتِزَامُ لَزِمَ وَإِنْ فُهِمَ الْوَعْدُ فَقَوْلَانِ وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ عَلَى الْوَعْدِ الْمَوْقُوفِ عَلَى سَبَبٍ (قُلْتُ) لَعَلَّ ذَلِكَ لُغَةً لَا عُرْفًا لِأَنَّ الْعُرْفِيَّ فِي غَالِبِهِ مَا يَقَعُ إنْشَاءً عَلَى فَاعِلِهِ إذَا وَفَّى بِهِ وَهُوَ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِيمَانِ وَحُسْنِ الْإِيقَانِ وَالْوَفَاءِ بِهَا مَطْلُوبٌ اتِّفَاقًا وَأَمَّا الطَّلَاقُ وَمَا شَابَهَهُ فَلَيْسَ الْوَعْدُ فِيهِ كَذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ هُنَا بَعْدَ حَدِّهِ فَيَدْخُلُ الْوَعْدُ بِالْحَمَالَةِ وَغَيْرِهَا فَلِأَيِّ شَيْءٍ خَصَّصَ الْوَعْدَ بِالْحَمَالَةِ (قُلْتُ) لَمَّا كَانَ اللَّفْظُ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْحَمَالَةُ يَقَعُ بِهِ اللَّبْسُ فَأَشَارَ إلَى بَيَانِهِ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ أَنَا حَمِيلٌ فَهِيَ حَمَالَةٌ شَرْعِيَّةٌ لَازِمَةٌ وَإِذَا قَالَ أَنَا أَتَحَمَّلُ فَهَذَا وَعْدٌ فَيَدْخُلُ فِي الْحَدِّ وَالْأَوَّلُ إنْشَاءٌ لِغَلَبَتِهِ فِي ذَلِكَ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الثَّانِي لَا يَلْزَمُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى سَبَبٍ وَوَقَعَ السَّبَبُ عَلَى أَصْلِ الْمَشْهُورِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا قَالَ أَنَا أَقْضِي عَنْك دَيْنَك غَدًا فَهَذَا وَعْدٌ عَنْ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ فَكَيْفَ يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي الْحَدِّ (قُلْتُ) هُوَ دَاخِلٌ فِيهِ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ قَوْلِيٌّ أَوْ فِعْلِيٌّ كَالْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ وَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَا أَقْضِيك الدَّيْنَ الَّذِي لَك وَقَوْلُهُمْ أَنَا أَقْضِي عَنْك دَيْنَك وَمَا فَرَّقُوا بِهِ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [كِتَابُ اللُّقَطَةِ] (ل ق ط) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ اللُّقَطَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَالٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ مُحْتَرَمًا لَيْسَ حَيَوَانًا نَاطِقًا وَلَا نَعَمًا " اللُّقَطَةُ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَ فِيهَا الْأَكْثَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 وَهَذَا فِي الْأَصْلِ مَوْضُوعٌ لِمَنْ كَثُرَ مِنْهُ الِالْتِقَاطُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا بَلْ الْمُرَادُ الشَّيْءُ الْمُلْتَقَطُ وَحَقَّقَ بَعْضُهُمْ سُكُونَ الْقَافِ جَرْيًا عَلَى الْقِيَاسِ قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " مَالٌ " مُنَاسِبٌ لِلْمَحْدُودِ لِأَنَّ اللُّقَطَةَ غَلَبَتْ فِيهِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ اللَّقِيطُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَالًا قَالَ خَلِيلٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَالٌ مَعْصُومٌ عُرِّضَ لِلضَّيَاعِ إلَخْ وَحَدُّ الشَّيْخِ أَبْلَغُ مِنْهُ وَأَجْمَعُ قَوْلُهُ " وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ " أَخْرَجَ بِهِ مَا وُجِدَ فِي حِرْزٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِلُقَطَةٍ قَوْلُهُ " مُحْتَرَمًا " حَالٌ مِنْ الْمَالِ أَخْرَجَ بِهِ مَالَ الْحَرْبِيِّ قَوْلُهُ " لَيْسَ حَيَوَانًا نَاطِقًا " أَخْرَجَ بِهِ الْحَيَوَانَ النَّاطِقَ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى لُقَطَةً عُرْفًا بَلْ يُسَمَّى إبَاقًا وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ " وَلَا نَعَمًا " النَّعَمُ يُطْلَقُ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَلِبَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيهِ بَحْثٌ فَأَخْرَجَ بِذَلِكَ مَا ذَكَرَ فَإِنَّهُ يُسَمَّى ضَالَّةً لَا لُقَطَةً وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ ذَلِكَ وَبَحَثَ مَعَهُ فَيَدْخُلُ فِي اللُّقَطَةِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْعَرُوضُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا وُجِدَ فِي غَيْرِ حِرْزٍ وَيَدْخُلُ الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَبَحْثٌ اُنْظُرْ ذَلِكَ وَمَا وُجِدَ بِشَاطَّيْ الْبَحْرِ مِنْ رَمْيِ الْمُسْلِمِينَ لِلنَّجَاةِ وَقِيلَ إنَّهُ لِوَاجِدِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ بَعْدَ حَدِّهِ فَيَخْرُجُ الرِّكَازُ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَخْرُجُ مِنْ قُيُودِهِ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ بِغَيْرِ حِرْزٍ وَقَدْ قَسَّمُوهُ إلَى أَقْسَامٍ لِمَنْ يَكُونُ لِوَاجِدِهِ أَوْ لِأَهْلِ الْأَرْضِ أَوْ لِفَاتِحِ الْأَرْضِ وَبَنَوْا ذَلِكَ عَلَى الْأَرْضِ هَلْ هِيَ عَنْوَةٌ أَوْ صُلْحٌ أَوْ أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَدْخُلُ الدَّجَاجَةُ وَحَمَامُ الدُّورِ لِصِدْقِ الْحَدِّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَالٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ مُحْتَرَمٍ إلَخْ ثُمَّ قَالَ لَا السَّمَكَةُ تَقَعُ فِي سَفِينَةٍ (فَإِنْ قُلْتَ) بِأَيِّ قَيْدٍ تَخْرُجُ (قُلْتُ) تَخْرُجُ بِقَوْلِهِ بِغَيْرِ حِرْزٍ مُحْتَرَمًا لِأَنَّ الْبَاءَ ظَرْفِيَّةٌ كَأَنَّهُ قَالَ الْمَالُ الْمَوْجُودُ فِي غَيْرِ حِرْزٍ مُحْتَرَمًا وَهَذَا مَالٌ مَوْجُودٌ فِي حِرْزٍ مُحْتَرَمًا وَنَقَلَ الشَّيْخُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَاتٍ عَنْ الشَّعْبَانِيِّ ثُمَّ عَبَّرَ الشَّيْخُ بَعْدَ هَذَا بِابْنِ شَعْبَانَ وَذِكْرُ ابْنِ شَعْبَانَ هُنَا سَهْوٌ لِأَنَّهُ الشَّعْبَانِيُّ وَكَأَنَّ الشَّيْخُ اعْتَقَدَ أَنَّ ابْنَ شَعْبَانَ هُوَ الشَّعْبَانِيُّ وَذَكَرَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُنَا الْحِكَايَةَ الْمَشْهُورَةَ لِتَلَامِذَةِ الشَّيْخِ سَيِّدِي أَبِي الْحَسَنِ الْمُنْتَصِرِ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ اخْتَارَ تَفْصِيلًا فِي السَّمَكَةِ وَإِنَّهَا إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهَا مَنْ سَقَطَتْ إلَيْهِ لَنَجَتْ لِقُوَّةِ حَرَكَتِهَا وَقُرْبِ سُقُوطِهَا مِنْ الْمَاءِ فَذَلِكَ كَمَا قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ وَإِلَّا فَهِيَ لِرَبِّ السَّفِينَةِ وَاسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ إذَا طَرَدَ صَيْدًا وَدَخَلَ دَارًا اُنْظُرْهُ فَإِنَّهُ قِيَاسٌ صَحِيحٌ إذَا تَأَمَّلْت وَقَدْ كَانَ يَمْشِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 لَنَا النَّظَرُ فِيهَا إذَا وَقَعَتْ السَّمَكَةُ فِي حِجْرِ رَجُلٍ هَلْ يَخْتَصُّ بِهَا أَمْ لَا وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِهَا مِنْ هَذِهِ لِأَنَّهُ أَحْرَوِيٌّ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحَوْزَ الْخَاصَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَوْزِ الْعَامِّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ وَكَانَ يَمْضِي لَنَا النَّظَرُ فِي هَذَا مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَكَانَ مِمَّا يُعْلَمُ لَهُمَا وَهُوَ بِيَدِهَا اُنْظُرْهُ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ مَسْأَلَةً اخْتَلَفَ فِيهَا ابْنُ دَحُونٍ وَابْنُ الْفَخَّارِ وَهِيَ مِنْ طَلَبَتِهِ زَوَّجَتْهُ بِكِسْوَةٍ فَقَالَ لَهَا الثَّوْبُ الَّذِي عِنْدَك لِي وَقَالَتْ هِيَ بَلْ هُوَ لِي قَالَ الشَّيْخُ الْخِلَافُ جَارٍ عَلَى كَوْنِهَا فِي حَوْزِ الزَّوْجِ أَوْ حَوْزِهَا فِي نَفْسِهَا فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ فِي اخْتِلَافِ الْأَزْوَاجِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ الضَّالَّةِ] (ض ل ل) : بَابُ الضَّالَّةِ لَمَّا كَانَ لَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي اللُّقْطَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي تَعْرِيفِهَا " نَعَمْ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ مُحْتَرَمٍ " وَبَيَانُهُ مَا قَدَّمْنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ أَمَّا الْإِبِلُ حَيْثُ لَا سِبَاعَ فَاخْتُلِفَ فِي رُجْحَانِ تَرْكِهَا أَوْ أَخْذِهَا وَأَمَّا إذَا خَشِيَ عَلَيْهَا السِّبَاعَ فَقِيلَ حُكْمُهَا حُكْمُ الشَّاةِ وَقِيلَ لَا وَالْبَقَرُ كَالْإِبِلِ فِي الْفَلَاةِ كَالْغَنَمِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْآبِقِ] (أب ق) : بَابُ الْآبِقِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ مُحْتَرَمٍ " وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ كَذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ (فَإِنْ قُلْت) إذَا وُجِدَ آبِقًا فَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ رَبُّهُ هَلْ يُبَاعُ أَمْ لَا (قُلْتُ) وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُحْبَسُ سَنَةً ثُمَّ يُبَاعُ وَوَقَعَ فِي السَّمَاعِ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ لِئَلَّا يَهْلِكَ الثَّمَنُ وَتَحْصِيلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي ذَلِكَ حَسَنٌ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (فَإِنْ قُلْتَ) بَدَّلَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّعْبِيرَ هُنَا وَخَالَفَ مَا قَدَّمَ فِي الْعَطِيَّةِ لِأَنَّهُ هُنَاكَ لَمَّا ذَكَرَ حَدَّهَا وَأَدْخَلَ تَحْتَهَا مَا أَدْخَلَ مِنْ أَنْوَاعِهَا أَفْرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهَا فَذَكَرَ مَعَهُ الْجِنْسَ الْعَامَّ وَمَا يُمَيِّزُهُ وَهُنَا ذَكَرَ رَسْمَ اللُّقْطَةِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَخُصُّ مَا خَرَجَ عَنْهَا مِنْ آبِقٍ وَضَالَّةٍ فَالْجَارِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 عَلَى مَا قَدَّمَ أَنْ يَقُولَ فِي جِنْسِ الْآبِقِ مَالٌ ثُمَّ يُقَيِّدُهُ كَمَا ذَكَرَ فِي الْهِبَةِ وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِي الضَّالَّةِ وَقَدْ ذَكَرَ مَا رَأَيْته (قُلْتُ) أَتَى بِأَقْرَبِ جِنْسٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ هُوَ أَخَصُّ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ فَلِذَا لَوَّنَ مَا رَأَيْت فِيمَا يَظْهَرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَتَأَمَّلْ حَدَّهُ لِلْآبِقِ فَإِنَّهُ صَادِقٌ عَلَى اللُّقَطَةِ فَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ وَلَوْ قَالَ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ لَمْ تُرَدَّ اللُّقَطَةُ. [بَابُ اللَّقِيطِ] (ل ق ط) : بَابُ اللَّقِيطِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " صَغِيرُ آدَمِيٍّ لَمْ يُعْلَمْ أَبَوَاهُ وَلَا رِقُّهُ " قَوْلُهُ اللَّقِيطُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَأُطْلِقَ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى هُنَا وَلَيْسَ هُوَ هُنَا خَاصًّا بِالذَّكَرِ وَقَوْلُهُ " صَغِيرُ آدَمِيٍّ " جِنْسُ اللَّقِيطِ قَوْلُهُ " لَمْ يُعْلَمْ أَبَوَاهُ " أَخْرَجَ بِهِ مَنْ عُلِمَ أَبَوَاهُ قَوْلُهُ وَلَا " رِقُّهُ " أَخْرَجَ بِهِ مَنْ عُلِمَ رِقُّهُ لِأَنَّهُ لُقَطَةٌ لَا لَقِيطٌ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ قَالَ الشَّيْخُ وَيَخْرُجُ وَلَدُ الزَّانِيَةِ يَعْنِي بِقَوْلِهِ لَمْ يُعْرَفْ أَبَوَاهُ وَهَذَا قَدْ عُلِمَ أَحَدُهُمَا قَالَ الشَّيْخُ وَعَرَّفَ ابْنُ الْحَاجِبِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ طِفْلُ ضَائِعٌ لَا كَافِلَ لَهُ وَأَبْطَلَ طَرْدَهُ بِطِفْلٍ كَذَلِكَ قَدْ عُلِمَ أَبُوهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَقِيطِهِ لِانْتِفَاءِ لَازِمِهِ عَنْهُ وَهُوَ كَوْنُ وِرَاثَتِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُفْهِمُنَا عَنْهُ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا ذَكَرَهُ فِي حَدِّ اللَّقِيطِ فِيمَنْ عُلِمَ رِقُّهُ أَنَّهُ لُقَطَةٌ يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ فِي رَسْمِهَا مِنْ زِيَادَةِ قَوْلِهِ لَيْسَ حَيَوَانًا نَاطِقًا (قُلْتُ) السُّؤَالُ وَارِدٌ عَلَى مَا رَأَيْنَا فِي النُّسَخِ بِلَفْظِ لُقَطَةٌ، وَصَوَابُهُ لُقَطٌ وَكَذَلِكَ وُجِدَ فِي مُبَيَّضَتِهِ مُصْلَحًا مَبْتُورَ التَّاءِ وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى رَسْمِهِ مَنْ وَجَدَ وَلَدًا صَغِيرًا وَلَمْ يَجِدْ لَهُ أَبًا فِي حَالِ ضَيَاعِهِ وَأُجِيبَ بِالْتِزَامِ أَنَّهُ لَقِيطٌ لِصِدْقِ الرَّسْمِ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْمَنْبُوذُ يُرَدُّ عَلَى حَدِّهِ وَلَا يُسَمَّى لَقِيطًا (قُلْتُ) نُقِلَ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ الْمَنْبُوذُ اللَّقِيطُ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ الْمَنْبُوذُ كَاللَّقِيطِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالدِّينِ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمَنْبُوذَ مَنْ طُرِحَ عِنْدَمَا وُلِدَ وَشَأْنُهُ فِيمَنْ كَانَ وُلِدَ زِنًا وَاللَّقِيطُ مَا طُرِحَ فِي الشَّدَائِدِ وَالْحَرْبِ لَا عِنْدَمَا وُلِدَ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَدْخُلُ فِي رَسْمِهِ وَعَلَى الثَّانِي يُزَادُ فِيهِ مَا يُخْرِجُهُ عَنْهُ وَيَخُصُّ الْمَنْبُوذَ بِرَسْمِهِ وَانْظُرْ مَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلِ يَا مَنْبُوذٌ قَالَ لَا يُعْلَمُ مَنْبُوذٌ إلَّا وَلَدُ الزِّنَا اُنْظُرْ مَا فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَهُوَ رَبُّ الْأَرْبَابِ. [كِتَابُ الْقَضَاءِ] (ق ض ي) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الْقَضَاءِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا نُفُوذَ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ أَوْ تَجْرِيحٍ لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ " الْقَضَاءُ لُغَةً يَصْدُقُ عَلَى الْحُكْمِ تَقُولُ قَضَى فُلَانٌ بِمَعْنَى حَكَمَ وَفَصَّلَ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْأَمْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ} [الإسراء: 23] الْآيَةَ وَلَمَّا كَانَ مَدْلُولُهُ اللُّغَوِيُّ الْفَصْلُ أَوْ الْأَمْرُ وَكَانَ الْقَاضِي فِي عُرْفِ الشَّرْعِ يَصْدُقُ عَلَى مَنْ لَهُ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ يُوجِبُ نُفُوذَ حُكْمِهِ عِلْمُنَا أَنَّ هُنَاكَ حُكْمًا وَنُفُوذَ حُكْمٍ وَمَعْنًى حُكْمِيًّا يُوجِبُ النُّفُوذَ كَمَا تَعَقَّلْنَا طَهَارَةً وَتَطْهِيرًا وَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا شَرْعًا فَرَّقْنَا هُنَا بَيْنَ الْحُكْمِ وَبَيْنَ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِنُفُوذِ الْحُكْمِ لَكِنَّ الْمَعْنَى الْحُكْمِيَّ هُنَا هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ نُفُوذَ الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْمَعْنَى الْحُكْمِيِّ فِي الطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ جَوَّزَ الِاسْتِبَاحَةَ وَلَمَّا رَأَى الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْقَضَاءَ فِي الشَّرْعِ مَعْنًى حُكْمِيٌّ أَتَى بِقَوْلِهِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَرُدَّ عَلَى مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ لِقُصُورِهِ عَلَى الْفَصْلِ الْفِعْلِيِّ وَالْقَضَاءُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِي لَهُ مَعْنًى أَوْجَبَ لَهُ نُفُوذَ الْفَصْلِ وَإِنْ لَمْ يَفْصِلْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِي عُرْفًا مَنْ كَانَ بِهِ مَعْنًى اخْتَصَّ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ شَرْعًا فَصَلَ أَوْ لَمْ يَفْصِلْ قَوْلُهُ " صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ " تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ مَعْنَى ذَلِكَ وَيَأْتِي هُنَا مِنْ الْبَحْثِ مِثْلُ بَعْضِ مَا هُنَاكَ قَوْلُهُ " تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا " صَيَّرَهَا سَبَبًا فِي نُفُوذِ الْحُكْمِ وَمَعْنَى نُفُوذِهِ إمْضَاؤُهُ وَالنُّفُوذُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بِمَعْنَى الْإِمْضَاءِ وَبِالْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ وَقَدْ كُنَّا بَيْنَ يَدَيْ شَيْخِنَا الْإِمَامِ سَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عِقَابٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ يُفَسِّرُ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَ بَعْضَ ظَوَاهِرِ الطَّلَبَةِ آيَةَ قَوْلِهِ {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} [الرحمن: 33] الْآيَةَ وَصَرَّحَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فَسَمِعَهُ الشَّيْخُ وَقَالَ لَهُ الْآيَةَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِمْضَاءُ وَالْمُهْمَلَةُ الْمُرَادُ مِنْهَا الْفَرَاغُ قَالَ تَعَالَى {لَنَفِدَ الْبَحْرُ} [الكهف: 109] الْآيَةَ وَقَوْلُ الشَّيْخِ نُفُوذُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَخْرَجَ بِذَلِكَ مَنْ لَيْسَ لَهُ تِلْكَ الصِّفَةِ فَإِنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 لَا يَنْفَدُ حُكْمُهُ وَلَا يَجِبُ وَهَذِهِ الصِّفَةُ تُوجِبُ إيجَابًا شَرْعِيًّا إمْضَاءَ مَا حَكَمَ بِهِ الْمَوْصُوفُ بِهَا وَاحْتِرَامَهُ وَالصِّفَةُ الْحُكْمِيَّةُ تَثْبُتُ لِلْمَوْصُوفِ بَعْدَ ثُبُوتِ تَقْدِيمِهِ لِلْحُكْمِ فَتَقْدِيمُهُ لِلْحُكْمِ وَالْفَصْلِ إذَا كَانَ أَهْلًا هُوَ الْمُوجِبُ لِحُصُولِ الصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مَا هُوَ هُنَا (قُلْتُ) الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانِي خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقِ إلَخْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَيُطْلَقُ عَلَى إلْزَامِ الْقَاضِي هُنَا أَمْرًا شَرْعِيًّا لِخَصْمٍ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَالْإِضَافَةُ تُعَيِّنُهُ لِقَوْلِهِ حُكْمُهُ الشَّرْعِيُّ وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ غَيْرَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ (فَإِنْ قُلْتَ) الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ يُطْلَقُ تَارَةً لِجَزْمِ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِ إعْلَامِهِ بِهِ فَهَذَا فَتْوَى وَتَارَةً لِجَزْمِهِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ بِهِ وَالْجَبْرِ عَلَيْهِ فَهَذَا حُكْمٌ فَصَارَ حُكْمُ الْقَاضِي هُوَ الْجَزْمُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ بِهِ وَالْجَبْرِ وَهَذَا لَا يُفِيدُهُ مَا وَقَعَ ذِكْرُهُ فِي رَسْمِ الْقَضَاءِ (قُلْتُ) قَرِينَةُ قَوْلِهِ نُفُوذَ تُعَيِّنُ الْحُكْمَ وَتُعَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَأْمُورُ بِهِ جَبْرًا (فَإِنْ قُلْتَ) : قَوْلُهُ نُفُوذَ حُكْمِهِ رُبَّمَا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَغْيِيرُ أَمْرٍ عَنْ حَالِهِ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَهُوَ حُكْمٌ بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَلِكَ فَقِيلَ إنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَلَا حُرْمَةَ لَهُ وَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْقَاضِي الْحَاكِمِ أَنْ يَرُدَّهُ وَمِثَالُ ذَلِكَ نِكَاحُ مُحْرِمٍ إذَا أَمْضَاهُ قَاضٍ ثُمَّ رَفَعَ لِغَيْرِهِ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ هَذَا تَرْكٌ لَيْسَ حُكْمًا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّهُ حُكْمٌ وَلَا يَفْسَخُهُ الْقَاضِي الثَّانِي وَيَجِبُ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ (قُلْتُ) لَا يُرَدُّ ذَلِكَ وَالْحَدُّ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ وَالصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ وَالْحُكْمُ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّغْيِيرِ وَعَدَمِهِ وَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ إذَا رَفَعَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ لِقَاضٍ وَقَدْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَقَالَ لَا أُجِيزُهُ وَلَمْ يَحْكُمْ بِفَسْخِهِ فَهَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ وَلَكِنَّهُ فَتْوَى وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخَ ذَلِكَ أَنَّهُ فَتْوَى فَلِمَنْ وُلِّيَ بَعْدَهُ نَقْضُهُ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ وَالظَّاهِرُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلثَّانِي نَقْضُهُ لِأَنَّ قَوْلَ الْأَوَّلِ لَا أُجِيزُهُ حِينَ رُفِعَ إلَيْهِ وَلَا أَفْسَخُهُ حُكْمٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالْكَرَاهَةُ أَحَدُ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَحُكْمُ الْمَكْرُوهِ عَدَمُ نَقْضِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ إذَا كَانَ مُتَعَلِّقُهُ تَرْكًا فَتَأَمَّلْ هَذَا الْكَلَامَ فَفِيهِ نَظَرٌ وَكَلَامُ ابْنِ شَاسٍ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَحْكُمْ بِفَسْخِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ قَوْلَ الشَّيْخِ وَلَا أَفْسَخُهُ وَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الْقَاضِي لَا يَحْكُمُ بِالْمَكْرُوهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 وَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي رَاتِبِ إمَامٍ مَرِضَ اُنْظُرْهُ فِيهِ وَانْظُرْ ابْنَ فَرْحُونٍ فِي حَدِّ الْحُكْمِ وَسَبَبِ الْحُكْمِ وَمَا ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ كُلُّ ذَلِكَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ هُنَا (فَإِنْ قُلْتَ) : قَوْلُهُ " تُوجِبُ نُفُوذَ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ " الْحُكْمُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ إلَى الضَّمِيرِ فَيَعُمُّ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الصِّفَةَ تُوجِبُ إمْضَاءَ جَمِيعِ أَحْكَامِهِ وَقَدْ ذَكَرُوا مَا يَجِبُ نَقْضُهُ لَا إمْضَاؤُهُ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ (قُلْتُ) ذَلِكَ لِمَانِعٍ مَنَعَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ أَوْ مَعْنَاهُ. لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ فِي حَدِّهِ الطَّهَارَةُ أَوْ يُقَالُ حُكْمُهُ الشَّرْعِيُّ يَمْنَعُ مِنْ إيرَادِ مَا ذَكَرَ وَهُوَ الصَّوَابُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا حَكَمَ الْقَاضِي فَالصِّفَةُ أَوْجَبَتْ لَهُ نُفُوذَ الْحُكْمِ وَلَا يَصِحُّ لَهُ رُجُوعٌ وَقَالُوا يَصِحُّ لَهُ الرُّجُوعُ بَلْ يَجِبُ رُجُوعُهُ إلَى الصَّوَابِ وَأَمَّا إلَى الْأَصْوَبِ فَفِيهِ خِلَافٌ (قُلْتُ) ذَلِكَ أَيْضًا لِمَانِعٍ مَنَعَ مِنْ الْإِمْضَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالشَّرْعِيُّ أَيْضًا يَمْنَعُ هَذَا كُلَّهُ قَوْلُهُ " وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ أَوْ تَجْرِيحٍ " عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَصْلُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ حَكَمَ بِهِ وَلَوْ كَانَ بِتَعْدِيلٍ أَوْ تَجْرِيحٍ لِيَصِيرَ التَّعْدِيلُ وَالتَّجْرِيحُ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ اُنْظُرْ ابْنَ فَرْحُونٍ. (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا قَدَّرْت بِكُلِّ شَيْءٍ يُشْكِلُ ذَلِكَ بِصُوَرٍ كَثِيرَةٍ أَخْرَجُوهَا عَنْ الْحُكْمِ كَالثُّبُوتِ وَالتَّأْجِيلَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَطَالَ فِيهِ ابْنُ فَرْحُونٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ عُمُومُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ تَتَقَرَّرُ الْغَايَةُ الْمَذْكُورَةُ (قُلْتُ) هَذَا التَّقْرِيرُ صَحِيحٌ بِكُلِّ شَيْءٍ حَكَمَ بِهِ وَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْمَسَائِلِ لَيْسَ بِحُكْمٍ قَوْلُهُ " لَا فِي عُمُومٍ إلَخْ " أَخْرَجَ بِهِ الْإِمَامَةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قِسْمَةُ الْغَنَائِمِ وَلَا تَفْرِيقُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا تَرْتِيبُ الْجُيُوشِ وَلَا قَتْلُ الْبُغَاةِ وَلَا الْإِقْطَاعَاتُ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَزَادَ الْقَرَافِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ وَلَا إقَامَةُ الْحُدُودِ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ لِأَنَّ لَهُ إقَامَةَ الْحُدُودِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ إلَّا الْحَاكِمُ قَالَ شَارِحُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ لِلْخُلَفَاءِ وَالْقُضَاةِ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَته ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَخْرُجُ التَّحْكِيمُ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فِي الصِّفَةِ عَامٌّ فِي كُلِّ حُكْمٍ حَتَّى التَّعْدِيلِ وَضِدِّهِ وَالتَّحْكِيمُ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ فَلَمْ يُشَارِكْ مَعْنَى الْقَضَاءِ إلَّا فِي بَعْضِ صِفَتِهِ لَا خَاصِّيَّتِهِ وَكَذَلِكَ وِلَايَةُ الشُّرْطَةِ وَأَخَوَاتِهَا مِنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ وَإِنَّمَا أَخْرَجَ الْإِمَامَ لِأَنَّ نَظَرَهُ أَوْسَعُ مِنْ نَظَرِ الْقَاضِي عَلَى مَا قَرَّرَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْفَرْقِ (فَإِنْ قُلْتَ) عَلَى أَيِّ شَيْءٍ عَطَفَ مَا بَعْدَ لَا (قُلْتُ) عَطَفَ عَلَى مُقَدَّرٍ مُتَعَلِّقٍ بِحُكْمٍ أَيْ فِي شَيْءٍ لَا فِي عُمُومِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُتَعَلِّقِ نَظَرِ الْقَاضِي بَلْ مِنْ نَظَرِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَنَظَرُهُ أَعَمُّ مِنْ نَظَرِ الْقَاضِي وَلِذَا يَصِحُّ عَزْلُهُ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى مَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ وَيُقَدَّمُ كَذَلِكَ وَيَنْظُرُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَيَأْمُرُ بِمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ أَوْ خَاصَّةٌ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ سَبَبٍ وَبِالْفِرَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِشُرُوطِهَا وَقَدْ ذَكَرُوا لَهَا بَابًا مُسْتَقِلًّا وَالْقَاضِي قَاصِرٌ عَنْ ذَلِكَ فَإِذَا حَكَمَ فِي ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ نُفُوذُ حُكْمِهِ بِالْمَعْنَى الْمُتَّصِفِ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) الصِّفَةُ الْمُوجِبَةُ نُفُوذَ حُكْمِهِ هَلْ تُوجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَوْ تُوجِبُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ فِيمَنْ بَعْدَهُ (قُلْتُ) الظَّاهِرُ عُمُومُ الْوُجُوبِ لِثُبُوتِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ. (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ لَهُ عَزْلُ قَاضٍ لِمَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَيَجِبُ نُفُوذُ حُكْمِهِ فِي ذَلِكَ لِمُوجِبِ حُصُولِ الصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ أَمْ لَا (قُلْتُ) أَمَّا الْإِمَامُ فَلَهُ ذَلِكَ وَقَدْ نَصُّوا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَنْ هُوَ دُونَهُ فَلَا يَعْزِلُهُ وَأَمَّا الْقَاضِي إذَا كَانَ لَهُ نَظَرٌ عَلَى قُضَاتِهِ فَلَا يَعْزِلُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْمُوجِبِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا حَكَمَ الْقَاضِي وَلَمْ يَشْهَدْ بِحُكْمِهِ وَوَجَدَ بِخَطِّهِ ثُمَّ عَزَلَ أَوْ مَاتَ فَظَاهِرٌ مِنْهُ أَنَّهُ يَصْدُقُ حَدُّ الشَّيْخِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ نُفُوذُ حُكْمِهِ وَالنَّصُّ خِلَافُهُ عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا (قُلْت) لَعَلَّهُ رَاعَى الْخِلَافَ فِيهِ وَأَنَّ خَطَّهُ لَا يُوجِبُ ثُبُوتَ حُكْمِهِ وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْإِشْهَادَ (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ الْقَرَافِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَضَاءُ وِلَايَةٌ مُتَنَاوِلَةٌ لِلْحُكْمِ لَا يَنْدَرِجُ فِيهَا غَيْرُهُ وَقَالَ لَيْسَ لِلْقَاضِي فِي السِّيَاسَةِ الْعَامَّةِ مَدْخَلٌ وَهَذَا كَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الشَّيْخِ لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَلَمَّا نَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ هَذَا الْكَلَامَ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ السِّيَاسَةَ لَيْسَ لَهُ فِيهَا مَدْخَلٌ فَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ سَهْلٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَهُ النَّظَرُ فِي كَثِيرٍ مِنْ السِّيَاسَاتِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشَّيْخِ (قُلْتُ) رُبَّمَا يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى النَّظَرَ فِي أَخَصَّ وَهُوَ عُمُومُهَا لَا فِي مُطْلَقِ شَيْءٍ مِنْهَا فَتَأَمَّلْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ الْقَرَافِيُّ أَيْضًا إنَّ الْقَاضِي مِنْ حَيْثُ هُوَ قَاضٍ إنَّمَا لَهُ إلْزَامُ نُفُوذِ الْحُكْمِ وَأَمَّا نُفُوذُهُ فَلَا لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَالْحُكْمِ عَلَى الْمُلُوكِ الْجَبَابِرَةِ فَإِلْزَامُ الْحُكْمِ مَوْجُودٌ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّنْفِيذِ لَا وُجُودَ لَهَا فِي حَقِّ الْعَاجِزِ وَالشَّيْخُ هُنَا قَدْ قَالَ نُفُوذُ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ (قُلْتُ) لَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ بِمَعْنَى إلْزَامِ نُفُوذِ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ شَأْنِهَا ذَلِكَ وَهُوَ مُتَقَرِّرٌ. (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ وَقَعَ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي الثُّبُوتِ هَلْ هُوَ حُكْمٌ أَمْ لَا فَإِذَا أَثْبَتَ الْقَاضِي رَسْمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 وَبَعَثَ بِهِ إلَى قَاضٍ وَقَالَ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدِي فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي احْتِرَامُ مَا ثَبَّتَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِمُقْتَضَاهُ أَوْ لَيْسَ ذَلِكَ بِحُكْمٍ (قُلْتُ) الَّذِي حَقَّقَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَأَمَّا مَا ثَبَّتَهُ مِنْ الرَّسْمِ وَقَبُولِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْبِنَاءُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى مَا حَقَّقَهُ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُنَا فِي قَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ النِّزَاعِ بَيْنَ الْمَازِرِيِّ وَمُنَازِعِهِ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ يَظْهَرْ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي إنَّ الثُّبُوتَ فِي الْمَقْضِيِّ بِهِ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ إنَّمَا ذَكَرَ أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ قَبُولُهُ لِلْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْحُكْمِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ فِي السُّؤَالِ الثَّلَاثِينَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ وَشَهَرَ أَنَّ الثُّبُوتَ حُكْمٌ إذَا قَامَتْ الْحُجَّةُ عِنْدَ الْقَاضِي وَتَوَفَّرَتْ الشُّرُوطُ وَانْتَفَتْ الْمَوَانِعُ قَالَ فَمَنْ شَهَرَ أَنَّ الثُّبُوتَ حُكْمٌ يُرِيدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ رِيبَةٌ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِيمَا ثَبَتَ لَا يَصِحُّ أَنَّهُ حَاكِمٌ بِاتِّفَاقِ هَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَ فَأَنْتَ تَرَى تَشْهِيرَهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرْنَا عَنْ الْجَمَاعَةِ (قُلْتُ) كَلَامُ الْقَرَافِيُّ رَدَّهُ الشَّيْخُ وَابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ وَهَذَا التَّشْهِيرُ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ قَالَ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا الرَّدُّ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ لَا مَا كَثُرَ قَائِلُهُ وَأَمَّا إنْ قُلْنَا بِهِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْمَشْهُورِ (قُلْنَا) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمَشْهُورَ مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ وَعَلَى هَذَا يَقَعُ الرَّدُّ وَنُقِلَ عَنْ سِرَاجِ الدِّينِ أَنَّهُ قَالَ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَيْضًا فِي قَوَاعِدِهِ فِي الْفَرْقِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ وَالْمِائَتَيْنِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الثُّبُوتِ هَلْ هُوَ حُكْمٌ وَلَمْ يُشَهِّرْ وَحَقَّقَ هُنَاكَ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا اُنْظُرْهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُوجَدُ بِدُونِ ثُبُوتٍ كَالْحُكْمِ بِالِاجْتِهَادِ وَذَلِكَ فِي قِسْمِ الْحَبْسِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ يَقَعُ الثُّبُوتُ كَمَا فِي الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا وَلَا حُكْمَ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ وَالثُّبُوتُ عِنْدَهُ قِيَامُ الْحُجَّةِ عِنْدَ الْقَاضِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ وَانْظُرْ مَا حَقَّقَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ الْمَازِرِيِّ. وَقَسَّمَ الْمَسْأَلَةَ إلَى قِسْمَيْنِ فَهَذَا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ عِنْدَهُ وَالثَّانِي مُسَمَّى اشْتَرَى هَلْ يَقْتَضِي ثُبُوتَ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لِلْمُشْتَرَى أَمْ لَا فَالْمَازِرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ يَقُولُ بِعَدَمِ الِاقْتِضَاءِ وَخَصْمُ الْمَازِرِيُّ يَقُولُ بِخِلَافِهِ وَاَلَّذِي بِهِ الْعَمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُقْتَضَى أَلْفَاظِ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدِي الْقَوْلُ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ لِقَوْلِهَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 الزَّكَاةِ الْأَوَّلُ مَنْ اشْتَرَى بِمَالٍ حَلَّ حَوْلُهُ وَلَمْ يُزَكِّهِ خَادِمًا فَمَاتَتْ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَقَالَ فِي الْجِهَادِ مَنْ اشْتَرَى مِنْ الْمَغْنَمِ أُمَّ وَلَدِ رَجُلٍ أَوْ ابْتَاعَهَا مِنْ حَرْبِيٍّ فَعَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يُعْطِيَهُ جَمِيعَ ثَمَنِهَا وَقَالَ فِي الشُّفْعَةِ مَنْ اشْتَرَى شِقْصًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِالثَّمَنِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعَدُّ كَثْرَةً اُنْظُرْهُ وَإِنَّمَا ذَكَرْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِأَنَّ كَثِيرًا مَا يَقَعُ النَّظَرُ فِيهَا بَيْنَ أَهْلِ الزَّمَانِ وَيَتَرَدَّدُونَ فِي بَيَانِ فَهْمِ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي كُلِّ آنٍ فَلْنَذْكُرْ ذَلِكَ عَلَى مَا كَانَ يَمُرُّ لَنَا فِي ذَلِكَ أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ فَبَيَانُ الْأَخْذِ مِنْهَا عَلَى مَا فَهِمْنَا عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الزَّكَاةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنِ الْمَالِ لَا بِذِمَّةِ الْمُزَكِّي بِدَلِيلِ إذَا ضَاعَ وَلَمْ يُفَرِّطْ فَلَا غَرِمَ عَلَيْهِ فَإِذَا اشْتَرَى بِهِ وَلَمْ يُزَكِّهِ فَمَنَابُ الْفُقَرَاءِ عَاوَضَ بِهِ مَعَ بَقِيَّةِ مَالِهِ وَأَطْلَقَ عَلَى فِعْلِهِ شِرَاءً وَمِنْ لَازِمِ الشِّرَاءِ أَنَّ ضَمَانَهَا يَكُونُ مِنْهُ فِي كُلِّهَا فَلِذَلِكَ جَعَلَ الزَّكَاةَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ لَا يَدُلُّ شِرَاؤُهُ عَلَى مِلْكِ الْأَمَةِ لَمْ تَكُنْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ عَيْنِ الزَّكَاةِ وَلَيْسَ عَلَى مِلْكِهِ وَغَيْرِهَا فَتَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْهُ فَالْحَاصِلُ فِي الِاسْتِدْلَالِ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الشِّرَاءُ لِلْأَمَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى مِلْكِهَا لَمَا لَزِمَتْ الزَّكَاةُ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ مَوْتِهَا وَالثَّانِي بَاطِلٌ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى مِلْكٍ فَبَعْضُهَا عِوَضٌ عَنْ الزَّكَاةِ وَقَدْ ذَهَبَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ شِرَاءَهُ عَمَرَ ذِمَّتَهُ بِحِفْظِ الزَّكَاةِ وَمِلْكُ عِوَضِهَا وَضَمَانِهَا مِنْهُ وَهَذَا فِيهِ أَبْحَاثٌ. (الْأَوَّلُ) أَنَّا وَجَدْنَا الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يَدُلُّ عَلَى شُبْهَةِ الْمِلْكِ لَا عَلَى خُصُوصِ مِلْكٍ وَهَذَا غَايَتُهُ أَنَّهُ شُبْهَةٌ. (وَالثَّانِي) أَنَّا نَقُولُ هُوَ نَائِبٌ فِي حِفْظِ الْمَالِ فِي الْعَيْنِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُهُ فَمُعَاوَضَتُهُ بِهِ أَوْجَبَتْ تَعَدِّيًا فَعَمَرَتْ ذِمَّتُهُ بِهِ فَإِنَّمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ بِذَلِكَ لَا لِأَنَّ شِرَاءَهُ دَلَّ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا ذَكَرَ فَالْقَدْحُ فِي الْمُلَازَمَةِ لَا يَخْفَى وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ مَنْ اشْتَرَى مِنْ مَغْنَمٍ فَبَيَانُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا أَنْ يُقَالَ لَوْ كَانَ الِاشْتِرَاءُ لَا يَدُلُّ عَلَى مِلْكٍ لَأَخَذَهَا سَيِّدُهَا بِغَيْرِ ثَمَنٍ لِأَنَّهُ اسْتِحْقَاقٌ مِنْ يَدِ مَنْ لَا مِلْكَ لَهُ وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِنَصِّهَا وَهَذَا فِيهِ بَحْثٌ فِي الْمُلَازَمَةِ أَيْضًا وَذَلِكَ أَنْ يُقَالَ الْحُكْمُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ بِالثَّمَنِ فِي مِثْلِ هَذِهِ النَّازِلَةِ لِقُوَّةِ شُبْهَةِ شِرَائِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَنِدٌ إلَى قَسْمِ الْإِمَامِ وَدَارُ الْحَرْبِ بِهَا شُبْهَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ يُونُسَ إلَى قَرِيبٍ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيمَنْ نُعِيَ مَوْتُهُ وَقُسِمَتْ تَرِكَتُهُ اُنْظُرْ اللَّخْمِيَّ وَابْنَ رُشْدٍ فِي ذَلِكَ وَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَيْسَ فِي الْأَخْذِ بِالثَّمَنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 الشِّرَاءَ يُوجِبُ لِلْمُشْتَرِي مِلْكَ مَا اشْتَرَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِكَلَامِهِ وَفَهْمِهِ فَإِنَّ الرَّجُلَ كَامِلُ النَّظَرِ قَوِيُّ الدِّينِ وَالْفِكْرِ وَرُبَّمَا يُخَيَّلُ عَلَى النَّاظِر أَنْ يُقَالَ لَوْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ لَكَانَ إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الثُّبُوتَيْنِ لِلْمِلْكِ وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ فِيمَا رَأَيْت أَحَدٌ بَلْ الْمِلْكُ إذَا ثَبَتَ لَا يُعَارِضُهُ شِرَاءٌ وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يُوجِبُ الْمِلْكَ غَايَتُهُ يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الْحِيَازَةِ فَإِنْ أَثْبَتَ مِلْكَهُ لَهُ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فَإِنْ سَقَطَتَا ثَبَتَ الِاخْتِصَاصُ لِلْحَائِزِ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَالْبَحْثُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي حَدِّهِ لِلِاسْتِحْقَاقِ فِي قَوْلِهِ رَفْعُ مِلْكٍ إلَخْ مَا يُنْظَرُ فِيهِ مَعَ مَا هُنَا وَكَذَلِكَ فِي حَدِّهِ الْمِلْكَ وَالصَّوَابُ أَنَّ ثَمَّ أُمُورًا تُوجِبُ الْمِلْكَ وَقَدْ عَدَّدُوهَا وَثَمَّ أُمُورًا لَا تُوجِبُ مِلْكًا وَلَا شُبْهَةً وَهِيَ لَا تَخْفَى وَثَمَّ أُمُورًا تُوجِبُ شُبْهَةَ الْمِلْكِ فَمَنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ فَمَحْمَلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ الصَّوَابُ. وَيَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ سَحْنُونَ فِيمَنْ حَضَرَ رَجُلًا اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ سُوقٍ فَلَا يَشْهَدُ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَقَامَ هَذَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا كَانَتْ لِصَاحِبِهَا مِلْكًا قَالَ وَإِنْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَشَبَهِهِ فَإِنَّهَا مِلْكٌ وَهَذَا كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشِّرَاءَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ وَهُوَ الْحَقُّ وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هَذَا وُلِدَ عِنْدَ فُلَانٍ فَلَا يَدُلُّ عَلَى مِلْكِهِ إلَّا أَنْ تَطُولَ الْحِيَازَةُ كَمَا يَجِبُ وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ خُرُوجٌ عَنْ الْقَصْدِ لِكَمَالِ الْفَائِدَةِ أَدَامَ اللَّهُ عَلَيْنَا نِعْمَتَهُ الشَّامِلَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَتَأَمَّلْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي قَوْلِهِ الْحِيَازَةُ لَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ عَنْ الْمَحُوزِ عَلَيْهِ لِلْحَائِزِ اتِّفَاقًا وَلَكِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ كَإِرْخَاءِ السِّتْرِ وَالْعِفَاصِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَائِزِ مَعَ يَمِينِهِ وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمِلْكِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ ذَكَرُوا وِلَايَةُ التَّحْكِيمِ وِلَايَةٌ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ آحَادِ النَّاسِ وَهِيَ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الْقَضَاءِ كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ هُنَا وَهِيَ خَاصَّةٌ بِمَوَاضِعَ وَكَذَلِكَ وِلَايَةُ الْحَكَمَيْنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَقَدْ ذَكَرُوا الْحَكَمَيْنِ فِي الصَّيْدِ وَهِيَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ آحَادِ النَّاسِ (قُلْتُ) ذَلِكَ كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي رَسْمِهِ إذَا تَأَمَّلْته وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلَّفُونَ أَنَّ أَرْكَانَ الْقَضَاءِ سِتَّةٌ الْقَاضِي وَالْمَقْضِيُّ بِهِ وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ وَالْمَقْضِيُّ فِيهِ وَالْمَقْضِيُّ لَهُ وَكَيْفِيَّةُ الْقَضَاءِ (قُلْتُ) هَذِهِ فِي الْحَقِيقَةِ شُرُوطٌ لِلْقَضَاءِ الْمَحْدُودِ لَا أَرْكَانٌ لَهُ لِأَنَّهَا حِسِّيَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي غَيْرِ هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 [بَابٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا حَصَّلَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ كَوْنُهُ حُرًّا مُسْلِمًا بَالِغًا ذَكَرًا عَاقِلًا وَاحِدًا قَوْلُهُ " حُرًّا " أَخْرَجَ بِهِ الْعَبْدَ فَإِنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَكَذَلِكَ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ وَقَدْ نُقِلَ ابْنُ زَرْقُونٍ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَجُوزُ تَوْلِيَتُهَا لِلْقَضَاءِ قَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ أَظُنُّ ذَلِكَ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا حَاجَةَ لِهَذَا الْقَيْدِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ بِهِ الْحَسَنُ وَقَدْ أَجَازَ وِلَايَتَهَا مُطْلَقًا قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأَظْهَرُ قَوْلُ ابْنِ زَرْقُونٍ قَالَ لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَدْ رَدَّ عَلَى مَنْ لَا يَشْتَرِطُ الْعَدَالَةَ فِي الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْهَا قَالَ يَعْنِي فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فِي شَرْطِ الْعَدَالَةِ وَالشَّهَادَةِ أَقَلُّ مَنْصِبًا مِنْ الْقَضَاءِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْمَرْأَةُ يَجُوزُ فِي حَقِّهَا فِي الْقَضَاءِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الشَّهَادَةِ قَالَ فَغَيْرُ مَا هُوَ مُنَاسِبٌ لِلشَّهَادَةِ مُنَافِرٌ لِلْقَضَاءِ فَكَمَا أَنَّ النِّكَاحَ وَالْعِتْقَ لَا تُقْبَلُ فِيهِمَا شَهَادَتُهَا فَكَذَا لَا يَصِحُّ فِيهِمَا قَضَاؤُهَا (فَإِنْ قُلْتَ) لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعَدَالَةَ وَأَنَّهَا شَرْطٌ فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فِيمَا يُوجِبُ الْعَزْلَ وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا حَكَمَ لَا يَمْضِي حُكْمُهُ خِلَافًا لِأَصْبَغَ إذَا وَافَقَ الْحُكْمَ. (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ حَصَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالشَّيْخُ بَعْدَ هَذَا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي قَالَ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ أَنْ تَكُونَ الْعَدَالَةُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْوِلَايَةِ فَانْظُرْهُ بَعْدُ وَقَوْلُهُ حُرًّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ أَخْرَجَ الْعَبْدَ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ قَوْلُهُ " وَاحِدًا " أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْقَاضِي مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ وِلَايَتِهِ اتِّحَادُهُ وَتَعَدُّدُهُ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ الْوِلَايَةِ لَهُ هَذَا الَّذِي مَرَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ وَالْبَاجِيُّ قَالَ الشَّيْخُ وَعَدَّهُ عِيَاضٌ مِنْ الشُّرُوطِ الثَّانِيَةِ قَالَ وَهُمْ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ مَانِعَ التَّعْدَادِ إنَّمَا هُوَ خَوْفَ تَنَاقُضِهِمَا وَلَا يُتَصَوَّرُ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهِمَا إلَّا مَعَ اتِّفَاقِهِمَا فَيَجِبُ حِينَئِذٍ إمْضَاؤُهُ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْمَنْعِ وَلَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ مِنْ الشُّرُوطِ الثَّانِيَةِ إلَّا هَذَا قَالَ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مَنْعَ تَعَدُّدِهِمَا إنَّمَا هُوَ مُعَلَّلٌ بِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِاخْتِلَافِهِمَا بِالْعَيْنِ وَالتَّعْلِيلُ بِالْمَظِنَّةِ لَا يَبْطُلُ بِانْتِفَاءِ مَظْنُونِهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 الْأُصُولِيُّونَ قَالَ وَمَسَائِلُ الْمَذْهَبِ تَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ كَمَسْأَلَةِ اسْتِثْنَاءِ جِلْدِ الشَّاةِ الْمَبِيعَةِ فِي السَّفَرِ إذَا كَانَ لَهُ قِيمَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ وَحَاصِلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَقُولُ مَنْ اشْتَرَطَ كَوْنَ الْقَاضِي وَاحِدًا فِي صِحَّةِ الْوِلَايَةِ وَهُوَ ابْنُ رُشْدٍ رَأَى أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْمَظِنَّةِ لَا بِالْحِكْمَةِ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حَقَّقَ الِاخْتِلَافَ بِالتَّنَاقُضِ فِي الْقَوْلِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى عَدَمِ حُصُولِ الْحُكْمِ وَذَلِكَ يُخِلُّ بِمَا فِيهِ مَصْلَحَةُ نَصْبِ الْقَاضِي وَإِنْ وُجِدَ اتِّفَاقٌ مِنْهُمَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الْمَظِنَّةَ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِهَا مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ فَلِذَلِكَ صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ انْعِقَادِ الْوِلَايَةِ وَعِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَى أَنَّ التَّعْلِيلَ عِنْدَهُ بِالْحِكْمَةِ فَلِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يَقُولَ إنَّ الِاتِّفَاقَ إذَا وَقَعَ يَجِبُ الْإِمْضَاءُ فِيهِ فَإِذَا وُجِدَ الِاتِّفَاقُ مِنْهُمَا مَضَى الْحُكْمُ وَإِذَا فُقِدَ. فُقِدَ الْحُكْمُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا صَحَّحَ الشَّيْخُ وَجْهَ الْقَوْلَيْنِ بِمَا ذَكَرَ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْمَظِنَّةِ أَصْوَبُ فَلِأَيِّ شَيْءٍ قَالَ إنَّ الْأَظْهَرَ قَوْلُ عِيَاضٍ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ الْحِكْمَةَ إذَا كَانَتْ مُنْضَبِطَةً فَالتَّعْلِيلُ بِهَا يَصِحُّ وَهُوَ أَوْلَى وَفِيهِ بَحْثٌ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النَّازِلَةَ الْمُعَيَّنَةَ يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهَا بِاتِّفَاقٍ وَالْمَعْنَى الَّذِي أَشَرْتُمْ إلَيْهِ مِنْ جَوَازِ الِاخْتِلَافِ مَوْجُودٌ (يُجَابُ) عَنْ ذَلِكَ بِمَا أُجِيبَ بِهِ فِي صُورَةِ الْحُكْمَيْنِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الِانْتِقَالُ عَنْهُمَا إلَى غَيْرِهِمَا بِخِلَافِ الْقَضَاءِ الْعَامِّ فَلَا يَكُونُ فِيهِ تَعْدَادٌ وَظَهَرَ كَلَامُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْقَضَاءَ الْعَامَّ هُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ قَالَ وَلَا أَظُنُّ أَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي الْجُزْئِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ وَذَكَرَ قَضِيَّةَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. [بَابٌ فِي الشُّرُوطِ فِي الْقَضَاءِ الَّتِي عَدَمُهَا يُوجِبُ عَزْلَ الْقَاضِي وَتَنْعَقِدُ الْوِلَايَةُ مَعَ فَقْدِهَا] قَالَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ كَوْنُهُ سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا عَدْلًا قَوْلُهُ سَمِيعًا أَخْرَجَ بِهِ الْأَصَمَّ وَالْبَصِيرُ أَخْرَجَ بِهِ الْأَعْمَى وَالْمُتَكَلِّمُ أَخْرَجَ بِهِ الْأَبْكَمَ وَالْعَدْلُ أَخْرَجَ بِهِ الْفَاسِقَ فَأَمَّا غَيْرُ الْعَدْلِ فَمَا مَضَى مِنْ أَحْكَامِهِ فَهُوَ مَاضٍ تَنْعَقِدُ مَعَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي الْوِلَايَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْآمِدِيُّ الْخِلَافَ فِيهِ وَأَمَّا الْعِلْمُ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ مِنْ الثَّانِي وَقِيلَ مِنْ الثَّالِثِ وَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرَ هُنَا مِنْ وِلَايَةِ الْمُقَلِّدِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 [بَابٌ فِي الْخَطَأِ الْمُوجِبِ لِرَدِّ حُكْمِ الْعَالِمِ الْعَدْلِ] قَالَ قَالَ اللَّخْمِيُّ مَا خَالَفَ نَصَّ آيَةٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ قَالَ الشَّيْخُ أَوْ مَا ثَبَتَ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ زَادَ الْمَازِرِيُّ أَوْ قِيَاسًا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ الَّذِي لَا يُشَكُّ فِي صِحَّتِهِ زَادَ ابْنُ مُحْرِزٍ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّ لَهُ فِيهِ رَأْيًا فَحَكَمَ بِغَيْرِهِ سَهْوًا وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَوْلُهُ " نَصَّ آيَةٍ " هَذَا قَطْعِيٌّ قَوْلُهُ " أَوْ سُنَّةٍ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ ظَنِّيًّا وَهُوَ كَذَلِكَ وَلِذَا اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ مَا خَالَفَ الْقَطْعَ اُنْظُرْهُ وَمِثْلُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ الْحُكْمِ بِالسِّعَايَةِ فِي الْعَبْدِ وَبِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَتَوْرِيثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَرَدَّ عَلَيْهِ اُنْظُرْ كَلَامَ الشَّيْخِ قَوْلُهُ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّ لَهُ فِيهِ رَأْيًا قَالَ صُورَةُ ذَلِكَ إذَا عَلِمَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ حُكْمَهُ بِكَذَا وَأَنَّهُ يُحْكَمُ بِهِ ثُمَّ حَكَمَ بِغَيْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا عَلَى صِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِالْفَهْمِ وَاضِحٌ وَعَلَى نَفْيِهَا فِيهِ نَظَرٌ وَتَصَوُّرُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ يُوجِبُ إشْكَالًا لِأَنَّهُ إنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ فِي وِلَايَتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ بِنَقْضِهِ بَدَلَ إقْرَارِهِ وَتَرْكِهِ نَقْضَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ كَرُجُوعِهِ عَنْ إقْرَارِهِ فَيَبْطُلُ وَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ بَعْدَ عَزْلِهِ لَمْ يُقْبَلْ كَشَهَادَتِهِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَتَأَمَّلْهُ. [بَابُ مَا يُقْضَى فِيهِ بِالصِّفَةِ فِي الشَّهَادَةِ] (ش هـ د) : بَابُ مَا يُقْضَى فِيهِ بِالصِّفَةِ فِي الشَّهَادَةِ قَالَ الرُّبْعُ وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ مَا عَدَاهُ مِنْ حَيَوَانٍ وَعَرُوضٍ بَابٌ فِي شَاهِدِ الزُّورِ ذَكَرَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ هُنَا رَسْمَ شَاهِدِ الزُّورِ وَيَظْهَرُ أَنَّ ذِكْرَهُ فِي الشَّهَادَةِ أَنْسَبُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَاهِدُ الزُّورِ الشَّاهِدُ بِمَا لَا يَعْلَمُ عَمْدًا وَلَوْ طَابَقَ الْوَاقِعَ كَمَنْ شَهِدَ بِأَنَّ زَيْدًا قَتَلَ عَمْرًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ قَتْلَهُ إيَّاهُ وَقَدْ كَانَ قَتَلَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمْدًا وَهُوَ صَوَابٌ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لَا زُورَ عِنْدَهُ وَلِذَلِكَ رَدَّ عَلَى الْبَاجِيِّ اُنْظُرْهُ. [كِتَابُ الشَّهَادَاتِ] (ش هـ د) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الشَّهَادَاتِ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ شَيْخِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِتَعْرِيفِهَا لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّيْخِ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَقَدَّمَ لَهُ نَظِيرُهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ الْمَعْلُومَ وُجُودُ مِثْلِ ذَلِكَ لَا تَصَوُّرُهُ وَهُنَا رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ عَنْ الْقَرَافِيُّ مِنْ كَوْنِهِ سَأَلَ الْفُضَلَاءَ سِنِينَ عَنْ مَعْرِفَةِ الشَّهَادَةِ قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا فِيهِ مُنَافَاةٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَا