الكتاب: نهاية الرتبة الظريفة في طلب الحسبة الشريفة المؤلف: عبد الرحمن بن نصر بن عبد الله، أبو النجيب، جلال الدين العدوي الشيزري الشافعي (المتوفى: نحو 590هـ) الناشر: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- نهاية الرتبة الظريفة في طلب الحسبة الشريفة الشيزري الكتاب: نهاية الرتبة الظريفة في طلب الحسبة الشريفة المؤلف: عبد الرحمن بن نصر بن عبد الله، أبو النجيب، جلال الدين العدوي الشيزري الشافعي (المتوفى: نحو 590هـ) الناشر: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] [مُقَدَّمَة الْكِتَاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَوْحَدُ الْعَالِمُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى مَا أَنْعَمَ، وَأَسْتَعِينُهُ فِيمَا أَلْزَمَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ الْعَلِيُّ الْأَعْظَمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ، وَرَسُولُهُ [النَّبِيُّ] الْأَكْرَمُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ. وَبَعْدُ، فَقَدْ سَأَلَنِي مَنْ اسْتَنَدَ لِمَنْصِبِ الْحِسْبَةِ، وَقُلِّدَ النَّظَرُ فِي مَصَالِحِ الرَّعِيَّةِ، وَكَشْفِ أَحْوَالِ السُّوقَةِ، وَأُمُورِ الْمُتَعَيِّشِينَ، أَنْ أَجْمَعَ لَهُ مُخْتَصَرًا كَافِيًا، فِي سُلُوكِ مَنْهَجِ الْحِسْبَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، لِيَكُونَ عِمَادًا لِسِيَاسَتِهِ، وَقِوَامًا لِرِيَاسَتِهِ، فَأَجَبْته إلَى مُلْتَمَسِهِ، ذَاهِبًا إلَى الْوَجَازَةِ، لَا إلَى الْإِطَالَةِ، وَضَمَّنْته طُرَفًا مِنْ الْأَخْبَارِ، وَطَرَّزْته بِحِكَايَاتٍ، وَآثَارٍ، وَنَبَّهْت فِيهِ عَلَى غِشِّ [الْمُتَعَيِّشِينَ فِي] الْمَبِيعَاتِ، وَتَدْلِيسِ أَرْبَابِ الصِّنَاعَاتِ، وَكَشْفِ سِرِّهِمْ الْمَدْفُونِ، وَهَتْكِ سِتْرِهِمْ الْمَصُونِ، رَاجِيًا بِذَلِكَ ثَوَابَ الْمُنْعِمِ لِيَوْمِ الْحِسَابِ. وَاقْتَصَرْت فِيهِ عَلَى ذِكْرِ الْحِرَفِ الْمَشْهُورَةِ دُونَ غَيْرِهَا، لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَجَعَلْته أَرْبَعِينَ بَابًا، يَحْتَذِي الْمُحْتَسِبُ عَلَى مِثَالِهَا، وَيَنْسُجُ عَلَى مِنْوَالِهَا، وَسَمَّيْته نِهَايَةَ الرُّتْبَةِ فِي طَلَبِ الْحِسْبَةِ "، وَمَا تَوْفِيقِي (2 أ) إلَّا بِاَللَّهِ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْت، وَإِلَيْهِ أُنِيبُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَسِبِ مِنْ شُرُوطِ الْحِسْبَةِ وَلُزُومِ مُسْتَحَبَّاتِهَا] لَمَّا كَانَتْ الْحِسْبَةُ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ، وَنَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ، وَإِصْلَاحًا بَيْنَ النَّاسِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُحْتَسِبُ فَقِيهًا، عَارِفًا بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، لِيَعْلَمَ مَا يَأْمُرُ بِهِ، وَيَنْهَى عَنْهُ. فَإِنَّ الْحَسَنَ مَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ، وَالْقَبِيحَ مَا قَبَّحَهُ [الشَّرْعُ] ، وَلَا مَدْخَلَ [لِلْعُقُولِ] فِي مَعْرِفَةِ الْمَعْرُوفِ، وَالْمُنْكَرِ إلَّا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُبَّ جَاهِلٍ يَسْتَحْسِنُ بِعَقْلِهِ مَا قَبَّحَهُ الشَّرْعُ، فَيَرْتَكِبُ الْمَحْظُورَ، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةً عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [فَصَلِّ فِي أَوَّل مَا يُجِبْ عَلَى الْمُحْتَسَب] فَصْلٌ وَأَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا يَعْلَمُ، وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ مُخَالِفًا لِفِعْلِهِ، فَقَدْ قَالَ [اللَّهُ] عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَمِّ عُلَمَاءِ بَنْيِ إسْرَائِيلَ: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44] ، وَرَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رَأَيْت لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالًا تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِالْمَقَارِيضِ، فَقُلْت: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؛ قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ أُمَّتِك الَّذِينَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ» . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُخْبِرًا عَنْ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا نَهَى قَوْمَهُ عَنْ بَخْسِ الْمَوَازِينِ، وَنَقْصِ الْمَكَايِيلِ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88] ، وَلَا يَكُونُ [الْمُحْتَسِبُ] كَمَا قَالَ ابْنُ هَمَّامٍ السَّلُولِيُّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 إذَا نُصِبُوا لِلْقَوْلِ قَالُوا فَأَحْسَنُوا ... وَلَكِنَّ حُسْنَ الْقَوْلِ خَالَفَهُ الْفِعْلُ وَذَمُّوا لَنَا الدُّنْيَا، وَهُمْ يَرْضَعُونَهَا ... أَفَاوِيقَ حَتَّى مَا يَدُرُّ لَهَا ثَعْلُ وَقَالَ آخَرُ: لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ، وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ [فَصَلِّ يُجِبْ عَلَى الْمُحْتَسَب أَنْ يَقْصِد بِقَوْلِهِ وَفَعَلَهُ وَجْه اللَّه تَعَالَى] فَصْلٌ وَيَجِبُ عَلَى الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ، وَفِعْلِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَطَلَبَ مَرْضَاتِهِ، خَالِصُ النِّيَّةِ لَا يَشُوبُهُ فِي طَوِيَّتِهِ رِيَاءٌ، وَلَا مِرَاءٌ، وَيَجْتَنِبُ فِي رِيَاسَتِهِ مُنَافَسَةَ الْخَلْقِ، وَمُفَاخَرَةَ أَبْنَاءِ الْجِنْسِ، لِيَنْشُرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ رِدَاءَ الْقَبُولِ وَعِلْمَ التَّوْفِيقِ، وَيَقْذِفَ لَهُ فِي الْقُلُوبِ مَهَابَةً، وَجَلَالًا، وَمُبَادَرَةً إلَى قَبُولِ قَوْلِهِ بِالسَّمْعِ، وَالطَّاعَةِ. فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَرْضَى اللَّهَ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ شَرَّهُمْ، وَمَنْ أَرْضَى النَّاسَ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ إلَيْهِمْ، وَمَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ أَحْسَنَ اللَّهُ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُ عَلَانِيَتَهُ، وَمَنْ عَمِلَ لِآخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ» . وَذَكَرُوا أَنَّ أَتَابِكَ طُغْتِكِينَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 سُلْطَانَ دِمَشْقَ، طَلَبَ لَهُ مُحْتَسِبًا، فَذُكِرَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَأَمَرَ بِإِحْضَارِهِ، فَلَمَّا بَصَرَ بِهِ قَالَ: " إنِّي وَلَّيْتُك أَمْرَ الْحِسْبَةِ عَلَى النَّاسِ، بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ". قَالَ: " إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَقُمْ عَنْ هَذِهِ الطَّرَّاحَةِ، وَارْفَعْ هَذَا الْمَسْنَدَ، فَإِنَّهُمَا حَرِيرٌ وَاخْلَعْ هَذَا الْخَاتَمَ، فَإِنَّهُ ذَهَبٌ. فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الذَّهَبِ، وَالْحَرِيرِ: " إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، حِلٌّ لِإِنَاثِهَا ". قَالَ فَنَهَضَ السُّلْطَانُ عَنْ طَرَّاحَتِهِ، وَأَمَرَ بِرَفْعِ مَسْنَدِهِ، وَخَلَعَ الْخَاتَمَ مِنْ أُصْبُعِهِ، وَقَالَ: " قَدْ ضَمَمْت إلَيْك النَّظَرَ فِي أُمُورِ الشُّرْطَةِ "، فَمَا رَأَى النَّاسُ مُحْتَسِبًا أَهْيَبَ مِنْهُ. [فَصَلِّ وَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَكُونَ مُوَاظِبًا عَلَى سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ] ِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مِنْ قَصِّ الشَّارِبِ، وَنَتْفِ الْإِبْطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَظَافَةِ الثِّيَابِ وَتَقْصِيرِهَا، وَالتَّعَطُّرِ بِالْمِسْكِ وَنَحْوِهِ، وَجَمِيعِ سُنَنِ الشَّرْعِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ. هَذَا مَعَ الْقِيَامِ عَلَى الْفَرَائِضِ (5 أ) ، وَالْوَاجِبَاتِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَزْيَدُ فِي تَوْقِيرِهِ، وَأَنْفَى لِلطَّعْنِ فِي دِينِهِ. وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا حَضَرَ عِنْدَ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ يَطْلُبُ الْحِسْبَةَ بِمَدِينَةِ غَزْنَةَ، فَنَظَرَ السُّلْطَانُ فَرَأَى شَارِبَهُ قَدْ غَطَّى فَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 مِنْ طُولِهِ، وَأَذْيَالُهُ تُسْحَبُ عَلَى الْأَرْضِ. فَقَالَ لَهُ: " يَا شَيْخُ، اذْهَبْ فَاحْتَسِبْ عَلَى نَفْسِك، ثُمَّ عُدْ، وَاطْلُبْ الْحِسْبَةَ عَلَى النَّاسِ ". [فَصْلٌ لِيَكُنْ شِيمَةُ الْمُحْتَسِبِ الرِّفْقَ وَلِينَ الْقَوْلِ وَطَلَاقَةَ الْوَجْهِ وَسُهُولَةَ الْأَخْلَاقِ] فَصْلٌ وَلْيَكُنْ [مِنْ] شِيمَتِهِ الرِّفْقُ، وَلِينُ الْقَوْلِ، وَطَلَاقَةُ الْوَجْهِ، وَسُهُولَةُ الْأَخْلَاقِ. عِنْدَ أَمْرِهِ لِلنَّاسِ وَنَهْيِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ، وَحُصُولِ الْمَقْصُودِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] ، وَلِأَنَّ الْإِفْرَاطَ فِي الزَّجْرِ رُبَّمَا أَغْرَى بِالْمَعْصِيَةِ، وَالتَّعْنِيفُ بِالْمَوْعِظَةِ تَمُجُّهُ الْأَسْمَاعُ، وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى الْمَأْمُونِ، فَأَمَرَهُ بِمَعْرُوفٍ، وَنَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ، وَأَغْلَظَ لَهُ فِي الْقَوْلِ، فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: [يَا هَذَا،] إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك أَنْ يَلِينَ الْقَوْلَ لِمَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي، فَقَالَ لِمُوسَى، وَهَارُونَ: {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] ؛ ثُمَّ أَعْرَضَ [عَنْهُ] ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ (5 ب) إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَنَالُ بِالرِّفْقِ مَا لَا يَنَالُ بِالتَّعْنِيفِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ كُلَّ رَفِيقٍ، يُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى التَّعْنِيفِ» . وَلْيَكُنْ مُتَأَنِّيًا، غَيْرَ مُبَادِرٍ إلَى الْعُقُوبَةِ، وَلَا يُؤَاخِذُ أَحَدًا بِأَوَّلِ ذَنْبٍ يَصْدُرُ [مِنْهُ] ، وَلَا يُعَاقِبُ [بِأَوَّلِ] زَلَّةٍ تَبْدُو؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ فِي الْخَلْقِ مَفْقُودَةٌ فِيمَا سِوَى الْأَنْبِيَاءِ [- صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ -] وَإِذَا عَثَرَ بِمَنْ نَقَصَ الْمِكْيَالَ، أَوْ بَخَسَ الْمِيزَانَ، أَوْ غَشَّ بِضَاعَةً أَوْ صِنَاعَةً بِمَا يَأْتِي وَصْفُهُ فِي أَبْوَابِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْغُشُوشِ، اسْتَتَابَهُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَوَعَظَهُ، وَخَوَّفَهُ، وَأَنْذَرَهُ الْعُقُوبَةَ، وَالتَّعْزِيرَ؛ فَإِنْ عَادَ إلَى فِعْلِهِ عَزَّرَهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ [بِهِ] مِنْ التَّعْزِيرِ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وَيَتَّخِذُ [الْمُحْتَسِبُ] لَهُ سَوْطًا، وَدِرَّةً [، وَطُرْطُورًا] ، وَغِلْمَانًا، وَأَعْوَانًا فَإِنَّ ذَلِكَ أَرْعَبُ لِقُلُوبِ الْعَامَّةِ، وَأَشَدُّ خَوْفًا، وَيُلَازِمُ الْأَسْوَاقَ، وَالدُّرُوبَ فِي أَوْقَاتِ الْغَفْلَةِ عَنْهُ، وَيَتَّخِذُ لَهُ فِيهَا عُيُونًا، يُوَصِّلُونَ إلَيْهِ الْأَخْبَارَ، وَأَحْوَالَ السُّوقَةِ. [فَصَلِّ مِنْ الشُّرُوط اللَّوَازِم لِلْمُحْتَسِبِ] فَصْلٌ وَمِنْ الشُّرُوطِ اللَّوَازِمِ لَلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَكُونَ عَفِيفًا عَنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، مُتَوَرِّعًا عَنْ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِنْ الْمُتَعَيِّشِينَ، وَأَرْبَابِ الصِّنَاعَاتِ، فَإِنَّ ذَلِكَ رِشْوَةٌ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أ) : «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» ؛ وَلِأَنَّ التَّعَفُّفَ عَنْ ذَلِكَ أَصَوْنُ لِعَرْضِهِ، وَأَقْوَمُ لِهَيْبَتِهِ، وَيُلْزِمُ [الْمُحْتَسِبُ] غِلْمَانَهُ، وَأَعْوَانَهُ بِمَا الْتَزَمَهُ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا تَتَطَرَّقُ التُّهْمَةُ إلَى الْمُحْتَسِبِ مِنْ غِلْمَانِهِ، وَأَعْوَانِهِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَخَذَ رِشْوَةً أَوْ قَبِلَ هَدِيَّةً صَرَفَهُ عَنْهُ، لِتَنْتَفِيَ عَنْهُ الظُّنُونُ، وَتَنْجَلِيَ عَنْهُ الشُّبُهَاتُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 [الْبَابُ الثَّانِي فِي النَّظَرِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالطُّرُقَاتِ] ِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأَسْوَاقُ فِي الِارْتِفَاعِ، وَالِاتِّسَاعِ عَلَى مَا وَضَعَتْهُ الرُّومُ قَدِيمًا، وَيَكُونَ مِنْ جَانِبَيْ السُّوقِ إفْرِيزَانِ يَمْشِي عَلَيْهِمَا النَّاسُ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ، إذَا لَمْ يَكُنْ السُّوقُ مُبَلَّطًا، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ السُّوقَةِ إخْرَاجُ مِصْطَبَةِ دُكَّانِهِ عَنْ سَمْتِ أَرْكَانِ السَّقَائِفِ إلَى الْمَمَرِّ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ عَلَى الْمَارَّةِ، يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَسِبِ إزَالَتُهُ، وَالْمَنْعُ مِنْ فِعْلِهِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ لُحُوقِ الضَّرَرِ بِالنَّاسِ. وَيَجْعَلُ لِأَهْلِ كُلِّ صَنْعَةِ مِنْهُمْ سُوقًا يَخْتَصُّ بِهِمْ، وَتُعْرَفُ صِنَاعَتُهُمْ [فِيهِ] ، فَإِنَّ ذَلِكَ لِقُصَّادِهِمْ أَرْفَقُ، وَلِصَنَائِعِهِمْ أَنْفَقُ، وَمَنْ كَانَتْ صِنَاعَتُهُ تَحْتَاجُ إلَى وُقُودِ نَارٍ، كَالْخَبَّازِ وَ [الطَّبَّاخِ] ، وَالْحَدَّادِ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُبْعِدَ (6 ب) حَوَانِيتَهُمْ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 الْعَطَّارِينَ وَالْبَزَّازِينَ، لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَهُمْ، وَحُصُولِ الْأَضْرَارِ. [فَصَلِّ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَجْعَل لِأَهْلِ كُلّ صَنِعَة عَرِيفًا مِنْ صَالِح أَهْلهَا] فَصْلٌ وَلَمَّا لَمْ تَدْخُلْ الْإِحَاطَةُ بِأَفْعَالِ السُّوقَةِ تَحْتَ وُسْعِ الْمُحْتَسِبِ، جَازَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ لِأَهْلِ كُلِّ صَنْعَةٍ عَرِيفًا مِنْ صَالِحِ أَهْلِهَا، خَبِيرًا بِصِنَاعَتِهِمْ، بَصِيرًا بِغُشُوشِهِمْ وَتَدْلِيسَاتِهِمْ، مَشْهُورًا بِالثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ، يَكُونُ مُشْرِفًا عَلَى أَحْوَالِهِمْ، وَيُطَالِعُهُ بِأَخْبَارِهِمْ، وَمَا يُجْلَبُ إلَى سُوقِهِمْ مِنْ السِّلَعِ وَالْبَضَائِعِ، وَمَا تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْعَارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَلْزَمُ الْمُحْتَسِبُ مَعْرِفَتَهَا. فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ. «اسْتَعِينُوا عَلَى كُلِّ صَنْعَةٍ بِصَالِحِ أَهْلِهَا» . [فَصْلٌ هَلْ يَجُوز لِلْمُحْتَسِبِ تَسْعِير الْبَضَائِع عَلَى أَرْبَابهَا] فَصْلٌ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْتَسِبِ تَسْعِيرُ الْبَضَائِعِ عَلَى أَرْبَابِهَا، وَلَا أَنْ يُلْزِمَهُمْ بَيْعَهَا بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ السِّعْرَ غَلَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: «سَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، وَإِنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُطَالِبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي نَفْسٍ، وَلَا مَالٍ» . وَإِذَا رَأَى الْمُحْتَسِبُ أَحَدًا قَدْ احْتَكَرَ الطَّعَامَ مِنْ سَائِرِ الْأَقْوَاتِ، وَهُوَ أَنْ (7 أ) يَشْتَرِيَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ الرَّخَاءِ، وَيَتَرَبَّصُ بِهِ [الْغَلَاءَ] ، فَيَزْدَادُ ثَمَنُهُ، أَلْزَمهُ بَيْعَهُ إجْبَارًا؛ لِأَنَّ الِاحْتِكَارَ حَرَامٌ، وَالْمَنْعُ مِنْ فِعْلِ الْحَرَامِ، وَاجِبٌ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وَلَا يَجُوزُ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَهُوَ أَنْ تَقْدُمَ قَافِلَةٌ فَيَلْتَقِيهِمْ إنْسَانٌ خَارِجَ الْبَلَدِ، فَيُخْبِرَهُمْ بِكَسَادِ مَا مَعَهُمْ لِيَبْتَاعَ مِنْهُمْ رَخِيصًا، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَنَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَعِ حَتَّى يَهْبِطَ بِهَا إلَى السُّوقِ» . فَإِنْ عَثَرَ الْمُحْتَسِبُ بِمَنْ يَقْصِدُ ذَلِكَ رَدَعَهُ عَنْ فِعْلِهِ، بَعْدَ التَّعْزِيرِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَ أَحْمَالَ الْحَطَبِ، وَأَعْدَالَ التِّبْنِ، وَرَوَايَا الْمَاءِ، وَشَرَائِجَ السِّرْجِينِ، وَالرَّمَادِ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، مِنْ الدُّخُولِ إلَى الْأَسْوَاقِ، لِمَا فِيهِ [مِنْ] الضَّرَرِ بِلِبَاسِ النَّاسِ، وَيَأْمُرُ جَلَّابِي الْحَطَبِ وَالتِّبْنِ، وَنَحْوِهِمْ إذَا، وَقَفُوا بِهَا فِي الْعِرَاصِ، أَنْ يَضَعُوا الْأَحْمَالَ عَنْ ظُهُورِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 الدَّوَابِّ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَقَفَتْ، وَالْأَحْمَالُ عَلَيْهَا أَضَرَّتْهَا، وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَعْذِيبٌ لَهَا، وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلِهِ» ، وَيَأْمُرُ أَهْلَ الْأَسْوَاقِ بِكَنْسِهَا وَتَنْظِيفِهَا مِنْ الْأَوْسَاخِ، وَالطِّينِ الْمُجْتَمِعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَضُرُّ بِالنَّاسِ (7 ب) ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا ضَرَرَ، وَلَا إضْرَارَ» . [فَصَلِّ فِي الطَّرَقَات وَدُرُوب الْمَحِلَّات] فَصْلٌ وَأَمَّا الطُّرُقَاتُ، وَدُرُوبُ الْمَحَلَّاتِ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ إخْرَاجُ جِدَارِ [دَارِهِ، وَلَا دُكَّانِهِ] فِيهَا إلَى الْمَمَرِّ الْمَعْهُودِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا فِيهِ أَذِيَّةٌ، وَإِضْرَارٌ عَلَى السَّالِكِينَ، كَالْمَيَازِيبِ الظَّاهِرَةِ مِنْ الْحِيطَانِ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ، وَمَجَارِي الْأَوْسَاخِ الْخَارِجَةِ مِنْ الدُّورِ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ إلَى وَسَطِ الطَّرِيقِ. بَلْ يَأْمُرُ الْمُحْتَسِبُ أَصْحَابَ الْمَيَازِيبِ أَنْ يَجْعَلُوا عِوَضَهَا مَسِيلًا مَحْفُورًا فِي الْحَائِطِ مُكَلَّسًا، يَجْرِي فِيهِ مَاءُ السَّطْحِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ فِي دَارِهِ مَخْرَجٌ لِلْوَسَخِ إلَى الطَّرِيقِ، فَإِنَّهُ يُكَلِّفُهُ سَدَّهُ فِي الصَّيْفِ، وَيَحْفِرُ لَهُ فِي الدَّارِ حُفْرَةً يَجْتَمِعُ إلَيْهَا. وَلَا يَجُوزُ التَّطَلُّعُ عَلَى الْجِيرَانِ مِنْ السُّطُوحَاتِ، وَالنَّوَافِذِ، وَلَا أَنْ يَجْلِسَ الرِّجَالُ فِي طُرُقَاتِ النِّسَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ [وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ لَا يَجْلِسْنَ عَلَى أَبْوَابِ بُيُوتِهِنَّ فِي طُرُقَاتِ الرِّجَالِ] . فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَزَّرَهُ الْمُحْتَسِبُ، سِيَّمَا إذَا رَأَى رَجُلًا أَجْنَبِيًّا مَعَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ يَتَحَدَّثَانِ فِي مَوْضِعِ خَلْوَةٍ، فَإِنَّهُ أَشَدُّ لِلتُّهْمَةِ فِي حَقِّهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 [الْبَاب الثَّالِث فِي مَعْرِفَةِ الْقَنَاطِيرِ وَالْأَرْطَالِ وَالْمَثَاقِيلِ وَالدَّرَاهِمِ] ِ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ [أُصُولُ] الْمُعَامَلَاتِ، وَبِهَا اعْتِبَارُ الْمَبِيعَاتِ، لَزِمَ الْمُحْتَسِبَ مَعْرِفَتُهَا، وَتَحْقِيقُ كَمَيِّتِهَا، لِتَقَعَ الْمُعَامَلَةُ بِهَا مِنْ غَيْرِ غَبْنٍ، عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ. وَقَدْ اصْطَلَحَ أَهْلُ كُلِّ إقْلِيمٍ (8 أ) وَبَلَدٍ [فِي الْمُعَامَلَةِ] عَلَى أَرْطَالٍ تَتَفَاضَلُ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، سِيَّمَا أَهْلُ الشَّامِ خَاصَّةً، وَسَأَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَسَعُ الْمُحْتَسِبَ جَهْلُهُ، لِيَعْلَمَ تَفَاوُتَ الْأَسْعَارِ. أَمَّا الْقِنْطَارُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ الْعَظِيمُ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ، فَقَدْ قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ " هُوَ أَلْفٌ، وَمِائَتَا أُوقِيَّةٍ "؛ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: " هُوَ مِلْءُ مِسْكِ ثَوْرٍ ذَهَبًا ". وَأَمَّا الْقِنْطَارُ الْمُتَعَارَفُ فَهُوَ مِائَةُ رِطْلٍ، وَالرِّطْلُ سِتُّمِائَةٍ، وَأَرْبَعَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا، وَهُوَ اثْنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً. وَالْأُوقِيَّةُ سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا. هَذَا رِطْلُ شَيْزَرٍ، الَّذِي رَسَمَهُ بِهَا بَنُو مُنْقِذٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وَأَمَّا رِطْلُ حَلَبَ فَهُوَ سَبْعُمِائَةٍ، وَأَرْبَعَةٌ، وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَأُوقِيَّتُهَا سِتُّونَ دِرْهَمًا، وَثُلُثُ دِرْهَمٍ، وَرِطْلُ دِمَشْقَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأُوقِيَّتُهَا خَمْسُونَ دِرْهَمًا؛ وَرِطْلُ حِمْصَ ثَمَانُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ، وَسِتُّونَ دِرْهَمًا، وَأُوقِيَّتُهَا اثْنَانِ، وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا، وَرِطْلُ حَمَاةَ سِتُّمِائَةٍ وَسِتُّونَ دِرْهَمًا، وَأُوقِيَّتُهَا خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَرِطْلُ الْمَعَرَّةِ مِثْلُ الْحِمْصِيِّ. [، وَرِطْلُ مِصْرَ - حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى - مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ، وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَأُوقِيَّتُهَا اثْنَا عَشْرَ دِرْهَمًا] .، وَالْمَنُّ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَسِتُّونَ دِرْهَمًا، وَالرِّطْلُ الْبَغْدَادِيُّ نِصْفُ الْمَنِّ. فَصْلٌ، وَأَمَّا الْمِثْقَالُ فَهُوَ دِرْهَمٌ، وَدَانِقَانِ، وَنِصْفٌ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ، وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا (8 ب) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وَهُوَ خَمْسٌ، وَثَمَانُونَ حَبَّةً، وَالدِّرْهَمُ الشَّامِيُّ سِتُّونَ حَبَّةً، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ صَنْجُ أَهْلِ الشَّامِ أَيْضًا، فَالْمِثْقَالُ بِشَيْزَرٍ يَزِيدُ عَلَى مِثْقَالِ حَلَبَ نِصْفَ قِيرَاطٍ، وَمِثْقَالُ حَمَاةَ مِثْلُ الشَّيْزَرِيِّ، وَمِثْقَالُ دِمَشْقَ يَزِيدُ عَلَى الشَّيْزَرِيِّ "، وَمِثْقَالُ الْمَعَرَّةِ مِثْلُ الدِّمَشْقِيِّ. فَصْلٌ: وَقُفْزَانُ الْمَكِيلَاتِ، وَمَكَاكِيكُهَا مُخْتَلِفَةٌ أَيْضًا، فَالْقَفِيزُ بِشَيْزَرَ سِتَّةَ عَشْرَ سُنْبُلًا، وَهُوَ مِكْيَالٌ مُتَعَارَفٌ فِيهَا، يَسْعَ رِطْلًا وَنِصْفًا بِالشَّيْزَرِيِّ؛، وَالْقَفِيزُ الْحَمَوِيُّ يَنْقُصُ عَنْ الشَّيْزَرِيِّ، سُنْبُلَيْنِ، وَالْقَفِيزُ الْحِمْصِيُّ مِثْلُ الْحَمَوِيِّ.، وَالْمَكُّوكُ الْحَلَبِيُّ يَزِيدُ عَلَى الْقَفِيزِ الشَّيْزَرِيِّ ثَلَاثَ سَنَابِلَ، وَالْمَعَرِّيُّ مِثْلُهُ، وَهُوَ أَرْبَعُ مَرَازِيبَ، كُلُّ مَرْزُبَانِ أَرْبَعَةُ أَكْيَالٍ بِالْحَلَبِيِّ؛، وَالْغِرَارَةُ الدِّمَشْقِيَّةُ ثَلَاثَةُ مَكَاكِيكَ بِالْحَلَبِيِّ. وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْتُهُ غَيْرُ مُسْتَمِرٍّ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ، وَإِنَّمَا اصْطَلَحَ كُلُّ قَوْمٍ عَلَى شَيْءٍ فِي زَمَنِ سُلْطَانٍ، ثُمَّ يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ السُّلْطَانُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَوَازِينِ وَالْمَكَايِيلِ وَعِيَارِ الْأَرْطَالِ وَالْمَثَاقِيلِ] ِ أَصَحُّ الْمَوَازِينِ، وَضْعًا مَا اسْتَوَى جَانِبَاهُ، وَاعْتَدَلَتْ كَفَّتَاهُ، وَكَانَ ثَقْبُ عِلَاقَتِهِ فِي جَانِبَيْ، وَسَطِ الْقَصَبَةِ فِي ثُلُثِ سُمْكِهَا، فَيَكُونُ تَحْتَ (9 أ) مِرْوَدِ الْعِلَاقَةِ الثُّلُثُ، وَمِنْ فَوْقِهِ الثُّلُثَانِ. وَهَذَا يُعْرَفُ رُجْحَانُهُ بِخُرُوجِ اللِّسَانِ مِنْ قُبِّ الْعِلَاقَة، وَتَهْبِطُ الْكِفَّةُ سَرِيعًا بِأَدْنَى شَيْءٍ. وَأَمَّا الشَّوَاهِينُ الدِّمَشْقِيَّةُ، فَوَضْعُ ثَقْبِ عَلَائِقهَا بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيُعْرَفُ رُجْحَانُهَا بِدُخُولِ اللِّسَانِ فِي قُبِّ الْعِلَاقَةِ مِنْ غَيْرِ هُبُوطِ الْكِفَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ مِرْوَدُ الْعِلَاقَةِ مُرَبَّعًا وَمُثَلَّثًا، وَمُدَوَّرًا، وَأَجْوَدُهَا الْمُثَلَّثُ؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ رُجْحَانًا مِنْ غَيْرِهِ. وَيَأْمُرُ [الْمُحْتَسِبُ] أَصْحَابَ الْمَوَازِينِ بِمَسْحِهَا وَتَنْظِيفِهَا مِنْ الْأَدْهَانِ، وَالْأَوْسَاخِ، وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَجْمُدُ فِيهَا قَطْرٌ مِنْ [الدُّهْنِ] ، فَيَظْهَرُ فِي الْوَزْنِ. وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا شَرَعَ فِي الْوَزْنِ أَنْ يُسَكِّنَ الْمِيزَانَ، وَيَضَعَ فِيهَا الْبِضَاعَةَ بِرِفْقٍ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَهُ فِي حَالِ الْوَضْعِ لَهَا، وَلَا يُحَلِّقُ الْبِضَاعَةَ مِنْ يَدِهِ فِي الْكِفَّةِ تَحْلِيقًا، وَلَا يَهُزُّ حَافَّةَ الْكِفَّةِ بِإِبْهَامِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بَخْسٌ. وَمِنْ الْبَخْسِ الْخَفِيِّ فِي مِيزَانٍ أَنْ يَرْفَعَهُ بِيَدِهِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، ثُمَّ يَنْفُخُ عَلَى الْكِفَّةِ الَّتِي فِيهَا الْمَتَاعُ نَفْخًا خَفِيفًا، فَيَرْجَحُ بِمَا فِيهِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ تَكُونُ عَيْنُهُ إلَى الْمِيزَانِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 لَا إلَى فَمِ صَاحِبِهِ. وَلَهُمْ فِي مَسْكِ عَلَّاقَةِ الْمِيزَانِ صِنَاعَةٌ يَحْصُلُ بِهَا الْبَخْسُ [وَمِنْهَا أَنَّهُمْ يُلْصِقُونَ فِي قَعْرِ الْكِفَّةِ الْوَاحِدَةِ قِطْعَةً مِنْ الشَّمْعِ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ الصَّنْجَ فِيهَا، وَيَجْعَلُونَ الْفِضَّةَ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى، فَيَأْخُذُونَ فِي الدِّرْهَمِ الْحَبَّةَ، وَالْحَبَّتَيْنِ] ؛ فَيَلْزَمُ الْمُحْتَسِبَ مُرَاعَاةُ ذَلِكَ فِي كُلِّ وَقْتٍ (9 ب) ، وَالْقَبَّانُ الرُّومِيُّ أَصَحُّ مِنْ [الْقَبَّانِ] الْقِبْطِيِّ؛ وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَبِرَهُ الْمُحْتَسِبُ بَعْدَ كُلِّ حِينٍ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا اعْوَجَّ مِنْ شَيْلِ الْأَثْقَالِ فَيَفْسُدُ. [فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْبَائِعِ أَنْ يَتَّخِذَ الْأَرْطَالَ وَالْأَوَاقِي مِنْ الْحَدِيدِ] فَصْلٌ وَيَنْبَغِي [لِلْبَائِعِ] أَنْ يَتَّخِذَ الْأَرْطَالَ وَالْأَوَاقِي مِنْ الْحَدِيدِ، وَتُعَيَّرُ عَلَى الصَّنْجِ الطَّيَّارَةِ، وَلَا يَتَّخِذُهَا مِنْ الْحِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا تَنْتَحِتُ إذَا قَرَعَ بَعْضُهَا بَعْضًا " فَتَنْقُصُ. فَإِذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى اتِّخَاذِهَا [مِنْ الْحِجَارَةِ] لِقُصُورِ يَدِهِ عَنْ اتِّخَاذِهَا [مِنْ] الْحَدِيدِ أَمَرَهُ الْمُحْتَسِبُ بِتَجْلِيدِهَا، ثُمَّ يَخْتِمُهَا [الْمُحْتَسِبُ] بَعْدَ الْعِيَارِ. وَيُجَدِّدُ [الْمُحْتَسِبُ] النَّظَرَ فِيهَا بَعْدَ كُلِّ حِينٍ، لِئَلَّا يَتَّخِذَ [الْبَائِعُ] مِثْلَهَا مِنْ الْخَشَبِ، وَلَا يَكُونُ فِي الْحَانُوتِ الْوَاحِدِ دَسْتَانِ مِنْ أَرْطَالٍ، وَأَوَاقٍ أَوْ صَنْجٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ؛ لِأَنَّهَا تُهْمَةٌ فِي حَقِّهِ، وَلَا يَتَّخِذُ [الْبَائِعُ] ثُلُثَ رِطْلٍ، وَلَا ثُلُثَ أُوقِيَّةٍ، وَلَا ثُلُثَ دِرْهَمٍ لِمُقَارَبَتِهِ لِلنِّصْفِ، وَرُبَّمَا اشْتَبَهَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ فِي حَالِ الْوَزْنِ عِنْدَ كَثْرَةِ الزَّبُونِ. وَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَتَفَقَّدَ عِيَارَ الصَّنْجِ، وَالْحَبَّاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 أَصْحَابِهَا، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ حَبَّاتِ الشَّعِيرِ، وَالْحِنْطَةِ فَيَنْقَعُهَا فِي بَعْضِ الْأَدْهَانِ الْمَعْرُوفَةِ، ثُمَّ يَغْرِسُ فِيهَا رُءُوسَ الْإِبَرِ، ثُمَّ [يُجَفِّفَهَا فِي الظِّلِّ] ، فَتَعُودَ إلَى سِيرَتِهَا الْأُولَى، وَلَا يَظْهَرُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. [فَصَلِّ فِي الْمِكْيَال الصَّحِيح] فَصْلٌ وَالْمِكْيَالُ الصَّحِيحُ مَا اسْتَوَى أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ فِي الْفَتْحِ، وَالسِّعَةِ، (10 أ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُحْصَرًا، وَلَا أَزْوَرَ، وَلَا بَعْضُهُ دَاخِلًا وَبَعْضُهُ خَارِجًا [وَإِنْ كَانَ فِي أَسْفَلِهِ طَوْقٌ مِنْ حَدِيدٍ كَانَ أَحْفَظَ لَهُ] ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُشَدَّ بِالْمَسَامِيرِ، لِئَلَّا يَصْعَدَ فَيَزِيدَ، أَوْ يَنْزِلَ فَيَنْقُصَ، وَأَجْوَدُ مَا عُيِّرَتْ بِهِ الْمَكَايِيلُ الْحُبُوبُ الصِّغَارُ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ فِي الْعَادَةِ، مِثْلُ الْكُسْفُرَةِ، وَالْخَرْدَلِ، وَالْبِزْرِ قُطُونًا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَيَكُونُ فِي كُلِّ حَانُوتٍ ثَلَاثَةُ مَكَايِيلَ، مِنْهَا مِكْيَالٌ، وَنِصْفُ مِكْيَالٍ، وَثُمْنُ مِكْيَالٍ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى اتِّخَاذِ ذَلِكَ. وَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يُجَدِّدَ النَّظَرَ فِي الْمَكَايِيلِ، وَيُرَاعِي مَا يُطَفِّفُونَ بِهِ الْمِكْيَالَ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَصُبُّ فِي أَسْفَلِهِ الْجِبْسَيْنِ الْمُدْبِرِ فَيُلْصِقُ بِهِ لَصْقًا لَا يَكَادُ يُعْرَفُ، وَمِنْهُمْ مِنْ يُلْصِقُ فِي [أَسْفَلِهِ] وَجَوَانِبِهِ الْكُسْبَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ لَبَنَ التِّينِ وَيَعْجِنُهُ بِالزَّيْتِ حَتَّى يَصِيرَ فِي قَوَامِ الْمَرْهَمِ، ثُمَّ يُلْصِقُهُ فِي دَاخِلِ الْمِكْيَالِ فَلَا يُعْرَفُ. وَلَهُمْ فِي مَسْكِ الْمِكْيَالِ صِنَاعَةٌ يَحْصُلُ بِهَا التَّطْفِيفُ، فَلَا يَدَعُ التَّجَسُّسَ عَلَيْهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 [الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْحُبُوبِيِّينَ وَالدَّقَّاقِينَ] َ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ احْتِكَارُ الْغَلَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَاهُ، وَلَا يَخْلِطُونَ رَدِيءَ الْحِنْطَةِ بِجَيِّدِهَا وَلَا عَتِيقَهَا بِجَدِيدِهَا، فَإِنَّهُ تَدْلِيسٌ عَلَى (10 ب) النَّاسِ وَإِذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى غَسْلِ الْغَلَّةِ جُفِّفَتْ بَعْدً غَسْلِهَا تَجْفِيفًا بَلِيغًا، ثُمَّ بِيعَتْ مُنْفَرِدَةً. فَصْلٌ: وَيَلْزَمُ الدَّقَّاقِينَ غَرْبَلَةُ الْغَلَّةِ مِنْ التُّرَابِ، وَتَنْقِيَتُهَا مِنْ الزُّوَانِ، وَتَنْظِيفُهَا مِنْ الْغُبَارِ قَبْلَ طَحْنِهَا، وَلَهُمْ أَنْ يَرُشُّوا عَلَى الْحِنْطَةِ مَاءً يَسِيرًا عِنْدَ طَحْنِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكْسُو الدَّقِيقَ بَيَاضًا، وَجَوْدَةً. وَيَعْتَبِرُ [عَلَيْهِمْ] الْمُحْتَسِبُ الدَّقِيقَ، فَإِنَّهُمْ رُبَّمَا خَلَطُوا فِيهِ دَقِيقَ الشَّعِيرِ الْمَنْخُولِ، أَوْ دَقِيقَ الْبَاقِلَّا، وَالْحِمَّصِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ مَا هُوَ مَطْحُونٌ عَلَى رَحًى مَنْقُورَةٍ، أَوْ مَا خَالَطَهُ زُوَانٌ أَوْ غُبَارُ الطَّاحُونِ، فَإِنْ ارْتَابَ بِهِمْ حَلَّفَهُمْ أَنْ لَا يَعْمَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَالْمَصْلَحَةُ أَنْ يَجْعَلَ [الْمُحْتَسِبُ] عَلَيْهِمْ، وَظَائِفَ يَرْفَعُونَهَا إلَى حَوَانِيتِ الْخَبَّازِينَ فِي كُلِّ يَوْمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 [الْبَابُ السَّادِسُ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْخَبَّازِينَ] َ يَنْبَغِي أَنْ تُرْفَعَ سَقَائِفُ حَوَانِيتِهِمْ، وَتُفْتَحَ أَبْوَابُهَا، وَيُجْعَلُ فِي سُقُوفِ الْأَفْرَانِ مَنَافِسُ، وَاسِعَةٌ يَخْرُجُ مِنْهَا الدُّخَانُ، لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ [بِذَلِكَ النَّاسُ] ، وَإِذَا فَرَغَ [الْخَبَّازُ] مِنْ إحْمَائِهِ، مَسَحَ دَاخِلَ التَّنُّورِ بِخِرْقَةٍ [نَظِيفَةٍ] ، ثُمَّ شَرَعَ فِي الْخُبْزِ، وَيَكْتُبُ الْمُحْتَسِبُ فِي دَفْتَرِهِ أَسْمَاءَ الْخَبَّازِينَ وَمَوَاضِعَ حَوَانِيتِهِمْ، فَإِنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُوهُ إلَى مَعْرِفَتِهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ بِنَظَافَةِ (11 أ) أَوْعِيَةِ الْمَاءِ وَتَغْطِيَتِهَا، وَغَسِيلِ الْمَعَاجِنِ وَنَظَافَتِهَا، وَمَا يُغَطَّى بِهِ الْخُبْرُ، وَمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَلَا يَعْجِنُ الْعَجَّانُ بِقَدَمَيْهِ، وَلَا بِرُكْبَتَيْهِ، وَلَا بِمِرْفَقَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَهَانَةً لِلطَّعَامِ، وَرُبَّمَا قَطَرَ فِي الْعَجِينِ شَيْءٌ مِنْ عَرَقِ إبْطَيْهِ، وَبَدَنِهِ، فَلَا يَعْجِنُ إلَّا، وَعَلَيْهِ مِلْعَبَةٌ أَوْ بِشَتٍّ مَقْطُوعِ الْأَكْمَامِ، وَيَكُونُ مُلَثَّمًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا عَطَسَ أَوْ تَكَلَّمَ، فَقَطَرَ شَيْءٌ مِنْ بُصَاقِهِ أَوْ مُخَاطِهِ فِي الْعَجِينِ، وَيَشُدُّ عَلَى جَبِينِهِ عِصَابَةً بَيْضَاءَ، لِئَلَّا يَعْرَقَ فَيَقْطُرُ مِنْهُ شَيْءٌ [فِي الْعَجِينِ] ، وَيَحْلِقُ شَعْرَ ذِرَاعَيْهِ لِئَلَّا يَسْقُطَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْعَجِينِ، وَإِذَا عَجَنَ فِي النَّهَارِ فَلْيَكُنْ عِنْدَهُ إنْسَانٌ فِي يَدِهِ مَذَبَّةٌ يَطْرُدُ عَنْهُ الذُّبَابَ. هَذَا كُلُّهُ بَعْدَ نَخْلِ الدَّقِيقِ بِالْمَنَاخِلِ السَّفِيقَةِ مِرَارًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 [فَصَلِّ فِيمَا يَعْتَبِرهُ الْمُحْتَسَب عَلَى الْخَبَّازِينَ] فَصْلٌ وَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ الْمُحْتَسِبُ مَا يَغُشُّونَ بِهِ الْخُبْزَ، مِنْ الْجِلْبَانِ، وَالْبَيْسَارِ، فَإِنَّهُمَا يُوَرِّدَانِ، وَجْهَ الْخُبْزِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهُ بِدَقِيقِ الْحِمَّصِ وَدَقِيقِ الْأَرُزِّ؛ لِأَنَّهُمَا يُثْقِلَانِهِ وَيُفَجِّجَانِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْجِنُ الْخَشْكَارَ أَوْ دَقِيقَ الشَّعِيرِ أَوْ الدَّقِيقِ الْمُزَوَّنِ ثُمَّ يُبْطِنُ بِهِ الْخُبْزَ الْخَاصَّ عِنْدَ نَفَاقِهِ وَجَمِيعُ ذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَى وَجْهِ الْخُبْزِ، وَفِي مَنْظَرِهِ، وَمُكَسَّرِهِ. وَيَمْنَعُهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] أَنْ يَضَعُوا فِيهِ [الْبُورَقُ، فَإِنَّهُ] مُضِرٌّ أَيْضًا، غَيْرَ أَنَّهُ (11 ب) يُحَسِّنُ، وَجْهَ الْخُبْزِ، وَلَا يَخْبِزُونَهُ حَتَّى يَخْتَمِرَ، فَإِنَّ الْفَطِيرَ ثَقِيلٌ فِي الْوَزْنِ وَالْمَعِدَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ قَلِيلَ الْمِلْحِ، فَيَمْنَعُهُمْ الْمُحْتَسِبُ مِنْ فِعْلِهِ، فَإِنَّهُمْ يَقْصِدُونَهُ لِأَجْلِ رَزَانَتِهِ فِي الْمِيزَانِ، وَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَنْشُرُوا عَلَى وَجْهِهِ الْأَبَازِيرِ الطَّيِّبَةِ الصَّالِحَةِ لَهُ، مِثْلَ الْكَمُّونِ الْأَبْيَضِ، وَالشُّونِيزِ، وَالسِّمْسِمِ [وَالْمَصْطَكَى] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يُخْرِجُونَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ حَتَّى يَنْضَجَ [حَقَّ] نُضْجِهِ، مِنْ غَيْرِ احْتِرَاقٍ فِيهِ، وَالْمَصْلَحَةُ [أَنْ يَجْعَلَ] عَلَى كُلِّ حَانُوتٍ، وَظِيفَةً يَخْبِزُونَهَا كُلَّ يَوْمٍ، لِئَلَّا يَخْتَلَّ الْبَلَدُ عِنْدَ قِلَّةِ الْخُبْزِ ، وَيُلْزِمُهُمْ ذَلِكَ إنْ امْتَنَعُوا مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 [الْبَابُ السَّابِعُ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْفَرَّانِينَ] َ يُفَرِّقُهُمْ الْمُحْتَسِبُ عَلَى الدُّرُوبِ، وَالْمَحَالِّ وَأَطْرَافِ الْبَلَدِ، لِمَا فِيهِمْ مِنْ الْمَرَافِقِ وَعِظَمِ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ بِإِصْلَاحِ الْمَدَاخِنِ، وَتَنْظِيفِ بَلَاطِ الْفُرْنِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ، مِنْ اللُّبَابِ الْمُحْتَرِقِ، وَالشَّرَرِ الْمُتَطَايِرِ، وَالرَّمَادِ الْمُتَنَاثِرِ، لِئَلَّا يَلْصَقَ فِي أَسْفَلِ الْخُبْزِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيَجْعَلُ [الْفَرَّانُ] بَيْنَ يَدَيْهِ إجَّانَةً نَظِيفَةً لِلْمَاءِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْخُبْزِ أَرَاقَ مَا بَقِيَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ فِيهَا تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ، ثُمَّ يَغْسِلُهَا مِنْ الْغَدِ، وَيَتَعَاهَدُ جُرُفَ الدُّفِّ (12 أ) الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَجِينَ يَلْصَقُ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَثُرَتْ عِنْدَهُ أَطْبَاقُ الْعَجِينِ لِلنَّاسِ، أَخْرَجَ خُبْزَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَلَامَةٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ، لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْجَمِيعُ فَلَا يُعْرَفُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ مَخْبِزَانِ: أَحَدُهُمَا - لِلْخُبْزِ، وَالْآخَرُ - لِلسَّمَكِ، وَيَجْعَلُ السَّمَكَ بِمَعْزِلٍ عَنْ الْخُبْزِ، لِئَلَّا يَسِيلَ شَيْءٌ مِنْ دُهْنِهِ عَلَى الْخُبْزِ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْ الْعَجِينِ زِيَادَةً عَمَّا جُعِلَ لَهُ. وَقَدْ يَكُونُ الدُّفُّ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ مَثْقُوبًا، أَوْ يَكُونُ قِطْعَتَيْنِ، وَبَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ، فَإِذَا أَخَذَ دَقِيقَ النَّاسِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَنَحَتَهُ بِأَصَابِعِهِ، فَيَنْزِلُ مِنْ بَيْنِ الدَّفَّتَيْنِ إلَى إجَّانَةٍ [أُخْرَى] لَهُ؛ فَيُرَاعِيهِ الْمُحْتَسِبُ وَيَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَكُونُ غِلْمَانُهُمْ، وَأُجَرَاؤُهُمْ صِبْيَانًا دُونَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ بُيُوتَ النَّاسِ [، وَعَلَى نِسَائِهِمْ] ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 [الْبَابُ الثَّامِنُ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى صُنَّاعِ الزَّلَابِيَةِ] ِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَقْلَى الزَّلَابِيَةِ مِنْ النُّحَاسِ الْأَحْمَرِ الْجَيِّدِ، فَأَوَّلُ مَا يُحْرَقُ فِيهِ النُّخَالَةُ، ثُمَّ يُدَلِّكُهُ بِوَرَقِ الصَّلْقِ إذَا بَرَدَ، ثُمَّ يُعَادُ إلَى النَّارِ، وَيُجْعَلُ فِيهِ قَلِيلٌ [مِنْ] عَسَلٍ، وَيُوقَدُ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْتَرِقَ الْعَسَلُ ثُمَّ يُجْلَى بَعْدَ ذَلِكَ بِمَدْقُوقِ الْخَزَفِ، ثُمَّ يُغْسَلُ وَيُسْتَعْمَلُ، فَإِنَّهُ يُنَقَّى مِنْ وَسَخِهِ، وَزِنْجَارِهِ. (12 ب) فَصْلٌ: وَيَكُونُ ثُلُثُ دَقِيقِ الزَّلَابِيَةِ نَاعِمًا [وَثُلُثَاهُ] سَمِيذًا خُشْكَنَانِيًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَثُرَ فِيهِ السَّمِيذُ زَادَتْ الزَّلَابِيَةُ بَيَاضًا، وَخِفَّةً فِي الْوَزْنِ، وَنُضْجًا غَيْر أَنَّ السَّمِيذَ يَشْرَبُ مِنْ الزَّيْتِ أَكْثَرَ مِنْ النَّاعِمِ، فَلِهَذَا يَكْرَهُونَهُ، وَأَجْوَدُ مَا قُلِيَتْ بِهِ الشَّيْرَجُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالزَّيْتُ الصَّافِي. وَلَا يَشْرَعُ فِي قَلْيِهَا حَتَّى يَخْتَمِرَ عَجْنُهَا، وَعَلَامَةُ اخْتِمَارِهَا أَنَّهَا تَطْفُو عَلَى وَجْهِ الزَّيْتِ، وَالْفَطِيرِ مِنْهَا يَرْسُبُ فِي أَسْفَلِ الْمَقْلَى، وَالْمُخْتَمِرُ أَيْضًا يَكُونُ مِثْلَ الْأَنَابِيبِ، إذَا جَمَعْتهَا فِي كَفِّك اجْتَمَعَتْ، وَالْفَطِيرُ تَكُونُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 مَرْضُوضَةً، وَلَيْسَ فِيهَا تَجْوِيفٌ. وَلَا يُجْعَلُ فِي عَجِينِهَا مِلْحٌ؛ لِأَنَّهَا تُؤْكَلُ بِالْعَسَلِ؛ فَتَغْثَى النَّفْسُ إذَا كَانَتْ بِالْمِلْحِ، وَأَمَّا سَوَادُ الزَّلَابِيَةِ فَقَدْ يَكُونُ مِنْ وَسَخِ الْمَقْلَى، وَقَدْ يَكُونُ دَقِيقُهَا نَاعِمًا لَا سَمِيذَ فِيهِ، أَوْ تَكُونُ مَقْلُوَّةً بِالزَّيْتِ الْمُعَادِ، وَهُوَ الَّذِي قُلِيَ بِهِ، وَرُبَّمَا تَكُونُ فَطِيرًا فَتَسْوَدُّ، وَرُبَّمَا جَارَتْ عَلَيْهَا النَّارُ لِسُوءِ الصِّنَاعَةِ؛ فَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ الْمُحْتَسِبُ جَمِيعَ ذَلِكَ. وَيَنْبَغِي أَنْ تُصْنَعَ سَلَالِمًا صِغَارًا لِطَافًا كُلُّ أَرْبَعِينَ مِنْهَا رِطْلٌ، وَمَتَى حَمُضَ عَجِينُهَا جَعَلَهُ [الصَّانِعُ] خَمِيرًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 [الْبَابُ التَّاسِعُ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْجَزَّارِينَ وَالْقَصَّابِينَ] الْبَابُ (13 أ) التَّاسِعُ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْجَزَّارِينَ، وَالْقَصَّابِينَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْجَزَّارُ مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا، يَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ عَلَى الذَّبِيحَةِ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَأَنْ يَنْحَرَ الْإِبِلَ مَعْقُولَةً، وَيَذْبَحَ الْبَقَرَ، وَالْغَنَمَ مُضْطَجِعَةً عَلَى الْجَنْبِ الْأَيْسَرِ؛ فَجَمِيعُ ذَلِكَ وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَا يَجُرُّ الشَّاةَ بِرِجْلِهَا جَرًّا عَنِيفًا، وَلَا يَذْبَحُ بِسِكِّينٍ كَالَّةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، وَيَلْزَمُهُ فِي الذَّبْحِ أَنْ يَقْطَعَ الْوَدَجَيْنِ وَالْمَرِيءَ، وَالْحُلْقُومَ، وَلَا يَشْرَعَ فِي السَّلْخِ بَعْدَ الذَّبْحِ حَتَّى تَبْرُدَ الشَّاةُ، وَيَخْرُجَ مِنْهَا الرُّوحُ؛؛ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْمَدِينَةِ، " لَا تُسْلَخُ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ حَتَّى تَبْرُدَ ". وَتَجُوزُ الذَّكَاةُ بِكُلِّ شَيْءٍ إلَّا السِّنَّ، وَالظُّفْرَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الذَّكَاةِ بِهِمَا، وَيُنْهِي الْمُحْتَسِبُ عَنْ نَفْخِ لَحْمِ الشَّاةِ بَعْدَ السَّلْخِ؛ لِأَنَّ نَكْهَةَ الْآدَمِيِّ تُغَيِّرُ اللَّحْمَ، وَتُزَفِّرُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَشُقُّ اللَّحْمَ مِنْ الصِّفَاقَيْنِ، وَيَنْفُخُ فِيهِ الْمَاءَ، وَلَهُمْ أَمَاكِنُ يَعْرِفُونَهَا فِي اللَّحْمِ يَنْفُخُونَ فِيهَا الْمَاءَ فَيُرَاعِيهِمْ الْمُحْتَسِبُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْعَرِيفِ، وَمِنْهُمْ مِنْ يُشْهِرُ فِي الْأَسْوَاقِ (13 ب) الْبَقَرَ السِّمَانَ، ثُمَّ يَذْبَحُ غَيْرَهَا، وَهَذَا تَدْلِيسٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 فَصْلٌ وَأَمَّا الْقَصَّابُونَ فَيَمْنَعُهُمْ الْمُحْتَسِبُ مِنْ إخْرَاجِ تُوَالِي اللَّحْمِ مِنْ حَدِّ مَصَاطِبِ حَوَانِيتِهِمْ، بَلْ تَكُونُ مُتَمَكِّنَةً فِي الدُّخُولِ عِنْدَ حَدِّ الْمِصْطَبَةِ وَالرُّكْنَيْنِ، لِئَلَّا تُلَاصِقُهَا ثِيَابُ النَّاسِ فَيَتَضَرَّرُونَ بِهَا. وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يُفْرِدُوا لُحُومَ الْمَعْزِ عَنْ لُحُومِ الضَّأْنِ، وَلَا يَخْلِطُوا بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، وَيُنَقِّطُوا لُحُومَ الْمَعْزِ بِالزَّعْفَرَانِ، لِتَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهَا، وَتَكُونُ أَذْنَابُ الْمَعْزِ مُعَلَّقَةً عَلَى لُحُومِهَا إلَى آخِرِ الْبَيْعِ، وَيُعْرَفُ لَحْمُ الْمَعْزِ بِبَيَاضِ شَحْمِهِ، وَدِقَّةِ ضِلْعِهِ. وَلَا يَخْلِطُونَ لُحُومَ الْمَعْزِ بِشُحُومِ الضَّأْنِ، وَلَا اللَّحْمَ السَّمِينَ بِاللَّحْمِ الْهَزِيلِ، وَيُعْرَفُ شَحْمُ الْمَعْزِ بِبَيَاضِهِ، وَصَفَائِهِ، وَشَحْمُ الضَّأْنِ بِعُلُوِّ صُفْرَتِهِ. وَيَأْمُرُهُمْ بِبَيْعِ الْأَلْيَاتِ مُفْرَدَةً عَنْ اللَّحْمِ، وَلَا يُخَالِطُهَا جِلْدٌ، وَلَا لَحْمٌ. وَإِذَا فَرَغَ [الْقَصَّابُ] مِنْ الْبَيْعِ، وَأَرَادَ الِانْصِرَافَ أَخَذَ مِلْحًا مَسْحُوقًا، وَنَثَرَهُ عَلَى الْقِرْمِيَّةِ الَّتِي يُقَصِّبُ عَلَيْهَا اللَّحْمَ، لِئَلَّا تَلْحَسَهَا الْكِلَابُ، أَوْ يَدِبَّ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ؛ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مِلْحًا، وَإِلَّا فَالْأُشْنَانُ الْمَسْحُوقُ يَقُومُ مَقَامَهُ. وَالْمَصْلَحَةُ أَنْ لَا يُشَارِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، لِئَلَّا يَتَّفِقُوا عَلَى سِعْرٍ وَاحِدٍ. وَيَمْنَعُهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ (وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ [الْقَصَّابُ] الشَّاةَ بِأَرْطَالِ لَحْمٍ مَعْلُومَةٍ، وَيَدْفَعَ إلَيْهِ [الْجَزَّارُ] كُلَّ (14 أ) يَوْمٍ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَإِذَا شَكَّ الْمُحْتَسِبُ فِي الْحَيَوَانِ - هَلْ هُوَ مَيْتَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 أَوْ مَذْبُوحٌ - أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ، فَإِنْ رَسَبَ فَهُوَ مَذْبُوحٌ، وَإِنْ لَمْ يَرْسُبْ فَهُوَ مَيْتَةٌ، وَكَذَلِكَ الْبَيْضُ إذَا طُرِحَ فِي الْمَاءِ، فَمَا كَانَ مَذِرًا فَهُوَ يَطْفُو، وَمَا كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ يَرْسُبُ. وَيَعْتَبِرُ [الْمُحْتَسِبُ] عَلَى صَيَّادِي الْعَصَافِيرِ، وَسَائِرِ الطُّيُورِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا دِينَ لَهُ، [، وَأَكْثَرُهُمْ لَا يُصَلُّونَ. فَلْيَتَّقِ اللَّهَ الْمُحْتَسِبُ فِي أَمْرِهِ، وَلَا يَتَنَاوَلُ مِنْهُمْ رِشْوَةً، وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدِيَّةً، لِئَلَّا يَتَسَلَّطُوا بِذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُنَجِّسُوا مَعَايِشَهُمْ] ، وَرُبَّمَا اخْتَلَطَ مَعَهُمْ شَيْءٌ مِنْ الطُّيُورِ الْمَيِّتَةِ فَبَاعُوهُ مَعَ الْمَذْبُوحَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 [الْبَابُ الْعَاشِرُ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الشَّوَّائِينَ] َ يَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَزِنَ عَلَيْهِمْ الْحِمْلَانِ قَبْلَ إنْزَالِهَا فِي التَّنُّورِ "، وَيَكْتُبَهَا فِي دَفْتَرِهِ، ثُمَّ يُعِيدَهَا إلَى الْوَزْنِ بَعْدَ إخْرَاجِهَا. فَإِنْ كَانَ [الشِّوَاءُ] قَدْ نَقَصَ مِنْهُ الثُّلُثُ فَقَدْ تَنَاهَى نُضْجُهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ أَعَادَهُ إلَى التَّنُّورِ. وَيَعْتَبِرُهُ عِنْدَ وَزْنِهِ وَهُوَ لَحْمٌ، لِئَلَّا يُخْفُوا فِيهِ صَنْجَ الْحَدِيدِ، وَثَقَاقِيلُ الرَّصَاصِ. وَعَلَامَةُ نُضْجِ الشِّوَاءِ أَنْ يَجْذِبَ الْكَتِفَ بِسُرْعَةٍ، فَإِنْ جَاءَتْ فَقَدْ انْتَهَى فِي النُّضْجِ، وَأَيْضًا يَشُقُّ الْوَرِكَ، فَإِنْ ظَهَرَ فِيهَا عُرُوقٌ حُمْرٌ، وَنَزَلَ مِنْهَا مَاءُ اللَّحْمِ، فَهُوَ نِيءٌ وَلَمْ يَنْضَجْ. وَمِنْهُمْ مِنْ يَدْهِنُ الْحِمْلَانَ بِالْعَسَلِ، ثُمَّ يُنْزِلُهَا بِالتَّنُّورِ، فَإِنَّهَا فِي الْحَالِ تَحْمَرُّ (14 ب) ، وَيَظْهَرُ فِيهَا نَفْحٌ، فَيَنْظُرُ الرَّائِي لَهَا أَنَّهَا قَدْ نَضِجَتْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَذْبَحُ حِمْلَانًا كَثِيرَةً، ثُمَّ يَحْمِلُ بَعْضَهَا إلَى الْمُحْتَسِبِ، وَيُخْفِي الْبَاقِيَ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُغَمَّ الشِّوَاءُ حَالَةَ إخْرَاجِهِ مِنْ التَّنُّورِ، وَلَا يُوضَعُ فِي أَوَانِي الرَّصَاصِ [، وَلَا النُّحَاسِ] ، وَهُوَ حَارٌّ، فَقَدْ قَالَتْ الْأَطِبَّاءُ إنَّهُ يَسْتَحِيلُ سُمًّا. وَيَأْمُرُهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] أَنْ يُطَيِّنُوا تَنَانِيرَهُمْ بِطِينٍ حَرٍّ قَدْ عُجِنَ بِمَاءٍ طَاهِرٍ، فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الطِّينَ مِنْ أَرَاضِي حَوَانِيتِهِمْ، وَهُوَ مُخْتَلِطٌ بِالدَّمِ، وَالْفَرْثِ، وَذَلِكَ نَجِسٌ، وَرُبَّمَا انْتَثَرَ عَلَى الشِّوَاءِ مِنْهُ شَيْءٌ عِنْدَ فَتْحِ التَّنُّورِ، فَيُنَجَّسُ. فَصْلٌ: وَأَمَّا بَاعَةُ الشِّوَاءِ الْمَرْضُوضِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَضَعُ الْمَاءَ، وَالْمِلْحَ فِي قَدَحٍ عِنْدَهُ، وَيَضَعُ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 قَلِيلًا مِنْ [مَاءِ] اللَّيْمُونِ، ثُمَّ يُفَرِّقُهُ عَلَى الْمُشْتَرِينَ عِنْدَ رَضِّ الشِّوَاءِ، وَيَرُشُّهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَفْضُلُ مِنْهُ فَضْلَةٌ فِي لَيَالِي الصَّيْفِ، فَيُصْبِحُ مُتَغَيِّرًا مِنْ الدُّهْنِ الَّذِي يَقْطُرُ عَلَيْهِ، فَيَمْزُجُونَهُ بِاللَّيْمُونِ الطَّرِيِّ، لِيُخْفِيَ رَائِحَتَهُ، وَطَعْمَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَمِنْهُمْ مِنْ يَشْتَرِي الرُّوسَ الْمَغْمُومَةَ عِنْدَ كَسَادِهَا، ثُمَّ يَنْشُرُ لَحْمَهَا عَلَى الْقَرْمَةِ، ثُمَّ يَرُضُّهُ مَعَ الشِّوَاءِ قَلِيلًا قَلِيلًا، وَرُبَّمَا رَضُّوا مَعَهُ الْكُلَى، وَالْكُبُودَ عَلَى غَفْلَةٍ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَجَمِيعُ هَذَا تَدْلِيسٌ، يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَعْتَبِرَهُ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا فَرَغُوا مِنْ الْبَيْعِ، وَأَرَادُوا (15 أ) الِانْصِرَافَ، نَثَرُوا عَلَى قُرُمِهِمْ الْمِلْحَ [الْمَسْحُوقَ] ، كَمَا قُلْنَا فِي الْقَصَّابِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 [الْبَابُ الْحَادِي عَشْرَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الرَّوَّاسِينَ] َ يَأْمُرُهُمْ بِنَظَافَةِ سَمْطِ الرُّوسِ وَالْأَكَارِعِ بِالْمَاءِ الشَّدِيدِ الْحَرَارَةِ، وَجَوْدَةِ تَنْقِيَةِ الشَّعْرِ [وَالصُّوفِ] مِنْهَا، ثُمَّ تُغْسَلُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ، غَيْرَ الَّذِي سُمِطَتْ فِيهِ. وَ [يَجِبُ عَلَى الرَّوَّاسِ أَنْ] يَضُمَّ إصْبَعَهُ فِي الْخَيَاشِيمِ، وَيَغْسِلَ دَاخِلَهَا، بَعْدَ أَنْ يَدُقَّ مَقْدِمَهَا، وَيُنْزِلَ مَا فِيهِ مِنْ الْقَذَى، وَالْوَسَخِ، وَالدُّودِ الْمُتَوَلِّدِ، إنْ كَانَ هُنَاكَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَخْلِطُونَ رُوسَ الْمَعْزِ بِالضَّأْنِ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَيَجْعَلُونَ فِي أَفْوَاهِ رُوسِ الْمَعْزِ كَوَارِعَهَا، لِتَتَمَيَّزَ عَنْ الضَّأْنِ، وَلَا تَشْتَبِهَ عَلَى الْجَاهِلِ، وَعَلَامَةُ رُوسِ الضَّأْنِ أَنَّ تَحْتَ كُلِّ عَيْنٍ ثُقْبًا، وَلَيْسَ تَحْتَ عُيُونِ الْمَعْزِ شَيْءٌ، وَأَيْضًا، إنَّ خُرْطُومَ الْمَعْزِ دَقِيقٌ مِنْ أَصْلِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الضَّأْنُ، وَرُبَّمَا كَسَدَتْ عِنْدَهُمْ الرُّوسُ، [فَيَخْلِطُونَهَا مِنْ الْغَدِ بِالرُّوسِ] الطَّرِيَّةِ. وَعَلَامَةُ الْبَائِتِ [مِنْهَا] أَنَّك تَنْسِلُ الْعَظْمَ الدَّقِيقَ الَّذِي فِي الْمَبْلَعِ الْمُسَمَّى بِالشَّوْكَةِ، ثُمَّ تُشَمُّ رَائِحَتُهُ، فَإِنْ كَانَ مُتَغَيِّرًا فَهُوَ بَائِتٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِي دُهْنَ الْأَبْدَانِ الْقَاطِرِ مِنْ الشِّوَاءِ، وَيَخْلِطُهُ بِدُهْنِ الْأَكَارِعِ، وَيَسْقِي بِهِ الثَّرِيدَةَ؛ فَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ الْمُحْتَسِبُ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَلَا يُخْرِجُ الرُّوسَ مِنْ (15 ب) الْغُمَّةِ حَتَّى يَنْتَهِيَ نُضْجُهَا، وَيَكُونُ عِنْدَهُ الْمِلْحُ، وَالسُّمَّاقِ مَسْحُوقِينَ لِيَنْثُرَهُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْبَيْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 [الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ الْحِسْبَةُ عَلَى قَلَّائِي السَّمَكِ] ِ يُؤْمَرُونَ كُلَّ يَوْمٍ بِغَسْلِ قِفَافِهِمْ، وَأَطْبَاقِهِمْ الَّتِي يَحْمِلُونَ فِيهَا السَّمَكَ، وَيَنْثُرُونَ فِيهَا الْمِلْحَ الْمَسْحُوقَ، كُلَّ لَيْلَةٍ بَعْدَ الْغَسْلِ؛ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ بِمَوَازِينِهِمْ الْخُوصَ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا غَفَلُوا عَنْ غَسْلِهَا فَاحَ نَتْنُهَا، وَكَثُرَ وَسَخُهَا، فَإِذَا وُضِعَ فِيهَا السَّمَكُ الطَّرِيُّ تَغَيَّرَ رِيحُهُ وَفَسَدَ طَعْمُهُ، وَيُبَالِغُونَ فِي غَسْلِ السَّمَكِ بَعْد شَقِّهِ، وَتَنْظِيفِهِ وَتَنْقِيَتِهِ مِنْ جِلْدِهِ، وَفُلُوسِهِ، ثُمَّ يَنْثُرُونَ عَلَيْهِ الْمِلْحَ، وَالدَّقِيقَ -[وَشَرْطُ الْعَشَرَةِ أَرْطَالٍ، رِطْلُ دَقِيقٍ] ، ثُمَّ يَقْلُونَهُ بَعْدَ أَنْ يَجِفَّ مِنْ نَدَاوَتِهِ. وَلَا يَخْلِطُونَ السَّمَكَ الْبَائِتَ بِالطَّرِيِّ، وَعَلَامَةُ الطَّرِيِّ أَنَّ خَيَاشِيمَهُ مُحْمَرَّةٌ، وَالْبَائِتُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَيَنْبَغِي لِلْعَرِيفِ أَنْ يَتَفَقَّدَ الْمَقْلِيَّ كُلَّ سَاعَةٍ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُحْتَسِبِ عَنْهُ؛ لِئَلَّا يَقْلُوهُ بِدُهْنِ الشَّحْمِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ بُطُونِ السَّمَكِ، وَيَخْلِطُوا هَذَا الدُّهْنَ بِالزَّيْتِ عِنْدَ قَلْيِهِ. [، وَأَجْوَدُ مَا قُلِيَ بِهِ الشَّيْرَجُ] ، وَلَا يَقْلُونَهُ بِالزَّيْتِ الْمُعَادِ إذَا كَانَ مُتَغَيِّرَ الرَّائِحَةِ، وَلَا يُخْرِجُونَ السَّمَكَ [مِنْ] الْمَقْلِيِّ حَتَّى يَنْتَهِيَ نُضْجُهُ، مِنْ غَيْرِ سَلْقٍ وَ [لَا] احْتِرَاقٍ. فَصْلٌ وَأَمَّا السَّمَكُ الَّذِي يُحْمَلُ إلَى الْبِلَادِ (16 أ) أَوْ يُكْسَدُ فِي الْمَخَازِنِ، [كَالْفَسِيخِ، وَالْبَطَارِخِ] فَلَا تُقَشَّرُ فُلُوسُهُ، [، وَلَكِنْ] يُوَثَّقُ بِالْمِلْحِ، سِيَّمَا رُءُوسُهُ، وَخَيَاشِيمُهُ، فَإِنَّ الدُّودَ أَوَّلَ مَا يَتَوَلَّدُ فِيهَا؛ وَمَتَى مَذِرَ السَّمَكُ الْمَكْسُودُ وَالطَّرِيحُ، وَجَبَ أَنْ يُرْمَى عَلَى الْمَزَابِلِ خَارِجَ الْبَلَدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 [الْبَابُ الثَّالِثُ عَشْرَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الطَّبَّاخِينَ] َ يُؤْمَرُونَ بِتَغْطِيَةِ أَوَانِيهِمْ، وَحِفْظِهَا مِنْ الذُّبَابِ، وَهَوَامِّ الْأَرْضِ، بَعْدَ غَسْلِهَا بِالْمَاءِ الْحَارِّ، وَالْأُشْنَانِ، وَأَلَّا يَطْبُخُوا لُحُومَ الْمَعْزِ مَعَ لُحُومِ الضَّأْنِ، وَلَا لُحُومَ الْإِبِلِ مَعَ لُحُومِ الْبَقَرِ، لِئَلَّا يَأْكُلَهَا نَاقِهٌ مِنْ الْمَرَضِ فَتَكُونُ سَبَبًا لِنَكْسِهِ. وَيَعْتَبِرُ [الْمُحْتَسِبُ] عَلَيْهِمْ كَثْرَةَ الْإِدَام، وَقِلَّةَ اللَّحْمِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسُلُّونَ الدُّهْنَ، وَيُفْرِغُونَهُ فِي الْقِدْرِ، فَيَطْفُو عَلَى وَجْهِ الطَّعَامِ، فَيَغْتَرُّ بِهِ النَّاسُ، وَيَظُنُّونَ مِنْ كَثْرَةِ اللَّحْمِ. وَعَلَامَةُ لَحْمِ الْمَعْزِ فِي الْقِدْرِ سَوَادُهَا، وَزُهُومَتُهَا، وَدِقَّةُ عِظَامِهَا، وَيُعْتَبَرُ عَلَيْهِمْ مَا يَغُشُّونَ بِهِ الْأَطْعِمَةَ، فَإِنَّهُمْ يَغُشُّونَ الْمَضِيرَةَ بِالدَّقِيقِ، فَيَزِيدُ فِي وَزْنِهَا، وَيَعْقِدُهَا؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْقِدُهَا بِدَقِيقِ الْأَرُزِّ وَالسَّمِيذِ النَّاعِمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ الْبَهَطَّةَ بِالْقُلْقَاسِ، وَعَلَامَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَيْلُ الطَّعَامِ إلَى السُّمْرَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ (16 ب) يَعْقِدُ اللَّبَنِيَّةَ بِالْكُسْبِ أَوْ بِالنَّشَا. وَلَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ أُنَبِّهَ مَنْ لَا دِينَ لَهُ عَلَى غِشِّ الْأَطْعِمَةِ، لَذَكَرْت مِنْ ذَلِكَ جُمَلًا كَثِيرَةً فِي اخْتِلَافِ أَشْيَاءَ مِنْ عَنَاصِرِهَا، وَلَكِنِّي أَعْرَضْت عَنْ ذِكْرِهَا مَخَافَةً مِمَّنْ يَتَعَلَّمُهَا، فَيُعَلِّمُهَا لِلنَّاسِ. وَقَدْ ذَكَرَ يَعْقُوبُ الْكِنْدِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ بِاسْمِ " كِيمْيَاءُ الطَّبَائِخِ " أَلْوَانَ لَحْمٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 تُطْبَخُ مِنْ غَيْرِ لَحْمٍ، وَقَلْيَ كُبُودٍ مِنْ غَيْرِ كُبُودٍ، وَمُخٍّ مِنْ غَيْرِ مُخٍّ، وَنَقَانِقُ، وَطَرْدَيْنِ مِنْ غَيْرِ لَحْمٍ، وَعُجَّةٌ مِنْ غَيْرِ بَيْضٍ، وَجُوذَابٌ مِنْ غَيْرِ أَرُزٍّ، وَحَلَاوَةٌ مِنْ غَيْرِ عَسَلٍ، وَلَا سُكَّرٍ، وَأَلْوَانٌ كَثِيرَةٌ مِنْ غَيْرِ عَنَاصِرِهَا يَطُولُ شَرْحُهَا، لَا يَهْتَدِي إلَيْهَا الطَّبَّاخُونَ، فَأَمْسَكْت عَنْ ذِكْرِهَا. فَيَعْتَبِرُ [الْمُحْتَسِبُ] عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، لِئَلَّا يَكُونَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 [الْبَابُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الهرائسيين] أَوْسَطُ عِيَارِ الْهَرِيسَةِ - مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ عَلَى الهرائسيين، وَلَا تَعْسِيرَ عَلَى النَّاسِ - لِكُلِّ صَاعٍ مِنْ الْقَمْحِ ثَمَانِيَ أَوَاقٍ مِنْ لَحْمِ الضَّأْنِ، وَرِطْلٌ مِنْ لَحْمِ الْبَقَرِ، وَيَكُونُ لَحْمُ الْهَرِيسَةِ سَمِينًا فَتِيًّا، نَقِيًّا مِنْ الدَّرَنِ وَالْغُدَدِ، وَالْعُرُوقِ، وَالْأَعْصَابِ، طَرِيًّا غَيْرَ غَثٍّ، وَلَا مُتَغَيِّرِ الرَّائِحَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ فِي الْمَاءِ، وَالْمِلْحِ سَاعَةً (17 أ) ، حَتَّى يَخْرُجَ مَا فِي بَطْنِهِ مِنْ الدَّمِ، ثُمَّ يُخْرَجَ، وَيُغْسَلَ بِمَاءٍ غَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ يُنْزَلَ فِي الْقِدْرِ بِحَضْرَةِ الْعَرِيفِ، ثُمَّ يُخْتَمُ بِخَاتَمِ الْمُحْتَسِبِ. فَإِذَا كَانَ وَقْتُ السَّحَرِ حَضَرَ الْعَرِيفُ، وَكَسَرَ الْخَاتَمَ، وَهَرَسُوهَا بِحَضْرَةِ الْعَرِيفِ، لِئَلَّا يَشِيلُوا اللَّحْمَ مِنْهَا، وَيُعِيدُوهُ إلَيْهَا مِنْ الْغَدِ، فَأَكْثَرُهُمْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، إذَا لَمْ يُخْتَمْ عَلَيْهِ الْقِدْرُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشَّ الْهَرِيسَةَ بِالْقُلْقَاسِ الْمُدَبَّرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْتَاعُ الرُّوسَ الْمَغْمُومَةَ عِنْدَ كَسَادِهَا رَخِيصَةً، ثُمَّ يَنْسِلُ لَحْمَهَا [وَيَجْعَلُهُ] فِي الْهَرِيسَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْلُقُ لَحْمَ الْبَقَرِ أَوْ لَحْمَ الْجَمَلِ، ثُمَّ يُجَفِّفُهُ وَيَدَّخِرُهُ عِنْدَهُ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ الْعَمَلُ نَقَعَهُ فِي الْمَاءِ الْحَارِّ سَاعَةً، ثُمَّ، وَضَعَهُ فِي الْهَرِيسَةِ. وَرُبَّمَا بَقِيَ عِنْدَهُمْ فِي الْقُدُورِ فَضْلَةٌ، فَخَلَطُوهَا فِي الْهَرِيسَةِ مِنْ الْغَدِ. فَيُرَاعِي الْمُحْتَسِبُ جَمِيعَ ذَلِكَ بِالْخَتْمِ. فَصْلٌ: وَيَكُونُ دُهْنُ الْهَرِيسَةِ طَرِيًّا طَيِّبَ الرَّائِحَةِ، قَدْ عَمِلَ فِيهِ عِنْدَ سَلْيِهِ الْمُصْطَكَا وَالدَّارَصِينِيّ، وَيَعْتَبِرُ [الْمُحْتَسِبُ] مَا يَغُشُّونَ بِهِ الدُّهْنَ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ عِظَامَ الْبَقَرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وَالْجَمَالِ، وَالرُّوسِ، ثُمَّ يَسْلُقُهَا سَلْقًا جَيِّدًا، فَيَخْرُجُ مِنْهَا دُهْنٌ كَثِيرٌ، فَيَمْزُجُونَهُ بِدُهْنِ الْهَرِيسَةِ، وَالطَّرِيقُ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنَّك تُقَطِّرُ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى بَلَاطَةٍ، فَإِنْ سَالَ، وَلَمْ يَجْمُدْ، أَوْ كَانَ لَوْنُهُ مُشِفًّا، فَهُوَ مَغْشُوشٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَيَأْمُرُهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] بِغَسْلِ قُدُورِ الدُّهْنِ وَتَنْظِيفِهَا، وَتَمْلِيحِهَا، لِئَلَّا تَتَغَيَّرَ رَائِحَتُهَا، وَطَعْمُهَا، فَيَتَوَلَّدُ فِيهَا الدُّودُ، فَإِذَا (17 ب) أُعِيدَ الدُّهْنُ [إلَيْهَا] ثَانِيًا صَارَ مُتَغَيِّرًا [فِي الرَّائِحَةِ، وَالطَّعْمِ] ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 [الْبَابُ الْخَامِسَ عَشَرَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى النقانقيين] الْأُولَى أَنْ تَكُونَ مَوَاضِعُهُمْ الَّتِي يَصْنَعُونَ فِيهَا النَّقَانِقَ بِقُرْبِ دِكَّةِ الْمُحْتَسِبِ، لِيُرَاعِيَهُمْ بِعَيْنِهِ، فَإِنَّ غِشَّهُمْ فِيهَا كَثِيرٌ [لَا يَكَادُ يُعْرَفُ] ، وَيَأْمُرُهُمْ بِتَنْقِيَةِ اللَّحْمِ، وَجَوْدَتِهِ، وَاسْتِسْمَانِهِ، وَنُعُومَةِ دَقِّهِ عَلَى الْقُرَمِ النَّظِيفَةِ. وَلْيَكُنْ عِنْدَهُ وَاحِدٌ حِينَ يَدُقَّ اللَّحْمَ، بِمِذَبَّةٍ يَطْرُدُ [بِهَا] الذُّبَابَ، وَلَا يَخْلِطُونَ مَعَهُ الْبَصَلَ، وَالْأَبَازِيرَ وَالتَّوَابِلَ إلَّا بِحَضْرَةِ الْعَرِيفِ، لِيَعْلَمَ مِقْدَارَهُ بِالْوَزْنِ، ثُمَّ يَحْشُونَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَصَارِينِ النَّقِيَّةِ. وَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ مَا يَغُشُّونَ بِهِ النَّقَانِقَ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهَا بِلُحُومِ الرُّوسِ الْمَغْمُومَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهَا بِالْكُبُودِ، وَالْكُلَى، وَالْقُلُوبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهَا بِاللُّحُومِ الْوَاقِعَةِ الْهَزِيلَةِ، أَوْ يَخْلِطُهَا بِلُحُومِ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ الْوَاقِعَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَرُشُّ الْمَاءَ عَلَى اللَّحْمِ وَقْتَ دَقَّهُ، [فَيَمْنَعُهُمْ الْمُحْتَسِبُ مِنْ ذَلِكَ] ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْشُو السنبوسك بِلُحُومِ السَّمَكِ الْمَشْوِيَّةِ، وَالتَّوَابِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهَا بِالْبَاقِلَّا الْمُنَبَّتِ الْمَقْشُورِ، وَبَيَاضِ الْبَصَلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وَيُعْرَفُ جَمِيعُ ذَلِكَ بِأَنْ يَشُقَّ [الْمُحْتَسِبُ] النَّقَانِقَ قَبْلَ قَلْيِهَا، فَيُظْهِرَ مَا فِيهَا لِلْعَيْنِ. وَإِذَا وُضِعَتْ فِي الْمِقْلَاةِ فَلَا تَكَادُ تُعْرَفُ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْخُسُونَهَا بِالسَّفُّودِ إذَا قَارَبَتْ النُّضْجَ، فَيَسِيلُ مَا فِيهَا مِنْ الْغِشِّ، وَتُنْضِجُهُ النَّارُ، فَلَا يُعْرَفُ، وَيَكُونُ دُهْنُهَا الَّذِي تُقْلَى بِهِ (18 أ) طَيِّبَ الطَّعْمِ، وَالرَّائِحَةِ غَيْرَ عَتِيقٍ، وَلَا مُتَغَيِّرٍ، ثُمَّ يَنْثُرُونَ عَلَيْهَا بَعْدَ قَلْيِهَا الْأَبَازِيرَ الطَّيِّبَةَ، وَالتَّوَابِلَ الْمَسْحُوقَةَ الصَّالِحَةَ لَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 [الْبَابُ السَّادِسَ عَشَرَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْحَلْوَانِيِّينَ] َ الْحَلْوَى أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ، وَأَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ، لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِصِفَةٍ وَ [لَا] عِيَارٍ، أَخْلَاطُهَا عَلَى قَدْرِ أَنْوَاعِهَا، مِثْلُ النَّشَا، وَاللَّوْزِ، وَالْخَشْخَاشِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَقَدْ يَكُونُ [ذَلِكَ] كَثِيرًا فِي نَوْعٍ، وَقَلِيلًا فِي نَوْعٍ آخَرَ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ فِي [مَعْرِفَةِ] ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى الْعَرِيفِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْحَلْوَى تَامَّةَ النُّضْجِ، غَيْرَ نِيئَةٍ، وَلَا مُحْتَرِقَةٍ، وَلَا تَبْرَحُ الْمِذَبَّةُ فِي يَدِهِ، يَطْرُدُ عَنْهَا الذُّبَابَ، وَيَعْتَبِرُ [الْمُحْتَسَبِ] عَلَيْهِمْ مَا يَغُشُّونَ بِهِ الْحَلْوَى، فَإِنَّهُ كَثِيرٌ: فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَمْزُجُونَ الْعَسَلَ النَّحْلَ بِرُبِّ الْكَرْمِ [وَعَلَامَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ إذَا حُمِلَ عَلَى النَّارِ ظَهَرَتْ رَائِحَةُ الرُّبِّ] ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْزُجُ الْعَسَلَ الْقَصَبَ -[وَهُوَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْقَطَّارَةَ]- بِالدِّبْسِ، وَعَلَامَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ يَرْكُدُ فِي أَسْفَلِ الْإِنَاءِ. وَمِنْ الْحَلْوَى مَا يُغَشُّ بِالدَّقِيقِ، وَالنَّشَا - وَبِدَقِيقِ الْأُرْزِ، وَبِدَقِيقِ الْعَدَسِ، وَبِقِشْرِ السِّمْسِمِ - وَعَلَامَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ يَطْفُو عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ إذَا طُرِحَ فِيهِ، وَقَدْ يَغُشُّونَ نَاطِفَ الْخَشْخَاشِ بِالسَّمِيذِ، وَعَلَامَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ يَطْفُو عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَظْهَرُ فِي مُكَسَّرِهِ، وَقَدْ يَغُشُّونَ النَّاطِفَ الْهِيَاجَيَّ بِالسَّمِيذِ الْمَقْلُوِّ بِالْكِشْكِ (18 ب) ، وَقَدْ يَغُشُّونَ النَّاطِفَ الْأَصْفَرَ بِالْفَتِيتِ، وَعَلَامَةُ غِشِّ الْجَمِيعِ أَنَّهُ يَطْفُو عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وَجْهِ الْمَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشَّ البسندود بِالْفَتِيتِ، وَرُبَّمَا عَمِلُوهُ بِدَقِيقِ الْعَدَسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ كَعْبَ الْغَزَالِ، وَالْمُشَاشَ بِالْقَنْدِ، وَعَلَامَةُ غِشِّهِ مَيْلُهُ إلَى السُّمْرَةِ، وَالسَّوَادِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ الزَّلَابِيَةَ الْمُشَبَّكَةَ بِالْقَنْدِ الْمَحْلُولِ، عِوَضًا عَنْ الْعَسَلِ، وَقَدْ يَغُشُّونَ الْخَبَائِصَ النَّاعِمَةَ، وَالرَّطْبَةَ وَالصَّابُونِيَّةَ بِالنَّشَا الْخَارِجِ عَنْ الْحَدِّ، وَعَلَامَةُ غِشّهَا أَنَّهَا تَتَفَتَّتُ، وَإِذَا بَاتَتْ خُمِّرَتْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ النَّوْبِيَّةَ بِالدَّقِيقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ الخشكنانج الَّذِي يُخْبَزُ فِي التَّنُّورِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مَغْشُوشًا، وَقَعَ فِي التَّنُّورِ وَسَقَطَ، وَجَمِيعُ غُشُوشِ الْحَلَاوَةِ لَا تَخْفَى فِي مَنْظَرِهَا، وَذَوْقِهَا، فَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ الْمُحْتَسِبُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 [الْبَابُ السَّابِعَ عَشَرَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الصَّيَادِلَةِ] ِ تَدْلِيسُ هَذَا الْبَابِ، وَاَلَّذِي بَعْدَهُ كَثِيرٌ، لَا يُمْكِنُ حَصْرُ مَعْرِفَتِهِ عَلَى التَّمَامِ. فَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ نَظَرَ فِيهِ، وَعَرَفَ اسْتِخْرَاجَ غُشُوشِهِ، فَكَتَبَهَا فِي حَوَاشِيهِ تَقْرِيبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَهِيَ أَضَرُّ عَلَى الْخَلْقِ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْعَقَاقِيرَ، وَالْأَشْرِبَةَ مُخْتَلِفَةُ الطَّبَائِعِ، وَالْأَمْزِجَةِ، وَالتَّدَاوِي عَلَى قَدْرِ أَمْزِجَتِهَا. فَمِنْهَا مَا يَصْلُحُ (19 أ) لِمَرَضٍ وَمِزَاجٍ، فَإِذَا أُضِيفَ إلَيْهَا غَيْرُهَا أَحْرَفَهَا عَنْ مِزَاجِهَا، فَأَضَرَّتْ بِالْمَرِيضِ لَا مَحَالَةَ؛ فَالْوَاجِبُ عَلَى الصَّيَادِلَةِ أَنْ يُرَاقِبُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يُخَوِّفَهُمْ، وَيَعِظَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ الْعُقُوبَةَ، وَالتَّعْزِيرَ، وَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ عَقَاقِيرَهُمْ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ. فَمِنْ غُشُوشِهِمْ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُمْ يَغُشُّونَ الْأَفْيُونَ الْمِصْرِيَّ بِشِيَافِ ماميتا، وَيَغُشُّونَهُ أَيْضًا بِعُصَارَةِ، وَرَقِ الْخَسِّ الْبَرِّيِّ، وَيَغُشُّونَهُ أَيْضًا بِالصَّمْغِ. وَعَلَامَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ إذَا أُذِيبَ بِالْمَاءِ ظَهَرَتْ لَهُ رَائِحَةٌ كَرَائِحَةِ الزَّعْفَرَانِ، إنْ كَانَ مَغْشُوشًا بالماميتا، وَإِنْ كَانَتْ رَائِحَتُهُ ضَعِيفَةً، وَهُوَ خَشِنٌ، كَانَ مَغْشُوشًا بِعُصَارَةِ الْخَسِّ؛ وَاَلَّذِي هُوَ مُرٌّ صَافِي اللَّوْنِ ضَعِيفُ الْقُوَّةِ، يَكُونُ مَغْشُوشًا بِالصَّمْغِ. وَقَدْ يَغْشَوْنَ الراوند [الصِّينِيَّ] بِنَبْتَةِ يُقَالُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 لَهَا: رَاوَنْدُ الدَّوَابِّ تَنْبُتُ بِالشَّامِ. وَعَلَامَةُ غِشِّهِ أَنَّ الراوند الْجَيِّدَ هُوَ الْأَحْمَرُ الَّذِي لَا رَائِحَةَ لَهُ، وَيَكُونُ خَفِيفًا، وَأَقْوَاهُ الَّذِي يَسْلَمُ مِنْ السُّوسِ، وَإِذَا نُقِعَ [فِي الْمَاءِ] كَانَ فِي لَوْنِهِ صُفْرَةٌ، وَمَا خَالَفَ هَذِهِ الصِّفَةَ كَانَ مَغْشُوشًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ يَغُشُّونَ الطَّبَاشِيرَ بِالْعِظَامِ الْمَحْرُوقَةِ فِي الْأَتَاتِينَ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهَا أَنَّهَا إذَا طُرِحَتْ فِي الْمَاءِ رَسَبَ الْعَظْمُ، وَطَفَا الطَّبَاشِيرُ، وَقَدْ يُغَشُّونَ اللِّبَانَ الذَّكَرَ (19 ب) بالقلفونية، وَالصَّمْغِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ إذَا طُرِحَ فِي النَّارِ الْتَهَبَتْ القلفونية، وَدَخَّنَتْ وَفَاحَتْ رَائِحَتُهَا، وَقَدْ يَغُشُّونَ التَّمْرَ هِنْدِيَّ بِلَحْمِ الْإِجَّاصِ، وَقَدْ يَغُشُّونَ الْحَضَضَ بِعَكِرِ الزَّيْتِ، وَمَرَائِرِ الْبَقَرِ؛ فِي وَقْتِ طَبْخِهِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ إذَا طُرِحَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي النَّارِ فَإِنَّ الْخَالِصَ يَلْتَهِبُ، ثُمَّ إذَا أَطْفَيْتَهُ بَعْدَ الِالْتِهَابِ يَصِيرُ لَهُ رَغْوَةٌ كَلَوْنِ الدَّمِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجَيِّدَ مِنْهُ أَسْوَدُ، وَيُرَى دَاخِلُهُ يَاقُوتِيُّ اللَّوْنِ، وَمَا لَا يَلْتَهِبُ وَمَا لَا يُرَغِّي يَكُونُ مَغْشُوشًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ يَغُشُّونَ الْقُسْطَ بِأُصُولِ الرَّاسِنِ. وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّ الْقُسْطَ لَهُ رَائِحَةٌ، وَإِذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وُضِعَ عَلَى اللِّسَانِ يَكُونُ لَهُ طَعْمٌ، وَالرَّاسِنُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَقَدْ يَغُشُّونَ زُغْبَ السُّنْبُلِ بِزُغْبِ الْقُلْقَاسِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ بِوَضْعِهِ فِي الْفَمِ يُغْثِي، وَيُحَرِّقُ. وَقَدْ يَغُشُّونَ الأفربيون بِالْبَاقِلَّا الْيَابِسِ الْمَدْقُوقِ، وَقَدْ يَغُشُّونَ الْمَصْطَكَى بِصَمْغِ الْأَبْهَلِ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَغُشُّ الْمُقْلَ بِالصَّمْغِ الْقَوِيِّ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّ الْهِنْدِيَّ تَكُونُ لَهُ رَائِحَةٌ ظَاهِرَةٌ إذَا بُخِّرَ بِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَرَارَةٌ. والأفتيمون الإقريطشي يَغُشُّونَهُ بِالشَّامِيِّ، وَلَيْسَ بِضَارٍ، وَيَغُشُّونَهُ أَيْضًا بِزُغْبِ البسبايج، وَمِنْهُمْ مِنْ يَغُشُّ الْمَحْمُودَةَ بِلَبَنِ الْيَتُوعِ الْمُجَمَّدِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهَا أَنْ تُوضَعَ عَلَى اللِّسَانِ، فَإِنْ قَرَصَتْهُ فَهِيَ (20 أ) مَغْشُوشَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهَا أَيْضًا بِنِشَارَةِ الْقُرُونِ، وَتُعْجَنُ بِمَاءِ الصَّمْغِ عَلَى هَيْئَةِ الْمَحْمُودَةِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهَا بِدَقِيقِ الْبَاقِلَّا، وَدَقِيقِ الْحِمَّصِ. وَمَعْرِفَةُ غِشِّ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْخَالِصَةَ صَافِيَةُ اللَّوْنِ مِثْلُ الغرى، وَالْمَغْشُوشَةَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَقَدْ يَغُشُّونَ الْمُرَّ بِالصَّمْغِ الْمَنْقُوعِ فِي الْمَاءِ، وَصِفَةُ غِشِّهِ أَنَّ الْخَالِصَ يَكُونُ خَفِيفًا، وَلَوْنُهُ وَاحِدٌ، وَإِذَا كُسِرَ ظَهَرَ فِيهِ أَشْيَاءٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 كَشَكْلِ الْأَظْفَارِ مَلْسَاءُ، تُشْبِهُ الْحَصَى، وَتَكُونُ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، وَمَا كَانَ مِنْهُ ثَقِيلًا وَلَوْنُهُ لَوْنُ الزِّفْتِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ. وَمِنْهُمْ مِنْ يَغُشُّ قِشْرَ اللِّبَانِ بِقُشُورِ شَجَرِ الصَّنَوْبَرِ، وَصِفَةُ غِشِّهِ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ، فَإِنْ الْتَهَبَ وَفَاحَتْ لَهُ رَائِحَةٌ [طَيِّبَةٌ] فَهُوَ خَالِصٌ، وَإِنْ كَانَ بِالضِّدِّ فَهُوَ مَغْشُوشٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ المرزنجوش بِبِزْرِ الحندقوق، وَقَدْ يَغُشُّونَ الشَّمْعَ بِشَحْمِ الْمَعْزِ وبالقلفونية، وَقَدْ يَذَرُونَ فِيهِ عِنْدَ سَبْكِهِ دَقِيقَ الْبَاقِلَّا أَوْ الرَّمْلَ النَّاعِمَ، أَوْ الْكُحْلَ الْأَسْوَدَ الْمَسْحُوقَ؛ ثُمَّ يُجْعَلُ ذَلِكَ بِطَانَةً فِي الشَّمْعَةِ، ثُمَّ يُغْشَى بِالشَّمْعِ الْخَالِصِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّك إذَا أَشْعَلْت الشَّمْعَةَ ظَهَرَ فِيهَا ذَلِكَ. وَقَدْ يَغُشُّونَ الزِّنْجَارَ بِالرُّخَامِ والقلقند، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنْ تَبُلَّ إبْهَامَكَ، وَتَغْمِسَهَا فِيهِ، ثُمَّ تُدَلَّكُ بِهَا السَّبَّابَةَ، فَإِنْ نَعِمَ (20 ب) ، وَصَارَ كَالزُّبْدِ فَهُوَ خَالِصٌ، وَإِنْ ابْيَضَّ، وَتَحَبَّبَ فَهُوَ مَغْشُوشٌ، وَأَيْضًا يُتْرَكُ مِنْهُ شَيْءٌ بَيْنَ الْأَسْنَانِ، فَإِنْ وَجَدْته كَالرَّمْلِ فَهُوَ مَغْشُوشٌ بِالرُّخَامِ، وَأَيْضًا تُحَمَّى صَفِيحَةٌ فِي النَّارِ، ثُمَّ يَذَرُ عَلَيْهَا، فَإِنْ احْمَرَّ فَهُوَ مَغْشُوشٌ بالقلقند، وَإِنْ اسْوَدَّ فَهُوَ خَالِصٌ. وَقَدْ يَخْتَارُونَ مِنْ الْإِهْلِيلَجِ الْأَسْوَدِ إهْلِيلَجًا أَصْفَرَ، وَيَبِيعُونَهُ مَعَ الْكَابِلِي؛ وَيَخْتَارُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 مِنْ الْإِهْلِيلَجِ الْأَصْفَرِ الْمُعَصَّبِ حُبَاشَةَ الْكَابِلِي، وَيَبِيعُونَهُ مَعَ الْكَابِلِي، وَقَدْ يَرُشُّونَ الْمَاءَ عَلَى الْخِيَارِ شنبر، وَهُوَ مَلْفُوفٌ فِي الْأَكْسِيَةِ عِنْدَ بَيْعِهِ، فَيَزِيدُ رِطْلُهُ نِصْفَ [رِطْلٍ] ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ اللَّكَّ، وَيَسْبِكُهُ عَلَى النَّارِ، وَيَخْلِطُ مَعَهُ الْآجُرَّ الْمَسْحُوقَ، وَالْمَغْرَةَ، ثُمَّ يَعْقِدُهُ، وَيَبْسُطُهُ أَقْرَاصًا، ثُمَّ يُكَسِّرُهُ بَعْدَ جَفَافِهِ، وَيَبِيعُهُ عَلَى أَنَّهُ دَمُ الْأَخَوَيْنِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَدُقُّ الْعِلْكَ دَقًّا جَرِيشًا، ثُمَّ يَجْعَلُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الجاوشير [وَيَطْبُخُهُ] عَلَى النَّارِ فِي عَسَلِ النَّحْلِ، وَيُلْقِي فِيهِ شَيْئًا مِنْ الزَّعْفَرَانِ، فَإِذَا غَلَى، وَأَرْغَى، طَرَحَ فِيهِ الْعِلْكَ، وَحَرَّكَهُ إلَى أَنْ يَشْتَدَّ، ثُمَّ يَعْمَلُهُ أَقْرَاصًا إذَا بَرَدَ، وَيُكَسِّرُهُ، وَيَخْلِطُ مَعَهُ الجاوشير، فَلَا يَظْهَرُ فِيهِ، وَأَمَّا جَمِيعُ الْأَدْهَانِ الطِّبِّيَّةِ، وَغَيْرِهَا، فَإِنَّهُمْ يَغُشُّونَهَا بِدُهْنِ الْخَلِّ بَعْدَ أَنْ يُغْلَى عَلَى النَّارِ، وَيُطْرَحَ فِيهِ جَوْزٌ، وَلَوْزٌ مَرْضُوضٌ، لِيُزِيلَ رَائِحَتَهُ، وَطَعْمُهُ، ثُمَّ يَمْزُجُونَهُ بِالْأَدْهَانِ. (21 أ) وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ نَوَى الْمِشْمِشِ، وَالسِّمْسِمِ، ثُمَّ يَعْجِنُهُمَا بَعْدَ دَقِّهِمَا، وَيَعْصِرُهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وَيَبِيعُ دُهْنَهُمَا عَلَى أَنَّهُ دُهْنُ لَوْزٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ دُهْنَ الْبَلَسَانِ بِدُهْنِ السَّوْسَنِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنْ يُقَطَّرَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى خِرْقَةِ صُوفٍ ثُمَّ يُغْسَلَ، فَإِنْ زَالَ عَنْهَا، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا فَهُوَ خَالِصٌ، وَإِنْ أَثَّرَ فِيهَا كَانَ مَغْشُوشًا وَأَيْضًا فَإِنَّ الْخَالِصَ مِنْهُ إذَا قُطِّرَ فِي الْمَاءِ يَنْحَلُّ، وَيَصِيرُ فِي قَوَامِ اللَّبَنِ، وَالْمَغْشُوشُ يَطْفُو مِثْلَ الزَّيْتِ، وَيَبْقَى كَواكِبًا فَوْقَ الْمَاءِ، وَقَدْ أَعْرَضْت عَنْ أَشْيَاءٍ كَثِيرَةٍ فِي هَذَا الْبَابِ لَمْ أَذْكُرْهَا لِخَفِيِّ غِشِّهَا، وَلِامْتِزَاجِهَا بِالْعَقَاقِيرِ، مَخَافَةَ أَنْ يَتَعَلَّمَهَا مِمَّنْ لَا دِينَ لَهُ، فَيُدَلِّسُ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَإِنَّمَا ذَكَرْت فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِي غَيْرِهِ مَا قَدْ اُشْتُهِرَ غِشُّهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَتَعَاطَاهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَأَمْسَكْت عَنْ أَشْيَاءٍ غَيْرِ مَشْهُورَةٍ، قَدْ ذَكَرَ أَكْثَرَهَا صَاحِبُ كِتَابِ كِيمْيَاءِ الْعِطْرِ؛ فَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ ذَلِكَ الْكِتَابُ، فَمَزَّقَهُ، وَحَرَقَهُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 [الْبَابُ الثَّامِنَ عَشَرَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْعَطَّارِينَ] َ غُشُوشُ الْعِطْرِ كَثِيرَةٌ - مُخْتَلِفَةٌ أَيْضًا - لِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِ الطِّيبِ وَأَنْوَاعِهِ، وَتَجَانُسِ الْعَقَاقِيرِ الطِّبِّيَّةِ وَتَقَارُبِهَا فِي الرَّائِحَةِ. وَسَأَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا اشْتَهَرَ غِشُّهُ وَصَنْعَتُهُ، وَأُعْرِضُ عَمَّا خَفِيَ غِشُّهُ وَصَنْعَتُهُ، وَلَا يَتَعَاطَاهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ (21 ب) يَعْمَلُونَ نَافِجَةَ الْمِسْكِ مِنْ قُشُورِ الْأَمْلَجِ والشيطرج الْهِنْدِيِّ، وَمِثْلُهَا شادوران، وَيَعْجِنُونَهُ بِمَاءِ صَمْغِ الصَّنَوْبَرِ، وَيَجْعَلُونَ مَعَ كُلِّ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ مِنْ هَذَا دِرْهَمُ مِسْكٍ، وَيَحْشُونَ بِهِ النَّافِجَةَ، وَيَسُدُّونَ رَأْسَهَا بِالصَّمْغِ، ثُمَّ يُجَفِّفُونَهَا عَلَى رَأْسِ تَنُّورٍ. وَمَعْرِفَةُ غِشِّهَا - وَسَائِرِ غُشُوشِ النَّوَافِجِ - أَنْ يَفْتَحَهَا [الْمُحْتَسِبُ] وَيَلْثِمَهَا، كَالْمُتَحَثِّي لِلشَّيْءِ، فَإِنْ طَلَعَ إلَى فِيهِ لِلْمِسْكِ حِدَةٌ كَالنَّارِ، فَهُوَ فَحْلٌ لَا غِشَّ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بِالضِّدِّ فَهُوَ مَغْشُوشٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ نَافِجَةً مِنْ الْأَمْلَجِ والشادوران الَّذِي قَدْ نُزِعَ صِبْغُهُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وَمَعَهُمَا الأنزورت، وَيَعْجِنُهُ بِمَاءِ الصَّمْغِ وَيَخْدِمُهُ، ثُمَّ يَجْعَلُ لِكُلِّ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْهُ دِرْهَمُ مِسْكٍ صغدي، وَيَسْحَقُ الْجَمِيعَ وَيُحَشِّي مِنْهُ النَّافِجَةَ، ثُمَّ يُجَفِّفُهُ عَلَى تَنُّورٍ؛ وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَمِنْهُمْ مِنْ يَعْمَلُ نَافِجَةً بِقُشُورِ الْبَلُّوطِ الْمَخْدُومِ بِالنَّارِ، وَيَخْلِطُ مِنْهُ [لِكُلِّ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمُ مِسْكٍ] ، ثُمَّ يُحَشِّي بِهِ النَّافِجَةَ؛ وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ مِسْكًا بِغَيْرِ نَافِجَةٍ، مِنْ زرواند وَرَامِكٍ وَدَمِ أَخَوَيْنِ، وَيَعْجِنُ الْجَمِيعَ، وَيَعْمَلُ لِلدِّرْهَمِ الْوَاحِدِ دِرْهَمَ مِسْكٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ [مِسْكًا] مِنْ سُنْبُلِ الطِّيبِ وَبُرَادَةِ الْعُودِ وَقِرْفَةٍ وَقُرُنْفُلٍ، وَيَخْلِطُ بِمِثْلِهِ [مِسْكًا] . وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهُ مِنْ الْقُرُنْفُلِ [وشادوران وَزَعْفَرَانٍ، وَيَعْجِنُ الْجَمِيعَ بِمَاءِ وَرْدٍ، وَيَخْلِطُهُ بِمِثْلِهِ] ، وَيَحْشُونَ جَمِيعَ ذَلِكَ عَنْبَرًا؛ وَمَعْرِفَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 أ) غِشِّ جَمِيعِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمِسْكِ، أَنْ تَطْرَحَ مِنْهَا شَيْئًا فِي فِيك، ثُمَّ تَتْفُلَهُ عَلَى قَمِيصٍ أَبْيَضَ، ثُمَّ تَنْفُضَهُ، فَإِنْ انْتَفَضَ وَلَمْ يَصْبُغْ فَلَا غِشَّ فِيهِ مِنْ دَمٍ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ صَبَغَ وَلَمْ يَنْتَفِضْ فَهُوَ مَغْشُوشٌ. وَمِنْهُمْ مِنْ يُلْقِي عَلَى الْمِسْكِ الْخَالِصِ شَيْئًا مِنْ دَمِ الْأَخَوَيْنِ، أَوْ دَمِ الْجِدَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْحَقُ الْمِسْكَ بِدَمِ الْغَزَالِ، ثُمَّ يُحَشِّيهِ فِي مُصْرَانِهَا، وَيَشُدُّهُ بِخَيْطٍ، ثُمَّ يُجَفِّفُهُ فِي الظِّلِّ، ثُمَّ يَشُقُّ عَنْهُ وَيَخْلِطُهُ مَعَ غَيْرِهِ فِي الْقَوَارِيرِ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَغُشُّهُ بِالْكُبُودِ الْمَحْرُوقَةِ؛ وَمَعْرِفَةُ غِشِّ ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْرَحُ مَعَ الْمِسْكِ رَصَاصًا عَلَى مِقْدَارِ الْفُلْفُلِ وَأَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ، مَصْبُوغًا بِالْمِدَادِ، فَلَا يَتَبَيَّنُ إلَّا عِنْدَ السَّحْقِ. فَصْلٌ: وَأَمَّا الْعَنْبَرُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهُ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ وَالصَّمْغِ الْأَسْوَدِ وَالشَّمْعِ الْأَبْيَضِ والسندروس وَجَوْزَةِ الطِّيبِ، وَيَخْدِمُهُ وَيَخْلِطُهُ بِمِثْلِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهُ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ والسندروس وَالْعُودِ وَالسُّنْبُلِ وَبَعْرِ الضَّبِّ، وَيَخْدِمُهُ وَيَدْفِنُهُ فِي بُطُونِ الْخَيْلِ، ثُمَّ يُخْرِجُهُ وَيَخْلِطُهُ بِمِثْلِهِ؛ وَرُبَّمَا عُمِلَ عَلَى [شَكْلِ] تِمْثَالٍ، أَوْ قَلَائِدَ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 مِنْ الْمِسْكِ وَالشَّمْعِ وَالْعَنْبَرِ؛ وَقَدْ يَطْلُونَ جَمَاجِمَ الْعَنْبَرِ بالسندروس، فَيَجِبُ أَنْ تُحْرَقَ رُءُوسُهَا حَتَّى تُعْلَمَ سَلَامَتُهَا مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ؛ وَرُبَّمَا حُفِرَتْ [جَمَاجِمُ الْعَنْبَرِ] وَأُلْقِيَ فِيهَا (22 ب) قِطَعُ الرَّصَاصِ. وَمَعْرِفَةُ غِشِّ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي النَّارِ، فَلَا تَخْفَى [رَائِحَةُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَتَظْهَرُ رَائِحَةُ] الْأَخْلَاطِ فِيهِ؛ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَجِفُّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ سندروس فَهُوَ يَتَفَتَّتُ. فَصْلٌ: وَأَمَّا الْكَافُورُ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهُ بِنُخَالَةِ رُخَامِ الْخَرَّاطِينَ الْمُدَبَّرِ. وَمِنْهُمْ مِنْ يَعْجِنُ الْكَافُورَ بِمَاءِ الصَّمْغِ الْأَبْيَضِ، وَيَنْجُرُهُ عَلَى الْغَرَابِيلِ. [وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهُ مِنْ حِجَارَةِ النُّوشَادِرِ، وَيُكَسِّرُهُ صِغَارًا ثُمَّ يَخْلِطُهُ بِهِ] . وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهُ مِنْ ذَرِيرَةٍ غَيْرِ مَفْتُونَةٍ، وَجِبْسِينٍ غَيْرِ مَشْوِيٍّ وَصَمْغٍ أَبْيَضَ، وَمِثْلُ الْجَمِيعِ كَافُورٌ. [وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهُ مِنْ خَشَبِ الْخِرْوَعِ النَّخِرِ، وَالْأُرْزِ الْمُدَبَّرِ. وَمِنْهُمْ مِنْ يَعْمَلُهُ مِنْ نَوَى الْبَلَحِ بِدَقِّهِ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الزَّبَدِ، وَيُجْعَلُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ كَافُورٌ] ، ثُمَّ يَعْجِنُهُ بِمَاءِ الْكَافُورِ، وَيَبْسُطُهُ رَقِيقًا، [فَيَبْقَى] مِثْلَ الْكَافُورِ. وَمَعْرِفَةُ غُشُوشِ الْكَافُورِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَمَا لَمْ نَذْكُرْهَا هُوَ أَنْ يُلْقَى مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْمَاءِ، فَإِنْ رَسَبَ فَهُوَ مَغْشُوشٌ، وَإِنْ طَفَا فَهُوَ خَالِصٌ؛ وَأَيْضًا يُلْقَى مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى خِرْقَةٍ، ثُمَّ يُجْعَلُ عَلَى النَّارِ، فَإِنْ طَارَ وَلَمْ يَلْبَثْ فَهُوَ خَالِصٌ، وَإِنْ احْتَرَقَ وَصَارَ رَمَادًا فَهُوَ مَغْشُوشٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 فَصْلٌ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ الزَّعْفَرَانَ الشَّعْرَ بِصُدُورِ الدَّجَاجِ وَلُحُومِ الْبَقَرِ، بَعْدَ سَلْقِهَا بِالْمَاءِ، ثُمَّ يَنْشُرُ مَا شَاءَ مِنْهَا وَيُقَدِّدُهُ وَيَصْبُغُهُ بِالزَّعْفَرَانِ، ثُمَّ يُجَفِّفُهُ وَيَخْلِطُهُ فِي السِّلَالِ. وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنْ يَأْخُذَ [الْمُحْتَسِبُ] مِنْهُ (23 أ) شَيْئًا وَيَنْقَعَهُ فِي الْخَلِّ، فَإِنْ تَقَلَّصَ فَهُوَ مَغْشُوشٌ بِاللَّحْمِ؛ وَأَيْضًا يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ إذَا وُضِعَ فِي الْخَلِّ، وَالْخَالِصُ يَبْقَى لَوْنُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْطَعُ الأكشوت مِثْلَ شَعْرَةِ الزَّعْفَرَانِ، ثُمَّ يَطْبُخُهُ بِمَطْبُوخِ الْبَقَّمِ، وَيُضِيفُ إلَيْهِ شَيْئًا مَصْبُوغًا بِمَاءِ الزَّعْفَرَانِ، وَيَذُرُّ عَلَيْهِ قَلِيلَ سُكَّرٍ مَدْقُوقٍ، لِيَثْقُلَ وَيَلْصَقَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، ثُمَّ يَخْلِطَهُ بِمِثْلِهِ زَعْفَرَانٍ وَيَرْفَعُهُ فِي السِّلَالِ. وَبَيَانُ غِشِّهِ أَنْ تَأْخُذَهُ فِي فِيكَ، فَإِنْ كَانَ حُلْوًا فَهُوَ مَغْشُوشٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ نَبَاتَ الْحُلْبَةِ، وَيَنْقَعُهُ فِي خَمْرٍ عَتِيقٍ قَدْ تُرِكَ فِيهِ فُلْفُلٌ وَكُرْكُمٌ مَنْخُولَانِ وَزَعْفَرَانُ أَيَّامًا مَعْلُومَةً، ثُمَّ يَبْسُطُهُ فِي الظِّلِّ، وَيَخْلِطُهُ فِي السِّلَالِ. وَمَعْرِفَةُ جَمِيعِ غُشُوشِ الزَّعْفَرَانِ أَنْ يَكُونَ يَابِسَ الشَّعْرَةِ، فَخُذْ مِنْ وَسَطِ السَّلَّةِ فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ لَكَ الْغُشُوشُ بيباسته. وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْحَنُ الزَّعْفَرَانَ الْمَغْشُوشَ نَاعِمًا لِئَلَّا يَظْهَرَ غِشُّهُ، وَيَخْلِطُ مَعَهُ فِي الطَّحْنِ دَمَ الْأَخَوَيْنِ، لِيَبْقَى لَوْنُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَغْشُوشَ إذَا طُحِنَ ابْيَضَّ لَوْنُهُ، فَيَجْعَلُونَ مَعَهُ دَمَ الْأَخَوَيْنِ. وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنْ يُلْقَى مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْمَاءِ فِي قَدَحِ زُجَاجٍ، فَإِنْ رَسَبَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ مَغْشُوشٌ، وَإِنْ طَفَا فَهُوَ خَالِصٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهُ بِالزُّجَاجِ الْمَسْحُوقِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ (23 ب) بِمَا ذَكَرْنَاهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهُ بِالنَّشَا الْمَسْحُوقِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ إذَا وُضِعَ عَلَى النَّارِ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ وَيَتَدَبَّقُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهُ بِالْخَلُوقِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ إذَا وُضِعَ فِي الْخَلِّ وَالْخَرْدَلِ احْمَرَّ لَوْنُهُ وَصُبِغَ. وَقَدْ يَسْتَحِلُّ قَوْمٌ مِنْهُمْ أَنْ يُقِيمَ قِرْطَاسًا فِي وَسَطِ الْبَرْنِيَّةِ، وَيَمْلَأَ جَانِبَهَا الْوَاحِدَ خَلُوقًا، وَالْجَانِبَ الْآخَرَ زَعْفَرَانًا مَسْحُوقًا، ثُمَّ يَدْفَعُ إلَى كُلٍّ بِمِقْدَارِ مَعْرِفَتِهِ. فَصْلٌ: وَأَمَّا الْغَالِيَةُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ أَصْلَهَا مِنْ الْقَطْرَانِ الْمُدَبَّرِ، ثُمَّ يَجْعَلُ عَلَى كُلِّ دِرْهَمَيْنِ مِنْهُ دِرْهَمَ مِسْكٍ جَيِّدٍ، وَدِرْهَمَ عُودٍ مَسْحُوقٍ، وَدِرْهَمَ سَكٍّ لادن مَسْبُوكٍ عَلَى النَّارِ، [وَيُضَيِّفُ إلَيْهِ] نِصْفَ مِثْقَالِ عَنْبَرٍ، وَيَخْلِطُ الْجَمِيعَ فِي أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ دُهْنِ بَانٍ، فَيَجِيءُ غَالِيَةٌ لَا تَكَادُ تُعْرَفُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ جَسَدَهَا مِنْ نُخَالَةِ الرُّخَامِ الرَّخْوِ والشادوران الْمُدَبَّرِ، وَيَجْعَلُ عَلَى كُلِّ دِرْهَمَيْنِ مِنْهُ مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ الطِّيبِ. [وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ جَسَدَهَا مِنْ الْفُسْتُقِ، وَيَجْعَلُ عَلَيْهَا لِلْوَاحِدِ وَاحِدًا] . وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ جَسَدَهَا مِنْ السِّمْسِمِ الْحَدِيثِ الْمُقَشَّرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وَالْقِرْطَاسِ الْمُحَرَّقِ، وَيَجْعَلُ عَلَيْهَا الطِّيبَ الْمَعْرُوفَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ جَسَدَهَا مِنْ شَمْعِ الشادوران وَعِيدَانِهِ، وَيَجْعَلُ عَلَيْهَا الطِّيبَ الْمَعْرُوفَ. وَجَمِيعُ هَذِهِ الْغَوَالِي الْمَغْشُوشَةِ لَا تَخْفَى عَلَى الْمُحْتَسِبِ وَالْعَرِيفِ، مِنْ اللَّوْنِ وَالرَّائِحَةِ وَالْقَوَامِ، فَيَجِبُ أَنْ يُرَاعِيَهَا [كُلٌّ مِنْهُمَا] بِعَيْنِهِ، فَأَكْثَرُ (24 أ) مَنْ يَبِيعُهَا الدَّوَّارُونَ وَاَلَّذِينَ يَجْلِسُونَ عَلَى الطُّرُقَاتِ، مِمَّنْ لَا دِينَ لَهُ. وَأَمَّا الزَّبَادُ فَغُشُوشُهُ كَثِيرَةٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ جَسَدِهِ وَجَسَدِ الْغَالِيَةِ فِي الْغِشِّ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي وَزْنِ الْخَمِيرَةِ، فَأَعْرَضْت عَنْ ذَكَرِ ذَلِكَ لِشُهْرَتِهِ. فَصْلٌ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ الْعُودَ الْهِنْدِيَّ، فَيَأْخُذُ الصَّنْدَلَ يُبَرِّدُهُ نَظِيرَ الْعُودِ، وَيَنْقَعُهُ فِي مَطْبُوخِ الْكَرْمِ الْعَتِيقِ، ثُمَّ يُدْرِجُهُ وَيَخْلِطُهُ بِالْعُودِ الْهِنْدِيِّ. وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنْ يُلْقَى مِنْهُ شَيْءٌ فِي النَّارِ، فَتَظْهَرُ رَائِحَةُ الصَّنْدَلِ. وَمِنْهُمْ مِنْ يَعْمَلُهُ مِنْ قُشُورِ خَشَبٍ يُقَالُ لَهُ الإبليق، فَيَنْقَعُهُ فِي مَاءِ الْوَرْدِ الْمُدَبَّرِ بِالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ أَيَّامًا، ثُمَّ يُخْرِجُهُ وَيَغْلِيه وَيُدْرِجُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ هَذِهِ الصِّفَةَ مِنْ خَشَبِ الزَّيْتُونِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنْ يُلْقَى مِنْهُ شَيْءٌ فِي النَّارِ، فَلَا يَخْفَى غِشُّهُ. فَصْلٌ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ دُهْنَ الْبَانِ، فَيَعْمَلُهُ مِنْ دُهْنِ حَبِّ الْقُطْنِ، أَوْ دُهْنِ نَوَى الْمِشْمِشِ، وَيُعَتِّقُهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمِسْكِ الصغدي وَالْأَفَاوِيهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهُ أَيْضًا مِنْ زَيْتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 الْأَنْفَاقِ، ثُمَّ يُعَتِّقُهُ وَيَطْرَحُ فِيهِ أَطْرَافَ الْآسِ، فَيَجِيءُ فِيهِ خُضْرَةٌ، وَيُقَارِبُ الْمَدَائِنِيَّ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَعِّدُ عَقْدَ الصَّنَوْبَرِ وَقُشُورَ الكندر، فَلَا يُشَكُّ أَنَّهُ مَاءُ الْكَافُورِ؛ وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ (24 ب) أَنْ يُقَطِّرَ [الْمُحْتَسِبُ] مِنْهُ شَيْئًا عَلَى خِرْقَةٍ بَيْضَاءَ، ثُمَّ يَغْسِلَهَا فَإِنْ عَلَقَ فِيهَا وَأَثَّرَ فَهُوَ مَغْشُوشٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَلَا يَتَجَاسَرُ عَلَى عَمَلِهِ وَبَيْعِهِ إلَّا الْغُرَبَاءُ الْأَعَاجِمُ، وَمَنْ يَدُورُ فِي خِلَالِ الدُّرُوبِ، فَلَا يُهْمِلُ الْمُحْتَسِبُ الْكَشْفَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِشْهَارَ فَاعِلِهِ بِالتَّعْزِيرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 [الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الشرابيين] الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الشرابيين لَا يَعْقِدُ الْأَشْرِبَةَ وَيُرَكِّبُ الْمَعَاجِينَ والجوارشنات إلَّا مَنْ اشْتَهَرَتْ مَعْرِفَتُهُ، وَظَهَرَتْ خِبْرَتُهُ، وَكَثُرَتْ تَجْرِبَتُهُ، وَشَاهَدَ تَجْرِيبَ الْعَقَاقِيرِ وَمَقَادِيرَهَا مِنْ أَرْبَابِهَا وَأَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَا. وَلَا يُرَكِّبُهَا [الشَّرَابِيُّ] إلَّا مِنْ الْكُنَّاشَاتِ الْمَشْهُورَةِ، والأقراباذينات الْمَعْرُوفَةِ، مِثْلِ أقراباذين سابور، وَالْمَلْكِيِّ، وَالْقَانُونِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوثَقُ بِهِ. وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَخْشَى الْيَوْمَ الْآخَرَ مِنْ التَّهَاوُنِ بِهَا وَالتَّفْرِيطِ بِأَوْزَانِهَا، وَأَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهَا مَا يُنَافِيهَا وَيَسْلُبُهَا خَاصِّيَّتَهَا، مِثْلَ عَسَلِ الْقَصَبِ الْمُدَبَّرِ بِاللَّبَنِ الْحَلِيبِ وَالْخَلِّ والإسفيداج؛ فَإِنَّ هَذَا يَعْمَلُهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، فَيَخْرُجُ صَافِيَ اللَّوْنِ طَيِّبَ الطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ، فَيُرَكِّبُ مِنْهُ الْأَشْرِبَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وَالْمَعَاجِينَ بَدَلًا مِنْ السُّكَّرِ وَالْعَسَلِ النَّحْلِ. فَيُحَلِّفُهُمْ الْمُحْتَسِبُ أَنَّهُمْ لَا يَعْمَلُونَهُ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ، وَيُحَرِّفُ الْأَمْزِجَةَ (25 أ) وَيُفْسِدُهَا. وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى السَّوَادِ إذَا أُضِيفَ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ، وَتَظْهَرُ فِيهِ رَائِحَةُ الْخَلِّ إذَا مَضَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ. وَأَيْضًا يَطْرَحُ [الْمُحْتَسِبُ] مِنْهُ شَيْئًا فِي وَسَطِ الرَّاحَةِ، وَيُقَطِّرُ عَلَيْهِ الْمَاءَ، ثُمَّ يَحُلُّهُ بِأُصْبُعِهِ، فَإِنَّ الْعَسَلَ يَبْيَضُّ مِثْلَ الفانيد. وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَبِرَ [الْمُحْتَسِبُ] عَلَيْهِمْ الْأَشْرِبَةَ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ، فَمَا وُجِدَ فِيهَا حَامِضًا لِتَطَاوُلِ الْمُدَّةِ عَلَيْهِ وَمُتَغَيِّرًا، فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُعِيدَهُ إلَى الطَّبْخِ ثَانِيًا، لِفَسَادِ مِزَاجِهَا وَانْحِرَافِ طَبْعِهَا، سِوَى شَرَابِ الْوَرْدِ [وَشَرَابِ] الْبَنَفْسَجِ، فَإِنَّ تَغَيُّرَهُمَا يَكُونُ سَرِيعًا، وَرَدَّهُمَا إلَى الطَّبْخِ يَزِيدُهُمَا قُوَّةً وَبَقَاءً وَنَفْعًا لِلْمَعِدَةِ. والسكنجبين البزوري، مَتَى كَانَ لَوْنُهُ مَائِلًا إلَى السَّوَادِ فَهُوَ مَغْشُوشٌ بِعَسَلِ الْقَصَبِ الْمَذْكُورِ؛ وَكَذَلِكَ الْمَعَاجِينُ، إذَا تَغَيَّرَتْ فِي الْبَرَانِيِّ وَحَمِضَتْ، أَوْ نَتُنَتْ تَكُونُ مَغْشُوشَةً بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَيَنْبَغِي لِلصَّانِعِ أَنْ يُقَوِّيَ عَقْدَ جَمِيعِ الْأَشْرِبَةِ حَتَّى يَصِيرَ لَهَا قَوَامٌ، وَإِذَا عَقَدَ مِنْ الْعُنَّابِ شَرَابًا قَوَّاهُ بِكَثْرَتِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ لُطْفِيَّ الدَّمِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْجِنُ عَكِرَ الْخَلِّ بِدِبْسٍ وشادوران، ثُمَّ يَدْكُنُ وَيَبِيعُهُ عَلَى أَنَّهُ عُصَارَةُ برباريس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 [الْبَابُ الْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى السَّمَّانِينَ] الْبَابُ الْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى السَّمَّانِينَ (25 ب) يَعْتَبِرُ [الْمُحْتَسِبُ] عَلَيْهِمْ الْمَكَايِيلَ وَالْمَوَازِينَ وَالْأَرْطَالَ، عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي بَابِهِ، وَيُنْهَوْنَ عَنْ خَلْطِ الْبِضَاعَةِ الرَّدِيئَةِ بِالْجَيِّدَةِ، إذَا اشْتَرَوْا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عَلَى انْفِرَادِهَا بِسِعْرٍ، وَعَنْ خَلْطِ عَتِيقِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ بِالْجَدِيدِ، وَأَلَّا يَرُشُّوا الْمَاءَ عَلَى التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ لِيُرَطِّبَهُ وَيَزِيدَ فِي وَزْنِهِ، وَأَلَّا يَدْهُنُوا الزَّبِيبَ بِالزَّيْتِ، لِيُصَفِّيَ لَوْنَهُ وَيُحَسِّنَ مَنْظَرَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْزُجُ الْعَسَلَ الْقَصَبَ بِالْمَاءِ الْحَارِّ، وَيَرُشُّهُ عَلَى الرُّطَبِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ الزَّيْتَ وَقْتَ نِفَاقِهِ بِدُهْنِ الْقُرْطُمِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ [أَنَّهُ] إذَا تُرِكَ عَلَى النَّارِ يَكُونُ لَهُ دُخَانٌ عَظِيمٌ يَخْنُقُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْلِطُ الشَّيْرَجَ لِوَقْتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْزُجُ الزَّيْتَ الَّذِي قَدْ تَرَكَ فِيهِ الْجُبْنَ فِي الْخَوَابِي بِالزَّيْتِ الصَّافِي، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ يَدْكَنُ فِي السِّرَاجِ؛ وَأَيْضًا يَكُونُ زَفَرًا. وَأَكْثَرُهُمْ يَغُشُّ الْخَلَّ بِالْمَاءِ؛ وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّ الْخَالِصَ إذَا صُبَّ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى الْأَرْضِ نَشَّ، وَالْمَشُوبُ بِالْمَاءِ لَا يَنُشُّ؛ وَأَيْضًا إذَا وُضِعَتْ فِيهِ حَشِيشَةُ الطُّحْلُبِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ الْمَاءَ دُونَ الْخَلِّ. وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ الْمَشُوبُ بِالْمَاءِ إذَا طُرِحَتْ فِيهِ هَذِهِ الْحَشِيشَةُ فَصَلَتْ بَيْنَ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ؛ وَأَيْضًا يُعْرَفُ غِشُّ اللَّبَنِ بِالْحَلِيبِ بِأَنْ يَغْمِسَ [الْمُحْتَسِبُ] فِيهِ شَعْرَةً، ثُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 يُخْرِجُهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَقْ (26 أ) عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ اللَّبَنِ يَكُونُ مَغْشُوشًا بِالْمَاءِ، وَإِنْ عَلَقَ اللَّبَنُ وَتَكَوْكَبَ كَانَ خَالِصًا. وَيَعْتَبِرُ [الْمُحْتَسِبُ] عَلَيْهِمْ الْمُخَلَّلَ عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهِ - إذَا طُرِحَ عَلَيْهِ الْكَرَجُ - فَكُلَّمَا كَانَ مِجَسُّهُ يَابِسًا قَوِيًّا أُعِيدَ إلَى الْخَلِّ الثَّقِيفِ، وَكُلَّمَا لَانَ مِجَسُّهُ رُمِيَ بِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ فَسَدَ. وَمَتَى حَمُضَتْ عِنْدَهُمْ الْكَوَامِخُ يَأْمُرُ [الْمُحْتَسِبُ] بِإِرَاقَتِهَا خَارِجَ الْبَلَدِ، فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ بَعْدَ حَمْضِهَا. وَكُلَّمَا تَغَيَّرَ عِنْدَهُمْ - أَوْ فَسَدَ وَدَوَّدَ -[شَيْءٌ] مِنْ الْجُبْنِ المكسود فِي الْخَوَابِي وَالشُّحُومِ وَالْأَدْهَانِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالنَّاسِ؛ وَكَذَلِكَ الْكَبَرُ إذَا دَوَّدَ فِي خَوَابِيهِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] مِنْ عَمَلِ الْمَرِيِّ الْمَطْبُوخِ عَلَى النَّارِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْجُذَامَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ مَرْيًا يَبِيعُهُ مِنْ يَوْمِهِ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ رُبَّ الخرنوب، أَوْ عَسَلَ الْقَصَبِ وَالْكَمُّونِ وَالْكَرَاوْيَا وَالسُّمَّاقِ، وَيَلُتُّ الْجَمِيعَ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ؛ وَهَذَا أَيْضًا كَثِيرُ الْمَضَرَّةِ، فَيَمْنَعُهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] مِنْ عَمَلِهِ. وَقَدْ يَخْلِطُونَ الْأَبَازِيرَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْلِطُ الكراويا بِبُزُورِ حَشِيشَةٍ يُقَالُ لَهَا عَيْنُ الْحَيَّةِ، تُشْبِهُ الكراويا فِي اللَّوْنِ، إلَّا أَنَّ حَبَّتَهَا أَكْبَرُ قَلِيلًا، وَلَا رَائِحَةَ لَهَا؛ فَيَعْتَبِرُ [الْمُحْتَسِبُ] ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ يَغُشُّونَ الدِّبْسَ الْبَعْلَبَكَّيَّ (26 ب) بِدَقِيقِ الْحَوَارَيِّ وَالْكِدَّانِ: وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ إذَا جُعِلَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْمَاءِ رَسَبَ الْحَوَارَيُّ فِي أَسْفَلِ الْإِنَاءِ، وَرُبَّمَا بَقِيَ لِلْمَاءِ رَغْوَةٌ. وَأَكْثَرُهُمْ يَمْزُجُونَ الْعَسَلَ النَّحْلَ بِالْمَاءِ، وَعَلَامَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ يَبْقَى فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ مُحَبَّبًا كَالسَّمِيذِ، وَفِي زَمَنِ الصَّيْفِ يَكُونُ مَائِعًا رَقِيقًا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَدُقُّ قُشُورَ الرُّمَّانِ وَيَغُشُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 بِهَا الْكُرْكُمَ؛ [وَقَدْ يَحْشُونَ الْحِنَّا بِالرَّمَلِ وَالْخَطْمَيْ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ ظَاهِرَةٌ] . وَقَدْ يَغُشُّونَ الزِّفْتَ بِرَمَادِ الْقَصَبِ، أَوْ بِالرَّمْلِ، وَكَذَلِكَ يَغُشُّونَ الْقَارَ. فَصْلٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بَضَائِعُهُمْ مَصُونَةً فِي الْبَرَانِيِّ والقطارميز، لِئَلَّا يَصِلَ إلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الذُّبَابِ وَهَوَامِّ الْأَرْضِ، أَوْ يَقَعَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ التُّرَابِ وَالْغُبَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ وَإِنْ وَضَعُوهَا فِي قُفَافِ الْخُوصِ فَلَا بَأْسَ بِهَا إذَا كَانَتْ مُغَطَّاةً بالميازر؛ وَتَكُونُ الْمِذَبَّةُ فِي يَدِهِ، يَذُبُّ عَنْ الْبِضَاعَةِ بِهَا الذُّبَابَ. وَيَأْمُرُهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] بِنَظَافَةِ أَثْوَابِهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ بِغَسْلِ مَغَارِفِهِمْ وَآنِيَتِهِمْ وَأَيْدِيهِمْ، وَمَسْحِ مَوَازِينِهِمْ وَمَكَايِيلِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَيَتَفَقَّدُ [الْمُحْتَسِبُ أَصْحَابَ] الْحَوَانِيتِ الْمُنْفَرِدَةِ فِي [الْحَارَاتِ وَ] الدُّرُوبِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْأَسْوَاقِ، وَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ بَضَائِعَهُمْ وَمَوَازِينَهُمْ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ، عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْهُمْ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ يُدَلِّسُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 [الْبَابُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْبَزَّازِينَ] (27 أ) الْبَابُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْبَزَّازِينَ وَيَنْبَغِي أَلَّا يَتَّجِرَ فِي الْبَزِّ إلَّا مَنْ عَرَفَ أَحْكَامَ الْبَيْعِ وَعُقُودَ الْمُعَامَلَاتِ، وَمَا يَحِلُّ لَهُ مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَارْتَكَبَ الْمَحْظُورَاتِ. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " لَا يَتَّجِرُ فِي سُوقِنَا إلَّا مَنْ تَفَقَّهَ فِي دِينِهِ، وَإِلَّا أَكَلَ الرِّبَا، شَاءَ، أَوْ أَبَى ". وَقَدْ رَأَيْت فِي هَذَا الزَّمَانِ أَكْثَرَ بَاعَةِ الْبَزِّ فِي الْأَسْوَاقِ يَفْعَلُونَ فِي بِيَاعَاتِهِمْ مَا لَا يَحِلُّ عَمَلُهُ، مِمَّا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ [تَعَالَى] . فَمِنْ ذَلِكَ النَّجْشُ، وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ الرَّجُلُ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ، وَلَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ، لِيُغْرِ غَيْرَهُ، وَهَذَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّجْشِ» . رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا» . وَلَا يَزِيدُ فِي السِّلْعَةِ أَكْثَرَ مِمَّا تُسَاوِي، لِيُغْرِ بِهَا النَّاسَ فَيَكُونُ حَرَامًا. وَمِنْ ذَلِكَ الْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ. وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، فَيَقُولُ لَهُ رَجُلٌ آخَرَ: " رُدَّهَا وَأَنَا أَبِيعُك خَيْرًا مِنْهَا بِهَذَا الثَّمَنِ، أَوْ مِثْلَهَا بِدُونِ هَذَا الثَّمَنِ "؛ فَهَذَا الْفِعْلُ أَيْضًا حَرَامٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خُطْبَةِ أَخِيهِ» . وَمِنْهُمْ مَنْ يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ، فَيَقُولُ لَهُ رَجُلٌ آخَرَ: " أَنَا أُعْطِيك أَجْوَدَ مِنْهَا بِهَذَا الثَّمَنِ، أَوْ مِثْلَهَا بِدُونِ هَذَا الثَّمَنِ، ثُمَّ يَعْرِضُ عَلَيْهِ السِّلْعَةَ فَيَرَاهَا الْمُشْتَرِي؛ وَهَذَا [أَيْضًا] حَرَامٌ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» . وَمِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 لِلْمُشْتَرِي: " بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ مِثْلَ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ ثَوْبَهُ، أَوْ بِعْتُكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِرَقْمِهَا ". وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لِلتَّاجِرِ: " بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ عَلَى أَنْ تَبِيعنِي ثَوْبَكَ، أَوْ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةِ [دَرَاهِمَ] نَقْدًا، أَوْ بِعِشْرِينَ نَسِيئَةً ". وَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعُ السِّلْعَةَ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، أَوْ يَبِيعُهَا عَلَى شَرْطِ مُسْتَقْبَلٍ مَجْهُولٍ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: " بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ، أَوْ إلَى دِرَاسِ الْغَلَّةِ، أَوْ عَلَى عَطَاءِ السُّلْطَانِ "، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. [وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِي سِلْعَةً مِنْ تَاجِرٍ مِثْلِهِ] ، ثُمَّ يَبِيعُهَا لِرَجُلٍ آخَرَ قَبْلَ الْقَبْضِ -؛ فَجَمِيعُ ذَلِكَ حَرَامٌ، لَا يَجُوزُ لَهُمْ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهُ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ، [وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: " إذَا لَمَسْت الثَّوْبَ بِيَدِك وَلَمْ تَشْتَرِهِ لَزِمَك الْبَيْعُ ". وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُنَابَذَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: " بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ الَّذِي مَعِي بِالثَّوْبِ الَّذِي مَعَك "، فَإِذَا نَبَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إلَى الْآخَرِ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ (28 أ) الْحَصَاةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: " بِعْتُك مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ مِنْ أَرْضٍ، أَوْ ثَوْبٍ "، لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَالْحَصَاةِ» ، وَأَرَادَ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ. فَصْلٌ: وَيَعْتَبِرُ [الْمُحْتَسِبُ] عَلَيْهِمْ صِدْقَ الْقَوْلِ فِي أَخْبَارِ الشِّرَاءِ، وَمِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَفْعَلُونَ مَا لَا يَجُوزُ. فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَشْتَرِي سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، ثُمَّ يُخْبِرُ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْأَجَلَ يُقَابِلُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِي سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، فَإِذَا انْعَقَدَ الْعَقْدُ، وَطَلَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ، نَقَصَهُ [الْمُشْتَرِي] مِنْهُ شَيْئًا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِي سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، فَإِذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا، وَرَجَعَ بِالْأَرْشِ عَلَى بَائِعِهَا، يُخْبِرُ بِرَأْسِ مَالِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ أَوَّلًا مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَاطِئُ جَارَهُ، أَوْ غُلَامَهُ، فَيَبِيعُهُ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا، ثُمَّ يَشْتَرِيه مِنْهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، لِيُخْبِرَ بِهَا فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَيَقُولُ اشْتَرَيْته بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا؛ وَجَمِيعُ ذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ. فَإِذَا اشْتَرَى [التَّاجِرُ] ثَوْبًا بِعَشَرَةِ [دَرَاهِمَ] ، ثُمَّ قَصَّرَهُ بِدِرْهَمٍ، [وَطَرَّزَهُ بِدِرْهَمٍ] ، وَرَفَاهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ لَا (28 ب) يَقُولُ اشْتَرَيْته بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، لِأَنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا، بَلْ يَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، [أَوْ هُوَ عَلَيَّ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا. وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي قَصَّرَهُ وَطَرَّزَهُ وَرَفَاهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْإِنْسَانِ لَا يَقُومُ عَلَيْهِ، وَلَا يَقُولُ رَأْسُ مَالِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا] ، لِأَنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا، بَلْ يَقُولُ اشْتَرَيْته بِعَشَرَةِ [دَرَاهِمَ] ، وَعَمِلْت فِيهِ عَمَلًا يُسَاوِي ثَلَاثَةَ [دَرَاهِمَ] . فَعَلَى الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَعْتَبِرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ، وَيَتَفَقَّدَ مَوَازِينَهُمْ وَأَذْرِعَتِهِمْ؛ وَيَمْنَعَهُمْ مِنْ شَرِكَةِ الْمُنَادِي وَالدَّلَّالِ، وَيُرَاعِيَ حُسْنَ مُعَامَلَتِهِمْ مَعَ الْمُشْتَرِينَ وَجَلَّابِي الْبَضَائِعِ، وَصِدْقَ الْقَوْلِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 [الْبَابُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الدَّلَّالِينَ] الْبَابُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الدَّلَّالِينَ وَالْمُنَادِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا أَخْيَارًا ثِقَات، مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْأَمَانَةِ وَصِدْقِ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَسَلَّمُونَ بَضَائِعَ النَّاسِ، وَيُقَلِّدُونَهُمْ الْأَمَانَةَ فِي بَيْعِهَا. وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَكُونُ شَرِيكًا لِلْبَزَّازِ، [وَلَا يَشْتَرِيهَا لِنَفْسِهِ] ، وَلَا يَقْبِضُ ثَمَنَ السِّلْعَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَكِّلَهُ صَاحِبُهَا فِي الْقَبْضِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمِدُ إلَى صُنَّاعِ الْبَزِّ وَالْحَاكَةِ، وَيُعْطِيهِمْ ذَهَبًا عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ، وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ أَلَّا يَبِيعَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِمْ إلَّا هُوَ؛ وَهَذَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً. وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ لِنَفْسِهِ، وَيُوهِمُ صَاحِبَهَا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ اشْتَرَاهَا (29 أ) مِنْهُ، وَيُوَاطِئُ غَيْرَهُ عَلَى شِرَائِهَا مِنْهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ تَكُونُ السِّلْعَةُ لَهُ، فَيُنَادِي عَلَيْهَا وَيَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا [مِنْ] عِنْدِهِ، وَيُوهِمُ النَّاسَ أَنَّهَا لِبَعْضِ التُّجَّارِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَزَّازِ شَرْطٌ وَمُوَاطَأَةٌ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْأُجْرَةِ، فَإِذَا قَدِمَ إلَى الْبَزَّازِ تَاجِرٌ وَمَعَهُ مَتَاعٌ، فَإِنَّ الْبَزَّازَ يَسْتَدْعِي ذَلِكَ الْمُنَادِي لِبَيْعِ الْمَتَاعِ، فَإِذَا فَرَغَ الْبَيْعُ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ، أَعْطَى الْبَزَّازَ مَا كَانَ شَرْطُهُ لَهُ وَوَاطَأَهُ عَلَيْهِ؛ وَهَذَا حَرَامٌ عَلَى الْبَزَّازِ فِعْلُهُ. وَمَتَى عَلِمَ الْمُنَادِي [أَنَّ] فِي السِّلْعَةِ عَيْبًا، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِيَ [بِهِ] ، وَيُوقِفَهُ عَلَيْهِ. وَعَلَى الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَعْتَبِرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ مَا قُلْنَاهُ، وَيَتَفَقَّدَ أَحْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 [الْبَابُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْحَاكَةِ] الْبَابُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْحَاكَةِ [يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَسِبِ أَنْ] يَأْمُرَهُمْ بِجَوْدَةِ عَمَلِ الشُّقَّةِ وَصَفَاقَتِهَا، وَنِهَايَةِ طُولِهَا الْمُتَعَارَفِ بِهِ، وَعَرْضِهَا وَدِقَّةِ غَزْلِهَا، وَتَنْقِيَتِهَا مِنْ الْقِشْرَةِ السَّوْدَاءِ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ الْخَشِنِ. وَيَمْنَعَهُمْ مِنْ نَثْرِ الدَّقِيقِ والجبصين الْمَشْوِيِّ عَلَيْهَا فِي وَقْتِ نَسْجِهَا، فَإِنَّهُ يَسْتُرُ وَحَاشَهَا، فَتَبِينُ كَأَنَّهَا صَفِيقَةُ الرُّقْعَةِ، وَهَذَا تَدْلِيسٌ عَلَى النَّاسِ. وَإِذَا نَسَجَ أَحَدُهُمْ ثَوْبًا مِنْ الْهُدَّابِ وَالْجِدَادِ الْمَعْقُودِ، فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُفْرَدًا عَنْ الثِّيَابِ، وَإِلَّا كَانَ (29 ب) تَدْلِيسًا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسِجُ وَجْهَ الشُّقَّةِ مِنْ الْغَزْلِ الطَّيِّبِ الْمُصْطَحَبِ، ثُمَّ يَنْسِجُ بَاقِيهَا مِنْ الْغَزْلِ الْغَلِيظِ الْمُعَقَّدِ مِنْ الْهُدَّابِ؛ فَيُرَاعِيهِمْ الْعَرِيفُ، وَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ. وَإِذَا أَخَذَ أَحَدُهُمْ غَزْلًا لِإِنْسَانٍ لِيَنْسِجَهُ لَهُ ثَوْبًا، فَلْيَأْخُذْهُ بِالْوَزْنِ؛ فَإِذَا نَسَجَهُ ثَوْبًا غَسَلَهُ، ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى صَاحِبِهِ بِالْوَزْنِ، لِيَكُونَ أُنْفَى لِلتُّهْمَةِ عَنْهُ؛ فَإِذَا ادَّعَى صَاحِبُ الْغَزْلِ أَنَّ الْحَائِكَ أَبْدَلَ غَزْلَهُ، عَرَضَهُ الْمُحْتَسِبُ عَلَى الْعَرِيفِ، فَإِنْ رَجَعَا إلَى قَوْلِهِ [كَانَ بِهَا] ، وَإِلَّا حَمَلَهُمَا إلَى [حُكْمِ] الشَّرْعِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ [لَهُ] عَلَى بَابِ حَانُوتِهِ جُرْنٌ [مِنْ حَجَرٍ] يَعْرُكُ شُقَّتَهُ فِيهِ، فَإِذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 انْصَرَفَ جَاءَتْ الْكِلَابُ وَوَلَغَتْ فِيهِ؛ فَيُكَلِّفُهُمْ الْمُحْتَسِبُ أَنْ يَجْعَلُوا لَهَا أَغْطِيَةً مِنْ الْخَشَبِ، أَوْ يَغْسِلُوهَا كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، عَنْ الْحَاجَةِ إلَيْهَا. وَيَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ أَنْ يَمْتَدَّ شُقَّاتُهُمْ فِي طُرُقَاتِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهَا تَضُرُّ بِالْمَارَّةِ؛ [وَيَمْنَعَهُمْ أَيْضًا مِنْ أَنْ] يُلْقُوا الطَّعَامَ الَّذِي فِيهَا [مِنْ دَقِيقٍ وَنَحْوِهِ] تَحْتَ أَقْدَامِ الْمُسْلِمِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 [الْبَابُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْخَيَّاطِينَ] الْبَابُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْخَيَّاطِينَ يُؤْمَرُونَ بِجَوْدَةِ التَّفْصِيلِ، وَحُسْنِ فَتْحِ الْجَيْبِ، وَسَعَةِ التَّخَارِيصِ، وَاعْتِدَالِ الْكُمَّيْنِ وَالْأَطْرَافِ، وَاسْتِوَاءِ الذَّيْلِ. وَالْأَجْوَدُ أَنْ تَكُونَ الْخِيَاطَةُ دَرْزًا (30 أ) لَا شَلًّا، وَالْإِبْرَةُ دَقِيقَةٌ، وَالْخَيْطُ فِي الْخُرْمِ قَصِيرًا؛ لِأَنَّهُ إذَا طَالَ انْسَلَخَ وَانْتَقَضَ فَتْلُهُ فَيَضْعُفُ، وَأَيْضًا كُلَّمَا نَتَرَ [الْخَيَّاطُ] ضَعُفَ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَصِّلَ [الْخَيَّاطُ] لِأَحَدٍ ثَوْبًا لَهُ قِيمَةٌ حَتَّى يُقَدِّرَهُ، ثُمَّ يَقْطَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ ثَوْبًا لَهُ قِيمَةٌ كَالْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، فَلَا يَأْخُذُهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَزِنَهُ، فَإِذَا خَاطَهُ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ بِذَلِكَ الْوَزْنِ. وَيَعْتَبِرُ [الْمُحْتَسِبَ] عَلَيْهِمْ مَا يَسْرِقُونَهُ مِنْ أَمْتِعَةِ النَّاسِ، فَمِنْهُمْ مَنْ إذَا خَاطَ ثَوْبًا حَرِيرًا وَنَحْوَهُ حَشَاهُ وَقْتَ كَفِّهِ رَمْلًا وأشراسا، وَيَسْرِقُ بِقَدْرِهِ مِنْ الثَّوْبِ إذَا كَانَ مَوْزُونًا عَلَيْهِ. وَيَمْنَعُهُمْ أَنْ يُمَاطِلُوا النَّاسَ بِخَيَّاطَةِ أَمْتِعَتِهِمْ، بِاسْتِضْرَارِهِمْ بِالتَّرَدُّدِ إلَيْهِمْ، وَحَبْسِ الْأَمْتِعَةِ عَنْهُمْ. وَلَا يَتَكَلَّفُونَ لِلنَّاسِ عَمَلًا أَكْثَرَ مِنْ الْأُسْبُوعِ، إلَّا أَنْ يَشْرِطُوا لِصَاحِبِهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَتَعَدَّوْنَ الشَّرْطَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَلِّفَ [الْمُحْتَسِبُ] الرَّفَّائِينَ أَنْ لَا يَرْفُوا لِأَحَدٍ مِنْ الْقَصَّارِينَ، أَوْ الدَّقَّاقِينَ ثَوْبًا مَخْرُوقًا، إلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وَلَا يَنْقُلُ الْمُطَرِّزُ، أَوْ الرقام رَقْمَ ثَوْبٍ إلَى ثَوْبٍ يُحْضِرُهُ إلَيْهِ الْقَصَّارُ، أَوْ الدَّقَّاقُ، فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِثِيَابِ النَّاسِ. وَأَمَّا صُنَّاعُ الْقَلَانِسِ، فَيَأْمُرُهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] بِعَمَلِهَا مِنْ (30 ب) الْخِرَقِ الْجَدِيدَةِ وَخُيُوطِ الْإِبْرَيْسَمِ وَالْكَتَّانِ الْمَصْبُوغِ؛ وَلَا يَعْمَلُونَهَا مِنْ الْخِرَقِ الْبَالِيَةِ الْمَصْبُوغَةِ، وَيُقَوُّونَهَا بالأشراس وَالنَّشَا، فَهَذَا تَدْلِيسٌ، فَيَمْنَعُهُمْ مِنْ فِعْلِهِ وَعَمَلِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 [الْبَابُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْقَطَّانِينَ] الْبَابُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْقَطَّانِينَ لَا يَخْلِطُونَ جَدِيدَ الْقُطْنِ بِقَدِيمِهِ، وَلَا أَحْمَرَهُ بِأَبْيَضِهِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْدَفَ الْقُطْنُ نَدْفًا مُكَرَّرًا، حَتَّى تَطِيرَ مِنْهُ الْقِشْرَةُ السَّوْدَاءُ وَالْحَبُّ الْمَكْسُورُ، لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ فِيهِ الْحَبُّ ظَهَرَ فِي وَزْنِهِ، وَإِذَا طُرِحَ فِي لِحَافٍ، أَوْ جُبَّةٍ [أَوْ قَبَاءٍ] قَرَضَهُ الْفَأْرُ. وَلَا يَخْلِطُونَ الَّذِي فِي أَسْفَلِ الْبَسْطَةِ مِنْ الصَّفَايَا، وَمَا يَطِيرُ عَلَى الْحِيطَانِ مِنْ الْقُطْنِ الصَّافِي. وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْدِفُ الْقُطْنَ الرَّدِيءَ الْأَحْمَرَ وَيَجْعَلُهُ فِي أَسْفَلِ الْكُبَّةِ، ثُمَّ يُعْلِيه بِالْقُطْنِ الْأَبْيَضِ النَّقِيِّ، فَلَا يَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ غَزْلِهِ. وَيَنْهَاهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] أَنْ يُجْلِسُوا النِّسْوَانَ عَلَى أَبْوَابِ حَوَانِيتِهِمْ، لِانْتِظَارِ فَرَاغِ النَّدْفِ، [وَيَنْهَاهُمْ] عَنْ الْحَدِيثِ مَعَهُنَّ. وَلَا يَضَعُونَ الْقُطْنَ بَعْدَ نَدْفِهِ فِي الْمَوَاضِعِ النَّدِيَّةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ فِي وَزْنِهِ، فَإِذَا جَفَّ نَقَصَ؛ وَهَذَا تَدْلِيسٌ يَفْعَلُهُ الْكُلُّ: فَيَمْنَعُهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] مِنْ فِعْلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 [الْبَابُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الكتانين] الْبَابُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ (31 أ) عَلَى الْكَتَّانِينَ أَجْوَدُ الْكَتَّانِ الْمِصْرِيُّ الْجِيزِيُّ، وَأَجْوَدُهُ النَّاعِمُ الْمُورِقُ، وَأَرْدَؤُهُ الْقَصِيرُ الْخَشِنُ، الَّذِي يَنْقَصِفُ تَحْتَ الصَّدَفَةِ. فَلَا يَخْلِطُونَ جَيِّدَهُ بِرَدِيئِهِ، وَلَا الْكَتَّانَ النَّابْلُسِيَّ بِالْمِصْرِيِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْلِطُ القنداس - وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ السِّرَاقَة - بِالْكَتَّانِ النَّاعِمِ بَعْدَ مَشْطِهِ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ تَدْلِيسٌ. وَلَا يَتْرُكُونَ النِّسْوَانَ جُلُوسًا عَلَى أَبْوَابِ حَوَانِيتِهِمْ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْقَطَّانِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 [الْبَابُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْحَرِيرِيِّينَ] الْبَابُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْحَرِيرِيَّيْنِ لَا يَصْبُغُونَ الْقَزَّ قَبْلَ تَبْيِيضِهِ، لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَقَدْ يَفْعَلُونَهُ حَتَّى يَزِيدَ لَهُمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُثَقِّلُ الْحَرِيرَ بِالنَّشَا الْمُدَبَّرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُثَقِّلُهُ بِالسَّمْنِ، أَوْ الزَّيْتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ فِي ظَهْرِهِ عُقَدًا مِنْ غَيْرِهِ. فَيَعْتَبِرُ [الْمُحْتَسِبُ] عَلَيْهِمْ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 [الْبَابُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الصَّبَّاغِينَ] الْبَابُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الصَّبَّاغِينَ أَكْثَرُ صَبَّاغِي الْحَرِيرِ الْأَحْمَرِ - وَغَيْرِهِ مِنْ الْغَزْلِ وَالثِّيَابِ - يَصْبُغُونَ فِي حَوَانِيتِهِمْ بِالْحِنَّا عِوَضًا عَنْ الْقُوَّة؛ فَيَخْرُجُ الصَّبْغُ حَسَنًا مُشْرِقًا، فَإِذَا أَصَابَتْهُ الشَّمْسُ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَزَالَ إشْرَاقُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُدَكِّنُ الثِّيَابَ بِالْعَفْصِ وَالزَّاجِ، إذَا أَرَادَ صَبْغَهَا كَحُلِيًّا، ثُمَّ يُدْلِيهَا فِي الْخَابِيَةِ، فَتَخْرُجُ صَافِيَةَ اللَّوْنِ شَدِيدَةَ السَّوَادِ (31 ب) ، فَإِذَا مَضَتْ عَلَيْهَا أَقَلُّ مُدَّةٍ تَغَيَّرَ لَوْنُهَا، وَنَفَضَ صَبْغُهَا. وَهَذَا كُلُّهُ تَدْلِيسٌ، فَيَمْنَعُهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] مِنْ فِعْلِهِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبُوا عَلَى ثِيَابِ النَّاسِ أَسْمَاءَهُمْ بِالْحِبْرِ، لِئَلَّا يَتَبَدَّلَ مِنْهَا شَيْءٌ. وَأَكْثَرُ الصَّبَّاغِينَ والمرندجين - إذَا كَانَ فِي أَيَّامِ الْمَوَاسِمِ وَالْأَعْيَادِ، وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَفْرَاحِ - يُغَيِّرُونَ ثِيَابَ النَّاسِ، وَيُكْرُونَهَا بِالْأُجْرَةِ، لِمَنْ يَلْبِسُهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيَتَزَيَّنُ بِهَا. وَهَذِهِ خِيَانَةٌ وَعِدْوَانٌ، فَيَمْنَعُهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] مِنْ فِعْلِهِ. وَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ مَا يَفْعَلُونَهُ وَيَغُشُّونَ بِهِ الصَّبْغَ، وَيَعْرِضُ ذَلِكَ عَلَى عَرِيفِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 [الْبَابُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْأَسَاكِفَةِ] الْبَابُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْأَسَاكِفَةِ لَا يُكْثِرُونَ حَشْوَ الْخِرَقِ [الْبَالِيَةِ] فِيمَا بَيْنَ البشتيك وَالْبِطَانَةِ، وَلَا بَيْنَ النَّعْلِ وَالظِّهَارَةِ. وَيَشُدُّونَ حَشْوَ الْأَعْقَابِ، وَلَا يَشُدُّونَ نَعْلًا قَدْ أَحْرَقَتْهُ الدِّبَاغَةُ، وَلَا فَطِيرًا لَمْ يَنْضَجْ، وَلَا أَدِيمًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَكِّمُوا إبْرَامَ الْخَيْطِ، وَلَا يُطَوِّلُونَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذِرَاعٍ، لِأَنَّهُ إذَا طَالَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ انْسَحَجَ، فَانْتَقَضَ إبْرَامُهُ، وَضَعُفَ عَنْ الْجَذْبِ. وَلَا يَخْرِزُونَ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ، بَلْ يَجْعَلُونَ عِوَضَهُ لِيفًا، أَوْ شَارِبَ الثَّعْلَبِ، فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ. وَلَا يَمْطُلُونَ أَحَدًا بِمَتَاعِهِ، إلَّا أَنْ يَشْرُطُوا لِصَاحِبِهِ إلَى يَوْمٍ مَعْلُومٍ، فَإِنَّ النَّاسَ يَتَضَرَّرُونَ بِالتَّرَدُّدِ إلَيْهِمْ، وَبِحَبْسِ (32 أ) الْأَمْتِعَةِ عَنْهُمْ. وَلَا يَعْمَلُونَ الْوَرِقَ وَاللِّبَدَ وَأَشْبَاهَهُ فِي أَخْفَافِ النِّسْوَانِ، لِكَيْ تُصَرَّ عِنْدَ الْمَشْيِ، كَمَا يَفْعَلُهُ نِسَاءُ بَغْدَادَ، فَإِنَّهُ قَبِيحٌ، وَشُهْرَةٌ لَا تَلِيقُ لِلْأَحْرَارِ؛ فَيَمْنَعُ الْمُحْتَسِبُ مِنْ عَمَلِهِ وَلُبْسِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 [الْبَابُ الثَّلَاثُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الصَّيَارِفِ] الْبَابُ الثَّلَاثُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الصَّيَارِفِ التَّعَيُّشُ بِالصَّرْفِ خَطَرٌ عَلَى دِينِ مُتَعَاطِيهِ، بَلْ لَا بَقَاءَ لِلدِّينِ مَعَهُ إذَا كَانَ الصَّيْرَفِيُّ جَاهِلًا بِالشَّرِيعَةِ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَحْكَامِ الرِّبَا. فَالْوَاجِبُ أَلَّا يَتَعَاطَاهُ [أَحَدٌ] إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِالشَّرْعِ، لِيَتَجَنَّبَ الْوُقُوعَ فِي الْمَحْظُورِ مِنْ أَبْوَابِهِ. وَعَلَى الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَتَفَقَّدَ سُوقَهُمْ، وَيَتَجَسَّسَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ عَثَرَ بِمَنْ رَابَى - أَوْ فَعَلَ فِي الصَّرْفِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الشَّرِيعَةِ - عَزَّرَهُ وَأَقَامَهُ مِنْ السُّوقِ. هَذَا بَعْدَ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ بِأُصُولِ مَسَائِلِ الرِّبَا، وَأَنَّهُ [لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ] يَبِيعَ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ، إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ؛ فَإِنْ أَخَذَ [الصَّيْرَفِيُّ] زِيَادَةً عَلَى الْمِثْلِ، أَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا. وَأَمَّا بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ، فَيَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَيُحَرَّمُ فِيهِ النَّسَا وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَالِصِ بِالْمَغْشُوشِ، وَلَا بَيْعُ الْمَغْشُوشِ بِالْمَغْشُوشِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، كَبَيْعِ الدَّنَانِيرِ الْمِصْرِيَّةِ بِالدَّنَانِيرِ الصُّورِيَّةِ، أَوْ الصُّورِيَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 ب) بِالصُّورِيَّةِ، أَوْ الدَّرَاهِمِ الأحدية بِالدَّرَاهِمِ الْقَرَوِيَّةِ، لِوُجُودِ الْجَهْلِ بِمِقْدَارِهَا وَعَدَمِ التَّمَاثُلِ بَيْنَهَا. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ دِينَارٍ صَحِيحٍ بِدِينَارِ قُرَاضَةٍ لِاخْتِلَافِ قِيمَتِهَا، وَلَا دِينَارٍ قَاشَانِيٍّ بِدِينَارٍ سَابُورِيٍّ لِاخْتِلَافِ صِفَتِهِمَا. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ دِينَارٍ وَثَوْبٍ بِدِينَارَيْنِ. وَقَدْ يَفْعَلُهُ بَعْضُ الصَّيَارِفِ وَالْبَزَّازِينَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، فَيُعْطِي [الْمُشْتَرِي] دِينَارًا وَيَجْعَلُهُ قَرْضًا، ثُمَّ يَبِيعُهُ ثَوْبًا بِدِينَارَيْنِ، فَيَصِيرُ لَهُ عِنْدَهُ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِجُمْلَتِهَا. وَهَذَا حَرَامٌ أَيْضًا، لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ بِهَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً؛ وَلَوْ أَنَّهُ لَمْ يُقْرِضْهُ الدِّينَارَ لَمَا اشْتَرَى مِنْهُ الثَّوْبَ بِدِينَارَيْنِ. وَمِنْهُمْ أَيْضًا مَنْ يَشْتَرِي الدَّنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ فِضَّةٍ، أَوْ بِالْقَرَاطِيسِ الْإِفْرِنْجِيَّةِ، ثُمَّ يَقُولُ لِلْبَائِعِ: " أَحِلْ بِهَا عَلَيَّ غَرِيمًا لَك، لِتَبْرَأَ أَنْتَ مِنْ نَقْدِهَا وَوَزْنِهَا، أَوْ اسْتَجْرِهَا مِنْ عِنْدِي قَلِيلًا قَلِيلًا "، فَيُوَافِقُهُ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ لِفَرْطِ جَهْلِهِ؛ وَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 كُلُّهُ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ. فَعَلَى الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَعْتَبِرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَمَا لَمْ نَذْكُرْهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ وَزْنَ الْأَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ إذَا فُرِّقَتْ نَقَصَتْ نَقْصًا بَيِّنًا، وَلِهَذَا كَثِيرٌ [مِنْ] الصَّيَارِفِ يَكْرَهُ قَبْضَهَا لِنَفْسِهِ (21 أ) ، وَإِذَا كَانَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِ أَرْبَعَةً، وَيَعِدُهُ بِقَبْضِ الْبَاقِي فِي وَقْتٍ آخَرَ. أَمَّا اعْتِبَارُ مَوَازِينِهِمْ وَصِنَجِهِمْ فَقَدْ سَبَقَ [ذِكْرُهُ] ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 [الْبَابُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الصَّاغَةِ] الْبَابُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الصَّاغَةِ يَجِبُ أَلَّا يَبِيعُوا أَوَانِيَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحُلِيِّ الْمَصُوغَةِ إلَّا بِغَيْرِ جِنْسِهَا، لِيَحِلَّ فِيهَا التَّفَاضُلُ، وَإِنْ بَاعَهَا [الصَّائِغُ] بِجِنْسِهَا حُرِّمَ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَا وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ، بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الصَّرْفِ. فَإِنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ الْحُلِيِّ الْمَغْشُوشَةِ لَزِمَهُ أَنْ يُعَرِّفَ الْمُشْتَرِيَ مِقْدَارَ مَا فِيهَا مِنْ الْغِشِّ، لِيَدْخُلَ عَلَى بَصِيرَةٍ. وَإِذَا أَرَادَ صِيَاغَةَ شَيْءٍ مِنْ الْحُلِيِّ لِأَحَدٍ، فَلَا يَسْبِكُهُ فِي الْكُوَرِ إلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ، بَعْدَ تَحْقِيقِ وَزْنِهِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ سَبْكِهِ أَعَادَ الْوَزْنَ. وَإِنْ احْتَاجَ إلَى لِحَامٍ فَإِنَّهُ يَزِنُهُ قَبْلَ إدْخَالِهِ فِيهِ، وَلَا يُرَكِّبُ شَيْئًا مِنْ الْفُصُوصِ وَالْجَوَاهِرِ عَلَى الْخَوَاتِمِ وَالْحُلِيِّ إلَّا بَعْدَ وَزْنِهَا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهَا. وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ تَدْلِيسَ الصَّاغَةِ وَغُشُوشَهُمْ خِفْيَةً لَا تَكَادُ تُعْرَفُ، وَلَا يَصُدُّهُمْ عَنْ ذَلِكَ إلَّا أَمَانَتُهُمْ وَدِينُهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ مِنْ الجلاوات وَالْأَصْبَاغِ مَا لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُمْ. فَمِنْهُمْ مَنْ (33 ب) يَصْبُغُ الْفِضَّةَ صَبْغًا لَا يُفَارِقُ الْجَسَدَ إلَّا بَعْدَ السَّبْكِ الطَّوِيلِ فِي الروباص، ثُمَّ يَمْزُجُونَ بِهَا الذَّهَبَ لِلْوَاحِدِ اثْنَيْنِ. فَمِنْ ذَلِكَ صِفَةُ تَصْفِيرِهِ: يُؤْخَذُ ساذنج قَدْ شُوِيَتْ وَدُهِنَتْ عَلَى الِانْفِرَادِ، وراسخت قَدْ شُوِيَ بِمَاءِ المرنج الْمُدَبَّرِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَزَاجَ وزنجفر مَشْوِيَّانِ بِمَاءِ الْعُقَابِ الْمَحْلُولِ فِي الْقَارُورَةِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 ثُمَّ يُجْمَعُ بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي السَّحْقِ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُشْوَى قَدَحَانِ بِمَاءِ المرنج الْمَذْكُورِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، [ثُمَّ] بِمَاءِ الْعُقَابِ الْمَحْلُولِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ حَجَرًا أَحْمَرَ مِثْلَ الدَّمِ، يُلْقَى مِنْهُ دِرْهَمٌ عَلَى عَشَرَةِ [دَرَاهِمَ] قَمَرٍ يَرُدُّهُ شَمْسًا فِي عِيَارِ سِتَّةَ عَشَرَ، فَإِنْ حُلَّ هَذَا الْحَجَرُ الْإِكْسِيرُ الْأَحْمَرُ، ثُمَّ عُقِدَ صَارَ الْقَمَرُ فِي عِيَارِ عِشْرِينَ، يُفَرَّغُ مِنْهُ دَنَانِيرُ تُعْمَلُ مِنْهُ، وَيُعْمَلُ مِنْهُ مَصَاغًا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ راسخت يَشْوِيه بِمَرَارَةِ الْبَقَرِ سَبْعًا، ثُمَّ يُضِيفُهُ إلَى مِثْلِهِ ذَهَبًا مُكَلَّسًا بِصُفْرَةِ الْكِبْرِيتِ الْمُسْتَخْرَجَةِ بِالْجِيرِ وَالْقِلَى، ثُمَّ يُشْوَى الْجَمِيعُ بِمَاءِ الْعُقَابِ الْمَحْلُولِ سَبْعًا، ثُمَّ يَدْهُنُهُ بِدُهْنِ زَعْفَرَانِ الطُّورِ سَبْعًا، فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ حَجَرًا مِثْلَ الْأَوَّلِ، [فَإِنْ حَلَّهُ وَعَقَدَهُ صَارَ أَبْلَغُ مِنْ الْأَوَّلِ] ، يُقَارِبُ الْمَعْدِنِيَّ، وَالْمُلْقَى مِنْهُ قِيرَاطٌ عَلَى دِرْهَمِ قَمَرٍ. وَقَدْ يَعْمَلُونَ مِنْ الطَّبَّاخَاتِ والجلاوات أَشْيَاءُ (34 أ) يَطُولُ شَرْحُهَا، وَلَوْلَا [أَنِّي] أَخَافُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى هَذَا السِّرِّ مَنْ لَا دِينَ لَهُ، لَأَوْضَحْت مِنْهُ جُمَلًا كَثِيرَةً، لَا يَهْتَدِي إلَيْهَا كَثِيرٌ مِنْ الصَّاغَةِ. فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُرَاقَبَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يُزْغِلُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا بِهَذَا وَلَا بِغَيْرِهِ. فَإِنْ عَثَرَ الْمُحْتَسِبُ بِأَحَدٍ يَفْعَلُ هَذَا عَزَّرَهُ وَأَشْهَرَهُ، كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ. وَأَمَّا تُرَابُ دَكَاكِينِ الصَّاغَةِ وَرَمَادُهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِالْفُلُوسِ، أَوْ بِعَرْضٍ مِنْ غَيْرِ الْفُلُوسِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ يَكُونُ فِيهِ، فَيُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 [الْبَابُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى النَّحَّاسِينَ وَالْحَدَّادِينَ] الْبَابُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى النَّحَّاسِينَ وَالْحَدَّادِينَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَمْزُجُوا النُّحَاسَ بِالْحَبَقِ الَّذِي يَخْرُجُ لِلصَّبَّاغَةِ وَسَبَّاكِي الْفِضَّةِ عِنْدَ السَّبْكِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّبُ النُّحَاسَ وَيَزِيدُهُ يُبْسًا، فَإِذَا أَفْرَغَ مِنْهُ طَاسَةً، أَوْ هَاوُنٍ انْكَسَرَ سَرِيعًا مِثْلُ الزُّجَاجِ. وَيَنْبَغِي أَلَّا يَمْزُجُوا النُّحَاسَ الْمَكْسُورَ مِنْ الْأَوَانِي وَغَيْرِهَا بِالنُّحَاسِ الْمَعْدِنِيِّ الَّذِي [لَمْ] يُسْتَعْمَلْ، بَلْ يُسَبَّكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ، وَيُعْمَلُ مُنْفَرِدًا. فَصْلٌ: أَمَّا الْحَدَّادُونَ فَلَا يَضْرِبُونَ سِكِّينًا - وَلَا مِقْرَاضًا وَلَا مِخْصَفًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (34 ب) - مِنْ الأرمهان، وَيَبِيعُونَهُ عَلَى أَنَّهُ فُولَاذٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ تَدْلِيسٌ. وَلَا يَخْلِطُونَ الْمَسَامِيرَ الرَّجِيعَةَ الْمُطَرَّقَةَ بِالْمَسَامِيرِ الْجَدِيدَةِ الضَّرْبِ. [وَلَا يَعْمَلُونَ إلَّا الْفُولَاذَ الْمُصَفَّى لِلسِّكِّينِ وَالْمِقَصِّ وَالْمُوسَى] ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 [الْبَابُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْبَيَاطِرَةِ] الْبَابُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْبَيَاطِرَةِ الْبَيْطَرَةُ عِلْمٌ جَلِيلٌ سَطَّرَتْهُ الْفَلَاسِفَةُ فِي كُتُبِهِمْ، وَوَضَعُوا فِيهَا تَصَانِيفَ [كَثِيرَةً] . وَهِيَ أَصْعَبُ عِلَاجًا مِنْ أَمْرَاضِ الْآدَمِيِّينَ؛ لِأَنَّ الدَّوَابَّ لَيْسَ لَهَا نُطْقٌ تُعَبِّرُ بِهِ عَمَّا تَجِدُ مِنْ الْمَرَضِ وَالْأَلَمِ، وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى عِلَلِهَا بِالْجَسِّ وَالنَّظَرِ، فَيَفْتَقِرُ الْبَيْطَارُ إلَى حِذْقٍ وَبَصِيرَةٍ بِعِلَلِ الدَّوَابِّ وَعِلَاجِهَا؛ فَلَا يَتَعَاطَى الْبَيْطَرَةَ إلَّا مَنْ لَهُ دِينٌ يَصُدُّهُ عَنْ التَّهَجُّمِ عَلَى الدَّوَابِّ بِفَصْدٍ، أَوْ قَطْعٍ، أَوْ كَيٍّ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بِغَيْرِ مَخْبَرَةٍ، فَيُؤَدِّي إلَى هَلَاكِ الدَّابَّةِ، أَوْ عَطَبِهَا. فَصْلٌ: وَيَنْبَغِي لِلْبَيْطَارِ أَنْ يَنْظُرَ [إلَى] رُسْغِ الدَّابَّةِ، وَيَعْتَبِرَ حَافِرَهَا قَبْلَ تَقْلِيمِهِ، فَإِنْ كَانَ أَحْنَفَ، أَوْ مَائِلًا، نَسَفَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ قَدْرًا يَحْصُلُ بِهِ الِاعْتِدَالُ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الدَّابَّةِ. قَائِمَةً جَعَلَ الْمَسَامِيرَ الْمُؤَخَّرَةَ صِغَارًا وَالْمُقَدَّمَةَ كِبَارًا، وَإِنْ كَانَتْ يَدُهَا بِالضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ صَغَّرَ الْمُقَدَّمَةَ وَكَبَّرَ الْمُؤَخَّرَةَ. وَلَا يُبَالِغُ [الْبَيْطَارُ] فِي نَسْفِ الْحَافِرِ فَتَغْمِسُ الدَّابَّةُ، وَلَا يُرْخِي (35 أ) الْمَسَامِيرَ فَيَتَحَرَّكُ النَّعْلُ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ الْحَصَى وَالرَّمْلُ، فَتَرْهَصُ [الدَّابَّةُ] ؛ وَلَا [يَنْبَغِي لَهُ أَنْ] يَشُدَّهَا قَوِيًّا عَلَى الْحَافِرِ فَتُزْمَنُ [الدَّابَّةُ] . وَاعْلَمْ أَنَّ النِّعَالَ الْمُطَرَّقَةَ أَلْزَمُ لِلْحَافِرِ، وَاللَّيِّنَةَ أَثْبُتُ لِلْمَسَامِيرِ الصُّلْبَةِ، وَالْمَسَامِيرَ الدَّقِيقَةَ خَيْرٌ مِنْ الْغَلِيظَةِ. وَإِذَا احْتَاجَتْ الدَّابَّةُ إلَى فَتْحِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 عِرْقٍ أَخَذَ [الْبَيْطَارُ] الْمِبْضَعَ بَيْنَ إصْبَعَيْهِ، وَجَعَلَ نِصَابَهُ فِي رَاحَتِهِ، وَأَخْرَجَ مِنْ رَأْسِهِ مِقْدَارَ نِصْفِ ظُفْرٍ، ثُمَّ فَتَحَ الْعِرْقَ تَعْلِيقًا إلَى فَوْقٍ بِخِفَّةٍ وَرِفْقٍ. وَلَا يَضْرِبُ [الْبَيْطَارُ] الْعِرْقَ حَتَّى يَجُسَّهُ بِإِصْبَعِهِ، سِيَّمَا عُرُوقِ الْأَوْدَاجِ، [فَإِنَّهَا خَطِرَةٌ لِمُجَاوَرَتِهَا الْمَرِيءَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ شَيْئًا مِنْ عُرُوقِ الْأَوْدَاجِ] خَنَقَ الدَّابَّةَ خَنْقًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْدُرَ عُرُوقُ الْأَوْدَاجِ، فَيَتَمَكَّنَ حِينَئِذٍ مِمَّا أَرَادَ. فَصْلٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ [الْبَيْطَارُ] خَبِيرًا بِعِلَلِ الدَّوَابِّ، وَمَعْرِفَةِ [مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ] ، وَمَا يَحْدُثُ فِيهَا مِنْ الْعُيُوبِ، فَيَرْجِعُ النَّاسُ إلَيْهِ إذَا اخْتَلَفُوا فِي [عَيْبِ] الدَّابَّةِ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ فِي كِتَابِ الْبَيْطَرَةِ أَنَّ عِلَلَ الدَّوَابِّ ثَلَاثُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ عِلَّةً، مِنْهَا الْخُنَّاقُ، [وَالْخُنَانُ الرَّطْبُ، وَالْخُنَانُ الْيَابِسُ، وَالْجُنُونُ] ، وَفَسَادُ الدِّمَاغِ، وَالصُّدَاعُ، وَالْحُمْرُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وَالنَّفْخَةُ، وَالْوَرَمُ، وَالْمُرَّةُ الْهَائِجَةُ، والديبة، وَالْخُشَامُ، وَوَجَعُ الْكَبِدِ، (35 ب) وَوَجَعُ الْقَلْبِ، وَالدُّودُ فِي الْبَطْنِ، وَالْمَغَلُ، وَالْمَغْسُ، وَرِيحُ السُّوسِ، وَالْقُضَاعُ، وَالصُّدَامُ، وَالسُّعَالُ الْبَارِدُ، وَالسُّعَالُ الْحَارُّ، وَانْفِجَارُ الدَّمِ مِنْ الدُّبُرِ وَالذَّكَرِ، والبحل، وَالْحَلَقُ، وَعُسْرُ الْبَوْلِ، وَوَجَعُ الْمَفَاصِلِ، وَالرَّهْصَةُ، وَالدَّخَسُ، وَالدَّاحِسُ، وَالنَّمْلَةُ، وَالنَّكَبُ، وَالْخُلْدُ، وَاللَّقْوَةُ، وَالْمَاءُ الْحَادِثُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الْعَيْنِ، والمياخونة، وَرَخَاوَةُ الْأُذُنَيْنِ، وَالضَّرَسُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ شَرْحُهُ، وَيَفْتَقِرُ الْبَيْطَارُ إلَى تَحْصِيلِ مَعْرِفَةِ عِلَاجِهِ، وَسَبَبِ حُدُوثِ هَذِهِ الْعِلَلِ. فَمِنْهَا مَا إذَا حَدَثَ فِي الدَّابَّةِ صَارَ عَيْبًا دَائِمًا، وَمِنْهَا مَا لَمْ يَصِرْ عَيْبًا دَائِمًا؛ وَلَوْلَا التَّطْوِيلُ لَشَرَحْت مِنْ ذَلِكَ جُمَلًا وَتَفَاصِيلَ. فَلَا يُهْمِلُ الْمُحْتَسِبُ امْتِحَانَ الْبَيْطَارِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَمُرَاعَاةَ فِعْلِهِ بِدَوَابِّ النَّاسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 [الْبَابُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى نَخَّاسِي الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ] الْبَابُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى نَخَّاسِي الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ يَكُونُ النَّخَّاسُ ثِقَةً أَمِينًا عَادِلًا، مَشْهُورًا بِالْعِفَّةِ وَالصِّيَانَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَسَلَّمُ جِوَارِي النَّاسِ وَغِلْمَانِهِمْ، وَرُبَّمَا اخْتَلَى بِهِمْ فِي مَنْزِلِهِ. وَيَنْبَغِي أَلَّا يَبِيعَ [النَّخَّاسُ] لِأَحَدٍ (36 ا) جَارِيَةً وَلَا عَبْدًا حَتَّى يَعْرِفَ الْبَائِعَ، أَوْ يَأْتِيَ بِمَنْ يَعْرِفُهُ، وَيَكْتُبُ اسْمَهُ وَصِفَتَهُ فِي دَفْتَرِهِ، لِئَلَّا يَكُونَ الْمَبِيعُ حُرًّا، أَوْ مَسْرُوقًا. وَمَنْ أَرَادَ شِرَاءَ جَارِيَةٍ، جَازَ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا، فَإِنْ طَلَبَ اسْتِعْرَاضَهَا فِي مَنْزِلِهِ وَالْخَلْوَةَ بِهَا فَلَا يُمَكِّنُهُ النَّخَّاسُ مِنْ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نِسَاءٌ فِي مَنْزِلِهِ، فَيَنْظُرْنَ جَمِيعَ بَدَنِهَا؛ وَمَنْ أَرَادَ شِرَاءَ غُلَامٍ، فَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهُ إلَى مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَدُونَ الرُّكْبَةِ. هَذَا كُلُّهُ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ، فَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى جَمِيعِ بَدَنِ الْجَارِيَةِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا قَبْلَ سَبْعِ سِنِينَ؛ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ، أَوْ الْمَمْلُوكِ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ [النَّخَّاسُ] يَقِينًا أَنَّ الْمَمْلُوكَ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ؛ وَمَتَى عَلِمَ [أَنَّ] بِالْمَبِيعِ عَيْبًا وَجَبَ عَلَيْهِ بَيَانُهُ لِلْمُشْتَرِي، كَمَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ. فَصْلٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ [النَّخَّاسُ] بَصِيرًا بِالْعُيُوبِ، خَبِيرًا بِابْتِدَاءِ الْعِلَلِ وَالْأَمْرَاضِ؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 فَإِذَا أَرَادَ بَيْعَ غُلَامٍ نَظَرَ إلَى جَمِيعِ جَسَدِهِ سِوَى عَوْرَتَهُ قَبْلَ بَيْعِهِ، وَيَعْتَبِرُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِ عَيْبٌ، أَوْ عِلَّةٌ فَيُخْبِرُ بِهِ الْمُشْتَرِيَ. فَأَوَّلُ مَا يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهِ، فَإِنْ كَانَ مَائِلَ اللَّوْنِ إلَى الصُّفْرَةِ، أَوْ الْغُبْرَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَرَضٍ، أَوْ عِلَّةٍ فِي الْكَبِدِ، أَوْ الطِّحَالِ، أَوْ الْبَوَاسِيرِ، (36 ب) بِمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَيَنْبَغِي [لِلدَّلَّالِ] أَلَّا يَبِيعَ دَابَّةً حَتَّى يَعْرِفَ الْبَائِعَ، أَوْ يَأْتِيَ بِمَنْ يَعْرِفَهُ، وَيَكْتُبَ اسْمَهُ فِي دَفْتَرِهِ كَمَا قُلْنَا أَوَّلًا، لِئَلَّا تَكُونَ الدَّابَّةُ مَعِيبَةً، أَوْ مَسْرُوقَةً، [وَاَللَّهُ أَعْلَمُ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 [الْبَابُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْحَمَّامَاتِ وَقَوْمَتِهَا] الْبَابُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْحَمَّامَاتِ وَقَوَّمْتهَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ - وَفِي الَّذِي قَبْلَهُ - أَشْيَاءَ لَيْسَتْ مِنْ قَبِيلِ الْحِسْبَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا لِعُمُومِ الِانْتِفَاعِ بِمَعْرِفَتِهَا، وَهِيَ لَائِقَةٌ بِهَذَا الْمَكَانِ. وَلَعَمْرِي إنَّ الْحِكْمَةَ ضَالَّةُ كُلِّ حَكِيمٍ، وَالْفَائِدَةَ حَسَنَةٌ حَيْثُ وُجِدَتْ. قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: خَيْرُ الْحَمَّامَاتِ مَا قَدُمَ بِنَاؤُهُ، وَاتَّسَعَ هَوَاؤُهُ، وَعَذُبَ مَاؤُهُ، وَقَدَّرَ الْأَتَانُ وَقُودَهُ بِقَدْرِ مِزَاجِ مَنْ أَرَادَ وُرُودَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْفِعْلَ الطَّبِيعِيَّ [لِلْحَمَّامِ هُوَ] التَّسْخِينُ بِهَوَائِهِ، وَالتَّرْطِيبُ بِمَائِهِ؛ فَالْبَيْتُ الْأَوَّلُ مُبَرِّدٌ مُرَطِّبٌ، وَالْبَيْتُ الثَّانِي مُسَخِّنٌ مُرْخٍ، وَالْبَيْتُ الثَّالِثُ مُسَخِّنٌ مُجَفِّفٌ. وَالْحَمَّامُ يَشْتَمِلُ عَلَى مَنَافِعَ وَمَضَارَّ، فَأَمَّا مَنَافِعُهَا فَتَوْسِيعُ الْمَسَامِّ وَاسْتِفْرَاغُ الْفَضَلَاتِ، [وَهِيَ] تُحَلِّلُ الرِّيَاحَ، وَتَحْبِسُ الطَّبْعَ إذَا كَانَتْ سُهُولَتُهُ عَنْ هَيْضَةٍ، وَتُنَظِّفُ الْوَسَخَ وَالْعَرَقَ، وَتُذْهِبُ الْحَكَّةَ وَالْجَرَبَ [وَالْإِعْيَاءَ] ، وَتُرَطِّبُ الْبَدَنَ، وَتُجَوِّدُ الْهَضْمَ، وَتُنْضِجُ النَّزَلَاتِ وَالزُّكَامَ، وَتَنْفَعُ مِنْ حُمَّى يَوْمٍ، وَمِنْ حُمَّى الدَّقِّ وَالرَّبَعِ بَعْدَ نُضْجِ خَلْطِهَا. وَأَمَّا مَضَارُّهَا (37 أ) فَإِنَّهَا تُرْخِي الْجَسَدَ، وَتُضْعِفُ الْحَرَارَةَ عِنْدَ طُولِ الْمُقَامِ فِيهَا، وَتُسْقِطُ شَهْوَةَ الطَّعَامِ، وَتُضْعِفُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 الْبَاهَ؛ وَأَعْظَمُ مَضَارِّهَا صَبُّ الْمَاءِ الْحَارِّ عَلَى الْأَعْضَاءِ الضَّعِيفَةِ. وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ الْحَمَّامُ عَلَى الرِّيقِ وَالْخُلُوِّ، فَتُجَفِّفُ تَجْفِيفًا شَدِيدًا، وَتَهْزِلُ [الْبَدَنَ] وَتُضْعِفُهُ. وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ الْحَمَّامُ عَلَى قُرْبِ عَهْدٍ بِالشِّبَعِ، فَتُسَمِّنُ الْبَدَنَ، إلَّا أَنَّهَا تُحْدِثُ سَدَدًا. وَأَجْوَدُ مَا اُسْتُعْمِلَ الْحَمَّامُ عَلَى الشِّبَعِ بَعْدَ الْهَضْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يُرَطِّبُ الْبَدَنَ، [وَيُسَمِّنُهُ] ، وَيُحَسِّنُ بَشَرَتَهُ. فَصْلٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَهُمْ الْمُحْتَسِبُ بِغَسْلِ الْحَمَّامِ وَكَنْسِهَا وَتَنْظِيفِهَا بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ، غَيْرِ مَاءِ الْغَسَّالَةِ، يَفْعَلُونَ ذَلِكَ مِرَارًا فِي الْيَوْمِ. وَيُدَلِّكُونَ الْبَلَاطَ بِالْأَشْيَاءِ الْخَشِنَةِ، لِئَلَّا يَتَعَلَّقَ بِهِ السِّدْرُ وَالْخِطْمِيُّ وَالصَّابُونُ، فَتَزْلَقُ أَرْجُلُ [النَّاسِ] عَلَيْهَا. وَيَغْسِلُونَ الْخِزَانَةَ مِنْ الْأَوْسَاخِ الْمُجْتَمَعَةِ فِي مَجَارِيهَا، وَالْعَكَرِ الرَّاكِدِ فِي أَسْفَلِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً؛ لِأَنَّهَا إنْ تُرِكَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ تَغَيَّرَ الْمَاءُ فِيهَا فِي الطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ. وَإِذَا أَرَادَ الْقَيِّمُ الصُّعُودَ إلَى الْخِزَانَةِ لِفَتْحِ الْمَاءِ إلَى الْأَحْوَاضِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَصْعَدَ، لِئَلَّا يَكُونَ قَدْ خَاضَ فِي الْغَسَّالَاتِ. وَلَا يَسُدُّ الْأَنَابِيبَ بِشَعْرِ الْمَشَّاطَةِ، بَلْ يَسُدُّهَا بِاللِّيفِ وَالْخِرَقِ الطَّاهِرَةِ، لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ. وَيُشْعِلُ فِيهَا الْبَخُورَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، سِيَّمَا إذَا (37 ب) شَرَعَ فِي غَسْلِهَا وَكَنْسِهَا. وَمَتَى بَرَدَتْ الْحَمَّامُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَخِّرَهَا [الْقِيَمُ] بِالْخُزَامَى، فَإِنَّ دُخَانَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 يُحَمِّي هَوَاءَهَا، وَيُطَيِّبُ رَائِحَتَهَا. وَلَا يَحْبِسُ مَاءَ الْغَسَّالَاتِ فِي مَسِيلِ الْحَمَّامِ، لِئَلَّا تَفُوحَ رَائِحَتُهَا؛ وَلَا يَدَعُ الْأَسَاكِفَةَ وَغَيْرَهُمْ يَصْبُغُونَ الْجُلُودَ فِي الْحَمَّامِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَتَضَرَّرُونَ بِرَائِحَةِ الدِّبَاغَةِ؛ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَجْذُومُ وَالْأَبْرَصُ إلَى الْحَمَّامِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْحَمَّامِيِّ ميازر يُؤَجِّرُهَا لِلنَّاسِ، أَوْ يُعِيرُهَا لَهُمْ، فَإِنَّ الْغُرَبَاءَ وَالضُّعَفَاءَ قَدْ يَحْتَاجُونَ إلَى ذَلِكَ. وَيَأْمُرُهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] بِفَتْحِ الْحَمَّامِ فِي السَّحَرِ، لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا لِلتَّطَهُّرِ فِيهَا قَبْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ؛ وَيُلْزِمُ النَّاطُورَ حِفْظَ ثِيَابِ النَّاسِ، فَإِنْ ضَاعَ مِنْهَا شَيْءٌ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَصْلٌ: وَيَكُونُ الْمُزَيِّنُ -[وَهُوَ الْبَلَّانُ - خَفِيفًا رَشِيقًا بَصِيرًا بِالْحِلَاقَةِ، وَيَكُونُ حَدِيدُهُ رَطْبًا قَاطِعًا، وَلَا يَسْتَقْبِلُ الرَّأْسَ وَمَنَابِتَ الشَّعْرِ اسْتِقْبَالًا. وَلَا يَأْكُلُ [الْمُزَيِّنُ] مَا يُغَيِّرُ نَكْهَتِهِ، كَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْكُرَّاثِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ النَّاسُ بِرَائِحَةٍ فِيهِ عِنْدَ الْحِلَاقَةِ. وَيَبْغِي أَنْ يَحْلِقَ الْجَبِينَ وَالصُّدْغَيْنِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ، وَلَا يَحْلِقَ شَعْرَ صَبِيٍّ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَلَا يَحْلِقَ عِذَارَ أَمْرَدَ وَلَا لِحْيَةَ مُخَنَّثٍ. وَيَأْمُرُ [الْمُحْتَسِبُ] الْمُدَلِّكَ أَنْ يُدَلِّكَ يَدَهُ بِقُشُورِ الرُّمَّانِ، لِتَصِيرَ خَشِنَةً، (38 أ) فَتُخْرِجُ الْوَسَخَ، وَيَسْتَلِذُّ بِهَا الْإِنْسَانُ؛ وَيُمْنَعُ مِنْ دُلُوكِ الْبَاقِلَّا وَالْعَدَسِ فِي الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَعَامٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمْتَهَنَ. فَصْلٌ: وَيَلْزَمُ الْمُحْتَسِبَ أَنْ يَتَفَقَّدَ الْحَمَّامَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِرَارًا، وَيَعْتَبِرَ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ وَإِنْ رَأَى أَحَدًا قَدْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ عَزَّرَهُ عَلَى كَشْفِهَا؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ، وَقَدْ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاظِرَ وَالْمَنْظُورَ إلَيْهِ» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 [الْبَابُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الفصادين وَالْحَجَّامِينَ] َ لَا يَتَصَدَّى لِلْفَصْدِ إلَّا مَنْ اشْتَهَرَتْ مَعْرِفَتُهُ بِتَشْرِيحِ الْأَعْضَاءِ وَالْعُرُوقِ وَالْعَضَلِ وَالشَّرَايِينِ، وَأَحَاطَ بِمَعْرِفَةِ تَرْكِيبِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا، لِئَلَّا يَقَعَ الْمِبْضَعُ فِي عِرْقٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ أَوْ فِي عَضَلَةٍ أَوْ شِرْيَانٍ، فَيُؤَدِّي إلَى زَمَانَةِ الْعُضْوِ وَهَلَاكِ الْمَقْصُودِ؛ فَكَثِيرٌ هَلَكَ مِنْ ذَلِكَ. وَمَنْ أَرَادَ تَعَلُّمَ الْفَصْدِ فَلْيُدْمِنْ فَصْدَ وَرَقِ الشَّلْقِ - أَعْنِي الْعُرُوقَ الَّتِي فِي الْوَرَقَةِ - حَتَّى تَسْتَقِيمَ يَدُهُ. وَيَنْبَغِي لِلْفَاصِدِ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ عَمَلِ صِنَاعَةٍ مَهِينَةٍ، تُكْسِبُ أَنَامِلَهُ صَلَابَةً وَعُسْرَ حِسٍّ، لَا يَتَأَتَّى مَعَهَا نَبْشُ الْعُرُوقِ؛ وَأَنْ يُرَاعِيَ بَصَرَهُ بِالْأَكْحَالِ الْمُقَوِّيَةِ لَهُ والأيارجات، إنْ كَانَ مِمَّنْ يَحْتَاجُ (38 ب) إلَيْهَا؛ وَأَلَّا يَفْصِدَ عَبْدًا إلَّا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ، وَلَا صَبِيًّا إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَلَا حَامِلًا وَلَا طَامِثًا؛ وَأَلَّا يَفْصِدَ إلَّا فِي مَكَان مُضِيءٍ وَبِآلَةٍ مَاضِيَةٍ؛ وَأَلَّا يَفْصِدَ وَهُوَ مُنْزَعِجُ الْجَنَانِ. وَبِالْجُمْلَةِ يَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ [أَلَّا يَفْصِدُوا] فِي عَشَرَةِ أَمْزِجَةٍ، وَلْيَحْذَرُوا فِيهَا حَذَرًا، إلَّا بَعْدَ مُشَاوَرَةِ الْأَطِبَّاءِ، وَهِيَ: فِي السِّنِّ الْقَاصِرِ عَنْ الرَّابِعَ عَشَرَ، وَفِي سِنِّ الشَّيْخُوخَةِ، [وَفِي الْأَبْدَانِ الشَّدِيدَةِ الْقَضَافَةِ] ، وَفِي الْأَبْدَانِ الشَّدِيدَةِ السِّمَنِ، وَفِي الْأَبْدَانِ الْمُتَخَلْخِلَةِ، وَفِي الْأَبْدَانِ الْبِيضِ الْمُرْهِلَةِ، وَفِي الْأَبْدَانِ الصُّفْرِ الْعَدِيمَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 الدَّمِ، وَفِي الْأَبْدَانِ الَّتِي طَالَتْ بِهَا الْأَمْرَاضُ، وَفِي الْمِزَاجِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، وَعِنْدِ الْوَجَعِ الشَّدِيدِ؛ فَهَذِهِ الْأَحْوَالُ يَجِبُ أَنْ تُكْشَفَ عَلَى الْفَاصِدِ عِنْدَ وُجُودِهَا. وَقَدْ نَهَتْ الْأَطِبَّاءُ عَنْ الْفَصْدِ فِي خَمْسَةِ أَحْوَالٍ أَيْضًا، وَلَكِنَّ مَضَرَّتَهُ دُونَ مَضَرَّةِ الْعَشَرَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا؛ فَالْحَالَةُ الْأُولَى الْفَصْدُ عَقِيبَ الْجِمَاعِ، وَبَعْدَ الِاسْتِحْمَامِ الْمُحَلَّلِ، وَفِي حَالِ الِامْتِلَاءِ مِنْ الطَّعَامِ، وَفِي حَالَةِ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ وَالْأَمْعَاءِ مِنْ الثِّقَلِ، وَفِي حَالَةِ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَالْحَرِّ؛ فَهَذِهِ أَحْوَالٌ يُتَوَقَّى الْفَصْدُ فِيهَا أَيْضًا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَصْدَ لَهُ وَقْتَانِ: وَقْتُ اخْتِيَارٍ وَوَقْتُ اضْطِرَارٍ، فَأَمَّا وَقْتُ الِاخْتِيَارِ (39 أ) فَهُوَ ضَحْوَةُ نَهَارٍ بَعْدَ تَمَامِ الْهَضْمِ وَالنَّقْصِ، وَأَمَّا وَقْتُ الِاضْطِرَارِ فَهُوَ الْوَقْتُ الْمُوجِبُ الَّذِي لَا يَتَّسِعُ تَأْخِيرُهُ، وَلَا يُلْتَفَتُ فِيهِ إلَى سَبَبٍ مَانِعٍ. وَيَنْبَغِي لِلْمُفْتَصَدِ أَلَّا يَمْتَلِئَ مِنْ الطَّعَامِ بَعْدَهُ، بَلْ يَتَدَرَّجُ فِي الْغِذَاءِ وَيُلَطِّفُهُ؛ وَلَا يَرْتَاضُ بَعْدَهُ، بَلْ يَمِيلُ إلَى الِاسْتِلْقَاءِ؛ وَيَحْذَرُ النَّوْمَ عَقِيبَ الْفَصْدِ؛ فَإِنَّهُ يُحْدِثُ انْكِسَارًا فِي الْأَعْضَاءِ؛ وَمَنْ اُفْتُصِدَ وَتَوَرَّمَتْ عَلَيْهِ الْيَدُ اُفْتُصِدَ فِي الْيَدِ الْأُخْرَى، بِمِقْدَارِ الِاحْتِمَالِ. [فَصْلٌ فِيمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ الْفَاصِدِ] فَصْلٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ الْفَاصِدِ مَبَاضِعُ كَثِيرَةٌ، مِنْ ذَوَاتِ الشَّعِيرَةِ وَغَيْرِهَا؛ وَأَنْ يَكُونَ مَعَهُ كَبَّةٌ مِنْ حَرِيرٍ أَوْ خَزٍّ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ آلَةِ الْقَيْءِ، مِنْ خَشَبٍ أَوْ رِيشٍ. وَ [يَنْبَغِي] أَنْ يَكُون مَعَهُ وَبَرُ الْأَرْنَبِ، وَدَوَاءُ الصَّبْرِ والكندر، وَصِفَتُهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الكندر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وَالصَّبْرِ وَالْمُرِّ وَدَمِ الْأَخَوَيْنِ، مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ جُزْءٌ، [وَمِنْ القلقطار وَالزَّاجِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ جُزْءٍ؛ وَيُجْمَعُ الْجَمِيعُ] ، وَيُعْمَلُ كَالْمَرْهَمِ؛ وَيَرْفَعُهُ [الْفَاصِدُ] عِنْدَهُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَ [يَنْبَغِي] أَنْ يَكُونَ مَعَهُ نَافِجَةُ مِسْكٍ وَأَقْرَاصُ الْمِسْكِ، وَيَعْتَدُّ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ، حَتَّى إذَا عَرَضَ لِلْمَفْصُودِ غَشْيٌ بَادَرَ فَأَلْقَمَ الْمَوْضِعَ كُبَّةَ الْحَرِيرِ، وَأَلْقَمَهُ بِآلَةِ الْقَيْءِ، وَشَمَّمَهُ النَّافِجَةَ، وَجَرَّعَهُ مِنْ أَقْرَاصِ الْمِسْكِ شَيْئًا، فَتَنْعَشُ قُوَّتُهُ بِذَلِكَ. (39 ب) وَإِنْ حَدَثَ فُتُوقُ دَمٍ، مِنْ عِرْقٍ أَوْ شَرْيَانَ، حَشَاهُ [الْفَاصِدُ] بِوَبَرِ الْأَرْنَبِ وَدَوَاءِ الكندر الْمَذْكُورِ. وَلَا يَضْرِبُ [الْفَاصِدُ] بِمِبْضَعِ كَالٍّ، فَإِنَّهُ كَبِيرُ الْمَضَرَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُخْطِئُ فَلَا يَلْحَقُ [الْعِرْقَ] ، فَيُورَمَ وَيُوجِعَ. وَلْيَمْسَحْ رَأْسَ مِبْضَعِهِ بِالزَّيْتِ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِعُ عِنْدَ الْبَضْعِ، غَيْرُ أَنَّهُ لَا يَلْتَحِمُ سَرِيعًا. وَإِذَا أَخَذَ الْمِبْضَعَ فَلْيَأْخُذْهُ بِالْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى، وَيَتْرُكُ السَّبَّابَةَ لِلْجَسِّ؛ وَيَكُونُ الْأَخْذُ عَلَى نِصْفِ [الْمِبْضَعِ] ، وَلَا يَكُونُ فَوْقَ ذَلِكَ، فَيَكُونَ التَّمَكُّنُ مِنْهُ مُضْطَرِبًا. وَلَا يُدْفَعُ الْمِبْضَعُ بِالْيَدِ غَمْزًا، بَلْ يُدْفَعُ بِالِاخْتِلَاسِ، لِيُوصَلَ طَرَفُ الْمِبْضَعِ حَشْوَ الْعُرُوقِ. وَلَمْ أَرَ فِي صِنَاعَةِ الْفَصْدِ أَحْذَقَ مِنْ رَجُلَيْنِ رَأَيْتهمَا بِمَدِينَةِ حَلَبَ، افْتَخَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْحِذْقِ؛ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ لَبِسَ غِلَالَةً، وَشَدَّ يَدَهُ مِنْ فَوْقِ الْغِلَالَةِ، وَانْغَمَسَ فِي بِرْكَةٍ، ثُمَّ فَصَدَ يَدَهُ [فِي قَاعِ الْمَاءِ مِنْ فَوْقِ الْغِلَالَةِ؛ وَأَمَّا الْآخَرُ فَمَسَكَ الْمِبْضَعَ بِإِبْهَامِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ فَصَدَ يَدَهُ] وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُوَسِّعَ [الْفَاصِدُ] الْبَضْعَ فِي الشِّتَاءِ، لِئَلَّا يَجْمُدَ [الدَّمُ] ، وَيُضَيِّقَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 فِي الصَّيْفِ، لِئَلَّا يُسْرِعَ إلَى الْغَشْيِ. وَتَثْنِيَةُ الْفَصْدِ تَحْفَظُ قُوَّةَ الْمَفْصُودِ، فَمَنْ أَرَادَهَا فِي يَوْمِهِ فَلْيَشُقَّ الْعِرْقَ مُوَرِّبًا، لِئَلَّا يَلْتَحِمَ سَرِيعًا؛ وَأَجْوَدُ التَّثْنِيَةِ مَا أُخِّرَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً. وَمَتَى تَغَيَّرَ لَوْنُ الدَّمِ، أَوْ حَدَثَ غَشْيٌ وَضَعْفٌ (40 أ) فِي النَّبْضِ، فَلْيُبَادِرْ [الْفَاصِدُ] إلَى شَدِّ الْعِرْقِ وَمَسْكِهِ. [فَصَلِّ الْعُرُوقَ الْمَفْصُودَةَ كَثِيرَةٌ] فَصْلٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُرُوقَ الْمَفْصُودَةَ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا عُرُوقٌ فِي الرَّأْسِ، وَعُرُوقٌ فِي الْيَدَيْنِ، وَعُرُوقٌ فِي الْبَدَنِ، وَعُرُوقٌ فِي الرِّجْلَيْنِ، وَعُرُوقٌ فِي الشَّرَايِينِ؛ فَيَمْتَحِنُهُمْ الْمُحْتَسِبُ بِمَعْرِفَتِهَا، وَبِمَا يُجَاوِرُهَا مِنْ الْعَضَلِ وَالشَّرَايِينِ. وَسَأَذْكُرُ مَا اُشْتُهِرَ مِنْهَا: أَمَّا عُرُوقُ الرَّأْسِ الْمَفْصُودَةِ، فَعِرْقُ الْجَبْهَةِ، وَهُوَ الْمُنْتَصِبُ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ، وَفَصْدُهُ يَنْفَعُ مِنْ ثِقَلِ الْعَيْنَيْنِ وَالصُّدَاعِ الدَّائِمِ؛ وَمِنْهَا الْعِرْقُ الَّذِي فَوْقَ الْهَامَةِ، وَفَصْدُهُ يَنْفَعُ [مِنْ] الشَّقِيقَةِ وَقُرُوحِ الرَّأْسِ؛ وَمِنْهَا الْعِرْقَانِ الْمَلْوِيَّانِ عَلَى الصُّدْغَيْنِ، وَفَصْدُهُمَا يَنْفَعُ مِنْ الرَّمَدِ وَالدَّمْعَةِ وَجَرَبِ الْأَجْفَانِ وَبُثُورِهَا؛ وَمِنْهَا عِرْقَانِ خَلْفَ الْأُذُنَيْنِ، يُفْصَدَانِ لِقَطْعِ النَّسْلِ، فَيُحَلِّفُهُمْ الْمُحْتَسِبُ أَلَّا يَفْصِدُوا وَاحِدًا فِيهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ النَّسْلَ، وَقَطْعُ النَّسْلِ حَرَامٌ؛ وَمِنْهَا عُرُوقُ الشَّفَةِ، وَفَصْدُهَا يَنْفَعُ مِنْ قُرُوحِ الْفَمِ وَالْقِلَاعِ وَأَوْجَاعِ اللِّثَة وَأَوْرَامِهَا؛ وَمِنْهَا الْعُرُوقُ الَّتِي تَحْتَ (40 ب) اللِّسَانِ، وَفَصْدُهَا يَنْفَعُ مِنْ الْخَوَانِيقِ وَأَوْرَامِ اللَّوْزَتَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 فَصْلٌ وَأَمَّا عُرُوقُ الْيَدَيْنِ فَسِتَّةٌ، [وَهِيَ] الْقِيفَالُ، وَالْأَكْحَلُ، والباسليق، وَحَبْلُ الذِّرَاعِ، وَالْأُسَيْلِمُ، وَالْإِبْطِيُّ - وَهُوَ شُعْبَةٌ مِنْ الباسليق؛ وَأَسْلَمُ هَذِهِ الْعُرُوقِ الْقِيفَالُ. وَيَنْبَغِي [عَلَى الْفَاصِدِ] أَنْ يُنَحِّيَ فِي فَصْدِهِ [عَنْ] رَأْسِ الْعَضَلَةِ إلَى مَوْضِعٍ لِينٍ، وَيُوَسِّعَ بَضْعَهُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُثَنِّيَ. وَأَمَّا الْأَكْحَلُ فَفِي فَصْدِهِ خَطَرٌ عَظِيمٌ، لِأَجْلٍ الْعَضَلَةِ الَّتِي تَحْتَهُ، فَرُبَّمَا وَقَعَتْ بَيْنَ عَصْبَتَيْنِ، وَرُبَّمَا كَانَ فَوْقَهَا عَصَبَةٌ دَقِيقَةٌ مُدَوَّرَةٌ كَالْوَتْرِ؛ فَيَجِبُ [عَلَى الْفَاصِدِ] أَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ وَيَتَجَنَّبَهُ فِي حَالِ الْفَصْدِ، وَيَحْتَاطَ أَنْ تُصِيبَهُ الضَّرْبَةُ، فَيَحْدُثُ مِنْهَا خَدْرٌ مُزْمِنٌ. وَأَمَّا الباسليق فَعَظِيمُ الْخَطَرِ أَيْضًا، لِوُقُوعِ الشِّرْيَانِ تَحْتَهُ، فَيَجِبُ [عَلَى الْفَاصِدِ] أَنْ يَحْتَاطَ لِذَلِكَ، فَإِنَّ الشِّرْيَانَ إذَا بُضِعَ لَمْ يُرْقَأْ دَمُهُ. وَأَمَّا الْأُسَيْلِمُ، فَالْأَصْوَبُ أَنْ يُفْصَدَ طُولًا؛ وَحَبْلُ الذِّرَاعِ يُفْصَدُ مُوَرِّبًا؛ [وَكُلَّمَا انْحَدَرَ الْفَاصِدُ فِي فَصْدِ الباسليق إلَى الذِّرَاعِ كَانَ أَسْلَمَ] . فَصْلٌ وَأَمَّا عُرُوقُ الْبَدَنِ، فَعِرْقَانِ عَلَى الْبَطْنِ، أَحَدُهُمَا مَوْضُوعٌ عَلَى الْكَبِدِ، وَالْآخَرُ مَوْضُوعٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 عَلَى الطِّحَالِ؛ [وَ] يَنْفَعُ فَصْدُ الْأَيْمَنِ مِنْهُمَا لِلِاسْتِسْقَاءِ، وَالْأَيْسَرُ يَنْفَعُ لِلطِّحَالِ. فَصْلٌ وَأَمَّا عُرُوقُ الرِّجْلَيْنِ، فَأَرْبَعَةٌ، مِنْهَا عِرْقُ النَّسَا، وَيُفْصَدُ عِنْدَ الْجَانِبِ الْوَحْشِيِّ مِنْ الْكَعْبِ، فَإِنْ خَفِيَ فَلْتُفْصَدْ الشُّعْبَةُ (41 أ) الَّتِي بَيْنَ الْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ [مِنْ الْقَدَمِ] ؛ وَمَنْفَعَةُ ذَلِكَ عَظِيمَةٌ، سِيَّمَا فِي النِّقْرِسِ وَالدَّوَالِي وَدَاءِ الْفِيلِ. وَمِنْهَا عِرْقُ الصَّافِنِ، وَهُوَ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ [مِنْ السَّاقِ] ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ عِرْقِ النَّسَا، وَفَصْدُهُ يَنْفَعُ مِنْ الْبَوَاسِيرِ، وَيَدِرُّ الطَّمْثَ، وَيَنْفَعُ الْأَعْضَاءَ الَّتِي تَحْتَ الْكَبِدِ. وَمِنْهَا عِرْقٌ مَأْبِضٌ [تَحْتَ] الرُّكْبَةِ، وَهُوَ مِثْلُ الصَّافِنِ فِي النَّفْعِ. وَمِنْهَا الْعِرْقُ الَّذِي خَلْفَ الْعُرْقُوبِ، وَكَأَنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ الصَّافِنِ، وَمَنْفَعَةُ فَصْدِهِ مِثْلُ الصَّافِنِ. فَصْلٌ وَأَمَّا الْعُرُوقُ وَالشَّرَايِينُ الْمَفْصُودَةُ فِي الْغَالِبِ، وَيَجُوزُ فَصْدُهَا، فَهِيَ الصِّغَارُ وَالْبَعِيدَةُ مِنْ الْقَلْبِ، فَإِنَّ هَذِهِ هِيَ الَّتِي يَرْقَأُ دَمُهَا إذَا فُصِدَتْ. وَأَمَّا الشَّرَايِينُ الْكِبَارُ الْقَرِيبَةُ الْوَضْعِ مِنْ الْقَلْبِ، فَإِنَّهُ لَا يَرْقَأُ دَمُهَا إذَا فُصِدَتْ، وَاَلَّتِي يَجُوزُ فَصْدُهَا [مِنْهَا]- عَلَى الْأَكْثَرِ - شِرْيَانُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الصُّدْغَيْنِ، وَالشِّرْيَانَانِ اللَّذَانِ بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ؛ وَقَدْ أَمَرَ جَالِينُوسُ بِفَصْدِهَا فِي الْمَنَامِ. [فَصَلِّ فِي الْحَجَّامَة عَظِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ] فَصْلٌ وَالْحِجَامَةُ عَظِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ، وَهِيَ أَقَلُّ خَطَرًا مِنْ الْفِصَادَةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحَجَّامُ خَفِيفًا رَشِيقًا، خَبِيرًا بِالصِّنَاعَةِ، فَيُخِفُّ يَدَهُ فِي الشُّرُوطِ وَيَسْتَعْجِلُ، (41 ب) ثُمَّ يُعَلِّقُ الْمِحْجَمَةَ. وَتَكُونُ التَّعْلِيقَةُ الْأُولَى خَفِيفَةً سَرِيعَةَ الْقَلْعِ، ثُمَّ يَتَدَرَّجُ إلَى الْقَلْعِ بِإِبْطَاءٍ وَإِمْهَالٍ. وَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَمْتَحِنَ الْحَجَّامَ بِوَرَقَةٍ يُلْصِقُهَا عَلَى آجُرَّةٍ، ثُمَّ يَأْمُرُهُ بِشَرْطِهَا، فَإِنْ نَفَذَ الشَّرْطُ كَانَ ثَقِيلَ الْيَدِ سَيِّئَ الصِّنَاعَةِ؛ وَعَلَامَةُ حِذْقِ الْحَجَّامِ خِفَّةُ يَدِهِ، وَأَلَّا يُوجِعَ الْمَحْجُومَ. [فَصَلِّ فِي الْحَجَّامَة فِي أَوَّل الشَّهْر] فَصْلٌ وَقَدْ ذَكَرَتْ الْحُكَمَاءُ أَنَّ الْحِجَامَةَ تُكْرَهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ [وَفِي آخِرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَخْلَاطَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ] لَا تَكُونُ قَدْ تَحَرَّكَتْ وَلَا هَاجَتْ، وَفِي آخِرِهِ [تَكُونُ] قَدْ نَقَصَتْ، فَلَا تُفِيدُ الْحِجَامَةُ شَيْئًا. وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ الْحِجَامَةُ وَسَطَ الشَّهْرِ، إذَا تَكَامَلَ النُّورُ فِي جُرْمِ الْقَمَرِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 لِأَنَّ الْأَخْلَاطَ تَكُونُ هَائِجَةً، وَتَكُونُ الْأَدْمِغَةُ زَائِدَةً فِي الْأَقْحَافِ؛ وَأَفْضَلُ أَوْقَاتِ الْحِجَامَةِ السَّاعَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ مِنْ النَّهَارِ. [فَصْلٌ] وَأَمَّا مَنَافِعُ الْحِجَامَةِ، فَإِنَّهَا عَلَى النُّقْرَةِ خَلِيفَةُ فَصْدِ الْأَكْحَلِ، وَتَنْفَعُ مِنْ ثِقَلِ الْحَاجِبَيْنِ، وَجَرَبِ الْعَيْنَيْنِ، وَالْبَخَرِ فِي الْفَمِ؛ غَيْرُ أَنَّهَا تُورِثُ النِّسْيَانَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مُؤَخَّرَ الدِّمَاغِ مَوْضِعُ الْحِفْظِ، وَتُضْعِفُهُ الْحِجَامَةُ» . وَالْحِجَامَةُ عَلَى الْأَكْحَلِ خَلِيفَةُ فَصْدُ الباسليق، وَتَنْفَعُ مِنْ وَجَعِ الْمَنْكِبِ وَالْحَلْقِ، غَيْرُ أَنَّهَا تُضْعِفُ (42 أ) فَمَ الْمَعِدَةِ. وَالْحِجَامَةُ فِي الْأَخْدَعَيْنِ خَلِيفَةُ فَصْدِ الْقِيفَالِ، وَتَنْفَعُ الْوَجْهَ وَالْأَسْنَانَ وَالْأَضْرَاسَ، وَالْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ، وَالْأَنْفَ وَالْحَلْقَ، وَرَعْشَةَ الرَّأْسِ؛ غَيْرُ أَنَّهَا تُحْدِثُ رَعْشَةً فِي الرَّأْسِ لِمَنْ لَمْ [يَكُنْ] بِهِ رَعْشَةٌ. وَالْحِجَامَةُ تَحْتَ الذَّقَنِ تَنْفَعُ الْوَجْهَ وَالْأَسْنَان وَالْحُلْقُومَ، وَتُنَقِّي الرَّأْسَ. وَالْحِجَامَةُ عَلَى الْهَامَةِ تَنْفَعُ مِنْ اخْتِلَاطِ الْعَقْلِ وَالدُّوَارِ، وَتُبْطِئُ بِالشَّيْبِ؛ غَيْرُ أَنَّهَا تَضُرُّ بِالذِّهْنِ، وَتُورِثُ بَلَهًا. [وَالْحِجَامَةُ عَلَى الْفَخْذَيْنِ مِنْ قُدَّامٍ تَنْفَعُ مِنْ وَجَعِ الْخُصْيَتَيْنِ وَخُرَّاجَاتِ] الْفَخْذَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ، وَاَلَّتِي عَلَى الْفَخْذَيْنِ مِنْ خَلْفٍ تَنْفَعُ مِنْ الْأَوْرَامِ وَالْخُرَّاجَاتِ الْحَادِثَةِ فِي الْأَلْيَتَيْنِ. وَالْحِجَامَةُ عَلَى السَّاقَيْنِ تَقُومُ مَقَامَ الْفَصْدِ، وَتُنَقِّي الدَّمَ، وَتَدِرُّ الطَّمْثَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 [الْبَاب السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ فِي الحسبة عَلَى الأطباء والكحالين والمجبرين والجرائحيين] الطِّبُّ عِلْمٌ نَظَرِيٌّ وَعَمَلِيٌّ، أَبَاحَتْ الشَّرِيعَةُ عِلْمَهُ وَعَمَلَهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ الصِّحَّةِ وَدَفْعِ الْعِلَلِ وَالْأَمْرَاضِ عَنْ هَذِهِ الْبِنْيَةِ الشَّرِيفَةِ. وَالطَّبِيبُ هُوَ الْعَارِفُ بِتَرْكِيبِ الْبَدَنِ، وَمِزَاجِ الْأَعْضَاءِ، وَالْأَمْرَاضِ الْحَادِثَةِ فِيهَا، وَأَسْبَابِهَا وَأَعْرَاضِهَا وَعَلَامَاتِهَا، وَالْأَدْوِيَةِ النَّافِعَةِ فِيهَا، وَالِاعْتِيَاضِ (42 ب) عَمَّا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا، وَالْوَجْهِ فِي اسْتِخْرَاجِهَا، وَطَرِيقِ مُدَاوَاتِهَا، لِيُسَاوِيَ بَيْنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَدْوِيَةِ فِي كَمِّيَّاتِهَا، وَيُخَالِفَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ كَيْفِيَّاتِهَا. فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ مُدَاوَاةُ الْمَرْضَى، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى عِلَاجٍ يُخَاطِرُ فِيهِ، وَلَا يَتَعَرَّضُ إلَى مَا لَمْ يُحْكِمْ عِلْمَهُ مِنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ مُلُوكَ الْيُونَانِ كَانُوا يَجْعَلُونَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ حَكِيمًا مَشْهُورًا بِالْحِكْمَةِ، ثُمَّ يَعْرِضُونَ عَلَيْهِ بَقِيَّةَ أَطِبَّاءِ الْبَلَدِ لِيَمْتَحِنَهُمْ، فَمَنْ وَجَدَهُ مُقَصِّرًا فِي عَمَلِهِ أَمَرَهُ بِالِاشْتِغَالِ وَقِرَاءَةِ الْعِلْمِ، وَنَهَاهُ عَنْ الْمُدَاوَاةِ. وَيَنْبَغِي إذَا دَخَلَ الطَّبِيبُ عَلَى مَرِيضٍ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ سَبَبِ مَرَضِهِ، وَعَمَّا يَجِدُ مِنْ الْأَلَمِ، [وَيَعْرِفَ السَّبَبَ وَالْعَلَامَةَ وَالنَّبْضَ وَالْقَارُورَةَ] ، ثُمَّ يُرَتِّبَ لَهُ قَانُونًا مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَغَيْرِهَا؛ ثُمَّ يَكْتُبَ نُسْخَةً بِمَا ذَكَرَهُ لَهُ الْمَرِيضُ، وَبِمَا رَتَّبَهُ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَرَضِ، وَيُسَلِّمَ نُسْخَتَهُ لِأَوْلِيَاءِ الْمَرِيضِ، بِشَهَادَةِ مَنْ حَضَرَ مَعَهُ عِنْدَ الْمَرِيضِ. فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ حَضَرَ وَنَظَرَ إلَى دَائِهِ، وَسَأَلَ الْمَرِيضَ، وَرَتَّبَ لَهُ قَانُونًا عَلَى حَسَبِ مُقْتَضَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 الْحَالِ، وَكَتَبَ لَهُ نُسْخَةً أَيْضًا، وَسَلَّمَهَا إلَيْهِمْ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ، ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَبْرَأَ الْمَرِيضُ، أَوْ يَمُوتَ. فَإِنْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ (43 أ) أَخَذَ الطَّبِيبُ أُجْرَتَهُ وَكَرَامَتَهُ، وَإِنْ مَاتَ حَضَرَ أَوْلِيَاؤُهُ عِنْدَ الْحَكِيمِ الْمَشْهُورِ، وَعَرَضُوا عَلَيْهِ النُّسَخَ الَّتِي كَتَبَهَا لَهُمْ الطَّبِيبُ، فَإِنْ رَآهَا عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ وَصِنَاعَةِ الطِّبِّ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ وَلَا تَقْصِيرٍ مِنْ الطَّبِيبِ أَعْلَمَهُمْ، وَإِنْ رَأَى الْأَمْرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ: " خُذُوا دِيَةَ صَاحِبِكُمْ مِنْ الطَّبِيبِ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ بِسُوءِ صِنَاعَتِهِ وَتَفْرِيطِهِ ". فَكَانُوا يَحْتَاطُونَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الشَّرِيفَةِ إلَى هَذَا الْحَدِّ، حَتَّى [لَا] يَتَعَاطَى الطِّبَّ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا يَتَهَاوَنُ الطَّبِيبُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. وَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِمْ عَهْدَ بُقْرَاطَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَطِبَّاءِ، وَيُحَلِّفَهُمْ أَلَّا يُعْطُوا أَحَدًا دَوَاءً مُضِرًّا، وَلَا يُرَكِّبُوا لَهُ سُمًّا، وَلَا يَصِفُوا التَّمَائِمَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْعَامَّةِ، وَلَا يَذْكُرُوا لِلنِّسَاءِ الدَّوَاءَ الَّذِي يُسْقِطُ الْأَجِنَّةَ، وَلَا لِلرِّجَالِ الدَّوَاءَ الَّذِي يَقْطَعُ النَّسْلَ؛ وَلْيَغُضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَنْ الْمَحَارِمِ عِنْدَ دُخُولِهِمْ عَلَى الْمَرْضَى، وَلَا يُفْشُوا الْأَسْرَارَ، وَلَا يَهْتِكُوا الْأَسْتَارَ. [فَصَلِّ وَيَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ جَمِيعُ آلَاتِ الطِّبِّ عَلَى الْكَمَالِ] [فَصْلٌ] وَيَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ جَمِيعُ آلَاتِ الطِّبِّ عَلَى الْكَمَالِ، وَهِيَ كَلْبَاتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الْأَضْرَاسِ، وَمَكَاوِي الطِّحَالِ، وَكَلْبَاتُ الْعَلَقِ، (43 ب) وَزَرَّاقَاتُ الْقُولَنْجِ، وَزَرَّاقَاتُ الذَّكَرِ، وَمِلْزَمُ الْبَوَاسِيرِ، وَمِخْرَطُ الْمَنَاخِيرِ، وَمِنْجَلُ النَّوَاصِيرِ، وَقَالِبُ التَّشْمِيرِ، وَرَصَاصُ التَّثْقِيلِ، وَمِفْتَاحُ الرَّحِمِ، وَبَوَّارُ النِّسَاءِ، وَمُكَمِّدَةُ الْحَشَا، وَقَدَحُ الشَّوْصَةِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي صِنَاعَةِ الطِّبِّ، غَيْرَ آلَةِ الْكَحَّالِينَ والجرائحيين، مِمَّا يَأْتِي ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعِهِ. وَلِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَمْتَحِنَ الْأَطِبَّاءَ بِمَا ذَكَرَهُ حُنَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ " مِحْنَةُ الطَّبِيبِ ". وَأَمَّا [كِتَابُ] " مِحْنَةُ الطَّبِيبِ " لِجَالِينُوسَ، فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ [مِنْ الْأَطِبَّاءِ] يَقُومُ بِمَا شَرَطَهُ [جَالِينُوسُ] عَلَيْهِمْ [فِيهِ] . [فَصَلِّ فِيمَا يَمْتَحِن الْمُحْتَسَب بِهِ الْكَحَّالِينَ وَالْمُجْبَرُونَ والجرائحيون] فَصْلٌ وَأَمَّا الْكَحَّالُونَ، فَيَمْتَحِنُهُمْ الْمُحْتَسِبُ بِكِتَابِ حُنَيْنِ بْنِ إِسْحَاقَ [كَذَلِكَ] ، أَعْنِي الْعَشْرَ مَقَالَاتٍ فِي الْعَيْنِ، فَمَنْ وَجَدَهُ فِيمَا امْتَحَنَهُ بِهِ عَارِفًا بِتَشْرِيحِ عَدَدِ طَبَقَاتِ الْعَيْنِ السَّبْعَةِ، وَعَدَدِ رُطُوبَاتِهَا الثَّلَاثَةِ، وَعَدَدِ أَمْرَاضِهَا الثَّلَاثِ، وَمَا يَتَفَرَّعُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرَاضِ، وَكَانَ خَبِيرًا بِتَرْكِيبِ الْأَكْحَالِ وَأَمْزِجَةِ الْعَقَاقِيرِ، أَذِنَ لَهُ الْمُحْتَسِبُ بِالتَّصَدِّي لِمُدَاوَاةِ أَعْيُنِ النَّاسِ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّطَ [الْكَحَّالُ] فِي شَيْءٍ مِنْ آلَاتِ صَنْعَتِهِ، مِثْلِ صنانير السَّبَلِ، وَالظِّفْرَةِ، وَمَحَكِّ الْجَرَبِ، وَمَبَاضِعِ الْفَصْدِ، وَدَرَجِ الْمَكَاحِلِ، (44 أ) وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمَّا كَحَّالُو الطُّرُقَاتِ فَلَا يُوثَقُ بِأَكْثَرِهِمْ، إذْ لَا دِينَ لَهُمْ يَصُدُّهُمْ عَنْ التَّهَجُّمِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ بِالْقَطْعِ وَالْكَحْلِ، بِغَيْرِ عِلْمٍ وَمَخْبَرَةٍ بِالْأَمْرَاضِ وَالْعِلَلِ الْحَادِثَةِ؛ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَرْكَنَ إلَيْهِمْ فِي مُعَالَجَةِ عَيْنَيْهِ، وَلَا يَثِقَ بِإِكْحَالِهِمْ وأشيافاتهم. فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَصْنَعُ أَشْيَافًا أَصْلُهَا مِنْ النَّشَا وَالصَّمْغِ، وَيَصْبُغُهَا أَلْوَانًا مُخْتَلِفَةً، فَيَصْبُغُ الْأَحْمَرَ بالأسريقون، وَالْأَخْضَرَ بِالْكُرْكُمِ وَالنِّيلِ، وَالْأَسْوَدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 بالأقاقيا، وَالْأَصْفَرَ بِالزَّعْفَرَانِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ أَشْيَافَ ماميتا. وَيَجْعَلُ أَصْلَهُ مِنْ الْبَانِ الْمِصْرِيِّ، وَيَعْجِنُهُ بِالصَّمْغِ الْمَحْلُولِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ كُحْلًا مِنْ نَوَى الْإِهْلِيلِجِ الْمُحَرَّقِ وَالْفُلْفُلِ. وَجَمِيعُ غُشُوشِ أَكْحَالِهِمْ لَا يُمْكِنُ حَصْرُ مَعْرِفَتِهَا، فَيُحَلِّفُهُمْ الْمُحْتَسِبُ عَلَى ذَلِكَ، إذْ لَا يُمْكِنُهُ مَنْعُهُمْ مِنْ الْجُلُوسِ لِمُعَالَجَةِ أَعْيُنِ النَّاسِ. [فَصْلٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَدَّى لِلْجَبْرِ] فَصْلٌ وَأَمَّا الْمُجَبِّرُونَ، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَدَّى لِلْجَبْرِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُحْكِمَ مَعْرِفَةَ الْمَقَالَةِ السَّادِسَةِ مِنْ كُنَّاشِ بولص فِي الْجَبْرِ، وَأَنْ يَعْلَمَ عَدَدَ عِظَامِ الْآدَمِيِّ - وَهُوَ مِائَتَا عَظْمٍ وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ عَظْمًا - وَصُورَةَ (44 ب) كُلِّ عَظْمٍ مِنْهَا، وَشَكْلَهُ وَقَدْرَهُ، حَتَّى إذَا انْكَسَرَ مِنْهَا شَيْءٌ أَوْ انْخَلَعَ رَدَّهُ إلَى مَوْضِعِهِ، عَلَى هَيْئَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا؛ فَيَمْتَحِنُهُمْ الْمُحْتَسِبُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ. [فَصْلٌ الجرائحيون يَجِبُ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَةُ كِتَابِ جَالِينُوسَ] فَصْلٌ وَأَمَّا الجرائحيون، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَةُ كِتَابِ جَالِينُوسَ الْمَعْرُوفِ بقاطاجانس فِي الْجِرَاحَاتِ وَالْمَرَاهِمِ، [وَأَيْضًا كِتَابُ الزَّهْرَاوِيِّ فِي الْجِرَاحِ] ، وَأَنْ يَعْرِفُوا التَّشْرِيحَ وَأَعْضَاءَ الْإِنْسَانِ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْعَضَلِ وَالْعُرُوقِ وَالشَّرَايِينِ وَالْأَعْصَابِ، لِيَتَجَنَّبَ [الْجَرَّاحُ] ذَلِكَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وَقْتَ فَتْحِ الْمَوَادِّ وَقَطْعِ الْبَوَاسِيرِ. وَيَكُونُ مَعَهُ دَسْتُ الْمَبَاضِعِ، فِيهِ مَبَاضِعُ مُدَوَّرَاتُ الرَّأْسِ، وَالْمُوَرِّبَاتُ، وَالْحَرَبَاتُ، وَفَأْسُ الْجَبْهَةِ، وَمِنْشَارُ الْقَطْعِ، وَمِجْرَفَةُ الْأُذُنِ، وَوَرْدُ السَّلَعِ، وَمَرَّ هَمْدَانَ الْمَرَاهِمِ، وَدَوَاءُ الكندر الْقَاطِعُ لِلدَّمِ، الَّذِي قَدَّمْنَا صِفَتَهُ. وَقَدْ يُبَهْرِجُونَ عَلَى النَّاسِ بِعِظَامٍ تَكُونُ مَعَهُمْ فَيَدُسُّونَهَا فِي الْجَرْحِ، ثُمَّ يُخْرِجُونَهَا مِنْهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ النَّاسِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ أَدْوِيَتَهُمْ الْقَاطِعَةَ أَخْرَجَتْهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَضَعُ مَرَاهِمَ مِنْ الْكِلْسِ الْمَغْسُولِ بِالزَّيْتِ، ثُمَّ يَصْبُغُ لَوْنَهُ أَحْمَرَ بِالْمَغْرَةِ، أَوْ أَخْضَرَ بِالْكُرْكُمِ وَالنِّيلِ، أَوْ أَسْوَدَ بِالْفَحْمِ الْمَسْحُوقِ؛ فَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ الْعَرِيفُ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 [الْبَابُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى مُؤَدِّبِي الصِّبْيَانِ] الْبَابُ (45 أ) الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى مُؤَدِّبِي الصِّبْيَانِ لَا يَجُوزُ لَهُمْ تَعْلِيمُ الْخَطِّ [لِلصِّبْيَانِ] فِي الْمَسَاجِدِ، لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِتَنْزِيهِ الْمَسَاجِدِ مِنْ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ» ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَوِّدُونَ [حِيطَانَهَا] ، وَيُنَجِّسُونَ أَرْضَهَا، إذْ لَا يَحْتَرِزُونَ مِنْ الْبَوْلِ وَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ؛ بَلْ يَتَّخِذُونَ لِلتَّعْلِيمِ حَوَانِيتَ فِي الدُّرُوبِ وَأَطْرَافِ الْأَسْوَاقِ. [فَصَلِّ فِي أَوَّلُ مَا يَنْبَغِي لِلْمُؤَدِّبِ أَنْ يَعْلَمهُ الصَّبِيَّانِ] فَصْلٌ وَأَوَّلُ مَا يَنْبَغِي لِلْمُؤَدِّبِ أَنْ يُعَلِّمَ الصَّبِيَّ السُّوَرَ الْقِصَارَ مِنْ الْقُرْآنِ، بَعْدَ حِذْقِهِ بِمَعْرِفَةِ الْحُرُوفِ وَضَبْطِهَا بِالشَّكْلِ، وَيُدَرِّجُهُ بِذَلِكَ حَتَّى يَأْلَفَهُ طَبْعُهُ، ثُمَّ يُعَرِّفُهُ عَقَائِدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، ثُمَّ أُصُولَ الْحِسَابِ، وَمَا يُسْتَحْسَنُ مِنْ الْمُرَاسَلَاتِ وَالْأَشْعَارِ دُونَ سَخِيفِهَا وَمُسْتَرْذَلِهَا. وَفِي الرَّوَاحِ يَأْمُرُهُمْ [الْمُؤَدِّبُ] بِتَجْوِيدِ الْخَطِّ عَلَى الْمِثَالِ، وَيُكَلِّفُهُمْ عَرْضَ [مَا] أَمْلَاهُ عَلَيْهِمْ حِفْظًا غَائِبًا لَا نَظَرًا. وَمَنْ كَانَ عُمْرُهُ فَوْقَ سَبْعِ سِنِينَ أَمَرَهُ [الْمُؤَدِّبُ] بِالصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عَلِّمُوا صِبْيَانَكُمْ الصَّلَاةَ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ» . وَيَأْمُرُهُمْ [الْمُؤَدِّبُ] بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَالِانْقِيَادِ لِأَمْرِهِمَا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَالسَّلَامِ عَلَيْهِمَا وَتَقْبِيلِ أَيْدِيهِمَا عِنْدَ الدُّخُولِ إلَيْهِمَا؛ وَيَضْرِبُهُمْ عَلَى إسَاءَةِ الْأَدَبِ وَالْفُحْشِ مِنْ الْكَلَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْخَارِجَةِ عَنْ قَانُونِ الشَّرْعِ، مِثْلِ اللَّعِبِ بِالْكِعَابِ وَالْبَيْضِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وَالسَّيْرِ ونردشير، (45 ب) وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْقِمَارِ؛ وَلَا يَضْرِبُ صَبِيًّا بِعَصًا غَلِيظَةً تَكْسِرُ الْعَظْمَ، وَلَا رَقِيقَةً تُؤْلِمُ الْجِسْمَ، بَلْ تَكُونُ وَسَطًا؛ وَيَتَّخِذُ مِجْلَدًا عَرِيضَ السَّيْرِ، وَيَعْتَمِدُ فِي ضَرْبِهِ عَلَى اللَّوَايَا وَالْأَفْخَاذِ وَأَسَافِلِ الرِّجْلَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لَا يُخْشَى مِنْهَا مَرَضٌ وَلَا غَائِلَةٌ. [فَصَلِّ فِي اسْتِخْدَام الْمُؤَدِّب أَحَد الصَّبِيَّانِ فِي حَوَائِجه] فَصْلٌ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤَدِّبِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ أَحَدَ الصِّبْيَانِ فِي حَوَائِجِهِ وَأَشْغَالِهِ الَّتِي فِيهَا عَارٌ عَلَى آبَائِهِمْ، كَنَقْلِ الزِّبْلِ وَحَمْلِ الْحِجَارَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَا يُرْسِلُهُ إلَى دَارِهِ وَهِيَ خَالِيَةٌ، لِئَلَّا تَتَطَرَّقَ إلَيْهِ التُّهْمَةُ. وَلَا يُرْسِلُ صَبِيًّا مَعَ امْرَأَةٍ لِيَكْتُبَ لَهَا كِتَابًا، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْفُسَّاقِ يَحْتَالُونَ عَلَى الصِّبْيَانِ بِذَلِكَ. وَيَكُونُ السَّائِقُ لَهُمْ أَمِينًا ثِقَةً مُتَأَهِّلًا؛ لِأَنَّهُ يَتَسَلَّمُ الصِّبْيَانَ فِي الْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ، وَيَنْفَرِدُ بِهِمْ فِي الْأَمَاكِنِ الْخَالِيَةِ، وَيَدْخُلُ عَلَى النِّسْوَانِ؛ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ. وَلَا يُعَلِّمُ [الْمُؤَدِّبُ] الْخَطَّ امْرَأَةً وَلَا جَارِيَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُ الْمَرْأَةَ شَرًّا، وَقِيلَ: إنَّ مَثَلَ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَتَعَلَّمُ الْخَطَّ مَثَلُ حَيَّةٍ تُسْقَى سُمًّا. وَيَنْبَغِي [لِلْمُؤَدِّبِ] أَنْ يَمْنَعَ الصِّبْيَانَ مِنْ حِفْظِ شَيْءٍ مِنْ شِعْرِ ابْنِ الْحَجَّاجِ وَالنَّظَرِ فِيهِ، وَيَضْرِبَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وَكَذَلِكَ دِيوَانُ صَرِيعِ الدَّلَّا، فَإِنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ، [وَكَذَلِكَ الْأَشْعَارُ الَّتِي عَمِلَتْهَا الرَّوَافِضُ فِي أَهْلِ الْبَيْتِ؛ فَلَا يُعَرِّفُهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ يُعَلِّمُهُمْ الْأَشْعَارَ الَّتِي مُدِحَتْ بِهَا الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -، لِيُرَسِّخَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 [الْبَابُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ] الْبَابُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الذِّمَّةِ إلَّا مِنْ الْإِمَامِ، أَوْ مِمَّنْ يُفَوِّضُ إلَيْهِ الْإِمَامُ؛ وَلَا تُعْقَدُ الذِّمَّةُ إلَّا لِمَنْ لَهُ (46 أ) كِتَابٌ أَوْ شِبْهُ كِتَابٍ مِنْ الْكُفَّارِ، كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس. وَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُمْ وَلَا شِبْهَ كِتَابٍ، كَالْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَمَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ، أَوْ مَنْ أَظْهَرَ الزَّنْدَقَةَ وَالْإِلْحَادَ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ عَقْدُ الذِّمَّةِ، وَلَا يُقَرُّونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ غَيْرُ الْإِسْلَامِ. [فَصَلِّ فِيمَا يَشْتَرِطهُ الْمُحْتَسَب عَلَى أَهْل الذِّمَّة] فَصْلٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ مَا شَرَطَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ الَّذِي كَتَبَهُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ؛ وَيُؤْخَذُونَ بِلُبْسِ الْغِيَارِ، فَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا وَضَعَ عَلَى كَتِفِهِ خَيْطًا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا شَدَّ فِي وَسَطِهِ زُنَّارًا وَعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ صَلِيبًا، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً لَبِسَتْ خُفَّيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْيَضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ. وَإِذَا عَبَرَ الذِّمِّيُّ إلَى الْحَمَّامِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي عُنُقِهِ طَوْقٌ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ، لِيَتَمَيَّزَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ. وَيَمْنَعُهُمْ الْمُحْتَسِبُ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ وَحَمْلِ السِّلَاحِ وَالتَّقَلُّدِ بِالسُّيُوفِ، وَإِذَا رَكِبُوا الْبِغَالَ رَكِبُوهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 بِالْأَكُفِّ عَرْضًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ. وَلَا يَرْفَعُونَ بُنْيَانَهُمْ عَنْ بُنْيَانِ الْمُسْلِمِينَ " وَلَا يَتَصَدَّرُونَ فِي الْمَجَالِسِ، وَلَا يُزَاحِمُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي الطُّرُقَاتِ، بَلْ يُلْجَئُونَ إلَى أَضْيَقِ الطُّرُقَاتِ؛ وَلَا يُبْدَءُونَ بِالسَّلَامِ، وَلَا يُرَحَّبُ بِهِمْ فِي الْمَجَالِسِ. وَيَشْتَرِطُ [الْمُحْتَسِبُ] عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْزَالَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ؛ وَيُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَالْجَهْرِ (46 ب) بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَضَرْبِ النَّاقُوسِ، وَمِنْ إظْهَارِ أَعْيَادِهِمْ، وَرَفْعِ الصَّوْتِ عَلَى مَوْتَاهُمْ. فَجَمِيعُ ذَلِكَ اشْتَرَطَهُ عَلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي كِتَابِهِ، فَيُرَاعِي الْمُحْتَسِبُ أَحْوَالَهُمْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَيُجْبِرُهُمْ عَلَيْهِ. [فَصَلِّ يَأْخُذ الْمُحْتَسَب الْجِزْيَة مِنْ أَهْل الذِّمَّة عَلَى قَدْر طَبَقَاتهمْ] فَصْلٌ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ عَلَى قَدْرِ طَبَقَاتِهِمْ - عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعِيلِ دِينَارًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ دِينَارَيْنِ، وَالْغَنِيِّ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ - عِنْدَ رَأْسِ الْحَوْلِ. فَإِذَا جَاءَ الْمُحْتَسِبُ أَوْ الْعَامِلُ لِأَخْذِ الْجِزْيَةِ أَقَامَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ لَطَمَهُ بِيَدِهِ عَلَى صَفْحَةِ عُنُقِهِ، وَيَقُولُ لَهُ: " أَدِّ الْجِزْيَةَ يَا كَافِرُ " وَيُخْرِجُ الذِّمِّيُّ يَدَهُ مِنْ جَيْبِهِ مَطْبُوقَةً عَلَى الْجِزْيَةِ، فَيُعْطِيهَا لَهُ بِذِلَّةٍ وَانْكِسَارٍ. وَيَشْتَرِطُ [الْمُحْتَسِبُ] عَلَيْهِمْ مَعَ الْجِزْيَةِ الْتِزَامَ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ امْتَنَعَ الذِّمِّيُّ مِنْ لُزُومِ الْأَحْكَامِ - أَوْ قَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ، أَوْ أَصَابَهَا بِاسْمِ نِكَاحٍ، أَوْ فَتَنَ مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ، أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ آوَى الْمُشْرِكِينَ، أَوْ دَلَّهُمْ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا - انْتَقَضَتْ ذِمَّتُهُ فِي ذَلِكَ جَمِيعِهِ، وَقُتِلَ فِي الْحَالِ، وَغُرِّمَ مَالَهُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ قَدْ شُرِطَ عَلَيْهِمْ الْكَفُّ عَنْ ذَلِكَ. فَعَلَى الْمُحْتَسِبِ مَعْرِفَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَإِلْزَامُهُمْ بِجَمِيعِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 [الْبَابُ الْأَرْبَعُونَ يَشْتَمِلُ عَلَى جُمَلٍ وَتَفَاصِيلَ فِي أُمُورِ الْحِسْبَةِ] الْبَابُ الْأَرْبَعُونَ يَشْتَمِلُ عَلَى جُمَلٍ وَتَفَاصِيلَ فِي أُمُورِ الْحِسْبَةِ قَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ الْحِسْبَةِ (47 أ) عَلَى أَرْبَابِ الصَّنَائِعِ الْمَشْهُورَةِ، وَمِنْ كَشْفِ غُشُوشِهِمْ وَتَدْلِيسِهِمْ، مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ لِلْمُحْتَسِبِ، وَأَصْلٌ يَقِيسُ عَلَيْهِ مَا عَدَاهُ، مِمَّا لَمْ نَذْكُرْهُ. وَسَأَذْكُرُ فِي هَذَا الْبَابِ تَفَاصِيلَ جُمَلٍ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَأَذْكُرُ مَا يَلْزَمُ الْمُحْتَسِبَ فِعْلُهُ مِنْ أُمُورِ الْحِسْبَةِ فِي صَالِحِ الرَّعِيَّةِ، غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ. فَمِنْ ذَلِكَ السَّوْطُ وَالدِّرَّةُ وَالطُّرْطُورُ: أَمَّا السَّوْطُ فَيَتَّخِذُهُ وَسَطًا، لَا بِالْغَلِيظِ الشَّدِيدِ وَلَا بِالرَّقِيقِ اللَّيِّنِ، بَلْ يَكُونُ بَيْنَ سَوْطَيْنِ، حَتَّى لَا يُؤْلِمَ الْجِسْمَ، وَلَا يُخْشَى مِنْهُ غَائِلَةٌ؛ وَأَمَّا الدِّرَّةُ فَتَكُونُ مِنْ جِلْدِ الْبَقَرِ أَوْ الْجَمَلِ مَحْشُوَّةً بِنَوَى التَّمْرِ؛ وَأَمَّا الطُّرْطُورُ فَيَكُونُ مِنْ اللِّبْدِ، مَنْقُوشًا بِالْخِرَقِ الْمُلَوَّنَةِ، مُكَلَّلًا بِالْجَزْعِ وَالْوَدَعِ وَالْأَجْرَاسِ، وَأَذْنَابِ الثَّعَالِبِ وَالسَّنَانِيرِ. وَتَكُونُ هَذِهِ الْآلَةُ جَمِيعُهَا مُعَلَّقَةً عَلَى دِكَّةِ [الْمُحْتَسِبِ] يُشَاهِدُهَا النَّاسُ، فَتَرْعَدُ مِنْهَا قُلُوبُ الْمُفْسِدِينَ، وَيَنْزَجِرُ بِهَا أَهْلُ التَّدْلِيسِ. فَإِذَا عَثَرَ [الْمُحْتَسِبُ] بِشَارِبِ خَمْرٍ جَلَدَهُ بِالسَّوْطِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، وَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي جَلْدِ الثَّمَانِينَ جَلَدَهُ، لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَدَ شَارِبَ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، بِفَتْوَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَيُجَرِّدُهُ [الْمُحْتَسِبُ] عَنْ ثِيَابِهِ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَهُ بِالسَّوْطِ حَتَّى يَبِينَ بَيَاضُ إبْطِهِ، وَيُفَرِّقُ الضَّرْبَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَأَلْيَتَيْهِ وَفَخْذَيْهِ؛ وَإِنْ كَانَ زَانِيًا - وَهُوَ بِكْرٌ - جَلَدَهُ فِي مَلَإٍ مِنْ النَّاسِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] ؛ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً جَلَدَهَا وَهِيَ فِي إزَارِهَا وَثِيَابِهَا. وَأَمَّا الزَّانِي الْمُحْصَنُ، فَيَجْمَعُ [الْمُحْتَسِبُ] النَّاسَ حَوْلَهُ خَارِجَ الْبَلَدِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِرَجْمِهِ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 بِمَاعِزٍ؛ وَإِنْ كَانَتْ [امْرَأَةً] مُحْصَنَةً حَفَرَ لَهَا حُفْرَةً فِي الْأَرْضِ، وَأَجْلَسَهَا فِيهَا إلَى وَسَطِهَا، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ بِرَجْمِهَا، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغَامِدِيَّةِ؛ وَإِنْ [كَانَ الْمُذْنِبُ] لَاطَ بِغُلَامٍ أَلْقَاهُ [الْمُحْتَسِبُ] مِنْ أَعْلَى شَاهِقٍ فِي الْبَلَدِ. هَذَا كُلُّهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، ثُمَّ يَتَوَلَّاهُ الْمُحْتَسِبُ. [فَصَلِّ فِي تَعْزِير الْمُحْتَسَب النَّاس] فَصْلٌ وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَعَلَى قَدْرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَقَدْرِ الْجِنَايَةِ؛ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ تَعْزِيرُهُ بِالْقَوْلِ وَالتَّوْبِيخِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُضْرَبُ بِالسَّوْطِ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ أَدْنَى الْحُدُودِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُضْرَبُ بِالدِّرَّةِ وَيُلْبَسُ الطُّرْطُورَ وَيُرْكَبُ عَلَى جَمَلٍ أَوْ حِمَارٍ. وَإِذَا رَأَى [الْمُحْتَسِبُ] رَجُلًا حَامِلَ خَمْرٍ، [أَوْ] يَلْعَبُ بِمَلْهَاةٍ، كَالْعُودِ وَالْمِعْزَفَةِ وَالطُّنْبُورِ وَالْبَرْبَطِ وَالْمِزْمَارِ، عَزَّرَهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَاهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي حَقِّهِ، بَعْدَ إرَاقَةِ الْخَمْرِ وَكَسْرِ الْمَلْهَاةِ؛ وَكَذَلِكَ إنْ رَأَى رَجُلًا أَجْنَبِيًّا مَعَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، فِي خَلْوَةٍ أَوْ طَرِيقٍ. وَيَلْزَمُ الْمُحْتَسِبَ أَنْ يَتَفَقَّدَ الْمَوَاضِعَ الَّتِي تَجْتَمِعُ فِيهَا النِّسْوَانُ، مِثْلَ سُوقِ الْغَزْلِ وَالْكَتَّانِ، وَشُطُوطِ الْأَنْهَارِ، وَأَبْوَابِ حَمَّامَاتِ النِّسَاءِ. وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنْ رَأَى شَابًّا مُنْفَرِدًا بِامْرَأَةٍ، وَيُكَلِّمُهَا فِي غَيْرِ مُعَامَلَةٍ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، (48 أ) وَيَنْظُرُ إلَيْهَا، عَزَّرَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ الْوُقُوفِ هُنَاكَ؛ فَكَثِيرٌ مِنْ الشُّبَّانِ الْمُفْسِدِينَ يَقِفُونَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَلَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 لَهُمْ حَاجَةٌ غَيْرَ التَّلَاعُبِ عَلَى النِّسْوَانِ. ثُمَّ يَتَفَقَّدُ [الْمُحْتَسِبُ] مَجَالِسَ الْوُعَّاظِ، فَلَا يَدَعُ الرِّجَالَ يَخْتَلِطُونَ بِالنِّسَاءِ، وَيَجْعَلُ بَيْنَهُمْ سِتَارَةً؛ فَإِذَا انْفَضَّ الْمَجْلِسُ خَرَجَ الرِّجَالُ وَذَهَبُوا فِي طَرِيقٍ، ثُمَّ تَخْرُجُ النِّسَاءُ وَيَذْهَبْنَ فِي طَرِيقٍ آخَرَ؛ فَمَنْ وَقَفَ مِنْ الشَّبَابِ فِي طَرِيقِهِنَّ لِغَيْرِ حَاجَةٍ عَزَّرَهُ [الْمُحْتَسِبُ] . ثُمَّ يَتَفَقَّدُ الْمَآتِمَ وَالْمَقَابِرَ، فَإِذَا سَمِعَ نَادِبَةً أَوْ نَائِحَةً عَزَّرَهَا وَمَنَعَهَا؛ لِأَنَّ النُّوَاحَ حَرَامٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «النَّائِحَةُ وَمَنْ حَوْلَهَا فِي النَّارِ» . وَيَمْنَعُ [الْمُحْتَسِبُ] النِّسَاءَ مِنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ» . وَإِذَا خَرَجَتْ جِنَازَةٌ أَمَرَ [الْمُحْتَسِبُ] النِّسَاءَ [أَنْ] يَتَأَخَّرْنَ عَنْ الرِّجَالِ، وَلَا يَخْتَلِطْنَ بِهِمْ، وَيَمْنَعُهُنَّ مِنْ كَشْفِ وُجُوهِهِنَّ وَرُءُوسِهِنَّ خَلْفَ الْمَيِّتِ، وَيَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْبَلَدِ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ؛ وَالْأَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُنَّ مِنْ تَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ. وَمَتَى سَمِعَ [الْمُحْتَسِبُ] بِامْرَأَةٍ عَاهِرَةٍ، أَوْ مُغَنِّيَةٍ، اسْتَتَابَهَا عَنْ مَعْصِيَتِهَا، فَإِنْ عَادَتْ عَزَّرَهَا وَنَفَاهَا مِنْ الْبَلَدِ؛ وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ بِالْمُخَنَّثِينَ وَالْمُرْدَانِ الْمَشْهُورِينَ بِالْفَسَادِ مَعَ الرِّجَالِ. وَيَمْنَعُ [الْمُحْتَسِبُ] الْخُنْثَى مِنْ حَلْقِ لِحْيَتِهِ [أَوْ نَتْفِهَا] ، وَدُخُولِهِ عَلَى النِّسْوَانِ؛ وَكَذَلِكَ الْأَمْرَدُ النكريش، (48 ب) مَتَى حَلَقَ لِحْيَتَهُ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى فَسَادِهِ، فَيُعَزِّرُهُ [الْمُحْتَسِبُ] عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ. [فَصَلِّ فِي أَشْرَاف الْمُحْتَسَب عَلَى الْجَوَامِع وَالْمَسَاجِد] فَصْلٌ وَيُشْرِفُ [الْمُحْتَسِبُ] عَلَى الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ، وَيَأْمُرُ قَوَمَتَهَا بِكَنْسِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَتَنْظِيفِهَا مِنْ الْأَوْسَاخِ، وَنَفْضِ حُصُرِهَا مِنْ الْغُبَارِ، وَمَسْحِ حِيطَانِهَا، وَغَسْلِ قَنَادِيلِهَا وَإِشْعَالِهَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ. وَيَأْمُرُهُمْ بِغَلْقِ أَبْوَابِهَا عَقِيبَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَصِيَانَتِهَا مِنْ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ، وَمِمَّنْ يَأْكُلُ فِيهَا الطَّعَامَ أَوْ يَنَامُ، أَوْ يَعْمَلُ صِنَاعَةً، أَوْ يَبِيعُ سِلْعَةً، أَوْ يَنْشُدُ ضَالَّةً، أَوْ يَجْلِسُ فِيهَا لِلنَّاسِ لِحَدِيثِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 الدُّنْيَا؛ فَجَمِيعُ ذَلِكَ قَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَنْزِيهِ الْمَسَاجِدِ عَنْهُ وَكَرَاهِيَةِ فِعْلِهِ. وَيَتَقَدَّمُ [الْمُحْتَسِبُ] إلَى جِيرَانِ كُلِّ مَسْجِدٍ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ الْآذَانِ؛ لِإِظْهَارِ مَعَالِمِ الدِّينِ وَإِشْهَارِ شِعَارِ الْإِسْلَامِ، سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ لِكَثْرَةِ الْبِدَعِ وَاخْتِلَافِ الْأَهْوَاءِ، وَتَنَوُّعِ الْبَاطِنِيَّةِ، وَمَا قَدْ صَرَّحُوا بِهِ مِنْ تَعْطِيلِ الشَّرِيعَةِ وَإِبْطَالِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ؛ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إظْهَارُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَإِشْهَارُ الشَّرِيعَةِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ، لِتَقْوَى عَقَائِدُ الْعَامَّةِ. [فَصَلِّ وَلَا يُؤَذِّنُ فِي الْمَنَارَةِ إلَّا عَدْلٌ ثِقَةٌ أَمِينٌ عَارِفٌ بِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ] [فَصْلٌ] وَلَا يُؤَذِّنُ فِي الْمَنَارَةِ إلَّا عَدْلٌ ثِقَةٌ أَمِينٌ عَارِفٌ بِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (49 أ) «الْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ، وَالْأَئِمَّةُ ضُمَنَاءُ، فَرَحِمَ اللَّهُ الْأَئِمَّةَ، وَغَفَرَ لِلْمُؤَذِّنِينَ» وَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَمْتَحِنَهُمْ بِمَعْرِفَةِ الْأَوْقَاتِ، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ مَنَعَهُ مِنْ الْأَذَانِ حَتَّى يَعْرِفَهَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَذَّنَ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ، فَيَسْمَعُهُ الْعَامَّةُ فَيُصَلُّونَ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ، فَيَكُونَ هُوَ السَّبَبَ فِي إفْسَادِ صَلَاةِ النَّاسِ؛ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ، وَيَقْرَأُ بَابَ الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ فِي الْفِقْهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ صَبِيًّا حَسَنَ الصَّوْتِ. وَيَنْهَى الْمُحْتَسِبُ عَنْ النَّعْيِ فِي الْأَذَانِ، وَهُوَ التَّطْرِيبُ وَالتَّمْطِيطُ؛ وَيَأْمُرُهُ إذَا صَعَدَ الْمَنَارَةَ أَنْ يَغُضَّ بَصَرَهُ عَنْ النَّظَرِ إلَى دُورِ النَّاسِ، وَيَأْخُذُ عَلَيْهِ الْعَهْدَ فِي ذَلِكَ؛ وَلَا يَصْعَدُ إلَى الْمَنَارَةِ غَيْرُ الْمُؤَذِّنِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ. وَيَنْبَغِي لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِمَنَازِلِ الْقَمَرِ وَشَكْلِ كَوَاكِبِ كُلِّ مَنْزِلَةٍ، لِيَعْلَمَ أَوْقَاتَ اللَّيْلِ وَمُضِيَّ سَاعَاتِهِ، وَهِيَ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ مَنْزِلَةً: الشَّرَطَانِ، وَالْبُطَيْنُ، وَالثُّرَيَّا، وَالدَّبَرَانُ، وَالْهَقْعَةُ، وَالْهَنْعَةُ، وَالذِّرَاعُ، وَالنَّثْرَةُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وَالطَّرْفُ، وَالْجَبْهَةُ، والخراتان، وَالصِّرْفَةُ، وَالْعُوَاءُ، وَالسِّمَاكُ، وَالْغَفِرُ، وَالزِّبَانَانِ، وَالْإِكْلِيلُ، وَالْقَلْبُ، وَالشَّوْلَةُ، وَالنَّعَائِمُ، وَالْبَلْدَةُ (49 ب) ، وَسَعْدُ الذَّابِحِ، وَسَعْدُ بَلْعٍ، وَسَعْدُ السُّعُودِ، وَسَعْدُ الْأَخْبِيَةِ، وَالْفَرْغُ الْمُقَدَّمُ، وَالْفَرْغُ الْمُؤَخَّرُ، وَبَطْنُ الْحُوتِ - وَهُوَ الرِّشَاءُ. فَهَذِهِ جُمْلَةُ عَدَدِ مَنَازِلِ الْقَمَرِ، وَالصُّبْحُ يَدُومُ وَيَطْلُعُ فِي كُلِّ مَنْزِلَةٍ مِنْ هَذِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَنْزِلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، فَإِنْ عَرَفَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَيِّ مَنْزِلَةِ هُوَ الصُّبْحُ نَظَرَ إلَى الْمَنْزِلَةِ الْمُعْتَرِضَةِ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ، فَيَعْرِفُ حِينَئِذٍ الطَّالِعَ وَالسَّاقِطَ، وَكَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّبْحِ، وَهَذَا فِيهِ عِلْمٌ وَحِسَابٌ يَطُولُ شَرْحُهُ. فَمَنْ أَرَادَ [مَعْرِفَةَ] ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ بِكِتَابِ الْأَنْوَاءِ لِابْنِ قُتَيْبَةَ، فَلَا غِنَى لِلْمُؤَذِّنِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ، لِيَحْتَاطَ عَلَى مَعْرِفَةِ الصُّبْحِ؛ وَيَجُوزُ لِلْمُؤَذِّنِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَذَانِ. وَأَمَّا أَئِمَّةُ الْمَسَاجِدِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالْإِمَامَةِ، فَيَمْنَعُهُمْ الْمُحْتَسِبُ مِنْ أَخْذِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ حَرَامٌ؛ فَإِنْ رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ، أَوْ الْهِبَةِ أَوْ الصِّلَةِ أَوْ الْبِرِّ. وَيَأْمُرُ [الْمُحْتَسِبُ] أَهْلَ الْقُرْآنِ بِقِرَاءَتِهِ مُرَتَّلًا، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ تَلْحِينِ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَتِهِ بِالْأَصْوَاتِ الْمُلَحَّنَةِ، كَمَا تُلَحَّنُ الْأَغَانِي [وَ] الْأَشْعَارُ، فَقَدْ نَهَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 الشَّرْعُ عَنْ ذَلِكَ؛ وَلَا يَأْتُونَ إلَى جِنَازَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَدْعِيَهُمْ وَلِيُّ الْمَيِّتِ، وَإِذَا أُعْطُوا شَيْئًا مِنْ غَيْرِ (50 أ) شَرْطٍ عَلَى سَبِيلِ الصَّدَقَةِ جَازَ لَهُمْ أَخْذُهُ؛ فَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ فَلَا يَجُوزُ؛ فَيَعْتَبِرُ الْمُحْتَسِبُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ. وَلَا يُغَسِّلُ الْمَوْتَى إلَّا ثِقَةٌ أَمِينٌ قَدْ قَرَأَ كِتَابَ الْجَنَائِزِ فِي الْفِقْهِ، وَعَرَفَ حُدُودَ ذَلِكَ؛ فَيَسْأَلُهُمْ الْمُحْتَسِبُ عَنْ ذَلِكَ، فَمَنْ كَانَ قَيِّمًا بِهِ تَرَكَهُ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ صَرَفَهُ لِيَتَعَلَّمَ. وَيَنْهَى [الْمُحْتَسِبُ] الْأَضِرَّاءَ وَأَهْلَ الْكُدْيَةِ الْمُقْنِفِينَ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الْأَسْوَاقِ لِلْكُدْيَةِ، فَقَدْ نَهَتْ الشَّرِيعَةُ عَنْ ذَلِكَ؛ [وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ إنْشَادِ الشِّعْرِ الَّذِي عَمِلَتْهُ الرَّوَافِضُ فِي أَهْلِ الْبَيْتِ، وَمِنْ ذِكْرِ الْمَصْرَعَ وَأَشْبَاهِهِ، فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ فِتْنَةٌ لِلْعَامَّةِ، فَلَا يَصِحُّ ذِكْرُهُ] . [فَصْلٌ وَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَتَرَدَّدَ إلَى مَجَالِسِ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ] ِ، وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ الْجُلُوسِ فِي الْجَامِعِ وَالْمَسْجِدِ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ الرَّجُلُ الْجُنُبُ وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ، وَالذِّمِّيُّ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْحَافِي، وَمَنْ لَا يَحْتَرِزُ مِنْ النَّجَاسَاتِ، فَيُؤْذُونَ الْمَسْجِدَ وَيُنَجِّسُونَ الْحُصْرَ؛ وَقَدْ تَرْتَفِعُ الْأَصْوَاتُ، وَيَكْثُرُ اللَّغَطُ فِيهِ عِنْدَ ازْدِحَامِ النَّاسِ وَمُنَازَعَتِهِمْ لِلْخُصُومِ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ. وَقَدْ رَأَيْت مَكْتُوبًا فِي كِتَابِ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّيْمَرِيِّ أَنَّ [الْخَلِيفَةَ الْمُسْتَظْهِرَ بِاَللَّهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَّى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -[الْحِسْبَةَ بِبَغْدَادَ] ، فَنَزَلَ [الرَّجُلُ] إلَى جَامِعِ الْمَنْصُورِ، فَوَجَدَ قَاضِيَ الْقُضَاةِ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ فِيهِ، فَقَالَ [لَهُ] : " سَلَامٌ عَلَيْك، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 41] . وَقَدْ مَكَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَلِيفَتَهُ الْمُسْتَظْهِرَ بِاَللَّهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَرْضِهِ، وَبَسَطَ يَدَهُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَقَدْ جَعَلَنِي وَإِيَّاكَ نَائِبَيْنِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، قَائِمَيْنِ فِي رَعِيَّتِهِ بِحُدُودِ اللَّهِ، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ؛ وَنَحْنُ أَوْلَى مَنْ يَعْمَلُ بِحُدُودِهِ، وَلُزُومِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ، لِيَقْتَدِيَ بِنَا الْعَامَّةُ. فَنَحْنُ مِلْحُ الْبَلَدِ، نُصْلِحُ مَا فَسَدَ مِنْ أَحْوَالِ الْعَامَّةِ، فَإِذَا فَسَدَ الْمِلْحُ مَنْ يُصْلِحُهُ؟ وَمَجْلِسُك هَذَا لَا يَصْلُحُ فِي الْجَامِعِ، أَمَا سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [النور: 36] {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور: 37] . وَلَيْسَ فِي هَذَا الَّذِي أَنْتَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ وَإِنَّهُ لَتَدْخُلُ إلَيْك الْمَرْأَةُ لِتَحْكُمَ مَعَ بَعْلِهَا، وَمَعَهَا الطِّفْلُ فَيَبُولُ عَلَى الْحُصُرِ؛ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَمْشِي عَلَى النَّجَاسَةِ وَالْقَذَرِ، وَيَدُوسُ الْحُصُرَ بِنَعْلِهِ؛ وَإِنَّ الْأَصْوَاتَ لَتَرْتَفِعُ بِاللَّغَطِ خَارِجَ حَلْقَتِك؛ وَرُبَّمَا دَخَلَ إلَيْك الرَّجُلُ الْجُنُبُ وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ؛ وَجَمِيعُ ذَلِكَ أَمَرَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (51 أ) بِاجْتِنَابِهِ. فَاجْلِسْ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ، بِحَيْثُ لَا يَشُقُّ عَلَى أَحَدٍ الْقَصْدُ إلَيْك، وَالسَّلَامُ ". قَالَ [الصَّيْمَرِيُّ] : فَنَهَضَ الْقَاضِي مِنْ وَقْتِهِ، وَلَمْ يَعُدْ يَجْلِسُ فِي الْجَامِعِ لِلْقَضَاءِ. وَمَتَى رَأَى الْمُحْتَسِبُ رَجُلًا يَسْفَهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، أَوْ يَطْعَنُ عَلَى الْحَاكِمِ فِي حُكْمِهِ، أَوْ لَا يَنْقَادُ إلَى حُكْمِهِ، عَزَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا رَأَى الْقَاضِيَ قَدْ اسْتَشَاطَ عَلَى رَجُلٍ غَيْظًا، أَوْ شَتَمَهُ أَوْ احْتَدَّ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ، رَدَعَهُ عَنْ ذَلِكَ وَوَعَظَهُ، وَخَوَّفَهُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ وَهُوَ غَضْبَانُ، وَلَا يَقُولَ هُجْرًا، وَلَا يَكُونَ فَظًّا غَلِيظًا؛ وَكَذَلِكَ يَكُونُ غِلْمَانُهُ وَأَعْوَانُهُ الَّذِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا كَانَ فِيهِمْ شَابٌّ حَسَنُ الصُّورَةِ فَلَا يَبْعَثُهُ الْقَاضِي لِإِحْضَارِ النِّسْوَانِ. وَيَنْبَغِي [عَلَى الْقَاضِي] أَنْ يَجْلِسَ لِلنَّاسِ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ، لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَى النَّاسِ الْقَصْدُ إلَيْهِ. [فَصْلٌ فِي الْوُكَلَاء الَّذِينَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي] [فَصْلٌ] وَأَمَّا الْوُكَلَاء الَّذِينَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي فَلَا خَيْرَ فِيهِمْ، وَلَا مَصْلَحَةَ لِلنَّاسِ بِهِمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ رَقِيقُ الدِّينِ يَأْخُذُ مِنْ الْخَصْمَيْنِ، ثُمَّ يَتَمَسَّكُونَ فِيهِ بِسُنَّةِ الشَّرْعِ، فَيُوقِفُونَ الْقَضِيَّةَ، فَيَضِيعُ الْحَقُّ وَيَخْرُجُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْ طَالِبِهِ وَصَاحِبِهِ. فَإِذَا حَضَرَ الْخَصْمَانِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنَّ الْحَقَّ يَظْهَرُ سَرِيعًا مِنْ كَلَامِهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَكِيلٌ، فَكَأَنَّ تَرْكَ الْوُكَلَاءِ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَوْلَى (51 ب) مِنْ نَصْبِهِمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ غَيْرُ بَرْزَةٍ أَوْ صَبِيٌّ، فَحِينَئِذٍ يُوَكِّلُ عَنْهَا الْحَاكِمُ وَكِيلًا. [فَصَلِّ وَيَقْصِد الْمُحْتَسِب مَجَالِس الْوُلَاة وَالْأُمَرَاء] ِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَيَعِظُهُمْ وَيُذَكِّرُهُمْ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالشَّفَقَةِ عَلَى الرَّعِيَّةِ وَالْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلْيَكُنْ فِي وَعْظِهِ وَقَوْلِهِ فِي رَدْعِهِمْ عَنْ الظُّلْمِ لَطِيفًا ظَرِيفًا، لَيِّنَ الْقَوْلِ بَشُوشًا، غَيْرَ جَبَّارٍ [وَلَا] عَبُوسٍ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْحِكَايَةُ عَنْ الْمَأْمُونِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ. [فَصَلِّ فِي الْحَسَبَة عَلَى سِوَى مَا ذِكْر مِنْ أَرْبَابِ الْحِرَفِ الْمَذْكُورَةِ وَالصَّنَائِعِ الْمَشْهُورَةِ وَغَيْرهمْ] فَصْلٌ وَمَا سِوَى [ذَلِكَ مِنْ أَرْبَابِ] الْحِرَفِ الْمَذْكُورَةِ وَالصَّنَائِعِ الْمَشْهُورَةِ فِي كِتَابِي هَذَا، فَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُحْتَسِبِ كَيْفِيَّةُ الْحِسْبَةِ عَلَيْهِمْ، وَالتَّطَرُّقُ إلَى كَشْفِ تَدْلِيسِهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ سَهْلٌ يُعْرَفُ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْعِيَانِ: مِثْلُ الْحِسْبَةِ عَلَى الْبَقَّالِينَ [وَبَاعَةِ] الْخَضْرَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يَأْمُرُهُمْ بِبَيْعِ الْبُقُولِ مَغْسُولَةً مِنْ السِّرْجِينِ، مُنَقَّاةً مِنْ الْحَشِيشِ وَالطَّاقَاتِ الْمُصَفِّرَةِ؛ وَ [يَأْمُرُهُمْ] بِقَطْعِ شَغَفِ أُصُولِ الْخَسِّ وَالْفُجْلِ؛ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ غَسْلِ الْبَصَلِ وَالثُّومِ الرَّطْبَيْنِ، فَإِنَّ الْمَاءَ يَزِيدُهُمَا زَفْرَةً وَنُتُونَةً؛ وَإِذَا بَاتَ فِي دَكَاكِينِهِمْ (52 أ) شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا يَخْلِطُونَهُ بِالطَّرِيِّ الْمَقْطُوعِ فِي الْيَوْمِ. وَيَنْهَاهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] عَنْ بَيْعِ مَا دَوَّدَ مِنْ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالتِّينِ وَالرُّطَبِ، وَمَا قَدْ تَنَاهَى نُضْجُهُ حَتَّى تَهَرَّى قِشْرُهُ مِنْ ذَلِكَ. [وَ] مِثْلُ الباقلائيين، يَنْهَاهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا سَوَّسَ مِنْ الْبَاقِلَّا وَالْحِمَّصِ، وَعَنْ خَلْطِ مَا بَقِيَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَمْسِ فِيمَا سَلَقُوهُ الْيَوْمَ؛ وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَنْثُرُوا عَلَيْهِ الْمِلْحَ الْمَسْحُوقَ وَالصَّعْتَرَ، لِيَدْفَعَ مَضَارَّهُ؛ وَيَتَفَقَّدُ مَكَايِيلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ قِطْعَةً مِنْ خَشَبٍ يَحْفِرُونَهَا مِكْيَالًا، فَيَكُونُ طُولُهَا شِبْرًا مَثَلًا، وَالْمَحْفُورُ مِنْ دَاخِلِهَا أَرْبَعَ أَصَابِعَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 فَيَغْتَرُّ النَّاسُ بِسَعَتِهَا وَطُولِهَا، وَلَا يَعْلَمُونَ الْمِقْدَارَ الْمَحْفُورَ مِنْهَا؛ وَهَذَا تَدْلِيسٌ لَا يَخْفَى. وَمِثْلُ بَاعَةِ الْخَزَفِ وَالْكِيزَانِ وَالْأَوَانِي، فَإِنَّهُمْ يَطْلُونَ مَا كَانَ مَثْقُوبًا مِنْهَا أَوْ مَشْقُوقًا بِالْكِلْسِ الْمَعْجُونِ بِالشَّحْمِ وَبَيَاضِ الْبَيْضِ وَالْخَزَفِ الْأَحْمَرِ الْمَسْحُوقِ. وَمِثْلُ الْغَسَّالِينَ، يَنْهَاهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] عَنْ غَسْلِ ثِيَابِ النَّاسِ بِالْمَاءِ الْمَطْبُوخِ فِيهِ الْقَلْيُ وَالنَّوْرَةُ وَالنَّطْرُونُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالْمَلَابِسِ وَيُبْلِيهَا سَرِيعًا، وَيُوَلِّدُ فِيهَا الْقُمَّلَ وَالصِّئْبَانَ. وَمِثْلُ السَّقَّائِينَ وَأَصْحَابِ الرَّوَايَا وَالْقِرَبِ، فَإِنَّهُ يَأْمُرُهُمْ بِالدُّخُولِ [فِي النَّهْرِ] ، حَتَّى يَبْعُدُوا عَنْ الشَّطِّ وَمَوَاضِعِ الْأَوْسَاخِ؛ وَلَا يَسْتَقُونَ مِنْ مَوْضِعٍ فِي النَّهْرِ بِقُرْبٍ مِنْ (52 ب) سِقَايَةٍ [لِلدَّوَابِّ] أَوْ مُسْتَخْدَمٍ أَوْ مَجْرَى حَمَّامٍ؛ بَلْ يَصْعَدُونَ عَنْهُ أَوْ يَبْعُدُونَ مِنْ تَحْتِهِ؛ وَمَنْ اتَّخَذَ مِنْهُمْ رَاوِيَةً جَدِيدَةً أَمَرَهُ [الْمُحْتَسِبُ] بِنَقْلِ الْمَاءِ إلَى مَعَاجِنِ الطِّينِ أَيَّامًا، وَلَا يَبِيعُهُ لِلشُّرْبِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَغَيِّرَ الطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ مِنْ أَثَرِ الدِّبَاغَةِ وَالزِّفْتِ، فَإِنْ زَالَ التَّغَيُّرُ أَذِنَ لَهُ الْمُحْتَسِبُ بِبَيْعِهِ لِلنَّاسِ لِلشُّرْبِ وَالِاسْتِعْمَالِ. وَيَأْمُرُهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] أَنْ يَشُدُّوا فِي أَعْنَاقِ دَوَابِّهِمْ الْأَجْرَاسَ وَصَفَاقَاتِ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ، لِتَعْلُوَ جَلَبَةُ الدَّابَّةِ إذَا عَبَرَتْ فِي سُوقٍ أَوْ مَحَلَّةٍ، فَيَحْتَرِسُ مِنْهَا الضَّرِيرُ وَالصِّبْيَانُ وَالْإِنْسَانُ الْغَافِلُ؛ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ الْمُكَارِيَةُ وَحَمَّالُو الْحَطَبِ بِدَوَابِّهِمْ. وَيُجْبِرُهُمْ الْمُحْتَسِبُ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، وَلَا يُحَمِّلُونَ الدَّوَابَّ أَكْثَرَ مِنْ طَاقَتِهَا، وَلَا يَسُوقُونَهَا سَوْقًا شَدِيدًا تَحْتَ الْأَحْمَالِ، وَلَا يَضْرِبُونَهَا ضَرْبًا قَوِيًّا، وَلَا يُوقِفُونَهَا فِي الْعِرَاصِ وَعَلَى ظُهُورِهَا [أَحْمَالُهَا] ، فَإِنَّ هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 كُلَّهُ نَهَتْ الشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ عَنْ فِعْلِهِ. وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُرَاقِبُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَلَفِ الدَّابَّةِ وَعَلِيقِهَا، وَيَكُونُ مُوَفَّرًا عَلَيْهَا بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِهِ الشِّبَعُ، وَلَا يَكُونُ مَبْخُوسًا وَلَا نَزْرًا. وَلَوْ شَرَعْت أَنْ أَذْكُرَ جَمِيعَ مَا يَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ أُمُورِ الْحِسْبَةِ لَطَالَ الْكِتَابُ، وَلَمْ يَقَعْ (53 أ) عَلَيْهِ حَصْرٌ، وَلَكِنِّي قَدْ وَضَعْت أُصُولًا وَقَوَاعِدَ يَقِيسُ عَلَيْهَا الْمُحْتَسِبُ مَا يُجَانِسُهَا. وَلَعَمْرِي إنَّ الضَّابِطَ فِي أُمُورِ الْحِسْبَةِ هُوَ الشَّرْعُ الْمُطَهَّرُ، فَكُلُّ مَا نَهَتْ الشَّرِيعَةُ عَنْهُ [يَكُونُ] مَحْظُورًا، وَوَجَبَ عَلَى الْمُحْتَسِبِ إزَالَتُهُ وَالْمَنْعُ مِنْ فِعْلِهِ، وَمَا أَبَاحَتْهُ الشَّرِيعَةُ أَقَرَّهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ. وَلِهَذَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُحْتَسِبُ فَقِيهًا عَالِمًا بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَمَتَى كَانَ الْمُحْتَسِبُ جَاهِلًا اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ، وَوَقَعَ فِي الْمَحْظُورِ وَالْمَحْذُورِ؛ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَوْنَ وَالْعِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118