حَاجَةَ لِتَعْرِيفِهَا ثُمَّ أَتَى الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِكَلَامِ الْقَرَافِيُّ وَحَاصِلُهُ مَعْنًى أَنَّهُ قَالَ أَقَمْت ثَمَانِي سِنِينَ أَطْلُبُ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَأَسْأَلُ الْفُضَلَاءَ عَنْهُ فَيَقُولُونَ الشَّهَادَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ فَأَقُولُ لَهُمْ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فَرَّعَ تَصَوُّرَهَا فَلَوْ عُرِّفَتْ بِأَحْكَامِهَا لَزِمَ الدَّوْرُ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ أَزَلْ فِي شِدَّةِ قَلَقٍ حَتَّى طَالَعْت شَرْحَ الْبُرْهَانِ لِلْمَازِرِيِّ فَوَجَدْته قَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ وَمَيَّزَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ هُمَا خَبَرَانِ غَيْرَ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ إنْ كَانَ عَامًّا لَا يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ فَهُوَ الرِّوَايَةُ كَقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي الْخَلْقِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِهَذَا عِنْدَ هَذَا دِينَارٌ فَإِنَّهُ إلْزَامٌ مُعَيَّنٌ لَا يَتَعَدَّاهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الرِّوَايَةُ وَالثَّانِي هُوَ الشَّهَادَةُ ثُمَّ أَوْرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ سُؤَالًا قَالَ مَا قَرَّرْته مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ حَقِيقَتُهَا التَّعَلُّقُ بِجُزْئِيٍّ وَالرِّوَايَةَ حَقِيقَتُهَا التَّعَلُّقُ بِكُلِّيٍّ مَنْقُوضٌ فَقَدْ تَتَعَلَّقُ الشَّهَادَةُ بِكُلِّيٍّ لَا يَطَّرِدُ وَلَا يَنْعَكِسُ. أَمَّا الشَّهَادَةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اجْتِمَاعِ شِبْهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ تَقَعُ فِي الْأَمْرِ الْكُلِّيِّ الْعَامِّ الَّذِي لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ كَالشَّهَادَةِ بِالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَكَوْنِ الْأَرْضِ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا وَالرِّوَايَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْجُزْئِيَّةِ كَالْإِخْبَارِ عَنْ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ أَوْ الْمَاءِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْعُمُومَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْعَرْضِ وَالْمَقْصُودِ الْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ الْجُزْئِيُّ لِأَنَّ الْمَقْصِدَ بِالْوَقْفِ إنَّمَا هُوَ الْمَوْقِفُ لِيُنْزَعَ مِنْ يَدِهِ الْمَالُ وَكَوْنُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ لَا يُقْدَحُ وَأَمَّا الْأَرْضُ الْعَنْوَةُ فَلَمْ أَرَ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا فِيهَا وَأَمْكَنَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمَعْنَى إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ وَصْفِهِ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 حَيْثُ إنَّهُ صِفَةٌ كُلِّيَّةٌ لَا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ وَلِذَا كَانَ كُلُّ مَاءٍ مُمَاثِلٍ لَهُ فِي الصِّفَةِ الَّتِي حُكِمَ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ مُمَاثِلًا لَهُ فِي الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ هَذَا مَعْنَاهُ بِاخْتِصَارٍ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِ بَلَدِنَا يَتَعَقَّبُ قَوْلَ الْقَرَافِيُّ أَقَمْت مُدَّةً إلَخْ قَالَ وَالْفَرْقُ مَذْكُورٌ فِي أَيْسَرِ الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ بَيْنَ مُبْتَدِئِي الطَّلَبَةِ وَهُوَ التَّنْبِيهُ لِابْنِ بَشِيرٍ ثُمَّ أَتَى بِكَلَامِهِ قَالَ وَكَذَلِكَ كَانَ يَتَعَقَّبُ عَلَيْهِ حِكَايَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ عَلَمِ الْجِنْسِ وَاسْمِ الْجِنْسِ بِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْجُزُولِيَّةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا وَذَكَرَ فِي أَصْلِهِ زِيَادَاتٍ (قُلْتُ) وَلِلشَّيْخِ الْإِمَامِ سَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْن مَرْزُوقٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَقُّبٌ عَلَى الْمُتَعَقِّبِ عَلَى الْقَرَافِيُّ فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ أَلْحَقْته بِآخِرِ الشَّهَادَاتِ فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ بَعْدُ وَأَمَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي عَلَمِ الْجِنْسِ وَاسْمِ الْجِنْسِ فَأَمَّا الْأَحْكَامُ اللَّفْظِيَّةُ فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي جَمِيعِ لَوَازِمِ الْعِلْمِيَّةِ مِثْلُ أَسَدٍ وَأُسَامَةَ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَأَمَّا عَلَمُ الْجِنْسِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ كَالنَّكِرَةِ وَلَا فَرْقَ وَلَمْ يَرْتَضِ ذَلِكَ الْحُذَّاقُ لِأَنَّ التَّفَارِيقَ اللَّفْظِيَّةَ تَدُلُّ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي الْمَعْنَى وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالْقَائِلُ اخْتَلَفَ فِي كَيْفِيَّتِهِ فَقِيلَ إنَّ الْوَضْعَ فِي النَّكِرَةِ إنَّمَا هُوَ لِفَرْدٍ لَهُ أَمْثَالٌ وَالْوَضْعُ فِي أُسَامَةَ لِمَعْنَى الْمَاهِيَّةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَعْدَادُهَا فَالْأَوَّلُ وُضِعَ فِيهِ لِلْأَسَدِ وَلِمَا يُمَاثِلُهُ مِنْ أَفْرَادِهِ وَالثَّانِي مَوْضُوعٌ لِمَعْنَى الْأَسَدِيَّةِ. وَقِيلَ إنَّ الْوَضْعَ فِي الْجَمِيعِ لِلْمَاهِيَّةِ إنْ أُخِذَتْ مُطْلَقَةً فَذَلِكَ مَعْنَى النَّكِرَةِ وَإِنْ أُخِذَتْ مُقَيَّدَةً بِشَرْطِ اسْتِحْضَارِهَا فِي الذِّهْنِ فَذَلِكَ مَعْنَى عَلَمِ الْجِنْسِ وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْبَحْثَ وَالْجَمْعُ فِي تَقْيِيدٍ لَنَا فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ وَمَا ارْتَضَاهُ الْقَرَافِيُّ مِنْ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ الْخَبَرُ الْمُتَعَلِّقُ بِأَمْرٍ جُزْئِيٍّ وَالرِّوَايَةَ الْخَبَرُ الْمُتَعَلِّقُ بِأَمْرٍ كُلِّيٍّ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْجُزْئِيِّ كَثِيرًا فَرَسْمُهُ غَيْرُ جَامِعٍ كَحَدِيثِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السَّوِيقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ» وَحَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ الَّذِي فِيهِ حَدِيثُ الدَّجَّالِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأُمُورٍ جُزْئِيَّةٍ قَالَ وَلِذَا تَجِدُهُمْ يَقُولُونَ اُخْتُلِفَ فِي الْقَضَايَا الْعَيْنِيَّةِ هَلْ تَعُمُّ أَمْ لَا وَكَذَلِكَ آيَةُ أَبِي لَهَبٍ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ صَحَّ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُورِدَ مِثْلَ مَا ذَكَرَ نَقْضًا عَلَى الْعَكْسِ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ الْجَوَابَ عَنْ سُؤَالٍ قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا مِنْ هَذَا لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ جَوَابُهُ الْمُتَقَدِّمُ لَا يَصِحُّ وُجُودُهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمُعَيَّنَةِ لِأَنَّ الْمَقْصِدَ فِي الْإِخْبَارِ هُنَا الذَّاتُ الْمَخْصُوصَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 فَإِنْ قُلْتَ) مَا مَوْقِعُ كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ وَلِذَا تَجِدُهُمْ إلَخْ (قُلْتُ) ذَكَرَهُ دَلِيلًا لِقُوَّةِ النَّقْضِ عَلَى الْعَكْسِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا الْقَضَايَا الْعَيْنِيَّةُ فِي الْإِخْبَارِ فَجَعَلُوا مُتَعَلِّقَ الْخَبَرِ قَدْ يَكُونُ مُعَيَّنًا وَسَلَّمُوا ذَلِكَ وَكَانَ يَمْشِي لَنَا فِي الْمَجَالِسِ أَنْ يُقَالَ كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُمْ الْقَضَايَا الْعَيْنِيَّةُ هَلْ تَعُمُّ وَكَيْفَ يَقْبَلُ التَّعَيُّنُ الْعُمُومَ وَهُوَ مُنَافٍ لَهُ فَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِذَلِكَ بَلْ التَّعْيِينُ يَقْتَضِي الْخُصُوصَ لَا الْعُمُومَ وَوَقَعَ الْجَوَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُسَامَحَةٍ وَمَعْنَاهُ مَثَلًا فِي مِثْلِ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ فِي الْحَجِّ وَقَصَّ عَنْ رَاحِلَتِهِ وَأَنَّهُ يَبْعَثُ مُلَبِّيًا فَهَلْ يُقَالُ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ أَوْ إنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ بَلْ كُلُّ مَنْ وَقَعَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ يُشَارِكُهُ فِي حُكْمِهِ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَقَّقَ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْخَبَرِ. قَالَ وَالصَّوَابُ أَنَّ الشَّهَادَةَ " قَوْلٌ هُوَ بِحَيْثُ يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ سَمَاعُهُ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ مَعَ تَعَدُّدِهِ أَوْ حَلِفِ طَالِبِهِ " قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " قَوْلٌ " الْقَوْلُ فِي اللُّغَةِ مَعْلُومٌ مَا فِيهِ وَأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْكَلَامِ وَالْكَلِمَةِ وَالْكَلِمِ وَالْخَبَرُ أَخَصُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَخَصُّ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْخَبَرِ وَأَخَصُّ مِنْ الْقَوْلِ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْ الْجِنْسَ الْأَقْرَبَ وَهُوَ الْخَبَرُ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الشَّهَادَةِ مِنْ الْقَوْلِ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ لَمَّا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ» أَدَّى إلَى أَنَّ الْقَوْلَ شَرْعًا غَلَبَ فِي الْخَبَرِ فِي الشَّهَادَةِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ لِأَجْلِ أَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَهُوَ قَوْلٌ لَا خَبَرٌ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّفْسِ وَلَا يُقَالُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَصِيرَ الْخَبَرُ جِنْسًا لِلشَّهَادَةِ وَالْخَبَرِ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ جِنْسًا لِنَفْسِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْخَبَرُ مُشْتَرَكٌ فَالْجِنْسُ هُوَ الْخَبَرُ الْمُقَابِلُ لِلْإِنْشَاءِ وَهُوَ يَعُمُّ الشَّهَادَةَ وَمَا يُقَابِلُهَا وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْخَبَرِ فَالْخَبَرُ لَهُ مَعْنَيَانِ أَعَمُّ وَأَخَصُّ وَهُوَ جَلِيٌّ قَوْلُهُ " هُوَ بِحَيْثُ " جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ صِفَةٌ لِلْقَوْلِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ وَأَتَى بِالْحَيْثِيَّةِ لِيُدْخِلَ فِيهِ الشَّهَادَةَ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَالشَّهَادَةَ غَيْرَ التَّامَّةِ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْحَيْثِيَّةَ لَا تُوجِبُ حُصُولَ مَدْلُولِ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ بِالْفِعْلِ حَسْبَمَا ذَكَرُوهُ فِي تَعْرِيفِ الدَّلَالَةِ أَشَارَ إلَى قَوْلِهِمْ لَفْظٌ بِحَيْثُ إذَا أُطْلِقَ دَلَّ وَلَمْ يَقُولُوا لَفْظٌ دَالٌّ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمَنْطِقِيِّ وَغَيْرِهِ فَقَالَ فِي الدَّلَالَةِ كَوْنُ اللَّفْظِ بِحَيْثُ إذَا أُطْلِقَ دَلَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 وَتَأَمَّلْ بَحْثَهُ مَعَ الْكَاتِبِيِّ وَقَوْلُهُ وَالْحَقُّ أَنَّ الْحَيْثِيَّةَ كَالْمَادِّيَّةِ وَالْفَهْمَ كَالْغَايَةِ فَالشَّهَادَةُ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَهَا حَيْثِيَّةٌ يَكُونُ مَعَهَا مَا ذَكَرَ كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ لَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَدَاءُ فِعْلًا قَوْلُهُ وَغَيْرُ التَّامَّةِ لِيَدْخُلَ بِهِ الشَّهَادَةُ الَّتِي لَمْ تُؤَدَّ لِأَنَّ الْحَيْثِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ لَا تَمْنَعُهَا وَيَأْتِي حَدُّ الْأَدَاءِ وَالتَّحَمُّلِ وَالْأَوَّلُ يَرْجِعُ إلَى إعْلَامِ الشَّاهِدِ الْقَاضِي بِمَا عَلِمَهُ وَالثَّانِي الْعِلْمُ بِمَا يَشْهَدُ الشَّاهِدُ بِهِ قَوْلُهُ " يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ " يُخْرِجُ بِهِ الرَّاوِيَةَ وَالْخَبَرَ الْقَسِيمَ لِلشَّهَادَةِ وَلَمْ يَقُلْ الْقَاضِي لِأَنَّ الْحَاكِمَ أَعَمُّ مِنْ الْقَاضِي لِوُجُودِهِ فِي التَّحْكِيمِ وَالْأَمِيرِ وَشِبْهِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ " إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ " شَرْطٌ فِي إيجَابِ الْحُكْمِ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ أَخْرَجَ بِهَا مَجْهُولَ الْحَالِ قَوْلُهُ " مَعَ تَعَدُّدِهِ " أَخْرَجَ بِهِ إخْبَارَ الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَاضِيًا آخَرَ فَإِنَّهُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَعَدُّدٌ أَوْ حَلِفٌ (فَإِنْ قُلْتَ) إخْبَارُ الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَاضِيًا آخَرَ ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَاهُ هَلْ هُوَ كَنَقْلِ شَهَادَةٍ عَنْ شَهَادَةٍ أَوْ كَالْقَضِيَّةِ الْمُنَفَّذَةِ وَيَكُونُ الثُّبُوتُ حُكْمًا يَمْنَعُ الْقَاضِي الْآخَرَ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي ثُبُوتِ الْبَيِّنَةِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَخْرُجُ إخْبَارُ الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَاضِيًا آخَرَ بِمَا كَتَبَ إلَيْهِ لِعَدَمِ شَرْطِهِ فَالتَّعْدَادُ أَوْ الْحَلِفُ كَيْفَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى النَّقْلِ فِي الشَّهَادَةِ فَلَا يُخْرِجُهُ بَلْ يَجِبُ دُخُولُهُ كَأَنْوَاعِ النَّقْلِ فِيهَا وَإِذَا كَانَ كَالْقَضِيَّةِ الْمُنَفَّذَةِ فَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ فَكَيْفَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْجِنْسِ ثُمَّ يَخْرُجُ (قُلْتُ) الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقَائِلَ وَإِنْ قَالَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُشَبَّهُ بِنَقْلِ الشَّهَادَةِ لَا يُسَمَّى إخْبَارُ الْقَاضِي نَقْلًا وَإِنَّمَا يُقَالُ إخْبَارُ الْقَاضِي بِالثُّبُوتِ حُكْمُهُ حُكْمٌ بِنَقْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْقَاضِي الْمَنْقُولَ إلَيْهِ ذَلِكَ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِي صِحَّةِ الثُّبُوتِ الْمُعَلَّمِ بِهِ. (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ النَّقْلِ فَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ وَلَازِمُ النَّقْلِ التَّعْدَادُ فِي النَّقْلِ (قُلْتُ) قَالَ الْمَازِرِيُّ الْأَصْلُ ذَلِكَ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَنْصِبُ الْقَضَاءِ لَهُ حُرْمَةٌ فَاكْتَفَى بِوَاحِدٍ وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ كَالْقَضِيَّةِ مِنْ الْقَاضِي فَلَا يَمْنَعُ دُخُولَ ذَلِكَ تَحْتَ جِنْسِ الْقَوْلِ لِأَنَّ الْحُكْمَ قِيلَ فِيهِ إنَّهُ قَوْلٌ مِنْ قَاضٍ يَصْحَبُهُ خَبَرٌ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي ثَبَتَ كَذَا مُخَاطِبًا بِهِ لِقَاضٍ آخَرَ هَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْضِيِّ بِهِ أَمْ لَا قَالَ الْحَقُّ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَنَا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ حُكْمٌ فِي الْمَقْضِيِّ بِهِ حَيْثُ اسْتَدَلَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 بِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْهُ وَانْظُرْ بَحْثَهُ مَعَ شَيْخِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا سِرُّ كَوْنِهِ قَالَ قَوْلٌ يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى الْقَاضِي (قُلْتُ) الْحَاكِمُ أَعَمُّ مِنْ الْقَاضِي لِأَنَّ الْمُحَكِّمَ لَا يُقَالُ فِيهِ قَاضٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَالشَّهَادَةُ مُوجِبُهَا ثَابِتٌ عِنْدَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) : قَوْلُهُ إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ هَلْ مَعْنَاهُ إنْ نُسِبَ التَّعْدِيلُ إلَيْهِ أَوْ عَلِمَ حَاكِمُهُ بِعَدَالَتِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَكَيْفَ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْحَاكِمِ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَمَنْ عُلِمَ عَدَالَتُهُ فَكَيْفَ يُقَالُ فِيهِ عَدْلٌ عِنْدَهُ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عُدِّلَ قَائِلُهُ نُسِبَ إلَى الْعَدَالَةِ وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ التَّعْدِيلَ نُسِبَ إلَى الْقَائِلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ نَفْسِهِ وَهَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ شَأْنُهَا أَنْ تُوجِبَ عَلَى الْحَاكِمِ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الشَّهَادَةَ إلَى أَقْسَامٍ أَحَدُهَا مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَئُولُ إلَى مَالٍ وَهُوَ مَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ كَالْعُيُوبِ فِي النِّسَاءِ وَالْوِلَادَةِ وَقَالُوا إنَّ الْمَرْأَتَيْنِ كَافِيَتَانِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فَهَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْحَدِّ (قُلْتُ) ذَلِكَ شَهَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ مَعَ تَعَدُّدِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْقَاضِي إذَا ابْتَدَأَ بِالسُّؤَالِ فَهِيَ شَهَادَةٌ عَامَّةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَعْدَادٌ حَتَّى مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ (قُلْتُ) ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَلْحَقُوهُ بِالْخَبَرِ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى عَلَيْك. (فَإِنْ قُلْتَ) : قَوْلُهُ إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ كَيْفَ يَصِحُّ مَعَ الْقَوْلِ بِشَهَادَةِ الصَّبِيَّانِ فِي الْجِرَاحِ (قُلْتُ) ذَلِكَ رُخْصَةٌ وَالتَّعْرِيفُ لِلْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَمَا عُرِّضَ فِيهَا لِمَانِعٍ أَوْ رُخْصَةٍ لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرْت مَا فِي رَسْمِ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الشَّهَادَةِ وَجَدْت كَلَامًا لِلشَّيْخِ الْعَالِمِ الْعَامِلِ سَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ فِي الشَّهَادَةِ وَذَكَرَ حَدَّهَا شَيْخُنَا الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ وَحَدُّ الشَّيْخِ الَّذِي صَوَّبَهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِدُخُولِ الْخَبَرِ الْمُوجِبِ سَمَاعُهُ حُكْمًا عَلَى الْحَاكِمِ فِيهِ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ الْعَدَدَ كَالْجُبَّائِيِّ قَالَ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ مِنْ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِيهِ عِنْدَ الْجَمِيعِ (قُلْتُ) هَذَا بَعِيدٌ إيرَادُهُ إذَا تُؤُمِّلَ رَسْمُهُ إنَّمَا هُوَ لِلْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَالِكِيَّةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَدَهُ أَيْضًا غَيْرَ مُنْعَكِسٍ لِخُرُوجِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ بِأَنَّ هَذَا الشَّيْءَ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ بِهِ وَضْعُ الْقِيمَةِ وَالذَّهَابِ لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَدُّدٌ وَلَا يَمِينٌ (قُلْتُ) مَضَى لَنَا أَنَّ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَى مَا شَهِدَ بِهِ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ ذَلِكَ لَطْخًا وَكَذَلِكَ الْبَحْثُ فِيمَا ذَكَرَ بَعْدَهُ مِنْ الشَّاهِدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 فِي الطَّلَاقِ وَالرَّضَاعِ وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ يَمِينَ الزَّوْجِ بِلَا تَعَدُّدٍ وَلَا يَمِينُ طَالِبٍ وَكَذَلِكَ فِي الرَّضَاعِ قَالَ وَيَخْرُجُ عِنْدَنَا مَا لَا يُقْبَلُ مِنْ الشَّهَادَاتِ لِفِسْقٍ لِقَوْلِهِ إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ فَإِنَّهَا تُسَمَّى شَهَادَاتٌ شَرْعًا إذْ لَيْسَ مَعْنَى الشَّرْعِيِّ الصَّحِيحُ عَلَى الْمُخْتَارِ وَمَعَ هَذَا فَلَا يُوجِبُ سَمَاعُهَا حُكْمًا عَلَى الْحَاكِمِ قَالَ وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِغَيْرِ التَّامَّةِ (قُلْتُ) : قَوْلُهُ وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِغَيْرِ التَّامَّةِ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْهُ وَمِنْ لَفْظِهِ فَتَأَمَّلْ لَفْظَ الشَّيْخِ مَعَ هَذَا يَظْهَرُ لَك مَا ذَكَرْنَاهُ وَدَعْوَى الشَّيْخِ أَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَصِحُّ أَمَّا بِاعْتِبَارِ الْحَاكِمِ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْمَانِعِ مِنْ قَبُولِهَا فَظَاهِرٌ أَنَّهَا عِنْدَهُ لَيْسَتْ بِالْحَيْثِيَّةِ الْمَوْصُوفَةِ وَقَبْلَ اطِّلَاعِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَوْنُهَا غَيْرَ تَامَّةٍ وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِي غَيْرِ التَّامَّةِ وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ حُكْمِهَا الشَّرْعِيِّ فِي نَفْسِهِ فَأَظْهَرُ لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ حُكْمًا مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ إنَّمَا هِيَ لِلظَّاهِرِ لَا لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. (قُلْت) وَيَظْهَرُ أَنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَلَامُهُ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْحَيْثِيَّةَ اعْتِبَارُهَا مَعَ مَا ذَكَرَ مِنْ التَّعْدِيلِ يُوجِبُ إذَا قَالَ الْعِدَّةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا لَا بِالنَّظَرِ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا يُقَالُ فِي الدَّلَالَةِ كَوْنُ اللَّفْظِ بِحَيْثُ إذَا أُطْلِقَ دَلَّ وَإِنْ مَنَعَ مِنْ الدَّلَالَةِ مَانِعٌ عَارِضٌ لَا يُرَدُّ النَّقْضُ بِهِ وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا اسْتَحْضَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَذَكَرَ مَعْنَاهُ قَالَ الشَّيْخُ الْمَذْكُورُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالشَّهَادَةُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالْحُقُوقِ الَّتِي لَا يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ حُكْمًا بِمُقْتَضَاهَا فَتَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَاكِمَ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ (قُلْتُ) وَفِي هَذَا أَيْضًا نَظَرٌ لَا يَخْفَى لِأَنَّ إيجَابَ الْعَمَلِ لَا بُدَّ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى شَرْطٍ وَانْتِفَاءِ مَانِعٍ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَحْكُومَ لَهُ إذَا أَسْقَطَ طَلَبَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي مَا ذَكَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدٍ بِمَا ذَكَرْنَا وَإِلَّا فَوُرُودُ هَذِهِ الصُّورَةِ أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهَا فَتَأَمَّلْهُ قَالَ وَتَخْرُجُ الشَّهَادَةُ بِالْخَطِّ وَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الْإِيمَاءِ كَالْأَخْرَسِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِيهِ غَيْرُ هَذَا مِمَّا يَطُولُ تَتَبُّعُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَطَّ وَالْإِيمَاءَ لَا يَدْخُلَانِ فَلَوْ زَادَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ لَصَحَّ. (فَإِنْ قُلْت) الشَّيْخُ الْإِمَامُ سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوق لَمْ يَعْتَرِضْ قَوْلَهُ قَوْلٌ فِي كَوْنِهِ صَيَّرَ الْجِنْسَ لِلشِّهَادِ قَوْلًا وَلَمْ يَقُلْ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ أَقْرَبُ جِنْسًا مِنْ الْقَوْلِ كَمَا قَدَّمْنَا مَعَ أَنَّ عِيَاضًا قَالَ الشَّهَادَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْبَيَانِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يُبَيِّنُ الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ وَقِيلَ تَرْجِعُ إلَى الْعَلَمِ الْحُكْمِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ قَاطِعٌ (قُلْتُ) تَقَدَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 الْجَوَابُ عَنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي سِرِّ كَوْنِهِ عَبَّرَ بِالْقَوْلِ وَلَعَلَّ الشَّيْخَ بَعْدَهُ رَأَى ذَلِكَ وَاسْتَحْسَنَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ عَرَّفَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ التِّلْمِسَانِيُّ ابْنُ مَرْزُوقٍ الشَّهَادَةَ بِقَوْلِهِ الشَّهَادَةُ بَيَانُ مُسْتَنَدِ عِلْمٍ أَوْ غَالِبِ ظَنٍّ بِلَفْظٍ أَوْ قَائِمٍ مَقَامَهُ عَنْ ثُبُوتِ حَقٍّ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ سُقُوطِهِ أَوْ آيِلٍ إلَيْهِمَا قَالَ فَقَوْلُنَا بَيَانُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الْبَيَانَ بِالْخَبَرِ وَغَيْرِ الْخَبَرِ وَالْبَيَانَ الْفِعْلِيَّ وَالْقَوْلِيَّ وَقَوْلُنَا مُسْتَنَدِ عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ أَخْرَجَ بِهِ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَقَوْلُنَا أَوْ قَائِمٍ مَقَامَهُ أَدْخَلَ بِهِ خَطَّ الشَّاهِدِ وَشَهَادَةَ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ وَقَدْ أَطْلَقَ عَلَيْهِمَا شَهَادَةً قَالَ وَقَوْلِي عَنْ ثُبُوتِ مُتَعَلِّقِ بَيَانٍ أَخْرَجْت بِهِ الْأَخْبَارَ الْمُسْتَكْمَلَةَ بِالْأَوْصَافِ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَّا أَنَّهَا لَا تَتَضَمَّنُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَا تُسَمَّى شَهَادَةً قَالَ وَيَخْرُجُ أَيْضًا الْإِنْشَاءُ لِأَنَّ قَوْلَنَا ثُبُوتُ حَقٍّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ نِسْبَةٍ خَارِجِيَّةٍ وَالْإِنْشَاءُ لَا خَارِجَ لَهُ وَقَوْلُنَا عَلَى مُعَيَّنٍ أَخْرَجْت بِهِ بَعْضَ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثُبُوتِ حَقٍّ أَوْ بِسُقُوطِهِ وَلَيْسَتْ حِكَايَةً بِشَهَادَةٍ لِأَنَّ مَا وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ الْأَحْكَامِ يَعُمُّ الْمُكَلَّفِينَ وَلَوْ كَانَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مُعَيِّنًا لِقَوْلِهِ حُكْمِيٌّ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِيٌّ عَلَى الْجَمَاعَةِ إلَّا لِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ قَالَ وَالْآيِلُ إلَيْهِ كَتَزْكِيَةِ الشَّاهِدِ بِهِ وَسُقُوطُهُ كَالشَّهَادَةِ بِأَدَائِهِ وَالْآيِلُ إلَيْهِ كَتَجْرِيحِ الشَّهَادَةِ وَحَصَلَ مِنْ هَذَا الرَّسْمِ أَنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ خَاصٌّ فَكُلُّ شَهَادَةٍ خَبَرٌ وَلَا عَكْسَ فَأَنْتَ تَرَى مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهِيَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَيَانٌ وَالْقَوْلَ الْخَبَرُ غَيْرُ الْبَيَانِ لِأَنَّ الْبَيَانَ يَقَعُ بِالْخَبَرِ وَمَا وَقَعَ بِالشَّيْءِ غَيْرُ الشَّيْءِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخَبَرُ هُوَ الْجِنْسُ فِي حَدٍّ آخَرَ فَقَالَ عَلَى قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ يُقَالُ فِي رَسْمِهَا خَبَرٌ إلَخْ وَعِنْدِي أَنَّ الشَّيْخَ سَيِّدِي الْفَقِيهَ ابْنَ عَرَفَةَ إنَّمَا خَصَّ الْجِنْسَ بِالْقَوْلِ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِذَلِكَ إطْلَاقًا وَفَسَّرَ شَهَادَةَ الزُّورِ بِقَوْلِ الزُّورِ فَعُوِّلَ عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ فِيهَا شَرْعًا الْقَوْلُ الْخَبَرِيُّ لَا الْبَيَانُ كَمَا ذَكَرَا أَيْضًا لِيَدْخُلَ التَّحَمُّلُ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ حَدِّ الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ وَتَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ يُوجِبُ حُكْمًا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ خَاصَّةً اتَّحَدَ أَوْ تَعَدَّدَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ لَا رَبَّ غَيْرُهُ. (تَنْبِيهٌ) وَقَعَ هُنَا لِلشَّيْخِ سَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَحْثٌ مَعَ شَيْخِهِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ فِي رَدِّهِ عَلَى الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنِ الْخَبَرِ وَالشَّهَادَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ وَأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْجَزُولِيَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 وَابْنُ بَشِيرٍ وَهُمَا مُتَدَاوَلَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَالْأَشْخَاصِ وَالْإِحَاطَةُ عَلَى الْبَشَرِ مُتَعَذِّرَةٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا وَقَعَ إنَّمَا هُوَ إشَارَةٌ إلَى فَرْقٍ مِنْ غَيْرِ بَسْطٍ وَالْمَطْلُوبُ بَسْطُ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَتَدَبَّرَهُ (قُلْت) لَا يَخْفَى ضَعْفُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ يُحَصِّلُ الْفَرْقَ وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَالْإِحَاطَةُ إلَخْ فِيهِ بَحْثٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَالْمَازِرِيِّ أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِالشَّهَادَةِ مِنْ الرِّوَايَةِ مَا يَتَضَمَّنُ حُكْمَهَا فَهُمَا صِنْفَانِ مِنْ نَوْعِ الْخَبَرِ الْمُتَضَمَّنِ حُكْمًا وَمَا الْخَبَرُ الَّذِي لَا يَتَضَمَّنُ حُكْمًا فَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ لِمُطْلَقِ الْخَبَرِ فَهُوَ قَسِيمٌ لَهُمَا فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلَا يُرَدُّ النَّقْضُ بِنَحْوِ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] وَخَبَرِ ذِي السَّوِيقَتَيْنِ وَخَبَرِ الدَّجَّالِ وَإِنَّمَا يُورِدُ ذَلِكَ مَنْ تَوَهَّمَ اشْتِبَاهَ الشَّهَادَةِ بِمُطْلَقِ الْخَبَرِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ مُقَيَّدٌ وَالْمُقَيَّدُ لَا يَلْتَبِسُ بِالْمُطْلَقِ بَلْ بِمُقَيَّدٍ مِثْلِهِ هَذَا اخْتِصَارُ بَحْثِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَتَأَمَّلْهُ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْفَائِدَةِ وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ مَا لَا يَخْفَى لِأَنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَقَضَ عَلَى الرَّسْمِ لِلْخَبَرِ فِي قَوْلِهِ الْخَبَرُ الْمُتَعَلِّقُ بِكُلِّيٍّ فَلَا شَكَّ فِي النَّقْضِ بِمَا ذَكَرَهُ بِالْآيَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ عَدَمَ الِانْعِكَاسِ فَقَوْلُ الشَّيْخِ الرَّادُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ إلَخْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْعِنَايَةِ فِي الرَّسْمِ وَهَذَا مَا يَظْهَرُ فِي هَذَا الرَّسْمِ وَمَا وَجَدْته فِيهِ لِلْمَشَايِخِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَهُوَ الْهَادِي إلَيْهِ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ. [بَابٌ فِي شُرُوطِ الشَّهَادَةِ فِي الْأَدَاءِ] ِ قَالَ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فِي عُمُومِهَا وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعَدَالَةُ فَالْإِسْلَامُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ الْمُبْتَدِعِ وَالْعَقْلُ كَذَلِكَ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَرَدَّ عَلَيْهِ وَالْبُلُوغُ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْحُرِّيَّةُ وَانْظُرْ بَاقِي الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَانْظُرْ قَوْلَهُ فِي عُمُومِهَا. [بَابُ الْعَدَالَةِ] (ع د ل) : بَابُ الْعَدَالَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ أَنْ أَشَارَ إلَى كَلَامِ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْفُقَهَاءِ وَتَنْبِيهُهُمْ عَلَيْهَا قَالَ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِي الشَّهَادَةِ وَالْخَبَرِ وَلِذَا عَرَّفَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كِتَابَيْهِ الْأَوْلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 صِفَةٌ مَظِنَّةٌ لِمَنْعِ مَوْصُوفِهَا الْبِدْعَةَ وَمَا يَشِينُهُ عُرْفًا وَمَعْصِيَةً غَيْرَ قَلِيلِ الصَّغَائِرِ " قَوْلُهُ " صِفَةٌ " أَطْلَقَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْعَدَالَةِ صِفَةً وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا الْآمِدِيُّ هَيْئَةً رَاسِخَةً وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا ابْنُ الْحَاجِبِ مُحَافَظَةً وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ قَرِيبَةٌ مِنْ عِبَارَةِ الْفِهْرِيِّ فِي قَوْلِهِ مَعْنًى وَالصِّفَةُ الْمُرَادُ بِهَا غَيْرُ الصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ ثُمَّ وَصَفَهَا بِالْمَظِنَّةِ أَيْ ذَاتِ مَظِنَّةٍ أَيْ أَنَّهَا جَامِعَةٌ ضَابِطَةٌ لِمَعْنَى الْحِكْمَةِ كَمَا يُقَالُ التَّعْلِيلُ بِالْمَظِنَّةِ أَشْمَلُ مِنْ الْحِكْمَةِ وَيُقَالُ السَّفَرُ عِلَّةٌ فِي الْقَصْرِ وَهُوَ أَجْمَعُ مِنْ الْحِكْمَةِ الَّتِي هِيَ الْمَشَقَّةُ فَالصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا تَشْتَمِلُ فِي غَالِبِهَا عَلَى مَنْعِ مَوْصُوفِهَا مِنْ الْبِدْعَةِ وَالْبِدْعَةُ مَعْلُومَةٌ شَرْعًا وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُحْدَثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ كُلُّ مُحْدَثٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ لَا يُقَالُ إنَّ الْبِدْعَةَ مُقَسَّمَةٌ إلَى أَقْسَامِ الشَّرْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدٍ فِي الرَّسْمِ لِأَنَّا نَقُولُ أَشَارَ إلَى مَا فِي الْحَدِيثِ وَهِيَ الْبِدْعَةُ الَّتِي تُؤَدِّي إلَى النَّارِ. وَقَوْلُهُ " لِمَنْعِ " مُتَعَلِّقٍ بِالْمَظِنَّةِ وَالْبِدْعَةُ مَفْعُولَةٌ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الْمَنْعُ وَقَوْلُهُ " وَمَا يَشِينُهُ " الشَّيْنُ هُوَ الْعَيْبُ قَوْلُهُ " عُرْفًا " أَشَارَ بِهِ إلَى السَّلَامَةِ مِنْ تَرْكِ الْمُرُوءَةِ كَأَكْلٍ فِي السُّوقِ أَوْ مَشْيٍ بِالْحَفَا مِنْ أَهْلِ الْمُرُوءَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْمُرُوءَةُ مَجْهُولَةٌ لِسَامِعِهَا (قُلْتُ) عُرْفُهَا بَعْدُ بِقَرِيبٍ قَوْلُهُ عُرْفًا عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ وَأَخْرَجَ بِهِ مَا لَا يَشِينُهُ فِي عُرْفِهِ وَالْعُرْفُ فِي ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْبِقَاعِ وَالْأَمَاكِنِ وَالْحَالِ وَالزَّمَانِ فَإِنَّ مَنْ مَشَى مِنْ أَهْلِ الصُّوفِيَّةِ حَافِيًا لَا قَدْحَ فِيهِ وَمَنْ مَشَى مِنْ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ أَوْ غَيْرِهَا كَذَلِكَ قُدِحَ قَوْلُهُ " وَمَعْصِيَةً " الْمَعْصِيَةُ تَعُمُّ الْكَبَائِرَ وَالصَّغَائِرَ قَوْلُهُ " غَيْرَ قَلِيلِ " أَخْرَجَ بِهِ الْقَلِيلَ مِنْ الصَّغِيرَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ ضَارٍّ فِي الْعَدَالَةِ وَغَيْرَ قَلِيلٍ نُصِبَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَعْصِيَةٌ (فَإِنْ قُلْتَ) الْبِدْعَةُ تَكُونُ فِي الْعَقِيدَةِ وَفِي غَيْرِهَا وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحَرُورِيُّ وَغَيْرُهُ كَالْقَدَرِيِّ (قُلْتُ) نَعَمْ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا اقْتَصَرَ عَلَى مَنْعِ الْمَعْصِيَةِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْبِدْعَةِ وَمَا مَنَعَ الْأَعَمَّ مَعَ الْأَخَصِّ وَالْمَعْصِيَةُ أَعَمُّ مِنْ الْكُفْرِ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةً فَإِذَا قَرَّرْنَا ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ أَوْ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ وَمَوْضِعُ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِطْنَابِ وَالْحُدُودِ وَالرُّسُومِ يَجْتَنِبُ فِيهَا الْإِطْنَابَ وَالْإِكْثَارَ وَيَقْتَصِرُ فِيهَا عَلَى الِاخْتِصَارِ وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُنَا فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَطْوَلُ مِنْ هَذَا الْحَدِّ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي فِقْهَيْهِ إلَخْ. (قُلْت) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 لَمَّا كَانَتْ الْبِدْعَةُ كَثُرَ النِّزَاعُ فِيهَا وَتَعَصَّبْ أَهْلُهَا حَسُنَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ تَحْذِيرًا مِنْ مَذْهَبِهِمْ وَذَلِكَ الشَّيْخُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأَصْلِيِّ قَبِلَ كَلَامَ الْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِمْ هَيْئَةً رَاسِخَةً تُحْمَلُ عَلَى التَّقْوَى وَالْمُرُوءَةِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ حَدٌّ مُخْتَصَرٌ حَسَنٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْبِدْعِيُّ يَزْعُمُ أَنَّ التَّقْوَى مَعَهُ حَسُنَ التَّصْرِيحُ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ وَضِدِّ عَقِيدَتِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ صَحَّ لِلْآمِدِيِّ أَنْ يَقُولَ هَيْئَةً رَاسِخَةً تُحْمَلُ عَلَى التَّقْوَى فَإِنْ أَرَادَ حُصُولَ التَّقْوَى فَيَلْزَمُ أَنَّ الْعَدَالَةَ مَوْجُودَةٌ وَلَا تَقْوَى إنْ لَمْ تَكُنْ حَاصِلَةً وَإِنْ كَانَتْ فَيَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ (قُلْتُ) هَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى أَيْ دَوَامُهَا مِنْ بَابِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} [النساء: 136] (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا صَحَّحْت كَلَامَ الْآمِدِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالشَّيْخُ لَمْ يَذْكُرْ الْأَوَامِرَ وَالتَّقْوَى تَعُمُّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ (قُلْتُ) أَتَى بِمَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ مَعْصِيَةٌ وَفِعْلَ الْمَنْهِيِّ مَعْصِيَةٌ فَوَقَعَ الِاشْتِرَاكُ فِي حُصُولِ الْمَعْصِيَةِ بِفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَتَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) لِمَ لَمْ يَقُلْ صِفَةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا إلَخْ كَعَادَتِهِ. (قُلْتُ) جَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ ذِكْرَ الْمَظِنَّةِ وَإِرَادَتَهَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِيجَابِ لِمَا ذَكَرَ إيجَابًا شَرْعِيًّا لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَةِ الْعِصْمَةِ لَا مِنْ صِفَةِ الْحِفْظِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فِي تَحْقِيقِ الْحِفْظِ وَالْعِصْمَةِ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَصَغَائِرُ الْخِسَّةِ تَدْخُلُ فِيمَا يَشِينُ. هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي حَدِّهِ فَيُقَالُ الصَّغِيرَةُ قَدْ تَكُونُ خَسِيسَةً فَكَيْفَ يَصِحُّ إطْلَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْحَدِّ وَذَلِكَ يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ فَأَجَابَ بِأَنَّ قَلِيلَ الصَّغَائِرِ قَدْ يَكُونُ فِيهِ خِسَّةٌ كَتَقْبِيلِ الْمَرْأَةِ فِي سُوقٍ فَهَذَا عَظِيمٌ وَيُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ فِيمَا يَشِينُ فَإِنَّهُ مِمَّا يَشِينُ عُرْفًا قَوْلُهُ وَنَادِرُ الْكَذِبِ فِي غَيْرِ عَظِيمِ مَفْسَدَةٍ عَفْوٌ مُنْدَرِجٌ فِي قَلِيلِ الصَّغَائِرِ وَاسْتَدَلَّ بِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّ فِيهَا كَذَّابٌ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْدُ أَيْضًا ثُمَّ أَتَى بِلَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْتَرَضَهُ فِي قَوْلِهِ الْعَدَالَةُ الْمُحَافَظَةُ الدِّينِيَّةُ عَلَى اجْتِنَابِ الْكَذِبِ وَالْكَبَائِرِ وَتَوَقِّي الصَّغَائِرِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَحُسْنُ الْمُعَامَلَةِ لَيْسَ مَعَهَا بِدْعَةٌ فَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ حَدَّهُ أَخْصَرُ وَبِأَنَّ فِيهِ حَشْوًا وَهُوَ الدِّينِيَّةُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ دِينِيَّةٌ وَغَيْرُهَا كَالتَّوَقِّي مَثَلًا وَلَا تَصِحُّ الْعَدَالَةُ شَرْعًا إلَّا مَعَ الْمُحَافَظَةِ الدِّينِيَّةِ وَفِيهِ إجْمَالٌ فِي تَوَقِّي الصَّغَائِرِ لِاحْتِمَالِ جَمِيعِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا. (فَإِنْ قُلْتَ) لِمَ لَمْ يَقُلْ بِأَنَّ الْكَذِبَ فِيهِ حَشْوٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ الْكَبَائِرِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ الصَّغَائِرِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الصَّغَائِرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَيْهِ أَيْضًا (فَإِنْ قُلْتَ) ذِكْرُ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ مَا يَعْنِي بِهِ (قُلْتُ) التَّكَالِيفُ الشَّرْعِيَّةُ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ. (قُلْتُ) فِيهِ تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ الْكَبَائِرُ وَلَا يَصِحُّ جَوَابُ الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِمَا أَجَابَ بِهِ عَنْ سُؤَالِهِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّ فِيهِ بَحْثًا وَلَوْلَا الطُّولُ لَأَشَرْت إلَيْهِ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا الْمُرَادُ مِنْ حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ (قُلْتُ) فَسَّرَهَا شَارِحُهُ بِالنَّصَفَةِ مِنْ نَفْسِهِ وَلِنَفْسِهِ وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ بَحْثٍ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ نَظَرَ وَتَأَمَّلَ. ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الضَّمِيرُ مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ مَعَهَا بِدْعَةٌ رَاجِعٌ إلَى الْعَدَالَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ الْبِدْعَةِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْعَدَالَةِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَاعْتَرَضَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامَهُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَدُّ الضَّمِيرِ إلَى الْعَدَالَةِ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى الدَّوْرِ وَقَرَّرَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ فَإِنْ فَهْمَ مَعِيَّةِ الشَّيْءِ لَا تُعْلَمُ إلَّا بَعْدَ فَهْمِ مَا نُسِبَتْ إلَيْهِ لِأَنَّ مَنْ أَمَرَ عَبْدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِزَيْدٍ مَعَ عَقِيلَتِهِ لَا يُفْهَمُ إلَّا مَنْ يَفْهَمُ مُسَمَّى الْعَقِيلَةِ وَهِيَ الْمَرْأَةُ الشَّرِيفَةُ أَوْ الْمُخَدَّرَةُ يَعْنِي فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ الْحَدِّ عَلَى الْمَحْدُودِ وَالْمَحْدُودِ عَلَى الْحَدِّ وَذَلِكَ دَوْرٌ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَوْ صَحَّ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْعَدَالَةِ لَأَدَّى إلَى الدَّوْرِ وَمُحَالٌ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ بِمَا ذَكَرَ وَقَدْ قَدَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ مِرَارًا وَذَكَرَ هُنَا قَضِيَّةً بَحَثَ الشَّيْخُ الْعَالِمُ ابْنُ الْآبَارِ فَانْظُرْهُ ثُمَّ اعْتَرَضَ قَوْلَ شَيْخِهِ أَيْضًا إنَّ السَّلَامَةَ مِنْ الْبِدْعَةِ زَائِدَةٌ عَلَى الْعَدَالَةِ قَالَ الشَّيْخُ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْمَاهِيَّةِ الْمَعْرِفَةُ لَا يَصِحُّ التَّعْرِيفُ بِهِ لَهَا قَالَ وَهَذَا مَرْدُودٌ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى صِحَّةِ التَّعْرِيفِ بِالْخَاصَّةِ ثُمَّ رَدَّ رَدًّا شَافِيًا جَلِيًّا وَوَجَّهَ الضَّمِيرَ بِعَوْدِهِ عَوْدًا مَرَضِيًّا عَلَى الْمُحَافَظَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِفَهْمِهِ وَتَأَمَّلْ مَا عَقَّبَ بِهِ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا كَلَامَهُ فِي قَوْلِهِ وَلِذَا تَعَقَّبَ عَلَى الشَّيْخِ الْمُحَدِّثِ إلَخْ وَمَا بَيَانُ تِلْكَ الْعِلَّةِ الْمُنَاسِبَةِ لِمَا قَبْلَهَا وَقَدْ تَذَاكَرْنَا فِيهِ وَلَوْلَا الطُّولُ لَذَكَرْته وَكَانَ يَمُرُّ لَنَا فِي الْجَوَابِ عَلَى إيرَادِهِمْ عَلَى قَوْلِهِ تَقَاسَمَ الرُّومُ أَنَّ قَوْلَهُ لِإِنَالَةِ مَقَاسِمِهِمْ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْقَسَمِ وَجَوَابِهِ وَأَنَّ الْجَوَابَ مُقَدَّرٌ بَعْدَ الِاعْتِرَاضِ وَأَنَّ أَصْلَهُ مَا تَرْجِعُ إلَّا إلَخْ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ كُلَّهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُوَفِّقُنَا وَيُقِيلُ عَثْرَتَنَا وَيَسْتُرُ عَوْرَتَنَا وَيُحْسِنُ نِيَّتَنَا بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ. [بَابٌ فِي الْمُرُوءَةِ] (م رء) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 بَابٌ فِي الْمُرُوءَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْمُرُوءَةُ هِيَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى فِعْلِ مَا تَرْكُهُ مِنْ مُبَاحٍ يُوجِبُ الذَّمَّ عُرْفًا كَتَرْكِ الِانْتِعَالِ فِي بَلَدٍ يُسْتَقْبَحُ فِيهِ مَشْيُ مِثْلِهِ حَافِيًا وَعَلَى تَرْكِ مَا فِعْلُهُ مِنْ مُبَاحٍ يُوجِبُ ذَمَّهُ عُرْفًا كَالْأَكْلِ عِنْدَنَا فِي السُّوقِ أَوْ فِي حَانُوتِ الطَّبَّاخِ لِغَيْرِ الْغَرِيبِ وَنَقَلَ قَبْلَهُ مِنْ كَلَامِ الزَّاهِي الْمُرُوءَةُ مَا سَمَحَ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ قَالَ وَهُوَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ قَالَ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90] فَالْعَدْلُ الْحَقُّ وَالْإِحْسَانُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ قَوْلُ الشَّيْخِ " هِيَ الْمُحَافَظَةُ " (فَإِنْ قُلْتَ) صَيَّرَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْجِنْسَ لِلْمُرُوءَةِ الْمُحَافِظَةِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْعَدَالَةِ وَلَمْ يَقُلْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صِفَةٌ مَظِنَّةٌ تُحْمَلُ عَلَى فِعْلِ إلَخْ فَمَا سِرُّ ذَلِكَ وَهَلَّا قَالَ فِي الْجَمْعِ صِفَةٌ أَوْ قَالَ الْمُحَافَظَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ (قُلْتُ) لَمَّا كَانَتْ الْمُرُوءَةُ مَأْخُوذَةً فِي حَدِّ الْعَدَالَةِ لِأَنَّهَا صِفَةٌ تُحْمَلُ عَلَى تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ وَفِعْلِ الْمُرُوءَةِ كَانَتْ فِعْلًا مِنْ الْأَفْعَالِ وَهُوَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى فِعْلِ مَا يَشِينُ تَرْكُهُ فَنَاسَبَ الْإِتْيَانَ بِالْمُحَافَظَةِ فِي جِنْسِ الْمُرُوءَةِ وَبَقِيَّةُ حَدِّهِ ظَاهِرٌ فِي إخْرَاجِهِ وَإِدْخَالِهِ وَهُوَ أَجْمَعُ وَأَمْنَعُ مِنْ نَقْلِ الزَّاهِيِّ وَكَلَامُ الزَّاهِيِّ فِيهِ إشْكَالٌ فَتَأَمَّلْهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا سَمَحَ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ فَهَذَا غَايَةُ مَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَأْمُورَاتُ الْمُتَطَوَّعُ بِفِعْلِهَا أَوْ بِتَرْكِهَا ثُمَّ قَوْلُهُ وَهُوَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ إلَخْ وَقَدْ فَسَّرَ الْعَدْلَ وَالْإِحْسَانَ بِمَا فَسَّرَهُ بِهِ فَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى قِيلَ وَإِنَّمَا كَانَ تَرْكُ الْمُرُوءَةِ جُرْحَةً لِأَنَّ تَرْكَهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُحَافَظَةِ الدِّينِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مَانِعِ الشَّهَادَة] (م ن ع) : بَابُ الْمَانِعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَانِعُ مَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى إيجَابِهِ رَفَعَ مَا ثَبَتَ مُقْتَضَى ثُبُوتِهِ الْمُرَادُ هُنَا مَانِعُ الشَّهَادَةِ فِيمَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُهَا وَيَصِحُّ حَدُّهُ لِلْمَانِعِ مِنْ الْحُكْمِ مُطْلَقًا قَوْلُهُ مَا قَامَ الشَّيْءُ الَّذِي قَامَ دَلِيلٌ عَلَى إيجَابِهِ رَفَعَ الشَّيْءَ الَّذِي ثَبَتَ مُقْتَضَى ثُبُوتِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَمَا يُقَالُ الدَّيْنُ ثَبَتَ أَنَّهُ مَانِعٌ لِشَيْءٍ اقْتَضَى النِّصَابُ ثُبُوتَهُ وَهُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ وَفِي غَيْرِهَا وَذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ شَرْعِيٍّ قَادِحٍ فِي أَعْمَالِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَيَقَعُ التَّجْرِيحُ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يُعَرِّفْ الشَّيْخُ التَّجْرِيحَ وَالتَّعْدِيلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 قُلْتُ) لَعَلَّهُ حَذَفَهُ لِظُهُورِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَوْ قِيلَ فِي التَّعْدِيلِ إثْبَاتُ مَا يُوجِبُ الْعَمَلَ بِقَوْلِ الشَّاهِدِ وَالتَّجْرِيحُ إثْبَاتُ مَا يَبْطُلُ الْعَمَلُ بِشَهَادَتِهِ لَصَحَّ ذَلِكَ وَبَعْدَ أَنْ قَيَّدْت ذَلِكَ وَجَدْت مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حَدُّ التَّجْرِيحِ وَالتَّعْدِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي التَّعْدِيلِ] (ع د ل) : بَابٌ فِي التَّعْدِيلِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ نَوَازِلِ سَحْنُونَ تَعْدِيلُ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي هُوَ عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالرِّضَى جَائِزُ الشَّهَادَةِ (قُلْتُ) فَهَذَا صَحَّ التَّعْرِيفُ بِهِ لِلتَّعْدِيلِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا عَرَّفْت بِهِ قَبْلُ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْكَامِلُ قَالَ سَحْنُونٌ لَوْ قَالَ هُوَ عَدْلٌ فَقَطْ لَصَحَّ وَكَانَ تَعْدِيلًا (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْقَطْعِ (قُلْتُ) لَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَطْعُ بِذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَلَوْ قَالَ أَرَاهُ عَدْلًا صَحَّ وَلَهُمْ عِبَارَاتٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ التَّعْدِيلُ أَنْ يَقُولَ عَدْلُ رَضِيٌّ وَانْظُرْ مَا هُنَا مِنْ الْخِلَافِ مَعَ مَا يَقَعُ فِي زَمَنِنَا مِنْ التَّسَاهُلِ فِي التَّزْكِيَةِ فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. [بَابٌ فِي التَّجْرِيحِ] (ج ر ح) : بَابٌ فِي التَّجْرِيحِ الْجَارِي عَلَى مَا قَدَّمْنَا أَنْ يَكُونَ رَسْمُ التَّجْرِيحِ قَوْلَ الشَّاهِدِ هُوَ عِنْدِي لَيْسَ بِعَدْلٍ وَلَا رَضِيٍّ لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي التَّجْرِيحِ الْمُجْمَلِ اُنْظُرْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ شَهَادَةِ السَّمَاعِ] شَهَادَةٌ: بَابُ شَهَادَةِ السَّمَاعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " لَقَبٌ لِمَا يُصَرِّحُ الشَّاهِدُ فِيهِ بِاسْتِنَادِ شَهَادَتِهِ لِسَمَاعٍ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ " قَوْلُهُ " لَقَبٌ " عَبَّرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِاللَّقَبِ فِي الرَّسْمِ هُنَا أَيْضًا لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ لَمَّا كَانَتْ مُرَكَّبَةً وَلَهَا مَعْنًى إضَافِيٌّ وَمَعْنًى لَقَبِيٌّ فَأَتَى بِقَوْلِهِ لَقَبٌ فِي رَسْمِهَا إشَارَةً إلَى تَرْكِيبِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يُعَرِّفْ الْمَعْنَى الْإِضَافِيَّ لِأَنَّهُ جَارٍ عَلَى مَعْنَى لُغَوِيٍّ وَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى عُرْفِيٌّ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ شَرْعًا كَمَا فِي الْمَعْنَى اللَّقَبِيِّ مِثْلُ مَا قَدَّمْنَا فِي بُيُوعِ الْآجَالِ وَبِهَذَا يَنْفَصِلُ عَنْ السُّؤَالِ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ يَتَعَرَّضُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْحَدِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 اللَّقَبِيِّ وَالْإِضَافِيِّ وَمَوَاضِعَ يَقْتَصِرُ عَلَى اللَّقَبِيِّ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى اللَّقَبِيِّ وَأَصْلِهِ وَإِعْرَابِهِ وَكَأَنَّهُ قَالَ شَهَادَةُ السَّمَاعِ لَفْظٌ مُرَكَّبٌ مَوْضُوعٌ عَلَى مَعْنَى إلَخْ قَوْلُهُ " لِمَا يُصَرِّحُ " أَيْ قَوْلٌ يُصَرِّحُ الشَّاهِدُ فِيهِ بِاسْتِنَادِ شَهَادَتِهِ لِسَمَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ فَاللَّقَبُ صَادِقٌ عَلَى لَفْظِ الشَّاهِدِ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ وَاسْمٌ لَهُ قَوْلُهُ " مِنْ غَيْرِهِ " أَخْرَجَ بِهِ مَا صَرَّحَ فِيهِ الشَّاهِدُ بِعِلْمِهِ وَمِثَالُهُ قَوْلُ الشُّهُودِ سَمِعْنَا سَمَاعًا فَاشِيًّا مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ قَوْلُهُ " مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ " لِيَخْرُجَ النَّقْلُ عَنْ الْمُعَيَّنِ وَلِذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الْبَتِّ وَالنَّقْلِ فَعَلِمْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ الْمُطْلَقَةَ قَدْ حَدَّهَا بِقَوْلِهِ قَوْلٌ هُوَ بِحَيْثُ يُوجِبُ إلَخْ وَهِيَ تَنْقَسِمُ إلَى بَتٍّ وَنَقْلٍ وَسَمَاعٍ ثُمَّ إنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ لَهَا شُرُوطٌ وَالْحَدَّ لِلصَّحِيحِ فِيهَا وَالْفَاسِدِ أَيْ الشَّهَادَةُ الْمَعْمُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا وَلَا يَعْتَرِضُ عَلَى الشَّيْخِ بِذِكْرِ الشَّاهِدِ فِي حَدِّ شَهَادَةِ السَّمَاعِ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَّفَ رَسْمَ الشَّهَادَةِ الْمُطْلَقَةِ فَعَرَّفَ مِنْهَا الشَّاهِدَ وَذَكَرَ السَّمَاعَ فِي الرَّسْمِ فِيهِ خَلَلٌ وَلَا مُسَامَحَةَ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا عَرَّفَ الشَّهَادَةَ الْمُطْلَقَةَ فَهَلَّا عَرَّفَ كُلًّا مِنْ أَصْنَافِهَا مِنْ بَتٍّ وَنَقْلٍ وَسَمَاعٍ فَيَذْكُرُ الْجِنْسَ وَهُوَ الْقَوْلُ وَيَذْكُرُ خَاصَّةً مِنْ الْأَصْنَافِ (قُلْتُ) هَذَا الْجَارِي عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي مَوَاضِعَ وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ حَقُّهُ أَنْ يُعَرِّفَهَا وَهِيَ شَهَادَةٌ وَانْظُرْ مَا ذَكَرْنَا فِي النَّقْلِ مَعَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ تَحَمُّل الشَّهَادَة] (ح م ل) : بَابُ التَّحَمُّلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " التَّحَمُّلُ عُرْفًا عِلْمُ مَا يَشْهَدُ بِهِ بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ قَوْلُهُ " التَّحَمُّلُ " فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى الِالْتِزَامِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَ مَا عَلِمَهُ وَفِي عُرْفِ الشَّرْعِ مَعْنَاهُ عِلْمُ مَا يَشْهَدُ بِهِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا لِأَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ أَنْ يَعْلَمَ مَا يَشْهَدُ بِهِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ بَلْ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبِرِّ إنْ قَامَ الْغَيْرُ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَوْ قَالَ تَحْصِيلُ عِلْمِ مَا يَشْهَدُ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ التَّحْصِيلَ يُنَاسِبُ التَّحَمُّلَ وَالتَّعْبِيرُ بِالْعِلْمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ شَكٍّ أَوْ وَهْمٍ وَقَدْ يَكُونُ عِلْمًا قَطْعِيًّا وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ غَلَبَةُ ظَنٍّ وَقَدْ ذَكَرُوا مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ فَعَلَى هَذَا التَّعْبِيرِ هُنَا بِالْعِلْمِ الْمُرَادُ بِهِ الِاعْتِقَادُ وَقَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ بِقَرَائِنَ وَقَدْ يَحْصُلُ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَذَلِكَ (فَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 قُلْتَ) كَيْفَ يَصِحُّ مَا ذَكَرْته وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّهَادَةُ كَالشَّمْسِ وَإِلَّا فَدَعْ وَالتَّشْبِيهُ يَدُلُّ عَلَى الْقَطْعِ. (قُلْتُ) التَّشْبِيهُ يَدُلُّ عَلَى وُضُوحِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَتَمْيِيزِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَكٌّ لَا عَلَى خُصُوصِيَّةِ مَا وَقَعَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ الْعِلْمِ فِي عَيْنِ الْيَقِينِ وَلَوْ فُهِمَ عَلَى ذَلِكَ لَبَطَلَتْ شَهَادَاتُ كَثِيرَةٌ كَالشَّهَادَةِ بِالْقِيمَةِ وَالشَّهَادَةِ الْعُرْفِيَّةِ كَالْأَنْمَاطِ وَغَيْرِهَا وَالْحِيَازَاتِ وَالْمِلْكِ (فَإِنْ قِيلَ) تَفْسِيرُ التَّحَمُّلِ بِعِلْمِ مَا يَشْهَدُ بِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُ وَيَصِحُّ التَّحَمُّلُ إلَّا إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ حِينَ تَحَمَّلَ الْمُتَحَمِّلُ وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّ التَّحَمُّلَ يُتَسَامَحُ فِيهِ فَقَدْ يَشْهَدُ فِيهِ عَلَى مَنْ لَا يَعْلَمُ وَلَا يَقَعُ الْأَدَاءُ إلَّا فِيمَا يَعْلَمُ فَكَيْفَ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُنَا مَعَ هَذَا (قُلْتُ) مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُوَ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا أَجَازُوهُ تَشْدِيدًا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمْ لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي حَدِّ الْأَدَاءِ بَعْدُ فِيمَا ظَهَرَ لَنَا جَارٍ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَهُوَ يُنَافِرُ مَا هُنَا فَانْظُرْهُ بَعْدُ قَوْلُهُ " بِسَبٍّ اخْتِيَارِيٍّ " قَالَ الشَّيْخُ يُخْرِجُ عَنْهُ عِلْمَهُ دُونَ اخْتِيَارٍ كَمَنْ قَرَعَ سَمْعُهُ صَوْتَ مُطْلَقٍ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى تَحَمُّلًا وَالْعِلْمُ جِنْسٌ وَقَوْلُهُ " مَا يَشْهَدُ بِهِ " فَصْلٌ أَخْرَجَ بِهِ مَا لَا يَشْهَدُ بِهِ كَالْعِلْمِ بِأُمُورٍ لَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِشَهَادَةٍ. (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يُنَاقَشُ الرَّسْمَ الْمَذْكُورُ بِمِثْلِ قَوْلِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَمَا شَابَهَهُ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الشَّهَادَةُ الْعِلْمُ بِالتَّوْحِيدِ وَالْعِلْمُ بِالتَّوْحِيدِ سَبَبٌ اخْتِيَارِيٌّ وَشَهِدَ بِهِ فَيَصْدُقُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْعِلْمِ الرَّسْمُ الْمَذْكُورُ (قُلْتُ) لَا يَصِحُّ وُرُودُ مِثْلِ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ لِقَرِينَةٍ تُخْرِجُهُ وَهِيَ تَحَمُّلُ مَا يُؤَدِّيهِ عِنْدَ قَاضٍ مِنْ حُقُوقٍ لِلَّهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَقَوْلُهُ بِاخْتِيَارِهِ يَدْخُلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْمُخْتَفِي وَغَيْرِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَبْلَ هَذَا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَى الشَّاهِدِ فِي وَضْعِ شَهَادَتِهِ عَلَى مَنْ لَا يُعْرَفُ عِنْدَ تَحَمُّلِهِ وَأَمَّا عِنْدَ أَدَائِهِ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَّا بِمَا عَلِمَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا التَّحَمُّلُ عِلْمٌ إلَخْ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا تَحَمَّلَ بِهِ الْعِلْمُ بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. (قُلْتُ) هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَالتَّحْقِيقُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَ لَا بُدَّ أَنْ يَعْتَمِدَ فِيمَا جَرَى بِهِ الْعَمَلَ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ أَوْ الظَّنُّ الْقَوِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا هُوَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَلِذَلِكَ ذَكَرُوا أَوْجُهًا يَصِحُّ اعْتِمَادُ الشَّاهِدِ عَلَيْهَا وَأَوْجُهًا لَا يَصِحُّ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا فَإِذَا قَالَ عُرِفَ بِهِ فُلَانٌ فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 يَصِحُّ اعْتِمَادُ الشَّاهِدِ عَلَى ذَلِكَ وَالْعَمَلُ عَلَى سُقُوطِهَا وَصَارَتْ كَالنَّقْلِ وَيَصِحُّ أَنْ يَقُولَ وَمِمَّنْ عُرِفَ بِهِ فُلَانٌ وَكَذَا إذَا قَالَ وَعُرِفَ بِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُعَرَّفَ لَا يَصِحُّ وَأَمَّا إنْ قَالَ وَتَقَرَّرَ التَّعْرِيفُ بِهِ فَإِنَّهُ عَامِلٌ وَكَذَا إذَا قَالَ وَبِمَعْرِفَتِهِ بِالْمُوجِبِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَهُمْ فِي عُرْفِهِمْ وَكَذَا إذَا قَالَ الشَّاهِدُ يُعَرِّفُهُ الْمَعْرِفَةَ التَّامَّةَ وَكَذَلِكَ إذَا أَسْقَطَ التَّعْرِيفَ وَالْمَعْرِفَةَ رَأْسًا فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ وَرُبَّمَا كَانَ ذِكْرُ الْمَعْرِفَةِ هُجْنَةً وَكَذَا إذَا كَانَ مَعْرُوفَ الْعَيْنِ وَالِاسْمِ وَالشُّهْرَةِ وَقَدْ سَأَلَ الشَّيْخُ الْأَعْدَلُ الْفَقِيهُ الْقُمَامُ شَيْخَهُ الشَّيْخَ الْإِمَامَ سَيِّدِي أَبَا الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْقَابِ فِي سُؤَالٍ طَوِيلٍ وَجَاوَبَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا الْحَاصِلُ مِنْهُ وَيُحْتَاجُ إلَيْهِ هُنَا أَنَّهُ إذَا قَالَ وَبِمَعْرِفَتِهِ بِالْمُوجِبِ أَنَّ الْمُوجِبَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَأَنَّ ذَلِكَ يَقُولُهُ الشَّاهِدُ فِيمَنْ عُرِفَ عَيْنُهُ وَاسْمُهُ وَجُهِلَ نَسَبُهُ وَمَسْكَنُهُ وَوَقَعَ التَّعْرِيفُ بِهِ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ ذَلِكَ تَقْوِيَةً فَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى حُضُورِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ عَلَى عَيْنِهِ حِينَ الْحُكْمِ قَالَ الشَّيْخُ وَإِنْ عَيَّنَ الْمُعَرَّفَ فَهُوَ نَقْلُ شَهَادَةٍ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِهَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الطُّرَرِ قَالَ وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ يَقُولُ قَبُولُ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ الشَّيْخُ وَأَظُنُّ أَنِّي رَأَيْت اللَّخْمِيَّ مَثَّلَ مَا فِي الطُّرَرِ ثُمَّ أَطَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَوَابِهِ فَقِفْ عَلَيْهِ فَفِيهِ فَوَائِدُ وَالتَّحَمُّلُ الْمَذْكُورُ الْمَحْدُودُ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِخِلَافِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا قَبْلَ أَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدُ فَهُوَ فِي سَعَةٍ إنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَشْهَدُ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ أَوْجَبَ الشَّهَادَةَ عَلَى كُلِّ مَنْ دُعِيَ إلَيْهَا وَاسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يُسَمَّى شَاهِدًا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِالشَّهَادَةِ وَلْنُشِرْ هُنَا إلَى مَا تَتِمُّ الْفَائِدَةُ بِهِ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي بَحْثِهِ وَرَدِّهِ عَلَى شَيْخِهِ وَغَيْرِهِ بِاخْتِصَارٍ فَبَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ ذَكَرَ كَلَامَ شَيْخِهِ وَأَنَّ الْآيَةَ تُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْمَجَازِ لِأَنَّ حَمْلَهَا عَلَى الْأَدَاءِ حَقِيقَةٌ وَحَمْلَهَا عَلَى التَّحَمُّلِ مَجَازٌ وَأَوْرَدَ ذَلِكَ سُؤَالًا يُرَجِّحُ بِهِ قَوْلَ مَنْ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى الْأَدَاءِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْقَرَافِيُّ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ بَعْضُ الْحُذَّاقِ الْمَذْكُورِينَ وَأَنَّ الْمُشْتَقَّ إنَّمَا يُعْقَلُ فِيهِ مَا ذُكِرَ إذَا كَانَ مَحْكُومًا بِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ فَلَا وَيَكُونُ حَقِيقَةً كَقَوْلِهِ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وَهُنَا هُوَ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيمَا حَصَلَ وَفِيمَا سَيَحْصُلُ لِلشَّاهِدِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ فَالشَّاهِدُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 إلَخْ وَهْمٌ نَشَأَ عَنْ عَدَمِ تَحْقِيقِ فَهْمِ كَلَامِ مَنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِبَعْضِ الْحُذَّاقِ وَهُوَ الْقَرَافِيُّ ثُمَّ ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصَّ الْقَرَافِيُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فَهِمَ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّهُ فَهِمَ عَنْ الْقَرَافِيُّ أَنَّ الْمُشْتَقَّ إذَا كَانَ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ يَكُونُ إطْلَاقُهُ حَقِيقَةً عَلَى الذَّاتِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِدْقِ الْمُشْتَقِّ عَلَى مُسَمَّاهُ إذَا كَانَ مُتَعَلِّقًا حُصُولُ الْمَعْنَى بِالْفِعْلِ فِي الذَّاتِ الَّتِي أَطْلَقَ عَلَيْهَا فِي وَقْتِ الْحُكْمِ وَلَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ قَالَ وَهَذَا إنْ أَرَادَهُ الْقَرَافِيُّ فَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ مَعَهُ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ الْفَهْمُ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَزِمَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَالْجَلْدِ بِالزِّنَا بِمُجَرَّدِ تَهَيُّئِهِ بِالِاتِّصَافِ بِالسَّرِقَةِ وَالزِّنَى وَهَذَا بَاطِلٌ إجْمَاعًا. وَبَيَانُ الْمُلَازَمَةِ ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرَ لِأَنَّ التَّهَيُّؤَ لِلزِّنَا حَاصِلٌ قَالَ الشَّيْخُ وَقَوْلُ الْقَرَافِيُّ وَكُلُّ مَنْ تَحَدَّثَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ يَذْكُرُهَا عُمُومًا وَهُوَ بَاطِلٌ قَالَ الشَّيْخُ كُلُّ مَنْ ذَكَرَهَا فِيمَا عَلِمْت كَالْفَخْرِ وَالسِّرَاجِ وَالْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَهُ مُشَارَكَةٌ فِي الْمَنْطِقِ تَدُلُّ عَلَى الْقَطْعِ بِإِحَاطَتِهِمْ بِتَحْقِيقِ صَادِقِيَّةِ الْعِنْوَانِ عَلَى الْمَوْضُوعِ وَأَنَّ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ خِلَافًا لِلْفَارَابِيِّ فَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يُنَبِّهُوا عَلَى ذَلِكَ اتِّكَالًا مِنْهُمْ عَلَى مَا حَقَّقُوهُ فِي صَادِقِيَّةِ الْعُنْوَانِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الْأَصْلِيِّ وَقَالَ قَوْلُ الْقَرَافِيُّ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ هِيَ عِنْدِي مَجْهَلَةٌ مُضِلَّةٌ (فَإِنْ قُلْتَ) هُنَا لَمْ يَقْطَعْ عَنْهُ بِكَوْنِهَا مَجْهَلَةً لِأَنَّهُ قَالَ ظَنِّي بِهِ وَفُهِمَ عَنْهُ مَا أَصْلَحَ بِهِ قَاعِدَتَهُ (قُلْتُ) لَمَّا كَانَ فِي كَلَامِهِ إبْهَامٌ فِي مَحَلِّ الْإِفْهَامِ حَتَّى اعْتَنَى بِهِ مَنْ اعْتَنَى حَسُنَ مِنْهُ مَا ذَكَرَ فِي غَيْرِ هَذَا هَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِهِ وَمَعْنَاهُ وَكَانَ بَعْضُ أَشْيَاخِنَا يَذْكُرُ هُنَا بَحْثًا يَطُولُ جَلْبُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ بِمَنِّهِ. [بَابُ أَدَاءِ الشَّهَادَة] (أد و) : بَابُ الْأَدَاءِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الْأَدَاءُ عُرْفًا إعْلَامُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ بِشَهَادَتِهِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا شَهِدَ بِهِ " قَوْلُهُ " إعْلَامُ الشَّاهِدِ " صَيَّرَ الْجِنْسَ مَصْدَرًا لِأَنَّ الْعُرْفَ الشَّرْعِيَّ مِنْ الْأَدَاءِ هُوَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ إعْلَامٌ عَامٌّ ثُمَّ خَصَّ ذَلِكَ فِي إعْلَامِ الْحَاكِمَ بِمَا عَلِمَهُ الشَّاهِدُ وَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَالْحَاكِمُ مَفْعُولٌ وَلَمْ يَقُلْ الْقَاضِي لِأَنَّ الْحَاكِمَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَالْمَقْصِدُ مَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَدَاءِ قَوْلُهُ " بِشَهَادَتِهِ " مُتَعَلِّقٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 بِالْإِعْلَامِ وَالْبَاءُ لِلتَّعَدِّيَةِ قَوْلُهُ " بِمَا يَحْصُلُ إلَخْ " هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ تَدْبِيحٌ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ إعْرَابِهِ وَمَا تَتَعَلَّقُ الظُّرُوفُ فِي الْحَدِّ بِهِ وَبَعْدَ ذَلِكَ يَظْهَرُ الْمَعْنَى فِي قَصْدِهِ أَمَّا الْحَاكِمُ فَهُوَ مَفْعُولٌ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ وَشَهَادَتُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِعْلَامِ وَالْبَاءُ لِلتَّعَدِّيَةِ وَبِمَا يَحْصُلُ يَحْتَمِلُ تَعَلُّقَهُ بِالْإِعْلَامِ أَيْضًا فَتَكُونُ الْبَاءُ الثَّانِيَةُ سَبَبِيَّةٌ أَوْ لِلتَّعَدِّيَةِ وَيَكُونُ الظَّرْفُ بَدَلًا وَيُحْتَمَلُ تَعَلُّقُهُ بِشَهَادَتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ثُلَاثِيًّا مِنْ حَصَلَ أَوْ رُبَاعِيًّا مِنْ حَصَّلَ وَلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَالضَّمِيرُ مِنْهُ يَعُودُ عَلَى الشَّاهِدِ وَبِمَا شَهِدَ بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعِلْمِ وَمَا مَوْصُولَةٌ وَمَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى هَذَا وَتَقْدِيرُ السَّبْكِ إعْلَامُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ وَالْمُرَادُ بِالشَّاهِدِ الْمُتَحَمِّلُ لِلشَّهَادَةِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ أَيْ الَّتِي تَحَمَّلَهَا بِسَبَبِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْعِلْمِ فِي تَحَمُّلِهِ وَذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَدَاءَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَدِّي عَالِمًا بِمَا تَحَمَّلَ بِهِ وَأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي الْأَعْلَى الْبَتَّ وَالْعِلْمُ مِنْ أَمْرٍ تَحَمَّلَهُ فَالتَّحَمُّلُ أَخَفُّ مِنْ الْأَدَاءِ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ قَبْلُ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَشْهَدُ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُهُ عِنْدَ التَّحَمُّلِ وَلَا يُؤَدِّي إلَّا عَلَى مَا يَعْلَمُ هَذَا أَقْرَبُ مَا ظَهَرَ لِي فِي فَهْمِهِ وَفِيمَا رَأَيْته مِنْ النُّسَخِ فِي لَفْظِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَيُمْكِنُ فَهْمُهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا بِتَكَلُّفٍ وَفِيمَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَهُ رُبَّمَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ فِي التَّحَمُّلِ فَرَاجِعْ التَّحَمُّلَ مَعَ هَذَا وَكَذَلِكَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُ الشَّيْخِ إعْلَامُ إلَخْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الْإِعْلَامُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ وَقَدْ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي لَفْظِهِ أُؤَدِّي أَوْ أَشْهَدُ وَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْمَاضِي (قُلْت) كَلَامُ الْقَرَافِيُّ لَمْ يُسَلِّمْهُ الشَّيْخُ وَإِنَّ الْإِشَارَةَ الْمُفْهِمَةَ كَافِيَةٌ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ النَّوَادِرِ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ عَنْ أَشْهَبَ وَلِذَا أَطْلَقَ فِي حَدِّهِ بِقَوْلِهِ " إعْلَامُ " وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ اللَّفْظِيِّ وَالْفِعْلِيِّ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ إنَّمَا هُوَ لِعُرْفٍ تَقَرَّرَ لَا لِذَاتِ حَقِيقَةِ الْأَدَاءِ وَلِذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُنَا فِي النَّقْلِ بَعْدَ هَذَا لَفْظَةُ عُرْفًا فَتَأَمَّلْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) الْإِعْلَامُ فِي الْحَدِّ مَا مَعْنَاهُ (قُلْتُ) مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ بِالشَّهَادَةِ إذَا قَالَ الشَّاهِدُ هَذِهِ شَهَادَتِي وَأَشَارَ إلَيْهَا مَكْتُوبَةً فَهُوَ أَدَاءٌ وَكَذَلِكَ إذَا أَخْبَرَ بِهَا عَلَى صُورَةٍ أَيَّ صُورَةٍ كَانَتْ بِمُضَارِعٍ أَوْ مَاضٍ بِمَصْدَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلِلشَّافِعِيَّةِ تَفْصِيلٌ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِنَا اُنْظُرْ ابْنَ فَرْحُونٍ فِي كِتَابِهِ. (فَإِنْ قُلْت) قَدْ قَرَّرْت أَنَّ الْإِعْلَامَ الْمُرَادَ بِهِ الْإِخْبَارُ وَقَدْ حَقَّقَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ الْأَدَاءَ هُوَ إنْشَاءُ الْإِخْبَارِ عَنْ الْوَاقِعَةِ الْمَشْهُودِ بِهَا لَا الْإِخْبَارُ قَالَ وَلِذَا لَا تَحْتَمِلُ صِدْقًا وَلَا كَذِبًا (قُلْتُ) مَعْنَى قَوْلِنَا الْأَدَاءُ الْإِخْبَارُ إنْشَاءُ الْإِخْبَارِ لِأَنَّ مَا حَقَّقَهُ صَوَابٌ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 مِنْ رَدِّهِ عَلَى الْقَرَافِيُّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَقَعَ لِابْنِ فَرْحُونٍ لِأَنَّهُ لَمَّا نَقَلَ كَلَامَهُ فِي قَوَاعِدِهِ قَالَ وَهَذَا جَارٍ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيَّةِ وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَا يَقُولُونَ بِهِ وَذُكِرَ عَنْ شَمْسِ الدِّينِ الدِّمَشْقِيِّ الْحَنْبَلِيِّ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَفْظَةُ أَشْهَدُ بَلْ مَتَى قَالَ رَأَيْت كَذَا أَوْ سَمِعْت كَذَا صَحَّ قَالَ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ أَصْبَغَ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ وَأَنَّ الْقَاضِي إذَا قَالَ لِلشَّاهِدِ هَذِهِ شَهَادَتُك فَقَالَ الشَّاهِدُ نَعَمْ صَحَّتْ الشَّهَادَةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إنْشَاءً لِلشَّهَادَةِ ثُمَّ اسْتَطْرَدَ عَنْ الْمَذْهَبِ مَا يَرُدُّ بِهِ عَلَى الْقَرَافِيُّ وَأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ لَهُ ذَلِكَ اُنْظُرْهُ. [بَابُ النَّقْلِ] (ن ق ل) : بَابُ النَّقْلِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " النَّقْلُ عُرْفًا إخْبَارُ الشَّاهِدِ عَنْ سَمَاعِهِ شَهَادَةَ غَيْرِهِ أَوْ سَمَاعِهِ إيَّاهُ لِقَاضٍ " " النَّقْلُ " لُغَةً مَعْلُومٌ وَقَدْ قَصَرَهُ الشَّرْعُ فِي عُرْفِهِ عَلَى بَعْضِ مَدْلُولِهِ وَعُرْفًا نُصِبَ عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ كَأَحَدِ الْأَوْجُهِ فِي الدَّلِيلِ لُغَةً وَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ إخْبَارُ صَيَّرَ الْجِنْسَ لِلنَّقْلِ وَالْإِخْبَارِ وَهُوَ مَصْدَرُ أَخْبَرَ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لَهُ مَعْنًى وَقَالَ فِي الْأَدَاءِ إعْلَامٌ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ أَدْخَلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَهَادَةَ النَّقْلِ تَحْتَ جِنْسِ شَهَادَةِ السَّمَاعِ وَأَخْرَجَهَا بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّقْلَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ جِنْسُ شَهَادَةِ السَّمَاعِ وَمَقُولَتُهُمَا وَاحِدَةٌ وَمَا صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ هُنَاكَ لَقَبٌ لِمَا يُصَرِّحُ الشَّاهِدُ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِنْسَ لَهُمَا هُوَ قَوْلُهُ لَقَبٌ وَالنَّقْلُ هُوَ الْإِخْبَارُ كَمَا ذَكَرَ هُنَا وَهُوَ غَيْرُ الْجِنْسِ فَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرَ هُنَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إخْرَاجِهِ فِي الْحَدِّ السَّابِقِ لِقَوْلِهِ هُنَاكَ لَقَبٌ لِمَا يُصَرِّحُ الشَّاهِدُ إلَخْ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ غَيْرُ اللَّقَبِ وَإِنْ حَقَّقَ مَا ذَكَرَ هُنَاكَ فَيَقُولُ هُنَا لَقَبٌ لَا إخْبَارٌ إلَخْ وَحَاصِلُ السُّؤَالِ إنْ صَحَّ إدْخَالُ شَهَادَةِ النَّقْلِ فِيمَا قَبْلَهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَا يُخْرِجُهُ مِنْ شَهَادَةِ السَّمَاعِ. (قُلْتُ) الْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ نَقُولَ الَّذِي أَخْرَجَ مِنْ حَدِّ شَهَادَةِ السَّمَاعِ هُوَ شَهَادَةُ النَّقْلِ لَا النَّقْلُ فِي قَوْلِهِ فَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الْبَتِّ وَالنَّقْلُ مَخْفُوضٌ عُطِفَ عَلَى الْبَتِّ فَشَهَادَةُ النَّقْلِ غَيْرُ النَّقْلِ لِأَنَّ شَهَادَةَ النَّقْلِ لَقَبٌ وَالنَّقْلُ إعْلَامٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ قَوْلُهُ " إخْبَارُ الشَّاهِدِ " أَخْرَجَ بِهِ مَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 لَيْسَ بِشَاهِدٍ إذَا أَخْبَرَ بِسَمَاعٍ لَا عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ وَأَطْلَقَ الشَّاهِدَ عَلَى مَنْ تَحَمَّلَ السَّمَاعَ قَوْلُهُ " عَنْ سَمَاعِهِ شَهَادَةَ " مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الَّذِي سَمِعَهُ يَذْكُرُ شَهَادَةَ عِنْدَهُ وَعَنْ سَمَاعِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِخْبَارِ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الشَّاهِدِ وَشَهَادَةُ غَيْرِهِ مَفْعُولٌ لِسَمَاعِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) النَّقْلُ إنَّمَا هُوَ إخْبَارُ الشَّاهِدِ عَنْ سَمَاعِهِ الْإِشْهَادَ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِ لَا سَمَاعِهِ شَهَادَةَ غَيْرِهِ (قُلْتُ) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِسْمَاعِ وَالسَّمَاعِ وَيَدْخُلُ فِيهِ إذَا سَمِعَ شَهَادَةَ غَيْرِهِ يَشْهَدُ بِهَا غَيْرُهُ وَلَمْ يَشْهَدْ سَامِعُهَا وَاخْتُلِفَ فِي إعْمَالِهَا وَصِحَّةُ نَقْلِهَا وَشَهَرَ ابْنُ رُشْدٍ صِحَّةَ النَّقْلِ فِيهَا وَأَجْرَى ذَلِكَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ إذَا سَمِعَ رَجُلًا وَاسْتَوْعَبَ كَلَامَهُ وَتَخَفَّى وَلَعَلَّهُ مَضَى فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ قَوْلُهُ " أَوْ سَمَاعِهِ إيَّاهُ " عَطْفٌ عَلَى السَّمَاعِ وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ يَعُودُ عَلَى الشَّاهِدِ وَإِيَّاهُ عَائِدٌ عَلَى الْإِخْبَارِ وَذَكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِيُدْخِلَ نَقْلَ النَّقْلِ وَفِي نُسْخَةٍ إيَّاهَا وَعَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ ضَمِيرُ سَمَاعِهِ يَعُودُ عَلَى غَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ " شَهَادَةَ غَيْرِهِ " وَضَمِيرُ إيَّاهَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَأَدْخَلَ بِهَا أَيْضًا نَقْلَ النَّقْلِ. وَقَوْلُهُ " الشَّاهِدِ " مَعْنَاهُ مَنْ نُسِبَتْ لَهُ الشَّهَادَةُ لِيَصْدُقَ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَتَدْخُلُ فِيهِ عُمُومُ الشَّهَادَةِ لِكَيْ يَدْخُلُ نَقْلُ النِّسَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) بِأَيِّ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ لِقَاضٍ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْإِخْبَارِ (فَإِنْ قُلْتَ) فَكَيْفَ دَخَلَتْ اللَّامُ وَإِنَّمَا تَقُولُ أَخْبَرْت الْقَاضِي (قُلْتُ) اللَّامُ تَقْوِيَةٌ لِعَامِلِهَا وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا قَوْلُ الشَّيْخِ فَيَخْرُجُ إخْبَارُ غَيْرِ الْقَاضِي يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ الشَّاهِدُ عَنْ سَمَاعِ شَهَادَةِ غَيْرِهِ رَجُلًا غَيْرَ قَاضٍ فَلَيْسَ بِنَقْلٍ عُرْفِيٍّ وَتَأَمَّلْ لِأَيِّ شَيْءٍ عَبَّرَ هُنَا بِقَوْلِهِ " لِقَاضٍ " وَلَمْ يَقُلْ الْحَاكِمُ كَمَا قَدَّمَ فِي غَيْرِ هَذَا (فَإِنْ قُلْتَ) مَا فَائِدَةُ قَوْلِ الشَّيْخِ ثَانِيًا أَوْ سَمَاعِهِ إيَّاهُ وَالْأَوَّلُ يَكْفِي عَنْهُ (قُلْتُ) لَا يَكْفِي عَنْهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ سَمَاعِهِ شَهَادَةَ غَيْرِهِ أَمَّا أَنَّهُ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ قَاضٍ أَوْ سَمِعَهُ يَذْكُرُهَا لِغَيْرِهِ وَالثَّانِيَةُ أَدْخَلَ بِهَا نَقْلَ النَّقْلِ (فَإِنْ قُلْتَ) وَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لِقَاضٍ مَعْمُولًا لِسَمَاعِهِ إيَّاهُ وَاللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ. (قُلْتُ) لَا يَصِحُّ ذَلِكَ إذَا تُؤُمِّلَ ثُمَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيَدْخُلُ نَقْلُ النَّقْلِ مَعْنَاهُ إذَا نَقَلَ شَاهِدٌ شَهَادَةَ شَاهِدٍ ثُمَّ نَقَلَ ثَانٍ عَنْ النَّاقِلِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلُ مَثَلًا يَقُولُ اُنْقُلْ شَهَادَتِي عَلَى فُلَانٍ أَوْ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي وَيَقُولُ الثَّانِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ فَيَصْدُقُ فِي إخْبَارِ الثَّانِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 إخْبَارُ الشَّاهِدِ عَنْ سَمَاعِهِ إخْبَارُ الشَّاهِدِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا تَعَدَّدَ النَّقْلُ فَالْوَسَائِطُ أَطْلَقَ عَلَيْهَا نَقْلًا فِي قَوْلِهِ نَقْلُ النَّقْلِ وَلَيْسَ فِي الْوَسَائِطِ إخْبَارٌ لِقَاضٍ فَالْحَدُّ غَيْرُ صَحِيحٍ (قُلْتُ) إطْلَاقُ النَّقْلِ عَلَى الْوَسَائِطِ لُغَةً وَالْمُعْتَبَرُ شَرْعًا هُوَ الطَّرَفُ الْأَخِيرُ الَّذِي وَقَعَ لِلْقَاضِي قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَخْرُجُ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ لِغَيْرِ قَاضٍ يَعْنِي إذَا أَخْبَرَ الشَّاهِدُ الثَّانِي غَيْرَ الْقَاضِي فَلَا يُقَالُ فِيهِ نَقْلٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَعَلُّقٍ لِقَاضٍ بِالْإِخْبَارِ وَلَمَّا كَانَ نَقْلُ النَّقْلِ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ بَلْ مَأْخُوذًا مِنْ ظَوَاهِرَ اسْتَدَلَّ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ بِقِيَاسٍ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ فَقَالَ النَّقْلُ عَنْ الْأَصْلِ شَيْءٌ وَكُلُّ شَيْءٍ يَجُوزُ النَّقْلُ فِيهِ فَالنَّقْلُ يَجُوزُ النَّقْلُ فِيهِ وَهُوَ الْمُدَّعَى دُخُولُهُ فِي تَعْرِيفِهِ الصُّغْرَى ضَرُورِيَّةٌ وَالْكُبْرَى مَنْصُوصَةٌ بِنَصِّهَا. (فَإِنْ قُلْتَ) الْكُبْرَى يَقْدَحُ فِي عُمُومِهَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ فَإِنَّ فِيهَا نِزَاعًا وَقَدْ أَجَازَهَا مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمَنَعَهَا سَحْنُونٌ فَالْكُبْرَى غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَى عُمُومِهَا فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَا (قُلْتُ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا مَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِهِ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ قَالَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بِجَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ جَوَازُهَا فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ الِاسْتِدْلَال بِظَاهِرِ عُمُومِهَا عَلَى الْأَمْرَيْنِ عَلَى جَوَازِ نَقْلِ النَّقْلِ وَعَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى التَّعْدِيلِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّخْصِيصِ وَمَالِكٌ مُخَالِفٌ لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ وَرَادٌّ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى التَّعْدِيلِ فِيهَا تَفْصِيلٌ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ أَوْ قَبْلَهَا وَتَأَمَّلْ مَا فِي ذَلِكَ. [بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ] (ر ج ع) : بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ انْتِقَالُ الشَّاهِدِ بَعْدَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِ بِأَمْرٍ إلَى عَدَمِ الْجَزْمِ بِهِ دُونَ نَقِيضِهِ قَوْلُهُ " انْتِقَالُ " مَصْدَرُ انْتَقَلَ وَالِانْتِقَالُ أَصْلُهُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ الْخُرُوجُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ وَقَدْ يُطْلَقُ فِي الْمَعَانِي مِثْلُ الرُّجُوعِ عَنْ قَوْلٍ أَوْ رَأْيٍ وَمِنْهُ رُجُوعُ الشَّاهِدِ وَفِيهِ مُسَامَحَةٌ وَتَجَوُّزٌ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا قَالَ مَيْلُ الشَّاهِدِ (قُلْتُ) الِانْتِقَالُ أَصْرَحُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الرُّجُوعِ مِنْ الْمَيْلِ لِأَنَّ الْمَيْلَ يَدُلُّ عَلَى قُرْبِهِ مِنْ عَدَمِ الْجَزْمِ بِهِ وَإِنْ كَانَ أَخْصَرَ مِنْ الِانْتِقَالِ لَكِنَّهُ لَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ قَوْلُهُ " الشَّاهِدِ " أَخْرَجَ غَيْرَ الشَّاهِدِ قَوْلُهُ " بَعْدَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِ " أَخْرَجَ بِهِ انْتِقَالَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى رُجُوعًا قَالَ الشَّيْخُ وَذَلِكَ ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ وَلَفْظُهُ أَنَّهُ يُسَمَّى رُجُوعًا فَعَلَيْهِ يُحْذَفُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 بَعْدَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِ. (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا قَالَ عَلَى رَأْيٍ وَعَلَى رَأْيٍ وَهُوَ أَخْصَرُ كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ (قُلْتُ) لَمْ يَنْضَبِطْ ذَلِكَ لَهُ فِي رُسُومِهِ فِيمَا رَأَيْته قَوْلُهُ " بِأَمْرٍ " يَتَعَلَّقُ بِالشَّهَادَةِ قَوْلُهُ إلَى عَدَمِ الْجَزْمِ بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِانْتِقَالُ وَضَمِيرُ قَوْلِهِ بِهِ يَعُودُ عَلَى الْأَمْرِ أَيْ إلَى عَدَمِ الْجَزْمِ بِالْأَمْرِ وَإِذَا لَمْ يَجْزِمْ بِالْأَمْرِ دَخَلَهُ الشَّكُّ فِيهِ أَوْ الْوَهْمُ وَلِذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَدْخُلُ انْتِقَالُ الشَّاهِدِ إلَى شَكٍّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ إنَّ الشَّاكَّ حَاكِمٌ أَوْ لَيْسَ بِحَاكِمٍ يَعْنِي أَنَّ الْحَدَّ يَدْخُلُ فِيهِ الِانْتِقَالُ إلَى الشَّكِّ سَوَاءٌ قُلْنَا بِأَنَّ الشَّاكَّ لَيْسَ بِحَاكِمٍ أَوْ حَاكِمٍ وَأَشَارَ إلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الشَّاكِّ مِنْ كَلَامِ الْمَحْصُولِ وَالْقَرَافِيِّ اُنْظُرْ مُخْتَصَرَهُ الْأُصُولِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِيهِ قَوْلُهُ " دُونَ نَقِيضِهِ " الضَّمِيرُ فِي نَقِيضِهِ الْمُضَافُ إلَيْهِ يَعُودُ عَلَى الْأَمْرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ دُونَ الْجَزْمِ بِنَقِيضِهِ وَمَعْنَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الرَّسْمِ أَنَّ الرُّجُوعَ شَرْطُهُ الِانْتِقَالُ إلَى عَدَمِ الْجَزْمِ بِمَا شَهِدَ بِهِ لَا الِانْتِقَالُ إلَى الْجَزْمِ بِنَقِيضِ مَا شَهِدَ بِهِ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا بِالثَّانِي لَكَانَ التَّعْرِيفُ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ بِصُورَةِ الشَّكِّ إذَا عَرَضَ لَهُ بَعْدَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا فَائِدَةُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَأَيُّ شَيْءٍ قَصَدَ بِهَا (قُلْتُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقَّقَ أَنَّ الشَّرْطَ فِي الرُّجُوعِ إنَّمَا هُوَ مَا ذَكَرَ لَا الِانْتِقَالُ إلَى النَّقِيضِ كَمَا قَرَّرْنَا وَيَخْرُجُ بِهِ مَا ذَكَرْنَا (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا قَالَ لَا لِأَنَّهَا أَخْصَرُ مِنْ دُونَ (قُلْتُ) لَا يَصِحُّ ذَلِكَ صِنَاعَةً لِأَجْلِ حَذْفِ الْخَافِضِ لِلنَّقِيضِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَخْرَجَ بِهَذَا الْقَيْدِ انْتِقَالَ الشَّاهِدِ إلَى نَقِيضِ مَا شَهِدَ بِهِ وَجَزَمَهُ بِهِ وَهَذَا رُجُوعٌ يُوجِبُ تَجْرِيحَهُ وَرَدَّ شَهَادَتِهِ مُطْلَقًا وَقَدْ وَقَعَ فِي الْأَقْضِيَةِ إذَا اسْتَقَالَ قَبْلَ الْحُكْمِ وَادَّعَى وَهْمًا بِشُبْهَةٍ أُقِيلَ وَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ شَهَادَتَهُ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِكَذِبِهِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ فِي هَذَا وَفِي غَيْرِهِ. (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الرُّجُوعَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ فِيهَا إنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ بَلْ رُجُوعٌ مُبْطِلٌ لِلشَّهَادَةِ فَلَا يَصِحُّ إخْرَاجُهُ لِأَنَّ تَعْرِيفَهُ لِمُطْلَقِ رُجُوعٍ فَلَا يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَى مَا ذَكَرْته وَقَدْ قَسَّمُوا الرُّجُوعَ إلَى أَقْسَامٍ ثَلَاثٍ وَقَسَّمُوهُ إلَى عَمْدٍ وَغَيْرِهِ (قُلْتُ) الْوَجْهُ الْأَوَّلُ هُوَ أَظْهَرُ فِي قَصْدِهِ فِيمَا يَظْهَرُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أَدَّى الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى مَا ذَكَرَ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ أَوْ عِنْدَ نَفْسِهِ يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ ذَلِكَ رُجُوعٌ مَعَ أَنَّ مُطَرِّفًا وَابْنَ الْمَاجِشُونِ قَالَا لَا يَتَقَرَّرُ رُجُوعٌ إلَّا عِنْدَ مَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ (قُلْتُ) قَدْ قَالَ سَحْنُونٌ بِصِحَّةِ الرُّجُوعِ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ أَدَّى عِنْدَهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ زَرْبٍ وَلَنَا أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 نَخْتَارَ أَنَّ الرَّسْمَ لِمُطْلَقِ رُجُوعٍ بَعْدَ الْأَدَاءِ الْعَامِلِ مِنْهُ وَغَيْرِ الْعَامِلِ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا ثَبَتَ الرُّجُوعُ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِدَيْنٍ فَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ ضَمَانُ الشَّاهِدَيْنِ فَهَلْ ذَلِكَ مُطْلَقًا أَوْ لَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِهِ (قُلْتُ) نَقَلَ سَحْنُونٌ أَنَّ أَصْحَابَهُ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ الْغَرَامَةَ تَقَعُ مُطْلَقًا وَمِنْهُمَا مَنْ قَالَ لَا تَقَعُ الْغَرَامَةُ إلَّا إذَا قَالُوا زَوَّرْنَا وَأَمَّا إنْ قَالُوا وُهِمْنَا فَلَا، فَانْظُرْ ذَلِكَ وَأَشَارَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا إلَى فَائِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْخَطَأُ وَالْعَمْدُ سَوَاءٌ مَعْنَاهُ فِي الْعَمَلِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فِيهِ فَلَا تَقَعُ التَّسْوِيَةُ كَالرَّاعِي يَضْرِبُ الشَّاةَ ضَرْبَ مِثْلِهَا وَكَذَا يُقَالُ فِي الشَّاهِدِ إنَّهُ مَطْلُوبٌ بِالشَّهَادَةِ اُنْظُرْهُ. [بَابُ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ] : بَابُ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اشْتِمَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا يُنَافِي الْأُخْرَى التَّعَارُضُ فِي اللُّغَةِ مَعْلُومٌ وَهُوَ التَّدَافُعُ وَالتَّمَانُعُ وَالتَّنَافُرُ كُلُّ ذَلِكَ مُتَقَارِبٌ. وَالْبَيِّنَتَانِ هُمَا الشَّهَادَتَانِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ وَالْبَيِّنَةَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يُعَبِّرْ بِتَعَارُضِ الشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُنْدَرِجُ نَصًّا تَحْتَ كِتَابِ الشَّهَادَةِ (قُلْتُ) إنَّمَا عَبَّرَ الْفُقَهَاءُ بِذَلِكَ لِمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَابَّةٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَقَضَى بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ وَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ الْحَدِيثَ فَلَمَّا وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِالْبَيِّنَةِ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ فِي الْقَاعِدَةِ رَاعَى الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِمَا وَقَعَ فِيهِ التَّعَارُضُ وَلِذَا عَبَّرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَدَّمْت وَقَرَّرْت أَنَّ عَادَةَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ لَفْظًا مُضَافًا يُرَاعِي الْمَعْنَى اللَّقَبِيَّ وَالْمَعْنَى الْإِضَافِيَّ إنْ وَقَعَ اسْتِعْمَالُهُ شَرْعًا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنًى لَقَبِيٍّ عَرَّفَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَهُنَا لَمْ يُعَيِّنْ لَقَبًا وَلَا إضَافَةً (قُلْتُ) الْمَعْنَى الْإِضَافِيُّ هُنَا شَرْعًا يَتَقَرَّرُ عَلَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ فَنَاسَبَ تَفْسِيرُهُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ اشْتِمَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا يُنَافِي الْأُخْرَى وَفِيهِ بَحْثٌ قَوْلُهُ " اشْتِمَالُ كُلٍّ " مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ اجْتَمَعَ فِيهَا مَا دَلَّتْ بِهِ عَلَى مُنَافَاةِ الْأُخْرَى إمَّا صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَيْنَبَ فِي وَقْتِ كَذَا فِي سَاعَةِ كَذَا وَشَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَ فَاطِمَةَ فِي وَقْتَ كَذَا فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 فَكُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ كَذَّبَ صَاحِبَهُ فِي شَهَادَتِهِ فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُحْكَمُ بِالْأَعْدَلِ فَإِنْ تَكَافَأَتَا سَقَطَتَا وَقِيلَ يُقْضَى بِهِمَا وَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ وَجَبَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِرَجُلٍ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ هَذَا الثَّوْبَ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ وَشَهِدَتْ لِلْآخَرِ بَيِّنَةٌ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ ثَوْبَانِ آخَرَانِ غَيْرَ الثَّوْبِ الْمَذْكُورِ وَثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ أَخْذُ الثَّلَاثَةِ الْأَثْوَابِ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمِلْكِ] (م ل ك) : بَابُ الْمِلْكِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " " اسْتِحْقَاقُ التَّصَرُّفِ فِي الشَّيْءِ بِكُلِّ أَمْرٍ جَائِزٍ فِعْلًا أَوْ حُكْمًا لَا بِنِيَابَةٍ " ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَبْلَ هَذَا وَهُنَا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ يَعْسُرُ إدْرَاكُ الْمِلْكِ أَوْ يَتَعَذَّرُ فَلِذَا عَرَّفَهُ الشَّيْخُ هُنَا رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَوْلُهُ " اسْتِحْقَاقُ " الْمِلْكُ الْحَقِيقِيُّ إنَّمَا هُوَ لِمَالِكِ الْمُلُوكِ الْخَالِقِ لِلذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ فَلَا مَالِكَ حَقِيقَةً إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَمَعْنَى أَنَّ الْعَبْدَ مَالِكٌ لِلشَّيْءِ أَيْ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي الشَّيْءِ وَلَمَّا عَسِرَ مَعْنَاهُ قَالَ بَعْضُهُمْ يَتَعَذَّرُ إدْرَاكُهُ قَوْلُهُ اسْتِحْقَاقُ اسْتِفْعَالٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ طَلَبَ تَحَقُّقِ الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالْإِذْنِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ أَدَلُّ عَلَى ثُبُوتِ التَّصَرُّفِ وَلِأَنَّ الطَّلَبَ لَا يَسْتَدْعِي حُصُولَ الْمَطْلُوبِ وَالْمَقْصِدُ اللَّازِمُ الْمُسَاوِي لِلْمِلْكِ وَهُوَ الْجِنْسُ الْمُقَيَّدُ وَهُوَ عَرْضِيٌّ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ لِأَنَّ الْمِلْكَ مِنْ مَقُولَةِ الْعَرَضِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْمِلْكُ الشَّرْعِيُّ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ فَهُوَ مَعْنَى شَرْعِيٌّ وَصِفَةٌ فَهَلَّا قَالَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ كَمَا قَالَ فِي الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا اسْتِحْقَاقَ التَّصَرُّفِ أَوْ جَوَازَ التَّصَرُّفِ. (قُلْتُ) لَعَلَّهُ لَاحَظَ فِي الْمِلْكِ مَعْنَى الْإِضَافَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَلِذَا لَمْ يُصَيِّرْ ذَلِكَ مِثْلَ الطَّهَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِذَا فَسَّرَهُ بِمَا يُنَاسِبُ الْإِضَافَةَ فَاسْتِحْقَاقُ التَّصَرُّفِ كَوْنُ الشَّخْصِ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ تَصَرَّفَ فِعْلًا أَمْ لَا وَهُوَ مِنْ الِاخْتِصَاصِ قَوْلُهُ " التَّصَرُّفِ فِي الشَّيْءِ " أَخْرَجَ بِهِ اسْتِحْقَاقَ غَيْرِ التَّصَرُّفِ كَاسْتِحْقَاقِ الْعَدَالَةِ وَالْأَمَانَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقَعُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَقَدْ وُجِدَ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ عَلَى قَوْلِهِ اسْتِحْقَاقُ مَا نَذْكُرُهُ قَالَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ اسْتِحْقَاقُ التَّصَرُّفِ إنَّمَا هُوَ ثَمَرَةُ الْمِلْكِ لَا نَفْسُهُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ اسْتَحَقَّ فُلَانٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 التَّصَرُّفَ لِأَجْلِ الْمِلْكِ وَالسَّبَبُ غَيْرُ الْمُسَبَّبِ فَالْمِلْكُ غَيْرُ الِاسْتِحْقَاقِ (قُلْتُ) وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرُوهُ عَلَى مَنْ حَدَّ الدَّلَالَةَ بِالْفَهْمِ قِيلَ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّلَالَةَ غَيْرُ الْفَهْمِ لِصِحَّةِ قَوْلِنَا فَهِمْت الْمَعْنَى لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ هُنَا وَيَقُولَ إذَا قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ هُوَ الِاسْتِحْقَاقُ فَنَمْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُقَالُ عِلَّةُ اسْتِحْقَاقِ التَّصَرُّفِ هُوَ سَبَبُ الْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ مِنْ مَالِكٍ أَوْ إقْطَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ الْمَذْكُورُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ عَلَى أَصْلِهِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ وَمَا فِيهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (فَإِنْ قُلْتَ) اسْتِحْقَاقُ التَّصَرُّفِ غَيْرُ التَّصَرُّفِ فَالْمِلْكُ عِنْدَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الِاسْتِحْقَاقُ الَّذِي هُوَ كَوْنُ الشَّخْصِ لَهُ أَهْلِيَّةٌ فِي كَمَالِ التَّصَرُّفِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ إنَّ الشَّاهِدَ إذَا شَهِدَ بِالْمِلْكِ يَشْهَدُ بِطُولِ الْحِيَازَةِ وَالْحَائِزُ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْمَالِكُ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ لَهُ فَالْمِلْكُ الْمَشْهُودُ بِهِ لَيْسَ هُوَ الِاسْتِحْقَاقُ الْمَذْكُورُ وَإِنَّمَا هُوَ طُولُ الْحِيَازَةِ مَعَ التَّصَرُّفِ (قُلْتُ) هَذَا صَحِيحٌ وَلَا بُدَّ مِنْ مُسَامَحَةٍ فِي كَلَامِهِمْ وَيَتَأَوَّلُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ التَّصَرُّفِ فِي الشَّيْءِ أَخْرَجَ بِهِ اسْتِحْقَاقَ غَيْرِ التَّصَرُّفِ كَاسْتِحْقَاقِ الْعَدَالَةِ وَالْأَمَانَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقَعُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَوْلُهُ " بِكُلِّ أَمْرٍ " أَخْرَجَ بِهِ الِاسْتِحْقَاقَ بِبَعْضِ الْأُمُورِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ كَمَنْ اسْتَحَقَّ التَّصَرُّفَ فِي الْمَنَافِعِ فِي الشَّيْءِ فَلَا مِلْكَ لَهُ فِي الشَّيْءِ قَوْلُهُ " جَائِزٍ " أَخْرَجَ بِهِ التَّصَرُّفَ بِغَيْرِ الْأَمْرِ الْجَائِزِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمِلْكِ لِأَنَّ إتْلَافَ الْمَالِ وَإِضَاعَتَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِالْمِلْكِ. قَوْلُهُ بِكُلِّ أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالتَّصَرُّفِ قَوْلُهُ " فِعْلًا " حَالٌ مِنْ التَّصَرُّفِ قَوْلُهُ أَوْ حُكْمًا كَذَلِكَ وَأَدْخَلَ فِي الْأَوَّلِ الْفِعْلِيَّ وَالثَّانِي الْحُكْمِيَّ وَلِذَا قَالَ فَيَدْخُلُ مِلْكُ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ حُكْمِيٌّ لَا فِعْلِيٌّ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ حُكْمًا قَوْلُهُ " لَا بِنِيَابَةٍ " أَخْرَجَ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُقَدَّمِ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا مَعْنَى قَوْلِهِ حُكْمًا (قُلْتُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّبِيَّ لَوْ قَدَّرَ تَصَرُّفَهُ بِكُلِّ وُجُوهِ التَّصَرُّفَاتِ الْجَائِزَةِ لَمَا مَنَعَهُ مَانِعٌ كَمَنْ تَصَرَّفَ فِعْلًا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِثُبُوتِ مِلْكِ الصَّبِيِّ أَوْ السَّفِيهِ كَيْفَ يَصِحُّ وَالشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ أَنْ تَطُولَ الْحِيَازَةُ وَهُوَ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْمَالِكُ وَلَا مُنَازِعَ لَهُ قَالُوا وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْحِيَازَةُ فَلَا يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْمِلْكِ (قُلْت) يَشْهَدُونَ بِأَنَّ الدَّارَ فِي حَوْزِ السَّفِيهِ مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ مَعَ إمْكَانِ تَصَرُّفِهِ فِعْلًا وَلَا يُنَازِعُهُ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 وَحُصُولُ الْعِلْمِ بِالْمِلْكِ لِلشَّاهِدِ نَظَرِيٌّ حَسْبَمَا نَصَّ عَلَيْهِ سَحْنُونٌ يَعْنِي أَنَّهُ يَتَوَصَّلُ إلَيْهِ بِطُولِ حِيَازَةٍ مَعَ التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ أَوْ يَشْهَدُوا بِالْغَنِيمَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَلَامٌ يُنَاسِبُهُ تَأَمَّلْهُ مَعَ مَا هُنَا وَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ لَا بُدَّ أَنَّ الشَّاهِدَ يَزِيدُ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْخُرُوجَ عَلَى الْمِلْكِ وَمَا وَجَّهَ بِهِ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْعِلْمَ بِمُتَعَلِّقِ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ نَظَرِيٌّ لَا ضَرُورِيٌّ وَخَالَفَ ذَلِكَ الشَّهَادَةَ بِالْعَدَمِ وَالْعَدَالَةِ وَكَانَ يَمْضِي لَنَا فِيهِ تَأَمُّلٌ اُنْظُرْهُ وَنَقَلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا عَنْ سَحْنُونَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ سُوقٍ فَلَا يَشْهَدُ بِأَنَّهَا مِلْكٌ لَهُ وَهَذَا جَارٍ عَلَى أَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْحِيَازَةِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَلِذَا قَالُوا لَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ مِلْكٌ لَهُ وَأَقَامَ آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ سُوقِ الْمُسْلِمِينَ كَانَتْ لِذِي الْمِلْكِ وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ فِي الْأَقْضِيَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمَا أَقَامَهُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّ اشْتِرَاءً يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ. (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسَائِلِ الْإِحْيَاءِ إنَّ مَنْ مَلَكَ أَرْضًا بِخُطَّةٍ أَوْ شِرَاءٍ فَالشِّرَاءُ ظَاهِرُهُ يَقَعُ الْمِلْكُ بِهِ (قُلْت) الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّا لَا نَقُولُ بِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَدُلُّ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقًا لِأَنَّ هَذِهِ الْكُلِّيَّةَ لَا يَصِحُّ صِدْقُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ بَلْ إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْمُشْتَرَى مِنْهُ لَهُ مِلْكٌ فَإِنَّ الشِّرَاءَ يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَلِذَا قَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ اشْتَرَى مِنْ دَارِ الْحَرْبِ يُشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ وَمَنْ اشْتَرَى مِنْ سُوقٍ فَلَا يَدُلُّ عَلَى مِلْكٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَبِيعُهَا مَنْ لَا يَمْلِكُهَا وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَمَعْنَى قَوْلِهِ بِخُطَّةٍ بِإِقْطَاعٍ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ شِرَاءٍ مِنْ الْإِمَامِ فِيمَا ثَبَتَ مِلْكُهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمَذْهَبِ وَمَا أَصَّلْنَاهُ عَنْ سَحْنُونَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ الدَّعْوَى] (د ع و) : بَابُ الدَّعْوَى الْمُرَادُ بِالدَّعْوَى هِيَ الْعُرْفِيَّةُ فِي اسْتِعْمَالِ أَصْحَابِ الْأَحْكَامِ مِمَّا يَنْطِقُ بِهِ الْمُدَّعِي لِأَنَّ الدَّعْوَى قَدْ تَكُونُ غَيْرَ مُسْلِمَةٍ لَكِنَّهَا بِحَيْثُ إذَا سُلِّمَتْ أَوْجَبَتْ حَقًّا قَالَ الشَّيْخُ " الدَّعْوَى قَوْلٌ هُوَ بِحَيْثُ لَوْ سُلِّمَ أَوْجَبَ لِقَائِلِهِ حَقًّا ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 قَوْلُهُ " قَوْلٌ " أَتَى بِالْقَوْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَبَرَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْقَوْلَ هُوَ الْغَالِبُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ فِي الْأَحْكَامِ لِقَوْلِهِمْ تَقْيِيدُ مَقَالَةٍ وَقَوْلِ الْمُدَّعِي وَالْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِ فَنَاسَبَ ذَلِكَ هُنَا قَوْلُهُ " هُوَ بِحَيْثُ " الْحَيْثِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِهَا مِثْلُ مَا قَدَّمَهُ فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنَّ الْقَوْلَ مَوْصُوفٌ بِتِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ فِي حَالَةِ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَفَادَ أَنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ الدَّعْوَى مَعَ اتِّصَافِهِ بِالْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إذَا أَوْجَبَ حَقًّا لِقَائِلِهِ أَنْ لَا يُسَمَّى دَعْوَى لِأَنَّهُ إذَا أَوْجَبَ حَقًّا لِقَائِلِهِ فَقَدْ ثَبَتَتْ صِحَّتُهُ بِتَمَامِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الِاعْتِرَافِ بِهِ فَإِذَا قَالَ لِي عَلَيْك عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتٍ كَمَا يَجِبُ فَهُوَ دَعْوَى لِاتِّصَافِ الْقَوْلِ بِالْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِذَا سُلِّمَ ذَلِكَ فَلَا يُسَمَّى دَعْوَى وَيُسَمَّى حَقًّا ثَابِتًا وَهَذَا مُوَافِقٌ مَعْنًى لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَرْبَابُ الْمَعْقُولِ فِي الْخَبَرِ وَأَنَّ لَهُ حَالَاتٍ يَتَّصِفُ بِهَا فَيُقَالُ فِيهِ نَتِيجَةٌ بَعْدَ الْبُرْهَانِ عَلَيْهِ وَيُقَالُ فِيهِ دَعْوَى قَبْلَ ذَلِكَ وَتَأَمَّلْ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ الْبَحْثِ فِي رَسْمِ الدَّلَالَةِ فِي قَوْلِهِمْ هِيَ كَوْنُ اللَّفْظِ بِحَيْثُ إذَا أُطْلِقَ دَلَّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. قَوْلُهُ " لَوْ سُلِّمَ " مَعْنَاهُ لَوْ قُدِّرَ تَسْلِيمُ الْقَوْلِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالشَّرْطُ وَالْجَوَابُ صِفَةٌ لِلْقَوْلِ وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يُوجِبُ حَقًّا لِقَائِلِهِ فَلَا يُسَمَّى دَعْوَى شَرْعِيَّةً وَلَا يَلْزَمُ الْخَصْمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الدَّعْوَى الْعُرْفِيَّةَ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ إلْزَامُ الْجَوَابِ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَجِبْ حُكْمٌ عَلَيْهِ وَلِقَائِلِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْحَقِّ. وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ أَنْتَ زَانٍ وَمَا شَابَهَهُ فَإِنَّهُ لَوْ سُلِّمَ لَا يُوجِبُ لَهُ حَقًّا هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ وَيُنْظَرُ هَذَا فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ هَلْ يُسَمَّى دَعْوَى أَمْ لَا (فَإِنْ قُلْتَ) بَلْ يُوجِبُ حَقًّا لَهُ وَهُوَ إسْقَاطُ الْحَدِّ عَنْهُ (قُلْتُ) الْمُرَادُ بِالْحَقِّ مَا يَطْلُبُهُ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْحَقُّ هُنَا أَعَمُّ مِنْ الْمَالِ أَوْ غَيْرِهِ وَتَأَمَّلْ هَلْ يَرُدُّ عَلَيْهِ إذَا سَلَّمَ ذَلِكَ الْقَوْلَ غَيْرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ تَصْدُقُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ أَوْ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُنَازِعِ وَهُوَ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ لَا مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ " لِقَائِلِهِ " أَخْرَجَ بِذَلِكَ إذَا أَوْجَبَ الْقَوْلُ حَقًّا عَلَى قَائِلِهِ إذَا سَلَّمَهُ الْمَقُولُ لَهُ كَمَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ لَهُ عِنْدِي دِينَارٌ فَهَذَا قَوْلٌ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ أَوْجَبَ حَقًّا عَلَى قَائِلِهِ وَذَلِكَ مِنْ الْإِقْرَارِ فَأَخْرَجَ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الرَّسْمِ بِقَوْلِهِ لِقَائِلِهِ. (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا قَالَ رَجُلٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَهَذَا قَوْلٌ لَوْ سَلَّمَهُ السَّامِعُ مِنْ رَجُلٍ كَمَا إذَا دَخَلَ الْإِسْلَامَ بِهِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ حَقًّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 لِقَائِلِهِ وَهُوَ عِصْمَةُ دَمِهِ وَمَالِهِ فَيَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ دَعْوَى وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الدَّعْوَى الْعُرْفِيَّةِ بِوَجْهٍ (قُلْتُ) قَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ نَظِيرِ هَذَا السُّؤَالِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ مَا يَطْلُبُهُ الْمُدَّعِي مِنْ مُنَازَعَةٍ وَنَقُولُ إنَّ عِصْمَةَ دَمِهِ إنَّمَا ثَبَتَتْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا بِالتَّسْلِيمِ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّخْصِيصِ فِي الدَّعْوَى الْمَحْدُودَةِ فِي الْحَدِّ بِالسِّيَاقِ وَأَنَّ الْمُرَادَ الدَّعْوَى الَّتِي يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْجَوَابُ عَنْهَا وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَيْسَتْ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ قَسَّمُوا الدَّعْوَى إلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا لَا يَسْمَعُهُ الْحَاكِمُ وَلَا يَلْزَمُ الْمُدَّعِي بِسَبَبِهَا شَيْءٌ وَمِنْهَا مَا لَا يَسْمَعُهُ الْحَاكِمُ وَيَلْزَمُ بِهِ الْأَدَبُ وَالْأَوَّلُ إذَا كَذَّبَهُ الْعُرْفُ وَكَذَلِكَ مَا أَبْطَلَ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ كَدَعْوَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَنَّ الشُّهُودَ كَذَبُوا وَيَطْلُبُ يَمِينَهُمْ وَأَنَّ الْقَاضِي جَارَ عَلَيْهِ فَيُحَلِّفُهُ وَمَا يَلْزَمُ فِيهِ الْأَدَبُ كَالدَّعْوَى عَلَى أَهْلِ الصَّلَاحِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. [بَابُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ] (د ع و) : بَابُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " الْمُدَّعِي مَنْ عَرِيَتْ دَعْوَاهُ مِنْ مُرَجِّحٍ غَيْرِ شَهَادَةٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ اقْتَرَنَتْ دَعْوَاهُ بِهِ " قَوْلُهُ " مَنْ عَرِيَتْ دَعْوَاهُ " مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهَا مَا يَشْهَدُ لَهَا عُرْفًا وَهُوَ الْمُرَجِّحُ لَهَا كَمَا إذَا قَالَ فِي ذِمَّتِهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَهَذِهِ دَعْوَى لَا شَاهِدَ لَهَا عُرْفًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَوْلُهُ " غَيْرِ شَهَادَةٍ " صِفَةٌ لِلْمُرَجِّحِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَجِّحَ إذَا كَانَ شَهَادَةً لَا يَخْرُجُ الْمُدَّعِي عَنْ مَعْنَاهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» وَلَوْلَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَوَرَدَ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَدَمِ الْعَكْسِ قَوْلُهُ " وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَخْ " مَعْنَاهُ الَّذِي اقْتَرَنَتْ دَعْوَاهُ بِمُرَجِّحٍ غَيْرِ شَهَادَةِ هَذَا مَعْنَاهُ لِأَنَّ الضَّمِيرَ مِنْ قَوْلِهِ بِهِ يَعُودُ عَلَى الْمُرَجِّحِ الْمَذْكُورِ بِصِفَتِهِ كَمَنْ ادَّعَى رَدَّ وَدِيعَةٍ كَانَتْ بِغَيْرِ إشْهَادٍ لِأَنَّ الْعُرْفَ صَحَّحَ قَوْلَهُ فِي رَدِّهَا وَدَعْوَاهُ ذَلِكَ لَمْ يُخَالِفْ بِهِ أَصْلًا (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا قَالَ رَجُلٌ لِي فِي ذِمَّةِ فُلَانٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُدَّعٍ لِأَنَّ قَوْلُهُ قَدْ تَجَرَّدَ عَنْ الْمُرَجِّحِ لَهُ فَيَصْدُقُ رَسْمُهُ عَلَيْهِ وَأَمَّا فُلَانٌ فَإِنَّهُ إذَا أَنْكَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 هَذِهِ الدَّعْوَى كَيْفَ يَصْدُقُ الرَّسْمُ عَلَيْهِ. (قُلْتُ) قَدْ اقْتَرَنَ بِهِ مُرَجِّحٌ فَصَحَّ صِدْقُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَعَهُ ذَلِكَ وَهُوَ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ إنْ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِشَهَادَةٍ تَشْهَدُ لِلْمَطْلُوبِ كَمَا إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُدَّعَى عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنْ يُقَالَ ضَمِيرُ بِهِ يَعُودُ عَلَى الْمُرَجِّحِ لَا بِصِفَتِهِ فَحِينَئِذٍ تَدْخُلُ هَذِهِ الصُّورَةُ وَمَسَائِلُ الدَّعْوَى وَالْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَيْهَا يَنْبَنِي حُكْمُ الْقَضَاءِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ ثُمَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ مَنْ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَنْ مُصَدِّقٍ يَبْطُلُ عَكْسُهُ بِالْمُدَّعِي وَمَعَهُ بَيِّنَةٌ قَالَ وَنَحْوُهُ لِابْنِ شَاسٍ (فَإِنْ قُلْتَ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الشَّهَادَةَ إذَا ثَبَتَتْ لَا يُقَالُ فِي الْقَائِمِ بِهَا مُدَّعٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَجَرَّدْ قَوْلُهُ عَنْ مُصَدِّقٍ وَمَا أَشَرْتُمْ إلَيْهِ مِنْ الْحَدِيثِ لَا يُرَدُّ كَمَا قُلْنَاهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَمَّاهُ مُدَّعٍ قَبْلَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ إلَّا لَوْ سَمَّاهُ مُدَّعِيًا مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ سَلَّمْنَا ذَلِكَ وَلَنَا أَنْ نَقُولَ تَسْمِيَتُهُ مُدَّعِيًا بَعْدَ الْقِيَامِ بِهَا مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ (قُلْتُ) هَذَا مِمَّا يُمْكِنُ الْبَحْثُ بِهِ وَيَنْفَصِلُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِهِ عَنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ الْمُدَّعِي مَنْ قَالَ قَدْ كَانَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ وَمَنْ عَرَّفَهُمَا لَمْ يَلْتَبِسْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَيْسَ قَوْلُهُ هَذَا عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا تَجَرَّدَتْ دَعْوَى الْمُدَّعِي فِي قَوْلِهِ قَدْ كَانَ مِنْ سَبَبٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ يَدُلُّ عَلَى تَصْدِيقِ دَعْوَاهُ أَقْوَى مِنْ سَبَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَائِلِ لَمْ يَكُنْ بُدِّي عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ كَمَنْ حَازَ شَيْئًا عَلَى غَيْرِهِ مُدَّةَ الْحِيَازَةِ فِي وَجْهٍ يَدَّعِي الشِّرَاءَ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ يَقُولُ قَدْ كَانَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ الْقَرَافِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّعِي مَنْ كَانَ قَوْلُهُ عَلَى خِلَافِ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ عَلَى وَفْقِ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ فَهَلْ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَوْ إلَى كَلَامِ الشَّيْخِ فِي رَسْمِهِ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى كَلَامِ الشَّيْخِ وَرَسْمُهُ أَخْصَرُ مِنْهُ وَأَمْنَعُ لِزِيَادَةِ قَوْلِهِ غَيْرِ شَهَادَةٍ وَلَوْ قَالَ لَا بِشَهَادَةٍ لَكَانَ أَخْصَرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ وَهُوَ أَعْلَمُ. [بَابُ النُّكُولِ] (ن ك ل) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 بَابُ النُّكُولِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - امْتِنَاعُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ أَوْ لَهُ يَمِينٌ مِنْهَا قَوْلُهُ " امْتِنَاعُ إلَخْ " أَدْخَلَ نُكُولَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ امْتِنَاعُ قَالُوا يَتَقَرَّرُ بِالتَّصْرِيحِ مِثْلُ قَوْلِهِ لَا أَحْلِفُ أَوْ يَتَمَادَى عَلَى عَدَمِ الْيَمِينِ وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهَا يَعُودُ عَلَى الْيَمِينِ وَالْجِنْسُ مُنَاسِبٌ لِلنُّكُولِ لِأَنَّ النُّكُولَ مَصْدَرٌ وَيَدْخُلُ نُكُولُ أَحَدِهِمَا وَنُكُولُهُمَا (فَإِنْ قُلْتَ) النُّكُولُ هَلْ هُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْحَلِفِ مُطْلَقًا أَوْ إذَا وَقَعَ امْتِنَاعٌ فَهُوَ نُكُولٌ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ إذَا تَمَّ نُكُولُهُ ثُمَّ أَرَادَ الْحَلِفَ هَلْ يُمْكِنُ (قُلْتُ) ظَاهِرُ حَدِّهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَكَذَلِكَ النَّقْلُ عَنْ مَالِكٍ وَوَقَعَ لِابْنِ نَافِعٍ مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ رُجُوعِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْخُلْطَةِ] (خ ل ط) : بَابُ الْخُلْطَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " الْخُلْطَةُ حَالَةٌ تُرْفَعُ بَعْدَ تَوَجُّهِ الدَّعْوَى عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ " قَوْلُ الشَّيْخِ " حَالَةٌ إلَخْ " (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا قَالَ صِفَةٌ تُوجِبُ تَوَجُّهَ دَعْوَى الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْخُلْطَةَ إذَا رُفِعَتْ بَعْدَ تَوَجُّهِ الدَّعْوَى فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَرُبَتْ تَوَجُّهَ الدَّعْوَى فِي حَقِّ الْمُدَّعِي فَلِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَهُوَ أَخْصَرُ (قُلْتُ) حَاصِلُ هَذَا السُّؤَالِ أَنَّهُ تَضَمَّنَ سُؤَالَيْنِ لِأَيِّ شَيْءٍ عَبَّرَ بِالْحَالَةِ فِي الْجِنْسِ وَلَمْ يَقُلْ صِفَةٌ كَعَادَتِهِ فَيَقُولُ صِفَةٌ تُوجِبُ رَفْعَ إلَخْ وَلِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ تُوجِبُ تَوَجُّهَ الدَّعْوَى عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَاهُ وَقَرَّرْنَاهُ وَلَعَلَّ الْجَوَابَ عَنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَمَّا رَأَى كَلَامَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِنَقْلِ الْمَازِرِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْخُلْطَةُ أَنْ يُبَايِعَ إنْسَانٌ إنْسَانًا بِالدَّيْنِ مَرَّةً أَوْ بِالنَّقْدِ مِرَارًا وَنَقَلَ عَنْ الْبَغْدَادِيِّينَ إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ كَوْنُ الدَّعْوَى تُشْبِهُ وَنَقَلَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ بَعْضِهِمْ هِيَ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى تُشْبِهُ أَنْ يَدَّعِيَ بِهَا عَلَى مِثْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يُشْبِهَ أَنْ يُعَامِلَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مِثْلِ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ قَالَ وَهَذَانِ الْحَدَّانِ مُتَقَارِبَانِ أَحَدُهُمَا رَاعَى الشَّبَهَ فِي جِنْسِ الْمُدَّعَى فِيهِ وَالْآخَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 رَاعَاهُ فِي جِنْسِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعَى فِيهِ وَالتَّحْقِيقُ اعْتِبَارُ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ فِي النَّوَازِلِ فَلَمَّا رَأَى الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الِاضْطِرَابَ رَأَى أَنَّ ضَبْطَ ذَلِكَ بِحَالِ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مِنْ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى رَفْعٍ بَعْدَ تَوَجُّهِ الدَّعْوَى عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ ثَبَتَ مِنْ حَالِ الْمُدَّعِي وَحَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُعَامِلْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِوَجْهٍ فَتِلْكَ الْحَالَةُ تَرْفَعُ تَوَجُّهَ دَعْوَى الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ لَازِمُ الدَّعْوَى وَإِذَا سَلَّمْنَا ذَلِكَ عَلِمْنَا سِرَّ كَوْنِهِ قَالَ تَرْفَعُ وَلَمْ يَقُلْ تُوجِبُ وَعَلِمْنَا سِرَّ كَوْنِهِ لَمْ يَقُلْ صِفَةٌ لِأَنَّ هَذِهِ أَحْوَالٌ إنَّمَا هِيَ قَرَائِنُ عَادِيَةٌ لَا صِفَاتٌ وَذَكَرَ الشَّيْخُ رَسْمَهَا وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ عَدَمَ اعْتِبَارِهَا قَالَ وَعَمِلَ قُضَاتُنَا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَرْحَمُهُ بِمَنِّهِ. [بَابُ الْعَمْدِ فِي الْقَتْلِ] (ع م د) : بَابُ الْعَمْدِ فِي الْقَتْلِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقَتْلُ الْعَمْدُ مَا قُصِدَ بِهِ إتْلَافُ النَّفْسِ بِآلَةٍ تَقْتُلُ غَالِبًا وَلَوْ بِمُثْقَلٍ أَوْ بِإِصَابَةِ الْمَقْتَلِ كَعَصْرِ الْأُنْثَيَيْنِ وَشِدَّةِ الضَّغْطِ وَالْخَنْقِ زَادَ ابْنُ الْقَصَّارِ أَوْ يُطْبِقُ عَلَيْهِ بَيْتًا وَيَمْنَعُهُ الْغِذَاءَ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا قَوْلُهُ " بِإِصَابَةِ الْمَقْتَلِ " بِسُكُونِ الْقَافِ كَذَا فِي مُبَيَّضَتِهِ قَوْلُهُ " مَا قُصِدَ بِهِ إتْلَافُ النَّفْسِ " أَخْرَجَ بِهِ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْإِتْلَافُ فِي النَّفْسِ بِآلَةٍ لَا تَقْتُلُ غَالِبًا وَظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ قَصْدِ الْقَتْلِ فِي الْعَمْدِ وَفَسَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْعَمْدَ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنْ يَقْصِدَ الضَّارِبُ بِمَا يَقْتُلُ مِثْلَهُ قَالَ وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِقَصْدِ الْقَتْلِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْكَلَامَ عَنْ التَّلْقِينِ وَذَكَرَ قَبْلَهُ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ وَأَنَّهُ الْعَمْدُ إلَى الضَّرْبِ وَهُنَا ذَكَرَ عَنْ التَّلْقِينِ مَا يُخَالِفُهُ وَلَمْ يَقُلْ طَرِيقَتَيْنِ فِي تَعْرِيفِ الْعَمْدِ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَأَى الْكَلَامَ قَابِلًا لِلْجَمِيعِ وَلِذَا قَالَ شَيْخُنَا مَا رَأَيْته وَهُوَ بَعِيدٌ قَوْلُهُ " وَلَوْ بِمُثْقَلٍ " تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمُحَدِّدَ وَالْمُثْقِلَ شَيْئَانِ وَبَاقِيهِ ظَاهِرٌ وَيَعْنِي بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ تَعَمَّدَ ضَرْبَ رَجُلٍ بِلَطْمَةٍ أَوْ بُنْدُقَةٍ إنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْقَوَدَ إذَا وَقَعَ مِنْهُ مَوْتٌ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَهَلْ قَوْلُهَا مُخَالِفٌ لِهَذَا أَمْ لَا (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ التَّلْقِينِ وَالشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَكَرَ نَصَّهَا بَعْدَهُ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى الْمُخَالَفَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الضَّرْبَةُ بِلَطْمَةٍ قَوِيَّةٍ فِي مَكَان يَقْتُلُ غَالِبًا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمَضْرُوبُ ضَعِيفًا وَالضَّارِبُ قَوِيًّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 وَيَقَعُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَذَكَرَ بَعْدُ فِي سَبَبِ الْقَتْلِ أَنَّ مَنْ طَرَحَ حَيَّةً تَعَرَّفَ أَنَّهَا قَاتِلَةٌ أَنَّ الطَّارِحَ يُقْتَلُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَمْ أُرِدْ قَتْلَهُ قَالَ الشَّيْخُ (قُلْتُ) مُقْتَضَى قَوْلِهَا إنْ تَعَمَّدَهُ بِضَرْبِ لَطْمَةٍ مِمَّا يُقْتَلُ بِهِ عَدِمَ شَرْطَ مَعْرِفَةِ أَنَّهَا قَاتِلَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ فَتَأَمَّلْ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي الْقَتْلِ] (ق ت ل) : بَابٌ فِي الْقَتْلِ الْقَتْلُ زُهُوقُ نَفْسِهِ بِفِعْلِهِ نَاجِزًا أَوْ عَقِبَ غَمْرَتِهِ الْقَتْلُ الْمَحْدُودُ هُوَ الَّذِي يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِشَرْطِ مَا ذَكَرَ قَوْلُهُ " زُهُوقُ نَفْسِهِ " الضَّمِيرُ عَائِدٌ لِلْمَقْتُولِ (فَإِنْ قُلْت) النَّفْسُ بِسُكُونِ الْفَاءِ مَعْلُومٌ وَالنَّفَسُ بِفَتْحِهَا كَذَلِكَ فَهَلْ الْمُرَادُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي (قُلْتُ) الْأَوَّلُ وَهُوَ خُرُوجُ رُوحِ الْمَقْتُولِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِزُهُوقِهَا لَكِنَّ خُرُوجَهَا عَلَى قِسْمَيْنِ إمَّا لِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْ آدَمِيٍّ وَإِمَّا بِفِعْلٍ مِنْ قَاتِلٍ وَهُوَ الْقَتْلُ وَلِذَا قَالَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِزُهُوقِهَا وَقَوْلُهُ نَاجِزًا أَشَارَ إلَى حَالَتَيْ خُرُوجِ رُوحِهِ وَكُلٌّ فِيهِمَا الْقِصَاصُ وَقَوْلُهُ أَوْ عَقِبَ غَمْرَتِهِ أَيْ زُهُوقِ نَفْسِهِ عَقِبَ غَمْرَتِهِ بِسَبَبِ الْفِعْلِ فَهَذَا هُوَ الْمُوجِبُ لِلْقَوَدِ بِشُرُوطِهِ وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ قَبْلُ وَلَوْ قَالَ إزْهَاقُ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَنْسَبَ فِي الْمَقُولَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابٌ فِيمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ مِنْ الْقَاتِلِ] ِ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَحْضُ عَمْدِ قَتْلٍ لِلْمُسْلِمِ الْمُكَافِئِ أَوْ الرَّاجِحِ عَلَيْهِ عُدْوَانًا إنْ كَانَ الْقَاتِلُ بَالِغًا عَاقِلًا قَوْلُهُ " مَحْضُ عَمْدِ " يَعْنِي مَا تَمَحَّضَ لِلْعَمْدِ وَتَعَيَّنَ لَهُ أَخْرَجَ الْخَطَأَ وَالْأَدَبَ فِيمَنْ يَجُوزُ لَهُ الْأَدَبُ وَكَذَلِكَ الْمُتَصَارِعَانِ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ كَذَا وَقَعَ فِيهَا عَلَى أَنَّ اللَّعِبَ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ فِيهِ الْخَطَأُ وَقِيلَ فِيهِ الْقَوَدُ وَقِيلَ شِبْهُ الْعَمْدِ وَأَمَّا مَنْ طَرَحَ رَجُلًا فِي نَهْرٍ وَهُوَ لَا يُحْسِنُ الْعَوْمَ فَفِيهَا فِيهِ الْقَوَدُ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَانْظُرْ هَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَعْلَمَ الطَّارِحُ أَنَّ الْمَطْرُوحَ لَا يُحْسِنُ الْعَوْمَ أَمْ لَا اُنْظُرْهُ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ عُدْوَانًا الْقَتْلَ الْجَائِزَ كَالْقِصَاصِ قَوْلُهُ " إذَا كَانَ الْقَاتِلُ بَالِغًا " أَخْرَجَ الصَّبِيَّ وَ " عَاقِلًا " أَخْرَجَ الْمَجْنُونَ وَمَنْ شَابَهَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ الْعَاقِلِ سَكْرَانًا مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 خَمْرٍ مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يُقْتَلُ إذَا قَتَلَ فِي حَالِ سُكْرِهِ (قُلْتُ) ظَاهِرُهُ كَمَا ذَكَرَ السَّائِلُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلُهُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ أَخْرَجَ بِهِ إذَا قَتَلَ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى قَاتِلِهِ وَالْقَاتِلُ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا أَوْ حُرًّا أَوْ عَبْدًا قَوْلُهُ الْمُكَافِئِ يَعْنِي الْمُوَافِقَ فِي الْمَنْزِلَةِ كَمَا إذَا قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ جَرَحَهُ وَالرَّاجِحُ كَمَا إذَا قَتَلَ عَبْدٌ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرٌ مُسْلِمًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْقَوَدِ] ِ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ التَّسَبُّبُ بِفِعْلِ مَا قَصَدَ بِهِ قَتْلَ مُعَيَّنٍ مَاتَ عَنْهُ قَوْلُهُ بِفِعْلِ فَيَدْخُلُ فِيهِ أَيَّ فِعْلٍ كَانَ إمَّا بِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ بِتَقْدِيمِ طَعَامٍ مَسْمُومٍ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِيهَا وَالسُّمُّ الْمَذْكُورُ سَوَاءٌ أَطْعَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ دَسَّ فِي طَعَامٍ وَمَا وَقَعَ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إكْمَالِهِ فِي حَدِيثِ الْيَهُودِيَّةِ خِلَافُ نَصِّهَا لِأَنَّهُ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ السُّمَّ إذَا كَانَ فِي طَعَامٍ لَا يَقْتُلُ بِهِ مَنْ فَعَلَهُ وَقَدْ رَأَيْت بِخَطِّ الشَّيْخِ الْفَقِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ظَهْرِ مُدَوَّنَتِهِ الرَّدَّ عَلَيْهِ بِنَصِّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَذَلِكَ مَنْ مَنَعَ فَضْلَ مَائِهِ مُسَافِرًا عَالِمًا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ مَنْعُهُ وَأَنَّهُ يَمُوتُ إنْ لَمْ يَسْقِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَوَقَعَ فِيهَا مَا يَشْهَدُ لَهُ وَخَرَجَتْ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ اُنْظُرْهَا (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أَمْسَكَ رَجُلٌ رَجُلًا لِمَنْ أَرَادَ قَتْلَهُ قَالَ فِي الْمُوَطَّإِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ قَتْلَهُ قُتِلَا مَعًا هَلْ يَدْخُلُ هَذَا فِي التَّسَبُّبِ (قُلْتُ) نَعَمْ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ ظُلْمًا وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاعْتِرَاضَ الشَّيْخِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالُوا هُنَا إذَا اجْتَمَعَ الْمُتَسَبِّبُونَ وَالْمُبَاشِرُونَ قُتِلُوا مَعًا وَأَصْلُهَا مَسْأَلَةُ الْمُوَطَّإِ الْمَذْكُورَةُ وَقَالُوا بَعْدُ الْمُبَاشِرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ فِيمَنْ حَفَرَ بِئْرًا لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَدَفَعَهُ آخَرُ وَانْظُرْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الشَّهَادَةِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ وَانْظُرْ بَيِّنَةَ الزُّورِ وَمَا قِيلَ فِيهَا فِي الرُّجُوعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَتَأَمَّلْ مَا قَيَّدَ بِهِ الشَّيْخُ ذَلِكَ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ بَلْ إنْ حَصَلَ التَّمَالِي مِنْ مُتَسَبِّبٍ وَمُبَاشِرٍ قُتِلَ الْجَمِيعُ بِخِلَافِ إذَا لَمْ يَقَعْ التَّمَالِي فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ الْمُبَاشِرُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا وَاجَرَّ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ الْمُبَاشِرُ لِلْقَتْلِ فَالْقَوَدُ عَلَيْهِ وَالْأَدَبُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ فِيهِ السَّبَبُ الْأَوَّلُ لِلْقَوَدِ (قُلْتُ) لَا نُسَلِّمُ صَادِقِيَّتَهُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 [بَابٌ فِي التَّسَبُّبِ الْمُوجِبِ لِلدِّيَةِ فِي الْمَالِ] يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ التَّسَبُّبُ بِعَمَلٍ قُصِدَ بِهِ قَتْلُ غَيْرِ مُعَيَّنٍ إنْ قُتِلَ بِهِ الْمَقْصُودُ. [بَابٌ فِي التَّسَبُّبِ الْمُوجِبِ لِلدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ] يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ فِعْلٌ قُصِدَ بِهِ قَتْلُ غَيْرِ مُعَيَّنٍ قَتَلَ بِهِ غَيْرَهُ وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنْ قُصِدَ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ كَحَفْرِ بِئْرٍ لِسَارِقٍ فَإِنْ مَاتَ بِهِ الْمَقْصُودُ وَهُوَ السَّارِقُ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ غَيْرُ السَّارِقِ كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَتَأَمَّلْ الْمُدَوَّنَةَ وَكَلَامَ أَبِي إبْرَاهِيمَ عَلَيْهَا كَيْفَ يَدُلُّ عَلَى هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُوجِبِ لِحُكْمِ الْخَطَإِ] ِ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ فِعْلٌ قُصِدَ بِهِ حِفْظُ الْمَالِ بِمَحَلٍّ مَحْجُورٍ عَنْهُ هَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْخَطَإِ فَيُفْصَلُ فِيهِ فَمَا بَلَغَ مِنْهُ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِلَّا فَفِي مَالِ الْجَانِي وَلَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ هَذِهِ الْأَسْبَابَ ذَكَرَ مَسَائِلَ فِقْهِيَّةً فِيهَا حُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَذَكَرَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ مَسْأَلَةَ وَضْعِ السَّيْفِ بِالطَّرِيقِ لِقَتْلِ رَجُلٍ وَمَاتَ قَالَ يُقْتَلُ بِهِ قَالَ وَإِنْ عَطِبَ بِهِ غَيْرُهُ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ وَانْظُرْ حَفْرَ الْبِئْرِ وَكَذَلِكَ رَشُّ الْفِنَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُفَرَّعَةِ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ وَتَطْبِيقُ ذَلِكَ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ ذِكْرِ تَسَبُّبِهِ وَفِيهِ مَا يُتَأَمَّلُ. [بَابُ الْخَطَأِ فِي الدِّمَاءِ] ِ تَكَلَّمَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى قَتْلِ الْعَمْدِ وَعَلَى فِعْلِ الْعَمْدِ وَسَبَبِ الْعَمْدِ هُنَا قَالَ وَالْخَطَأُ سَيَأْتِي فِي دِيَاتِهَا وَهُوَ هَذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ مَا مُسَبَّبُهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِفَاعِلِهِ ظُلْمًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ ذَلِكَ لَهُ حُكْمٌ يَخُصُّهُ فَيَنْبَغِي تَعْرِيفُهُ فَذَكَرَ مَا رَأَيْت قَوْلُهُ " مَا مُسَبَّبُهُ " أَيْ الْفِعْلِ الَّذِي مُسَبَّبُهُ وَهُوَ الْقَتْلُ أَوْ الْجَرْحُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِفَاعِلِهِ مِثَالُهُ إذَا رَمَى طَائِرًا بِسَهْمٍ فَأَصَابَ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَوْ جَرَحَهُ فَقَتْلُ الرَّجُلِ قَتْلُ خَطَإٍ لِأَنَّ الْمُسَبَّبَ وَهُوَ الْقَتْلُ غَيْرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 مَقْصُودٍ لِفَاعِلِ سَبَبِهِ بَلْ قَصْدُهُ لِطَائِرٍ فَأَصَابَ قَتْلَ رَجُلٍ وَغَيْرُ مَقْصُودٍ خَبَرٌ عَنْ مُسَبَّبِهِ وَمَا نَكِرَةٌ مَوْصُولَةٌ قَوْلُهُ " ظُلْمًا " حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي الْمَقْصُودِ أَوْ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ أَوْ تَمْيِيزٌ مِنْ نِسْبَةِ الْمَقْصُودِ إلَى ضَمِيرِهِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُسَبَّبَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِلْفَاعِلِ فِي حَالَةِ كَوْنِ الْمُسَبَّبِ ظُلْمًا قَالَ الشَّيْخُ فَيَخْرُجُ شِبْهُ الْعَمْدِ يَعْنِي كَقَذْفِ الْأَبِ وَلَوْ بِحَدِيدَةٍ فَمَاتَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ شِبْهُ الْعَمْدِ لَا دِيَةُ الْخَطَأِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَقْصُودٌ ظُلْمًا بِالْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الْأَبَ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَ وَلَدِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ رَمْيُهُ بِشَيْءٍ فِيهِ مَظِنَّةَ قَتْلِهِ فَلَوْ لَمْ يَزِدْ قَوْلُهُ ظُلْمًا لَكَانَ حَدُّهُ غَيْرَ مُطَّرِدٍ. (فَإِنْ قُلْتَ) هَذَا الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ بِقَوْلِهِ ظُلْمًا خَرَجَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ شِبْهِ الْعَمْدِ وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْخَطَإِ فَيُقَالُ عَلَيْهِ إنْ صَحَّ ذَلِكَ يَكُونُ ظُلْمًا حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ إلَى الْفَاعِلِ فَإِنْ خَرَجَ مَا ذَكَرَ فِيهِ يَخْرُجُ عَنْهُ مَا ذَكَرَ بَعْدُ أَنَّهُ خَطَأٌ إذَا قَصَدَ عَيْنَ إنْسَانٍ ظُلْمًا فَمَاتَ إنْسَانٌ مِنْ ضَرْبِهِ وَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهُ فِي الْخَطَأِ بِغَيْرِ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ الصُّوَرِ فَتَأَمَّلْهُ وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَقْصُودٌ غَيْرُهُ ظُلْمًا بِالْإِطْلَاقِ وَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِ الْإِطْلَاقِ فِي كَلَامِهِ أَيْضًا وَبَعْدَ أَنْ شَرَحْت هَذَا الرَّسْمَ الْمَذْكُورَ كَمَا رَأَيْته مِنْ نُسْخَةٍ مِنْ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ بِخَطٍّ نُقِلَ لِي عَنْ مُبَيَّضَتِهِ مَا حَصَلَ لِي الْعِلْمُ بِأَنَّ الرَّسْمَ الْمَذْكُورَ فِيهَا غَيْرُ هَذَا وَنَصُّهُ مَا مُسَبَّبُهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِفَاعِلِهِ بِاعْتِبَارِ صِنْفِهِ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ فَيَخْرُجُ قَتْلُ حُرٍّ مُحْتَرَمٍ إلَخْ وَلَمْ يَذْكُرْ شِبْهَ الْعَمْدِ كَمَا ذَكَرَ فِي غَيْرِهَا فَلْنُشِرْ لِمَا فِيهِ بَعْدُ ثُمَّ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَتْلُ حُرٍّ مُحْتَرَمٍ كَذَبَ قَصْدُهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ فُلَانَ بْنِ فُلَانٍ. وَقِيلَ حُرٌّ مُسْلِمٌ بِفِعْلٍ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ حُرٌّ غَيْرُهُ عُدْوَانًا لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَلِذَا اقْتَصُّوا مِمَّنْ قَتَلَ خَارِجَةَ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا لِإِثْبَاتِ قَوْلِهِ أَرَدْت عَمْرًا أَوْ أَرَادَ اللَّهُ خَارِجَةَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُحَقِّقُ بِهِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ شَخْصًا ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فَإِذَا بِهِ غَيْرُهُ فَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَمْدِ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ حَدِّ الْخَطَأِ وَكَذَلِكَ إذَا قُتِلَ حُرٌّ مُحَرَّمَ الدَّمِ بِفِعْلٍ قَصَدَ حُرَّ غَيْرِهِ عُدْوَانًا فَإِنَّهُ عَمْدًا أَيْضًا وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْحَدِّ بِالْقَيْدِ قَالَ وَلِذَا اقْتَصُّوا مِمَّنْ قَتَلَ خَارِجَةَ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا لِإِثْبَاتِ قَوْلِهِ أَرَدْت عَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ خَارِجَةَ ثُمَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ قَصَدَ بِفِعْلِهِ قَتْلَ غَيْرِ آدَمِيٍّ فَمَاتَ بِهِ آدَمِيٌّ قَالَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا خَطَأٌ وَأُخْرَى إذَا قَصَدَ إتْلَافَ غَيْرِ حَيَوَانٍ ظُلْمًا وَالْأَحْرَوِيَّةُ ظَاهِرَةٌ وَهَذَانِ دَاخِلَانِ فِي رَسْمِ الْخَطَأِ وَيَدْخُلُ فِي الْخَطَأِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ فِعْلًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 أَصْلًا أَحْرَى وَأَوْلَى وَكَذَلِكَ إذَا قَصَدَ فِعْلًا مُبَاحًا وَنَشَأَ عَنْهُ قَتْلُ آدَمِيٍّ وَغَيْرُ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْبَاجِيِّ كَلَامًا يَحْتَاجُ إلَى فَهْمٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لَنَا فِيهِ فَهْمٌ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلْمُبْتَدَأِ فِي كَلَامِهِ خَبَرٌ وَنَظَرْت الْمُبَيَّضَةَ وَوَجَدَتْ فِيهَا مِثْلَ هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُسَهِّلُ فَهْمَهُ فَلْنَرْجِعْ إلَى شَرْحِ مَا فِي الْمُبَيَّضَةِ وَالِاهْتِمَامُ بِهِ أَوْجَبَ قَوْلَهُ مَا مُسَبَّبُهُ إلَى قَوْلِهِ لِفَاعِلِهِ مِثْلُ مَا قَدَّمْنَا قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ صِنْفِهِ الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْفِعْلِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخَطَأَ هُوَ مَا كَانَ الْفِعْلُ فِيهِ مُسَبَّبًا غَيْرَ مَقْصُودٍ لِفَاعِلِ الْفِعْلِ بِاعْتِبَارِ صِنْفِ الْفِعْلِ فَالْفِعْلُ إذَا كَانَ فِيهِ قَصْدُ قَتْلِ آدَمِيٍّ فَصَادَفَ غَيْرُهُ مُسَبَّبُهُ مَقْصُودٌ بِاعْتِبَارِ قَتْلِ صِنْفِ الْآدَمِيِّ فَهُوَ عَمْدٌ لَا خَطَأٌ بِخِلَافِ إذَا قَصَدَ قَتْلَ طَائِرٍ فَمَاتَ رَجُلٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِاعْتِبَارِ صِنْفِ الْفِعْلِ. وَلَمَّا كَانَ شِبْهُ الْعَمْدِ يُقْصَدُ إخْرَاجُهُ وَلَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْهُ زَادَ ذَلِكَ وَهُوَ صِفَةٌ لِلْفِعْلِ فَخَرَجَ ذَلِكَ لَكِنْ أَشْكَلَ كَلَامُهُ لِمَا قَالَ فِيهِ الظَّاهِرُ خَطَأٌ فَتَأَمَّلْهُ لِأَنَّهُ مِنْ مَوَاقِفِ الْعَقْلِ وَهُنَا مَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَتَأَمَّلْ قَالَ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ قِيلَ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرَّسْمُ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ بَعْضِ صُوَرِ الْعَمْدِ فِيهِ وَهُوَ إذَا ضَرَبَهُ بِلَطْمَةٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا يُقْتَصُّ مِنْ الضَّارِبِ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْبَاعِثَ لَهُ عَلَى اللَّطْمَةِ هُوَ السَّبَبُ لَا الضَّرْبُ سَبَبٌ فَتَأَمَّلْ هَذَا وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِيمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا التَّلَفُ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - السَّبَبُ الْعَرِيُّ عَنْ قَصْدِ التَّلَفِ إنْ كَانَ عَدَاءً فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مَنْ نَاوَلَ صَبِيًّا سِلَاحًا لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسْكِهِ فَمَاتَ الصَّبِيُّ وَكَذَا إنْ نَاوَلَهُ حَجَرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى حَمْلِهِ وَكَذَا مَا هَلَكَ مِنْ سَائِقٍ أَوْ رَاكِبٍ وَقَائِدٍ وَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَصْلَ وَمَا ذَكَرَ فِيهِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ عَدَاءً إذَا لَمْ يَكُنْ السَّبَبُ فِيهِ عَدَاءً كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي دَارِهِ أَوْ فِي طَرِيقٍ فِي جَانِبِ حَائِطِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ فَلَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ كُلُّ فِعْلٍ مَأْذُونٍ وَكَذَلِكَ مَنْ أَرْسَلَ نَارًا فِي أَرْضِهِ مَعَ أَمْنٍ مِنْهَا وَتَأَمَّلْ مَا فِي ذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 [بَابٌ فِيمَا يَتَقَرَّرُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ الْخَطَإِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا مَعْنَاهُ الْخَطَأُ عَلَى الْحُرِّ الَّذِي لَا شُبْهَةَ عَمْدٍ فِيهِ هُوَ الثُّلُثُ قَوْلُهُ " الْخَطَأُ عَلَى الْحُرِّ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا وَقَعَ فِي عَبْدٍ قَوْلُهُ " لَا شُبْهَةَ فِيهِ عَمْدًا " أَخْرَجَ بِهِ مَا فِيهِ شُبْهَةٌ وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ وَضَعِيفَةٌ فَمَا قَوِيَتْ فِيهِ شُبْهَةُ عَمْدٍ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي مَالِ الْجَانِي كَالْبَيِّنَةِ الَّتِي شَهِدَتْ بِالزُّورِ فِي قَتْلٍ وَمَا ضَعُفَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا كَمَنْ أَرْسَلَ نَارًا فِي غَيْرِ أَمْنِ فَمَاتَ مِنْهَا حُرٌّ وَمَا تَوَسَّطَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ فَقِيلَ عَلَى الْجَانِي وَقِيلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَالطَّبِيبِ الْمُخْطِئِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَمَا فِيهِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْقَطْعِ] (ق ط ع) : بَابُ الْقَطْعِ هُوَ إبَانَةُ بَعْضِ الْجِسْمِ. [بَابٌ فِي الْكَسْرِ] (ك س ر) : بَابٌ فِي الْكَسْرِ هُوَ إزَالَةُ اتِّصَالِ عَظْمٍ لَمْ يُبْنَ. [بَابٌ فِي الْجَرْحِ] (ج ر ح) : بَابٌ فِي الْجَرْحِ هُوَ تَأْثِيرُ الْجِنَايَةِ فِي الْجِسْمِ. [بَابٌ فِي إتْلَافِ مَنْفَعَةٍ مِنْ الْجِسْمِ] هُوَ تَأْثِيرُ الْجِنَايَةِ فِي غَيْرِ الْجِسْمِ هَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَقْسِيمِ مُتَعَلِّقِ الْجِنَايَةِ اُنْظُرْهُ وَالْمَقْصِدُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقِصَاصَ فِي الْأَطْرَافِ كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ إلَّا فِي جِنَايَةِ أَدْنَى عَلَى أَعْلَى كَمَا إذَا قَطَعَ عَبْدٌ يَدَ حُرٍّ فَالْمَشْهُورُ لَا قِصَاصَ وَتَلْزَمُ الدِّيَةُ اُنْظُرْهُ وَفِيهِ مَسَائِلُ بَابٌ فِي أَسْمَاءِ الْجِرَاحِ وَتَفْسِيرِهَا هَذِهِ الْأَلْقَابُ ظَاهِرَةٌ فِيهَا وَأَصْلُهَا مِنْ كَلَامِ عِيَاضٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا نُطِيلُ بِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 [بَابٌ فِي الْأَحَقِّ بِالدَّمِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ابْنُ رُشْدٍ إنَّهُ ذُو تَعْصِيبِ بُنُوَّةٍ أَقْرَبُهُ يَحْجُبُ أَبْعَدَهُ ثُمَّ ذُو الْأُبُوَّةِ أَقْرَبُهُ يَحْجُبُ أَبْعَدَهُ وَوَلَدُ الْأَقْرَبِ وَهُمْ الْإِخْوَةُ فِي الْأَبِ دَنِيَّةٌ وَالْأَعْمَامُ فِي غَيْرِهِ يَحْجُبُ الْأَبْعَدَ مِنْ أَبِيهِ كَالْأَحَقِّيَّةِ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ الْحَدَّ كَالْأُخُوَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. [كِتَابُ الدِّيَاتِ] (ود ي) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّه عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الدِّيَاتِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الدِّيَةُ مَالٌ يَجِبُ بِقَتْلِ آدَمِيٍّ حُرٍّ عَنْ دَمِهِ أَوْ بِجُرْحِهِ مُقَدَّرًا شَرْعًا لَا بِاجْتِهَادٍ " قَوْلُهُ " مَالٌ " حُبِسَ لِلدِّيَةِ مُوَافِقٌ لَهَا فِي مَقُولَتِهَا قَوْلُهُ " يَجِبُ بِقَتْلِ آدَمِيٍّ " أَخْرَجَ بِهِ مَالًا وَجَبَ بِغَيْرِ قَتْلٍ بَلْ بِاسْتِهْلَاكٍ أَوْ غَيْرِهِ قَوْلُهُ " آدَمِيٍّ " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ قَتْلِ الْآدَمِيِّ بَلْ بِقَتْلِ حَيَوَانٍ غَيْرِ عَاقِلٍ وَفِيهِ الْقِيمَةُ قَوْلُهُ " حُرٍّ " أَخْرَجَ بِهِ قَتْلَ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ فِيهِ قِيمَةٌ لَا دِيَةٌ قَوْلُهُ " عَنْ دَمِهِ " يُخْرِجُ بِهِ مَا يَجِبُ مِنْ دَيْنٍ يُعَجِّلُ بِقَتْلِ مَدِينِهِ قَلَّ أَجَلُهُ فَلَوْلَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَنَقَضَ طَرْدُهُ بِهَا قِيلَ عَلَيْهِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ الْقَيْدِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ يَجِبُ بِالْقَتْلِ يَمْنَعُ ذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي وَجَبَ بِالْمَوْتِ تَعْجِيلُ الدَّيْنِ لَا وُجُوبُ الدَّيْنِ قَوْلُهُ " أَوْ بِجُرْحِهِ " عَطْفٌ عَلَى قَتْلِ لِيُدْخِل دِيَةَ الْعَيْنِ وَالْيَدِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ دِيَةِ الْأَعْضَاءِ قَوْلُهُ " مُقَدَّرًا شَرْعًا إلَخْ " أَخْرَجَ بِقَوْلِهِ مُقَدَّرًا شَرْعًا مَا لَمْ يُقَدِّرْهُ الشَّرْعُ مِمَّا اصْطَلَحَا بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُهُ أَوْ بِجُرْحِهِ يُقَالُ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ بِبَعْضِ الْمَنَافِعِ كَمَا إذَا لَطَمَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ فَإِنَّهُ لَا جُرْحَ فِيهِ وَفِيهِ دِيَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَلَوْ قَالَ بِجُرْحٍ أَوْ ذَهَابُ مَنْفَعَةٍ لَصَحَّ (قُلْتُ) هَذَا يُظْهِرُ قَوْلَهُ " لَا بِاجْتِهَادٍ " أَخْرَجَ الْحُكُومَةَ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ الشَّرْعِيَّ يَكُونُ عُمُومًا وَخُصُوصًا وَبَعْدَ أَنْ شَرَحْنَا الْحَدَّ الْمَذْكُورَ مِنْ نُسَخٍ كَثِيرَةٍ وَتَحَقَّقْت أَنَّ ذَلِكَ مِثْلُهُ فِي الْمُبَيَّضَةِ وَجَدْنَا فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى زِيَادَاتٍ عَلَى الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ قَالَ يَجِبُ بِقَتْلِ نَفْسٍ آدَمِيٍّ حُرٍّ أَوْ مِثْلِهَا حُكْمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 أَوْ جُزْئِهِ أَوْ بِجُرْحِهِ مُقَدَّرًا شَرْعًا فَزَادَ نَفْسٌ وَزَادَ أَوْ مِثْلُهَا حُكْمًا وَزَادَ أَوْ جُزْؤُهُ وَالْجُزْءُ عَطْفٌ عَلَى النَّفْسِ وَفِيهِ تَجَوُّزٌ ظَاهِرٌ وَيَدْخُلُ فِيهِ قَطْعُ مَا فِيهِ الدِّيَةُ مِنْ الْأَعْضَاءِ وَأَوْرَدْنَا عَلَيْهِ الْمَنَافِعَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا جُزْءٌ أَوْ كَالْجُزْءِ وَمُنِعَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ أَوْ مِثْلُهَا يَدْخُلُ فِيهِ الْقُوَّةُ أَيْ مِثْلُ النَّفْسِ حُكْمًا لَا أَنَّهَا نَفْسٌ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ فِي حَدِّ الْغُرَّةِ بِأَنَّهَا دِيَةٌ وَلَا تَدْخُلُ فِي حَدِّ الْمُبَيَّضَةِ عَلَى مَا يَظْهَرُ وَدُخُولُ إذْهَابِ الْمَنَافِعِ فِي الْحَدَّيْنِ فِيهِ نَظَرٌ وَكَذَا مَنْ سُقِيَ سُمًّا فَاسْوَدَّ أَوْ السِّنُّ إذَا جَرَى لَهَا ذَلِكَ وَقَوْلُهُ لَا بِاجْتِهَادٍ عَطْفٌ عَلَى الشَّرْعِ وَيَكُونُ شَرْعًا نُصِبَ عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ وَأَصْلُهُ مُقَدَّرٌ بِالشَّرْعِ لَا بِالِاجْتِهَادِ (فَإِنْ قُلْتَ) هَذَا الْقَيْدُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِوَفَاءِ قَوْلِهِ مُقَدَّرًا بِالشَّرْعِ بِذَلِكَ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَفَعَ لِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْحُكُومَةَ مِنْ أَصْلِ تَقْدِيرِ الشَّرْعِ وَإِذْنِهِ (فَإِنْ قُلْت) رَسْمُ الشَّيْخِ لِلدِّيَةِ أَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضَ الشُّيُوخِ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ بِالْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا مَالٌ إلَخْ فَالْحَدُّ صَادِقٌ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِدِيَةٍ وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْقَاتِلِ تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ لَا الرَّقَبَةُ وَتَحْرِيرُهَا لَيْسَ بِمَالٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] فَأَوْجَبَ عِتْقَهَا (فَإِنْ قُلْتَ) عِتْقُهَا إنَّمَا يَتَقَرَّرُ بَعْدَ مِلْكِهِ لَهَا فَقَدْ صَدَقَ الْمِلْكُ عَلَى مَالٍ تَقَرَّرَ الْمِلْكُ فِيهِ وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (قُلْنَا) لَمَّا قَالَ مَالٌ يَجِبُ فِي قَتْلٍ اقْتَضَى أَنَّ الْمَالَ وَجَبَ لِذَاتِهِ وَالْكَفَّارَةَ لَمْ يَجِبْ فِيهَا الْمَالُ قَصْدًا وَإِنَّمَا وَجَبَ الْعِتْقُ فِي مِلْكٍ فَالْفَرْقُ قَائِمٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابٌ فِي الدِّيَةِ الْمُخَمَّسَةِ] (ود ي) : بَابٌ فِي الدِّيَةِ الْمُخَمَّسَةِ فِي الْبَدْوِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مُخَمَّسَةً بِنْتَ مَخَاضٍ وَبِنْتَ لَبُونٍ وَابْنَ لَبُونٍ وَحَقَّةً. [بَابٌ فِي دِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ] (ود ي) : بَابٌ فِي دِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَالْفِضَّةُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. [بَابٌ فِي الْمُرَبَّعَةِ فِي الْإِبِلِ] ِ فِي الْعَمْدِ إذَا قُبِلَتْ مُبْهَمَةً مَا ذَكَرَ فِي الدِّيَةِ بِطَرْحِ ابْنَةِ لَبُونٍ هَذَا مَعْنَى مَا أَخَذَ مِنْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 [بَابٌ فِي الْمُرَبَّعَةِ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ] ِ أَلْفُ دِينَارٍ. [بَابٌ فِي الْمُثَلَّثَةِ فِي أَهْلِ الْإِبِلِ] ِ دِيَةُ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ الْمُغَلَّظَةُ عَلَيْهِمْ حَقَّةٌ وَجَذَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ خَلِيفَةً. [بَابٌ فِي الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ فِي أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ] (ود ي) : بَابٌ فِي الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ فِي أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَيُؤْخَذُ رَسْمُهَا مِنْ نَصِّهَا أَنْ نَقُولَ هِيَ الدِّيَةُ الَّتِي تُحْمَلُ عَلَى دِيَةِ الْخَطَأِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جُزْؤُهَا الْمُسَمَّى لِلْخَارِجِ مِنْ تَسْمِيَةِ فَضْلِ قِيمَةِ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً عَلَى قِيمَةِ الْإِبِلِ فِي الْخَطَإِ هَذَا الْكَلَامُ مَعْنَاهُ أَنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ مُخَمَّسَةً مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَاثْنَا عَشَر أَلْفًا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَتَكُونُ مُثَلَّثَةً وَهِيَ الْمُغَلَّظَةُ فِي أَصْلِ الْإِبِلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا أَهْلُ الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ فَإِنَّهَا تُغَلَّظُ بِمَا ذَكَرْنَا فِي الرَّسْمِ فَتُحْفَظُ دِيَةُ الْخَطَإِ فِي الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْإِبِلِ فِي الْمُغَلَّظَةِ يَعْنِي فِي الْمُخَمَّسَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى الْفَاضِلِ بَيْنَهُمَا وَيُنْسَبُ مِنْ قِيمَةِ الْخَطَإِ فَبِقَدْرِ تِلْكَ النِّسْبَةِ يُحْمَلُ عَلَى دِيَةِ الْوَرِقِ أَوْ الذَّهَبِ وَيَكُونُ هُوَ الْوَاجِبَ وَهُوَ الْمَجْمُوعُ مِنْ الدِّيَةِ وَمِنْ الْجُزْءِ الْمُسَمَّى مِنْهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْغُرَّةِ] (غ ر ر) : بَابُ الْغُرَّةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْغُرَّةُ دِيَةُ الْجَنِينِ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ حُكْمًا يُلْقَى غَيْرَ مُسْتَهِلٍّ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ الْغُرَّةُ فِي اللُّغَةِ مَعْلُومَةٌ وَفِي الشَّرْعِ مَا رَسَمَهَا بِهِ قَوْلُهُ " دِيَةٌ " أَتَى بِنَجَسِ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا مِنْ الدِّيَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ حَدَّ الدِّيَةِ صَادِقٌ مِمَّا ذَكَرَ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ وَبِذَلِكَ يَكُونُ حَدُّ الدِّيَةِ صَادِقًا عَلَيْهَا وَلِذَا حَسُنَ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي بَابِ الدِّيَةِ قَوْلُهُ " الْجَنِينُ " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْجَنِينِ وَالْجَنِينُ مَعْلُومٌ شَرْعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا عُلِمَ أَنَّهُ حَمْلٌ وَإِنْ كَانَ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً أَوْ مُصَوَّرًا قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ظَاهِرُهُ أَنَّ الدَّمَ الْمُجْتَمَعَ لَغْوٌ وَوَقَعَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ أَنَّهُ حَمْلٌ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 اسْتَطْرَدَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْجَنِينِ وَذَكَرَ تَعَقُّبَ شَيْخِهِ وَأَجَابَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ اتَّبَعَ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ وَأَيِّدْهُ بِقَوْلِ عِيَاضٍ مَنْ اتَّبَعَ غَيْرَهُ فِي أَمْرِ تَعَقُّبٍ فَهُوَ بِمَنْجَاةٍ مِنْهُ وَالتَّعَقُّبُ خَاصٌّ بِالْأَوَّلِ (قُلْت) إذَا صُحِّحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا وَاعْتَرَضَ بِهِ فَكَيْفَ يَتَوَجَّهُ اعْتِرَاضُهُ فِي كَثِيرٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَنْ تَبِعَهُ وَيَقُولُ قَبِلُوهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ هُنَا وَحَاصِلُهُ إنْ صُحِّحَ مَا هُنَاكَ بَطَلَ جَوَابُهُ هُنَا بِمَا ذَكَرَ فَتَأَمَّلْهُ ثُمَّ إنَّ كَلَامَ عِيَاضٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي مَدَارِكِهِ وَأَنَّ الْبَرَادِعِيَّ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ اعْتِرَاضَاتِهِ لِأَنَّ الْبَرَادِعِيَّ سَبَقَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فَالِاعْتِرَاض عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَهَذَا كَلَامٌ وَجَدَتْهُ بِخَطِّ بَعْضِ تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا كَلَامٌ غَيْرُ بَيِّنٍ لِأَنَّ الْبَرَادِعِيَّ رَضِيَ بِهِ وَمَنْ رَضِيَ بِقَوْلٍ قَالَ بِهِ لِأَنَّ التَّصْوِيبَ وَالتَّخَطِّيَةَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ قَوْلُهُ " الْمُسْلِمِ " أَخْرَجَ بِهِ الْكَافِرَ قَوْلُهُ " الْحُرِّ " أَخْرَجَ بِهِ الْعَبْدَ قَوْلُهُ " حُكْمًا " قَيْدٌ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ لِيَدْخُلَ فِيهِ جَنِينُ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ زَوْجِهَا الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حُكْمًا وَيَدْخُلَ فِيهِ جَنِينٌ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ سَيِّدِهَا لِأَنَّهُ حُرٌّ حُكْمًا قَوْلُهُ " يُلْقَى غَيْرَ مُسْتَهِلٍّ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا لَمْ يُلْقَ وَإِذَا أُلْقِيَ مُسْتَهِلًّا صَارِخًا قَوْلُهُ " بِفِعْلِ آدَمِيٍّ " أَخْرَجَ إذَا كَانَ بِفِعْلِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ مُبَاشِرًا وَغَيْرَ مُبَاشِرٍ (قُلْتُ) أَمَّا الْمُبَاشِرُ فَهُوَ كَذَلِكَ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ (فَإِنْ قُلْتَ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ غَيْرَ مُسْتَهِلٍّ أَنَّهُ إذَا اسْتَهَلَّ فَلَيْسَ بِغُرَّةٍ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَكِنْ هَلْ يَكُونُ فِيهِ الدِّيَةُ مُطْلَقًا أَوْ تَصْدُرُ فِيهِ قِصَاصٌ (قُلْتُ) أَمَّا إنْ كَانَ الضَّرْبُ خَطَأً فَالدِّيَةُ وَهَلْ بِقَسَامَةٍ أَمْ لَا فِيهِ تَفْصِيلٌ وَأَمَّا إنْ كَانَ الضَّرْبُ عَمْدًا عَلَى الْبَطْنِ فَفِيهِ الْقَوْدُ بِقَسَامَةٍ وَقِيلَ الدِّيَةُ وَأَمَّا لَوْ ضَرَبَ غَيْرَ الْبَطْنِ فَفِيهِ الدِّيَةُ (فَإِنْ قُلْتَ) الْجَنِينُ إذَا أُلْقِيَ مَيِّتًا قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ فَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ الْغُرَّةِ فِيهِ وَإِنْ انْفَصَلَ بَعْدَ مَوْتِهَا فَلَا تَجِبُ الْغُرَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْحَدُّ صَادِقٌ عَلَيْهَا (قُلْتُ) لَعَلَّ الرَّسْمَ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَشْهُورِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا انْفَصَلَ بَعْضُهُ فِي حَيَاةِ الْأُمِّ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَظَاهِرُ حَدِّهِ بِقَيْدِهِ أَنَّهُ لَا تَكُونُ فِيهِ غُرَّةٌ إذَا لَمْ يَنْفَصِلْ كُلُّهُ وَقَدْ قُلْتُمْ إنَّ الرَّسْمَ أَعَمُّ مِنْ الْمَشْهُورِ وَغَيْرِهِ (قُلْت) الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ أَنْكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَنْ تَبِعَهُ وَأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرٍ الرِّوَايَاتِ وَنَصُّ الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ لَا غُرَّةَ فِيهِ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا ضَرَبَ امْرَأَةً فَأَلْقَتْ جَنِينَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 فَإِنْ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ غُرَّةٌ (قُلْتُ) الْحَدُّ صَادِقٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ الْجَنِينِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ لَهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ اُنْظُرْهُ هُنَاكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْقَتْلِ] (ك ف ر) : بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْقَتْلِ تَجِبُ فِي قَتْلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ خَطَأً قَوْلُهُ " الْحُرِّ " أَخْرَجَ الْعَبْدَ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اسْتِحْبَابُهَا (فَإِنْ قُلْتَ) الْجَنِينُ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيهِ الْكَفَّارَةُ إذَا ضَرَبَهَا وَأَلْقَتْ جَنِينًا (قُلْت) قَالَ فِيهَا قَالَ مَالِكٌ إنَّمَا الْكَفَّارَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي قَتْلِ الْحُرِّ خَطَأً وَاسْتَحْسَنَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي الْجَنِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ " الْمُسْلِمِ " أَخْرَجَ الْكَافِرَ قَوْلُهُ " خَطَأً " أَخْرَجَ الْعَمْدَ (فَإِنْ قُلْتَ) ظَاهِرُهُ تَجِبُ عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ وَفِيهِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ (قُلْتُ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الْآيَةُ تُخْرِجُ قَاتِلَ نَفْسِهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامٌ لِامْتِنَاعِ تَصَوُّرِ هَذَا الْجُزْءِ مِنْ الْكَفَّارَةِ فِيهِ وَإِذَا بَطَلَ الْجُزْءُ بَطَلَ الْكُلُّ (قُلْتُ) هَذَا صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ الْآيَةِ وَالرَّسْمُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُخْرِجُ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُهُ " خَطَأً " أَخْرَجَ الْعَمْدَ وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ فَقَدْ ذَكَرُوا فِيهِ الْكَفَّارَةَ (قُلْتُ) ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ بِخِلَافِ نَصِّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ] (ك ف ر) : بَابٌ فِي الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ الْكَفَّارَةُ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] الْآيَةَ وَشَرْطُهَا كَالظِّهَارِ فَانْظُرْ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ الْقَسَامَةِ] (ق س م) : بَابُ الْقَسَامَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَقَعُ بِهِ الْقَسَامَةُ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ جُزْأَهَا عَلَى إثْبَاتِ الدَّمِ قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " حَلَفَ " مَعْلُومٌ شَرْعًا وَلُغَةً وَهُوَ جِنْسٌ لِلْقَسَامَةِ وَقَدْ فَسَّرَهَا الشَّارِعُ بِذَلِكَ لَا يُقَالُ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ فِي الْحَلِفِ بِأَيِّ شَيْءٍ يَكُونُ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلْمَحْلُوفِ بِهِ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ قَوْلُهُ " خَمْسِينَ يَمِينًا " أَمَّا الْعَمْدُ وَالْقِصَاصُ فَلَا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ يَحْلِفُ وَاحِدٌ خَمْسًا وَعِشْرِينَ تُوَزَّعُ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يُقْتَلُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الدَّمُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ وَخَارِجُ الْمَذْهَبِ فِيهِ خِلَافٌ قَوْلُهُ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا إمَّا مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَتُوَزَّعُ الْخَمْسُونَ عَلَى ذَلِكَ. (فَإِنْ قِيلَ) إذَا كَانَ الْوُلَاةُ أَزْيَدَ مِنْ خَمْسِينَ كَالسِّتِّينَ وَلِيًّا فَقَدْ نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَحْلِفَ جَمِيعُ الْأَوْلِيَاءِ وَلَا يَجْتَزِئُ بِخَمْسِينَ مِنْهُمْ فَهَذِهِ قَسَامَةٌ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ يَمِينًا (قُلْت) قَالُوا أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصَحِّ وَمَا بِهِ الْعَمَلُ قَوْلُهُ " أَوْ جُزْأَهَا " مَعْنَاهُ أَوْ حَلَفَ جُزْءَ خَمْسِينَ يَمِينًا لِيَدْخُلَ بِهِ حَلِفُ وَرَثَةِ الدَّمِ فِي دِيَةِ الْخَطَإِ فَإِنَّهَا عَلَى قَدْرِ الْمَوَارِيثِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ لَمْ يَتْرُكْ الْمَيِّتُ إلَّا بِنْتًا بِغَيْرِ عَصَبَةٍ حَلَفَتْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَأَخَذَتْ نِصْفَ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا عَاصِبٌ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَمِينًا فَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ الْحَلِفُ بِجُزْءِ خَمْسِينَ لَا بِالْخَمْسِينَ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الصُّوَرِ إذَا قُسِمَتْ الْخَمْسُونَ عَلَى الْوَرَثَةِ لَا إنْ كَانَتْ بِأَجْزَاءٍ مُتَسَاوِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَإِنْ وَجَبَ التَّكْمِيلُ فِي الْكَسْرِ فَيُشْكِلُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْحَلِفَ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ فَتَأَمَّلْهُ قَوْلُهُ " عَلَى إثْبَاتِ الدَّمِ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا لِتُهْمَةِ دَمٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَسَامَةٍ فَيَخْرُجُ بِهِ حَلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَتْ الْأَوْلِيَاءُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَسَامَةٍ وَكَذَا تَخْرُجُ مَسْأَلَةُ الْعُتْبِيَّةِ إذَا قَتَلَ رَجُلٌ وَهَرَبَ وَاتُّبِعَ أَوْ دَخَلَ فِي دَارٍ وَوُجِدَتْ جَمَاعَةٌ قَالُوا يَحْلِفُ كُلٌّ خَمْسِينَ يَمِينًا وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ. (فَإِنْ قُلْتَ) مَا قَرَرْت بِهِ كَلَامَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقَسَامَةَ عُرْفًا إنَّمَا هِيَ الْحَلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى إثْبَاتِ الدَّمِ اقْتَضَى أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعِي فَقَطْ وَقَدْ وَقَعَ لَهُمْ لَمَّا تَكَلَّمُوا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قَالَ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَسَمَّوْهُ قَسَامَةً فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ (قُلْت) ذَلِكَ وَإِنْ صَحَّ فَإِنَّهُ مُتَأَوِّلٌ عَلَى التَّجَوُّزِ مِنْهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا تَرَكَ بِنْتًا وَحَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَأَخَذَتْ حَظَّهَا ثُمَّ رَجَعَتْ وَرَدَّتْ ثُمَّ طَرَأَتْ أُخْتٌ لَهَا قَالُوا تَحْلِفُ الثَّانِيَةَ بِقَدْرِ حَظِّهَا فَقَطْ لِأَنَّهُ قَدْ حُكِمَ بِالْخَمْسِينَ يَمِينًا قَبْلَهَا فَيُقَالُ هَذِهِ قَسَامَةٌ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ وَهُوَ قَدْ حَصَرَهَا فِي الْخَمْسِينَ وَجُزْئِهَا فَالْحَدُّ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ (قُلْتُ) لَا يُرَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَضِيَ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ الْوَاجِبَ فِي الْقَسَامَةِ حَلَفَ خَمْسِينَ أَوْ جُزْأَهَا وَالزَّائِدُ هُنَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ أَوْ جُزْأَهَا. (فَإِنْ قُلْت) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْ فِي رَسْمِهِ شَرْطَ حَالِفِ الْقَسَامَةِ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ الْقَسَامَةُ أَنْ يَحْلِفَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 الْوَارِثُونَ الْمُكَلَّفُونَ فِي الْخَطَإِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى خَمْسِينَ مُتَوَالِيَةً عَلَى الْبَتِّ وَلَوْ كَانَ أَعْمَى أَوْ غَائِبًا فَاشْتُرِطَ التَّكْلِيفُ وَاشْتُرِطَ الْوِرَاثَةُ مِنْ الْحَالِفِ (قُلْتُ) ابْنُ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ أَوَّلًا الْقَسَامَةَ فِي الْخَطَإِ ثُمَّ ذَكَرَ الْقَسَامَةَ فِي الْعَمْدِ وَالشَّيْخُ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَتَى بِمَا يَعُمُّ الْأَمْرَيْنِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى شَرْطِ مَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مَا يَعُمُّ صَحِيحَهَا وَفَاسِدَهَا أَوْ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَى إثْبَاتِ الدَّمِ وَإِثْبَاتُ الدَّمِ إنَّمَا يَكُونُ بِحَلِفِ الْمُكَلَّفِ شَرْعًا فَإِذَا حَلَفَ مَنْ لَا مَيْزَ لَهُ فَلَيْسَ بِقَسَامَةٍ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ رَسْمَهُ لَمَّا كَانَ صَحِيحًا وَفَاسِدًا فَتَأَمَّلْهُ. (فَإِنْ قُلْتَ) لَمْ يَقُلْ حَلَفَ الْأَوْلِيَاءُ وَذَلِكَ شَرْطٌ فِي الْقَسَامَةِ فَإِنْ حَلَفَ الْأَجَانِبُ لَا يُسَمَّى قَسَامَةً شَرْعِيَّةً (قُلْت) يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ الرَّجُلَيْنِ فِي الْعَمْدِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ سَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ أَنَّهُ اعْتَرَضَ هَذَا الرَّسْمَ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهِ مَا يُبْحَثُ بِهِ مَعَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ. [بَابٌ فِي سَبَبِ الْقَسَامَةِ] (س ب ب) : بَابٌ فِي سَبَبِ الْقَسَامَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثُبُوتُ مَا هُوَ مَظِنَّةٌ لِإِضَافَةِ قَتْلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ لِآدَمِيٍّ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْقَسَامَةَ وَعَرَّفَهَا ثُمَّ ذَكَرَ السَّبَبَ وَعَرَّفَهُ وَابْنُ الْحَاجِبِ عَكَسَ (قُلْتُ) هَذَا صَحِيحٌ وَقَدْ اعْتَرَضَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كَوْنِهِ قَدَّمَ تَعْرِيفَ سَبَبِ الْقَسَامَةِ عَلَى الْقَسَامَةِ قَالَ وَالتَّرْتِيبُ يَأْبَاهُ فَلَعَلَّ الشَّيْخَ رَأَى صَوَابَ الِاعْتِرَاضِ فَذَكَرَ مَا رَأَيْت (فَإِنْ قِيلَ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا سَبَبٌ وَالْقَسَامَةَ مُسَبِّبَةٌ وَالسَّبَبُ مُتَقَدِّمٌ طَبْعًا فَالْوَاجِبُ تَقْدِيمُهُ وَضْعًا كَمَا صَنَعَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَكَيْفَ يَقُولُ وَالتَّرْتِيبُ يَأْبَاهُ بَلْ التَّرْتِيبُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَمَا وَجْهُ قَوْلِ الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (قُلْنَا) وَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَصَوُّرُ الْقَسَامَةِ سَابِقًا عَلَى تَصَوُّرِ سَبَبِهَا وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ لَهُ أَثَرٌ فِي وُجُودِهَا خَارِجًا كَانَ الْوَاجِبُ تَقْدِيمَ تَصَوُّرِ الْقَسَامَةِ قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " ثُبُوتُ مَا هُوَ مَظِنَّةٌ " مَعْنَاهُ وُجُودُ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ لِإِضَافَةِ قَتْلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَإِنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ الثَّابِتَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُشْتَمِلًا عَلَى نِسْبَةِ قَتْلِ حُرٍّ مُسْلِمٍ لِآدَمِيٍّ وَذَلِكَ يَكُونُ بِدَلِيلٍ مِنْ مَوَاضِعِ اللَّوْثِ الَّذِي ذَكَرُوهُ وَأَخْرَجَ بِهِ الدَّلِيلَ الْقَوِيَّ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْقَتْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْقَتْلَ مِنْ غَيْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 قَسَامَةٍ إذَا مَاتَ فَوْرًا وَقَتْلُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ وَلِآدَمِيٍّ يَتَعَلَّقُ بِإِضَافَةِ قَوْلِهِ " قَتْلُ حُرٍّ مُسْلِمٍ " أَخْرَجَ بِهِ قَتْلَ الْعَبْدِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ سَبَبًا فِي الْقَسَامَةِ وَكَذَلِكَ قَتْلُ الْكَافِرِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ سَبَبًا فِيهَا أَيْضًا قَوْلُهُ " لِآدَمِيٍّ " أَطْلَقَ فِي الْآدَمِيِّ وَأَخْرَجَ بِهِ الْإِضَافَةَ إلَى حَيَوَانٍ لَا يَعْقِلُ وَلِآدَمِيٍّ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ مُكَلَّفًا وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ الْقَتْلُ الْأَطْرَافَ وَالْجِرَاحَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ قَسَامَةٌ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُهُ ثُبُوتُ مَا هُوَ مَظِنَّةٌ لِإِضَافَةِ الْقَتْلِ لِآدَمِيٍّ إنْ عَمَّ ذَلِكَ جَمِيعَ الْحَالَاتِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْأَسْبَابِ مِنْ مَحَلِّ اللَّوْثِ فَفِيهَا مَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمَشْهُورٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُمُومٌ يَقَعُ فِيهِ إبْهَامٌ فِي مَقَامِ الْإِفْهَامِ (قُلْتُ) الظَّاهِرُ الْعُمُومُ وَالرَّسْمُ لِمَا يَعُمُّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفَ فِيهِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُهُ قَتْلُ حُرٍّ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قَالَ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ لَيْسَ فِيهِ قَسَامَةٌ (قُلْت) كَذَلِكَ قَالَ الْبَاجِيُّ عَنْ الْمَشْهُورِ عَنْ مَالِكٍ وَقِيلَ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَسَامَةٍ وَقَدْ حَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الذِّمِّيُّ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فِيهِ أَيْضًا أَقْوَالٌ وَعَنْ الْمُغِيرَةِ أَنَّ وُلَاتَهُ يَقْسِمُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ قَتْلُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فِي مَحَلِّ اللَّوْثِ يُخْرِجُ عَنْهُ قَسَامَةَ مَنْ ثَبَتَ ضَرْبُهُ بِبَيِّنَةٍ وَتَرَاخَى مَوْتُهُ بِذَلِكَ يَعْنِي فَإِنَّ فِيهِ الْقَسَامَةَ وَلَا يَصْدُقُ عَنْهُ رَسْمُهُ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَتْلٌ فِي مَحَلِّ اللَّوْثِ وَلِذَا عَدَلَ الشَّيْخُ عَنْ ذِكْرِ الْقَتْلِ فِي رَسْمِهِ إلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الثُّبُوتِ إلَخْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي اللَّوْثِ] (ل وث) : بَابٌ فِي اللَّوْثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُمِعَ الْقَرِينَانِ هُوَ الْأَمْرُ الَّذِي لَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَوْلُهُ " هُوَ الْأَمْرُ " ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ ارْتَضَى هَذَا التَّعْرِيفَ وَالْأَمْرُ جِنْسُ اللَّوْثِ وَأَطْلَقَهُ عَلَى الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ الدَّالِهِ عَلَى الْقَتْلِ قَوْلُهُ " الَّذِي لَيْسَ بِالْقَوِيِّ " أَخْرَجَ بِهِ الْبَيِّنَةَ وَالْإِقْرَارَ فَإِنَّهُمَا أَمْرَانِ قَوِيَّانِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا كَانَ لَوْثَانِ هَلْ ذَلِكَ لَوْثٌ أَقْوَى مِنْ اللَّوْثِ (قُلْتُ) يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا لَيْسَا بِأَمْرٍ قَوِيٍّ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بُعْدُ الرِّوَايَاتِ وَاضِحَةٌ بِأَنَّ تَعَدُّدَ اللَّوْثِ لَوْثٌ لَا شَهَادَةٌ. (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ ذَكَرَ بَعْدُ أَنَّ اللَّوْثَ اللَّطْخُ الْبَيِّنُ مِثْلُ اللَّفِيفِ مِنْ النِّسَاءِ وَالصَّبِيَّانِ فَهَلْ هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْقَرِينَيْنِ فِي قَوْلِهِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 الَّذِي لَيْسَ بِالْقَوِيِّ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُ لِأَنَّ اللَّطْخَ الْبَيِّنَ أَيْ الْوَاضِحِ فِي كَوْنِهِ لَطْخًا (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ فِيهَا إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ بِمَحَلَّةِ قَوْمٍ فَلَيْسَ بِلَوْثٍ وَيَصْدُقُ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ قَوِيٍّ فَيَكُونُ الرَّسْمُ غَيْرَ مُطَّرِدٍ. (قُلْت) مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ تَأَوَّلَهَا ابْنُ يُونُسَ وَقَيَّدَهَا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ رَجُلٌ مُلَطَّخٌ وَبِيَدِهِ آلَةٌ وَفِيهَا وَفِي نَظِيرِهَا خِلَافٌ وَالتَّعْرِيفُ لِلْمَاهِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَانْظُرْ فِيهَا كَلَامَ ابْنِ سَهْلٍ وَمَا نُقِلَ مِنْ الْعَمَلِ وَكَلَامَ خَلِيلٍ وَعِيَاضٍ وَكَلَامَ الشَّيْخِ بَعْدُ وَمَا وَقَعَ لِابْنِ يُونُسَ (فَإِنْ قُلْتَ) اللَّوْثُ الْمَعْرُوفُ هُوَ لَوْثٌ مُقَيَّدٌ وَهُوَ لَوْثُ الْقَتْلِ وَحَدُّهُ أَعَمُّ فَيَلْزَمُ عَدَمُ طَرْدِهِ (قُلْت) لِلْمَانِعِ أَنْ يَمْنَعَ أَنَّ الْمَحْدُودَ اللَّوْثُ الْمُقَيَّدُ بَلْ الظَّاهِرُ إطْلَاقُهُ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ الْأَعَمُّ عُلِمَ اللَّوْثُ الْمُقَيَّدُ لِأَنَّهُ إذَا عُرِفَ الْإِنْسَانُ عَلِمْنَا مَاهِيَّةَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ. (فَإِنْ قُلْتَ) عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ مَا دَلَّ عَلَى قَتْلِ الْقَاتِلِ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ مَا لَمْ يَكُنْ بِإِقْرَارٍ أَوْ كَمَالِ بَيِّنَةٍ فِيهِ أَوْ فِي نَفْيِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّوْثِ لَوْثٌ خَاصٌّ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْقَسَامَةِ فِي الدَّمِ (قُلْت) هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ اللَّوْثَ الشَّرْعِيَّ صَارَ لَقَبًا عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالسِّيَاقُ يُقَيِّدُ مَا ذَكَرَ وَإِنْ وَقَعَ فِي السَّرِقَةِ وَمَا شَابَهَهَا إطْلَاقُ اللَّطْخِ وَاللَّوْثِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ لَا مُطْلَقٌ (فَإِنْ قُلْتَ) زِيَادَاتُ قَوْدِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي رَسْمِهِ (قُلْت) أَمَّا قَوْلُهُ قَتْلٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَإِنَّ صَوَابَهُ التَّقْيِيدُ لِيَكُونَ الرَّسْمُ مُطَّرِدًا وَقَوْلُهُ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ هَذَا قَرِيبٌ مِمَّا قَدَّمْنَا فِي قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَجَمَعْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسْمِ الْقَرِينَيْنِ قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ بِإِقْرَارٍ أَوْ كَمَالِ بَيِّنَةٍ لَمْ يَزِدْهُ الشَّيْخُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي رَسْمِهِ لِأَنَّهُ قَالَ الْأَمْرُ الَّذِي لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ الدَّالُ عَلَى الْقَتْلِ دَلَالَةً لَيْسَتْ قَوِيَّةً فَلَا تَدْخُلُ الشَّهَادَةُ وَالْإِقْرَارُ لِأَنَّهُمَا قَوِيَّانِ قَوْلُهُ فِيهِ أَوْ فِي نَفْيِهِ هَذَا قَدْ اعْتَرَضَهُ وَرَأَى أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَانْظُرْهُ وَتَرْتِيبُ الشَّيْخُ حَسَنٍ فَإِنَّهُ قَدْ عَرَّفَ اللَّوْثَ بَعْدَ سَبَبِ الْقَسَامَةِ لِأَنَّ سَبَبَ الْقَسَامَةِ مُرَكَّبٌ مِنْ أُمُورٍ أَحَدُهَا اللَّوْثُ وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى الْمَظِنَّةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ بِفَضْلِهِ وَمِنْهُ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. [كِتَابُ الْجِنَايَاتِ] (ج ن ي) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّه عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الْجِنَايَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْعُقُوبَاتِ قَالَ غَيْرُ الشَّيْخِ الْبَغْيُ وَالرِّدَّةُ وَالزِّنَا وَالْقَذْفُ وَالسَّرِقَةُ وَالْحِرَابَةُ وَالشُّرْبُ وَقَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْجِنَايَاتُ مِنْهَا الْبَغْيُ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّتَهَا (قُلْتُ) الْجِنَايَاتُ جَمْعُ جِنَايَةٍ وَصَحَّ الْجَمْعُ فِي الْمَصْدَرِ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ بِالتَّاءِ فَيَصِحُّ جَمْعُهُ وَالْأَوْلَى أَنَّ جَمْعَهُ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ لِأَنَّ التَّاءَ الَّتِي فِي الْجِنَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا الْمَصْدَرُ فَتَعْرِيفُهَا بَاقٍ عَلَى الدَّلَالَةِ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعْرِيفُ الْجِنَايَةِ الْعَامَّةِ الْمُشْتَرِكَةِ بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَقْسَامِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي تَعْرِيفِهَا " فِعْلٌ هُوَ بِحَيْثُ يُوجِبُ عُقُوبَةَ فَاعِلِهِ بِحَدٍّ أَوْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ نَفْيٍ " (فَإِنْ قُلْتَ) " قَدْ تَرْجَمَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِكِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَنَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ عَرَّفَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إتْلَافُ ذِي رِقٍّ دَمًا أَوْ مَالًا غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ. فَخَصَّصَ ذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ وَتَرْجَمْتُهُ هُنَا وَتَرْجَمَةُ غَيْرِهِ هِيَ أَعَمُّ مِمَّا عَرَّفَ بِهِ (قُلْتُ) تَرْجَمَةُ الْمُدَوَّنَةِ لَقَبٌ عَلَى جِنَايَاتِ الْعَبِيدِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا ذَلِكَ بَلْ الْجِنَايَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْعُقُوبَاتِ وَهِيَ مُغَايِرَةٌ لِجِنَايَةِ الْعَبِيدِ فَلِذَلِكَ عَرَّفَهَا بِمَا يَخُصُّهَا (فَإِنْ قُلْت) هَلَّا عَرَّفَ الْأَعَمَّ مِنْ الْجِنَايَةِ وَالْأَخَصَّ مِنْهَا (قُلْت) الْغَالِبُ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ حَقِيقَتَيْنِ شَرْعِيَّتَيْنِ كَالْبَيْعِ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ وَهَذَانِ حَقِيقَتَانِ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْجِنَايَاتِ الْمُوجِبَةَ لِلْعُقُوبَةِ هِيَ الْمَذْكُورَةُ هُنَا وَالْمُتَرْجَمُ عَلَيْهَا فِيهَا جِنَايَاتُ الْعَبِيدِ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا لِأَنَّهُ لَقَبٌ عَلَيْهَا فَيَجْتَمِعَانِ فِي الْعَبْدِ إذَا حَارَبَ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ كُلٌّ مِنْ الْجِنَايَتَيْنِ وَتَخْتَصُّ جِنَايَةُ الْعَبِيدِ بِخَطَإِ الْعَبِيدِ وَلَا يَخْفَى مَا تَخْتَصُّ بِهِ الْأُخْرَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ الْبَغْيِ] (ب غ ي) : بَابُ الْبَغْيِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " الْبَغْيُ الِامْتِنَاعُ مِنْ طَاعَةِ مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ بِمُغَالَبَةٍ وَلَوْ تَأَوُّلًا " قَوْلُهُ " الِامْتِنَاعُ " الْبَغْيُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 الْعِدَا أَوْ طَلَبُهُ قَالَ فَبَغَى عَلَيْهِ وَفِي الشَّرْعِ صَيَّرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجِنْسَ الِامْتِنَاعَ مِنْ الطَّاعَةِ قَوْلُهُ " مِنْ طَاعَةِ " كَالِامْتِنَاعِ مِنْ امْتِثَالِ أَمْرٍ مِنْ إمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ قَوْلُهُ " مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ " أَيْ انْعَقَدَتْ شَرْعًا فَخَرَجَ بِهِ مَنْ لَمْ تَنْعَقِدْ لَهُ إمَامَةٌ وَعَمَّمَ فِي انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ بِأَيِّ شَيْءٍ تَنْعَقِدُ بِهِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ مِنْ رَجُلٍ وَفِيهِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ وَالصَّحِيحُ صِحَّةُ انْعِقَادِ ذَلِكَ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ انْعِقَادُ الْإِمَامَةِ لِرَجُلَيْنِ مُتَبَاعِدَيْ الْأَصْقَاعِ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ " فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا أَمَرَهُ الْإِمَامُ بِمَعْصِيَةٍ فَإِنَّ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ طَاعَتِهِ غَيْرَ بَاغٍ وَفِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ إمَّا حَالٌّ أَوْ يَتَعَلَّقُ بِالِامْتِنَاعِ قَوْلُهُ " بِمُغَالَبَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ الِامْتِنَاعَ مِنْ طَاعَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُغَالَبَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى بَغْيًا قَوْلُهُ " وَلَوْ تَأَوُّلًا " وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ الِامْتِنَاعِ بِمُغَالَبَةٍ فِي كُلِّ حَالَةٍ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ أَوْ بِتَأْوِيلٍ لِيَدْخُلَ فِيهِ بُغَاةُ الشَّامِ وَالْبَصْرَةِ وَالْحَرُورِيَّةِ ثُمَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ هُوَ الْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ مُغَالَبَةً مُتَعَقِّبٌ بِاخْتِصَاصِهِ بِمَنْ دَخَلَ فِي طَاعَتِهِ ثُمَّ خَرَجَ وَأَمَّا مَنْ امْتَنَعَ مِنْ طَاعَتِهِ فَلَا يَدْخُلُ فِي حَدِّهِ مَعَ أَنَّهُ بَاغٍ هَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَ وَأَجَابَ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْخُرُوجِ عَدَمُ التَّأَسِّي لِقَوْلِهِ إنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ (قُلْتُ) وَهَذَا فِيهِ تَسَامُحٌ فِي التَّعْرِيفِ لَا يَخْفَى قَالَ وَتَعَقَّبَ بِإِطْلَاقِ الطَّاعَةِ ظَاهِرُهُ فِي مَعْصِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَا يُسَمَّى فِي الْمَعْصِيَةِ بَغْيًا هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى طَرْدِهِ وَالْأَوَّلُ عَلَى عَكْسُهُ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ إذَا أَمَرَ بِالْمَعْصِيَةِ فَهُوَ غَيْرُ إمَامٍ (قُلْت) وَفِي هَذَا بَحْثٌ لَا يَخْفَى فَإِنَّ مَعْصِيَتَهُ لَا تُوجِبُ عَزْلَ الْإِمَامَةِ وَإِنَّمَا يُوجِبُ عَزْلَهَا رَدَّتْهُ عَلَى أَصْلِنَا وَيَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرَ أَنْ يَسْتَغْنِيَ فِي حَدِّهِ عَنْ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْإِمَامَةَ مَعَ الْمَعْصِيَةِ وَحَقُّ الشَّيْخِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ نَائِبَ الْإِمَامِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَنْ ثَبَتَ بَغْيُهُ الْمَذْكُورُ جَازَ قِتَالُهُ وَقَتْلُهُ وَهُنَا مَسَائِلُ يُحْتَاجُ إلَيْهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ لَا رَبَّ غَيْرُهُ وَلَا مَعْبُودَ سِوَاهُ. [بَابُ الرِّدَّةِ] (ر د د) : بَابُ الرِّدَّةِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ نُرَدَّ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ تَزِيغَ قُلُوبُنَا رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتنَا بِحُرْمَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَقَعُ بِهِ " الرِّدَّةُ كُفْرٌ بَعْدَ إسْلَامٍ تَقَرَّرَ " قَوْلُهُ " كُفْرٌ " سُمِّيَتْ كُفْرًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 وَهُوَ جِنْسٌ لِلرِّدَّةِ وَيُقَالُ الْكُفْرُ أَصْلِيٌّ وَطَارِئٌ قَوْلُهُ " بَعْدَ إسْلَامٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْكُفْرَ الْأَصْلِيَّ قَوْلُهُ " تَقَرَّرَ " مَعْنَاهُ ثَبَتَ وَحَصَلَ شَرْعًا وَتَقَرَّرَ الْإِسْلَامُ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٍ رَسُولُ اللَّهِ مَعَ الْتِزَامِ أَحْكَامِهِمَا فَإِنَّ أَقَرَّ بِهِمَا وَلَمْ يَلْتَزِمْ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُتْرَكُ فِي لَعْنَةِ اللَّهِ خِلَافًا لِأَصْبَغَ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ تَقَرَّرَ لِيَدْخُلَ فِيهِ كُلُّ قَوْلٍ تَقَرَّرَ فِيهِ الْإِسْلَامُ عِنْدَ قَائِلِهِ. [بَابٌ فِيمَا تَظْهَرُ بِهِ الرِّدَّةُ] (ظ هـ ر) : بَابٌ فِيمَا تَظْهَرُ بِهِ الرِّدَّةُ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ابْنُ شَاسٍ ظُهُورُ الرِّدَّةِ إمَّا بِتَصْرِيحٍ بِالْكُفْرِ أَوْ بِلَفْظٍ يَقْتَضِيهِ أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ نَقْلِهِ لَهُ قَوْلُهُ " بِلَفْظٍ يَقْتَضِيهِ " كَإِنْكَارِ غَيْرِ حَدِيثِ الْإِسْلَامِ وُجُوبُ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً قَوْلُهُ " أَوْ فِعْلٍ يَقْتَضِيهِ " كَلُبْسِ الزُّنَّارِ وَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي طَرِيقِ النَّجَاسَةِ أَوْ السُّجُودِ لِلصَّنَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْت) لِأَيِّ شَيْءٍ قَالَ فِي الْأَوَّلِ يَقْتَضِيهِ وَفِي الثَّانِي يَتَضَمَّنُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاسْتِلْزَامِ (قُلْتُ) لَمْ يَظْهَرْ قُوَّةُ تَفْرِيقٍ فِي ذَلِكَ (قُلْتُ) وَقَوْلُهُ أَوْ إلْقَاءِ الْمُصْحَفِ كَأَنْ يَمُرَّ لَنَا أَنَّهُ وَكَذَلِكَ إذَا رَآهُ مُلْقَى وَتَرَكَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى زَوَالِهِ لِأَنَّ دَوَامَهُ كَإِنْشَائِهِ وَهُوَ صَوَابٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَقَدْ ذُكِرَ لِي عَنْ الشَّيْخَيْنِ الْعَالَمَيْنِ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ وَالشَّيْخِ قَاضِي الْجَمَاعَةِ الزِّعْبَرِي رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي وَلِيمَةٍ وَسُئِلَا عَنْ رَجُلٍ رَأَى مُصْحَفًا فِي نَجَاسَةٍ وَكَانَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فَوْرًا أَخْذُهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ تَيَمُّمِهِ فَقَالَ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ انْتَبَهَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ احْتَلَمَ فَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ فَوْرًا الْخُرُوجُ وَقِيلَ يَتَيَمَّمُ فَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ الْآخَرُ بِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ أَشَدُّ فَيَجِبُ فَوْرًا إخْلَاصُهُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَهُ اخْتِيَارًا كَانَ رِدَّةً بِخِلَافِ بَقَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ رِدَّةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَرْحَمُ الْجَمِيعَ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ. [بَابُ الزِّنْدِيقِ] (ز ن د ق) : بَابُ الزِّنْدِيقِ قَالَ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيَسْتُرُ الْكُفْرَ قَوْلُهُ " مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيَسْتُرُ الْكُفْرَ " هَذَا هُوَ الْمُنَافِقُ الَّذِي صَدَّقَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُصَدِّقْ بِقَلْبِهِ إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجْمَعُ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوْ هَيْئَةً. [بَابُ السِّحْرِ] (س ح ر) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 بَابُ السِّحْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ مُسَبَّبٌ عَنْ سَبَبٍ مُعْتَادٍ كَوْنُهُ عَنْهُ قَوْلُهُ " أَمْرٌ خَارِقٌ " أَمْرٌ أَعَمُّ وَالْخَارِقُ أَخَصُّ فَيَكُونُ كَالْفَصْلِ أَخْرَجَ بِهِ مَا لَيْسَ بِخَارِقٍ وَالْخَارِقُ لِلْعَادَةِ أَعَمُّ مِنْ الْكَرَامَةِ وَالْمُعْجِزَةُ وَالسِّحْرُ وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ أَنَّهُ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ قَوْلُهُ " مُسَبَّبٌ عَنْ سَبَبٍ مُعْتَادٍ كَوْنُهُ عَنْهُ " مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَارِقَ لِلْعَادَةِ مِنْ صِفَتِهِ أَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ سَبَبٍ مُعْتَادٍ كَوْنُ ذَلِكَ الْمُسَبَّبِ عَنْ ذَلِكَ السَّبَبِ فَأَخْرَجَ بِهِ الْكَرَامَةَ وَالْمُعْجِزَةَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ السِّحْرَ هُنَا لِأَنَّ حُكْمَ السَّاحِرِ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ فِي قَتْلِهِ اُنْظُرْ كَلَامَ الشَّيْخِ فِي أَصْلَيْهِ وَكَلَامَ الْقَرَافِيُّ. [بَابُ الزِّنَا] (ز ن ي) : بَابُ الزِّنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ " الزِّنَا الشَّامِلُ لِلِّوَاطِ مَغِيبُ حَشَفَةِ آدَمِيٍّ فِي فَرْجِ آخَرَ دُونَ شُبْهَةِ حِلِّهِ عَمْدًا " (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَقُلْ الزِّنَا الْأَعَمُّ وَيَحُدُّهُ بِحَدٍّ يَخُصُّهُ كَمَا سَيَأْتِي لَهُ فِي الْقَذْفِ وَتَقَدَّمَتْ أَمْثَالُهُ وَهُنَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فَمَا سِنُّ كَوْنِهِ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَدِّ الْأَعَمِّ (قُلْت) الْأَعَمِّيَّةُ فِي الزِّنَا هُنَا تَتَقَرَّرُ بِوَجْهَيْنِ أَعَمِّيَّةٌ بِاعْتِبَارِ دُخُولِ اللِّوَاطِ وَعَدَمِهِ وَأَعَمِّيَّةٌ فِيمَا لَا يَكُونُ فِيهِ حَدٌّ وَمَا يَكُونُ فِيهِ وَالثَّانِيَةُ الَّذِي ذَكَرُوا فِي الْقَذْفِ وَخَصَّهَا بِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ سِرُّ الِاخْتِصَاصِ قَوْلُهُ " مَغِيبٌ " اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى غَيْبَةِ الْحَشَفَةِ وَقَوْلُهُ " حَشَفَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْحَشَفَةِ أَوْ بَعْضَ الْحَشَفَةِ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ شَرْعًا ذَلِكَ وَتَأَمَّلْ إذَا كَانَ رَجُلٌ مَقْطُوعَ الْحَشَفَةِ وَقَدْ غَابَ مِنْ ذَكَرِهِ مِقْدَارُ الْحَشَفَةِ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَ فِي الْغُسْلِ فِي الطَّهَارَةِ قَوْلُهُ " آدَمِيٍّ " أَخْرَجَ بِهِ حَشَفَةَ غَيْرِهِ إذَا عَبِثَتْ بِذَلِكَ امْرَأَةٌ قَوْلُهُ " فِي فَرْجٍ " أَخْرَجَ بِهِ مَغِيبَهَا فِي غَيْرِ فَرْجٍ وَأُدْخِلَ الْفَرْجُ قُبُلًا أَوْ دُبُرًا لِأَنَّهُ يَعُمُّ اللِّوَاطَ كَمَا ذَكَرَ قَوْلُهُ " آخَرَ " عَلَى حَذْفِ الْمَوْصُوفِ أَيْ فِي فَرْجِ آدَمِيٍّ آخَرَ أَخْرَجَ بِهِ مَغِيبَهَا فِي غَيْرِ فَرْجِ الْآدَمِيِّ قَوْلُهُ دُونَ شُبْهَةٍ أَخْرَجَ بِهِ إذَا كَانَ لِشُبْهَةٍ فِي الْحِلِّيَّةِ إمَّا بِاعْتِقَادِ حِلِّيَّةٍ أَوْ بِجَهْلٍ وَتَخْرُجُ الْأَمَةُ الْمُحَلَّلَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 وَوَطْءُ الْأَبِ أَمَةَ ابْنِهِ لَا زَوْجَةَ ابْنِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ زِنًا لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَهُ شُبْهَةٌ فِي مَالِهِ لِلْحَدِيثِ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَلَا شُبْهَةَ فِي زَوْجَتِهِ قَوْلُهُ " عَمْدًا " أَخْرَجَ بِهِ الْغَلَطَ أَوْ النِّسْيَانَ أَوْ الْجَهْلَ. (فَإِنْ قُلْت) إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَمَا حَرُمَ بِالسَّنَةِ وَوَطْءُ الْوَطْءِ الْمَذْكُورُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا عَلَى قَوْلِهَا لِأَنَّ لَازِمَ الزِّنَا نَفْيٌ عَنْهُ لِنَفْيِ الْحَدِّ عَنْهُ وَإِنَّمَا فِيهِ الْعُقُوبَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِّ النِّكَاحِ مَا يَفْصِلُ فِيهِ بَيْنَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالزِّنَا وَحَدُّهُ يَصْدُقُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ فِيهِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ (قُلْتُ) نَمْنَعُ كَوْنَهُ لَا شُبْهَةَ فِيهِ بَلْ شُبْهَةُ الْخِلَافِ هَلْ هُوَ زَانٍ أَوْ لَا وَقَدْ ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ (فَإِنْ قُلْتَ) تَقَدَّمَ فِي حَدِّ النِّكَاحِ أَنَّ مِنْ صِفَتِهِ فِي رَسْمِهِ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَاقِدُ عَالِمًا حُرْمَتَهَا إنْ حُرِّمَتْ بِالْكِتَابِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ حُرِّمَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَهَذِهِ الصُّورَةُ لَيْسَتْ بِزِنًا عَلَى قَاعِدَةِ الْمَشْهُورِ وَزِنًا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَهَلْ مَا نُسِبَ إلَيْهَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَ فِي النِّكَاحِ أَوْ مُخَالِفٌ (قُلْتُ) بَلْ ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِلْقَيْدِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِّ النِّكَاحِ وَتَقَدَّمَ مُعَارَضَةُ الْمُعْتَدَّةِ بِالْخَامِسَةِ عَلَى قَوْلِهَا. (فَإِنْ قُلْت) الشَّيْخُ فِي الطَّهَارَةِ فِي حَدِّ مُوجِبِ الْغُسْلِ قَيَّدَ الْمَغِيبَ مِنْ الْحَشَفَةِ بِغَيْرِ خُنْثَى فَهَلْ يَلْزَمُ هُنَا ذَلِكَ أَوْ لَا يَلْزَمُ (قُلْتُ) لَمْ يَظْهَرْ عَنْهُ قُوَّةُ جَوَابٍ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ هُوَ أَنْ يَطَأَ فَرْجَ آدَمِيٍّ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ بِاتِّفَاقٍ مُتَعَمِّدًا فَيَتَنَاوَلُ اللِّوَاطَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْرَدْت عَلَيْهِ أَسْئِلَةً وَاهِيَةً لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهَا وَأَشَارَ إلَى مَا أَطَالَ فِيهِ شَيْخُهُ هَذَا رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ بِمَنِّهِ وَذَكَرَ الْأَشْبَهَ فِي الِاعْتِرَاضِ وَهُوَ خُرُوجُ زِنَا الْمَرْأَةِ الْمَوْطُوءَةِ لِأَنَّهَا مَوْطُوءَةٌ لَا وَاطِئَةٌ وَأَجَابَ شَيْخُهُ بِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُمْكِنُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ غَايَةَ مَا ذَكَرَ مِنْ التَّلَازُمِ التَّلَازُمُ فِي الْوُجُودِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ التَّلَازُمَ فِي الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ فِي التَّعْرِيفِ وَهَذَا حَقٌّ وَكَلَامُ صِدْقٍ ثُمَّ إنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ زَادَ بَعْدَ حَدِّهِ فَيَدْخُلُ اللِّوَاطُ وَإِتْيَانُ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي دُبُرِهَا وَفِي كَوْنِهِ زِنًا أَوْ لِوَاطًا قَوْلَانِ فَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ عَانَدَ بَيْنَ اللِّوَاطِ وَالزِّنَا وَتَقَدَّمَ لَهُ دُخُولُ اللِّوَاطِ تَحْتَ الزِّنَا فَيَكُونُ اللِّوَاطُ قِسْمًا مِنْ الزِّنَا وَقَسِيمًا لَهُ هَذَا خُلْفٌ وَبَيَانُ إيرَادِ مَا ذَكَرَ وَاضِحٌ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنْ قَالَ إنَّمَا يُرَدُّ فِي مَانِعِيَّةِ الْجَمْعِ وَالْخُلُوِّ. قَالَ الشَّيْخُ هَذَا الْكَلَامُ ضَعِيفٌ جِدًّا لَا يَلِيقُ بِمِثْلِهِ لِوُضُوحِ امْتِنَاعِهِ فِي مَانِعَةِ الْجَمْعِ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ الشَّيْءِ وَالْأَخَصِّ مِنْ نَقِيضِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ جُزْئِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 أَخَصَّ مِنْ الْآخَرِ فَيُؤَدِّي إلَى جَوَازِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى بَسْطِ لَفْظِهِ وَتَقْرِيرُ كَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَوْضِعُ الرَّدِّ عَلَيْهِ لَا شَكَّ أَنَّ الْعِنَادَ الْعَقْلِيَّ انْحَصَرَ فِي ثَلَاثَةِ أُمُورٍ فِي الْعِنَادِ الْحَقِيقِيِّ كَقَوْلِهِ: الْجِسْمُ إمَّا مُتَحَرِّكٌ أَوْ سَاكِنٌ وَعِنَادُ مَانِعَةِ الْجَمْعِ كَقَوْلِنَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ وَعِنَادُ مَانِعَةِ الْخُلُوِّ كَقَوْلِنَا إمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّيْءُ حَيَوَانًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَا إنْسَانًا فَالْأُولَى تَرَكَّبَتْ مِنْ الشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ مِثْلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْجِسْمُ مُتَحَرِّكًا أَوْ غَيْرَ مُتَحَرِّكٍ أَوْ مُسَاوٍ لِنَقِيضِهِ كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ فَمِنْ لَازِمِهَا أَنْ لَا يَقَعَ جَمْعٌ وَلَا رَفْعٌ بَيْنَ أَجْزَائِهَا وَالثَّانِيَةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الشَّيْءِ وَالْأَخَصِّ فَمِنْ نَقِيضِهِ كَالْمِثَالِ الثَّانِي فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَخَصُّ مِنْ نَقِيضِ الْآخَرِ وَالثَّالِثَةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الشَّيْءِ وَالْأَعَمِّ مِنْ نَقِيضِهِ كَالْمِثَالِ الثَّالِثِ وَمِنْ لَازِمِ الثَّانِيَةِ عَدَمُ الِاجْتِمَاعِ وَجَوَازُ الِارْتِفَاعِ وَمِنْ لَازِمِ الثَّالِثَةِ عَدَمُ الِارْتِفَاعِ وَجَوَازُ الِاجْتِمَاعِ فَإِنَّ الْحَيَوَانَ مَعَ الْإِنْسَانِ كُلُّ وَاحِدٍ أَعَمُّ مِنْ نَقِيضِ الْآخَرِ فَلَا حَيَوَانَ أَعَمُّ مِنْ لَا إنْسَانٍ لِأَنَّ نَفْيَ الْأَعَمِّ أَعَمُّ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ وَحَيَوَانٌ أَعَمُّ مِنْ إنْسَانٍ وَصَحَّ أَنَّهُمَا لَا يَرْتَفِعَانِ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي الْفَرَسِ فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ جُمْلَةً فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ زِنًا أَوْ لِوَاطًا كَقَوْلِنَا إمَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ الْوَاطِئِ زِنًا أَوْ لِوَاطًا يَقُولُ شَارِحُهُ لَهُ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْته لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قِسْمُ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ وَهُوَ مُحَالٌ عَقْلًا لِاجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يُنَافِيَهُ هَذَا خُلْفٌ لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ كَوْنِهِ قِسْمَهُ أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ مِنْهُ فَيَجْتَمِعُ مَعَهُ ضَرُورَةُ اجْتِمَاعِ الْأَخَصِّ مَعَ أَعَمِّهِ وَمِنْ لَازِمِ كَوْنِهِ قَسِيمَهُ أَنْ يُنَافِيَهُ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ فِي الْأَوْلَى أَنَّ الْمُؤَلِّفَ صَيَّرَ الزِّنَا أَعَمَّ مِنْ اللِّوَاطِ لِقَوْلِهِ فِي حَدِّهِ فَيَدْخُلُ اللِّوَاطُ وَذَلِكَ يُوجِبُ كَوْنَهُ قِسْمَهُ وَالزِّنَا أَعَمُّ مِنْهُ وَهُوَ أَخَصُّهُ وَكَوْنُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ هَلْ هَذِهِ الصُّورَةُ مَعْنَاهَا زِنًا أَوْ لِوَاطًا يُوجِبُ الْعِنَادَ وَالتَّنَافِي وَهَذَا يُنَافِي كَوْنَ اللِّوَاطِ قِسْمًا مِنْ الزِّنَا فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْقَوْمِ وَظَهَرَ السُّؤَالُ عَلَى لَفْظِهِ كَمَا يَجِبُ فَاعْتَذَرَ عَنْهُ الشَّيْخُ شَارِحُهُ بِقَوْلِهِ لَكِنَّ هَذَا السُّؤَالَ إنَّمَا يَرِدُ فِي مَانِعَةِ الْجَمْعِ وَالْخُلُوِّ فَلَمَّا تَأَمَّلْت هَذَا الْكَلَامَ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ لِلِاعْتِذَارِ وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ بِوَجْهٍ وَلَعَلَّهُ فِيهِ بَتْرٌ وَيَكُونُ أَصْلُهُ وَهَذَا السُّؤَالُ إنَّمَا يَرِدُ فِي مَانِعَةِ الْجَمْعِ وَالْحَقِيقَةُ لَا فِي مَانِعَةِ الْخُلُوِّ وَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِهِ فَيُقَالُ الْعِنَادُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَقَعُ كَوْنُ أَحَدِ الْأَجْزَاءِ فِي الْقَضِيَّةِ قِسْمًا إذَا كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ ضَرُورَةُ إحَالَةِ النَّقِيضِ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 مُسَاوِيهِ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا مِنْ نَقِيضِهِ. وَكَذَلِكَ مَانِعَةُ الْجَمْعِ لِلْإِحَالَةِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَأَمَّا مَانِعَةُ الْخُلُوِّ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ فِي كُلٍّ مِنْ أَجْزَائِهَا الِاجْتِمَاعُ فَلَا إحَالَةَ فِي الْقِسْمِ فِيهَا أَنْ يَكُونَ جُزْءًا مِنْ الْآخَرِ هَذَا إنْ صَحَّ كَذَلِكَ فَهُوَ أَقْرَبُ فِي مَعْنَى جَوَابِهِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَكَوْنُ الشَّيْخِ صَحَّحَ لَفْظَهُ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَلِيقُ بِمِثْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نُسْخَتَهُ كَذَلِكَ صَحَّتْ لَكِنَّ حَقَّهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا كَلَامٌ لَا يَلْتَئِمُ بِهِ جَوَابٌ بِوَجْهٍ وَلَا يَجْرِي عَلَى مَعْقُولٍ فِي فَهْمِهِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِوُضُوحِ امْتِنَاعِهِ فِي مَانِعَةِ الْجَمْعِ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ الشَّيْءِ وَالْأَخَصِّ مِنْ نَقِيضِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ جُزْأَيْهَا أَخَصَّ مِنْ الْآخَرِ فَيُؤَدِّي إلَى جَوَازِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى الطَّرِيقِ الْعِلْمِيِّ أَنْ نَقُولَ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَ شَيْخُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ ظَاهِرِ لَفْظِهِ أَنَّ قِسْمَ الشَّيْءِ إنَّمَا يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ قَسِيمًا لَهُ فِي الْحَقِيقِيَّةِ فَقَطْ لَزِمَ أَنْ يَصِحَّ ذَلِكَ فِي مَانِعَةِ الْجَمْعِ وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِمَا نُقَرِّرُهُ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ مَا عَدَا الْحَقِيقِيَّةَ مَنْعُ خُلُوٍّ وَمَنْعُ جَمْعٍ فَلَا يَصِحُّ فِي مَانِعَةِ الْجَمْعِ وَإِلَّا اجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ قَامَ الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ عَلَى أَنَّ مَانِعَةَ الْجَمْعِ تَرَكَّبَتْ أَجْزَاؤُهَا مِنْ الشَّيْءِ وَالْأَخَصِّ مِنْ نَقِيضِهِ قَطْعًا وَلَازِمُ ذَلِكَ عَقْلًا عَدَمُ اجْتِمَاعِهِمَا قَطْعًا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْجُزْأَيْنِ قَسِيمًا لِلْآخَرِ فَلَوْ فَرَضْنَاهُ قِسْمًا مِنْ الْآخَرِ مَعَ مَا قُرِّرَ كَانَ أَخَصَّ مِنْ الْآخَرِ وَالْأَخَصُّ يَسْتَلْزِمُ الْأَعَمَّ فَإِذَا قُلْنَا إمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا مُتَحَرِّكًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَاكِنًا وَقُلْنَا بِجَوَازِ مَا أَلْزَمْنَاهُ لَهُ لَزِمَ فِي الْوُجُودِ أَنْ يَكُونَ اجْتَمَعَ فِيهِ مُتَحَرِّكٌ لَا مُتَحَرِّكٌ وَهَذَا مُحَالٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَقَامُوا الْبُرْهَانَ عَلَى أَنَّ مَانِعَةَ الْجَمْعِ يَصِحُّ تَرْكِيبُهَا مِنْ أَكْثَرَ مِنْ جُزْأَيْنِ بِخِلَافِ مَانِعَةِ الْخُلُوِّ وَيَمْتَنِعُ فِي الْحَقِيقِيَّةِ أَنْ تَتَرَكَّبَ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ جُزْأَيْنِ كَمَا قُرِّرَ ذَلِكَ فِي مَحِلِّهِ مُفَرَّعًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ خَاصِّيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثِ. وَلَا يُقَالُ إنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ فَرْدًا أَوْ زَوْجَ الزَّوْجِ أَوْ زَوْجَ الْفَرْدِ أَوْ زَوْجَ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ وَهَذَا التَّرْكِيبُ صَحِيحٌ عَقْلًا وَهِيَ حَقِيقِيَّةٌ فَقَدْ تَرَكَّبَتْ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْئَيْنِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الْمُسَاوِيَ لِلنَّقِيضِ قَضِيَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ فَالْحَقِيقَةُ تَرَكَّبَتْ مِنْ حَمْلِيَّةٍ وَقَضِيَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ فَتُسَمَّى الْقَضِيَّةُ ذَاتَ أَجْزَاءٍ فَيَظُنُّونَ أَنَّ الْحَقِيقِيَّةَ تَرَكَّبَتْ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَنَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْبَحْثُ مِنْ بَعْضِ الطَّلَبَةِ فِي ذَلِكَ وَغَلِطَ فِيهِ وَقَدْ بَيَّنَ الْأَثِيرُ وَغَيْرُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ وُجِدَتْ مَنْقُولَانِ عَنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَرَّرَ ذَلِكَ تَقْرِيرًا حَسَنًا قَالَ مَعْنَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ فَرْدًا أَوْ زَوْجًا ثُمَّ قُلْنَا الزَّوْجُ إمَّا أَنْ يَكُونَ كَذَا أَوْ كَذَا فَقَسَمْنَاهُ إلَى أَقْسَامٍ فَقَدْ تَرَكَّبَتْ الشَّرْطِيَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ مِنْ حَمْلِيَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي شَرْطِ إيجَابِ الزِّنَا الْحَدَّ] (ش ر ط) : بَابٌ فِي شَرْطِ إيجَابِ الزِّنَا الْحَدَّ قَالَ تَكْلِيفُ الزَّانِي إجْمَاعًا وَإِسْلَامُهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ قَوْلُهُ " تَكْلِيفُ الزَّانِي " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَلَمَّا نَقَلَ الشَّيْخُ الْإِجْمَاعَ اعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِهَا إذَا شَارَفَ الْبُلُوغَ قَالَ مَالِكٌ مُدَّةً يُحَدُّ قَالَ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْبُلُوغَ يَتَقَرَّرُ بِالْإِنْبَاتِ قَوْلُهُ " وَالْإِسْلَامُ " هَذَا لَيْسَ بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ يُحَدُّ (فَإِنْ قُلْتَ) لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ غَيْرَ هَذَا مِنْ الشُّرُوطِ وَهُوَ الطَّوْعُ فَإِنَّ الْمُكْرَهَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ (قُلْتُ) لَا شَكَّ أَنَّهُ أَسْقَطَ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ وَلَا يُجَابُ بِأَنَّ شَرْطَ الطَّوْعِ فِيهِ خِلَافٌ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْإِسْلَامَ وَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ الْخِلَافَ وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ شَرْطُ مُوجَبِهِ الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ قَالَ شَارِحُهُ يَنْبَغِي ضَبْطُهُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الزِّنَا. [بَابٌ فِي شَرْطِ الْإِحْصَانِ الْمُوجِبِ لِلرَّجْمِ] (ش ر ط) : بَابٌ فِي شَرْطِ الْإِحْصَانِ الْمُوجِبِ لِلرَّجْمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا مَعْنَاهُ الْوَطْءُ الْمُبَاحُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ لَا خِيَارَ فِيهِ مِنْ بَالِغٍ مُسْلِمٍ حُرٍّ قَوْلُهُ " الْوَطْءُ الْمُبَاحُ " أَخْرَجَ بِهِ الْحَرَامَ مِنْ الْوَطْءِ مُطْلَقًا وَفِي بَعْضِهِ خِلَافٌ وَالرَّسْمُ لِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " بِنِكَاحٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْوَطْءَ بِالْمِلْكِ قَوْلُهُ " صَحِيحٌ " أَخْرَجَ بِهِ الْوَطْءَ الْفَاسِدَ فِي النِّكَاحِ قَوْلُهُ لَا خِيَارَ فِيهِ أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ اللَّازِمِ قَوْلُهُ " بَالِغٍ " أَخْرَجَ بِهِ الصَّبِيَّ قَوْلُهُ " مُسْلِمٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْكَافِرَ وَقَوْلُهُ " حُرٍّ " أَخْرَجَ بِهِ الْعَبْدَ وَأَكْثَرُ هَذِهِ الشُّرُوطِ إذَا اخْتَلَّتْ يَدْخُلُ الْخِلَافُ فِيهِ اُنْظُرْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعَقْلَ وَلَا الطَّوْعَ فَظَاهِرُهُ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وُجُودِ الشَّرْطَيْنِ أَنَّ الرَّجْمَ ثَابِتٌ وَأَنَّ الْإِحْصَانَ ثَابِتٌ بِاتِّفَاقٍ بِمَا ذَكَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ (قُلْتُ) يُرَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَيَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ عَنْهُ وَتَأَمَّلْ كَلَامَهُ مَعَ مَا اشْتَرَطَ الْأَشْيَاخُ فِي بَابِ النِّكَاحِ فِيمَا يَجْمَعُ شُرُوطَ الْإِحْصَانِ فِي قَوْلِهِمْ شُرُوطُ الْإِحْصَانِ سِتٌّ أَتَتْ ... فَخُذْهَا عَنْ النَّصِّ مُسْتَفْهِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 بُلُوغٌ وَعَقْلٌ وَحُرِّيَّةٌ ... وَرَابِعُهَا كَوْنُهُ مُسْلِمَا وَعَقْدٌ صَحِيحٌ وَوَطْءٌ مُبَاحٌ ... مَتَى اخْتَلَّ شَرْطٌ فَلَنْ يُرْجَمَا وَقَدْ ذَكَرَ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ وَكُلِّيَّتُهَا فِي قَوْلِهَا فِي النِّكَاحِ الثَّالِثِ كُلُّ وَطْءٍ أَحْصَنَ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَإِنَّهُ يُحِلُّ الْمَبْتُوتَةَ وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُحِلُّ يُحْصِنُ قَالَ الشَّيْخُ وَكَانَ يَجْرِي لَنَا نَقْضُ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ بِمَا نَقَلَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَطْءُ الْمَجْنُونَةِ يُحْصِنُ الْوَاطِئَ وَلَا يُحِلُّهَا فَتَأَمَّلْ جَوَابَ ذَلِكَ. [بَابٌ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا] (ث ب ت) : بَابٌ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا يُؤْخَذُ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَوَّلِ كَلَامِهِ وَآخِرِهِ أَنَّهُ الْإِقْرَارُ بِالزِّنَا طَائِعًا أَوْ ثُبُوتُ الزِّنَا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ أَوْ بِظُهُورِ الْحَمْلِ أَمَّا الْإِقْرَارُ فَقَالَ نُصُوصُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَاضِحَةٌ بِحَدِّ الْمُقِرِّ طَوْعًا وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً وَشَهَادَةُ أَرْبَعَةٍ اُتُّفِقَ عَلَى عَمَلِهَا وَاخْتُلِفَ فِي ثُبُوتِ الْإِقْرَارِ بِشَاهِدَيْنِ وَثُبُوتُ الْحَمْلِ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا ذَكَرُوهُ هُنَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي شَرْطِ شَهَادَةِ الزُّورِ] ِ اُنْظُرْ مَا تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي الْحَدِّ وَالتَّغْرِيبِ] ِ ذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ. [بَابُ الْقَذْفِ] (ق ذ ف) : بَابُ الْقَذْفِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ " الْقَذْفُ الْأَعَمُّ نِسْبَةُ آدَمِيٍّ غَيْرَهُ لِزِنًا أَوْ قَطْعُ نَسَبِ مُسْلِمٍ " قَالَ " وَالْأَخَصُّ لِإِيجَابِ الْحَدِّ وَنِسْبَةُ آدَمِيٍّ مُكَلَّفٍ غَيْرَهُ حُرًّا عَفِيفًا مُسْلِمًا بَالِغًا أَوْ صَغِيرَةً تُطِيقُ الْوَطْءَ لِزِنًا أَوْ قَطْعُ نَسَبِ مُسْلِمٍ " قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 نِسْبَةُ آدَمِيٍّ " مَعْنَى قَوْلِهِ نِسْبَةٌ أَيْ حُكْمٌ بِزِنًا إسْنَادًا أَوْ تَقْيِيدًا وَيَدْخُلُ فِيهِ التَّصْرِيحُ وَالتَّلْوِيحُ وَهُوَ التَّعْرِيضُ وَالْآدَمِيُّ مُضَافٌ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ وَالْغَيْرُ مَفْعُولُ قَوْلِهِ " غَيْرَهُ " أَخْرَجَ بِهِ قَذْفَ نَفْسِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) النِّسْبَةُ لِلْغَيْرِ تَصْدُقُ إذَا نُسِبَ إلَى ذَاتِهِ وَإِنْ نُسِبَ إلَى جُزْئِهِ فَكَيْفَ يَصْدُقُ فِيهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ قَذْفٌ (قُلْتُ) لَا يَخْرُجُ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ نِسْبَةُ آدَمِيٍّ آدَمِيًّا غَيْرَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْحَدِّ نِسْبَةُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ غَيْرَهُ وَنِسْبَةُ الْعَبْدِ وَكَثِيرًا مِمَّا لَا يَتَقَرَّرُ شُرُوطُ الْقَذْفِ فِيهِ إمَّا بِاتِّفَاقٍ أَوْ بِخِلَافٍ لِأَنَّهُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ مِمَّا يَلْزَمُ فِيهِ الْحَدُّ قَوْلُهُ " لِزِنًا " تَقَدَّمَ حَدُّ الزِّنَا فَذِكْرُهُ فِي الْحَدِّ صَحِيحٌ فَصَحَّ التَّعْرِيفُ بِهِ لِتَقَدُّمِ مَعْرِفَتِهِ قَوْلُهُ " أَوْ قَطْعُ نَسَبِ مُسْلِمٍ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا لَمْ يَقْطَعْ نَسَبًا أَوْ قَطَعَ نَسَبَ غَيْرِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى قَذْفًا الْأَوَّلُ إذَا قَالَ لِرَجُلٍ لَسْت ابْنًا لِفُلَانَةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ قَذْفًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ عَنْهَا وَإِنْ قَالَ لَيْسَ أَبُوك الْكَافِرَ ابْنُ أَبِيهِ فَلَمْ يَقْطَعْ نَسَبًا أَيْضًا فَلِذَا قَالَ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ " وَالْأَخَصُّ " تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الزِّنَا وَلَمْ يَظْهَرْ الْجَوَابُ عَنْهُ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ صُوَرِ الزِّنَا لَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُ الْحَدِّ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ زِنًا. وَالشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَوْرَدَ سُؤَالًا عَلَى تَعْرِيفِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِصِدْقِهِ عَلَى مَنْ قَذَفَ غَيْرَ عَفِيفٍ وَأَجَابَ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقَذْفِ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ صُورَةٍ وَانْتِفَاءُ الْحَدِّ عَنْ تِلْكَ الصُّورَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْقَذْفِ عَنْهَا لِأَنَّ الْحَدَّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْحَقِيقَةَ لَا يَحْصُلُ أَثَرُهَا إلَّا عِنْدَ تَوَفُّرِ شُرُوطِهَا لَا يُقَالُ وَمَا ذَكَرَهُ وَصَحَّحَهُ يُوجِبُ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى تَقْسِيمٍ إلَى الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ لِأَنَّا نَقُولُ لَعَلَّ الشَّيْخَ يَقُولُ إنْ عُرْفَ الْفُقَهَاءِ يَجْعَلُونَ لَهُ مَعْنَيَيْنِ وَغَلَبَ فِيهِمَا وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ قَوْلُهُ " آدَمِيٍّ مُكَلَّفٍ " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَذْفٌ يُوجِبُ الْحَدَّ قَوْلُهُ " حُرًّا عَفِيفًا " إنَّمَا قَيَّدَ بِهَذِهِ الْقُيُودِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْقَيْدِ الْأَوَّلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَوْلُهُ " أَوْ صَغِيرَةً " أَدْخَلَ بِهِ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ وَبَاقِيهِ جَلِيٌّ مِمَّا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ هُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى الزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ أَوْ النَّفْيِ عَنْ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ لِغَيْرِ الْمَجْهُولِ فِيهِ تَكْرَارُ الثَّانِي وَالْأَخِيرِ إذْ الْمَجْهُولُ لَا نَسَبَ لَهُ مَعْرُوفٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ نَفْيُهُ تَأَمَّلْ الثَّانِيَ فِي كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الزِّنَى أَعَمُّ مِنْ اللِّوَاطِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِيهِ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قِسْمُ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ وَكَذَلِكَ فِي تَأْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 الْأَخِيرَةِ إلَّا أَنَّ أَوْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ وَغَايَتُهُ يَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الصِّيغَةِ الصَّرِيحَةِ لِلْقَذْفِ] (ص وغ) : بَابُ الصِّيغَةِ الصَّرِيحَةِ قَالَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ بِذَاتِهِ أَيْ مَا دَلَّ عَلَى الْقَذْفِ بِذَاتِهِ وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ التَّعْرِيضَ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِالذَّاتِ وَالصَّرِيحُ لَا يَنْفَعُ فِيهِ دَعْوَى مَا يُخَالِفُ اللَّفْظَ. [بَابٌ فِي التَّعْرِيضِ بالقذف] (ع ر ض) : بَابٌ فِي التَّعْرِيضِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " هُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ بِقَرِينَةٍ بَيِّنَةٍ " قَوْلُهُ " بِقَرِينَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ الصَّرِيحَ وَقَوْلُهُ " بَيِّنَةٍ " أَيْ ظَاهِرَةٍ أَخْرَجَ بِهِ الْقَرَائِنَ الْخَفِيَّةَ قَالَ ابْنُ شَاسٍ مِثْلُ قَوْلِهِ أَمَّا أَنَا فَلَسْت بِزَانٍ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُقَيَّدُ بِالْمُشَاتَمَةِ وَقَدْ أَطْلَقَ الصَّقَلِّيُّ الْمُدَوَّنَةِ وَقَيَّدَهَا ابْنُ شَاسٍ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ هُنَا الصَّرِيحَ وَالتَّعْرِيضَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْكِنَايَةَ وَابْنُ الْحَاجِبِ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ وَقَالَ الْكِنَايَةُ كَذَلِكَ كَمَا إذَا قَالَ يَا رُومِيُّ لِلْعَرَبِيِّ (قُلْتُ) شَارِحُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يَجْعَلُونَ اللَّفْظَ هُنَا عَلَى قِسْمَيْنِ صَرِيحٌ وَمَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعْرِيضٌ فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ الَّذِي مَرَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ هُنَا وَهَذَا يَقْرُبُ مِمَّا وَقَعَ لِلْفُقَهَاءِ فِي التَّعْرِيضِ فِي الْخِطْبَةِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا الْوَاقِعُ مِنْ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ إمَّا وَعْدٌ أَوْ مُوَاعَدَةٌ أَوْ تَصْرِيحٌ بِالْخِطْبَةِ أَوْ تَعْرِيضٌ وَالتَّعْرِيضُ فِي ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى كَلَامٍ مُحْتَمِلٍ لِقَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ وَيَحْتَمِلُ عَدَمَ قَصْدِهِ وَالْقَرِينَةُ الْحَالِيَّةُ أَوْ الْقَوْلِيَّةُ تُعَيِّنُ قَصْدَهُ وَدَلَالَتُهَا عَلَى قَصْدِهِ أَرْجَحُ وَقَالُوا هُنَاكَ الْكِنَايَةُ تَرْجِعُ إلَى ذِكْرِ الشَّيْءِ وَقَصْدِهِ بِذِكْرِ لَازِمِهِ فَالْأَوَّلُ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا تَفُوتنِي بِنَفْسِك لِلْمُعْتَدَّةِ وَالثَّانِي مِثْلُ لَا يَضَعُ عَصَاهُ عَلَى عَاتِقِهِ فَهَذَا ظَاهِرٌ أَنَّ التَّعْرِيضَ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَ وَأَنَّ التَّعْرِيضَ يُقَابِلُ الصَّرِيحَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَطْلَقَ التَّعْرِيضَ عَلَى مَا يَعُمُّ الْكِنَايَةَ وَيَكُونُ اصْطِلَاحًا مُخَالِفًا لِكَلَامِ أَهْلِ الْبَيَانِ. (فَإِنْ قُلْتَ) فَابْنُ الْحَاجِبِ سَلَكَ مَسْلَكَا أَصْحَابِ الْبَيَانِ فِي تَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ التَّعْرِيضِ وَالْكِنَايَةِ قَالَ وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا مَعْرِفَتُهُ بِعِلْمِ الْبَيَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 الثَّانِي التَّنْكِيتُ عَلَى الْفُقَهَاءِ فِي مُخَالَفَتِهِمْ لِعِلْمِ الْبَيَانِ قَالَ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحِ إذْ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ بَلْ لِأَنَّ دَلَالَةَ التَّعْرِيضِ أَقْوَى مِنْ الْكِنَايَةِ وَالْوَارِدُ عَنْ عُمَرَ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إنَّمَا هُوَ فِي التَّعْرِيضِ (فَإِنْ قُلْتَ) لَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْكَلَامَ وَسَلَّمَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كَوْنِ مَا أَنَا بِزَانٍ أَنَّهُ تَعْرِيضٌ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ يَا رُومِيُّ لِلْعَرَبِيِّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ وَالْحُكْمُ عِنْدَهُ سَوَاءٌ فَحَقُّهُ أَنْ يُبَيِّنَ هُنَا اصْطِلَاحَ أَهْلِ الْبَيَانِ أَوْ بَعْضَ مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَصْدُقَ اسْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى مَحِلِّهِ (قُلْتُ) رَأَى ذَلِكَ ظَاهِرًا وَرَأَى كَلَامَهُمْ فِيهِ اضْطِرَابٌ وَأَحْسَنُ مَا يَقْرُبُ بِهِ مَا هُنَا كَلَامُ ابْنِ الْأَثِيرِ قَالَ فِي الْمَثَلِ السَّائِرِ الْكِنَايَةُ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى جَانِبَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِوَصْفٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ فِي الْمُفْرَدِ وَالْمُرَكَّبِ وَالتَّعْرِيضِ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُ عَلَى مَعْنًى لَا مِنْ جِهَةٍ لِلْوَضْعِ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الْمَجَازِيِّ بَلْ مِنْ جِهَةِ التَّلْوِيحِ وَالْإِشَارَةِ فَيَخْتَصُّ بِاللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ كَقَوْلِ مَنْ يَتَوَقَّعُ صَدَقَةً أَنَا مُحْتَاجٌ فَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالطَّلَبِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لَهُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَإِنَّمَا فُهِمَ مِنْهُ الْمَعْنَى مِنْ عَرْضِ اللَّفْظِ أَيْ جَانِبِهِ فَهَذَا كَلَامٌ إذَا تَأَمَّلْته مَعَ كَلَامِ صَاحِبِ الْكَشَّافِ وَكَلَامِ السَّكَّاكِيِّ تَجِدُ فِيهِ بَعْضَ مُخَالَفَةٍ وَلَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَيَانِهِ وَفِيهِ أَبْحَاثٌ لَهُمْ فَإِذَا قَرَّرْنَا كَلَامَ ابْنِ الْأَثِيرِ وَفَهِمْنَاهُ عَلِمْنَا قَصْدَهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّك إذَا قُلْت فُلَانٌ كَثِيرُ الرَّمَادِ هَذَا كَلَامٌ قَابِلٌ لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لِأَجْلِ وَصْفٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّمَادِ وَهَذَا حَقِيقَةٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ لَازِمَ ذَلِكَ وَهُوَ الْكَرَمُ النَّاشِئُ عَنْ كَثْرَةِ الطَّبْخِ وَهُوَ مَجَازٌ وَأَمَّا التَّعْرِيضُ فَهُوَ لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى مَعْنًى لَا مِنْ جِهَةِ احْتِمَالِ الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَازِ بَلْ فُهِمَ ذَلِكَ وَقُصِدَ مِنْ جِهَةِ التَّلْوِيحِ وَالْإِشَارَةِ كَمَا إذَا قَالَ أَنَا مُحْتَاجٌ فَهَذَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى وَهُوَ طَلَبُ الْمُحْتَاجِ مِنْ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ فُهِمَ مِنْهُ مَا لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْفَهْمُ مِنْ عَرَضٍ أَيْ مِنْ نَاحِيَةِ اللَّفْظِ لِسِيَاقٍ دَلَّ عَلَى الْقَصْدِ وَاللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الطَّلَبِ لَا بِالْحَقِيقَةِ وَلَا بِالْمَجَازِ مِثْلُ الْكِنَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمِثَالِ. وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيُقَالُ ابْنُ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَيَّرَ قَوْلَهُ مَا أَنَا بِزَانٍ تَعْرِيضًا وَقَالَ فِي مَا أَنْتَ بِحُرٍّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ وَكَذَا يَا فَارِسِيُّ لِعَرَبِيٍّ فَكَيْفَ يَجْرِي رَسْمُ ابْنِ الْأَثِيرِ عَلَى ذَلِكَ (قُلْتُ) هَذَا يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 [بَابٌ فِي شَرْطِ وُجُوبِ حَدِّ الْقَذْفِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَكْلِيفُ الْقَاذِفِ اقْتَصَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ قَالَ وَنُصُوصُ الْمَذْهَبِ وَاضِحَةٌ بِذَلِكَ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْبُلُوغَ وَالْعَقْلَ (فَإِنْ قُلْتَ) السَّكْرَانُ فِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ حَدُّهُ إذَا قَذَفَ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ عَذَرَهُ وَرَآهُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ. [بَابٌ فِي شَرْطِ الْحَدِّ لِلْمَقْذُوفِ بِفِعْلِ الزِّنَا] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بُلُوغُهُ وَإِسْلَامُهُ وَعَفَافُهُ وَحُرِّيَّتُهُ وَعَقْلُهُ حِينَ رَمْيِهِ بِالْفَاحِشَةِ قَوْلُهُ " بُلُوغُهُ " أَخْرَجَ الصَّبِيَّ إذَا رَمَاهُ بِالْفَاحِشَةِ قَوْلُهُ " إسْلَامُهُ " أَخْرَجَ الْكَافِرَ كَذَلِكَ (قُلْتُ) إذَا قَذَفَ كَافِرًا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِذَا قَذَفَ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ مَا حُكْمُهُ (قُلْتُ) نَصُّهَا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ (فَإِنْ قُلْتَ) وَهَلْ يَصْدُقُ حَدُّهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ (قُلْت) يَظْهَرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ " وَعَفَافُهُ " أَخْرَجَ غَيْرَ الْعَفِيفِ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ لَهُ قَوْلُهُ " وَحُرِّيَّتُهُ " أَخْرَجَ الْعَبْدَ إذَا رَمَاهُ قَوْلُهُ " وَعَقْلُهُ " أَخْرَجَ الْمَجْنُونَ إذَا رَمَاهُ بِالْفَاحِشَةِ حِينَ الْجُنُونِ وَلَمَّا ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الرَّسْمَ لِمَنْ قَذَفَ وَرَمَى بِالزِّنَا إذَا قَامَ بِالْحَدِّ قَالَ مَا مَعْنَاهُ إنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْمُدَوَّنَةِ كُلُّ مَا لَا يُقَامُ فِيهِ الْحَدُّ لَيْسَ عَلَى مَنْ رَمَى رَجُلًا بِهِ حَدُّ الْفِرْيَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا خِلَافُ مَا وَقَعَ فِي الزَّاهِيِّ أَنَّ مَنْ رَمَى امْرَأَةً بِبَهِيمَةٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُ الشَّيْخِ بُلُوغُهُ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ إطَاقَتُهُ لِلْوَطْءِ لِأَنَّهُ نَصٌّ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْمُطِيقَةَ لِلْوَطْءِ كَالْبَالِغَةِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا مَنْ قَذَفَ صَبِيَّةً وَمِثْلُهَا يُوطَأُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْجَهْمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا حَدَّ (قُلْتُ) لَعَلَّ ضَابِطَهُ لِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَحَقُّهُ أَيْضًا أَنْ يَذْكُرَ فِي الشَّرْطِ آلَةَ الْجِمَاعِ لِيَخْرُجَ بِهِ الْمَحْصُورُ وَالْمَجْبُوبُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيَخْتَصُّ الْبُلُوغُ وَالْعَفَافُ بِغَيْرِ الْمَنْفِيِّ (قُلْت) الشَّيْخُ لَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ الْمَقْذُوفُ الْمُقَيَّدُ وَعِنْد ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُطْلَقُ فَنَاسَبَ مَا ذَكَرَ بَعْدُ مِنْ التَّقْيِيدِ وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ فِي هَذَا الْكَلَامِ صَوَابٌ لِوُضُوحِ النُّصُوصِ قَالَ فِيهَا وَيُحَدُّ مَنْ قَطَعَ نَسَبًا مُطْلَقًا لَا بِقَيْدِ بُلُوغِهِ وَعَفَافِهِ. [بَابٌ فِي شَرْطِ الْحَدِّ فِي الْمَقْذُوفِ الْمَنْفِيِّ] : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 بَابٌ فِي شَرْطِ الْحَدِّ فِي الْمَقْذُوفِ الْمَنْفِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إسْلَامُهُ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا الْإِسْلَامُ فِي الْمَقْذُوفِ الْمَذْكُورِ وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ وَلَا حُرِّيَّتُهُ وَلَا عَفَافُهُ وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ لَسْت لِأَبِيك وَأَبَوَاهُ نَصْرَانِيَّانِ جُلِدَ الْحَدَّ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَأَبَوَاهُ حُرَّانِ لَسْت لِأَبِيك ضُرِبَ سَيِّدُهُ الْحَدَّ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يَصِحُّ اسْتِدْلَالُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَصِّهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ (قُلْت) لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِبُلُوغٍ وَلَا غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَنْفِيِّ شَرْطُ مَنْ يُحَدُّ قَاذِفُهُ لَا فِي أَبَوَيْهِ لِأَنَّ الْحَدَّ لَهُ قَالَ قَبْلَهُ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَأَبَوَاهُ حُرَّانِ إلَخْ قَالَ فَتَأَمَّلْهُ وَبَيَانُ الرَّدِّ عَلَيْهِ مِنْ نَصِّهَا وَاضِحٌ لِأَنَّهُ فِيهَا نَصَّ عَلَى الْحَدِّ فِي نَفْيِ نَسَبِ الْعَبْدِ كَمَا قَدَّمْنَا فَصَحَّ الرَّدُّ بِهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ هُنَا وَمِنْ قَبْلَهُ وَوَقَعَ لِلَّخْمِيِّ مَا يُخَالِفُ قَوْلَهَا وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ بَعْدَ هَذَا. (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيَخْتَصُّ الْبُلُوغُ وَالْعَفَافُ بِغَيْرِ الْمَنْفِيِّ وَصَوَّبَهُ الشَّيْخُ بِنَصِّهَا وَنَصِّ غَيْرِهَا وَكَيْفَ صَحَّ تَصْوِيبُهُ وَقَدْ أَسْقَطَ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمَرْمِيُّ بِالزِّنَا وَهُوَ الْعَقْلُ وَيَخْتَصُّ بِالْحُرِّيَّةِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ عُمُومِهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ (قُلْتُ) يُمْكِنُ مَا قَالَ وَبِهِ يَتَعَيَّنُ بُطْلَانُ تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْحَدَّ لَهُ وَبَيَانُ بُطْلَانِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُقَالَ لَوْ صَحَّ أَنَّ الْعِلَّةَ مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الْقَذْفَ لِلْمَنْفِيِّ نَسَبُهُ لَكَانَ مِثْلَ الْمَقْذُوفِ بِفِعْلِ الزِّنَا وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ لَزِمَ وُجُودُ شُرُوطِ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي كُلِّيًّا وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِنَصِّهَا بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْمِثْلَيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِي الْأَحْكَامِ اللَّازِمَةِ لَهُمَا فَصَحَّ أَنَّ الْحَدَّ لَمْ يَكُنْ لِلْمَنْفِيِّ نَسَبُهُ قَوْلُهُ وَلِذَا فَرَّقَ بَيْنَ يَا ابْنِ الزِّنَى أَوْ الزَّانِيَةِ وَيَا ابْنَ زَنْيَةٍ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْقَذْفِ بِفِعْلِ الزِّنَا وَبَيْنَ الْقَذْفِ بِنَفْيِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِابْنِ زِنْيَةٍ فَلَا نَسَبَ لَهُ قَالَ وَلَا يَرْفَعُ هَذَا التَّفْرِيقُ التَّعَقُّبَ عَلَيْهِ بِمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ وَتَأَمَّلْ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا مَعْنَاهُ وَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُهُ فِي تَقْرِيرِهِ فَإِنَّهُ قَالَ وَلِأَجْلِ مَا ذَكَرْته مِنْ الِاشْتِرَاطِ فِي الْمَنْفِيِّ دُونَ أَبَوَيْهِ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَمَّنْ قَالَ لِمُسْلِمٍ أَبَوَاهُ كَافِرَانِ أَوْ عَبْدَانِ يَا ابْنَ الزَّانِي أَوْ يَا ابْن الزَّانِيَةِ لِأَنَّ الْقَذْفَ إنَّمَا هُوَ نِسْبَةُ الْكَافِرِ أَوْ الْكَافِرَةِ إلَى الزِّنَا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ لِاخْتِلَالِ شَرْطِ الْإِسْلَامِ وَيَجِبُ الْحَدُّ فِي يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِنَسَبِهِ فَتَأَمَّلْهُ. [بَابُ الْعَفَافِ الْمُوجِبِ حَدَّ قَاذِفِهِ] (ع ف ف) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 بَابُ الْعَفَافِ الْمُوجِبِ حَدَّ قَاذِفِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَسَائِلُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَاضِحَةٌ بِأَنَّهُ السَّلَامَةَ مِنْ فِعْلِ الزِّنَا قَبْلَ قَذْفِهِ وَبَعْدَهُ وَمِنْ ثُبُوتِ حَدِّهِ لِاسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ قَالَ الشَّيْخُ كَقَوْلِهَا رَأَيْتُكُمَا تَزْنِيَانِ فِي صِبَائِكُمَا أَوْ كُفْرِكُمَا وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً حُدَّ لِأَنَّ هَذَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ زَنَى قَوْلُهُ " السَّلَامَةُ " جِنْسٌ لِلْعَفَافِ قَوْلُهُ " مِنْ زِنًا " أَخْرَجَ بِهِ السَّلَامَةَ مِنْ السَّرِقَةِ وَإِنْ كَانَ عَفَافًا هُنَاكَ قَوْلُهُ " قَبْلَهُ " يَعْنِي قَبْلَ قَذْفِ الْقَاذِفِ لَمْ يَقَعْ فِي زِنًا وَبَعْدَ قَذْفِهِ كَذَلِكَ وَقَبْلَ حَدِّهِ لِأَنَّ مَنْ قَذَفَ رَجُلًا ثُمَّ زَنَى لَمْ يُحَدَّ لَهُ الْقَاذِفُ قَوْلُهُ: " وَمِنْ ثُبُوتِ حَدِّهِ " عَطْفٌ عَلَى مِنْ فِعْلِهِ وَضَمِيرُ حَدِّهِ يَعُودُ عَلَى الزِّنَا قَوْلَهُ " لِاسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ " يَعْنِي لِأَنَّ ثُبُوتَ حَدِّ الزِّنَا يَسْتَلْزِمُ الزِّنَا قَوْلُهُ " كَقَوْلِهَا " هَذَا يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ فِي قَوْلِ الشَّيْخِ فِي التَّشْبِيهِ لِأَيِّ شَيْءٍ هُوَ يَرْجِعُ وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " السَّلَامَةُ مِنْ فِعْلِ الزِّنَا " يَعْنِي الْعَفِيفَ الَّذِي سَلِمَ مِنْ فِعْلٍ يُسَمَّى زِنًا شَرْعًا فَمَنْ قَذَفَ رَجُلًا بِأَنَّهُ زَنَى فِي صِغَرِهِ أَوْ وَهُوَ كَافِرٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَذْفِهِ فَأَنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّ الْمَقْذُوفَ عَفِيفٌ لِأَنَّ مَا وَقَعَ لَا يُسَمَّى زِنًا شَرْعًا (فَإِنْ قُلْت) قَوْلُهُ وَثُبُوتُ حَدِّهِ قَدْ قُلْت أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى الزِّنَا وَيَكُونُ ثُبُوتُ الْحَدِّ قَبْلَ الْقَذْفِ وَبَعْدَ الْقَذْفِ وَقَبْلَ الْحَدِّ وَهَذَا صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزِّنَا لَكِنْ ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ الْعَفَافَ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْعِيَانِ وَمَوَاضِعِ الْفَسَادِ وَالزِّنَا وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قُيُودِ رَسْمِهِ (قُلْتُ) قَدْ نَقَلَهُ الشَّيْخُ بَعْدُ وَقَالَ نُصُوصُ الْمَذْهَبِ عَلَى خِلَافِهِ وَلِذَلِكَ خَصَّ الْمَحْدُودَ بِقُيُودٍ خَاصَّةٍ لَا أَنَّهُ عَرَّفَ مُطْلَقَ عَفَافٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ. [كِتَابُ السَّرِقَةِ] (س ر ق) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآله وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ السَّرِقَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَخْذُ مُكَلَّفٍ حُرًّا لَا يَعْقِلُ لِصِغَرِهِ أَوْ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ نِصَابًا أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ بِقَصْدٍ وَاحِدٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 خُفْيَةً لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ " السَّرِقَةُ فِي اللُّغَةِ مَعْلُومَةٌ وَأَصْلُهَا اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ سَرَقَ يُقَالُ سَرَقًا فِي الْمَصْدَرِ وَسَرِقَةً فِي اسْمِهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ هِيَ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِسْرَارِ هَذَا مَعْنَاهَا عُرْفًا فَخَرَجَ أَخْذُهُ قَهْرًا وَغَصْبًا وَحِرَابَةً وَغِيلَةً وَخَدِيعَةً قَالُوا وَيُرَدُّ عَلَيْهِ الِاخْتِلَاسُ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بَعْضُ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخُ فِي قَيْدِهِ بِالطَّرْدِ وَمَا أَدْخَلَ بِهِ الْعَكْسَ فَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " أَخْذُ " مِثْلُ عِبَارَةِ الْمَازِرِيِّ فِي الْجِنْسِ وَهَذَا مُنَاسِبٌ لِاسْمِ الْمَصْدَرِ وَإِذَا أُرِيدَ الِاسْمِيُّ يُقَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْ مُكَلَّفٍ لَا يَعْقِلُ إلَخْ قَوْلُهُ " مُكَلَّفٍ " فَأَخْرَجَ أَخْذَ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ إلَى أَنْ يَحْتَلِمَ أَوْ يَبْلُغَ سِنَّ الِاحْتِلَامِ عَادَةً (فَإِنْ قُلْتَ) هَذَا أَيْضًا يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَا فِي حَدِّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ فَيَأْتِي بِحَدٍّ أَعَمَّ وَأَخَصَّ وَلَمْ يَقُلْهُ (قُلْتُ) لَا شَكَّ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مَا يَضْبِطُ اصْطِلَاحَهُ فِي تَعَرُّضِهِ لِرَسْمِ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ فِي مَوَاضِعَ وَمَوَاضِعَ إنَّمَا يُرْسَمُ الْأَخَصُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَتَقَدَّمَ فِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ الْجَوَابُ قَوْلُهُ " حُرًّا لَا يَعْقِلُ " أَدْخَلَ بِهِ الصَّبِيَّ قَبْلَ بُلُوغِهِ إذَا لَمْ يَعْقِلْ إذَا أَخَذَ مِنْ حِرْزِهِ فَإِنَّهُ سَرِقَةٌ يُقْطَعُ بِهِ كَذَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِيهِ خِلَافٌ. (فَإِنْ قُلْتَ) مَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَعْقِلُ هَلْ لَا يَفْهَمُ شَيْئًا أَوْ لَا يَعْقِلُ قُرْبَةً (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَفْهَمُ لِقُوَّةِ صِغَرِهِ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْبَهِيمَةِ لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا وَلَا تَتَكَلَّمُ بِمَا يُفْهَمُ عَنْهَا وَقَدْ وَقَعَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ قَوْلُهُ " نِصَابًا " النِّصَابُ مَعْلُومٌ مِنْ الذَّهَبِ وَمِنْ الْفِضَّةِ وَمِنْ الْعُرُوضِ وَسَيَأْتِي (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ نِصَابًا مَا قُصِدَ كَوْنُهُ نِصَابًا أَوْ مَا وُجِدَ فِيهِ النِّصَابُ فَإِنْ قُصِدَ مَا قَصَدَ بِهِ النِّصَابَ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَنْ سَرَقَ ثَوْبًا خَلْقًا فَوَجَدَ فِيهِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ عَلَى مَا فَصَّلَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيهِ مَعَ كَوْنِهِ إنَّمَا قَصَدَ الثَّوْبَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ نِصَابٌ وَإِنْ قَصَدَ مَا وَجَدَ فِيهِ النِّصَابُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ إذَا سَرَقَ خَشَبَةً فَوَجَدَ فِيهَا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ وَالْأَوَّلُ وَارِدٌ عَلَى الْعَكْسِ وَالثَّانِي عَلَى الطَّرْدِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ نِصَابٌ مَوْجُودٌ مَقْصُودٌ قَوْلُهُ " مِنْ حِرْزِهِ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ حِرْزه أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي حِرْزٍ بِوَجْهٍ وَالْحِرْزُ يَأْتِي حَدُّهُ قَوْلُهُ " مَا لَا مُحْتَرَمًا " أَخْرَجَ بِهِ أَخْذَ غَيْرِ الْأَسِيرِ مَالَ حَرْبِيٍّ وَكَذَلِكَ سَرِقَةُ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِمَّا يَجُوزُ مِلْكُهُ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ اُنْظُرْهُ قَوْلُهُ " بِقَصْدٍ وَاحِدٍ " ذَكَرَهُ لِيُدْخِلَ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 مَسْأَلَةَ سَمَاعِ أَشْهَبَ إذَا سَرَقَ مَا لَا نِصَابَ فِيهِ ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ مِرَارًا بِقَصْدٍ وَاحِدٍ حَتَّى كَمَّلَ النِّصَابَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ. قَوْلُهُ " لَا شُبْهَةَ فِيهِ " يَخْرُجُ بِهِ أَخْذُ الْأَبِ مَالَ ابْنِهِ وَمَنْ أَخَذَ طَعَامًا فِي زَمَنِ مَجَاعَةٍ وَكَذَلِكَ مَنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَقُّهُ أَنْ يُقَيِّدَ الشُّبْهَةَ بِالْقَوِيَّةِ لِأَنَّهُ إذَا سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ " خُفْيَةً " أَخْرَجَ غَيْرَ الْخُفْيَةِ إذَا كَانَ غَلَبَةً قَهْرًا أَوْ ظُلْمًا (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يُرَدُّ الِاخْتِلَاسُ (قُلْتُ) الِاخْتِلَاسُ أَخْذُ مَالٍ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى حَدِّ الْمَازِرِيِّ وَأَجَابَ عَنْ حَدِّ الشَّيْخِ بِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ فِيهِ بِوَجْهٍ وَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ مَا مَعْنَاهُ يُرَدُّ عَلَى رَسْمِ شَيْخِنَا مَنْ سَرَقَ خَمْرًا لِذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ مَعَ أَنَّهُ مَالٌ مُحْتَرَمٌ قَالَ وَتَأَمَّلْ مَنْ سَرَقَ نِصَابًا ثُمَّ سَرَقَهُ آخَرُ مِنْ السَّارِقِ فَإِنَّهُمَا يُقْطَعَانِ مَعًا. [بَابُ النِّصَابِ] ِ النِّصَابُ مِنْ الذَّهَبِ رُبُعُ دِينَارٍ اتِّفَاقًا وَفِي الْفِضَّةِ خِلَافٌ وَمِنْ الْعُرُوضِ قِيمَتُهُ بِالدِّرْهَمِ. [بَابٌ فِي الْمُعْتَبَرِ فِي الْمُقَوَّمِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْفَعَتُهُ الْمُبَاحَةُ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي التَّقْوِيمِ إنَّمَا هُوَ مُرَاعَاةُ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي أَذِنَ الشَّارِعُ فِيهَا وَمَا لَا يُؤْذَنُ فِيهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ فَلَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَإِذَا عُرِفَ حَمَامٌ بِالسَّبْقِ فَلَا عَمَلَ عَلَى مَنْفَعَتِهِ أَوْ طَائِرٌ عُرِفَ بِالْإِجَابَةِ فَكَذَلِكَ كَذَا نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ وَأَنَّهُ مَا يُرَاعَى إلَّا قِيمَتُهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ اللَّعِبِ وَالْبَاطِلِ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ صَحَّ ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي بَابِ الصَّيْدِ أَنَّ مِنْ التَّعْلِيمِ إذَا دُعِيَ أَجَابَ (قُلْتُ) لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ ذَلِكَ وَقَدْ قَيَّدَ اللَّخْمِيُّ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَعِبٌ بَلْ مَنْفَعَةٌ مَأْذُونَةٌ وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ بَعْدُ وَذَكَرَ فِيهِ الْخِلَافَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الطُّيُورَ الْمُتَّخَذَةَ لِسَمَاعِ أَصْوَاتِهَا هُنَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ اللَّهْوِ وَانْظُرْ مَا أَخَذَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 [بَابٌ فِيمَنْ يُقَوِّمُ السَّرِقَةَ] َ يُقَوِّمُهَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالنَّظَرِ اُنْظُرْهُ. [بَابُ الْحِرْزِ] (ح ر ز) : بَابُ الْحِرْزِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا قُصِدَ بِمَا وُضِعَ فِيهِ حِفْظُهُ بِهِ إنْ اسْتَقَلَّ بِحِفْظِهِ أَوْ بِحَافِظِ غَيْرِهِ سُنَّ لَمْ يَسْتَقِلَّ قَوْلُهُ " مَا قُصِدَ " أَيْ مَحَلُّ قَصْدٍ بِمَا وُضِعَ فِيهِ حِفْظُهُ بِهِ أَيْ قُصِدَ حِفْظُهُ بِالْمَحِلِّ (فَإِنْ قُلْتَ) الْحِفْظُ مَا مَعْنَاهُ (قُلْتُ) قَالُوا إنَّ الْحِفْظَ وَالتَّضْيِيعَ أَمْرَانِ نِسْبِيَّانِ رُبَّمَا كَانَ الْمَكَانُ الْوَاحِدُ فِيهِ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ فِي الزَّمَنِ الْوَاحِدِ مَحْفُوظًا بِالنِّسْبَةِ إلَى آخَرَ فَمَنْ وَضَعَ وَدِيعَةً فِي كُوَّةِ بَيْتِهِ فَهُوَ حَافِظٌ لَهَا مِنْ السَّارِقِ وَلَيْسَ حَافِظًا لَهَا مِنْ وَلَدِهِ وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا قُصِدَ بِمَا وُضِعَ فِيهِ حِفْظُهُ بِهِ يَدْخُلُ فِيهِ صُورَةُ الْكُوَّةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ حِفْظٌ بِاعْتِبَارِ السَّارِقِ الْأَجْنَبِيِّ غَيْرُ حِفْظٍ بِاعْتِبَارِ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ إذَا سَرَقَ فَلَا قَطْعَ فِيهِمْ قَوْلُهُ " إنْ اسْتَقَلَّ " أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَحِلُّ مُسْتَقِلًّا بِالْحِفْظِ كَالدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَإِنْ غَابَ عَنْهَا أَهْلُهَا وَكَذَلِكَ بَابُ الدَّارِ لِلْبَهَائِمِ إذَا كَانَتْ مَرْبُوطَةً. قَوْلُهُ " أَوْ بِحَافِظٍ " عَطْفٌ عَلَى بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ وَأَدْخَلَ بِذَلِكَ بَابَ الْمَسْجِدِ إذَا تُرِكَ فِيهِ دَابَّةٌ بِحَافِظٍ مَعَهَا وَلَا يَكُونُ بَابُ الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ حِرْزًا وَالسُّوقُ أَيْضًا مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا عَلَى صَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ مِنْ حُلِيٍّ إذَا كَانَ مَعَهُ حَافِظٌ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي دَارٍ وَكَذَا مَا وُضِعَ فِي حَمَّامٍ مِنْ الْحَوَائِجِ إنْ كَانَ مَعَهُ مَنْ يُحْرِزُهُ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّارِقُ مِنْ غَيْرِ الْحَمَّامِ كَذَا وَقَعَ فِيهَا وَالْأَفْنِيَةُ إذَا كَانَ مَعَهَا أَهْلُهَا (فَإِنْ قُلْتَ) ظُهُورُ الدَّوَابِّ هَلْ هُوَ حِرْزٌ (قُلْت) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ حِرْزٌ قَالَ الشَّيْخُ فَحَمَلَهُ ابْنُ هَارُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ سِيَاقُ الْمُدَوَّنَةِ يَدُلُّ إذَا كَانَ مَعَهُ رَبُّهُ قَالَ الشَّيْخُ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِأَنَّ فِيهَا مِنْ لَفْظِهَا وَالدُّورُ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا غَابَ أَهْلُهَا أَوْ حَضَرُوا وَكَذَلِكَ ظُهُورُ الدَّوَابِّ وَبِهَذَا اللَّفْظِ نَقَلَهَا الصَّقَلِّيُّ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا (فَإِنْ قُلْتَ) فَهَلْ تَدْخُلُ هَذِهِ الصُّورَةُ فِي رَسْمِهِ (قُلْتُ) تَدْخُلُ كَمَا دَخَلَتْ الدُّورُ (فَإِنْ قُلْتَ) الْمَطَامِيرُ فِي الْجِبَالِ هَلْ تَدْخُلُ فِي رَسْمِهِ (قُلْتُ) وَقَعَ فِي سَمَاعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ سَرَقَ مِنْ مَطَامِيرِ الْجِبَالِ فِي الْفَلَاةِ أَسْلَمَهَا أَهْلَهَا لَا قَطْعَ فِيهِ وَمَا كَانَ بِحَضْرَةِ أَهْلِهِ قُطِعَ فَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي الْقِسْمَيْنِ كَمَا ذَكَرَ وَاعْتَرَضَ الشَّيْخُ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ فِي قَوْلِهِ وَالْمَطَامِيرُ فِي الْجِبَالِ وَغَيْرِهَا حِرْزٌ وَإِطْلَاقُهُ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ (فَإِنْ قُلْت) وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْقَبْرِ هَلْ يُقْطَعُ (قُلْتُ) نَعَمْ (فَإِنْ قُلْتَ) وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمَطَامِيرِ فِي الْجِبَالِ فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ إلَّا بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ (قُلْتُ) فِيهِ نَظَرٌ وَتَأَمَّلْ. [بَابٌ فِي شَرْطِ قَطْعِ السَّارِقِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَطْعُهُ تَكْلِيفُهُ حِينَ سَرِقَتِهِ قَوْلُهُ " تَكْلِيفُهُ " أَخْرَجَ بِهِ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ وَالْمُطْبَقَ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ حَتَّى الْحَرْبِيُّ إذَا دَخَلَ بِأَمَانٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَصَوَّبَ الشَّيْخُ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ فَيُقْطَعُ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ وَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ لِمِثْلِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَتَرَافَعُوا قَالَ الشَّيْخُ لِأَنَّ حَقَّ الْقَطْعِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ. [بَابٌ فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ] ُ قَالَ تَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ بِهَا طَوْعًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَخْرَجَ بِالطَّوْعِ إذَا ثَبَتَ إكْرَاهُهُ وَتَأَمَّلْ إذَا أَقَرَّ بِالسَّجْنِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ سَحْنُونَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَقَرَّ فِي سَجْنِ سُلْطَانٍ عَدَلَ لَزِمَهُ إقْرَارُهُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أَقَرَّ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ مُدَبَّرٌ بِسَرِقَةٍ هَلْ يُعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ (قُلْتُ) نَعَمْ وَيُقْطَعُ مَنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَوَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ ذَلِكَ وَقَالَ فِيهَا إنْ ادَّعَى السَّيِّدُ مَا أَقَرَّ بِهِ مَنْ ذَكَرَ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي قَبُولِ قَوْلِهِ فِي الْمُكَاتَبِ نَظَرٌ (قُلْت) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ دَلِيلِينَ تَعَارَضَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» فَهَذَا يُوجِبُ تَصْحِيحَ قَوْلِهَا وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ» فَهَذَا يُوجِبُ رَدًّا لِقَوْلِهَا فَلِذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ مُوجَبِ السَّرِقَةِ] ِ بِفَتْحِ الْجِيمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا مَعْنَاهُ قَطْعُ السَّارِقِ وَضَمَانُهُ لِلسَّرِقَةِ إنْ لَمْ يُقْطَعْ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنْ قُطِعَ وَكَانَتْ قَائِمَةً أَخَذَهَا وَإِنْ تَلِفَتْ فَاخْتُلِفَ فِي ضَمَانِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [كِتَابُ الْحِرَابَةِ] (ح ر ب) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 كِتَابُ الْحِرَابَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الْحِرَابَةُ الْخُرُوجُ لِإِخَافَةِ سَبِيلٍ لِأَخْذِ مَالٍ مُحْتَرَمٍ بِمُكَابَرَةِ قِتَالٍ أَوْ خَوْفِهِ أَوْ لِذَهَابِ عَقْلٍ أَوْ قَتْلٍ خُفْيَةً أَوْ لِمُجَرَّدِ قَطْعِ الطَّرِيقِ لَا لِإِمْرَةٍ وَلَا نَائِرَةٍ وَلَا عَدَاوَةٍ " الْحِرَابَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ حَارَبَ يُحَارِبُ مُحَارَبَةً وَحِرَابَةً وَمَدْلُولُهَا مَعْلُومٌ لُغَةً وَإِنَّهُ عَامٌّ فِي الْعُرْفِيِّ وَغَيْرِهِ وَفِي عُرْفِ الشَّرْعِ خَاصٌّ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ " الْخُرُوجُ " مَصْدَرٌ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلْمَحْدُودِ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ أَيْضًا (فَإِنْ قُلْت) الْمَحْدُودُ فِيهِ مُفَاعَلَةً وَالْحَدُّ فِيهِ فِعْلٌ لِوَاحِدٍ لَا مُفَاعَلَةٌ (قُلْتُ) إنَّمَا الْمُفَاعَلَةُ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَأَمَّا عُرْفه الشَّرْعِيُّ فَالْمُرَادُ مِنْهَا غَيْرُهُ وَهُوَ الْخُرُوجُ الْمَذْكُورُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَوْلُهُ " لِإِخَافَةِ سَبِيلٍ " الْخُرُوجُ جِنْسٌ وَلِإِخَافَةِ سَبِيلٍ فَصْلٌ أَخْرَجَ بِهِ الْخُرُوجَ لِغَيْرِ الْإِخَافَةِ لِلسَّبِيلِ وَالسَّبِيلُ هُوَ الطَّرِيقُ قَوْلُهُ " لِأَخْذِ مَالٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْإِخَافَةَ لَا لِأَخْذِ مَالٍ بَلْ خَرَجَ لِإِخَافَةِ عَدُوٍّ كَافِرٍ وَيَتَعَلَّقُ بِالْإِخَافَةِ قَوْلُهُ " مُحْتَرَمٌ " أَخْرَجَ بِهِ الْإِخَافَةَ لِغَيْرِ الْمَالِ الْمُحْتَرَمِ كَمَالِ حَرْبِيٍّ أَوْ مَالٍ مُحَرَّمٍ مُجْمَعٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَخَرَجَ لِإِهْلَاكِهِ كَالْخَمْرِ قَوْلُهُ " بِمُكَابَرَةِ قِتَالٍ " يَتَعَلَّقُ بِأَخْذِ مَالٍ أَخْرَجَ بِهِ إذَا كَابَرَ بِغَيْرِ مُكَابَرَةِ قِتَالٍ قَوْلُهُ " أَوْ خَوْفِهِ " الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْقِتَالِ يَعْنِي إمَّا بِحُصُولِ قِتَالٌ أَوْ خَوْفٌ تَوَقَّعَهُ وَلَوْ لَمْ يَقَعْ قِتَالٌ. قَوْلُهُ " أَوْ إذْهَابُ عَقْلٍ " لِيَدْخُلَ مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِهَا وَالْخَنَّاقُونَ الَّذِينَ يَسْقُونَ النَّاسَ السَّيْكَرَانَ لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَهُمْ مُحَارِبُونَ قَوْلُهُ " أَوْ قَتَلَ خُفْيَةً " لِيَدْخُلَ بِهِ قَتْلُ الْغِيلَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَمَّاهُ حِرَابَةً قَوْلُهُ " أَوْ لِمُجَرَّدِ قَطْعِ الطَّرِيقِ " لِيَدْخُلَ مَنْ قَالَ لَا أَدْعُ هَؤُلَاءِ يَمْشُونَ إلَى الشَّامِ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ مَنَعَ مُجَرَّدَ قَطْعِ الطَّرِيقِ قَوْلُهُ " لَا لِإِمْرَةٍ إلَخْ " وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ وَأَخْرَجَ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ الْحِرَابَةِ فَلِذَلِكَ زَادَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أَخَذَ رَجُلٌ مَالَ رَجُلٍ قَهْرًا ثُمَّ خَافَ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَا أَخَذَ فَقَتَلَهُ هَلْ هُوَ مُحَارِبٌ أَمْ لَا (قُلْتُ) نَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُحَارِبٍ قَالَ وَإِنَّمَا هُوَ مُغْتَالٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 فَإِنْ قُلْتَ) إذَا كَانَ مُغْتَالًا وَلَمْ يَكُنْ مُحَارِبًا وَقَدْ قَدَّمْنَا دُخُولَ الْغِيلَةِ فِي رَسْمِ الشَّيْخِ وَإِنَّهَا قِسْمٌ مِنْ الْحِرَابَةِ فَكَيْفَ يَقْبَلُ الشَّيْخُ مِنْ اللَّخْمِيِّ مَا رَأَيْت وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ فَإِنْ صَحَّ عِنْدَهُ قَوْلُهُ بَطَلَ إدْخَالُهُ فِي رَسْمِهِ وَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَحَقَّقَهُ بَطَلَ قَبُولُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَلَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ النَّظَرَ وَلَعَلَّهُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ دُخُولِ ذَلِكَ فِي الْحِرَابَةِ فَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ أَوْ أَنَّهُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ خُفْيَةٍ وَالْغِيلَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْخُفْيَةُ فَانْظُرْهُ. (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَيَّدَ الشَّيْخُ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ (قُلْتُ) قَيَّدَهُ بِتَقْيِيدٍ لِإِيجَابٍ بِمِثْلِهِ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّهُ قَالَ هَذَا إنْ فَعَلَ ذَلِكَ خُفْيَةً وَإِلَّا فَلَيْسَ غِيلَةً فَغَايَتُهُ تَصْحِيحُ كَوْنِهِ غِيلَةً بِكَوْنِهِ خُفْيَةً وَأَنَّهُ لَيْسَ حِرَابَةً (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ كَرَّرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَفْظَةَ أَوْ فِي تَعْرِيفِهِ وَقَدْ عَلِمَ مَا قَالُوهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَوَّلَ التَّأْلِيفِ مَا ذَكَرُوهُ فَمَا الْجَوَابُ عَنْهُ هُنَا (قُلْتُ) الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْرَدَ سُؤَالًا عَلَى لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَذَكَرَ كَلَامًا مُنَاسِبًا ذَكَرَهُ هُنَا (قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ قُلْت) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَوْ فِي الْحَدِّ وَهِيَ مُجْتَنَبَةٌ فِي الْحُدُودِ (قَالَ) إنَّمَا تُجْتَنَبُ فِي الْحُدُودِ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ أَوْ الْأَشْيَاءِ وَالْحَقِيقَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تَتَرَكَّبُ مِنْ مُخْتَلِفَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ قَالَ وَأَمَّا الرُّسُومُ فَهِيَ أَكْثَرُ مَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْفِقْهِ وَالنَّحْوِ وَأَكْثَرِ الْعُلُومِ فَلَا مَانِعَ مِنْ إدْخَالِ لَفْظَةٍ أَوْ فِيهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ وُجُودُ خَاصَّةٍ عَامَّةٍ لِأَفْرَادِ الْمَاهِيَّةِ فَتُوجَدُ خَاصَّةٌ فِي نَوْعٍ وَخَاصَّةٌ أُخْرَى لِنَوْعٍ آخَرَ فَيَقُولُ مَنْ أَرَادَ التَّعْرِيفَ بِالرَّسْمِ مَتَى وُجِدَ كَذَا فَقَدْ وُجِدَتْ جِنْسِيَّةُ كَذَا هَذَا كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالشَّيْخُ تِلْمِيذُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَعْتَرِضْهُ وَسَلَّمَهُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِهِ عَنْهُ هُنَا وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ. (فَإِنْ قُلْتَ) رَسْمُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ الْخُرُوجُ لِأَجْلِ الْإِخَافَةِ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهِ حِرَابَةً سَوَاءٌ وُجِدَتْ أَمْ لَا فَالْحِرَابَةُ تَتَقَرَّرُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ إخَافَةً لِأَنَّ الْخُرُوجَ لِأَجْلِ الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي تَحَقُّقَ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَيَلْزَمُ أَنَّ مَنْ خَرَجَ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ إخَافَةٌ وَقُدِرَ عَلَيْهِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُحَارِبِ لِوُجُودِ الْحِرَابَةِ فِيهِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ لِأَنَّهُ قَالَ مَنْ أُخِذَ بِحَضْرَةِ خُرُوجِهِ وَلَمْ يُخِفْ سَبِيلًا عُوقِبَ وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحِرَابَةِ (قُلْتُ) هَذَا كَلَامُ اللَّخْمِيِّ وَوَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يُخَالِفُهُ وَلَعَلَّ الشَّيْخَ قَصَدَ مَا فِيهَا وَاَللَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 أَعْلَمُ وَانْظُرْ كَلَامَ الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ لِمَا هُنَا ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَتَى بِلَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْحِرَابَةُ كُلُّ فِعْلٍ يُقْصَدُ بِهِ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ تَتَعَذَّرُ مَعَهُ الِاسْتِغَاثَةُ عَادَةً مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ وَمُخِيفِهَا وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ وَيَأْخُذُ مَالًا. قَالَ الشَّيْخُ فَحَمَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ كُلِّيَّةً شَامِلَةً لِصُوَرٍ وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ وَحَمَلَهُ ابْنُ هَارُونَ عَلَى أَنَّهُ رَسْمٌ وَتَعَقَّبَهُ بِأُمُورٍ وَمِمَّا أَوْرَدَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمُتَعَذِّرَ الْإِغَاثَةُ لَا الِاسْتِغَاثَةُ وَعِنْدِي أَنَّ فِي ذَلِكَ نَظَرًا فَإِنَّهُ رَاعَى اللَّفْظَ لِأَنَّ الْقَصْدَ الِاسْتِغَاثَةُ النَّافِعَةُ وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِيهِ عِنَايَةٌ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَنْ تَغَلَّبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَغِبْ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِحِرَابَةٍ وَأَجَابَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْمُؤَلِّفِ بِمَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَوَّلًا وَأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ حَدًّا وَلَا رَسْمًا وَإِنَّمَا قَصَدَ إلَى ذِكْرِ كُلِّيَّةٍ يَلْزَمُ اطِّرَادُهَا دُونَ انْعِكَاسِهَا قَالَ الشَّيْخُ لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ يَعْنِي لِأَنَّ سِيَاقَ كَلَامِهِ فِي ذِكْرِ الْحَقَائِقِ إنَّمَا هُوَ قَصْدُ الرُّسُومِ أَوْ الْحُدُودِ وَأَمَّا الْإِخْبَارُ بِكُلِّيَّةٍ كَمَا ذَكَرَ فَلَيْسَ فِيهِ كَمَالُ فَائِدَةٍ وَقَدْ بَسَطَ هَذَا الرَّدَّ قَبْلَ هَذَا وَهَذَا الْكَلَامُ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ لِي الْكَلَامَ عَلَى جَمِيعِ مَا رَأَيْت فِي كَلَامِ الشَّيْخِ مِنْ ضَوَابِطَ فِقْهِيَّةٍ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهَا شِبْهَ الرَّسْمِ فَيُرَدُّ عَلَيْهَا مَا ذَكَرَهُ وَقَصْدِي بِذَلِكَ كَمَالُ الْفَائِدَةِ لِلنَّاظِرِ فِي كِتَابِهِ لِيَكُونَ هَذَا التَّقْيِيدُ عَوْنًا لَهُ عَلَى تَحْصِيلِ فَهْمِ رُسُومِهِ وَأَكْثَرِ شُرُوطِهِ وَضَوَابِطِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَنْفَعُ الْجَمِيعَ بِقَصْدِهِ وَحَقُّ الشَّيْخِ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي تَصْدِيرِهِ بِكُلٍّ فِي الرَّسْمِ وَلَمَّا رَأَى كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ مُعْتَرِضًا عَدَلَ عَنْهُ إلَى مَا ذَكَرَ وَاخْتَصَرَ. [بَابٌ فِي مُوجِبِ الْحِرَابَةِ وَحْدَهَا] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَرْبَعَةُ الْقَتْلُ أَوْ الصَّلْبُ أَوْ الْقَطْعُ أَوْ النَّفْيُ قَوْلُهُ " الْأَرْبَعَةُ " أَشَارَ إلَى الْعَهْدِ فِي الْقُرْآنِ وَالِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ وَالتَّخْيِيرُ لِلْإِمَامِ بِمَشُورَةِ الْعُلَمَاءِ بِمَا يَرَاهُ أَتَمَّ مَصْلَحَةً وَلَيْسَ فِيهِ هَوًى وَهَلْ ذَلِكَ عَلَى التَّرْتِيبِ أَوْ التَّخْيِيرِ الْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ اُنْظُرْ الْكَلَامَ عَلَى الْقَطْعِ وَالصَّلْبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 [بَابٌ فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ الْحِرَابَةُ] ُ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَلَوْ مِمَّنْ حَارَبُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَلَوْ مِنْ الرُّفْقَةِ لِأَنْفُسِهِمْ (فَإِنْ قُلْت) اُشْتُرِطَ فِيهَا إذَا كَانُوا عُدُولًا وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ (قُلْت) يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لَكِنَّ قَوْلَهُ شَهَادَةٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ الشُّرْبِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ] (ش ر ب) : بَابُ الشُّرْبِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " شُرْبُ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ مَا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ مُخْتَارًا لَا لِضَرُورَةٍ وَلَا عُذْرٍ " قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شُرْبُ مُسْلِمٍ (إنْ قُلْت) كَيْفَ صَحَّ جَعْلُ الشُّرْبِ جِنْسًا مَعَ أَنَّ الْمَحْدُودَ الشُّرْبُ فَفِي ذَلِكَ دَوْرٌ فَلَوْ قَالَ لَفْظًا غَيْرَهُ لَكَانَ أَوْلَى (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ الشُّرْبَ الْمُطْلَقَ مَعْلُومٌ وَإِنَّمَا الْمَحْدُودُ الشُّرْبُ الْمُقَيَّدُ وَهَذَا كَثِيرًا مَا يَقَعُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ " مُسْلِمٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْكَافِرَ لِأَنَّ شُرْبَهُ لَا يُوجِبُ حَدًّا قَوْلُهُ " مُكَلَّفٍ " أَخْرَجَ بِهِ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ قَوْلُهُ " مَا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ " أَشَارَ إلَى أَنَّ الَّذِي أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَإِنْ شَرِبَ الْقَلِيلَ مِنْهُ حُدَّ لَهُ قَوْلُهُ " مُخْتَارًا " أَخْرَجَ بِهِ الْمُكْرَهَ قَوْلُهُ " لَا لِضَرُورَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ صَاحِبَ الْغُصَّةِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا لِأَنَّ فِيهِ ارْتِكَابَ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ قَوْلُهُ " وَلَا عُذْرَ " أَخْرَجَ بِهِ الْغَالِطَ. (فَإِنْ قُلْتَ) وَالْجَاهِلُ هَلْ يُعْذَرُ (قُلْتُ) قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لَا عُذْرَ لَهُ بِجَهْلٍ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ (فَإِنْ قُلْتَ) مَنْ تَأَوَّلَ فِي السُّكْرِ أَنَّهُ حَلَالٌ هَلَّا يُحَدّ وَيُعْذَرُ وَيَدْخُلُ تَحْتَ الْعُذْرِ (قُلْتُ) نَقَلَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ وَمَالَ الْبَاجِيُّ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ أَجْلِ الِاجْتِهَادِ أَنَّهُ يُعْذَرُ وَقَدْ نَقَلَ الْقَرَافِيُّ عَنْ مَالِكٍ الْأَقَاوِيلَ الْمَعْلُومَةَ وَمَالَ الشَّيْخُ هُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ وَالْمُقَلِّدَ لَهُ مَعْذُورٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَعَلَى أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ لِأَنَّ شُهْرَةَ الْخِلَافِ شُبْهَةٌ وَمَسْأَلَةُ الْغَالِطِ فِي الْخَمْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 ظَنَّ أَنَّهُ لَبَنٌ فَشَرِبَهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَصْلُهُ مِنْ غَلِطَ فِي أَجْنَبِيَّةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْمُوجِبُ شُرْبُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ مَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ اخْتِيَارًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا عُذْرٍ وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ وَلَيْسَ فِيهِ اعْتِرَاضٌ فَلِأَيِّ شَيْءٍ عَدَلَ عَنْهُ (قُلْتُ) قَوْلُ الشَّيْخِ شُرْبٌ مُوَافِقٌ لَهُ وَمُسْلِمٍ مُخَالِفٌ لَهُ لَفْظًا وَأَخْصَرَ مُكَلَّفٍ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ مَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُ الشَّيْخِ كَثِيرُهُ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ جِنْسُهُ مَعَ أَنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ بِهِ الْإِسْكَارَ بِالْفِعْلِ وَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا يَقُولهُ الْمُخَالِفُ بَلْ مَا أَسْكَرَ جِنْسُهُ هُوَ الشَّرْطُ (قُلْتُ) لَمْ يَظْهَرْ قُوَّةُ الْعُدُولِ إلَّا أَنَّهُ أَتَى بِمَا يُنَاسِبُ الْحَدِيثَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» وَهَذَا كَثِيرًا مَا يَقْصِدُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ مُخْتَارًا مِثْلُ قَوْلِهِ اخْتِيَارًا فِي الْأَحْرُفِ قَوْلُهُ لَا لِضَرُورَةٍ هَذَا أَخْصَرُ مِنْ لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا عُذْرَ مِثْلُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابٌ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَدُّ فِي الشُّرْبِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ قَوْلُهُ " بِالْبَيِّنَةِ " أَمَّا الْبَيِّنَةُ عَلَى الشُّرْبِ فَهِيَ عَامِلَةٌ وَأَمَّا عَلَى الرَّائِحَةِ فَفِيهَا خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ الْعَمَلُ بِهَا وَمَنْ قَالَ أَنَّ مَالِكًا انْفَرَدَ بِهَا فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ. [بَابُ صِفَةِ الشَّاهِدِ بِالرَّائِحَةِ] ِ يُؤْخَذُ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَكُونَ شَرِبَهَا ثُمَّ حُدَّ وَتَابَ أَوْ مَنْ لَمْ يَشْرَبْهَا بِرُؤْيَةِ مَنْ شَرِبَهَا وَمَنْ يَسُوقُهَا مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَرُؤْيَتُهُ إيَّاهَا مُرَاقَةً عَلَى مَنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الْعُقُوبَةُ وَالتَّعْزِيرُ] ُ يُؤْخَذُ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يُقَالَ الْمَعْصِيَةُ غَيْرُ الْمُوجِبَةِ لِلْحَدِّ وَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرَهُ وَتَقْسِيمُ ابْنِ رُشْدٍ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا أَنَّهُ جَرَى عَمَلُ الْقُضَاةِ بِالتَّعْزِيرِ بِضَرْبِ الْقَفَا مُجَرَّدًا عَنْ سَاتِرٍ بِالْأَكُفِّ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَا جَرَى بِهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ وَقَعَ لِسَحْنُونٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَأْمُرَ بِالصَّفْعِ بِالْعُنُقِ ذَكَرَهُ عِيَاضٌ فِي مَدَارِكِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 [بَابُ الضَّمَانِ] ِ تَقَدَّمَ فِي الدِّيَاتِ مَا يُنَاسِبُهُ وَانْظُرْ مَسَائِلَهُ مَعَ مَا هُنَا. [كِتَابُ الْعِتْقِ] (ع ت ق) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّه عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الْعِتْقِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " رَفْعُ مِلْكٍ حَقِيقِيٍّ لَا بِسِبَاءٍ مُحَرَّمٍ عَنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ " قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَفْعُ مِلْكِ الْعِتْقِ لُغَةَ مَعْنَاهُ ظَاهِرٌ وَذَكَرَ الشَّيْخُ هُنَا عَنْ شَيْخِهِ أَنَّهُ كَذَلِكَ عُرْفًا وَلِذَا لَمْ يَحُدَّهُ وَاسْتَغْنَى عَنْ تَعْرِيفِهِ الْمُصَنِّفُ لِشُهْرَتِهِ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَرَدَّهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا تَقَدَّمَ مِرَارًا وَهُوَ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ فَقَالَ يُرَدُّ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ وُجُودُهَا لَا مِنْ حَيْثُ إدْرَاكُ حَقِيقَتِهَا بَلْ كَثِيرٌ مِنْ الْمُدَرِّسِينَ لَوْ قِيلَ لَهُ مَا حَقِيقَةُ الْعِتْقِ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ وَمَنْ تَأَمَّلْ وَأَنْصَفَ عَلِمَ مَا قُلْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِمَنْ اهْتَدَى وَمَا ذَكَرَ تِلْمِيذُهُ هُنَا مِنْ سُؤَالٍ وَجَوَابٍ لَا يُرَدُّ لِأَنَّهُ قَالَ (فَإِنْ قُلْتَ) الْعِلْمُ بِوُجُودِ شَيْءٍ يَسْتَلْزِمُ مَعْرِفَتَهُ فَيَصِحُّ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ (قُلْت) إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ مُطْلَقُ مَعْرِفَتِهِ لَا مَعْرِفَتُهُ بِحَقِيقَتِهِ فَتَأَمَّلْ هَذَا فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ كَبِيرُ سُؤَالٍ وَلَا جَوَابٍ مَعَ أَنَّهُ مِنْ كِبَارِ تَلَامِذَتِهِ وَهُوَ سَيِّدِي الْفَقِيهُ الْأَبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمَّا كَانَ نَظَرِيًّا عَرَّفَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ رَفَعَ إلَخْ وَالرَّفْعُ هُوَ إزَالَةُ أَمْرٍ مُتَقَرِّرٍ ثُبُوتُهُ قَوْلُهُ " مِلْكٍ " أَخْرَجَ بِهِ رَفْعَ غَيْرِ الْمِلْكِ كَرَفْعِ الْحُكْمِ بِالنَّسْخِ. (فَإِنْ قُلْتَ) الْمِلْكُ الْمَذْكُورُ هُنَا هُوَ الْمِلْكُ الْمُتَقَدِّمُ تَعْرِيفُهُ أَوْ هُوَ غَيْرُهُ (قُلْتُ) هُوَ الْمِلْكُ الْمَذْكُورُ حَدُّهُ وَوَصَفَهُ بِقَوْلِهِ حَقِيقِيٍّ قَالَ وَأَخْرَجْت بِهِ اسْتِحْقَاقَ عَبْدٍ بِحُرِّيَّةٍ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ يَدِهِ بِحُرِّيَّةٍ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا حَقِيقَةً ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَهُوَ ظَاهِرٌ قَوْلُهُ " لَا بِسِبَاءٍ مُحَرَّمٍ " عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ بِغَيْرِ سِبَاءٍ لَا بِسِبَاءٍ لِيَخْرُجَ بِهِ فِدَاءُ الْمُسْلِمِ مِنْ حَرْبِيٍّ سَبَاهُ وَكَذَلِكَ لِمَنْ صَارَ لَهُ مِنْ حَرْبِيٍّ قَوْلُهُ " عَنْ آدَمِيٍّ " مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ رَفْعٌ قَالَ هُنَا تِلْمِيذُهُ الشَّيْخُ الْأَبِيُّ الْمَذْكُورُ لَا يُقَالُ بِأَنَّ حَدَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 لِصِدْقِهِ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ وَهِبَتِهِ لِأَنَّ هَذِهِ إنَّمَا هِيَ نَقْلُ مِلْكٍ لَا رَفْعُهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ وَهَذَا حَسَنٌ لِأَنَّ رَفْعَ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ ذَهَابَهُ وَنَقْلَهُ يَقْتَضِي وُجُودَهُ فِي مَحَلٍّ غَيْرِ مَحِلِّهِ وَالْبَيْعُ وَمَا شَابَهَهُ مِنْ الثَّانِي لَا مِنْ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ " حَيٍّ " يَخْرُجُ بِهِ مَنْ ارْتَفَعَ الْمِلْكُ عَنْهُ بِالْمَوْتِ وَلَا يَعْتَرِضُ عَلَى الشَّيْخ بِلَفْظِهِ الْآدَمِيِّ لِأَنَّ أَصْلَهَا فِي الذِّكْرِ كَمَا تَقَدَّمَ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لِأَنَّهُمْ رَدُّوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ فَيَصْدُقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُ الشَّيْخِ رَحِمَهُ لَا بِسِبَاءٍ مُحَرَّمٍ إلَخْ لِأَيِّ شَيْءٍ زَادَهُ فَإِنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَا مِلْكَ لَهَا وَقَوْلُهُ " حَقِيقِيٍّ " يُخْرِجُ ذَلِكَ (قُلْتُ) لَمَّا كَانَ لَهَا شُبْهَةٌ فِيهَا مِلْكٌ وَلَعَلَّ السُّؤَالَ أَقْوَى ثُمَّ أَنَّهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَقَبْلَهُ شَارِحَاهُ وَلَهُ أَرْكَانُ الْأَوَّلِ الْمُعْتِقِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُعْتَقَ جُزْءٌ كَاللَّحْمِ وَالْعَظْمِ لِلْإِنْسَانِ لَا أَرْكَانُهُ الْمَحْمُولَةُ كَالْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ لِلْإِنْسَانِ وَهَذَا تَقَدَّمَ لَهُ نَظِيرُهُ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا التَّأْوِيلَ هُنَا هُنَاكَ لِأَنَّ شَيْخَهُ قَالَ هُنَاكَ اسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ الْحَدِّ بِذِكْرِ الْأَجْزَاءِ الْحِسِّيَّةِ فَهَذَا يَمْنَعُ الْجَوَابَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَ هُنَا (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا حَدَّ الْبَيْعَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَهُ أَرْكَانٌ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْمَحْدُودِ وَقَدْ قَدَّمْنَا الْبَحْثَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ وَهَذَا يُقَوِّيهِ (قُلْتُ) تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ فِي الطَّلَاقِ حَيْثُ بَحَثَ مَعَ ابْنِ الْحَاجِبِ بِهَذَا. [بَابُ الْمُعْتِقِ] (ع ت ق) : بَابُ الْمُعْتِقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ مَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي مُتَعَلِّقِ عِتْقِهِ طَائِعًا قَالَ فَيَخْرُجُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ بِمَا أَعْتَقَ أَوْ بَعْضُهُ وَذَاتُ الزَّوْجِ فِيمَا حُجِرَ فِيهِ عَلَيْهَا وَلَا يَخْرُجُ السَّفِيهُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَكَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ مُعْتَرَضٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَيَجِبُ بِالنَّذْرِ إلَخْ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَالْإِتْيَانُ بِكُلٍّ يَأْتِي مَا فِيهِ بَعْدُ وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ شَارِحُهُ وَيَجِبُ بِالنَّذْرِ إلَخْ اُنْظُرْهُ فَإِنَّهُ فِيهِ فَوَائِدُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ الْمُعْتَقِ] (ع ت ق) : بَابُ الْمُعْتَقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ ذِي رِقٍّ مَمْلُوكٍ لِمُعْتِقِهِ حِينَ تَعَلَّقَ بِهِ كَانَ مِلْكُهُ مُحَصَّلًا أَوْ مُقَدَّرًا لَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 يُزَاحِمْ مِلْكَهُ إيَّاهُ حَقٌّ لِغَيْرِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ لَا مَعَهُ قَوْلُهُ " كُلُّ ذِي رِقٍّ " (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ صَحَّ لِلشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْإِتْيَانُ بِلَفْظِ كُلٍّ فِي تَعْرِيفِهِ وَقَدْ عَلِمَ مَا لِلْمَنَاطِقَةِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ إنَّمَا هُوَ لِلْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا عُمُومٌ وَلِأَنَّ الْحَدَّ يَصْدُقُ عَلَى الْمَحْدُودِ وُجُوبًا وَلَا يَصْدُقُ الْمَحْدُودُ بِصِفَةِ الْعُمُومِ (قُلْتُ) وَلَا يُجَابُ عَنْ الشَّيْخِ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا أُجِيبَ بِهِ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي مَبَادِئِ اللُّغَةِ فِي قَوْلِهِ أَمَّا حَدُّهُ فَكُلُّ لَفْظٍ وُضِعَ لِمَعْنًى قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ ذَكَرَ كُلًّا إشَارَةً إلَى عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مُشْتَرَكًا فِيهِ أَمْ لَا مُعْتَقٌ إلَى أَجَلٍ أَوْ مُكَاتَبٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ذِي الرِّقِّ وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَجْوِبَةٍ لَا تَأْتِي هُنَا وَقَدْ وَقَعَ لِلْأُبُلِّيِّ هُنَا تَقْيِيدٌ عَلَى هَذَا الْمَحِلِّ وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْقَضِيَّةِ الْمُنْحَرِفَةِ وَأَنَّ الْقَضِيَّةَ الْمُنْحَرِفَةَ خَاصَّةٌ بِالتَّصْدِيقِ فَانْظُرْهُ قَوْلُهُ " رِقٍّ " يَعُمُّ مِنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ قَوْلُهُ " مَمْلُوكٌ لِمُعْتِقِهِ " قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ قَالَ لِعَبْدِ أَنْتَ حُرٌّ مِنْ مَالِي لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ سَيِّدُهُ أَنَا أَبِيعُهُ مِنْك وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَحَلَّ الْعِتْقِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مِلْكٍ كَمَا يُقَالُ الطَّلَاقُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مَحَلٍّ. (فَإِنْ قُلْت) هَلْ يَجْرِي فِي ذَلِكَ مَا قِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَشْهُورَةِ إذَا قِيلَ لِرَجُلٍ تَتَزَوَّجُ فُلَانَةَ فَقَالَ هُوَ حَرَامٌ هَلْ يَلْزَمُهُ تَحْرِيمٌ إذَا تَزَوَّجَهَا أَمْ لَا وَسَبَبُ الْخِلَافِ التَّعْلِيقُ السِّيَاقِيُّ هَلْ يُعْمَلُ عَلَيْهِ كَاللَّفْظِيِّ أَمْ لَا قَوْلَانِ وَهُنَا إذَا قَالَ سَيِّدُ الْعَبْدِ لِرَجُلٍ أَبِيعُك هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ فِي الْجَوَابِ هُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِي مَعْنَاهُ إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ وَذَلِكَ شَبِيهٌ بِالْمَسْأَلَةِ فَمَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ فِي الْأُولَى يَقُولُ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ هُنَاكَ لَمْ يَقُلْ هُنَا بَلْ لَا يُقَالُ لَا يَلْزَمُ التَّحْرِيمُ أَنْ يُقَالَ لِعَدَمِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الشَّرْعَ مُتَشَوِّفٌ لَهُ (قُلْتُ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ التَّحْرِيمَ جَرَى فِيهِ عُرْفٌ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعِتْقِ لَمْ يَجْرِ فِيهِ وَإِنَّ التَّعْلِيقَ السِّيَاقِيَّ كَاللَّفْظِيِّ قَالَ الشَّيْخُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِأَمَةِ أَجْنَبِيٍّ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ إنْ مَلَكَهَا لَا عِتْقَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمِلْكَ قَوْلُهُ " كَانَ مِلْكُهُ مُحَصَّلًا أَوْ مُقَدَّرًا " لِيَدْخُلَ بِهِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا مَنْ قَالَ لِعَبْدٍ إنْ اشْتَرَيْتُك أَوْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ أَوْ بَعْضَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ وَقُوِّمَ عَلَيْهِ حَظُّ شَرِيكِهِ أَيْ الْمِلْكُ الْحَقِيقِيُّ وَالتَّقْدِيرِيُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُنَا لَمْ يُزَاحِمْ مِلْكَهُ إيَّاهُ حَقٌّ لِغَيْرِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ غَيْرِهَا وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَتَلَ قَتِيلًا خَطَأً وَقَالَ لَمْ أُرِدْ حَمْلَ جِنَايَتِهِ وَظَنَنْت أَنَّهَا تَلْزَمُ ذِمَّتَهُ وَيَكُونُ حُرًّا حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَرَدَّ عِتْقَهُ. (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ اقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 الصُّورَةِ وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّ عِتْقَهُ يُرَدُّ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ (قُلْتُ) الْمُزَاحَمَةُ فِي هَذِهِ أَشَدُّ وَفِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُنَا لَا مَعَهُ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ عَتَقَ عَلَى الْبَائِعِ وَرَدَّ الثَّمَنَ وَإِعْرَابُ قَوْلِهِ لَمْ يُزَاحِمْهُ جُمْلَةٌ صِفَةٌ لِلْمَمْلُوكِ وَقَبْلَ عِتْقِهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَمْ يُزَاحِمْ (فَإِنْ قُلْتَ) الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ مَعَهُ عَلَى مَنْ يَعُودُ وَبِأَيِّ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ مَعَهُ وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ عُطِفَ بِلَا (قُلْت) الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْعِتْقِ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ لَمْ يُزَاحِمْ مِلْكَ الْمُعْتَقِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ إلَّا إذَا زَاحَمَهُ مَعَ قَبْلِ الْعِتْقِ مَعَ وُجُودِ الْعِتْقِ مُبَاعًا فَقَوْلُهُ مَعَهُ عَطْفٌ عَلَى قَبْلِ الْعِتْقِ بِلَا الْعَاطِفَةِ وَالْعَامِلُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمَعْطُوفِ وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي أَدْخَلَهَا مُشْكِلَةٌ تَصْدِيقًا لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُسَبَّبَةٌ عَنْ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ يُوجِبُ نَقْلَ الْمِلْكِ وَالْعِتْقُ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ حَاصِلًا أَوْ تَقْدِيرًا وَلِلْمَازِرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ فِيهَا تَأْوِيلٌ وَإِشْكَالٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (فَإِنْ قُلْتَ) تَأْوِيلُ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِيهَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ الْبَيْعِ لِيُزِيلَ إشْكَالَهَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ نَقَلَ مِلْكَهُ وَقَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إنْشَاءً بَلْ إخْبَارٌ وَهُوَ لَا يَنْفَعُ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْحَقِّ لِلْغَيْرِ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ الشَّيْخِ لَا مَعَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ اجْتِمَاع حَتَّى تَخْرُجَ هَذِهِ الصُّورَةُ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ مَضَى عَلَى تَأْوِيلِ ابْنِ الْمَوَّازِ لِأَنَّهُ قَالَ إنَّمَا لَزِمَ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالْعِتْقَ لَزِمَا مَعًا وَوَقَعَ لِقَوْلِهِمَا وَالْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هُنَا أَحْسَنُ اُنْظُرْهُ وَتَأَمَّلْ إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَوْ الْبَائِعُ. [بَابُ صِيغَةِ الْعِتْق] (ص وغ) : بَابُ الصِّيغَةِ قَالَ اللَّفْظُ الدَّالُ عَلَى مَاهِيَّةِ الْعِتْقِ وَهَذَا يَعُمُّ الصَّرِيحَ وَالْكِنَايَةَ (فَإِنْ قُلْت) إذَا أَشَارَ بِالْعِتْقِ إلَّا بِكَمْ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْعِتْقَ لَازِمٌ وَلَيْسَ بِلَفْظٍ (قُلْت) حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابُ صَرِيحِ صِيغَةِ الْعِتْقِ] (ص ر ح) : بَابُ صَرِيحِ صِيغَةِ الْعِتْقِ قَالَ مَا لَا يَقْبَلُ صَرْفَهُ عَنْهُ لِغَيْرِ إكْرَاهٍ بِمَالٍ مَحْكُومًا بِهِ عَلَيْهِ كَقَوْلِنَا أَعْتَقْتُك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 وَأَنْتَ حُرٌّ وَكَذَلِكَ أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ وَزَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ كَالتَّحْرِيرِ وَالْإِعْتَاقِ وَفَكِّ الرَّقَبَةِ قَالَ شَارِحُهُ وَمَا اُشْتُقَّ مِنْهَا قَالَ وَقَوْلُنَا لِغَيْرِ إكْرَاهٍ لِقَوْلِهَا وَلَوْ مَرَّ عَلَى عَاشِرٍ فَقَالَ هُوَ حُرٌّ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْحُرِّيَّةَ فَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لَمْ يُعْتَقْ أَيْضًا إذَا عَلِمَ أَنَّ السَّيِّدَ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ ظُلْمًا قَالَ وَقَوْلُنَا مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِهِ احْتِرَازًا مِنْ كَوْنِهِ وَصْفًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى يَا حُرُّ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْحُرِّيَّةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (فَإِنْ قِيلَ) إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ وَهَبْت لَك نَفْسَك هَلْ يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ (قُلْتُ) كَذَلِكَ قَالَ فِيهَا وَلَا يَفْتَقِرُ لِقَبُولِ الْعَبْدِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْكِنَايَةِ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَالشَّيْخُ ذَكَرَهُ هُنَا فِي الصَّرِيحِ فَتَأَمَّلْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ الرَّدُّ فِي الْهِبَةِ عَلَى مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْهِبَةَ الْقَبُولُ فِيهَا لَيْسَ بِرُكْنٍ وَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ لِأَنَّ هَذِهِ فِي الْمَعْنَى عِتْقٌ وَهُوَ لَا يَفْتَقِرُ لِقَبُولٍ (فَإِنْ قُلْتَ) وَقَعَ فِيهَا إذَا قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ اعْتِقْ جَارِيَتِي فَقَالَ لَهَا الرَّجُلُ اذْهَبِي وَقَالَ أَرَدْت بِهِ الْعِتْقَ عَتَقَتْ قَالَ لِأَنَّهُ مِنْ حُرُوفِ الْعِتْقِ وَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْعِتْقَ صَدَقَ فَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ رَسْمِ الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ (قُلْت) هَذَا فِيهِ مُشْكِلٌ قَالَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ حُرُوفِ الْعِتْقِ لَمْ يَكُنْ عَدَمُ إرَادَةِ الْعِتْقِ بِهِ مَانِعًا كَمَا إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ عَدَمَ إرَادَةِ غَيْرِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْكِنَايَةِ فِي الْعِتْقِ] (ك ن ي) : بَابُ الْكِنَايَةِ فِي الْعِتْقِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ هَذَا فِيمَا حَاصِلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حَدُّ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ أَنَّ مَا لَا يَنْصَرِفَ عَنْ الْعِتْقِ بِالنِّيَّةِ وَلَا غَيْرِهَا صَرِيحٌ وَمَا يَدُلُّ عَلَى الْعِتْقِ بِذَاتِهِ وَيَنْصَرِفُ بِالنِّيَّةِ وَنَحْوِهَا كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ وَمَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا بِالنِّيَّةِ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ فَالْأَوَّلُ أَعْتَقْت وَأَنْتَ حُرٌّ وَلَا قَرِينَةَ لَفْظِيَّةً قَارَنَتْهُ وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ وَبِقَوْلِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَلَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَالثَّالِثُ وَاضِحٌ كَنَاوَلَنِي الثَّوْبَ وَأَرَادَ بِهِ الْعِتْقَ وَهُوَ عِتْقٌ بِاللَّفْظِ لَا بِالنِّيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ وَالْكِنَايَةُ وَهَبْت لَكَ نَفْسَك وَاذْهَبْ وَاغْرُبْ وَنَحْوُهُ قَالَ وَشَرْطُ الْكِنَايَةِ النِّيَّةُ قَالَ وَقَوْلُهُمَا شَرْطُ الْكِنَايَةِ النِّيَّةُ مُقْتَضَاهُ شَرْطٌ فِي وَهَبْت لَك نَفْسَك وَفِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ ثُمَّ أَتَى بِنَصِّهَا قَالَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِعَبْدِهِ قَدْ وَهَبْت لَك نَفْسَك أَنَّهُ حُرٌّ وَسَأَلْت مَالِكًا عَنْ رَجُلٍ وَهَبَ لِعَبْدِهِ نِصْفَهُ قَالَ هُوَ حُرٌّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 كُلُّهُ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ سَبَقَهُ بِهِ شَيْخُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجَمِيعَ ثُمَّ قَالَ شَارِحُهُ بَعْدَ الِاعْتِرَاضِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَعْدُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْهَبُ هُنَا عَلَى نَحْوِ مَا فِي الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّ الْكِنَايَةَ عَلَى قِسْمَيْنِ مَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا اُنْظُرْهُ. [بَابٌ فِي عِتْقِ السِّرَايَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالْمُثْلَةِ] (م ث ل) : بَابٌ فِي عِتْقِ السِّرَايَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالْمُثْلَةِ هَذِهِ الْأَلْقَابُ لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخُ لِرَسْمِهَا وَابْنُ الْحَاجِبِ صَيَّرَهَا مِنْ خَوَاصِّ الْعِتْقِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَقَدْ بَحَثَ مَعَهُ فِيمَا اعْتَرَضَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْجَلَّابِ أَنَّ الْمُثْلَةَ أَنْ يُؤَثِّرَ أَثَرًا فَاحِشًا فِي جَسَدِهِ قَاصِدًا لِفِعْلِهِ. [بَابُ الْقُرْعَةِ فِي الْعِتْقِ] (ق ر ع) : بَابُ الْقُرْعَةِ فِي الْعِتْقِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقُرْعَةُ هُنَا لَقَبٌ لِتَعْيِينِ مُبْهَمٍ فِي الْعِتْقِ لَهُ بِخُرُوجِ اسْمه لَهُ مِنْ مُخْتَلِطٍ بِهِ بِإِخْرَاجٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ قَصْدُ عَيْنِهِ الْقُرْعَةَ وَالْإِسْهَامَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهِيَ مَخْصُوصَةٌ بِأَبْوَابٍ مَعْلُومَةٍ وَقَدْ قَالَ بِهَا مَالِكٌ وَخَالَفَ فِيهَا أَهْلَ الْعِرَاقِ وَوَقَعَ فِي مَذْهَبِنَا مَا يُوَافِقُهُمْ لِلْمُغِيرَةِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي الْعِتْقِ وَلِذَا قَالَ فِي رَسْمِهَا الْقُرْعَةُ هُنَا أَشَارَ بِهِ إلَى بَابِ الْعِتْقِ وَالْقُرْعَةِ مُطْلَقَةً وَمُقَيَّدَةً فَعَرَّفَ الْقُرْعَةَ فِي الْعِتْقِ لَا فِي غَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ فِي الْقِسْمَةِ مَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُهُ " لَقَبٌ " أَطْلَقَ أَيْضًا اللَّقَبَ وَلَمْ يَقُلْ تَعْيِينُ سَهْمٍ وَلَوْ قَالَ فِي الْمَحْدُودِ قُرْعَةُ الْعِتْقِ بِالْإِضَافَةِ لَنَاسَبَ ذِكْرَ اللَّقَبِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَرُبَّمَا يُورِدُ عَلَيْهِ وَيُقَالُ هَلَّا قَالَ قُرْعَةُ الْعِتْقِ وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ الْقُرْعَةُ هُنَا يَقُومُ مَقَامَهُ بِاخْتِصَارٍ فِي لَفْظِهِ فَنَاسَبَ اللَّقَبَ لَمَّا كَانَتْ الْقُرْعَةُ فِي الْمَعْنَى مُضَافَةً إلَى الْعِتْقِ لِقَوْلِهِ هُنَا قَوْلُهُ " لِتَعْيِينِ مُبْهَمٍ " هَذَا يَعُمُّ التَّعْيِينَ هُنَا وَالتَّعْيِينُ فِي الْقِسْمَةِ وَغَيْرِهَا وَالسَّهْمُ هُوَ الْحَظُّ. قَوْلُهُ " فِي الْعِتْقِ " مَعْنَاهُ فِي تَنْفِيذِ الْعِتْقِ قَوْلُهُ " لَهُ " يَتَعَلَّقُ بِالتَّعْيِينِ وَاللَّامُ لِلْعِلَّةِ أَخْرَجَ بِذَلِكَ تَعَيُّنَ السَّهْمِ فِي الْقِسْمَةِ فِي الْمِلْكِ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ لَهُ إذَا عَيَّنَ السَّهْمَ فِي الْعِتْقِ لَا لِلْعِتْقِ بَلْ لِلْإِشْهَادِ عَلَيْهِ أَوْ لِمَعْرِفَتِهِ بِتَعْيِينِهِ قَوْلُهُ " يُخْرِجُ اسْمَهُ لَهُ " أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا عَيَّنَ عَبْدًا فِي عَبِيدٍ بِعِتْقِهِ بِاخْتِيَارِهِ لَهُ وَعِتْقِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْعِتْقِ بِخُرُوجِ اسْمِ ذَلِكَ الْمُبْهَمِ مِنْ مُخْتَلِطٍ بَلْ وَقَعَ تَعْيِينُ عِتْقِهِ بِاخْتِيَارِهِ لِلْعِتْقِ وَالضَّمِيرُ فِي اسْمِهِ يَعُودُ عَلَى الْمُبْهَمِ وَقَوْلُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 لَهُ " يَعُودُ عَلَى الْعِتْقِ أَيْ بِخُرُوجِ اسْمِهِ لِلْعِتْقِ أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا خَرَجَ اسْمُهُ لِغَيْرِ الْعِتْقِ قَوْلُهُ " مِنْ مُخْتَلِطٍ " يَتَعَلَّقُ بِخُرُوجِ وَبِهِ يَتَعَلَّقُ بِمُخْتَلِطٍ وَضَمِيرُ بِهِ يَعُود عَلَى الْمُبْهَمِ. قَوْلُهُ " بِإِخْرَاجٍ " صِفَةٌ لِخُرُوجٍ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ خُرُوجَ اسْمِهِ بِالْعِتْقِ يَكُونُ بِإِخْرَاجٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ قَصْدُ الْعَيْنِ وَإِنْ قَصَدَ الْعَيْنَ بِذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ بَلْ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى إخْرَاجٍ لَا يُمْكِنُ فِيهِ قَصْدُ الْعَيْنِ وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ عَبِيدٌ كَثِيرَةٌ وَلَهُمْ أَسْمَاءٌ مُتَّحِدَةً ثُمَّ أَخْرَجَ اسْمًا مِنْهَا لِلْعِتْقِ وَأَضَافَ لَهُ مَا يُمَيِّزُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِقُرْعَةٍ وَطَرِيقُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ خَمْسَةَ مَمَالِيكَ مَثَلًا فِي مَرَضِهِ وَأَوْصَى بِالْعِتْقِ وَلَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُمْ فَإِنَّمَا يُعْتَقُ ثُلُثُهُمْ وَكُلُّ عَبْدٍ يَطْلُبُ مَا يُعْتَقُ مِنْهُ فَكُلٌّ مُبْهَمٌ فِي الْعِتْقِ فَيَقَعُ التَّعْيِينُ لِلْمُعْتِقِ فَإِذَا قَوَّمَ الْأَوَّلَ بِخَمْسَةٍ وَالثَّانِيَ كَذَلِكَ وَالثَّالِثَ بِعَشْرَيْنِ وَالرَّابِعَ بِسِتَّةٍ وَالْخَامِسَ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَالْمَجْمُوعُ مِنْ الْقِيَمِ سِتُّونَ وَثُلُثُ الْجَمِيعِ عِشْرُونَ وَهُوَ الَّذِي يَلْزَمُ عِتْقُهُ شَرْعًا مِنْ الْعَبِيدِ فَقَدْ يُصَادِفُ ذَلِكَ الثُّلُثُ قِيمَةَ الْعَبْدِ فَهُوَ الْمُعْتَقُ وَحْدَهُ وَقَدْ يُصَادِفُ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ فَيُكْمَلُ أَوْ أَكْثَرُ فَيُعْتَقُ بِقَدْرِهِ ثُمَّ يُكْتَبُ عَلَى الْأَوَّلِ اسْمُهُ وَقِيمَتُهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ كَذَلِكَ إلَى آخِرِهِمْ وَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي رُقْعَةٍ وَتُخْلَطُ الرِّقَاعُ ثُمَّ يُقَالُ لِبَعْضِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ ارْفَعْ مِنْهَا رُقْعَةً فَإِذَا رَفَعَهَا فُتِحَتْ فَإِنْ وُجِدَ اسْمُ الْعَبْدِ الَّذِي قِيمَتُهُ عِشْرُونَ عَتَقَ وَحْدَهُ وَإِنْ وُجِدَ الَّذِي قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ أُعِيدَ الْعَمَلُ فِي الْبَاقِي فَإِنْ خَرَجَ خَمْسَةٌ أَيْضًا عَتَقَ عَبْدَانِ ثُمَّ أُعِيدَ الْعَمَلُ فَإِنْ وُجِدَ صَاحِبُ السِّتَّةِ أُعِيدَ الْعَمَلُ فَإِنْ وُجِدَ صَاحِبُ الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ عَتَقَ مِنْهُ مِقْدَارُ أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ وَمُلِكَ الْبَاقِيَ فَيَخْرُجُ فِي الثُّلُثِ عَلَى هَذَا ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ وَسُدُسُ عَبْدٍ وَيَخْرُجُ فِي الْأَوَّلِ عَبْدٌ وَاحِدٌ وَالْبَاقِي مَمْلُوكٌ وَأَمَّا إنْ خَرَجَ فِي الْعَمَلِ مَا قِيمَتُهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَوَّلًا عَتَقَ مِنْهُ الْعِشْرُونَ وَمُلِكَ السُّدُسُ وَبَاقِي الْعَبِيدِ مَمَالِيكُ هَذَا طَرِيقُ الْعَمَلِ وَهُوَ سَبَبُ التَّعْيِينِ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِّ (فَإِنْ قُلْتَ) الظَّرْفُ الْأَوَّلُ فِي قَوْلِهِ لَهُ وَالثَّانِي فِي قَوْلِهِ لَهُ وَالثَّالِثُ فِي قَوْلِهِ بِهِ أَيُّ شَيْءٍ أَخْرَجَ بِهِمْ وَعَلَى مَنْ يَعُودُ كُلُّ وَاحِدٍ. (قُلْت) الْأَوَّلُ يَتَعَلَّقُ بِالتَّعْيِينِ وَيَعُودُ ضَمِيرُهُ عَلَى الْعِتْقِ وَأَخْرَجَ بِهِ تَعْيِينَ مُبْهَمٍ لِغَيْرِ الْعِتْقِ وَالثَّانِي يَعُودُ عَلَى الْعِتْقِ وَيَتَعَلَّقُ بِخُرُوجٍ وَضَمِيرُ بِهِ يَعُودُ عَلَى الْمُبْهَمِ وَالتَّعَلُّقُ بِمُخْتَلِطٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ (فَإِنْ قُلْت) إذَا قَالَ أَثْلَاثُ عَبِيدِي أَحْرَارٌ أَوْ أَنْصَافُهُمْ أَحْرَارٌ هَلْ تَدْخُلُ الْقُرْعَةُ ذَلِكَ (قُلْت) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 فَلَوْ قَالَ الثُّلُثُ مِنْ عَبِيدِي أَحْرَارٌ عَتَقَ وَلَا قُرْعَةَ وَقَبِلَهُ شَارِحُهُ وَوَقَعَ مِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [كِتَابُ الْوَلَاءِ] (ول ي) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآله وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الْوَلَاءِ الْوَلَاءُ لَمْ يُعَرِّفْهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَمْ يَذْكُرْ رَسْمَهُ وَيَظْهَرُ فِي سِرِّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» فَكَأَنَّهُ تَمْيِيزٌ لَهُ مِنْ إمَامِ الْعَارِفِينَ وَمَنْ أَتَاهُ اللَّهُ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ وَالْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ مَأْخُوذَةٌ عَنْهُ وَمِنْهُ فَلَا حَقِيقَةَ لَهُ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ وَبَيَّنَهُ وَيَظْهَرُ بَيَانُ الْحَدِيثِ بِالْوُقُوفِ عَلَى كَلَامِ مَنْ شَرَحَهُ وَلِلشَّيْخِ سَيِّدِي سَعِيدٍ فِيهِ كَلَامٌ حَسَنٌ سَتَقِفُ عَلَيْهِ وَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمَّا ذَكَرْت مَا قَرَّرْته اعْتِذَارًا عَنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَيْت مَا يُقَوِّي ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ تِلْمِيذِهِ الشَّيْخِ الْفَقِيهِ الْأَبِيِّ لَمَّا ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ قَالَ وَهَذَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعْرِيفٌ لِحَقِيقَتِهِ فِي الشَّرْعِ وَلَا تَجِدُ لِلْوَلَاءِ تَعْرِيفًا أَتَمَّ مِنْهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ بَيْنَ الْمُعْتَقِ وَالْمُعْتِقِ نِسْبَةً تُشْبِهُ نِسْبَةَ النَّسَبِ وَلَيْسَتْ بِهِ وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا كَانَ عَلَيْهِ رِقٌّ فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ فِي نَفْسِهِ وَالْمُعْتِقُ صَيَّرَهُ مَوْجُودًا كَمَا أَنَّ الْوَلَدَ كَانَ مَعْدُومًا وَالْأَبُ تَسَبَّبَ فِي وُجُودِهِ. [بَابُ مَعْنَى مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ] : بَابُ مَعْنَى مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» قَالَ هُوَ لِمَنْ ثَبَتَ الْعِتْقُ عَنْهُ وَلَوْ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ قَوْلُهُ " هُوَ " أَيْ الْوَلَاءُ لِمَنْ ثَبَتَ الْعِتْقُ عَنْهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ تَعْرِيفًا لِلْوَلَاءِ كَمَا فَهِمَ بَعْضُهُمْ وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ بِالْوَلَاءِ لِمَنْ يَكُونُ لَهُ وَمَنْ يَكُونُ لَهُ الْوَلَاءُ هُوَ الْمُعَرَّفُ فَكَأَنَّهُ قَالَ مَنْ يَكُونُ لَهُ الْوَلَاءُ صِفَتُهُ إلَخْ وَمَنْ ثَبَتَ الْعِتْقُ عَنْهُ هُوَ الْجِنْسُ وَهُوَ يَشْمَلُ كُلَّ مَنْ أَعْتَقَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ قَوْلُهُ " وَلَوْ بِعِوَضٍ " لِيَدْخُلَ فِيهِ وَلَاءُ الْمُقَاطَعَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ مَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 ثَبَتَ الْعِتْقُ عَنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَوْ كَانَ بِعِوَضٍ وَذِكْرُهُ غَايَةٌ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْعِوَضَ مَانِعٌ قَوْلُهُ " أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ " كَمَا تَقَدَّمَ أَيْ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَبِإِذْنٍ وَلَوْ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ إذْنٍ وَالضَّمِيرُ فِي إذْنِهِ يَعُودُ عَلَى مَنْ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَخَالَفَ أَشْهَبُ وَقَالَ إنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ مُطْلَقًا قَوْلُهُ " مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ " مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَلَاءَ ثَابِتٌ لِلْمُعْتِقِ عَنْهُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ أَخْرَجَ بِذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ كَافِرٌ مُسْلِمًا لِأَنَّ الْعِتْقَ هُنَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَا وَلَاءَ لِلْكَافِرِ لِأَجْلِ الْمَانِعِ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أَعْتَقَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ عِتْقِهِ فَإِنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ إذَا مَاتَ عَنْ مَالٍ فَمِيرَاثُهُ لِعَصَبَةِ سَيِّدِهِ النَّصْرَانِيِّ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا كَانَ عَنْ النَّصْرَانِيِّ وَالْوَلَاءُ هُنَا لِغَيْرِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ (قُلْتُ) الْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِالْجَرِّ وَأَصْلُ الْوَلَاءِ إنَّمَا كَانَ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ وَلَمَّا مَنَعَ الْمَانِعُ مِنْ مِيرَاثِهِ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ ثَمَنٌ يَجُرُّهُ إلَيْهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَانَ لِسَيِّدِهِ حِينَ كَانَ نَصْرَانِيًّا فَإِنْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ رَجَعَ إلَيْهِ وَلَاؤُهُ قَالَ سَحْنُونٌ مَعْنَى رُجُوعِ الْوَلَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ إنَّمَا هُوَ الْمِيرَاثُ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَنْتَقِلُ (فَإِنْ قُلْتَ) ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ رَسَمَ هُنَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَقَطْ وَلِشَيْخِهِ الرَّسْمُ إنَّمَا هُوَ لِلْمَاهِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ. (قُلْت) كَثِيرًا مَا يُفْعَلُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً لِلَّهِ تَعَالَى فَوَلَاؤُهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُعْتِقُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ ذَلِكَ (قُلْتُ) قَالَ فِيهَا لِأَنَّ مَعْنَى السَّائِبَةِ الْعِتْقُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الرَّسْمِ مَعْنًى (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا قَالَ ثَبَتَ لَهُ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى كَمَا قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا (قُلْت) هَذَا أَخْصَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ (فَإِنْ قُلْت) إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدُ عَبْدَهُ وَعَلِمَ السَّيِّدُ بِهِ وَلَمْ يُرِدْهُ وَلَا أَجَازَ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ فَالْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ وَالْعِتْقُ لَمْ يَكُنْ عَنْهُ لَا مَعْنًى وَلَا لَفْظًا (قُلْت) هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَوَجْهُهُ أَنَّ سُكُوتَهُ وَعَدَمَ رَدِّهِ يُعَدُّ كَأَنَّهُ رَضِيَ مِنْهُ فَكَأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتِقُ فَيَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْعَبْدِ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ الرَّسْمُ أَيْضًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِعِتْقِهِ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ فَالْوَلَاءُ لِلْعَبْدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ (فَإِنْ قُلْت) مَا أَعْتَقَهُ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِمَا فِي مَرَضِ السَّيِّدِ الْوَلَاءُ لِمَنْ هُوَ. (قُلْتُ) قَالَ أَصْبَغُ الْوَلَاءُ لَهُمَا وَلَوْ صَحَّ السَّيِّدُ لِأَنَّهُ يَوْمَ أَعْتَقَ لَمْ يَكُنْ لَهُ انْتِزَاعُ مَالِهِ وَلَيْسَ كَالْمُكَاتَبِ إذَا عَجَزَ بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ وَلَا يَرْجِعُ إلَى الْمُكَاتَبِ إنْ أَعْتَقَ وَانْظُرْ ابْنَ يُونُسَ هُنَا وَمَا أَصَّلَهُ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 أَنَّ مَنْ لِسَيِّدِهِ انْتِزَاعَ مَالِهِ فَوَلَاءُ مَا أَعْتَقَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِسَيِّدِهِ وَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مَنْ أُعْتِقَ وَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مَعَ مَا وَقَعَ فِي الرَّسْمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدُ عَبْدًا لَهُ وَلَا عِلْمَ سَيِّده حَتَّى عَتَقَ عَبْدَهُ فَلِمَنْ الْوَلَاءُ (قُلْتُ) وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْعَبْدِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قِيلَ فِي هَذَا الْأَصْلُ أَنَّهُ عَتِيقٌ مِنْ يَوْمِ عَتَقَ فَالْوَلَاءُ عَلَى هَذَا لِلسَّيِّدِ اُنْظُرْهُ. [كِتَابُ التَّدْبِيرِ] (د ب ر) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ التَّدْبِيرِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " عَقْدُ يُوجِبُ عِتْقَ مَمْلُوكٍ فِي ثُلُثِ مَالِكِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِعِتْقٍ لَازِمٍ " فَهَذَا الَّذِي رَأَيْته (قُلْتُ) التَّدْبِيرُ فِي اللُّغَةِ عِتْقُ الرَّجُلِ عَنْ دُبُرٍ قَالَ بَعْضُهُمْ وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا صَحَّ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْفُقَهَاءِ يَرْجِعُ لِلْعِتْقِ فَكَيْفَ يَقُولُ عَقْدٌ وَالْعِتْقُ غَيْرُ عَقْدٍ (قُلْتُ) لَا يَخْلُو مِنْ مُنَاقَشَةٍ فِيهِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ فِي الْعُرْفِ عَقْدٌ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْعَقْدِ وَإِنَّ الْعَقْدَ يَعُمُّ مَا كَانَ مَعَهُ عِوَضٌ أَمْ لَا وَيَدْخُلُ سَائِرُ الْعُقُودِ الَّتِي فِيهَا تَبَرُّعٌ وَأَخْرَجَهَا بِقَوْلِهِ يُوجِبُ عِتْقَ مَمْلُوكٍ قَوْلُهُ " فِي ثُلُثِ مَالِكِهِ " أَخْرَجَ بِهِ الْمُلْتَزَمَ عِتْقُهُ فِي صِحَّتِهِ قَوْلُهُ " بَعْدَ مَوْتِهِ " يَخْرُجُ بِهِ الْمُلْتَزَمُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ الْمُبْتَلَى فِيهِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ لَهُ إذَا لَمْ يَمُتْ قَوْلُهُ " بِعِتْقٍ لَازِمٍ " يَتَعَلَّقُ بِيُوجِبُ أَخْرَجَ بِهِ الْوَصِيَّةَ. (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ صَحَّ إدْخَالُ التَّدْبِيرِ فِي الْمَرَضِ فِي رَسْمِهِ (قُلْتُ) الرَّسْمُ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ إذَا تُؤَمِّلَ وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ لَمَّا قَرَّرَ رَسْمَهُ عَلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِيلَ لَهُ هَذَا غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ الْوَصِيَّةِ الْمُشْتَرَطِ فِيهَا عَدَمُ الرُّجُوعِ فِي الْعِتْقِ فَأَجَابَ بِأَنَّا نَلْتَزِمُ أَنَّهَا تَدْبِيرٌ ثُمَّ قِيلَ لَهُ يَدْخُلُ الْمُبْتَلَى فِي الْمَرَضِ قَالَ نَقُولُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِتْقٍ لَازِمٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْهُ أَمَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْوَصِيَّةِ الْمُلْتَزَمِ فِيهَا عَدَمُ الرُّجُوعِ فَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ التَّدْبِيرَ أَصْلُهُ وَصِيَّةٌ اُلْتُزِمَ فِيهَا عَدَمُ الرُّجُوعِ قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهَا خِلَافٌ فِي لُزُومِ الشَّرْطِ فِيهَا وَالتَّدْبِيرُ لَا خِلَافَ فِي لُزُومِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 فَكَيْفَ يَكُونُ الْأَصْلُ مُخْتَلِفًا فِيهِ وَفَرْعُهُ لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ فَانْظُرْهُ وَمَا فِيهِ وَأَمَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُبْتَلَى فِي الْمَرَضِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِتْقٍ لَازِمٍ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يُرَدُّ عَلَى رَسْمِهِ عِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ كَمَا أَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ (قُلْت) لَا لِأَنَّ جِنْسَهُ هُنَا عَقْدٌ فَتَأَمَّلْهُ ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ رَسْمِ التَّدْبِيرِ رَسْمَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ عَلَى الْمَوْتِ عَلَى غَيْرِ الْوَصِيَّةِ وَرَدَّهُ شَيْخُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ مِنْ التَّعْرِيفِ بِالْإِضَافِيَّاتِ وَأَنَّهَا مُجْتَنَبَةٌ قَالَ الشَّيْخُ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُمْ مِنْ اجْتِنَابِ الْإِضَافِيَّاتِ لَا أَعْرِفُهُ وَلَيْسَتْ الْإِضَافِيَّاتُ مَلْزُومَةً لِلْإِجْمَالِ وَلِذَا وَقَعَتْ فِي تَعْرِيفَاتِهِمْ كَثِيرًا كَقَوْلِ الْقَاضِي فِي الْقِيَاسِ حَمْلُ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ وَقَوْلُهُمْ فِي اخْتِلَافِ قَضِيَّتَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ وَلَوْ تَعَقَّبَهُ بِاشْتِمَالِهِ عَلَى التَّرْكِيبِ وَهُوَ وَقْفُ مَعْرِفَةِ الْمُعَرَّفِ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْهُ لَيْسَتْ أَعَمَّ وَلَا أَخَصَّ كَانَ صَوَابًا وَتَقَدَّمَ لَهُ نَظِيرُ هَذَا الْبَحْثِ مَعَهُ وَمَعَ ابْنِ الْحَاجِبِ فَالْحَقِيقَةُ الْأَجْنَبِيَّةُ هُنَا هِيَ الْوَصِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الِاعْتِرَاضُ بِمِثْلِ هَذَا فِي حَدٍّ قَبْلَ هَذَا. وَلَا يُجَابُ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدُ وَمَرَّ بِهِ لِأَنَّ الْإِحَالَةَ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ لَا مَا تَأَخَّرَ وَرُبَّمَا وَقَعَ لِلشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَرِيبًا مِنْ هَذَا فِي رَسْمِهِ وَقَدَّمْنَاهُ وَقَدَّمْنَا جَوَابَهُ قَالَ وَتَعَقَّبَ ابْنُ هَارُونَ عَدَمَ طَرْدِ حَدِّهِ بِدُخُولِ مَا عُلِّقَ عَلَى مَوْتِ غَيْرِ مَالِكِهِ وَهُوَ عِتْقٌ لِأَجَلٍ وَأَجَابَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ قَرِينَةٌ أَنَّ الْمُرَادَ مَوْتُ مَالِكِهِ وَرَدَّ هَذَا بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَوْتِ مَالِكِهِ لَا عَلَى انْحِصَارِهِ فِيهِ فَفِيهِ عِنَايَةٌ فِي التَّعْرِيفِ وَهُوَ صَائِبٌ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُنْتَقَضُ أَيْضًا بِحُكْمِ عِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ عَلَى مَوْتِ مَالِكِهَا ثُمَّ قَالَ وَلَا يُجَابُ بِعَدَمِ تَعْلِيقِهِ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ التَّعْلِيقُ اللَّفْظِيُّ خَرَجَ عَنْ حَدِّ التَّدْبِيرِ قَوْلُنَا أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي فَإِنَّهُ لَا تَعْلِيقَ لَفْظًا فَكَأَنَّهُ يَقُولُ هَذِهِ الْإِرَادَةُ تُوجِبُ أَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ وَإِطْلَاقُ التَّعْلِيقِ يُوجِبُ كَوْنَهُ غَيْرً مُطَّرِدٍ فَالْأَوَّلُ حَافِظٌ عَلَى طَرْدِهِ فَأَخَلَّ بِعَكْسِهِ وَالثَّانِي الْحَمْلُ عَلَيْهِ يُخِلُّ بِطَرْدِهِ وَهُوَ مَعْنًى وَإِنْ أُرِيدَ الْمُعَلَّقُ مَعْنًى فَعِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ. [بَابٌ فِي صِيغَةِ التَّدْبِيرِ] (ص وغ) : بَابٌ فِي صِيغَةِ التَّدْبِيرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا دَلَّ عَلَى حَقِيقَتِهِ عُرْفًا (قُلْتُ) أَحَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا دَلَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 بِالْعُرْفِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ ثَمَّ أَلْفَاظًا تَدُلُّ عَلَى التَّدْبِيرِ وَأَلْفَاظًا تَدُلُّ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَأَلْفَاظًا مُحْتَمِلَةٌ وَانْظُرْ الْمُدَوَّنَةَ وَمَا فِيهَا مِنْ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُدَبِّرِ] (د ب ر) : بَابُ الْمُدَبِّرِ بِكَسْرِ الْبَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الْمَالِكُ السَّالِمُ مِنْ حَجْرِ التَّبَرُّعِ وَهُوَ ظَاهِرٌ قِيلَ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ تَدَبُّرُ ذَاتِ الزَّوْجِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ وَأَجْرَى ذَلِكَ مُجْرَى الْوَصِيَّةِ فَانْظُرْهُ. [بَابُ الْمُدَبَّرِ بِفَتْحِ الْبَاءِ] (د ب ر) : بَابُ الْمُدَبَّرِ بِفَتْحِ الْبَاءِ قَالَ هُوَ الْمُعْتَقُ مِنْ ثُلُثِ مَالِكِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِعِتْقٍ لَازِمٍ قَالَ فَيَخْرُجُ الْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ وَأُمُّ الْوَلَدِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ قِيلَ لِلشَّيْخِ مَا ذَكَرْته هُوَ فَائِدَةُ الْمُدَبَّرِ لَا مَعْنَى الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُدَبِّرِ يَصْدُقُ الرَّسْمُ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) أَوْلَادُ الْمُدَبَّرِينَ مُدَبَّرُونَ وَالرَّسْمُ لَا يَصْدُقُ فِيهِمْ (قُلْت) هُمْ مُلْحَقُونَ بِالتَّدْبِيرِ. [كِتَابُ الْكِتَابَةِ] (ك ت ب) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الْكِتَابَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الْكِتَابَةُ عِتْقٌ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ مِنْ الْعَبْدِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَدَائِهِ " الْكِتَابَةُ لُغَةً مَعْلُومٌ اشْتِقَاقُهَا وَفِيهِ أَنْقَالٌ مُخْتَلِفَةٌ فَخَرَجَ عَنْ ذَلِكَ اللُّغَوِيَّةُ وَالْكِتَابَةُ الْعُرْفِيَّةُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَذَكَرَ الْجِنْسَ عَتَقَ وَتَقَدَّمَ حَدُّ الْعِتْقِ وَأَنَّهُ رَفْعُ مِلْكٍ قَوْلُهُ " عَلَى مَالٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْعِتْقَ عَلَى غَيْرِ مَالٍ وَهُوَ الْبَتْلُ وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ قَوْلُهُ " مُؤَجَّلٌ " أَخْرَجَ بِهِ الْقَطَاعَةَ قَوْلُهُ " مَوْقُوفٌ عَلَى أَدَائِهِ " أَخْرَجَ بِهِ الْعِتْقَ الْمُعَجَّلَ عَلَى أَدَاءِ مَالٍ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِكِتَابَةٍ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدُ فَيَخْرُجُ مَا عَلَى مَالٍ مُعَجَّلٍ وَلِذَلِكَ قَالَ فِيهَا لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ أُمِّ الْوَلَدِ وَيَجُوزُ عِتْقُهَا عَلَى مَالٍ مُعَجَّلٍ كَأَنَّهُ يَقُولُ فَوُجِدَ الْعِتْقُ عَلَى الْمَالِ الْمُعَجَّلِ وَلَمْ تُوجَدْ الْكِتَابَةُ فَدَلَّ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 أَنَّ الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِ الْمُعَجَّلِ غَيْرُ الْكِتَابَةِ فَلِذَا زَادَ ذَلِكَ لِإِخْرَاجِ مَا ذَكَرَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَخْرُجُ عِتْقُ الْعَبْدِ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ يَعْنِي لِقَوْلِهِ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَالِ هُنَا لَيْسَ مِنْ الْعَبْدِ وَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ. (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ جَعَلَ جِنْسَ الْكِتَابَةِ الْعِتْقَ وَلَمْ يَقُلْ الْعَقْدُ كَمَا قَالَ فِي التَّدْبِيرِ وَهُوَ أَظْهَرُ (قُلْت) ظَهَرَ لِي هَذَا أَوَّلًا ثُمَّ رَأَيْت لِبَعْضِ تَلَامِذَتِهِ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ وَقَالَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ عَقْدٌ يُوجِبُ الْعِتْقَ عَلَى مَالٍ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ سَبَبٌ فِي الْعِتْقِ لَا أَنَّهَا نَفْسُ الْعِتْقِ وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ بَعْدُ يَظْهَرُ أَنَّهُ يُرَدُّ بَعْضُهُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَرَضَ عَلَى كَلَامِ شَيْخِهِ فِي قَوْلِهِ إنَّ حَقِيقَتَهَا الْعُرْفِيَّةَ مَعْلُومَةٌ وَلِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الْمُؤَلِّفُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ حَقِيقَتَهَا إعْتَاقُ الْعَبْدِ عَلَى مَالٍ مُنَجَّمٍ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الرَّسْمُ الْمَذْكُورُ زَعَمَ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ يَدْخُلُ فِيهِ عِتْقُهُ عَلَى مَالٍ مُنَجَّمٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ وَلَيْسَ كِتَابُهُ وَلَا حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ وَهَذَا الرَّسْمُ وَقَعَ لِعِيَاضٍ وَرَدَّ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ وَرَدُّوهُ أَيْضًا بِأَنَّ الْكِتَابَةَ سَبَبٌ فِي الْإِعْتَاقِ وَفِي الْعِتْقِ وَهَذَا يُرَدُّ عَلَى حَدِّ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ بَعْضَ عَبْدِهِ (قُلْت) قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يُرَدُّ ذَلِكَ عَلَى الشَّيْخِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كِتَابَةً وَيَكُونُ حَدُّهُ غَيْرَ مُطَّرِدٍ (قُلْت) حَدُّهُ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ (فَإِنْ قُلْت) إذَا كَانَ لَهُ شِقْصٌ فِي عَبْدٍ بَاقِيهِ حُرٌّ فَإِنَّهُ تَصِحُّ الْكِتَابَةُ عَلَى مَا أَخَذُوهُ مِنْهَا فَكَيْفَ يَدْخُلُ ذَلِكَ (قُلْت) هُوَ دَاخِلٌ وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَالْأَوَّلُ دَاخِلٌ وَهِيَ فَاسِدَةٌ. [بَابُ الْمُكَاتِبِ] (ك ت ب) : بَابُ الْمُكَاتِبِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْعَبْدِ وَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْعَبْدِ " هَذَا هُوَ الْمُكَاتِبُ بِالْكَسْرِ وَأَطْلَقَ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْعَبْدِ ظَاهِرُهُ بِأَيِّ نَوْعٍ كَانَ حَتَّى بِالْهِبَةِ فَعَلَيْهِ تَصِحُّ مُكَاتَبَةُ الْوَصِيِّ وَقَدْ أَجَازَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مَعَ أَنَّ الشَّيْخَ أَدْخَلَ ذَلِكَ فِي رَسْمِهِ وَذَكَرَ ظَاهِرَهَا شَاهِدًا وَفِيهِ بَحْثٌ وَلَوْ قِيلَ أَنَّهَا اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ يُرَاعَى كَوْنُهَا مِنْ نَاحِيَةِ الْعِتْقِ فَلَا تَجُوزُ مِنْ الْوَصِيِّ أَوْ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْعِ فَتَجُوزُ وَيَكُونُ الْحَدُّ قَدْ أُطْلِقَ فِيهِ لِيَشْمَلَ الْقَوْلَيْنِ لَكَانَ حَسَنًا وَلَعَلَّ هَذَا قَصْدُهُ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا مِنْ نَاحِيَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 الْبَيْعِ وَقَدْ وَقَعَ قَوْلُ الْغَيْرِ فِيهَا أَنَّهَا مِنْ نَاحِيَةِ الْعِتْقِ وَعَلَى ذَلِكَ أَجْرَوْا مُكَاتَبَةَ الْمَرِيضِ إذَا لَمْ يُحَابَى وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ مُعْتَرِضٌ فِي قَوْلِهِ وَكِتَابَةُ الْمَرِيضِ قِيلَ كَالْبَيْعِ وَقِيلَ يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ قَالُوا وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُحَابَاةً فَلَا نَظَرَ لِلْوَرَثَةِ وَكَلَامُهُ مُطْلَقُ قَوْلِهِ " وَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ " أَخْرَجَ بِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَجْرٌ (فَإِنْ قُلْتَ) ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ الصِّيغَةَ وَذَكَرَ الْمُكَاتَبَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَرْكَانِ الْكِتَابَةِ (قُلْتُ) حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُعْتَقِ] (ع ت ق) : بَابُ الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَرَّفَ حَقَائِقَ الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَمْ يُعَرِّفْ الْمُعْتَقَ إلَى أَجَلٍ وَذَكَرَ أَحْكَامَهُ فِي آخِرِ بَابِ أُمِّ الْوَلَدِ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ حَدَّ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِّ الْعِتْقِ الَّذِي ذَكَرَ أَوَّلًا وَأَنَّهُ رَفْعُ مِلْكٍ إلَخْ إلَّا أَنَّهُ رَفْعُ مِلْكٍ مَوْقُوفٌ عَلَى حُصُولِ زَمَنٍ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى وَتَأَمَّلْ الْمَسَائِلَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلْفَهْمِ عَنْهُ وَرَحِمَهُ اللَّهُ وَنَفَعَ بِهِ. [كِتَابُ أُمِّ الْوَلَدِ] (أم م) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ أُمِّ الْوَلَدِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " هِيَ الْحُرُّ حَمْلُهَا مِنْ وَطْءِ مَالِكِهَا عَلَيْهِ جَبْرًا " قَوْلُهُ " هِيَ الْحُرُّ حَمْلُهَا " هَذَا جِنْسٌ أَيْ الَّتِي نُسِبَ لِحَمْلِهَا الْحُرِّيَّةُ وَثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ لِحَمْلِهَا أَعَمُّ مِنْ الْأَصَالَةِ وَالْعَرَضِ فَالْأَصَالَةُ وَضْعُ النُّطْفَةِ فِي رَحِمِ الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ لِوَطْئِهَا وَالْعَرَضُ كَعِتْقِ الْحَمْلِ بَعْدَ تَقَرُّرِ مِلْكِهِ فَتَدْخُلُ فِيهِ الْأَمَةُ إذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ حَمْلَهَا وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةَ أَبِيهِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ الْحَمْلُ عَلَى جَدِّهِ وَيَكُونُ حُرًّا وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجُوزُ شِرَاؤُهَا لِلِابْنِ مِنْ وَالِدِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَالْمَشْهُورُ يَجُوزُ الشِّرَاءُ وَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا قَوْلُهُ " مَنْ وَطْءِ مَالِكِهَا " أَخْرَجَ بِهِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَمَا شَابَهَهُمَا لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ فِيهِمَا لَيْسَتْ مِنْ وَطْءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 الْمَالِكِ قَالَ الشَّيْخُ وَيَخْرُجُ بِهِ إذَا اُسْتُحِقَّتْ مِنْ تَحْتِ زَوْجٍ وَهِيَ حَامِلٌ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا أُمُّ وَلَدٍ لِأَنَّ الزَّوْجَ وَطْؤُهُ لَمْ يَكُنْ عَنْ مِلْكٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَدْخُلُ الْأَمَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ حَامِلًا مِنْ مَالِكٍ لَهَا عَلَى أَخْذِ قِيمَتِهَا بِوَلَدِهَا أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَهِيَ إذَا اشْتَرَى أَمَةً وَأَوْلَادَهَا فَاسْتَحَقَّهَا رَبُّهَا هَلْ يَكُونُ لِرَبِّهَا قِيمَتُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا أَوْ قِيمَةُ أُمِّهِ خَاصَّةً فَعَلَى الْقَوْلِ بِقِيمَتِهَا وَحْدَهَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِوَاطِئِهَا لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا الْحُرُّ حَمْلُهَا مِنْ وَطْءِ مَالِكِهَا. قَوْلُهُ " عَلَيْهِ جَبْرًا " عَلَيْهِ يَتَعَلَّقُ بِالْجَبْرِ وَأَصْلُهُ مَجْبُورًا عَلَيْهِ الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْحُرِّيَّةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ الْحُرِّ وَهِيَ بِمَعْنَى الْعِتْقِ مَعْنَاهُ أُمُّ الْوَلَدِ هِيَ الْمَوْصُوفَةُ بِحُرِّيَّةِ حَمْلِهَا مِنْ وَطْءِ مَالِكِهَا حَالَةَ كَوْنِ الْحُرِّيَّةِ مَجْبُورًا عَلَيْهَا مَالِكُهَا وَجَبْرًا مَنْصُوبٌ عَلَى إسْقَاطِ الْجَارِّ أَوْ حَالٌ مِنْ الْمَالِكِ أَيْ حَالَ كَوْنِ الْمَالِكِ مَجْبُورًا عَلَيْهِ وَأَخْرَجَ بِزِيَادَةٍ هَذَا الْقَيْدَ إذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ حَمْلَ أَمَتِهِ مِنْ عَبْدِهِ فَإِنَّ الْحَدَّ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا حُرٌّ حَمْلُهَا مِنْ وَطْءِ مَالِكِهَا لَكِنَّهُ لَيْسَ الْعِتْقُ مُجْبَرًا عَلَيْهِ الْمَالِكُ وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يُمْلَكُ وَبِهِ اسْتَدَلَّ أَهْلُ الْمَذْهَبِ أَعْنِي وَطْؤُهُ أَمَتَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ وَتَخْرُجُ أَمَةُ الْعَبْدِ بِعِتْقِ سَيِّدِهِ حَمْلَهَا مِنْهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَبْرٍ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بَعْدَ حَمْلِهَا وَهِيَ حَامِلٌ هَلْ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ أَمْ لَا. (قُلْتُ) الْمَشْهُورُ أَنَّهَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ وَقِيلَ لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّهُ قَدْ مَسَّهُ الرِّقُّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ (فَإِنْ قُلْتَ) وَحَدُّ الشَّيْخِ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا (قُلْتُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أُمُّ وَلَدٍ بَعْدَ شِرَائِهِ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِهِ وَفِيهِ بَحْثٌ وَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مَعَ الْمَسْأَلَةِ الْمَعْلُومَةِ إذَا وَقَعَ اسْتِحْقَاقٌ فِي أَمَةٍ بَعْدَ حَمْلٍ مِنْ مُشْتَرِيهَا فَأَخَذَهَا مَالِكُهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِحُكْمِ قَاضٍ وَقَعَ الرَّدُّ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ بِحُكْمٍ فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ اُنْظُرْهَا وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْبَرَادِعِيِّ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي الْجَوَابِ اُنْظُرْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِيمَا تَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ] ٍ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِإِقْرَارِ السَّيِّدِ بِوَطْئِهِ إيَّاهَا النَّاشِئِ عَنْهُ حَمْلُهَا. (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ وَقَعَ فِيهَا إذَا أَقَرَّ بِالْوَطْءِ وَادَّعَى الِاسْتِبْرَاءَ بَعْدَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 بِحَيْضَةٍ وَنَفَى الْوَلَدَ صَدَقَ وَلَا يَلْزَمُهُ مَا أَتَتْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِسِتَّةٍ (قُلْتُ) هَذَا صَحِيحٌ وَلَعَلَّهُ يُخْرِجُ بِقَوْلِهِ النَّاشِئَ عَنْهُ حَمْلُهَا وَاللَّخْمِيُّ هُنَا اسْتَشْكَلَ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ بِحَيْضَةٍ يَنْفِي الْوَلَدَ لِأَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ فَإِنْ قَالَ أَنَا وَطِئْت وَلَمْ أُنْزِلْ لَزِمَهُ مَا أَتَتْ بِهِ كَذَا ذَكَرُوهُ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [كِتَابُ الْوَصِيَّةِ] (وص ي) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الْوَصِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْوَصِيَّةُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ لَا الْفَرَّاضِ " عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ أَوْ نِيَابَةً عَنْهُ بَعْدَهُ " قَوْل الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْوَصِيَّةُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ اللُّغَةُ مَعْلُومٌ مَدْلُولُهَا فِيهَا وَالْوَصِيَّةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَخَصُّ مِنْ اللُّغَةِ وَأَعَمُّ مِنْ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْفَرَّاضِ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ خَاصَّةٌ بِمَا يُوجِبُ الْحَقَّ فِي الثُّلُثِ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ النِّيَابَةِ عَنْ الْمُوصِي بَعْدَ الْمَوْتِ فَلِذَلِكَ عَرَّفَهَا الشَّيْخُ بِالْأَمْرِ الْأَعَمِّ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُنَا أَشْبَهُ مَا يُقَالُ فِي رَسْمِهَا بِحَسَبِ عُرْفِ الْفُقَهَاءِ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِطَرِيقِ الشَّرْعِ قَالَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ مُنَاقَشَةٍ لَا تَخْفَى عَلَيْك وَالشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ لَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي هَذَا مَعَ أَنَّهُ بَحَثَ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَدِّ فِي مَوَاضِعَ مَعَ أَنَّهُ قَابِلٌ لِلْبَحْثِ أَمَّا قَوْلُهُ أَشْبَهُ مَا يُقَالُ فِي رَسْمِهَا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ ارْتَضَاهُ إلَّا أَنَّهُ يُورِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُنَاقَشَةِ وَالْمُنَاقَشَةُ لَا تُخِلُّ بِرَسْمِهِ وَيَظْهَرُ لَك مَا فِيهِ بَعْدَ بَيَانِهِ قَوْلُهُ تَمْلِيكٌ مَصْدَرٌ مِنْ مَلَكَ وَالتَّمْلِيكُ إعْطَاءٌ لِمَنَافِعَ أَوْ ذَوَاتٍ وَذَلِكَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْمُتَمَلَّكَاتِ بَلْ وَكَذَلِكَ الْمُعَاوَضَاتُ فَإِنَّ فِيهَا تَمْلِيكٌ. قَوْلُهُ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَخْرَجَ بِهِ التَّمْلِيكَ الْوَاقِعَ فِي الْحَيَاةِ قَوْلُهُ بِطَرِيقِ الشَّرْعِ أَخْرَجَ بِهِ إنْ مَاتَ زَيْدٌ مَلَّكْتُك هَذِهِ الدَّارَ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّمْلِيكُ مُضَافٌ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا بِطَرِيقِ الشَّرْعِ فَأَنْتَ تَرَى هَذَا الرَّسْمَ فَإِنَّ فِيهِ أَبْحَاثًا أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّهُ قَالَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَلَا تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ النِّيَابَةُ عَنْ الْمَيِّتِ فِي التَّصَرُّفِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ ذَاتًا وَلَا مَنْفَعَةً وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ هِيَ أَعَمُّ وَأَمَّا ثَانِيًا فَإِنَّهُ صَيَّرَ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكًا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالتَّمْلِيكُ يَسْتَدْعِي لُزُومَ مَا مَلَّكَ لِلْغَيْرِ غَايَتَهُ أَنَّهُ اسْتَلْزَمَهُ بِشَرْطِ الْمَوْتِ وَلَيْسَ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ ذَلِكَ بَلْ الْوَصِيَّةُ إنَّمَا تَلْزَمُ بِالْمَوْتِ وَذَلِكَ هُوَ خَاصَّتُهَا وَهُوَ اللُّزُومُ بِالْمَوْتِ وَمِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَى التَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الشَّرْعِ فَحَدُّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِإِرْثٍ بَعْدَ مَوْتِ رَجُلٍ وَلَعَلَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَى هَذَا مِنْ الْمُنَاقَشَاتِ فِي هَذَا الرَّسْمِ وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ " عَقْدٌ " فَالْعَقْدُ هُنَا جِنْسٌ لِلْوَصِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِهِ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ عُقُودٌ كَثِيرَةٌ قَوْلُهُ " يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ " أَخْرَجَ مَا يُوجِبُ حَقًّا فِي رَأْسِ مَالِهِ مِمَّا عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي صِحَّتِهِ. قَوْلُهُ " يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ " هُوَ صِفَةٌ لِعَقْدٍ أَخْرَجَ بِهِ الْمَرْأَةَ إذَا وَهَبَتْ أَوْ الْتَزَمَتْ ثُلُثَ مَالِهِمَا وَلَهَا زَوْجٌ أَوْ مَنْ الْتَزَمَ ثُلُثَ مَالِهِ لِشَخْصٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْمَوْتِ قَوْلُهُ " أَوْ نِيَابَةً عَنْهُ بَعْدَهُ " نِيَابَةً عَطْفٌ عَلَى حَقًّا مَعْنَاهُ أَوْ يُوجِبُ نِيَابَةً عَنْ عَاقِدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَدْخُلُ الْإِيصَاءُ بِالنِّيَابَةِ عَنْ الْمَيِّتِ (فَإِنْ قُلْت) الشَّيْخُ أَيْضًا أَتَى بِأَوْ فِي هَذَا الرَّسْمِ (قُلْتُ) تَقَدَّمَ هَذَا الْجَوَابُ عَنْهُ مِرَارًا (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أَوْصَى وَالْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ (قُلْتُ) فِيهِ خِلَافٌ وَالْحَدُّ لِلْأَعَمِّ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ أَوْ الِاتِّفَاقِ. (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا الْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ وَزَادَ مَهْمَا رَجَعْت كَانَ تَجْدِيدًا لِلْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ ذَلِكَ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْخِلَافِ (قُلْتُ) كَذَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَلَكِنَّ الْخِلَافَ مَوْجُودٌ ذَكَرَهُ ابْنُ الْخَطِيبِ وَغَيْرُهُ وَالْحَدُّ الْمَذْكُورُ أَعَمُّ مِنْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ الذَّاتِ أَوْ الْعِتْقِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أَوْصَى الْوَصِيُّ بِأَنَّ فُلَانًا يَكُونُ وَصِيًّا بَعْدَهُ فَهَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ (قُلْتُ) يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي رَسْمِهِ وَالْوَصِيُّ يَصِحُّ لَهُ أَنْ يُوصَى بَعْدَ مَوْتِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا كَانَ عَلَى طِفْلٍ وَصِبْيَانٍ ثُمَّ أَوْصَى أَحَدُهُمَا عِنْدَ مَوْتِهِ بِجَعْلِ مَا بِيَدِهِ لِأَجْنَبِيٍّ هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ (قُلْتُ) أَجَازَهُ أَشْهَبُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِذَلك فِي النَّظَرِ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَهَلْ يُرَدُّ عَلَى حَدِّهِ (قُلْتُ) إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْوَصِيَّةِ فَيَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلتَّدْبِيرِ فَلَا يُرَدُّ أَيْضًا لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَازِمٌ بِالْقَوْلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ. [بَابٌ فِي الْمُوصِي] (وص ي) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 بَابٌ فِي الْمُوصِي الْمُوصِي الْمَالِكُ الظَّاهِرُ تَمْيِيزُهُ التَّامُّ مِلْكُهُ قَوْلُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الْمُوصِي الْمَالِكُ إلَخْ " الْمَالِكُ أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْمَالِكِ فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْوَكِيلِ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَلَا مَا شَابَهَهُ قَوْله " الظَّاهِرُ تَمْيِيزُهُ " أَخْرَجَ بِهِ مِنْ لَا ظُهُورَ فِي مَيْزِهِ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ جِدًّا (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ الْمُمَيِّزُ وَهُوَ أَخْصَرُ وَيُؤَدِّي مَعْنَى مَا ذَكَرَ (قُلْتُ) لَا شَكَّ أَنَّهُ أَخْصَرُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي مَعْنَى مَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ هُنَا خُصُوصُ تَمْيِيزٍ لَا مُطْلَقِهِ وَهُوَ مَنْ يَعْقِلُ الْقُرْبَةَ كَابْنِ سَبْعِ سِنِينَ وَشِبْهِهِ فَلِذَا عَدَلَ الشَّيْخُ إلَى مَا ذَكَرَ فَتَجُوزُ وَصِيَّةُ مَنْ عَقَلَ الْقُرْبَةَ مِنْ الصِّبْيَانِ وَتَجُوزُ مِنْ السَّفِيهِ الْبَالِغِ وَتَجُوزُ مِنْ الْمَجْنُونِ حَالَ إفَاقَتِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) وَهَلْ تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْكَافِرِ (قُلْتُ) إنْ أَوْصَى بِمَالٍ لِمُسْلِمٍ غَيْرَ خَمْرٍ وَلَا خِنْزِيرٍ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَاسْتَدَلَّ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) أَيُّ شَيْءٍ أَخْرَجَ بِقَوْلِهِ التَّامِّ مِلْكُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ الْمَالِكُ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ أَخْرَجَ بِذَلِكَ وَصِيَّةَ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ لَكِنْ لَيْسَ تَامًّا فِي مِلْكِهِ وَيَخْرُجُ الْمُرْتَدُّ إذَا أَوْصَى (فَإِنْ قُلْتَ) ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَسْمَ الْوَصِيَّةِ وَرَسْمَ الْمُوصِي وَرَسْمَ الْمُوصَى بِهِ وَرَسْمَ صِيغَةِ الْوَصِيَّةِ وَمِنْ تَمَامِ ذَلِكَ رَسْمُ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ شُرُوطٍ شَرْعِيَّةٍ وَقَدْ ذَكَرَ أَحْكَامَ ذَلِكَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قُلْتُ) رَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ إسْقَاطَ ذَلِكَ وَفِي بَعْضِهَا مَا فِيهِ فَسَادٌ وَالصَّوَابُ ذِكْرُ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ رَسْمُ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) يَصْدُقُ الْمُوصِي عَلَى مَنْ أَوْصَى بِمَالٍ وَعَلَى مَنْ أَوْصَى بِنِيَابَةٍ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ الْمَحْدُودَةَ تَعُمُّ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا وَالْمُوصِي الْمَذْكُورُ الَّذِي ذَكَرْت فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطَ إنَّمَا هُوَ الْمُوصِي بِالْمَالِ (قُلْتُ) كَذَلِكَ قَصْدُهُ وَالسِّيَاقُ يُعَيِّنُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُوصَى بِهِ] (وص ي) : بَابُ الْمُوصَى بِهِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ مَا يُمْلَكُ مِنْ حَيْثُ الْوَصِيَّةُ بِهِ فَتَخْرُجُ الْوَصِيَّةُ بِالْخَمْرِ وَفِي الْمَالِ فِيمَا لَا يَصِحُّ صَرْفُهُ فِيهِ قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " كُلُّ مَا إلَخْ " صَدَّرَ الرَّسْمَ بِكُلٍّ وَقَدْ قَدَّمْنَا الِاعْتِرَاضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَشُرَّاحِهِ وَعَادَةُ الشَّيْخِ يَعْدِلُ عَنْ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ رُسُومِهِ وَيَأْتِي بِمَا يَصِحُّ التَّعْرِيفُ بِهِ وَلَعَلَّهُ قَصَدَ ذِكْرَ ضَابِطِ مَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَهَذَا لَا يَكْفِي الِاعْتِرَاضُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُلْزِمُ أَنْ يُقَالَ فِي كَثِيرٍ مِنْ رُسُومِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 وَيَصِحُّ إتْيَانُ الْعُمُومِ فِي الْجِنْسِ فِيهِ قَوْلُهُ " يُمْلَكُ " يُعْنَى مَا صَحَّ تَمَلُّكُهُ شَرْعًا فَيَخْرُجُ الْخَمْرُ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ فِي نَجَاسَةِ الْعَيْنِ وَمَا لَا يَصِحُّ مِلْكُهُ كَالْحُرِّ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِلْكُهُ مُطْلَقًا قَوْلُهُ " مِنْ حَيْثُ الْوَصِيَّةُ بِهِ " يَخْرُجُ بِهِ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا لَا يَجُوزُ شَرْعًا وَإِنْ صَحَّ مِلْكُهُ كَمَنْ أَوْصَى لِنَائِحَةٍ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ أَوْصَى بِلَهْوٍ أَوْ إعْطَاءِ مَالٍ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ كَقَتْلِ نَفْسٍ أَوْ مَنْ أَوْصَى لِمَنْ يَصُومُ عَنْهُ أَوْ يُصَلِّي عَنْهُ وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْمَيِّتِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ وَلِذَا أَبْطَلَ جَمِيعَ ذَلِكَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ هُنَا وَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْوَصَايَا (قُلْتُ) لَا يَبْعُدُ إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ مِمَّا هُوَ يُشْبِهُ ذَلِكَ. [بَابٌ فِي وَقْتِ اعْتِبَارِ الثُّلُثِ فِي التَّرِكَةِ مِنْ الْوَصِيَّةِ] ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَوْمَ تَنْفُذُ لِلْوَصِيَّةِ لَا يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي وَهُوَ ظَاهِرٌ وَرَدَّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ يَوْمَ الْمَوْتِ. [بَابٌ فِيمَا تَدْخُلُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ] ُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا فِيمَا عَلِمَ بِهِ الْمَيِّتُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ مُطْلَقًا وَانْظُرْ هُنَا مَسَائِلَ فِيهَا خِلَافٌ وَأَبْحَاثٌ. [بَابُ صِيغَةِ الْوَصِيَّة] بَابُ الصِّيغَةِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ الصِّيغَةُ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى الْوَصِيَّةِ فَيَدْخُلُ اللَّفْظُ وَالْكِتَابَةُ وَالْإِشَارَةُ هَذَا ظَاهِرٌ وَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ مَا قَدَّمَ فِي رَسْمِهِ كَثِيرًا مِنْ الصِّيَغِ فَفِيهِ أَبْحَاثٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ شَاسٍ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ لَفْظٍ فُهِمَ مِنْهُ قَصْدُ الْوَصِيَّةِ بِالْوَضْعِ أَوْ الْقَرِينَةِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ لَفْظٍ أَوْ إشَارَةٍ يُفْهَمُ مِنْهُمَا قَصْدُ الْوَصِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَخْرُجُ عَنْهُمَا الْكُتُبُ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَشْهَدُ لِصِحَّةِ الْكُتُبِ مِنْ الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا اُنْظُرْهُ. [بَابٌ فِي شُرُوطِ الْوَصِيِّ] ِّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ ابْنُ شَاسٍ شَرْطُ الْوَصِيِّ التَّكْلِيفُ وَالْإِسْلَامُ وَالْعَدَالَةُ وَالْهِدَايَةُ فِي التَّصَرُّفِ قَوْلُهُ (التَّكْلِيفُ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَصِيُّ غَيْرَ بَالِغٍ وَلَا مَجْنُونٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 وَقَوْلُهُ (مُسْلِمٌ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا وَلَا حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا (فَإِنْ قُلْتَ) وَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ ذَلِكَ نَظَرًا (قُلْت) الْمُرَادُ بِمَا ذَكَرَ الشَّرْطُ ابْتِدَاءً وَفِيهِ نَظَرٌ (فَإِنْ قُلْت) وَهَلْ فِيهِ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ (قُلْتُ) الشَّيْخُ هُنَا وَهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي نَقْلِهِمَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْكَافِرِ بِالْمَالِ لَا فِي كَوْنِهِ وَصِيًّا وَقَوْلُهُ الْعَدَالَةُ لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ عَدْلٍ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُرَادُ هُنَا بِالْعَدَالَةِ السِّتْرُ لَا الْعَدَالَةُ الْمُشْتَرَطَةُ فِي الشَّهَادَةِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَ عَنْ ابْنِ حَارِثٍ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ فَهَلْ يَعْزِلُهُ السُّلْطَانُ أَوْ يُقَدِّمُ مَعَهُ (قُلْتُ) فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ اُنْظُرْهُ قَوْلُهُ " وَالْكِفَايَةُ " أَخْرَجَ بِهِ الْعَاجِزَ فَإِنْ ثَبَتَ عَجْزُهُ عُزِلَ كَذَا ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ قَوْلُهُ " وَالْهِدَايَةُ فِي التَّصَرُّفِ " أَخْرَجَ بِهِ السَّفِيهَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْفَرَائِضِ] (ف ر ض) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الْفَرَائِضِ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " عِلْمُ الْفَرَائِضِ لَقَبًا الْفِقْهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْإِرْثِ وَعِلْمُ مَا يُوَصِّلُ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِ مَا يَجِبُ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ فِي التَّرِكَةِ " قَوْلُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِلْمُ الْفَرَائِضِ لَقَبًا هَذَا مِثْلُ أُصُولِ الْفِقْهِ لَقَبًا وَإِضَافَةً فَأَمَّا الْمَعْنَى الْإِضَافِيُّ فَالْعِلْمُ الْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الْفِقْهُ وَالْفَرَائِضُ جَمْعُ فَرِيضَةٍ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وَأَصْلُ الْفَرْضِ التَّقْدِيرُ وَالْمُرَادُ بِالْفَرَائِضِ الْأَنْصِبَاءُ الْمُقَدَّرَةُ شَرْعًا بِسَبَبِ الْمِيرَاثِ مِنْ فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ وَعِلْمُ ذَلِكَ فِقْهُهُ وَحِفْظُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا الْمَعْنَى الْإِضَافِيَّ بَلْ مَا جَعَلَ الْمُضَافَ وَالْمُضَافَ إلَيْهِ عَلَمًا عَلَى مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ فِي عُرْفِ الْفَرَائِضِ فَلِذَا قَالَ لَقَبًا وَنَصَبَهُ عَلَى حَدِّ نَصْبِ اللَّقَبِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ قَوْلُهُ " الْفِقْهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْإِرْثِ " هَذَا مَعْنَاهُ لَقَبًا لِأَنَّ مَعْنَى عِلْمِ الْفَرَائِضِ الْفِقْهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِرْثِ قَوْلُهُ " وَعِلْمُ مَا يُوَصِّلُ إلَى مَعْرِفَةِ إلَخْ " هَذَا هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 الْعَمَلُ بِفِقْهِ الْفَرَائِضِ وَلِذَا قَالَ فِقْهُ الْفَرَائِضِ أَعَمُّ مِنْ عِلْمِ الْفَرَائِضِ وَعِلْمُ الْفَرَائِضِ أَخَصُّ كَمَا أَنَّ عِلْمَ الْقَضَاءِ أَخَصُّ مِنْ فِقْهِ الْقَضَاءِ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَهُوَ حَقٌّ وَمَعْرِفَةُ مَا يَجِبُ مِنْ الْحَقِّ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ فِي التَّرِكَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْحِسَابِ وَقَوْلُهُ " الْفِقْهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْإِرْثِ " أَخْرَجَ بِهِ الْفِقْهَ الْمُتَعَلِّقَ بِغَيْرِ الْإِرْثِ وَقَوْلُهُ " وَعِلْمُ إلَخْ " أَدْخَلَ بِهِ كَيْفِيَّةَ الْقِسْمَةِ وَالْعَمَلَ فِي مَسَائِلِ الْمُنَاسَخَاتِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ عِلْمِ الْفَرَائِضِ (فَإِنْ قُلْتَ) ظَاهِرُ مَا أَشَرْت إلَيْهِ وَقَرَّرْت بِهِ كَلَامَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ عِلْمَ الْفَرَائِضِ لَقَبًا أَعَمُّ مِنْهُ مُضَافًا (قُلْتُ) وَهَذَا صَحِيحٌ لَا قَدْحَ فِيهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْإِضَافِيَّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْمَعْنَى اللَّقَبَيَّ بَلْ الْأَمْرُ الْأَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَانْظُرْ مَا ذَكَرُوهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَى بَعْدَ هَذَا بِأُمُورٍ مَذْكُورَةٍ فِي أَوَائِلِ الْعُلُومِ مُقَرَّرَةً مِنْ الرُّءُوسِ الثَّمَانِيَةِ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عِلْمُ الْفَرَائِضِ جَعَلُوهُ عِلْمًا مُسْتَقِلًّا ذَكَرَ فِيهِ مَا يَلْزَمُ ذِكْرُهُ فِي كُلِّ عِلْمٍ مِنْ حَدِّهِ وَمَوْضُوعِهِ وَفَائِدَتِهِ فَقَالَ وَمَوْضُوعُهُ التَّرِكَةُ لَا الْعَدَدُ خِلَافًا لِلْمَصْمُودِيِّ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى الْخِلَافِ فِي مَوْضُوعِهِ قَالَ الشَّيْخُ وَمَوْضُوعُ كُلِّ عِلْمٍ مَا يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ عَارِضِهِ الذَّاتِيِّ وَهُوَ مَا لَحِقَهُ لِذَاتِهِ أَوْ مُسَاوِيهِ أَوْ بِجُزْئِهِ أَعَمِّهَا الذَّاتِيِّ لَا عَنْ عَارِضِهِ الْقَرِيبِ كَمَا قَالَ فِي مَنْطِقَيْهِ مِثَالُ الذَّاتِيِّ مَا لَحِقَ إنْسَانًا لِكَوْنِهِ إنْسَانًا وَالثَّانِي مَا لَحِقَهُ لِكَوْنِهِ مُتَعَجِّبًا وَالثَّالِثُ مَا لَحِقَهُ لِكَوْنِهِ حَيَوَانًا وَالْعَارِضُ الْقَرِيبُ مَا لَحِقَهُ لَا خَصَّهُ مِثْلُ مَا لَحِقَ حَيَوَانًا لِكَوْنِهِ إنْسَانًا وَالثَّانِي مَا لَحِقَ إنْسَانًا لِكَوْنِهِ مَاشِيًا هَذَا مَعْنَى مَا وَقَعَ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمَنْطِقِيِّ وَيُقَالُ أَنَّهُ كَانَ يَنْزِلُ ذَلِكَ عَلَى رَسْمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَانْظُرْ الشِّيرَازِيَّ وَغَيْرُهُ مِنْ كُتُبِ الْحُكَمَاءِ قَالَ وَفَائِدَتُهُ كَالْفِقْهِ مَعَ مَزِيَّةِ التَّنْصِيصِ وَمَوْضُوعُ كُلِّ عِلْمٍ وَحَدُّ كُلِّ عِلْمٍ وَفَائِدَتُهُ هُوَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ كُلِّ عِلْمٍ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ لَمْ يَعْرِفْ الْعِلْمَ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ وَيُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ إلَّا بِذَلِكَ وَقَدْ قَرَّرُوا ذَلِكَ فِي مَبَادِئِ الْعُلُومِ الْمَنْطِقِيَّةِ وَطَالِبُ كُلِّ عِلْمٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَوْضُوعِهِ وَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مَوْضُوعًا لِعُلُومٍ مُخْتَلِفَةٍ بِجِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَمَوْضُوعُ الْعَرَبِيَّةِ الْكَلِمَاتُ الْعَرَبِيَّةُ مِنْ حَيْثُ إعْرَابُهَا وَجَرْيُهُ عَلَى سُنَنِ طَرِيقِهِ وَالْكَلِمَاتُ أَيْضًا مَوْضُوعُ اللُّغَةِ لَكِنْ مِنْ حَيْثُ دَلَالَتُهَا عَلَى مَعَانِيهَا الْمُفْرَدَةِ وَكَذَلِكَ الْفِقْهُ مَوْضُوعُهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِهِ لَا مِنْ حَيْثُ خَلْقُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 لِلَّهِ تَعَالَى وَمَوْضُوعُ الْحِسَابِ الْعَدَدُ مِنْ حَيْثُ جَمْعُهُ وَتَقْسِيمُهُ لَا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَمَوْضُوعُ الْبَيَانِ التَّرَاكِيبُ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ فِيهِ إلَى فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَمُطَابَقَتِهِ لِلْحَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأُصُولُ الْفِقْهِ مَوْضُوعُهُ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ مِنْ حَيْثُ التَّوَصُّلُ بِهَا إلَى اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ وَمَوْضُوعُ أُصُولِ الدِّينِ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْقَوْمِ فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَقَوْلُ الشَّيْخِ وَمَوْضُوعُهُ التَّرِكَةُ لَا الْعَدَدُ يَعْنِي التَّرِكَةَ مِنْ حَيْثُ الْعَارِضُ لَهَا الْخَاصُّ بِالْفَرِيضَةِ وَالْعَدَدُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ آلَةٌ لِاسْتِخْرَاجِ الْفَرْضِ مِنْ التَّرِكَةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجْعَلْ الْعَدَدَ مَوْضُوعًا وَلَمَّا رَأَى غَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ مِنْ التَّرِكَةِ إلَّا بِاتِّفَاقِ الْعَمَلِ بِالْعَدَدِ صَيَّرَ الْعَدَدَ كَأَنَّهُ هُوَ الْمَوْضُوعُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْفَرْضَ الْمُقَدَّرَ إنَّمَا أُخْرِجَ مِنْ التَّرِكَةِ وَهُوَ مَالٌ فَالتَّرِكَةُ أَنْسَبُ لِكَوْنِهَا مَوْضُوعَهُ وَالْعَدَدُ إنَّمَا هُوَ آلَةٌ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا عِلْمٌ شَرِيفٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَلِذَلِكَ حَضَّ فِي السُّنَّةِ عَلَيْهِ. وَوَقَعَ هُنَا لِلشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ قَالَ عِلْمُ الْفَرَائِضِ شَرِيفٌ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ جُزْءًا مِنْ عِلْمِ الْفِقْهِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا امْتَزَجَ الْحِسَابُ بِهِ فِي نَظَرِ النَّاظِرِ صَارَ كَأَنَّهُ عِلْمٌ مُسْتَقِلٌّ فَلِذَلِكَ أَفْرَدَ لَهُ الْعُلَمَاءُ تَوَالِيفَ هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَيْنِ الْمَعْلُومَيْنِ فِي فَضْلِهِ وَأَحَدُهُمَا ذُكِرَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْفَرَائِضَ ثُلُثُ الْعِلْمِ وَالْآخَرُ ذُكِرَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالنَّظَرُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ لَيْسَ مِنْ نَظَرِ الْفَقِيهِ قَالَ وَلَوْلَا الْإِطَالَةُ لَتَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ أَجْوِبَةَ غَيْرِهِ قِيلَ الْمُرَادُ بِالنِّصْفِ الْمُبَالَغَةُ وَقِيلَ لَمَّا كَانَ لِلْإِنْسَانِ حَالَةُ حَيَاةٍ وَحَالَةُ مَوْتٍ وَكَانَتْ الْفَرَائِضُ بَعْدَ الْمَوْتِ نَاسَبَ نِسْبَةَ النِّصْفِ لَهَا اُنْظُرْ الشَّيْخَ الْإِمَامَ الْعُقْبَانِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ لَهُ فَوَائِدَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْحَوفِيِّ وَكَانَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي هَذَا الْعِلْمِ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ صِنَاعَةً وَعِلْمًا مَعَ أَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ تِلْمِيذُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَرَأَ الْحُوفِيُّ عَلَيْهِ ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ الشَّيْخُ السَّطِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ السُّلْطَانِ أَبِي الْحَسَنِ اجْتَمَعَ بِهِ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ الْحُوفِيُّ فَقَالَ لَهُ إنِّي لَا أَجِدُ مَحِلًّا لِلْإِقْرَاءِ إلَّا فِي سَاعَةٍ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي بَابِ جَامِعِ الْقَصَبَةِ الْعَلِيَّةِ فَكَانَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُبَكِّرُ وَيَجْلِسُ هُنَاكَ يَنْتَظِرُهُ فَإِذَا قَدِمَ فَتَحَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَقَرَأَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ فِي أَوَّلِ قِرَاءَتِهِ هَلَّا اكْتَفَيْت بِالشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لِأَنَّك خَتَمْت عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَذَكَرَ لَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ بِهِ مَوَاضِعَ أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ فَلَمَّا وَصَلَهَا بَيَّنَهَا لَهُ كَمَا يَجِبُ فِي الْإِقْرَارَاتِ وَالْوَصَايَا وَالْمُنَاسَخَاتِ فَرَحِمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 اللَّهُ الْعُلَمَاءَ كَيْفَ كَانَ طَرِيقُهُمْ وَحِرْصُهُمْ عَلَى تَحْصِيلِ الْعُلُومِ مَعَ حُسْنِ النِّيَّةِ وَكَانَ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلَاعِيُّ الْمُشْتَهِرُ بِالْحَوْفِيِّ لَهُ الْيَدُ الطُّولَى فِي هَذَا الْفَنِّ وَمَا أَلَّفَ فِي الْفَرَائِضِ مِثْلُهُ جَمْعًا وَتَحْصِيلًا وَعَمَلًا وَعِلْمًا وَقَدْ رَدَّ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى شَيْخِهِ فِي رَدِّهِ عَلَيْهِ وَبَحَثَ مَعَهُ حَيْثُ قَسَمَ الْفُرُوضَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ مُسَمَّاةٌ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] وَفِي قَوْلِهِ وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً الْآيَةَ وَمِنْهَا فَرْضٌ وَاحِدٌ مَحْدُودٌ غَيْرُ مُسَمًّى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] فَلَمَّا جَعَلَ لَهَا الثُّلُثَ عُلِمَ أَنَّ الْبَاقِيَ لِلْأَبِ وَهُوَ الثُّلُثَانِ وَمِنْهَا سِتَّةُ فُرُوضٍ فَذَكَرَ الْفُرُوضَ السِّتَّةَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَا ذَكَرَهُ مَعَ حُسْنِهِ وَغَرَابَتِهِ فَفِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ عَدَدُ الْفُرُوضِ الْمُسَمَّاةِ غَيْرِ الْمَحْدُودَةِ لِتَعَدُّدِ أَصْحَابِهَا وَجَعَلَهَا ثَلَاثَةً وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ اثْنَانِ لِأَنَّ الَّذِي لِلْأَوْلَادِ مِثْلُهُ لِلْإِخْوَةِ فَإِنْ كَانَ لِتَعَدُّدِ سَبَبِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مِثْلُهُ فِي الْفُرُوضِ السِّتَّةِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَصْحَابًا مَا عَدَا الثُّمُنَ وَالتَّعَدُّدَ فِيهَا لِتَعَدُّدِ أَصْحَابِهَا بَاطِلٌ فَكَذَلِكَ هُنَا فَرَدَّ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ إنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَقِيقَةِ اثْنَانِ إلَخْ غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي اثْنَيْنِ بِجَعْلِ الْبِنْتَيْنِ وَالْإِخْوَةِ نَوْعًا وَاحِدًا إلَّا إذَا جَعَلَ مُوجِبَ التَّعَدُّدِ اخْتِلَافَ مَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُوجِبُهُ اخْتِصَاصُ نَوْعٍ مِنْهَا بِلَفْظِ قُرْآنٍ يَخُصُّهُ بِالتَّسْمِيَةِ وَالذِّكْرِ دُونَ إشَارَةٍ إلَى نِسْبَةِ الْقَدْرِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ مِنْ التَّرِكَةِ قَالَ فَتَأَمَّلْهُ قَالَ وَكَانَ يَمْشِي لَنَا النَّظَرُ فِي هَذَا الرَّدِّ بَعْدَ مُطَالَعَةِ شُرَّاحِ الْحَوفِيِّ مِنْ الْعُقْبَانِيِّ وَالسَّطِّيِّ وَبِالْجُمْلَةِ فَالشَّيْخ الْإِمَامُ الْعَلَامَةُ سَيِّدِي الْفَقِيهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ يَدٌ عَالِيَةٌ سَبَقَ بِهَا أَهْلَ السَّبْقِ فِي جِدُّهُ وَاجْتِهَادِهِ وَفَهْمِهِ وَتَحْصِيلِهِ وَقُوَّةِ فَهْمِهِ وَعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ وَلَمَّا جَرَتْ هَذِهِ الْعُلُومُ الْعَقْلِيَّةُ عَنْهُ وَعِنْدَهُ وَتَمَكَّنَتْ وَصَارَتْ مَلَكَةً لَهُ أَقْدَرُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى كَشْفِ حَقَائِقِ دَقَائِقِ أَسْرَارِ الشَّرِيعَةِ وَمَلَكَ زِمَامَ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ وَعَلَا فَخْرُهُ وَانْتَشَرَ فِي الْعَالَمِ ذِكْرُهُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى فِي خَوْضِ مِثْلِي الْقَاصِرِ فِي بَاعِهِ الْمُتَطَفِّلِ عَلَى شَرْحِ كَلَامِ أَحِبَّائِهِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ فَنَطْلُبُ الْمَغْفِرَةَ لِي وَالرَّحْمَةَ مِنْهُ وَسِتْرَ عَيْبِي وَمَا خَفِيَ مِنْ غَيْبِي وَمِنْ تَصَنُّعِي وَقِلَّةِ عَمَلِي وَنَرْجُو مِنْهُ سُبْحَانَهُ الْعَفْوَ وَالْغُفْرَانَ بِخِدْمَةِ هَذَا السَّيِّدِ الْوَلِيِّ حَبِيبِ الرَّحْمَنِ وَنَرْغَبُ مِنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَسْتَوْهِبَ لَنَا مِنْ اللَّهِ الْجُودَ وَالْإِحْسَانَ وَقَدْ ظَهَرَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 بَرَكَاتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى هَذَا الْإِمَامِ وَسَعَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي تَخْصِيصِهِ بِفَضْلِهِ مِنْ بَيْنِ الْأَنَامِ وَلَكِنْ لَا يَيْئِسْ مِنْ رَحْمَةِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ بِمَحَبَّتِنَا وَخِدْمَتِنَا فِي مُحِبِّي النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَأَفْضَلُ السَّلَامِ. وَقَدْ أَنْشَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَبْيَاتًا فِي آخِرِ كِتَابِهِ فِي الْفَرَائِضِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْأَكْدَرِيَّةِ يُنَاسِبُ إنْشَادُهَا حَالِي لِأَنِّي الْمَفْضُولُ فِي أَعْمَالِي وَأَقْوَالِي وَلَيْسَ لِي فِي الْحَقِيقَةِ فَضْلٌ وَلَا عِلْمٌ وَعَمَلٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَرَضِيَ عَنْهُ وَلَا يَيْئِسْ الْمَفْضُولُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى ... مَزِيدٍ عَلَيْهِ فَضْلُهُ بِالضَّرُورَةِ فَرُبَّ مَقَامٍ أَنْتَجَ الْأَمْرُ عَكْسَهُ ... كَحَمْلٍ بِأُنْثَى جَاءَ فِي الْأَكْدَرِيَّةِ لَهَا إرْثُهَا فِيهِ وَزَادَ لِجَدِّهَا ... وَلِلذَّكَرِ الْحِرْمَانُ دُونَ زِيَادَةِ وَإِنْ كُنَّا مَفْضُولِينَ مُقَصِّرِينَ فَنَرْجُو مِنْ أَرْحَمْ الرَّاحِمِينَ أَنْ يَجْبُرَ قُلُوبَنَا بِمَا نَبْلُغُ بِهِ دَرَجَاتِ الصَّالِحِينَ بِحُرْمَةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَشَفِيعِ الْمُذْنِبِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ لِأَنِّي أَقُولُ وَأَتَوَسَّلُ بِالسَّيِّدِ الرَّسُولِ أُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلَسْت مِنْهُمْ ... وَلَكِنِّي بِهِمْ أَرْجُو الشَّفَاعَهْ وَأَكْرَهُ مِنْ بِضَاعَتُهُ الْمَعَاصِي ... وَإِنْ كُنَّا سَوَاءً فِي الْبِضَاعَهْ وَنُكْمِلُ الْفَائِدَةَ بِمَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَكْدَرِيَّةِ. وَصُورَةُ الْأَكْدَرِيَّةِ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ أَوْ لِأَبٍ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ الْفَرِيضَةُ مِنْ سِتَّةٍ ثُمَّ يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُعَالُ بِنِصْفِ الْفَرِيضَةِ إلَى تِسْعَةٍ ثُمَّ إنَّ الْجَدَّ يَطْلُبُ الْمُقَاسَمَةَ مَعَهَا بِخَلْطِ سِهَامِهِ مَعَ سِهَامِهَا فَتُقْسَمُ أَرْبَعَةٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَتُضْرَبُ التِّسْعَةُ فِي الثَّلَاثِ فَتَصِحُّ الْفَرِيضَةُ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجِ مِنْهَا تِسْعَةٌ وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ وَلِهَذَا يُقَالُ: فَرِيضَةٌ لِأَرْبَعَةٍ أَخَذَ أَحَدُهُمْ ثُلُثَهَا وَانْصَرَفَ ثُمَّ أَخَذَ الثَّانِي ثُلُثَ مَا بَقِيَ وَانْصَرَفَ ثُمَّ أَخَذَ الثَّالِثُ ثُلُثَ مَا بَقِيَ ثُمَّ قِيلَ أَيْضًا مَا فَرِيضَةٌ يُؤَخَّرُ قَسْمُهَا لِحَمْلٍ فَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى وَرِثَتْ وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا لَمْ يَرِثْ فَإِذَا هَلَكَتْ هَالِكَةٌ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَجَدَّهَا فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ حَامِلًا آخَرَ قُسِمَ التَّرِكَةُ فَإِنْ أَتَتْ بِأُخْتٍ شَقِيقَةٍ أَوْ لِأَبٍ كَانَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْعَمَلِ وَوَقَعَ الْمِيرَاثُ لَهَا وَإِنْ وَضَعَتْ ذَكَرًا فَلَا إرْثَ لَهُ مَعَ الْجَدِّ فَهَذَا الَّذِي قَصَدَ بِقَوْلِهِ فِي الْأَبْيَاتِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ الذَّكَرَ أَفْضَلُ مِنْ الْأُنْثَى وَرُبَّمَا كَانَ لِلْأُنْثَى مَا لَا يَكُونُ لِلذَّكَرِ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاَللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ خَالِقُ الْجُودِ الْعَمِيمِ وَجَرَتْ عَادَتُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُنْشِدُ أَبْيَاتًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 حِكَمِيَّةً لَوْذَعِيَّةً فِي مَعَانٍ حُكْمِيَّةٍ وَقَوَاعِدَ فِقْهِيَّةٍ وَقَوَاعِدَ عَقْلِيَّةٍ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ اللَّهَ مَنَّ عَلَيْهِ بِحُسْنِ سَرِيرَتِهِ وَطَيَّبَ فَهْمَهُ وَعَقِيدَتَهُ وَحَفِظَ لِسَانَهُ وَكَتَبَ بَنَانَهُ وَلَمَّا كَاتَبَهُ شَيْخُ الْمُوَحِّدِينَ بِزَمَنِهِ الشَّيْخُ ابْنُ تَافَرَا حِينَ بَعَثَ إلَيْهِ سُؤَالًا مُسْتَفْتِيًا لَهُ فِي نَازِلَةٍ وَقَعَتْ لَهُ فَسَأَلَ شَيْخَ الْإِسْلَامِ وَعَلَمَ الْأَعْلَامِ وَخَاطَبَهُ بِأَبْيَاتٍ فِيهَا مَحَاسِنُ وَآيَاتٌ فَقَالَ وَأَجَادَ فِي الْمَقَالِ مُخَاطِبًا لِأَهْلِ الْكَمَالِ. يَا دَوْحَةَ الْأَدَبِ الْمَصُونِ فِي الْعُلَا ... مِنْك اسْتَطَبْنَا الطَّعْمَ وَالْمَشْمُومَا أَوْرَتْ زِنَادُك فِي الْعُلُومِ فَأَصْبَحَتْ ... تُهْدِي إلَيْك نَفَائِسًا وَعُلُومَا فَإِذَا تَرَى لِمُتَيَّمٍ لَعِبْت بِهِ ... أَيْدِي الزَّمَانِ فَصَبَّحَتْهُ هَشِيمَا ذِي زَوْجَتَيْنِ كَرِيمَتَيْنِ مِنْ الْعُلَا ... أَصْلًا وَفَرْعًا زَادَتَا تَكْرِيمَا بَيْضَاوَتَانِ عَلَيْهِمَا نَسْجُ الْحَيَا ... حُلَلًا فَأَصْبَحَتَا بِذَاكَ نَظِيمَا أَبْدَى الْيَمِينَ بِزَوْجَتَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ ... يَدْرِي فُرَادَى قَالَ أَوْ تَحْرِيمَا فَالشَّكُّ خَالَطَهُ وَأَوْهَمَ عَقْلَهُ ... حَتَّى غَدَا مَا يَفْهَمُ التَّسْلِيمَا وَلَقَدْ يَجُولُ بِفِكْرِهِ فِي رَأْيِهِ ... وَيُمَحِّصُ الْأَوْهَامَ وَالتَّقْسِيمَا فَيَعُودُ وَهُوَ مُشَكَّكٌ فِي أَمْرِهِ ... قَدْ كَادَ يَمْنَعُ جَفْنَهُ التَّنْوِيمَا أَفْصِحْ فَدَيْتُك مَا سَأَلْتُ مُحَقَّقًا ... تَجْلُو عَنَاهُ وَتَمْنَحُ التَّعْلِيمَا فَأَجَابَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْإِمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَبَرَّدَ ضَرِيحَهُ وَأَثَابَ مَادِحَهُ وَلَقَدْ أَجَادَ فِي مَدْحِهِ وَحُسْنِ أَدَبِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ يَا مَنْ غَدَا مَثَلًا لِحُسْنِ فِعَالِهِ ... وَمَقَالِهِ الْمَعْقُولَ وَالْمَنْقُولَ يَا مَنْ نَتَائِجُ فِكْرِهِ مَعْرُوفَةٌ ... بِالصِّدْقِ مِثْلُ ذِمَامِهِ الْمَأْمُولِ مَنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ بِحِنْثِهِ ... فِي حَلْفِهِ بِمَقَالِهِ الْمَبْذُولِ مَشْهُورُ مَذْهَبِنَا يُعَمِّمُ حِنْثَهُ ... فِي كُلِّ مَعْنَى شَكِّهِ الْمَدْلُولِ وَمَقَالَةٌ أُخْرَى تُخَصِّصُ حِنْثَهُ ... بِيَقِينِهِ لَا شَكِّهِ الْمَحْلُولِ وَجْهَاهُمَا اسْتِصْحَابُ حُكْمٍ سَابِقٍ ... مُتَيَقِّنٍ أَوْ لَاحِقٍ مَجْهُولٍ فَانْظُرْ بِعَيْنِ كَمَالِكُمْ وَمَجَالِكُمْ ... فِي مَنْزَعَاتِ الْعَقْلِ وَالْمَنْقُولِ فَهَذَا جَوَابُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَفَا عَنْهُ فَتَأَمَّلْ حُسْنَ أَدَبِهِ مَعَ عُلُوِّ رِفْعَتِهِ وَعِزِّ قَدْرِهِ وَقَدْ عَلِمَتْ الْأَكَابِرُ فَضْلَهُ وَدِينَهُ وَهَدْيَهُ وَعِلْمَهُ وَفَهْمَهُ وَمَا يَقَعُ فِي جَانِبِهِ إلَّا مَنْ عَمِيَتْ بَصِيرَتُهُ وَظَهَرَتْ فَضِيحَتُهُ وَقَلَّ حَيَاؤُهُ وَذَهَبَ مَاؤُهُ وَنَظَرَ مِنْ غَيْرِ مِشْكَاتِهِ وَمِنْ خُفَّاشِ مِرْآتِهِ وَلَمَّا ذَهَبَتْ مُرُوءَةُ الْعِلْمِ وَمَحَبَّةُ أَهْلِ الْفَهْمِ فَلَا تَجِدُ مَنْ يُحِبُّ أَهْلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 الْحَقَائِقِ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الرِّقَّةِ وَالدَّقَائِقِ وَلَمَّا قَدِمَ الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ الْمَرَّاكُشِيُّ الْكَفِيفُ حَضَرَ مَجْلِسَ الشَّيْخِ الْإِمَامِ وَعَلَمِ الْأَعْلَامِ الَّذِي اعْتَرَفَ لَهُ بِالْحَقِّ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ مِنْ صِنْفِهِ سَيِّدُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَرَفَةَ وَكَانَ مَجْلِسُهُ مَعْلُومًا حُسْنُهُ شَاعَ فَخْرُهُ فِي الْمَغَارِبِ وَالْمَشَارِقِ وَاعْتَرَفَ لَهُ أَهْلُ الْفَضْلِ بِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُهُ سَابِقٌ مِنْهُمْ وَلَا لَاحِقٌ فَحَضَرَ الْفَقِيهُ الْمَذْكُورُ خَلْفَ الْحَلْقَةِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِكَلَامٍ وَلَا وَصْلٍ إلَى تَمَامٍ فَقَامَ مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ الْمُبَارَكِ بِالْإِعْرَاضِ وَنَطَقَ بِكَلِمَاتٍ تَدُلُّ عَلَى الْأَمْرَاضِ فَلَيْتَهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَأَنْصَفَ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا يَجِدُهُ عِنْدَ السُّؤَالِ. أَتَيْت دُرُوسَهُمْ يَوْمًا صَبَاحًا ... فَإِنْ شِئْت أَسْتَمِعُ بَيْتَ الْقَصِيدَهْ سَمِعْت بِهِ النَّتَائِجَ وَالتَّنَادِي ... كَأَنَّهُمْ الْكِلَابُ عَلَى الطَّرِيدَهْ مَا أَغْنَاهُ عَنْ كَلَامِهِ وَمَا أَحْلَمَ اللَّهَ عَلَيْهِ فِي إمْهَالِهِ فَأَجَابَتْهُ أَهْلُ الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ وَالْأَفْئِدَةِ الْكَرِيمَةِ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ كَادَتْ تَنْفَطِرُ وَالْبِحَارُ تَنْفَجِرُ فَلَمَّا بَلَغَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَلَامُهُ أَعْرَضَ عَنْ الْقِيَامِ لِنَفْسِهِ فَأَجَابَهُ بِمَا يَهْدِيهِ إلَى الْحَقِّ وَالطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ وَخَاطَبَهُ بِمَا يَقْتَضِيهِ قَلْبُهُ السَّلِيمُ وَمَا حَالُ مَنْ يَهْجُو أَخَاهُ بِلَفْظَةٍ ... إذَا ذُكِرَ الْمَرْوِيُّ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَعِلْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ وَالْبَحْثِ وَالنَّظَرِ ... سِوَى حَالِ مَنْ قَدْ سَاءَهُ قَلْبُ نُكْتَةِ فَبَاءَ بِفِسْقٍ قَالَهُ سَيِّدَاتِي ... بِصِدْقٍ وَتِبْيَانٍ وَوَعْظٍ وَوَحِكْمَةِ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ شَيْخِهِ قَوْلَهُ سِبَابٌ ... لَدَى الْإِسْلَامِ فِسْقٌ بِحُجَّةِ بِصُغْرَى وَكُبْرَى يُنْتَجَانِ فُسُوقَهُ ... فَبِاَللَّهِ أَعْرِضْ عَنْهُ وَادْفَعْهُ بِاَلَّتِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِاسْتِعْمَالِهِ الْعِلْمَ وَوُقُوفِهِ عِنْدَهُ قِيلَ لَهُ كَيْفَ الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ. قَالَ يُقَالُ الْهَاجِي سَابٌّ وَكُلُّ سَابٍّ فَاسِقٌ فَالْهَاجِي فَاسِقٌ الصُّغْرَى جَلِيَّةٌ وَالْكُبْرَى مِنْ الْحَدِيثِ صَحِيحَةٌ وَالنَّتِيجَةُ لَازِمَةٌ وَقَدْ طَلَبَهُ الشَّيْخُ الشَّرِيفُ النَّجَّارُ أَنْ يُجِيزَهُ إجَازَةً بِالشَّعْرِ فَأَجَازَهُ بِقَوْلِهِ أَجَزْتُكُمْ كَيْفَ شِئْتُمْ كُلُّ مُشْتَرِطٍ ... بِشَرْطِهِ حَاصِلٌ دُرًّا عَلَى صُدِفَهْ وَالْوَهْمُ فِي مَدْحِكُمْ إيَّايَ ذَكَّرَنِي ... ضَرُورَةَ الْقَلْبِ قَلْبُ الْمُهْتَدِي عَرَّفَهُ أَرَدْت بِالْقَلْبِ قَلْبَ الْمَدْحِ لَا ضَرَرًا ... بَلْ سِتْرَ رَسْمِي جَمَالًا اجْتَنَى لُطْفَهْ وَلَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَشْعَارِهِ الَّتِي جَمَعَتْ مَحَاسِنَ وَآدَابًا وَهَدْيًا إلَى طَرِيقِ الصَّوَابِ مَا يَحْتَاجُ إلَى جَمْعٍ وَتَقْيِيدٍ دَلَّتْ عَلَى تَوْفِيقٍ لَهُ وَتَأْيِيدٍ وَمِنْ أَحْسَنِ مَا خَتَمَ بِهِ شِعْرَهُ مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 ذَكَرَهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ الْمُبَارَكِ فِي آخِرِ عَامِ ثَمَانِيَةٍ وَتِسْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ قَالَ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ أَنْشَدَ الشَّيْخَ الْإِمَامَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ بَلَغْت الثَّمَانِينَ بَلْ جُزْتهَا ... وَهَانَ عَلَى النَّفْسِ صَعْبُ الْحِمَامِ وَآحَادُ عَصْرِي مَضَوْا جُمْلَةً ... وَصَارُوا خَيَالًا كَطَيْفِ الْمَنَامِ وَأَرْجُوا بِهَا نَيْلَ صَدْرِ الْحَدِيثِ ... بِحُبِّ اللِّقَاءِ وَكُرْهِ الْمَقَام وَكَانَتْ حَيَّاتِي بِلُطْفٍ جَمِيلٍ ... لِسَبْقِ دُعَاءِ أَبِي فِي الْمَقَامِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» وَهَذَا بَعْدَ مَا فَتَحَ اللَّهُ بِهِ مِنْ التَّقْيِيدِ عَلَى رُسُومِهِ وَبَعْضِ ضَوَابِطِهِ بِبَرَكَتِهِ وَفَضْلِهِ وَمَقْصِدِي بِذَلِكَ خِدْمَتُهُ وَأَنْ تَعُودَ عَلَيَّ وَعَلَى عَقِبِي بَرَكَتُهُ وَنَرْجُو اللَّهَ وَإِنْ كُنْت مُقَصِّرًا فِي الْأَعْمَالِ قَلِيلَ الْعَمَلِ بَيْنَ فُحُولِ الرِّجَالِ أَنَّ حُبَّهُ يَسْتُرُ عَلَيْنَا جَهْلَنَا وَيُعَرِّفُنَا قَدْرَنَا وَنَرْجُو اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْ نُكْمِلَ الْفَائِدَةَ بِمَا فِي كِتَابِهِ بَيَانُ ضَوَابِطِهِ وَشَرْحُ حِكَمِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَمُنُّ عَلَيْنَا بِفَضْلِهِ وَلَا يُخَيِّبُنَا مِنْ رَجَاءِ عَفْوِهِ وَيَسْتُرُنَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ أَحْوَالِنَا كَمَا سَتَرَنَا فِيمَا مَضَى مِنْ أَعْمَارِنَا وَلَا يَفْضَحُنَا يَوْمَ لِقَاهُ وَيَعْمُرُ قُلُوبَنَا بِحُبِّهِ حَتَّى لَا نَرَى إلَّا إيَّاهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا سَلَامًا يَكُونُ لَنَا عُدَّةً نَنَالُ بِهِ رِضَاهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْ تَقْيِيدِهِ فِي الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامِ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَفَاتِحَةُ ابْتِدَاءِ تَقْيِيدِهِ أَوَاسِطَ شَهْرِ ذِي الْقَعْدَةِ الْمُنْصَرِمِ عَنْ عَامِ تَارِيخِهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا بِالرِّضَى وَالرِّضْوَانِ وَالْعَافِيَةِ فِي الدِّينِ وَالْبَدَنِ وَالْأَمَانِ وَنَرْغَبُ مِنْ نَاظِرِهِ الْوَفَاءَ بِأُخُوَّةِ الْإِيمَانِ وَالدُّعَاءِ لِوَلِيِّ اللَّهِ صَاحِبِ هَذِهِ الْحُدُودِ بِالْغُفْرَانِ وَلِمَنْ اعْتَنَى بِهَا مِنْ أَهْلِ الْإِحْسَانِ سَاتِرًا لِمَعَايِبِهِ فِيمَا يَكُونُ مِنْهُ أَوْ كَانَ وَمُؤَلِّفُ هَذَا التَّأْلِيفِ يُخَاطِبُ نَاظِرَهُ مِنْ أَهْلِ التَّعْرِيفِ وَيَقُولُ بِاَللَّهِ يَا مُسْتَفِيدًا مِنْ فَوَائِدِهِ ... لَا تَبْخَلَن بِأَنْ تَدْعُوَ لِكَاتِبِهِ وَاذْكُرْ لِوَاضِعِهِ أَيْضًا فَإِنَّ لَهُ ... حَظًّا وَلَا تَنْسَ أَيْضًا حَقَّ كَاسِبِهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 الشَّيْخُ ابْنُ عَرَفَةَ أَصْلُهُ وَمَنْشَؤُهُ: هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ الْوَرْغَمِّيُّ وُلِدَ سَنَةَ 716 وَكَانَ وَالِدُهُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ جَاوَرَ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ إلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ وَكَانَ يَعْمُرُ بَعْضَ اللَّيْلِ بِالتَّهَجُّدِ ثُمَّ يَدْعُو لِوَلَدِهِ صَاحِبِ التَّرْجَمَةِ وَنَشَأَ صَاحِبُ التَّرْجَمَةِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ بِحَزْمٍ وَجِدٍّ وَلَازَمَ الْأَجِلَّةَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقْتَبِسُ مِنْ أَنْوَارِهِمْ فَأَخَذَ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ عَنْ ابْنِ سَلَامَةَ. قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ «إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ» إلَخْ قَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَرَفَةَ ذَهَبَ وَالِدِي إلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَسْتَشِيرُهُ فِيمَنْ أَقْرَأُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عَلَيْك بِابْنِ سَلَامَةَ فَإِنَّ مِيعَادَهُ نَقِيٌّ وَإِيَّاكَ فُلَانًا فَإِنِّي سَمِعْت عَنْهُ وَعَنْ مِيعَادِهِ شَرًّا. وَأَخَذَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ وَالْفِقْهَ وَالْحَدِيثَ وَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ تَلَامِيذِهِ مُلَازَمَةً لَهُ وَأَخَذَ الْفَرَائِضَ عَنْ وَالسَّطِّيِّ وَأَخَذَ الْمَنْطِقَ وَالْجَدَلَ عَنْ ابْنِ الْحُبَابِ وَأَخَذَ الْحِسَابَ وَعُلُومًا عَقْلِيَّةً أُخْرَى عَنْ الْأُبُلِّيِّ. قَالَ الشَّيْخُ بَابَا نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْأَزْرَقِ وَوَقَفْت فِي مَكْتُوبٍ لِابْنِ عَرَفَةَ وَفِيهِ أَنَّهُ قَرَأَ عَنْ ابْنِ الْحُبَابِ جُمْلَةً مِنْ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ قِرَاءَةَ بَحْثٍ وَتَحْقِيقٍ وَجُمْلَةً مِنْ التَّسْهِيلِ عَلَى بَعْضِ شُيُوخِهِ وَسَمِعَ إلْقَاءَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ التَّفْسِيرَ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ لِآخِرِهِ بِمَا يَجِبُ لِذَلِكَ مِنْ تَحْقِيقِ أَحْكَامِ الِاعْتِقَادِ وَالْفِقْهِ وَقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْبَيَانِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهَا مِمَّا تَتَوَقَّفُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ عَلَيْهِ مَعَ مُرَاجَعَةٍ وَبَحْثٍ وَسُؤَالٍ وَجَوَابٍ وَقَرَأْت عَلَيْهِ جَمِيعَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِهِ إلَّا يَسِيرًا وَسَمَّعْت عَلَيْهِ بَعْضَ الْبُخَارِيِّ وَالْمُوَطَّأُ وَقَرَأْت عَلَيْهِ جُمْلَةً مِنْ التَّهْذِيبِ. وَتَبَرَّزَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا دَرَسَهُ عَلَى كَثْرَتِهِ وَصُعُوبَةِ بَعْضِهِ. وَمِمَّا قَالَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِيهِ: شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِالْمَغْرِبِ سَمِعَ مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ سَلَامَةَ وَابْنِ بَلَّارٍ وَاشْتَغَلَ وَمَهَرَ فِي الْفُنُونِ وَأَتْقَنَ الْمَعْقُولَ حَتَّى صَارَ الْمَرْجِعَ فِي الْفُنُونِ إلَيْهِ بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ مُعَظَّمًا عِنْدَ السُّلْطَانِ فَمَنْ دُونَهُ مَعَ دِينٍ مَتِينٍ وَصَلَاحٍ وَقَدْ انْتَصَبَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلتَّدْرِيسِ وَأَخَذَ عَنْهُ جَهَابِذَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا يُقَارِبُ النِّصْفَ قَرْنٍ. وَمِمَّنْ أَخَذَهُ وَتَخَرَّجَ عَنْهُ الشَّيْخُ الْبُرْزُلِيُّ وَالشَّيْخُ الْأَبِيُّ وَالشَّيْخُ الرَّصَّاعُ وَالشَّيْخُ ابْنُ عَلْوَانَ وَأَضْرَابُهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ. وَكَانَ الشَّيْخُ يَقُولُ فِي دَرْسِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَجْلِسِ الدَّرْسِ نُكْتَةٌ ... وَتَقْرِيرُ إيضَاحٍ لِمُشْكِلٍ صُوَرَهْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 وَعَزْوُ غَرِيبِ النَّقْلِ أَوْ فَتْحُ مُقْفِلٍ ... أَوْ إشْكَالٌ أَبْدَتْهُ نَتِيجَةُ فِكْرِهْ فَدَعْ سَعْيَهُ وَانْظُرْ لِنَفْسِك وَاجْتَهِدْ ... وَإِيَّاكَ تَرْكًا فَهُوَ أَقْبَحُ خُلَّهْ وَقَدْ أَجَابَهُ تِلْمِيذُهُ الشَّيْخُ الْأَبِيُّ بِقَوْلِهِ يَمِينًا بِمِنْ أَوْلَاك أَرْفَعَ رُتْبَةٍ ... وَزَانَ بِك الدُّنْيَا بِأَكْمَلِ زِينَةِ لِمَجْلِسِك الْأَعْلَى كَفِيلٌ بِكُلِّهَا ... عَلَى حِينِ مَا عَنْهَا الْمَجَالِسُ وَلَّتْ فَأَبْقَاك مَنْ رَقَّاك لِلْخَلْقِ رَحْمَةً ... وَلِلدِّينِ سَيْفًا قَاطِعًا كُلَّ فِتْنَةِ قَالَ الشَّيْخُ الْأَبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنِّي لَبَارٌّ فِي قَسَمِي فَلَقَدْ كُنْت أُقَيِّدُ مِنْ زَوَائِدِ إلْقَائِهِ وَفَوَائِدِ إبْدَائِهِ عَلَى الدُّوَلِ الْخَمْسِ الَّتِي تُقْرَأُ بِمَجْلِسِهِ مِنْ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالثَّلَاثِ الَّتِي فِي التَّهْذِيبِ نَحْوُ الْوَرَقَتَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِمَّا لَيْسَ فِي الْكُتُبِ اهـ. وَكَانَ لَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دُرُوسٌ يُلْقِيهَا فِي الْمَدْرَسَةِ التَّوْفِيقِيَّةِ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى الزَّوَالِ فِي فُنُونٍ مُخْتَلِفَةٍ يَبْتَدِئُهَا بِالتَّفْسِيرِ وَزَارَهُ فِيهَا الْإِمَامُ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَهُوَ يُفَسِّرُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} [الزخرف: 36] الْآيَةَ فَقَالَ لَهُ أَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَنْ هَا هُنَا مَوْصُولَةً فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ كَيْفَ وَقَدْ جَزَمَتْ فَقَالَ جَزَمَتْ تَشْبِيهًا لَهَا بِالشَّرْطِيَّةِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنَّمَا يُقْدَمُ عَلَى هَذَا بِنَصٍّ مِنْ إمَامٍ أَوْ شَاهِدٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فَقَالَ أَمَّا النَّصُّ فَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي التَّسْهِيلِ كَذَا وَأَمَّا الشَّاهِدُ فَقَوْلُهُ فَلَا تَحْفِرَن بِئْرًا تُرِيدُ إخَابَهَا ... فَإِنَّك فِيهَا أَنْتَ مِنْ دُونِهِ تَقَعْ كَذَاك الَّذِي يَبْغِي عَلَى النَّاسِ ظَالِمًا ... تُصِبْهُ عَلَى رَغْمِ عَوَاقِبِ مَا صَنَعْ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فَأَنْتَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ نَعَمْ فَرَحَّبَ بِهِ وَفِي سَنَةِ 750 وَلِيَ إمَامَةَ جَامِعِ الزَّيْتُونَةِ ثُمَّ وَلِيَ الْخَطَابَةَ بِهِ سَنَةَ 722 وَكَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ دَارِهِ يَتَيَمَّمُ الْجَامِعَ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ حَكَاهُ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَحَكَى الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ إنَّ خُطَبَاءَ تُونُسَ كَانُوا يَصِفُونَ الْمَهْدِيَّ فِي خُطَبِهِمْ بِالْإِمَامِ الْمَعْصُومِ فَلَمَّا وَلِيَ الشَّيْخُ ابْنُ عَرَفَةَ الْخَطَابَةَ تَلَطَّفَ فَأَبْدَلَ الْمَعْصُومَ بِالْمَعْلُومِ. ثُمَّ فِي سَنَةِ 773 وَلِيَ الْفُتْيَا بِالْجَامِعِ وَكَانَ أَشْهَرَ رِجَالِهَا فِي عَصْرِهِ وَإِلَيْهِ الْمَفْزَعُ فِيهَا مِنْ تُونُسَ وَغَيْرِهَا. قَالَ تِلْمِيذُهُ أَبُو حَامِدٍ الْمَكِّيُّ تَأْتِي إلَيْهِ الْفَتْوَى مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ. وَفِي سَنَةِ 792 خَرَجَ حَاجًّا وَمَرَّ فِي طَرِيقِهِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَمِصْرَ وَأَخَذَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الرِّحْلَةِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَدْرُ الدَّمَامِينِيُّ قَالَ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْمُغْنِي كُنْت يَوْمًا بِمَجْلِسِ شَيْخِنَا ابْنِ عَرَفَةَ وَذَلِكَ عِنْدَ قُدُومِهِ إلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة فِي شَهْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 رَمَضَانَ الْمُعَظَّمِ مِنْ سَنَةِ 792 وَأَنَا أَقْرَأُ عَلَيْهِ دَرْسًا فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ مُخْتَصَرِهِ وَكَانَ شَخْصٌ مِنْ الطَّلَبَةِ الْمَوْسُومِينَ بِالتَّمَشْدُقِ وَالْإِكْثَارِ بِمَا لَا يُجْدِي حَاضِرٌ فِي الْمَجْلِسِ فَمَرَّ مَوْضِعٌ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ عَادَ فِيهِ ضَمِيرٌ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَالَ ذَلِكَ الشَّخْصُ كَيْفَ أَعَدْتُمْ الضَّمِيرَ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ وَالنَّحْوِيُّونَ بِخِلَافِهِ فَأَجَابَهُ الشَّيْخُ فَوْرًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5] وَفِيهِ مِنْ اللُّطْفِ مَا لَا يَخْفَى وَالْحَالُ أَنَّ النَّحْوِيِّينَ إنْ وُجِدَ ضَمِيرٌ يُمْكِنُ عَوْدُهُ إلَى الْمُضَافِ أَوْ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَعَوْدُهُ إلَى الْمُضَافِ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْمُحْدَثُ عَنْهُ وَلَمْ يَمْنَعْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَوْدَهُ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ اهـ كَلَامُهُ. وَاسْتَخْلَفَ فِي هَذِهِ الْحُجَّةِ عَلَى الْإِمَامَةِ وَالْفَتْوَى بِالْجَامِعِ تِلْمِيذَهُ قَاضِيَ الْجَمَاعَةِ أَبَا مَهْدِيٍّ عِيسَى الْغُبْرِينِيَّ وَعَلَى الْخَطَابَةِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيَّ ثُمَّ آبَ فِي جُمَادَى الْأَوَّلِ سَنَةَ 793 وَبَاشَرَ خُطَطَهُ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ 803 وَدُفِنَ بِالْجَلَّازِ وَأَرْخَتْ وَفَاتُهُ بِتَارِيخَيْنِ أَحَدُهُمَا خَرَجَ وَالْآخَرُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ الشَّابَاطِ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ لَوْلَا خَوْفُ الْحَاجَةِ فِي الْكِبَرِ مَا بِتُّ وَعِنْدِي عَشْرَةُ دَنَانِيرَ قَالَ ابْنُ عَمَّارٍ فِيهِ: انْتَهَتْ إلَيْهِ الرِّئَاسَةُ فِي قُطْرِهِ أَجْمَعَ فِي الْفُنُونِ وَالتَّحْقِيقِ وَالْمُشَاوَرَةِ مَعَ خُشُونَةِ جَانِبِهِ وَشِدَّةِ عَارِضَتِهِ وَبَرَاءَتِهِ مِنْ الْمُدَاهَنَةِ وَحِرْزِهِ مِنْ الْمُخَاشَنَةِ. وَقَالَ الْغُبْرِينِيُّ: يَقُومُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَامِعِ الزَّيْتُونَةِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ فِي كُلِّ عَامٍ حَتَّى عَجَزَ قُرْبَ وَفَاتِهِ " مُؤَلَّفَاتُهُ ". أَمَالِي فِي التَّفْسِيرِ جَمَعَهَا تِلْمِيذُهُ الْأَبِيُّ. نَظَمَ قِرَاءَةَ يَعْقُوبَ بِرِوَايَتَيْ الدَّانِيِّ وَابْنِ شُرَيْحٍ. نَظَمَ تَكْمِلَةَ الْقَصْدِ لِخَلَفِ ابْنِ شُرَيْحٍ. أَمَالِي فِي الْحَدِيثِ. أَمَالِي فِي الْحِكَمِ الشَّرْعِيَّةِ. مُخْتَصَرٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ عَارَضَ بِهِ طَوَالِعَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيِّ. نَظَمَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. مُخْتَصَرٌ فِي الْفِقْهِ أَحْصَى فِيهِ كَثِيرًا مِنْ فُرُوعِ الْمَذْهَبِ وَأَوْدَعَهُ مُنَاقَشَاتٍ نَفِيسَةً مَعَ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ شَارِحِهِ مُعَوِّلًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَصَدَّرَ كُلَّ بَابٍ بِحَدِّهِ ابْتَدَأَ تَصْنِيفَهُ سَنَةَ 772 وَأَكْمَلَهُ سَنَةَ 786 مُخْتَصَرٌ فِي النَّحْوِ. مُخْتَصَرٌ فِي الْمَنْطِقِ أَوْدَعَهُ اعْتِرَاضَاتٍ كَثِيرَةً عَلَى شُيُوخِ الْفَنِّ وَمِمَّا يُرْوَى عَنْهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلَغْت الثَّمَانِينَ بَلْ جُزْتهَا ... فَهَانَ عَلَى النَّفْسِ صَعْبُ الْحِمَامِ وَآحَادُ عَصْرِي مَضَوْا جُمْلَةً ... وَصَارُوا خَيَالًا كَطَيْفِ الْمَنَامِ وَأَرْجُو بِهِ نَيْلَ صَدْرِ الْحَدِيثِ ... بِحُبِّ اللِّقَاءِ وَكُرْهِ الْمَقَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 وَكَانَتْ حَيَاتِي بِلُطْفٍ جَمِيلٍ ... بِسَبْقِ دُعَاءِ أَبِي فِي الْمَقَامِ انْتَهَى مُلَخَّصًا بِبَعْضِ تَصَرُّفٍ مِنْ كِتَابِ تَرَاجِمِ الْمُفْتِينَ بِتُونُسَ لِلْأُسْتَاذِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْبَشِيرِ النيفر أَبْقَاهُ اللَّهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543