الكتاب: تفسير القرآن العزيز المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى بن محمد المري، الإلبيري المعروف بابن أبي زَمَنِين المالكي (المتوفى: 399هـ) المحقق: أبو عبد الله حسين بن عكاشة - محمد بن مصطفى الكنز الناشر: الفاروق الحديثة - مصر/ القاهرة الطبعة: الأولى، 1423هـ - 2002م عدد الأجزاء: 5   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير] ---------- تفسير القرآن العزيز لابن أبي زمنين ابن أبي زَمَنِين الكتاب: تفسير القرآن العزيز المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى بن محمد المري، الإلبيري المعروف بابن أبي زَمَنِين المالكي (المتوفى: 399هـ) المحقق: أبو عبد الله حسين بن عكاشة - محمد بن مصطفى الكنز الناشر: الفاروق الحديثة - مصر/ القاهرة الطبعة: الأولى، 1423هـ - 2002م عدد الأجزاء: 5   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله على مُحَمَّد نَبِي الرَّحْمَة، وعَلى آله وَسلم. قَالَ أَبُو عمر: قرئَ على أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي زمنين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقرطبة [فِي] شعْبَان سنة خمس وَتِسْعين وثلاثمائة: الْحَمد لله الَّذِي أنزل الْكتاب على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله؛ ليَكُون للْعَالمين نذيرا، وَجعله دَاعيا إِلَيْهِ وسراجا منيرا؛ فَبلغ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم مَا أرسل بِهِ، ونصح لمن أرسل إِلَيْهِ، وَكَانَ كَمَا وَصفه الله بِالْمُؤْمِنِينَ رءوفا رحِيما صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا. وَبعد؛ فَإِنِّي قَرَأت كاب يحيى بن سَلام فِي تَفْسِير الْقُرْآن، فَوجدت فِيهِ تَكْرَارا كثيرا، وَأَحَادِيث (ذكرهَا)؛ يقوم علم التَّفْسِير دونهَا، فطال بذلك الْكتاب [وَإنَّهُ للَّذي] خبرته من قلَّة نشاط أَكثر الطالبين للعلوم فِي زَمَاننَا هَذَا - إِلَّا إِلَى مَا يخف فِي هَذَا الْكتاب على الدارس، وَيقرب للمقيد - نظرت فِيهِ، فاختصرت فِيهِ مكرره وَبَعض أَحَادِيثه، وزدت فِيهِ من غير كتاب يحيى تَفْسِير مَا لم يفسره يحيى، وتبعت ذَلِك إعرابا كثيرا ولغة؛ على مَا نقل عَن النَّحْوِيين، وَأَصْحَاب اللُّغَة السالكين لمناهج الْفُقَهَاء فِي التَّأْوِيل؛ زَائِدا على الَّذِي ذكره يحيى من ذَلِك. وأبتدئ بِبَعْض مَا افْتتح بِهِ يحيى كِتَابه؛ فَمن ذَلِك: أَنه قَالَ: حَدثنِي سُفْيَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 الثَّوْريّ، عَن عبد الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قَالَ فِي الْقُرْآن بِغَيْر علم، فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار ". يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عُرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَة " أَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ لعُثْمَان بن عَفَّان: مَا كنت صانعا إِذا قيل: قِرَاءَة فلَان، وَقِرَاءَة فلَان؛ كَمَا صنع أهل الْكتاب فأصنعه الْآن. فَجمع عُثْمَان النَّاس على هَذَا الْمُصحف؛ وَهُوَ حرف زيد ". يحيى: وحَدثني الْحسن بْنِ [دِينَارٍ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِين " أَن جِبْرِيل كَانَ يَأْتِي النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم فَيعرض عَلَيْهِ الْقُرْآن عرضة كل عَام؛ فَلَمَّا كَانَ الْعَام الَّذِي قبض فِيهِ، أَتَاهُ فَعرض عَلَيْهِ مرَّتَيْنِ ". قَالَ ابْن سِيرِين: فَكَانُوا (يرَوْنَ أَن قراءتنا هَذِه) على العرضة الْآخِرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 قَالَ يحيى: وحدثونا أَن السُّور لم تنزل كل سُورَة مِنْهَا جملَة، إِلَّا الْيَسِير مِنْهَا، وَلَكِن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قد كَانَ سمى السُّور؛ فَكلما نزل من الْقُرْآن شَيْء، أَمر أَن يضعوه من السُّور فِي الْمَكَان الَّذِي يَأْمُرهُم بِهِ؛ حَتَّى تمت السُّور، وَكَانَ يَأْمر أَن يَجْعَل فِي بعض السُّور المكية من الْمدنِي، وَأَن يَجْعَل فِي بعض السُّور الْمَدِينَة من الْمَكِّيّ، وَكَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلام يَأْتِي النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُول: إِن الله - تبَارك وَتَعَالَى - يَأْمُرك أَن تجْعَل آيَة كَذَا بَين ظهراني كَذَا، وَكَذَا (بَين كَذَا وَكَذَا) من السُّورَة. وَقد نزل الْمَكِّيّ قبل الْمدنِي وَأَن هَذَا [التَّأْلِيف الَّذِي] بَين السُّور لم ينزل على هَذَا التَّأْلِيف، وَلكنه وضع هَكَذَا، لم يَجْعَل الْمَكِّيّ من [السُّور] على حِدة؛ يتبع بعضه بَعْضًا فِي تأليف السُّور، وَلم يَجْعَل الْمدنِي من السُّور على حِدة؛ يتبع بعضه بَعْضًا فِي تأليف السُّور. وَقد نزل بِمَكَّة بعض مَا أَمر بِهِ لما يكون بِالْمَدِينَةِ [يعْملُونَ بِهِ] إِذا قدمُوا الْمَدِينَة، وَأَن بعض الْآيَات نزلت الْآيَة مِنْهَا قبل الْآيَة، وَهِي بعْدهَا [فِي التَّأْلِيف، وَقد فسرنا هَذِه الْوُجُوه فِي موَاضعهَا من التَّفْسِير وَإِن مَا نزل بِمَكَّة، وَمَا نزل فِي طَرِيق الْمَدِينَة قبل أَن يبلغ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام الْمَدِينَة فَهُوَ من الْمَكِّيّ، وَمَا نزل على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَسْفَاره بَعْدَمَا قدم الْمَدِينَة فَهُوَ من الْمدنِي] وَمَا كَانَ (ل 3) وَأَكْثَره مكي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 قَالَ يحيى: وَلَا يعرف الْقُرْآن إِلَّا من عرف اثْنَتَيْ خصْلَة: الْمَكِّيّ وَالْمَدَنِي، والناسخ والمنسوخ، والتقديم وَالتَّأْخِير، والمقطوع والموصول، وَالْخَاص وَالْعَام، والإضمار والعربية. قَالَ مُحَمَّد: وَجَمِيع مَا نقلته من كتاب يحيى أَخْبرنِي بِهِ أبي رَحمَه الله عَن أبي الْحسن عَليّ بن الْحسن، عَن أبي دَاوُد أَحْمد بن مُوسَى، عَن يحيى بن سَلام. وَمِنْه مَا حَدثنِي بِهِ [أبي] عَن أبي الْحسن عَن يحيى بن مُحَمَّد بن يحيى ابْن سَلام عَن أَبِيه، عَن جده، وكل مَا أدخلته من طَرِيق يحيى بن مُحَمَّد فقد قلت: إِنَّه من طَرِيق (حَدِيث) يحيى بن مُحَمَّد. وأسأل الله العون والتأييد والإرشاد والتسديد؛ لَا إِلَه إِلَّا الله هُوَ [الفعال لما يُرِيد]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 [بَاب] مَا جَاءَ فِي بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 قَالَ يَحْيَى: حَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ بْنُ يَعْلَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: ((كُنَّا نَكْتُبُ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ زَمَانًا؛ فَلَمَّا نَزَلَتْ: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَو ادعوا الرَّحْمَن} كتبا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ)) {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} كَتَبْنَا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ". يَحْيَي: وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: ((لَمْ تَنْزِلْ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ إِلا فِي هَذِهِ الآيَةِ: {إِنَّهُ مِنْ سليمان ... . .} وَيَجْعَلُهُ مِفْتَاحَ الْقِرَاءَةِ إِذَا قَرَأَ)). يَحْيَي: وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ؛ أَنَّهُ قَالَ: ((هَذَانِ الاسْمَانِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ مَمْنُوعَانِ؛ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ أَنْ يَنْتَحِلَهُمَا: اللَّهُ، وَالرَّحْمَنُ)). قَالَ مُحَمَّد: قِيلَ: الجالب للباء فِي ((باسم اللَّه)) معنى الِابْتِدَاء؛ كَأَنَّك قُلْت: أبدأ باسم اللَّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 تَفْسِير فَاتِحَة الْكتاب وَهِي مَكِّيَّة كلهَا [آيَة [1 - 7] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 قَوْله: {الْحَمد لله} حمد نَفسه، وَأمر الْعباد أَن يحمدوه، وَالْحَمْد: شكر النِّعْمَة. {رَبِّ الْعَالمين} الْعَالمُونَ: الْخلق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 {ملك يَوْم الدّين} قَالَ قَتَادَة: يَوْم يَدِينُ اللَّهُ النَّاس فِيهِ بأعمالهم. قَالَ مُحَمَّد: معنى ((الدّين)) فِي اللُّغَة: الْجَزَاء؛ وَمن كَلَام الْعَرَب: دنته بِمَا صنع - أَي: جازيته. قَالَ يَحْيَى: مَنْ قَرَأَ {مَلِكِ} فَهُوَ مِنْ بَابِ: الْمُلْكِ؛ يَقُولُ: هُوَ مَلِكُ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَأَخْبَرَنِي بَحْرٌ السَّقَّاءُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 يقرءونها: {مَالك يَوْم الدّين} بِكَسْر الْكَاف، وتفسيرها على هَذَا المقراء: مَالِكُهُ الَّذِي يَمْلِكُهُ. وَقَرَأَ بَعْض الْقُرَّاء: ((مَالِكَ))؛ بِفَتْح الْكَاف، يَجعله نِدَاء: يَا مَالِكَ يَوْم الدِّين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 {إياك نعْبد}. قَالَ مُحَمَّد: معنى الْعِبَادَة فِي اللُّغَة: الطَّاعَة مَعَ الخضوع، وَمن هَذَا يُقَال: طَرِيق مُعَبَّدٌ إِذا كَانَ مذللا بِكَثْرَة الْمَشْي عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 {اهدنا} أرشدنا {الصِّرَاط}: الطَّرِيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 {صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم} بِالْإِسْلَامِ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالّين} قَالَ (الحَسَن): المغضوب عَلَيْهِم: الْيَهُود، والضالون: النَّصَارَى. وَهَذَا دُعَاء أَمر اللَّه رَسُوله أَن يَدْعُو بِهِ، وَجعله سنة لَهُ وَلِلْمُؤْمنِينَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ {غَيْرِ} بِالْخَفْضِ فَهُوَ على الْبَدَل من ((الَّذِينَ)) وَجَاز أَن يكون على النَّعْت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا [آيَة 1 - 5] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 قَوْله: عز ذكره: {الم} قَالَ يَحْيَى: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: مَا أَدْرِي مَا تَفْسِيرُ {الم} و {الر} و {المص} وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، غير أَن قوما (ل 4) مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: أَسْمَاءُ السُّوَرِ وَفَوَاتِحُهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَذكر ابْن سَلام فِي تَفْسِير {الم} وَغير ذَلِكَ من حُرُوف المعجم الَّتِي فِي أَوَائِل السُّور - تفاسير غير متفقة فِي مَعَانِيهَا وَهَذَا الَّذِي ذكره يحيى عَنِ الْحَسَن، وَالله أعلم وَقد سَمِعْتُ بَعْض من أقتدي بِهِ من مَشَايِخنَا يَقُولُ: إِن الْإِمْسَاك عَنْ تَفْسِيرهَا أفضل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} يَعْنِي: هَذَا الْكتاب لَا شكّ فِيهِ. {هدى لِلْمُتقين}: الَّذين يَتَّقُونَ الشّرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 {الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ} يَعْنِي: يصدقون بِالْبَعْثِ والحساب، وَالْجَنَّة وَالنَّار؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاة} يَعْنِي: الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 يتمونها على مَا سنّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ صَلَاة مِنْهَا {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} يَعْنِي: الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة على سنتها أَيْضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} يَعْنِي: الْقُرْآن {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قبلك} يَعْنِي: التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور؛ يصدقون بِهَا وَلا يعْملُونَ إِلَّا بِمَا فِي الْقُرْآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 {أُولَئِكَ على هدى} بَيَان {مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المفلحون} السُّعَدَاء. [آيَة 6 - 7] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ (آنذرتهم} أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} يَعْنِي: الَّذين سبق لَهُم - فِي علم الْغَيْب - أَنهم يلقون اللَّه بكفرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 {ختم الله على قُلُوبهم} يَعْنِي: طبع؛ فهم لَا يفقهُونَ الْهدى {وعَلى سمعهم} فَلَا يسمعونه {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} فَلَا يبصرونه. قَالَ مُحَمَّد: ((غِشَاوَةٌ)) يَعْنِي: غطاء. [آيَة 8 - 10]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 قَالَ يحيى: ثمَّ ذكر صفنا آخر من النَّاس - يَعْنِي: الْمُنَافِقين - فَقَالَ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هم بمؤمنين} إِنَّمَا تكلمُوا بِهِ فِي الْعَلَانِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 {يخادعون الله وَالَّذين آمنُوا} حَتَّى يكفوا عَنْ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ. وَسبي ذَرَارِيهمْ، ومُخَادَعَتُهُمْ لرَسُول اللَّه وَلِلْمُؤْمنِينَ مخادعة لله {وَمَا يُخَادِعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ} أَي أَن ذَلِك يرجع عَلَيْهِم عَذَابه، وثواب كفره {وَمَا يَشْعُرُونَ} أَن ذَلِك رَاجع عَلَيْهِم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 {فِي قُلُوبهم مرض} قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: شكًّا {فَزَادَهُمُ الله مَرضا} بالطبع على قُلُوبهم {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} موجع فِي الْآخِرَة {بِمَا كَانُوا يُكَذِّبُونَ} بقلوبهم فِي قِرَاءَة من قَرَأَهَا بالتثقيل، وَمن قَرَأَهَا بِالتَّخْفِيفِ ((يكذبُون)) يَعْنِي: فِي قَوْلهم: آمنا؛ وَقُلُوبهمْ على الْكفْر. [آيَة 11 - 15] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْض} يَعْنِي: لَا تُشْرِكُوا {قَالُوا إِنَّمَا نَحن مصلحون} أَي: أظهرُوا الْإِيمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 أَن اللَّه يعذبهم فِي الْآخِرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمن النَّاس} إِذا قَالَ لَهُم النَّبِي والمؤمنون: آمنُوا كَمَا آمن الْمُؤْمِنُونَ - قَالَ بَعضهم لبَعض: {أَنُؤْمِنُ كَمَا آمن السُّفَهَاء} يعنون: من آمن، وَلم يعلنوا قَوْلهم هَذَا {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لَا يعلمُونَ} أَنهم سفهاءُ؛ فِي تَفْسِير الحَسَن. قَالَ مُحَمَّد: أصل السَّفه: خفَّة الْحلم؛ ومِنْهُ يُقَال: ثوب سَفِيه إِذا كَانَ خَفِيفا. وَقيل: أصل السَّفه: الْجَهْل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 {وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: رؤساءهم فِي (الشّرك) {قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحن مستهزئون} بِمُحَمد (وَأَصْحَابه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 {الله يستهزئ بهم} قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي: يجازيهم جَزَاء الِاسْتِهْزَاء. يَحْيَى: عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: ((يجاء بالمستهزئين يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ يُفْتَحُ لَهُمْ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَيُدْعَوْنَ [لِيَدْخُلُوا] فَيَجِيئُونَ؛ فَإِذَا بَلَغُوا الْبَابَ أُغْلِقَ فَيَرْجِعُونَ، ثُمَّ يُدْعَوْنَ لِيَدْخُلُوا فَيَجِيئُونَ؛ فَإِذَا بَلَغُوا الْبَابَ أُغْلِقَ فَيَرْجِعُونَ، ثُمَّ يُدْعَوْنَ لِيَدْخُلُوا فَيَجِيئُونَ، فَإِذَا (ل 5) بَلَغُوا الْبَابَ أُغْلِقَ فَيَرْجِعُونَ، ثُمَّ يُدْعَوْنَ حَتَّى أَنَّهُمْ يُدْعَوْنَ فَلا يَجِيئُونَ مِنَ الْيَأْسِ)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 {ويمدهم فِي طغيانهم يعمهون} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: يَتَرَدَّدُونَ. قَالَ مُحَمَّد: معنى: ((يمدهُمْ)): يُطِيل لَهُم؛ تَقُولُ: مددت فلَانا فِي غيه ومددت لَهُ؛ فَإِذا كَانَ فِي الشَّرّ قُلْت: مددته، وَإِذا كَانَ فِي الْخَيْر قُلْت أمددته والطغيان: العتو والتكبر. وَالْعَمَهُ فِي كَلَام الْعَرَب: الْحيرَة والضلال [يُقَال] عَمه الرجل فِي الْأَمر يعمه عُمُوها؛ إِذا تاه فِيهِ وتحير؛ فَهُوَ عَمه، وعامه. [آيَة 16 - 18] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} يَعْنِي: اخْتَارُوا الضَّلَالَة عَلَى الْهدى؛ فِي تَفْسِير الحَسَن {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتهمْ وَمَا كَانُوا مهتدين}. قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي: فَمَا ربحوا فِي تِجَارَتهمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} الآيةُ، قَالَ الْحسن، يَعْنِي: مثلهم كَمثل رَجُل يمشي فِي لَيْلَة مظْلمَة فِي يَدِهِ شعلة من نَار فَهُوَ يبصر بِهَا مَوضِع قَدَمَيْهِ؛ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك، إِذْ أطفئت ناره؛ فَلم يبصر؛ كَيفَ يمشي؟! وَإِن الْمُنَافِق تكلم بقول لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فناكح بِهَا الْمُسلمين، وحقن دَمه وَمَاله؛ فَلَمَّا كَانَ عِنْد الْمَوْت، سلبه اللَّه إِيَّاهَا. قَالَ يَحْيَى: لِأَنَّهُ لم يكن لَهَا حَقِيقَة فِي قلبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 {صم بكم عمي} صم عَنِ الْهدى، فَلَا يسمعونه، بكم عَنْهُ؛ فَلَا ينطقون بِهِ، عمي عَنْهُ؛ فَلَا يبصرونه. {فَهُمْ لَا يرجعُونَ} يَعْنِي: لَا يتوبون من نفاقهم. [آيَة 19 - 20] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظلمات ورعد وبرق} هَذَا مثل آخر؛ ضربه اللَّه مثلا لِلْمُنَافِقين. والصيب: الْمَطَر، والظلمات مثل الشدَّة، والرعد مثل التخويف، والبرق مثل نور الإِسْلام، وَفِي الْمَطَر الرزق أَيْضا. فَضرب اللَّه ذَلِك مثلا لَهُم؛ لأَنهم كَانُوا إِذا أَصَابُوا فِي الإِسْلام رخاء وطمأنينة، سروا بذلك فِي حَال دنياهم، وَإِذا أَصَابَتْهُم شدَّة قطع بهم عِنْد ذَلِكَ فَلم (يصبروا عَلَى بلائها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وَلم يحتسبوا أجرهَا {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْت} وَهَذَا كَرَاهِيَة للْجِهَاد {وَاللَّهُ مُحِيطٌ بالكافرين} أَي: هُوَ من ورائهم؛ حَتَّى (يخزيهم) بكفرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 {يكَاد الْبَرْق يخطف أَبْصَارهم} [حَتَّى أظهرُوا الإِيمَان وأسروا الشّرك] لشدَّة ضوئه {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} أَي: بقوا لَا يبصرون {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} حِين أظهرُوا الإِيمَان، وأسروا الشّرك. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {أَوْ كَصَيِّبٍ من السَّمَاء} مَعْنَاهُ: أَو كأصحاب صيب، و ((أَو)) دخلت هَذَا لغير شكّ؛ وَهِي الَّتِي يَقُولُ النحويون: إِنَّهَا تدخل للْإِبَاحَة. وَالْمعْنَى: أَن التَّمْثِيل مُبَاح لكم فِي الْمُنَافِقين؛ إِن مثلتموهم بِالَّذِي استوقد نَارا فَذَلِك مثلهم، وَإِن مثلتموهم بأصحاب الصيب فَهُوَ مثلهم. وَيُقَال: صاب الْمَطَر يصوب؛ إِذا نزل. [آيَة 21 - 23] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 [آيَة 24] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 {يَا أَيهَا النَّاس اعبدوا ربكُم} أَي: لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} يَعْنِي: خَلقكُم وَخلق الْأَوَّلين؛ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} أَي: لكَي تتقوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا} يَعْنِي: بساطا ومهادا {وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [عَلَى الأَرْض]. قَالَ مُحَمَّد: كُلُّ مَا علا عَلَى الأَرْض فاسمه: بِنَاء. وَالْمعْنَى: أَنَّهُ جعلهَا سقفا مثل قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا} وَقَوله: {فراشا} أَي: لم يَجْعَلهَا [بِحَيْثُ] لَا يُمكن الِاسْتِقْرَار عَلَيْهَا. {فَلا تَجْعَلُوا الله أنداداً} يَعْنِي: أعدالا تعدلونهم [بِهِ] {وَأَنْتُمْ تعلمُونَ} أَنَّهُ خَلقكُم، وَخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَأَنَّهُمْ لَا يخلقون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا} يَعْنِي: مُحَمَّدًا {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مثله} أَي: من مثل هَذَا الْقُرْآن {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} فيشهدوا أَنه مثله {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقين} بِأَن هَذَا الْقُرْآن لَيْسَ من كَلَام الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} أيْ: لَا تقدرون على ذَلِكَ {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة} وَهِي: أَحْجَار من كبريت. قَالَ مُحَمَّد: وقودها بِفَتْح الْوَاو (ل 6) حطبها، والْوُقُود بِالضَّمِّ [الْمصدر] يُقَال: وقدت النَّار تقد وقوداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 [آيَة 25] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تحتهَا الْأَنْهَار} قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي: بساتين تجْرِي من تحتهَا [الْأَنْهَار؛ ذَلِكَ إِلَى شَجَرهَا] لَا إِلَى أرْضهَا. يَحْيَى: قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالك؛ أَنه قَالَ: ((أَنَّهَا الْجَنَّةِ تَجْرِي (فِي غَيْرِ أُخْدُودٍ) الْمَاءُ وَاللَّبَنُ وَالْعَسَلُ وَالْخَمْرُ وَهُوَ أيسر عَلَيْهِ، فطينة النَّهر مَسْلَك أذفر، ورضراضه الدّرّ والياقوت، وحافاته قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا من قبل} أَي: فِي الدُّنيا يعرفونه بأسمائه؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة {وَأُتُوا بِهِ متشابها} قَالَ الْكَلْبِيّ: يَعْنِي: متشابها فِي المنظر، مُخْتَلفا فِي الْمطعم {وَلَهُمْ فِيهَا أَزوَاج مطهرة} من الْإِثْم والأذى؛ فِي تَفْسِير الْحسن. قَالَ مُحَمَّد: أهل الْحجاز يَقُولُونَ للْمَرْأَة: هِيَ زوج الرجل، وَبَنُو تَميم يَقُولُونَ: زَوْجَة الرجل. يَحْيَى: عَنْ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسَاءِ أهل الْجنَّة: يدخلهَا عُرُبًا أَتْرَابًا، لَا يَحِضْنَ، وَلا يلدن، وَلَا يمتخطن، وَلَا يقضين حَاجَة)). [آيَة 26 - 27] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 {إِن الله لَا يستحي أَن يضْرب مثلا ... } الآيةُ، وَذَلِكَ أَن اللَّه لما ذكر فِي كِتَابه العنكبوت والنمل والذباب - قَالَ الْمُشْركُونَ: مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِذكر هَذَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 كِتَابه؟ {وَلَيْسَ يقرونَ أَن اللَّه أنزلهُ، وَلَكِن يَقُولُونَ للنَّبِي صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم: إِن كنت صَادِقا، فَمَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مثلا؟} فَأنْزل اللَّه: {إِن الله لَا يستحي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقهَا} أَي: مثلا بعوضة ((مَا)) فِي هَذَا الْموضع زَائِدَة {فَمَا فَوْقَهَا} يَعْنِي: فَمَا أكبر مِنْهَا. {وَمَا يضل بِهِ إِلَّا الْفَاسِقين} يَعْنِي: الْمُشْركين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بعد ميثاقه} وَهُوَ الْمِيثَاق الَّذِي أَخذ عَلَيْهِم فِي صلب آدم، وَتَفْسِيره فِي سُورَة الْأَعْرَاف {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصل} قَالَ ابْنُ عَبَّاس: يَعْنِي: مَا أَمر اللَّه بِهِ من الْإِيمَان بالنبيين كلهم {وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ} أَي يعْملُونَ فِيهَا بالشرك والمعاصي {أُولَئِكَ هم الخاسرون} خسروا أنفسهم أَنْ يغنموها فيصيروا فِي الْجَنَّةِ؛ فصاروا فِي النَّار. [آيَة 28 - 29] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا} أَي: نطفا فِي أصلبة آبائكم؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة: {فأحياكم} فِي الْأَرْحَام، وَفِي الدُّنيا {ثُمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ} يَعْنِي: الْبَعْث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 قَالَ مُحَمَّد: تَأْوِيل ((كَيفَ)) اسْتِفْهَام فِي معنى التَّعَجُّب؛ إِنَّمَا هُوَ للْمُؤْمِنين؛ أَي: اعجبوا من هَؤُلاءِ؛ كَيفَ يكفرون وَقد ثبتَتْ حجَّة الله عَلَيْهِم؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 {هُوَ الَّذِي خلق لكم} سخر لكم {مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي: أقبل على خلق السَّمَاء؛ كَذَلِك جَاءَ عَنِ الْحَسَن. يَحْيَى: وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ، ((أَنَّ رَجُلا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فسوهن سبع سموات} وَعَن قَوْله عز ذكره: {أَنْتُم أَشَدُّ خَلْقًا} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالأَرْضَ بعد ذَلِك دحها} فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ خَلَقَ الأَرْضَ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ، ثُمَّ عَادَ؛ فحدا الأَرْضَ، وَخَلَقَ فِيهَا جِبَالَهَا وَأَنْهَارَهَا وأشجارها ومرعاها)). [آيَة 30] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} الْآيَة، تَفْسِير الحَسَن: إِن اللَّه أخبر الْمَلَائِكَة؛ أَنه جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة، [يكون من] وَلَده من يسفك الدِّمَاء، فِيهَا، وَيفْعل كَذَا؛ فَقَالَت الْمَلَائِكَة: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك} أَي: نصلي لَك؛ فِي تَفْسِير بَعضهم. قَالَ مُحَمَّد: معنى: يسفك: يصب؛ تَقُولُ: سفكت الشَّيْء! إِذا صببته. وَمعنى ((نُسَبِّح بحَمْدك)): أَي: نبرئك من السوء ونعظمك، وكل من عمل خيرا (ل 7) أَرَادَ اللَّه بِهِ، فقد سبح الله؛ أَي: عظمه. وَمعنى: {نقدس لَك} أَي: نطهر أَنْفُسنَا لَك، وأصل الْقُدس فِي اللُّغَة: الطَّهَارَة. قَالَ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تعلمُونَ} تَفْسِير قَتَادَة: علم أَنه سينشأ من ذَلِكَ الْخَلِيفَة أَنْبيَاء، ورسل، وَقوم صَالِحُونَ. [الْآيَة 31 - 33] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عرضهمْ على الْمَلَائِكَة} قَالَ مُجَاهِد: خلق اللَّه آدم آخر سَاعَات النَّهَار من يَوْم الْجُمُعَة بعد مَا خلق الْخلق كلهم. قَالَ الْكَلْبِيّ: ثمَّ علمه أَسمَاء الْخلق [كلهم] بالسُّرْيَانيَّة اللِّسَان الأول سرًّا من الْمَلَائِكَة، ثمَّ حشر اللَّه الدَّوَابّ كلهَا، وَالسِّبَاع وَالطير وَمَا ذَرأ فِي الأَرْض، ثمَّ قَالَ للْمَلَائكَة: (أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدم أنبئهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 بِأَسْمَائِهِمْ} فَقَالَ آدم عَلَيْهِ السَّلام: هَذَا كَذَا، وَهَذَا كَذَا. قَالَ قَتَادَة: فَسمى كُلَّ نوع باسمه. فَلَمَّا أنبأهم آدم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ اللَّه للْمَلَائكَة: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} قَالَ الحَسَن وَقَتَادَة: لما قَالَ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْض خَليفَة} قَالُوا فِيمَا بَينهم: مَا اللَّه بخالق خلقا هُوَ أكْرم عَلَيْهِ منا [وَلا أعلم] وَهُوَ الَّذِي كتموا. [آيَة 34 - 35] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 {وَإِذا قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم} قَالَ قَتَادَة: أكْرم اللَّه آدم؛ بِأَن أَسجد لَهُ مَلَائكَته {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيس ... .} الْآيَة، قَالَ بَعضهم: خلق اللَّه الْخلق شقيا وسعيدا؛ فَكَانَ إِبْلِيس مِمَّن خلقه شقيا؛ فَلَمَّا أُمِرَ بِالسُّجُود {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافرين} يخبر عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ كَانَ مِمَّن خلقه شقياً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شئتما} لَا حِسَاب عَلَيْكُمَا فِيهِ. قَالَ مُحَمَّد: من كَلَام الْعَرَب: رغد فلَان يَرْغَدُ إِذا صَار فِي خصبٍ وسعةٍ. وَفِيه لُغَة أُخْرَى: أرغد. {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فتكونا من الظَّالِمين} يَعْنِي لأنفسكما بخطيئتكما، والشجرة الَّتي نهي عَنْهَا آدم حَوَّاء -: هِيَ السنبلة؛ فِي تَفْسِير ابْن عَبَّاس. وقَالَ قَتَادَة: هِيَ التِّين [وَقيل: هِيَ شَجَرَة الْعِنَب] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 [آيَة 36 - 39] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 {فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا} قَالَ مُحَمَّد: ((أزلهما)) هُوَ من: الزلل؛ الْمَعْنى: كَسَّبَهُمَا الزَّلَّةَ والخطيئةَ. قَالَ يَحْيَى: بلغنَا أَن إِبْلِيس دخل فِي الْحَيَّة فكلمهما مِنْهَا، وكَانت أحسن الدَّوَابّ، فمسخها اللَّه، ورد قَوَائِمهَا فِي جوفها، وأمشاها على بَطنهَا. وبلغنا أَن أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: حَوَّاء هِيَ الَّتي دلّت الشَّيْطَان على مَا كَانَا نهيا عَنهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 {وَقُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} آدم وَمَعَهُ حَوَّاء وإبليس والحية الَّتي دخل إِبْلِيس فِيهَا لَا تقدر على ابْن آدم فِي مَوضِع إِلَّا لدغته، وَلا يقدر عَلَيْهَا فِي مَوضِع إِلَّا شدخها {وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر} من يَوْم يُولد إِلَى يَوْم يَمُوت {ومتاع} يَعْنِي: مَعَايشهمْ الَّتي يستمتعون بِهَا {إِلَى حِين} يَعْنِي: الْمَوْت {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ ربه كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ} وعَلى حَوَّاء. يَحْيَى: عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ (عَبْدِ الْمَلِكِ) بْنِ أَبِي سُلَيْمَان، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ قَوْلُهُمَا: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وترحمنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 لنكونن من الخسرين} قَالَ مُحَمَّد: قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {فَتلقى} مَعْنَاهُ: قبل وَأخذ. {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مني هدى} أَي رَسُول {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خوف عَلَيْهِم} فِي الْآخِرَة من النَّار {وَلا هم يَحْزَنُونَ} على الدُّنْيَا. [آيَة 40] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم} خَاطب بِهَذَا من أدْرك النَّبي عَلَيْهِ السَّلَام مِنْهُم؛ يذكرهم مَا فعل [بأولهم] أَنَّهُ أنجاهم من آل فِرْعَوْن، وأنجاهم من الْغَرق، وظلل عَلَيْهِم الْغَمَام؛ وَغير ذَلِكَ من نعْمَة اللَّه الَّتي لَا تحصى {وَأَوْفُوا بعهدي أوف بعهدكم} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: بعهدي فِي الْإِيمَان بِمُحَمد {أوف بعهدكم} الَّذِي عهِدت لكم من الْجَنَّةِ {وإياي فارهبون} {ل 8} هُوَ كَقَوْلِه: {قاتقون}. قَالَ [مُحَمَّد: يُقَال: وفيت] بالعهد وأوفيت بِهِ. قَوْله: {فارهبون} أَصله: فارهبوني بِالْيَاءِ، وحذفت لِأَنَّهَا رَأس آيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 [آيَة 41 - 45]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 {وآمنوا بِمَا أنزلت} يَعْنِي: الْقُرْآن {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} يَعْنِي: [بِهَذَا قُرَيْظَة] وَالنضير؛ لِأَن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم عَلَيْهِم ((الْمَدِينَة)) فعصوا اللَّه، وَكَانُوا أول من كفر بِهِ من الْيَهُود {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثمنا قَلِيلا} يَعْنِي: الْآيَات الَّتِي وصف اللَّه بهَا مُحَمَّدا صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم فِي كِتَابهمْ، فَأَخْفَوْهَا من الْأُمِّيين، وجهال من الْيَهُود، وَكَانَ الَّذين يَفْعَلُونَ ذَلِكَ علماؤهم؛ كَعْب بْن الْأَشْرَف وَأَصْحَابه، وَكَانَت لَهُم مَأْكَلَةٌ من الْيَهُود كُلّ عَام؛ فَذَلِك الثّمن الْقَلِيل؛ خَافُوا إِن تابعوا النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَن تذْهب مأكلتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 {وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: لَا تخلطوا الإِسْلام باليهودية والنصرانية. قَالَ مُحَمَّد: يُقَال لَبَسْت عَلَيْهِم الْأَمر [إِذا غَمَّيْته]؛ فَكَأَن معنى الْآيَة: لَا تلبسوا أَمر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بِمَا تحرفون وتكتمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 {الْحق} يَعْنِي: مُحَمَّدا صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم {وَأَنْتُم تعلمُونَ} أَي: تجدونه مَكْتُوبًا عنْدكُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الراكعين} أَمرهم أَن يدخلُوا فِي دين مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} أَي: تتركون الْعَمَل بِهِ {وَأَنْتُمْ تتلون الْكتاب} بِخِلَاف مَا تَفْعَلُونَ {أَفَلا تَعْقِلُونَ} مَا تأمرون بِهِ؛ يَعْنِي بذلك أَحْبَارهم. قَالَ مُحَمَّد: جَاءَ عَنِ ابْن عَبَّاس - فِي تَفْسِير {أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبرِّ} قَالَ: نزلت فِي قوم من أَحْبَار يهود؛ كَانَ الرجل مِنْهُم يَقُولُ لمن أسلم من ذَوي قرَابَته - إِذا وثق بِهِ فِي السِّرّ -: اثْبتْ على الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ؛ مِمَّا يَأْمُرك بِهِ هَذَا الرجل؛ يعنون: مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ حق، وَلا يَفْعَلُونَهُ هُم؛ للرياسة الَّتي كَانُوا حازوها، والمآكل الَّتي كَانُوا يأكلونها؛ فكشف اللَّه سرهم، وَأخْبر بذلك عَنْهُم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 {وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة} أَي: على الصَّلاة، فَخص الصَّلاة لمكانها من الدِّين. تَفْسِير الحَسَن: اسْتَعِينُوا بِالصبرِ على الدِّين كُله. وَقَالَ مُجَاهِد: الصَّبْر - هَا هُنَا الصَّوْم؛ وليعلم أَنَّهُمَا عون على طَاعَة اللَّه. قَالَ مُحَمَّد: وأصل الصَّبْر: الْحَبْس، وَإِنَّمَا سمي الصَّائِم صَابِرًا؛ لحبسه نَفسه عَنِ الْأكل وَالشرب. {وَإِنَّهَا لكبيرة} يَعْنِي: الصَّلاة. {إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ} الْخُشُوع هُوَ: الْخَوْف الثَّابِت فِي الْقلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 [آيَة 46 - 50] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 {الَّذين يظنون} [يعلمُونَ] {إِنَّهُم ملاقوا رَبهم}. قَالَ مُحَمَّد: الظَّن فِي كَلَام الْعَرَب بمعنيين: شكّ ويقين؛ قَالَ دُرَيْد بن الصمَّة: (فَقلت لَهُم ظنُّوا بألفي مقَاتل ... سراتهم بالفارسي المسرد) وَمعنى ظنُّوا: أَي: أيقنوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 قَوْله: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: أهل زمانهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نفس شَيْئا} أَي: لَا تغني. قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: جَزَى عني فلَان، بِلَا همز؛ أَي: نَاب عني، وأجزأني: كفاني. {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} أَي: لَا تكون الشَّفَاعَة إِلَّا للْمُؤْمِنين (وَلا يُؤْخَذُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 مِنْهَا عدل} أَي: لَا يقبل مِنْهَا فدَاء {وَلَا هم ينْصرُونَ} أَي: لَا أحد ينتصر لَهُم. قَالَ مُحَمَّد: إِنَّمَا يُقَال للْفِدَاء: عدل؛ لِأَنَّهُ مثل للشَّيْء؛ يُقَال: هَذَا عدل هَذَا وعديله؛ والْعِدْلُ - بِكَسْر الْعين - هُوَ: مَا حُمِلَ على الظّهْر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يسومونكم} {يلونكم} (سوء الْعَذَاب} أَي: أشده {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نساءكم} فَلَا يقتلونهن {وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ من ربكُم عَظِيم} يَعْنِي: إِذْ نجاكم مِنْهُ. قَالَ مُحَمَّد: الْبلَاء يتَصَرَّف فِي النَّقْل على وُجُوه؛ وَهُوَ هَا هُنَا النِّعْمَة. (ل 9) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وأغرقنا آل فِرْعَوْن} [مَاتُوا] وَفرْعَوْن فيهم {وَأَنْتُم تنْظرُون} يَعْنِي: أوليهم. قَالَ مُحَمَّد فِي قَوْله: {وَإِذ فرقنا بكم الْبَحْر} هُوَ كَقَوْلِه: {فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فرق كالطود الْعَظِيم}. [آيَة 51 - 52] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 [آيَة 53 - 54] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} تَفْسِيره مَذْكُور فِي سُورَة الْأَعْرَاف {وَأَنْتُم ظَالِمُونَ} يَعْنِي: لأنفسكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 {ثمَّ عَفَوْنَا عَنْكُم} يَعْنِي: التَّوْبَة الَّتي جعلهَا اللَّه (لَهُم فَقتل بَعضهم نَفسه) قَالَ قَتَادَة: أمروا أَن ينتحروا بالشفار فَفَعَلُوا، فَلَمَّا بلغ اللَّه فيهم نقمته سَقَطت الشفار من أَيْديهم؛ فَكَانَ ذَلِكَ للمقتول شَهَادَة، وللحي تَوْبَة {لَعَلَّكُمْ تشكرون} أَي: لتشكرونا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} الْكتاب: التَّوْرَاة، وَالْفرْقَان: حلالها وحرامها {لَعَلَّكُمْ تهتدون} لكَي تهتدوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم إِنَّكُم ظلمتم أَنفسكُم} قَالَ مُحَمَّد: الِاخْتِيَار فِي الْعَرَبيَّة يَا قوم بِحَذْف الْيَاء للنداء، وَبقيت الكسرة لتدل عَلَيْهَا. {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارئكم} خالقكم {فَتَابَ عَلَيْكُم} قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: ففعلتم فَتَابَ عَلَيْكُم، وَهُوَ من الِاخْتِصَار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 [آيَة 55 - 57] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نؤمن لَك} أَي: لن نصدقك {حَتَّى نَرَى الله جهرة} أَي: عيَانًا {فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تنْظرُون} قَالَ قَتَادَة: أميتوا عُقُوبَة، ثمَّ بعثوا؛ ليستكملوا بَقِيَّة آجالهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 {وظللنا عَلَيْكُم الْغَمَام} قَالَ قَتَادَة: سَأَلُوا موسي الْأَبْنِيَة؛ وهم فِي التيه فِي الْبَريَّة، فظلل اللَّه عَلَيْهِم الْغَمَام. قَالَ مُجَاهِد: الْغَمَام غير السَّحَاب. قَالَ مُحَمَّد: وَاحِد الْغَمَام: غمامة؛ وَهِي عِنْد أهل اللُّغَة الْبَيْضَاء من السَّحَاب {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} قَالَ قَتَادَة: الْمَنّ كَانَ ينزل عَلَيْهِم من طُلُوع الْفجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس، وَكَانَ أَشد بَيَاضًا من الثَّلج، وأحلي من الْعَسَل؛ فَيَأْخُذ أحدهم مَا يَكْفِيهِ يَوْمه؛ فَإِن تعدى ذَلِكَ فسد، وَلم يبْق عِنْده حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم سادسهم - يَعْنِي: يَوْم الْجُمُعَة - أخذُوا مَا يكفيهم لذَلِك الْيَوْم، وليوم سابعهم - يَعْنِي: السبت - فَيبقى عِنْدهم؛ لِأَن يَوْم السبت كَانُوا يعْبدُونَ اللَّه - جلّ وَعز - فِيهِ، وَلا يشخصون لشَيْء من الدُّنْيَا، وَلا يطلبونه. والسلوى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 السُّمَاني طَائِر إِلَى الْحمرَة كَانَت تحشرها عَلَيْهِم الْجنُوب؛ فَيذْبَح الرجل مَا يَكْفِيهِ ليومه ذَلِك؛ فَإِن تعدى ذَلِكَ فسد، وَلم يبْق عِنْده، إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة؛ فَإِنَّهُم كَانُوا يذبحون مَا يكفيهم ليومهم وللسبت. {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رزقناكم وَمَا ظلمونا} أَي: نقصونا {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يظْلمُونَ} ينقصُونَ بمعصيتهم. [آيَة 58 - 59] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} إِلَى قَوْله: {وسنزيد الْمُحْسِنِينَ} قَالَ الْكَلْبِيّ: لما فصلت بَنو إِسْرَائِيل من التيه، ودخلوا إِلَى الْعُمْرَان، فَكَانُوا بجبال أرِيحَا من الْأُرْدُن قِيلَ لَهُم: ادخُلُوا هَذِه الْقَرْيَةَ، فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رغدا. وَكَانَ بَنو إِسْرَائِيل قد خطئوا خَطِيئَة؛ فَأحب اللَّه أَن يستنقذهم مِنْهَا - إِن تَابُوا وقَالَ لَهُم: إِذا انتهيتم إِلَى بَاب الْقرْيَة، فاسجدوا، وَقُولُوا: حِطَّةٌ - نحط عَنْكُم خطاياكم {وسنزيد الْمُحْسِنِينَ} الَّذين لم يَكُونُوا من أهل تِلْكَ الْخَطِيئَة - إحسانا إِلَى إحسانهم، فَأَما المحسنون: فَقَالُوا الَّذِي أمروا بِهِ، وَأما الَّذين عصوا: فَقَالُوا قولا غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 الَّذِي قِيلَ لَهُم قَالُوا: [ ... ] بالسُّرْيَانيَّة [قالوها استهزاء وتبديلا لقَوْل] اللَّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 قَالَ الله تَعَالَى (ل 10): {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ} يَعْنِي: عذَابا من السَّمَاء {بِمَا كَانُوا يفسقون} قَالَ يَحْيَى: وَبَلغنِي أَن ذَلِكَ الْعَذَاب الطَّاعُون، فَمَاتَ مِنْهُم سَبْعُونَ ألفا. وَمعنى حطة: احْطُطْ عَنَّا خطايانا. قَالَ مُحَمَّد: وَارْتَفَعت بِمَعْنى: مَسْأَلَتنَا حطة. يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الطَّاعُونُ بَقِيَّةُ رِجْزٍ وَعَذَابٍ عُذِّبَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ؛ فَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلا تَخْرُجُوا مِنْهَا؛ وَإِنْ وَقَعَ بِأَرْضٍ وَلَسْتُمْ بِهَا، فَلا تَقْدَمُوا عَلَيْهَا)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 [آيَة 60] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كل أنَاس مشربهم} قَالَ قَتَادَة: كَانَ هَذَا وهم فِي الْبَريَّة، اشتكوا إِلَى مُوسَى الظمأ، فسقوا من حجر كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام يحملهُ [مَعَه] من الْجَبَل الطُّوراني، فَكَانُوا إِذا نزلُوا ضربه مُوسَى بعصاه، فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا لكل سِبْطٍ عين. قَالَ مُحَمَّد: وَمعنى السبط فِي اللُّغَة: الْجَمَاعَة الَّذين يرجعُونَ إِلَى أَب وَاحِد. {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تعثوا} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: لَا تسيروا فِي الأَرْض مفسدين. قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: عَثِيَ يَعْثَى عُثِيًّا، وَعَثَى يعثوا عُثُوًّا، وَعَاثَ يَعِيثُ عَيْثًا؛ بِمَعْنى وَاحِد، وَذَلِكَ فِي الْإِسْرَاع فِي إِفْسَاد الشَّيْء، وَمن هَذَا قَول عدي ابْن الرّقاع: (لَوْلَا الْحيَاء وَإِن رَأْسِي قد عثا ... فِيهِ المشيب لزرت أم الْقَاسِم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 [آيَة 61] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِد} إِلَى {وبصلها} قَالَ قَتَادَة: لما أنزل اللَّه عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى فِي التيه مَلُّوهُ وَذكروا عَيْشًا كَانَ لَهُم بِمصْر؛ فَقَالَ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُم: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا} يَعْنِي: مصرا من الْأَمْصَار {فَإِنَّ لكم مَا سَأَلْتُم} وقَالَ الْكَلْبِيّ. ((اهْبِطُوا مِصْرَ)) بِغَيْر ألف؛ يَعْنِي: مصر بِعَينهَا. قَالَ قَتَادَة: والفوم: الْحبّ الَّذِي يختبزه النَّاس {وَضربت عَلَيْهِم الذلة والمسكنة} يَعْنِي: الْجِزْيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 قَالَ مُحَمَّد: وَقد قِيلَ الذلة: الصَّغَار، والمسكنة: الخضوع. {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ من الله} يَعْنِي: استوجبوا. قَالَ مُحَمَّد: معنى باءوا فِي اللُّغَة: رجعُوا؛ يُقَال: بؤت بِكَذَا فَأَنا أَبُوء بِهِ، وَلا يُقَال: بَاء إِلَّا بِشَرٍّ. {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله} يَعْنِي: بِأَمْر الله. [آيَة 62] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 {وَالَّذِينَ هادوا} يَعْنِي: تهودوا {وَالنَّصَارَى} قَالَ قَتَادَة: سموا نَصَارَى؛ لأَنهم كَانُوا بقرية يُقَال لَهَا: ناصرة. {وَالصَّابِينَ} قَالَ قَتَادَة: هُم قوم يقرءُون الزَّبُورَ، ويعبدون الْمَلَائِكَة. قَالَ يحيى: وَبَعْضهمْ يقرءونها: {والصائبين} مَهْمُوزَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 قَالَ مُحَمَّد: وأصل الْكَلِمَة من قَوْلهم: صَبَأَ نَابُهُ إِذا خرج؛ فَكَانَ معنى الصابئين: خَرجُوا من دين إِلَى دين. والتهود أَصله: التعود؛ يُقَال للعائد: هائد، ومتهوِّد. {فَلهم أجرهم} يَعْنِي: من آمن بِمُحَمد صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم وَعمل بِشَرِيعَتِهِ {وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} قَالَ مُحَمَّد: الْقِرَاءَة {وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِم} بِالرَّفْع، وَالنّصب جَائِز وَقد قُرِئَ بهما. [آيَة 63 - 64] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطّور} يَعْنِي: فَوق رءوسكم {خُذُوا مَا آتيناكم} يَعْنِي: التَّوْرَاة {بِقُوَّة} بجد {واذْكُرُوا مَا فِيهِ} أَي: احْفَظُوا مَا فِيهِ، وَاعْمَلُوا بِهِ. وَالطور: جبل كَانُوا فِي أَصله [فاقتلع وأشرف] فَفَعَلُوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} (ل 11) حِين لم يعجل لكم الْعَذَاب {لكنتم من الخاسرين} يَعْنِي: الْمُعَذَّبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 [آيَة 65 - 66] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السبت} يَقُولُ هَذَا لعلمائهم {فَقُلْنَا لَهُمْ كونُوا قردة خَاسِئِينَ} أَي: صاغرين؛ فِي تَفْسِير الحَسَن. قَالَ مُحَمَّد: وَقيل: خَاسِئِينَ؛ يَعْنِي مبعدين، يُقَال: خسأت فلَانا عني وخسأت الْكَلْب؛ أَي: باعدته. قَالَ يَحْيَى: واعتداؤهم: أَخذهم الصَّيْد فِي يَوْم السبت، وَسَيَأْتِي تَفْسِيره فِي سُورَة الْأَعْرَاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 {فجعلناها نكالا} أَي: عِبْرَة {لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: لما سلف من ذنوبهم قبل أَن يصيدوا الْحيتَان {وَمَا خلفهَا} يَعْنِي: مَا بعد تِلْكَ الذُّنُوب؛ وَهُوَ أَخذهم الْحيتَان. قَالَ مُحَمَّد: وَالْهَاء الَّتِي فِي ((جعلناها)) هِيَ على هَذَا التَّأْوِيل للفعلة. وَقيل: الْمَعْنى جعلنَا قَرْيَة أَصْحَاب السبت {نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} من الْقرى {وَمَا خلفهَا} ليتعظوا بهم. وَالله أعلم. [آيَة 67 - 68] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 [آيَة 69 - 70] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} إِلَى قَوْله: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 قَوْله {لَا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عوان بَين ذَلِك} قَالَ الحَسَن: الفارض: الْهَرِمَةُ، والْبِكْرُ: الصَّغِيرَة، والْعَوَانُ: بَين ذَلِك. قَالَ مُحَمَّد: يُقَال من الفارض: فَرُضَتْ تفرض فروضاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 قَالَ يَحْيَى: وَقَوله: {فَاقِعٌ لَوْنُهَا} يَعْنِي: صَافِيَة الصُّفْرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 قَالَ مُحَمَّد: وَقَوله: {إِنَّ الْبَقَرَ تشابه علينا} يَعْنِي: إِن جنس الْبَقر تشابه علينا. [آيَة 71 - 73] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 قَالَ يَحْيَى: وَقَوله: {لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ} تَفْسِير ابْن عَبَّاس: لَا يُحْرَثُ عَلَيْهَا وَلَا يُسْقَى [عَلَيْهَا]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وَقَوله: {مسلمة} يَعْنِي: من الْعُيُوب؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة. وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {لَا شية فِيهَا} يَعْنِي: لَا سَواد فِيهَا، وَلا بَيَاض؛ فِي تَفْسِير مُجَاهِد. قَالَ مُحَمَّد: الْقِرَاءَة {لَا شية} بِالنّصب على النَّفْي والوشي فِي اللُّغَة: خلط لون بلون؛ تَقُولُ: وَشَيْتُ الثَّوْب أَشِيهِ شية ووشيا؛ فَكَأَن الْمَعْنى: لَا لون فِيهَا يُخَالف مُعظم لَوْنهَا؛ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ مُجَاهِد. والذلول من الدَّوَابّ: الخاضعة، وَهِي بَيِّنَة الذل. والذل ضد الصعوبة؛ يُقَال: هَذَا جمل ذَلُول بَيِّنُ الذِّلِّ، بِكَسْر الذَّال. قَالَ يَحْيَى: وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {قَالُوا الْآن جِئْت بِالْحَقِّ} أَيْ: بَيَّنْتُ، وَقَدْ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّمَا أُمِرَ الْقَوْمُ بِأَدْنَى بَقَرَةٍ؛ وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، شُدِّدَ عَلَيْهِمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لولم يَسْتَثْنُوا، مَا بُيِّنَتْ لَهُمْ)). يَحْيَى: وَحَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 ابْن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ((قَتَلَ رَجُلٌ عَمَّهُ، فَأَلْقَاهُ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، فَأَعْطَوْهُ دِيَّتَيْنِ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ؛ فَأَتَوْا مُوسَى فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَذْبَحُوا بَقَرَةً فَيَضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا، فَشَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ؛ وَلَوْ كَانُوا اعْتَرَضُوا الْبَقَرَ أَوَّلَ مَا أُمِرُوا، لأَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ)). قَالَ مُحَمَّد: وَمعنى ((اعْترضُوا)) أخذُوا مِنْهَا بِغَيْر تَخْيِير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 {فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} يَعْنِي: ألْقى قتلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض. قَالَ مُحَمَّد: ادارأتم أَصله: [تدارأتم]؛ فأدغمت التَّاء فِي الدَّال؛ وَمَعْنَاهُ: تدافعتم؛ يُقَال: دَرأ الْكَوْكَب بضوئه؛ أَي دفع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ} قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ بَعضهم يَقُولُ: رُمِيَ قَبره بِبَعْضِهَا - قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: بفخذها - فَفَعَلُوا، فَقَامَ فَأخْبر بقاتله، ثمَّ مَاتَ. قَالَ ابْن عَبَّاس: طلبوها، فوجدوها عِنْد رَجُل بر بِوَالِديهِ، فَبلغ ثمنهَا مِلْءَ مَسْكِها دَنَانِير. قَالَ يَحْيَى: وَذكر لَنَا أَن وليه الَّذِي كَانَ يطْلب دَمه هُوَ [الَّذِي] قَتله؛ فَلم يُورث بعده قَاتل. [آيَة] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 [آيَة 74] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قسوة} قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي بل أَشد قسوة. قَالَ مُحَمَّد: وَقيل: إِن الْألف زَائِدَة، وَالْمعْنَى فَهِيَ كالحجارة وَأَشد قسوة. وَمثل هَذَا من الشّعْر (ل 12): (أَلا زعمت ليلى [بِأَنِّي فَاجر ... لنَفْسي] تُقَاهَا أَو عَلَيْهَا فجورها) قَوْله - عَن ذكره -: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يتفجر مِنْهُ} أَي: تجْرِي {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يشقق فَيخرج مِنْهُ المَاء} يَعْنِي الْعُيُون الَّتي لَا تكون أَنهَارًا. {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ من خشيَة الله} قَالَ مُجَاهِد: كُلّ حجر انفجر مِنْهُ مَاء أَو تردى من رَأس جبل فَهُوَ من خشيَة الله. [آيَة 75] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 {أفتطمعون أَن يُؤمنُوا لكم} يَقُولُ: هَذَا للنَّبِي صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم وَلِلْمُؤْمنِينَ أَن يصدقوكم؛ يَعْنِي: جمَاعَة الْيَهُود؛ لِأَن الْخَاصَّة قد تتبع مِلَّته (وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 مِنْهُم يسمعُونَ كَلَام الله} قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: كتاب اللَّه التَّوْرَاة {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عقلوه} حرفوا مَا فِي التَّوْرَاة من صفة مُحَمَّد صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم وَدينه [{وهم يعلمُونَ}]. [آيَة 76 - 78] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُم} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: أتحدثونهم بِمَا بَين اللَّه لكم فِي كتابكُمْ من أَمر نَبِيّهم، ثمَّ لَا تتبعونهم، وَلا تدخلون فِي دينهم؛ هَذِه حجَّة لَهُم عَلَيْكُم {أَفَلا تَعْقِلُونَ} قَالُوا هَذَا وهم يتلاومون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 {أَو لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يسرون} مِمَّا قَالَ الْيَهُود بَعضهم لبَعض {وَمَا يعلنون}. قَالَ مُحَمَّد: جَاءَ عَنِ ابْن عَبَّاس؛ أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي طوائف من أَحْبَار الْيَهُود؛ كَانُوا إِذا لقوا الَّذين آمنُوا، قَالُوا: نشْهد أَن صَاحبكُم صَادِق، وَأَنا نجد فِي كتَابنَا نَعته وَصفته {وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أماني} يَعْنِي: أَحَادِيث مَا يُحَدِّثهُمْ قراؤهم بِهِ فيقبلونه {وَإِنْ هُمْ إِلا يظنون} أَي: هُم عَلَى غير يَقِين إِن صدقت قراؤهم صدقُوا، وَإِن كذبت قراؤهم كذبُوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 قَالَ مُحَمَّد: ارْتَفع ((أُمِّيُّونَ)) بِالِابْتِدَاءِ، و ((مِنْهُم)) الْخَبَر. وَقد قِيلَ: الْمَعْنى اسْتَقر مِنْهُم أُمِّيُّونَ، وَمن كَلَامهم: فِيك أُميَّة: أَي: جَهَالَة؛ وَلذَلِك قِيلَ للَّذي لَا يكْتب: أُمِّي. [آيَة 79 - 80] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 {فويل للَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب يأيديهم ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا} قَالَ الْكَلْبِيّ: هُم أَحْبَار الْيَهُود وعلماؤهم عَمدُوا إِلَى نعت النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابهمْ، فزادوا فِيهِ، ونقصوا، ثمَّ أَخْرجُوهُ لسفلتهم فَقَالُوا: هَذَا نعت النَّبي الَّذِي يَبْعَثهُ اللَّه فِي آخر الزَّمَان لَيْسَ كنعت هَذَا الرجل، فَإِذا نظرت السفلة إِلَى مُحَمَّد صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم لم يرَوا فِيهِ النَّعْت الَّذِي فِي كِتَابهمْ الَّذِي كتبت أَحْبَارهم. وَكَانَت للأحبار مأكلة فَقَالَ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثمنا قَلِيلا} يَعْنِي: تِلْكَ المأكلة {فَوَيْلٌ لَهُمْ} فِي الآخِرَةِ {مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَة} قَالَ قَتَادَة: قَالَتِ الْيَهُود: لن يدخلنا اللَّه النَّار إِلَّا عدد الْأَيَّام الَّتي عَبدنَا فِيهَا الْعجل؛ أَي: إِذا انْقَطَعت تِلْكَ الْأَيَّام، انْقَطع عَنَّا الْعَذَاب، قَالَ اللَّه - عز ذكره - للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلام قل لَهُم: {أتخذتم عِنْد الله عهدا}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: عهد إِلَيْكُم أَنَّهُ لَا يعذبكم إِلَّا هَذَا الْمِقْدَار؟! {فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تعلمُونَ} أَي: إِنَّكُم لن تَتَّخِذُوا عِنْد الله عهدا، وَإِنَّكُمْ تَقولُونَ عَلَيْهِ مَا لَا تعلمُونَ أَنَّهُ الْحق. [آيَة 81 - 83] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 {بلَى من كسب سَيِّئَة} السَّيئَة هَا هُنَا: الشّرك {وأحاطت بِهِ خطيئته} أَي: مَاتَ وَلم يتب من شركه ... . الْآيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبدُونَ إِلَّا الله} قَالَ مُحَمَّد: ((لَا تَعْبدُونَ)) جَائِز أَن يكون فِيهِ الرّفْع؛ على معنى أَلا تعبدوا فَلَمَّا سَقَطت ((أَن)) رفع ((تَعْبدُونَ)) وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى بعد هَذَا: {لَا تسفكون دماءكم} الرّفْع فِيهِ على معنى: أَلا [تسفكوا]. {وبالوالدين إحسانا} أَي: وصيناهم بالوالدين إحسانا {وَقُولُوا للنَّاس حسنا} تَفْسِير الحَسَن. يأمرونهم بِمَا أَمر اللَّه [بِهِ] وينهونهم عَمَّا نهى الله عَنهُ {ثمَّ توليتم} [أَي جحدتم] (ل 13) {إِلَّا قَلِيلا مِنْكُم} الْقَلِيل يَعْنِي: الَّذين اتبعُوا النَّبي {وَأَنْتُم معرضون} [عَمَّا] جَاءَ بِهِ النَّبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 [آيَة 84 - 85] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ} أَي: لَا يخرج بَعْضكُم بَعْضًا {ثمَّ أقررتم وَأَنْتُم تَشْهَدُون} قَالَ مُحَمَّد: ثمَّ أقررتم يَعْنِي: اعترفتم [بِصِحَّة مَا] قد أَخذ عَلَيْكُم فِي الْعَهْد، وَأخذ على أوائلكم {وَأَنْتُم تَشْهَدُون} أَن هَذَا حق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 {ثمَّ أَنْتُم هَؤُلَاءِ} [قَالَ مُحَمَّد]: ((هَؤُلَاءِ)) بِمَعْنى الَّذين، وَقد قِيلَ: أَرَادَ يَا هَؤُلَاءِ. {تقتلون أَنفسكُم} أَي: يقتل بَعْضكُم بَعْضًا {وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم} أَي: تعاونون عَلَيْهِم {بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} يَعْنِي: بالظلم. {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ} قَالَ الحَسَن: نكثوا؛ فَقتل بَعضهم بَعْضا، وَأخرج بَعضهم بَعْضًا، وَكَانَ الْفِدَاء مَفْرُوضًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 عَلَيْهِم أَيْضا، فاختلفت أحكامهم؛ فَقَالَ اللَّه تَعَالَى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ} يَعْنِي: الْفِدَاء {وتكفرون بِبَعْض} يَعْنِي: الْقَتْل والإخراج من الدّور {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُم} يَقُوله ليهود الْمَدِينَة {إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ الْكَلْبِيّ: الخزي الْقَتْل وَالنَّفْي؛ فَقُتِلَت قُرَيْظَة، وَنُفِيَت النَّضِير؛ أخزاهم الله بِمَا صَنَعُوا. [آيَة 86 - 88] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَة} تَفْسِير الحَسَن: يَعْنِي: اخْتَارُوا الْحَيَاة الدُّنْيَا على الْآخِرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 {وقفينا من بعده بالرسل} أَي: أتبعناه بهم {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَينَات} قَالَ الْكَلْبِيّ: يَعْنِي: الْآيَات الَّتي كَانَ يُرِيهم عيسي عَلَيْهِ السَّلام {وأيدناه} أعناه {بِروح الْقُدس} يَعْنِي: جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلام. قَالَ مُحَمَّد: أصل الْقُدس: الطَّهَارَة. {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تقتلون} فَلَمَّا قَالَ لَهُم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام هَذَا سكتوا، وَعرفُوا أَنَّهُ وَحي من اللَّه عيرهم بِمَا صَنَعُوا، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} لَا نعقل وَلا نفقه مَا تَقُولُ، وَكَانَت أوعية للْعلم، فَلَو كنت صَادِقا سَمِعْنَا مَا تَقُولُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 قَالَ مُحَمَّد: تُقْرأ على وَجْهَيْن: ((غلف وغلف)). وأجود الْقِرَاءَتَيْن: ((غلف)) بتسكين اللَّام، وَمَعْنَاهَا: ذَوَات غُلْفٍ، الْوَاحِد مِنْهَا: أَغْلَفُ؛ يُقَال: غلفْتُ السَّيْف؛ إِذا جعلته فِي غلاف، فَهُوَ سيف أغلف، ومِنُهُ يُقَال لمن لم يختتن: أغلف. فكأنهم قَالُوا: قُلُوبنَا فِي أوعية مثل قَوْلهم: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تدعونا إِلَيْهِ}. وَمن قَرَأَ ((غُلُفٌ)) فَهُوَ جمع غلاف؛ فَيكون معنى هَذَا: أَن قُلُوبنَا أوعية للْعلم فَمَا لَهَا لَا تفهم عَنْك؟! [آيَة 89 - 90] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ الله مُصدق لما مَعَهم} يَعْنِي: التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} قَالَ قَتَادَة: كَانَت الْيَهُود تَسْتَنْصِر بِمُحَمد صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم على كفار الْعَرَب، كَانُوا يَقُولُونَ اللَّهُمَّ ائْتِ بِهَذَا النَّبي الَّذِي يقتل الْعَرَب ويذلهم، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ من غَيرهم حسدوهم، وَكَفرُوا بِهِ. قَالَ اللَّه - تَعَالَى -: {فَلَعْنَةُ الله على الْكَافرين}. قَالَ مُحَمَّد: الاستفتاح هَا هُنَا بِمَعْنى الدُّعَاء، والْفُتَاحَةُ أَيْضا الْحُكُومَة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 يُقَال: فِتاحة وفُتاحة بِكَسْر الْفَاء وَبِضَمِّهَا، وفَاتحت الرجل: إِذا حاكمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 {بئس مَا اشْتَروا بِهِ أنفسهم} أَي: بئس مَا باعوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ {أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ الله بغيا} حدا {أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}. قَالَ يَحْيَى: وكُلُّ شَيْء فِي الْقُرْآن ((اشْتَروا)) فَهُوَ شِرَاء، إِلَّا هَذِه الْآيَة، وكُلُّ شَيْء فِي الْقُرْآن {شروا} فَهُوَ بيع. قَالَ مُحَمَّد: {بغيا} مصدر الْمَعْنى: كفرُوا بغيا لِأَن أنزل اللَّه الفَضْل على نبيه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم {فَبَاءُوا بغضب على غضب} قَالَ قَتَادَة: غضب اللَّه عَلَيْهِم بكفرهم بالإنجيل، وَغَضب عَلَيْهِم [بكفرهم] بِالْقُرْآنِ. [آيَة 91 - 93] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 [آيَة 94 - 95] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ} (ل 14) بِمَا بعده؛ يَعْنِي الْإِنْجِيل وَالْقُرْآن {وَهُوَ الْحق} يَعْنِي: الْقُرْآن {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} أَي: التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل. قَالَ مُحَمَّد: نصب {مُصدقا} على الْحَال، وَهَذِه حَال مُؤَكدَة. قَوْله تَعَالَى: {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤمنين} وَكَانَ أَعدَاء اللَّه يَقُولُونَ: [إِن] آبَاءَهُم الَّذين قتلوا أَنْبيَاء اللَّه من قبل [وَلَيْسَ فِيمَا] أنزل الله عَلَيْهِم قتل أَنْبِيَائهمْ فكذبهم اللَّه فِي قَوْلهم {نُؤْمِنُ بِمَا أنزل علينا} وَهُوَ تَفْسِير الْحسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ} يَعْنِي: أوَّلهم {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 {وَإِذ أَخذنَا ميثاقكم} أَي: واذْكُرُوا إِذْ أَخذنَا ميثاقكم {وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتيناكم بِقُوَّة} قد مضى تَفْسِيره {واسمعوا} قَالُوا: {سمعنَا وعصينا} سَمِعْنَا مَا تَقُولُ، وعصينا أَمرك. قَالَ: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بكفرهم}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: أُدْخِلَ فِي قُلُوبهم؛ كَذَلِك قَالَ ابْن عَبَّاس. وَمن كَلَام الْعَرَب اشرب عني مَا أَقُول؛ أَي: اقبله وَعِهِ. قَالَ يَحْيَى: قَالَ الحَسَن: لَيْسَ كلهم تَابَ. وَقيل: فَالَّذِينَ لم يتوبوا هم الَّذين بَقِي حب الْعجل فِي قُلُوبهم؛ وهم الَّذين قَالَ اللَّه: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الحيوة الدُّنْيَا} الْآيَة. {قل بئس مَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤمنين} أَي: لَو كَانَ الإِيمَان فِي قُلُوبكُمْ، لحجزكم عَنْ عبَادَة الْعجل. ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِم لقَولهم: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هوداً أَو نصرى} ولقولهم: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَة} وَأَشْبَاه ذَلِكَ فَقَالَ: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أَنكُمْ من أهل الْجنَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهم} يَعْنِي: بِمَا أسلفوا من الْأَعْمَال الخبيثة؛ لأَنهم يعلمُونَ أَنهم معذَّبون؛ يَعْنِي بِهِ الْخَاصَّة الَّذين جَحَدُوا وَكَفرُوا حسدا وبغيا. [آيَة 96] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَو يعمر ألف سنة} قَالَ ابْن عَبَّاس: الَّذين أشركوا هُم الْمَجُوس، وَذَلِكَ أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 الْمَجُوس كَانُوا يأْتونَ الْملك بالتحية فِي النيروز والمهرجان، فَيَقُولُونَ لَهُ: عش أَيهَا الْملك ألف سنة كلهَا مثل يَوْمك هَذَا. قَالَ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ} أَي: مَا عمره بِمُبَاعِدِهِ من الْعَذَاب. [آيَة 97 - 100] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله} يَعْنِي: نزل الْقُرْآن {مُصَدِّقًا لِمَا بَين يَدَيْهِ} من كتاب اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَن عُمَر بْن الخَطَّاب أَتَى نَفرا من الْيَهُود، فَلَمَّا أبصروه رحبوا بِهِ؛ فَقَالَ: أما وَالله مَا جِئْت لِحُبِّكُمْ، وَلا لرغبة فِيكُم، وَلَكِن جِئْت لأسْمع مِنْكُم. فَسَأَلَهُمْ وسألوه؛ فَقَالُوا لَهُ: من صَاحب صَاحبكُم؟ قَالَ: جِبْرِيل. قَالَ: قَالُوا: ذَاك عدونا من أهل السَّمَاء يطلع مُحَمَّدًا عَلَى سرنا؛ وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 إِذا جَاءَ جَاءَ بِالْحَرْبِ والسَّنَةِ، وَكَانَ صَاحب صاحبنا مِيكَائِيل، وَكَانَ إِذا جَاءَ جَاءَ بالْخِصْب وبالسِّلْم. فَقَالَ عُمَر: أتعرفون جِبْرِيل، وتنكرون مُحَمَّدًا؟ وفارقهم عِنْد ذَلِكَ وَتوجه نَحْو النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام ليحدثه حَدِيثه؛ فَوَجَدَهُ قد نزلت عَلَيْهِ هَذِه الْآيَة. وَفِي رِوَايَة الْكَلْبِيّ: أَن الْيَهُود قَالَتْ: إِن جِبْرِيل عَدو لَنَا، فَلَو أَن مُحَمَّدًا يزْعم أَن مِيكَائِيل الَّذِي يَأْتِيهِ صدقناه، وَإِن جِبْرِيل عَدو لميكائيل؛ فَقَالَ عُمَر: إِنِّي أشهد أَن من كَانَ عدوا لجبريل، فَإِنَّهُ عَدو لميكائيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 قَوْله تَعَالَى: {أَو كلما عَاهَدُوا عهدا نبذه} أَي: نقضه {فريق مِنْهُم} يَعْنِي: الْيَهُود {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤمنُونَ} كَقَوْلِه: {فقليلا مَا يُؤمنُونَ}. [آيَة 101] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ الله} يَعْنِي: مُحَمَّدًا {نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاء ظُهُورهمْ} أَي: لَا يعْملُونَ بِهِ {كَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ} أَي: كَأَنَّهُمْ لَيْسَ عِنْدهم [من الله فِيهِ عهدا]. [آيَة] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 [آيَة 102] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 (ل 15) قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين} يَقُولُ: نبذوا كتاب اللَّه، وَاتبعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَان. قَالَ مُحَمَّد: ((تتلوا))؛ أَي: تروي التِّلَاوَة وَالرِّوَايَة شَيْء وَاحِد. قَوْله: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السحر} قَالَ الْكَلْبِيّ: لما ابتلى اللَّه - عز وَجل - سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلام بِمَا كَانَ من أَمر الشَّيَاطِين، كتبت الشَّيَاطِين سحرًا كثيرا، ودفنوه تَحت كرسيه، ثمَّ لما قبض اللَّه سُلَيْمَان أَتَت الشَّيَاطِين إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ من الْإِنْس، فَقَالُوا: أَلا ندلكم عَلَى مَا كَانَ سُلَيْمَان يملك بِهِ الْإِنْس، وَتَدين لَهُ بِهِ الْجِنّ، وتسخر لَهُ [بِهِ] الرِّيَاح؟ قَالُوا: بلَى. قَالُوا: احفروا تَحت كرسيه، فَفَعَلُوا وَاسْتَخْرَجُوا كتبا كَثِيرَة، فَلَمَّا قرءوها فَإِذا هِيَ الشّرك بِاللَّهِ؛ فَقَالَ صلحاء بني إِسْرَائِيل: معَاذ اللَّه من هَذَا أَن نتعلمه، وتعلمه سفلَة بني إِسْرَائِيل [وفشت الْكَلِمَة] لِسُلَيْمَان فِي بني إِسْرَائِيل حَتَّى عذره اللَّه على لِسَان مُحَمَّد صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْملكَيْنِ} يَقُول: اتبعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَان، وَاتبعُوا مَا أنزل على الْملكَيْنِ بِبَابِل هاروت وماروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 قَالَ قَتَادَة: السحر سحران: سحر تعلمه الشَّيَاطِين، وسحر يُعلمهُ هاروت وماروت. وقَالَ الحَسَن: إِن الْملكَيْنِ بِبَابِل إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَإِن من عزم عَلَى تعلم السحر، ثمَّ أتاهما سَمِعَ كَلَامهمَا، من غير أَن يراهما. وقَالَ مُجَاهِد: عجبت الْمَلَائِكَة من ظلم بني آدم؛ وَقد جَاءَتْهُم الرُّسُل، فَقَالَ لَهُم رَبهم: اخْتَارُوا مِنْكُم اثْنَيْنِ أنزلهما يحكمان فِي الأَرْض، فَكَانَا هاروت وماروت، فحكما فعدلا؛ حَتَّى نزلت عَلَيْهِمَا الزهرة فِي صُورَة أحسن امْرَأَة تخاصم [زَوجهَا] فافتتنا بِهَا وأراداها على نَفسهَا فطارت الزهرة؛ فَرَجَعت حَيْثُ كَانَت، ورجعا إِلَى السَّمَاء فزجرا فاستشفعا بِرَجُل من بني آدم، فَقَالَا: سَمِعْنَا رَبك يذكرك بِخَير، فاشفع لَنَا، فَقَالَ لَهما: كَيفَ يشفع أهل الأَرْض لأهل السَّمَاء؟ ثمَّ واعدهما يَوْمًا يَدْعُو لَهما فِيهِ فَدَعَا لَهما فخيرا بَين عَذَاب الدُّنيا، وَعَذَاب الْآخِرَة، فَنظر أَحدهمَا إِلَى الآخر، فَقَالَ: ألم تعلم أَن أَفْوَاج عَذَاب اللَّه فِي الْآخِرَة، كَذَا وَكَذَا، وَفِي الْخلد أَيْضا؟ فاختارا عَذَاب الدُّنيا؛ فهما يعذبان بِبَابِل. قَالَ مُحَمَّد: وَقد ذكر يَحْيَى عَنْ غير مُجَاهِد؛ أَن الْمَرْأَة الَّتِي افتتنا بِهَا كَانَت من نسَاء أهل الدُّنيا. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحن فتْنَة} أَي: بلَاء {فَلَا تكفر}. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله {فتْنَة} مَعْنَاهُ: ابتلاء واختبار؛ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ يَحْيَى. قَالَ قَتَادَة: أَخذ عَلَيْهِمَا أَلا يعلمَا أحدا حَتَّى يَقُولَا لَهُ: إِنَّمَا نَحْنُ فتْنَة فَلا تَكْفُرْ {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} وَهُوَ أَن يبغض كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى صَاحبه {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ الله} قَالَ الحَسَن: من شَاءَ اللَّه سلطهم عَلَيْهِ، وَمن شَاءَ مَنعهم مِنْهُ {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} يَعْنِي: لمن اخْتَارَهُ {مَا لَهُ فِي الْآخِرَة من خلاق} يَعْنِي: نَصِيبا فِي الجَنَّة، قَالَ قَتَادَة: قد علم أهل الْكتاب فِي عهد اللَّه إِلَيْهِم أَن السَّاحر لَا خلاق لَهُ عِنْد اللَّه يَوْم الْقِيَامَة {وَلَبِئْسَ مَا شروا بِهِ أنفسهم} أَي: مَا باعوها بِهِ {لَوْ كَانُوا يعلمُونَ} قَالَ الحَسَن: لَو كَانُوا عُلَمَاء أتقياء، مَا اخْتَارُوا السحر. [آيَة 103 - 104] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} يَعْنِي: الثَّوَاب يَوْم الْقِيَامَة {خَيْرٌ لَو كَانُوا يعلمُونَ} أَي: لَو كَانُوا عُلَمَاء لآمنوا بعلمهم ذَلِكَ، وَاتَّقوا وَلا يُوصف الْكفَّار بِأَنَّهُم عُلَمَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} قَالَ الْكَلْبِيّ: رَاعنا كلمة كَانَت الْعَرَب (تكني بِهَا)؛ يَقُولُ الرجل لصَاحبه: راعني سَمعك؛ فَلَمَّا سمعتهم الْيَهُود يَقُولُونَ هَذَا للنَّبِي (ل 16) عَلَيْهِ السَّلام أعجبهم ذَلِكَ، و ((راعني)) فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 كَلَام الْيَهُود كلمة يسب [بِهَا بَعضهم بَعْضًا] فَقَالُوا: قومُوا بِنَا نسب مُحَمَّدا [فأعلنوا] لَهُ السب، فَكَانُوا يأتونه، فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّد رَاعنا. وَيضْحَكُونَ، فعرفها رَجُل من الْأَنْصَار كَانَ يعرف لغتهم، فَقَالَ: يَا أَعدَاء الله، عَلَيْكُم لعنة اللَّه، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَئِن سَمِعْتُ رجلا مِنْكُم بعد مجلسي هَذَا يُعِيدهَا لَأَضرِبَن عُنُقه، فَقَالُوا: أولستمَ تقولونها للنَّبِي؟! فَقَالَ اللَّه للَّذين آمنُوا: {لَا تَقولُوا} لمُحَمد: {رَاعنا} وَلَكِن قُولُوا: {انظرنا}؛ أَي: انتظرنا نتفهم. فَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: الْآن لَئِن سَمِعْتُمْ بِالرجلِ من الْيَهُود يَقُولُ لنبيكم: رَاعنا - فأوجعوه ضربا. فانتهت عَنْهَا الْيَهُود بعد ذَلِكَ. قَالَ مُحَمَّد: وَذكر غير يَحْيَى؛ أَن الْمُسلمين كَانُوا يَقُولُونَ لرَسُول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم: رَاعنا وأرعنا سَمعك، وأصل الْكَلِمَة من راعيت الرجل؛ إِذا تأملته، وتعرفت أَحْوَاله [ومِنْهُ يُقَال: أرعني سَمعك]. وَكَانَت الْيَهُود يَقُولُونَهَا لرَسُول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم وَهِي بلغتهم سبّ، ويحرفونها إِلَى مَا فِي قُلُوبهم من السب لرَسُول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم والطعن عَلَيْهِ. قَوْله تَعَالَى: {واسمعوا} يَعْنِي: وَاسْتَمعُوا مَا يَأْمُركُمْ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا تَكُونُوا كالكافرين الَّذين لَا يَقُولُونَ: انظرنا، وَلا يسمعُونَ قَول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم {عَذَاب أَلِيم} أَي: موجع. [آيَة 105] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 قَوْله تَعَالَى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْركين} أَي: وَلا من الْمُشْركين {أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ ربكُم} يَعْنِي: الْوَحْي الَّذِي يَأْتِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يسرهم ذَلِك؛ حسدا لرَسُول الله وَلِلْمُؤْمنِينَ. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {من خير من ربكُم} دخلت ((من)) هَا هُنَا على جِهَة التوكيد وَالزِّيَادَة، كَمَا تَقُولُ: مَا جَاءَنِي من أحد، وَمَا جَاءَنِي أحد. {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ برحمته من يَشَاء} قَالَ الْحسن: يَعْنِي: النُّبُوَّة. [آيَة 106 - 108] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 قَوْله تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَة} أَي: نبدل حكمهَا، وَنثْبت خطها: {أَو ننسها} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: ننسها رَسُوله؛ وَقد نسي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْض مَا كَانَ نزل من الْقُرْآن، فَلم يُثْبت فِي الْقُرْآن. قَالَ يَحْيَى: وتقرأ {أَوْ نَنْسَأْهَا} مَهْمُوزَة؛ أَي: نؤخرها؛ فَلم تثبت فِي الْقُرْآن {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} يَقُولُ: هَذِه الْآيَة الناسخة خير فِي زَمَاننَا هَذَا لأَهْلهَا، وَتلك الأولى المنسوخة خير لأَهْلهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَان، وَهِي مثلهَا بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 فِي حَقّهَا وصدقها. {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض} فَهُوَ يحكم فيهمَا بِمَا يُرِيد {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ من ولي وَلَا نصير} يمنعكم إِن أَرَادَ بكم عذَابا. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {أَلَمْ تَعْلَمْ} لفظ: {الم} هَا هُنَا لفظ الِاسْتِفْهَام؛ وَمَعْنَاهُ: التَّوْقِيف والتقرير؛ وَمعنى الْآيَة: أَن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - يملك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ؛ فَهُوَ أعلم بِوَجْه الصّلاح فِيمَا يتعبدهم بِهِ من نَاسخ ومنسوخ، وَغير ذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 قَوْله تَعَالَى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى من قبل} قَالَ قَتَادَة: كَانَ الَّذِي سَأَلُوا مُوسَى أَن قَالُوا: {أَرِنَا الله جهرة} {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضل سَوَاء السَّبِيل} [أَي: قصد] الطَّرِيق. [آيَة 109 - 110] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 قَوْله تَعَالَى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أهل الْكتاب} يَعْنِي: من لم يُؤمن مِنْهُم (لَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بعد مَا تبين لَهُم} يَعْنِي: أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، وَأَن دينه الْحق {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} قَالَ مُحَمَّد: قَوْله تَعَالَى: {حَسَدًا من عِنْد أنفسهم} الْمَعْنى: أَن كِتَابهمْ أَمرهم بِمَا هُم عَلَيْهِ [من الشّرك] وَبَين ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قدير} {ل 17} قَالَ قَتَادَة: كَانَت هَذِه الْآيَة قبل أَن يؤمروا بِقِتَال أهل الْكتاب؛ ثمَّ أنزل اللَّه بعد ذَلِك سُورَة بَرَاءَة، وأتى فِيهَا بأَمْره وقضائه؛ وَهُوَ: {قتلوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه} الْآيَة [آيَة 111 - 112] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَو نَصَارَى} قَالَت الْيَهُود: لن يدْخل الجَنَّة إِلَّا من كَانَ يَهُودِيّا، وَقَالَت النَّصَارَى: لن يدْخل الجَنَّة أَلا من كَانَ نَصْرَانِيّا، قَالَ اللَّه - تَعَالَى -: {قل هاتوا ... . .} قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: حجتكم ثمَّ كذبهمْ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وَأخْبر تَعَالَى أَن الجَنَّة إِنَّمَا هِيَ للْمُؤْمِنين؛ فَقَالَ: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجهه لله} أَي: أخْلص دينه لله {وَهُوَ محسن} {فَلهُ أجره} (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هم يَحْزَنُونَ} على الدُّنْيَا] الْآيَة. [أَيَّة] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 [آيَة 113] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتلون الْكتاب} يَعْنِي: التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل؛ أَي: فَكيف اخْتلفُوا وَتَفَرَّقُوا [فِي الْكتاب]، وَالْكتاب وَاحِد جَاءَ من عِنْد اللَّه يصدق بعضه بَعْضا. {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ} قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي من كذب من الْأُمَم: أمة نوح وَعَاد وَثَمُود وَغَيرهم؛ أَي: أَن هَؤُلاءِ أَيْضا قَالُوا: لن يدْخل الجَنَّة أَلا من كَانَ عَلَى ديننَا؛ فِيمَا ذكر ابْن عَبَّاس. {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}. قَالَ يَحْيَى: فَيكون حكمه فيهم أَن يكذبهم جَمِيعًا، ويدخلهم النَّار. [آيَة 114 - 115] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ منع مَسَاجِد الله} الْآيَة تَفْسِير الْكَلْبِيّ: أَن الرّوم غزوا بني إِسْرَائِيل، فحاربوهم فظهروا عَلَيْهِم، فَقتلُوا مُقَاتلَتهمْ، وَسبوا ذَرَارِيهمْ، وأحرقوا التَّوْرَاة، وهدموا بَيت الْمُقَدّس، وألقوا فِيهِ الْجِيَف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 فَلم يعمرا؛ حَتَّى بناه أهل الْإِسْلَام؛ فَلم يدْخلهُ رومي بعد إِلَّا خَائفًا {لَهُم فِي الدُّنْيَا حزي} وَهُوَ: فتح مدينتهم رُومِية، وَقتل مُقَاتلَتهمْ، وَسبي ذَرَارِيهمْ {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}. قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى هُوَ: خالقهما {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} قَالَ بَعضهم: يَعْنِي: فثم قبْلَة اللَّه. يَحْيَى: عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ عَاصِم بن عبيد اللَّهِ الْعُمَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [كَانَ] فِي سَفَرٍ فَنَزَلُوا مَنْزِلا فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ، فَجَعَلَ أَحَدُهُمْ يَجْمَعُ الْحَصْبَاءَ، فَيَجْعَلُهَا مَسْجِدًا فَيُصَلِّي، فَلَمَّا أَصْبَحُوا؛ إِذَا هُمْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمغْرب} الْآيَة)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 [آيَة 116 - 118] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ ولدا سُبْحَانَهُ} ينزه نَفسه عَمَّا يَقُولُونَ {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض كل لَهُ قانتون} قَالَ الحَسَن: كُلٌّ لَهُ قَائِم بِالشَّهَادَةِ، [بِأَنَّهُ عبد لله] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 {بديع السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَي: ابتدعهما بِغَيْر مِثَال {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كن فَيكون}. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله {كُنْ فَيَكُونُ} الْمَعْنى: فَهُوَ يكون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 {وَقَالَ الَّذين لَا يعلمُونَ} وهم مشركو الْعَرَب {لَوْلَا} هلا {يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قبلهم مثل قَوْلهم} يَعْنِي: قَول قوم مُوسَى لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلام {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} وَمَا سَأَلُوا من الْآيَات {تَشَابَهَتْ قُلُوبهم} فِي الْكفْر مثل قَوْله: {يضهئون قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} {وَقد بَينا الْآيَات لقوم يوقنون} يصدقون. قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي الْآيَات الَّتي أَتَى بِهَا صلوَات اللَّه عَلَيْهِ فِي نَحْو انْشِقَاق الْقَمَر؛ وَغير ذَلِك من آيَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 [آيَة 119 - 120] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بشيرا وَنَذِيرا} بشيرا بِالْجنَّةِ، وَنَذِيرا من النَّار {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} من قَرَأَها [تَسْأَلُ] بِفَتْح التَّاء تَفْسِيره لَا تسْأَل عَنْ حَالهم؛ فَإِن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ عَنْ [أَبِيهِ] فَأنْزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - {وَلا تَسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} وتقرأ على وَجه آخر {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَاب الْجَحِيم} أَي: لَا تُسْأل عَنْهُمْ إِذا أَقمت عَلَيْهِم الْحجَّة (ل 18) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 قَوْله تَعَالَى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى} يَعْنِي بذلك الْعَامَّة مِنْهُم {حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}. {قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الْهدى}؛ يَعْنِي: الإِسْلام الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ. (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وَلَا نصير} [يُثبتهُ] بذلك؛ وَقد علم جلّ جَلَاله أَنَّهُ لَا يتبع أهواءهم. [آيَة 121 - 123] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَته} قَالَ قَتَادَة: هُم أَصْحَاب نَبِي اللَّه آمنُوا بِكِتَاب اللَّه، وَأَحلُّوا حَلَاله، وَاجْتَنبُوا حرَامه، وَعمِلُوا بِمَا فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 قَوْله تَعَالَى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فضلتكم على الْعَالمين} يَعْنِي: عَالم أهل زمانهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نفس شَيْئا} أَي: لَا تُغني {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عدل} أَي: فدَاء {وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} أَي: أَن الشَّفَاعَة لَا تكون إِلَّا للْمُؤْمِنين {وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} يَعْنِي: يمْنَعُونَ من الْعَذَاب. [آيَة 124 - 125] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 {وَإِذا ابتلى} اختبر {إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} عمل بِهن؛ تَفْسِير ابْن عَبَّاس هِيَ: الْمَنَاسِك. {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ للنَّاس إِمَامًا} قَالَ الْكَلْبِيّ: يَعْنِي: يُهْتَدَى بهديك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وسنتك، فأعجب ذَلِكَ إِبْرَاهِيم {قَالَ وَمن ذريتي} أَي: وَمن كَانَ من ذريتي فَلْيَكُن إِمَامًا [لغير] ذريتي قَالَ اللَّه {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} من ذريتك؛ أَي: أَن أجعلهم أَئِمَّة يقْتَدى بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مثابة للنَّاس} قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: يثوبون إِلَيْهِ كُلَّ عَام. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله {مثابة} أَي: معادا؛ تَقُولُ: ثُبْتُ إِلَى كَذَا [وأَثْبُتُ إِلَى كَذَا]؛ أَي: عدت إِلَيْهِ، وثاب إِلَيْهِ جِسْمه بعد الْعلَّة؛ أَي عَاد. قَوْله تَعَالَى: {وَأمنا} قَالَ الحَسَن: كَانَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة؛ كَانَ الرجل إِذا جر جريرة، ثمَّ لَجأ إِلَى الْحرم لم يُطْلَبْ، وَلم يُتَنَاوَلْ فَأَما فِي الْإِسْلَام فَإِن الْحرم لَا يمْنَع من حدٍّ يجب عَلَيْهِ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} يَعْنِي: موطئ قَدَمَيْهِ. يَحْيَى: عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: ((يَا رَسُولَ الله؛ لَوْ صَلَّيْنَا خَلْفَ الْمَقَامِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مصلى}. قَالَ مُحَمَّد: قِرَاءَة يَحْيَى: {وَاتَّخِذُوا} بِكَسْر الْخَاء، وَقَرَأَ بَعْض الْقُرَّاء: {وَاتَّخَذُوا} بِفَتْح الْخَاء؛ وَمَعْنَاهَا: أَن النَّاس اتَّخذُوا هَذَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 يَحْيَى: عَنْ حَمَّادٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: ((الْمَقَامُ جَاءَ بِهِ ((مَلَكٌ) فَوَضَعَهُ تَحْتَ قَدَمِ إِبْرَاهِيمَ)). يَحْيَى: عَنْ حَمَّادٍ، وَحَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ، عَنْ مَوْلًى لِبَنِي هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ((الْحِجْرُ وَالْمَقَامُ يَاقُوتَتَانِ مِنْ يَاقُوتِ الْجَنَّةِ)). قَوْله تَعَالَى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ} قَالَ قَتَادَة: أَي: من عبَادَة الْأَوْثَان، وَقَول الزُّور والمعاصي. {لِلطَّائِفِينَ والعاكفين} تَفْسِير ابْن عَبَّاس: الطائفون: الَّذين يطوفون بِالْبَيْتِ، والعاكفون: الْقعُود حوله ينظرُونَ إِلَيْهِ {والركع السُّجُود} الَّذين يصلونَ إِلَيْهِ. [آيَة 126] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وارزق أَهله من الثمرات} قَالَ الْكَلْبِيّ: يحمل [إِلَيْهِ] من الْآفَاق. قَوْله تَعَالَى: {مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} الْآيَة قَالَ الحَسَن: لما قَالَ إِبْرَاهِيمُ: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي مجيبك، وأجعله بَلَدا آمنا لمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 {آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} يَوْم الْقِيَامَة {وَمن كفر} فَإِنِّي أمتعه {قَلِيلا} وأرزقه من الثمرات، وأجعله آمنا فِي الْبَلَد؛ وَذَلِكَ إِلَى قَلِيل؛ يَعْنِي إِلَى خُرُوج مُحَمَّد وَذَلِكَ أَن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - كرم مُحَمَّدًا أَن يخرجهم من الْحرم؛ وَهُوَ الْمَسْجِد الْحَرَام. قَالَ: {ثمَّ أضطره} عِنْد الْمَوْت {إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}. [آيَة 127 - 130] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِد من الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل} يَعْنِي: بُنْيَانه. قَالَ مُحَمَّد: قَوَاعِد الْبَيْت: أساسه؛ وَاحِدهَا: قَاعِدَة وَأما قَوَاعِد [النِّسَاء فواحدها: قَاعد، وَهِي الْعَجُوز]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 (ل 19) قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً} يَعْنِي: جمَاعَة {مسلمة لَك} فَفعل اللَّه ذَلِكَ. {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} أَي: عَلِّمْنَا. قَالَ قَتَادَة: الْمَنَاسِك: الطّواف بِالْبَيْتِ، وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة، وَالْوُقُوف بِعَرَفَة، والإفاضة مِنْهَا، وَالْوُقُوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 بِجمع، والإفاضة مِنْهَا، وَرمى الْجمار. قَالَ الحَسَن: إِن جِبْرِيل أرى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَنَاسِك كلهَا، وَلكنه أَصْلٌ عَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 {رَبنَا وَابعث فيهم} يَعْنِي: فِي ذُريَّته {رَسُولا مِنْهُمْ} فَاسْتَجَاب اللَّه لَهُ، فَبعث مُحَمَّدا عَلَيْهِ السَّلام فِي ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم يعْرفُونَ وَجهه وَنسبه. {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} قَالَ قَتَادَة: الْكتاب: الْقُرْآن، وَالْحكمَة: السّنة {ويزكيهم} قَالَ بَعضهم يَعْنِي: يَأْخُذ صَدَقَاتهمْ؛ وَهِي الطَّهَارَة {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} الْعَزِيز فِي نقمته، الْحَكِيم فِي أمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفسه} أَي: عجز رأيُهُ عَنِ النّظر لنَفسِهِ، فَضَلَّ. قَالَ مُحَمَّد: وقِيلَ: الْمَعْنى: إِلَّا من سفهت نفسُهُ؛ أَي: جهلت. قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا} أَي: اخترناه {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لمن الصَّالِحين} وهم أهل الْجنَّة. [آيَة 131 - 134] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ} أخْلص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 قَوْله تَعَالَى: {وَأوصى بهَا إِبْرَاهِيم بنيه} يَعْنِي: كلمة التَّوْحِيد {وَيَعْقُوب} أَي: وَأوصى بِهَا أَيْضا يَعْقُوب بنيه بعد إِبْرَاهِيم قَالَ: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدّين} أَي: اخْتَار لكم الْإِسْلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوب الْمَوْت} أَي: لم تَكُونُوا يَوْمئِذٍ حضورا؛ خَاطب بِهَذَا من كَانَ حول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام من بني إِسْرَائِيل {إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبدُونَ} أَي شَيْء تَعْبدُونَ {مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق} وَكَانَ (الحَسَن) يقْرؤهَا: ((نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَي: وإله إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق. قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ بِهَذَا فَإِنَّهُ كره أَن يَجْعَل الْعَمَّ أَبًا. قَوْله تَعَالَى: {إِلَهًا وَاحِدًا} قَالَ مُحَمَّد: نصب {إِلَهًا وَاحِدًا} على معنى: نعْبد إلهك فِي حَال وحدانيته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 {تِلْكَ أمة قد خلت} يَعْنِي: جمَاعَة قد مَضَت {وَلا تسْأَلُون عَمَّا كَانُوا يعْملُونَ} أَي: إِنَّكُم إِنَّمَا تسْأَلُون عَنْ أَعمالكُم. [آيَة 135] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تهتدوا} قَالَتِ الْيَهُودُ: كُونُوا يَهُودًا تَهْتَدُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وَقَالَتِ النَّصَارَى: كُونُوا نَصَارَى تَهْتَدُوا؛ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: قل يَا مُحَمَّد {بل مِلَّة إِبْرَاهِيم} أَي: بل نَكُون على مِلَّة إِبْرَاهِيم {حَنِيفا} قَالَ الحَسَن: الحنيف. المخلص. قَالَ مُحَمَّد: وَمعنى الحنف فِي اللُّغَة: الْميل؛ يُقَال: رجل حَنِفٌ [وَرجل حنيف]؛ وَرجل أحنف، وَهُوَ الَّذِي تميل قدماه كُل وَاحِدَة مِنْهُمَا إِلَى أُخْتهَا بأصابعها، فَالْمَعْنى: إِن إِبْرَاهِيم (حَنَفَ) إِلَى دين اللَّه. [آيَة 136 - 138] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وقَالَ الحَسَن: ثمَّ أَمر اللَّه الْمُؤمنِينَ أَن يَقُولُوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسباط} يَعْنِي: يُوسُف وَإِخْوَته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فقد اهتدوا} قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: فَإِن (أَتَوا) بِتَصْدِيق مثل تصديقكم فِي إيمَانكُمْ بِكُل مَا أَتَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاء - فقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 اهتدوا. قَالَ: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هم فِي شقَاق} قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: فِي تَعَادٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 {صبغة الله} أَي: دين اللَّه {وَمَنْ أَحْسَنُ من الله صبغة} دينا. قَالَ مُحَمَّد: يجوز أَن تكون {صبغة الله} مَنْصُوبَة عَلَى معنى: بل تكون أهل صبغة الله. [آيَة 139 - 141] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبنَا وربكم} الْآيَة. قَالَ مُحَمَّد: قِيلَ: إِن تَأْوِيل هَذِه الْآيَة: أَن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أَمر الْمُسلمين أَن يَقُولُوا للْيَهُود الَّذين ظاهروا من لَا يوحد [اللَّه من النَّصَارَى وَعَبدَة الْأَوْثَان، ويحتجوا عَلَيْهِم بأنكم تَزْعُمُونَ أَنكُمْ توحدون [اللَّه وَحده وَنحن نوحد الله، فَلم ظاهرتم من لَا يوحد اللَّه؟] {وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعمالكُم}. (ل 20) ثمَّ أعلموهم أَنكُمْ مخلصون دون من خالفكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 قَوْله تَعَالَى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أأنتم أعلم أم الله} قَالَ الحَسَن: يَعْنِي بذلك علماءهم؛ لأَنهم كتموا مُحَمَّدا عَلَيْهِ السَّلام وَدينه؛ وَفِي دينه أَن إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا مُسلمين، وَلم يَكُونُوا مُشْرِكين. قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَة عِنْده من الله} أَي: لَا أحد أظلم مِنْهُ. [آيَة 142] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 قَوْله تَعَالَى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاس} وهم مشركو الْعَرَب فِي تَفْسِير الْحسن {مَا ولاهم} أَي: مَا حَولهمْ {عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} هِيَ بَيت الْمُقَدّس؛ نزلت هَذِه الْآيَة بعد مَا صرف النَّبي عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْكَعْبَة؛ فَهِيَ قبلهَا فِي التَّأْلِيف، وَهِي بعْدهَا فِي التَّنْزِيل؛ وَذَلِكَ أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما حوله اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَى الْكَعْبَة من بَيت الْمُقَدّس، قَالَ الْمُشْركُونَ: يَا مُحَمَّد، رغبت عَنْ قبْلَة آبَائِك، ثمَّ رجعت إِلَيْهَا؟ وَأَيْضًا وَالله لترجعَنَّ إِلَى دينهم؛ فَأنْزل اللَّه: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} الْآيَة. [الْآيَة 143] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 قَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسطا} أَي: عدلا؛ يَعْنِي: أمة مُحَمَّد {لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس} يَوْم الْقِيَامَة بِأَن الرُّسُل قد بلغت قَومهَا عَنْ رَبهَا {وَيَكُونَ الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا} أَنَّهُ قد بلغ رِسَالَة ربه إِلَى أمته؛ وَهَذَا تَفْسِير قَتَادَة. قَالَ مُحَمَّد: وَأنْشد بَعضهم: (هُم وسط يرضى الْأَنَام بحكمهم ... إِذا نزلت إِحْدَى اللَّيَالِي بمعظم) يَعْنِي: بوسط: عدلا خيارا. قَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} يَعْنِي: بَيت الْمُقَدّس {وَإِلَّا لنعلم} يَعْنِي: علم الفعال {مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذين هدى الله} يَعْنِي: صرف الْقبْلَة، قَالَ قَتَادَة: ((كَانَت الْقبْلَة فِيهَا بلَاء وتمحيص، صلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّة أقامته بِمَكَّة إِلَى بَيت الْمُقَدّس، وصلت الْأَنْصَار نَحْو بَيت الْمُقَدّس حَوْلَيْنِ قبل قدوم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْمَدِينَة، وَصلى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد قدومه الْمَدِينَة نَحْو بَيت الْمُقَدّس سِتَّة عشر شهرا، ثمَّ وَجهه اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَة؛ فَقَالَ قَائِلُونَ: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} لَقَد اشتاق الرجل إِلَى مولده)). قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضيع إيمَانكُمْ} يَعْنِي: صَلَاتكُمْ إِلَى بَيت الْمُقَدّس، قَالَ قَتَادَة: لما صرفت الْقبْلَة قَالَ قوم: كَيفَ بأعمالنا الَّتي كُنَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 نعمل؟ فَأنْزل الله: {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} وَقد يَبْتَلِي الله - تَعَالَى - الْعباد بِمَا شَاءَ من أمره، الْأَمر بعد الْأَمر؛ ليعلم من يطيعه مِمَّن يعصيه؛ وكُلُّ ذَلِكَ مَقْبُول؛ إِذا كَانَ فِي إِيمَان بِاللَّهِ، وإخلاص لَهُ، وَتَسْلِيم لقضائه. [آيَة 144 - 145] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 قَوْله تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجهك فِي السَّمَاء} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: ((أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لجبريل: وددت أَن اللَّه صرفني عَنْ قبْلَة الْيَهُود إِلَى غَيرهَا. فَقَالَ جِبْرِيل: إِنَّمَا أَنَا عَبْد مثلك، فَادع اللَّه وسَلْهُ ثمَّ ارْتَفع جِبْرِيل، فَجعل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدِيم النّظر إِلَى السَّمَاء رَجَاء أَن يَأْتِيهِ جِبْرِيل بِالَّذِي سَأَلَ اللَّه؛ فَأنْزل اللَّه عَلَيْهِ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}))، {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً ترضاها} أَي: تحبها {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِد الْحَرَام} يَعْنِي: تلقاءه. قَالَ مُحَمَّد: وَأنْشد بَعضهم: (أَقُول لأم زِنْبَاعٍ أقيمي ... صُدُور العيس شطر بني تَميم) يَعْنِي: تِلْقَاء بني تَمِيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 قَوْله تَعَالَى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تبعوا قبلتك} قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي [الْآيَات الَّتي أَتَى] الْأَنْبِيَاء؛ مثل النَّاقة والعصا [وَغير ذَلِكَ؛ إِن أهل الْكتاب قد علمُوا أَن مَا أَتَى بِهِ النَّبِي] (ل 21) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حق [وَأَن صفته الَّتي جَاءَ بِهَا فِي كتبهمْ وهم] يجحدون الْعِلْم بذلك؛ فَلَا تغني الْآيَات عِنْد من يجْحَد مَا يعرف. {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لمن الظَّالِمين} هَذَا الْخطاب للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلام ولسائر أمته. [آيَة 146 - 148] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم} قَالَ الْكَلْبِيّ: لما قدم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة، قَالَ ابْن الخَطَّاب لعبد اللَّه بْن سَلام [إِن اللَّه - تَعَالَى - أنزل على نبيه أَن أهل الْكتاب {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُم} كَيفَ هَذِه الْمعرفَة يَا ابْن سَلام قَالَ: نَعْرِف نَبِي اللَّه بالنعت الَّذِي نَعته [اللَّه بِهِ] إِذا رَأَيْنَاهُ فِيكُم كَمَا يعرف أَحَدنَا ابْنه؛ إِذا رَآهُ مَعَ [الغلمان]؛ وَالَّذِي يحلف بِهِ عَبْد اللَّه بْن سَلام لأَنا بِمُحَمد أَشد معرفَة مني لِابْني. فَقَالَ لَهُ عُمَر: وَكَيف ذَلِكَ؟ قَالَ عَرفته بِمَا نَعته اللَّه لَنَا فِي كِتَابه، وَأما ابْني [فَلَا أدرى] مَا أحدثته أمه. فَقَالَ لَهُ عُمَر: وفقك اللَّه، فقد أصبت وصدقت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ من الممترين} يَعْنِي: الشاكين؛ أَنَّك رَسُول اللَّهِ، ويعرفون الْإِسْلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 {وَلكُل} يَعْنِي: كُل ذِي مِلَّة {وِجْهَةٌ} يَعْنِي: قبْلَة {هُوَ موليها} أَي: مستقبلها {فاستبقوا الْخيرَات} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: لَا تُفْتَنُنَّ فِي قبلتكم. قَالَ مُحَمَّد: وَقيل: الْمَعْنى: فبادروا إِلَى مَا أَمرتكُم بِهِ من أَمر الْقبْلَة؛ وَهُوَ نَحْو قَول قَتَادَة. [آيَة 149 - 150] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 {وَمن حَيْثُ خرجت} يَعْنِي: من مَكَّة {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ من رَبك} يَعْنِي: أَن الْقبْلَة: الْكَعْبَة {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} أَي: تلقاءه وَنَحْوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} تَفْسِير الحَسَن: أخبرهُ اللَّه - تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يحوله عَنِ الْكَعْبَة إِلَى غَيرهَا أبدا فيحتج عَلَيْهِ بذلك محتجون؛ كَمَا احْتج عَلَيْهِ مشركو الْعَرَب فِي قَوْلهم: رغبت عَنْ قبْلَة آبَائِك، ثمَّ رجعت إِلَيْهَا {إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} قَالَ الحَسَن: لَا يحْتَج بِمثل تِلْكَ الْحجَّة، إِلَّا الَّذين ظلمُوا: {فَلَا تخشوهم} فِي أَمْرِي، يَعْنِي: امضوا عَلَى مَا آمركُم بِهِ {واخشوني} فِي تَركه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 [آيَة 151 - 154] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُم آيَاتنَا ويزكيكم} يطهركم من الشّرك {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحكمَة} الْكتاب: الْقُرْآن، وَالْحكمَة: السّنة؛ يَقُولُ كَمَا فعلت ذَلِك بكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 {فاذكروني} بطاعتي {أذكركم} برحمتي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} قد مضى تَفْسِيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لَا تشعرون} كَيفَ الْحَيَاة الَّتي هِيَ حَيَاة الشُّهَدَاء. قَالَ مُحَمَّد: {أموات} مَرْفُوع على معنى: هُم أموات، وَكَذَلِكَ {بل أَحيَاء} الْمَعْنى: بل هُم أَحيَاء. يَحْيَى: عَنِ الْمُعَلَّى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَرْوَانَ، عَنْ هُذَيْلٍ، عَنْ عبد الله ابْن مَسْعُودٍ قَالَ: ((أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فِي حَوَاصِلَ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرْعَى فِي الْجَنَّةِ؛ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى قناديل معلقَة بالعرش)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 [آيَة 155 - 157] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 {ولنبلونكم بِشَيْء من الْخَوْف} يَعْنِي: [الْقِتَال]؛ فِي تَفْسِير السّديّ. {وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ والثمرات} يَعْنِي بِنَقص الْأَنْفس: الْمَوْت {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون}. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {بِشَيْء}، وَلم يقل: بأَشْيَاء - هُوَ من الِاخْتِصَار؛ الْمَعْنى: بِشَيْء من الْخَوْف، وَشَيْء من الْجُوع، وَشَيْء من نقص الْأَمْوَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وَقَوله: {إِنَّا لله} أَي: نَحْنُ وَأَمْوَالنَا لله، وَنحن عبيده يصنع بِنَا مَا يَشَاء؛ يَعْنِي: ذَلِكَ صَلَاح لَنَا وَخير، ومعني {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} أَي: نَحْنُ مقرون [بأننا نبعث] ونعطى الثَّوَاب عَلَى تصديقنا، وَالصَّبْر عَلَى مَا ابتلانا بِهِ. يَحْيَى: عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي خَلِيفَةَ قَالَ: ((كَانَ عُمَرُ يَمْشِي فَانْقَطَعَ شِسْعَ نَعْلِهِ فَاسْتَرْجَعَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِي فَسَاءَنِي ذَلِكَ، وَكُلُّ مَا سَاءَكَ فَهُوَ مُصِيبَةٌ)). يَحْيَى: عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى وَالْعين لَا يملكهَا (ل 22) أَحَدٌ صَبَابَةَ الْمَرْءِ إِلَى أَخِيهِ)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [يَعْنِي مغْفرَة] {وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المهتدون} يَعْنِي: الموفقين. [آيَة 158 - 163] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله}. قَالَ مُحَمَّد: الشعائر وَاحِدهَا: شعيرَة؛ وهى كُلُّ شَيْء جعله اللَّه علما من أَعْلَام الطَّاعَة. {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جناج عَلَيْهِ} أَي: لَا إِثْم عَلَيْهِ {أَنْ يطوف بهما} يَعْنِي: أَن يتطوف. يَحْيَى: عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: ((كَانَ إِسَافٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 عَلَى الصَّفَا، وَنَائِلَةُ عَلَى الْمَرْوَةِ؛ وَهُمَا صَنَمَانِ؛ فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلامُ، كَرِهُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا مِنْ أَجْلِهِمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} الْآيَة)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا من الْبَينَات وَالْهدى} وهم أَصْحَاب الْكتاب؛ كتموا مُحَمَّدًا صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم والإِسْلام {أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: عَنْ أَبِي صَالحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُمِلَ عَلَى سَرِيرِهِ، قَالَ رُوحُهُ وَجَسَدُهُ: وَيْلَكُمْ أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِي، فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَرَجَعَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، أَتَاهُ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ؛ أَصْوَاتُهُمَا كَالرَّعْدِ الْقَاصِفِ، وَأَبْصَارُهُمَا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ يَخُدَّانِ الأَرْضَ بِأَنْيَابِهِمَا، وَيَطَآنِ فِي أَشْعَارِهِمَا، فَيُجْلِسَانِهِ، ثُمَّ يَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي. فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ. ثُمَّ يَقُولانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ. ثُمَّ يَقُولانِ لَهُ: مَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ؛ هَكَذَا كُنْتَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَيُقَالُ لَهُ: هَذِهِ الْجَنَّةُ؛ الَّتِي لَوْ كُنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ، وَصَدَّقْتَ رَسُولَهُ - صِرْتَ إِلَيْهَا؛ لَنْ تَرَاهَا أَبَدًا. ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ؛ فَيُقَالُ لَهُ: هَذِهِ النَّارُ الَّتِي أَنْتَ صَائِرٌ إِلَيْهَا، ثُمَّ يَضِيقُ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 قَبْرُهُ، ثُمَّ يُضْرَبُ ضَرْبَةً بِمِرْزَبَّةٍ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ أَصَابَتْ جَبَلا لَا رفض مَا أَصَابَتْ مِنْهُ. قَالَ: فَيَصِيحُ عِنْدَ ذَلِكَ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا كُلُّ شَيْءٍ غَيْرُ الثَّقَلَيْنِ فَلا يَسْمَعُهَا شَيْءٌ إِلا لَعَنَهُ، فَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ ذِكْرُهُ: {أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ ويلعنهم اللاعنون}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 قَوْله تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلحُوا وبينوا} أَمر مُحَمَّد وَالْإِسْلَام. {فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِم} الْآيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ} يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ خَاصَّة؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 {وَلَا هم ينظرُونَ} أَي: لَا يؤخرون بِالْعَذَابِ. [آيَة 164 - 167] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 [أَيَّة 168] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بعد مَوتهَا} أَي: حِين لم يكن فِيهَا نَبَات فأنبتت {وَبث فِيهَا} يَعْنِي: خلق {وتصريف الرِّيَاح} يَعْنِي: تلوينها؛ فِي تَفْسِير السّديّ {وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَات لقوم يعْقلُونَ} وهم الْمُؤْمِنُونَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دون الله أندادا} يَعْنِي: أعدالا يعدلونهم بِهِ؛ أَي: يَعْبُدُونَهُمْ {يحبونهم كحب الله} كحب الْمُؤمنِينَ اللَّهِ {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لله} من الْمُشْركين لأوثانهم {وَلَوْ يَرَى الَّذين ظلمُوا} أَي: أشركوا {إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} أَي: [أَنَّك] ستراهم إِذا دخلُوا النَّار؛ وهنالك يعلمُونَ أَن {الْقُوَّةَ} الْقُدْرَة {لله جَمِيعًا} وَإِن كَانُوا عَن قدرَة اللَّه وعزته فِي الدُّنْيَا غافلين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 {إِذْ تَبرأ الَّذين اتبعُوا} قَالَ قَتَادَة: وهم الرؤساء فِي الشّرك {من الَّذين اتبعُوا} وهم الضُّعَفَاء؛ اتَّبَعُوهُمْ على عبَادَة الْأَوْثَان {وَرَأَوا الْعَذَاب} أَي: دخلُوا فِيهِ {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} يَعْنِي: مَا كَانُوا يتواصلون بِهِ فِي الدُّنْيَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِم} أَي: ندامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 {يَا أَيهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالا طيبا} قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي: لَا تَأْكُلُوا، وَلا تنفقوا مِمَّا يحرم عَلَيْكُم. {وَلَا تتبعوا خطوَات الشَّيْطَان} أَي: مَا يَأْمُركُمْ بِهِ. قَالَ مُحَمَّد: خطوَات جمع: خطْوَة، والخطوة بِالضَّمِّ: (ل 23) مَا بَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 الْقَدَمَيْنِ. وَالْمعْنَى: لَا تتبعوا سَبِيل الشَّيْطَان ومسلكه. والخطوة بِفَتْح الْخَاء: الفَعْلة الْوَاحِدَة. {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبين} يَعْنِي: بَين الْعَدَاوَة. [آيَة 169 - 171] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تعلمُونَ} أَنه الْحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 {بل نتبع مَا ألفينا} أَي: وجدنَا {عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [وَلَو كَانُوا مهتدين مَا اتَّبَعُوهُمْ]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلا دُعَاء ونداء} تَفْسِير الحَسَن: كَمثل الرَّاعِي يَصِيح بالغنم فَترفع رءوسها لَا تَدْرِي مَا يَقُولُ، ثمَّ تضع رءوسها؛ فَكَذَلِك هُم إِذا دعوا إِلَى الْهدى {صم بكم عمي} صم عَنِ الْحق؛ فَلَا يسمعونه، بكم عَنْهُ؛ فَلَا ينطقون بِهِ، عمي عَنْهُ؛ فَلَا يبصرونه. قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: نعق يَنْعِق، ونعق ينعق لفتان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 [آيَة 172 - 173] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} يَعْنِي: الْحَلَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} إِلَى قَوْله: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَاد} تَفْسِير مُجَاهِد: غير بَاغ؛ أَي: يَبْغِي على النَّاس، وَلا عَاد؛ أَي: قَاطع سَبِيل، وَلا مفارق الْأَئِمَّة، وَلا خَارج فِي مَعْصِيّة الله {فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} أَي: فَلهُ الرُّخْصَة فِي أَن يَأْكُل. قَالَ يَحْيَى: يَأْكُل حَتَّى يشْبع، وَلَا يتزود. [آيَة 174 - 176] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ الله من الْكتاب} هُم أهل الْكتاب الَّذين حرفوا كتاب اللَّه {وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا} يَعْنِي: المأكلة الَّتي كَانَت لَهُم {أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّار} أَي: سَوف يَأْكُلُون بِهِ النَّار {وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أَي: لَا يكلمهم بِمَا يحبونَ، وَقد يكلمهم ويسألهم عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 أفعالهم {وَلَا يزكيهم} أَي: وَلا يطهرهم من إثمهم {وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} موجع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَاب بالمغفرة} قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: اخْتَارُوا الضَّلَالَة على الْهدى، وَالْعَذَاب على الْمَغْفِرَة {فَمَا أصبرهم على النَّار} أَي: فَمَا أجرأهم على الْعَمَل الَّذِي يدخلهم النَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لفي شقَاق بعيد} يَعْنِي: لفي فِرَاق بعيد من الْحق؛ وهم أهل الْكتاب. [آيَة 177]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قبل الْمشرق وَالْمغْرب} تَفْسِير قَتَادَة: يَقُولُ: لَيْسَ الْبر أَن تَكُونُوا نَصَارَى؛ فتصلوا إِلَى الْمشرق، وَلا أَن تَكُونُوا يهودا؛ فتصلوا إِلَى الْمغرب إِلَى بَيت الْمُقَدّس. {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّه}. قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي: وَلَكِن الْبر بر من آمن بِاللَّهِ. {وَآتَى المَال على حبه} قَالَ ابْن مَسْعُود: تؤتيه وَأَنت صَحِيح شحيح؛ تَأمل الْحَيَاة، وتخشى الْفقر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 {ذَوي الْقُرْبَى} هم الْقَرَابَة {وَابْن السَّبِيل} يَعْنِي: [الضَّيْف] {وَفِي الرّقاب} يَعْنِي: المكاتَبِين {وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاة} الْمَفْرُوضَة {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} عَلَيْهِ من الْحق {وَالصَّابِرِينَ فِي البأساء وَالضَّرَّاء} قَالَ قَتَادَة: البأساء: الْبُؤْس والفقر، وَالضَّرَّاء: السقم والوجع {وَحِينَ الْبَأْسِ} يَعْنِي: مَوَاطِن الْقِتَال فِي الْجِهَاد. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله تَعَالَى: {والموفون} يجوز أَن يكون مَرْفُوعا، على معنى: وهم الموفون، والنعت إِذا طَال جَازَ أَن يرفع بعضه، وَينصب بعضه فِي مَذَاهِب النَّحْوِيين. [آيَة 178 - 179] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}) الْآيَة تَفْسِير الحَسَن: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة فيهم بغي قد كَانَ إِذا قتل من الْحَيّ مِنْهُم مَمْلُوك قَتله حَيّ آخَرُونَ، قَالُوا: لَا نقْتل بِهِ إِلَّا حرًّا، وَإِذا قتل من الْحَيّ مِنْهُم امْرَأَة قَتلهَا حَيّ آخَرُونَ، قَالُوا: لَا نقْتل بِهَا إِلَّا رجلا، فَأنْزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - هَذِه الْآيَة، ونهاهم عَنِ الْبَغي، ثمَّ أنزل اللَّه بعد ذَلِكَ فِي الْمَائِدَة: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 أَن النَّفس بِالنَّفسِ} يَعْنِي: النَّفس الَّتي قَتَلَتْ بِالنَّفسِ الَّتي قُتِلَتْ، وَهَذَا [فِي الْأَحْرَار]. قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَان} تَفْسِير قَتَادَة: يَقُول: من قتل عمدا (ل 24) فعفي عَنْهُ وَقبلت مِنْهُ الدِّيَة {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [أَمر المتبع أَن] يتبع بِالْمَعْرُوفِ [وَأمر الْمُؤَدِّي] أَن يُؤَدِّي بِإِحْسَانٍ {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَة} قَالَ قَتَادَة: كَانَ أهل التَّوْرَاة أمروا [بالحدود] وَكَانَ أهل الْإِنْجِيل أمروا بِالْعَفو، وَجعل لهَذِهِ الْأمة الْقصاص وَالْعَفو وَالدية؛ إِن شَاءُوا قتلوا، وَإِن شَاءُوا عفوا، وَإِن شَاءُوا أخذُوا الدِّيَة؛ إِذا تراضوا عَلَيْهَا. {وَرَحْمَة} أَي: رحم اللَّه بِهَا هَذِه الْأمة، وأطعمهم الدِّيَة؛ قَالَ قَتَادَة: وَلم [تحل] لأحد قبلهم فِي الْقَتْل عمدا {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِك} يَعْنِي: على الْقَاتِل فَقتله بعد مَا قبل مِنْهُ الدِّيَة {فَلَهُ عَذَاب أَلِيم} يَعْنِي: الْقَاتِل يقْتله الْوَالِي، وَلا ينظر فِي ذَلِكَ إِلَى عَفْو الْوَلِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} أَي: بَقَاء؛ يخَاف الرجل الْقصاص؛ وَهِي بذلك حَيَاة لَهُ {يَا أولي الْأَلْبَاب} الْعُقُول: يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لكَي تتقوا الْقَتْل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 [آيَة 180 - 182] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 {كتب عَلَيْكُم} أَي: فرض عَلَيْكُم {إِذَا حَضَرَ أحدكُم الْمَوْت} الْآيَة. قَالَ قَتَادَة: الْخَيْر: المَال، وَأمر تبَارك وَتَعَالَى فِي هَذِه الْآيَة بِالْوَصِيَّةِ للْوَالِدين والأقربين، ثمَّ نسخ ذَلِك فِي سُورَة النِّسَاء بقوله: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدس} وَصَارَت الْوَصِيَّة لمن لَا يَرث من قريب أَو بعيد. قَالَ مُحَمَّد: وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ {حَقًّا على الْمُتَّقِينَ} نصب ((حَقًا))؛ على معنى: كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِم حَقًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ} قَالَ الحَسَن: هِيَ الْوَصِيَّة؛ من بدلهَا بعد مَا سَمعهَا، فَإِنَّمَا إثمها على من بدلهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 {فَمن خَافَ} يَعْنِي: علم {مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَو إِثْمًا} الجنف: أَن يُوصي بجور؛ وَهُوَ لَا يتَعَمَّد الْجور، وَالْإِثْم: أَن يُوصي بجور وَهُوَ يعلم ذَلِك {فَأصْلح بَينهم} يَعْنِي: بَين الموصَى لَهُ وَالْوَرَثَة {فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ مُحَمَّد: الجنف فِي كَلَام الْعَرَب: الْميل عَنِ الْحق؛ يُقَال مِنْهُ: جنف يجنف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 [آيَة 183 - 185] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} تَفْسِير قَتَادَة: هُوَ شهر رَمَضَان؛ وَكَانُوا أمروا أَن يَصُومُوا ثَلَاثَة أَيَّام من كُلِّ شهر، ويصلوا رَكْعَتَيْنِ غدْوَة، وَرَكْعَتَيْنِ عَشِيَّة؛ فَكَانَ ذَلِكَ بَدْء الصّيام وَالصَّلَاة. {أَيَّامًا معدودات} قَالَ مُحَمَّد: يجوز أَن يكون نصب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 {أَيَّامًا معدودات} على معنى: كتب عَلَيْكُم أَن تَصُومُوا أَيَّامًا معدودات. {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعدَّة من أَيَّام أخر} قَالَ مُحَمَّد: يُرِيد: فَعَلَيهِ عدَّة من أَيَّام أخر، ويكمل عدَّة مَا فَاتَهُ. {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فديَة طَعَام مَسَاكِين} تَفْسِير ابْن عَبَّاس: قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 رخص للشَّيْخ الْكَبِير والعجوز الْكَبِيرَة - وهما يطيقان الصَّوْم - أَن يفطرا؛ إِن شاءا، ويطعما مَكَان كُلِّ يَوْم مِسْكينا. {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يَعْنِي: الشَّيْخ الْكَبِير، والعجوز الْكَبِيرَة؛ وهما يطيقان الصَّوْم، ثمَّ نسخ ذَلِكَ بقوله بعد هَذَا: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن} قَالَ مُحَمَّد: يجوز أَن يكون {شهر رَمَضَان} مَرْفُوعا على معنى: والأيامُ الَّتي كُتبت عَلَيْكُم شهرُ رَمَضَان. {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بكم الْعسر} أَي: إِنَّمَا أَرَادَ اللَّه بِرُخْصَة الْإِفْطَار فِي السّفر التَّيْسِير عَلَيْكُم {ولتكملوا الْعدة ولتكبروا الله} قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي: ولتعظموا اللَّه، كَذَلِك جَاءَ عَنِ ابْن عَبَّاس {على مَا هدَاكُمْ} [آيَة 186 - 187] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني} تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لما أنزل اللَّه - تبَارك وَتَعَالَى - {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} قَالَ رَجُل: كَيفَ نَدْعُو يَا رَسُول اللَّه؟ فَأنْزل اللَّه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 (ل 25) {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} إِلَى قَوْله {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لكم} قَالَ قَتَادَة: الرَّفَث: الغشيان. {هُنَّ لِبَاس لكم} أَي: سكن لكم. {عَلِمَ اللَّهُ أَنكُمْ كُنْتُم تختانون أَنفسكُم} قَالَ قَتَادَة: كَانَ الْمُسلمُونَ فِي أول مَا فرض عَلَيْهِم الصّيام؛ إِذا رقدوا لم يحل لَهُم النِّسَاء، وَلا الطَّعَام، وَلا الشَّرَاب بعد رقادهم؛ فَكَانَ قوم يصيبون من ذَلِك بعد رقادهم، فَكَانَت تِلْكَ خِيَانَة الْقَوْم أنفسهم، فَتَابَ عَلَيْهِم بعد ذَلِكَ، وَأحل ذَلِكَ إِلَى طُلُوع الْفجْر، وقَالَ: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كتب الله لكم} تَفْسِير مُجَاهِد: يَعْنِي: الْوَلَد يَطْلُبهُ الرجل؛ فَإِن كَانَ مِمَّن كتب اللَّه لَهُ الْوَلَد، رزقه إِيَّاه. قَالَ مُحَمَّد: وَهَذَا أَمر نَدْبٍ لَا فرض. {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيط الْأسود من الْفجْر} [يَعْنِي: سَواد اللَّيْل، وَتبين هَذَا من هَذَا]. قَالَ يَحْيَى: الْفجْر فجران: فَأَما [الَّذِي] كَأَنَّهُ ذَنْب السرحان؛ فَإِنَّهُ لَا يحل شَيْئا وَلا يحرمه، وَأما المستطيل الَّذِي يَأْخُذ بالأفق فَإِنَّهُ يُحل الصَّلاة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وَيُوجب الصّيام. قَالَ مُحَمَّد: وَقَوله: {الْخَيط الْأَبْيَض} يَعْنِي: بَيَاض النَّهَار {مِنَ الْخَيْطِ الْأسود} يَعْنِي: سَواد اللَّيْل؛ ويتبين هَذَا من هَذَا عِنْد طُلُوع الْفجْر الثَّانِي. وَقَوله تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} هُوَ أَمر إِبَاحَة {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد} تَفْسِير السّديّ: كَانَ الرجل يعْتَكف؛ فَإِذا خرج من مُصَلَّاهُ، فلقي امْرَأَته غشيها، فنهاهم اللَّه عَنْ ذَلِكَ؛ حَتَّى يفرغ من اعْتِكَافه {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} أَي: لَا تقربُوا مَا نهاكم الله عَنهُ. [آيَة 188] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وتدلوا بهَا إِلَى الْحُكَّام} تَفْسِير الحَسَن: هُوَ الرجل يَأْكُل مَال الرجل ظلما، ويجحده إِيَّاه، ثمَّ يَأْتِي بِهِ إِلَى الْحُكَّام، والحكام إِنَّمَا يحكمون بِالظَّاهِرِ؛ فَإِذا حكم لَهُ، استحله بِحكمِهِ. {لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُم تعلمُونَ} أَنَّهُ لَيْسَ لكم بِحَق. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله تَعَالَى: {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّام} يَعْنِي: الْأَمْوَال، وأصل الْكَلِمَة فِي اللُّغَة: من قَوْلك: أدليت الدَّلْو؛ إِذا أرسلتها، وَتقول: أدلى فلَان بحجته؛ أَي: أرسلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 [آيَة 189] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس وَالْحج} قَالَ قَتَادَة: ذكر لَنَا: أَنهم سَأَلُوا نَبِي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم خلقت هَذِه الْأَهِلّة؟ فَأنْزل اللَّه هَذِه الْآيَة؛ أَي: هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس؛ لصومهم وإفطارهم وحجهم وعدة نِسَائِهِم وَمحل دَيْنهم. قَوْله تَعَالَى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا} تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: كَانَ هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار إِذا أهل أحدهم لم يدْخل بَيْتا وَلا دَارا من بَابه، إِلَّا أَن يتسور حَائِطا تسورا، وَأَسْلمُوا وهم كلهم على ذَلِكَ؛ حَتَّى نَهَاهُم الله. [آيَة 190 - 193] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يقاتلونكم} وَذَلِكَ قبل أَن يؤمروا بِقِتَال الْمُشْركين كَافَّة؛ فَكَانُوا لَا يُقَاتلُون إِلَّا من قَاتلهم {وَلا تَعْتَدُوا} يَعْنِي: فِي حربكم؛ فتقاتلوا من لم يُقَاتِلُوكُمْ، ثمَّ أَمر بقتالهم فِي سُورَة بَرَاءَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 {واقتلوهم حَيْثُ ثقفتموهم} أَي: وَجَدْتُمُوهُمْ {وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أخرجوكم} يَعْنِي: من مَكَّة {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ من الْقَتْل} الْفِتْنَة هَا هُنَا: الشّرك {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فاقتلوهم} أَمر اللَّه - جلّ ذكره - نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلا يقاتلهم فِيهِ حَتَّى يبدءوا بِقِتَال؛ وَكَانَ هَذَا قبل أَن يُؤمر بقتالهم كَافَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 {فَإِن انْتَهوا} يَعْنِي: عَنْ قتالكم، ودخلوا فِي دينكُمْ {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} أَي: شرك {فَإِن انْتَهوا} عَن شركهم {فَلَا عدوان} أَي: فَلَا سَبِيل {إِلا عَلَى الظَّالِمين} يَعْنِي: الْمُشْركين. قَالَ مُحَمَّد: أصل الْعدوان: الظُّلم، (ل 26) وَمعنى الْعدوان هَا هُنَا: الْجَزَاء [يَقُولُ]: لَا جَزَاء [ظلم] إِلَّا على الظَّالِمين. [آيَة 194 - 195] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قصاص} تَفْسِير مُجَاهِد: قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 كَانَ الْمُشْركُونَ صدوا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبَيْت عَام الْحُدَيْبِيَة فِي ذِي الْقعدَة، [فحجزوا] عَلَيْهِ بذلك، فرجعه اللَّه إِلَى الْبَيْت فِي ذِي الْقعدَة من قَابل، واقتص لَهُ مِنْهُم، فَأَقَامَ فِيهِ ثَلَاثَة أَيَّام. {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم} يَقُولُ: إِن استحلوا مِنْكُم الْقِتَال، فاستحلوه مِنْهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} تَفْسِير الحَسَن: يَقُولُ: إنَّ ترككم الْإِنْفَاق فِي سَبِيل اللَّه إلقاءٌ مِنْكُم بِأَيْدِيكُمْ إِلَى مَا يهلككم عِنْد اللَّه {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يحب الْمُحْسِنِينَ} قَالَ قَتَادَة: أَمرهم أَن ينفقوا فِي سَبِيل اللَّه، وَأَن يحسنوا فِيمَا رزقهم الله. [آيَة 196] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّمَا هِيَ حجَّة وَعمرَة؛ فَمن قضاهما، فقد قضى الْفَرِيضَة، أَو قضى مَا عَلَيْهِ؛ فَمَا أصَاب بعد ذَلِك، فَهُوَ تطوع)). قَالَ يَحْيَى: الْعَامَّةُ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَرِيضَتَانِ، إِلا أَنَّ سَعِيدًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 (أَخْبَرَنَا) عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: ((الْحَجُّ فَرِيضَةٌ، وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ)). وَالْقِرَاءَة على هَذَا التَّفْسِير: بِنصب الْحَج، وَرفع الْعمرَة، ومقرأة الْعَامَّة: بِالنّصب فيهمَا. قَوْله تَعَالَى: {فَإِن أحصرتم} الْإِحْصَار: أَن يعرض للرجل مَا يحول بَينه وَبَين الْحَج من مرض أَو عَدو {فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} قَالَ ابْن عَبَّاس: مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي شَاة {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} قَالَ عَطَاء: كل هدي بلغ الْحرم ثمَّ عطب - فقد بلغ مَحَله، إِلَّا هدي الْمُتْعَة والمحصر. قَالَ مُحَمَّد: الْمحل: الْموضع الَّذِي يحل [فِيهِ النَّحْر]؛ وَهُوَ من: حل يحِل؛ أَي: وَجب يجب. {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نسك}. يحيى: عَن مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَهُوَ يُوقِدُ تَحْتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 قِدْرٍ لَهُ، فَنَكَسَ رَأْسَهُ فَإِذَا الْهَوَامُّ تَجُولُ فِي رَأْسِهِ، فَقَالَ: أَتُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ يَا كَعْبُ؟ قَالَ: نعم. فَسكت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، فَقَالَ لَهُ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْلِقْهُ، وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ فَرْقًا بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوْ أَهْدِ شَاةً)). قَالَ يَحْيَى: الْفرق: ثَلَاثَة آصَع، صَاع بَين اثْنَيْنِ. {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} من أهلَّ بِعُمْرَة فِي أشهر الْحَج فِي شَوَّال، أَو فِي ذِي الْقعدَة، أَوْ فِي ذِي الْحجَّة، ثمَّ حج من عَامه ذَلِكَ - فَهُوَ متمتع عَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي، فَإِن لم يجد صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج. مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ((مِنْ يَوْمِ يُهِلُّ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ؛ فَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ صَامَ أَيَّامَ مِنًى)). قَوْله تَعَالَى: {وَسَبْعَة إِذا رجعتم}. يَحْيَى: عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 قَالَ: ((صَامَ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ)). وقَالَ مُجَاهِد: إِن شَاءَ صامها فِي الطَّرِيق. {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَام} قَالَ عَطَاء: من كَانَ مِنْهَا عَلَى رَأس لَيْلَة، فَهُوَ من حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام. [آيَة 197] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 {الْحَج أشهر مَعْلُومَات} هِيَ: شَوَّال، وَذُو الْقعدَة، وَعشر ذِي الْحجَّة {فَمن فرض} أَي: أوجب {فِيهِنَّ الْحَج} على نَفسه {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} قَالَ ابْن عَبَّاس: الرَّفَث: الْجِمَاع، والفسوق: الْمعاصِي، والجدال: أَنْ يُمَارِي بَعضهم بَعْضًا حَتَّى يغضبوا. يَحْيَى: عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ؛ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ: ((إِيَّاكُمْ وَالنِّسَاءَ؛ فَإِنَّ الإِعْرَابَ مِنَ الرَّفَثِ وَالإِعْرَابُ أَنْ [يُعْرِبَ] لَهَا بِالْقَوْلِ، يَقُولُ: لَوْ كُنَّا حَلالا [لَفَعَلْنَا كَذَا]. قَالَ: [فَأَخْبَرْتُ] بِذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: صَدَقَ ابْن الزبير)). (ل 27) {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ الله} هُوَ كَقَوْلِه: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خير فَلَنْ يكفروه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: كَانَ أنَاس من أهل الْيمن يحجون وَلا يتزودون، فَأَمرهمْ اللَّه بالزاد وَالنَّفقَة فِي سَبِيل اللَّه، ثمَّ أخْبرهُم أَن خير الزَّاد التَّقْوَى. [آيَة 198] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم} يَعْنِي: التِّجَارَة فِي الْحَج {فَإِذَا أَفَضْتُم من عَرَفَات} قَالَ قَتَادَة: أَفَاضَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عَرَفَات بعد غرُوب الشَّمْس. وقَالَ الحَسَن: إِنَّ جِبْرِيل أرى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام الْمَنَاسِك كلهَا؛ حَتَّى إِذا بلغ إِلَى عَرَفَات، قَالَ: يَا إِبْرَاهِيم؛ أعرفت مَا رَأَيْت من الْمَنَاسِك؟ قَالَ: نعم. وَلذَلِك سميت عَرَفَة. {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمشعر الْحَرَام} قَالَ قَتَادَة: هِيَ الْمزْدَلِفَة. يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن جَابر ابْن عَبْدِ اللَّهِ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما صَلَّى الصُّبْحَ، وَقَفَ بِجَمْعٍ، ثُمَّ أَفَاضَ)). قَالَ قَتَادَة: إِنَّمَا سُمِّي جمعا؛ لِأَنَّهُ يجمع فِيهِ بَين الْمغرب وَالْعشَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ من قبله لمن الضَّالّين}. تَفْسِير الحَسَن: من الضَّالّين فِي مَنَاسِككُم وحجكم ودينكم كُله. [آيَة 199 - 202] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} وَهِي الْإِفَاضَة من عَرَفَة. قَالَ قَتَادَة: كَانَت قُرَيْش وكُلُّ ابْن أُخْت لَهُم وحليف لَا يقفون بِعَرَفَة، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ أهل اللَّه فَلَا [نخرج] من حرمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 {فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم} قَالَ السّديّ: يَعْنِي: إِذا فَرَغْتُمْ من مَنَاسِككُم {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُم أَو أَشد ذكرا} قَالَ قَتَادَة: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة؛ إِذا قضوا مناسكهم، ذكرُوا آبَاءَهُم وَفعل آبَائِهِم؛ بذلك يخْطب خطيبهم إِذا خطب، وَبِه يحدث محدثهم إِذا حدث، فَأَمرهمْ اللَّه - عز وَجل - إِذا قضوا مناسكم أَن يذكروه كذكرهم آبَاءَهُم، أَو أَشد ذكرا؛ يَعْنِي بل أَشد ذِكْرًا. {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} أَي: من نصيب؛ وهم الْمُشْركُونَ، لَيْسَ لَهُم همة إِلَّا الدُّنيا، لَا يسْأَلُون اللَّه شَيْئا إِلَّا لَهَا؛ وَذَلِكَ أَنهم لَا يقرونَ بِالآخِرَة وَلَا يُؤمنُونَ بهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 {وَمِنْهُم من يَقُول} وهم الْمُؤْمِنُونَ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة} الْآيَة قَالَ الحَسَن: والحسنة فِي الدُّنيا طَاعَة الله، وَفِي الْآخِرَة الْأجر. وقَالَ بَعضهم: الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا كُلُّ مَا كَانَ من رخاء الدُّنيا، وَمن ذَلِكَ الزَّوْجَة الصَّالِحَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا} أَي: ثَوَاب مَا عمِلُوا وَهِي الْجنَّة. [آيَة 203] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} قَالَ ابْن عَبَّاس: هِيَ أَيَّام التَّشْرِيق يُذْكر اللَّه فِيهَا، وَيُرْمى فِيهَا الْجمار، وَمَا مَضَت بِهِ السّنة من التَّكْبِير فِي دبر الصَّلَوَات {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} تَفْسِير قَتَادَة: يَعْنِي: فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ من أَيَّام التَّشْرِيق فنفر، فَلَا إِثْم عَلَيْهِ، وَمن تَأَخّر إِلَى الْيَوْم [الثَّالِث] فَلَا إِثْم عَلَيْهِ. قَوْله تَعَالَى: {لِمَنِ اتَّقى} يَحْيَى: عَنِ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)). [آيَة 204] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 [آيَة 205 - 206] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} وَهُوَ الْمُنَافِق الَّذِي يقر بِالْإِيمَان فِي الْعَلَانِيَة {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قلبه} من الْكفْر والجحود بِمَا أقرّ بِهِ فِي الْعَلَانِيَة {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَام} أَي: كَاذِب فِي القَوْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 {وَإِذا تولى} أَي: فارقك {سَعَى فِي الأَرْضِ ليفسد فِيهَا} الْآيَة. قَالَ الْكَلْبِيّ: نزلت فِي الْأَخْنَس بْن شريق الثَّقَفِيِّ وَكَانَ شَدِيد الْخِصَام؛ فَأَما إهلاكه الْحَرْث والنسل فيعني: قطع الرَّحِم الَّذِي [كَانَ] بَينه وَبَين ثَقِيف؛ فبيتهم لَيْلًا فَأهْلك مَوَاشِيهمْ، وأحرق حرثهم؛ وَكَانَ حسن الْعَلَانِيَة، سيئ السريرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذته الْعِزَّة بالإثم} تَفْسِير قَتَادَة: إِذا قِيلَ لَهُ: اتَّقِ الله؛ {ل 28} فَإِن هَذَا الَّذِي تصنع لَا يحِق لَك، قَالَ: إِنِّي لِأَزْدَادَ بِهَذَا عِنْد اللَّه قربَة. قَالَ اللَّه: {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} والمهاد والبساط والفراش وَاحِد. [آيَة 207] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 [آيَة 208 - 209] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ} أَي: يَبِيع نَفسه بِالْجِهَادِ {ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} بِالْمُؤْمِنِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّة} يَعْنِي: فِي الْإِسْلَام جَمِيعًا {وَلا تتبعوا خطوَات الشَّيْطَان} يَعْنِي: أمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءتكم الْبَينَات} يَعْنِي بالزلل: الْكفْر {فَاعْلَمُوا أَنَّ الله عَزِيز} فِي نقمته {حَكِيم} فِي أمره. [آيَة 210 - 212] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 {هَل ينظرُونَ} أَي: مَا ينظرُونَ {إِلا أَنْ يَأْتِيهم الله} يَوْم الْقِيَامَة {فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة} أَي: وتأتيهم الْمَلَائِكَة {وَقُضِيَ الأَمْرُ} يَعْنِي: الْمَوْت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 {سل بني إِسْرَائِيل كَمَا آتَيْنَاهُم من آيَة بَيِّنَة} تَفْسِير الحَسَن: يَعْنِي: مَا نجاهم اللَّه من آل فِرْعَوْن، وظلل عَلَيْهِم الْغَمَام وَغير ذَلِكَ، وآتيناهم بَيِّنَات من الْهدى، بَين لَهُم الْهدى من الْكفْر {وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ} يَقُولُ: بدلُوا ذَلِكَ، وَاتَّخذُوا الْيَهُودِيَّة والنصرانية {فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} أخبر أَنَّهُ ستشتد نقمته على الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذين بدلُوا دين الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ويسخرون من الَّذين آمنُوا} فِي طَلَبهمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 الْآخِرَة {وَالَّذين اتَّقوا} وهم الْمُؤْمِنُونَ {فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أَي: خير مِنْهُم {وَاللَّهُ يَرْزُقُ من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب} قَالَ بَعضهم: يَعْنِي: من غير أَن يُحَاسب نَفسه؛ لِأَن مَا عِنْد اللَّه لَا ينقص؛ كَمَا ينقص مَا فِي أَيدي النَّاس. [آيَة 213] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ الله النَّبِيين مبشرين ومنذرين} تَفْسِير قَتَادَة: ذكر لَنَا أَنَّهُ كَانَ بَين آدم ونوح - عَلَيْهِمَا السَّلام - عشرَة قُرُون كلهم يعْمل بِطَاعَة اللَّه على الْهدى، وعَلى شَرِيعَة من الْحق، ثمَّ اخْتلفُوا بعد ذَلِكَ، فَبعث اللَّه نوحًا عَلَيْهِ السَّلام فَكَانَ أول رَسُول أرْسلهُ اللَّه إِلَى أهل الأَرْض. {وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَينَات بغيا بَينهم} أَي: حسدا بَينهم {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ من الْحق بِإِذْنِهِ} أَي: بأَمْره. [آيَة 214 - 215] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا من قبلكُمْ} أَي: سنَن الَّذين مضوا من قبلكُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: وَلما يصبكم مثل الَّذِي أصَاب الَّذين خلوا من قبلكُمْ؛ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ يحيى. {مستهم البأساء وَالضَّرَّاء} البأساء: الْبُؤْس، وَالضَّرَّاء: الْمَرَض والجراح {وزلزلوا} أَصَابَتْهُم الشدَّة {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهُ} قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ: {حَتَّى يَقُولُ} بِالرَّفْع - فَالْمَعْنى: حَتَّى قَالَ الرَّسُول، وَمن نصب فعلى معنى: حَتَّى يكون من قَول الرَّسُول. قَالَ اللَّه: {أَلا إِنَّ نصر الله قريب} قَالَ الحَسَن: وَذَلِكَ أَن اللَّه وعدهم النَّصْر والظهور، فاستبطئوا ذَلِكَ؛ لما وصل إِلَيْهِم من الشدَّة، فَأخْبر الله النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَالْمُؤمنِينَ؛ بِأَن من مضى قبلكُمْ من الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤمنِينَ؛ كَانَ إِذا بلغ الْبلَاء مِنْهُم هَذَا، عجلت لَهُم نصري؛ فَإِذا ابتليتم أَنْتُم بذلك أَيْضا فأبشروا؛ فَإِن نصري قريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 {يَسْأَلُونَك مَاذَا يُنْفقُونَ} الْآيَة. نزلت هَذِه الْآيَة قبل أَن تنزل آيَة الزَّكَاة، وَلم يكن ذَلِكَ يَوْمئِذٍ شَيْئا موقَّتا. [آيَة 216] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 [آيَة 217] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 {كتب عَلَيْكُم الْقِتَال} أَي: فرض عَلَيْكُم {وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} قَالَ الْكَلْبِيّ: (ل 29) كَانَ هَذَا حِين كَانَ الْجِهَاد فَرِيضَة (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تعلمُونَ} قَالَ الْكَلْبِيّ: علم أَنه سَيكون فيهم من يُقَاتل فِي سَبِيل اللَّه، فيستشهد. قَالَ مُحَمَّد: {كُرْهٌ لكم} مَعْنَاهُ: مشقة لكم، لَا أَن الْمُؤمنِينَ يكْرهُونَ فرض؛ وَيُقَال: كرهت الشَّيْء كَرها وكُرها وَكَرَاهَة. وَالْقِرَاءَة: ((كره)) بِالضَّمِّ؛ وتأويله: ذُو كره لكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} تَفْسِير مُجَاهِد: قَالَ: ((أرسل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلا فِي سَرِيَّة فَمر بِابْن الحَضْرَميِّ يحمل خمرًا من الطَّائِف إِلَى مَكَّة، فَرَمَاهُ بِسَهْم فَقتله وَكَانَ بَين النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَبَين قُرَيْش عهد فَقتله آخر لَيْلَة من جُمَادَى الْآخِرَة وَأول لَيْلَة من رَجَب، فَقَالَت قُرَيْش: أَفِي الشَّهْر الْحَرَام ولَنَا عهد؟! فَأنْزل اللَّه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ الله وَكفر بِهِ} أَي: بِاللَّه {وَالْمَسْجِد الْحَرَام} أَي: وَصد عَنِ الْمَسْجِد الْحَرَام {وَإِخْرَاج أَهله مِنْهُ} يَعْنِي: النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَأَصْحَابه؛ أخرجهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 الْمُشْركُونَ من الْمَسْجِد؛ كل هَذَا {أكبر عِنْد الله} من قتل ابْن الحَضْرَميِّ {وَالْفِتْنَةُ} يَعْنِي: الشّرك {أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}. قَالَ يَحْيَى: وَكَانَ هَذَا قبل أَن يُؤمر بقتالهم عَامَّة. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} ((قتال)) مخفوض عَلى الْبَدَل من الشَّهْر الْحَرَام، الْمَعْنى: ويسألونك عَنْ قتال فِي الشَّهْر الْحَرَام. وَقَوله: {قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} ((قتال)) مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ، و ((كَبِير)) خَبره. {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} أَي: وَلنْ يستطيعوا {فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالهم} أَي: بطلت. [آيَة 218] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يرجون رَحْمَة الله} أَي: يطمعون فِي رَحْمَة اللَّه؛ يَعْنِي: الْجَنَّة. قَالَ الحَسَن: وَهُوَ على الْإِيجَاب؛ يَقُولُ: يفعل ذَلِكَ بهم. وقَالَ قَتَادَة: ذكر فِي الْآيَة الأولى قصَّة قتل ابْن الحَضْرَميِّ، وَمَا قَالَ الْمُشْركُونَ، وَمَا أنزل اللَّه فِي ذَلِكَ، ثمَّ أثنى اللَّه على أَصْحَاب النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن الثَّنَاء؛ فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} الْآيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 [آيَة 219 - 220] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وإثمهما أكبر من نفعهما} الميسر: الْقمَار كُله. وَقَوله: {فِيهِمَا إِثْم كَبِير} كَانُوا إِذا شربوا الْخمر فسكروا، عدا بَعضهم على بَعْض، وَكَانُوا يتقامرون حَتَّى لَا يبْقى لأَحَدهم شَيْء، فَكَانَ يُورث ذَلِكَ بَينهم عَدَاوَة. وَقَوله: {وَمَنَافع للنَّاس} مَا كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهِ من شربهَا وَبَيْعهَا، وَمن الْقمَار قبل أَن يحرمهما اللَّه، قَالَ قَتَادَة: ذمها اللَّه فِي هَذِه الْآيَة، وَلم يحرمها؛ لما أَرَادَ أَن يبلغ بِهَا من الْمدَّة وَهِي يَوْمئِذٍ لَهُم حَلَال، ثمَّ أنزل اللَّه بعد ذَلِكَ آيَة هِيَ أَشد مِنْهَا: {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُم سكرى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ} فَكَانُوا يشربونها؛ حَتَّى إِذا حضرت الصَّلاة أَمْسكُوا، وَكَانَ السكر عَلَيْهِم فِيهَا حَرَامًا، وَأحل لَهُم مَا خلا ذَلِكَ، فَذكر لَنَا أَن نَبِي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم قَالَ - لما نزلت هَذِه الْآيَة -: إِن اللَّه قد تقرب فِي تَحْرِيم هَذِه الْخمر. ثمَّ أنزل الله تَحْرِيمهَا فِي سُورَة الْمَائِدَة، فَقَالَ: {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ والأنصاب والأزلم ... . .} إِلَى قَوْله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} فجَاء تَحْرِيمهَا فِي هَذِه الْآيَة قليلها وكثيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} يَعْنِي: الصَّدَقَة {قل الْعَفو} تَفْسِير الحَسَن: يَعْنِي: مَا فضل عَنْ نَفَقَتك، أَو نَفَقَة عِيَالك. قَالَ يَحْيَى: وَكَانَ هَذَا قبل أَن تنزل آيَة الزَّكَاة. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {الْعَفْوَ} من قَرَأَهَا بِالنّصب فعلى معنى: قل: أَنْفقُوا الْعَفو، وَمن قَرَأَهَا بِالرَّفْع فعلى معنى: الَّذِي يُنْفقُونَ الْعَفو. وَالْعَفو فِي اللُّغَة: (ل 30) الْفضل وَالْكَثْرَة؛ يُقَال: قد عَفا الْقَوْم؛ إِذا كَثُرُوا. يَحْيَى: عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ، عَنِ الْحسن، عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: ((إِنَّ خَيْرَ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَلا يَلُومُ اللَّهُ عَلَى الْكَفَافِ)). قَوْله تَعَالَى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} تَفْسِير [قَتَادَة: أَي أَن الدُّنيا] دَار بلَاء وفناء، وَأَن الْآخِرَة دَار جَزَاء وَبَقَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} الْآيَة] تَفْسِير قَتَادَة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 لما نزلت هَذِه الْآيَة: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ [أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ] اشتدت عَلَيْهِم؛ فَكَانُوا لَا يخالطونهم فِي مطعم وَلا نَحوه؛ فَأنْزل اللَّه [بعد ذَلِكَ: (وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ]} {فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ المصلح} فَرخص اللَّه لَهُم. {وَلَوْ شَاءَ الله لأعنتكم} أَي: لترككم فِي الْمنزلَة] الأولى؛ لَا تخالطونهم؛ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْكُم عنتا شَدِيدا. [والعنت: الضّيق]. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {فإخوانكم} الْقِرَاءَة بِالرَّفْع؛ على معنى: فهم إخْوَانكُمْ. [آيَة 221] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأمة مُؤمنَة} يَتَزَوَّجهَا الْمُسلم؛ إِذا لم يجد طولا {خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعجبتكُم} ثمَّ] نسخ المشركات من أهل الْكتاب فِي سُورَة الْمَائِدَة؛ فأحلهن؛ فَقَالَ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وَالْمُحصنَات فِي هَذِه الْآيَة: الْحَرَائِر {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [فَحرم] اللَّه أَن يتَزَوَّج الْمسلمَة أحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 من الْمُشْركين؛ فَقَالَ: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ} تتزوجه الْمسلمَة {خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّار} يَعْنِي: الْمُشْركين يدعونَ إِلَى النَّار؛ أَي: إِلَى دينهم، قَالَ: {وَاللَّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} بأَمْره {وَيبين آيَاته للنَّاس} يَعْنِي: الْحَلَال وَالْحرَام {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لكَي: يتذكروا. [آيَة 222 - 223] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَفْسِير الحَسَن: إِن الشَّيْطَان أَدخل على أهل الْجَاهِلِيَّة فِي حيض النِّسَاء من الضّيق مَا أَدخل على الْمَجُوس؛ فَكَانُوا لَا يجالسونهن فِي بَيت، وَلا يَأْكُلُون مَعَهُنَّ، وَلا يشربون؛ فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلام سَأَلَ الْمُسلمُونَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، فَأنْزل اللَّه: {قُلْ هُوَ أَذًى} أَي: قذر {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيض وَلَا تقربوهن} يَعْنِي: المجامعة {حَتَّى يطهرن} يَعْنِي: حَتَّى يريْن الْبيَاض {فَإِذَا تطهرن يَعْنِي: اغْتَسَلْنَ (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمركُم الله} قَالَ ابْن عَبَّاس: يَعْنِي: من حَيْثُ أَمركُم الله أَن تجتنبوهن. وَقَالَ السّديّ: (من حَيْثُ) يَعْنِي: فِي حَيْثُ أَمركُم اللَّه؛ يَعْنِي: فِي الْفرج {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحب المتطهرين} من الذُّنُوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنى شِئْتُم} يَحْيَى: عَنْ نَصْرِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ((قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَتَى امْرَأَتَهُ مِنْ خَلْفِهَا، جَاءَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم}؛ إِنْ شِئْتُمْ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا، وَإِنْ شِئْتُمْ مِنْ خَلْفِهَا، غَيْرَ أَنَّ السَّبِيلَ مَوْضِعُ الْوَلَدِ)). قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {حرث لكم} كِنَايَة، وأصل الْحَرْث: الزَّرْع؛ أَي: هُوَ للْوَلَد كالأرض للزَّرْع. يَحْيَى: عَنْ نَصْرِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ [جَدِّهِ] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا هِيَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 يَحْيَى: عَنْ عَبْدِ الْقُدُّوسِ بْنِ [حَبِيبٍ] عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي مَوَاضِعَ حُشُوشِهِنَّ.)) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 [قَوْله تَعَالَى: {وَقدمُوا لأنفسكم} يَعْنِي: الْوَلَد. يَحْيَى: عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، [عَنْ] صعصعة، عَن أبي ذَر] (ل 31) قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَا من مُسلمين يتوفى لَهما ثَلاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا حِنْثًا، إِلا أَدْخَلَهُمَا [اللَّهُ] الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ)). يَحْيَى: عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لأَنْ أُقَدِّمَ سُقْطًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَخْلُفَ مِائَةَ فَارِسٍ؛ كُلُّهُمْ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنكُمْ ملاقوه وَبشر الْمُؤمنِينَ} بِالْجنَّةِ. [آيَة 224 - 225] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَين النَّاس} تَفْسِير الحَسَن: كَانَ الرجل يُقَال لَهُ: لم لَا تبر أَبَاك أَو أَخَاك أَو قرابتك أَو تفعل كَذَا لخير؟! فَيَقُول: قد حَلَفت بِاللَّهِ لَا أبره، وَلا أَصله، وَلَا أصلح الَّذِي بيني وَبَينه؛ يعتل بِاللَّهِ؛ فَأنْزل اللَّه {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأيمانكم} يَعْنِي: الْحلف؛ أَي: لَا تعتلوا بِاللَّهِ. قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: لَا تجْعَلُوا اللَّه بِالْحلف بِهِ مَانِعا لكم من أَن تبروا. وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الحَسَن. يَحْيَى: عَنِ الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ؛ إِذَا حَلَفت على يَمِين فَرَأَيْت خيرا مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكفر عَن يَمِينك)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم}). يَحْيَى: عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: ((دَخَلْتُ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَلَى عَائِشَةَ، فَسَأَلَهَا عُبَيْدٌ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ. فَقَالَتْ: هُوَ قَوْلُ أَحَدِكُمْ: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ)). وقَالَ الحَسَن وَقَتَادَة: وَهُوَ الْخَطَأ غير الْعمد؛ وَذَلِكَ أَن تحلف عَلَى الشَّيْء؛ وَأَنت ترى أَنه كَذَلِك؛ فَلَا يكون كَمَا حَلَفت عَلَيْهِ. {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ} تَفْسِير قَتَادَة: يَعْنِي: مَا تعمدتم بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 المأثم؛ وَهَذَا فِيهِ الْكَفَّارَة. [آيَة 226 - 227] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِم} أَي: يحلفُونَ {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} الْآيَة. كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة، وَفِي صدر من الإِسْلام يغْضب أحدهم على امْرَأَته، فَيحلف بِاللَّهِ لَا يقربهَا كَذَا وَكَذَا فيدعها لَا أيِّمًا وَلا ذاتَ بعل؛ فَأَرَادَ اللَّه أَن يعْصم الْمُؤمنِينَ عَنْ ذَلِكَ بِحَدّ يحده لَهُم؛ فحد لَهُم أَرْبَعَة أشهر. {فَإِنْ فَاءُوا} تَفْسِير الحَسَن: يَعْنِي بالفيء: الرُّجُوع إِلَى الْجِمَاع {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم} [آيَة 228] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} والأقراء: الْحيض؛ فِي قَول أهل الْعرَاق، وَفِي قَول أهل الْمَدِينَة: الْأَطْهَار. قَالَ قَتَادَة: جعل عدَّة الْمُطلقَة فِي هَذِه الْآيَة ثَلَاث حيض، ثمَّ نسخ مِنْهَا الْمُطلقَة الَّتِي لم يدْخل بِهَا زَوجهَا، فَقَالَ فِي سُورَة الْأَحْزَاب: (يَا أَيهَا الَّذِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تعتدونها} فَهَذِهِ لَيست عَلَيْهَا عدَّة. وَنسخ أَيْضا من الثَّلَاثَة قُرُوء الَّتِي لَا تحيض من صغر أَو كبر وَالْحَامِل؛ فَقَالَ: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ من الْمَحِيض من نِسَائِكُم} فَهَذِهِ للعجوز الَّتِي لَا تحيض {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ واللائي لم يحضن} فَهَذِهِ الَّتِي لم تَحض أَيْضا ثَلَاثَة أشهر. قَالَ: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} فَهَذِهِ أَيْضا لَيست من القروء فِي شَيْء أجلهَا أَن تضع حملهَا. قَالَ مُحَمَّد: القروء: وَاحِدهَا قرء؛ يُقَال: أَقرَأت الْمَرْأَة وقرأت؛ إِذا حَاضَت، أَو طهرت؛ وَإِنَّمَا جعل الْحيض قرءا، وَالطُّهْر قرءا؛ لِأَن أصل الْقُرْء فِي كَلَام الْعَرَب: الوَقْت؛ يُقَال: رَجَعَ فلَان لقرئه؛ أَي: لوقته الَّذِي كَانَ يرجع فِيهِ؛ فالحيض يَأْتِي لوقت، وَالطُّهْر يَأْتِي لوقت وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ. {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أرحامهن} تَفْسِير مُجَاهِد قَالَ: لَا يحل للمطلقة أَن تَقُول إِنِّي حَائِض، وَلَيْسَت بحائض [أَو تَقُول: إِنِّي حُبْلَى وَلَيْسَت بحبلى، أَو تَقُول: لست بحائض وَهِي حَائِض] أَو تَقُول: لست بحبلى، وَهِي حُبْلَى؛ لتبين من زَوجهَا قبل أَن تَنْقَضِي الْعدة، وتُضِيف الْوَلَد إِلَى الزَّوْج الثَّانِي، وتستوجب الْمِيرَاث؛ إِذا مَاتَ الرجل [فَتَقول: لم تنقض عدتي] وَقد انْقَضتْ عدتهَا، وَالنَّفقَة فِي الْحمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 (ل 32) {وبعولتهن} يَعْنِي: الْأزْوَاج {أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِك} فِي الْعدة التطليقة والتطليقتين {إِنْ أَرَادوا إصلاحا} يَعْنِي: حسن الصُّحْبَة {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة} يَعْنِي: فَضِيلَة فِي الْحق. [آيَة 229] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} قَالَ يَحْيَى: بلغنَا أَن أهل الْجَاهِلِيَّة لم يكن لَهُم حد فِي الطَّلَاق، كَانَ يُطلق أحدهم الْعشْر وَأَقل من ذَلِكَ وَأكْثر، فَجعل اللَّه حد الطَّلَاق ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} وبلغنا أَن رجلا قَالَ: ((يَا رَسُول الله، قَول الله: {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} فَأَيْنَ الثَّالِثَة؟ قَالَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 قَالَ مُحَمَّد: الْقِرَاءَة (فإمساك) بِالرَّفْع عَلَى معنى: فَالْوَاجِب عَلَيْكُم إمْسَاك بِمَعْرُوف، أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان. وَمعنى (بِمَعْرُوف) بِمَا يعرف من إِقَامَة الْحق؛ فِي إمْسَاك الْمَرْأَة وَقَوله تَعَالَى: {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} مَعْنَاهُ: الطَّلَاق الَّذِي يملك فِيهِ الرّجْعَة تَطْلِيقَتَانِ. {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُود الله} يَعْنِي: أَمر اللَّه فِي أَنفسهمَا؛ وَذَلِكَ أَنه يُخاف من الْمَرْأَة فِي نَفسهَا إِذا كَانَت مبغضة لزَوجهَا فتعصي اللَّه فِيهِ، ويُخاف من الزَّوْج إِن لم يطلقهَا أَن يتَعَدَّى عَلَيْهَا. قَالَ مُحَمَّد: الَّذِي يدل عَلَيْهِ تَفْسِير يَحْيَى: أَن الْقِرَاءَة كَانَت عِنْده [يُخَافَا] بِضَم الْيَاء، وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا أَبُو جَعْفَر وَحَمْزَة. وَقرأَهَا نَافِع وَغير وَاحِد [يخافا] بِالْفَتْح؛ ذكره أَبُو عبيد. قَالَ أَبُو عبيد: وَالْقِرَاءَة عندنَا بِضَم الْيَاء؛ لقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ} فَجعل الْخَوْف لغَيْرِهِمَا، وَلم يقل: فَإِن خافا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 قَالَ قَتَادَة: خَاطب بِهَذَا الْوُلَاة {أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُود الله} يَعْنِي: سنة اللَّه وَأمره فِي الطَّلَاق {فَلَا تعتدوها} أَي: لَا تتعدوها إِلَى غَيرهَا {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هم الظَّالِمُونَ} لأَنْفُسِهِمْ. قَالَ مُحَمَّد: وَمعنى حُدُود اللَّه: مَا حَده مِمَّا لَا تجوز مجاوزته إِلَى غَيره، وأصل الْحَد فِي اللُّغَة: الْمَنْع؛ يُقَال: حددت الدَّار؛ أَي: بيّنت الْأَمْكِنَة الَّتِي تمنع غَيرهَا أَن يدْخل فِيهَا، وحددت الرجل أَقمت عَلَيْهِ الْحَد، وَالْحَد: هُوَ الَّذِي يمْتَنع بِهِ النَّاس من أَن يدخلُوا فِيمَا يجلب إِلَيْهِم الْعقُوبَة. قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} يَعْنِي: الثَّالِثَة {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيره}. يَحْيَى: عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ((أَنَّ تَمِيمَةَ بِنْتَ عُبَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الْقُرَظِيَّةَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَخَلَفَ عَلَيْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَطَلَّقَهَا، فَأَتَتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَتْهُ؛ هَلْ تَرْجِعُ إِلَى زَوْجِهَا الأَوَّلِ. فَقَالَ لَهَا: هَلْ غَشِيَكِ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ، مَا عِنْدَهُ بِأَغْنَى عَنْهُ مِنْ هُدْبَةِ ثَوْبِي؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، حَتَّى تَذُوقِي من عُسَيْلَةِ غَيْرِهِ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، قَدْ غَشِيَنِي. فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَاحْرِمْهَا إِيَّاهُ. فَأَتَتَ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَهُ فَلَمْ يُرَخِّصْ لَهَا، ثُمَّ أَتَتْ عُمَرَ فَلَمْ يرخص لَهَا)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 [آيَة 230] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُود الله} يَعْنِي: إِن أيقنا أَن يُقِيمَا حُدُود اللَّه. تَفْسِير بَعضهم: يَقُولُ: {فَإِن طَلقهَا} يَعْنِي: الزَّوْج الْأَخير {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} عَلَى الْمَرْأَة وَالزَّوْج الأول الَّذِي طَلقهَا ثَلَاثًا {أَن يتراجعا} إِن أحبا. وَفِي تفسيرهم: فَإِن طَلقهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا، فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يتراجعا. [آيَة 231] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} إِلَى قَوْله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فقد ظلم نَفسه}. يَحْيَى: عَنِ الْجَهْمِ بْنِ وَرَّادٍ؛ أَنَّ رَجُلا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لامْرَأَتِهِ: لأُطَلِّقَنَّكِ، ثُمَّ [لأَحْبِسَنَّكِ] تسع حيض لَا تقدرين على أَنْ تَتَزَوَّجِي غَيْرِي. قَالَتْ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟! قَالَ: أُطَلِّقُكِ تَطْلِيقَةً، ثُمَّ [أَدَعُكِ] حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِكِ رَاجَعْتُكِ، ثُمَّ أُطَلِّقُكِ أُخْرَى، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ انْقِضَاءِ عدتك رَاجَعتك ثمَّ أطلقك ثُمَّ [تَعْتَدِّينَ مِنْ] ثَلاثِ حِيَضٍ، فَأنْزل الله (ل 33) هَذِهِ الآيَةَ {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} إِلَى آخِرِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 قَالَ يَحْيَى: فَإِذَا انْقَضَتِ الْعِدَّةُ قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَهُوَ تَسْرِيحٌ. {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} يَحْيَى: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: ((كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ؛ فَإِذَا سُئِلَ، قَالَ: كُنْتُ لاعِبًا. وَيَتَزَوَّجُ؛ فَإِذَا سُئِلَ، قَالَ: كُنْتُ لاعِبًا. وَيُعْتِقُ؛ فَإِذَا سُئِلَ، قَالَ: كُنْتُ لاعِبًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلا تَتَّخِذُوا آيَات الله هزوا} وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ طَلَّقَ لاعِبًا أَوْ تَزَوَّجَ لاعِبًا أَوْ أَعْتَقَ لاعبا فَهُوَ جَائِز)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 [آيَة 232] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} يَعْنِي: انْقِضَاء الْعدة {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} أَي: تحبسوهن {أَن ينكحن أَزوَاجهنَّ} {ذَلِكُم أزكى لكم وأطهر} يَعْنِي: لقلب الرجل، وقلب الْمَرْأَة. يَحْيَى: عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ ((أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ زَوَّجَ أُخْتَهُ رَجُلا، فَطَلَّقَهَا الرَّجُلُ تَطْلِيقَةً، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا خَطَبَهَا، فَأَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ، فَغَضِبَ مَعْقِلٌ، وَقَالَ: زَوَّجْتُهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا؛ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ؛ إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ})) أَيْ: عَلِمَ اللَّهُ حَاجَتَهُ إِلَيْهَا، وحاجتها إِلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 [آيَة 233] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 {والوالدات} يَعْنِي: المطلقات؛ فِي تَفْسِير مُجَاهِد {يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة} تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: أنزل اللَّه فِي أول هَذِه الْآيَة {حَوْلَيْنِ كَامِلين} ثمَّ أنزل الْيُسْر وَالتَّخْفِيف؛ فَقَالَ: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} {وعَلى الْمَوْلُود لَهُ} يَعْنِي: الْأَب {رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} على قدر ميسرته {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بولده} تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: نهى اللَّه الْوَالِد أَن يَنْزعهُ من أمه؛ إِذا رضيت أَن ترْضِعه بِمَا كَانَ مسترضعا بِهِ غَيرهَا، ويدفعه إِلَى غَيرهَا، ونهيت الوالدة أَن تقذف الْوَلَد إِلَى زَوجهَا؛ إِذا أَعْطَاهَا مَا كَانَ مسترضعا غَيرهَا [وتدفعه إِلَى غَيرهَا]. {وَعَلَى الْوَارِثِ مثل ذَلِك} تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: عَلَى وَارِث الْمَوْلُود إِن كَانَ الْمَوْلُود لَا مَال لَهُ {مثل ذَلِك} أَي: مثل الَّذِي كَانَ عَلَى وَالِده لَو كَانَ حَيا من أجر الرَّضَاع. وقَالَ الحَسَن: وعَلى الرِّجَال دون النِّسَاء، وَتَفْسِير ابْن عَبَّاس: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} قَالَ: هُوَ فِي الضرار {فَإِنْ أَرَادَا فصالا} يَعْنِي: فطاما {عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وتشاور} قبل انْقِضَاء الْحَوْلَيْنِ بعد أَن يَسْتَطِيع الْفِطَام، وَلا يدْخل عَلَيْهِ فِيه ضَرُورَة {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ} أَي: لأولادكم {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} تَفْسِير مُجَاهِد: حِسَاب مَا رضع الصَّبِي؛ إِذا تَرَاضيا أَن يسترضعا لَهُ إِذا خافا الضَّيْعَة عَلَيْهِ. [آيَة 234] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يتربص بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} وَفِي الْعشْر ينْفخ فِي الْوَلَد الرّوح، فنسخت هَذِه الآيةُ الآيةَ الَّتِي بعْدهَا فِي التَّأْلِيف {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاج} وَهِي قبل هَذِه فِي التَّنْزِيل، وَوضعت فِي هَذَا الْموضع. قَالَ الحَسَن: وَكَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلام يَأْتِي النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول: يَا مُحَمَّد، إِن اللَّه يَأْمُرك أَن تضع آيَة كَذَا بَين ظهراني آيَة كَذَا وَكَذَا من السُّورَة. يَحْيَى: عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: ((نُسِخَ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ الْحَامِلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا؛ فَقَالَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ الْقُصْرَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَملهنَّ} (فَإِذا بلغن أَجلهنَّ} أَي: انْقَضتْ الْعدة {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُم} أَي: فَلَا إِثْم عَلَيْكُم {فِيمَا فعلن فِي أَنْفسهنَّ بِالْمَعْرُوفِ} قَالَ مُجَاهِد: يُرِيد النِّكَاح الْحَلَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 [آيَة 235] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أكننتم فِي أَنفسكُم} يَعْنِي: أسررتم فِي أَنفسكُم، قَالَ عِكْرِمَة: التَّعْرِيض أَن يَقُولُ: أَنْت فِي [نَفسِي] (ل 34) وَتقول هِيَ: مَا يقدر من أَمر يكن؛ من غير أَن يواعدها أَلا تنْكح غَيره، {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تواعدوهن سرا} تَفْسِير قَتَادَة: يَقُولُ: لَا تَأْخُذُوا ميثاقها فِي عدتهَا أَلا تنْكح زوجا غَيره {إِلَّا أَن يَقُولُوا قولا مَعْرُوفا} هُوَ التَّعْرِيض {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} يَعْنِي: انْقِضَاء الْعدة {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} يَعْنِي: فِي أَن تزوجوهن فِي الْعدة وَفِي جَمِيع الْأَشْيَاء بعد. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {وَلا تَعْزِمُوا عقدَة النِّكَاح} الْمَعْنى: عَلَى عقدَة النِّكَاح، فاختصر على. [آيَة 236] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 [آيَة 237] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لم تمَسُّوهُنَّ} يَعْنِي: تجامعوهن {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وعَلى المقتر قدره} الموسع: الَّذِي وُسع عَلَيْهِ فِي الرزق، والمقتر: المقتر عَلَيْهِ {مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ}. يَحْيَى: وَلَيْسَ فِي الْمُتْعَة أَمر مُؤَقّت، إِلَّا مَا أحب لنَفسِهِ من طلب الفَضْل فِي ذَلِكَ، وَقد كَانَ فِي السّلف من يمتع بالخادم، وَمِنْهُم من يمتع بالكسوة، وَمِنْهُم من يمتع بِالطَّعَامِ. قَالَ مُحَمَّد: {مَتَاعا} يجوز أَن يكون النصب فِيهِ على معنى: ومتعوهن مَتَاعا وَيُقَال: أوسع الرجلُ؛ إِذا اسْتغنى، وأقتر؛ إِذا كَانَ مقترا عَلَيْهِ، وأصل الإقتار: الضّيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تمَسُّوهُنَّ} أَي: تجامعوهن {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَة فَنصف مَا فرضتم}. قَالَ مُحَمَّد: الْقِرَاءَة (فَنصف) بِالرَّفْع؛ عَلَى معنى: فَعَلَيْكُم نصف مَا فرضتم. قَالَ سَعِيد بْن الْمسيب: كَانَ لَهَا الْمَتَاع فِي سُورَة الْأَحْزَاب؛ فنسختها هَذِه الْآيَة؛ فَصَارَ لَهَا نصف الصَدَاق {إِلا أَن يعفون} يَعْنِي: النِّسَاء (أَوْ يَعْفُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} قَالَ شُرَيْح: هُوَ الزَّوْج؛ إِن شَاءَ عَفا عَنْ نصف الصَدَاق، فَأعْطى الْمَرْأَة الصَدَاق تَاما، وَإِن شَاءَت الْمَرْأَة عفت عَنْ نصف الصَدَاق، فَسلمت الصَدَاق كُله للزَّوْج. يَحْيَى: وَكَانَ الحَسَن يَقُولُ: الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح هُوَ الْوَلِيّ. {وَأَن تعفوا أقرب للتقوى} يَقُولُ ذَلِكَ من التَّقْوَى {وَلا تنسوا الْفضل بَيْنكُم} أَي: لَا تتركوه. [آيَة 238 - 239] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 {حَافظُوا على الصَّلَوَات} يَعْنِي: الصَّلَوَات الْخمس؛ عَلَى وضوئها، ومواقيتها، وركوعها وسجودها {وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} وَهِي فِي الْخمس. يَحْيَى: عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: ((سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى فَقَالَ: هِيَ صَلاةُ الْعَصْرِ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا نَبِيُّ اللَّهِ سُلَيْمَانُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} أَي: مُطِيعِينَ. قَالَ مُحَمَّد: معنى {قَانِتِينَ} هُنَا: أَي: ممسكين عَنِ الْكَلَام؛ وأصل القتوت: الطَّاعَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} تَفْسِير قَتَادَة قَالَ: هَذَا عِنْد الضراب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 بِالسُّيُوفِ؛ رَاكِبًا كنت، أَو ساعيا، أَو مَاشِيا؛ إِن اسْتَطَعْت فركعتين، وَإِلَّا فركعة تومئ برأسك إِيمَاء أَيْنَمَا تَوَجَّهت. قَالَ يَحْيَى: وَبَلغنِي أَنَّهُ إِذا كَانَ الْأَمر أَشد من ذَلِكَ، كبر أَربع تَكْبِيرَات. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {فَرِجَالا أَوْ ركبانا} مَعْنَاهُ: فصلوا رجَالًا أَو ركبانا، و {رجَالًا} جمع راجل؛ كَمَا قَالُوا: صَاحب وصحاب، وَالْخَوْف هَا هُنَا؛ بِالْيَقِينِ لَا بِالظَّنِّ. {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لم تَكُونُوا تعلمُونَ} يَعْنِي: فصلوا لله تَعَالَى. [آيَة 240 - 242] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غير إِخْرَاج} تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: كَانَت الْمَرْأَة إِذا توفّي عَنْهَا زَوجهَا ينْفق عَلَيْهَا من مَاله حولا مَا لم تخرج؛ فَإِن خرجت، فَلَا نَفَقَة لَهَا؛ فنسخ الْحول فِي قَوْله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعشرا} (ل 35) وَنسخ النَّفَقَة فِي الْحول فِي هَذِه الْآيَة: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دين). قَالَ مُحَمَّد: تقْرَأ {وَصِيَّة} بِالرَّفْع وَالنّصب؛ فَمن نصب أَرَادَ: فليوصوا وَصِيَّة، وَمن رفع فعلى معنى: فَعَلَيْهِم وَصِيَّة. وَنصب {مَتَاعًا} بِمَعْنى: متعوهن مَتَاعا. قَوْله: {فَإِنْ خرجن فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفسهنَّ من مَعْرُوف} يَعْنِي: أَن يتزين، ويتشوفن، ويلتمسن الْأزْوَاج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاته لَعَلَّكُمْ تعقلون} أَي: لكَي تعقلوا. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله {حَقًا} نصب عَلَى معنى: يحِق حَقًا. [آيَة 243 - 245] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا من دِيَارهمْ وهم أُلُوف} الْآيَة. تَفْسِير قَتَادَة: هُم قوم فروا من الطَّاعُون، فمقتهم اللَّه عَلَى فرارهم من الْمَوْت {فَقَالَ لَهُم الله موتوا} فأماتهم اللَّه عُقُوبَة، ثمَّ بَعثهمْ ليستوفوا بَقِيَّة آجالهم. قَالَ الْكَلْبِيّ: وَكَانُوا ثَمَانِيَة آلَاف، فأماتهم اللَّه، فَمَكَثُوا ثَمَانِيَة أَيَّام. قَالَ مُحَمَّد: وَقَوله: {ألم تَرَ} هُوَ عَلَى جِهَة التَّعَجُّب؛ كَقَوْلِه: ألم تَرَ إِلَى مَا صنع فلَان؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قرضا حسنا} أَي: حَلَالا محتسبا {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أضعافا كَثِيرَة} قَالَ الحَسَن: هَذَا فِي التَّطَوُّع، وَكَانَ الْمُشْركُونَ يخلطون أَمْوَالهم بالحرام؛ حَتَّى جَاءَ الإِسْلام فَنزلت هَذِه الْآيَة، فَأمروا أَن يتصدقوا من الْحَلَال، وَلما نزلت قَالَت الْيَهُود: هَذَا ربكُم يستقرضكم، وَإِنَّمَا يستقرض الْفَقِير؛ فَهُوَ فَقير وَنحن أَغْنِيَاء، فَأنْزل اللَّه {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنحن أَغْنِيَاء} قَالَ مُحَمَّد: أصل الْقَرْض مَا يَفْعَله الرجل وَيُعْطِيه؛ ليجازي بِهِ، وَالْعرب تَقُولُ: لَك عِنْدِي قرض حسن، وقرض سيئ. وَقَوله: {فَيُضَاعِفَهُ} من قَرَأَهُ بِالرَّفْع فَهُوَ عطف على {يقْرض} وَمن نصب فعلى جَوَاب الِاسْتِفْهَام {وَالله يقبض ويبسط} يقبض عَمَّن يَشَاء، ويبسط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الرزق لمن يَشَاء {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} يَعْنِي: الْبَعْث. [آيَة 246] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 {ألم تَرَ إِلَى الملإ} يَعْنِي: الْأَشْرَاف {مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. قَالَ مُحَمَّد: الْقِرَاءَة {نُقَاتِل} بِالْجَزْمِ؛ عَلَى جَوَاب الْمَسْأَلَة. قَالَ الْكَلْبِيّ: إِن بني إِسْرَائِيل مَكَثُوا زَمَانا من الدَّهْر لَيْسَ عَلَيْهِم ملك، فأحبوا أَن يكون عَلَيْهِم ملك يُقَاتل عدوهم، فَمَشَوْا إِلَى نَبِي لَهُم من بني هَارُون يُقَال لَهُ: أشمويل، فَقَالُوا لَهُ: {ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيل الله} فَقَالَ لَهُم نَبِيّهم: {هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وأبنائنا} وَكَانَ عدوهم من قوم جالوت {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم} [آيَة 247 - 248] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 [آيَة 247 - 248] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} وَكَانَ طالوت من سبط قد عمِلُوا ذَنبا عَظِيما، فَنُزِعَ مِنْهُم الْملك فِي ذَلِكَ الزَّمَان فأنكروه {وَقَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا} وَهُوَ من سبط الْإِثْم، يعنون: الذَّنب الَّذِي كَانُوا أَصَابُوا {وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ الله اصطفاه عَلَيْكُم} اخْتَارَهُ لكم {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعلم والجسم} وَكَانَ طالوت أعلمهم يَوْمئِذٍ وأطولهم. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله {بسطة} أَي: سَعَة؛ من قَوْلك: بسطت الشَّيْء؛ إِذا فرشته ووسعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 قَالَ الْكَلْبِيّ فَقَالُوا: ائتنا بِآيَة نعلم أَن اللَّه اصطفاه عَلَيْنَا {وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ} عَلامَة {مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سكينَة من ربكُم} قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: رَحْمَة من ربكُم، فِي تَفْسِير بَعضهم. قَالَ مُحَمَّد: وَقيل: سكينَة فعيلة؛ من: السّكُون؛ الْمَعْنى: فِيهِ مَا تسكنون؛ إِذا أَتَاكُم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 {وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآل هَارُون} وَكَانَ فِيهِ عَصا مُوسَى ورضاض الألواح وقفيز مَنٍّ كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام (ل 36) تَركه عِنْد فتاه يُوشَع بْن نون وَهُوَ فِي الْبَريَّة. فِي تَفْسِير بَعضهم: فَأَقْبَلت بِهِ الْمَلَائِكَة تحمله حَتَّى وَضعته فِي دَار طالوت فَأصْبح فِي دَاره. قَالَ الحَسَن: وَكَانَ التابوت من خشب. [آيَة 249] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ ... .} إِلَى قَوْله: {إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم} قَالَ الْكَلْبِيّ: لما سَار بهم طالوت، اتخذ بهم مفازة من الأَرْض فعطشوا فَقَالَ لَهُم نَبِيّهم {إِن الله مبتليكم} أَي: مختبركم {بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يطعمهُ} يَعْنِي: وَمن لم يشربه {فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُم} جعلُوا يشربون مِنْهُ وَلا يروون، وَأما الْقَلِيل فكفتهم الغرفة، وَرجع الَّذين عصوا وَشَرِبُوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 قَالَ يحيى: {غرفَة} تقْرَأ بِفَتْح الْغَيْن ورفعها؛ فَمن قَرَأَها بِالنّصب؛ يَعْنِي: غرفته الَّتِي اغترف مرّة وَاحِدَة، وَمن قَرَأَهَا بِالرَّفْع؛ أَرَادَ: الغرفة ملْء الْيَد. {فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَه} قَالَ الْكَلْبِيّ: وَكَانُوا ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثَة عشر رجلا بعدة أهل بدر {قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يظنون} [يعلمُونَ] {أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصابرين} قِيلَ لِلْحسنِ: أَلَيْسَ الْقَوْم جَمِيعًا كَانُوا مُؤمنين الَّذين جاوزوا؟! قَالَ: بلَى، وَلَكِن تفاضلوا بِمَا شحت أنفسهم من الْجِهَاد فِي سَبيله. [آيَة 250 - 252] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبنَا أفرغ علينا} يَعْنِي: أنزل عَلَيْنَا {صَبْرًا وَثَبِّتْ أقدامنا} أَي: وَاجعَل لنا الظفر عَلَيْهِم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 مُحَمَّد: يَعْنِي: آتى اللَّه دَاوُد؛ لِأَنَّهُ مُلِّكَ بعد قَتله جالوت {وَعلمه مِمَّا يَشَاء} يَعْنِي: الْوَحْي الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِ من اللَّه {وَلَوْلا دِفْاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} تَفْسِير قَتَادَة: يبتلى الْمُؤْمن بالكافر، وَيُعَافى الْكَافِر بِالْمُؤمنِ. قَالَ مُحَمَّد: وَقيل: الْمَعْنى: وَلَوْلَا دفاع اللَّه الْكَافرين بِالْمُسْلِمين، لكثر الْكفْر؛ فَنزلت بِالنَّاسِ السُّخطة فاستؤصل أهل الأَرْض. وَنصب {بَعضهم} بَدَلا من {النَّاس} الْمَعْنى: وَلَوْلَا دفاع اللَّه بَعْض النَّاس بِبَعْض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} قَالَ مُحَمَّد: معنى آيَات اللَّه هَا هُنَا: أَعْلَامه الَّتِي تدل عَلَى توحيده، و {تِلْكَ} بِمَعْنى هَذِه. [آيَة 253 - 254] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بعض} قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: بِمَا آتَاهُم الله من النُّبُوَّة والرسالة {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ الله وَرفع بَعضهم دَرَجَات} قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 الحَسَن: يَعْنِي: فِي الدُّنيا عَلَى وَجه مَا أعْطوا {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَينَات} قَالَ مُحَمَّد: يُرِيد الْأَعْلَام الَّتِي تدل عَلَى إِثْبَات نبوته من إِبْرَاء الأكمه والأبرص، وإحياء الْمَوْتَى، وَغير ذَلِكَ مِمَّا أَتَاهُ اللَّه، وَقَوله: {تِلْكَ الرُّسُل} يُرِيد: الْجَمَاعَة {وأيدناه} يَعْنِي: عِيسَى عَلَيْهِ السَّلام أعنَّاه {بِروح الْقُدس} وروح الْقُدس جِبْرِيل {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بعدهمْ} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: من بعد مُوسَى وَهَارُون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} يَعْنِي: الزَّكَاة {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خلة} قَالَ قَتَادَة: {وَلَا خلة} أَي: وَلا صداقة، إِلَّا لِلْمُتقين {وَلَا شَفَاعَة} أَي: للْمُشْرِكين {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} لأَنْفُسِهِمْ. [آيَة 255] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيّ القيوم} قَالَ الحَسَن: الْقَائِم عَلَى كُلِّ نفس بكسبها يحفظ عَلَيْهَا عَملهَا حَتَّى يجازيها بِهِ {لَا تَأْخُذُهُ سنة وَلَا نوم} قَالَ الحَسَن: السّنة: النعاس، وَالنَّوْم؛ يَعْنِي: النّوم الْغَالِب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: وَسن الرجل يوسن وسنا؛ إِذا نعس. {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} كَقَوْلِه: {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا من بعد إِذْنه} (ل 37) وَكَقَوْلِه: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارتضى}. {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلفهم} قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: أول أَعْمَالهم وَآخِرهَا {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ علمه إِلَّا بِمَا شَاءَ} يَعْنِي: مَا يعلم الْأَنْبِيَاء من الْوَحْي {وسع كرسيه السَّمَاوَات وَالْأَرْض} [قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: مَلأ كرسيه السَّمَوَات وَالْأَرْض]. يَحْيَى: عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ هِلالٍ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ((إِنَّ الْكُرْسِيَّ الَّذِي وَسِعَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَمَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ، وَلا يَعْلَمُ قَدْرَ الْعَرْشِ إِلا الَّذِي خلقه)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 {وَلَا يئوده حفظهما} قَالَ مُجَاهِد: أَي: لَا يثقل عَلَيْهِ. قَالَ مُحَمَّد: يَقُولُ: آده الشي يئوده، وَفِيه لُغَة أُخْرَى: وأده يئده. [آيَة 256 - 257] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تبين الرشد من الغي} تَفْسِير سَعِيد بْن جُبَيْر: قَالَ: كَانَ قوم من أَصْحَاب النَّبي عَلَيْهِ السَّلَام استرضعوا أَوْلَادهم فِي الْيَهُود فِي الْجَاهِلِيَّة، فكبروا على الْيَهُودِيَّة؛ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام، وَأسلم الْآبَاء، أَرَادوا أَن يكرهوا أَبْنَاءَهُم عَلَى الإِسْلام فَأنْزل اللَّه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغي} يَعْنِي: الْهدى من الضَّلَالَة {فَمَنْ يكفر بالطاغوت} بالشيطان {وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} أَي: لَا انْقِطَاع لَهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 {الله ولي الَّذين آمنُوا} قَالَ الحَسَن: وَلِي هدَاهُم وتوفيقهم {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ} يَعْنِي: من الضَّلَالَة إِلَى الْهدى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ من النُّور إِلَى الظُّلُمَات} من الْهدى إِلَى الضَّلَالَة. قَالَ مُحَمَّد: والطاغوت هَا هُنَا وَاحِد فِي معنى جمَاعَة؛ وَهَذَا جَائِز فِي اللُّغَة؛ إِذا كَانَ فِي الْكَلَام دَلِيل عَلَى الْجَمَاعَة. [آيَة 258] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ الله الْملك} الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ هُوَ نمروذ؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة. قَالَ قَتَادَة: وَهُوَ أول ملك تجبر فِي الأَرْض، وَهُوَ صَاحب الصرح [الَّذِي بني] بِبَابِل {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت} قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَن نمروذ دَعَا برجلَيْن فَقتل أَحدهمَا، واستحيى الآخر؛ فَقَالَ: أَنَا أحيي وأميت؛ أَي: أستحيي من شِئْت، وأقتل من شِئْت {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فبهت الَّذِي كفر} قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي: انْقَطَعت حجَّته {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} يَعْنِي: الْمُشْركين الَّذين يلقون اللَّه بشركهم، أَي: لَا يهْدِيهم إِلَى الْحجَّة، وَلا يهْدِيهم من الضَّلَالَة إِلَى دينه. [آيَة] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 [آيَة 259] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: هَلْ رَأَيْت كَذَلِك أَو كَالَّذي مر عَلَى قَرْيَة؟ {عَلَى طَرِيق التَّعَجُّب. {وَهِيَ خاوية على عروشها} قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي: وَهِي خراب على سقوفها، وَالْأَصْل فِي ذَلِكَ أَن تسْقط السقوف، ثمَّ تسْقط الْحِيطَان عَلَيْهَا. {قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِه الله بعد مَوتهَا} قَالَ قَتَادَة: هُوَ عَزِيز، والقرية بَيت الْمُقَدّس بعد مَا خربه بخْتنصر، فَقَالَ: أَنى تُعْمَرُ هَذِه بعد خرابها؟} {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَو بعض يَوْم} ذكر لَنَا أَنَّهُ مَاتَ ضحى، وَبعث قبل غرُوب الشَّمْس، فَقَالَ: لَبِثت يَوْمًا، ثمَّ الْتفت، فَرَأى بَقِيَّة من الشَّمْس من ذَلِكَ الْيَوْم، فَقَالَ: أَو بَعْض يَوْم {قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يتسنه} أَي: لم يتَغَيَّر. قَالَ الْكَلْبِيّ: كَانَ مَعَه سلتان: سلة من تين، وسلة من عِنَب، وزِقٌّ فِيهِ عصير. {وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ} فَنظر إِلَى حِمَاره فَإِذا هوعظام بالية، فَرَأى الْعِظَام قد تحركت، وسعى بَعْضهَا إِلَى بَعْض، وَجَاء الرَّأْس إِلَى مَكَانَهُ، ثمَّ رَأَى العصب وَالْعُرُوق ألقيت عَلَيْهَا، ثمَّ وُضعَ عَلَيْهَا اللَّحْم، ثمَّ بسط عَلَيْهَا الْجلد، ثمَّ نفخ فِيهِ الرّوح؛ فَإِذا هُوَ قَائِم ينهق فَخر عُزَيْر سَاجِدا {قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قدير}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 قَالَ يَحْيَى: قَرَأَهَا قوم [{نُنْشِزُهَا} بالزاي، وَقوم آخَرُونَ: {كَيْفَ نُنْشِرُهَا} وَهُوَ أَجود الْوَجْهَيْنِ]! وتصديقه فِي كتاب اللَّه {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أنشره}. (ل 38) قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ {نُنْشِزُهَا} بالزاي، فَالْمَعْنى: نحرك بَعْضهَا إِلَى بَعْض ونزعجه؛ ومِنْهُ يُقَال: نشزت الْمَرْأَة على زَوجهَا. [آيَة 260] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى} الْآيَة. قَالَ يَحْيَى: بلغنَا أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام خرج يسير عَلَى حمَار لَهُ؛ فَإِذا هُوَ بجيفة دَابَّة يَقع عَلَيْهَا طير السَّمَاء، فَيَأْخُذ مِنْهَا بضعَة بضعَة، وتأتيها سِبَاع الْبر؛ فتأخذ مِنْهَا عضوا عضوا، وَيَقَع من أَفْوَاه الطير اللَّحْم، فتأخذه الْحيتَان. فَقَامَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام مُتَعَجِّبا، فَقَالَ: يَا رب، أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى؟! {قَالَ أَو لم تؤمن قَالَ بلَى} يَا رب، قد آمَنت، وَلَكِن لأعْلم؛ حَتَّى يطمئن قلبِي - يَعْنِي: يسكن - كَيفَ تجمع لحم هَذِه الدَّابَّة بعد مَا أرم. فَقَالَ لَهُ: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 فَضَمَّهُنَّ إِلَيْك؛ تَقُولُ: صرت الشَّيْء فانصار؛ أَي: أملته فَمَال. {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءا} قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي: فقطعهن، ثمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءا؛ فاختصر ((فقطعهن)). {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يأتينك} قل: تعالين بِإِذن اللَّه يأتينك {سعيا} أَي: مشيا على أرجلهن. قَالَ يَحْيَى: فَأخذ أَرْبَعَة أطيار مُخْتَلفَة ألوانها وأسماؤها وريشها، أَخذ ديكا وطاوساً وحمامة وغرابا؛ فَقطع أعناقها، ثمَّ خلط ريش بَعْضهَا بِبَعْض، وَدِمَاء بَعْضهَا بِبَعْض، ثمَّ فرق بَينهَا عَلَى أَرْبَعَة أجبل؛ فنوديت من السَّمَاء بِالْوَحْي أيتها الْعِظَام المتفرقة، وأيتها اللحوم المتمزقة، وأيتها الْعُرُوق المتقطعة اجتمعي يرجع الله فِيك أرواحك، فَجعل يجْرِي الدَّم إِلَى الدَّم، وَتَطير الريشة إِلَى الريشة، ويثب الْعظم إِلَى الْعظم، فعلق عَلَيْهَا رءوسها، وَأدْخل فِيهَا أرواحها؛ فَقيل: يَا إِبْرَاهِيم إِن اللَّه حِين خلق الأَرْض وَضَعَ بَيته فِي وَسطهَا، وَجعل الأَرْض أَربع زَوَايَا، وَالْبَيْت أَرْبَعَة أَرْكَان؛ كل ركن فِي زَاوِيَة من زَوَايَا الأَرْض؛ فَأرْسل عَلَيْهَا من السَّمَاء أَرْبَعَة أرياح: الشمَال، والجنوب، وَالدبور، وَالصبَا؛ فَإِذا نفخ فِي الصُّور يَوْم الْقِيَامَة، اجْتمعت أجساد الْقَتْلَى والهلكى من أَرْبَعَة أَرْكَان الأَرْض، وَأَرْبع زواياها كَمَا اجْتمعت أَرْبَعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 أطيار من أَرْبَعَة أجبل. [آيَة 261 - 262] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيل الله} الْآيَة. يَحْيَى: عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ هِلالٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ مَنْ جَهَّزَ غَيْرَهُ بِمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ دِرْهَم سَبْعمِائة ضِعْفٍ، وَمَنْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ - كتب لَهُ بِكُل دِرْهَم سَبْعمِائة ضِعْفٍ، وَبِكُلِّ ضِعْفٍ سَبْعُونَ أَلْفَ ضعف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله} يَعْنِي: فِي طَاعَة اللَّه {ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبهم} تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: علم اللَّه أَن نَاسا يمنون فِي عطيتهم، فَنهى عَن ذَلِك. [آيَة 263 - 264] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 {قَول مَعْرُوف} أَي: حسن {وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَة يتبعهَا أَذَى} أَي: يمن بِهَا عَلَى من تصدق عَلَيْهِ بهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بالمن والأذى} تَفْسِير الحَسَن: قَالَ: كَانَ بَعْض الْمُؤمنِينَ يَقُولُ: فعلت كَذَا، وأنفقت كَذَا؛ فَقَالَ الله: {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بالمن والأذى} فَيصير مثلكُمْ فِيمَا يحبطه اللَّه من أَعمالكُم {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْم الآخر} وَهُوَ الْمُنَافِق {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَاب} قَالَ قَتَادَة: الصفوان: الْحجر {فَأَصَابَهُ وابل} مطر شَدِيد {فَتَركه صَلدًا} أَي: نقيا {لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء مِمَّا كسبوا} هَذَا مثل ضربه الله - تَعَالَى - لأعمال الْكفَّار يَوْم الْقِيَامَة؛ يَقُول: {لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كسبوا} يَوْمئِذٍ؛ كَمَا ترك الْمَطَر الوابل هَذَا الْحجر لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء. [آيَة 265 - 266] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (ل 39) قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: احتسابا فمثلهم فِي نَفَقَتهم {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} يَعْنِي: مَكَانا مرتفعا من الأَرْض {أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} أَي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 مرَّتَيْنِ {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فطل} الطل: أَضْعَف من الْمَطَر. قَالَ الْحسن: يَقُولُ: لَا يخلف خَيرهَا عَلَى كُلِّ حَال؛ فَكَذَلِك لَا يخلفهم اللَّه نَفَقَتهم أَن يُصِيبُوا مِنْهَا خيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} إِلَى قَوْله: {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَار} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: ريحًا شَدِيدَة فِيهَا سموم {فاحترقت} يَقُولُ: أمنكم من يود ذَلِكَ؟! أَي: لَيْسَ مِنْكُم من يوده فاحذروا أَلا تكون منزلتكم عِنْد اللَّه كَذَلِك؛ أحْوج مَا تَكُونُونَ إِلَى أَعمالكُم يُحْبطها ويُبْطلها؛ فَلَا تقدرون مِنْهَا على شَيْء؛ وَهَذَا مثل المفرط فِي طَاعَة اللَّه حَتَّى يَمُوت. [آيَة 267] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كسبتم} تَفْسِير الْحسن: هَذَا فِي النَّفَقَة الْوَاجِبَة؛ كَانُوا يتصدقون بأردأ دراهمهم، وأردأ طعامهم؛ فنهاهم اللَّه عَنْ ذَلِك؛ فَقَالَ: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} وَهُوَ الردىء {مِنْهُ تنفقون} قَالَ مُحَمَّد: {لَا تيمموا} يَعْنِي: لَا تقصدوا {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تغمضوا فِيهِ} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: يَقُولُ: لَو كَانَ لبعضكم على بَعْض حق فَأعْطِي دون حَقه - لم يَأْخُذهُ مِنْهُ، إِلَّا أَن يرى أَنَّهُ قد تغامض لَهُ عَنْ بَعْض حَقه؛ وَكَذَلِكَ [قَول] اللَّه لَا تستكملوا الْأجر كُله، إِلَّا أَنَّ يتغمدكم مِنْهُ برحمة {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِي حميد} غَنِي عَمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 عنْدكُمْ لمن بخل بِصَدَقَتِهِ، حميد لمن احتسب بِصَدَقَتِهِ. [آيَة 268 - 271] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 {الشَّيْطَان يَعدكُم الْفقر} يُخْبِرهُمْ أَنهم حِين يُنْفقُونَ الرَّدِيء إِنَّمَا هُوَ مَا يلقِي الشَّيْطَان فِي قُلُوبهم من الْفقر {وَاللَّهُ يَعدكُم} عَلَى مَا تنفقون {مَغْفِرَةً مِنْهُ} لذنوبكم {وفضلاً}. قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: جنَّة {وَاللَّهُ وَاسع عليم} وَاسع لخلقه، عليم بأمرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 قَوْله: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} يَعْنِي: الْفِقْه فِي الْقُرْآن {وَمَا يذكر إِلَّا أولو الْأَلْبَاب} أولو الْعُقُول؛ وهم الْمُؤْمِنُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ تذرتم مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} يَعْنِي: يُحْصِيه {وَمَا للظالمين} {الْمُشْركين} (مِنْ أَنْصَارٍ)! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 2 - 2 ! (إِن تبدوا الصَّدقَات} يَعْنِي: الزَّكَاة {فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تخفوها} يَعْنِي: صَدَقَة التَّطَوُّع {وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خير لكم ونكفر عَنْكُم من سَيِّئَاتكُمْ}. قَالَ مُحَمَّد: الْقِرَاءَة {نكفر} بِالْجَزْمِ؛ عَلَى مَوضِع {خَيْرٌ لَكُمْ}؛ لِأَن الْمَعْنى يكن خيرا لكم. الحديث: 2 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 قَالَ يَحْيَى: وسمعتهم يَقُولُونَ: يسْتَحبّ أَن تكون الزَّكَاة عَلَانيَة، وَصدقَة التَّطَوُّع سرا. يَحْيَى: عَنْ مَالِكِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ؛ الصَّلاةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ. يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ؛ النَّاسُ غَادِيَانِ: فَغَادٍ فَمُشْتَرٍ رَقَبَتَهُ فَمُعْتِقُهَا، وَغَادٍ فَبَائِعٌ رَقَبَتَهُ فموبقها)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 [آيَة 272 - 274] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 {لَيْسَ عَلَيْك هدَاهُم} الْآيَة تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: ذكر لَنَا أَن رجلا من أَصْحَاب النَّبِي قَالَ: [لَيْسَ عَلَيْنَا هدى] عَلَى من لَيْسَ من أهل ديننَا؛ فَأنْزل اللَّه: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ} قَالَ يَحْيَى: فَهَذِهِ الصَّدَقَة الَّتِي هِيَ عَلَى غير الْمُسلمين هِيَ تطوع، وَلا يُعْطون من الْوَاجِب شَيْئا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْض} قَالَ الحَسَن: أحصرهم الْفقر، وهم أهل تعفف {يَحْسبهُم الْجَاهِل} بفقرهم {أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} أَي: إلحاحا. قَالَ مُجَاهِد: هُم مهاجرو قُرَيْش بِالْمَدِينَةِ مَعَ النَّبي عَلَيْهِ السَّلَام أَمر الله بِالصَّدَقَةِ عَلَيْهِم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} الْآيَة نزلت فِي علف الْخَيل. [آيَة 275] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ} يَعْنِي: من قُبُورهم يَوْم الْقِيَامَة {إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَان من الْمس} يَعْنِي: الخبل [يَعْنِي مَجْنُون، تَقُولُ: رَجُل مَجْنُون، أَي: مخبول؛ كَذَلِك آكل الرِّبَا]. يَحْيَى: عَنْ حَمَّادٍ [عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ (ل 40) بِهِ، فَكَانَ فِي حَدِيثِهِ: ((فَإِذَا أَنَا بِرِجَالٍ بُطُونِهِمْ كَالْبُيُوتِ، يَقُومُونَ فَيَقَعُونَ لِظُهُورِهِمْ وَلِبُطُونِهِمْ. فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟! فَقَالَ: هَؤُلاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا. ثُمَّ تَلا هَذِهِ الْآيَة {الَّذين يَأْكُلُون الرِّبَا} الآيَةَ)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وَقَوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا} هُوَ الَّذِي كَانُوا يعْملُونَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّة؛ إِذا حل دين أحدهم عَلَى صَاحبه، قَالَ الْمَطْلُوب: أخرني وَأَزِيدك؛ فَكَانُوا فِي الإِسْلام إِذا فعلوا ذَلِكَ، قَالَ لَهُم الْمُسلمُونَ: إِن هَذَا رَبًّا. قَالوا: لَا، سَوَاء عَلَيْنَا زِدْنَا فِي أول البيع، أَو عِنْد مَحل الْأَجَل؛ فأكذبهم اللَّه؛ فَقَالَ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ موعظة من ربه} يَعْنِي: الْبَيَان الَّذِي فِي الْقُرْآن فِي تَحْرِيم الرِّبَا {فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سلف} أَي: غفر اللَّه لَهُ مَا سلف {وَأمره إِلَى الله} إِن شَاءَ عصمه مِنْهُ بعد، وَإِن شَاءَ لم يفعل {وَمَنْ عَاد} فاستحل الرِّبَا {فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ}. قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: من اسْتحلَّ الرِّبَا وقَالَ: هُوَ مثل البيع، واعتقد ذَلِكَ بعد نهي اللَّه عَنهُ - فَهُوَ كَافِر. [آيَة 276 - 277] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 {يمحق الله الرِّبَا} يَعْنِي: يمحقه يَوْم الْقِيَامَة، فيبطله {ويربي الصَّدقَات} لأَهْلهَا؛ أَي: يُضَاعِفهَا. يَحْيَى: عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا تَصَدَّقَ عَبْدٌ بِصَدَقَةٍ فَتَقَعُ فِي يَدِ السَّائِلِ؛ حَتَّى تَقَعَ فِي يَدِ اللَّهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ؛ حَتَّى تَصِيرَ اللُّقْمَةُ مِثْلَ أُحُدٍ)). {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أثيم} وَالْكفْر أعظم الْإِثْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} يَعْنِي: مَا افْترض اللَّه عَلَيْهِم {لَهُم أجرهم عِنْد رَبهم} يَعْنِي: الْجَنَّة {وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هم يَحْزَنُونَ} على الدُّنْيَا. [آيَة 278 - 279] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 [آيَة 280 - 281] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِي من الرِّبَا} يَعْنِي: مَا بَقِي مِمَّا أربوا فِيهِ فِي الْجَاهِلِيَّة أَلا يأخذوه، وَمَا أخذُوا قبل إسْلَامهمْ فَهُوَ حَلَال لَهُم {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} يَعْنِي: إِذْ كُنْتُم مُؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ من الله وَرَسُوله} أَي: فاعلموا أَنكُمْ بِحَرب من اللَّه وَرَسُوله، وأنكم مشركون. قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ {فَآذِنُوا} غير مَوْصُولَة فَهُوَ من: آذن يُؤذن؛ أَي: أعلم، وَمن قَرَأَهَا مَوْصُولَة فَهِيَ من: أذن يَأْذَن؛ إِذا أصغى للشَّيْء وسَمعه. {وَإِنْ تُبْتُمْ} أَي: أسلمتم {فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} يَقُولُ: يبطل الفَضْل إِذا كَانَ بَقِي دينا عَلَى الْمَطْلُوب {لَا تظْلمُونَ} فتأخذون الْفضل {وَلَا تظْلمُونَ} من رُءُوس أَمْوَالكُم شَيْئا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى ميسرَة}. قَالَ مُحَمَّد: {ذُو عسرة} بِالرَّفْع؛ هُوَ عَلَى معنى: فَإِن وَقع ذُو عسرة. يَحْيَى: عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((رَحِمَ اللَّهُ مَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، أَوْ مَحَا عَنْهُ)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ لَهُ، أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)). قَوْله: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خير لكم} [قَالَ الْحسن] أَي: خير لكم فِي يَوْم ترجعون فِيهِ إِلَى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} يَعْنِي: لَا ينقصُونَ؛ يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ يُوفونَ حسناتهم يَوْم الْقِيَامَة. [آيَة] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 [آيَة 282] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 {وليكتب بَيْنكُم كَاتب الْعدْل} أَي: لَا يَزِيد عَلَى الْمَطْلُوب، وَلا ينقص من حق الطَّالِب {وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا علمه الله} الْكِتَابَة، وَترك غَيره فَلم يُعلمهُ {فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} يَعْنِي: الْمَطْلُوب {وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يبخس مِنْهُ شَيْئا} (ل 41) أَي: لَا ينقص من حق الطَّالِب {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق سَفِيها} [يَعْنِي: جَاهِلا] {أَو ضَعِيفا} يَعْنِي: فِي عقله {أَوْ لَا يَسْتَطِيع أَن يمل هُوَ} يَعْنِي: الَّذِي عَلَيْهِ الْحق {فَلْيُمْلِلْ وليه} أَي: ولي الْحق {بِالْعَدْلِ} لَا يزْدَاد شَيْئا. قَوْله: {أَنْ تضل إِحْدَاهمَا} أَي: تنسى إِحْدَاهمَا الشَّهَادَة {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى} أَي: تذكر الَّتِي حفظت شهادتها الْأُخْرَى. قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ {أَن تضل} بِفَتْح الْألف؛ فعلى معنى: من أجل أَن تضل؛ كَذَلِك قَالَ قطرب، وَلغيره من النَّحْوِيين فِيهِ قَول غير هَذَا؛ فَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دعوا} تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: كَانَ الرجل يَأْتِي الْحَيّ الْعَظِيم يطْلب مِنْهُم من يشْهد، فَلَا يتبعهُ مِنْهُم رَجُل، فنهي عَنْ ذَلِكَ. قَالَ الحَسَن: وَإِن وجد غَيره فَهُوَ وَاسع. {وَلَا تسأموا} أَي: لَا تملوا {أَنْ تَكْتُبُوهُ} يَعْنِي: الْحق. {صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجله ذَلِكُم أقسط} أَي: أعدل {وأقوم للشَّهَادَة} أَي: أصوب {وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا} أَي: أَجْدَر أَلا تَشكوا؛ إِذا كَانَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا {إِلا أَنْ تكون تِجَارَة حَاضِرَة} أَي: حَالَة {تديرونها بَيْنكُم} لَيْسَ فِيهَا أجل {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جنَاح} حرج {أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تبايعتم} يَعْنِي: أشهدوا عَلَى حقكم؛ كَانَ فِيهِ أجل أَو لم يكن. قَالَ الحَسَن: وَهَذَا مَنْسُوخ؛ نسخه {فَإِن أَمن بَعْضكُم بَعْضًا} (وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} تَفْسِير مُجَاهِد: لَا يُقَام عَنْ شغله وَحَاجته، فيجد فِي نَفسه، أَو يحرج. قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنْ عَطَاءٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إِذَا دُعِيَ لِيُشْهَدَ، أَوْ لِيَشْهَدَ بِمَا عِنْدَهُ. {وَإِن تَفعلُوا} أَي: تضاروا الْكَاتِب وَالشَّاهِد {فَإِنَّهُ فسوق بكم} أَي: مَعْصِيّة {وَاتَّقوا الله} أَي: لَا تعصوه فيهمَا. [آيَة 283] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 [آيَة 284] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمن بَعْضكُم بَعْضًا} يَعْنِي: فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق أَمينا عِنْد صَاحب الْحق، فَلم يرتهن مِنْهُ فِي السّفر؛ لِثِقَتِهِ بِهِ {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَته} أَي: ليؤد الْحق الَّذِي عَلَيْهِ. {وَلَا تكتموا الشَّهَادَة} أَي: عِنْد الْحُكَّام {وَمَنْ يَكْتُمْهَا} فَلَا يشْهد؛ إِذا دُعِيَ {فَإِنَّهُ آثم قلبه}. يَحْيَى: عَنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ((لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ مَخَافَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ الْحَقَّ إِذَا شَهِدَهُ أَو علمه)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة، فكبرت عَلَيْهِم، فَأنْزل اللَّه بعْدهَا آيَة فِيهَا يسر وَتَخْفِيف؛ فنسختها {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كسبت} أَي: من خير {وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت} أَي: من شَرّ. يَحْيَى: عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفسهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَتَكَلَّم بِهِ)). [آيَة 285 - 286] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ من ربه} الْآيَة قَالَ الْحسن: هَذَا دُعَاء أَمر الله رَسُوله وَالْمُؤمنِينَ أَن يدعوا بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وسعهَا} إِلَّا طاقتها؛ وَهَذَا فِي حَدِيث النَّفس {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} قَوْله: {إِن نَسِينَا} هَذَا فِيمَا يتخوف فِيهِ العَبْد المأثم، أَن ينسى أَن يعْمل بِمَا أَمر بِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 أَو ينسى فَيعْمل بِمَا نهي عَنهُ {أَو أَخْطَأنَا} هَذَا فِيمَا يتخوف فِيهِ العَبْد المأثم؛ أَن يُخطئ، فَيكون مِنْهُ أَمر يخَاف فِيهِ المأثم لم يتعمده. {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصرا} أَي: ثقلا {كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذين من قبلنَا} يَعْنِي: مَا كَانَ شدد بِهِ عَلَى بني إِسْرَائِيل؛ وَكَانَ من ذَلِكَ الإصر مَا كَانَ حرَّم عَلَيْهِم من الشحوم، وكُلِّ ذِي ظفر، وَأمر السبت، وكُلُّ مَا كَانَ عهد إِلَيْهِم أَلا يفعلوه مِمَّا أُحل لَنَا {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} يَعْنِي: الوسوسة؛ فِي تَفْسِير ابْن عَبَّاس. يَحْيَى: عَنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ أبي هُرَيْرَة ((أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله (ل 42) إِنِّي لأُحَدِّثُ نَفْسِي بِالشَّيْءِ مَا يَسُرُّنِي أَنِّي تَكَلَّمْتُ بِهِ، وَأَنَّ لِيَ الدُّنْيَا. قَالَ: ذَلِكَ مَحْضُ الإِيمَانِ)). {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافرين} قَالَ الْحسن: هَذَا دُعَاء أَمر اللَّه بِهِ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤمنِينَ، وَقد أخبر الله النَّبِي أَنَّهُ قد غفر لَهُ. يَحْيَى: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِأَلْفَيْ سَنَةٍ، فَوَضَعَهُ تَحْتَ الْعَرْش، فَأنْزل مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ لَا تُقْرَآنِ فِي بَيْتٍ، فَيَقْرَبُهُ الشَّيْطَانُ ثَلاثَ لَيَالٍ: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ ربه} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 تَفْسِير سُورَة آل عمرَان وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم [آيَة 1 - 6] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 قَوْله: {الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} ((الْحَيّ)) الَّذِي لَا يَمُوت، ((القيوم)) قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: الْقَائِم عَلَى كُلِّ نفس بكسبها حَتَّى يجزيها بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 {نزل عَلَيْك الْكتاب} الْقُرْآن {بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} يَعْنِي: التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيل} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 {من قبل} يَعْنِي: من قبل الْقُرْآن {هُدًى للنَّاس} يَعْنِي: أنزل هَذِه الْكتب جَمِيعًا هدى للنَّاس {وَأنزل الْفرْقَان} تَفْسِير قَتَادَة: فرق اللَّه فِي الْكتاب بَين الْحق وَالْبَاطِل. {إِنَّ الَّذين كفرُوا بآيَات الله} تَفْسِير الحَسَن: يَعْنِي: بدين اللَّه. {وَالله عَزِيز} فِي نقمته {ذُو انتقام} من أعدائه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيفَ يَشَاء} كَقَوْلِه: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ ركبك} [آيَة] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 [آيَة 7 - 10] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكتاب وَأخر متشابهات} تَفْسِير مُجَاهِد: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ}، يَعْنِي: مَا فِيهِ من الْحَلَال وَالْحرَام، وَمَا سوى ذَلِك مِنْهُ الْمُتَشَابه. {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زيغ} الْآيَة. كَانَ الحَسَن يَقُولُ: نزلت فِي الْخَوَارِج. قَالَ الحَسَن: وَمعنى {ابْتِغَاء الْفِتْنَة}: طلب الضَّلَالَة. قَالَ مُحَمَّد: الْفِتْنَة تتصرف عَلَى ضروب؛ فَكَانَ الضَّرْب الَّذِي ابتغاه هَؤُلاءِ إِفْسَاد ذَات الْبَين فِي الدِّين، وَمعنى {الزيغ}: الْجور، والميل عَنِ الْقَصْد. يَحْيَى: عَنِ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلا هَذِهِ الآيَةَ، فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ، فَهُمُ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ، فَلا تُجَالِسُوهُمْ، أَوْ قَالَ: احْذَرُوهُمْ)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 يَحْيَى: وَفِي تَفْسِير ابْن عَبَّاس: قَالَ: نزل الْقُرْآن عَلَى أَرْبَعَة أوجه: حَلَال وَحرَام لَا يسع النَّاس جَهله، وَتَفْسِير يُعلمهُ الْعلمَاء، وعربية تعرفها الْعَرَب، وَتَأْويل لَا يُعلمهُ إِلَّا اللَّه. يَقُولُ الراسخون فِي الْعِلْم: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أولو الْأَلْبَاب} أولو الْعُقُول؛ وهم الْمُؤْمِنُونَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 {رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا} الْآيَة. قَالَ الْحسن: هَذَا دُعَاء، أَمر اللَّه الْمُؤمنِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 أَن يدعوا بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُم أَمْوَالهم} أَي: لن تنفعهم {وَأُولَئِكَ هُمْ وقود النَّار} يَعْنِي: حطبها. [آيَة 11 - 13] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قبلهم} الْآيَة. قَالَ الحَسَن: هَذَا مثل ضربه اللَّه لمشركي الْعَرَب؛ يَقُولُ: كفرُوا، وصنعوا كصنيع آل فِرْعَوْن وَالَّذين من قبلهم من الْكفَّار {فَأَخذهُم الله بِذُنُوبِهِمْ} فَهَزَمَهُمْ يَوْم بدر، وحشرهم إِلَى جَهَنَّم. قَالَ مُحَمَّد: الدأب فِي اللُّغَة: الْعَادة؛ يُقَال: هَذَا دأبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فئتين التقتا} هما فئتا بدر؛ فِئَة الْمُؤمنِينَ، وَفِئَة مُشْركي الْعَرَب. {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعين} قَالَ الحَسَن: يَقُولُ: قد كَانَ لكم أَيهَا الْمُشْركُونَ آيَة (ل 43) فِي فِئَتكُمْ، وَفِئَة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه؛ إِذْ ترونهم مثليكم رَأْي الْعين؛ لما أَرَادَ الله أَن يرعب قُلُوبهم، ويخذلهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 ويخزيهم، وَكَانَ مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَلَائِكَة وَجِبْرِيل، يَقُول، لَقَدْ كَانَ لكم فِي هَؤُلاءِ عِبْرَة ومتفكر؛ أَيّدهُم اللَّه، ونصرهم على عدوهم {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ} وهم الْمُؤْمِنُونَ. قَالَ قَتَادَة: وَكَانَ الْمُشْركُونَ آلفوا يَوْم بدر، أَو قاربوا الْألف، وَكَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر رجلا. [آيَة 14] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 {زين للنَّاس حب الشَّهَوَات} قَالَ مُحَمَّد: هُوَ كَقَوْلِه: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا}. {والقناطير المقنطرة} [قَالَ قَتَادَة] يَعْنِي: المَال الْكثير بعضه عَلَى بَعْض {وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: الراعية. قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: سامت الْخَيل، فَهِيَ سَائِمَة؛ إِذا رعت، وسوَّمتها فَهِيَ مسومة؛ إِذا رعيتها {وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِك مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} الْمَتَاع: مَا يسْتَمْتع بِهِ، ثمَّ يذهب. {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} الْمرجع للْمُؤْمِنين؛ يَعْنِي: الْجنَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 [آيَة 15 - 17] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ} يَعْنِي: الَّذِي ذكر من مَتَاع الْحَيَاة الدُّنيا {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} إِلَى قَوْله: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ} يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ((إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَرَأَوْا مَا فِيهَا - قَالَ اللَّهُ: لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا. قَالُوا: رَبَّنَا لَيْسَ شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنَ الْجَنَّةِ. قَالَ: بَلَى أُحِلُّ عَلَيْكُم رِضْوَانِي)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 {الصابرين والصادقين} أَي: صدقت نيتهم، واستقامت قُلُوبهم وألسنتهم فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {وَالْقَانِتِينَ} يَعْنِي: المطيعين {والمستغفرين} يَعْنِي: أهل الصَّلاة. يَقُولُ: هَلْ يَسْتَوِي هَؤُلاءِ وَالْكفَّار؟ أَي: أَنهم لَا يستوون عِنْد الله. [آيَة 18 - 19] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِما بِالْقِسْطِ} فِيهَا تَقْدِيم وَتَأْخِير؛ يَقُول: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ قَائِما بِالْقِسْطِ؛ أَي بِالْعَدْلِ [وَيشْهد الْمَلَائِكَة وَيشْهد أولو الْعِلْم وهم الْمُؤْمِنُونَ] قَالَ مُحَمَّد: نصب {قَائِما} عَلَى الْحَال؛ وَهِي حَال مُؤَكدَة. {فَإِن توليتم مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ} يَعْنِي: مَا بَين لَهُم {فَاعْلَمُوا أَن الله عَزِيز حَكِيم} قَالَ يَحْيَى: أَحسب أَنهم فسروا كُلَّ شَيْء فِيهِ وَعِيد: عَزِيز فِي نقمته، وكُلَّ شَيْء لَيْسَ فِيهِ وَعِيد: عَزِيز فِي ملكه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} وَكَانُوا عَلَى الإِسْلام {إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا} أَي: حسداً {بَينهم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 قَالَ مُحَمَّد: نصب {بغيا} عَلَى معنى: للبغي. {وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحساب} يَعْنِي: الْعَذَاب؛ أَي: إِذا أَرَادَ أَن يعذبهم، لم يؤخرهم عَنْ ذَلِكَ الْوَقْت؛ هَذَا تَفْسِير الحَسَن. [آيَة 20 - 22] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 {فَإِن حاجوك فَقل أسلمت} أَي: أخلصت {وَجْهي} أَي: ديني {لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} أَي: وَأسلم من اتبعني وَجهه لله. {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ والأميين} يَعْنِي: مُشْركي الْعَرَب؛ وَكَانَت هَذِه الْأمة أُميَّة لَا كتاب لَهَا؛ حَتَّى نزل الْقُرْآن. {أأسلمتم} أَي: أخلصتم {فَإِن أَسْلمُوا} أَخْلصُوا {فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بالعباد} أَي: بأعمال الْعباد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} يَعْنِي: بدين اللَّه {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم} موجع. [آيَة 23] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 [آيَة 24 - 25] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا من الْكتاب} الْآيَة. \ قَالَ قَتَادَة: هُم الْيَهُود؛ دعاهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المحاكمة إِلَى كتاب اللَّه [وَأَحْكَامه؛ أَي] كتاب الله الَّذِي أنزلهُ عَلَيْهِ (ل 44) فَوَافَقَ كِتَابهمْ الَّذِي أنزل عَلَيْهِم، فتولوا عَنْ ذَلِكَ، وأعرضوا عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّار إِلَّا أَيَّامًا معدودات} عدد الْأَيَّام الَّتِي عبدُوا فِيهَا الْعجل؛ يَعْنِي بِهِ أوائلهم، ثمَّ رَجَعَ الْكَلَام إِلَيْهِم؛ فَقَالَ: {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يفترون} أَي: يختلقون من الْكَذِب عَلَى اللَّه، قَالَ قَتَادَة، وَهُوَ قَوْلهم {نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا ريب فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ. قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى - وَالله أعلم - فَكيف يكون حَالهم فِي ذَلِكَ الْيَوْم؛ وَهَذَا من الِاخْتِصَار. {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كسبت} أما الْمُؤْمن فيوفى حَسَنَاته فِي الْآخِرَة، وَأما الْكَافِر فيجازى بِهَا فِي الدُّنيا، ولَهُ فِي الْآخِرَة عَذَاب النَّار. [آيَة 26] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 [آيَة 27] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 {قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك} الْآيَة. قَالَ قَتَادَة: ((ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ ربه أَن يَجْعَل ملك فَارس وَالروم فِي أمته، فَأنْزل اللَّه هَذِه الْآيَة إِلَى آخرهَا)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَار فِي اللَّيْل} وَهُوَ أَخذ كل وَاحِد مِنْهُمَا من صَاحبه؛ نُقْصَان اللَّيْل فِي زِيَادَة النَّهَار، ونقصان النَّهَار فِي زِيَادَة اللَّيْل {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} تَفْسِير الحَسَن وَقَتَادَة: تخرج المُؤْمن من الْكَافِر، وَتخرج الْكَافِر من الْمُؤمن {وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب} يَعْنِي: بِغَيْر محاسبة مِنْهُ لنَفسِهِ. [آيَة 28 - 32] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ} يَعْنِي: فِي النصحية {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تقاة}. يَحْيَى: عَنِ الْفُرَاتِ بْنِ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: ((أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ أَبِي فَلَمْ يَتْرُكُوهُ؛ حَتَّى سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ ثُمَّ تَرَكُوهُ، فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا وَرَاءُكَ؟ قَالَ: شَرٌّ يَا رَسُول الله، وَاللَّهِ مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ! قَالَ: فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟ قَالَ: أَجِدُهُ مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ قَالَ: فَإِنْ عَادُوا فعد)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عملت من خير محضرا} أَي: موفرا كثيرا {وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَينهَا وَبَينه أمدا بَعيدا} فَلَا يَجْتَمِعَانِ أبدا. قَالَ مُحَمَّد: نصب (يَوْمًا) عَلَى معنى: ويحذركم اللَّه نَفسه فِي ذَلِكَ الْيَوْم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 قَوْله: {ويحذركم الله نَفسه} يَعْنِي: عُقُوبَته {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} أَي: رَحِيم؛ أما المُؤمن فَلهُ رَحْمَة الدُّنيا وَالْآخِرَة، وَأما الْكَافِر فرحمته فِي الدُّنيا مَا رزقه اللَّه فِيهَا، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَة إِلَّا النَّار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتبعُوني يحببكم الله} قَالَ الْحسن: جعل محبَّة رَسُوله محبته، وطاعته طَاعَته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 {قل أطِيعُوا الله وَالرَّسُول} أَي: أطِيعُوا اللَّه فِي الْفَرَائِض. [آيَة 33 - 37] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا} أَي: اخْتَار. {وَآل إِبْرَاهِيم} يَعْنِي: إِبْرَاهِيم وَولده، وَولد وَلَده {وَآل عمرَان على الْعَالمين} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 {ذُرِّيَّة بَعْضهَا من بعض} قَالَ قَتَادَة: أَي: فِي النِّيَّة وَالْعَمَل وَالْإِخْلَاص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْني محررا} تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: كَانَت امْرَأَة عمرَان حررت لله مَا فِي بَطنهَا، وَكَانُوا يحررون الذُّكُور؛ فَكَانَ الْمُحَرر إِذا حرر يكون فِي الْمَسْجِد يقوم عَلَيْهِ ويكنسه لَا يبرح مِنْهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وَكَانَت الْمَرْأَة لَا يُسْتَطَاع أَن (يصنع) ذَلِكَ بِهَا؛ لما يُصِيبهَا من الْأَذَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وضعت} وَهِي تقْرَأ على وَجه آخر: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَان الرَّجِيم} أَي: الملعون أَن يضلها وإياهم {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا} أَي: ضمهَا إِلَيْهِ؛ فِي تَفْسِير من خفف قرَاءَتهَا، وَمن ثقلهَا يَقُولُ: {وَكَفَّلَهَا} أَي: فكفلها اللَّه زَكَرِيَّا، بِنصب زَكَرِيَّا. قَالَ الْكَلْبِيّ: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا} لفتها فِي خرقها، (ل 45) ثمَّ أرْسلت بِهَا إِلَى مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس، فَوَضَعتهَا فِيهِ فتنافسها الْأَحْبَار بَنو هَارُون، فَقَالَ لَهُم زَكَرِيَّا: أَنا أحقكم بِهَا عِنْدِي أُخْتهَا فذروها لِي، فَقَالَت الْأَحْبَار: لَو تركت لأَقْرَب النَّاس إِلَيْهَا لتركت لأمها، وَلَكنَّا نقترع عَلَيْهَا؛ فَهِيَ لمن خرج سَهْمه، فاقترعوا عَلَيْهَا بأقلامهم الَّتِي كَانُوا يَكْتُبُونَ بِهَا الْوَحْي، فقرعهم زَكَرِيَّا، فَضمهَا إِلَيْهِ، واسترضع لَهَا؛ حَتَّى إِذا شبت بنى لَهَا محرابا فِي الْمَسْجِد، وَجعل بَابه فِي وَسطه لَا يرتقى إِلَيْهَا إِلَّا بسلم، وَلا يَأْمَن عَلَيْهَا غَيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 {وجد عِنْدهَا رزقا} قَالَ قَتَادَة: كَانَ يجد عِنْدهَا فَاكِهَة الشتَاء فِي الصَّيف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 وَفَاكِهَة الصَّيف فِي الشتَاء. [آيَة 38 - 39] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّة} أَي: من عنْدك {ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} يَعْنِي: تقية، قَالَ الْكَلْبِيّ: وَكَانَت امْرَأَة زَكَرِيَّا عاقرا قد دخلت فِي السن، وزَكَرِيا شيخ كَبِير؛ فَاسْتَجَاب الله لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 {فنادته الْمَلَائِكَة} ناداه جِبْرِيل {وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ} يَعْنِي: عِيسَى عَلَيْهِ السَّلام {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} يَعْنِي: يحيى؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة؛ أَحْيَاهُ اللَّه بِالْإِيمَان، وَالسَّيِّد: الحَسَن الْخلق، والحصور: الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء أَي حصر عَنْهُن. قَالَ مُحَمَّد: وأصل الْحصْر: الْحَبْس. [آيَة 40 - 43] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَام} أَي: من أَيْن يكون لي؟! (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 الْكبر وامرأتي عَاقِر} أَي: لَا تَلد، قَالَ الْحسن: أَرَادَ أَن يعلم كَيفَ وهب ذَلِك لَهُ؛ وَهُوَ كَبِير وَامْرَأَته عَاقِر؛ لِيَزْدَادَ علما {قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رمزا} أَي: إِيمَاء، فَعُوقِبَ فَأخذ بِلِسَانِهِ؛ فَجعل لَا يبين الْكَلَام، وَإِنَّمَا عُوقِبَ؛ لِأَن الْمَلَائِكَة شافهته، فبشر بِيَحْيَى مشافهة، فَسَأَلَ الْآيَة بعد أَن شافهته الْمَلَائِكَة {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كثيرا وَسبح بالْعَشي وَالْإِبْكَار} يَعْنِي: الصَّلَاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 {إِن الله اصطفاك} أَي: اختارك لدينِهِ {وطهرك} من الْكفْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 {يَا مَرْيَم اقتني لِرَبِّك} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: أطيلي الْقيام فِي الصَّلَاة. قَالَ مُحَمَّد: وأصل الْقُنُوت: الطَّاعَة. [آيَة 44 - 48] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْك وَمَا كنت لديهم} {عِنْدهم} (إِذْ يلقون أقلامهم} أَي: يستهمون بهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لديهم إِذْ يختصمون} فِيهَا أَيهمْ يضمها إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 {اسْمه الْمَسِيح} أَي: مُسِحَ بِالْبركَةِ؛ فِي تَفْسِير الْحسن. {ووجيها فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} قَالَ مُحَمَّدٌ: وَجُهَ الرجل، وأوجهني أَي: صيرني وجيها. {وَمن المقربين} عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 {ويكلم النَّاس فِي المهد} أَي: فِي حِجْرِ أُمِّهِ {وَكَهْلا} كَبِيرا {وَيُعَلِّمُهُمْ} أَي: يعلمهُمْ كَبِيرا؛ فَأَرَادَتْ أَن تعلم كَيفَ ذَلِك؛ فَقَالَت: {رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 {ويعلمه الْكتاب} يَعْنِي: الْخط {وَالْحكمَة} يَعْنِي: السّنة. [آيَة 49 - 51] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ} أَي: أُصَوِّرُ [من الطين] {كَهَيْئَةِ الطير} كَشَبَهِ الطَّيْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 {وأبرئ الأكمه والأبرص} قَالَ قَتَادَة: الأكمه: الَّذِي تلده أمه وَهُوَ مضموم الْعَينَيْنِ. {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تدخرون فِي بُيُوتكُمْ} يَعْنِي: أنبئكم بِمَا أكلْتُم البارحة، وَبِمَا خبأتم فِي بُيُوتكُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 {وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُم} تَفْسِير قَتَادَة: كَانَ الَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى أَلين مِمَّا جَاءَ بِهِ مُوسَى؛ أحلّت لَهُم فِي الْإِنْجِيل أَشْيَاء كَانَت عَلَيْهِم فِي التَّوْرَاة حَرَامًا [آيَة 52 - 58] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 {فَلَمَّا أحسن عِيسَى مِنْهُم الْكفْر} أَي: رأى. {قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى الله} أَي: مَعَ الله {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحن أنصار الله} والحواريون: هم أصفياء الْأَنْبِيَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 {فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين} أَي: فاجعلنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 {ومكروا ومكر الله} مكروا بقتل عِيسَى، ومكر الله بهم فأهلكهم، وَرفع عِيسَى إِلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 قَالَ مُحَمَّد: الْمَكْر من النَّاس الخديعة، وَهُوَ من الله (ل 46) الْجَزَاء، يجازي من مكر بمكره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي متوفيك ورافعك إِلَيّ} قَالَ السّديّ: معنى {متوفيك}: قابضك من بَين بني إِسْرَائِيل {ورافعك إِلَيّ} فِي السَّمَاء. قَالَ مُحَمَّد: تَقول: توفيت [الْعدَد] واستوفيته؛ بِمَعْنى: قَبضته. {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا} فِي النَّصْر، وَفِي الْحجَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَالَّذين اتَّبعُوهُ مُحَمَّد وَأهل دينه؛ اتبعُوا دين عيسي وَصَدقُوا بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} أما فِي الدُّنْيَا: فَهُوَ مَا عذب بِهِ الْكفَّار من الوقائع وَالسيف حِين كذبُوا رسلهم، وَأما فِي الْآخِرَة: [فيعذبهم] بالنَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 {وَالله لَا يحب الظَّالِمين} يَعْنِي: الْمُشْركين [آيَة 59 - 60] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ من تُرَاب} قَالَ الْكَلْبِيّ: لما قدم نَصَارَى نَجْرَان، قَالُوا: يَا مُحَمَّد؛ أَتَذكر صاحبنا؟ قَالَ: وَمن صَاحبكُم؟ قَالُوا: عيسي ابْن مَرْيَم؛ أتزعم أَنه عبد؟ فَقَالَ لَهُم نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أجل هُوَ عبد الله. قَالُوا: أرنا فِي خلق الله عبدا مثله فِيمَن رَأَيْت أَو سَمِعت؟ فَأَعْرض عَنْهُم نَبِي الله عَلَيْهِ السَّلَام يَوْمئِذٍ، وَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل، فَقَالَ: (إِنَّ مَثَلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 عِيسَى عِنْد الله ... .} الْآيَة. [آيَة 61 - 64] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَك من الْعلم} الْآيَة. قَالَ الْكَلْبِيّ: ثمَّ عَادوا إِلَى النَّبِي، فَقَالُوا: هَل سَمِعت بِمثل صاحبنا؟! قَالَ: نعم. قَالُوا: وَمن هُوَ؟ قَالَ: آدم، خلقه الله من تُرَاب. فَقَالُوا لَهُ: إِنَّه لَيْسَ كَمَا تَقول؟ فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثمَّ نبتهل} أَي: نتلاعن {فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ على الْكَاذِبين} منا ومنكم. قَالُوا: نعم نُلَاعِنك؛ فَرجع رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأخذ بيد عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن فَهموا أَن يلاعنوه، ثمَّ نكصوا، وَعَلمُوا أَنهم لَو فعلوا - لوقعت اللَّعْنَة عَلَيْهِم، فَصَالَحُوهُ على الْجِزْيَة. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {ثمَّ نبتهل} الْمَعْنى: نتداعى باللعن؛ (يُقَال: أبهله الله؛ أَي: لَعنه الله) وَفِيه لُغَة أُخْرَى: بهله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 {فَإِن توَلّوا} يَعْنِي: عَمَّا جَاءَ بِهِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَإِنَّ الله عليم بالمفسدين} يَعْنِي: الْمُشْركين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 {قل يَا أهل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} أَي: عدل {بَيْننَا وَبَيْنكُم} يَعْنِي: لَا إِلَه إِلَّا الله. {وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله}. يَحْيَى: عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: ((جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ. فَقَالَ: يَا عَدِيُّ أَلْقِ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ. فَأَلْقَيْتُهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ الله} قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا نَتَّخِذُهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ. قَالَ: بَلَى؛ أَلَيْسُوا يُحِلُّونَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ؛ فَتَسْتَحِلُّونَهُ، وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْكُمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ؛ فَتُحَرِّمُونَهُ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ)). {فَإِنْ توَلّوا فَقولُوا} يَعْنِي: النَّبِي وَالْمُؤمنِينَ {اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسلمُونَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 [آيَة 65 - 68] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 {يَا أهل الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ إِلا من بعده أَفلا تعقلون} قَالَ الْحسن: وَذَلِكَ أَنهم نحلوه أَنه كَانَ على دينهم؛ فَقَالَت الْيَهُود ذَلِك، وَقَالَت النَّصَارَى ذَلِك. فكذبهم الله جَمِيعًا، وَأخْبر أَنه كَانَ مُسلما، ثمَّ احْتج عَلَيْهِم أَنه إِنَّمَا أنزلت التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل بعده؛ أَي: إِنَّمَا كَانَت الْيَهُودِيَّة بعد التَّوْرَاة، والنصرانية بعد الْإِنْجِيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 {هَا أَنْتُم هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ علم} أَي: بِمَا كَانَ فِي زمانكم وأدركتموه {فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ} أَن إِبْرَاهِيم لم يكن يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا، وَلَكِن حَنِيفا مُسلما وَمَا كَانَ من الْمُشْركين {وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبعُوهُ} قَالَ قَتَادَة: أَي: على مِلَّته {وَهَذَا النَّبِي} (ل 47) يَعْنِي: مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَام {وَالَّذين آمنُوا} يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ الَّذين (عرفُوا) نَبِي الله واتبعوه. [آيَة] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 [آيَة 69 - 71] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} يَعْنِي: من لم يُؤمن مِنْهُم {لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أنفسهم} بِمَا يودون من ذَلِك {وَمَا يَشْعُرُونَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 {يَا أهل الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُم تَشْهَدُون} أَنَّهَا آيَات الله (وَأَنه) رَسُوله، يَعْنِي بِهِ خَاصَّة عُلَمَائهمْ؛ لأَنهم يَجدونَ نعت مُحَمَّد فِي كِتَابهمْ، ثمَّ كفرُوا بِهِ وأنكروه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 {يَا أهل الْكتاب لم تلبسُونَ} أَي: لم تخلطون الْحق بِالْبَاطِلِ؟! قَالَ الْحسن: يَعْنِي: مَا حرفوا من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل بِالْبَاطِلِ الَّذِي قبلوه عَن الشَّيْطَان. {وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُم تعلمُونَ} أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، وَأَن دينه حق. [آيَة 72 - 74] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمنُوا} بِمُحَمد {وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لمن تبع دينكُمْ} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: كتبت يهود خَيْبَر إِلَى يهود الْمَدِينَة أَن آمنُوا بِمُحَمد أول النَّهَار، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 واكفروا آخِره؛ أَي: اجحدوا آخِره، ولَبِّسوا على ضعفة أَصْحَابه، حَتَّى تشككوهم فِي دينهم، فَإِنَّهُم لَا علم لَهُم وَلَا دراسة يدرسونها {لَعَلَّهُم يرجعُونَ} عَن مُحَمَّد، وَعَما جَاءَ بِهِ. وَقَالَ مُجَاهِد: صلت الْيَهُود مَعَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أول النَّهَار صَلَاة الصُّبْح، وكفرت آخِره؛ مكرا مِنْهُم، ليرى النَّاس أَنه قد بَدَت لَهُم الضَّلَالَة بعد إِذْ كَانُوا اتَّبعُوهُ. {قُلْ إِن الْهدى هدى الله} يَعْنِي: أَن الدّين دين الْإِسْلَام {أَن يُؤْتى أحد مثل أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ} فِيهَا تَقْدِيم: إِنَّمَا قَالَت يهود خَيْبَر ليهود الْمَدِينَة: {وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لمن تبع دينكُمْ} أَي: لَا تصدقوا إِلَّا من تبع دينكُمْ؛ فَإِنَّهُ لن يُؤْتى أحد مثل مَا أُوتِيتُمْ، وَلنْ (يحاجكم) بِمثل دينكُمْ أحد عِنْد ربكُم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 فَقَالَ الله: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هدى الله} وَالْفضل بيد الله، وَفضل الله: الْإِسْلَام {يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاء وَالله وَاسع} لخلقه {عليم} بأمرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 {يخْتَص برحمته} أَي: بِدِينِهِ؛ وَهُوَ الْإِسْلَام {مَنْ يَشَاء} يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ. [آيَة 75 - 76] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تأمنه بقنطار يؤده إِلَيْك} يَعْنِي: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 قَالَ قَتَادَة: كُنَّا نُحدث أَن القنطار مائَة رَطْل من ذهب، أَو ثَمَانُون ألفا من الْوَرق. {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دمت عَلَيْهِ قَائِما} يَعْنِي: إِن سَأَلته حِين تعطيه إِيَّاه رده إِلَيْك، وَإِن أنظرته بِهِ أَيَّامًا ذهب بِهِ. {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيين} يعنون: مُشْركي الْعَرَب {سَبِيل} إِثْم. تَفْسِير الْحسن: كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّمَا كَانَت لَهُم هَذِه الْحُقُوق وَتجب علينا وهم على دينهم، فَلَمَّا تحولوا عَن دينهم لم يثبت لَهُم علينا حق. قَالَ الله - عز وَجل -: {وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِب وهم يعلمُونَ} أَنهم كاذبون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى} قَالَ الْحسن: يَعْنِي: أدّى الْأَمَانَة وآمن {فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}. [آيَة 77 - 79] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا} هم {أهل الْكتاب} كتبُوا كتبا بِأَيْدِيهِم، وَقَالُوا: هَذَا من عِنْد الله؛ فاشتروا بِهِ ثمنا قَلِيلا؛ أَي عرضا من عرض الدُّنْيَا، وحلفوا أَنه من عِنْد الله. {أُولَئِكَ لَا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة} أَي: لَا نصيب لَهُم [فِي] الْجنَّة. {وَلَا يكلمهم الله} بِمَا يحبونَ [وَذَلِكَ] يَوْم الْقِيَامَة، وَقد يكلمهم ويسألهم عَن أَعْمَالهم. قَالَ: {وَلَا ينظر إِلَيْهِم} نظرة رَحْمَة [يَوْم الْقِيَامَة] {وَلا يزكيهم} أَي: لَا يطهرهم من ذنوبهم {وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} موجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكتاب} تَفْسِير قَتَادَة: حرفوا كتاب الله، وابتدعوا فِيهِ، وَزَعَمُوا أَنه من عِنْد الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ الله الْكتاب وَالْحكم والنبوة} كَمَا آتى عيسي {ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دون الله} أَي: اعبدوني؛ يَقُول: لَا يفعل ذَلِك من آتَاهُ الله الْكتاب وَالْحكم والنبوة. قَالَ الْحسن: احْتج (ل 48) عَلَيْهِم بِهَذَا؛ لقَولهم [إِن عيسي يَنْبَغِي لَهُ أَن يعبد] وَأَنَّهُمْ قبلوا ذَلِك عَن الله، وَهُوَ فِي كِتَابهمْ الَّذِي نزل من عِنْد الله. قَالَ {وَلَكِنْ كُونُوا ربانيين} أَي: وَلَكِن يَقُول لَهُم: كونُوا ربانيين؛ أَي: عُلَمَاء فُقَهَاء {بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تدرسون} تقرءون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 [آيَة 80 - 82] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ والنبيين أَرْبَابًا} أَي: من دون الله {أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} على الِاسْتِفْهَام أَي: لَا يفعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لما آتيناكم مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ على ذَلِكُم إصري} [أَي: عهد ثقيل] {قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدين}. يَقُوله الله: أَنا شَاهد مَعَهم وَعَلَيْهِم، بِمَا أعْطوا من الْمِيثَاق وَالْإِقْرَار، قَالَ قَتَادَة: هَذَا مِيثَاق أَخذه الله على النَّبِيين أَن يصدق بَعضهم بَعْضًا، وَأَن يبلغُوا كتاب الله ورسالاته إِلَى عباده، وَأخذ مِيثَاق أهل الْكتاب فِي كِتَابهمْ فِيمَا بلغتهم رسلهم؛ أَن يُؤمنُوا بِمُحَمد ويصدقوه وينصروه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 {فَمن تولى بعد ذَلِك} {أَي:} بعد الْعَهْد والميثاق الَّذِي أَخذ الله عَلَيْهِم {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [آيَة 83 - 85] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 [آيَة 83 - 85] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 {أفغير دين الله يَبْغُونَ} (يطْلبُونَ) {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها} تَفْسِير الْحسن: وَله أسلم من فِي السَّمَوَات، ثمَّ انْقَطع الْكَلَام، ثمَّ قَالَ: {وَالأَرْضِ} أَيْ: وَمَنْ فِي الأَرْضِ طَوْعًا وَكرها؛ يَعْنِي: طَائِعا وكارها. قَالَ الْحَسَنُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَاللَّهِ لَا يَجْعَلُ اللَّهُ مَنْ دَخَلَ فِي الإِسْلامِ طَوْعًا؛ كم دَخَلَهُ كَرْهًا)). قَالَ يَحْيَى: لَا أَدْرِي أَرَادَ الْمُنَافِقَ، أَوِ الَّذِي قُوتِلَ عَلَيْهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمَّا الْمُؤمن فَأسلم طَائِعا؛ فنفعه ذَلِك وَقُبِلَ مِنْهُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَأَسْلَمَ كَارِهًا؛ فَلَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي بِالْكَافِرِ: الْمُنَافِقَ الَّذِي لَمْ يُسْلِمْ قلبه. قَالَ مُحَمَّد: {طَوْعًا} مصدر، وضع مَوضِع الْحَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب والأسباط} الأسباط: يُوسُف وَإِخْوَته، إِلَى قَوْله {مُسلمُونَ} قَالَ الْحسن: هَذَا مَا أَخذ الله على رَسُوله، وَلم يُؤْخَذ عَلَيْهِ مَا أَخذ على الْأَنْبِيَاء فِي قَوْله: {ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ} إِذْ لَا نَبِي بعده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين} خسر نَفسه؛ فَصَارَ فِي النَّار، وخسر أَهله من الْحور الْعين. [آيَة 86 - 89] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حق} قَالَ مُجَاهِد: نزلت فِي رجل من بني عَمْرو بن عَوْف كفر بعد إيمَانه. {وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} يَعْنِي: الْكتاب فِيهِ الْبَينَات والحجج. {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} يَعْنِي: من لَا يُرِيد أَن يهديه مِنْهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ} يَعْنِي بِالنَّاسِ: الْمُؤمنِينَ خَاصَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 {خَالِدين فِيهَا} أَي: فِي تِلْكَ اللَّعْنَة، وثوابها النَّار. {لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هم ينظرُونَ} يؤخرون بِالْعَذَابِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِك وَأَصْلحُوا} يَعْنِي: من أَرَادَ الله أَن يهديه {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آيَة 90 - 91] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 [آيَة 92] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 قَوْله عز ذكره: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كفرا} قَالَ الْحسن: هم أهل الْكتاب كَانُوا مُؤمنين، ثمَّ كفرُوا ثمَّ ازدادوا كفرا؛ أَي: مَاتُوا على كفرهم. يَقُول: لن يقبل الله إِيمَانهم الَّذِي كَانَ قبل ذَلِك، [إِذا مَاتُوا] على كفرهم {وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ} قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: هَذَا مِلْءُ هَذَا؛ أَي: مِقْدَار مَا يمْلَأ، والْمَلْءُ الْمصدر فبالفتح، يُقَال: مَلَأت الشَّيْء ملئا؛ هَذَا هُوَ الِاخْتِيَار (عِنْد اللغويين) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تحبون} قَالَ الْحسن: يَعْنِي الزَّكَاة (ل 49) الْوَاجِبَة {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِن الله بِهِ عليم} يحفظه لكم حَتَّى يجازيكم بِهِ. [آيَة 93 - 96] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 [آيَة 97 - 98] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فاتلوها} [أَي: فاقرءوها] {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أَن فِيهَا مَا تذكرُونَ [أَنه] حرمه عَلَيْكُم. قَالَ الْحسن: وَكَانَ الَّذِي حرم إِسْرَائِيل على نَفسه: لُحُوم الْإِبِل، وَقَالَ بَعضهم: أَلْبَانهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 {قل صدق الله} أَن إِبْرَاهِيم كَانَ مُسلما {فَاتَّبِعُوا مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا} والحنيف: المخلص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} قَالَ الْحسن: يَعْنِي: وضع قبْلَة لَهُم. {للَّذي ببكة مُبَارَكًا} تَفْسِير حبيب بن أبي ثَابت: قَالَ: الْبَيْت وَمَا حوله بكة، وأسفل من ذَلِك مَكَّة، وَإِنَّمَا سمي الْموضع بكة؛ لِأَن النَّاس يتزاحمون فِيهِ. قَالَ مُحَمَّد: البك أَصله فِي اللُّغَة: الدّفع، وَنصب {مُبَارَكًا} على الْحَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} قَالَ الْحسن: مقَام إِبْرَاهِيم من الْآيَات الْبَينَات {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمنا} قَالَ الحَسَن: كَانَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة؛ لَو أَن رجلا جر جريرة، ثمَّ لَجأ إِلَى الْحرم - لم يُطْلب وَلم يُتَنَاول، وَأما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 فِي الْإِسْلَام؛ فَإِن الْحرم لَا يمْنَع من حد، من أصَاب حدا أقيم عَلَيْهِ. {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حج الْبَيْت} قَالَ مُحَمَّد: الْحَج فِي اللُّغَة مَعْنَاهُ: ((الْقَصْد؛ يُقَال: حججْت الشَّيْء أحجه حجا؛ إِذا قصدته مرّة بعد مرّة، وَمن هَذَا قَول الشَّاعِر: (وَأشْهد من عَوْف حلولا كَثِيرَة ... يحجون سبّ الزبْرِقَان المزعفرا) أَي: يكثرون الِاخْتِلَاف إِلَيْهِ؛ لسؤدده، وَكَانَ الرئيس يعتم بعمامة صفراء تكون علما لرئاسته. قَوْله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} يَحْيَى: (عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ) ((أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ [إِنَّ اللَّهَ قَالَ]: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} فَمَا السَّبِيل؟ قَالَ: الزَّاد والراحة)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَن الْعَالمين} قَالَ الْحسن: الْكفْر: أَن يَقُول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 لَيْسَ بفريضة؛ فيكفر بِهِ. [آيَة 99 - 100] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 {قل يَا أهل الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله} يَعْنِي: الْإِسْلَام {مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عوجا} أَي: تطلبون بهَا العوج. {وَأَنْتُمْ شُهَدَاء} على ذَلِك فِيمَا تقرون من كتاب الله أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، وَأَن الْإِسْلَام دين الله. قَالَ مُحَمَّد: يُقَال فِي الْأَمر: (عِوَج) بِالْكَسْرِ؛ إِذا كَانَ فِي الدّين، وَيُقَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 لكل شَيْء مائل: فِيهِ (عَوَج) بِالْفَتْح؛ كالعصا والحائط وَشبه ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا من الَّذين أُوتُوا الْكتاب} يَعْنِي: من لم يُؤمن مِنْهُم. [آيَة 101 - 103] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 {وَمن يعتصم بِاللَّه} أَي: يسْتَمْسك بدين الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاته} قَالَ ابْن مَسْعُود: حق تُقَاته أَن يطاع فَلَا يعْصى، ويشكر فَلَا يكفر، وَيذكر فَلَا ينسى. قَالَ قَتَادَة: نزلت هَذِه الْآيَة فَثقلَتْ عَلَيْهِم، ثمَّ أنزل الله الْيُسْر وَالتَّخْفِيف، فَقَالَ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم واسمعوا وَأَطيعُوا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 {واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا} قَالَ الْحسن وَغَيره: حَبل الله: الْقُرْآن. قَالَ مُحَمَّد: وأصل الْحَبل فِي اللُّغَة: الْعَهْد. قَالَ (الْأَعْشَى): (وَإِذا أجوزها حبال قَبيلَة ... أخذت من الْأُخْرَى إِلَيْهَا حبالها} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 يَعْنِي: عهودها. قَوْله: {وَلا تَفَرَّقُوا واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم} أَي: اشكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم {إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبكُمْ} بِالْإِيمَان {فأصبحتم} يَعْنِي: فصرتم {بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فأنقذكم مِنْهَا} بِالْإِسْلَامِ. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {شَفَا حُفْرَة} يَعْنِي: حرف حُفْرَة؛ أَي: قد كُنْتُم أشرفتم على النَّار. [آيَة 104 - 109] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ} يَعْنِي: [بتوحيد الله] {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكر} يَعْنِي: الشّرك بِاللَّه. قَالَ [مُحَمَّد]: قَوْله: {ولتكن مِنْكُم أمة} قيل: مَعْنَاهُ: ولتكونوا كلكُمْ أمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا} هم أهل الْكتاب، يَقُول: لَا تَفعلُوا كفعلهم. (ل 50) {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ} إِلَى قَوْله: {بِمَا كُنْتُم تكفرون} يَحْيَى: عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ [عَنْ أَبِي غَالِبٍ] قَالَ: ((كُنْتُ مَعَ أَبِي أُمَامَةَ وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى دَرَجِ الْمَسْجِدِ بِدِمَشْقَ؛ فَإِذَا بِرُءُوسٍ مِنْ رُءُوسِ الْخَوَارِجِ مَنْصُوبَةً، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الرُّءُوسُ؟ {قَالُوا: رُءُوسُ خَوَارِجَ جِيءَ بِهَا مِنَ الْعِرَاقِ، فَقَالَ: كِلابُ أَهْلِ النَّارِ، كِلابُ أَهْلِ النَّارِ، كِلابُ أَهْلِ النَّارِ} شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ، شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ، شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ! خَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوهُ، خَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوهُ، خَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوهُ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ. ثُمَّ بَكَى، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: رَحْمَةً لَهُمْ؛ إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ، فَخَرَجُوا مِنَ الإِسْلامِ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكتاب مِنْهُ آيَات محكمات} حَتَّى انْتَهَى إِلَى آخِرِهَا، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} إِلَى قَوْلِهِ: {بِمَا كُنْتُم تكفرون} فَقُلْتُ: هُمْ هَؤُلاءِ يَا أَبَا أُمَامَةَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: شَيْءٌ تَقُولُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 بِرَأْيِكَ، أَمْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُهُ؟ قَالَ: إِنِّي إِذَنْ لَجَرِيءٌ، إِنِّي إِذَنْ لَجَرِيءٌ، إِنِّي إِذَنْ لَجَرِيءٌ! لَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير مرّة وَلَا مرَّتَيْنِ. حَتَّى بلغ سبعا، وَوضع أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ ثمَّ قَالَ: وَإِلَّا فصمتا. ثمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَّ يَقُولُ: تَفَرَّقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى سَبْعِينَ فِرْقَةً؛ وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَائِرُهَا فِي النَّارِ، وَلَتَزِيدَنَّ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الأُمَّةُ وَاحِدَةً؛ فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَائِرُهَا فِي النَّارِ: فَقُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الأَعْظَمِ. قَالَ: فَقُلْتُ: فِي السَّوَادِ الأَعْظَمِ مَا قَدْ تَرَى. قَالَ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ خير من الْفرْقَة وَالْمَعْصِيَة)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 {تِلْكَ آيَات الله} هَذِه آيَات الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 {وَإِلَى الله ترجع الْأُمُور} يَعْنِي: عواقبها فِي الْآخِرَة. [آيَة 110 - 112] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تأمرون بِالْمَعْرُوفِ} يَعْنِي: بتوحيد الله {وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكر} يَعْنِي: عَن الشّرك بِاللَّه. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {كُنْتُم} قيل: مَعْنَاهُ: أَنْتُم. يَحْيَى: عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنْتُمْ تُوفُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ)). {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكتاب لَكَانَ خيرا لَهُم} يَعْنِي: عامتهم، ثمَّ قَالَ: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ} يَعْنِي: من آمن مِنْهُم {وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} يَعْنِي: فسق الشّرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 {لن يضروكم إِلَّا أَذَى} بالألسنة. {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 {ضربت عَلَيْهِم الذلة أَيْنَمَا ثقفوا} أَي: حَيْثُمَا وجدوا {إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} قَالَ السّديّ: يَعْنِي بِأَمَان وعهد من الله، وَمن النَّاس {وَبَاءُوا بغضب من الله} يَعْنِي: استوجبوا غَضَبه {ضربت عَلَيْهِم المسكنة} يَعْنِي: مَا يُؤْخَذ مِنْهُم من الْجِزْيَة {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حق} يَعْنِي: أوائلهم، وَلَيْسَ يَعْنِي الَّذين أدركوا النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 [آيَة 113 - 116] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 {لَيْسُوا سَوَاء} يَقُول: لَيْسَ كل أهل الْكتاب كَافِرًا. {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَة} بِأَمْر الله؛ يَعْنِي: من آمن مِنْهُم {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْل} يَعْنِي: سَاعَات اللَّيْل {وَهُمْ يَسْجُدُونَ} يصلونَ. قَالَ مُحَمَّد: وَاحِد (الآناء): إِنًى؛ مثل: مِعًى وأمعاء، وَقيل: وَاحِدهَا: إِنِّي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 {ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ} يَعْنِي: بِالْإِيمَان [بِمُحَمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} عَن التَّكْذِيب بِمُحَمد {وَيُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات} يَعْنِي: الْأَعْمَال الصَّالِحَة {وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحين} وهم أهل الْجنَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ تكفروه} يَقُول: تجازون بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 [آيَة 117 - 118] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صر} يَعْنِي: الْبرد الشَّديد {أَصَابَتْ حَرْثَ قوم ظلمُوا أنفسهم} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي [نفقات الْكفَّار] لَا يكون لَهُم فِي الْآخِرَة مِنْهَا ثَوَاب، وَتذهب [كَمَا يذهب] هَذَا الزَّرْع الَّذِي أَصَابَته الرّيح [فأهلكته] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً من دونكم} يَعْنِي: (ل 51) من غير الْمُسلمين {لَا يَأْلُونَكُمْ خبالا} أَي: شرا {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} أَي: مَا ضَاقَ بكم {قَدْ بَدَت الْبغضَاء من أَفْوَاههم} أَي: ظَهرت {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أكبر} فِي البغض والعداوة وَلم يظهروا الْعَدَاوَة، وأسروها فِيمَا بَينهم؛ فَأخْبر الله بذلك عَنْهُم رَسُوله. [آيَة 119 - 120] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 {هَا أَنْتُم أولاء تحبونهم} يَقُول للْمُؤْمِنين: أَنْتُم تحبون الْمُنَافِقين؛ لأَنهم أظهرُوا الْإِيمَان، فأحبوهم على مَا أظهرُوا، وَلم يعلمُوا مَا فِي قُلُوبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 {وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} أَي: وهم لَا يُؤمنُونَ؛ [فِيهَا] إِضْمَار {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا} مَخَافَة على دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغيظ} مِمَّا يَجدونَ فِي قُلُوبهم. قَالَ الله لنَبيه: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} الْآيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 {إِن تمسسكم حَسَنَة تسؤهم} يَعْنِي بِالْحَسَنَة: النَّصْر {وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَة} نكبة من الْمُشْركين {يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كيدهم شَيْئا} أَي: أَنهم لَا شَوْكَة لَهُم إِلَّا أَذَى بالألسنة. {إِنَّ اللَّهَ بِمَا يعْملُونَ مُحِيط} أَي: يجازيهم بِمَا يعْملُونَ. [آيَة 121 - 125] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 {وَإِذ غَدَوْت من أهلك} يَعْنِي: يَوْم أحد {تبوئ} أَي: تنزل {الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} قَالَ الْكَلْبِيّ: يَعْنِي: بني حَارِثَة، وَبني سَلمَة، حَيَّيْنِ من الْأَنْصَار، وَكَانُوا هموا أَلا يخرجُوا مَعَ رَسُول الله، فَعَصَمَهُمْ الله وَهُوَ قَوْله: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّة} يذكرهم نعْمَته عَلَيْهِم. قَالَ قَتَادَة: نَصرهم الله يَوْم بدر بِأَلف من الْمَلَائِكَة مُردفِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 {إِذْ تَقول للْمُؤْمِنين} رَجَعَ إِلَى قصَّة أحد {أَلَنْ يكفيكم أَن يمدكم} أَي: يقويكم ربكُم {بِثَلاثَةِ آلافٍ من الْمَلَائِكَة منزلين} ينزلهم الله عَلَيْكُم من السَّمَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ من فورهم هَذَا} من (وجههم) هَذَا {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: عَلَيْهِم سِيما الْقِتَال. قَالَ مُحَمَّد: السُّومة: الْعَلامَة الَّتِي يُعْلم بهَا الْفَارِس نَفسه. قَالَ الشّعبِيّ: وعده خَمْسَة آلَاف إِن جَاءُوا من ذَلِك الْفَوْر، فَلم يجيئوا من ذَلِك الْفَوْر، وَلم يمده بِخَمْسَة آلَاف، وَإِنَّمَا أمده بِأَلف مُردفِينَ، وبثلاثة آلَاف منزلين؛ فهم أَرْبَعَة آلَاف، وهم الْيَوْم فِي جنود الْمُسلمين. [آيَة 126 - 132] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 {وَمَا جعله الله} يَعْنِي: المدد {إِلا بُشْرَى لَكُمْ} تستبشرون بهَا وتفرحون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 {ولتطمئن قُلُوبكُمْ بِهِ} أَي: لتسكن بِهِ [قُلُوبكُمْ] {وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أويكبتهم} أَي: يخزيهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 {فينقلبوا خائبين} قَالَ مُحَمَّد: قَوْله {طرفا} يَعْنِي: قِطْعَة، وَقَوله: {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} قيل: الأَصْل فِيهِ: يكبدهم؛ أَي: يصيبهم فِي أكبادهم بالحزن والغيظ، التَّاء مبدلة فِيهِ من دَال؛ لقرب مخرجيهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} الْآيَة. يَحْيَى: عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام أُدْمِيَ وَجْهُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ أَدْمَوْا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ؟! فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَو يعذبهم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ}). قَالَ يحيى: فِيهَا تَقْدِيم وَتَأْخِير؛ قَالَ: ليقطع طرفا من الَّذين كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ؛ فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ، لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 وَمعنى: {أَو يَتُوب عَلَيْهِم} يرجعُونَ إِلَى الْإِيمَان {أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} بإقامتهم على الشّرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أضعافا مضاعفة} كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا حل دين أحدهم على صَاحبه؛ فتقاضاه، قَالَ: أخر عني وَأَزِيدك. [آيَة 133 - 136] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وجنة عرضهَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ كريب مولى ابْن عَبَّاس: سبع سموات وَسبع أَرضين يلفقن جَمِيعًا كَمَا تلفق الثِّيَاب بَعْضهَا إِلَى بعض، وَلَا يصف أحد طولهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} أَي: فِي الْيُسْر والعسر (ل 52) {والكاظمين الغيظ} قَالَ مُحَمَّد: أصل الكظم: الْحَبْس. يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا جَرَعَ أَحَدٌ جَرْعَةً خَيْرٌ لَهُ مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 قَوْله: {وَالْعَافِينَ عَن النَّاس} يَحْيَى: عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَفْضَلُ أَخْلَاق (الْمُسلمين) الْعَفو)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظلمُوا أنفسهم ذكرُوا الله} فخافوه وتابوا إِلَيْهِ {وَلم يصروا} أَي: لم يقيموا {عَلَى مَا فعلوا} من الْمعْصِيَة. يَحْيَى: عَنْ أَبَانَ الْعَطَّارِ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: لَا قَلِيلَ مَعَ إِصْرَارٍ، وَلا كَثِيرَ مَعَ اسْتِغْفَار. [آيَة 137 - 140] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} يَعْنِي: مَا عذب الله بِهِ الْأُمَم السالفة حِين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 كذبُوا رسلهم {فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} أَي: كَانَ عاقبتهم أَن دمر الله عَلَيْهِم، ثمَّ صيرهم إِلَى النَّار؛ يُحَذرهُمْ بذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 {هَذَا بَيَان للنَّاس} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: هَذَا الْقُرْآن بَيَان للنَّاس عَامَّة {وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتقين} خصوا بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 {وَلَا تهنوا وَلَا تحزنوا} أَي: لَا تضعفوا عَن قتال الْمُشْركين {وَأَنْتُم الأعلون} يَعْنِي: الظاهرين المنصورين {إِنْ كُنْتُمْ} يَعْنِي: إِذا كُنْتُم {مُؤْمِنِينَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْم قرح مثله} قَالَ قَتَادَة: الْقرح: الْجراح، وَذَلِكَ يَوْم أحد؛ فَشَا فِي أَصْحَاب رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ الْقَتْل والجراحة؛ فَأخْبرهُم الله أَن الْقَوْم قد أَصَابَهُم من ذَلِك مثل مَا أَصَابَكُم، وَأَن الَّذِي أَصَابَكُم عُقُوبَة؛ وَتَفْسِير تِلْكَ الْعقُوبَة بعد هَذَا الْموضع. قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: قَرْح وقُرْح، وَقد قرئَ بهما، والقرح بِالضَّمِّ: ألم الْجراح، والقرح بِالْفَتْح: الْجراح. {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُم شُهَدَاء} قَالَ قَتَادَة: لَوْلَا أَن الله جعلهَا دُوَلا مَا أوذي الْمُؤْمِنُونَ، وَلَكِن قد يدال الْكَافِر من الْمُؤمن، ويدال الْمُؤمن من الْكَافِر؛ ليعلم الله من يطيعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 مِمَّن يعصيه؛ وَهَذَا علم الفعال. [آيَة 141 - 144] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 {وليمحص الله الَّذين آمنُوا} أَي: يختبرهم؛ فِي تَفْسِير مُجَاهِد {ويمحق الْكَافرين} أَي: يمحق أَعْمَالهم يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ مُحَمَّد: وَقيل: معنى {وَلِيُمَحِّصَ الله} أَي: يمحص ذنوبهم؛ والتمحيص أَصله: التنقية، والتخليص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلما يعلم الله} أَي: وَلم يعلم الله {الَّذِينَ جاهدوا مِنْكُم وَيعلم الصابرين}. قَالَ مُحَمَّد: الْقِرَاءَة {وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} بِالْفَتْح على الصّرْف من الْجَزْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُم تنْظرُون} إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 السيوف بأيدي الرِّجَال. قَالَ قَتَادَة: أنَاس من الْمُسلمين لم يشْهدُوا يَوْم بدر، فَكَانُوا يتمنون أَن يرَوا قتالا؛ فيقاتلوا، فسيق إِلَيْهِم الْقِتَال يَوْم أحد. قَالَ غير قَتَادَة: فَلم يثبت مِنْهُم إِلَّا من شَاءَ الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خلت من قبله الرُّسُل} الْآيَة تَفْسِير قَتَادَة قَالَ: ذَلِك يَوْم أحد حِين أَصَابَهُم الْقرح وَالْقَتْل؛ فَقَالَ أنَاس مِنْهُم: لَو كَانَ نَبيا مَا قتل، وَقَالَ نَاس من علية أَصْحَاب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: قَاتلُوا على مَا قَاتل عَلَيْهِ نَبِيكُم؛ حَتَّى يفتح الله لكم، أَو تلحقوا بِهِ؛ فَقَالَ الله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أعقابكم} يَقُول ارتددتم [على أعقابكم] كفَّارًا بعد إيمَانكُمْ {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} إِنَّمَا يضر نَفسه {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ يجزيهم بِالْجنَّةِ. قَالَ مُحَمَّد: يُقَال لمن كَانَ على شَيْء، ثمَّ رَجَعَ عَنهُ: انْقَلب على عَقِبَيْهِ. [آيَة 145] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 [آيَة 146 - 148] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلا} لَا يَسْتَقْدِم، وَلَا يسْتَأْخر عَنهُ. قَالَ مُحَمَّد: وَنصب {كتابا} على معنى: كتب ذَلِك كتابا. {وَمن يرد ثَوَاب الدُّنْيَا ثؤته مِنْهَا} مثل قَوْله: (ل 53) {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيد وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا} يَعْنِي: الْجنَّة. قَالَ مُحَمَّد: وَقَوله: {وَمن يرد ثَوَاب الدُّنْيَا} قيل: مَعْنَاهُ: من كَانَ إِنَّمَا يقْصد بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 {وكأين من نَبِي} أَي: وَكم من نَبِي {قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} أَي: جموع كَثِيرَة، وتقرأ: {قَاتل مَعَه} {فَمَا وهنوا} أَي: ضعفوا وعجزوا. {وَمَا اسْتَكَانُوا} أَي: وَمَا ارْتَدُّوا عَن بصيرتهم. قَالَ مُحَمَّد: الرّبَّة: الْجَمَاعَة، وَيُقَال للْجمع: رِبِّي؛ كَأَنَّهُ نسب إِلَى الربة؛ فَإِذا جمع قيل: ربيون، وَمعنى اسْتَكَانُوا: خشعوا وذلوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 {وَمَا كَانَ قَوْلهم} حِين لقوا عدوهم {إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وإسرافنا فِي أمرنَا} يُرِيدُونَ: خطاياهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 {فآتاهم الله} أَعْطَاهُم {ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَة} أما ثَوَاب الدُّنْيَا: فالنصر على عدوهم، وَأما ثَوَاب الْآخِرَة: فالجنة. قَالَ مُحَمَّد: تقْرَأ {وَمَا كَانَ قَوْلهم} بِالرَّفْع وَالنّصب؛ فَمن قَرَأَ بِالرَّفْع: جعل خبر ((كَانَ)) مَا بعد ((إِلَّا)) وَالْأَكْثَر فِي الْكَلَام أَن يكون الِاسْم هُوَ مَا بعد ((إِلَّا)) فَيكون الْمَعْنى: وَمَا كَانَ قَوْلهم إِلَّا استغفارهم. [آيَة 149 - 151] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كفرُوا} يَعْنِي: الْيَهُود؛ فِي تَفْسِير الْحسن {يردوكم على أعقابكم} أَي: إِلَى الشّرك {فتنقلبوا} إِلَى الْآخِرَة {خَاسِرِينَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 {بل الله مولاكم} وَلِيكُم ينصركم ويعصمكم من أَن ترجعوا كَافِرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرعب} قَالَ الْحسن: يَعْنِي: مُشْركي الْعَرَب {بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ ينزل بِهِ سُلْطَانا} أَي: حجَّة بِمَا هم عَلَيْهِ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 الشّرك {ومأواهم النَّار} أَي: مصيرهم إِلَى النَّار {وَبِئْسَ مثوى الظَّالِمين} منزل الظَّالِمين الْمُشْركين {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} تَفْسِير الْحسن وَغَيره: [إِذا] تقتلونهم. قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: سنة حسوس؛ إِذا أَتَت على كل شَيْء، وجراد محسوس؛ إِذا قَتله الْبرد. {حَتَّى إِذا فشلتم} الْآيَة، قَالَ الْحسن: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((رَأَيْتنِي البارحة؛ كَأَن عليَّ درعا حَصِينَة، (فَأَوَّلتهَا} الْمَدِينَة، فأكمِنوا للْمُشْرِكين فِي أزقتها حَتَّى يدخلُوا عَلَيْكُم فِي أزقتها؛ فتقتلوهم. فَأَبت الْأَنْصَار من ذَلِك فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، منعنَا مدينتنا من تبع والجنود فنخلي بَين هَؤُلَاءِ الْمُشْركين وَبَينهَا يدْخلُونَهَا؟ {فَلَيْسَ رَسُول الله سلاحه، فَلَمَّا خَرجُوا من عِنْده أقبل بَعضهم على بعض، فَقَالُوا: مَا صنعنَا؛ أَشَارَ علينا رَسُول الله، فَرددْنَا رَأْيه، فَأتوهُ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، نكمن لَهُم فِي أزقتها؛ حَتَّى يدخلُوا فنقتلهم فِيهَا؛ فَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ لبني لبس لأمته - أَي: سلاحه - أَن يَضَعهَا؛ حَتَّى (يُقَاتل) قَالَ: فَبَاتَ رَسُول الله دونهم بليلة؛ فَرَأى رُؤْيا، فَأصْبح فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت البارحة كَأَن بقرًا ينْحَر، فَقلت: بقر} وَالله خير، وَإنَّهُ كائنة فِيكُم مُصِيبَة، وَإِنَّكُمْ ستلقونهم وتهزمونهم غَدا؛ فَإِذا هزمتموهم فَلَا تتبعوا المدبرين)) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 فَفَعَلُوا فلقوهم فهزموهم؛ كَمَا قَالَ رَسُول الله فأتبعوا المدبرين على وَجْهَيْن: أما بَعضهم: فَقَالُوا: مشركون وَقد أمكننا الله من أدبارهم فنقتلهم، فَقَتَلُوهُمْ على وَجه الْحِسْبَة، وَأما بَعضهم: فَقَتَلُوهُمْ لطلب الْغَنِيمَة، فَرجع الْمُشْركُونَ عَلَيْهِم فهزموهم، حَتَّى صعدوا أحدا؛ وَهُوَ قَوْله: [آيَة 152] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 {وَلَقَد صدقكُم الله وعده} لقَوْل رَسُول الله: إِنَّكُم ستلقونهم فتهزمونهم، فَلَا تتبعوا المدبرين. وَقَوله: {حَتَّى إِذا فشلتم} أَي: ضعفتم فِي أَمر رَسُول الله {وتنازعتم} اختلفتم فصرتم فرْقَتَيْن؛ تقاتلونهم على وَجْهَيْن. {وعصيتم} الرَّسُول {مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تحبون} من النَّصْر على عَدوكُمْ {مِنْكُمْ من يُرِيد الدُّنْيَا} يَعْنِي: الْغَنِيمَة {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَد عَفا عَنْكُم} حِين لم يستأصلكم {وَاللَّهُ ذُو فضل على الْمُؤمنِينَ}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 [آيَة 153 - 155] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 {إِذْ تصعدون} إِلَى الْجَبَل {وَلا تَلْوُونَ عَلَى أحد} يَعْنِي: النَّبِي. (ل 54) {وَالرَّسُول يدعوكم فِي أخراكم} جعل يَقُول: إليَّ عباد الله حَتَّى خص الْأَنْصَار؛ فَقَالَ: يَا أنصار الله [إليَّ، أَنا] رَسُول الله، فَرَجَعت الْأَنْصَار والمؤمنون. {فَأَثَابَكُمْ غما بغم} قَالَ يحيى: كَانُوا تحدثُوا يَوْمئِذٍ أَن نَبِي الله أُصِيب، وَكَانَ الْغم الآخر قتل أَصْحَابهم والجراحات الَّتِي فيهم؛ وَذكر لنا أَنه قُتِل يَوْمئِذٍ سَبْعُونَ رجلا: سِتَّة وَسِتُّونَ من الْأَنْصَار، وَأَرْبَعَة من الْمُهَاجِرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بغم} أَي: جازاكم غما مُتَّصِلا بغم. وَقَوله: {إِذْ تصعدون} تقْرَأ: {تصعدون} و {تَصْعَدُونَ}، فَمن قَرَأَ بِضَم التَّاء فَالْمَعْنى: تبعدون فِي الْهَزِيمَة، يُقَال: أصعد فِي الأَرْض؛ إِذا أمعن فِي الذّهاب، وَصعد الْجَبَل والسطح. {لِكَيْ لَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} من الْغَنِيمَة {وَلا مَا أَصَابَكُم} فِي أَنفسكُم من الْقَتْل والجراحات. قَالَ مُحَمَّد: قيل: أَي: ليَكُون غمكم؛ بأنكم خالفتم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَقَط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} تَفْسِير قَتَادَة: كَانُوا يَوْمئِذٍ فريقين: فَأَما الْمُؤْمِنُونَ: فغشاهم الله النعاس أَمَنَة مِنْهُ وَرَحْمَة، والطائفة الْأُخْرَى: المُنَافِقُونَ لَيْسَ لَهُم هَمٌّ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا من الْأَمر من شَيْء} قَالَ الْكَلْبِيّ: (هم المُنَافِقُونَ) قَالُوا لعبد الله بن أبي بن سلول: قتل بَنو الْخَزْرَج! فَقَالَ: وَهل لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ الله: {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ} يَعْنِي: النَّصْر {كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا} قَالَ الْكَلْبِيّ: كَانَ مَا أخفوا فِي أنفسهم أَن قَالُوا: لَو كُنَّا على شَيْء من الْأَمر - أَي: من الْحق - مَا قتلنَا هَا هُنَا، وَلَو كُنَّا فِي بُيُوتنَا مَا أَصَابَنَا الْقَتْل. قَالَ الله للنَّبِي: (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وليمحص مَا فِي قُلُوبكُمْ} أَي: يطهره {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الصُّدُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ التقى الْجَمْعَانِ} تَفْسِير قَتَادَة قَالَ: كَانَ أنَاس من أَصْحَاب النَّبِي توَلّوا عَن الْقِتَال، وَعَن نَبِي الله عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم أحد وَكَانَ ذَلِك من أَمر الشَّيْطَان وتخويفه؛ فَأنْزل الله: {وَلَقَد عَفا الله عَنْهُم ... .} الْآيَة. [156 - 159] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْض} يَعْنِي: التِّجَارَة {أَوْ كَانُوا غُزًّى} يَعْنِي: فِي الْغَزْو. قَالَ مُحَمَّد: {غزى} جمع (غَازٍ} مثل: قَاس وقسى، وعاف وَعفى قَالَ الْحسن: هم المُنَافِقُونَ {وَقَالُوا لإخوانهم} يَعْنِي: إخْوَانهمْ فِيمَا يظْهر المُنَافِقُونَ من الْإِيمَان. {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قتلوا} قَالُوا هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا نِيَّة لَهُم فِي الْجِهَاد. قَالَ الله: {لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبهم} وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا يجاهدون قوما على دينهم، فَذَلِك عَلَيْهِم عَذَاب وحسرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خير مِمَّا تجمعون} أَي: من الدُّنْيَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُم} أَي: فبرحمة من الله ورضوان و (مَا) صلَة زَائِدَة {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُم} أمره أَن يعْفُو عَنْهُم مَا لم يلْزمهُم من حكم أَو حد. {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمر} أمره الله أَن يشاور أَصْحَابه فِي الْأُمُور؛ لِأَنَّهُ أطيب لأنفس الْقَوْم، وَأَن الْقَوْم إِذا شاور بَعضهم بَعْضًا، وَأَرَادُوا بذلك وَجه الله - عزم الله لَهُم على أرشده. [آيَة 160 - 163] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لكم} الْآيَة، وَقد أعلم الله وَرَسُوله وَالْمُؤمنِينَ أَنهم منصورون، وَكَذَلِكَ إِن خذلهم لن ينصرهم من بعده نَاصِر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: أَن يغله أَصْحَابه من الْمُؤمنِينَ {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 يَحْيَى: عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ((وَالَّذِي نَفسِي (ل 55) بِيَدِهِ، لَا يَغُلُّ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْمَالِ بَعِيرًا إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَامِلَهُ عَلَى عُنُقِهِ لَهُ رُغَاءٌ، وَلا بَقَرَةً إِلا جَاءَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَامِلَهَا عَلَى عُنُقِهِ وَلَهَا خُوَارٌ، وَلا شَاةً إِلا جَاءَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَامِلَهَا عَلَى عُنُقِهِ وَهِيَ تَيْعَرُ)). قَالَ مُحَمَّد: معنى (تَيْعر): تصيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاء بسخط من الله} أَي: اسْتوْجبَ سخط الله؛ يَقُول: أَهما سَوَاء؟! على وَجه الِاسْتِفْهَام أَي: أَنَّهُمَا ليسَا بِسَوَاء {وَمَأْوَاهُ} مصيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 {هم دَرَجَات عِنْد الله} يَعْنِي: أهل النَّار بَعضهم أَشد عذَابا من بعض، وَأهل الْجنَّة بَعضهم أرفع دَرَجَات من بعض. قَالَ مُحَمَّد: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ الله} الْمَعْنى: هم [ذَوُو] دَرَجَات. [آيَة 164] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 [آيَة 165 - 168] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} يَعْنِي: يصلحهم. {وَيُعلمهُم الْكتاب} الْقُرْآن {وَالْحكمَة} السّنة {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ} أَن يَأْتِيهم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام {لفي ضلال مُبين} بَين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 {أَو لما أَصَابَتْكُم مُصِيبَة} أَي: يَوْم أحد. {قَدْ أَصَبْتُمْ مثليها} يَوْم بدر {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} أَي: من أَيْن أوتينا وَنحن مُؤمنُونَ وَالْقَوْم مشركون؟! {قُلْ هُوَ من عِنْد أَنفسكُم} بمعصيتكم رَسُول الله حِين أَمركُم أَلا تتبعوا المدبرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} يَعْنِي: جمع الْمُؤمنِينَ، وَجمع الْمُشْركين يَوْم أحد {فبإذن الله} أَي: الله أذن فِي ذَلِك {وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا} وَهَذَا علم الفعال. {وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَو ادفعوا} أَي: كَثُرُوا السوَاد {قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمئِذٍ أقرب مِنْهُم للْإيمَان} وَإِذا قَالَ الله: {أقرب} قَالَ الْحسن: فَهُوَ الْيَقِين؛ أَي: إِنَّهُم كافرون. قَالَ الْكَلْبِيّ: كَانُوا ثَلَاثمِائَة مُنَافِق؛ رجعُوا مَعَ عبد الله بن أبي ابْن سلول؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 فَقَالَ لَهُم جَابر بن عبد الله: أنْشدكُمْ الله فِي نَبِيكُم ودينكم وذراريكم. قَالُوا: وَالله لَا يكون الْيَوْم قتال، وَلَو نعلم قتالا لَاتَّبَعْنَاكُمْ. قَالَ الله: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 {الَّذين قَالُوا لإخوانهم} يَعْنِي: من قُتِلَ من الْمُؤمنِينَ يَوْم أُحُد هم فِيمَا أظهره المُنَافِقُونَ من الْإِيمَان إخْوَانهمْ {وَقَعَدُوا} عَن الْقِتَال {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قتلوا} أَي: مَا خَرجُوا مَعَ مُحَمَّد. قَالَ الله لنَبيه: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقين} أَي: لَا تَسْتَطِيعُونَ أَن تدرءوه، يَعْنِي: تدفعوه. [آيَة 169 - 171] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْد رَبهم يرْزقُونَ}. قَالَ مُحَمَّد: {بل أَحيَاء} بِالرَّفْع؛ الْمَعْنى: بل هم أَحيَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضله} أَي: من الشَّهَادَة والرزق {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلفهم} الْآيَة، يَقُول بَعضهم لبَعض: تركنَا إِخْوَاننَا: فلَانا وَفُلَانًا وَفُلَانًا يُقَاتلُون الْعَدو؛ فَيُقْتَلون إِن شَاءَ الله؛ فيصيبون من الرزق والكرامة والأمن. يَحْيَى: عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ((لَمَّا قَدِمَتْ أَرْوَاحُ أَهْلِ أُحُدٍ عَلَى اللَّهِ، جُعِلَتْ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ يُجَاوِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا بِصَوْتٍ لَمْ تَسْمَعِ الْخَلائِقُ بِمِثْلِهِ؛ يَقُولُونَ: يَا لَيْتَ إِخْوَانَنَا الَّذِينَ خَلَّفْنَا مِنْ بَعْدِنَا عَلِمُوا مِثْلَ الَّذِي عَلِمْنَا فَسَارَعُوا إِلَى مِثْلِ مَا سَارَعْنَا فِيهِ؛ فَإِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا، فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ لَيُخْبِرَنَّ نَبِيَّهُ بِذَلِكَ حَتَّى يُخْبِرَهُمْ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} إِلَى قَوْله: {أجر الْمُؤمنِينَ} [آيَة 172 - 175] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 [176 - 177] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بعد مَا أَصَابَهُم الْقرح} يَعْنِي: الْجراح؛ وَذَلِكَ يَوْم أُحُد؛ حَيْثُ قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((رَحِمَ اللَّهُ قوما ينتدبون حَتَّى يعلم الْمُشْركُونَ أَنا لم نستأصل، وَأَن فِينَا بَقِيَّة فَانْتدبَ قوم مِمَّن أَصَابَتْهُم الْجراح)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاس قد جمعُوا لكم} إِلَى قَوْله: (ل 56) {وَالله ذُو فضل عَظِيم} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: بلغنَا: ((أَن أَبَا سُفْيَان يَوْم [أحد] حِين أَرَادَ أَن ينْصَرف قَالَ: يَا مُحَمَّد، موعد مَا بَيْننَا وَبَيْنكُم موسم بدر الصُّغْرَى أَن نُقَاتِل بهَا إِن شِئْت؛ فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَلِك بَيْننَا وَبَيْنك. فَانْصَرف أَبُو سُفْيَان فَقدم مَكَّة، فلقي رجلا من أَشْجَع يُقَال لَهُ: نعيم بن مَسْعُود؛ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قد وَاعَدت مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه وَلَا أخرج إِلَيْهِم، وأكره أَن يخرج مُحَمَّد وَأَصْحَابه وَلَا أخرج؛ فيزيدهم ذَلِك عَليّ جرْأَة، وَيكون الْخلف مِنْهُم أحب إِلَيّ، فلك عشرَة من الْإِبِل إِن أَنْت حَبسته عني فَلم يخرج؛ فَقدم الْأَشْجَعِيّ الْمَدِينَة، وَأَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَهَّزُونَ لميعاد أبي سُفْيَان؛ فَقَالَ: أَيْن تُرِيدُونَ؟ فَقَالُوا: واعدنا أَبَا سُفْيَان أَن نَلْتَقِي بِمَوْسِم بدر فنقتتل بهَا، فَقَالَ: بئس الرَّأْي رَأَيْتُمْ، أَتَوْكُم فِي دِيَاركُمْ وقراركم؛ فَلم يُفْلت مِنْكُم إِلَّا شريد؛ وَأَنْتُم تُرِيدُونَ أَن تخْرجُوا إِلَيْهِم وَقد جمعُوا لكم عِنْد الْمَوْسِم، وَالله إِذن لَا يفلت مِنْكُم أحد؛ فكره أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 يخرجُوا، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأخْرجَن، وَإِن لم يخرج معي مِنْكُم أحد! فَخرج مَعَه سَبْعُونَ رجلا؛ حَتَّى وافوا مَعَه بَدْرًا، وَلم يخرج أَبُو سُفْيَان وَلم يكن قتال، فتسوقوا فِي السُّوق، ثمَّ انصرفوا)). فَهُوَ قَوْله: {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس} يَعْنِي: نعيما الْأَشْجَعِيّ {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 {فانقلبوا بِنِعْمَة من الله} يَعْنِي: الْأجر {وَفضل} يَعْنِي: مَا تسوقوا بِهِ {لَمْ يمسسهم سوء} قتل وَلَا هزيمَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} أَي: يخوفكم من أوليائه الْمُشْركين {فَلا تَخَافُوهُمْ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 {وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر} (أَي: اخْتَارُوا الْكفْر) على الْإِيمَان، وهم المُنَافِقُونَ؛ فِي تَفْسِير الْحسن. {يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حظا} نَصِيبا من الْجنَّة. [آيَة 178 - 180] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نملي لَهُم خير لأَنْفُسِهِمْ} الْآيَة، قَالَ مُحَمَّد: معنى {نُمْلِي لَهُم} نطيل لَهُم ونمهلهم، وَنصب (أَنَّمَا) بِوُقُوع (يَحسبن) عَلَيْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يُمَيّز} أَي: يعْزل {الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} ميز الْمُؤمنِينَ من الْمُنَافِقين يَوْم أحد؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة. {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} قَالَ المُنَافِقُونَ: مَا شَأْن مُحَمَّد؛ إِن كَانَ صَادِقا لَا يخبرنا بِمن يُؤمن بِهِ قبل أَن يُؤمن؟ فَقَالَ الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ الله يجتبي} أَي: يستخلص {مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاء} فيطلعه على مَا يَشَاء (من الْغَيْب). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خيرا لَهُم} قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي: الْبُخْل خيرا لَهُمْ. {بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سيطوقون مَا بخلوا بِهِ} قَالَ الْكَلْبِيّ: يطوق شجاعين فِي عُنُقه؛ فيلدغان جَبهته وَوَجهه؛ يَقُولَانِ: أَنا كَنْزك الَّذِي كنزت، أَنا الزَّكَاة الَّتِي بخلت بهَا. {وَلِلَّهِ مِيرَاث السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَي: يبْقى، وتفنون أَنْتُم. [آيَة 181] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 [آيَة 182 - 185] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء} قَالَت الْيَهُود: إِن الله استقرضكم، وَإِنَّمَا يستقرض الْفَقِير، قَالُوهُ لقَوْل الله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قرضا حسنا} قَالَ الله: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وقتلهم الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق} يَعْنِي: بِهَذَا: أوائلهم الَّذين قتلوا الْأَنْبِيَاء {وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} يَعْنِي: فِي الْآخِرَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ} من القربان الَّذِي تَأْكُله النَّار؛ فَلم تؤمنوا بهم وَقَتَلْتُمُوهُمْ {فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} إِنَّ اللَّهَ عهد إِلَيْكُم ذَلِك؛ يَعْنِي بِهِ أوائلهم وَكَانَت الْغَنِيمَة قبل هَذِه (ل 57) الْأمة [لَا تحل لَهُم] كَانُوا يجمعونها فتنزل عَلَيْهَا نَار من السَّمَاء؛ فتأكلها. قَالَ مُجَاهِد: وَكَانَ الرجل إِذا تصدق بِصَدقَة فتقبلت مِنْهُ أنزلت عَلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 نَار، فَأَكَلتهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} يَعْنِي: الْحجَج والكتب {وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} يَعْنِي: الْحَلَال وَالْحرَام. قَالَ الْحسن: أَمر الله نبيه بِالصبرِ وَعَزاهُ، وأعلمه أَن الرُّسُل قد لقِيت فِي جنب الله أَذَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغرُور} عَزَّى الله رَسُوله وَالْمُؤمنِينَ عَن الدُّنْيَا، وَأخْبرهمْ أَن ذَلِك يصير بَاطِلا. [آيَة 186 - 187] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 {لتبلون} لتختبرن {فِي أَمْوَالكُم وَأَنْفُسكُمْ} الْآيَة؛ ابْتَلَاهُم فِي أَمْوَالهم [وأنفسهم] فَفرض عَلَيْهِم أَن يجاهدوا فِي سَبيله بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم، وَأَن يؤدوا الزَّكَاة، ثمَّ أخْبرهُم أَنهم سيؤذون فِي جنب الله، وَأمرهمْ بِالصبرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكتاب لتبيننه للنَّاس} الْآيَة، هَذَا مِيثَاق أَخذه الله على الْعلمَاء من أهل الْكتاب؛ أَن يبينوا للنَّاس مَا فِي كِتَابهمْ، وَفِيه رَسُول الله وَالْإِسْلَام {فنبذوه وَرَاء ظُهُورهمْ} وَكَتَبُوا كتبا بِأَيْدِيهِم؛ فحرفوا كتاب الله {وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا} يَعْنِي: مَا كَانُوا يصيبون عَلَيْهِ من عرض الدُّنْيَا {فَبِئْسَ مَا يشْتَرونَ} اشْتَروا النَّار بِالْجنَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 يَحْيَى: عَنْ خِدَاشٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: ((مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عِنْدَهُ فَكَتَمَهُ؛ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بلجام من نَار)). [آيَة 188 - 189] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا} هم الْيَهُود، قَالَ الْحسن: دخلُوا على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام، فصبروا على دينهم، فَخَرجُوا إِلَى النَّاس؛ فَقَالُوا لَهُم: مَا صَنَعْتُم مَعَ مُحَمَّد؟ فَقَالُوا: آمنا بِهِ ووافقناه، فَقَالَ الله: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذين يفرحون بِمَا أَتَوا} يَقُول: فرحوا بِمَا فِي أَيْديهم حِين لم يوافقوا مُحَمَّدًا {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} أَي: بمنجاة. [آيَة 190 - 194] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 [آيَة 195] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 {إِن فِي خلق السَّمَاوَات وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولي الْأَلْبَاب} [يَعْنِي: أولي الْعُقُول]؛ وهم الْمُؤْمِنُونَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وعَلى جنُوبهم} تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: هَذِه حالاتك يَا ابْن آدم؛ فاذكر الله وَأَنت قَائِم؛ فَإِن لم تستطع فاذكره وَأَنت جَالس، فَإِن لم تستطع فاذكره وَأَنت على جَنْبك؛ يسرا من الله وتخفيفا. {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض رَبنَا} يَقُولُونَ: رَبنَا {مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا} أَي: إِن ذَلِك سيصير بِإِذن الله إِلَى الميعاد {سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَاب النَّار} اصرف عَنَّا عَذَاب النَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 {وَمَا للظالمين} الْمُشْركين {مِنْ أَنْصَارٍ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي للْإيمَان} وَهُوَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام {أَن آمنُوا بربكم} الْآيَة. قَالَ الْحسن: أَمرهم الله أَن يدعوا بتكفير مَا مضى من الذُّنُوب والسيئات، والعصمة فِيمَا بَقِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رسلك} أَي: على أَلْسِنَة رسلك؛ وعد الله الْمُؤمنِينَ على أَلْسِنَة رسله أَن يدخلهم الْجنَّة إِذا أطاعوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بعض} أشرك الله بَين الذّكر وَالْأُنْثَى {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} إِلَى قَوْله: {حسن الثَّوَاب} هَذَا للرِّجَال دون النِّسَاء؛ فَسَأَلت عَائِشَة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هَل على النِّسَاء جِهَاد؟ قَالَ: نعم، جِهَاد لَا قتال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 فِيهِ؛ الْحَج وَالْعمْرَة)). قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {أَنِّي لَا أضيع} تقْرَأ بِفَتْح الْألف وبكسرها؛ فَمن قَرَأَهَا بِالْفَتْح فَالْمَعْنى: فَاسْتَجَاب لَهُم رَبهم بِأَنِّي لَا أضيع، وَمن قَرَأَهَا بِالْكَسْرِ فَالْمَعْنى: قَالَ لَهُم: إِنِّي لَا أضيع، و ((ثَوَابًا)} مصدر مُؤَكد. [آيَة 196 - 198] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَاد} بِغَيْر عَذَاب، إِنَّمَا هُوَ مَتَاع قَلِيل ذَاهِب. قَالَ مُحَمَّد: وَقيل: معنى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كفرُوا فِي الْبِلَاد} أَي: تصرفهم فِي التِّجَارَة، وإصابتهم الْأَمْوَال؛ خطاب للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَالْمرَاد: الْمُؤْمِنُونَ؛ أَي: لَا يَغُرنكُمْ أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ. (ل 58) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 قَوْله: {نُزُلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أَي: ثَوابًا وَرِزْقًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 قَالَ مُحَمَّد: {نزلا} مصدر مُؤَكد. [آيَة 199 - 100] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤمن بِاللَّه} يَعْنِي: من آمن مِنْهُم {وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشعين لله} الْخُشُوع: المخافة الثَّابِتَة فِي الْقلب. قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا؛ أَنَّهَا نزلت فِي النَّجَاشِيّ وأناس من أَصْحَابه؛ آمنُوا بِنَبِي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} تَفْسِير قَتَادَة: أَي: اصْبِرُوا على طَاعَة الله، وَصَابِرُوا أهل الضَّلَالَة، وَرَابطُوا فِي سَبِيل الله {وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تفلحون} وَهِي وَاجِبَة [لمن فعل] والمفلحون: السُّعَدَاء. قَالَ مُحَمَّد: أصل المرابطة: أَن يرْبط هَؤُلَاءِ خيولهم، وَهَؤُلَاء خيولهم بالثغر؛ كُلٌّ مُعِدٌّ لصَاحبه، فَسُمي الْمقَام بالثغور رِبَاطًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 تَفْسِير سُورَة النِّسَاء وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم [آيَة 1 - 3] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 قَوْله: {يَا أَيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ من نفس وَاحِدَة} [يَعْنِي: آدم {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} يَعْنِي: حَوَّاء] قَالَ قَتَادَة: خلقهَا من ضلع من أضلاعه القصيراء. وَقَالَ [مُجَاهِد: من جنبه الْأَيْسَر. يَحْيَى:] عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [((إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ، وَإِنَّكَ إِنْ تُرِدْ إِقَامَةَ] الضِّلْعِ تَكْسِرْهَا، فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا)). {وَبث مِنْهُمَا} أَي: [خلق. {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام} أَي: وَاتَّقوا الْأَرْحَام أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 تقطعوها. هَذَا تَفْسِير من قَرَأَهَا بِالنّصب، وَمن قَرَأَهَا بِالْجَرِّ، أَرَادَ: الَّذِي تسْأَلُون بِهِ والأرحام، وَهُوَ قَول الرجل: نشدتك بِاللَّه وبالرحم. {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} حفيظاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 {وَآتوا الْيَتَامَى أَمْوَالهم} يَعْنِي: إِذا بلغُوا {وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبيث بالطيب} قَالَ الْحسن: الْخَبيث: أكل أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما، وَالطّيب: الَّذِي رزقكم الله؛ يَقُول: لَا تذروا الطّيب، وتأكلوا الْخَبيث {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالكُم} يَعْنِي: مَعَ أَمْوَالكُم {إِنَّهُ كَانَ حوبا كَبِيرا} أَي: ذَنبا. قَالَ مُحَمَّد: وَفِيه لُغَة أُخْرَى: حَوْبًا بِفَتْح الْحَاء، وَقد قرئَ بهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 {وَإِن خِفْتُمْ أَلا تقسطوا} أَي: تعدلوا {فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لكم} يَعْنِي: مَا حل لكم من النِّسَاء قَالَ قَتَادَة: يَقُول: كَمَا خِفْتُمْ الْجور فِي الْيَتَامَى، وأهمكم ذَلِك، فَكَذَلِك فخافوه فِي جَمِيع النِّسَاء، وَكَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة يتَزَوَّج الْعشْر فَمَا دون ذَلِك، فأحل الله لَهُ أَرْبعا؛ فَقَالَ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} يَقُول: إِن خفت أَلا تعدل فِي أَربع فانكح ثَلَاثًا، فَإِن خفت أَلا تعدل فِي ثَلَاث فانكح اثْنَتَيْنِ، فَإِن خفت أَلا تعدل فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 اثْنَتَيْنِ فانكح وَاحِدَة، أَو مَا ملكت يَمِينك، يطَأ بِملك يَمِينه كم يَشَاء {ذَلِكَ أدنى أَلا تعولُوا} أَي: أَجْدَر أَلا تميلوا. [آيَة 4 - 5] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 {وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: فَرِيضَة. قَالَ مُحَمَّد: اخْتلف القَوْل فِي {نِحْلَةً} فَقيل: الْمَعْنى: نحلة من الله - عز وَجل - للنِّسَاء، إِذْ جعل على الرجل الصَدَاق، وَلم يَجْعَل على الْمَرْأَة شَيْئا، يُقَال: نحلت الرجل إِذا وهبت لَهُ هبة، ونحلت الْمَرْأَة، وَقَالَ بَعضهم: معنى {نحلة}: ديانَة؛ كَمَا تَقول: فلَان ينتحل كَذَا؛ أَي: يدين بِهِ. و {صدقاتهن} جمع: صَدَقَة، يُقَال: هُوَ صدَاق الْمَرْأَة، وَصدقَة الْمَرْأَة. {فَإِنْ طِبْنَ لكم عَن شَيْء مِنْهُ} يَعْنِي: الصَدَاق {نفسا} [يَعْنِي: نَفسهَا] {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: مَا طابت بِهِ نَفسهَا فِي غير كُرْهٍ؛ فقد أحل الله لَهَا أَن تَأْكُله. قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: هنأني الطَّعَام ومرأني بِغَيْر ألف؛ فَإِذا أفردوا مرأني قَالُوا: أمرأني بِالْألف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 {وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم} قَالَ الْكَلْبِيّ: يَعْنِي: النِّسَاء وَالْأَوْلَاد؛ إِذا علم الرجل أَن امْرَأَته سَفِيهَة مفْسدَة، أَو ابْنه سَفِيه مُفسد؛ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يُسَلط أَيهمَا على مَاله. (ل 59) قَالَ مُحَمَّد: والسفه فِي اللُّغَة أَصله: الْجَهْل. (الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِوَامًا) لمعايشكم وصلاحكم، وتقرأ {قيَاما} قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: هَذَا قوام أَمرك وقيامه؛ أَي: مَا يقوم بِهِ أَمرك. وَمن قَرَأَ (قِيَمًا) فَهُوَ رَاجع إِلَى هَذَا؛ أَي: جعلهَا الله قيم الْأَشْيَاء؛ فبها تقوم. {وارزقوهم فِيهَا} يَعْنِي: من الْأَمْوَال {وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُم قولا مَعْرُوفا} يَعْنِي: الْعدة الْحَسَنَة. [آيَة 6] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 {وابتلوا الْيَتَامَى} أَي: اختبروا عُقُولهمْ وَدينهمْ {حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح} يَعْنِي: الْحلم. {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رشدا} صلاحا فِي دينهم {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يكبروا} أَي: مبادرة أَن يكبروا فيأخذوها مِنْكُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ} تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: كَانَ الرجل يَلِي مَال الْيَتِيم يكون لَهُ الْحَائِط من النّخل، فَيقوم على (صَلَاحه وسقيه، فَيُصِيب من تمره، وَتَكون لَهُ الْمَاشِيَة، فَيقوم على) صَلَاحهَا، ويلي علاجها ومؤنتها، فَيُصِيب من جزازها وعوارضها ورسلها [يَعْنِي بالعوارض: الخرفان، وَالرسل: السّمن وَاللَّبن] فَأَما رِقَاب المَال فَلَيْسَ لَهُ أَن يستهلكه. يَحْيَى: عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ (عَنْ أَبِي الْخَيْرِ) ((أَنَّهُ سَأَلَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الأَنْصَارِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ} فَقَالُوا: فِينَا وَاللَّهِ أُنْزِلَتْ، كَانَ الرَّجُلُ يَلِي مَالَ الْيَتِيمِ لَهُ النَّخْلُ، فَيَقُومُ لَهُ عَلَيْهَا؛ فَإِذَا طَابَتِ الثَّمَرَةُ، كَانَتْ يَدُهُ مَعَ أَيْدِيهِمْ مِثْلَ مَا كَانُوا مُسْتَأْجِرِينَ بِهِ غَيْرَهُ فِي الْقِيَامِ عَلَيْهَا)). يَحْيَى: عَنْ نَصْرِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ: ((أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فِي حِجْرِي يَتِيمًا أَفَأَضْرِبُهُ؟ قَالَ: اضْرِبْهُ مِمَّا كُنْتَ ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَكَ. قَالَ: أَفَآكُلُ مِنْ مَالِهِ؟ قَالَ: بِالْمَعْرُوفِ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 مِنْ مَالِهِ مَالا، وَلا وَاقٍ مَالَكَ بِمَالِهِ)). قَوْله: {وَكَفَى بِاللَّهِ حسيبا} أَي: حفيظاً [آيَة 7 - 10] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 {لِلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} الْآيَة، هَذَا حِين بَين الله فَرَائض الْمَوَارِيث، نزلت آيَة الْمَوَارِيث قبل هَذِه الْآيَة، وَهِي بعْدهَا فِي التَّأْلِيف؛ وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة لَا يُعْطون النِّسَاء من الْمِيرَاث، وَلَا الصَّغِير شَيْئا، وَإِنَّمَا كَانُوا يُعْطون من يحترف وينفع وَيدْفَع، فَجعل الله لَهُم من ذَلِك (مِمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا)! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 2 - 2 ! (وَإِذا حضر الْقِسْمَة أولُوا الْقُرْبَى} الْآيَة، يَعْنِي: قسْمَة الْمَوَارِيث. تَفْسِير الْحسن: إِن كَانُوا يقتسمون مَالا أَو مَتَاعا أعْطوا مِنْهُ، وَإِن كَانُوا يقتسمون دورا أَو رَقِيقا قيل لَهُم: ارْجعُوا رحمكم الله؛ فَهَذَا قَول مَعْرُوف، وَكَانَ الْحسن يَقُول: لَيست بمنسوخة. وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: هِيَ مَنْسُوخَة نسختها آيَة الْمَوَارِيث. يحيى: وَهُوَ قَول الْعَامَّة أَنَّهَا مَنْسُوخَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلفهم ذُرِّيَّة ضعافاً} تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: يَقُول: من حضر مَيتا فليأمره بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان، ولينهه عَن الحيف والجور فِي وَصيته، وليخش على عِيَاله مَا كَانَ خَائفًا على عِيَال من حَضَره الْمَوْت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} أَي: إِنَّمَا يَأْكُلُون بِهِ نَارا. [آيَة 11] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} يَعْنِي: أَكثر من اثْنَتَيْنِ. {فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَة فلهَا النّصْف} قَالَ مُحَمَّد: (أَعْطَيْت الابنتان الثُّلثَيْنِ) بِدَلِيل لَا يفْرض مُسَمّى لَهما؛ وَالدَّلِيل قَوْله: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فلهَا نصف مَا ترك} فقد صَار للْأُخْت النّصْف، كَمَا أَن للابنة النّصْف {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ} فَأعْطيت (ل 60) البنتان الثُّلثَيْنِ؛ كَمَا أَعْطَيْت الْأخْتَان، وَأعْطِي جملَة الْأَخَوَات الثُّلثَيْنِ؛ قِيَاسا على مَا ذكر الله فِي جملَة الْبَنَات. {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ ولد} ذكر أَو ولد ابْن ذكر [أَو أنثي] وَإِن ترك ابْنَتَيْن أَو أَكثر وأبويه فَكَذَلِك أَيْضا، وَإِن ترك ابْنَته وأبويه، فللابنة النّصْف وَللْأُمّ ثلث مَا بَقِي وَمَا بَقِي فللأب، وَلَيْسَ للْأُم مَعَ الْوَلَد الْوَاحِد أَو أَكثر؛ ذكرا كَانَ أَو أنثي إِلَّا السُّدس. {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} هَذَا إِذا لم يكن لَهُ وَارِث غَيرهمَا؛ فِي قَول زيد والعامة. {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فلأمه السُّدس} إِذا كَانَ لَهُ أَخَوان فَأكْثر حجبوا الْأُم عَن الثُّلُث، وَكَانَ لَهَا السُّدس وَلَا يحجبها الْأَخ الْوَاحِد عَن الثُّلُث، وَلَا الأخوان إِذا كَانَا أَخَوَيْهِ لِأَبِيهِ أَو أَخَوَيْهِ لأمه، أَو بَعضهم من الْأَب وَبَعْضهمْ من الْأُم فَهَؤُلَاءِ ذُكُورا كَانُوا أَو إِنَاثًا أَو بَعضهم ذُكُور وَبَعْضهمْ إناث يحجبون الْأُم عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 الثُّلُث؛ فَلَا تَأْخُذ إِلَّا السُّدس {من بعد وَصِيَّة يُوصي بِهِ أَو دين} فِيهَا تَقْدِيم؛ يَقُول: من بعد دين يكون عَلَيْهِ أَو وَصِيَّة يُوصي بهَا. {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} تَفْسِير مُجَاهِد: لَا تَدْرُونَ أَيهمْ أقرب لكم نفعا فِي الدُّنْيَا {فَرِيضَة من الله} قَالَ السّديّ يَعْنِي: قسْمَة الْمَوَارِيث لأَهْلهَا الَّذين ذكرهم الله فِي هَذِه الْآيَة. قَالَ مُحَمَّد: {فَرِيضَةً} مَنْصُوب على التوكيد وَالْحَال؛ أَي: مَا ذكرنَا لهَؤُلَاء الْوَرَثَة مَفْرُوضًا فَرِيضَة مُؤَكدَة، لقَوْله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ}. [آيَة 12] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} أَو ولد ولد، وَولد الْبَنَات لَا يَرِثُونَ شَيْئا، وَلَا يحجبون وَارِثا. {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ} ذكر أَو أُنْثَى {فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تركن} {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لم يكن لكم ولد} أَو ولد ولد، وَلَا يَرث ولد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 الْبَنَات شَيْئا وَلَا يحجبون. {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تركْتُم} فَإِن ترك رجل امْرَأتَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو أَرْبعا، فالربع بَينهُنَّ سَوَاء؛ إِذا لم يكن لَهُ ولد، فَإِن كَانَ لَهُ ولد أَو ولد ولد؛ ذكر أَو أنثي، فالثمن بَينهُنَّ سَوَاء. {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُث} وَذكرهمْ كأنثاهم فِيهِ سَوَاء. قَالَ قَتَادَة: والكلالة: الَّذِي لَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد وَلَا جد {غير مضار} فِي الْمِيرَاث أَهله، يَقُول: لَا يقر بِحَق لَيْسَ عَلَيْهِ، وَلَا يُوصي بِأَكْثَرَ من الثُّلُث مضارة لَهُم. قَالَ مُحَمَّد: {غير} مَنْصُوب على الْحَال، الْمَعْنى: يُوصي بهَا غير مضار {وَصِيَّةً مِنَ الله} تِلْكَ الْقِسْمَة. [آيَة 13 - 14] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 {تِلْكَ حُدُود الله} أَي: سنته وَأمره فِي قسْمَة الْمَوَارِيث {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} فِي قسْمَة الْمَوَارِيث؛ كَمَا أمره الله {ندخله جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} الْآيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 {وَمن يعْص الله وَرَسُوله} فِي قسْمَة الْمَوَارِيث {وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} الْآيَة وَذَلِكَ أَن الْمُنَافِقين كَانُوا لَا يورثون النِّسَاء وَلَا الصّبيان الصغار؛ كَانُوا يظهرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 الْإِسْلَام وهم على مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الشّرك، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة لَا يورثون النِّسَاء. [آيَة 15 - 16] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} يَعْنِي: الزِّنَا، الْآيَة. قَالَ يحيى: وَقيل: هَذِه الْآيَة نزلت بعد الآيةَ الَّتِي بعْدهَا فِي التَّأْلِيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 {والذان يأتيانها مِنْكُم} يَعْنِي: الْفَاحِشَة {فآذوهما} بالألسنة {فَإِن تابا وأصلحا} الْآيَة. ثمَّ نزلت هَذِه الْآيَة: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} يَعْنِي: مخرجا من الْحَبْس؛ فِي تَفْسِير السّديّ، ثمَّ نزل فِي سُورَة النُّور: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة}. [آيَة 17 - 18] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 {إِنَّمَا التَّوْبَة على الله} يَعْنِي: التجاوز من الله {لِلَّذِينَ يعْملُونَ السوء بِجَهَالَة} (ل 61) قَالَ قَتَادَة: كل ذَنْب أَتَاهُ عبد فَهُوَ بِجَهَالَة. {تمّ يتوبون من قريب} يَعْنِي: مَا دون الْمَوْت، يُقَال: مَا لم يُغَرْغر. {فَأُولَئِكَ يَتُوبُ الله عَلَيْهِم} قَالَ الْحسن: نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُؤمنِينَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 ثمَّ ذكر الْكفَّار؛ فَقَالَ: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَة للَّذين يعْملُونَ السَّيِّئَات}؛ يَعْنِي: الشّرك بِاللَّه {حَتَّى إِذَا حضر أحدهم الْمَوْت} عِنْد مُعَاينَة ملك الْمَوْت قبل أَن يخرج من الدُّنْيَا {قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُم عذَابا أَلِيمًا}. [آيَة 19] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن ترثوا النِّسَاء كرها} كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة يَمُوت عَن امْرَأَته، فيلقي وليه عَلَيْهَا ثوبا؛ فَإِن أحب أَن يَتَزَوَّجهَا تزَوجهَا، وَإِلَّا تَركهَا حَتَّى تَمُوت، فيرثها، إِلَّا أَن تذْهب إِلَى أَهلهَا من قبل أَن يلقِي عَلَيْهَا ثوبا، فَتكون أَحَق بِنَفسِهَا {وَلَا تعضلوهن} تحبسوهن {لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} يَعْنِي: الصَدَاق {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَة مبينَة} نُهِيَ الرجل إِذا لم يكن لَهُ بامرأته حَاجَة أَن يَضرهَا فيحبسها لتفتدي مِنْهُ {إِلا أَنْ يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} تَفْسِير بَعضهم: إِلَّا أَن تكون هِيَ النَّاشِزَة فتختلع مِنْهُ. الْفَاحِشَة المبينة: عصيانها ونشوزها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 {وعاشروهن بِالْمَعْرُوفِ} أَي: اصحبوهن بِالْمَعْرُوفِ {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خيرا كثيرا} يكره الرجل الْمَرْأَة، فيمسكها وَهُوَ لَهَا كَارِه، فَعَسَى الله أَن يرزقه مِنْهَا ولدا، ثمَّ يعطفه الله عَلَيْهَا، أَو يطلقهَا، فيتزوجها غَيره، فَيجْعَل الله للَّذي تزَوجهَا فِيهِ خيرا كثيرا. [آيَة 20 - 21] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زوج} يَعْنِي: طَلَاق امْرَأَة، وَنِكَاح أُخْرَى. {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا أتأخذونه بهتانا} أَي: ظلما {وإثما مُبينًا} بَينا. يَقُول لَهُ: لَا يحل لَهُ أَن يَأْخُذ مِمَّا أَعْطَاهَا شَيْئا، إِلَّا أَن تنشز؛ فتفتدي مِنْهُ. قَالَ مُحَمَّد: {بهتانا} مصدر مَوْضُوع مَوضِع الْحَال؛ الْمَعْنى: أتأخذونه مباهتين وآثمين. والبهتان: الْبَاطِل الَّذِي يتحير من بُطْلَانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بعض} يَعْنِي: المجامعة {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غليظا} هُوَ قَوْله: {إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} فِي تَفْسِير قَتَادَة. قَالَ قَتَادَة: وَقد كَانَت فِي عقد الْمُسلمين عِنْد نكاحهم: الله عَلَيْك لتمسكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 بِمَعْرُوف، أَو لتسرحن بِإِحْسَان. [آيَة 22 - 23] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سلف} يَعْنِي: مَا قد مُضِيّ قبل التَّحْرِيم {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا} بغضا من الله {وَسَاءَ سَبِيلا} أَي: بئس المسلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 قَوْله: {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} والجدات كُلهنَّ مثل الْأُم، وَأم أبي الْأُم مثل الْأُم {وَبَنَاتُكُمْ} وَبَنَات الابْن وَبَنَات الِابْنَة وأسفل من ذَلِك فَهِيَ كالابنة {وَأَخَوَاتُكُمْ} إِن كَانَت لِأَبِيهِ وَأمه أَو لِأَبِيهِ أَو لأمه فَهِيَ أُخْت {وعماتكم} فَإِن كَانَت عمته [أَو عمَّة أَبِيه] أَو عمَّة أمه وَمَا فَوق ذَلِك فَهِيَ عمَّة {وَخَالاتُكُمْ} فَإِن كَانَت خَالَته أَو خَالَة أَبِيه أَو خَالَة أمه أَو خَالَة فَوق ذَلِك - فَهِيَ خَالَته {وَبَنَات الْأَخ} فَإِن كَانَت ابْنة أَخِيه أَو ابْنة ابْن أَخِيه لِأَبِيهِ وَأمه أَو لِأَبِيهِ أَو لأمه أَو ابْنة ابْنة أَخِيه وَمَا أَسْفَل من ذَلِك - فَهِيَ بنت أَخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 {وَبَنَات الْأُخْت} فَإِن كَانَت ابْنة أُخْته أَو ابْنة ابْن أُخْته (أَو ابْنة ابْنة أُخْته) وأسفل من ذَلِك - فَهِيَ ابْنة أُخْت. {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضَاعَة} يحرم من الرضَاعَة مَا يحرم من النّسَب؛ فَلَا تحل لَهُ أمه من الرضَاعَة وَلَا مَا فَوْقهَا من الْأُمَّهَات، وَلَا أُخْته من الرضَاعَة، وَلَا عمته من الرضَاعَة، وَلَا عمَّة أَبِيه من الرضَاعَة، وَلَا عمَّة أمه من الرضَاعَة، وَلَا مَا فَوق ذَلِك، وَلَا خَالَة من الرضَاعَة، وَلَا خَالَة أَبِيه، وَلَا خَالَة أمه، وَلَا مَا فَوق ذَلِك، وَلَا ابْنة أَخِيه من الرضَاعَة، وَلَا ابْنة ابْن أَخِيه من الرضَاعَة، وَلَا ابْنة ابْنة أَخِيه من الرضَاعَة، وَلَا مَا سفل من ذَلِك، وَلَا ابْنة أُخْته من الرضَاعَة وَلَا ابْنة ابْن أُخْته، (ل 62) وَلَا ابْنة ابْنة أُخْته من الرضَاعَة، وَلَا مَا أَسْفَل من ذَلِك. وَإِذا أرضعت الْمَرْأَة غُلَاما لم يتَزَوَّج ذَلِك الْغُلَام شَيْئا من بناتها؛ لَا مَا قد ولد (مَعَه وَلَا قبل) ذَلِك وَلَا بعده، ويتزوج إخْوَته من أَوْلَادهَا إِن شَاءُوا، وَكَذَلِكَ إِذا أرضعت جَارِيَة لم يتَزَوَّج تِلْكَ الْجَارِيَة أحد من أَوْلَادهَا؛ لَا مَا ولد قبل رضاعها، وَلَا مَا بعده،، يتَزَوَّج إخوتها من أَوْلَادهَا إِن شَاءُوا. {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} لَا تحل للرجل أم امْرَأَته، وَلَا أمهاتها. {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهن فَلَا جنَاح عَلَيْكُم} فَإِذا تزوج الرجل الْمَرْأَة، فَطلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا، أَو مَاتَت وَلم يدْخل بهَا - تزوج ابْنَتهَا إِن شَاءَ، وَإِن كَانَ قد دخل بهَا لم يتَزَوَّج ابْنَتهَا، وَلَا ابْنة ابْنَتهَا، وَلَا مَا أَسْفَل من ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} فَلَا تحل لَهُ امْرَأَة ابْنه، وَلَا امْرَأَة ابْن ابْنه، وَلَا امْرَأَة ابْن ابْنة ابْنه وَلَا أَسْفَل من ذَلِك، وَإِنَّمَا قَالَ الله: {الَّذين من أصلابكم} لِأَن الرجل كَانَ يتبنى الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقد كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبني زيدا، فأحل الله [لَهُ] نِكَاح نسَاء الَّذين تبنوا، وَقد تزوج النَّبِي - عَلَيْهِ السَّلَام - امْرَأَة زيد بعد مَا طَلقهَا. {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سلف} مَا مضى قبل التَّحْرِيم؛ فَإِن كَانَت أُخْتهَا لأَبِيهَا وَأمّهَا، أَو أُخْتهَا لأَبِيهَا، (أَو أُخْتهَا لأمها، أَو من الرضَاعَة) - فَهِيَ أُخْت، وَجَمِيع النّسَب وَالرّضَاع فِي الْإِمَاء بِمَنْزِلَة الْحَرَائِر. [آيَة 24] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 {وَالْمُحصنَات من النِّسَاء} الْمُحْصنَات هَا هُنَا: اللَّاتِي لَهُنَّ الْأزْوَاج؛ يَقُول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم وبناتكم} إِلَى هَذِه الْآيَة، ثمَّ قَالَ: {وَالْمُحصنَات من النِّسَاء} أَي: وَحرم عَلَيْكُم الْمُحْصنَات مِنَ النِّسَاءِ {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُم}؛ يَعْنِي: من السبايا؛ فَإِذا سبيت الْمَرْأَة من أهل الشّرك، وَلها زوج، ثمَّ وَقعت فِي سهم رجل؛ فَإِن كَانَت من أهل الْكتاب، وَكَانَت حَامِلا لم يَطَأهَا؛ حَتَّى تضع، وَإِن كَانَت لَيست بحامل، لم يقربهَا؛ حَتَّى تحيض، وَإِن لم يكن لَهَا زوج فَكَذَلِك أَيْضا، وَإِن كَانَت من غير أهل الْكتاب لم يَطَأهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 حَتَّى تَتَكَلَّم بِالْإِسْلَامِ فَإِذا قَالَت: لَا إِلَه إِلَّا الله، استبرأها بِحَيْضَة، إِلَّا أَن تكون حَامِلا؛ فيكف عَنْهَا، حَتَّى تضع. يَحْيَى: عَنِ الْمُعَلَّى، عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: ((أَصَبْنَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ سَبَايَا نَعْرِفُ أَنْسَابَهُنَّ وَأَزْوَاجَهُنَّ، فَامْتَنَعْنَا مِنْهُنَّ؛ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا ملكت أَيْمَانكُم} من السبايا)). {كتاب الله عَلَيْكُم} يَعْنِي: حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم وبناتكم وأخواتكم إِلَى هَذَا الْموضع، ثمَّ قَالَ: كتاب الله عَلَيْكُم؛ يَعْنِي: بِتَحْرِيم مَا قد ذكر. قَالَ مُحَمَّد: {كتاب الله} مَنْصُوب على معنى: كتب عَلَيْكُم كتابا. {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُم} يَعْنِي: مَا بعد ذَلِكُم من النِّسَاء. {أَن تَبْتَغُوا بأموالكم} تتزوجوا بأموالكم؛ لَا يتَزَوَّج فَوق أَربع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 {محصنين غير مسافحين} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: ناكحين غير زانين {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: النِّكَاح. {فَآتُوهُنَّ} فأعطوهن {أُجُورهنَّ} قَالَ: صدقاتهن. {فَرِيضَة} ((كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخص فِي الْمُتْعَة يَوْم فتح مَكَّة إِلَى أجل؛ على أَلا يرثوا وَلَا يورثوا، ثمَّ نهى عَنْهَا بعد ثَلَاثَة أَيَّام)) فَصَارَت مَنْسُوخَة نسختها الْمِيرَاث وَالْعدة. {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} قَالَ الْحسن: لَا بَأْس على الرجل أَن تضع لَهُ الْمَرْأَة من صَدَاقهَا الَّذِي فرض لَهَا؛ كَقَوْلِه: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مريئاً} [آيَة 25 - 26] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} (ل 63) يَعْنِي: غنى {أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَات} يَعْنِي: الْحَرَائِر الْمُؤْمِنَات {فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ} يَعْنِي: إماءكم الْمُؤْمِنَاتِ، وَلَا يحل نِكَاح إِمَاء أهل الْكتاب {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضكُم من بعض}؛ يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ، حرهم ومملوكهم، وَذكرهمْ وأنثاهم، وَالله أعلم بأيمانكم {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذن أهلهن} أَي: ساداتهن (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 بِالْمَعْرُوفِ} يَعْنِي: مَا تراضوا عَلَيْهِ من الْمهْر {محصنات غير مسافحات} يَعْنِي: ناكحات غير زانيات {وَلا متخذات أخدان} المسافحة: المجاهرة بِالزِّنَا، وَذَات الخدن: الَّتِي كَانَ لَهَا خَلِيل فِي السِّرّ {فَإِذا أحصن} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: أحصنتهن البعولة {فَإِن أتين بِفَاحِشَة} يَعْنِي: الزِّنَا {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا على الْمُحْصنَات} يَعْنِي: الْحَرَائِر {من الْعَذَاب} يَعْنِي: من الْجلد؛ تجلد خمسين جلدَة لَيْسَ عَلَيْهَا رجم، وَإِن كَانَ لَهَا زوج. {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُم} قَالَ قَتَادَة: إِنَّمَا أَمر الله نِكَاح الْإِمَاء الْمُؤْمِنَات لمن خشِي الْعَنَت على نَفسه - والعنت: الضّيق - أَي: لايجد مَا يستعف بِهِ، وَلَا يصبر فيزني. {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} يَعْنِي: عَن نِكَاح الْإِمَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 {يُرِيد الله ليبين لكم} حَلَاله وَحَرَامه {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ من قبلكُمْ} يَعْنِي: شرائع من كَانَ قبلكُمْ من الْمُؤمنِينَ فِيمَا حرم عَلَيْكُم من الْأُمَّهَات وَالْبَنَات وَالْأَخَوَات ... إِلَى آخر الْآيَة. {وَيَتُوب عَلَيْكُم} أَي: يتَجَاوَز عَمَّا كَانَ من نكاحكم إياهن قبل التَّحْرِيم. [آيَة 27 - 30] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} هِيَ مثل الأولى قبلهَا. {وَيُرِيدُ الَّذين يتبعُون الشَّهَوَات} يَعْنِي: الْيَهُود فِي استحلالهم نِكَاح بَنَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 الْأَخ. {أَن تميلوا} يَعْنِي: أَن تأثموا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} فِي نِكَاح الْإِمَاء، وَلم يكن أحل نِكَاحهنَّ لمن كَانَ قبلكُمْ {وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا} أَي: لَا يصبر عَن النِّسَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} يَعْنِي: بالظلم {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَة} يَعْنِي: تِجَارَة حَلَالا لَيْسَ فِيهَا رَبًّا {عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تقتلُوا أَنفسكُم}. يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، (عَنْ) أَبِي بَكْرِ (بْنِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ (عَنْ) أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ((أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَام بَعَثَ رَجُلا فِي سَرِيَّةٍ فَأَصَابَهُ كَلْمٌ، فَأَصَابَتْهُ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ، فَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ، فَعَابَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَجَاءَهُ فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ: - {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بكم رحِيما}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 [آيَة 31] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 قَوْله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلكُمْ مدخلًا كَرِيمًا} يَعْنِي: الْجنَّة. قَالَ قَتَادَة: إِنَّمَا وعد الله الْمَغْفِرَة من اجْتنب الْكَبَائِر. يَحْيَى: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْكَبَائِرُ تِسْعٌ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ [إِلا بِالْحَقِّ]، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ، وَالسِّحْرُ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ)). يَحْيَى: عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: كَانَ الْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ مِنَ الْكَبَائِرِ يَوْمَ بَدْرٍ. يَحْيَى: عَنْ نَصْرِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَن الْحسن: ((أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام ذُكِرَتْ عِنْدَهُ الْكَبَائِرُ، فَقَالَ: فَأَيْنَ تَجْعَلُونَ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ؟)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 يَحْيَى: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا تَقولُونَ فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: هُنَّ فَوَاحِشُ، وفيهن عُقُوبَة)). [آيَة 32 - 33] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 قَوْله: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} الْآيَة. تَفْسِير مُجَاهِد: نزلت فِي النِّسَاء يقلن: يَا ليتنا كُنَّا [رجَالًا فنغزو، ونبلغ مبلغ] (ل 64) الرِّجَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 {وَلكُل جعلنَا موَالِي} يَعْنِي: الْعصبَة. يَحْيَى: عَنْ نَصْرِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلْحِقُوا الْمَالَ بِالْفَرَائِضِ، فَمَا أَبْقَتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 الْفَرَائِضُ، فَأَوْلُ رَحِمٍ ذَكَرٍ)). {وَالَّذِينَ عاقدت أَيْمَانكُم فآتوهم نصِيبهم} تَفْسِير قَتَادَة قَالَ: كَانَ الرجل يعاقد الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة؛ فَيَقُول: دمي دمك، وترثني وأرثك، تُطلب بِي وأُطلب بك، فَجعل لَهُ السُّدس من جَمِيع المَال، ثُمَّ يقسم أهل الْمِيرَاث ميراثهم، ثُمَّ نسخ ذَلِكَ بَعد فِي الْأَنْفَال فَقَالَ: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كتاب الله} فَصَارَت الْمَوَارِيث لِذَوي الْأَرْحَام. [آيَة 34 - 35] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 {الرِّجَال قوامون على النِّسَاء} أَي: مسلطون على أدب النِّسَاء، وَالْأَخْذ على أَيْدِيهنَّ. قَالَ قَتَادَة: ذكر [لنا] أَن رجلا لطم امْرَأَته على عهد نَبِيَّ الله، فَأَتَت الْمَرْأَة نَبِيَّ الله، فَأَرَادَ نَبِيَّ الله أَن يَقُصَّهَا مِنْهُ فَأنْزل الله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 عَلَى النِّسَاءِ) {} (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعضهم على بعض} جعل شَهَادَة امْرَأتَيْنِ شَهَادَة رجل وَاحِد، وفضلوا فِي الْمِيرَاث {وَبِمَا أَنْفقُوا من أَمْوَالهم} يَعْنِي: الصَّدقَات {فالصالحات} يَعْنِي: المحسنات إِلَى أَزوَاجهنَّ {قَانِتَاتٌ} أَي: مطيعات لِأَزْوَاجِهِنَّ {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} لغيب أَزوَاجهنَّ فِي فروجهن {بِمَا حفظ الله} أَي: بِحِفْظ الله إياهن. {وَاللَّاتِي تخافون نشوزهن} عصيانهن؛ يَعْنِي: تنشز على زَوجهَا؛ فَلَا تَدعه أَن يَغْشَاهَا {فَعِظُوهُنَّ واهجروهن فِي الْمضَاجِع واضربوهن} قَالَ قَتَادَة: ابدأ فعظها بالْقَوْل، فَإِن عَصَتْ فاهجرها؛ فَإِن عَصَتْ فاضربها ضربا غير شائن. {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: يَقُولُ: فَإِن أطعنكم فِي الْجِمَاع، فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا؛ يَقُولُ: لَا تكلفوهن الْحبّ، فَإِنَّمَا جعلت الموعظة لَهُن وَالضَّرْب فِي المضجع لَيْسَ على الْحبّ، وَلَكِن على حَاجته إِلَيْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 {وَإِن خِفْتُمْ} {علمْتُم} (شقَاق بَينهمَا} قَالَ الْحسن: يَقُولُ: إِن نشزت حتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 تشاق زَوجهَا {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهله وَحكما من أَهلهَا} إِذَا نشزت، وَرفع ذَلِكَ إِلَى الإِمَام، بعث الإِمَام حكما من أهل الْمَرْأَة، وَحكما من أهل الرجل يصلحان بَينهمَا، ويجمعان وَلَا يفرقان، وَينْظرَانِ من أَيْن يَأْتِي الدرء، فَإِن اصطلحا فَهُوَ أَمر الله وَإِن أَبَيَا ذَلِكَ وأبت الْمَرْأَة إِلَّا نُشُوزًا وَقفهَا الإِمَام على النُّشُوز، فَإِن افتدت من زَوجهَا، فقد حل لَهُ أَن يخلعها. {إِن يريدا إصلاحا} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: الْحكمَيْنِ {يُوَفِّقِ الله بَينهمَا} [آيَة 36 - 37] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 {واعبدوا الله} يَعْنِي: واحفظوا الله {وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا} أَي: لَا تعدلوا بِهِ غَيره {وبالوالدين إحسانا} {وَالْجَار ذِي الْقُرْبَى} الَّذِي لَهُ قرَابَة {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} الْأَجْنَبِيّ الَّذِي لَيست لَهُ قرَابَة. {والصاحب بالجنب} يَعْنِي: الرفيق فِي السّفر، فِي تَفْسِير ابْن جُبَيْر. وَقَالَ غَيره: يَعْنِي: الْمَرْأَة. قَالَ مُحَمَّد: وَقيل: فِي الْجَار الْجنب: إِنَّه الْغَرِيب، والجنابة فِي اللُّغَة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 [الْبعد]: يُقَال: رجل جنب: [غَرِيب]. يَحْيَى: عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ هِلالٍ، عَنْ مُحَرَّرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْجِيرَانُ ثَلاثَةٌ: جَارٌ لَهُ حَقٌّ، وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ، وَجَارٌ لَهُ ثَلاثَةُ حُقُوقٍ؛ فَأَمَّا الْجَارُّ الَّذِي لَهُ ثَلاثَةُ حُقُوقٍ؛ فَالْجَارُ الْمُسْلِمُ ذُو الرَّحِمِ؛ فَلَهُ حَقُّ الإِسْلامِ، وَحَقُّ الرَّحِمِ، وَحَقُّ الْجِوَارِ. وَأَمَّا الَّذِي لَهُ حَقَّانِ: فَالْجَارُ الْمُسْلِمُ؛ لَهُ حَقُّ الإِسْلامِ، وَحَقُّ الْجِوَارِ، وَأَمَّا الَّذِي لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ: فَالْجَارُ الْمُشْرِكُ؛ لَهُ حَقُّ الْجوَار)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 قَوْله: {وَابْن السَّبِيل} يَعْنِي: الضَّيْفَ. يَحْيَى: عَنْ عُثْمَانِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ؛ جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ: ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ، فَهُوَ صَدَقَةٌ)). قَوْله: {وَمَا ملكت أَيْمَانكُم}. (ل 65) يَحْيَى: عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ آخِرُ قَوْلِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ: الصَّلاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، حَتَّى جَعَلَ [يُلَجْلِجُهَا] فِي صَدْرِهِ، وَمَا يَفِيضُ بِهِ لِسَانُهُ)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 يَحْيَى: عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمَمْلُوكُ أَخُوكَ، فَإِنْ عَجَزَ فَجُدْ مَعَهُ، مَنْ رَضِيَ مَمْلُوكَهُ فَلْيُمْسِكْهُ، وَمَنْ كَرِهَهُ فَلْيَبِعْهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 وَلا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ)). قَالَ مُحَمَّد: قَوْله فِي أول الْآيَة: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وبالوالدين إحسانا} الْمَعْنى: أوصاكم الله بِعِبَادَتِهِ، وأوصاكم بالوالدين إحسانا، وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا ذكر الله فِي هَذِهِ الْآيَة، الْمَعْنى: أَحْسنُوا إِلَى هَؤُلاءِ كلهم. قَوْله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ من كَانَ مختالا فخورا} قَالَ مُحَمَّد: المختال: يَعْنِي: التَّيَّاه الجهول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضله} قَالَ الحَسَن: هم الْيَهُود؛ منعُوا حُقُوق الله فِي أَمْوَالهم، وكتموا مُحَمَّدًا؛ وهم يعلمُونَ أَنَّهُ رَسُول الله. [آيَة 38 - 42] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخر}. قَالَ بَعضهم: هم المُنَافِقُونَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا} [صاحبا] {فسَاء قرينا} فبئس القرين. قَالَ مُحَمَّد: {سَاءَ قرينا} مَنْصُوب على التَّفْسِير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ الله} يَعْنِي: الزَّكَاة الْوَاجِبَة {وَكَانَ اللَّهُ بهم عليما} أَي: عليما بِأَنَّهُم مشركون. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله {وماذا عَلَيْهِم} الْمَعْنى: أَي شَيْء عَلَيْهِم؟. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 {إِن الله لَا يظلم} لَا ينقص {مِثْقَال ذرة} أَي: وزن ذرة. قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: هَذَا على مِثْقَال هَذَا؛ أَي: على وَزنه. {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ} ويعط من عِنْده. قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ {حَسَنَةٌ} بِالرَّفْع، فَالْمَعْنى: وَإِن تحدث حَسَنَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أمة بِشَهِيد} يَعْنِي: يَوْم الْقِيَامَة يشْهد على قومه؛ أَنه قد بَلغهُمْ. قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: فَكيف تكون حَالهم؟! وَهَذَا من الِاخْتِصَار. {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ} أَي: جحدوه {لَو تسوى بهم الأَرْض} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: لَو ساخوا فِيهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 {وَلَا يكتمون الله حَدِيثا} تَفْسِير ابْن عَبَّاس: يَعْنِي بِهَذَا: جوارحهم. [آيَة 43 - 44] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُم سكارى} قَدْ مَضَى تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَة فِي تَفْسِير: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخمر وَالْميسر} قَوْله: {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيل حَتَّى تغتسلوا} تَفْسِير ابْن عَبَّاس: هُوَ الْمُسَافِر إِن لم يجد المَاء تيَمّم وَصلى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُم من الْغَائِط} قَالَ مُحَمَّد: الْغَائِط: الْحَدث، وأصل الْغَائِط: الْمَكَان المطمئن من الأَرْض؛ فَكَانُوا إِذَا أَرَادوا قَضَاء الْحَاجة، أَتَوا غائطا من الأَرْض، فَفَعَلُوا ذَلِك فِيهِ، فكنى عَن الحَدِيث بالغائط. وقولُه: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} فِيهِ إِضْمَار: لَا تَسْتَطِيعُونَ [قرب] المَاء من الْعلَّة؛ ذكره إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 {أَو لامستم النِّسَاء} الْمُلَامسَة فِي قَول عَليّ وَابْن عَبَّاس وَالْحسن: الْجِمَاع، وَكَانَ ابْن مَسْعُود يَقُولُ: هُوَ الْمس بِالْيَدِ، وَيرى مِنْهُ الْوضُوء. {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} أَي: تعمدوا تُرَابا نظيفا. {فَامْسَحُوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ}. يَحْيَى: عَنِ الْمَعَلَّى، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: ((أَجْنَبْتُ وَأَنَا فِي الإِبِلِ فَتَمَعَّكْتُ فِي الرَّمْلِ؛ كَمَا تَتَمَعَّكُ الدَّابَّة، ثمَّ أتيت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَقَدْ دَخَلَ الرَّمْلُ فِي رَأْسِي وَلِحْيَتِي فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ التَّيَمُّمُ. ثُمَّ ضَرَبَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَام بكفيه (ل 66) جَمِيعًا التُّرَابَ، ثُمَّ نَفَضَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِوَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً. ثُمَّ قَالَ: كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا)) وَبِهِ يَأْخُذُ يَحْيَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 يَحْيَى: عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْجَرِيحُ وَالْمَجْدُورُ وَالْمَقْرُوحُ؛ إِذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ، تَيَمَّمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا من الْكتاب} يَعْنِي: الْيَهُود {يشْتَرونَ الضَّلَالَة} أَي: يختارون {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيل} يَعْنِي: طَرِيق الْهدى [آيَة 45 - 47] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن موَاضعه} قَالَ الْحسن: حرفوا كَلَام الله؛ وَهُوَ الَّذِي وضعُوا من قِبَلِ أنفسهم من الْكتاب، ثُمَّ ادعوا أَنَّهُ من كتاب الله {وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} تَفْسِير الحَسَن: غير مسمع منا مَا تحب. قَالَ مُحَمَّد: قيل فِي قَوْله: {غير مسمع}: كَانُوا يَقُولُونَهُ سرا فِي أنفسهم. {وراعنا ليا بألسنتهم} قد مضى تَفْسِير {رَاعنا} فِي سُورَةِ الْبَقْرَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: {ليا} أَصله: لَوْيًا؛ وَلَكِن الْوَاو أدغمت فِي الْيَاء؛ وَمَعْنَاهُ: التحريف؛ أَي: يحرفُونَ [رَاعنا إِلَى مَا] فِي قُلُوبهم من السب والطعن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم {وطعنا فِي الدّين} فِي الْإِسْلَام. {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سمعنَا وأطعنا واسمع وانظرنا} حَتَّى نتفهم. {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وأقوم} لأمرهم {وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤمنُونَ إِلَّا قَلِيلا} قَالَ قَتَادَة: قَلَّ من آمن من الْيَهُود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 {يَا أَيهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قبل أَن نطمس وُجُوهًا فنزدها على أدبارها} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: من قِبَل أقفائها {أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَاب السبت} مسخ أَصْحَاب السبت قردة {وَكَانَ أَمر الله مَفْعُولا} أَي: إِذا أَرَادَ الله أمرا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ. [آيَة 48 - 52] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرك بِهِ} أَي: يعدل بِهِ غَيره {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} يَحْيَى: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ((سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُوجِبَتَيْنِ؛ فَقَالَ: مَنْ مَاتَ (لَا) يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أنفسهم} تَفْسِير قَتَادَة: هم الْيَهُود زكوا أنفسهم بِأَمْر لم يبلغوه؛ قَالُوا: نَحْنُ أَبنَاء الله وأحباؤه {بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يظْلمُونَ ينقصُونَ (فتيلاً} الفتيل: مَا كَانَ فِي بطن النواة من لحائها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِب} أَي: يختلقونه {وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبينًا} {بَينا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ والطاغوت} قَالَ مُجَاهِد: الجبت: الكاهن، والطاغوت: الشَّيْطَان. {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا} قَالَ الْكَلْبِيّ: هُمْ قوم من الْيَهُود أَتَوا مَكَّة فسألتهم قُرَيْش وأناس من غطفان؛ فَقَالَت قُرَيْش: نَحن نعمر هَذَا الْمَسْجِد، ونحجب هَذَا الْبَيْت، ونسقي الْحَاج؛ أفنحن أمثل أم مُحَمَّد وَأَصْحَابه؟ فَقَالَت الْيَهُود: بل أَنْتُم أمثل. فَقَالَ عُيَيْنَة بْن حصن وَأَصْحَابه الَّذِينَ مَعَه. أما قُرَيْش فقد عدوا مَا فيهم ففضلوا على مُحَمَّد وَأَصْحَابه. فناشدوهم أَنَحْنُ أهْدى أم مُحَمَّد وَأَصْحَابه؟ فَقَالُوا: لَا وَالله، بل أَنْتُم أهْدى؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 فَقَالَ الله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله} الْآيَة. قَالَ مُحَمَّد: يَقُولُ: أُولَئِكَ الَّذِينَ باعدهم الله من رَحمته، واللعنة أَصْلهَا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 المباعدة. [آيَة 53 - 57] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} النقير: النقرة تكون فِي ظهر النواة. قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: أَنهم لَو أعْطوا الْملك، مَا أعْطوا النَّاس مِنْهُ النقير؛ والنقير هَا هُنَا تَمْثِيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُم الله من فَضله} قَالَ الْكَلْبِيّ: النَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة: النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم؛ قَالَت الْيَهُود: (ل 67) انْظُرُوا إِلَى هَذَا الَّذِي [لَا يشْبع] من الطَّعَام، [وَلَا] وَالله مَا لَهُ هم إِلَّا النِّسَاء حسدوه لِكَثْرَة نِسَائِهِ وعابوه بذلك؛ فَقَالُوا: لَو كَانَ نَبيا مَا رغب فِي كَثْرَة النِّسَاء؛ فأكذبهم الله، فَقَالَ: (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 إِبْرَاهِيم الْكتاب وَالْحكمَة} يَعْنِي: النُّبُوَّة {وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} فسليمان بْن دَاوُد من آل إِبْرَاهِيم، وَقد كَانَ عِنْد سُلَيْمَان ألف امْرَأَة، وَعند دَاوُد مائَة امْرَأَة، فَكيف يحسدونك يَا مُحَمَّد على تسع نسْوَة؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 {فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ من صد عَنهُ} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: الْيَهُود مِنْهُم من آمن بِمَا أنزل على مُحَمَّد، وَمِنْهُم من صد عَنْهُ؛ يَعْنِي: جحد بِهِ {وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سعيراً} لمن صد عَنهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا} قَالَ يحيى: بلغنَا أَنَّهَا تَأْكُل كل شَيْء حتَّى تَنْتَهِي إِلَى الْفُؤَاد؛ فَيَصِيح الْفُؤَاد فَلَا يُرِيد الله أَن تَأْكُل أفئدتهم؛ فَإِذا لم تَجِد شَيْئا تتَعَلَّق بِهِ مِنْهُم، خبت - أَي: سكنت - ثُمَّ يعادون خلقا جَدِيدا؛ فتأكلهم كلما أُعِيد خلقهمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 وَقَوله: {وندخلهم ظلا ظليلاً} قَالَ الْحسن: يَعْنِي: دَائِما. [آيَة 58 - 59] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 {أَنْ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهلهَا} الْآيَة. ((لما فتح رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، دَعَا عُثْمَان بْن طَلْحَة، فَقَالَ: أرنا الْمِفْتَاح، فَلَمَّا أَتَاهُ بِهِ قَالَ عَبَّاس. يَا رَسُول الله اجمعه لي مَعَ السِّقَايَة. فَكف عُثْمَان يَده؛ مَخَافَة أَن يَدْفَعهُ إِلَى الْعَبَّاس؛ فَقَالَ رَسُول الله: يَا عُثْمَان، إِن كنت تؤمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فأرنا الْمِفْتَاح، فَقَالَ: هاك فِي أَمَانَة الله؛ فَأَخذه رَسُول الله، فَفتح بَاب الْكَعْبَة، ثُمَّ دخل فأفسد مَا كَانَ فِي الْبَيْت من التماثيل، وَأخرج مقَام إِبْرَاهِيم فَوَضعه، حَيْثُ وَضعه، ثُمَّ طَاف بِالْكَعْبَةِ مرّة أَو مرَّتَيْنِ، وَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل يَأْمُرهُ برد الْمِفْتَاح إِلَى أَهله، فَدَعَا عُثْمَان، فَقَالَ: هاك الْمِفْتَاح؛ إِن الله يَقُولُ: وأدوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا. وَقَرَأَ الْآيَة كلهَا)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم} قَالَ الْكَلْبِيّ: هُمْ أُمَرَاء السَّرَايَا {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: إِلَى كتاب الله وَسنة رَسُوله {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأحسن تَأْوِيلا} يَعْنِي: عَاقِبَة فِي الْآخِرَة. [آيَة 60 - 63] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت} إِلَى قَوْله: {يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} قَالَ الْكَلْبِيّ: إِن رجلا من الْمُنَافِقين كَانَ بَينه وَبَين رجل من الْيَهُود خُصُومَة؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 فَقَالَ الْيَهُودِيّ: انْطلق بِنَا إِلَى مُحَمَّد نَخْتَصِم إِلَيْهِ. وَقَالَ الْمُنَافِق: بل إِلَى كَعْب ابْن الْأَشْرَف؛ وَهُوَ الطاغوت هَا هُنَا. قَالَ الْكَلْبِيّ: فَأبى الْمُنَافِق أَن يخاصمه إِلَى النَّبي، وأبى الْيَهُودِيّ إِلَّا أَن يخاصمه إِلَى النَّبي؛ فاختصما إِلَى النَّبي، فقضي لِلْيَهُودِيِّ، فَلَمَّا خرجا من عِنْده، قَالَ الْمُنَافِق: انْطلق بِنَا إِلَى عُمَر بْن الخَطَّاب أخاصمك إِلَيْهِ، فَأقبل مَعْهُ الْيَهُودِيّ؛ فدخلا على عمر، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيّ: يَا عُمَر إِنِّي اختصمت أَنَا وَهَذَا الرجل إِلَى مُحَمَّد؛ فَقضى لي عَلَيْهِ، فَلم يرض هَذَا بِقَضَائِهِ، وَزعم أَنَّهُ يخاصمني إِلَيْك، فَقَالَ عُمَر لِلْمُنَافِقِ: أَكَذَلِك؟ قَالَ: نعم، فَقَالَ: رويدكما؛ حتَّى أخرج إلَيْكُمَا؛ فَدخل الْبَيْت فَاشْتَمَلَ على السَّيْف، ثُمَّ خرج إِلَى الْمُنَافِق فَضَربهُ حتَّى برد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 {فَكيف إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة} قَالَ الْحسن: وَهَذَا كَلَام مُنْقَطع عَمَّا قبله وَعَما بعده؛ يَقُولُ: إِذا أَصَابَتْهُم؛ يَعْنِي: أَن يظهروا مَا فِي قُلُوبهم؛ فيقتلهم رَسُول الله. وَفِيه مضمار، والإضمار الَّذِي فِيهِ فَيَقُول: إِذَا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة، لم ينجهم مِنْهَا وَلم يغثهم، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْكَلَام الأول. إِلَى قَوْله: {يصدون عَنْك صدودا} (ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أردنَا إِلَّا إحساناً وتوفيقاً} أَي: إِن أردنَا إِلَّا الْخَيْر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 قَالَ الله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} مِنَ الشّرك والنفاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 {فَأَعْرض عَنْهُم} فَلَا تقتلهم (ل 68) مَا جعلُوا يظهرون الْإِيمَان {وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلا بليغا} يَقُولُ لَهُم: إِن أظهرتم مَا فِي قُلُوبكُمْ قتلتكم. [آيَة 64 - 65] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا ليطاع بِإِذن الله} قَالَ مُجَاهِد: وَاجِب للرسل أَن يطاعوا، وَلَا يطيعهم أحد إِلَّا بِإِذن الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم} أَي: اخْتلفُوا فِيهِ {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قضيت} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: شكا. [آيَة 66 - 70] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُم} قَالَ الْكَلْبِيّ: كَانَ رجال من الْمُؤمنِينَ وَرِجَال من الْيَهُود [جلوساٍ فَقَالَت الْيَهُود: لقد استتابنا الله من أَمر فتبنا إِلَيْهِ مِنْهُ، وَمَا كَانَ ليفعله أحد غَيرنَا [قتلنَا] أَنْفُسنَا فِي طَاعَة الله حتَّى رَضِي عَنَّا، فَقَالَ ثَابت بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 قيس بْن شماس: إِن الله يعلم لَو أمرنَا مُحَمَّد أَن نقْتل أَنْفُسنَا لقتلت نَفسِي، فَأنْزل الله: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيل مِنْهُم}. قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ {إِلا قَلِيلٌ} فَالْمَعْنى: مَا فعله إِلَّا قَلِيل. {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} فِي الْعَاقِبَة. {وَأَشد تثبيتا} فِي الْعِصْمَة والمنعة من الشَّيْطَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 {وَإِذا لآتيناهم من لدنا} {من عندنَا} (أجرا عَظِيما} يَعْنِي: الْجنَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 {وَمَنْ يُطِعِ الله وَالرَّسُول} الْآيَة. تَفْسِير قَتَادَة: ذكر لنا أَن رجَالًا قَالُوا: هَذَا نَبِي الله نرَاهُ فِي الدُّنْيَا، فَأَما فِي الْآخِرَة فيرفع بفضله فَلَا نرَاهُ؛ فَأنْزل الله هَذِهِ الْآيَة. [آيَة 71 - 74] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} الثَّبَات: السَّرَايَا، والجميع: الزَّحْف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 قَالَ مُحَمَّد: الثَّبَات: الْجَمَاعَات المفترقة، وَاحِدهَا: ثبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 {وَإِن مِنْكُم لمن ليبطئن} عَنِ الْغَزْو وَالْجهَاد، فِي تَفْسِير الْحسن. قَالَ مُحَمَّد: {ليبطئن} مَعْنَاهُ: يتَأَخَّر؛ يُقَال: أَبْطَأَ الرجل؛ إِذا تَأَخّر، وبطؤ إِذَا ثقل. {فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} أَي: نكبة {قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهم شَهِيدا} حَاضرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 {وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ} يَعْنِي: الْغَنِيمَة {لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ يكن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} أَي: أصبت من الْغَنِيمَة؛ وَهَؤُلَاء المُنَافِقُونَ. وَقَوله: {كَأَن لم يكن بَيْنكُم وَبَينه مَوَدَّة} فِيمَا يظْهر. قَالَ مُحَمَّد: {فَأَفُوزَ} مَنْصُوب؛ على جَوَاب التَّمَنِّي بِالْفَاءِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يشرون الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالآخِرَة} أَي: يبيعون. [آيَة 75] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 [آيَة 76] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل الله وَالْمُسْتَضْعَفِينَ} قَالَ الْحسن: يَعْنِي: وَعَن الْمُسْتَضْعَفِينَ من أهل مَكَّة من الْمُسلمين. {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِه الْقرْيَة الظَّالِم أَهلهَا} وهم مشركو أهل مَكَّة. قَالَ مُحَمَّد: {الظَّالِم أَهلهَا} نعت للقرية. {وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْك} من عنْدك {وَلِيًّا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله} أَي: فِي طَاعَة الله {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} الشَّيْطَان {فَقَاتلُوا أَوْلِيَاء الشَّيْطَان} وهم الْمُشْركُونَ {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفا} أخْبرهُم أَنَّهُم يظهرون عَلَيْهِم؛ فِي تَفْسِير الْحسن. [آيَة 77 - 78] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 [آيَة 79] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُم كفوا أَيْدِيكُم} الْآيَة. قَالَ الْكَلْبِيّ: كَانُوا مَعَ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قبل أَن يُهَاجر إِلَى الْمَدِينَة، وَكَانُوا يلقون من الْمُشْركين أَذَى كثيرا؛ فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلا تَأذن لنا فِي قتال (هَؤُلاءِ الْقَوْم)؛ فَإِنَّهُم قد آونا؟ فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ؛ فَإِنِّي لَمْ أُؤْمَرْ بِقِتَالِهِمْ)) فَلَمَّا هَاجر رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام و [سَار] ِإلى بدر عرفُوا أَنَّهُ الْقِتَال كَرهُوا، أَو بَعضهم. (ل 69) قَالَ الله: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ علينا الْقِتَال لَوْلَا} هلا {أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} إِلَى الْمَوْت. قَالَ الله للنَّبِي: {قل مَتَاع الدُّنْيَا قَلِيل} أَي: إِنَّكُم على كل حَال ميتون، وَالْقَتْل خير لكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 ثُمَّ أخْبرهُم - ليعزيهم ويصبرهم - فَقَالَ: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُم فِي بروج مشيدة} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: فِي قُصُور مُحصنَة. قَالَ الحَسَن: ثُمَّ ذكر الْمُنَافِقين خَاصَّة فَقَالَ: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَة} النَّصْر وَالْغنيمَة {يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} نكبة من الْعَدو {يَقُولُوا هَذِهِ من عنْدك} أَي: إنَّمَا أَصَابَنَا هَذَا عُقُوبَة مذ خرجت فِينَا؛ يتشاءمون بِهِ. {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} النَّصْر على الْأَعْدَاء والنكبة. {فَمَا لهَؤُلَاء الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 {مَا أَصَابَك من حَسَنَة} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 [فظهرت بهَا على الْمُشْركين] {فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ} من نكبة نكبوا بهَا يَوْم أحد {فَمن نَفسك} أَي: بِذُنُوبِهِمْ، وَكَانَت عُقُوبَة من الله؛ بمعصيتهم رَسُول الله؛ حَيْثُ اتبعُوا المدبرين. [آيَة 80 - 82] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله وَمن تولى} كفر {فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} تحفظ عَلَيْهِم أَعْمَالهم؛ حَتَّى تجزيهم بهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 {وَيَقُولُونَ طَاعَة} يَعْنِي بِهِ: الْمُنَافِقين؛ يَقُولُونَ ذَلِكَ لرَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام. قَالَ مُحَمَّد: وَارْتَفَعت {طَاعَة} بِمَعْنى: أمرنَا طَاعَة. {فَإِذَا بَرَزُوا} خَرجُوا {مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُم} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي غيرت طَائِفَة مِنْهُمْ {غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يكْتب مَا يبيتُونَ} أَي: يغيرون قَالَ مُحَمَّد: قِيلَ: الْمَعْنى: قَالُوا وقدروا لَيْلًا غير [مَا أتوك] نَهَارا، وَالْعرب تَقُولُ لكل مَا فُكِّر فِيهِ، أَو خِيضَ بلَيْل: قد بَيت، وَمن هَذَا قَول الشَّاعِر: (أَتَوْنِي فَلم أَرض مَا بيتوا ... وَكَانُوا أَتَوْنِي لأمر نكر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 قَوْله: {فَأَعْرض عَنْهُم} لَا تقتلهم، وَلَا تحكم عَلَيْهِم أَحْكَام الْمُشْركين؛ مَا كَانُوا إِذا لقوك أعطوك الطَّاعَة، وَلم يظهروا الشّرك. {وتوكل على الله} فَإِنَّهُ سيكفيكهم {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا} لمن توكل عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 {أَفلا يتدبرون الْقُرْآن} يَقُولُ: لَو تدبروه، لم ينافقوا ولآمنوا. {وَلَو كَانَ} هَذَا الْقُرْآن {مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} تَفْسِير قَتَادَة: قَول الله لَا يخْتَلف هُوَ حق لَيْسَ فِيهِ بَاطِل، وَإِن قَول النَّاس يخْتَلف. [آيَة 83 - 84] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَو الْخَوْف أذاعوا بِهِ} قَالَ قَتَادَة: إِذا جَاءَهُم أَمر من الْأَمْن - أَي: من أَن إخْوَانهمْ آمنون ظاهرون - أَو الْخَوْف - يَعْنِي: الْقَتْل والهزيمة - أذاعوا بِهِ؛ أَي: أفشوه. {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أولي الْأَمر مِنْهُم} أولي الْعلم مِنْهُم. {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يستنبطونه مِنْهُم} الَّذِينَ يفحصون عَنهُ، ويهمهم ذَلِكَ، يَقُولُ: إِذَا كَانُوا أعلم بِموضع الشُّكْر فِي النَّصْر والأمن، وَأعلم بالمكيدة فِي الْحَرْب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتبعتم الشَّيْطَان إِلَّا قَلِيلا} فضل الله الْإِسْلَام، وَرَحمته الْقُرْآن. قَالَ يحيى: قَوْله: {لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلا} فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير؛ يَقُولُ: لعلمه الَّذين يستنبطونه مِنْهُم إِلَّا قَلِيلا وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ [إِلا قَلِيلا]. قَالَ مُحَمَّد: قِيلَ: إِن هَذِهِ الْآيَة نزلت فِي جمَاعَة من الْمُنَافِقين، وضعفة من الْمُسلمين؛ كَانُوا إِذا أعلم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ ظَاهر على قوم، أَو إِذَا تجمع قوم يخَاف من جمع مثلهم - أذاع ذَلِكَ المُنَافِقُونَ؛ ليحذر من يحبونَ أَن يحذر من الْكفَّار، وليقوى قلب من يحبونَ أَن يقوى قلبه، وَكَانَ ضعفة الْمُسلمين يشيعون ذَلِكَ مَعَهم من غير علم مِنْهُم بِالضَّرَرِ فِي ذَلِكَ؛ فَقَالَ الله: {وَلَوْ ردُّوهُ إِلَى الرَّسُول} الْآيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تكلّف إِلَّا نَفسك وحرض} (ل 70) أَي: أخْبرهُم بِحسن ثَوَاب الله فِي الْآخِرَة للشهداء. {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وَعَسَى من الله وَاجِبَة {وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسا} عذَابا {وَأَشد تنكيلا} عُقُوبَة. [آيَة 85 - 86] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نصيب مِنْهَا} أَي: حَظّ (وَمَنْ يَشْفَعْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} أَي: إِثْم. قَالَ الْحسن: (والشفاعة الْحَسَنَة مَا يجوز} فِي الدّين أَن يشفع فِيهِ، (والشفاعة السَّيئَة مَا يحرم فِي الدّين أَن يشفع فِيهِ). {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كل شَيْء مقيتاً} أَي: مقتدرا؛ فِي تَفْسِير الْكَلْبِيّ. قَالَ مُحَمَّد: وَأنْشد بَعضهم: (وَذي ضغن كَفَفْت النَّفس عَنْهُ ... وَكنت على مساءته مقيتا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 قَوْله: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَو ردوهَا} التَّحِيَّة: السَّلَام، وَمعنى: {أحسن مِنْهَا} إِذَا قَالَ الرجل: السَّلام عَلَيْكُم، رد عَلَيْهِ: السَّلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، وَإِذا قَالَ: السَّلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله رد عَلَيْهِ: السَّلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمعنى: {أَو ردوهَا} أَي: ردوا عَلَيْهِ مثل مَا يسلم؛ وَهَذَا إِذا سلم عَلَيْك الْمُسلم. {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كل شَيْء حسيباً} قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي: محاسبا؛ فِي قَول بَعضهم. [آيَة 87] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 [آيَة 87 - 91] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا ريب فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ {وَمَنْ أَصْدَقُ من الله حَدِيثا} أَي: لَا أحد أصدق مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} قَالَ مُحَمَّد: {فئتين} نصب على الْحَال الْمَعْنى: أَي شَيْء لكم فِي الِاخْتِلَاف فِي أَمرهم؟ {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} هُمْ قوم من الْمُنَافِقين كَانُوا بِالْمَدِينَةِ؛ فَخَرجُوا مِنْهَا إِلَى مَكَّة، ثُمَّ خَرجُوا من مَكَّة إِلَى الْيَمَامَة تجارًا فَارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَام، وأظهروا مَا فِي قُلُوبهم من الشّرك، فَلَقِيَهُمْ الْمُسلمُونَ، فَكَانُوا فيهم (فئتين - أَي:)) فرْقَتَيْن - فَقَالَ بَعضهم: قد حلت دِمَاؤُهُمْ؛ هُمْ مشركون مرتدون، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 وَقَالَ بَعضهم: لم تحل دِمَاؤُهُمْ؛ هُمْ قوم عرضت لَهُم فتْنَة. فَقَالَ الله {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقين فئتين} وَلَيْسَ يَعْنِي: أَنهم فِي تِلْكَ الْحَال الَّتِي أظهرُوا فِيهَا الشّرك مُنَافِقُونَ، وَلكنه نسبهم إِلَى (خبثهمْ} الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مِمَّا فِي قُلُوبهم من النِّفَاق، يَقُولُ: قَالَ بَعْضكُم كَذَا، وَقَالَ بَعْضكُم كَذَا؛ [هلا] كُنْتُم فيهم فِئَة [وَاحِدَة] وَلم تختلفوا فِي قَتلهمْ؟ ثُمَّ قَالَ: {وَالله أركسهم بِمَا كسبوا} صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ: ردهم إِلَى الشّرك بِمَا كَانَ فِي قُلُوبهم من الشَّك والنفاق. {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِد لَهُ سَبِيلا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فتكونون سَوَاء} أَي: فِي الْكفْر شرعا سَوَاء {فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُم أَوْلِيَاء} أَي: لَا توالوهم. {حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيل الله} فيرجعوا إِلَى الدَّار الَّتِي خَرجُوا مِنْهَا؛ يَعْنِي: الْمَدِينَة {فَإِنْ تَوَلَّوْا} وأبوا الْهِجْرَة {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 ثُمَّ اسْتثْنِي قوما نهى عَنْ قِتَالهمْ؛ فقَالَ: {إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي: إِلَّا من اتَّصل بِقوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق، ومعني (اتَّصل): انتسب. قَالَ يحيى: وَهَؤُلَاء بَنو مُدْلِج كَانَ بَينهم وَبَين قُرَيْش عهد، وَكَانَ بَين رَسُول الله وقريش عهد؛ فَحرم الله من بني مُدْلِج مَا حرم من قُرَيْش؛ وَهَذَا مَنْسُوخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 نسخته الْآيَة {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}. {أَو جاءوكم حصرت صُدُورهمْ} أَي: كارهة صُدُورُهُمْ. {أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَومهمْ} الْآيَة. قَالَ مُحَمَّد: وتقرأ {حَصِرَةً صدروهم} أَي: ضَاقَتْ؛ الْحصْر فِي اللُّغَة: الضّيق. قَوْله: {فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لكم عَلَيْهِم سَبِيلا} يَعْنِي: حجَّة؛ وَهَذَا مَنْسُوخ أَيْضا؛ نسخته آيَة الْقِتَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ ويأمنوا قَومهمْ} تَفْسِير مُجَاهِد: قَالَ [هُمْ] أنَاس من أهل مَكَّة؛ كَانُوا يأْتونَ النَّبي يسلمُونَ عَلَيْهِ رِيَاء، ثُمَّ يرجعُونَ إِلَى قُرَيْش يرتكسون فِي الْأَوْثَان يَبْتَغُونَ (بركتها، أَو يأمنوا} هَا هُنَا وَهَا هُنَا؛ فَأمروا (ل 71) بقتالهم؛ إِن لم يعتزلوا ويصلحوا. [آيَة 92] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 [آيَة 92 - 93] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن} يَعْنِي: لَا يَنْبَغِي لمُؤْمِن {أَنْ يقتل مُؤمنا إِلَّا خطئا} أَي إِلَّا أَن يكون لَا يتَعَمَّد لقَتله. {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خطئا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهله} يَعْنِي: أهل الْقَتِيل {إِلا أَنْ يصدقُوا} يَعْنِي: إِلَّا أَن يصدق أهل الْقَتِيل؛ فيتجاوزوا عَنِ الدِّيَة. {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} قَالَ الْحسن: كَانَ الرجل يسلم وَقَومه حَرْب، فيقتله رجل من الْمُسلمين خطأ - فَفِيهِ تَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة [وَلَا دِيَة] لِقَوْمِهِ. {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وتحرير رَقَبَة مُؤمنَة} مَا كَانَ من عهد بَين الْمُسلمين وَبَين الْمُشْركين، أَو أهل الذِّمَّة؛ فَقتل رجل مِنْهُم - فَفِيهِ الدِّيَة لأوليائه، وَعتق رَقَبَة مُؤمنَة. {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابعين تَوْبَة من الله} تجاوزا من الله. قَالَ مُحَمَّد: {تَوْبَة من الله} الْقِرَاءَة بِالْفَتْح؛ الْمَعْنى: فعل الله ذَلِك تَوْبَة مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا} الْآيَة. قَالَ يحيى: بَلغنِي أَن عُمَر بْن الخَطَّاب قَالَ: لما أنزل الله الموجبات الَّتِي أوجب عَلَيْهَا النَّار؛ لمن عمل بهَا: وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا (أَو أشباه) ذَلِكَ كُنَّا نبث عَلَيْهِ الشَّهَادَة حتَّى نزلت هَذِهِ الْآيَة {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِك لمن يَشَاء} فَكَفَفْنَا عَنِ الشَّهَادَة. يَحْيَى: عَنْ عَاصِمِ بْنِ حَكِيمٍ، (عَنْ خَالِدِ بن أبي كَرِيمَة، عَن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَيْسُورٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ)، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: ((لَا تُنْزِلُوا الْعَارِفِينَ الْمُحَدِّثِينَ الْجَنَّةَ وَلا النَّارَ، حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَقْضِي فِيهِمْ يَوْم الْقِيَامَة)). [آيَة 94] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيل الله} الْآيَة. تَفْسِير قَتَادَة: هَذَا فِي شَأْن مرداس رجل من غطفان، ذكر لنا أَن نَبِيَّ الله بعث جَيْشًا عَلَيْهِم غَالب اللَّيْثِيّ إِلَى أهل فدك، وفيهَا نَاس من غطفان، وَكَانَ مرداس مِنْهُم ففر أَصْحَابه، وَقَالَ لَهُم مرداس: إِنِّي مُؤمن وَإِنِّي غير متابعكم؛ فصبحته الْخَيل غدْوَة، فَلَمَّا لقُوَّة سلم عَلَيْهِم، فَدَعَاهُ أَصْحَاب نَبِي الله؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 فَقَتَلُوهُ، وَأخذُوا مَا كَانَ مَعْهُ من مَتَاع؛ فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لمن ألْقى إِلَيْكُم السّلم لست مُؤمنا} لِأَن تَحِيَّة الْمُؤمنِينَ السَّلام؛ بهَا يَتَعَارَفُونَ، ويلقى بَعضهم بَعْضًا. {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِم كَثِيرَة} يعطيكموها {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ} أَي: ضلالا {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} بِالْإِسْلَامِ. قَالَ مُحَمَّد: وَمن قَرَأَ: {لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} فَالْمَعْنى: استسلم لكم. [آيَة 95 - 96] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم. يَحْيَى: عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: ((لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ} وَلَمْ يَذْكُرِ الضَّرَرَ {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله} - جَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إِلَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 فَقَالَ: أَنَا كَمَا تَرَى وَكَانَ أَعْمَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ادْعُوا لِي زَيْدًا وَلْيَأْتِ بِاللَّوْحِ أَوِ الْكَتِفِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَر}. قَالَ مُحَمَّد: الْقِرَاءَة {غَيْرَ} بِالْفَتْح؛ على معنى: الِاسْتِثْنَاء. {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} يَعْنِي: الْجنَّة. وَهَذِه نزلت بَعْدَمَا صَار الْجِهَاد تَطَوّعا. قَالَ: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً} الْآيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 قَالَ مُحَمَّد: {دَرَجَات} نصب على الْبَدَل، من قَوْله: {أجرا عَظِيما} يَحْيَى: (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مَكْحُولٍ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَمِائَةَ دَرَجَةٍ، بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، وَلَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، وَلا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، (ل 72) وَلا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي، مَا قَعَدْتُ خِلافَ سَرِيَّةٍ تغزوا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 ولوددت أَنِّي أُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أَحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلَ ثُمَّ أَحْيَا ثمَّ أقتل)). [آيَة 97 - 101] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أنفسهم قَالُوا فيمَ كُنْتُم} قَالَت لَهُم الْمَلَائِكَة: فيمَ كُنْتُم؟ {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} يَعْنِي: مقهورين فِي أَرض مَكَّة {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَة فتهاجروا فِيهَا} أَي: إِلَيْهَا. تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: هَؤُلاءِ قوم كَانُوا بِمَكَّة تكلمُوا بِالْإِسْلَامِ؛ فَلَمَّا خرج أَبُو جهل وَأَصْحَابه، خَرجُوا مَعْهُ؛ فَقتلُوا يَوْم بدر، وَاعْتَذَرُوا [بالأعذار]، فَأبى الله أَن يقبل ذَلِك مِنْهُم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 ثُمَّ عذر الله الَّذِينَ بِمَكَّة واستثناهم، فَقَالَ: (إِلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 الْمُسْتَضْعَفِينَ من الرِّجَال وَالنِّسَاء والوالدان لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة} أَي: لَا قُوَّة لَهُم فَيخْرجُونَ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا} لَا يعْرفُونَ طَرِيقا إِلَى الْمَدِينَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُم} و {عَسى} من الله وَاجِبَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وسعة} أَي: مُهَاجرا فيهاجر إِلَيْهِ. قَالَ مُحَمَّد: المراغم وَالْمُهَاجِر وَاحِد؛ يُقَال: راغمت وَهَاجَرت، وَأَصله: أَن الرجل إِذا أسلم خرج عَنْ قومه مراغما لَهُم؛ أَي: مغاضبا مقاطعا. {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى الله وَرَسُوله} الْآيَة. يَحْيَى: عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: ((سَمِعَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ؛ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ قَدْ ضَرَبَتِ الْمَلائِكَةُ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ أَدْنَفَ لِلْمَوْتِ، فَقَالَ: أَخْرِجُونِي إِلَى النَّبِيِّ. فَوُجِّهَ إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ فَانْتَهَى إِلَى عَقَبَةٍ سَمَّاهَا فَتُوُفِّيَ بِهَا؛ فَأَنْزَلَ الله فِيهِ هَذِه الْآيَة)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ} أَن يقتلكم {الَّذين كفرُوا} هَذَا قصر صَلَاة الْخَوْف. [آيَة 102 - 104] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 [آيَة 102 - 104] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاة} قَالَ مُجَاهِد: ((إِن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَأَصحابه كَانُوا بعسفان، وَالْمُشْرِكُونَ بضجنان فتواقفوا فصلى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بِأَصْحَابِهِ الظّهْر أَرْبعا؛ ركوعهم وسجودهم وقيامهم مَعًا، فهم بهم الْمُشْركُونَ أَن (يُغيرُوا) على أمتعتهم وأثقالهم، فَأنْزل الله {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فأقمت لَهُم الصَّلَاة} الْآيَة). قَوْله: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركُمْ} أَي: يضعون أسلحتهم وهم (يحذرون}. قَالَ مُحَمَّد: ذكر يحيى سُنة صَلَاة الْخَوْف، وَنقل فِيهَا اخْتِلَافا؛ فاختصرت ذَلِكَ؛ إِذْ لَهُ مَوْضِعه من كتب الْفِقْه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} يَعْنِي: بِاللِّسَانِ (قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 جنوبكم} تَفْسِير قَتَادَة: افْترض الله ذكره عِنْد الْقِتَال {فَإِذا اطمأننتم} يَعْنِي: فِي أمصاركم. {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} يَقُولُ: فَأتمُّوا الصَّلَاة {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} أَي: مَفْرُوضًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ} أَي: لَا تضعفوا فِي طَلَبهمْ {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تألمون} يَعْنِي: وجع الْجراح {وَتَرْجُونَ مِنَ الله مَا لَا يرجون} أَي: من ثَوَابه مَا لَا يَرْجُو الْمُشْركُونَ، يرغبهم بذلك فِي الْجِهَاد. [آيَة 105 - 106] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ الله} فِي الْوَحْي {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خصيماً} تَفْسِير الحَسَن: ((أَن رجلا من الْأَنْصَار سرق درعا فاتهم عَلَيْهَا حتَّى فَشَتْ القالة؛ أَنَّهُ سرق الدرْع؛ فَانْطَلق فاستودعها رجلا من الْيَهُود، ثُمَّ أَتَى قومه، فَقَالَ: ألم تروا إِلَى هَؤُلاءِ الَّذِينَ اتهموني على الدرْع؛ فوَاللَّه مَا زلت أطلب وأبحث حتَّى وَجدتهَا عِنْد فلَان الْيَهُودِيّ؛ فَأتوا الْيَهُودِيّ فوجدوا عِنْده الدرْع، (ل 73) فَقَالَ: وَالله مَا سرقتها، إنَّمَا استودعنيها ثُمَّ قَالَ الْأنْصَارِيّ لِقَوْمِهِ: انْطَلقُوا إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَقولُوا لَهُ، فَليخْرجْ فليعذرني، فَتسقط عني القالة، فَأتى قومه رَسُول الله فَقَالُوا: يَا رَسُول االله، اخْرُج فاعذر فلَانا، حتَّى تسْقط عَنْه القالة، فَأَرَادَ رَسُول الله أَن يفعل، فَأنْزل الله: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 تكن للخائنين خصيماً} أَي: أَن الْأنْصَارِيّ هُوَ سَرَقهَا؛ فَلَا تعذرنه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 واستغفر الله مِمَّا كنت هَمَمْت بِهِ أَن تعذره. [آيَة 107 - 113] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 {وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ} أَي: أَن الْأنْصَارِيّ [سَرَقهَا أَي] خانها، والأنصاري: طعمة بْن أُبَيْرِق وَكَانَ منافقاً)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ من الله} {أَي: يستحيون من النَّاس، وَلَا يستحيون من الله}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 {وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يرضى من القَوْل} يَعْنِي: مَا قَالَ الْأنْصَارِيّ: إِن الْيَهُودِيّ سَرَقهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 ثُمَّ أقبل على قوم الْأنْصَارِيّ فَقَالَ: {هَا أَنْتُم هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِم وَكيلا} أَي: حفيظا لأعمالهم؛ فِي تَفْسِير الْحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 (قَالَ الْحسن): ثُمَّ استتابه الله، فَقَالَ: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفسه} إِلَى قَوْله: {عَلِيمًا حَكِيمًا}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثمَّ يرم بِهِ بَرِيئًا} أَي: [مَا رمي بِهِ] الْيَهُودِيّ وَهُوَ مِنْهَا بَرِيء {فَقَدِ احْتَمَلَ بهتانا} كذبا {وإثما مُبينًا} بَينا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 قَالَ الحَسَن: ثُمَّ قَالَ لنَبيه عَلَيْهِ السَّلَام: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ} فِيمَا أَرَادوا من النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعْذر عَنْ صَاحبهمْ {وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أنفسهم} أَي: حِين جَاءُوا إِلَيْك لتعذره {وَمَا يضرونك} ينقصونك {من شَيْء}. قَالَ مُحَمَّد: قِيلَ: إِن الْمَعْنى فِي قَوْله: {أَن يضلوك} أَي: أَن يخطئوك فِي حكمك، وَمَا يضلون إِلَّا أنفسهم، لأَنهم يعْملُونَ عمل الضَّالّين، وَالله يعْصم نبيه من متابعتهم. [آيَة 114] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 [آيَة 115 - 116] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجوَاهُمْ} يَعْنِي: قوم الْأنْصَارِيّ {إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إصْلَاح بَين النَّاس} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 قَالَ الحَسَن: فَلَمَّا أنزل الله فِي الْأنْصَارِيّ مَا أنزل استحيا أَن يُقيم بَين ظهراني الْمُسلمين، فلحق بالمشركين؛ فَأنْزل الله: {وَمَنْ يُشَاقق الرَّسُول} أَي: يُفَارق {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيل الْمُؤمنِينَ} يَعْنِي: غير دين الْمُؤمنِينَ {نُوَلِّهِ مَا تولى} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 قَالَ الْحسن: ثُمَّ استتابه الله، فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرك بِهِ} الْآيَة. فَلَمَّا نزلت هَذِهِ الْآيَة رَجَعَ إِلَى الْمُسلمين. [آيَة 117 - 121] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا} قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: إِلَّا أَمْوَاتًا. قَالَ يحيى: كَقَوْلِه: {أَمُوت غير أَحيَاء} يَعْنِي: أصنامهم. قَالَ مُحَمَّد: وَقيل: الْمَعْنى: إِلَّا مَا سموهُ بأسماء الْإِنَاث؛ مثل اللات والعزى وَمَنَاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا} قَالَ الحَسَن: أَي: إِن تِلْكَ الْأَوْثَان لم تَدعهُمْ إِلَى عبادتها، إنَّمَا دعاهم إِلَى عبادتها الشَّيْطَان. قَالَ مُحَمَّد: المريد: العاتي؛ يُقَال: مُرِيد ومارد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 قَوْله تعالي: {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ} يَعْنِي: إِبْلِيس {لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبا مَفْرُوضًا}. وَقَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: أفترضه لنَفْسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 {ولأضلنهم} لأغوينهم {ولأمنينهم} أَي: بِأَنَّهُم لَا عَذَاب عَلَيْهِم {ولآمرنهم فليبتكن آذان الْأَنْعَام} هِيَ: الْبحيرَة؛ كَانُوا يقطعون أَطْرَاف آذانها ويحرمونها. {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله} قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ الخصاء. وَقَالَ الحَسَن: هُوَ مَا تَشِمُ النِّسَاء فِي أيديها ووجوهها؛ كَانَ نسَاء أهل الْجَاهِلِيَّة يفعلن ذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 {وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا محيصا} ملْجأ. [آيَة 122] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 [آيَة 123 - 126] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ من الله قيلا} أَي: لَا أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكتاب} (ل 74) قَالَ الْحَسَن: قَالَت الْيَهُود للْمُؤْمِنين: كتَابنَا قبل كتابكُمْ، وَنَبِينَا قبل نَبِيكُم، [وَكِتَابنَا القَاضِي على مَا قبله من الْكتب] وَنحن أهْدى مِنْكُم قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: كَذبْتُمْ، إِنَّا صدقنا بِكِتَابِكُمْ ونبيكم، وكذبتم بكتابنا وَنَبِينَا، وَكِتَابنَا القَاضِي على مَا قبله من [الْكتب]. قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: لَيْسَ ثَوَاب الله - عزَّ وجلَّ - بأمانيكم، وَلَا أماني أهل الْكِتَابِ. {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} يَحْيَى: عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ هِلالٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَن أبي بكر ابْن زُهَيْرٍ ((أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الصَّلاحُ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قَالَ: قَوْلُ اللَّهِ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} فَكُلُّ سُوءٍ عَمِلْنَاهُ نُجْزَى بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَيْسَ تَمْرَضُ؟ أَلَيْسَ تَحْزَنُ؟ أَلَيْسَ تَنْصَبُ؟ أَلَيْسَ تُصِيبُكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 اللأْوَاءُ؛ يَعْنِي: الأَوْجَاعَ وَالأَمْرَاضَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَهُوَ مِمَّا تُجْزَوْنَ بِهِ)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجهه لله} أَي: أخْلص {وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا} أَي: لَا أحد أحسن دينا مِنْهُ. قَالَ الْكَلْبِيّ: لما قَالَت الْيَهُود للْمُؤْمِنين: كتَابنَا قبل كتابكُمْ، وَنَبِينَا قبل نَبِيكُم، وَقَالَ لَهُم الْمُؤْمِنُونَ مَا قَالُوا؛ فَأنْزل الله: {لَيْسَ بأمانيكم} إِلَى قَوْله: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} ففضل الله الْمُؤمنِينَ على الْيَهُود. قَالَ مُحَمَّد: تَفْسِير بَعضهم: الْخَلِيل هُوَ من بَاب الْخلَّة والمحبة الَّتِي لَا خلل فِيهَا. [آيَة 127] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 {ويستفتونك فِي النِّسَاء} قَالَ الْكَلْبِيّ: ((سُئِلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [مَا لَهُنَّ] من الْمِيرَاث، فَأنْزل الله الرّبع وَالثمن)). {قُلِ اللَّهُ يفتيكم فِيهِنَّ} إِلَى قَوْله: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} أَي: عَنْ أَن تنكحوهن. يَحْيَى: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، عَن عَليّ ابْن أَبِي طَالِبٍ ((أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكتاب} الآيَةِ، قَالَ: تَكُونُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الرَّجُلِ بِنْتُ عَمِّهِ يَتِيمَةً فِي حِجْرِهِ، وَلَهَا مَالٌ فَلا يَتَزَوَّجَهَا لِذَمَامَتِهَا، وَلَكِنْ يَحْبِسُهَا حَتَّى يَرِثَهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ)). وقولُه: {لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كتب لَهُنَّ} يَعْنِي: ميراثهن. وقولُه: {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْولدَان} يَقُول: يفتيكم فِيهِنَّ، وَفِي الْمُسْتَضْعَفِينَ من الْولدَان؛ أَلا تَأْكُلُوا [من] أَمْوَالهم. قَالَ قَتَادَة: وَكَانُوا لَا يورثون الصَّغِير، وَإِنَّمَا كَانُوا يورثون من يحترف، وينفع وَيدْفَع. {وَأَنْ تقوموا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} وَهُوَ تبع للْكَلَام الأول، قل الله يفتيكم فِيهِنَّ، وَفِي يتامى النِّسَاء، وَفِي الْمُسْتَضْعَفِينَ من الْولدَان، وَفِي أَن تقوموا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 [آيَة 128 - 130] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 {وَإِن امْرَأَة خَافت} يَعْنِي: علمت {من بَعْلهَا} يَعْنِي: زَوجهَا {نُشُوزًا} يَعْنِي: بغضا {أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جنَاح} لَا حرج. {عَلَيْهِمَا أَن يصالحا بَينهمَا صلحا وَالصُّلْح خير} الْآيَة، قَالَ بَعضهم: هِيَ الْمَرْأَة تكون عِنْد الرجل فتكبر فَلَا تَلد، فيريد أَن يتَزَوَّج عَلَيْهَا أشب مِنْهَا، ويؤثرها على الْكَبِيرَة، فَيَقُول لَهَا: إِن رضيت أَن أوثرها عَلَيْك وَإِلَّا طَلقتك، أَو يُعْطِيهَا من مَاله على أَن ترْضى أَن يُؤثر عَلَيْهَا الشَّابَّة. وقولُه: {وأحضرت الْأَنْفس الشُّح} أَي: شحت بنصيبها من زَوجهَا لِلْأُخْرَى؛ فَلم ترض. {وَإِنْ تُحْسِنُوا} [الْفِعْل] {وتتقوا} الْميل والجور فِيهِنَّ {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاء} فِي الْحبّ {وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تميلوا كل الْميل} قَالَ الحَسَن: فتأتي وَاحِدَة، وَتَدَع الْأُخْرَى {فتذروها كالمعلقة} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 قَالَ الحَسَن: لَا أيم، وَلَا ذَات بعل. {وَإِن تصلحوا} الْفِعْل فِي أمرهن {وتتقوا} الْميل والجور فِيهِنَّ {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رحِيما}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 قَوْله: {وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} أَي: وَاسِعًا لَهما فِي الرزق (ل 75) حكيماً فِي أمره. [آيَة 131 - 134] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 قَوْله: {وَكفى بِاللَّه وَكيلا} لمن توكل عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ} [أَي: يذهبكم] بِعَذَاب الاستئصال. {وَيَأْتِي بِآخَرين} [بِقوم] يطيعونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} يَعْنِي: ثَوَاب الْآخِرَة لمن أَرَادَ الْآخِرَة. هُوَ كَقَوْلِه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} إِلَى قَوْله: {كَانَ سَعْيهمْ مشكورا}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 [آيَة 135 - 136] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} إِلَى قَوْله: {فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} يَقُولُ: اشْهَدُوا على أَنفسكُم وعَلى أَبْنَائِكُم [وعَلى آبائكم] وأمهاتكم وقراباتكم؛ أَغْنِيَاء كَانُوا أَو فُقَرَاء {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أولى بهما} أَي: أولى بغناه وَفَقره مِنْكُم. قَالَ قَتَادَة: يَقُولُ: لَا يمنعنك غنى غَنِي، وَلَا فقر فَقير أَن تشهد عَلَيْهِ بِمَا تعلم. {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} (فتدعوا) الشَّهَادَة. {وَإِن تلووا} أَلْسِنَتكُم فتحرفوا الشَّهَادَة {أَوْ تُعْرِضُوا} فَلَا تشهدوا بهَا {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ}. قَالَ الْكَلْبِيّ: خَاطب بِهَذَا من آمن من أهل الْكتاب؛ وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا عِنْد إسْلَامهمْ: أنؤمن بِكِتَاب مُحَمَّد، ونكفر بِمَا سواهُ؟! فَقَالَ الله: {قل آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نزل على رَسُوله} الْآيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 [آيَة 137 - 140] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} الْآيَة، هُمْ أهل الْكِتَابَيْنِ، فِي تَفْسِير قَتَادَة. قَالَ: آمَنت الْيَهُود بِالتَّوْرَاةِ، ثُمَّ كفرت بهَا - يَعْنِي: مَا حرفوا مِنْهَا - وَآمَنت النَّصَارَى بالإنجيل ثُمَّ كفرت بِهِ - يَعْنِي: مَا حرفوا مِنْهُ. {ثُمَّ ازْدَادُوا} كلهم {كُفْرًا} بِالْقُرْآنِ {لَمْ يَكُنِ الله ليغفر لَهُم} قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: من مَاتَ مِنْهُم على كفره. {وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا} أَي: سَبِيل هدى؛ يَعْنِي: الْأَحْيَاء، وَأَرَادَ بِهَذَا عامتهم، وَقد تسلم الْخَاصَّة مِنْهُم. {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُم عذَابا أَلِيمًا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دون الْمُؤمنِينَ} كَانُوا يتولون الْيَهُود، وَقد أظهرُوا الْإِيمَان. {أيبتغون عِنْد الله الْعِزَّة} أَي: أيريدون بهم الْعِزَّة؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيره} يَعْنِي: مَا أنزل فِي سُورَة الْأَنْعَام: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا فَأَعْرض عَنْهُم} الْآيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 [آيَة 141 - 143] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 {الَّذين يتربصون بكم} هم المُنَافِقُونَ؛ كَانُوا يتربصون برَسُول الله وَبِالْمُؤْمِنِينَ {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فتح من الله} نصر وغنيمة {قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ}. {وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ} نكبة على الْمُؤمنِينَ {قَالُوا} للْكَافِرِينَ. {ألم نستحوذ عَلَيْكُم} أَي: ندين بدينكم {وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤمنِينَ} يعنون: من آمن بِمُحَمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ: كُنَّا لكم عيُونا نأتيكم بأخبارهم، ونعينكم عَلَيْهِم؛ وَكَانَ ذَلِكَ فِي السِّرّ. قَالَ الله: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْم الْقِيَامَة} فَيجْعَل الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة، وَيجْعَل الْكَافرين فِي النَّار. {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} أَي: حجَّة فِي الْآخِرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 {إِن الْمُنَافِقين يخادعون الله} بقَوْلهمْ: {إِذا لقوا الَّذين ءامنوا قَالُوا ءامنا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعكُمْ} وَهُوَ خداعهم. قَالَ مُحَمَّد: يجازيهم جَزَاء الخداع. {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة قَامُوا كسَالَى} عَنْهَا {يراءون النَّاس} يظهرون مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 لَيْسَ فِي قُلُوبهم. {وَلا يَذْكُرُونَ الله إِلَّا قَلِيلا} قَالَ الحَسَن: إنَّمَا قل؛ لأنَّه كَانَ لغير الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} قَالَ قَتَادَة: (ل 76) لَيْسُوا بمؤمنين مُخلصين، وَلَا بمشركين مصرحين {وَمن يضلل الله} عَنِ الْهدى {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا} يَعْنِي: سَبِيل هدى. [آيَة 144 - 147] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء من دون الْمُؤمنِينَ} يَقُولُ: لَا تَفعلُوا كَفعل الْمُنَافِقين؛ اتَّخذُوا الْمُشْركين أَوْلِيَاء من دون الْمُؤْمِنِينَ {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُم سُلْطَانا مُبينًا} قَالَ ابْن عَبَّاس: حجَّة بَيِّنَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ من النَّار} وَهُوَ الْبَاب السَّابِع الْأَسْفَل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شكرتم وآمنتم} أَي: أَن الله غَنِي لَا يعذب شاكراً وَلَا مُؤمنا. [آيَة 148 - 149] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 [آيَة 150 - 151] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ} قَالَ قَتَادَة: عذر الله الْمَظْلُوم أَن يَدْعُو. وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ الضَّيْف ينزل فيحول رَحْله، فَيَقُول: فعل الله بِهِ، لم ينزلني! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَو تعفوا عَن سوء} الْآيَة هُوَ كَقَوْلِه: {إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يُعلمهُ الله}. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُله} قَالَ قَتَادَة: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى؛ آمَنت الْيَهُود بِالتَّوْرَاةِ وبموسى، وَكَفرُوا بالإنجيل وَعِيسَى، وَآمَنت النَّصَارَى بالإنجيل وَعِيسَى، وَكَفرُوا بِالْقُرْآنِ وَمُحَمّد - عَلَى جَمِيعهم السَّلام. {وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَين ذَلِك سَبِيلا} قَالَ السّديّ: يَعْنِي: دينا. قَالَ الله: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} الْآيَة. [آيَة 152 - 153] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 [آيَة 154] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يفرقُوا بَين أحد مِنْهُم} هُوَ كَقَوْلِه: {قُولُوا ءامنا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيم} الْآيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِم كتابا من السَّمَاء} أَي: خَاصَّة عَلَيْهِم {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أرنا الله جهرة} أَي: عيَانًا {وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبينًا} حجَّة (بَيِّنَة). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 {ورفعنا فَوْقهم الطّور بميثاقهم} الْآيَة، فقد مضى تَفْسِيره فِي سُورَة الْبَقَرَة. [آيَة 155 - 159] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 {فبمَا نقضهم ميثاقهم} أَي: فبنقضهم ميثاقهم، و (مَا) صلَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 {وَقَوْلهمْ قُلُوبنَا غلف} قد مضى تَفْسِيره. قَالَ الله: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤمنُونَ إِلَّا قَلِيلا} قَالَ قَتَادَة: قَلَّ من آمن من الْيَهُود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيما} هُوَ مَا قذفوا بِهِ مَرْيَم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْن مَرْيَم} (مسح) بِالْبركَةِ. {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صلبوه وَلَكِن شبه لَهُم} قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَن عِيسَى قَالَ لأَصْحَابه: أَيّكُم يقذف عَلَيْهِ شبهي؛ فَإِنَّهُ مقتول؟ قَالَ رجل من أَصْحَابه: أَنَا يَا رَسُول الله. فَقتل ذَلِكَ الرجل، وَمنع الله نبيه (وَرَفعه إِلَيْهِ). {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ من علم} كَانَ بَعضهم يَقُولُ: هم النَّصَارَى، اخْتلفُوا فِيهِ فصاروا ثَلَاث فرق. قَالَ الله: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينا} (أَي: مَا قتلوا ظنهم يَقِينا) {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: قبل موت عِيسَى إِذَا نزل. وَقَالَ السّديّ: يَقُولُ لَا يَمُوت مِنْهُم أحد حتَّى يُؤمن بِعِيسَى؛ أَنَّهُ عَبْد الله وَرَسُوله، فَلَا يَنْفَعهُ ذَلِكَ عِنْد مُعَاينَة ملك الْمَوْت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} أَي: يشْهد عَلَيْهِم؛ أَنَّهُ قد بلغ رِسَالَة ربه، وَأقر بالعبودية على نَفسه. [آيَة 160 - 162] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيل الله كثيرا} قَالَ مُجَاهِد: صدوا أنفسهم وَغَيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاة والمؤتون الزَّكَاة} قَالَ قَتَادَة: اسْتثْنى الله مِنْهُم من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَمَا أنزل عَلَيْهِم، وَمَا أنزل على نَبِيَّ الله. قَالَ مُحَمَّد: اخْتلف (ل 77) القَوْل فِي إِعْرَاب {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} فَقَالَ بَعضهم: الْمَعْنى: يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك، وبالمقيمين الصَّلَاة؛ أَي: ويؤمنون بالنبيين المقيمين الصَّلَاة. وَقَالَ بَعضهم: الْمَعْنى: وَاذْكُر المقيمين الصَّلَاة، وهم المؤتون الزَّكَاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 [آيَة 163 - 165] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وأوحينا إِلَى إِبْرَاهِيم} أَي: وكما أَوْحَينَا إِلَى إِبْرَاهِيم {وَإِسْمَاعِيل} إِلَى قَوْله: {والأسباط} والأسباط: يُوسُف وَإِخْوَته. {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} يَعْنِي: كتابا؛ وَكَانَ دَاوُد بَين مُوسَى وَعِيسَى، وَلَيْسَ فِي الزبُور حَلَال وَلَا حرَام، وَإِنَّمَا هُوَ تحميد وتمجيد وتعظيم لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 {وَرُسُلا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قبل} قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: وَأَرْسَلْنَا رسلًا قد قصصناهم عَلَيْك {وَرُسُلا لَمْ نقصصهم عَلَيْك} قَالَ يحيى: قَالَ بَعضهم: ((قِيلَ: يَا رَسُول الله، كم المُرْسَلُونَ؟ قَالَ: ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر رجلا جَمَّاءَ الْغَفِيرِ. قِيلَ: أَكَانَ آدم نَبيا مكلما أَو غير مُكَلم؟ قَالَ: بل كَانَ نَبيا مكلما)). الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: جَاءَ الْقَوْم جما غفيرا، أَو جماء الْغَفِير - إِضَافَة - أَي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 كلهم بلفهم ولفيفهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 {وكلم الله مُوسَى تكليما} أَي: كلَاما من غير وَحي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 {مبشرين ومنذرين} يَعْنِي: مبشرين بِالْجنَّةِ، ومنذرين بالنَّار. [آيَة 166 - 170] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْك} يَعْنِي: الْقُرْآن {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يشْهدُونَ} أَنَّهُ أنزلهُ إِلَيْك. {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدا} قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: وَكفى الله شَهِيدا، وَالْبَاء مُؤَكدَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 {إِن الَّذين كفرُوا وظلموا} أَي: أنفسهم. {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ ليغفر لَهُم} يَعْنِي: إِذَا مَاتُوا على كفرهم {وَلَا ليهديهم طَرِيقا} أَي: طَرِيق هدى؛ يَعْنِي: الْعَامَّة من أحيائهم. [آيَة 171 - 173] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 [آيَة 171 - 173] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 {يَا أهل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} الغلو: تعدِي الْحق. قَوْله: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} أَي: أَنَّهُ كَانَ من غير بِشْر. {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقولُوا ثَلَاثَة} الْآيَة. أَي: آلِهَتنَا ثَلَاثَة {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِد} قَالَ مُحَمَّد: اخْتلف القَوْل فِي قَوْله: {خيرا لكم} وَالِاخْتِيَار أَنَّهُ مَحْمُول على مَعْنَاهُ؛ كَأَنَّهُ قَالَ: انْتَهوا وائتوا خيرا لكم. وَكَذَلِكَ قَوْله: {فَآمِنُوا خَيْرًا لكم} هُوَ على مثل هَذَا الْمَعْنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عبدا لله} أَي: لن يحتشم {وَلا الْمَلائِكَةُ المقربون} أَن يَكُونُوا عباداً لله. [آيَة 174 - 175] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 [آيَة 176] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 {يَا أَيهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ ربكُم} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: حجَّة {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُم نورا مُبينًا} بَينا؛ يَعْنِي: الْقُرْآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 {ويهديهم إِلَيْهِ} (أَي: فِي الدُّنْيَا) {صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة} قَالَ قَتَادَة: الْكَلَالَة الَّذِي لَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد وَلَا جد. قَوْله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تضلوا} لِئَلَّا تضلوا {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عليم}. قَالَ مُحَمَّد: ذكر يحيى فِي هَذِه السُّورَة مسَائِل من الْفَرَائِض؛ فاختصرت كثيرا مِنْهَا؛ إِذْ للفرائض بأسرها موَاضعهَا من كتب الْفِقْه، وَلَا توفيق إِلَّا بِاللَّه [وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 تَفْسِيرُ سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ كلهَا سُورَة الْمَائِدَة من آيَة (1) إِلَى آيَة (3). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ} قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي: الْعُهُودَ الَّتِي أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ {أُحِلَّتْ لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام} وَالْأَنْعَامُ: الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ {إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم} يَقُولُ: مِمَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الخِنْزِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا نَهَى عَنْهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 {غير محلي الصَّيْد} مِنْ غَيْرِ أَنْ تُحِلُّوا الصَّيْدَ {وَأَنْتُم حرم}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام} وَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرُوا بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً. قَوْلُهُ: {وَلا القلائد} يَعْنِي: أَصْحَابَ الْقَلَائِدِ، وَكَانَتِ الْقَلَائِدُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِهِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَلَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ جَعَلَ فِي عُنُقِهِ قَلَائِدَ مِنْ شَعْرٍ أَوْ [وبرٍ، فَأَمِنَ] بِهَا إِلَى مَكَّةَ وَإِذَا (ل 78) خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ تَعَلَّقَ مِنْ لِحَاءِ شَجَرِ مَكَّةَ، فَيَأْمَنُ بِهِ إِلَى أَرْضِهِ. وَقَوْلُهُ: {وَلا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام} يَعْنِي: حُجَّاجَ الْمُشْرِكِينَ، وَالْفَضْلَ وَالرِّضْوَانَ الَّذِي كَانُوا يَبْتَغُونَهُ أَنْ يُصْلِحَ اللَّهُ لَهُمْ مَعَايِشَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَلَّا يُعَاقِبَهُمْ فِيهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاحِد {امين} آمٌّ؛ وَهُمُ الْقَاصِدُونَ، وَشَعَائِرُ اللَّهِ: مَا جَعَلَهُ اللَّهُ عَلَمًا لِطَاعَتِهِ، وَاحِدُهَا: شَعِيرَةٌ، وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ (مُحَرَّمٌ)؛ يَقُولُ: لَا تُقَاتِلُوا فِيهِ. {وَإِذَا حللتم فاصطادوا} أَيْ: إِذَا خَرَجْتُمْ مِنْ إِحْرَامِكُمْ وَهِيَ إِبَاحَةٌ؛ إِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 شَاءَ صَادَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ. {وَلَا يجرمنكم شنآن قوم} لَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْضُ قَوْمٍ. {أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدوا}. قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي بِالْقَوْمِ: أَهْلَ مَكَّةَ؛ يَقُولُ: لَا تَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ هَذَا حِينَ صَدُّوهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَام. قَالَ مُحَمَّد: {يجرمنكم} حَقِيقَتُهُ فِي اللُّغَةِ: يُكْسِبَنَّكُمْ؛ يُقَالُ: فُلَانٌ جَارِمٌ أَهْلَهُ [وَجَرِمَةَ أَهْلَهُ] أَيْ: كَاسَبَهُمْ، وَتَقُولُ: جَرَمَنِي كَذَا؛ أَيْ: كَسَبَنِي كَذَا. وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى: أجرمني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 {حر مت عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} يَعْنِي: مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصْلُ الْإِهْلَالِ: رَفْعُ الصَّوْتِ؛ فَكَأَنَّ الْمَعْنَى: مَا ذُكِرَ عِنْدَ ذَبْحِهِ غَيْرَ اسْمِ الله. {والمنخنقة} قَالَ الْحَسَنُ: هِيَ الَّتِي تَخْتَنِقُ فِي حُبُلِهَا فَتَمُوتُ، وَكَانُوا يَأْكُلُونَهَا {والموقوذة} كَانُوا يَضْرِبُونَهَا بِالْخَشَبَةِ حَتَّى تَمُوتَ، ثُمَّ يَأْكُلُونَهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْوَقْذَةُ: الضَّرْبَةُ؛ يُقَالُ: وَقَذْتُهَا أَقْذُهَا وَقْذًا، وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى: أَوْقَذْتُهَا أُوقِذُهَا إيقاذاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 {والمتردية} الَّتِي تَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَتَمُوتُ {والنطيحة} يَعْنِي: الْكَبْشَيْنِ [يَتَنَاطَحَانِ] فَيَمُوتُ أَحَدُهُمَا. {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذكيتم} يَعْنِي: مَا أَدْرَكْتُمْ ذَكَاتَهُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَا خَلَا الْخِنْزِيرَ {وَمَا ذبح على النصب} حِجَارَةٌ كَانَتْ [يَعْبُدُهَا] أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَيَذْبَحُونَ لَهَا {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ} قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ الْقِدَاحُ كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا فِي الْأُمُورِ، فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَخَذَ قَدَحًا؛ فَقَالَ: هَذَا يَأْمُرُنِي بِالْخُرُوجِ، وَيَأْخُذُ قَدَحًا آخَرَ فَيَقُولُ: هَذَا يَأْمُرُنِي بِالْمُكُوثِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أُخِذَ الِاسْتِقْسَامُ مِنَ الْقَسَمِ، وَهُوَ النَّصِيبُ؛ فَكَأَنَّ الِاسْتِقْسَامَ طَلَبُ النَّصِيبِ. {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ} قَالَ الْحَسَنُ: يَئِسُوا [أَنْ] يَسْتَحِلُّوا فِيهِ مَا اسْتَحَلُّوا فِي دِينِهِمْ. {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، يَوْمَ عَرَفَةَ حِينَ [نَهَى] اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأَخْلَصَ لِلْمُسْلِمِينَ حَجَّهُمْ. يحيى: عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {الْيَوْمَ أكملت لكم دينكُمْ} وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ؛ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: لَوْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَيْنَا لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. فَقَالَ ابْنُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 عَبَّاسٍ: فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدَيْنِ اثْنَيْنِ: يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ ". {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: فِي مَجَاعَةٍ؛ رَجَعَ إِلَى الْكَلَامِ الْأَوَّلِ مِنْ قَوْلِهِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثم} أَي: يتعمده. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (4) إِلَى الْآيَة (5). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أحل لكم الطَّيِّبَات} يَعْنِي: الْحَلَالَ مِنَ الذَّبَائِحِ. {وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح مكلبين} أَيْ: مُضْرِينَ (تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 علمكُم الله} قَالَ مُجَاهِدٌ: الْجَوَارِحُ هِيَ مِنَ الطَّيْرِ وَالْكِلَابِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: {مُكَلِّبِينَ} نُصِبَ عَلَى الْحَالِ؛ يُقَالُ: رَجُلٌ مُكَلِّبٌ وَكَلَّابٌ؛ إِذَا كَانَ صَاحِبَ صَيْدٍ بِالْكِلَابِ؛ الْمَعْنَى: وَأُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ؛ وَهَذَا مِنَ الِاخْتِصَارِ [إِذْ كَانَ فِي الْكَلَامِ مَا] يَدُلُّ عَلَيْهِ. {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن الله سريع الْحساب} قَالَ السّديّ: (ل 79) يَعْنِي: كَأَنَّهُ قَدْ جَاءَ الْحِسَابُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} يَعْنِي: ذَبَائِحَهُمْ {وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الْمُحْصنَات هَا هُنَا: الْحَرَائِرُ، وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ {إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} يَعْنِي: الصَّدَاقَ إِذَا [سُمِّيَ] لَهَا، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا إِيَّاهُ. {مُحْصِنِينَ غير مسافحين} يَعْنِي: نَاكِحِينَ غَيْرَ زَانِينَ {وَلا متخذي أخدان} يَعْنِي: الْخَلِيلَ وَالْخَلِيلَةَ فِي السِّرِّ. {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عمله} قَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا نَزَلَ تَحْلِيلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا قَالُوا: كَيْفَ نَتَزَوَّجُ نِسَاءً عَلَى غَيْرِ دِينِنَا؟ فَأَنْزَلَ الله: {وَمن يكفر بِالْإِيمَان} الْآيَة. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (6) فَقَط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة} الْآيَةَ. يحيى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَدَعَا بِوُضُوءٍ. قَالَتْ: فَأَتَيْتُهُ بِإِنَاءٍ [فِيهِ مَاءٌ] قَدْرَ مُدٍّ وَثُلُثٍ (أَوْ مُدٍّ وَرُبُعٍ) فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ، ثُمَّ مضمض ثَلَاثًا، ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ، وَمَسَحَ أُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ [ثَلَاثًا] قَالَتْ: فَأَتَانِي غلامٌ مِنْ بَنِي عَبْدُ الْمُطَّلِبِ - يَعْنِي: ابْنَ عَبَّاسٍ - فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: أَبَى النَّاسُ إِلَّا الْغَسْلَ، وَلَا أَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا الْمَسْحَ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 {وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا}. يَحْيَى: عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ (عَنِ الْحَسَنِ)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ؛ فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ، وَأَنْقُوا الْبَشَرَ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: رَجُلٌ جُنُبٌ، وَامْرَأَةٌ جُنُبٌ، وَكَذَلِكَ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ؛ هَذَا أَفْصَحُ اللُّغَاتِ. {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} إِلَى قَوْله: {فامسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} قَدْ مَضَى تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ. {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم من حرج} أَيْ: مِنْ ضِيقٍ. {وَلَكِنْ يُرِيدُ ليطهركم} مِنَ الذُّنُوبِ {وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تشكرون} لكَي تشكروا؛ فتدخلوا الْجنَّة. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (7) إِلَى الْآيَة (10) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي واثقكم بِهِ} وَهُوَ الْمِيثَاق الَّذِي أَخذ عَلَيْهِم فِي صلب آدم؛ وَتَفْسِيره فِي سُورَة الْأَعْرَاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ؛ وَهُيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 الشَّهَادَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ {اعْدِلُوا هُوَ أقرب للتقوى} أَي: فَإِنَّهُ من التَّقْوَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَهُم مغْفرَة} أَيْ: وَفِي الْوَعْدِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم. {وَأجر عَظِيم} الْجنَّة. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (11) إِلَى الْآيَة (13). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم فَكف أَيْدِيكُم عَنْكُم} قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَطْنِ نَخْلٍ مُحَاصِرًا غَطْفَانَ، وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ كَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ بَعَثَتْهُ لِيَفْتِكَ بِرَسُولِ اللَّهِ؛ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَرِنِي سَيْفَكَ هَذَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: هَاكَ. فَأَخَذَهُ؛ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى السَّيْفِ مَرَّةً، وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ مَرَّةً؛ فَقَالَ: أَمَا تَخَافُنِي يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: لَا. فَغَمَدَ سَيْفَهُ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه الرحيل ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} قَالَ الْحَسَنُ: فَمَا ضَمِنُوا عَنْهُمْ مِنْ شَيْءٍ قَبِلُوهُ وَفَعَلُوهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: النَّقِيبُ فِي اللُّغَةِ هُوَ كَالْأَمِينِ وَكَالْكَفِيلِ؛ يُقَالُ: نَقَبَ الرَّجُلُ عَلَى الْقَوْمِ يَنْقُبُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: فَأَرْسَلَهُمْ مُوسَى إِلَى الْجَبَّارِينَ. {وَقَالَ الله إِنِّي مَعكُمْ} عَلَى الشَّرْطِ {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} أَيْ: نَصَرْتُمُوهُمْ {وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حسنا} يَعْنِي: الصَّدَقَةَ وَالنَّفَقَةَ فِي الْحَقِّ {لأكفرن عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ}. (ل 80) قَالَ مُحَمَّدٌ: الْعَزَرُ فِي اللُّغَةِ مَعْنَاهُ: الرَّد فَتَأْوِيل: {وعزرتموهم}: نَصَرْتُمُوهُمْ؛ بِأَنْ رَدَدْتُمْ عَنْهُمْ أَعْدَاءَهُمْ. وَتَقُولُ أَيْضًا: عَزَّرْتُ فُلَانًا؛ إِذَا أَدَّبْتَهُ، وَمَعْنَاهُ: فَعَلْتُ بِهِ مَا يَرْدَعُهُ عَنِ الْقَبِيحِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: فَلَمَّا أَرْسَلَ مُوسَى مِنْ كُلِّ سِبْطٍ نَقِيبًا إِلَى الْجَبَّارِينَ وَجَدُوهُمْ يَدْخُلُ فِي كُمِّ أَحِدِهِمُ اثْنَانِ مِنْهُمْ، ثُمَّ يُلْقِيهِمْ إِلْقَاءً، فَرَجَعَ النُّقَبَاءُ كُلُّهُمْ يَنْهَى سِبْطَهُ عَنْ قِتَالِهِمْ، إِلَّا يُوشَعَ بْنَ نُونٍ وَكَالُوبَ؛ فَإِنَّهُمَا أَمَرَا الْأَسْبَاطَ بِقِتَالِ الْجَبَّارِينَ وَمُجَاهَدَتِهِمْ؛ فَعَصَوْهُمَا. {فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل} يَعْنِي: قصد الطَّرِيق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 {فبمَا نقضهم ميثاقهم} (أَي: فبنقضهم ميثاقهم) {لعناهم} يَعْنِي بِاللَّعْنِ: الْمَسْخَ؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 فَجَعَلَ مِنْهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ مُسِخُوا فِي زَمَانِ دَاوُدَ قِرَدَةً، وَفِي زَمَانِ عِيسَى خَنَازِيرَ {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} وَهُوَ مَا حَرَّفُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. {وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} أَيْ: نَسُوا كِتَابَ اللَّهِ، وَضَيَّعُوا فَرَائِضَهُ، وَعَطَّلُوا حُدُودَهُ. {وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلا مِنْهُم} يَعْنِي: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْخَائِنَةُ وَالْخِيَانَةُ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْخَائِنَةُ صِفَةً لِلرَّجُلِ؛ كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ طَاغِيَةٌ، وَرَاوِيَةٌ لِلْحَدِيثِ. {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} وَهَذَا مَنْسُوخ. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (14) إِلَى الْآيَة (17) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخذنَا ميثاقهم} أَيْ: كَمَا أَخَذْنَا مِيثَاقَ الْيَهُودِ {فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} هِيَ مِثْلُ الْأُولَى. {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَة} أَيْ: أَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ {وَالْبَغْضَاءَ} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي بِهِ: عَامَّتَهُمْ. قَالَ مُحَمَّد: {أغرينا} حَقِيقَتُهُ فِي اللُّغَةِ: أَلْصَقْنَا، وَتَأْوِيلُ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ؛ أَيْ: صَارُوا فِرَقًا؛ يكفر بَعضهم بَعْضًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 {يَا أهل الْكتاب قد جَاءَكُم رَسُولنَا} قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ مُحَمَّدٌ. {يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ من الْكتاب} يَعْنِي: مَا حَرَّفُوهُ مِنْهُ {وَأَخْفَوُا الْحَقَّ فِيهِ}. {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} مِمَّا كَانَ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ؛ أَيْ: يُحِلُّهُ لَهُمْ. {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ الله نور وَكتاب مُبين} يَعْنِي: الْقُرْآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رضوانه سبل السَّلَام} وَالسَّلَامُ هُوَ اللَّهُ؛ كَقَوْلِهِمْ: {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سبلنا}. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (18) إِلَى الْآيَة (19). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وأحباؤه} قَالَتِ الْيَهُودُ لِأَنْفُسِهَا، وَقَالَتِ النَّصَارَى لِأَنْفُسِهَا. قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُونَ: قُرْبُنَا مِنَ اللَّهِ وَحُبُّهُ إِيَّانَا كَقُرْبِ الْوَلَدِ مِنْ وَالِدِهِ، وَكَحُبِّ الْوَالِدِ وَلَدَهُ؛ لَيْسَ عَلَى حَدِّ مَا قَالَتِ النَّصَارَى لِعِيسَى قَالَ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} فَجَعَلَ مِنْكُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ، لَوْ كَانَ لَكُمْ هَذَا الْقُرْبُ، وَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ مَا عَذَّبَكُمْ! {بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاء} للْمُؤْمِنين {ويعذب من يَشَاء} الْكَافرين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 {يَا أهل الْكتاب قد جَاءَكُم رَسُولنَا} وَهُوَ مُحَمَّدٌ {يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا} لِئَلَّا تَقُولُوا {يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فقد جَاءَكُم بشير} {يبشر} بِالْجنَّةِ {ونذير} يُنْذِرُ مِنَ النَّارِ. قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْفَتْرَةَ الَّتِي كَانَتْ مَا بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ سِتّمائَة سَنَةٍ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ من ذَلِك. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (20) إِلَى الْآيَة (23). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ ملوكا} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: جَعَلَ لَكُمْ أَزْوَاجًا وَخَدَمًا [وَبُيُوتًا]. قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَكَانَ مِنْهُمْ فِي حَيَاةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ نَبِيًّا. قَوْلُهُ: {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا من الْعَالمين} يَعْنِي: مَا ظَلَّلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْغَمَامِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى (وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ) مِمَّا أُوتُوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} يَعْنِي: الَّتِي بُورِكَ فِيهَا، وَهِيَ [الشَّام] {الَّتِي كتب الله لكم} أَنْ تَدْخُلُوهَا. {وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أدباركم فتنقلبوا} (ل 81) إِلَى الْآخِرَةِ {خَاسِرِينَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قوما جبارين} إِلَى قَوْلِهِ: {فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقين} قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانُوا بِجِبَالِ أَرِيحَا مِنَ الْأُرْدُنِ فَجَبُنَ الْقَوْمُ أَنْ يَدْخُلُوهَا؛ فَأَرْسَلُوا جَوَاسِيسَ مِنْ كُلِّ سِبْطٍ رَجُلًا؛ لِيَأْتُوهُمْ بِخَبَرِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَدَخَلَ الِاثْنَا عَشَرَ؛ فَمَكَثُوا بِهَا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ خَرَجُوا، فَصَدَقَ اثْنَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 وَكَذَبَ عَشَرَةٌ، فَقَالَتِ الْعَشَرَةُ: رَأَيْنَا أَرْضًا تَأْكُلُ أَهْلَهَا، وَرَأَيْنَا بِهَا حُصُونًا مَنِيعَةً، وَرَأَيْنَا رِجَالًا جَبَابِرَةً، يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ مِائَةٌ مِنَّا، فَجَبُنَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا؛ فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 قَالَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا: يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَالْآَخَرُ: كَالُوبُ؛ وَهُمَا اللَّذَانِ قَالَ اللَّهُ: {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا} بِمَخَافَتِهِمَا اللَّهَ: نَحْنُ أَعْلَمُ بِالْقَوْمِ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ إِنَّ الْقَوْمَ قَدْ مُلِئُوا مِنَّا رُعْبًا. {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤمنين}. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (24) إِلَى الْآيَة (26). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 {قَالُوا يَا مُوسَى} أَيُكَذَّبُ مِنَّا عَشَرَةٌ وَيُصَدَّقُ اثْنَانِ؟! {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا داموا فِيهَا} الْآيَةَ، وَكَانَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم (حديداً) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 فَقَالَ: {رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفسِي وَأخي} أَيْ: وَأَخِي لَا يَمْلِكُ إِلَّا نَفْسَهُ {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقين} يَعْنِي: قومه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى إِذْ سَمَّيْتَهُمْ فَاسِقِينَ: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تأس} فَلَا تَحْزَنْ {عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} فَتَاهُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا قَالُوا: إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا، قَالَ اللَّهُ: فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ: فَلَمْ يَدْخُلْهَا أحدٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَ مُوسَى، هَلَكُوا (أَجْمَعُونَ) فِي التِّيهِ إِلَّا رَجُلَيْنِ: يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَكَالُوبُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ فِي تِلْكَ الْأَرْبَعِينَ سَنَةً الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَثِيَابًا لَا تُخَرَّقُ وَلَا تُدَنَّسُ تَشِبُّ مَعَ الصَّغِيرِ، وَخِفَافًا لَا تُخَرَّقُ، فَكَانَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي تِيهِهِمْ؛ حَتَّى دَخَلُوا أَرِيحَا. قَالَ يحيى: دَخَلَهَا أَبْنَاؤُهُمْ، وَيُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَكَالُوبُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَمَعْنَى {يتيهون فِي الأَرْض} كَانُوا يُصْبِحُونَ حَيْثُ يُمْسُونَ، ويُمْسُونَ حَيْثُ يُصْبِحُونَ، وَفِي تِيهِهِمْ ذَلِكَ ضرب لَهُم مُوسَى الْحجر. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (27) إِلَى الْآيَة (31). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 {واتل عَلَيْهِم} اقْرَأْ عَلَيْهِمْ {نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ} أَيْ: خَبَرَهُمَا: {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا} الْآيَةَ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَتْ حَوَّاءُ تَلِدُ فِي [كُلِّ] بَطْنٍ اثْنَيْنِ: غُلَامًا وَجَارِيَةً؛ فَوَلَدَتْ فِي أَوَّلِ بَطْنٍ قَابِيلَ وَأُخْتَهُ، وَفِي الْبَطْنِ الثَّانِي هَابِيلَ وَأُخْتَهُ؛ فَلَمَّا أَدْرَكُوا، أُمِرَ آدَمُ أَنْ يَنْكِحَ قَابِيلُ أُخْتَ هَابِيلَ، وَهَابِيلُ أُخْتَ قَابِيلَ؛ فَقَالَ آدَمُ لِامْرَأَتِهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، فَذَكَرَتْهُ لِابْنَيْهَا فَرَضِيَ هَابِيلُ بِالَّذِي أُمِرَ بِهِ وَسَخِطَ قَابِيلُ لِأَنَّ أُخْتَهُ كَانَتْ أَحْسَنَهُمَا؛ فَقَالَ: مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهَذَا قَطُّ، وَلَكِنَّ هَذَا عَنْ أَمْرِكَ يَا آدَمُ {قَالَ آدَمُ: فَقَرِّبَا قُرْبَانَكُمَا؛ فَأَيُّكُمَا كَانَ أَحَقَّ بِهَا، أَنْزَلَ اللَّهُ نَارًا مِنَ السَّمَاءِ فَأَكَلَتِ الْقُرْبَانَ. فَرَضِيَا بِذَلِكَ؛ فَعَمَدَ هَابِيلُ، وَكَانَ صَاحِبَ مَاشِيَةٍ إِلَى خَيْرِ غِذَاءٍ غَنَمِهِ وَزُبْدٍ وَلَبَنٍ، وَكَانَ قَابِيلُ زَرَّاعًا فَأَخَذَ مِنَ ثَمَرِ زَرْعِهِ، ثُمَّ صَعِدَا الْجَبَلَ وَآدَمُ مَعَهُمَا، فَوَضَعَا الْقُرْبَانَ عَلَى الْجَبَلِ فَدَعَا آدَمُ رَبَّهُ، وَقَالَ قَابِيلُ فِي نَفْسِهِ: مَا أَدْرِي أَيُقْبَلُ مِنِّي أَمْ لَا؟ لَا يَنْكِحُ هَابِيلُ أُخْتِي أَبَدًا، فَنَزَلَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ هَابِيلَ، وَتَجَنَّبَتْ قُرْبَانَ قَابِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ زَاكِيَ الْقَلْبِ، فَنَزَلُوا مِنَ الْجَبَلِ [فَانْطَلَقَ قَابِيلُ إِلَى هَابِيلَ وَهُوَ فِي غَنَمِهِ فَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ] قَالَ: لِمَ؟} قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَقَبَّلَ مِنْكَ، وَرَدَّ عَلَيَّ قُرْبَانِي، [وَتَنْكِحُ أُخْتِيَ الْحُسْنَى، وَأَنْكِحُ أُخْتَكَ الْقَبِيحَةَ] وَيَتَحَدَّثُ النَّاسُ بَعْدَ الْيَوْمِ أَنَّكَ خَيْرٌ مني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 فَقَالَ لَهُ هَابِيلُ: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بباسط يَدي إِلَيْك لأقتلك} (ل 82) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 {إِنِّي أُرِيد أَن تبوء} ترجع {بإثمي وإثمك} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: بِإِثْمِي: قَتْلِي، وَإِثْمِكَ: الَّذِي مَضَى؛ يَعْنِي: مِنْ قبل قَتْلِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: فَشَجَّعَتْهُ نَفْسُهُ فَقتله {فَأصْبح من الخاسرين} الَّذِينَ خَسِرُوا الْجَنَّةَ. يحيى: عَنْ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ لَكُمُ ابْنَيْ آدَمَ مَثَلًا؛ فَخُذُوا بِخَيْرِهِمَا، ودعوا شرهما ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْض} الْآيَةَ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَكَانَ قَتَلَهُ عَشِيَّةً، وَغَدَا إِلَيْهِ غَدْوَةً لِيَنْظُرَ مَا فَعَلَ؛ فَإِذَا هُوَ بِغُرَابٍ حَيٍّ يَحْثِي التُّرَابَ عَلَى غُرَابٍ مَيْتٍ، فَقَالَ: {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فأواري سوءة أخي} كَمَا يُوَارِي هَذَا الْغُرَابُ سَوْءَةَ أَخِيهِ {} فَدَعَا بِالْوَيْلِ، وَأَصْبَحَ مِنَ النادمين. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (32) فَقَط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْض} يَعْنِي: مَا تَسْتَوْجِبُ بِهِ الْقَتْلَ {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} قَالَ الْحَسَنُ: مِنْ إِحْيَائِهَا أَنْ يُنَجِّيَهَا مِنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 الْقَوَدِ، فَيَعْفُوَ عَنْهَا، أَوْ يُفَادِيَهَا مِنَ الْعُدْوَانِ، وَيُنَجِّيَهَا مِنَ الْغَرَقِ، وَمِنَ الْحَرْقِ، وَمِنَ السَّبُعِ، وَأَفْضَلُ إِحْيَائِهَا أَنْ يُنَجِّيَهَا مِنْ كُفْرِهَا وَضَلَالَتِهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ: {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا} أَيْ: يُعَذَّبُ كَمَا يُعَذَّبُ قَاتِلُ النَّاسِ جَمِيعًا. وَمَنْ أَحْيَاهَا أُجِرَ فِي إِحْيَائِهَا؛ كَمَا يُؤْجَرُ مَنْ أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا. يحيى: عَنِ الْمُعَلَّى، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ قَابُوسِ بْنِ الْمُخَارِقِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَرَأَيْتَ إِنْ عَرَضَ لِي رَجُلٌ يُرِيدُ نَفْسِي وَمَالِي، فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: تُنَاشِدُهُ بِاللَّهِ. قَالَ: نَشَدْتُهُ بِاللَّه فل يَنْتَهِ. قَالَ: اسْتَعْدِ عَلَيْهِ السُّلْطَانَ. قَالَ: لَيْسَ بِحَضْرَتِنَا سُلْطَانٌ. قَالَ: اسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِالْمُسْلِمِينَ. قَالَ: نَحْنُ بفلاةٍ مِنَ الْأَرْضِ لَيْسَ قُرْبَنَا أحدٌ. قَالَ: فَجَاهِدْهُ دُونَ مَالِكَ حَتَّى تَمْنَعَهُ، أَوْ تُكْتَبَ فِي شُهَدَاءِ الْآخِرَةِ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 {وَلَقَد جَاءَتْهُم رسلنَا بِالْبَيِّنَاتِ} يَعْنِي: أَهْلَ الْكِتَابِ {ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْض لمسرفون} لَمُشْرِكُونَ؛ يَعْنِي: مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْهُم. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (33) إِلَى الْآيَة (35). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُوله} الْآيَةَ. يحيى: عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ الْمَدِينَةَ وَأَسْلَمُوا، وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَخْرُجُوا فِي إِبِلٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ؛ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَفَعَلُوا حَتَّى صَحُّوا؛ فَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ، وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ فِي طَلَبِهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ هَذَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ الْحُدُودُ. يحيى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ لَمَّا جِيءَ بِهِمْ؛ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَةَ ". قَالَ يحيى: سَأَلْتُ الْجَهْمَ بْنَ وَرَّادٍ الْكُوفِيَّ عَنْ قَوْلِهِ: {من خلاف} فَقَالَ: يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَمَعْنَى {أَوْ ينفوا من الأَرْض} (أَنْ يُعْجِزُوا فَلَا يُقْدَرُ عَلَيْهِمْ). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَن تقدروا عَلَيْهِم} الْآيَةَ. قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلْتُ فِي أهل الشّرك خَاصَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: تَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ وَالْعَمَل بِمَا يرضيه. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (36) إِلَى الْآيَة (40). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} قَالَ الْحَسَنُ: كُلَّمَا رَفَعَتْهُمْ بِمَسَّهَا حَتَّى يَصِيرُوا إِلَى أَعْلَاهَا أُعِيدُوا فِيهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} هِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا " {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} (ل 83) بِمَا عَمِلَا {نَكَالا مِنَ اللَّهِ} يَعْنِي: عُقُوبَةً. يحيى: عَنِ الْمُعَلَّى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ آدَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: " قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَ سَارِقٍ مِنَ الْكُوعِ وَحَسَمَهَا ". يحيى: عَنِ النَّضْرِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: مُرَّ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ بِرَجُلٍ قَدْ أُخِذَ فِي حدٍّ فَسَبُّوهُ، فَقَالَ: لَا تَسُّبُوهُ! وَلَكِنِ احْمَدُوا اللَّهَ الَّذِي نَجَّاكُمْ ". سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (41) فَقَط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 {يَا أَيهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ يَقُولُ: لَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُّرُكَ، إِنَّمَا ضُرُّهُ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ قَالَ: {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ} أَيْ: يَقُولُ الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوكَ {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ الله فتنته} يَعْنِي: ضَلَالَتَهُ. إِلَى قَوْلِهِ: {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خزي} يَعْنِي: الْجِزْيَةَ. قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ هَذَا فِي قَتِيلٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، قَتَلَتْهُ النَّضِيرُ، وَكَانَ قَتِيلَ عَمْدٍ، وَكَانَ النَّضِيرُ إِذَا قَتَلَتْ مِنْ قُرَيْظَةَ قَتِيلًا لَمْ يُعْطُوهُمُ الْقَوَدَ وَيُعْطُوهُمُ الدِّيَةَ، وَإِذَا قَتَلَتْ قُرَيْظَةُ مِنَ النَّضِيرِ قَتِيلًا لَمْ يَرْضَوْا دُونَ الْقَوَدِ؛ فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ نَبِيُّ اللَّهِ الْمَدِينَةَ بِأَثَرِ قَتِيلِهِمْ؛ فَأَرَادُوا أَنْ يَرْفَعُوا ذَلِكَ إِلَيْهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: إِنَّ قَتِيلَكُمْ قَتِيلُ عَمْدٍ، وَإِنَّكُمْ مَتَى تَرْفَعُوهُ إِلَى محمدٍ أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْقَوَدَ؛ فَإِنْ قَبِلَ مِنْكُمُ الدِّيَةَ وَإِلَّا فَكُونُوا مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (42) إِلَى الْآيَة (43). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 ثُمَّ قَالَ: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ للسحت} يَعْنِي: [الْيَهُودَ] وَالسُّحْتُ الرُّشَا. {فَإِنْ جاءوك فاحكم بَينهم} الْآيَةَ. قَالَ قَتَادَةُ: رُخِّصَ لَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، أَوْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بَعْدُ؛ فَقَالَ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكتب بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ من الْكتب وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْآيَةَ الْأُولَى. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {سَمَّاعُونَ للكذب} أَيْ: قَائِلُونَ لَهُ، وَمَعْنَى {مِنْ بعد موَاضعه} مِنْ بَعْدِ أَنْ وَضَعَهُ اللَّهُ مَوْضِعَهُ؛ فَأَحَلَّ حَلَالَهُ، وَحَرَّمَ حَرَامَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حكم الله} الْآيَةَ. قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: عِنْدَهُمْ بَيَانُ مَا تَشَاجَرُوا فِيهِ مِنْ شَأْنِ قَتِيلِهِمْ؛ أَيْ: إِنَّ فِي التَّوْرَاة أَن النَّفس بِالنَّفسِ. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (44) إِلَى الْآيَة (45). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلمُوا} أَيْ: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الْمُسْلِمُونَ {للَّذين هادوا والربانيون والأحبار} قَالَ قَتَادَةُ: الرَّبَّانِيُّونَ: فُقَهَاءُ الْيَهُودِ، وَالْأَحْبَارُ: عُلَمَاؤُهُمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّونَ: الْعُبَّادُ. {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ} فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى أَهْلِهَا من كَانُوا {واخشون} فِي تَرْكِ إِقَامَتِهَا. {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا وَمَنْ لَمْ يحكم بِمَا أنزل الله} قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَتَّخِذْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دِينًا وَيُقِرَّ بِهِ {فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا} يُرِيدُ: التَّوْرَاةَ {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} إِلَى قَوْله: {والجروح قصاص} وَهَذِهِ الْآيَةُ مَفْرُوضَةٌ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَكُلُّ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ؛ أَنَّهُ أَنْزَلَهُ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَنْسَخْهُ بِالْقُرْآنِ فَهُوَ ثَابِتٌ يُعْمَلُ بِهِ. {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: كَفَّارَةً لِذَنْبِهِ. يحيى: عَنِ الْمُعَلَّى، عَنْ أَبَانٍ، عَنِ الشِّعْبِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ تُكْسَرُ سِنُّهُ، أَوْ يُجْرَحُ فِي جَسَدِهِ؛ فَيَعْفُو فَيُحَطُّ عَنْهُ مِنْ خَطَايَاهُ بِقَدْرِ مَا عَفَا عَنْهُ؛ إِنْ كَانَ نِصْفَ الدِّيَةِ فَنِصْفُ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَ رُبُعَ الدِّيَةِ فَرُبُعُ خَطَايَاهُ، وَإِن كَانَ ثلث (ل 84) الدِّيَة فثلث خطاياه، وَإِن كَانَت الدِّيَة كلهَا فخطاياه كلهَا ". سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (46) إِلَى الْآيَة (47). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَم} إِلَى قَوْلِهِ: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} الْفسق هَا هُنَا: الشِّرْكُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَعْنَى {قَفَّيْنَا}: أتبعنا، والمصدر مِنْهُ: تقفية. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (48) إِلَى الْآيَة (50). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} يَعْنِي: التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: الْمُهَيْمِنُ: الْقَاضِي عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ. {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شرعة ومنهاجا} قَالَ قَتَادَةُ: لِلتَّوْرَاةِ شَرِيعَةٌ، وَلِلْإِنْجِيلِ شَرِيعَةٌ، وَلِلْقُرْآنِ شَرِيعَةٌ؛ أَحَلَّ اللَّهُ فِيهَا مَا شَاءَ، وَحَرَّمَ مَا شَاءَ {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أمة وَاحِدَة} يَعْنِي: مِلَّةً وَاحِدَةً {وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ} ليختبركم {فِيمَا آتَاكُم} فِيمَا أَعْطَاكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 {واحذرهم أَن يفتنوك} أَيْ: يَصُدُّوكَ {عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا} يَعْنِي: الْيَهُودَ، عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ {فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذنوبهم} فَيَقْتُلُوهُمْ وَيُجْلِيهِمْ وَتُؤْخَذُ مِنْهَمُ الْجِزْيَةُ بِالصَّغَارِ وَالذُّلِّ. {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاس لفاسقون} يَعْنِي: الْيَهُودَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ} وَهُوَ مَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ وَحكمه. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (51) إِلَى الْآيَة (53). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء} أَيْ: فِي الدِّينِ {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم} فِي الدِّينِ {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} يَعْنِي: الْمُنَافِقين {يُسَارِعُونَ فيهم} فِي أَهْلِ الْكِتَابِ؛ أَيْ: يُوَافِقُونَهُمْ فِي السِّرِّ {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تصيبنا دَائِرَة} فَيُنْصَرُوا عَلَيْنَا؛ فَنَكُونَ قَدْ (أَخَذْنَا) بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مَوَدَّةً. قَالَ اللَّهُ: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَو أَمر من عِنْده} الْآيَةَ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَجَاءَ اللَّهُ بِالْفَتْحِ؛ فَنَصَرَ نَبِيَّهُ، وَجَاءَ أَمْرُ اللَّهِ مِنْ عِنْدِهِ بِإِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَتْلِ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَسَبْيِ ذَرَارِيهِمْ؛ فَنَدِمَ الْمُنَافِقُونَ حَتَّى ظَهَرَ نِفَاقُهُمْ، وَأُجْلِيَ أَهْلُ وُدِّهِمْ عَنْ أَرْضِهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ آمَنُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لمعكم} الْآيَة. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (54) إِلَى الْآيَة (57). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافرين} هُوَ كَقَوْلِهِ: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رحماء بَينهم}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمنُوا} الْآيَةَ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: بَلَغَنَا: أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَّامٍ وَرَهْطًا مِنْ مُسْلِمِي أَهْلِ الْكِتَابِ أَتَوُا النَّبِيَّ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بُيُوتُنَا قَاصِيَةٌ، وَلَا نَجِدُ مُتَحَدَّثًا دُونَ الْمَسْجِدِ، وَإِنَّ قَوْمَنَا لَمَّا رَأَوْنَا أَنَّنَا قَدْ صَدَقْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَتَرَكْنَاهُمْ وَدِينَهُمْ أَظْهَرُوا لَنَا الْعَدَاوَةَ، وَأَقْسَمُوا أَلَّا يُخَالِطُونَا وَلَا يُجَالِسُونَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا. فَبَيْنَمَا هُمْ [كَذَلِكَ] يَشْكُونَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ؛ إِذْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا اقْتَرْأَهَا رَسُولُ اللَّهِ، قَالُوا: رَضِينَا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ أَوْلِيَاءَ، وَأَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بَيْنَ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ وَسَاجِدٍ، وَإِذَا هُوَ بِمِسْكِينٍ يَسْأَلُ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ؛ فَقَالَ لَهُ: هَلْ أَعْطَاكَ أحدٌ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَاذَا؟ قَالَ: خاتمٌ مِنْ فِضَّةٍ. قَالَ: مَنْ أَعْطَاكَهُ؟ قَالَ: ذَلِكَ الرَّجُلُ الْقَائِمُ، فَإِذَا هُوَ عليٌّ. قَالَ: عَلَى أَيِّ حَالٍ أَعْطَاكَهُ؟ قَالَ: أَعْطَانِيهِ وَهُوَ رَاكِعٌ [فَزَعَمُوا أَنَّ] رَسُولَ اللَّهِ كبر عِنْد ذَلِك ". سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (58) إِلَى الْآيَة (60). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هزوا وَلَعِبًا} قَالَ [الْكَلْبِيُّ]: كَانَ إِذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ لِلصَّلَاةِ، قَالَتِ الْيَهُودُ وَالْمُشْرِكُونَ: قَدْ قَامُوا لَا قَامُوا. وَإِذَا رَكَعُوا وَسَجَدُوا (استهزءوا) بهم وَضَحِكُوا؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 فَقَالَ الله لنَبيه: {قل يَا أهل الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَن أَكْثَرَكُم فَاسِقُونَ}، أَيْ: بِفِسْقِكُمْ نَقَمْتُمْ ذَلِكَ عَلَيْنَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 ثُمَّ قَالَ: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ من ذَلِك مثوبة} [يَعْنِي: ثَوَابًا] {عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: جَعَلَ اللَّهُ ذَلِك مِنْهُم (ل 85) بِمَا عَبَدُوا الطَّاغُوتَ؛ يَعْنِي: الشَّيْطَانَ. {أُولَئِكَ شَرّ مَكَانا} فِي الْآخِرَةِ {وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيل} يَعْنِي: عَنْ قَصْدِ طَرِيقِ الْهُدَى. قَالَ مُحَمَّد: وَقيل: إِن {عبد الطاغوت} نسقٌ عَلَى قَوْلِهِ: {لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضب عَلَيْهِ}. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (61) إِلَى الْآيَة (64). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ} قَالَ الْكَلْبِيُّ: هَؤُلَاءِ مُنَافِقُو أَهْلِ الْكِتَابِ، كَانُوا إِذَا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، قَالُوا: آمَنَّا، وَقَدْ دَخَلُوا حِينَ دَخَلُوا عَلَى النَّبِيِّ كُفَّارًا، وَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ وَهُمْ كُفَّارٌ وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا سَمِعُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ؛ وَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ. قَالَ: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يكتمون} كَانُوا يكتمون دين الْيَهُودِيَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 {وَترى كثيرا مِنْهُم} يَعْنِي: الْيَهُودَ {يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ والعدوان} يَعْنِي: الْمَعْصِيَةَ وَالظُّلْمَ {وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} قَالَ الْحَسَنُ: [هُوَ] أَخْذُ الرِّشْوَةِ عَلَى الْحُكْمِ {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يعْملُونَ} يَعْنِي: حكامهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ} إِلَى قَوْلِهِ: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} أَيْ: حِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ، وَبِئْسَ مَا صَنَعَ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ حِينَ لَمْ ينهوهم عَن ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانُوا مِنْ أَخْصَبِ النَّاسِ وَأَكْثَرِهِمْ خَيْرًا، فَلَمَّا عَصَوُا اللَّهَ، وَبَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا - كَفَّ اللَّهُ عَنْهُمْ بَعْضَ الَّذِي كَانَ بَسَطَ لَهُمْ؛ فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَتِ الْيَهُودُ: كَفَّ اللَّهُ يَدَهُ عَنَّا، فَهِيَ مَغْلُولَةٌ؛ أَيْ: لَا يَبْسُطُهَا عَلَيْنَا. قَالَ اللَّهُ: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} وَهُمُ الْيَهُودُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 قَالَ قَتَادَةُ: حَمَلَهُمْ حَسَدُ محمدٍ وَالْعَرَبِ عَلَى أَنْ كَفَرُوا بِهِ، وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ. {كُلَّمَا أوقدوا نَارا للحرب} لِحَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ {أَطْفَأَهَا اللَّهُ} يَعْنِي: أَذَلَّهُمُ اللَّهُ، وَنَصَرَهُ عَلَيْهِمْ. {ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا} أَي: يدعونَ فِيهَا إِلَّا خِلَافِ دِينِ اللَّهِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِك. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (65) إِلَى الْآيَة (66). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقوا} قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: لَوْ آمَنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَاتَّقَوْا مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ {لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} الْآيَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرجُلهم}. قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: لَأَعْطَتْهُمُ السَّمَاءُ مَطَرَهَا، وَالْأَرْضُ نَبَاتَهَا. وَإِقَامَتُهُمُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ: أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ أُمِرُوا بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: {مِنْهُمْ أمة مقتصدة} أَيْ: مُتَّبِعَةٌ؛ يَعْنِي: مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِرَسُولِ اللَّهِ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا} بئس مَا {يعْملُونَ} يَعْنِي: مَنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ عَلَى الْيَهُودِيَّة والنصرانية. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (67) إِلَى الْآيَة (69). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 {يَا أَيهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ من رَبك} الْآيَةَ. يحيى: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَكَا إِلَى رَبِّهِ مِنْ قَوْمِهِ؛ فَقَالَ: يَا رَبِّ، إِنَّ قَوْمِي قَدْ خَوَّفُونِي، فَأَعْطِنِي مِنْ قِبَلِكَ آيَةً أَعْلَمُ أَنْ لَا مَخَافَةَ عَلَيَّ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ وَادِيَ كَذَا فِيهِ شَجَرَةُ كَذَا، [فَلْيَدْعُ] غُصْنًا مِنْهَا يَأْتِهِ، فَانْطَلَقَ إِلَى الْوَادِي، فَدَعَا غُصْنًا مِنْهَا فَجَاءَ يَخُطُّ فِي الْأَرْضِ خَطًّا حَتَّى انْتَصَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَبَسَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَحْبِسَهُ، ثُمَّ قَالَ: ارْجِعْ كَمَا جِئْتَ. فَرَجَعَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: عَلِمْتُ يَا رَبِّ أَنْ لَا مَخَافَة عَليّ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا والصابئون وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر} يَعْنِي: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بمحمدٍ، وَدَخَلَ فِي دِينِهِ وَشَرِيعَتِهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: اخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي رَفْعِ {الصابئون} وَالْأَجْوَدُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْخِيرِ، وَمَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، الْمَعْنَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا - فَلَا خوف عَلَيْهِم، (ل 86) والصابئون وَالنَّصَارَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 كَذَلِك أَيْضا. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (70) إِلَى الْآيَة (71). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} قَدْ مَضَى تَفْسِيرُ أَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَيْهِمْ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. {وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فريقا كذبُوا وفريقا يقتلُون} يَعْنِي بِهِ: أوائلهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 {وَحَسبُوا أَلا تكون فتْنَة} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: وَحَسِبُوا أَلَّا يُبْتَلُوا فِي الدِّينِ يُجَاهِدُونَ فِيهِ، وَتُفْرَضُ عَلَيْهِمُ الطَّاعَةُ بِمُحَمَّدٍ. {فَعَمُوا وَصَمُّوا} يَعْنِي: عَنِ الْهُدَى {ثُمَّ تَابَ الله عَلَيْهِم} أَيْ: جَعَلَ لَهُمْ مَتَابًا، فَاسْتَنْقَذَهُمْ بِمُحَمَّدٍ {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُم} يَعْنِي: من كفر مِنْهُم. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (72) إِلَى الْآيَة (76). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الله ثَالِث ثَلَاثَة} قَالَ قَتَادَةُ: قَالُوا: عِيسَى إِلَهٌ، وَأُمُّهُ إِلَهٌ، وَاللَّهُ إِلَهٌ. قَالَ اللَّهُ: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَه وَاحِد}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 قَوْله: {مَا الْمَسِيح ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صديقَة، كَانَا يأكلان الطَّعَام} أَيْ: فَكَيْفَ يَكُونَانِ إِلَهَيْنِ، وَهُمَا مَخْلُوقَانِ يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ. {انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنى يؤفكون} كَيْفَ يُصْرَفُونَ عَنْهَا؟ يَعْنِي: عَنِ الْآيَاتِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: فِعِّيلٌ مِنْ أبنية الْمُبَالغَة، وَقَوله: {صديقَة} أَيْ: مُبَالِغَةٌ فِي الصِّدْقِ. وَقَوْلُهُ: {كَانَا يأكلان الطَّعَام} قِيلَ: إِنَّهُ مِنَ الِاخْتِصَارِ وَالْكِنَايَةِ، وَنَبَّهَ بِأَكْلِ الطَّعَامِ عَلَى عَاقِبَتِهِ؛ وَهُوَ الْحَدث، وَالله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (77) إِلَى الْآيَة (81). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 {يَا أهل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} وَالْغُلُوُّ: مُجَاوَزَةُ الْحَقِّ. {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قبل} يَعْنِي: الْيَهُود. {وأضلوا كثيرا} يَعْنِي: مَنِ اتَّبَعَهُمْ {وَضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل} يَعْنِي: عَنْ قَصْدِ طَرِيقِ الْهُدَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْن مَرْيَم} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: فِي زمَان دَاوُد وَعِيسَى ابْن مَرْيَمَ؛ مُسِخُوا فِي زَمَانِ دَاوُدَ قِرَدَةً حِينَ أَكَلُوا الْحِيتَانَ، وَمُسِخُوا فِي زمَان عِيسَى خنازير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 {ترى كثيرا مِنْهُم} يَعْنِي: مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ {يَتَوَلَّوْنَ الَّذين كفرُوا} يَتَوَلَّوْنَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، [وَهُمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا] {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} لِأَن سخط الله عَلَيْهِم. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (82) فَقَط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمنُوا الْيَهُود وَالَّذين أشركوا} يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ؛ وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يومئذٍ {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} يَعْنِي: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ. {ذَلِكَ بِأَن مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} يَعْنِي: الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ {وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، وَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (83) إِلَى الْآيَة (86). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول} مُحَمَّدٍ {تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع} إِلَى قَوْله: {مَعَ الشَّاهِدين} أَيْ: مَعَ مَنْ شَهِدَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ حَقٌّ. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (87) إِلَى الْآيَة (88). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أحل الله لكم} إِلَى قَوْلِهِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 {الَّذِي أَنْتُم بِهِ مُؤمنُونَ} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ جَعَلَ أَحَدُهُمْ عَلَى نَفْسِهِ أَلَّا يَغْشَى النِّسَاءَ أَبَدًا، وَجَعَلَ أَحَدُهُمْ عَلَى نَفْسِهِ لَا يفْطر نَهَار أَبَدًا، وَجَعَلَ أَحَدُهُمْ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَنَامُ لَيْلًا أَبَدًا {فَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ مِمَّنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَلَّا يَغْشَى النِّسَاءَ؛ وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ تَأْتِي أَزْوَاجَ النَّبِيِّ فِي شَارَةٍ حَسَنَةٍ وَرِيحٍ طَيِّبَةٍ؛ فَلَمَّا جَعَلَ عُثْمَانُ عَلَى نْفَسِهِ مَا جَعَلَ، أَتَتْهُنَّ فِي غَيْرِ تِلْكَ الشَّارَةِ؛ فَأَنْكَرْنَ عَلَيْهَا؛ فَقَالَتْ: إِنَّمَا تَصْنَعُ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا؛ وَإِنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا جَعَلُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ كَذَا وَكَذَا} فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ذَكَرْنَ ذَلِكَ لَهُ، فَغَضِبَ وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: أَلَمْ أُحَدَّثْ عَنْكُمْ بِكَذَا وَكَذَا؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: لَكِنِّي أَنَا أَصُومُ وَأفْطر، وأقوم وأنام، وأغشى النِّسَاء وَأَدَعُ؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مني (ل 87) فَاسْتَغْفَرَ الْقَوْمُ مِنْ ذَلِكَ، وَرَاجَعُوا أَمرهم الأول ". سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (89). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ: قَالَا: هُوَ الْخَطَأ غير الْعمد؛ وَذَلِكَ أَن تحلف عَلَى الشَّيْء وَأَنت ترى أَنه كَذَلِك، فَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 يكون كَمَا حَلَفت عَلَيْهِ {وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} أَيْ: مَا حَلَفْتُمْ فِيهِ مُتَعَمِّدِينَ. {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم} قَالَ مُجَاهِدٌ: أَوْسَطُ مَا تُطْعِمُ أَهْلَكَ: أَشْبَعُهُ {أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِير رَقَبَة} فَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ رَقَبَةً كَبِيرَةً، وَإِنْ شَاءَ صَغِيرَةً. وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ (أَوْ) فَهُوَ فِيهِ مُخَيَّرٌ؛ يَفْعَلُ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ {فَمن لم يجد} أَيْ: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَشْيَاءِ مِنَ: الطَّعَامِ، أَوِ الْكِسْوَةِ، أَوِ الْعِتْقِ {فَصِيَامُ ثَلَاثَة أَيَّام} قَالَ قَتَادَةُ: وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَات}. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (90) إِلَى الْآيَة (91). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} يَعْنِي: الْقمَار كُله {والأنصاب} وَهِيَ أَصْنَامُهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ من دون الله {والأزلام} الْقِدَاحُ وَهِيَ السِّهَامُ. قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَخَذَ قَدَحَيْنِ؛ فَقَالَ: هَذَا يَأْمُرُهُ بِالْخُرُوجِ وَهُوَ مصيبٌ فِي سَفَرِهِ خَيْرًا، وَيَأْخُذُ قَدَحًا آخَرَ، فَيَقُولُ: هَذَا يَأْمُرُهُ بِالْمُكُوثِ، وَلَيْسَ بِمُصِيبٍ فِي سَفَرِهِ خَيْرًا، مكتوبٌ عَلَيْهِمَا هَذَا، وَالْمَنِيحُ بَيْنَهُمَا، فَأَيُّهُمَا خَرَجَ عَمِلَ بِهِ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَنِيحُ: سَهْمٌ لَيْسَ عَلَيْهِ كِتَابٌ؛ فَإِذَا خَرَجَ أَعَادَ الضَّرْبَ. يُقَالُ: يَسَّرْتَ، إِذَا ضَرَبْتَ بِالْقِدَاحِ، وَالضَّارِبُ بِهَا: يَاسِرٌ [وَالْجَمِيعُ: يُسُرٌ وَأَيْسَارٌ]. قَوْلُهُ: {رِجْسٌ مِنْ عمل الشَّيْطَان} إِلَى قَوْله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} فَجَاءَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، مَا أَسْكَرَ مِنْهَا وَمَا لَمْ يُسْكِرْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الرِّجْسُ فِي اللُّغَةِ: اسمٌ لِكُلِّ مَا اسْتُقْذِرَ، وَيُقَالُ: رَجُسَ الرَّجُلُ يَرْجُسُ؛ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا قَبِيحًا. يحيى: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من شَرِبَ الْخَمْرَ، ثُمَّ لَمْ يَسْكَرْ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ ثُمَّ سَكِرَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً؛ فَإِنْ مَاتَ فِيهَا مَاتَ كَعَابِدِ الْأَوْثَانِ، وَكَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ: الْقَيْحُ وَالدَّم ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (92) إِلَى الْآيَة (93). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقوا} يَعْنِي: شَرِبُوا: مِنَ الْخَمْرِ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ. قَالَ الْحَسَنُ: لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، قَالُوا: كَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهَا رجسٌ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ} [إِثْم] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 {فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا} شربهَا {وآمنوا} (مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمُوا} بِتَحْرِيمِهَا {وَعمِلُوا الصَّالِحَات ثمَّ اتَّقوا} شربهَا {وأحسنوا} الْعَمَلَ بَعْدَ تَحْرِيمِهَا فَلَمْ يَشْرَبُوهَا؛ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ محسنٌ {وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ} الَّذين يَأْخُذُونَ بِالسنةِ. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (94) إِلَى الْآيَة (95). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ليبلونكم الله} ليختبركم اللَّهُ {بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُم ورماحكم} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ قَالَ: رِمَاحُكُمْ أَوْ نِبَالُكُمْ؛ تَنَالُ كَبِيرَ الصَّيْدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 وَصَغِيرَهُ، تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ أَخْذًا {لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ}. {فَمَنِ اعْتدى بعد ذَلِك} قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ التَّحْرِيمِ وَصَادَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَهُ عذابٌ أَلِيمٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنْ قَتَلَهُ نَاسِيًا لِإْحِرَامِهِ غَيْرَ متعمدٌ لِقَتْلِهِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا وَهُوَ ذَاكِرٌ لِإِحْرَامِهِ فَلَهُ عذابٌ أَلِيمٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عدل مِنْكُم} الْآيَةَ، كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: حُكْمُ (ل 88) الْحَكَمَيْنِ ماضٍ أَبَدًا، وَقَدْ يَحْكُمُ الحكمان بِمَا حكم بِهِ رَسُول الله، وَلَكِن لابد مِنْ أَنْ يَحْكُمَا. قَالَ قَتَادَةُ: وَإِذَا كَانَ صَيْدًا لَا يَبْلُغُ النَّعَمَ، حَكَمًا طَعَامًا أَوْ صَوْمًا، وَيَحْكُمَانِ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ. {ليذوق وبال أمره} أَيْ: عُقُوبَةَ فِعْلِهِ {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سلف} قَبْلَ التَّحْرِيمِ {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتقام} قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنْ عَادَ لَمْ يحكم عَلَيْهِ، الله يَنْتَقِمُ مِنْهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: بَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ أَبَدًا. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (96) إِلَى الْآيَة (97). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 قَوْلُهُ: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} قَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ أَنْ يصيد الْمحرم الْحيتَان {وَطَعَامه} قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَا أَلْقَى الْبَحْرُ مِنْ حُوتٍ مَيْتٍ فَهُوَ طَعَامُهُ {مَتَاعًا لكم} بلاغاً لكم {وللسيارة} يَعْنِي: الْمُسَافِرِينَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 وَهُوَ مَا يَتَزَوَّدُهُ النَّاسُ مِنْ صَالِحِ السَّمَكِ فِي أَسْفَارِهِمْ. قَالَ مُحَمَّد: {مَتَاعا لكم} مَصْدَرٌ؛ أَيْ: مَتَّعْتُكُمْ بِهِ مَتَاعًا. {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ والقلائد} قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتْ هَذِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَوَاجِزَ، كَانَ الرَّجُلُ لَوْ جَرَّ كُلَّ جَرِيرَةٍ، ثُمَّ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ لَمْ يُتَنَاوَلْ، وَكَانَ الرَّجُلُ لَوْ لَقِيَ قَاتِلَ أَبِيهِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ لَمْ يَمَسَّهُ، وَكَانَ الرَّجُلُ لَوْ لَقِيَ الْهَدْيَ مُقَلَّدًا وَهُوَ يَأْكُلُ [الْقَضْبَ] مِنَ الْجُوعِ لَمْ يَمَسَّهُ، وَكَانَ الرَّجَلُ إِذَا أَرَادَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ تَقَلَّدَ قِلَادَةً مِنْ شَعَرٍ، حَتَّى يَبْلُغَ مَكَّةَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصْدِرَ مِنْ مَكَّةَ تَقَلَّدَ قِلَادَةً مِنْ لِحَاءِ السَّمُرِ أَوْ مِنَ الْإِذْخَرِ، فمنعته حَتَّى يَأْتِي أَهله. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (98) إِلَى الْآيَة (103). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَقِمَ مِنْهُ. {وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} يَعْنِي: الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَة الْخَبيث} كَثْرَة الْحَرَام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا} قَالَ الْحَسَنُ: سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي قَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا فَأَكْثَرُوا؛ حَتَّى غَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ غَضَبًا شَدِيدًا، فَقَالَ: سَلُونِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شيءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} فَبُيِّنَتْ لَهُمْ {ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرين} يَعْنِي: أَهْلَ الْكِتَابِ: [حَدَّثَنَا يحيى]، وَبَلَغَنِي أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ [فَبَيَّنْتُهُ لَهُمْ] فَأَصْبَحُوا بهَا [كَافِرين]. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 قَوْلُهُ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلَا حام} إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 قَوْله: {لَا يعْقلُونَ} يَعْنِي: لَا يَعْقِلُونَ تَحْرِيمَ الشَّيْطَانِ الَّذِي يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ. قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتِ الْبَحِيرَةُ مِنَ الْإِبِلِ؛ كَانَتِ النَّاقَةُ إِذَا نَتَجَتَ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ، نَظَرَ إِلَى الْبَطْنِ الْخَامِسِ؛ فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا أَكَلَهُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً اشْتَرَكَ فِيهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى نَحَرُوا أُذُنَهَا؛ أَيْ: شَقُّوهَا، وَتُرِكَتْ فَلَا يُشْرَبُ لَهَا لَبَنٌ، وَلَا يُجَزُّ لَهَا وبرٌ، وَلَا يُرْكَبُ لَهَا ظَهْرٌ. وَالسَّائِبَةُ: كَانُوا يَسِيبُونَ مَا بَدَا لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ مَاءٍ وَلَا مَرْعًى. وَالْوَصِيلَةُ مِنَ الْغَنَمِ: كَانُوا إِذَا نَتَجَتِ الشَّاةُ سَبْعَةَ أَبْطُنٍ، نَظَرُوا إِلَى الْبَطْنِ السَّابِعِ، فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا ذُبِحَ، فَكَانَ لِلرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً اشْتَرَكَ فِيهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى تُرِكَتْ، وَإِنْ جَاءَتْ بِذَكَرٍ وَأُنْثَى قِيلَ: وَصَلَتْ أَخَاهَا فَمَنَعَتْهُ الذَّبْحَ. وَكَانَ الْحَامُ إِذَا رُكِبَ [مِنْ وَلَدِهِ عَشَرَةً قِيلَ] حَمَى ظَهْرَهُ فَلَا (يُزَمُّ) وَلَا يخطم وَلَا يركب. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (104) إِلَى الْآيَة (105). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم} يَعْنِي: إِذَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْكُمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 {لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} لَيْسَ هَذَا فِي ضَلَالِ الْكُفْرِ (ل 89) وَلَكِنْ فِي الضَّلَالِ عَنِ الْحَقِّ فِي الْإِسْلَامِ. يحيى: عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ قُرِئَتْ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ ابْن مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِزَمَانِهَا، قُولُوهَا مَا قُبِلَتْ مِنْكُمْ فَإِذَا رُدَّتْ عَلَيْكُمْ فَعَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ". قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: إِنَّمَا أَلْزَمَكُمُ اللَّهُ أَمْرَ أَنْفُسِكُمْ، وَإِذَا قُلْتُ: عَلَيْكَ فلَانا، فَالْمَعْنى: الزم فلَانا. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (106) إِلَى الْآيَة (108). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} إِلَى قَوْله: {وآخران من غَيْركُمْ}. قَالَ يحيى: فِيهَا تَقْدِيمٌ؛ يَقُولُ: يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا حَضَرَ أَحُدَكُمُ الْمَوْتُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 فَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عدلٍ مِنْكُمْ. قَالَ مُحَمَّد: {شَهَادَة بَيْنكُم} رفع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر {اثْنَان} الْمَعْنَى: شَهَادَةُ هَذِهِ الْحَالِ شَهَادَةُ اثْنَيْنِ. قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْعَشِيرَةِ، لِأَنَّ الْعَشِيرَةَ أَعْلَمُ بِالرَّجُلِ وَبِوَلَدِهِ وَمَالِهِ، وَأَجْدَرُ أَلَّا يَنْسَوْا مَا يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْعَشِيرَةِ أحدٌ فَآخَرَانِ مِنْ غَيْرِ الْعَشِيرَةِ {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فأصابتكم مُصِيبَة الْمَوْت} فَإِنْ شَهِدَا وَهُمَا عَدْلَانِ مَضَتْ شَهَادَتُهُمَا وَإِنِ ارْتِيبَ فِي شَهَادَتِهِمَا حُبِسَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَفِيهَا تَقْدِيم {تحبونهما من بعد الصَّلَاة} [صَلَاةِ الْعَصْرِ] إِنِ ارْتَبْتُمْ. قَالَ الْحَسَنُ: وَلَوْ كَانَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ [الصَّلَاةِ] مَا حَلَفَا دُبُرَ الصَّلاةِ {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثمين}. فتمضي شَهَادَتهمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 {فَإِن عثر} يَعْنِي: اطُّلِعَ {عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} أَيْ: شَهِدَا بِزُورٍ {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ} يَعْنِي: الْوَرَثَةَ {الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} الْآيَةَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: فَلْيَقُمِ الْأَوْلَيَانِ مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْوَصِيَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 {ذَلِك أدنى} أَجْدَرُ {أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَان بعد أَيْمَانهم} قَالَ الْحَسَنُ: فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُنَكِّلَ الشُّهُودُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ. قَالَ يحيى: وَلَمْ تَكُنْ عِنْدَ الْحَسَنِ مَنْسُوخَةً، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ وَلَا يَحْلِفُ الشَّاهِدَانِ الْيَوْمَ؛ إِنْ كَانَا عَدْلَيْنِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ قَالَ اللَّهُ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من}. وَقَالَ فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ: {وَأَشْهِدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يَحْلِفَ. قَوْلُهُ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} يَعْنِي: الَّذِينَ يَمُوتُونَ عَلَى شِرْكِهِمْ. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (109) إِلَى الْآيَة (113). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لنا} قَالَ مُجَاهِدٌ: تُنْزَعُ أَفْئِدَتُهُمْ فَلَا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ تُرَدُّ إِلَيْهِمْ فَيَعْلَمُونَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم} أَيْ: يَقُولُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. {اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أيدتك} أعنتك. {بِروح الْقُدس} يَعْنِي: جِبْرِيلَ: {تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي المهد} يَعْنِي: حجر أمه {وكهلا} أَيْ: كَبِيرًا {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطين كَهَيئَةِ الطير} يَعْنِي: كَشَبَهِ الطَّيْرِ {وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ} يَعْنِي: الْأَعْمَى [الَّذِي تَلِدُهُ] أُمُّهُ وَهُوَ مَضْمُومُ الْعَيْنَيْنِ. وَإِذْ كَفَفْتُ بني إِسْرَائِيل عَنْك} إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَن آمنُوا بِي وبرسولي} يَعْنِي: وحيه إِلَى عِيسَى يَأْمُرهُم أَن يتبعوه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُونَ: هَلْ رَبُّكَ فاعلٌ، وَهُوَ كَلَامُ الْعَرَبِ: مَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؛ أَيْ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ ذَلِكَ. يحيى: عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: هُمْ كَانُوا أَعْلَمَ بِاللَّهِ مِنْ أَنْ يَقُولُوا: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ، وَلَكِنْ قَالُوا: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ، أَيْ: هَلْ تَقْدِرُ عَلَى هَذَا مِنْهُ؟ " {قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (ل 90) قَالَه عِيسَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 {قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وتطمئن قُلُوبنَا} أَيْ: تَسْكُنُ؛ إِذَا نَظَرْنَا إِلَى الْمَائِدَة. {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا من الشَّاهِدين} أَنَّهَا نَزَلَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (114) إِلَى الْآيَة (115). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وآخرنا} قَالَ قَتَادَةُ: أَرَادُوا أَنْ تَكُونَ لِعَقِبِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمعنى {عيدا}: مجمعا، و {مائدة} الْأَصْلُ فِيهَا مِنْ قَوْلِكَ: مَادَنِي؛ أَيْ: أَعْطَانِي؛ فَكَأَنَّهَا تَمِيدُ الْآكِلِينَ؛ أَي: تعطيهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} عَلَى شَرْطٍ {فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُم فَإِنِّي أعذبه} فِي الدُّنْيَا ... الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْزَلَ عَلَى الْمَائِدَةِ كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ اللَّحْمِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ لَمَّا صَنَعُوا فِي الْمَائِدَةِ مَا صَنَعُوا مِنَ الْخِيَانَةِ وَغَيْرِهَا، حُوِّلُوا خَنَازِيرَ، وَكَانُوا أُمِرُوا أَلَّا يَخُونُوا فِيهِ، وَلَا يُخَبِّئُوا وَلَا يَدَّخِرُوا لغدٍ، فخانوا وخبئوا وَادخرُوا. سُورَة الْمَائِدَة من الْآيَة (116) إِلَى الْآيَة (120). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} يَعْنِي: لِبَنِي إِسْرَائِيلَ خَاصَّةً {اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} يَقُولُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. {قَالَ سُبْحَانَكَ} يُنَزِّهُ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ علام الغيوب} وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَمْ يقلهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} (وَفَاةَ الرَّفْعِ إِلَى السَّمَاءِ). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 {كنت أَنْت الرَّقِيب} الْحَفِيظَ {عَلَيْهِمْ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك} أَيْ: فَبِإِقَامَتِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ {وَإِنْ تغْفر لَهُم} فبتوبة كَانَت مِنْهُم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقين صدقهم} وَهِي تقْرَأ على وَجه آخر {يَوْمٌ} مُنَوَّنَةٌ. {لَهُمْ جناتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ... ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم} النجَاة الْعَظِيمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 {لله ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِنَّ} أَيْ: وَمُلْكُ مَا فِيهِنَّ {وَهُوَ على كل شَيْء قدير}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 تَفْسِيرُ سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا. فِي قَوْلِ قَتَادَةَ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ مَدَنِيَّاتٍ فِي آخِرِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُم} إِلَى قَوْله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (1) إِلَى الْآيَة (5). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 قَوْله: {الْحَمد لله} حمد نَفسه {الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور} الظُّلُمَاتُ: اللَّيْلُ، وَالنُّورُ: ضَوْءُ النَّهَارِ. {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} عَدَلُوا بِهِ أَصْنَامَهُمُ الَّتِي عَبَدُوهَا من دون الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ} يَعْنِي: آدَمَ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ بَعْدُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ضَعِيفٍ؛ يَعْنِي: النُّطْفَةَ {ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} قَالَ قَتَادَة: {ثمَّ قضى أَََجَلًا} يَعْنِي: الْمَوْت {وَأجل مُسَمّى عِنْده} مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى الْبَعْثِ {ثمَّ أَنْتُم تمترون} تشكون فِي السَّاعَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَات رَبهم} يَعْنِي: الْقُرْآنَ، {إِلا كَانُوا عَنْهَا معرضين} يَعْنِي بِهِ: مُشْركي الْعَرَب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 {فقد كذبُوا بِالْحَقِّ} يَعْنِي: بِالْقُرْآنِ {لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهم أنباء مَا كَانُوا يه يستهزءون} يَأْتِيهِمْ عِلْمُهُ فِي الْأَرْضِ، فَيَأْخُذُهُمُ الله فيدخلهم النَّار. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (6) إِلَى الْآيَة (7). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 {كم أهلكنا} عذبنا {من قبلهم} يَعْنِي: كُفَّارَ مَكَّةَ. إِلَى قَوْلِهِ: {فأهلكناهم بِذُنُوبِهِمْ} يُحَذِّرُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَيُخَوِّفُهُمْ مَا أَهْلَكَ بِهِ الْأُمَمَ حِينَ كَذَّبُوا رسلهم {وأنشأنا} خَلْقَنَا {مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ}. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: الْقَرْنُ: ثَمَانُونَ سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قرطاس} الْآيَةَ، قَالَ الْحَسَنُ: وَذَلِكَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ: بِكِتَابٍ يَقْرَءُونَهُ وَقَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نقرؤه من الله (ل 91) إِلَى كُلِّ رَجُلٍ بِاسْمِهِ؛ أَنْ آمن بِمُحَمد؛ فَإِنَّهُ رَسُولي. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (8) إِلَى الْآيَة (10). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 {وَقَالُوا لَوْلَا} هلا {أنزل عَلَيْهِ ملك} أَيْ: يَأْمُرُنَا بِاتِّبَاعِهِ. قَالَ اللَّهُ: {وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ} بعذابهم {ثمَّ لَا ينظرُونَ} لَا يُؤَخَّرُونَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَلَكِ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ إِذَا سَأَلُوا نَبِيَّهُمُ الْآيَةَ فَجَاءَتْهُمْ فَلَمْ يُؤْمِنُوا، أَهْلَكَهُمُ الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا} أَيْ: لَجَعَلْنَا ذَلِكَ الْمَلَكَ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يلبسُونَ} أَيْ: وَلَخَلَطْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَخْلِطُونَ؛ لِأَنَّهُمْ طَلَبُوا أَنْ يَكُونَ مَلَكٌ مَعَ آدَمِيٍّ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ: الْمَعْنَى: لَأَضْلَلْنَاهُمْ بِمَا ضَلُّوا بِهِ قبل أَن يبْعَث الْملك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون} يَعْنِي: نَزَلَ بِهِمْ عُقُوبَةُ اسْتِهْزَائِهِمْ. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (11) إِلَى الْآيَة (17). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} كَانَ عاقبتهم أَن دمر الله عَلَيْهِم، ثمَّ صيرهم إِلَى النَّار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 {كتب على نَفسه الرَّحْمَة} أَيْ: أَوْجَبَهَا. {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} أَيْ: خَسِرُوهَا بِمَصِيرِهِمْ إِلَى النَّارِ {فهم لَا يُؤمنُونَ} يُغني: من مَاتَ على كفره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَعْنِي: خَالِقَهُمَا. {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أكون أول من أسلم} يَعْنِي: من أمته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 {من يصرف عَنهُ يَوْمئِذٍ} يَعْنِي: مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ عَذَابُهُ {فقد رَحمَه}. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (18) إِلَى الْآيَة 21). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 {وَهُوَ القاهر فَوق عباده} قَهَرَهُمْ بِالْمَوْتِ، وَبِمَا شَاءَ مِنْ أمره {وَهُوَ الْحَكِيم} فِي أمره {الْخَبِير} بخلقه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} قَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لِلنَّبِيِّ: مَنْ يَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَيَشْهَدُ لَكَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شهيدٌ بيني وَبَيْنكُم} فَهُوَ شَهِيدٌ أَنِّي رَسُولُهُ. {وَأُوحِيَ إِلَيّ هَذَا الْقُرْآن لأنذركم بِهِ وَمن بلغ} أَيْ: مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْعَجَمِ وَغَيْرِهِمْ. {أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى} وَهَذَا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: قَدْ شَهِدْتُمْ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كذبا} فَيَعْبُدُ مَعَهُ الْأَوْثَانَ؛ أَيْ: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُ {إِنَّهُ لَا يفلح الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (22) إِلَى الْآيَة (24). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ للَّذين أشركوا أَيْن شركاؤكم} يَعْنِي: أَوْثَانَهُمْ. {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فتنتهم} يَعْنِي: مَعْذِرَتَهُمْ {إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} بِاعْتِذَارِهِمْ بِالْكَذِبِ {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يفترون} يَعْنِي: الْأَوْثَانَ الَّتِي عَبَدُوهَا ضَلَّتْ عَنْهُمْ؛ فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ شَيْئًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ {رَبِّنَا} بِالْخَفْضِ، فَهُوَ عَلَى النَّعْتِ وَالثَّنَاءِ، وَمَنْ قَرَأَ {فِتْنَتَهُمْ} بِالنَّصْبِ، فَهُوَ خبر {تكن}، وَالِاسْم {إِلَّا أَن قَالُوا}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (25) إِلَى الْآيَة (26). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} لِئَلَّا يَفْقَهُوهُ. {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} يَعْنِي: صَمَمًا عَنِ الْهُدَى. {وَإِنْ يرَوا كل آيَة} يَعْنِي: مَا سَأَلُوا النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْآيَاتِ. {لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذا جاءوك يجادلونك} وَمُجَادَلَتُهُمْ أَنْ {يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} كَذِبُ الْأَوَّلِينَ وَبَاطِلُهُمْ؛ يَعْنُونَ: الْقُرْآنَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 {وهم ينهون عَنهُ وينئون عَنهُ} قَالَ الْحَسَنُ: يَنْهَوْنَ عَنِ اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ، وَيَتَبَاعَدُونَ عَنْهُ {وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أنفسهم} بذلك {وَمَا يَشْعُرُونَ} أَنهم يهْلكُونَ أنفسهم. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (27) إِلَى الْآيَة (29). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ} إِلَى الدُّنْيَا {وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بدا لَهُم} فِي الْآخِرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 {مَا كَانُوا يخفون من قبل} إِذْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا، وَكَانُوا يُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقين {وَلَو ردوا} إِلَى الدُّنْيَا {لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنهُ} من التَّكْذِيب (وَإِنَّهُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 لَكَاذِبُونَ) {ل 92} أَيْ: أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِيُؤْمِنُوا؛ أخبر بِعِلْمِهِ فيهم. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (30) إِلَى الْآيَة (31). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ} الَّذِي كُنْتُمْ تُكَذِّبُونَ بِهِ إِذْ أَنْتُمْ فِي الدُّنْيَا {قَالُوا بَلَى وربنا} فَآمَنُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ الْإِيمَانُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَة قَالُوا يَا حسرتنا} وَالتَّحَسُّرُ: التَّنَدُّمُ {عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} {فِي} السَّاعَة، إِذْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ} {بئس} (مَا يزرون} يَحْمِلُونَ ذُنُوبَهُمْ. يحيى: عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ مُثِّلَ لَهُ عَمَلُهُ فِي أَقْبَحِ صُورَةٍ رَآهَا قَطُّ، أَقْبَحَهُ وَجْهًا، وَأَنْتَنَهُ رِيحًا، وَأَسْوَأَهُ لَفْظًا؛ فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ؛ فَمَا رَأَيْتُ أَقْبَحَ مِنْكَ وَجْهًا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 وَلَا أَنْتَنَ مِنْكَ رِيحًا، وَلَا أَسْوَأَ مِنْكَ لَفْظًا. فَيَقُولُ: أَتَعْجَبُ مِنْ قُبْحِي؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أَنَا وَاللَّهِ عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، وَإِنَّكَ كُنْتَ تَرْكَبُنِي فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرْكَبَنَّكَ الْيَوْمَ؛ فَيَرْكَبُهُ فَلَا يَرَى شَيْئًا يَهُولُهُ وَلَا يَرُوعُهُ إِلَّا قَالَ: أَبْشِرْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَنْتَ الَّذِي تُرَادُ وَأَنْتَ الَّذِي تُعْنَى. وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَهُمْ يحملون أوزارهم على ظُهُورهمْ} الْآيَة ". سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (32) إِلَى الْآيَة (34). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَعِبٌ وَلَهو} أَيْ: أَنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا أَهْلُ لعب ولهوٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} إِنَّكَ ساحرٌ، وَإِنَّكَ شَاعِرٌ، وَإِنَّكَ كَاهِنٌ، وَإِنَّكَ مَجْنُونٌ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: شَقَّ عَلَيْهِ وَحَزِنَ، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ، وَقَدْ عَرَفُوا أَنَّكَ صَادِقٌ {وَلَكِنَّ الظَّالِمين بآيَات الله يجحدون}. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ {لَا يكذبُونَك} بِالتَّخْفِيفِ، فَالْمَعْنَى: لَا يَلْفُونَكَ كَاذِبًا، وَمن قَرَأَ {لَا يكذبُونَك} فَالْمَعْنَى: لَا يَنْسِبُونَكَ إِلَى الْكَذِبِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله} أَيْ: أَنَّهُ سَيَنْصُرُكَ، وَيُظْهِرُ دِينَكَ، كَمَا نَصَرَ الرُّسُلَ الَّذِينَ كُذِّبُوا مِنْ قَبْلِكَ {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نبإ الْمُرْسلين} مِنْ أَخْبَارِ الْمُرْسَلِينَ أَنَّهُمْ قَدْ نُصِرُوا بَعْدَ الْأَذَى، وَبَعْدَ الشَّدَائِدِ. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (35) إِلَى الْآيَة (36). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} عَنْكَ، وَتَكْذِيبُهُمْ إِيَّاكَ. {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ} أَيْ: سِرْبًا، فَتَدْخُلَ فِيهِ {أَوْ سلما فِي السَّمَاء} أَيْ: إِلَى السَّمَاءِ، فَتَرْقَى إِلَيْهَا {فتأتيهم بِآيَة} وَهَذَا حِينَ سَأَلُوا الْآيَةَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَفْعَلَ هَذَا فَافْعَلْ؛ اخْتَصَرَ (فَافْعَلْ) إِذْ كَانَ فِي الْكَلَامِ مَا يدل عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 {إِنَّمَا يستجيب الَّذين يسمعُونَ} يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي بِالْمَوْتَى: الْمُشْرِكِينَ. وَقَوله: {يَبْعَثهُم الله} يَعْنِي: مَنْ يَمُنُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْإِيمَانِ؟ فَيُحْيِيهِمْ مِنْ شِرْكِهِمْ {ثُمَّ إِلَيْهِ يرجعُونَ} يَوْم الْقِيَامَة. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (37) إِلَى الْآيَة (39). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 {وَقَالُوا لَوْلَا} هلا {نزل عَلَيْهِ} على مُحَمَّد {أيه} {قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يعلمُونَ} وهم الْمُشْركُونَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 قَوْلُهُ: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَم أمثالكم} قَالَ مُجَاهِدٌ: [أَيْ: أَصْنَافٌ] مُصَنَّفَةٌ [تُعْرَفُ] بِأَسْمَائِهَا. {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكتاب من شَيْء} مِنْ آجَالِهَا وَأَعْمَالِهَا وَأَرْزَاقِهَا وَآثَارِهَا؛ أَيْ: أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مكتوبٌ عِنْد الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 {وَالَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا صم} عَنِ الْهدى؛ فَلَا يسمعونه {وبكم} عَنْهُ؛ فَلَا يَنْطِقُونَ بِهِ {فِي الظُّلُمَات} يَعْنِي: الْكفْر. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (40) إِلَى الْآيَة (41). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله} قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: فِي الدُّنيا بالاستئصال {أَو أتتكم السَّاعَة} بِالْعَذَابِ {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُم صَادِقين} أَيْ: أَنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ إِلَّا اللَّهَ؛ فَتُؤْمِنُوا حَيْثُ لَا يُقْبَلُ الْإِيمَان (ل 93) مِنْكُمْ؛ وَقَدْ قَضَى اللَّهُ أَلَّا يُقْبَلَ الْإِيمَانُ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تدعون إِلَيْهِ إِن شَاءَ} وَهَذِهِ مَشِيئَةُ الْقُدْرَةِ، وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 يَشَاءُ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ. {وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} بِاللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَوْثَانِ؛ فَتُعْرِضُونَ عَنْهَا. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (42) إِلَى الْآيَة (45). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 {وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قبلك فأخذناهم بالبأساء وَالضَّرَّاء} الْبَأْسَاءُ: الْبُؤْسُ؛ وَهِيَ الشَّدَائِدُ مِنَ الْجُدُوبَةِ، وَشِدَّةِ الْمَعَاشِ. وَالضَّرَّاءُ يَعْنِي: الضُّرَّ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَوْجَاعِ {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 {فلولا} يَعْنِي: فَهَلَّا {إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تضرعوا} أَيْ: أَنَّهُمْ لَمْ يَتَضَرَّعُوا {وَلَكِنْ قست قُلُوبهم} غَلُظَتْ فَلَمْ يُؤْمِنُوا، وَهَذَا الَّذِي كَانَ يُصِيبُ الأُمَمَ مِنَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَبْتَلِيهِمُ اللَّهُ بِهِ قَبْلَ الْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يُؤْمِنُونَ؛ فَإِذَا لَمْ يُؤْمِنُوا أَهَلَكَهُمُ الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} أَيْ: {كَذَّبُوا} مَا جَاءَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ. {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْء} مِنَ الرِّزْقِ {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا} بِمَا أعْطوا {أَخَذْنَاهُم بَغْتَة} يَعْنِي: بِالْعَذَابِ فَجْأَةً {فَإِذَا هُمْ مبلسون} ييأسون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 {فَقطع دابر} أصل {الْقَوْم الَّذين ظلمُوا} أشركوا. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (46) إِلَى الْآيَة (49). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سمعكم} [فأصمها] {وأبصاركم} فَأَعْمَاهَا. {وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} أَيْ: بِمَا أَذْهَبَ؛ يَقُولُ: لَيْسَ بِفعل ذَلِكَ؛ حَتَّى يَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ إِنْ شَاءَ إِلَّا هُوَ {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَات} نبينها {ثمَّ هم يصدفون} أَي: يعرضون عَنْهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله بَغْتَة} أَي: لَيْلًا {أَو جهرة} نَهَارًا {هَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} يُخَوِّفُهُمُ الْعَذَابَ؛ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ} يَعْنِي: بِالْجنَّةِ {ومنذرين} من النَّار. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (50) إِلَى الْآيَة (51). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِن الله} أَيْ: عِلْمُ خَزَائِنِ اللَّهِ الَّذِي فِيهِ الْعَذَابُ؛ لِقَوْلِهِمْ: {ائْتِنَا بِعَذَابٍ الله}. {وَلَا أعلم الْغَيْب} فيأتيكم الْعَذَاب. {وَلَا أَقُول إِنِّي ملك} إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَكِنِّي رَسُولٌ يُوحَى إِلَيَّ. {إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحى إِلَيّ} أَيْ: إِنَّمَا أُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ مَا أَمَرَنِي بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 {قل هَل يَسْتَوِي الْأَعْمَى} يَعْنِي: الَّذِي لَا يُبْصِرُ {وَالْبَصِيرُ} الَّذِي يُبْصِرُ؛ هَذَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِر {أَفلا تتفكرون} أَي: أَنَّهُمَا لَا يستويان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 {وأنذر بِهِ} يَعْنِي: بِالْقُرْآنِ {الَّذين يخَافُونَ} يَعْنِي: يَعْلَمُونَ {أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبهم} يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ؛ هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ: {إِنَّمَا تنذر بِهِ من اتبع الذّكر} إِنَّمَا يَقْبَلُ مِنْكَ مَنْ آمَنَ. {لَيْسَ لَهُم من دونه} أَيْ: مِنْ دُونِ اللَّهِ {وَلِيٌّ} يَمْنَعُهُمْ مِنْ عَذَابِهِ {وَلا شَفِيعٌ} يَشْفَعُ لَهُمْ؛ إِنْ لَمْ يَكُونُوا مُؤمنين. {لَعَلَّهُم} لَعَلَّ الْمُشْركين {يَتَّقُونَ} هَذَا فيؤمنوا. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (52) إِلَى الْآيَة (53). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ والعشي} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: صَلَاةَ مَكَّةَ؛ حِينَ كَانَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ غَدْوَةً، وَرَكْعَتَيْنِ عَشِيَّةً، قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ قَائِلُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ: إِنْ سَرَّكَ أَنْ نَتَّبِعَكَ، فَاطْرُدْ عَنَّا فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا - لِأُنَاسٍ كَانُوا دُونَهُمْ [فِي الدُّنْيَا] ازْدَرَاهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَأَنْزَلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {يُرِيدُونَ وَجهه} يُرِيدُونَ اللَّهَ وَرِضَاهُ. {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ} يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ الَّذين قَالَت لَهُ قُرَيْشٌ: اطْرُدْهُمْ. قَالَ: {فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ من الظَّالِمين} أَيْ: إِنْ طَرَدْتَهُمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: {فَتكون من الظَّالِمين} هُوَ جَوَاب {وَلَا تطرد} وَقَوله: {فَتَطْرُدهُمْ} هُوَ جَوَابُ {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ} ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 {أَلَيْسَ الله بِأَعْلَم بِالشَّاكِرِينَ} يَعْنِي: الْمُوَحِّدين. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (54) إِلَى الْآيَة (55). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا} الْآيَةَ، تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: أَنَّ أَبَا طَالِبٍ هُوَ الَّذِي قَالَ لِلنَّبِيِّ: اطرد (ل 94) فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا، وَأَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَدَقَ عَمُّكَ؛ فَاطْرُدْ عَنَّا سَفَلَةَ الْمَوَالِي، فَعَاتَبَهُمُ اللَّهُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى، فَجَاءُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنْ سَقْطَتِهِمْ، وَيَسْأَلُونَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقل سَلام عَلَيْكُم} أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ. {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَة} [قَالَ قَتَادَةُ: كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلَهُ عَبْدٌ فَهُوَ بِجَهَالَةٍ]. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَنْ قَرَأَ: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ} بِفَتْحِ الْأَلِفِ، فَالْمَعْنَى: وَكَتَبَ أَنَّهُ، وَمَنْ قَرَأَ: {فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} بِكَسْرِ الْأَلِفِ؛ فَإِنَّهُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 قَوْله: {وَكَذَلِكَ نفصل الْآيَات} أَي: نبينها {ولتستبين} يَا مُحَمَّد {سَبِيل الْمُجْرمين} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ بِالْآيَاتِ الَّتِي بَيَّنَ اللَّهُ فِيهَا سَبِيلَ الْهُدَى مِنْ سَبِيل الضَّلَالَة. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (56) إِلَى الْآيَة (58). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} يَعْنِي: الْأَوْثَانَ. {قُلْ لَا أَتَّبِعُ أهواءكم} فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ {قَدْ ضَلَلْتُ إِذا} إِنِ اتَّبَعْتُ أَهْوَاءَكُمْ {وَمَا أَنَا من المهتدين} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} يَعْنِي: النُّبُوَّة {وكذبتم بِهِ} بِالْقُرْآنِ. {مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} مِنَ الْعَذَابِ؛ لِقَوْلِهِمْ: {عَجِّلْ لَنَا قطنا} يَعْنِي: عَذَابَنَا {قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ}، وَلِقَوْلِهِمْ: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة من السَّمَاء} وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ. {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لله} إِن الْقَضَاء إِلَّا لله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَقْضِي الْحَقَّ} وَتُقْرَأُ أَيْضًا {يَقُصُّ الْحق} مِنَ الْقَصَصِ {وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} بالحكم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُون بِهِ} {مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} (لَقُضِيَ الأَمْرُ بيني وَبَيْنكُم} يَعْنِي: السَّاعَةَ، فَأَتَيْتُكُمْ بِالْعَذَابِ {وَاللَّهُ أعلم بالظالمين} الْمَعْنَى. وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ ظَالِمُونَ؛ أَي: مشركون. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (59) إِلَى الْآيَة (60). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 {وَعِنْده مفاتح الْغَيْب} يَعْنِي: خَزَائِنُ الْغَيْبِ {لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ؛ هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظلمات الأَرْض} [فِي جَوْفِ الْأَرْضِ] {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبين} {بَين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 2 - ! (وَهُوَ الَّذِي يتوفاكم بِاللَّيْلِ} يَعْنِي: النَّوْمَ {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} مَا عَمِلْتُمْ بِالنَّهَارِ {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: فِي النَّهَارِ. {ليقضى أجل مُسَمّى} يَعْنِي: السَّاعَةَ بِاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 {ثمَّ إِلَيْهِ مرجعكم} يَوْمَ الْقِيَامَةِ {ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ}. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (61) إِلَى الْآيَة (67). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 {وَهُوَ القاهر فَوق عباده} قَهَرَهُمْ بِالْمَوْتِ، وَبِمَا شَاءَ مِنْ أمره. {وَيُرْسل عَلَيْكُم حفظَة} مِنَ الْمَلَائِكَةِ؛ يَحْفَظُونَ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَيَكْتُبُونَهَا، وَيَحْفَظُونَهُ مِمَّا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ؛ حَتَّى يَأْتِيَ الْقَدَرُ {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} فِي أَمْرِ اللَّهِ. يحيى: وَبَلَغَنَا أَنَّ لِمَلَكِ الْمَوْتِ أَعْوَانًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ هُمُ الَّذِينَ يَسِلُّونَ الرُّوحَ مِنَ الْجَسَدِ؛ حَتَّى إِذَا [كَانُوا عِنْدَ خُرُوجِهِمْ جَاءَ] مَلَكُ الْمَوْتِ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ آجَالَ الْعِبَادِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ عِلْمُ ذَلِكَ مِنْ قبل الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحق} يَعْنِي: مَالِكَهُمْ، وَالْحَقُّ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ {أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أسْرع الحاسبين}. قَالَ يحيى: سَمِعْتُ بَعْضَ الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ: يَفْرَغُ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْخَلْقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 إِذَا أَخَذَ فِي حِسَابِهِمْ فِي قَدْرِ نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبر وَالْبَحْر} يَعْنِي: كُرُوبَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. {تَدْعُونَهُ تضرعا وخفية} أَي: سراًّ بالتضرع {لَئِن أنجيتنا من هَذِه} الشدَّة {لنكونن من الشَّاكِرِينَ} يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كل كرب} أَيْ: كُلِّ كَرْبٍ نَجَوْتُمْ مِنْهُ فَهُوَ الَّذِي أَنْجَاكُمْ مِنْهُ {ثُمَّ أَنْتُم تشركون} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بعض} (ل 95) تَفْسِيرُ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {عَذَابًا من فَوْقكُم} فَيَحْصِبَكُمْ بِالْحِجَارَةِ كَمَا حَصَبَ قَوْمَ لُوطٍ، أَوْ بِبَعْضِ مَا يَنْزِلُ مِنَ الْعَذَابِ {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلكُم} أَي: بخسف أَو برجفةٍ {أَو يلْبِسكُمْ شيعًا} يَعْنِي: اخْتِلَافًا. {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بعض} أَي: فَيقْتل بَعْضكُم بَعْضًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بوكيل} بِحَفِيظٍ لِأَعْمَالِكُمْ حَتَّى [أُجَازِيَكُمْ] بِهَا إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ، وَاللَّهُ الْمُجَازِي لكم بأعمالكم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 {وَلكُل نبإٍ مُسْتَقر} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَقُولُ: لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُ وَشَرُّهُ. {وسوف تعلمُونَ} يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَهَذَا وعيدٌ مِنَ اللَّهِ لِلْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يقرونَ بِالْبَعْثِ. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (68) إِلَى الْآيَة (69). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: يَسْتَهْزِئُونَ بِهَا {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيره} كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ. {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمين} نُهِيَ أَنْ يَقْعُدَ مَعَهُمْ، إِلَّا أَنْ يَنْسَى فَإِذَا ذَكَرَ فَلْيَقُمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 {وَمَا على الَّذين يَتَّقُونَ} يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ {مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْء} يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ عَلَيْهِمْ مِنْ حِسَابِ الْمُشْرِكِينَ؛ أَيْ: إِنْ قَعَدُوا مَعَهُمْ {وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} قَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا كُنَّا كُلَّمَا اسْتَهْزَأَ الْمُشْرِكُونَ بِكَتَابِ اللَّهِ قُمْنَا وَتَرَكْنَاهُمْ لَمْ نَدْخُلِ الْمَسْجِدَ وَلَمْ نَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَرَخَّصَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ فَقَالَ: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِن ذكرى لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ} فَكَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَذْكُرُوهُمْ مَا اسْتَطَاعُوا. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (70) فَقَط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا ولهوا وغرتهم الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ قَتَادَةُ: وَهَذَا مِمَّا نَسَخَ (الْقِتَال). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 {وَذكر بِهِ} بِالْقُرْآنِ {أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كسبت} يَعْنِي: أَنْ تُسْلَمَ {بِمَا كَسَبَتْ} عَمِلَتْ؛ أَيْ: تُسْلَمَ فِي النَّارِ {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ ولي} يمْنَعهَا مِنْهُ {وَلَا شَفِيع} يَشْفَعُ لَهَا عِنْدَهُ؛ وَهَذَا الْكَافِرُ. {وَإِن تعدل كل عدل} أَيْ: تَفْتَدِي بِكُلِّ فِدْيَةٍ {لَا يُؤْخَذ مِنْهَا} لَا يُقْبَلُ مِنْهَا {أُولَئِكَ الَّذِينَ أبسلوا} أُسْلِمُوا فِي النَّارِ. {بِمَا كَسَبُوا} عَمِلُوا {لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ} وَالْحَمِيمُ: الْحَارُّ الَّذِي قَدِ انْتَهَى حره {وَعَذَاب أَلِيم} موجعٌ. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (71) فَقَط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 {قل أندعوا من دون الله} يَعْنِي: نَعْبُدُ {مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا} وَهِيَ الْأَوْثَانُ. {وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا} أَيْ: نَرْجِعُ إِلَى الْكُفْرِ {بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِين فِي الأَرْض} أَيْ: غَلَبَتْ عَلَيْهِ {حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} أَيْ: كَرَجُلٍ ضَلَّ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ، لَهُ أَصْحَابٌ كُلُّهُمْ يَدْعُونَهُ إِلَى الطَّرِيقِ فَهُوَ مُتَحَيِّرٌ؛ هَذَا مِثْلُ مِنْ ضَلَّ بَعْدَ الْهُدَى، قَالَ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ: {قُلْ إِنَّ هدى الله هُوَ الْهدى} وَهُوَ الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (72) إِلَى الْآيَة (73). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 {وَهُوَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} أَيْ: لِلْحَقِّ؛ يَعْنِي: الْمِيعَادَ {وَيَوْمَ يَقُول كن فَيكون} 6 يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ. {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّور} يَنْفُخُ فِيهِ ملكٌ يَقُومُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، قَالَ قَتَادَةُ: مِنَ الصَّخْرَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالصُّورِ: قَرْنٌ فِيهِ أَرْوَاحُ الْخَلْقِ؟ فَيُنْفَخُ فِيهِ فَيَذْهَبُ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ، ثُمَّ يَنْطَلِقُونَ سِرَاعًا إِلَى الْمُنَادِي صَاحِبِ الصُّورِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة} الْغَيْبُ: السِّرُّ، وَالشَّهَادَةُ: الْعَلَانِيَةُ {وَهُوَ الْحَكِيم} فِي أمره {الْخَبِير} بأعمال الْعباد. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (74) إِلَى الْآيَة (79). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أتتخذ أصناماً آلِهَة} قَالَ قَتَادَةُ: أَبُو إِبْرَاهِيمَ اسْمُهُ: تَارَحُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 قَالَ يحيى: وَالْمَقْرَأَةُ عَلَى هَذَا التَّفْسِير: {آزر} بِالرَّفْع، وَكَذَلِكَ كَانَ الْحسن (ل 96) يَقْرَؤُهَا بِالرَّفْعِ (آزَرُ) يَقُولُهُ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَقْرَأُ الْحَسَنِ بِالرَّفْعِ؛ هُوَ بِمَعْنَى (يَا آزَرُ). وَقَالَ الْخَلِيلُ: مَعْنَى (يَا آزَرُ) الشَّيْءُ يُعَيِّرُهُ بِهِ؛ كَأَنَّهُ قَالَ: يَا مُعْوَجُّ، يَا ضَالُّ. قَالَ يحيى: وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقْرَؤُهَا بِالنَّصْبِ، وَيَقُولُ: اسْمُ أَبِيه: (آزر). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت} يَعْنِي: ملك {السَّمَاوَات وَالْأَرْض} الْآيَة. تَفْسِير قَتَادَة قَالَ: ذكر لَنَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ فُرَّ بِهِ مِنْ جَبَّارٍ مترفٍ؛ فَجُعِلَ فِي سربٍ، وَجُعِلَ رِزْقُهُ فِي أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، فَجَعَلَ لَا يَمَصُّ إِصْبَعًا إِلَّا وَجَدَ فِيهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 رِزْقًا، وَإِنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ السِّرْبِ أَرَاهُ اللَّهُ مَلَكُوتَ السَّمَوَات؛ أرَاهُ شمساً وقمراً ونجوماً وعبوناً وَخَلْقًا عَظِيمًا، وَأَرَاهُ مَلَكُوتَ الْأَرْضِ؛ فَأَرَاهُ جِبَالًا وَبِحَارًا وَأَنْهَارًا وَشَجَرًا، وَمِنْ كُلِّ الدَّوَابِّ وَخَلْقًا عَظِيمًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 {فَلَمَّا جن عَلَيْهِ اللَّيْل} أَيْ: [آوَاهُ]. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ، وَأَجَنَّهُ اللَّيْلُ؛ إِذَا أَظْلَمَ حَتَّى يَسْتُرَهُ بِظُلْمَتِهِ. {رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أفل} ذَهَبَ {قَالَ لَا أُحِبُّ الآفِلِينَ} وَأَهَمَّهُ النَّظَرُ فَرَاعَى الْكَوْكَبَ حَتَّى ذَهَبَ وَغَابَ، قَالَ: وَاطَّلَعَ الْقَمَرُ، وَكَانَ لَيْلَة آخر الشَّهْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 {فَلَمَّا رأى الْقَمَر بازغا} أَيْ طَالِعًا {قَالَ هَذَا رَبِّي} قَالَ: فَرَاعَاهُ حَتَّى غَابَ {فَلَمَّا أفل} ذَهَبَ {قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} قَالَ: فَازْدَادَ قُرْبًا مِنْ مَعْرِفَةِ الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 {فَلَمَّا رأى الشَّمْس بازغة} [أَيْ: طَالِعَةً] {قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أكبر} أَيْ: مِنَ الْقَمَرِ وَالْكَوْكَبِ. قَالَ: فَرَاعَاهَا حَتَّى غَابَتْ {فَلَمَّا أَفَلَتْ} ذَهَبَتْ {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بريءٌ مِمَّا تشركون}. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (80) إِلَى الْآيَة (83). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تشركون بِهِ} 6 يَعْنِي: أَصْنَامَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ؛ أَنَّ نَافِعًا قَرَأَ: {أَتُحَاجُّونِي} بِتَخْفِيفِ النُّونِ، وَمِثْلُهُ: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِي أَعْبُدُ} قَالَ: وَقَرَأَهُمَا أَهْلُ الْعرَاق مثقلتين: (أتحاجوني، وتأمروني). قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا بِتَثْقِيلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ بِنُونَيْنِ: نُونُ الْفِعْلِ، وَنُونُ اسْمِ الْفَاعِلِ: فَلَمَّا كُتِبَتَا فِي الْمُصْحَفِ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 نُونٍ وَاحِدَةٍ، لَمْ يَكُنْ إِلَى الزِّيَادَةِ سَبِيلٌ؛ فَثَقَّلُوا النُّونَ؛ لِتَكُونَ الْمَتْرُوكَةُ مُدْغَمَةً. قَالَ: وَإِنَّمَا كَرِهَ التَّثْقِيلَ مَنْ كَرِهَهُ - فِيمَا نَرَى - لِلْجَمْعِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ؛ وَهِيَ الْوَاوُ وَالنُّونُ الْمُدْغَمَةُ فَحَذَفُوهَا. قَوْلُهُ: {وَسِعَ رَبِّي كل شيءٍ علما} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: مَلَأَ رَبِّي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 {وَكَيف أَخَاف مَا أشركتم} يَعْنِي: مِنْ هَذِهِ الْأَوْثَانِ {وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا} يَعْنِي: حُجَّةً {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بالأمن} أَي: من عبد الله، و [من] عبد الْأَوْثَان؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 {الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا} يَعْنِي: يخلطوا {إِيمَانهم بظُلْم} بشرك {أُولَئِكَ لَهُم الْأَمْن} يَوْم الْقِيَامَة {وهم مهتدون} فِي الدُّنْيَا. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (84) إِلَى الْآيَة (90). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 يَعْنِي: عالمي زمانهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 {واجتبيناهم} (استخلصناهم) للنبوة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ} يَعْنِي: الْفَهْمَ وَالْعَقْلَ {وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يكفر بهَا هَؤُلَاءِ} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {فَقَدْ وكلنَا بهَا} بِالنُّبُوَّةِ {قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} يَعْنِي: النَّبِيِّينَ الَّذِينَ ذَكَرَ: دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 {أُولَئِكَ الَّذين هدى الله} يَعْنِي: النَّبِيِّينَ الَّذِينَ قَصَّ. (فَبِهُدَاهُمُ اقتده} يَقُوله لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (91) إِلَى الْآيَة (92). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أَيْ: مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ عَظَمَتِهِ {إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ على بشرٍ من شَيْء} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: هُمُ الْيَهُودُ [كَانُوا] يَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ أُمِّيُّونَ؛ يَعْنُونَ: النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه (ل 97) فَأَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ؛ فَقَالُوا: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بشرٍ مِنْ شيءٍ} فَقَدْ كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَجِيءُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَلَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 تَكُنْ تَجِيءُ بِالْكُتُبِ؛ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ مُحَمَّدٌ بِهَذَا الْكِتَابِ؟! قَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ: قُلْ لَهُمْ: {مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نورا وَهدى للنَّاس} يَعْنِي: لِمَنِ اهْتَدَى بِهِ {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس تبدونها وتخفون كثيرا} وَالْقَرَاطِيسُ: الْكُتُبُ الَّتِي كَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ بِمَا حَرَّفُوا مِنَ التَّوْرَاةِ. {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤكم} يَقُولُ: عُلِّمْتُمْ عِلْمًا؛ فَلَمْ يَصِرْ لَكُمْ عِلْمًا؛ لِتَضْيِيعِكُمْ إِيَّاهُ، وَلَا لآبائكم {قل الله} الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ، الْآيَةَ. وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكتاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 {وَهَذَا كتاب أَنزَلْنَاهُ مبارك} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلَ. {وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقرى} يَعْنِي: وَلِتُنْذِرَ أَهْلَ مَكَّةَ {وَمَنْ حولهَا} يَعْنِي: سَائِرَ الْأَرْضِ. {وَهُمْ عَلَى صلَاتهم يُحَافِظُونَ} قَالَ قَتَادَةُ: يُحَافِظُونَ عَلَى وُضُوئِهَا ومواقيتها، وركوعها وسجودها. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (93) إِلَى الْآيَة (94). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كذبا} يَقُولُ: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُ (أَوْ قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أنزل الله} قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ. {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَات الْمَوْت} الْآيَةَ. يحيى: أَخْبَرَنِي بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ يَقْبِضُونَ [رُوحَ الْكَافِرِ] (وَيَعِدُونَهُ) بِالنَّارِ، وَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنَّهُ يُهَوَّنُ عَلَيْهِ، وَيَقْبِضُونَ رُوحَ الْمُؤْمِنِ، وَيَعِدُونَهُ بِالْجَنَّةِ وَيُهَوَّنُ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنه يشدد عَلَيْهِ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة} يَقُولُ: خَلَقْنَا كُلَّ إِنْسَانٍ فَرْدًا، وَيَأْتِينَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا. قَالَ مُحَمَّد: {فُرَادَى} جَمْعُ فردٍ؛ وَكَأَنَّهُ جَمْعُ (فَرْدَانِ)؛ كَمَا قَالُوا: كَسْلَانُ وَكُسَالَى. {وَتَرَكْتُمْ مَا خولناكم} أَيْ: مَا أَعْطَيْنَاكُمْ {وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا. {وَمَا نَرَى مَعكُمْ شفعاءكم} يَعْنِي: آلِهَتَكُمُ {الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُم شُرَكَاء} أَيْ: أَنَّهُمْ شُرَكَاءُ لِلَّهِ فِيكُمْ؛ فَعَبَدْتُمُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ {لَقَدْ تقطع بَيْنكُم} أَيْ: وَصْلُكُمُ الَّذِي كَانَ يُوَاصِلُ بِهِ بَعْضُكُمْ بَعْضًا عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 هَذَا تَفْسِيرُ مَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالنَّصْبِ فَالْمَعْنَى: لَقَدْ تَقَطَّعَ مَا بَيْنَكُمْ مِنَ الْمُوَاصَلَةِ. {وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} أَنَّهَا تشفع لكم. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (95) إِلَى الْآيَة (98). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ والنوى} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: يَنْفَلِقُ عَنِ النَّبَاتِ. {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيخرج من الْمَيِّت من الْحَيّ} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يُخْرِجُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ، وَيُخْرِجُ الْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ {ذَلِكُم الله فَأنى تؤفكون} أَي: فيكف تصرف عقولكم؟! الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 {فالق الإصباح} خَالِقُ الْإِصْبَاحِ؛ يَعْنِي: الصُّبْحَ حِينَ يُضِيءُ وَكَانَ الْحَسَنُ يَقْرَؤُهَا: (الْأَصْبَاحِ) جَمْعُ: صُبْحٍ. {وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا} يَسْكُنُ فِيهِ الْخَلْقُ {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حسبانا} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي: حِسَابَ مَنَازِلِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، كُلُّ يَوْمٍ بِمَنْزِلٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْقِرَاءَةُ بِالنَّصْبِ: (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَر)؛ أَيْ: وَجَعَلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَمِنْ كَلَامِهِمْ: حَدُّ كُلِّ شيءٍ بِحُسْبَانِهِ؛ أَي: بِحِسَابِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لتهتدوا بهَا} يَعْنِي: الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا مِنْهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَة} يَعْنِي: آدم {فمستقر ومستودع} تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْمُسْتَقَرُّ: الرَّحِمُ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: الصُّلْبُ، وَكَانَ الْحَسَنُ يَقْرَؤُهَا (فمستقرٌّ) بِكَسْر الْقَاف (ومستودع) وَتَفْسِيرُهَا: مُسْتَقِرٌّ فِي [أَجَلِهِ] ومستودعٌ [فِي قَبره] (ل 98) مِنْ يَوْمِ يُوضَعُ فِيهِ إِلَى يَوْم يبْعَث. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (99) فَقَط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شيءٍ} يَعْنِي: النَّبَاتَ الَّذِي يَنْبُتُ {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا متراكبا} أَيْ: يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 قَالَ مُحَمَّد: معنى (خضرًا) كَمَعْنَى أَخْضَرَ. {وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أعناب} قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: أَخْرَجْنَا مِنَ الْمَاءِ خَضِرًا وجناتٍ. {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ}. قَالَ يحيى: يَعْنِي: وَأَخْرَجْنَا الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّان {مشتبها وَغير متشابه} أَيْ: مُشْتَبِهًا فِي طَعْمِهِ وَلَوْنِهِ، وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذا أثمر} يَعْنِي: حِينَ يَكُونُ غَضًّا {وَيَنْعِهِ} أَيْ: وَنُضْجِهِ {إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَات لقوم يُؤمنُونَ} قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: الَّذِي أَخْرَجَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ هَذَا النَّبَاتَ وَهَذَا الْخَضِرَ وَهَذِهِ الْجَنَّاتِ - قادرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْقِنْوَانُ: الْعُذُوقُ، وَاحِدُهَا: قِنْوٌ، وَجُمِعَ عَلَى لَفْظِ تَثْنِيَتِهِ؛ غَيْرَ أَنَّ الْحَرَكَاتِ تَلْزَمُ نُونَهُ فِي الْجمع، وَمثله: صنوٌ وصنوانٌ. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (100) إِلَى الْآيَة (103). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 {وَجعلُوا لله شُرَكَاء الْجِنّ} يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ؛ يَقُولُ: جَعَلُوا الشَّيَاطِينَ شُرَكَاءَ لِلَّهِ؛ لِأَنَّ الشَّيَاطِينَ هِيَ الَّتِي دَعَتْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَلَمْ تَدْعُهُمُ الْأَوْثَانُ إِلَى عِبَادَتِهَا. {وخلقهم} أَيِ: اللَّهُ خَلَقَهُمْ {وَخَرَقُوا لَهُ} أَيِ: اخْتَلَقُوا لَهُ {بَنِينَ وَبَنَاتٍ} قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: جَعَلُوا لِلَّذِي خلقهمْ شُرَكَاء لَا يخلقون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 {بديع السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَعْنِي: ابْتَدَعَهُمَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ {أَنى يكون لَهُ ولد} مِنْ أَيْنَ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ؟! {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيءٍ وَكِيلٌ} أَي: حفيظ لأعمال الْعباد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا. {وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَار وَهُوَ اللَّطِيف} بخلقه فِيمَا أَعْطَاهُم {الْخَبِير} بأعمالهم. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (104) إِلَى الْآيَة (108). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ} يَعْنِي: الْقُرْآن {فَمن أبْصر} [اهْتَدَى] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 {فلنفسه وَمن عمي} عَن الْهدى {فعلَيْهَا} فَعَلَى نَفْسِهِ {وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بحفيظ} أَحْفَظُ أَعْمَالَكُمْ حَتَّى أُجَازِيَكُمْ بِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} أَيْ: قَرَأْتَ وَتَعَلَّمْتَ، وَبَعْضُهُمْ يَقْرَؤُهَا (دَارَسْتَ)؛ أَيْ: قَارَأْتَ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبك} (يَقُولُ: ادْعُهُمْ إِلَى) لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} وَهِي مَنْسُوخَة، نسختها الْقِتَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْر علم}. قَالَ يحيى: وَهِيَ تُقْرَأُ {عَدْوًا} وَ {عُدُوَّا} وَهُوَ مِنَ الْعُدْوَانِ، وَالْعُدْوَانُ: الظُّلْمُ. {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أمة} أَيْ: لِأَهْلِ كُلِّ ملةٍ {عَمَلَهُمْ}. قَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: وَاللِّهِ لَيَنْتَهِيَنَّ محمدٌ عَنْ سَبِّ آلِهَتِنَا، أَوْ لَنَسُبَنَّ رَبَّهُ؛ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (109) إِلَى الْآيَة (111). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم} [بِمَبْلَغِ أَيْمَانِهِمْ] {لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ ليُؤْمِنن بهَا} قَالَ الله لنَبيه: {قَالَ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يشعركم} أَيْ: مَا يَدْرِيكُمْ {أَنَّهَا إِذَا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ}. قَالَ محمدٌ: تُقْرَأُ (إِنَّهَا) بِكَسْرِ الْأَلِفِ؛ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَتُقْرَأُ (أَنَّهَا) بِالْفَتْحِ؛ بِمَعْنَى: لَعَلَّهُمْ، ذَكَرَهُ أَبُو عبيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} أَيْ: نَطْبَعُ عَلَيْهَا {كَمَا لَمْ يُؤمنُوا بِهِ أول مرّة} يَقُولُ: لَوْ جَاءَتْهُمُ الْآيَةُ لَمْ يُؤْمِنُوا؛ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا قَبْلَ أَنْ يَجِيئَهُمُ الْعَذَابُ {وَنَذَرُهُمْ فِي طغيانهم يعمهون} أَي: يَتَرَدَّدُونَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شيءٍ قبلا} يَعْنِي: عَيَانًا {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا} قَالَ الْحَسَنُ: [هَذَا] حِينَ قَالُوا: ابْعَثْ لَنَا مَوْتَانَا نَسْأَلْهُمْ أحقٌّ مَا تَقُولُ أَمْ بَاطِلٌ؟ وَلِقَوْلِهِمْ: {لَوْلَا أنزل علينا الْمَلَائِكَة} وَلِقَوْلِهِمْ: {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قبيلا} يَقُولُ: لَوْ فَعَلْنَا هَذَا بِهِمْ [حِين: يرونه] (ل 99) عِيَانًا {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يجهلون} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 أَي: لَا يعلمُونَ. وَقَوله: {أَكْثَرهم} يَعْنِي: مَنْ ثَبَتَ عَلَى الْكُفْرِ مِنْهُم. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (112) إِلَى الْآيَة (113). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا} قَالَ الْحَسَنُ: جَعَلَ اللَّهُ أَعْدَاءَ الْأَنْبِيَاء {شياطين الْإِنْس} وهم الْمُشْركُونَ {وَالْجِنّ} أَيْ: وَشَيَاطِينَ الْجِنِّ {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}. وَهُوَ مَا تُوَسْوِسُ الشَّيَاطِينُ إِلَى بَنِي آدَمَ مِمَّا يَصُدُّونَهُمْ بِهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: زُخْرُفُ الْقَوْلِ: مَا زُيِّنَ مِنْهُ وَمُوِّهَ وَحُسِّنَ، وَأَصْلُ الزخرف: الذَّهَب، و (غرُورًا) مصدرٌ؛ كَأَنَّهُ قَالَ: يَغُرُّونَ غُرُورًا. {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} أَيْ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَوْحَى الشَّيَاطِينُ إِلَى الْإِنْسِ {فَذَرْهُمْ وَمَا يفترون} ثمَّ أَمر بقتالهم بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة} يَعْنِي أَفْئِدَةَ الْمُشْرِكِينَ تُصْغِي إِلَى مَا توحي إِلَيْهِ الشَّيَاطِينَ {وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مقترفون} يَعْنِي: وَلِيَكْتَسِبُوا مَا هُمْ مُكْتَسِبُونَ. قَالَ محمدٌ: الِاخْتِيَارُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ: (وَلِيَرْضَوْهُ) (وَلِيَقْتَرِفُوا) بِتَسْكِينِ اللَّامِ؛ عَلَى أَنَّ اللَّامَ لَامُ الْأَمْرِ؛ وَالْمَعْنَى: التهدد والوعيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (114) إِلَى الْآيَة (117). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلا} أَيْ: مُبَيَّنًا، بَيَّنَ فِيهِ الْهُدَى وَالضَّلَالَةَ، وَالْحَلَالَ وَالْحَرَامَ. {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبك بِالْحَقِّ} يَعْنِي: أَهْلَ الدِّرَاسَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} يَعْنِي: الشَّاكِّينَ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَنَّ أَهْلَ الدِّرَاسَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 {وتمت (كَلِمَات} رب صدقا وعدلاً} قَالَ قَتَادَةُ يَعْنِي صِدْقًا [فِيمَا وَعَدَ] وَعَدْلًا فِيمَا حَكَمَ {لَا مبدل لكلماته} فِيمَا وعد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَدْعُونَهُ إِلَى عبَادَة الْأَوْثَان {إِن يتبعُون} بعبادتهم الْأَوْثَان {إِلَّا الظَّن} يَقُولُ: ادَّعَوْا أَنَّهُمْ آلِهَةٌ بِظَنٍّ مِنْهُمْ {وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ} يَعْنِي: يَكْذِبُونَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصْلُ (الْخَرْصِ): الظَّنُّ وَالْحَزَرُ، وَمِنْهُ قِيلَ للحازر: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 (خارص). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَلَى الْهُدَى، وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ ضَلُّوا عَنْ سَبيله. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (118) إِلَى الْآيَة (121). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} يَعْنِي: مَا أُدْرِكَ ذَكَاتُهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَانُوا يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَالْمُنْخَنِقَةَ وَالْمَوْقُوذَةَ وَالْمُتَرَدِّيَةَ وَالنَّطِيحَةَ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ؛ فَحَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ، إِلَّا مَا أدْرك ذَكَاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ} أَيْ: فَكُلُوهُ، فَهُوَ لَكُمْ حلالٌ {وَقد فصل} بَيَّنَ لَكُمْ {مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} مِنَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ. {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْر علم} أَتَاهُمْ مِنَ اللَّهِ، وَلَا حُجَّةَ؛ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أعلم بالمعتدين} يَعْنِي: الَّذِينَ يَتَعَدُّونَ أَمْرَ اللَّهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 {وذروا ظَاهر الْإِثْم وباطنه} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: عَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ. {إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يقترفون} يَعْنِي: يكتسبون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} لَشِرْكٌ؛ يَقُولُ: إِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ عَلَى الِاسْتِحْلَالِ شركٌ. {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ ليوحون إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} من الْمُشْركين {ليجادلوكم} تَفْسِير مُجَاهِد: قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ يُجَادِلُونَ الْمُسْلِمِينَ [فِي] الذَّبِيحَةِ؛ فَيَقُولُونَ: أَمَّا مَا ذَبَحْتُمْ (وَقَتَلْتُمْ) فَتَأْكُلُونَهُ، وَأما مَا قتل (ل 100) اللَّهُ فَلَا تَأْكُلُونَهُ، وَأَنْتُمْ بِزَعْمِكُمْ تَتَّبِعُونَ أَمْرَ اللَّهِ؟! فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِن أطعتموهم} فاستحللتم الْميتَة {إِنَّكُم لمشركون}. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (122) إِلَى الْآيَة (124). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 قَوْله: {أَو من كَانَ مَيتا فأحييناه} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: بِالْإِسْلَامِ {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} يَعْنِي: ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ {لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} أَيْ: هُوَ مُتَحَيِّرٌ فِيهَا. {هَلْ يستويان مثلا} أَيْ: أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 قَالَ يحيى: بَلَغَنِي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، ثُمَّ هِيَ عَامَّة بعد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أكَابِر مجرميها}. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ مُجْرِمِيهَا أَكَابِرَ. قَالَ قَتَادَة: وَمعنى (أكَابِر): جَبَابِرَةٌ. {لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفسِهِم وَمَا يَشْعُرُونَ} أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَمْكُرُونَ بِأَنْفُسِهِمْ. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: أَنَّ جَزَاءَ مَكْرِهِمْ راجعٌ عَلَيْهِم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 {سيصيب الَّذين أجرموا} يَعْنِي: أَشْرَكُوا {صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ} أَي: ذلةً {وَعَذَاب شَدِيد} فِي الْآخِرَةِ {بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ} يَعْنِي: يشركُونَ. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (125) إِلَى الْآيَة (126). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يشْرَح} أَي: يُوسع {صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} الْحَرَجُ وَالضِّيقُ مَعْنَاهُمَا واحدٌ. {كَأَنَّمَا يصعد فِي السَّمَاء} أَيْ: كَأَنَّمَا يُكَلَّفُ أَنْ يَصَّعَّدَ إِلَى السَّمَاءِ؛ يَقُولُ يَثْقُلُ عَلَيْهِ مَا يُدْعَى إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ. {كَذَلِك يَجْعَل الله الرجس} يَعْنِي: رَجَاسَةَ الْكُفْرِ {عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 {وَهَذَا صِرَاط رَبك مُسْتَقِيمًا} (يَعْنِي: دين رَبك مُسْتَقِيمًا) {وَقد فصلنا الْآيَات} أَي: بيناها {لقوم يذكرُونَ} إِنَّمَا يتَذَكَّر الْمُؤمن. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (127) إِلَى الْآيَة (129). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 {لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} السَّلَامُ هُوَ اللَّهُ، وَدَارُهُ الْجَنَّةُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} ثُمَّ نَقُولُ {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ من الْإِنْس} أَيْ: كَثُرَ مَنْ أَغْوَيْتُمْ وَأَضْلَلْتُمْ {وَقَالَ أولياؤهم من الْإِنْس} يَعْنِي: الَّذِينَ أَضَلُّوا مِنَ الْإِنْسِ {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّار مثواكم} مَنْزِلَكُمْ {خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عليم} حكيمٌ فِي أَمْرِهِ، عليمٌ بِخَلْقِهِ. قَالَ محمدٌ: جَاءَ عَنِ ابْن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لأهل الْإِيمَان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا} قَالَ الْحَسَنُ: الْمُشْرِكُونَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ؛ كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بعض. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (130) إِلَى الْآيَة (134). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 {يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس} يَعْنِي: مَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ {أَلَمْ يأتكم رسل مِنْكُم} (يَعْنِي: مِنَ الْإِنْسِ) وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا مِنَ الْجِنِّ، وَلَا مِنَ النِّسَاءِ. {يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدنَا على أَنْفُسنَا} أَنَّهُ قَدْ جَاءَتْنَا الرُّسُلُ فِي الدُّنْيَا. قَالَ اللَّهُ: {وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} إِذْ كَانُوا فِيهَا {وَشَهِدُوا عَلَى أنفسهم} فِي الْآخِرَةِ {أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} فِي الدُّنْيَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} يَقُولُ: لَمْ يُهْلِكِ اللَّهُ قَوْمًا مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ؛ حَتَّى بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا. قَالَ محمدٌ: وَمَعْنَى {ذَلِك أَن لم يكن} ذَلِك لِأَنَّهُ لم يكن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 {وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا} أَيْ: عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ. يحيى: عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدَّرَجَةُ فِي الْجَنَّةِ فَوْقَ الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيَرْفَعُ (بَصَرَهُ فَيَلْمَعُ لَهُ) برقٌ يَكَادُ يَخْطَفُ بَصَرَهُ؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 فَيَقُولُ: مَا هَذَا؟ فَيُقَالُ: هَذَا: نُورُ أَخِيكَ فُلَانٌ. فَيَقُولُ: أَخِي فُلَانٌ كُنَّا فِي الدُّنْيَا نَعْمَلُ جَمِيعًا، وَقَدْ فُضِّلَ عَلَيَّ هَكَذَا! فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّهُ كَانَ أَفْضَلَ مِنْكَ عَمَلًا، ثُمَّ يُجْعَلُ فِي قلبه الرِّضَا حَتَّى يرضى ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 {إِن يَشَأْ يذهبكم} بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ؛ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أنشأكم} خَلَقَكُمْ {مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 {إِنَّمَا توعدون لآتٍ} {ل 101} يَعْنِي: السَّاعَةَ {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} بِالَّذِينَ تُعْجِزُونَ اللَّهَ، فَتَسْبِقُونَهُ حَتَّى لَا يقدر عَلَيْكُم. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (135) إِلَى الْآيَة (137). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مكانتكم} أَيْ: عَلَى كُفْرِكُمْ؛ وَهَذَا وَعِيدٌ. {إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تكون لَهُ عَاقِبَة الدَّار} دَارِ الْآخِرَةِ، وَعَاقِبَتُهَا الْجَنَّةُ {إِنَّهُ لَا يفلح الظَّالِمُونَ} أَي: الْمُشْركُونَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 {وَجعلُوا لله مِمَّا ذَرأ} مِمَّا خَلَقَ {مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبا} الْآيَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: عَمَدَ ناسٌ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ فَجَزَّءُوا مِنْ حُرُوثِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ (جُزْءًا لِلَّهِ)، وَجُزْءًا لِشُرَكَائِهِمْ - يَعْنِي: أَوْثَانَهُمْ - وَكَانُوا إِذَا خَالَطَ شيءٌ مِمَّا جَزَّءُوا لِلَّهِ شَيْئًا مِمَّا جَزَّءُوا لِشُرَكَائِهِمْ - تَرَكُوهُ، وَإِذَا خَالَطَ شَيْءٌ مِمَّا جَزَّءُوا لِشُرُكَائِهِمْ شَيْئًا مِمَّا جَزَّءُوا لِلَّهِ - رَدُّوهُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ، وَإِذَا أَصَابَتْهُمُ السَّنَةُ لِشُرُكَائِهِمْ شَيْئًا مِمَّا جَزَّءُوا لِلَّهِ - رَدُّوهُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ، وَإِذَا أَصَابَتْهُمُ السَّنَةُ [اسْتَعَانُوا] بِمَا جَزَّءُوا لِلَّهِ، وَوَفَّرُوا مَا جَزَّءُوا لِشُرَكَائِهِمْ. قَالَ الله {سَاءَ مَا} بِئْسَ مَا {يَحْكُمُونَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قتل أَوْلَادهم شركاؤهم} يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ أَمَرُوهُمْ بِقَتْلِ أَوْلَادِهِمْ خيفة الْعيلَة {ليردوهم} ليهلكوهم {وليلبسوا عَلَيْهِم} وليخلطوا عَلَيْهِم {دينهم} الَّذِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ؛ وَهُوَ الْإِسْلَام. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (138) إِلَى الْآيَة (140). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ} حَرَامٌ {لَا يَطْعَمُهَا إِلا مَنْ نشَاء بزعمهم} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 وَهَذَا مَا كَانَ يَأْكُلُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ {وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا} وَهُوَ مَا حَرَّمُوا مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ؛ وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذَا {وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْم الله عَلَيْهَا} هُوَ مَا اسْتَحَلُّوا مِنْ أَكْلِ الْميتَة {افتراء عَلَيْهِ} عَلَى اللَّهِ؛ فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ الله أَمرهم بِهَذَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء} كَانَ مَا وُلِدَ مِنْ تِلْكَ الْأَنْعَامِ مِنْ ذكرٍ يَأْكُلُهُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ، وَإِذَا كَانَتْ أُنْثَى تُرِكَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرُكَاءُ يَأْكُلُونَهَا جَمِيعًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (خَالِصَة لذكورنا) فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: جَمَاعَةُ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ مِنْ ذُكُورٍ خالصةٌ لذكورنا، وَيرد [محرم] عَلَى لَفْظِ (مَا) لِأَنَّ مَا ذكر مُذَكّر. {سيجزيهم وَصفهم} أَيْ: بِمَا زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمرهم بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سفها} يَعْنِي: سَفَهَ الرَّأْيِ. {بِغَيْرِ عِلْمٍ} أَتَاهُم اللَّهِ يَأْمُرُهُمْ فِيهِ بِقَتْلِ أَوْلَادِهِمْ؛ وَهِيَ الْمَوْءُودَةُ؛ كَانُوا يَدْفِنُونَ بَنَاتَهُمْ وَهُنَّ أَحْيَاءٌ خَشْيَةَ الْفَاقَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَاللَّهُ صَاحِبُ بناتٍ؛ فَأَلْحَقُوا الْبَنَاتَ بِهِ {وحرموا مَا رزقهم الله} يَعْنِي: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 مَا حَرَّمُوا مِنَ الْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ {افتراء على الله}. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (141) إِلَى الْآيَة (142). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 {وَهُوَ الَّذِي أنشأ} أَيْ: خَلَقَ {جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ معروشات} قَالَ (مُجَاهِدٌ): الْعِنَبُ مِنْهُ مَعْرُوشٌ وَغَيْرُ مَعْرُوشٍ {وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أكله} مِنْهُ الْجَيِّدُ، وَمِنْهُ الرَّدِيءُ {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّان متشابها} فِي المنظر {وَغير متشابه} فِي الْمَطْعَمِ {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَاده} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ [قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ أَنْ يَأْتُوا مِنْهُ عِنْدَ حَصَادِهِ، سِوَى الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَة]. {وَلَا تسرفوا} لَا تُحَرِّمُوا مَا حَرَّمَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّة من الْحَرْث والأنعام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 قَوْلُهُ: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} يَقُولُ: وَأَنْشَأَ مِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا، تَبَعًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ: {وَهُوَ الَّذِي أنشأ جنَّات} وَالْحَمُولَةَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ: الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ، وَالْفَرْشُ: الْغَنَمُ. {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خطوَات الشَّيْطَان} أَمْرَ الشَّيْطَانِ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ من الْأَنْعَام والحرث. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (143) إِلَى الْآيَة (146). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 {ثَمَانِيَة أَزوَاج} أَيْ: أَصْنَافٍ {مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمن الْمعز اثْنَيْنِ} ذَكَرًا وَأُنْثَى، وَالْوَاحِدُ: زوجٌ {قُلْ آلذكرين حرم} على الِاسْتِفْهَام. (ل 102) {أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ} مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى؛ أَيْ: أَمْ كُلَّ ذَلِكَ حَرَّمَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ مِنْهُ شَيْئًا. {نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا؛ وَهُوَ مَا حَرَّمُوا من الْأَنْعَام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 قَالَ: {وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقر اثْنَيْنِ قل الذكرين حرم أَن الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ} مِنْ ذكرٍ أَوْ أُنْثَى؛ أَيْ: أَمْ كُلَّ ذَلِكَ حَرَّمَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ مِنْهُ شَيْئًا. {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا} أَيْ: أَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا شُهَدَاءَ لِهَذَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 وَلَمْ يُوصِكُمُ اللَّهُ بِهِ؛ فَسَأَلَهُمُ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَكَتُوا وَلَمْ يُجِيبُوهُ. وَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، فِيمَ هَذَا التَّحْرِيمُ الَّذِي حَرَّمَهُ آبَاؤُنَا وَآبَاؤُهُمْ قَبْلَهُمْ؟ فَقَالَ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَو دَمًا مسفوحا} يَعْنِي: سَائِلًا. فَأَمَّا دمٌ فِي عِرْقٍ أَوْ مُخَالِطٌ لَحْمًا [فَلَا] {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} وَهُوَ مَا ذَبَحُوا لِأَصْنَامِهِمْ؛ فِيهَا تَقْدِيمٌ {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ} فَإِنَّهُ رجسٌ {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغ وَلَا عَاد} فَأَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الِاضْطِرَارِ مِنْهُ {فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيم}. قَدْ مَضَى تَفْسِيرُ {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظفر} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: الْبَعِيرَ وَالنَّعَامَةَ {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَو الحوايا} وَهُوَ الْمَبْعَرُ. قَالَ محمدٌ: الْحَوَايَا: المباعر، وَاحِدهَا: حاويا وحويةٌ. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (147) إِلَى الْآيَة (150). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَة وَاسِعَة} لِمَنْ تَابَ مِنْ شِرْكِهِ، وَقَبِلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ {وَلا يُرَدُّ بأسه} أَيْ: لَا يُصْرَفُ عَذَابُهُ {عَنِ الْقَوْم الْمُجْرمين} الْمُشْركين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلَا حرمنا من شَيْء} قَالَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ: لَوْ كَرِهَ اللَّهُ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ لَحَوَّلَنَا عَنْهُ. {هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ} أَنَّ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ أَمَرْتُكُمْ بِهِ {فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تتبعون إِلَّا الظَّن} أَيْ: هَذَا مِنْكُمْ ظَنٌّ {وَإِنْ أَنْتُم إِلَّا تخرصون} تكذبون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 {قل فَللَّه الْحجَّة الْبَالِغَة} فقد قَامَت عَلَيْكُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَن الله حرم هَذَا} يَعْنِي: مَا حَرَّمُوا مِنَ الْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ {فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهم} وَإِنَّمَا [هُوَ سَفَهٌ] وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ {وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وهم برَبهمْ يعدلُونَ} عدلوا بِهِ الْأَصْنَام فعبدوها. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (151) إِلَى الْآيَة (153). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ ربكُم عَلَيْكُم} وَهَذَا مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: {أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} قَالَ مُحَمَّدٌ: أَيْ: وَأَوْصَاكُمْ بِالْوَالِدَيْنِ حُسْنًا {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إملاق} أَيْ: مَخَافَةَ الْفَاقَةِ {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وإياهم وَلَا تقربُوا الْفَوَاحِش} يَعْنِي: الزِّنَا {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يَعْنِي: الزِّنَا الظَّاهِرَ {وَمَا بَطَنَ} يَعْنِي: الْمَخَالَّةَ فِي السِّرِّ {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} أَمركُم بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أحسن} قَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذَا. {وَأَوْفُوا الْكَيْل وَالْمِيزَان بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ {لَا نكلف نفسا إِلَى وسعهَا} طاقتها {وَإِذا قُلْتُمْ فاعدلوا} يَعْنِي: الشَّهَادَةَ {وَلَوْ كَانَ ذَا قربى وبعهد الله أَوْفوا} يَعْنِي: مَا كَانَ مِنَ الْحَقِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 {وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} يُرِيدُ: الْإِسْلَامَ {فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السبل} الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ، وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ. {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} لكَي تتقوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا على الَّذِي أحسن} قَالَ قَتَادَةُ: مَنْ أَحْسَنَ فِي الدُّنْيَا تَمَّتْ عَلَيْهِ النِّعْمَةُ فِي الْآخِرَة {وتفصيلا} يَعْنِي: تبييناً {لكل شيءٍ} مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 قَالَ محمدٌ: قَوْلُهُ: {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أحسن} مَعْنَاهُ: تَمَامًا مِنَ اللَّهِ عَلَى الْمُحْسِنِينَ؛ وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ قَتَادَة (ل 103) (وتماماً) مَنْصُوبٌ عَلَى مَعْنَى التَّمَامِ، وَكَذَلِكَ (تَفْصِيلًا) أَي: للتمام وَالتَّفْصِيل. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (154) إِلَى الْآيَة (158). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 {وَهَذَا كتاب أَنزَلْنَاهُ مبارك} يَعْنِي: الْقُرْآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 {أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة} لِئَلَّا تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: {إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قبلنَا} يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى {وَإِنْ كُنَّا عَن دراستهم} [قراءتهم] {لغافلين}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 {سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا} أَي: يصدون {سوء الْعَذَاب} أشده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 {هَل ينظرُونَ} أَي: مَا ينظرُونَ؛ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَة} بِالْمَوْتِ {أَو يَأْتِي رَبك} وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (أَوْ يَأْتِيَ بعض آيَات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 رَبك} يَعْنِي: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا؛ فِي تَفْسِيرِ الْعَامَّةِ {يَوْمَ يَأْتِي بعض آيَات رَبك} طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمَانهَا خيرا} قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَا تُقْبَلُ التَّوْبَةُ يومئذٍ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا، وَلَا مِمَّنْ كَانَ يَدَّعِي الإِيمَانَ؛ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُخْلِصًا. يحيى: عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا؛ فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنُوا، فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ". {قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَنْتَظِرُونَ بِالنَّبِيِّ الْمَوْتَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يَنْتَظِرُ بِهِمُ الْعَذَابَ. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (159) إِلَى الْآيَة (160). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شيعًا} أَحْزَابًا. قَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئُونَ وَغَيْرُهُمْ. {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شيءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى الله} قَالَ مُحَمَّد: قِيلَ: إِن هَذِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بقتالهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالهَا} هَذِهِ فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنَزَّلَ {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} الْآيَة. {وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} (وَهَذِهِ فِي الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا} السَّيِّئَةُ هَا هُنَا هِيَ الْأَعْمَالُ السَّيِّئَةُ {فَلا يُجْزَى إِلَّا مثلهَا}. يَحْيَى: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ رَبُّكُمْ: إِذَا عَمِلَ عَبْدِي حَسَنَةً فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضِعْفٍ، وَإِنْ هَمَّ بِهَا وَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ وَاحِدَةً، وَإِنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَاكْتُبُوهَا بِوَاحِدَةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَتَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فاكتبوها بحسنة ". سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (161) إِلَى الْآيَة (165). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صراطٍ مُسْتَقِيم دينا قيمًا} قَالَ مُحَمَّد: (دينا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 منصوبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَالْقِيَمُ وَالْمُسْتَقِيمُ فِي مَعْنَاهُمَا واحدٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 {قل إِن صَلَاتي ونسكي} قَالَ قَتَادَة: (نسكي) يَعْنِي: حَجِّي وَذَبْحِي {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} قَالَ محمدٌ: الِاخْتِيَارُ عِنْدَ الْقُرَّاءِ فِي (محياي) بِفَتْحِ الْيَاءِ؛ لِسُكُونِ الْأَلِفِ قَبْلَهَا؛ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ سَاكِنَانِ، وَالْأَمْرُ فِي الْيَاء من (مماتي) [وَاسع] فِي فتحهَا وتسكينها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رب كل شَيْء} وَهَذَا جوابٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُشْرِكِينَ، حَيْثُ دَعَوُا النَّبِيَّ إِلَى أَنْ يَعْبُدَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} الْوِزْرُ: الذَّنْبُ؛ يَقُولُ: لَا يَحْمِلُ أحدٌ ذَنْب أحدٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ} قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: سُكَّانَ الْأَرْضِ؛ يَخْلُفُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَاحِدُهُمْ: خَلِيفَةٌ. {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} فِيمَا أَعْطَاكُمْ مِنَ الْفَضَائِلِ فِي [الدُّنْيَا] {ليَبْلُوكُمْ} ليختبركم {فِيمَا آتَاكُم} أَعْطَاكُمْ. {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ} إِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ فِيهِ حِينَ كَذَّبُوا رسله {وَإنَّهُ لغَفُور رَحِيم} لِمَنْ تَابَ مِنْ شِرْكِهِ وَآمَنَ بِرَبِّهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 تَفْسِيرُ سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَهِيَ مكيةٌ كلهَا إِلَّا ( ... ... ... . .) سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (1) إِلَى الْآيَة (5). (ل 104) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 قَوْله: {المص} كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: لَا أَدْرِي مَا تَفْسِير {المص} وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، غَيْرَ أَنَّ قَوْمًا مِنَ السَّلَفِ كَانُوا يَقُولُونَ: أَسمَاء السُّور وفواتحها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 {كتاب أنزل إِلَيْك} يَعْنِي: الْقُرْآنَ. {فَلا يَكُنْ فِي صدرك حرج مِنْهُ} أَيْ: شَكٌّ بِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. قَالَ محمدٌ: أَصْلُ الْحَرَجِ: الضِّيقُ، وَالشَّاكُّ فِي الْأَمْرِ يَضِيقُ بِهِ صَدْرًا؛ فَسُمِّيَ الشَّكُّ حَرَجًا {لتنذر بِهِ} من النَّار {وذكرى للْمُؤْمِنين} يذكرُونَ بِهِ الْآخِرَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 {وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} يَعْنِي: الْأَوْثَانَ {قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ} يَعْنِي: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 أقلكم المتذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 {وَكم من قَرْيَة أهلكناها} يَعْنِي: مَا أَهْلَكَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ حِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ {فَجَاءَهَا بأسنا} عذابنا {بياتا} يَعْنِي: لَيْلًا {أوهم قَائِلُونَ} يَعْنِي: عِنْد القائلة بِالنَّهَارِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 {فَمَا كَانَ دَعوَاهُم} قَوْلُهُمْ {إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (6) إِلَى الْآيَة (10). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 {فلنقصن عَلَيْهِم} أَي: أَعْمَالهم {بِعلم} بهَا {وَمَا كُنَّا غائبين} عَن أَعْمَالهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 {وَالْوَزْن يَوْمئِذٍ الْحق}. يحيى: عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: يُوضَعُ الْمِيزَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَوْ وُضِعَ فِي كفته السَّمَوَات وَالْأَرْضُ لَوَسِعَتْهَا؛ فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: رَبَّنَا مَا هَذَا؟ فَيَقُولُ: أَزِنُ بِهِ لِمَنْ شِئْتُ مِنْ خَلْقِي فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: رَبَّنَا مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عبادتك ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 {وَلَقَد مكناكم فِي الأَرْض} يَعْنِي: بَعْدَ الْمَاضِينَ {قَلِيلا مَا تشكرون} أقلكم من يُؤمن. سُورَة الْأَنْعَام من الْآيَة (11) إِلَى الْآيَة (18). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: صَوَّرْنَاكُمْ فِي ظَهْرِ آدَمَ. {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسجدوا لآدَم} قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَإِنَّهُ خُلِقَ مِنْ نَارِ السَّمُومِ، وَإِنَّ الَمَلَائِكَةَ خُلِقُوا مِنَ النُّورِ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ، وَأَمَرَ إِبْلِيسَ أَيْضًا بِالسُّجُودِ لَهُ، فَجَمَعَ المأمورين جَمِيعًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمرتك} الْآيَةَ. قَالَ محمدٌ: (أَلَّا تَسْجُدَ) مَعْنَاهُ: أَن تسْجد، و (لَا) مُؤَكدَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 {قَالَ أَنْظرنِي} أخرني {إِلَى يَوْم يبعثون} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 {قَالَ إِنَّك من المنظرين} فِيهَا إِضْمَارٌ؛ أَيْ: إِلَى يَوْمِ الْوَقْت الْمَعْلُوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 {قَالَ فبمَا أغويتني} أَضْلَلْتَنِي {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أَي: فأصدهم عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} يَعْنِي: مِنْ قِبَلِ الْآخِرَةِ؛ فَأُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ لَا بَعْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ. {وَمِنْ خَلفهم} يَعْنِي: مِنْ قِبَلِ الدُّنْيَا؛ فَأُزَيِّنُهَا فِي أَعْيُنِهِمْ، وَأُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ فِي الْآخِرَةِ، فِيمَا صَنَعُوا {وَعَن أَيْمَانهم} أَيْ: مِنْ قِبَلِ الْخَيْرِ؛ فَأُثَبِّطُهُمْ عَنهُ. {وَعَن شمائلهم} مِنْ قِبَلِ الْمَعَاصِي؛ فَآمُرُهُمْ بِهَا، {وَلَا تَجِد أَكْثَرهم شاكرين} وَكَانَ ذَلِكَ ظناُّ مِنْهُ، فَكَانَ الْأَمر على مَا ظن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا} يَعْنِي: مَذْمُومًا مُبْعَدًا}. قَالَ مُحَمَّدٌ: تَقُولُ: ذَأَمْتَ الرَّجُلَ؛ إِذَا بِالَغْتَ فِي عَيبه وذمه. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (19) إِلَى الْآيَة (25). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجنَّة} الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ عباسٍ: الشَّجَرَةُ: السُّنْبُلَةُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ التِّينُ. وَقَوله: {فتكونا من الظَّالِمين} أَي: لأنفسكما يخطيئتكما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءَاتِهِمَا} وَكَانَا كَسِيَا الظُّفُرِ. {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا} لِئَلَّا تَكُونَا {ملكَيْنِ} مِنَ الْمَلَائِكَةِ {أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} الَّذين لَا يموتون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 {وقاسمهما} بِاللَّهِ. قَالَ قَتَادَةُ: حَلَفَ لَهُمَا بِاللَّهِ، وَقَالَ لَهُمَا: خُلِقْتُ قَبْلَكُمَا، وَأَنَا أَعْلَمُ مُنْكُمَا؛ فَاتَّبِعَانِي أُرْشِدُكُمَا. {فلادهما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهما سوءاتهما} قَالَ محمدٌ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 قَوْله: {فدلاهما بغرور} الْمَعْنَى: دَلَّاهُمَا فِي الْمَعْصِيَةِ؛ بِأَنْ غَرَّهُمَا، وَالسَّوْءَةُ: كنايةٌ عَنِ الْفَرْجِ {وطفقا} أَيْ: جَعَلَا {يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ ورق الْجنَّة} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: [يرقعانه] (ل 105) كَهَيئَةِ الثَّوْب {وناداهما ربهما} الْآيَةَ. يحيى: عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بْنِ [كَعْبٍ] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَانَ آدَمُ رَجُلًا طِوَالًا، كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ كَثِيرُ شَعْرِ الرَّأْسِ؛ فَلَمَّا وَقَعَ بِمَا وَقَعَ بِهِ، بَدَتْ لَهُ عَوْرَتَهُ، وَكَانَ لَا يَرَاهَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَانْطَلَقَ هَارِبًا فِي الْجَنَّةِ؛ فَأَخَذَتْ شَجَرَةٌ مِنْ شَجَرِ الْجَنَّةِ بِرَأْسِهِ؛ فَقَالَ لَهَا: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 أَرْسِلِينِي، فَقَالَتْ: لَسْتُ بِمُرْسِلَتِكَ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا آدَمُ، أَمِنِّي تَفِرَّ؟ قَالَ: يَا رَبِّ إِنِّي أَسْتَحْيِيكَ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 {وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر} تَكُونُونَ فِيهَا. {ومتاع} يَعْنِي: مَتَاعَ الدُّنْيَا تَسْتَمْتِعُونَ بِهِ {إِلَى حِين} إِلَى الْمَوْت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 {قَالَ فِيهَا} يَعْنِي: الأَرْض {تحيون} أَيْ: تُولَدُونَ. {وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تخرجُونَ} يَوْم الْقِيَامَة. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (26) إِلَى الْآيَة (28). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُم لباساً يواري سواءتكم} يَعْنِي: الثِّيَاب {وريشا} يَعْنِي: الْمَتَاعَ وَالْمَالَ. {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} وَالرَّفْعُ عَلَى مَعْنَى كلامٍ مُسْتَقْبَلٍ، ولباس التَّقْوَى: العفاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَان} أَيْ: لَا يُضِلَّنَّكُمْ. {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وقبيله} قَالَ مُجَاهِدٌ: قَبِيلُهُ: الْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 {وَإِذا فعلوا فَاحِشَة} يَعْنِي: مِنَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ {قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بهَا}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (29) إِلَى الْآيَة (30). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 {قل أَمر رَبِّي بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِد} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ إِلَى الْكَعْبَةِ حَيْثُ صَلَّيْتُمْ {كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ}. يحيى: عَنْ هَمَّامٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ - أَوْ قَالَ: النَّاسَ - يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا. قَالَ: قُلْتُ: مَا بُهْمًا؟! قَالَ: لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْء ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (31) إِلَى الْآيَة (33). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْد كل مَسْجِد} قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً؛ فَأَمَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ؛ فَقَالَ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كل مَسْجِد} قَالَ مُجَاهِدٌ: أَمَرَهُمْ أَنْ يَلْبَسُوا الثِّيَاب {وكلوا شربوا} يَعْنِي: الْحَلَال {وَلَا تسرفوا} فَتُحَرِّمُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ؛ كَمَا حَرَّمَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا حرمُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أخرج لِعِبَادِهِ} يَعْنِي: الثِّيَابَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً. {وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} مَا حَرَّمُوا مِنْ أَنْعَامِهِمْ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} وَقَدْ خَالَطَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا وَهِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا {خَالِصَةً يَوْم الْقِيَامَة} دُونَ الْمُشْرِكِينَ. قَالَ محمدٌ: مَنْ قَرَأَ {خَالِصَة} بِالرَّفْعِ، فَهُوَ عَلَى أَنَّهُ خبرٌ بَعْدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 خَبَرٍ؛ الْمَعْنَى: قُلْ هِيَ ثابتةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خالصةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَمَنْ قَرَأَ بِالنَّصْبِ، فَعَلَى الْحَالِ. {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَات} نُبَيِّنُهَا بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ قَبِلُوا ذَلِكَ عَن الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: الزِّنَا سِرَّهُ وعلانيته. {وَالْإِثْم} يَعْنِي: الْمَعَاصِيَ {وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} يَعْنِي: الظُّلْمَ {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} حُجَّةً؛ يَعْنِي: أَوْثَانَهُمُ الَّتِي عَبَدُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ. {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِعَبَادَتِهَا بِغَيْرِ علمٍ جَاءَهُمْ مِنَ اللَّهِ. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (34) إِلَى الْآيَة (37). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 {وَلكُل أمة أجل} الْآيَةَ، يَعْنِي: أَنَّ الْقَوْمَ إِذَا كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، فَجَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي يَأْتِيهِمْ فِيهِ الْعَذَابُ {فَإِنَّهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ} عَن الْعَذَاب {سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 {أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: يَنَالُهُمْ مَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ. {حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رسلنَا} يَعْنِي: الْمَلَائِكَة {يتوفونهم} قَالَ الْحَسَنُ: هَذِهِ وَفَاةُ [أَهْلِ] النَّارِ {قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تدعون من دون الله} (ل 106) يَعْنِي: شُرَكَاؤُكُمْ {قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا} فِي الدُّنْيَا {كَافِرين}. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (38) إِلَى الْآيَة (39). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 {قَالَ ادخُلُوا فِي أُمَم} أَيْ: مَعَ أممٍ {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ فِي النَّار} {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أضلونا} كل أمةٍ تَقوله أُخْرَاهَا لِأُولَاهَا {فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا من النَّار} الْآيَةَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَيْ: عَذَابًا مُضَاعَفًا، وَالضِّعْفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 أَحَدُهُمَا: الْمِثْلُ، وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى تَضْعِيفِ الشَّيْءِ. وَقَوْلُهُ: {وَلَكِن لَا تعلمُونَ} أَيْ: أَيُّهَا الْمُخَاطَبُونَ مَا لِكُلِّ فريق مِنْكُم. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (40) إِلَى الْآيَة (43). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تفتح لَهُم} يَعْنِي: لِأَعْمَالِهِمْ وَلَا لِأَرْوَاحِهِمْ {أَبْوَابُ السَّمَاء}. يحيى: عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: تَخْرُجُ رُوحُ الْمُؤْمِنُ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ؛ فَتَصْعَدُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ تَوَفَّوْهُ؛ فَتَلْقَاهُ مَلَائِكَةٌ آخَرُونَ دُونَ السَّمَاءِ؛ فَيَقُولُونَ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: هَذَا فلانٌ كَانَ يَعْمَلُ كَيْتَ وَكَيْتَ - لِمَحَاسِنِ عَمَلِهِ. فَيَقُولُونَ: مَرْحَبًا بِكُمْ وَبِهِ؛ فَيَقْبِضُونَهُ فَيَصْعَدُونَ بِهِ مِنْ بَابِهِ الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ (فَيُشْرِقُ) فِي السَّمَوَات؛ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْعَرْشِ، وَلَهُ برهانٌ كَبُرْهَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 الشَّمْسِ، وَتَخْرُجُ رُوحُ الْكَافِرِ أَنْتَنَ مِنَ الْجِيفَةِ؛ فَتَصْعَدُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ تَوَفَّوْهُ، فَتَلْقَاهُمْ ملائكةٌ آخَرُونَ مِنْ دُونِ السَّمَاءِ، فَيَقُولُونَ مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٌ كَانَ يَعْمَلُ كَيْتَ وَكَيْتَ - لِمَسَاوِئِ عَمَلِهِ. فَيَقُولُونَ: لَا مَرْحَبًا بِهِ، رُدُّوهُ ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:: فَيُرَدُّ إِلَى وادٍ يُقَالُ لَهُ: بَرَهُوتُ أَسْفَلَ الثَّرَى مِنَ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ ". مِنْ حَدِيثِ يحيى بْنِ مُحَمَّدٍ. وَقَوْلُهُ: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخياط} يَعْنِي: ثُقْبَ الْإِبْرَةِ. وَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ الْجَمَلِ. فَقَالَ: هُوَ زَوْجُ النَّاقَةِ. {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} يَعْنِي: الْمُشْركين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 {لَهُم من جَهَنَّم مهاد} أَيْ: فِرَاشٌ {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} يَعْنِي: مَا يَغْشَاهُمْ مِنَ النَّارِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غل} يَعْنِي: الْعَدَاوَةَ وَالْحَسَدَ. {وَقَالُوا الْحَمْدُ لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا} يَعْنُونَ: الْإِيمَانَ. {لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبنَا بِالْحَقِّ} فِي الدُّنْيَا. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (44) إِلَى الْآيَة (47). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ} وَهُمْ مُشْرِفُونَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْجَنَّةَ فِي السَّمَاءِ، وَالنَّارُ فِي الْأَرْضِ. {فَأذن مُؤذن بَينهم} الْآيَة. أَي: نَادَى منادٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} إِذْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا {(وَيَبْغُونَهَا عوجا} يَبْغُونَ سَبِيل الله عوجا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 {وَبَينهمَا} بَين الْجنَّة وَالنَّار {حجابٌ} وَهُوَ الْأَعْرَافُ. {وَعَلَى الأَعْرَافِ رجالٌ يعْرفُونَ كلا بِسِيمَاهُمْ} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: يَعْرِفُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِبَيَاضِ وُجُوهِهِمْ، وَأَهْلَ النَّارِ بِسَوَادِ وُجُوهِهِمْ. {وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلام عَلَيْكُم} {قَالَ الله} (لم يدخلوها} يَعْنِي: أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ {وَهُمْ يَطْمَعُونَ} فِي دُخُولِهَا، وَهَذَا طَمَعُ يَقِينٍ. قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَن ابْنَ عباسٍ قَالَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ قومٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ؛ فَلَمْ تَفْضُلْ حَسَنَاتُهُمْ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ، وَلَا سَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ، فَحُبِسُوا هُنَالِكَ. يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: " أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ هُمْ قومٌ غَزَوْا بِغَيْرِ إِذْنِ آبَائِهِمْ فَاسْتُشْهِدُوا، فَحُبِسُوا عَنِ الْجَنَّةِ؛ لِمَعْصِيَتِهِمْ آبَاءَهُمْ، وَعَنِ النَّارِ بِشَهَادَتِهِمْ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 يَحْيَى: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ الْمُتَلَمِّسِ السَّدُوسِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عبد الله ابْن الْحَارِثِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَن أُحُدًا جبلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، وَإِنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَمْثُلُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ يُحْبَسُ عَلَيْهِ أقوامٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ هُمْ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ". قَالَ مُحَمَّدٌ: وَكُلُّ مرتفعٍ عِنْدَ الْعَرَبِ أعرافٌ. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (48) إِلَى الْآيَة (51). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 {ونادى أَصْحَاب الْأَعْرَاف} وَأَصْحَاب الْأَعْرَاف هَا هُنَا مَلَائِكَةٌ {رِجَالا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أغْنى عَنْكُم جمعكم} فِي الدُّنْيَا {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} (ل 107) عَن عبَادَة الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 {أَهَؤُلَاءِ} يَعْنُونَ: أَهْلَ الْجَنَّةِ {الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا ينالهم الله برحمة} ثُمَّ انْقَطَعَ كَلَامُ الْمَلَائِكَةِ، وَقَالَ الله لَهُم: {ادخُلُوا الْجنَّة} الْآيَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَو مِمَّا رزقكم الله} يعنون: الطَّعَام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 {فاليوم ننساهم} أَيْ: نَتْرُكُهُمْ فِي النَّارِ؛ كَمَا تركُوا {لِقَاء يومهم هَذَا} فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ؛ أَيْ: فِي الدُّنْيَا {وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (52) إِلَى الْآيَة (53). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى علم} يَعْنِي: بَيَّنَّا فِيهِ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَالْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ وَالْأَحْكَامَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 {هَل ينظرُونَ} ينتظرون {إِلَّا تَأْوِيله} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: الْجَزَاءَ بِهِ فِي الْآخِرَةِ. {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُول الَّذين نسوه} تَرَكُوهُ {من قبل} فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ {قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} إِذْ كُنَّا فِي الدُّنْيَا، فَآمَنُوا حَيْثُ لَمْ يَنْفَعُهُمُ الإِيمَانُ {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} أَلا نعذب. {أَو نرد} إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 الدُّنْيَا {فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نعمل}. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (54) إِلَى الْآيَة (58). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 {يغشي اللَّيْل النَّهَار} أَيْ: بِأَنَّ اللَّيْلَ يَأْتِي عَلَى النَّهَارَ، فَيُغَطِّيهِ وَيُذْهِبُهُ {وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ} أَيْ: وَخَلَقَ النُّجُومَ جَارِيَاتٍ مَجَارِيهِنَّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 {ادعوا رَبك تضرعاً وخفية} أَيْ: سِرًّا {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْض بعد إصلاحها} يَعْنِي: بَعْدَ مَا بُعِثَ النَّبِيُّ، واستجيب لَهُ {إِن رَحْمَة اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نَشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} أَيْ: يَبْسُطُهَا بَيْنَ يَدَيِ الْمَطَرِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْقِرَاءَةُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ (نَشْرًا) بِفَتْحِ النُّونِ، وَالْمَعْنَى: مُنْتَشِرَةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 نَشْرًا، وَمَنْ قَرَأَ (نُشْرًا) بِضَمِّ النُّونِ، فَهُوَ جَمْعُ: (نُشُورٍ)؛ وَهُيَ الَّتِي تَنْشُرُ السَّحَابَ. {حَتَّى إِذَا أقلت سحابا ثقالا} الثِّقَالُ: الَّتِي فِيهَا الْمَاءُ {سُقْنَاهُ لبلد ميت} يَعْنِي: لَيْسَ فِيهِ نَبَات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ ربه} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْمُنَافِقِ؛ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ مثل الْمُؤمن يَعْمَلُ مَا عَمِلَ مِنْ شيءٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ {وَالَّذِي خَبُثَ} مَثْلُ الْمُنَافِقِ لَا يُعْطِي شَيْئًا وَلَا يعمله {إِلَّا نكدا} أَيْ: لَيْسَتْ لَهُ فِيهِ حسبةٌ {كَذَلِك نصرف الْآيَات} نبينها {لقوم يشكرون} يُؤمنُونَ. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (59) إِلَى الْآيَة (64). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْمَلُونَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ أَنَّهُ مُهْلِكُكُمْ وَمُعَذِّبُكُمْ؛ إِنْ لم تؤمنوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 {أَو عجبتم أَن جَاءَكُم ذكرٌ} أَي: وحيٌ {من ر بكم على رجلٍ مِنْكُم} عَلَى لِسَانِ رجلٍ مِنْكُمْ {لِيُنْذِرَكُمْ ولتتقوا ولعلكم ترحمون} إِن آمنتم، و (لَعَلَّ) من الله وَاجِبَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 {إِنَّهُم كَانُوا قوما عمين} عموا عَن الْحق. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (65) إِلَى الْآيَة (72). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 {وَإِلَى عَاد} أَيْ: وَأَرْسَلْنَا إِلَى عادٍ {أَخَاهُمْ هُودًا} أَخُوهُمْ فِي النَّسَبِ، وَلَيْسَ بأخيهم فِي الدّين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قومه} يَعْنِي: الرُّؤَسَاءَ (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 سفاهةٍ} أَيْ: مِنَ الرَّأْيِ {وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ من الْكَاذِبين} كَانَ تكذيبهم إِيَّاه بِالظَّنِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 {وَأَنَا لَكُمْ ناصحٌ} أَدْعُوكُمْ إِلَى مَا يَنْفَعُكُمْ {أَمِينٌ} عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بعد قوم نوحٍ} يَعْنِي: اسْتَخَلَفَكُمْ فِي الْأَرْضِ بَعْدَهُمْ {وزادكم فِي الْخلق بصطة} يَعْنِي: الْأَجْسَامَ وَالْقُوَّةَ الَّتِي أَعْطَاهُمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ ربكُم رجسٌ} أَيْ: عَذَابٌ. {فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ من المنتظرين} أَيْ: أَنَّ عَذَابَ اللَّهِ نازلٌ بكم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 {وقطعنا دابر الَّذين كذبُوا} أَي: أصلهم. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (73) إِلَى الْآيَة (79). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 {وَلَا تمسوها بِسوء} أَي: لَا تعقروها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 {وبوأكم فِي الأَرْض} أسكنكم. {وَلَا تعثوا} قَدْ مَضَى تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبهم} يَعْنِي: استكبروا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 {فَأَخَذتهم الرجفة} قَالَ الْحَسَنُ: تَحَرَّكَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ {فأصحبوا فِي دَارهم جاثمين} أَيْ: قَدْ هَلَكُوا. قَالَ محمدٌ: الْجُثُومُ أَصْلُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: البروك على الركب. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (80) إِلَى الْآيَة (84). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 {إِنَّهُم أنَاس يتطهرون} أَيْ: يَتَنَزَّهُونَ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، فَلَا يعْملُونَ مَا تَعْمَلُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 {إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} يَعْنِي: مِنَ الْبَاقِينَ فِي عَذَابِ الله. (ل 108) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 {وأمطرنا عَلَيْهِم مَطَرا} يَعْنِي: الْحِجَارَةَ الَّتِي رُمِيَ بِهَا مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ فِي حوائجهم وأسفارهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (85) إِلَى الْآيَة (93). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصلاحها} يَعْنِي: بَعْدَمَا بعث إِلَيْكُم النَّبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 {وَلَا تقعدوا بِكُل صِرَاط} طريقٍ. {توعدون} تُخَوِّفُونَ بِالْقَتْلِ {وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة المفسدين} يَعْنِي: مِنْ أُهْلِكَ مِنَ الْأُمَمِ السالفة حِين كذبُوا رسلهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 {وسع رَبنَا} أَيْ: مَلَأَ رَبُّنَا {كُلَّ شيءٍ علما}. {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا} أَيْ: احْكُمْ. قَالَ قَتَادَةُ: وَإِذَا دَعَا النَّبِيُّ رَبَّهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ، جَاءَهُمُ الْعَذَابُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 {كَأَنْ لَمْ يغنوا فِيهَا} يَعْنِي: يقيموا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 {فَكيف آسى} أَحْزَنُ؛ أَيْ: لَا أَحْزَنُ عَلَيْهِمْ. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (94) إِلَى الْآيَة (95). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 {أَخذنَا أَهلهَا بالبأساء} يَعْنِي: الْجُوع والقحط {وَالضَّرَّاء} يَعْنِي: الْأَمْرَاض والشدائد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 {ثمَّ بدلنا مَكَان السَّيئَة} أَيْ: مَكَانَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ {الْحَسَنَةَ} يَعْنِي: الرَّخَاءَ وَالْعَافِيَةَ. {حَتَّى عَفَوْا} أَيْ: كَثُرُوا {وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضراء والسراء} فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ؛ يَعْنُونَ: مَا كَانَ يَعِدُ النَّبِيُّ بِهِ قَوْمَهُ مِنَ الْعَذَابِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (96) إِلَى الْآيَة (101). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض} قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: لَأَعْطَتْهُمُ السَّمَاءُ قطرها، وَالْأَرْض نباتها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بأسنا} عذابنا {بياتا} يَعْنِي: لَيْلًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 وَقَوله: {ضحى} يَعْنِي: نَهَارا {وهم يَلْعَبُونَ}. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ لِكُلِّ مَنْ كَانَ فِي عملٍ لَا يُجْدِي وَفِي ضَلَالٍ: إِنَّمَا أَنْتَ لاعبٌ؛ أَيْ: فِي غَيْرِ مَا يُجْدِي عَلَيْك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 {أفأمنوا مكر الله} يَعْنِي: عَذَابه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 {أَو لم نَهْدِ} أَيْ: نُبَيِّنْ، وَتُقْرَأُ {يَهْدِ} يُبَيِّنُ اللَّهُ. {لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ من بعد أَهلهَا} يَعْنِي: الَّذِينَ أُهْلِكُوا مِنَ الْأُمَمِ السالفة. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (102) إِلَى الْآيَة (112). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} يَعْنِي: الْمِيثَاقَ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ فِي صلب آدم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 {فظلموا بهَا} أَيْ: جَحَدُوا أَنْ تَكُونَ مِنْ عِنْد الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 {فَأرْسل معي بَنِي إِسْرَائِيلَ} وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي أَيْديهم بِمَنْزِلَة أهل الْجِزْيَة فِينَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 {وَنزع يَده} أَيْ: أَخْرَجَهَا مِنْ جَيْبِ قَمِيصِهِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: بَلَغَنَا أَنَّ مُوسَى قَالَ: يَا فِرْعَوْنُ، مَا هَذِهِ بيَدي؟ قَالَ: هِيَ عصى؛ فَأَلْقَاهَا مُوسَى، فَإِذَا هِيَ ثعبانٌ مبينٌ قَدْ مَلَأَتِ الدَّارَ مِنْ عِظَمِهَا، ثُمَّ أَهْوَتْ إِلَى فِرْعَوْنَ لِتَبْتَلِعَهُ، فَنَادَى: يَا مُوسَى، يَا مُوسَى، فَأَخَذَ مُوسَى بِذَنَبِهَا؛ فَإِذَا هِيَ عَصًى بِيَدِهِ؛ فَقَالَ فِرْعَوْنُ: يَا مُوسَى، هَلْ مِنْ آيةٍ غَيْرِ هَذِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: فَأَخْرَجَ مُوسَى يَدَهُ فَقَالَ: مَا هَذِهِ يَا فِرْعَوْنُ؟ قَالَ: هَذِهِ يَدُكَ، فَأَدْخَلَهَا مُوسَى فِي جَيْبِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَإِذَا هِيَ بيضاءٌ لِلنَّاظِرِينَ، أَيْ: تغشى الْبَصَر من بياضها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 {قَالُوا أرجه وأخاه} أَيْ: أَخِّرْهُ وَأَخَاهُ {وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِن حاشرين} يَحْشُرُونَ السَّحَرَةَ؛ فَإِنَّمَا هُوَ سَاحِرٌ، وَلَيْسَ سِحْرُهُ بِالَّذِي يَغْلِبُ سَحَرَتَكَ. . سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (113) إِلَى الْآيَة (126). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 {قَالُوا إِنَّ لنا لأجرا} يعنون: الْعَطِيَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} يَعْنِي: فِي الْمنزلَة. {واسترهبوهم} أَي: أخافوهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 {وَجَاءُوا بسحرٍ عَظِيم} فَخُيِّلَ إِلَى مُوسَى أَنَّ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهِمْ حياتٌ، فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ؛ فَإِذَا هِيَ أَعْظَمُ مِنْ حَيَّاتِهِمْ، ثُمَّ رَقَوْا فَازْدَادَتْ حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ عِظَمًا فِي أَعْيُنِ النَّاسِ، وَجُعِلَتْ عَصَا مُوسَى تَعْظُمُ وَهُمْ يَرْقُونَ حَتَّى أَنْفَدُوا سِحْرَهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَعَظُمَتْ عَصَا مُوسَى حَتَّى سَدَّتِ الْأُفُقَ، ثُمَّ فَتَحَتْ فَاهَا، فَابْتَلَعَتْ مَا أَلْقَوْا، ثُمَّ أَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ بِيَدِهِ، فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ قَدْ ذَهَبَتْ؛ وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تلقف مَا يأفكون} أَي: مَا يكذبُون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 {فَوَقع الْحق} فَظَهَرَ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَقَالَ السَّحَرَةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَوْ كَانَ هَذَا سحرًا لبقيت حبالنا وعصينا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 {فألقي السَّحَرَة ساجدين} أَيْ: خَرُّوا؛ فَبُهِتَ فِرْعَوْنُ، وَخَلَّى سَبِيلَ مُوسَى وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَة} (ل 109) قُلْتُمْ: يَا مُوسَى، اذْهَبْ فَاصْنَعْ شَيْئًا؛ فَإِذَا صَنَعْتَ ذَلِكَ دَعَانَا فِرْعَوْنُ فَصَدَّقْنَا مَقَالَتَكَ. {لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهلهَا} أَيْ: لِتُخْرِجُونِي وَقَوْمِي بِسِحْرِكُمْ وَسِحْرِ مُوسَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 {لأقطعن أَيْدِيكُم من خلافٍ} الْيَد الْيُمْنَى، وَالرجل الْيُسْرَى. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (127) إِلَى الْآيَة (129). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 {ويذرك وآلهتك} قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ فِرْعَوْنُ يَعْبُدُ الْأَوْثَان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 {إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاء من عباده} وَكَانَ اللَّهُ قَدْ أَعْلَمَ مُوسَى أَنَّهُ مهلكٌ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، وَأَنَّهُ سَيُورِثُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْأَرْضَ بَعْدَهُمْ {وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين} يُرِيد: الْجنَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} يَقُولُهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى؛ يَعْنُونُ: مَا كَانَ يَصْنَعُ بِهِمْ فِرْعَوْنُ وَقَومه. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (130) إِلَى الْآيَة (137). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنقص من الثمرات} فَأَجْدَبَتْ أَرْضُهُمْ، وَهَلَكَتْ مَوَاشِيهِمْ، وَنَقَصَتْ ثِمَارُهُمْ؛ فَقَالُوا: هَذَا مِمَّا سَحَرَنَا بِهِ هَذَا الرجل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 {فَإِذا جَاءَتْهُم الْحَسَنَة} الْعَافِيَةُ وَالرَّخَاءُ {(قَالُوا لَنَا هَذِهِ} أَيْ: لَنَا جَاءَتْ، وَنَحْنُ أَحَقُّ بهَا {وَإِن تصبهم سَيِّئَة} أَيْ: شِدَّةٌ {يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَه} قَالُوا: إِنَّمَا أَصَابَنَا هَذَا مِنْ شُؤْمِ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ، قَالَ اللَّهُ: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ الله} يَعْنِي: عَمَلَهُمْ هُوَ محفوظٌ عَلَيْهِمْ؛ حَتَّى يُجَازِيَهُمْ بِهِ. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: أَلَا إِنَّمَا الشُّؤْمُ الَّذِي يَلْحَقُهُمْ هُوَ الَّذِي وُعِدُوا بِهِ فِي الْآخِرَةِ، لَا مَا يَنَالُهُمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا؛ وَهُوَ مَعْنَى قَول يحيى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 {وَقَالُوا مهما تأتنا بِهِ} أَيْ: مَا تَأْتِنَا بِهِ: مَهْمَا و (مَا) بِمَعْنى واحدٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم الطوفان} الْآيَةَ. تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: الطُّوفَانُ: الْمَاءُ أَرْسَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ؛ حَتَّى قَامُوا فِيهِ قِيَامًا، فَدَعَوْا مُوسَى، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ، ثُمَّ عَادُوا لِشَرِّ مَا بِحَضْرَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ، فَأَكَلَ عَامَّةَ حُرُوثِهِمْ وَثِمَارِهِمْ، فَدَعَوْا مُوسَى فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُمْ ثُمَّ عَادُوا لِشَرِّ مَا بِحَضْرَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُمَّلَ وَهُوَ الدُّبَيُّ؛ فَأَكَلَ مَا أَبْقَى الْجَرَادُ مِنْ حُرُوثِهِمْ وَلَحَسَتْهُ، فَدَعَوْا مُوسَى فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُمْ، ثُمَّ عَادُوا لِشَرِّ مَا بِحَضْرَتِهِمْ؛ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الضَّفَادِعَ؛ حَتَّى مَلَأَ بِهَا فَرْشَهُمْ وَأَفْنِيَتَهُمْ فَدَعَوْا مُوسَى؛ فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ، ثُمَّ عَادُوا لِشَرِّ مَا بِحَضْرَتِهِمْ؛ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّمَ فَجَعَلُوا لَا يَغْتَرِفُونَ مِنْ مَائِهِمْ إِلَّا دَمًا أَحْمَرَ؛ حَتَّى لَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ فِرْعَوْنَ جَمَعَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا إِسْرَائِيلِيٌّ وَالْآخَرُ قِبْطِيٌّ عَلَى إناءٍ وَاحِدٍ؛ فَكَانَ الَّذِي يَلِي الْإِسْرَائِيلِيَّ مَاءً، وَالَّذِي يَلِي الْقِبْطِيَّ دَمًا، فَدَعَوْا مُوسَى؛ فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ. {آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ} كَانَ الْعَذَاب يَأْتِيهم، فيكونون ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهِنَّ بَيْنَ كُلِّ عذابين شهرٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 {وَلما وَقع عَلَيْهِم الرجز} يَعْنِي: الْعَذَاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 {إِلَى أجل هم بالغوه} إِلَى يَوْمِ غَرَّقَهُمُ اللَّهُ فِي الْيَمِّ {إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ} يَعْنِي: أَبْنَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ {مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} وَهِيَ أَرْضُ الشَّامِ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحسن. {وتمت كلمة رَبك الْحسنى} يَعْنِي: ظُهُورُ قَوْمِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ؛ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يعرشون} يبنون. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (138) إِلَى الْآيَة (141). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 {إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ} أَي: مُفسد. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (142) إِلَى الْآيَة (143). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعشر} وَهِيَ: ذُو الْقِعْدَةُ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ مُوسَى لَمَّا قَطَعَ الْبَحْرَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَغَرَّقَ اللَّهُ آلَ فِرْعَوْنَ - قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: يَا مُوسَى، ائْتِنَا بكتابٍ مِنْ رَبِّنَا كَمَا وَعَدْتَنَا، وَزَعَمْتَ أَنَّكَ تَأْتِينَا بِهِ إِلَى شَهْرٍ، فَاخْتَارَ مُوسَى مِنْ قَوْمِهِ سَبْعِينَ رَجُلًا لِيَنْطَلِقُوا مَعَهُ، فَلَمَّا تَجَهَّزُوا قَالَ اللَّهُ: يَا مُوسَى، أَخْبِرْ قَوْمَكَ أَنَّكَ لَنْ تَأْتِيَهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَذَلِكَ حِينَ تَمَّتْ بعشرٍ، فَلَمَّا خَرَجَ مُوسَى بِالسَّبْعِينَ أَمْرَهُمْ أَنْ يَنْتَظِرُوهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 فِي أَسْفَل الْجَبَل (ل 110) وَصَعِدَ مُوسَى الْجَبَلَ، فَكَلَّمَهُ اللَّهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَكَتَبَ لَهُ فِيهَا الْأَلْوَاحَ، ثُمَّ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَدُّوا عِشْرِينَ يَوْمًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً؛ فَقَالُوا: قَدْ أَخْلَفْنَا مُوسَى الْوَعْدَ! وَجَعَلَ لَهُمُ السَّامِرِيُّ الْعجل؛ فعبدوه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 {وَلما جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا} الْآيَةَ، قَالَ الْحَسَنُ: لَمَّا كَلَّمَهُ رَبُّهُ، دَخَلَ قَلْبَ مُوسَى مِنَ السُّرُورِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى قَلْبِهِ مِثْلُهُ قَطُّ، فَدَعَتْ مُوسَى نَفْسُهُ إِلَى أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ نَفْسَهُ؛ وَلَوْ كَانَ فِيمَا عَهِدَ إِلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُرَى، لَمْ يَسْأَلْ رَبَّهُ بِمَا يَعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ إِيَّاهُ. {فَقَالَ رب أَرِنِي أنظر إِلَيْك} فَقَالَ اللَّهُ: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى ربه للجبل جعله دكا} قَالَ قَتَادَةُ: تَفَتَّتِ الْجَبَلُ بَعْضُهُ عَلَى بعضٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ: جَعَلَهُ دَكًّا؛ أَيْ: أَلْصَقَهُ بِالأَرْضِ؛ يُقَالُ: ناقةٌ دَكَّاءُ؛ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سنامٌ. وَقِيلَ فِي قَوْله: {تجلى} أَيْ: ظَهَرَ، أَوْ ظَهَرَ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ {وَخَرَّ مُوسَى صعقا} أَيْ: سَقَطَ مَيِّتًا. قَالَ محمدٌ: وَقيل: (صعقاً): مغشياًّ عَلَيْهِ {فَلَمَّا أَفَاق} يَعْنِي: رَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ حَيَاتَهُ. {قَالَ سُبْحَانَكَ تبت إِلَيْك} أَيْ: مِنْ قَوْلِي: أَنْظُرُ إِلَيْكَ {وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ} يَعْنِي: الْمُصَدِّقِينَ بِأَنَّكَ لَا تُرَى فِي الدُّنْيَا. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (144) إِلَى الْآيَة (145). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ} اخْتَرْتُك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شيءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شيءٍ} أَيْ: تَبِيِّينًا لِكُلِّ مَا أُمِرُوا بِهِ، وَنُهُوا عَنْهُ. {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} أَيْ: بِجَدٍّ {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بأحسنها} أَيْ: بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ {سأريكم دَار الْفَاسِقين} يَعْنِي: فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ؛ وَهِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (146) إِلَى الْآيَة (147). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْض} قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: سَأَصْرِفُهُمْ عَنْهَا؛ حَتَّى لَا يُؤْمِنُوا بِهَا {وَإِنْ يرَوا سَبِيل الغي} يَعْنِي: الْكفْر {يتخذوه سَبِيلا} أَخْبَرَ بِعِلْمِهِ فِيهِمْ؛ أَنَّهُمْ لَا يُؤمنُونَ أبدا. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (148) إِلَى الْآيَة (149). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ} يَعْنِي: حِينَ ذَهَبَ لِلْمِيعَادِ {مِنْ حليهم} مِنْ حُلِيِّ قَوْمِ فِرْعَوْنَ {عِجْلا جسدا لَهُ خوار} صَوْتٌ. قَالَ قَتَادَةُ: جَعَلَ يَخُورُ خُوَارَ الْبَقْرَةِ. وَتَفْسِيرُ اتِّخَاذِهِمُ الْعِجْلَ مذكورٌ فِي سُورَةِ طه. قَالَ محمدٌ: الْجَسَدُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَلا يَمِيزُ، وَمعنى الْجَسَد هَا هُنَا: الْجُثَّةُ. وَتُقْرَأُ {مِنْ حَلْيِهِمْ} وَ {حَلْيِهِمْ}، فَالْحَلْيُ بِفَتْحِ الْحَاءِ: اسمٌ لِمَا يُتَحَسَّنُ بِهِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَنْ قَرَأَهَا بِضَمِّ الْحَاءِ فَهُوَ جَمْعُ (حليٍ). {أَلَمْ يَرَوْا أَنه لَا يكلمهم} يَعْنِي: الْعِجْلَ. {وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا} أَي: طَرِيقا {اتخذوه} أَيْ: اتَّخَذُوهُ إِلَهًا. {وَكَانُوا ظَالِمِينَ} لأَنْفُسِهِمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 {وَلما سقط فِي أَيْديهم} أَيْ: نَدِمُوا {وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضلوا} الآيَةُ. قَالُوا ذَلِكَ لِمَا صَنَعَ مُوسَى بِالْعِجْلِ مَا صَنَعَ، وَطَلَبُوا التَّوْبَةَ، وَأَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمْ، إِلا أَنْ يَقْتُلُوا أَنْفُسَهُمْ؛ وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذَا فِي سُورَةِ الْبَقْرَةِ. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ لِلْنَادِمِ عَلَى مَا فَعَلَ: قَدْ سُقِطَ فِي يَدِهِ، وَأُسْقِطَ فِي يَده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (150) إِلَى الْآيَة (151). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَان أسفا} أَيْ: شَدِيدَ الْغَضَبِ. {قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ ربكُم} قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: عَجِلْتُ الأَمْرَ إِذَا سَبَقْتُهُ، وَأَعْجَلْتُهُ: إِذَا اسْتَحْثَثْتَهُ. {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ استضعفوني}. قَالَ محمدٌ: مَنْ قَرَأَ (ابْنَ أُمَّ) بِالْفَتْحِ، فَلِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ هَذَا الِاسْم. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (152) إِلَى الْآيَة (155). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاة} يَعْنِي: الْجِزْيَةَ {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} الْكَاذِبِينَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ الْعِجْلَ إلههم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} أَيْ: سَكَنَ {أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نسختها} يَعْنِي: الْكِتَابَ الَّذِي نُسِخَتْ مِنْهُ التَّوْرَاة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا} الآيَةَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مِنْ كَلامِ الْعَرَب: اخْتَرْتُك (ل 111) الْقَوْمَ؛ أَيْ: مِنَ الْقَوْمِ. قَالَ الْكَلْبِيّ: إِن السّبْعين قَالَ لِمُوسَى حِينَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ: يَا مُوسَى لَنَا عَلَيْكَ حَقٌّ كُنَّا أَصْحَابَكَ وَلَمْ نَخْتَلِفْ، وَلَمْ نَصْنَعِ الَّذِي صَنَعَ قَوْمُنَا؛ فَأَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً كَمَا رَأَيْتَهُ، فَقَالَ مُوسَى: لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ، وَلَقَدْ أَرَدْتُهُ عَلَى ذَلِكَ فَأَبَى وَتَجَلَّى لِلْجَبَلِ فَكَانَ دَكًّا وَهُوَ أَشَدُّ مِنِّي، وَخَرَرْتُ صَعِقًا، فَلَمَّا أَفَقْتُ سَأَلْتُ اللَّهَ وَاعْتَرَفْتُ بِالْخَطِيئَةِ. فَقَالُوا: إِنَّا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ؛ فَاحْتَرَقُوا مِنْ آخِرِهِمْ، فَظَنَّ مُوسَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا احْتَرَقُوا بِخَطِيئَةِ أَصْحَابِ الْعِجْلِ، فَقَالَ مُوسَى: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} يَعْنِي: أَصْحَابَ الْعِجْلِ {إِنْ هِيَ إِلَّا فتنتك} إِلَى آخِرِ الآيَةِ، ثُمَّ بَعَثَهُمُ الله من بعد مَوْتهمْ. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (156) إِلَى الْآيَة (159). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 {إِنَّا هدنا إِلَيْك} أَيْ: تُبْنَا. {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء} يَعْنِي: أَهْلَهَا. لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، تَطَاوَلَ لَهَا إِبْلِيسُ، وَقَالَ: أَنَا مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَطَمِعَ فِيهَا أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ، فَقَالَ اللَّهُ: {فسأكتبها} يَعْنِي: فسأجعلها {للَّذين يَتَّقُونَ} الشّرك {وَيُؤْتونَ الزَّكَاة} التَّوْحِيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 {وَيحل لَهُم الطَّيِّبَات} يَعْنِي: الشُّحُومَ وَكُلَّ ذِي ظُفُرٍ {وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث} يَعْنِي: الْحَرَامَ {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} ثِقَلَهُمْ؛ وَهُوَ مَا كَانَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ. {وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} يَعْنِي: مَا كَانَ شُدِّدَ عَلَيْهِمْ فِيهِ. {وعزروه} أَيْ: عَظَّمُوهُ {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أنزل مَعَه} أَي: عَلَيْهِ؛ يَعْنِي: الْقُرْآن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 {يُؤمن بِاللَّه وكلماته} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: وَحْيَهُ الَّذِي أنزل على مُحَمَّد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 {وَمن قوم مُوسَى أمة} أَي: جمَاعَة {يهْدُونَ بِالْحَقِّ} أَيْ: يَدْعُونَ إِلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 {وَبِه يعدلُونَ} يحكمون. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (160) إِلَى الْآيَة (162). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} يَعْنِي: بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ محمدٌ: (الأَسْبَاطُ): الْقَبَائِلُ، وَاحِدُهَا: سِبْطٌ، وَالسِّبْطُ فِي اللُّغَة: الْجَمَاعَة الَّذين يرجعُونَ إِلَى أبٍ وَاحِدٍ. {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بعصاك الْحجر} إِلَى قَوْلِهِ {بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ} وَقَدْ فَسَّرْنَا أَمْرَهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَة. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (163) إِلَى الْآيَة (166). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السبت} أَيْ: يَعْتَدُونَ. {يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا} أَيْ: شَوَارِعٌ فِي الْمَاءِ. {كَذَلِكَ نبلوهم} أَي: نبتليهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 {وَإِذ قَالَت أمة مِنْهُم} الآيَةَ. تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: الْقَرْيَةُ: هِيَ (أَيْلَةُ) وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ دَاوُدَ؛ وَهُوَ مَكَانٌ مِنَ الْبَحْرِ تَجْتَمِعُ فِيهِ الْحِيتَانُ فِي شَهْرٍ مِنَ السَّنَةِ؛ كَهَيْئَةِ الْعِيدِ، تَأْتِيهِمْ مِنْهُ حَتَّى لَا يَرَوُا الْمَاءَ، وَتَأْتِيهِمْ فِي غَيْرِ ذَلِك الشَّهْر كُلِّ يَوْمِ سبتٍ؛ كَمَا تَأْتِيهِمْ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ، فَإِذَا جَاءَ السَّبْتُ لَمْ يَمَسُّوا مِنْهَا شَيْئًا، فَعَمَدَ رجالٌ مِنْ سُفَهَاءِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ؛ فَأَخَذُوا الْحِيتَانَ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَيَوْمَ السَّبْتِ، فَأَكْثَرُوا مِنْهَا وَمَلَّحُوا وَبَاعُوا، وَلَمْ تَنْزِلْ بِهِمْ عقوبةٌ فَاسْتَبْشَرُوا، وَقَالُوا: إِنَّا نَرَى السَّبْتَ قَدْ حَلَّ، وَذَهَبَتْ حُرْمَتُهُ، إِنَّمَا كَانَ يُعَاقَبُ بِهِ آبَاؤُنَا، فَعَمِلُوا بِذَلِكَ سِنِينَ؛ حَتَّى أَثْرَوْا مِنْهُ، وَتَزَوَّجُوا النِّسَاءَ، وَاتَّخَذُوا الأَمْوَالَ، فَمَشَى إِلَيْهِمْ طَوَائِفٌ مِنْ صَالِحِيهِمْ؛ فَقَالُوا: يَا قَوْمُ، انْتَهَكْتُمْ حُرْمَةَ سَبْتِكُمْ، وَعَصَيْتُمْ رَبَّكُمْ، وَخَالَفْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، فَانْتَهُوا عَنْ هَذَا الْعَمَلِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمُ الْعَذَابُ {قَالُوا: فَلِمَ تَعِظُونَنَا إِذْ كُنْتُمْ عَلِمْتُمْ أَن الله مهلكنا؟} وَإِن أطعمتمونا لَتَفْعَلُنَّ كَالَّذِي فَعَلْنَا، فَقَدْ فَعَلْنَا مُنْذُ سِنِينَ فَمَا زَادَنَا اللَّهُ بِهِ إِلَّا خَيْرًا. قَالُوا: وَيْلَكُمْ لَا تَغْتَرُّوا وَلا تَأْمَنُوا بَأْسَ اللَّهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 [ ... ] كَأَنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ، قَالُوا {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ} الآيَةَ. وَفِي غَيْرِ تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ: صَارُوا ثَلاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ اجْتَرَأَتْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَفِرْقَةٌ نَهَتْ، وَفِرْقَةٌ كَفَّتْ؛ فَلَمْ تَصْنَعْ مَا صَنَعُوا وَلم تنههم وَقَالُوا (ل 112): لِلَّذِينَ نَهَوْا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ}. قَالَ محمدٌ: يَجُوزُ الرَّفْعُ فِي {معذرة} عَلَى مَعْنَى: مَوْعِظَتُنَا إِيَّاهُمْ مَعْذِرَةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} أَيْ: تَرَكُوا مَا وُعِظُوا بِهِ. {أَخَذْنَاهُم بعذابٍ بئيس} أَي: شَدِيد {قردة خَاسِئِينَ} أَيْ مُبْعَدِينَ. قَالَ قَتَادَةُ: فَصَارُوا قردةً تعاوى لَهَا أَذْنَابٌ. قَالَ قَتَادَةُ: وَبَلَغَنَا أَنَّهُ دُخِلَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْمُصْحَفُ، وَهُوَ يَبْكِي وَقَدْ أَتَى عَلَى هَذِهِ الآيَةِ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ أَهْلَكَ الَّذِينَ أَخَذُوا الْحِيتَانَ، وَنَجَّى الَّذين نهوهم، وَلَا أَدْرِي مَا صَنَعَ بِالَّذِينَ لَمْ يَنْهَوْا وَلَمْ يُوَاقِعُوا الْمَعْصِيَةَ. قَالَ الْحَسَنُ: وَأَيُّ نَهِيٍّ يَكُونُ أَشَدَّ مِنْ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا لَهُمُ الْوَعِيدَ، وَخَوَّفُوهُمُ الْعَذَابَ، فَقَالُوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عذَابا شَدِيدا}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (167) إِلَى الْآيَة (170). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 {وَإِذ تَأذن رَبك} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: أَعْلَمَ رَبُّكَ {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ من يسومهم} أَي: يوليهم {سوء الْعَذَاب} أَيْ: شِدَّتُهُ. قَالَ قَتَادَةُ: فَبَعَثَ عَلَيْهِم الْعَرَب، فهم مِنْهُ فِي عذابٍ بِالْجِزْيَةِ وَالذُّلِّ. {إِنَّ رَبك لسريع الْعقَاب} قَالَ الْحَسَنُ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَ قَوْمًا كَانَ عَذَابُهُ إِيَّاهُمْ أَسْرَعَ مِنَ الطَّرْفِ. {وَإِنَّهُ لغَفُور رَحِيم} لمن تَابَ وآمن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 {وقطعناهم فِي الأَرْض} أَيْ: فَرَّقْنَاهُمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: الْيَهُود {مِنْهُم الصالحون} يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ {وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ} يَعْنِي: كفَّارًا {وبلوناهم} اختبرناهم {بِالْحَسَنَاتِ والسيئات} يَعْنِي: بِالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} إِلَى الْإِيمَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 {فخلف من بعدهمْ خلف} قَالَ مُجَاهِدٌ: الْخَلْفُ: النَّصَارَى بَعْدَ الْيَهُودِ. قَالَ محمدٌ: ذَكَرَ قطربٌ أَنَّهُ يُقَالُ: خَلْفُ سوءٍ، وَخَلْفُ صِدْقٍ، وَخَلَفُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 سوءٍ وَخَلَفُ صدقٍ بِتَسْكِينِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا فِي الْحَالَيْنِ. وَأَنْشَدَ بَيْتَ حسان ابْن ثَابِتٍ: (لَنَا الْقَدَمُ الأُولَى [عَلَيْهِمْ] وَخَلْفُنَا ... لأَوَّلِنَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَابِعُ) وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَنَّ الاخْتِيَارَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنْ يُوضَعَ الْخَلْفُ - بِتَسْكِينِ اللَّامِ - مَوْضِعَ الذَّمِّ، وَالْخَلَفُ - بِالْفَتْحِ - مَوْضِعَ الْمَدْحِ. {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مثله يأخذوه} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: مَا أَشْرَفَ لَهُمْ فِي الْيَوْمِ مِنْ حلالٍ أَوْ حرامٍ أَخَذُوهُ، وَيَتَمَنَّوْنَ الْمَغْفِرَةَ، وَإِنْ يَجِدُوا الْغَدَ مِثْلَهُ يَأْخُذُوهُ. {ودرسوا مَا فِيهِ} يَقُولُ: قَرَءُوا مَا فِيهِ، فِي هَذَا الْكِتَابِ؛ بِخِلافِ مَا يَقُولُونَ وَمَا يعْملُونَ {أَفلا يعقولون} مَا يدرسون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 {وَالَّذين يمسكون بِالْكتاب} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: مَنْ آمَنَ من الْيَهُود وَالنَّصَارَى. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (171) إِلَى الْآيَة (174). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظلة} أَيْ: رَفَعْنَاهُ؛ وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ رَفْعِ الْجَبَلِ فَوْقَهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدم من ظُهُورهمْ ذرياتهم} إِلَى قَوْله: {شَهِدنَا} تَفْسِيرُ ابْنِ عباسٍ قَالَ: أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ بِالْهِنْدِ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ؛ فَأَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ نسمةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثمَّ قَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} قَالُوا: بَلَى شَهِدْنَا؛ فَقَالَ لِلْمَلائَكَةِ: اشْهَدُوا، فَقَالُوا: شَهِدْنَا. قَالَ الْحَسَنُ: ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صلب آدم {أَن تَقولُوا} أَيْ: لِئَلا تَقُولُوا {يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بعدهمْ} وجدناهم على ملةٍ فاتبعناهم ". سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (175) إِلَى الْآيَة (178). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا}. قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ بَلْعَانُ بْنُ بَعْرَانَ - وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّيهِ: بَلْعَمُ - آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا فَتَرَكَهُ. {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ من الغاوين} أَيْ: كَفَرَ. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: أَتْبَعْتُ الرَّجُلَ إِذَا لَحِقْتَهُ، وَتَبِعْتَهُ إِذا سرت فِي أَثَره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 {وَلَو شِئْنَا لرفعناه بهَا} أَي: بِآيَاتِنَا {لكنه أخلد إِلَى الأَرْض} 6 أَيْ: رَكَنَ إِلَى الدُّنْيَا {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} أَيْ: أَبَى أَنْ يَصْحَبَ الْهُدَى. {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ} {ل 113} أَيْ: تَطْرُدُهُ {يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ، قَالَ: هُوَ ضالٌّ عَلَى كُلِّ حالٍ؛ وَعَظْتَهُ أَوْ تَرَكْتَهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قِيلَ: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِتَارِكِ أَمْرِهِ أَخَسَّ مَثَلٍ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: مَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ لاهِثًا - وَاخْتَصَرَ (لاهِثًا) - {إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تتركه يَلْهَث} وَلَهْثَانُهُ: اضْطِرَابُ لِسَانِهِ وَصَوْتِهِ الَّذِي يردد عِنْد ذَلِك؛ كَأَنَّهُ معيى أَوْ عَطْشَانُ؛ وَإِذَا كَانَ الْكَلْبُ بِهَذِهِ الْحَالِ، فَهِيَ أَخَسُّ أَحْوَالِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 {سَاءَ مَثَلا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: سَاءَ مَثَلا مثل الْقَوْم. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (179) إِلَى الْآيَة (181). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 {وَلَقَد ذرأنا} خلقنَا {لِجَهَنَّم كثيرا من الْإِنْس وَالْجِنّ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا} الْهُدَى {وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بهَا} الْهُدَى {وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بهَا} الْهُدَى {أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضلّ} مِنَ الأَنْعَامِ فِيمَا تَعَبَّدُوا بِهِ {أُولَئِكَ هم الغافلون} عَن الْآخِرَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}. يحيى: عَنْ خداشٍ، عَنْ محمدٍ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِلَّهِ تسعةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ غَيْرُ واحدٍ؛ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ". قَالَ مُحَمَّدٌ: (مَعْنَى أَحْصَاهَا): حَفِظَهَا. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَقَرَّ لِلَّهِ بِهَا وَتَعَبَّدَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} أَيْ: يَمِيلُونَ؛ فَسَمَّوْا مَكَانَ اللَّهِ: الَّلاتَ، وَمَكَانَ الْعَزِيزِ: الْعُزَّى. {وَذَرُوا} فِي هَذَا الْمَوْضِعِ منسوخٌ، نَسَخَهُ الْقِتَال. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (182) إِلَى الْآيَة (186). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} أَيْ: يَحْكُمُونَ. قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَن نَبِي اللَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " هَذِهِ لَكُمْ، وَقَدْ أَعْطَى اللَّهُ الْقَوْمَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ مِثْلَهَا "؛ يَعْنِي: قَوْلَهُ: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يعلمُونَ} إِلَى قَوْله: {متين} هُوَ كَقَوْلِهِ: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَة} الْآيَة. وَمعنى {أملي لَهُم}: أُطِيلُ لَهُمْ، وَمَعْنَى (كَيْدِي مَتِينٌ): عَذَابي شَدِيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 {أَو لم يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جنةٍ} وَهَذَا جوابٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُشْرِكِينَ؛ لِقَوْلِهِمْ لِلْنَبِيِّ إِنَّهُ مجنونٌ يَقُولُ: لَوْ تَفَكَّرُوا، لَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ بمجنونٍ. {إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ} يُنْذِرُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ {مُبِينٌ} يبين عَن الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 {أَو لم ينْظرُوا فِي ملكوت السَّمَوَات} يَعْنِي: مُلْكَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَا أَرَاهَمُ اللَّهُ مِنْ آيَاتِهِ فِيهِمَا {وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شيءٍ} وَإِلَى مَا خَلَقَ مِنْ شيءٍ مِمَّا يَرَوْنَهُ فَيَتَفَكَّرُوا، فَيَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا قادرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قد اقْترب أَجلهم} فَيُبَادِرُوا التَّوْبَةَ قَبْلَ الْمَوْتِ {فَبِأَيِّ حَدِيث بعده} بعد الْقُرْآن {يُؤمنُونَ} يصدقون. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (187) فَقَط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} مَتَى قِيَامُهَا؟ قَالَ محمدٌ: وَقِيلَ: الْمَعْنَى: مَتَى يَبْعَثُهَا؛ لأَنَّهَا جاريةٌ إِلَى حدٍّ، وَيُقَالُ: رَسَا الشَّيْءُ يَرْسُو؛ إِذَا ثَبَتَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 {لَا يجليها} لَا يظهرها {لوَقْتهَا} فِي وَقْتِهَا {إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْض، حَتَّى تشققت لَهَا السَّمَوَات، وَانْتَثَرَتِ النُّجُومُ، وَذَهَبَتْ جِبَالُ الأَرْضِ وَبِحَارُهَا. {لَا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً}. يحيى: عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلانِ قَدْ نَشَرَا ثَوْبَهُمَا يَتَبَايَعَانِهِ فَمَا يَطْوِيَانِهِ؛ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، وَتَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلُ قَدْ رَفَعَ أَكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَمَا تَصِلُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ". {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّك حفي عَنْهَا} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: قَالَتْ قريشٌ: يَا مُحَمَّدُ، أَسِرَّ إِلَيْنَا أَمْرَ السَّاعَةِ؛ لِمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مِنَ الْقَرَابَةِ، فَقَالَ اللَّهُ: {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} هِيَ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ مُقَدَّمَةٌ يَسْأَلُونَكَ عَنْهَا كَأَنَّكَ حفيٌّ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ: الْمَعْنَى: كَأَنَّكَ معنيٌّ بِطَلَبِ عِلْمِهَا؛ يُقَالُ: حَفَيْتُ بِالأَمْرِ أَحْفِي بِهِ حَفَاوَةً؛ إِذَا عَنَيْتُ بِهِ. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (188) فَقَط. (ل 114) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ الله} أَيْ: إِنَّمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 ذَلِكَ بِمَا شَاءَ اللَّهُ {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْر} أَيْ: لَوْ أَطْلَعَنِي عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا أَطْلَعَنِي عَلَيْهِ مِنَ الْغَيْبِ لَكَانَ أَكْثَرَ لِخَيْرِي عِنْدَهُ، وَلَمْ يُطْلِعَنِي عَلَى عِلْمِ السَّاعَةِ مَتَى قِيَامهَا {وَمَا مسني السوء} هَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ: إِنَّهُ مَجْنُونٌ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ قُلْ: {وَمَا مسني السوء} الْآيَة. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (189) إِلَى الْآيَة (192). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَة} يَعْنِي: آدَمَ {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} يَعْنِي: حَوَّاءَ؛ خَلَقَهَا مِنْ ضِلَعِ آدَمَ الْقُصَيْرَى الْيُسْرَى {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا} إِلَى قَوْلِهِ: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا - يَعْنِي: حَوَّاءَ - فَمَرَّتْ بِهِ - أَيْ: قَامَتْ بِهِ وَقَعَدَتْ - ثُمَّ أَتَاهَا الشَّيْطَانُ فِي غَيْرِ صُورَتِهِ؛ فَقَالَ: يَا حَوَّاءُ، مَا هَذَا فِي بَطْنِكِ؟ فَقَالَتْ: لَا أَدْرِي. قَالَ: لَعَلَّهُ بهيمةٌ مِنْ هَذِهِ الْبَهَائِمِ، فَقَالَتْ: مَا أَدْرِي. فَأَعْرَضَ عَنْهَا؛ حَتَّى إِذَا أَثْقَلَتْ أَتَاهَا، فَقَالَ لَهَا: كَيْفَ تَجِدِينَكِ يَا حَوَّاءُ؟ قَالَتْ: إِنَّي لأَخَافُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي خَوَّفْتَنِي، مَا أَسْتَطِيعُ الْقِيَامُ إِذَا قَعَدْتُ. قَالَ: أَفَرَأَيْتِ إِنْ دَعَوْتِ اللَّهَ، فَجَعَلُهُ إِنْسَانًا مِثْلَكِ أَوْ مِثْلَ آدَمَ، أَتُسَمِّينَهُ بِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَانْصَرَفَ عَنْهَا وَقَالَتْ لآدَمَ: إِنَّ الَّذِي فِي بَطْنِي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ بَهِيمَةً مِنْ هَذِهِ الْبَهَائِمِ، وَإِنِّي لأَجِدُ لَهُ ثِقَلا، وَلَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ، فَلَمْ يَكُنْ لآدَمَ وَلا لِحَوَّاءَ همٌّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 غَيْرُهُ حَتَّى وَضَعَتْ؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالحا} أَيْ: إِنْسَانًا {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} كَانَ هَذَا دُعَاءَهُمَا قَبْلَ أَنْ تَلِدَ، فَلَّمَا وَلَدَتْ أَتَاهُمَا إِبْلِيسُ، فَقَالَ: أَلا تُسَمِّينَهُ بِي؛ كَمَا وَعَدْتِنِي؟ قَالَتْ: وَمَا اسْمُكَ؟ قَالَ: عَبْدُ الْحَارِثِ، فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الْحَارِثِ؛ فَمَاتَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 قَالَ اللَّهُ: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} قَالَ قَتَادَةُ: فَكَانَ شِرْكًا فِي طَاعَتِهِمَا لإِبْلِيسَ فِي تَسْمِيَتِهِمَا إِيَّاهُ: عَبْدَ الْحَارِثِ، وَلَمْ يَكُنْ شِرْكًا فِي عبادةٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 ثُمَّ انْقَطَعَتْ قِصَّةُ آدَمَ وَحَوَّاءَ. {فتعالى الله عَمَّا يشركُونَ} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وهم يخلقون} يَعْنِي: الأَوْثَانَ؛ كَقَوْلِهِ: {أَتَعْبُدُونَ مَا تنحتون} بِأَيْدِيكُمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 {وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُم نصرا} الآيَةَ. يَقُولُ: وَلا تَنْصُرُ الأَوْثَانُ أَنْفسهَا، وَلَا من عَبدهَا. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (193) إِلَى الْآيَة (196). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يتبعوكم} أخبر بِعِلْمِهِ فيهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله عباد أمثالكم} أَيْ: مَخْلُوقُونَ {فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنْتُم صَادِقين} أَنهم آلِهَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 {ألهم أرجل} إِلَى قَوْله: {يسمعُونَ بهَا} أَيْ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا {قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ} يَعْنِي: أَوْثَانَكُمْ {ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تنْظرُون} أَيْ: اجْهَدُوا عَلَيَّ جُهْدَكُمْ. {إِنَّ وليي الله}. سُورَة الْأَعْرَاف من الْآيَة (197) إِلَى الْآيَة (206). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يسمعوا} أَيْ: سَمْعَ قبولٍ {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك} يَعْنِي: وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ بِقُلُوبِهِمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 {خُذ الْعَفو} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَقُولُ: خُذِ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلاقِ النَّاسِ وَأَعْمَالِهِمْ بِغَيْرِ [تحسسٍ]. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْعَفْوُ فِي كَلامِ الْعَرَبِ: مَا أُتِيَ بِغَيْرِ كلفةٍ. {وَأمر بِالْعرْفِ} بِالْمَعْرُوفِ {وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} يَعْنِي: الْمُشْركين. وَقَوله: {أعرض} منسوخٌ، نسخه الْقِتَال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} قَالَ الْحَسَنُ: النَّزْغُ: الْوَسْوَسَةُ. قَالَ محمدٌ: وَأَصْلُ النَّزْغِ: الْحَرَكَةُ؛ تَقُولُ: قد نزغته؛ إِذا حركته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طائف من الشَّيْطَان تَذكرُوا} قَالَ الْحَسَنُ: طائفٌ مِنَ الطُّوفَانِ؛ أَيْ: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ بِوَسَاوِسِهِ؛ يَأْمُرُهُمْ بالمعصية {فَإِذا هم مبصرون} أَي: تائبون من الْمعْصِيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 {وإخوانهم} يَعْنِي: إِخْوَانَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الشَّيَاطِينَ {يمدونهم} (ل 115) أَيْ: يَزِيدُونَهُمْ {فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يقصرون} فِي هَلَكَتِهِمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ مِنَ الْمَدَدِ الَّذِي يَمُدُّونَهُمْ {فِي الغي}: بِأَسْبَابِ الْغَيِّ، يُقَالُ: [مَدَدْتُهُ] بِالسِّلاحِ، وَأَمْدَدْتُهُ بِكَذَا؛ لِمَا يَمُدُّهُ بِهِ. وَلِبَعْضِهِمْ يَذْكُرُ الأَمْوَاتَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 (نَمُدُّهُمْ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ بَقِيَّتِنَا ... وَلا يَئُوبُ إِلَيْنَا مِنْهُمُ أحدٌ}. {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجتبيتها} أَيْ: هَلا جِئْتَ بِهَا مِنْ عنْدك. قَالَ الله: {قل} لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: {إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بصائر} يَعْنِي: الْقُرْآنَ. قَالَ محمدٌ: وَاحِدُ الْبَصَائِرِ: بصيرةٌ؛ وَهِيَ كلمةٌ: تَتَصَرَّفُ عَلَى وُجُوهٍ، وَأَصْلُهَا بَيَانُ الشَّيْءِ وظهوره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} قَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلاةِ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وخيفةً} أَيْ: مَخَافَةً مِنْهُ. {وَدُونَ الْجَهْرِ من القَوْل بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال} يَعْنِي: الْعَشِيَّاتِ. وَهَذَا حِينَ كَانَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ غَدْوَةً، وَرَكْعَتَيْنِ عَشِيَّةً قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. {وَلَا تكن من الغافلين} عَن الله، وَعَن دينه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 {إِن الَّذين عِنْد رَبك} يَعْنِي: الْمَلائِكَةَ {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَته ويسبحونه وَله يَسْجُدُونَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 تَفْسِيرُ سُورَةِ الأَنْفَالِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ كلهَا سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (1) فَقَط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 قَوْلُهُ: {يَسْأَلُونَكَ عَن ِ الأَنْفَالِ قل الْأَنْفَال لله وَالرَّسُول} الْآيَةَ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَافَّ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ - لِيُحَرِّضَ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ -: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَنِي أَنْ يَفْتَحَ لِي بَدْرًا، وَأَنْ يُغْنِمَنِي عَسْكَرَهُمْ؛ فَمَنْ قَتَلَ قَتِيلا، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا مِنْ غَنِيمَتِهِمْ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَلَمَّا تَوَافَدُوا أَدْخَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ الرُّعْبَ فَانْهَزَمُوا، فَأَتْبَعَهُمْ سَرْعَانُ مِنَ النَّاسِ؛ فَقَتَلُوا سَبْعِينَ، وَغَنِمُوا الْعَسْكَرَ وَمَا فِيهِ، وَأَقَامَ وَجُوهُ النَّاسِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي مَصَافِّهِ، فَلَمْ يَشُذْ عَنْهُ مِنْهُمْ أحدٌ، ثُمَّ قَامَ أَبُو الْيَسَرِ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ وَعَدْتَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلا أَوْ أَسَرَ أَسِيرًا مِنْ غَنِيمَةِ الْقَوْمِ الَّذِي وَعَدْتَهُمْ، وَإِنَّا قَتَلْنَا سَبْعِينَ، وَأَسَرْنَا سَبْعِينَ. ثُمَّ قَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ مَا مَنَعْنَا أَنْ نَطْلُبَ كَمَا طَلَبَ هَؤُلاءِ زِهَادَةٌ فِي الأَجْرِ، وَلا جبنٌ عَنِ الْعَدُوِّ، وَلَكِنَّا خِفْنَا أَنْ نُعَرِّي صَفَّكَ فَتَعْطِفَ عَلَيْكَ خيل الْمُشْركين. فأرعض عَنْهُمَا رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو الْيَسَرِ مِثْلَ كَلامِهِ الأَوَّلِ، وَعَادَ سَعْدٌ فَتَكَلَّمَ مِثْلَ كَلامِهِ الأَوَّلِ. وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، الأُسَارَى وَالْقَتْلَى كثيرٌ، وَالْغَنِيمَةُ قَلِيلَةٌ، وَإِنْ تُعْطِ هَؤُلاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 الَّذِي ذَكَرْتَ لَهُمْ، لَمْ يَبْقَ لِسَائِرِ أَصْحَابِكَ كَبِيرُ شيءٍ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} فَقَسمهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ". قَالَ قَتَادَةُ: وَالأَنْفَالُ: الْغَنَائِمُ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {لِلَّهِ وَالرَّسُول} يَقُولُ: ذَلِكَ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَجَعَلَ حُكْمَهُ إِلَى رَسُولِهِ. قَالَ محمدٌ: وَاحِدُ الأَنْفَالِ: نفلٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ: (إِنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرُ نفلٍ ... وَبِإِذْنِ اللَّهِ رَيْثِي وَعَجَلْ} سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (2) إِلَى الْآيَة (4). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 قَوْلُهُ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذكر الله وجلت قُلُوبهم} أَيْ: رَقَّتْ مَخَافَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 عَذَابِهِ {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زادتهم إِيمَانًا} يَعْنِي: كُلَّمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْء صدقُوا بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 {لَهُم دَرَجَات عِنْد رَبهم} يَعْنِي: فِي الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالهم. سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (5) إِلَى الْآيَة (8). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} يَقُولُ: أَخْرَجَكَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى قِتَالِ أَهْلِ بَدْرٍ. {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ} يَعْنِي: فِي الْقِتَالِ؛ وَمَعْنَى مُجَادَلَتِهِمْ: أَنَّهُمْ كَانُوا يُرِيدُونَ الْعِيرَ، وَرَسُولُ اللَّهِ يُرِيدُ ذَاتَ الشَّوْكَةِ؛ هَذَا تَفْسِير الْحسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 {بَعْدَ مَا تبين} لَهُمْ، قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ لَهُمْ بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُمْ مَنْصُورُونَ. (116) {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وهم ينظرُونَ} قَالَ مُحَمَّدٌ: كَانُوا فِي خُرُوجِهِمْ إِلَى الْقِتَالِ كَأَنَّمَا يُسَاقَوْنَ إِلَى الْمَوْتِ؛ لِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ وَأَنَّهُمْ رَجَّالَةٌ. وَرُوِيَ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ فِيهِمْ فارسان فخافوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَات الشَّوْكَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 تكون لكم} وَمَعْنَى الشَّوْكَةِ: السَّلاحُ وَالْحَرْبُ. قَالَ قَتَادَةُ: الطَّائِفَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَبُو سُفْيَانَ أَقْبَلَ بِالْعِيرِ مِنَ الشَّامِ، وَالطَّائِفَةُ الأُخْرَى: أَبُو جَهْلٍ مَعَهُ نَفِيرُ قُرَيْشٍ، فَكَرِهَ الْمُسْلِمُونَ الْقِتَالَ، وَأَحَبُّوا أَنْ يَضُمُّوا الْعِيرَ، وَأَرَادَ اللَّهُ مَا أَرَادَ {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يحِق الْحق بكلماته} يَعْنِي: بِوَعْدِهِ الَّذِي وَعَدَ بِالنَّصْرِ {وَيقطع دابر الْكَافرين} يَعْنِي: أصل الْكَافرين. سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (9) إِلَى الْآيَة (10). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدكُمْ} مُقَوِّيكُمْ {بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} يَعْنِي: مُتَتَابِعِينَ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ، وَقَرَأَ مُجَاهِد (مُردفِينَ) بِفَتْحِ الدَّالِ؛ بِمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ أَرْدَفَ الْمُسْلِمِينَ؛ أَيْ: أَمَدَّهُمْ. قَالَ محمدٌ: وَمن قَرَأَ (مُردفِينَ) بِكَسْرِ الدَّالِ، فَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَرْدَفْتُ الرَّجُلَ؛ إِذَا جِئْتَ بَعْدَهُ؛ وَمِنْهُ قْولُ الشَّاعِرِ: (إِذَا الْجَوْزَاءُ أَرْدَفَتِ الثُّرَيَّا ... ظَنَنْتُ بِآلِ فَاطِمَةَ الظنونا} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 قَوْله: {وَمَا جعله الله} يَعْنِي: الْمَدَدَ مِنَ الْمَلائِكَةِ {إِلا بشرى ولتطمئن بِهِ قُلُوبكُمْ} أَي: تسكن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (11) إِلَى الْآيَة (14). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} إِلَى قَوْلِهِ: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذين كفرُوا الرعب} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ سَبَقُوا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى مَاءِ بَدْرٍ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، فَنَزَلَ حِيَالَهُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ الْوَادِي، وَنَزَلَ عَلَى غَيْرِ ماءٍ، فَقَذَفَ الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ أَمْرًا عَظِيمًا، فَقَالَ: زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ عِبَادُ اللَّهِ، وَعَلَى دِينِ اللَّهِ؛ وَقَدْ غَلَبَكُمُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمَاءِ، وَأَنْتُمْ تُصَلُّونَ مُحْدِثِينَ مُجْنِبِينَ، فَأَحَبَّ اللَّهُ أَنْ يُذْهِبَ مِنْ قُلُوبِهِمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ، فَغَشَّى الْمُؤْمِنِينَ نُعَاسًا أَمَنَةً مِنْهُ، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِرَهُمْ بِهِ مِنَ الأَحْدَاثِ وَالْجَنَابَةِ، وَيُذْهِبَ عَنْهُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ؛ مَا كَانَ قَذَفَهُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ، وَكَانَ بَطْنُ الْوَادِي فِيهِ رملةٌ تَغِيبُ فِيهَا الأَقْدَامُ، فَلَمَّا مُطِرَ الْوَادِي اشْتَدَّتِ الرَّمْلَةُ فَمَشِيَ عَلَيْهَا الرِّجَالُ، وَاتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ حِيَاضًا عَلَى الْوَادِي، فَشَرِبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا، وَاسْتَقَوْا، ثُمَّ صَفُّوا، وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ {أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}. {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاق} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: فَاضْرِبُوا الأَعْنَاقَ (واضربوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 مِنْهُم كل بنانٍ} يَعْنِي: كل عُضْو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} قَالَ قَتَادَة: الشقاق: الْفِرَاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 {ذَلِكُم فذوقوه} يَعْنِي: الْقَتْل {وَأَن للْكَافِرِينَ} بعد الْقَتْل {عَذَاب النَّار} فِي الْآخِرَة. سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (15) إِلَى الْآيَة (16). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كفرُوا زحفاً} قَالَ مُحَمَّدٌ: الزَّحْفُ جَمَاعَةٌ يَزْحَفُونَ إِلَى عَدُوِّهِمْ بِمَرَّةٍ - أَيْ: يَنْقَضُّونَ - وَقَدْ يَكُونُ الزَّحْفُ مَصْدَرًا مِنْ قَوْلِكَ: زَحَفْتُ. {فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} أَي: لَا تنهزموا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 {وَمن يولهم يومئذٍ دبره} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: يَوْمَ بَدْرٍ {إِلَّا متحرفاً لقِتَال} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي يَدَعُ مَوْقِفَ مَكَانٍ لمكانٍ {أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَة} أَيْ: يَنْحَازُ إِلَى جَمَاعَةٍ {فَقَدْ بَاء بغضب من الله} أَيْ: اسْتَوْجَبَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّصْبُ فِي قَوْلِهِ: {إِلَّا متحرفاً لقِتَال} عَلَى الْحَالِ؛ أَيْ: إِلا أَنْ يَتَحَرَّفَ فُلانٌ بِقِتَالٍ، وَكَذَلِكَ {أَوْ متحيزاً}. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّصْبُ فِيهِمَا عَلَى الاسْتِثْنَاءِ؛ أَيْ: إِلا رَجُلا مُتَحَرِّفًا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 أَوْ يَكُونَ مُنْفَرِدًا لَيْنَحَازَ فَيَكُونَ مَعَ الْمُقَاتِلَةِ. يُقَالُ: تَحَيَّزْتُ وَتَحَوَّزْتُ، يَعْنِي: انْحَزْتُ. يحيى: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ [ ... ] أَنَّ عُمَرَ بن الْخطاب (ل 117) بَلَغَهُ (قَتْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَصْحَابِهُ بِالْقَادِسِيَّةِ) قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عُبَيْدَةَ؛ لَوِ انْحَازَ إِلَيَّ لَكُنْتُ لَهُ فِئَةً ". يحيى: عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صبيحٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَيْسَ الْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ مِنَ الْكَبَائِرِ، إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ بدر ". سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (17) إِلَى الْآيَة (19). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رميت إِذْ رميت وَلكنه الله رمى} قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا صَافَّ رَسُولُ اللَّهِ الْمُشْرِكِينَ، دَعَا بقبضةٍ مِنْ حَصْبَاءِ الْوَادِي وَتُرَابِهِ، فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ، فَمَلأَ اللَّهُ مِنْهَا وُجُوهَهُمْ وَأَعْيُنَهُمْ تُرَابًا، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَانْهَزَمُوا، وَاتَّبَعَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ ". {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بلَاء حسنا} يُنْعِمُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِقَتْلِهِمِ الْمُشْرِكِينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافرين} أَي: مضعف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} قَالَ الْكَلْبِيُّ: بَلَغَنَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لما صافوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ بَدْرٍ قَالُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَيُّنَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكَ وَأَرْضَى عِنْدَكَ فَانْصُرْهُ، فَنَصَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ، وَقَالَ: {إِن تستفتحوا} يَعْنِي: تَسْتَنْصِرُوا {فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} النَّصْرُ؛ يَعْنِي: أَنَّ اللَّهَ قَدْ نصر نبيه {وَإِن تنتهوا} يَعْنِي: عَنْ قِتَالِ محمدٍ. {فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ} عَلَيْكُم بالهزيمة. سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (20) إِلَى الْآيَة (25). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 {وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} 6 يَعْنِي: الْحجَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وهم لَا يسمعُونَ} {الْهدى} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 {إِن شَرّ الدَّوَابّ} {الْخلق} {عِنْد الله الصم} عَنِ الْهُدَى فَلا يَسْمَعُونَهُ {الْبُكْمُ} عَنْهُ فَلا يَنْطِقُونَ بِهِ {الَّذِينَ لَا يعْقلُونَ} الْهدى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} هِيَ كَقَوْلِهِ: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لما نهوا عَنهُ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دعَاكُمْ لما يُحْيِيكُمْ} يُرِيدُ: الْقُرْآنَ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه} تَفْسِيرُ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ: يَحُولُ بَيْنَ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ مَعْصِيَتِهِ، وَبَيْنَ قَلْبِ الْكَافِرِ وَبَيْنَ طَاعَتِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظلمُوا مِنْكُم خَاصَّة} أَيْ: أَنَّهَا إِذَا نَزَلَتْ تَعُمُّ الظَّالِمَ وَغَيْرَهُ. قَالَ الْحَسَنُ: خَاطَبَ بِهَذَا أَصْحَاب النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم. سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (26) إِلَى الْآيَة (29). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْض} أَيْ: مَقْهُورُونَ فِي أَرْضِ " مَكَّةَ " {تخافون أَن يتخطفكم النَّاس} يَعْنِي: كُفَّارَ أَهْلِ " مَكَّةَ ". {فَآوَاكُمْ} ضمكم إِلَى " المدنية " {وأيدكم} أَعَانَكُمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. {وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَات} يَعْنِي: الْحَلَال من الرزق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُول وتخونوا أماناتكم}. قَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ أَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ بَيَدِهِ؛ أَلا تَنْزِلُوا عَلَى الْحُكْمِ، فَكَانَتْ خِيَانَةً مِنْهُ وذنباً {وَأَنْتُم تعلمُونَ} أَنَّهَا خِيَانَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} بَلِيَّةٌ، ابْتَلاكُمُ اللَّهُ بِهَا لِتُطِيعُوهُ فِيمَا ابتلاكم فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لكم فرقانا} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: مَخْرَجًا فِي الدّين من الشُّبْهَة والضلالة. سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (30) إِلَى الْآيَة (33). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الْآيَةَ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: بَلَغَنَا أَنَّ عِصَابَةً مِنْ قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ يَمْكُرُونَ بِنَبِيِّ اللَّهِ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ إِبْلِيسُ عَلَيْهِ ثيابٌ، لَهُ أَظْفَارٌ فِي صُورَةِ شَيْخٍ كَبِيرٍ، فَجَلَسَ مَعَهُمْ، فَقَالُوا: مَا أَدْخَلَكَ فِي جَمَاعَتِنَا بِغَيْرِ إِذْنِنَا؟ فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ " نَجْدَ " قَدِمْتُ " مَكَّةَ " فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْمَعَ مِنْ حَدِيثِكُمْ، وَأَقْتَبِسَ مِنْكُمْ خَيْرًا، وَرَأَيْتُ وُجُوهَكُمْ حَسَنَةً وَرِيحَكُمْ طَيِّبَةً؛ فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ جَلَسْتُ مَعكُمْ، وَإِذا كرهتم مجلسي (ل 118) خَرَجْتُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ تُهَامَةَ، فَلا بَأْسَ عَلَيْكُم [مِنْهُ] تتكلموا بالمكر ببني اللَّهِ، فَقَالَ الْبَخْتَرِيُّ بْنُ هِشَامٍ - أحد بني أَسد ابْن عَبْدِ الْعُزَّى -: أَمَّا أَنَا فَأَرَى لَكُمْ مِنَ الرَّأْيِ أَنْ تَأْخُذُوا مُحَمَّدًا، فَتَجْعَلُوهُ فِي بَيْتٍ، ثُمَّ تَسُدُّوا عَلَيْهِ بَابَهُ، وَتَجْعَلُوا فِيهِ كُوَّةً يَدْخُلُ إِلَيْهِ مِنْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، ثُمَّ تَذْرُوهُ فِيهِ حَتَّى يَمُوتَ، فَقَالَ الْقَوْمُ: نِعْمَ الرَّأْيُ رَأَيْتَ. فَقَالَ إِبْلِيسُ: بِئْسَ الرَّأْيُ رَأَيْتُمْ، تَعْمَدُونَ إِلَى رَجُلٍ لَهُ فِيكُمْ صَغْوٌ وَقَدْ سَمِعَ بِهِ مَنْ حَوْلَكُمْ فَتَحْبِسُونَهُ، وَتُطْعِمُونَهُ وَتُسْقُونَهُ، فَيُوشِكُ الصَّغْوُ الَّذِي لَهُ فِيكُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ عَلَيْهِ فَتَفْسُدُ فِيهِ جَمَاعَتُكُمْ، وَتُسْفَكُ فِيهِ دِمَاؤُكُمْ. فَقَالُوا: صَدَقَ وَاللَّهِ. ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو الأَسْوَدِ - وَهُوَ هَاشِمُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ - فَقَالَ: أَمَّا أَنَا، فَأَرَى أَنْ تَحْمِلُوا مُحَمَّدًا عَلَى بَعِيرٍ، ثُمَّ تُخْرِجُوهُ مِنْ أَرْضِكُمْ فَيَذْهَبَ حَيْثُ شَاءَ، وَيَلِيَهُ غَيْرُكُمْ. فَقَالُوا: نِعْمَ الرَّأْيُ رَأَيْتَ. فَقَالَ إِبْلِيسُ: بِئْسَ الرَّأْيُ رَأَيْتُمْ، تَعْمَدُونَ إِلَى رَجُلٍ أَفْسَدَ جَمَاعَتَكُمْ، وَاتَّبَعَتْهُ مِنْكُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 طَائِفَةٌ، فَتُخْرِجُونَهُ إِلَى غَيْرِكُمْ، فَيَأْتِيهِمْ فَيُفْسِدَهُمْ كَمَا أَفْسَدَكُمْ، يُوشِكُ وَاللَّهِ أَنْ يَمِيلَ بِهِمْ عَلَيْكُمْ. قَالُوا: صَدَقَ وَاللَّهِ. ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَرَى مِنَ الرَّأْيِ أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ كُلِّ بَطْنٍ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلا، ثُمَّ تُعْطُوا كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ سَيْفًا فَيَأْتُونَهُ [فَيَضْرِبُونَهُ] جَمِيعًا فَلا يَدْرِي قَوْمُهُ مَنْ يَأْخُذُونَ بِهِ، وَتُودِي قُرَيْشٌ دِيَتَهُ. فَقَالَ إِبْلِيسُ: صَدَقَ وَاللَّهِ هَذَا الشَّابُّ؛ إِنَّ الأَمْرَ لَكَمَا. قَالَ: فَاتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ. فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، وَأَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ. فَخَرَجَ مِنْ لَيْلَتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَدَخَلَ الْغَارَ قَالَ اللَّهُ: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خير الماكرين}. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْمَكْرُ مِنَ اللَّهِ: الْجَزَاءُ وَالْمَثُوبَةُ؛ أَنْ يُجَازِيَهُمْ جَزَاءَ مَكْرهمْ. وَمعنى: {ليثبتوك} أَي: ليحسبوك، وَمِنْهُ يُقَالُ: فُلانٌ مُثَّبَتْ وَجَعًا إِذا منع من الْحَرَكَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 قَوْلُهُ: {إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلين} قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا قَصَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى قَوْمِهِ شَأْنَ الْقُرُونِ الأُولَى، قَالَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ - أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ -: لَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ مِثْلَ هَذَا، إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ: كَذِبِ الأَوَّلِينَ وَبَاطِلِهِمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الأَسَاطِيرُ: وَاحِدهَا: أسطورة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} أَيْ: إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً من السَّمَاء}. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْقِرَاءَةُ عَلَى نَصْبِ: {الْحق} عَلَى خَبْرِ كَانَ، وَدَخَلَتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 (هُوَ) للتوكيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فيهم} قَالَ الْحَسَنُ: أَيْ: حَتَّى نُخْرِجَكَ مِنْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. {وَمَا كَانَ الله معذبهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ} يَقُولُ: إِنَّ الْقَوْمَ لمْ يَكُونُوا يَسْتَغْفِرُونَ، وَلَوِ اسْتَغْفَرُوا اللَّهَ لَمَا عذبُوا. سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (34) إِلَى الْآيَة (35). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أولياءه} زَعَمَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ أَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ اللَّهُ: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مكاءً وتصدية} قَالَ الْحَسَنُ: الْمُكَاءُ: الصَّفِيرُ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ؛ يَقُولُ: يَفْعَلُونَ ذَلِكَ مَكَانَ الصَّلاةِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَكَانُوا يَفْعَلُونَهُ ليخلطوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة. {فَذُوقُوا الْعَذَاب} يَعْنِي: الْقَتْلَ بِالسَّيْفِ قَبْلَ عَذَابِ الْآخِرَة {بِمَا كُنْتُم تكفرون}. سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (36) إِلَى الْآيَة (40). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا} الآيَةَ. لَمَّا هَزَمَ رَسُولُ اللَّهِ أَهْلَ بَدْرٍ، رَجَعُوا إِلَى مَكَّةَ، فَأَخَذُوا مَا جَاءَتْ بِهِ الْعِيرُ مِنَ الشَّامِ، فَتَجَهَّزُوا بِهِ لِقِتَالِ النَّبِيِّ، وَاسْتَنْصَرُوا بِقَبَائِلَ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيِّهِ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ} إِلَى قَوْله: (ل 119) {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} يَعْنِي: نَفَقَةَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نَفَقَةِ الْكَافِرِينَ {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّم} مَعَهم {أُولَئِكَ هم الخاسرون} قَالَ مُحَمَّدٌ: تَقُولُ: أَرْكُمُ الشَّيْءَ رَكْمًا؛ إِذَا جَعَلْتُ بَعْضَهُ عَلَى بعض، والركام الِاسْم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِن يعودوا} لِقِتَالِ مُحَمَّدٍ {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلين} بِالْقَتْلِ وَالاسْتِئْصَالِ فِي قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفِي غَيْرِهِمْ مِنَ الأَوَّلِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} شِرْكٌ؛ وَهَذِهِ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ خَاصَّةً {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} يَعْنِي: الْإِسْلَام. {فَإِن انْتَهوا} عَنْ كُفْرِهِمْ {فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 {وَإِن توَلّوا} يَعْنِي: أَبَوْا إِلا الْقِتَالَ {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنعم النصير}. سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (41) إِلَى الْآيَة (42). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شيءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} قَالَ الْحَسَنُ: هَذَا عِنْدَ الْقِتَالِ مَا غَنِمُوا مِنَ شيءٍ، فَلِلَّهِ خُمُسُهُ يُرْفَعُ الْخُمْسُ فَيَرُدُّهُ اللَّهُ عَلَى الرَّسُولِ، وَعَلَى قَرَابَةِ الرَّسُولِ وَعَلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ؛ ذَلِكَ لَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا يُصْلِحُهُمْ، لَيْسَ لِذَلِكَ وَقْتٌ. وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: ذَكَرَ يحيى فِي قِسْمَةِ الْخُمُسِ اخْتِلافًا؛ وَلِهَذَا مَوْضِعُهُ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ. {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْم الْفرْقَان} قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: هُوَ يَوْمُ بَدْرٍ فَرَّقَ اللَّهُ فِيهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ؛ فَنَصَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ، وَهَزَمَ عَدُوَّهُ {يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} جمع الْمُؤمنِينَ، وَجمع الْمُشْركين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بالعدوة القصوى}. قَالَ قَتَادَةُ: الْعُدْوَتَانِ: شَفِيرُ الْوَادِي؛ كَانَ الْمُسْلِمُونَ بِأَعْلاهُ، وَالْمُشْرِكُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 بأسفله {والركب أَسْفَل مِنْكُم} قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي: أَبَا سُفْيَانَ وَالْعِيرَ؛ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ وَالْعِيرُ أَسْفَلَ مِنَ الْوَادِي - زَعَمُوا بِثَلاثَةِ أَمْيَالٍ - فِي طَرِيقِ السَّاحِلِ لَا يَعْلَمُ الْمُشْرِكُونَ مَكَانَ عِيرِهِمْ، وَلا يَعْلَمُ أَصْحَابُ الْعِيرِ مَكَانَ الْمُشْرِكِينَ. قَالَ مُحَمَّد: الْقِرَاءَة (أَسْفَل) بِالنّصب؛ على معنى: والراكب مَكَانًا أَسْفَلَ مِنْكُمْ. {وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ} أَنْتُمْ وَالْمُشْرِكُونَ {لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا} أَيْ: فِيهِ نَصْرُكُمْ، وَالنِّعْمَةُ عَلَيْكُمْ {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} يَعْنِي: بعد الْحجَّة. سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (43) إِلَى الْآيَة (45). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ ولتنازعتم فِي الْأَمر} قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سَارَ إِلَى بَدْرٍ، وَأَخْبَرَهُ اللَّهُ بِسَيْرِ الْمُشْرِكِينَ، أَرَاهُ الْمُشْرِكِينَ فِي مَنَامِهِ قَلِيلا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: أَبْشِرُوا؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَرَانِي الْمُشْرِكِينَ فِي مَنَامِي قَلِيلا ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 {وَلَو أراكهم كثيرا لفشلتم} أَيْ: لَجَبُنْتُمْ {وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ} أَيْ: اخْتَلَفْتُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُوله {وَلَكِن الله سلم} من ذَلِك. {إِنَّه} إِنَّ اللَّهَ {عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أَيْ: بِمَا فِيهَا، يَقُولُ: مِنْ عِلْمِهِ بِمَا فِي صُدُورِكُمْ قَلَّلَهُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ، وَأَذْهَبَ الْخَوْفَ الَّذِي كَانَ فِي صدوركم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا عَايَنُوا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ رَأَوْهُمْ قَلِيلا؛ فَصَدَّقُوا رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ، وَقَلَّلَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيُنِ الْمُشْرِكِينَ، فَاجْتَرَأَ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَاجْتَرَأَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ {لِيَقْضِيَ الله أمرا كَانَ مَفْعُولا} أَي: فِيهِ نصركم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً} يَعْنِي: من الْمُشْركين {فاثبتوا} فِي صُفُوفِكُمْ. {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} قَالَ قَتَادَةُ: افْتَرَضَ اللَّهُ ذِكْرَهُ عِنْد الضراب بِالسُّيُوفِ. سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (46) إِلَى الْآيَة (48). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 {وَلا تَنَازَعُوا} أَي: لَا تختلفوا {فتفشلوا} أَي: تجبنوا. {وَتذهب ريحكم} أَي: نصركم. (ل 120) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بطرا ورئاء النَّاس} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ " مَكَّةَ " إِلَى بَدْرٍ أَتَاهُمُ الْخَبَرُ وَهُمْ بِالْجُحْفَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إِلَى بَدْرٍ أَنَّ عِيرَهُمْ قَدْ نَجَتْ، فَأَرَادَ الْقَوْمُ الرُّجُوعَ، فَأَتَاهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ، لَا تَرْجِعُوا حَتَّى تَسْتَأْصِلُوهُمْ؛ فَإِنَّكُمْ كَثِيرٌ، وَعَدُوَّكُمْ قَلِيلٌ فَتَأْمَنَ عِيرُكُمْ، وَأَنَا جارٌ لَكُمْ عَلَى بَنِي كَنَانَةَ، أَلا تَمُرُّوا بِحَيٍّ مِنْ بَنِي كَنَانَةَ إِلا أَمَدَّكُمْ بِالْخَيْلِ وَالرِّجَالِ وَالسِّلاحِ. فَمَضَوْا كَمَا أَمَرَهُمْ لِلَّذِي أَرَادَ اللَّهُ مِنْ هَلاكِهِمْ، فَالْتَقَوْا هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ بِبَدْرٍ، فَنَزَلَتِ الْمَلائِكَةُ مَعَ الْمُسلمين فِي صف، وَإِبْلِيسُ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ فَلَمَّا نَظَرَ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَلائِكَةِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَأَخَذَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ بِيَدِهِ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، عَلَى هَذِهِ الْحَالِ تَخْذُلُنَا؟ {قَالَ: إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ؛ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ. فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ: أَلا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ أَمْسِ؟ فَلَمَّا رَأَى إِبْلِيسُ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ أَقْبَلُوا إِلَيْهِمْ دَفَعَ فِي صَدْرِ الْحَارِثِ فَخَرَّ، وَانْطَلَقَ إِبْلِيسُ وَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ قَالُوا: إِنَّمَا انْهَزَمَ بِالنَّاسِ سُرَاقَةُ وَنَقَضَ الصَّفَّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ سُرَاقَةَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ مَكَّةَ، فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّي انْهَزَمْتُ بِالنَّاسِ} فَوَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ سُرَاقَةُ، مَا شَعَرْتُ بِمَسِيرِكُمْ حَتَّى بَلَغَنِي هَزِيمَتُكُمْ. فَجَعَلُوا يُذَكِّرُونَهُ؛ أَمَا أَتَيْتَنَا يَوْمَ كَذَا، وَقُلْتَ لَنَا كَذَا. فَجَعَلَ يحلف، فَلَمَّا أَسْلمُوا عَلِمُوا أَنَّهُ الشَّيْطَانُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَكَانَ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ: {إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ} وَأَمَّا قَوْلُهُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 {إِنِّي أَخَاف الله} فكذب. سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (49) إِلَى الْآيَة (52). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبهم مرض} أَيْ: شَكٌّ {غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ} قَالَ الْكَلْبِيُّ: بَلَغَنَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا نَفَرُوا مِنْ " مَكَّةَ " إِلَى بَدْرٍ، نَفَرَ مَعَهُمْ أُنَاسٌ قَدْ كَانُوا تَكَلَّمُوا بِالإِسْلامِ، فَلَمَّا رَأَوْا قِلَّةَ الْمُؤْمِنِينَ، ارْتَابُوا وَنَافَقُوا وَقَاتَلُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ، وَقَالُوا: {غَرَّ هَؤُلاءِ دينهم} يَعْنُونَ: الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ اللَّهُ: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيز} فِي نقمته {حَكِيم} فِي أمره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ: هَذَا يَوْم بدر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 {كدأب آل فِرْعَوْن} يَعْنِي: كَفِعْلِ. قَالَ الْحَسَنُ: فِيهَا إِضْمَارٌ: فَعَلُوا كَفِعْلِ آلِ فِرْعَوْنَ {وَالَّذين من قبلهم} من الْكفَّار {فَأَخذهُم الله بِذُنُوبِهِمْ}. سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (53) إِلَى الْآيَة (59). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} يَعْنِي: إِذَا جَحَدُوا الرُّسُلَ، أَهْلَكَهُمُ الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ} يَعْنِي: الْخَلْقَ عِنْدَ اللَّهِ {الَّذِينَ كفرُوا فهم لَا يُؤمنُونَ} هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَمُوتُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهدهم فِي كل مرّة}. قَالَ الْكَلْبِيُّ: هَؤُلاءِ قَوْمٌ مِمَّنْ كَانَ وادع رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَكَانُوا يَنْقُضُونَ الْعَهْدَ، فَأَمَرَ اللَّهُ فِيهِمْ بِأَمْرِهِ، فَقَالَ: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْب} أَيْ: تَظْفَرُ بِهِمْ. {فَشَرِّدْ بِهِمْ من خَلفهم} أَيْ: فَعِظْ بِهِمْ مَنْ سِوَاهُمْ {لَعَلَّهُم يذكرُونَ} يَقُولُ: لَعَلَّهُمْ يُؤْمِنُونَ؛ مَخَافَةَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِالَّذِينَ نقضوا الْعَهْد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 {وَإِمَّا تخافن} أَيْ: تَعْلَمَنَّ {مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} يَعْنِي: نَقْضًا لِلْعَهْدِ {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ على سَوَاء} أَيْ: أَعْلِمْهُمْ أَنَّكَ حَرْبٌ، وَيَكُونُ الْكُفَّارُ كُلُّهُمْ عِنْدَكَ سَوَاءً {إِنَّ الله لَا يحب الخائنين} لَا يُعِينُهُمْ إِذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 {وَلَا تحسبن الَّذين كفرُوا سبقوا} أَيْ: فَاتُوا. ثُمَّ ابْتَدَأَ وَقَالَ: (إِنَّهُم لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 يعجزون} لَا يَفُوتُونَ اللَّهَ حَتَّى لَا يقدر عَلَيْهِم. سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (60) إِلَى الْآيَة (61). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قوةٍ} قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الْقُوَّةُ هَا هُنَا: الْقَتْلُ {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ} أَيْ: تُخِيفُونَ {عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}. يحيى: عَنْ [ ... ] عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عبد الرَّحْمَن (ل 121) الدِّمَشْقِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَن، عَن عَمْرو بن عبسة قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنِ رَمَى الْعَدُوَّ بسهمٍ فَبَلَغَ سَهْمُهُ؛ أَصَابَ الْعَدُوَّ أَوْ أَخْطَأَ - فَهُوَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ ". يحيى: عَنِ الْمُعَلَّى، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ ارْتَبَطَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهُوَ كَالْبَاسِطِ يَدَهُ بِالصَّدَقَةِ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 {وَآخَرين من دونهم} مِنْ دُونِ الْمُشْرِكِينَ؛ يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ {لَا تَعْلَمُونَهُم الله يعلمهُمْ}. قَالَ مُحَمَّد: (وَآخَرين) عَطْفٌ عَلَى: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الله وَعَدُوكُمْ} وَتُرْهِبُونَ بِهِ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 {وَإِن جنحوا} مالوا {للسلم فاجنح لَهَا}. قَالَ مُحَمَّد: السّلم هَا هُنَا: الصُّلْحُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: (السَّلْمُ تَأْخُذُ مِنْهَا مَا رَضِيتَ بِهِ ... وَالْحَرْبُ يَكْفِيكَ مِنْ أَنْفَاسِهَا جُرَعُ) سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (62) إِلَى الْآيَة (64). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 قَوْلُهُ: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ، يَقُولُ: إِنْ هُمْ أَظْهَرُوا لَكَ الإِيمَانَ وَأَسَرُّوا الْكُفْرَ؛ لِيَخْدَعُوكَ بِذَلِكَ؛ لِتُعْطِيَهُمْ حُقُوقَ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَكُفَّ عَنْ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أيدك} أعانك {بنصره وَبِالْمُؤْمِنِينَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 {وَألف بَين قُلُوبهم} يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ (لَوْ أَنْفَقْتَ مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَينهم} يَعْنِي: أَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مُتَعَادِينَ؛ فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ حَتَّى تَحَابُّوا، وَذَهَبَتِ الضَّغَائِنُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ بِالْإِسْلَامِ. سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (65) إِلَى الْآيَة (69). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 {يَا أَيهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ من الْمُؤمنِينَ} أَي: وَحسب من اتبعك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 {يَا أَيهَا النَّبِي حرض الْمُؤمنِينَ} حثهم {على الْقِتَال} بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الشُّهَدَاءَ وَالْمُجَاهِدِينَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: التَّحْرِيضُ فِي اللُّغَةِ: أَنْ يَحُثَّ الإِنْسَانُ عَلَى الشَّيْءِ حَتَّى يُعْلَمَ مِنْهُ أَنَّهُ حارضٌ إِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، وَالْحَارِضُ: الَّذِي قَدْ قَارَبَ الْهَلاكَ. {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالله مَعَ الصابرين} قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ اللَّهُ قَدْ فَرَضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الآيَةِ أَنْ يَصْبِرُوا لِعَشَرَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 أَمْثَالِهِمْ، ثُمَّ نَسَخَهَا {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضعفا فَإِن تكن مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ ألفٌ يَغْلِبُوا أَلفَيْنِ بِإِذن الله} فَأَمَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَصْبِرُوا لمثليهم؛ إِذْ لَقَوْهُمْ فَلَمْ يُقْبَضْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَظْهَرَ اللَّهُ الدِّينَ وَأَعَزَّهُ، وَصَارَ الْجِهَادُ تَطَوُّعًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَمَنْ فَرَّ مِنْ ثَلاثَةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَلَمْ يَفِرَّ، وَمَنْ فَرَّ مِنِ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ، وَلا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفِرَّ مِنْ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} إِلَى قَوْلِهِ: {عَذَابٌ عَظِيمٌ}. قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَقُولُ: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ قَبْلَكَ يَا مُحَمَّدُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَالله يُرِيد الْآخِرَة} كَانَ هَذَا فِي أَسْرَى بَدْرٍ، يَقُولُ: فَأَخَذْتُمُ الْفِدَاءَ مِنَ الأَسْرَى فِي أَوْلِ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُثْخِنُوا فِي الأَرْضِ. قَالَ الْحَسَنُ: وَلَمْ يَكُنْ أُوحِيَ إِلَى النَّبِيِّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ؛ فَاسْتَشَارَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَجْمَعُوا رَأْيَهُمْ عَلَى قَبُولِ الْفِدَاءِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الإِثْخَانُ فِي الشَّيْءِ (قُوَّةُ) الشَّيْءِ، وَمَعْنَى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ أَي يتَمَكَّن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} أَنَّكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَأْكُلُونَ الْغَنَائِمَ. {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} قَالَ قَتَادَةُ: لَمْ تَحِلَّ الْغَنِيمَةُ إِلا لِهَذِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 الأُمَّةِ؛ كَانَتْ تُجْمَعُ فَتَنْزِلُ عَلَيْهَا النَّار من السَّمَاء فتأكلها. سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (70) إِلَى الْآيَة (71). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 {يَا أَيهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبكُمْ خيرا} يَعْنِي: إسلاماً {يُؤْتكُم خيرا} (ل 122) أَسرُّوا يَوْم بدر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 {فَقَدْ خَانُوا الله من قبل} يَعْنِي: فَقَدْ كَفَرُوا بِاللَّهِ مِنْ قبل {فَأمكن مِنْهُم} حَتَّى صَارُوا أَسْرَى فِي بَدْرٍ. سُورَة الْأَنْفَال من الْآيَة (72) إِلَى الْآيَة (75). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 {إِن الَّذين آمنُوا وَهَاجرُوا} إِلَى " الْمَدِينَةِ " يَعْنِي: الْمُهَاجِرِينَ {وَالَّذِينَ آووا ونصروا} يَعْنِي: الأَنْصَارَ؛ أَوَوُا الْمُهَاجِرِينَ، وَنَصَرُوا اللَّهَ وَرَسَوُلَهُ (أُولَئِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 بَعضهم أَوْلِيَاء بعض} يَعْنِي: الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ. {وَالَّذِينَ آمَنُوا [وَلَمْ يُهَاجِرُوا] مَا لَكُمْ مِنْ ولايتهم من شيءٍ} يَعْنِي: فِي الدِّينِ {حَتَّى يُهَاجِرُوا} قَالَ قَتَادَة: نزلت هَذِه الْآيَة، فَتَوَارَثَ الْمُسْلِمُونَ بِالْهِجْرَةِ زَمَانًا، وَكَانَ لَا يَرِثُ الأَعْرَابِيُّ الْمُسْلِمَ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُهَاجِرِ الْمُسْلِمِ شَيْئًا، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الأَحْزَابِ؛ فَقَالَ: {وَأولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} فَخَلَطَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَصَارَتِ الْمُوَارِيثُ بِالْمِلَلِ. {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدّين} يَعْنِي: الْأَعْرَاب {فَعَلَيْكُم النَّصْر} لَهُمْ؛ لِحُرْمَةِ الإِسْلامِ. {إِلا عَلَى قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق} يَعْنِي: أَهْلَ الْمُوَادَعَةِ وَالْعَهْدِ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ. قَالَ قَتَادَةُ: نَهَى الْمُسلمُونَ عَن نقض ميثاقهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بعضٍ} نَزَلَتْ حِينَ أُمِرَ النَّبِيُّ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً، وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ؛ فَإِذَا أَرَادَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ قَالُوا: مَا تُرِيدُ مِنَّا وَنَحْنُ [ ... ] عَنْكُمْ وَقَدْ نَرَى نَارَكُمْ؟ وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُعَظِّمُونَ النَّارَ؛ لِحُرْمَةِ قُرْبِ الْجِوَارِ؛ لأَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا نَارَهُمْ فَهُمْ جِيرَانُهُمْ، وَإِذَا أَرَادَهُمُ الْمُشْرِكُونَ قَالُوا: مَا تُرِيدُونَ مِنَّا وَنَحْنُ عَلَى دِينِكُمْ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} أَيْ: فَأَلْحِقُوا الْمُشْرِكِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ حَتَّى يَكُونَ حُكْمُكُمْ فِيهِمْ وَاحِدًا. {إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فتْنَة} أَيْ: شِرْكٌ {فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِير} لأَنَّ الشِّرْكَ إِذَا كَانَ فِي الأَرْض فَهُوَ فسادٌ كَبِير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 {وَالَّذين آمنُوا من بعد} يَعْنِي: مِنْ بَعْدِ فَتْحِ " مَكَّةَ " وَبَعْدَ مَا انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ {وَهَاجَرُوا وَجَاهدُوا مَعكُمْ فَأُولَئِك مِنْكُم}. يَحْيَى: عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ وَسُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ؛ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ فَقَالُوا: سَمِعْنَا أَنَّهُ لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ، فَقَالَ: إِنَّ الْهِجْرَةَ قَدِ انْقَطَعَتْ، وَلَكِنْ جهادٌ ونيةٌ حسنةٌ. ثُمَّ قَالَ لِصَفْوَانِ بْنِ أُمَيَّةَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ أَبَا وَهْبٍ لترجعن إِلَى أباطيح مَكَّة " {وَأولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كتاب الله} قَالَ مُحَمَّدٌ: أَيْ: فِي فَرْضِ اللَّهِ؛ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ. {إِنَّ الله بِكُل شَيْء عليم}. سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا بكرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِي خَتَمَ اللَّهُ بِهَا سُورَةَ الأَنْفَالِ هِيَ فِيمَا جَرَّتِ الرَّحِمُ مِنَ الْعُصْبَةِ ". قَالَ محمدٌ: {أولو الْأَرْحَام} وَاحِدُهُمْ: (ذُو) مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 تَفْسِيرُ سُورَةِ بَرَاءَةٍ وَهِيَ مدنيةٌ كُلُّهَا قَالَ يحيى: وَحَدَّثَنِي أَبُو الْجَرَّاحِ الْمَهْرِيُّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: كَيْفَ جَعَلْتُمُ الأَنْفَالَ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينِ مَعَ بَرَاءَةٍ وَهِيَ مِنَ الطُّوَالِ، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " فَقَالَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَنْزِلُ عَلَيْهِ الثَّلاثُ الآيَاتُ وَالأَرْبَعُ الآيَاتُ، وَأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ، فَيَقُولُ: اجْعَلُوا آيَةَ كَذَا وَكَذَا فِي سُورَةِ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا. وَإِنَّهُ قُبِضَ وَلَمْ يَقُلْ لَنَا فِي الأَنْفَالِ شَيْئًا، وَنَظَرْنَا فَرَأَيْنَا قَصَصِهِمَا مُتَشَابِهًا، فَجَعَلْنَاهَا مَعَهَا وَلَمْ نَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ: بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (1) إِلَى الْآيَة (4). (ل 123) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 قَوْلُهُ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} يَقُولُ لِنَبِيِّ اللَّهِ وَأَصْحَابِهِ: بَرَاءَةُ الْعَهْدِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ الله وَبَين مُشْركي الْعَرَب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 {فسيحوا فِي الأَرْض} أَي: اذْهَبُوا {أَرْبَعَة أشهر} يَقُولُهُ لأَهْلِ الْعَهْدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ} سَابِقِي اللَّهَ حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَيْكُمْ {وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 {وأذان من الله وَرَسُوله} أَيْ: وإعلامٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. {إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ {أَنَّ اللَّهَ بريءٌ من الْمُشْركين وَرَسُوله} إِنْ لَمْ يَؤْمِنُوا. تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ تَبُوكَ حِينَ فَرَغَ مِنْهَا؛ فَأَرَادَ أَنْ يَحُجَّ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ يَحْضَرُ الْبَيْتَ مُشْرِكُونَ يَطُوفُونَ عُرَاةً، وَلا أُحِبُّ أَنْ أَحُجَّ حَتَّى لَا يَكُونَ ذَلِكَ. فَأَرْسَلَ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا فَطَافَا فِي النَّاسِ بِذِي الْمَجَازِ، وَبِأَمْكِنَتِهِمِ الَّتِي كَانُوا يَتَبَايَعُونَ فِيهَا، وَبِالْمَوْسِمِ كُلِّهِ، فَآذَنُوا أَصْحَابَ الْعَهْدِ بَأَنَّ يَأْمَنُوا أَرْبَعَةَ [أَشْهُرٍ] مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إِلَى عَشْرِ لَيَالٍ يَمْضِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ، ثُمَّ لَا عَهْدَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ أُمِّرَ عَلَى الْحَاجِّ يومئذٍ، وَنَادَى عليٌّ فِيهِ بِالأَذَانِ، وَكَانَ عَامًا حَجَّ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ النَّبِيُّ قَدْ أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُؤَذِّنَ النَّاسَ بِالْبَرَاءَةِ، فَلَمَّا مَضَى دَعَاهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَا يُبَلِّغُ عَنِّي فِي هَذَا الأَمْرَ إِلا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ". قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّمَا أَمر النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم عَلِيًّا بِذَلِكَ دُونَ أَبِي بَكْرٍ؛ لأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ فِي عَقْدِ عُهُودِهَا لَوْ نَقَضَتْهَا أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ عَلَى الْقَبِيلَةِ رجلٌ مِنْهَا، فَكَانَ جَائِزًا أَنْ تَقُولَ الْعَرَبُ: [إِذَنْ عَلَيْكَ] نَقْضَ الْعُهُودِ مِنَ الرَّسُولِ، هَذَا خِلافُ مَا نَعْرِفُ فِينَا فِي نَقْضِ الْعُهُودِ؛ فَأَزَاحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلَّةَ، وَكَانَ هَذَا فِي سَنَةِ تسعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، بَعْدَ افْتِتَاحِ مَكَّةَ بِسَنَةٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْله {بَرَاءَة} يَجُوزُ الرَّفْعُ فِيهَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَلَى خَبْرِ الابْتِدَاءِ؛ عَلَى مَعْنَى هَذِهِ الآيَاتُ: {بَرَاءَةٌ مِنَ الله وَرَسُوله}. وعَلى الِابْتِدَاء، وَيكون الْخَبَر {إِلَّا الَّذين عاهدتم}. قَوْله: {فَإِن تبتم} يَقُولُ لِلْمُشْرِكِينَ: فَإِنْ تُبْتُمْ مِنَ الشِّرْكِ {فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ توليتم} عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. {فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كفرُوا بِعَذَاب أَلِيم} يَعْنِي: الْقَتْلَ قَبْلَ عَذَابَ الآخِرَةِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قِصَّةِ أَصْحَابِ الْعَهْدِ؛ فَقَالَ: {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئا} أَيْ: لَمْ يَضُرُّوكُمْ {وَلَمْ يُظَاهِرُوا} يعاونوا {عَلَيْكُم أحدا} مِنَ الْمُشْرِكِينَ {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مدتهم}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (5) إِلَى الْآيَة (6). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 {فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم} قَالَ الْحَسَنُ: رَجَعَ إِلَى قِصَّةِ أَصْحَابِ الْعَهْدِ، وَالأَشْهُرِ الْحُرُمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: هِيَ الأَشْهَرُ الَّتِي أُجِلُّوا آخِرَ عَشْرَ ليالٍ يَمْضِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الآخَرِ، وَسَمَّاهَا حُرُمًا؛ لأَنَّهُ نَهَى عَنْ قِتَالِهِمْ فِيهَا وَحَرَّمَهُ. {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كل مرصد} يَعْنِي: عَلَى كُلِّ طَرِيقٍ تَأْمُرُونَ بِقَتَالِهِمْ فِي الْحِلِّ وَالْحَرِمِ وَعِنْدَ الْبَيْتِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {وَخُذُوهُمْ} مَعْنَاهُ: وَأْسِرُوهُمْ؛ يُقَالُ لِلأَسِيرِ: أخيذٌ، وَمعنى {واحصروهم}: احْبِسُوهُمْ؛ الْحَصْرُ: الْحَبْسُ. {فَإِنْ تَابُوا} يَعْنِي: مِنَ الشِّرْكِ {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتوا الزَّكَاة} يَعْنِي: أَقَرُّوا بِهَا {فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} لِيَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ {فَأَجِرْهُ حَتَّى يسمع كَلَام الله} فَإِنْ أَسْلَمَ أَسْلَمَ، وَإِنْ أَبَى أَن يسلم فأبلغه {مأمنه} أَيْ: لَا تُحَرِّكْهُ حَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ. قَالَ الْحَسَنُ: هِيَ محكمةٌ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (7) إِلَى الْآيَة (11). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلا الَّذِينَ عاهدتم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام} أَيْ: لَيْسَ الْعَهْدُ إِلا لِهَؤُلاءِ الَّذِينَ لَمْ يَنْكُثُوا. {فَمَا اسْتَقَامُوا لكم} على الْعَهْد {فاستقيموا لَهُم} عَلَيْهِ. {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 {كَيفَ وَإِن يظهروا عَلَيْكُم} (ل 124) أَيْ: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشُرِكِينَ عهدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ، وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ {لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلَّا وَلَا ذمَّة} الإل: الْجوَار، والذمة: الْعَهْد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 {اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا} يُرِيدُ: مَتَاعَ الدُّنْيَا {فَصَدُّوا عَنْ سَبيله}. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (12) إِلَى الْآيَة (13). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ} إِلَى قَوْله: {وَالله عليم حَكِيم} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ وَادِعَ أَهْلَ مَكَّةَ سَنَةً؛ وَهُوَ يومئذٍ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فَحَبَسُوهُ عَنِ الْبَيْتِ، ثُمَّ صَالَحُوهُ؛ عَلَى أَنَّكَ تَرْجِعُ عَامَكَ هَذَا وَلا تَطَأُ بَلَدَنَا، وَلا تَنْحَرُ الْبُدْنَ مِنْ أَرْضِنَا، وَأَنْ نُخَلِّيَهَا لَكَ عَامًا قَابِلا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَلا تَأْتِينَا بِالسِّلاحِ إِلا سِلاحًا تَجْعَلُهَا فِي قِرَابٍ وَأَنَّهُ مَنْ صَبَأَ مِنَّا إِلَيْكَ فَهُوَ إِلَيْنَا ردٌّ. فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ، فَمَكَثُوا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثُوا، ثُمَّ إِنَّ حُلَفَاءَ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ خُزَاعَةَ قَاتَلُوا حُلَفَاءَ بَنِي أُمَيَّةَ مِنْ بَنِي كَنَانَةَ؛ فَأَمَدَّتْ بَنُو أُمَيَّةَ حُلَفَاءَهُمْ بِالسِّلاحِ وَالطَّعَامِ، فَرَكِبَ ثَلاثُونَ رَجُلا مِنْ حُلَفَاءِ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ خُزَاعَةَ فِيهِمْ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ، فَنَاشَدُوا رَسُولَ اللَّهِ الْحلف، فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْ يُعِينَ حُلَفَاءَهُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَان لَهُم}: لَا عَهْدَ لَهُمْ {لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} نَكَثُوا عَهْدَهُمْ {وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ} قَالَ الْحَسَنُ: مِنَ الْمَدِينَةِ {وَهُمْ بدءوكم أول مرّة} فاستحلوا قتال حلفائكم {أتخشونهم} عَلَى الاسْتِفْهَامِ؛ فَلا تُقَاتِلُونَهُمْ {فَاللَّهُ أَحَق} أَوْلَى {أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤمنين} يَعْنِي: إِذا كُنْتُم مُؤمنين. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (14) إِلَى الْآيَة (16). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 {قاتلوهم يعذبهم الله بِأَيْدِيكُمْ} يَعْنِي: الْقَتْلَ {وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غيظ قُلُوبهم} وَالْقَوْمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ شَفَى اللَّهُ صُدُورَهُمْ: حُلَفَاءُ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ مُؤْمِنِي خُزَاعَةَ، فَأَصَابُوا يومئذٍ وَهُوَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ مِقْيَسَ بْنَ صَبَابَةَ فِي خَمْسِينَ رَجُلا مِنْ قَوْمِهِ {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاء} لَيْسَ بجوابٍ لقَوْله: {قاتلوهم} وَلكنه مُسْتَأْنف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 قَوْلُهُ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُم}. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَدْ عَلِمَ اللَّهُ قَبْلَ أَمْرِهِمْ بِالْقِتَالِ مَنْ يُقَاتِلُ مِمَّنْ لَا يُقَاتِلُ، لَكِنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ غَيْبًا؛ فَأَرَادَ اللَّهُ الْعِلْمَ الَّذِي يُجَازِي عَلَيْهِ، وَتَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ؛ وَهُوَ عِلْمُ الْفِعَالِ. {وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً} بطانةً. قَالَ مُحَمَّد: {وليجة} مَأْخُوذَةٌ مِنَ: الْوُلُوجِ؛ وَهُوَ أَنْ يَتَّخِذَ رجلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ دَخِيلا من الْمُشْركين وخليطاً. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (17) إِلَى الْآيَة (18). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بالْكفْر} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 هَذَا حِينَ نُفِيَ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: {شَاهِدِينَ} حَالُ؛ الْمَعْنَى: مَا كَانَتْ لَهُمْ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ فِي حَالِ إِقْرَارِهِمْ بالْكفْر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} الْآيَة و {عَسى} من الله وَاجِبَة. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (19) إِلَى الْآيَة (22). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَام} قَالَ مُجَاهِدٌ: أُمِرُوا بِالْهِجْرَةِ، فَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَنَا أَسْقِي الْحَاجَّ، وَقَالَ طَلْحَةُ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ: أَنَا حَاجِبُ الْكَعْبَةِ؛ فَلا نُهَاجِرُ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْده أجر عَظِيم} وَكَانَ هَذَا قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (23) إِلَى الْآيَة (24). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ على الْإِيمَان}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: فَتْحَ مَكَّةَ. {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ عَلَى شَرْكِهِمْ. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (25) إِلَى الْآيَة (27). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَة} يَعْنِي: يَوْمَ بَدْرٍ، وَالأَيَّامَ الَّتِي نَصَرَ اللَّهُ فِيهَا النَّبِيَّ وَالْمُؤْمِنِينَ. {وَيَوْم حنين} أَي: وَفِي يَوْم (ل 125) حُنَيْنٍ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِيهِ {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئا} الآيَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا ذَهَبَ إِلَى حُنَيْنٍ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَلَقِيَ بِهَا جَمْعَ هَوَازِنَ وَثَقِيفٍ، وَهُمْ قريبٌ مِنْ أَرْبَعَةِ آلافٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ - فِيمَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ - فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، فَلَمَّا الْتَقَوْا قَالَ رجلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ: لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ. فَوَجَدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَلِمَتِهِ وِجْدًا شَدِيدًا، وَخَرَجَتْ هَوَازِنُ وَمَعَهَا دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 شيخٌ كَبِيرٌ. فَقَالَ دُرَيْدٌ: يَا مَعْشَرَ هَوَازِنَ، أَمَعَكُمْ مِنْ بَنِي كِلابٍ أحدٌ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَمِنْ بَنِي كَعْبٍ أحدٌ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَمِنْ بَنِي عَامِرٍ أحدٌ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَمَعَكُمْ مَنْ بَنِي هِلالِ بْنِ عَامِرٍ أحدٌ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ أَنْ لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ؛ فَأَطِيعُونِي فَارْجِعُوا. فَعَصَوْهُ، فَاقْتَتَلُوا فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ. وَأَخَذَ الْعَبَّاسُ بِثَغْرِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ، ثُمَّ نَادَى: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَيَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ الَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا؛ إِنَّ هَذَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلُمَّ لَكُمْ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ رَجُلا صَيِّتًا؛ فَأَسْمَعَ الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا فَأَقْبَلُوا، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَأَقْبَلُوا لِنَصْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَأَقْبَلُوا لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ، فَالْتَقَوْا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْتَتلُوا قتالاً شَدِيدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لم تَرَوْهَا} يَعْنِي: الْمَلائِكَةَ {وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وَهُوَ الْقَتْلُ قَبْلَ عَذَابِ الآخِرَةِ. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (28) إِلَى الْآيَة (29). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} أَيْ: قذرٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 قَالَ محمدٌ: يُقَالُ لِكُلِّ مستقذرٍ: نَجَسٌ، فَإِذَا ذَكَرْتَ الرِّجْسَ، قُلْتَ: هُوَ رِجْسٌ نجسٌ. {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} هُوَ الْعَامُ الَّذِي حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ، وَنَادَى فِيهِ عليٌّ بِالأَذَانِ. {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} كَانَ لأَهْلِ مَكَّةَ مكسبةٌ ورفقٌ مِمَّنْ كَانَ يَحُجُّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا عُزِلُوا عَنْ ذَلِكَ اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ، فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ يُعَوِّضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ محمدٌ: الْعَيْلَةُ: الْفَقْرُ؛ يُقَالُ: عَالَ الرَّجُلُ يَعِيلُ؛ إِذَا افْتَقَرَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: (وَمَا يَدْرِي الْفَقِيرُ مَتَى غِنَاهُ ... وَمَا يَدْرِي الْغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخر} الآيَةُ، فَأَمَرَ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ حَتَّى يُسْلِمُوا، أَوْ يُقِرُّوا بِالْجِزْيَةِ. قَالَ محمدٌ: قَوْلُهُ: {عَنْ يَدٍ} يُقَالُ: أَعْطَاهُ عَنْ يدٍ، وَعَنْ ظَهْرِ يدٍ؛ أَيْ: أَعْطَاهُ ذَلِكَ مبتدئاً غير مكافئ. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (30) إِلَى الْآيَة (33). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {ذَلِكَ قَوْلهم بأفواههم}. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: أَنَّهُ قولٌ بفمٍ؛ أَيْ: لَا بُرْهَانَ عَلَيْهِ، وَلَا صِحَة تَحْتَهُ. {يضاهئون} يُشَابِهُونَ؛ يَعْنِي: النَّصَارَى {قَوْلَ الَّذِينَ كفرُوا من قبل} يَعْنِي: الْيَهُودَ؛ أَيْ: ضَاهَتِ النَّصَارَى قَوْلَ الْيَهُودِ قَبْلَهُمْ؛ قَالَتْ الْيَهُودُ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَقَالَتِ النَّصَارَى: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} أَيْ: لَعَنَهُمُ اللَّهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقيل: {قَاتلهم} بِمَعْنى: قَتلهمْ. {أَنى يؤفكون} كَيْفَ يُقْلَبُونَ عَنِ الْحَقِّ وَيُصْرَفُونَ؟! الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} أَي: وَاتَّخذُوا الْمَسِيح ابْن مَرْيَمَ رَبًّا {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ} يُنَزِّهُ نَفْسَهُ {عَمَّا يُشْرِكُونَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بأفواههم} يَعْنِي: مَا يَدَّعُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَمَا حَرَّفُوا مِنْ كتاب الله - عز وَجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 - {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُله} قَالَ ابْنُ عباسٍ: يَعْنِي: شَرَائِعَ الدِّينِ كُلِّهِ، فَلَمْ يُقْبَضْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ل 126) حَتَّى أَظْهَرَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 ذَلِكَ كُلَّهُ. وَفِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: {لِيظْهرهُ على الدّين كُله}: حَتَّى يَكُونَ الْحَاكِمُ عَلَى أَهْلِ الأَدْيَانِ كُلِّهَا؛ فَكَانَ ذَلِكَ حَتَّى ظَهَرَ عَلَى عَبَدَةِ الأَوْثَانِ، وَحَكَمَ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ فَأَخَذَ مِنْهُمُ الْجِزْيَة، وَمن الْمَجُوس. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (34) إِلَى الْآيَة (35). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} يَعْنِي: مَا كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنَ الرُّشَا فِي الْحُكْمِ، وَعَلَى مَا حَرَّفُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ. {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تكنزون} يَعْنِي: مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الإِنْفَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ يحيى: وسمعتهم يَقُولُونَ: نَسَخَتِ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ كَانَتْ قَبْلَهَا. يحيى: عَنْ خالدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَدَّى الزَّكَاةَ، فَقَدْ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي مَالِهِ، وَمَنِ ازْدَادَ فَهُوَ خيرٌ لَهُ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (36) إِلَى الْآيَة (37). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ الله}. قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: فِي كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي تُنْسَخُ مِنْهُ كُتُبُ الأَنْبِيَاءِ وَفِي جَمِيعِ كُتُبِ اللَّهِ {مِنْهَا أَرْبَعَة حرم} الْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحجَّة. {ذَلِك الدّين الْقيم} يَعْنِي: أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِ هَذِهِ الأَرْبَعَةَ الأَشْهُرَ {فَلا تظلموا فِيهِنَّ أَنفسكُم} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: يَقُولُ: اعْلَمُوا أَنَّ الظُّلْمَ فِيهِنَّ أَعْظَمُ خَطِيئَةٍ [وَوِزْرًا] فِيمَا سِوَاهُنَّ. {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} أَيْ: جَمِيعًا، وَهَذَا حِينَ أَمَرَ بقتالهم جَمِيعًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} الآيَةُ، تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: النَّسِيءُ: هُوَ الْمُحَرَّمُ كَانُوا يُسَمُّونَهُ صَفَرَ الأَوَّلَ، وَكَانَ الَّذِي يُحِلُّهُ لِلنَّاسِ جُنَادَةُ بْنُ عَوْفٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 الْكِنَانِيُّ كَانَ يُنَادِي بِالْمَوْسِمِ: إِنَّ الصفر الأول حلالٌ، فيحله للنَّاس، وَيُحَرِّمُ صَفَرَ مَكَانَ الْمُحَرَّمِ؛ فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَرَّمَ الْمُحَرَّمَ، وَأحل صفر. وَمعنى {ليواطئوا}: لِيُوَافِقُوا {عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} كَانُوا يَقُولُونَ: هَذِهِ أربعةٌ بِمَنْزِلَةِ أَرْبَعَةٍ. قَالَ محمدٌ: النَّسِيءُ فِي اللُّغَةِ: التَّأْخِيرُ؛ يَقُولُ: تَأْخِيرُهُمُ الْمُحَرَّمِ سَنَةً وَتَحْرِيمُ غَيْرِهِ سَنَةً؛ فَإِذَا كَانَ فِي السَّنَةِ الأُخْرَى رَدُّوهُ إِلَى التَّحْرِيمِ فَنَسْؤُهُمْ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي كُفْرِهِمْ؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْكَلْبِيّ. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (38) إِلَى الْآيَة (40). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ الله اثاقلتم إِلَى الأَرْض} هِيَ مِثْلَ قَوْلِهِ: {أَخْلَدَ إِلَى الأَرْض} يَعْنِي: الرِّضَا بالدنيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 (إِلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قوما غَيْركُمْ} يَقُولُ: يَهْلِكَكُمْ بِالْعَذَابِ، وَيَسْتَبْدِلُ قَوْمًا غَيْركُمْ {وَلَا تضروه شَيْئا} قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ هَذَا حِينَ أُمِرُوا بِغَزْوَةِ تَبُوكَ فِي الصَّيْفِ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ، وَاشْتَهَوْا الظِّلَّ، وشق عَلَيْهِم الْخُرُوج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 {إِلَّا تنصروه} يَعْنِي: النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم {فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذين كفرُوا} مِنْ مَكَّةَ {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار} وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا اجْتَمَعُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ، فَتَآمَرُوا بِالنَّبِيِّ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى مَا قَالَ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلٍ؛ وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ فِي سُورَةِ الأَنْفَالِ فَأَوْحَى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَيْهِ؛ فَخَرَجَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ لَيْلا؛ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْغَارِ، فَطَلَبَهُ الْمُشْرِكُونَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَطَلَبُوا، [ ... ] وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ دَخَلَ الْغَارَ قَبْلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَسَ الْغَارَ فَنَظَرَ مَا بِهِ؛ لِئَلا يَكُونُ فِيهِ سبعٌ أَوْ حيةٌ يَقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَارَ، وَأَخَذَتْ يمامةٌ فَوَضَعَتْ عَلَى بَابِ الْغَارِ فَجَعَلا يَسْتَمِعَانِ وَقْعَ حَوَافِرِ دَوَابِّ الْمُشْرِكِينَ فِي طَلَبِهِمَا، فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَبْكِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْكَ الْمُشْرِكُونَ فَيَقْتُلُوكَ؛ فَلا يُعْبَدُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بَعْدَكَ أَبَدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} وَجعل أَبُو بكر يمسح (ل 127) الدُّمُوعَ عَنْ خَدِّهِ {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سكينته عَلَيْهِ}. قَالَ الْحَسَنُ: السَّكِينَةُ: الْوَقَارُ. قَالَ محمدٌ: وَهِيَ مِنَ السُّكُونِ؛ الْمَعْنَى: أَنَّهُ أَلْقَى فِي قَلْبِهِ مَا سَكَنَ بِهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 وَعَلِمَ أَنَّهُمْ غَيْرُ وَاصِلِينَ إِلَيْهِ {وأيده بِجُنُود لم تَرَوْهَا} يَعْنِي: الْمَلائِكَةَ عِنْدَ قِتَالِهِ الْمُشْرِكِينَ. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (41) إِلَى الْآيَة (42). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 {انفروا خفافا وثقالا} قَالَ الْمَعْنى: شبَابًا وشيوخاً. قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَذَلِكَ حِينَ اسْتَنْفَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى تَبُوكَ فِي حرٍّ شَدِيدٍ، وَعُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ، فَكَرِهَ بَعْضُ النَّاسِ الْخُرُوجَ، وَجَعَلُوا يَسْتَأْذِنُونَ فِي الْمَقَامِ مِنْ بَيْنَ [ ... ] وَمَنْ لَيْسَتْ بِهِ عِلَّةٌ؛ فَيَأْذَنُ لِمَنْ شَاءَ أَنْ يَأْذَنَ، وَتَخَلَّفَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بَغَيْرِ إِذْنٍ؛ فَأَنْزَلَ الله - عز وَجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 - فَقَالَ: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا} يَعْنِي: غَنِيمَةً قَرِيبَةً {وَسَفَرًا قَاصِدًا} أَيْ: قَرِيبًا {لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِم الشقة} يَعْنِي: السَّفَرَ {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ استطعنا} يَعْنِي: لَوْ وَجَدْنَا سَعَةً فِي الْمَالِ {لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ} بِالْكَذِبِ {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} أَي: إِنَّمَا اعتلوا بِالْكَذِبِ. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (43) إِلَى الْآيَة (47). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 {عَفا الله عَنْك لما أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذين صدقُوا} يَعْنِي: مَنْ لَهُ عذرٌ {وَتَعْلَمَ الْكَاذِبين} أَيْ: مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ. قَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنت لَهُم} اشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بَعْدَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ النُّور: {فَإِذا استئذنوك لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُم} فَنَسَخَتِ الآيَةَ الَّتِي فِي بَرَاءَةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم} فَيَتَخَلَّفُوا عَنْكَ، وَلا عُذْرَ لَهُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 {إِنَّمَا يستئذنك الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر} كَرَاهِيَة للْجِهَاد {وارتابت قُلُوبهم} أَيْ: شَكَّتْ فِي اللَّهِ - عَزَّ وَجل - وَفِي دينه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عدَّة} يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ. {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انبعاثهم} خُرُوجَهُمْ؛ لِمَا يَعْلَمُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ عُيُونٌ لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ؛ وَلِمَا يَمْشُونَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّمِيمَةِ وَالْفَسَادِ {فَثَبَّطَهُمْ} أَي: صرفهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 {لَو خَرجُوا فِيكُم} يَقُولُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ {مَا زَادُوكُمْ إِلا خبالا ولأوضعوا خلالكم} أَيْ: مَشُوا بَيْنَكُمْ بِالنَّمِيمَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْوَضْعُ فِي اللُّغَةِ: سُرْعَةُ السَّيْرِ؛ يُقَالُ: وَضَعَ الْبَعِيرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وأوضعته. {يبغونكم الْفِتْنَة} أَيْ: يَبْغُونَ أَنْ تَكُونُوا مُشْرِكِينَ، وَأَنْ يَظْهَرَ عَلَيْكُمُ الْمُشْرِكُونَ {وَفِيكُمْ سماعون لَهُم} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ عيونٌ لِلْمُشْرِكِينَ عَلَيْكُمْ يَسْمَعُونَ أَخْبَارِكُمْ، فيرسلون بهَا إِلَى الْمُشْركين. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (48) إِلَى الْآيَة (49). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 {لقد ابْتَغوا الْفِتْنَة} يَعْنِي: الشّرك {مِنْ قَبْلُ} أَيْ: مِنْ قَبْلِ أَنْ تُهَاجِرُوا {وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ} هُوَ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَو يَقْتُلُوك أَو يخرجوك} وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُهُ {حَتَّى جَاءَ الْحق} الْقُرْآن {وَظهر أَمر الله} الْإِسْلَام {وهم كَارِهُون} لظُهُوره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} يَا مُحَمَّدُ أَقِمْ فِي أَهْلِي {وَلَا تفتني} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغْزُوا تَبُوكَ تَغْنَمُوا بَنَاتَ الأَصْفَرِ نِسَاءَ الرُّومِ. فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: ائْذَنْ لَنَا وَلا تَفْتِنَّا بِالنِّسَاءِ " قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: (أَلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 فِي الْفِتْنَة} يَعْنِي: الهلة؛ وَهُوَ الشّرك {سقطوا} أَي: وَقَعُوا. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (50) إِلَى الْآيَة (54). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 {إِن تصبك حسنةٌ} يَعْنِي: النَّصْر {تسؤهم} تِلْكَ الْحَسَنَةُ. {وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ} أَيْ: نَكْبَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ} أَيْ: أَخَذْنَا الْوَثِيقَةَ فِي مُخَالَفَةِ مُحَمَّد، وَالْجُلُوس عَنهُ {ويتولوا} إِلَى مَنَازِلهمْ {وهم فَرِحُونَ} بِالَّذِي دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنَ النكبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا} ولينا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 {قل هَل تربصون بِنَا} تَنْتَظِرُونَ بِنَا؛ يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ {إِلا إِحْدَى الحسنيين} أَنْ نَظْهَرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَنَقْتُلَهُمْ ونغنمهم، أَو نقْتل (ل 128) فَنَدْخُلَ الْجَنَّةَ {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بعذابٍ مِنْ عِنْده} يُهْلِكهُمْ بِهِ {أَو بِأَيْدِينَا} أَيْ: نَسْتَخْرِجُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ مِنَ النِّفَاقِ؛ حَتَّى تُظْهِرُوا الشِّرْكَ فنقتلكم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} يَعْنِي: مِمَّا يُفْرَضُ عَلَيْكُمْ مِنَ النَّفَقَةِ فِي الْجِهَادِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 {لن يتَقَبَّل مِنْكُم}. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {قُلْ أَنْفِقُوا} قَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ فِيهِ: هَذَا لَفْظُ أَمْرٍ، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الشَّرْطِ وَالْخَبَرِ؛ أَيْ: يَقُولُ: إِنْ أَنْفَقْتُمْ طَائِعِينَ أَوْ مُكْرَهِينَ، لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ. قَالَ: وَمِثْلُ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ الشِّعْرِ قَوْلُ كُثَيْرٍ: (أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لَا ملومةٌ ... لَدَيْنَا وَلا مقليةٌ إِنْ تَقَلَّتِ) فَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالإِسَاءَةِ، لَكِنْ أَعْلَمَهَا أَنَّهَا إِنْ أَسَاءَتْ أَوْ أَحْسَنَتْ فَهُوَ على عهدها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 قَوْلُهُ: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّه وبرسوله} وَأَظْهَرُوا الإِيمَانَ {وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وهم كَارِهُون} للإنفاق فِي سَبِيل الله. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (55) إِلَى الْآيَة (59). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَعْنِي: أَنَّهُمْ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ، وَيُشْخِصُونَ أَبْدَانَهُمْ يُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَهُمُ الْمُشْرِكِينَ مَعَ أَعْدَائِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ؛ لأَنَّهُمْ يُخْفُونَ لَهُمُ الْعَدَاوَةَ؛ فَهُوَ تَعْذِيبٌ لَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا {وَتَزْهَقَ أنفسهم} أَي: تذْهب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 {ويحلفون بِاللَّه إِنَّهُم لمنكم} فِيمَا أَظْهَرُوا مِنَ الإِيمَانِ {وَمَا هم مِنْكُم} فِيمَا يُسِرُّونَ مِنَ الْكُفْرِ {وَلَكِنَّهُمْ قوم يفرقون} عَلَى دِمَائِهِمْ إِنْ أَظْهَرُوا الشِّرْكَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 {لَو يَجدونَ ملْجأ} يَعْنِي: حِصْنًا يَلْجَئُونَ إِلَيْهِ {أَوْ مغارات} يَعْنِي: غيرانا {أَو مدخلًا} أَي: سرباً {لولوا إِلَيْهِ} مُفَارَقَةً لِلنَّبِيِّ وَلِدِينِهِ {وَهُمْ يَجْمَحُونَ} أَي: يسرعون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} أَيْ: يَعِيبُكَ، وَيَطْعَنُ عَلَيْكَ {فَإِنْ أعْطوا مِنْهَا رَضوا} الآيَةَ، قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ رَجُلا حَدِيثُ عهدٍ بِأَعْرَابِيَّةٍ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقْسِمُ ذَهَبًا وَفِضَّةً، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنْ كَانَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - قَدْ أَمَرَكَ أَنْ تَعْدِلَ، فَمَا عَدَلْتَ مُنْذُ الْيَوْمِ. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْلَكَ فَمَنْ يَعْدِلُ عَلَيْكَ بَعْدِي؟! ثُمَّ قَالَ: احْذَرُوا هَذَا وَأَشْبَاهَهُ؛ فَإِنَّ فِي أُمَّتِي أَشْبَاهُ هَذَا؛ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوز تراقيهم ". سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (60) فَقَط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ الله وَرَسُوله} أَيْ: أَعْطَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. يَعْنِي: مِنْ فَضْلِ اللَّهِ {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُوله} الآيَةُ. وَهِيَ تُقْرَأُ أَيْضًا: (وَرَسُولَهُ) بِالنَّصْبِ؛ أَيْ: يُؤْتِي رَسُولَهُ. وَفِيهَا إِضْمَارٌ؛ أَيْ: لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِمَّا أظهرُوا من النِّفَاق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} قَالَ الْحَسَنُ: الْفَقِيرُ: الْقَاعِدُ فِي بَيْتِهِ لَا يَسْأَلُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي يَسْأَلُ {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} يَعْنِي: عَلَى الصَّدَقَاتِ الَّذِينَ يَسْعَونَ فِي جَمْعِهَا؛ جَعَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُمْ فِيهَا سَهْمًا {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبهم} ناسٌ كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يُعْطِيهِمْ يَتَأَلَّفُهُمْ بِذَلِكَ لِكَيْ يُسْلِمُوا، جَعَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُمْ سَهْمًا؛ مِنْهُمْ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حصنٍ {وَفِي الرّقاب} يَعْنِي: كل عبدٍ {والغارمين} مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دينٌ أَوْ غرمٌ مِنْ غَيْرِ فسادٍ {وَفِي سَبِيل الله} يُحْمَلُ مَنْ لَيْسَ لَهُ [ ... ] يُعْطَى مِنْهَا {وَابْنُ السَّبِيلِ} الْمُسَافِرُ إِذَا قُطِعَ بِهِ؛ جَعَلَ اللَّهُ لِهَؤُلاءِ فِيهَا سَهْمًا. قَالَ عليٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا هُوَ علمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فَفِي أَيْ صِنْفٍ مِنْهُمْ جَعَلْتُهَا أَجْزَأَكَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 {فَرِيضَة من الله} وَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الزَّكَاةِ {وَاللَّهُ عليم حَكِيم} عليمٌ بِخَلْقِهِ، حكيمٌ فِي أَمْرِهِ. قَالَ محمدٌ: {فَرِيضَة} بِالنَّصْبِ عَلَى التَّوْكِيدِ، الْمَعْنَى: فَرَضَ الله الصَّدقَات لهَؤُلَاء فَرِيضَة. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (61) فَقَط. (ل 129) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 {وَمِنْهُم الَّذين يُؤْذونَ النَّبِي} يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ، قَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا يَقُولُونَ: هَذَا الرَّجُلُ أُذُنٌ، مَنْ شَاءَ صَرَفَهُ حَيْثُ شَاءَ لَيْسَتْ لَهُ عَزِيمَةٌ، فَقَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجل - لنَبيه: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّه} وَهِيَ تُقْرَأُ (أُذُنُ خيرٍ لَكُمْ) أَيْ: هَذَا الَّذِي تَزْعُمُونَ أَنَّهُ أذنٌ خَيْرٍ لَكُمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: قُلْ مَنْ يَسْتَمِعُ مِنْكُمْ وَيَكُونُ قَابِلا لِلْعُذْرِ خَيْرٌ لَكُمْ {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ويؤمن للْمُؤْمِنين} يُصَدِّقُ اللَّهَ، وَيُصَدِّقُ الْمُؤْمِنِينَ. {وَرَحْمَةٌ للَّذين آمنُوا مِنْكُم} رَحِمَهُمُ اللَّهُ بِهِ، فَأَنْقَذَهُمْ مِنَ الْجَاهِلِيَّة وظلمتها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (62) إِلَى الْآيَة (63). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 {يحلفُونَ بِاللَّه لكم ليرضوكم} بِالْكَذِبِ {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يرضوه} بِالصّدقِ من قُلُوبهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ الله وَرَسُوله} أَيْ: مَنْ يُعَادِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. {فَأن لَهُ نَار جَهَنَّم}. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {مَنْ يُحَادِدِ الله وَرَسُوله} مَعْنَاهُ: مَنْ يَكُونُ فِي حدٍّ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ فِي حدٍّ؛ أَيْ: جَانب. وتقرأ (فَأن لَهُ) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ فَمَنْ كَسَرَ فَعَلَى الاسْتِئْنَافِ؛ كَمَا تَقُولُ: فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ، وَدَخَلَتْ (إِنَّ) مُؤَكِّدَةً. وَمَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ (فَأَنَّ لَهُ)، فَإِنَّمَا أَعَادَ (أَنَّ) الأُولَى تَوْكِيدًا؛ لأَنَّهُ لَمَّا طَالَ الْكَلامُ كَانَ إِعَادَتهَا أوكد. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (64) إِلَى الْآيَة (67). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ} مِنَ النِّفَاقِ؛ أَيْ: تُبَيِّنُ؛ فَفَعَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - ذَلِكَ بِهِمْ، فَأَخْرَجَ أَضْغَانَهُمْ؛ وَهُوَ مَا كَانُوا يُكِنُّونَ فِي صُدُورِهِمْ. قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ " بَرَاءَةٌ " تُسَمَّى: فَاضِحَةُ الْمُنَافِقِينَ؛ لأَنَّهَا أَنْبَأَتْ بِمَقَالَتِهِمْ وأعمالهم. {قل استهزئوا} بمحمدٍ وَأَصْحَابِهِ؛ وَهَذَا وعيدٌ مِثْلَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر}. {إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ} فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ، فَأَخْرَجَ أَضْغَانَهُمْ؛ وَهُوَ مَا كَانُوا يُكِنُّونَ فِي صُدُورهمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب} إِلَى قَوْلِهِ: {بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} قَالَ الْكَلْبِيُّ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَجَعَ مِنْ تَبُوكَ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ إِذَا هُوَ برهطٍ أربعةٍ يَسِيرُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ وَهُمْ يَضْحَكُونَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ بِاللَّهِ - تَعَالَى ذِكْرِهِ - وَرَسُولِهِ وَكِتَابِهِ. فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، فَقَالَ: أَدْرِكْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَحْتَرِقُوا، وَاسْأَلْهُمْ: مِمَّ يَضْحَكُونَ؟ فَإِنَّهُمْ سَيَقُولُونَ مِمَّا يَخُوضُ فِيهِ الرَّكْبُ إِذَا سَارُوا. فَلَحِقَهُمْ عمار، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 فَقَالَ: مِم تَضْحَكُونَ؟ وَمَا تَقُولُونَ؟ فَقَالُوا: مِمَّا يَخُوضُ فِيهِ الرَّكْبُ إِذَا سَارُوا. فَقَالَ عمار (عَرفْنَاهُ) اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَبَلَّغَ الرَّسُولَ احْتَرَقْتُمْ لَعَنَكُمُ اللَّهُ وَكَانَ يُسَايِرُهُمْ رَجُلٌ لَمْ يَنْهَهُمْ، وَجَاءُوا إِلَى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَذِرُونَ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانكُمْ} أَيْ: بَعْدَ إِقْرَارِكُمْ {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً} فَيُرْجَى أَنْ يَكُونَ الْعَفْوُ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِمَنْ لَمْ يمالئهم، وَلم ينههم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} أَيْ: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ {يَأْمُرُونَ بالمنكر} بِالْكُفْرِ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوف} عَنِ الإِيمَانِ بِاللَّهِ {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} يَعْنِي: لَا يَبْسُطُونَهَا بِالنَّفَقَةِ فِي الْحق. {نسوا الله} أَيْ: تَرَكُوا ذِكْرَهُ بِالإِخْلاصِ مِنْ قُلُوبهم {فنسيهم} فَتَرَكَهُمْ أَنْ يُذَكِّرَهُمْ بِمَا يُذَكِّرُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْخَيْرِ {إِنَّ الْمُنَافِقين هم الْفَاسِقُونَ} يَعْنِي: بِهِ فسق الشّرك. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (68) إِلَى الْآيَة (70). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ} إِلَى قَوْله: {هِيَ حسبهم} قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: حَسْبُ فُلانٍ مَا نَزَلَ بِهِ؛ أَيْ: ذَلِكَ على قدر فعله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 {كَالَّذِين من قبلكُمْ} يَعْنِي: مِنَ الْكُفَّارِ {كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُم قُوَّة} قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: وَعَدَكُمُ اللَّهُ على الْكفْر (ل 130) كَمَا وَعَدَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ}. تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: يَقُولُ: فَاسْتَمْتَعْتُمْ فِي الدُّنْيَا بِنَصِيبِكُمْ مِنَ الآخِرَةِ، كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِنَصِيبِهِمْ من الْآخِرَة {وخضتم} فِي الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ {كَالَّذِي خَاضُوا}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قبلهم} إِلَى قَوْله: {والمؤتفكات} يَقُولُ: بَلَى قَدْ أَتَاهُمْ خَبَرُهُمْ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي كِتَابه {والمؤتفكات} يَعْنِي: الْمُنْقَلِبَاتِ؛ وَهِيَ (قُرَيَّاتُ) قَوْمِ لُوطٍ الثَّلاثُ؛ رَفَعَهَا جِبْرِيلُ بِجَنَاحِهِ ثُمَّ قَلَبَهَا {فَمَا كَانَ اللَّهُ ليظلمهم} بِإِهْلاكِهِ إِيَّاهُمْ {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يظْلمُونَ} بِجُحُودِهِمْ وَشِرْكِهِمْ؛ يَحْذَرُ هَؤُلاءِ مَا فعل بِمن قبلهم. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (71) إِلَى الْآيَة (72). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طيبَة فِي جنَّات عدن} قَالَ الْحَسَنُ: (عدنٌ) اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْجَنَّةِ. قَالَ محمدٌ: الْعَدْنُ فِي اللُّغَةِ: الإِقَامَةُ؛ يُقَالُ: عَدَنْتُ بِمَوْضِعِ كَذَا؛ أَيْ: أَقَمْتُ بِهِ. {ورضوان من الله أكبر} مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ مُلْكِ الْجَنَّةِ. يحيى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَرَأَوْا مَا فِيهَا قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُمْ: لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا. قَالُوا: رَبَّنَا لَا شَيْءَ أَفْضَلَ مِنَ الْجَنَّةِ. قَالَ: بَلَى أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي ". قَالَ الْحَسَنُ: يَصِلُ إِلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مِنَ اللَّذَّةِ وَالسُّرُورِ مَا هُوَ أَلَذُّ عِنْدَهُمْ وَأَقَرُّ لأَعْيُنِهِمْ مِنْ كُلِّ شيءٍ أَصَابُوهُ مِنْ لَذَّة الْجنَّة. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (73) إِلَى الْآيَة (74). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 {يَا أَيهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِم} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: جَاهِدِ الْمُنَافِقِينَ بِالسَّيْفِ، وَاغْلُظْ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِالْحُدُودِ. قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ أَكْثَرُ مَنْ يُصِيبُ الْحُدُود يومئذٍ المُنَافِقُونَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا} قَالَ الْحَسَنُ: لَقِيَ رجلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَقَالَ: إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ محمدٌ حقًّا، فَنَحْنُ شرٍّ مِنَ الْحُمُرِ! فَقَالَ الْمُسْلِمُ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ لَحَقٌّ، وَأَنَّكَ شرٌّ مِنْ حمارٍ. ثمَّ أخبر بذلك النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ إِلَى الْمُنَافِقِ؛ أَقُلْتَ كَذَا؟ فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا قَالَهُ، وَحَلَفَ الْمُسْلِمُ لَقَدْ قَالَهُ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكفْر وَكَفرُوا بعد إسْلَامهمْ} بَعْدَ إِقْرَارِهِمْ {وَهَمُّوا بِمَا لَمْ ينالوا} قَالَ مُجَاهِدٌ: هَمَّ الْمُنَافِقُ بِقَتْلِ الْمُؤْمِنِ؛ حَيْثُ قَالَ لِلْمُنَافِقِ: فَوَاللَّهِ إِنَّ مَا يَقُولُ محمدٌ كُلُّهُ حقٌّ، وَلأَنْتَ شرٌّ مِنْ حِمَارٍ. {وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُوله من فَضله} يَقُولُ: لمْ يَنْقِمُوا مِنَ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، إِلا أَنَّهُمْ أَصَابُوا الْغِنَى فِي الدُّنْيَا، وَلَوْ تَمَسَّكُوا بِهِ لأَصَابُوا الْجَنَّةَ فِي الآخِرَةِ. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: أَيْ: لَيْسَ يَنْقِمُونَ شَيْئًا، وَلا يَتَعَرَّفُونَ (حَقَّ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلا الصُّنْعَ)، وَهَذَا مِمَّا لَيْسَ ينقم. {فَإِن يتوبوا} أَيْ: يَرْجِعُوا عَنْ نِفَاقِهِمْ {يَكُ خيرا لَهُم وَإِن يتولوا} عَنِ التَّوْبَةِ، وَيُظْهِرُوا الشِّرْكَ {يُعَذِّبْهُمُ الله عذَابا أَلِيمًا} الْآيَة. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (75) إِلَى الْآيَة (7 8). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا من فَضله} فَأَوْسَعَ عَلَيْنَا مِنَ الرِّزْقِ {لَنَصَّدَّقَنَّ} يَعْنِي: الصَّدَقَةَ {وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} مَنْ يُطِيعُ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَرَسُوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ} مَنَعُوا حَقَّ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - {وتولوا} عَن الصّلاح {وهم معرضون} عَن أَمر الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 {فأعقبهم نفَاقًا فِي قُلُوبهم} لَا يَتُوبُونَ مِنْهُ {إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سرهم ونجواهم} مَا يَتَنَاجَوْنَ بِهِ مِنَ النِّفَاقِ [ ... ] إِذْ ذَاكَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي كِتَابِهِ، وَقَامَتْ بِهِ الْحجَّة عَلَيْهِم. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (79) إِلَى الْآيَة (80). (ل 131) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدقَات} قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ بِنِصْفِ مَالِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَبُهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نِصْفُ مَالِي أَتَيْتُكَ بِهِ، وَتَرَكْتُ نِصْفَهُ لِعَيَالِي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 فَدَعَا اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لَهُ فِيمَا أَعْطَى وَفِيمَا أَمْسَكَ، فَلَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ، قَالُوا: مَا أَعْطَى هَذَا إِلا سُمْعَةً وَرِيَاءً، وَأَقْبَلَ رجلٌ مِنْ فُقُرَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَقِيلٍ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِتُّ اللَّيْلَةَ أَجُرُّ الْجَرِيرَ عَلَى صَاعَيْنِ مِنْ تمرٍ؛ فَأَمَّا صاعٌ فَأَمْسِكُهُ لأَهْلِي، وَأَمَّا صاعٌ فَهَذَا هُوَ، فَقَالَ لَهُ نَبِي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم خَيْرًا، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: وَاللَّهِ إِنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَغَنِيَّيْنِ عَنْ صَاعِ أَبِي عَقِيلٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - هَذِهِ الآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 قَالَ قَتَادَةُ: " لَمَّا نَزَلَ فِي هَذِهِ الآيَةِ {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تستغفر لَهُم} قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: قَدْ خَيَّرَنِي رَبِّي، فَوَاللَّهِ لأَزِيدَنَّهُمْ عَلَى السَّبْعِينَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} الآيَةَ ". قَالَ محمدٌ: وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلا جهدهمْ} يَعْنِي: طَاقَتَهُمْ؛ الْجُهْدُ: الطَّاقَةُ، وَالْجَهْدُ - بِفَتْحِ الْجِيمِ -: الْمَشَّقَةُ؛ يُقَالُ: فَعَلْتُ ذَلِكَ بجهدٍ؛ أَيْ: بِمَشَقَّةٍ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} أَي: جازاهم جَزَاء السخرية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (81) إِلَى الْآيَة (85). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ الله} قَالَ محمدٌ: قِيلَ: الْمَعْنَى: بِأَنْ قعدوا لمُخَالفَة رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم. {وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} قَالَ قَتَادَةُ: خَرَجَ الْمُؤْمِنُونَ يومئذٍ إِلَى تَبُوكَ فِي لَهَبَانِ الْحَرِّ؛ قَالَ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ نَارَ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} مِنْ نَارِ الدُّنْيَا {لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ لَعَلِمُوا أَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا مِنْ نَارِ الدُّنْيَا. يحيى: عَنِ النَّضْرِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مسيرٍ لَهُ فِي يومٍ شَدِيدِ الْحَرِّ إِذْ نَزَلَ مَنْزِلا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَنْتَعِلُ ثَوْبَهُ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الأَرْضِ؛ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلا أَرَاكُمْ تَجْزَعُونَ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَامٍ! فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ فُتِحَ بِالْمَشْرِقِ، ورجلٌ بِالْمَغْرِبِ لَغَلَّى دِمَاغُهُ حَتَّى يَسِيلَ مِنْ مُنْخَرَيْهِ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 {فليضحكوا قَلِيلا} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا {وليبكوا كثيرا} يَعْنِي فِي النَّارِ. يحيى: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ قَتَادَةَ؛ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ قَالَ: " إِنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْبُكَاءَ؛ فَلَوْ تُرْسَلُ السُّفُنُ فِي [ ... ] أَعْيُنُهِمْ لجرت ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُم} يُقُولُهُ لِلنَّبِيِّ، إِلَى قَوْلِهِ: {فَاقْعُدُوا مَعَ الخالفين} قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي: الأَشْرَارَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاحِدُ الْخَالِفِينَ: خالفٌ؛ يُقَالُ لِلَّذِي هُوَ غَيْرُ نَجِيبٍ: فلانٌ خَالف أَهله، وخالفة أَهله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أبدا} قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لِنَا أَنَّهُ مَاتَ منافقٌ فَكَفَّنَهُ نَبِيُّ اللَّهِ فِي قَمِيصِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَلاهُ فِي قَبْرِهِ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجل - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 هَذِه الْآيَة فِيهِ. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (86) إِلَى الْآيَة (89). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 {استئذنك أولو الطول مِنْهُم} أَيْ: ذَوُو الْغِنَى فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ {وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ القاعدين} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} يَعْنِي: النِّسَاءَ؛ فِي تَفْسِيرِ الْعَامَّةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ: رَضُوا بَأَنْ يَكُونُوا فِي تَخَلُّفِهِمْ عَنِ الْجِهَادِ كَالنِّسَاءِ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْخَوَالِفَ جَمْعُ خَالِفَةٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 {وَأُولَئِكَ لَهُم الْخيرَات} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: النِّسَاءُ الْحِسَانُ؛ مِثْلَ قَوْلِهِ: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ}. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَدْ قِيلَ: الْخَيْرَاتُ: الْفَوَاضِلُ مِنَ كُلِّ شيءٍ؛ وَوَاحَدُهَا: خيرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (90) إِلَى الْآيَة (92). (ل 132) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 {وَجَاء المعذرون} يَعْنِي: الْمُعْتَذِرِينَ {مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُم} يَعْنِي: فِي الْقُعُودِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: فُلانٌ مُعَذِّرٌ؛ أَيْ: معتذرٌ، وَأُدْغِمَتُ التَّاءُ فِي الذَّالِ؛ لِقُرْبِ مَخْرَجَيْهِمَا. وَمِنْ كَلامِهِمْ أَيْضًا: عَذَّرْتُ الأَمْرَ إِذْ قَصَّرْتُ، وَأَعْذَرْتُ إِذَا جَدَّدْتُ. {وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُوله} فِيمَا أَكْثَرُوا مِنَ النِّفَاقِ؛ كَانَ هَذَا فِي غَزْوَة تَبُوك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 {لَيْسَ على الضُّعَفَاء} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: الْعَجَزَةُ الَّذِينَ لَا قُوَّةَ لَهُمْ {وَلا عَلَى المرضى} يَعْنِي: مَنْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ {وَلا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفقُونَ حرج} إثمٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْغَزْوِ {إِذا نصحوا لله وَرَسُوله} إِذا كَانَ لَهُم عذرٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (93) إِلَى الْآيَة (96). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 {ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ} السِّرّ {وَالشَّهَادَة} الْعَلَانِيَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِم} من غزاتكم {لتعرضوا عَنْهُم فأعرضوا عَنْهُم} أَلا تَقْتُلُوهُمْ مَا أَظْهَرُوا الإِيمَانَ، وَاعْتَذَرُوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 {يحلفُونَ لكم} بِالْكَذِبِ {لترضوا عَنْهُم} فِيمَا أَظْهَرُوا مِنَ الإِيمَانِ وَالاعْتِذَارِ {فَإِن ترضوا عَنْهُم} لِمَا يُظْهِرُونَ مِنَ الإِيمَانِ {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقين} يُعْنِيهِمْ لِمَا بَطَنَ مِنْهُمْ مِنَ النِّفَاق. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (97) إِلَى الْآيَة (99). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 {الْأَعْرَاب أَشد كفرا ونفاقا} يَعْنِي: أَنَّ مُنَافِقِي الأَعْرَابِ أَشَدُّ مِنْ مُنَافِقِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي نِفَاقِهِمْ وَكُفْرِهِمْ {وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُوله} قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: هُمْ أَقَلُّ علما بالسنن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا ينْفق} فِي الْجِهَاد {مغرما} يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ؛ لأَنَّهُمْ لَيْسَتْ لَهُمْ نيةٌ. قَالَ محمدٌ: قَوْلُهُ {مَغْرَمًا} يَعْنِي: غُرْمًا وَخُسْرَانًا. {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِر} يَعْنِي: أَنْ يَهْلِكَ محمدٌ وَالْمُؤْمِنُونَ، فَيَرْجِعَ إِلَى دِينِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ. {عَلَيْهِم دَائِرَة السوء} يَعْنِي: عَاقِبَة السوء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قربات عِنْد الله} أَيْ: يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ - عز وَجل - {وصلوات الرَّسُول} أَيْ: وَيَتَّخِذُ صَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَيْضًا قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ. وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ: استغفاره ودعاؤه. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (100) إِلَى الْآيَة (101). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} قَالَ قَتَادَةُ: مَنْ كَانَ صَلَّى مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَتَيْنِ فَهُوَ مِنَ السَّابِقين الْأَوَّلين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 (وَمِمَّنْ حَوْلكُمْ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 الْأَعْرَاب} يَعْنِي: حول المدنية {مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا على النِّفَاق} أَيْ: اجْتَرَءُوا عَلَيْهِ {لَا تَعْلَمُهُمْ نَحن نعلمهُمْ} قد أعلمهم الله وَرَسُوله بعد ذَلِك، وأَسَرَّهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ. {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} أَمَّا إِحْدَاهُمَا: فَبِالزَّكَاةِ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ كُرْهًا، وَأَمَّا الأُخْرَى: فَبِعَذَابِ الْقَبْرِ {ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيم} أَي: جَهَنَّم. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (102) إِلَى الْآيَة (106). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} الآيَةُ، تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: هُمْ نفرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ عَرَضَ فِي هِمَمِهِمْ شَيْءٌ، وَلَمْ يَعْزِمُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ، وَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ. {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} وَعَسَى مِنَ اللَّهِ - جَلَّ وَعَزَّ - وَاجِبَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 {خُذ من أَمْوَالهم} أَي: اقبل {صَدَقَة تطهرهُمْ} من الذُّنُوب {وتزكيهم بهَا} وَلَيْسَ بِصَدَقَةِ الْفَرِيضَةِ، وَلَكِنَّهَا كَفَّارَةٌ لَهُمْ {وصل عَلَيْهِم} أَيْ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ {إِنَّ صَلاتَكَ سكنٌ لَهُم} يَعْنِي: طمأنينة لقُلُوبِهِمْ؛ يَقُوله الله - عز وَجل - للنَّبِي صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدقَات} أَي: يقبلهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُوله والمؤمنون} يَعْنِي: بِمَا يُطْلِعُهُمْ عَلَيْهِ. يحيى: عَنِ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلا عَمِلَ فِي جَوْفِ سَبْعِينَ بَيْتًا لَكَسَاهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - رِدَاءَ عَمَلِهِ خَيْرًا أَوْ شَرًّا ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 {وَآخَرُونَ مرجون لأمر الله} هُمُ الثَّلاثَةُ الَّذِينَ فِي آخِرِ السُّورَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي الآيَةِ الَّتِي فِي آخر السُّورَة. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (107) إِلَى الْآيَة (108). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (109) إِلَى الْآيَة (110). (ل 133) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا} إِلَى قَوْله: {وَالله عليم حَكِيم} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حِينَ غَزْوَةِ تَبُوكَ نَزَلَ بَيْنَ ظَهْرَانِيِّ الأَنْصَارِ وَبَنَى مَسْجِدَ قِبَاءَ 0 وَهُوَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى - وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ مِنَ الأَنْصَارِ بَنَوْا مَسْجِدًا؛ فَقَالُوا: نَمِيلُ بِهِ فَإِنْ أَتَانَا محمدٌ فِيهِ وَإِلا لمْ [ ... ] وَنَخْلُوا فِيهِ لِحَوَائِجِنَا وَنَبْعُثُ إِلَى أَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبِ - لِمُحَارِبٍ مِنْ مُحَارِبِيِّ الأَنْصَارِ كَانَ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَهُ - فَيَأْتِينَا؛ فَنَسْتَشِيرُهُ فِي أُمُورِنَا، فَلَمَّا بَنَوُا الْمَسْجِدَ؛ وَهُوَ الَّذِي قَالَ الله - عز وَجل -: {الَّذين اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَين الْمُؤمنِينَ} أَيْ: بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ {وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قبل} يَعْنِي: أَبَا عَامِرٍ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُ الْوَحْيَ لَا يَأْتِيهِمْ وَلا يَأْتُونَهُ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ دَعَا بِقَمِيصِهِ لِيَأْتِيَهُمْ (فَإِنَّهُ لِيَزُرَّهُ عَلَيْهِ إِذْ أَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: {لَا تقم فِيهِ أبدا} يَعْنِي: ذَلِكَ الْمَسْجِدَ. {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} يَعْنِي: مَسْجِدَ قِبَاءَ {أَحَقُّ أَنْ تقوم فِيهِ}. قَالَ محمدٌ: قَوْلُهُ {وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارب الله وَرَسُوله} أَيِ: انْتِظَارًا؛ يُقَالُ: أَرْصَدْتُ لَهُ بِالشَّرِّ، وَرَصَدْتُهُ بِالْمُعَافَاةِ. وَقَدْ قِيلَ: أَرْصَدْتُ لَهُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ جَمِيعًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين}. يحيى: عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمُ الثَّنَاءَ فِي الطُّهُورِ؛ فَكَيْفَ طُهُورِكُمْ بِالْمَاءِ؟ قَالُوا: نَغْسِلُ أَثَرَ الْخَلاءِ بِالْمَاءِ " مِنْ حَدِيثِ يحيى بْنِ مُحَمَّدٍ. قَالَ يحيى: وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ بَنَوْا ذَلِكَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى بِنَاءِ هَذَا الْمَسْجِدِ؟ فَحَلَفُوا بِاللَّهِ إِنَّ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى، {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى من الله ورضوان خير أَمن أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جرفٍ هار} يَعْنِي: حَرْفَ جُرْفٍ. {فَانْهَارَ بِهِ فِي نَار جَهَنَّم} أَيْ: أَنَّ الَّذِي أُسِّسَ بُنْيَانُهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ مِنَ الآخَرِ، قَالَ قَتَادَةُ: مَا تَنَاهَى أَنْ وَقَعَ فِي النَّارِ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ حَفَرُوا فِيهِ بُقْعَةً فَرُئِيَ مِنْهَا الدُّخَانُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {عَلَى شفا جرف} يَعْنِي: حَرْفَ جرفٍ، وَالْجُرُفُ: مَا تُجْرَفُ بِالسُّيُولِ مِنَ الأَوْدِيَةِ؛ يُقَالُ: جرفٌ هارٍ وهائرٌ؛ إِذَا كَانَ مُتَصَدِّعًا؛ فَإِذَا سَقَطَ قِيلَ: انْهَارَ وَتَهَوَّرَ. {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن} يَقُولُ: هَذَا حُكْمُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي هَذَا، فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ. قَالَ محمدٌ: {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًا} بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى: فَإِنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، وَعَدَهُمْ إِيَّاهَا وَعْدًا عَلَيْهِ حقاًّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَة فِي قُلُوبهم} أَيْ: شَكًّا. {إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبهم} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: يَقُولُ: إِلا أَنْ يَمُوتُوا. قَالَ يحيى: أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يموتون على النِّفَاق. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (111) إِلَى الْآيَة (112). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 {التائبون} تَابُوا من الشّرك {العابدون} عَبَدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ {الْحَامِدُونَ} يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. {السائحون} هُمُ الصَّائِمُونَ. قَالَ محمدٌ: السَّائِحُ أَصْلُهُ: الذَّاهِبُ فِي الأَرْضِ، وَمَنْ سَاحَ امْتَنَعَ مِنَ الشَّهَوَاتِ، فَشَبَّهَ الصَّائِمَ بِهِ؛ لإِمْسَاكِهِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشرَاب وَالنِّكَاح. {الراكعون الساجدون} يَقُول: هم أهل الصَّلَاة. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (113) إِلَى الْآيَة (116). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: قَالَ: كَانَ أُنْزِلَ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} ثُمَّ أَنْزَلَ فِي هَذِهِ الآيَةِ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} الآيَةَ، فَلا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِوَالِدَيْهِ إِذَا كَانَا مُشْرِكَيْنِ، وَلا أَنْ يَقُولَ: رَبِّ ارْحَمْهُمَا (ل 134) وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم} أَي: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 مَاتُوا على الْكفْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ} الْآيَة. قَالَ قَتَادَة: ذُكِرَ لَنَا: أَنَّ رَجُلا قَالَ لِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَن مِنْ آبَائِنَا مَنْ كَانَ يُحْسِنُ الْجِوَارَ، وَيَصِلُ الأَرْحَامَ، وَيَفُكُّ الْعَانِي، وَيَفِي بِالذِّمَمِ؛ أَفَلا تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ؟ قَالَ: بَلَى، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ لِوَالِدِي؟ كَمَا اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ -: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} ". {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنه عَدو لله} أَيْ: مَاتَ عَلَى شِرْكِهِ {تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الأَوَّاهُ: الْمُوقِنُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هُوَ الدَّعَّاءُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ أَقْرَبُ فِي الْمَعْنَى؛ لأَنَّهُ مِنَ التَّأَوُّهِ، وَهُوَ مِنَ الصَّوْتِ، مِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: (فَأَوْهِ بِذِكْرَاهَا إِذَا مَا ذَكَرْتُهَا ... وَمِنْ بُعْدِ أرضٍ دُونَهَا وَسَمَاءِ} قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: (أَوْهِ) بِتَسْكِينِ الْوَاو وَكسر الْهَاء، و (أوه) مُشَدَّدَةٌ، يُقَالُ: آهَ الرَّجُلُ يُئَوِّهُ إِذَا قَالَ: أَوْهِ مِنْ أَمْرٍ يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ: تَأَوَّهَ الرَّجُلُ، والمتأوه: المتلهف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بعد إِذْ هدَاهُم} الآيَةَ. بَلَغَنَا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَاب النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم مَاتُوا قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ الْفَرَائِضُ أَوْ بَعْضُهَا؛ فَقَالَ قومٌ مِنْ أَصْحَاب النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: مَاتَ إِخْوَانُنَا قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 هَذِهِ الْفَرَائِضُ، فَمَا مَنْزِلَتُهُمْ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - هَذِه الْآيَة؛ فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ مَاتُوا عَلَى الإِيمَانِ. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (117) فَقَط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة} أَيْ: فِي وَقْتِ الْعُسْرَةِ {مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فريق مِنْهُم} أَيْ: تَمِيلُ عَنِ الْجِهَادِ؛ فَعَصَمَهُمُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ ذَلِكَ؛ فَمَضَوْا مَعَ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَتَادَةُ: أَصَابَهُمْ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ جهدٌ شَدِيدٌ، حَتَّى لَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ الرَّجُلَيْنِ كَانَا يَشُقَّانِ التَّمْرَةَ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ النَّفَرُ يَتَدَاوَلُونَ التَّمْرَةَ بَيْنَهُمْ يَمُصُّهَا هَذَا، ثُمَّ يَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ، ثُمَّ يمصها الآخر. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (118) إِلَى الْآيَة (119). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 {وعَلى الثَّلَاثَة} أَيْ: وَتَابَ عَلَى الَّذِينَ خُلِّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ؛ وَهُمُ الَّذِينَ أرجوا فِي الْآيَة الأولى فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآخَرُونَ مرجون لأمر الله} وَهُمْ: كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَهِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَمُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ. {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحبَتْ} أَي: بسعتها {وظنوا} عَلِمُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 {أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَمَرَ النَّاسَ أَلا يُكَلِّمُوهُمْ وَلا يُجَالِسُوهُمْ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَلا يؤوهم وَلا يُكَلِّمُوهُمْ؛ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ نَدِمُوا وَجَاءُوا إِلَى سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَأَوْثَقُوا أَنْفُسَهُمْ؛ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - تَوْبَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: خَاطَبَ بِهَذَا مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ، لِيُهَاجِرُوا إِلَى النَّبِيِّ بِالْمَدِينَةِ. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (120) فَقَط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَن رَسُول الله} وَهَذَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ {وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُم} يَعْنِي: مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ. {لَا يصيبهم ظمأ} عطشٌ {وَلَا نصب} فِي أبدانهم {وَلَا مَخْمَصَة} جُوعٌ. {وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عدوٍّ نيلاً إِلَى كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عملٌ صالحٌ}. يَحْيَى: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْمُصَبَّحِ قَالَ: غزونا مَعَ مَالك ابْن عَبْدِ اللَّهِ الْخَثْعَمِي أَرْضَ الرُّومِ، فَسَبَقَ النَّاسُ رجلٌ، ثُمَّ نَزَلَ يَمْشِي وَيَقُودُ فَرَسَهُ، فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلا تَرْكَبُ؟! فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 يَقُولُ: مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُمَا حرامٌ عَلَى النَّارِ. قَالَ: فَلَمْ أَرَ نَازِلا أَكْثَرَ مِنْ يومئذٍ ". يحيى: عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ل 135) " لَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي مُنْخَرَيِّ عبدٍ مسلمٍ أَبْدًا ". يحيى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ صَفْوَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانٍ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْعَمَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُضَاعَفُ؟ كَمَا تضَاعف النَّفَقَة سَبْعمِائة ضعف ". سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (121) إِلَى الْآيَة (122). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} الآيَةَ، تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَجَعَ مِنْ تَبُوكَ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْهُ مَا أَنْزَلَ - قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: لَا وَاللَّهِ لَا يَرَانَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْغَزْوَةِ يَغْزُوهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْدًا وَلا عَنْ سَرِيَّةٍ. فَأَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم السَّرَايَا أَنْ تَخْرُجَ فَنَفَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ آخِرِهِمْ، وَتُرِكَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحْدَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} أَيْ: جَمِيعًا، وَيَذَرُوكَ وَحْدَكَ بِالْمَدِينَةِ {فلولا} فَهَلا {نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} ليتفقه المقيمون {وينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم} مِنْ غَزَاتِهِمْ. أَيْ: يُعَلِّمُ الْمُقِيمُ الْغَازِي مَا نَزَلَ بَعْدَهُ مِنَ الْقُرْآن. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (123) إِلَى الْآيَة (125). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ من الْكفَّار} الآيَةَ، قَالَ الْحَسَنُ: نَزَلَتْ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ من يَقُول} يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فزادتهم إِيمَانًا} تَصْدِيقًا {وهم يستبشرون} بِمَا يَجِيءُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 (وَأَمَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) {شَكٌّ} (فزادتهم رجساً إِلَى رجسهم} أَيْ: زَادَهُمْ تَكْذِيبُهُمْ بِهَا كُفْرًا إِلَى كُفْرِهِمْ (وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ يَقُولُ: إِنَّهُمْ يَمُوتُونَ عَلَى الْكُفْرِ. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (126) إِلَى الْآيَة (127). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 {أَو لَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: يُبْتَلَوْنَ بِالْجِهَادِ مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم فَيَرَوْنَ نَصْرَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - رَسُوله {ثمَّ لَا يتوبون} مِنْ نِفَاقِهِمْ {وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعضهم إِلَى بعض} يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ {هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أحد} مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لبعضٍ {ثمَّ انصرفوا} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: عَزَمُوا عَلَى الْكفْر {صرف الله قُلُوبهم} هَذَا دعاءٌ {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يفقهُونَ} لَا يرجعُونَ إِلَى الْإِيمَان. سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (128) إِلَى الْآيَة (129) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي مِنْ جِنْسِكُمْ {عَزِيز عَلَيْهِ} أَيْ: شَدِيدٌ عَلَيْهِ {مَا عَنِتُّمْ} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: مَا ضَاقَ بِكُمْ فِي دِينِكُمْ {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} أَن تؤمنوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 {فَإِن توَلّوا} عَنِ اللَّهِ - جَلَّ وَعَزَّ - وَعَمَّا بعث بِهِ رَسُوله {فَقل} يَا مُحَمَّدُ: (حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 رب الْعَرْش الْعَظِيم} قَالَ قَتَادَةُ: يُقَالُ: إِنَّ أَحْدَثَ الْقُرْآنِ بِاللَّهِ عَهْدًا هَاتَانِ الآيَتَانِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 تَفْسِيرُ سُورَةِ يُونُسَ وَهِيَ مَكِّيَةٌ كلهَا سُورَة يُونُس من الْآيَة (1) إِلَى الْآيَة (2). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 قَوْله عز وَجل: {الر} قَالَ الْحَسَنُ: لَا أَدْرِي مَا تَفْسِير {الر} وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ؛ غَيْرَ أَنَّ قَوْمًا مِنَ السَّلَفِ كَانُوا يَقُولُونَ: أَسْمَاءُ السُّور وفواتحها. {تِلْكَ آيَات} هَذِهِ آيَاتُ {الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} الْمُحْكَمِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 {أَكَانَ للنَّاس عجبا} عَلَى الاسْتِفْهَامِ {أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ} عَذَابَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ فِي - الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا؛ وَهَذَا جوابٌ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ حِينَ قَالُوا: {إِن هَذَا لشيءٌ عُجاب} إِنَّهُ لَشَيْءٌ عَجَبٌ. {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْد رَبهم} يَعْنِي: عَمَلا صَالِحًا يُثَابُونَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: لَهُ عِنْدِي قدم صدق. (ل 136) وَقَدَمُ سوءٍ، وَلَهُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 هَذَا الأَمْرِ قدمٌ صَالِحَةٌ وقدمٌ حَسَنَةٌ وَكَأَنَّهُ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: (لَكُمْ قدمٌ لَا يُنْكِرُ النَّاسُ فَضْلَهَا ... مَعَ الْحَسَبِ الْعَادِيِّ طَمَّتْ على الْبَحْر} أَي: ارْتَفَعت. سُورَة يُونُس من الْآيَة (3) إِلَى الْآيَة (6). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} يَعْنِي: الْبَعْثَ {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} فِي الْمرجع إِلَيْهِ {إِنَّه يبدؤ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ} أَيْ: يُحْيِيهِ ثُمَّ يُمِيتُهُ، ثُمَّ يبدؤه فيحييه {ليجزي} لَكِي يَجْزِيَ {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ يَجْزِيهِمُ الْجَنَّةَ {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُم شرابٌ من حميم} وَهُوَ الَّذِي قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَر نورا وَقدره منَازِل} أَيْ: جَعَلَ الْقَمَرَ مَنَازِلَ مِنَ النُّجُومِ، وَهِيَ: ثَمَانِيةٌ وَعِشْرُونَ مَنْزِلَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ يَعْنِي: الْقَمَرَ {لِتَعْلَمُوا عدد السنين والحساب} بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ {مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِك إِلَّا بِالْحَقِّ} أَيْ: إِنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ إِلَى الْمعَاد {يفصل الْآيَات} يبينها {لقوم يعلمُونَ} وهم الْمُؤْمِنُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 {إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خلق الله فِي السَّمَاوَات} مِنْ شَمْسِهَا وَقَمَرِهَا وَنُجُومِهَا، وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي الأَرْضِ مِنْ جِبَالِهَا وَأَشْجَارِهَا وَثِمَارِهَا وَأَنْهَارِهَا {لآيَاتٍ لقوم يَتَّقُونَ} وهم الْمُؤْمِنُونَ. سُورَة يُونُس من الْآيَة (7) إِلَى الْآيَة (10). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} أَيْ: لَا يَخَافُونَ الْبَعْثَ، وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ؛ لأَنَّهُمْ لَا يُقِرُّونَ بِالْبَعْثِ {وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} لَا يقرونَ بِثَوَاب الْآخِرَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 {إِن الَّذين آمنُوا وَاعْمَلُوا الصَّالِحَات يهْدِيهم رَبهم بإيمَانهمْ} قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي: يُكُونُ لَهُمْ نورا يَمْشُونَ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 {دَعوَاهُم فِيهَا} أَيْ: قَوْلُهُمْ فِي الْجَنَّةِ: {سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وتحيتهم فِيهَا سَلام} يَعْنِي: يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالسَّلامِ، وَتُحَيِّيهِمُ الْمَلائِكَةُ عَنِ اللَّهِ - عَزَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 وَجل - بِالسَّلَامِ {وَآخر دَعوَاهُم} قَوْلُهُمْ: {أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمين} أَوَّلُ كَلامِهِمِ التَّسْبِيحُ، وَآخِرُهُ الْحَمْدُ. يَحْيَى: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يُلْهَمُونَ الْحَمْدَ وَالتَّسْبِيحَ، كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ ". سُورَة يُونُس من الْآيَة (11) إِلَى الْآيَة (14). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} وَهُوَ مَا يَدْعُو بِهِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ، وَلَوِ اسْتَجَابَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُ لأَهْلَكَهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قِيلَ: الْمَعْنَى: لَوْ عَجَّلَ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ إِذَا دَعَوْا بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَعَلَى أَهْلِيهِمْ وَأَوْلادِهِمْ وَاسْتَعْجَلُوا بِهِ كَمَا يَسْتَعْجِلُونَهُ بِالْخَيْرِ؛ إِذَا سَأَلُوهُ إِيَّاهُ؛ وَهُوَ مَعْنَى قَول يحيى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 {وَإِذا مس الْإِنْسَان} يَعْنِي: الْمُشْرِكَ {الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ} أَيْ: وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى جَنْبِهِ {أَو قَاعِدا أَو قَائِما} يَقُولُ: أَوْ دَعَانَا قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضرّ مَسّه} أَيْ: مَرَّ مُعْرِضًا عَنِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - الَّذِي كَشَفَ عَنْهُ الضُّرَّ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قِيلَ: الْمَعْنَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -: مَرَّ فِي الْعَافِيَةِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُبْتَلَى، وَمَعْنَى (كَأَنْ): كَأَنَّهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ} يُرِيدُ: مَنْ أُهْلِكَ مِنَ الْقُرُونِ السالفة {لما ظلمُوا} لَمَّا أَشْرَكُوا {وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا} أَخْبَرَ بِعِلْمِهِ فِيهِمْ {كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْم الْمُجْرمين} الْمُشْركين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 {ثمَّ جَعَلْنَاكُمْ خلائف} يَعْنِي: خُلَفَاءَ {فِي الأَرْضِ مِنْ بعدهمْ}. سُورَة يُونُس من الْآيَة (15) إِلَى الْآيَة (17). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 {قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} أَيْ: لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ {ائْتِ بقرآن غير هَذَا أَو بدله} أَي: أَو بدل آيَة الرَّحْمَن آيَةَ الْعَذَابِ، أَوْ بَدِّلْ آيَةَ الْعَذَابِ آيَةَ الرَّحْمَةِ. قَالَ اللَّهُ - عز وَجل - لنَبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أبدله من تِلْقَاء نَفسِي} أَي: من عِنْدِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} أَيْ: وَلا أَعْلِمُكُمْ بِهِ (فَقَدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ} مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ لَا أَدَّعِي هَذِه النُّبُوَّة. سُورَة يُونُس من الْآيَة (18) إِلَى الْآيَة (20). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يضرهم} إِنْ لَمْ يَعْبُدُوهُ {وَلا يَنْفَعُهُمْ} إِنْ عَبَدُوهُ {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْد الله} أَيْ: أَنَّ الأَوْثَانَ تَشْفَعُ لَهُمْ - زَعَمُوا - عِنْدَ اللَّهِ؛ لِيُصْلِحَ لَهُمْ مَعَايشهمْ فِي الدُّنْيَا. (ل 137) [ ... ] بِالْبَعْثِ {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْض} أَيْ: لَا يَعْلَمُ أَنَّ [ ... ] فِي الأَرْض إِلَهًا غَيره {سُبْحَانَهُ} ينزه نَفسه {وَتَعَالَى} مِنَ الْعُلُوِّ {عَمَّا يُشْرِكُونَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلا أُمَّةً وَاحِدَة} يَعْنِي: عَلَى الإِسْلامَ مَا بَيْنَ آدَمَ إِلَى نُوحٍ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَة {فَاخْتَلَفُوا} لَمَّا أَتَتْهُمُ الأَنْبِيَاءُ، وَكَفَرَ بَعْضُهُمْ {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ لَوْلا أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - قَضَى أَلا يُحَاسِبَ بِحِسَابِ الآخِرَةِ فِي الدُّنْيَا لحاسبهم فِي الدُّنْيَا؛ فَأَدْخَلَ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجنَّة، وَأهل النَّار النَّار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 {وَيَقُولُونَ لَوْلَا} هَلا {أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ ربه} يَعْنُونَ: الآيَاتِ الَّتِي كَانَتِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 الأُمَمُ تَسْأَلُهَا أَنْبِيَاءَهَا {فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْب لله} كَقَوْلِهِ: {إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ} فَإِذَا شَاءَ أَنْزَلَهَا {فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعكُمْ من المنتظرين} أَيْ: فَسَتَعْلَمُونَ بِمَنْ يَنْزِلُ الْعَذَابُ. سُورَة يُونُس من الْآيَة (21) إِلَى الْآيَة (23). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 {وَإِذا أذقنا النَّاس} يَعْنِي: الْمُشْركين {رَحْمَة} عَافِيَةً {مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ} يَعْنِي: مِنْ بَعْدِ مرضٍ أَوْ شِدَّةٍ أَصَابَتْهُمْ {إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتنَا} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: جُحُودًا وَتَكْذِيبًا لِدِينِنَا {قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: عَذَابًا {إِنَّ رسلنَا} يَعْنِي: الْحَفَظَةَ {يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} يَعْنِي: الْمُشْركين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفلك} فِي السُّفُنِ يَقُولُ هَذَا لِلْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بهَا جاءتها ريح عاصف} أَيْ: شَدِيدَةٌ - الآيَةَ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} أَيْ: أَنَّهُمْ مُغْرَقُونَ {دَعَوُا اللَّهَ} الْآيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق} أَيْ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 يَكْفُرُونَ وَيَعْمَلُونَ بِالْمَعَاصِي. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصْلُ الْبَغْيِ: التَّرَامِي فِي الْفَسَادِ، وَمِنْهُ يُقَالُ: بَغَى الْجَرْحُ إِذَا تَرَامَى إِلَى فسادٍ، وَبَغَتِ الْمَرْأَةُ إِذا فجرت. {يَا أَيهَا النَّاس} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفسكُم} يَعْنِي: ضُرًّا عَلَيْكُمْ؛ لأَنَّهُمْ يُثَابُونَ عَلَيْهِ النَّارَ {مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يَقُولُ: إِنَّمَا بَغْيُكُمْ وَكُفْرُكُمْ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ يَنْقَطِعُ فَتُرْجَعُونَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الرَّفْعُ فِي قَوْلِهِ: {مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} جَائِزٌ عَلَى مَعْنَى أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لَقَوْلِهِ: {بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} الْمَعْنَى: أَنَّ الَّذِي تَنَالُونَهُ بِهَذَا الْفَسَادِ وَالْبَغْيِ إِنَّمَا تَتَمَتَّعُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا. سُورَة يُونُس من الْآيَة (24) إِلَى الْآيَة (25). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَات الأَرْض} قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي: فَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَلْوَانًا مِنَ النَّبَاتِ {حَتَّى إِذَا أخذت الأَرْض زخرفها} يَعْنِي: حسنها {وازينت} يَعْنِي: تَزَيَّنَتْ بِنَبَاتِهَا مِنْ صُفْرَةٍ وخضرةٍ وحمرةٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصْلُ (الزُّخْرُفِ): الذَّهَبُ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّقْشِ وَلِلنُّورِ وَالزِّينَةِ، وَكُلِّ شيءٍ زُيِّنَ: زخرفٌ. {وَظَنَّ أَهلهَا أَنهم قادرون عَلَيْهَا} أَيْ: قَادِرُونَ عَلَى الانْتِفَاعِ بِمَا فِيهَا مِنْ زَرْعٍ. {أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا} أَيْ: ذَهَبَ مَا فِيهَا. {كَأَنْ لم تغن بالْأَمْس} كَأَنْ لَمْ يَكُنْ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ زَرْعٍ بِالأَمْسِ قَائِمًا. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: كَأْنَ لَمْ تَكُنْ عَامِرَةٌ بِالأَمْسِ، الْمَغَانِي: الْمَنَازِلُ، وَاحِدُهَا مَغْنَى تَقُولُ: غَنَيْتُ بِالْمَكَانِ؛ إِذَا أَقَمْتُ بِهِ. {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَات لقوم يتفكرون} يَقُولُ: فَالَّذِي أَنْبَتَ هَذَا الزَّرْعَ فِي الأَرْضِ الْمَوَاتِ، حَتَّى صَارَ زَرْعًا حَسَنًا، ثُمَّ أَهْلَكَهُ بَعْدَ حُسْنِهِ وَبَهْجَتِهِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يحي الْمَوْتَى، وَإِنَّمَا يَقْبَلُ ذَلِكَ وَيَعْقِلُهُ المتفكرون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} وَالسَّلامُ هُوَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - وَدَارُهُ الْجنَّة. سُورَة يُونُس من الْآيَة (26) إِلَى الْآيَة (27). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 {للَّذين أَحْسنُوا} آمنُوا {الْحسنى} الْجنَّة {وَزِيَادَة} النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 يَحْيَى: عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ [سَعْدٍ] قَالَ: قَرَأَ أَبُو بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذِهِ الآيَةَ - أَوْ قُرِئَتْ عِنْدَهُ - فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الزِّيَادَة؟ (ل 138) الزِّيَادَةُ هِيَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 {وَلَا يرهق وُجُوههم} أَي: يغشى {قتر}. قَالَ محمدٌ: الْقَتَرُ أَصْلُهُ: الْغَبْرَةُ الَّتِي فِيهَا سَواد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} أَيْ: جَزَاءُ الشِّرْكِ: النَّارَ {كَأَنَّمَا أغشيت وُجُوههم قطعا} جَمْعُ: قِطْعَةٍ {مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا} أَي: فِي حَال ظلمته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 سُورَة يُونُس من الْآيَة (28) إِلَى الْآيَة (33). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 {وَيَوْم نحشرهم} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ وَأَوْثَانَهُمْ جَمِيعًا {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وشركاؤكم} يَعْنِي: الْأَوْثَان {فزيلنا بَينهم} بِالسَّيِّئَاتِ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ عَلَى حِدَةٍ، وَالأَوْثَانَ عَلَى حدةٍ {وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُم إيانا تَعْبدُونَ} الأَوْثَانُ تَقُولُ هَذَا لِلْمُشْرِكِينَ: مَا كَانَتْ عِبَادَتُكُمْ إِيَّانَا عَنْ دُعَاءٍ كَانَ مِنَّا لَكُمْ، وَإِنَّمَا دَعَاكُمْ إِلَى عِبَادَتِنَا الشَّيْطَانُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ النَّصْبُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجل: {مَكَانكُمْ} عَلَى الأَمْرِ، كَأَنَّهُمْ يُقَالُ لَهُمْ: انتظروا مَكَانكُمْ حَتَّى يفصل بَيْنَكُمْ؛ وَهِيَ كَلِمَةٌ جَرَتْ عَلَى الْوَعِيدِ؛ تَقُولُ الْعَرَبُ: (مَكَانَكَ) تَتَوَعَّدُ بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَزَيَّلْنَا بَينهم} أَيْ: مَيَّزْنَا؛ يُقَالُ: أَزَلْتُ الشَّيْءَ مِنَ الشَّيْءِ أُزِيلُهُ؛ أَيْ: مِزْتَهُ مِنْهُ أميزه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 {فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا} لَقَدْ كُنَّا {عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 قَالَ الْحَسَنُ: يَحْشُرُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الأَوْثَانَ الْمَعْبُودَةَ فِي الدُّنْيَا بِأَعْيَانِهَا، فَتُخَاصِمُ مَنْ كَانَ عَبَدَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أسلفت} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: تُخْتَبَرُ ثَوَابَ مَا أَسْلَفَتْ فِي الدُّنْيَا. وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ (تَتَلُو) أَيْ: تَتَّبِعُ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هَذَا فِي الْبَعْثِ لَيْسَ أحدٌ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا مِنْ دُونِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلا وَهُوَ مرفوعٌ لَهُ {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُم الْحق} رَبُّهُمُ الْحَقُّ، وَالْحَقُّ اسمٌ مِنْ أَسمَاء الله عز وَجل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 ثُمَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: (قل) لَهُمْ {مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض} وَهُوَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ {أَمَّنْ يَمْلِكُ السّمع والأبصار} أَيْ: يُذْهِبُهَا أَوْ يُبْقِيهَا. {وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّت من الْحَيّ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: يُخْرِجُ النَّاسَ الأَحْيَاءَ مِنَ النُّطَفِ، وَالنُّطَفَ مِنَ النَّاسِ الأَحْيَاءِ، وَالأَنْعَامُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَالنَّبَاتُ مِثْلُ ذَلِكَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: يُخْرِجُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ، وَالْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ {وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمر} فِيمَا يُحْيِي وَيُمِيتُ وَيَقْبِضُ وَيَبْسُطُ {فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} وَأَنْتُمْ تُقِرُّونَ بِاللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ هَذِهِ الأَشْيَاءَ، ثُمَّ لَا تَتَّقُونَهُ وَتَعْبُدُونَ هَذِه الْأَوْثَان من دونه! الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بعد الْحق إِلَّا الضلال} يَعْنِي: أَنَّ أَوْثَانَكُمْ ضلالٌ وباطلٌ {فَأنى تصرفون} فَكَيْفَ تُصْرَفُ عُقُولُكُمْ فَتَعْبُدُونَ غَيْرَهُ؟! الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 {كَذَلِك حقت كَلِمَات رَبك} أَيْ: سَبَقَ قَضَاؤُهُ (عَلَى الَّذِينَ فسقوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 أَنهم) {بِأَنَّهُم} (لَا يُؤمنُونَ} يَعْنِي: الَّذِينَ يَلْقَوْنَ اللَّهَ بِشِرْكِهِمْ. سُورَة يُونُس من الْآيَة (34) إِلَى الْآيَة (36). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يبدؤ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ} أَيْ: مَنْ يَخْلُقُ، ثُمَّ يُمِيتُ، ثُمَّ يُحْيِي؛ أَيْ: أَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ. {قُلِ اللَّهُ يبدؤ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} فَكيف تصرفون عَنهُ؟! الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يهدي إِلَى الْحق} أَيْ: إِلَى الدِّينِ وَالْهُدَى؛ أَيْ: أَنَّهَا لَا تَفْعَلُ وَلا تَعْقِلُ {قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلا أَن يهدى} أَيْ: أَنَّ الَّذِي يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ؛ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ. قَالَ محمدٌ: قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {لَا يهدي} أَيْ: لَا يَهْتَدِي؛ فَأُدْغِمَ التَّاءُ فِي الدَّالِ. وَهِيَ تُقْرَأُ أَيْضًا (يَهْدِي) خَفِيفَةٌ؛ وَمَعْنَاهَا: يَهْتَدِي؛ يُقَالُ: هُدِيتُ الطَّرِيقَ؛ بِمَعْنَى: اهْتَدَيْتُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 {فَمَا لكم كَيفَ تحكمون} أَيْ: أَنَّكُمْ تُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - هُوَ الْخَالِقُ وَالرَّازِقُ (ل 139) ثُمَّ تَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ! الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنًّا} أَيْ: يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى - زَعَمُوا - لِيُصْلِحَ لَهُمْ مَعَايِشَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَمَا يَفْعَلُونَ ذَلِك إِلَّا بِالظَّنِّ. سُورَة يُونُس من الْآيَة (37) إِلَى الْآيَة (42). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآن أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ} يَقُولُ: لمْ يَكُنْ أحدٌ يَسْتَطِيعُ أَن يفتريه؛ فَيَأْتِي يه مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَين يَدَيْهِ} مِنَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ {وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ} مِنَ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ، وَالأَحْكَامِ، وَالْوَعْدِ والوعيد {لَا ريب فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ. قَالَ محمدٌ: قَوْله: {أَن يفترى} أَيْ: لأَنْ يُفْتَرَى، يَعْنِي: يُخْتَلَقُ. وَمَنْ قَرَأَ (تَصْدِيقُ): هُوَ تصديقٌ، وَمَنْ نَصَبَ فَالْمَعْنَى: وَلَكِنْ كَانَ تَصْدِيقَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 الَّذِي بَين يَدَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 {أم يَقُولُونَ} أَيْ: أَنَّ مُحَمَّدًا افْتَرَى الْقُرْآنَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: قَدْ قَالُوهُ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: يَا مُحَمَّدُ {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} مثل هَذَا الْقُرْآن {وَادعوا} يَعْنِي: اسْتَعِينُوا {من اسْتَطَعْتُم} أَيْ: مَنْ أَطَاعَكُمْ {مِنْ دُونِ الله إِن كُنْتُم صَادِقين} أَيْ: لَسْتُمْ بِصَادِقِينَ، وَلا تَأْتُونَ بِسُورَة مثله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} أَيْ: لمْ يَكُنْ لَهُمْ علمٌ بِمَا كذبُوا {وَلما} أَي: وَلم يَأْتهمْ {تَأْوِيله} يَعْنِي: الْجَزَاءَ بِهِ؛ وَلَوْ قَدْ أَتَاهُمْ تَأْوِيلُهُ لآمَنُوا بِهِ؛ حَيْثُ لَا يَنْفُعُهُمُ الإِيمَانُ {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الظَّالِمين} كَانَ عَاقِبَتُهُمْ أَنْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ، ثُمَّ صيرهم إِلَى النَّار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ من لَا يُؤمن بِهِ} أَيْ: وَمِنَ الْمُشْرِكِينَ مَنْ سَيُؤْمِنُ بِالْقُرْآنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 {فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} أَيْ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنْ عَمَلِي شَيْءٌ، وَلَيْسَ لِي مِنْ عَمَلِكُمْ شيءٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 {وَمِنْهُم من يَسْتَمِعُون إِلَيْك} يَعْنِي: جَمَاعَةً يَسْتَمِعُونَ. {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ} وَهَذَا سمع الْقبُول. سُورَة يُونُس من الْآيَة (43) إِلَى الْآيَة (52). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 {وَمِنْهُم من ينظر إِلَيْك} أَيْ: يُقْبِلُ عَلَيْكَ بِالنَّظَرِ. {أَفَأَنْتَ تهدي الْعمي} يَعْنِي: عَمَى الْقَلْبِ: {وَلَوْ كَانُوا لَا يبصرون} كَقَوْلِهِ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 {وَيَوْم نحشرهم كَأَن لم يَلْبَثُوا} أَيْ: فِي الدُّنْيَا {إِلا سَاعَةً من النَّهَار} فِي طُوْلِ مَا هُمْ لابِثُونَ فِي النَّار {يَتَعَارَفُونَ بَينهم} أَيْ: يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. قَالَ الْحَسَنُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلاثَةُ مَوَاطِنَ لَا يَسْأَلُ فِيهَا أحدٌ أَحَدًا: إِذَا وُضِعَتِ الْمَوَازِينُ؛ حَتَّى يَعْلَمَ أَيُثْقُلُ مِيزَانُهُ أَمْ يَخِفُّ، وَإِذَا تَطَايَرَتِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 الْكُتُبِ؛ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَأْخُذُ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ أَمْ بِشِمَالِهِ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ؛ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَجُوزُ الصِّرَاطَ أَمْ لَا يجوز ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} مِنَ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا {أَوْ نتوفينك} فَيَكُونُ بَعْدَ وَفَاتِكَ {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رسولهم قضي بَينهم بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ؛ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ؛ يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، هُوَ كَقَوْلِهِ: {وَجِيءَ بالنبيين}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُم صَادِقين} يَقُولُهُ الْمُشْرِكُونَ لِمَا كَانَ يَعِدُهُمْ بِهِ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم مِنْ عَذَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا، فَكَانُوا يَسْتَعْجِلُونَهُ بِالْعَذَابِ استهزاءً وتكذيباً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نفعا} يُخْبِرُهُمْ أَنَّ الَّذِي يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ لَيْسَ فِي يَدَيْهِ. {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجلهم فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة} عَنْ عَذَابِ اللَّهِ إِذَا نَزَلَ بهم {وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} الْعَذَاب قبل أَجله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بياتا} يَعْنِي: لَيْلا {أَوْ نَهَارًا مَاذَا يستعجل مِنْهُ المجرمون}. قَالَ محمدٌ: {بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا} منصوبٌ عَلَى الْوَقْتِ، وَقَوْلُهُ: {مَاذَا يستعجل} الْمَعْنى: أَي شَيْء، وَقد يَجِيء بِمَعْنى: مَا الَّذِي يستعجل؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 {أَثم إِذا مَا وَقع} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: حَتَّى إِذَا مَا نزل الْعَذَاب (ل 140) {آمنتم بِهِ الآين وَقد كُنْتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُون} أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ إِذَا آمَنُوا عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ الآنَ تَؤْمِنُونَ حِين لَا ينفعكم الْإِيمَان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 سُورَة يُونُس من الْآيَة (53) إِلَى الْآيَة (56). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 {ويستنبئونك} أَي: يستخبرونك {أَحَق هُوَ} يَعْنُونَ: الْقُرْآنَ {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} بِسَابِقِينَ فَلا يَقْدِرُ عَلَيْكُمْ فَيُعَذِّبَكُمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ} أشركت {مَا فِي الأَرْض} مِنْ ذَهَبٍ وفضةٍ {لافْتَدَتْ بِهِ} يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ. {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَاب} أَي دخلُوا فِيهِ {وَقضي بَينهم} أَي: فصل بَينهم {بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 {أَلا إِن وعد الله} الَّذِي وَعَدَ فِي الدُّنْيَا {حَقٌّ} مِنَ الْوَعْدِ بِالْجَنَّةِ، وَالْوَعِيدِ بِالنَّارِ {وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ؛ وَهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ. سُورَة يُونُس من الْآيَة (57) إِلَى الْآيَة (61). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 {يَا أَيهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ ربكُم} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُور} يُذْهِبُ مَا فِيهَا مِنَ الْكُفْرِ والنفاق، {وَهدى} يَهْتَدُونَ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ {وَهُدًى وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين} فَأَمَّا الْكَافِرُونَ فَإِنَّهُ عَلَيهِمْ عذابٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 {قل بِفضل الله وبرحمته} قتال قَتَادَةُ: فَضْلُ اللَّهِ: الإِسْلامُ، وَرَحْمَتُهُ: الْقُرْآن {فبذلك فليفرحوا} تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: فَلْيَفْرَحُوا؛ يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ. {هُوَ خير مِمَّا يجمعُونَ} مِمَّا يجمع الْكفَّار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وحلالا} مَا حَرَّمُوا مِنَ الأَنْعَامِ وَمِنْ زُرُوعهمْ. {قل آللَّهُ أذن لكم} أَيْ: أَمَرَكُمْ بِمَا صَنَعْتُمْ مِنْ ذَلِكَ؟ أَيْ: أَنَّهُ لمْ يَفْعَلْ {أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 ثُمَّ أَوْعَدَهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وَهُوَ عَلَى الاسْتِفَهَامِ؛ يَقُولُ: ظُنُّهُمْ أَنَّ اللَّهَ سَيُعَذِّبُهُمْ، وَظَنُّهُمْ ذَلِكَ فِي الآخِرَةِ يَقِينٌ مِنْهُمْ؛ وَقَدْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا لَا يُقِرُّونَ بِالْبَعْثِ؛ فَلَمَّا صَارُوا إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - سَيُعَذِّبُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاس} بِمَا يُنْعِمُ عَلَيْهِمْ، وَبِمَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يشكرون} يَعْنِي: لَا يُؤمنُونَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 {وَمَا تكون فِي شَأْن} مِنْ حَوَائِجِكَ لِلدُّنْيَا {وَمَا تَتْلُو مِنْهُ من قُرْآن} خَاطب بِهَذَا النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلَا تَعْمَلُونَ} يَعْنِي: الْعَامَّةَ {مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ شاهدٌ لأَعْمَالِهِمْ {وَمَا يعزب عَن رَبك} أَيْ: يَغِيبُ عَنْ رَبِّكَ {مِنْ مِثْقَال ذرة} وَزْنُ ذَرَّةٍ {فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاء} حَتَّى لَا يَعْلَمُهُ وَيَعْلَمُ مَوْضِعَهُ {وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} بَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 قَالَ محمدٌ: مَنْ قَرَأَ: {وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ} بِالْفَتْحِ - فَالْمَعْنَى: مَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ، وَلا مِثْقَالٍ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ؛ وَفَتَحَ لأَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ. وَمَنْ رَفَعَ، فَالْمَعْنَى: مَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ. سُورَة يُونُس من الْآيَة (62) إِلَى الْآيَة (65). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}. يحيى: عَن أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كُثَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ سَأَلَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ، فَقَالَ: هِيَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ، أَوْ تُرَى لَهُ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 وَقَوله: {وَفِي الْآخِرَة} يَعْنِي: الْجَنَّةَ {لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} النجَاة الْعَظِيمَة من النَّار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 {وَلَا يحزنك قَوْلهم} يَقُولُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ لَهُ: إِنَّكَ مجنونٌ، وَإِنَّكَ ساحرٌ، وَإِنَّكَ كاذبٌ، وَإِنَّكَ شاعرٌ. {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} فينصرك عَلَيْهِم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 سُورَة يُونُس من الْآيَة (66) إِلَى الْآيَة (70). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 {أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض} قَالَ محمدٌ: (أَلا) افْتِتَاحُ كَلامٍ وَتَنْبِيهٌ؛ أَيْ: لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الأَرْضِ، يَفْعَلُ فِيهِمْ وَبِهِمْ مَا يَشَاءُ. {وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاء} يَقُولُ: إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَيْسُوا بِشُرَكَاءَ لِلَّهِ تَعَالَى. {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِن هم إِلَّا يخرصون} يَقُولُ: يَعْبُدُونَ أَوْثَانَهُمْ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهَا تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - زُلْفَى، وَمَا يَقُولُونَ ذَلِكَ بعلمٍ، إِن هُوَ مِنْهُم (ل 141) إِلا ظَنٌّ، وَإِنْ هُمْ إِلا يكذبُون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لتسكنوا فِيهِ} يَعْنِي: لِتَسْتَقِرُّوا فِيهِ مِنَ النَّصَبِ {وَالنَّهَار مبصرا} أَيْ: مُنِيرًا لِتَبْتَغُوا فِيهِ مَعَايِشَكُمْ. قَالَ محمدٌ: قيل: {مبصرا} يَعْنِي: مُبْصَرًا فِيهِ؛ كَمَا تَقُولُ: ليلٌ نَائِمٌ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 وَإِنَّمَا ينَام فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} أَيْ: مَا عِنْدَكُمْ مِنْ حُجَّةٍ بِهَذَا الَّذِي قُلْتُمْ {أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لَا تعلمُونَ} أَيْ: نَعَمْ، قَدْ قُلْتُمْ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِب لَا يفلحون} ثمَّ انْقَطع الْكَلَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 {مَتَاع فِي الدُّنْيَا} يَقُولُ: الدُّنْيَا وَمَا هُمْ فِيهِ متاعٌ يَسْتَمْتِعُونَ بِهِ، ثُمَّ يَنْقَطِعُ إِذَا فَارَقُوا الدُّنْيَا. قَالَ محمدٌ: {مَتَاع} مرفوعٌ عَلَى مَعْنَى: ذَلِكَ متاعٌ فِي الدُّنْيَا. سُورَة يُونُس من الْآيَة (71) إِلَى الْآيَة (74). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 {يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مقَامي} بِالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ توكلت فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاءكم} أَيْ: وَأَجْمِعُوا شُرَكَاءَكُمْ {ثُمَّ لَا يكن أَمركُم عَلَيْكُم غمَّة} أَيْ: فِي سِتْرٍ، لِيَكُنْ ذَلِكَ عَلانِيَةً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 قَالَ محمدٌ: (غُمَّةٌ) مُشْتَقَّةٌ مِنَ: الْغَمَامَةِ الَّتِي تَسْتُرُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: " غُمَّ الْهِلالُ " وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: (غُمَّةً) أَيْ: غَمًّا؛ يُقَالُ غمٌّ وغمةٌ. قَالَتِ الْخَنْسَاءُ: (وَذِي كربةٍ رَاخَى ابْنُ عمروٍ خِنَاقَهُ ... وَغُمَّتُهُ عَنْ وَجْهِهِ فَتَجَلَّتِ) قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيّ} أَيْ: اجْهَدُوا جُهْدَكُمْ {وَلا تُنْظِرُونِ} طَرْفَةَ عَيْنٍ؛ أَيْ: أَنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ؛ وَذَلِكَ حِينَ قَالُوا: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نوح لتكونن من المرجومين}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 {فَإِن توليتم} أَعْرَضْتُمْ عَنِ الإِيمَانِ {فَمَا سَأَلْتُكُمْ} عَلَى مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الدِّينِ أَجْرًا، فَيَحْمِلُكُمْ ذَلِكَ عَلَى تَرْكِ مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفلك} فِي السَّفِينَة {وجعلناهم خلائف فِي الأَرْض} بعد الهالكين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ} أَيْ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ {كَذَلِكَ نَطْبَعُ على قُلُوب الْمُعْتَدِينَ} الْمُشْركين. سُورَة يُونُس من الْآيَة (75) إِلَى الْآيَة (82). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا} يَعْنِي: الْيَد والعصا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 {قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُم أَسحر هَذَا} قَالَ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 {قَالُوا أجئتنا لتلفتنا} لِتَصْرِفَنَا وَتُحَوِّلَنَا {عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} يَعْنُونَ: أَنَّا وَجَدْنَاهُمْ عَبَدَةَ أَوْثَانٍ، فَنَحْنُ عَلَى دِينِهِمْ {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء} أَي: وتريد أَن تكون لَكَ وَلِهَارُونَ الْمُلْكُ وَالسُّلْطَانُ فِي الأَرْضِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْمُلْكُ كِبْرَيَاءُ؛ لأَنَّهُ أَكْبَرُ مَا يُطْلَبُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَأَصْلُ الْكِبْرِيَاء: العظمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 {قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السحر} قَالَ محمدٌ: (مَا) بِمَعْنَى الَّذِي؛ أَيْ: الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 {ويحق الله الْحق} الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى {بِكَلِمَاتِهِ} بِوَعْدِهِ الَّذِي وَعَدَ مُوسَى يَعْنِي: قَوْلَهُ لَهُ: {لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْت الْأَعْلَى}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 سُورَة يُونُس من الْآيَة (83) إِلَى الْآيَة (86). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ من قومه} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: أَوْلادَ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مُوسَى {عَلَى خَوْفٍ من فِرْعَوْن وملئهم} يَعْنِي: أَشْرَافهم {أَن يفتنهم} أَنْ يَقْتُلَهُمْ فِرْعَوْنُ {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لعال فِي الأَرْض} أَيْ: لباغٍ يَبْغِي عَلَيْهِمْ وَيَتَعَدَّى {وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُم آمنتم بِاللَّه} وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ قَدْ آمَنُوا وَصَدَّقُوا، وَلَكِنَّهُ كلامٌ مِنْ كَلامِ الْعَرَبِ؛ تَقُولُ: إِنْ كُنْتَ كَذَا فَاصْنَعْ كَذَا؛ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا قَالَ لَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمين} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَقُولُونَ: لَا تُعَذِّبْنَا بِأَيْدِي قَوْمِ فِرْعَوْنَ، وَلا بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِكَ، فَيَقُولُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ: لَوْ كَانُوا عَلَى حَقٍّ مَا عُذِّبُوا، وَلا سُلِّطْنَا عَلَيْهِمْ؛ فَيُفْتَنُوا بِنَا. سُورَة يُونُس من الْآيَة (87) إِلَى الْآيَة (89). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتكُمْ قبْلَة} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: أُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا فِي بُيُوتِهِمْ مَسَاجِدَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ يُصَلَّونَ فِيهَا [سِرًّا، لَمَّا] خَافَ (ل 142) مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ مِنْ فِرْعَوْنَ أَنْ يُصَلُّوا فِي الْكَنَائِسِ الْجَامِعَةِ. {رَبنَا ليضلوا عَن سَبِيلك} هَذَا دعاءٌ عَلَيْهِمْ؛ يَقُولُ؛ رَبَّنَا فَأَضِّلَّهُمْ عَنْ سَبِيلِكَ؛ وَذَلِكَ حِينَ جَاءَ وَقت عَذَابهمْ [ ... ] عَلَيْهِم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 {رَبنَا اطْمِسْ على أَمْوَالهم} فَمُسِخَتْ دَنَانِيرُهُمْ وَدَرَاهِمُهُمْ وَزُرُوعُهُمْ حِجَارَةً {وَاشْدُدْ على قُلُوبهم} بالضلالة {فَلَا يُؤمنُوا} دُعَاءٌ أَيْضًا {حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيم} فَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يُؤْمِنُوا. سُورَة يُونُس من الْآيَة (90) إِلَى الْآيَة (93). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْن وَجُنُوده بغيا وعدوا} العَدْوُ: العُدْوَانُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {فأتبعهم فِرْعَوْن} أَيْ: لَحِقَهُمْ؛ يُقَالُ: أَتْبَعْتُ الْقَوْمَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 لَحِقْتُهُمْ، وَتَبِعْتُهُمْ: جِئْتُ فِي إِثْرِهِمْ. {حَتَّى إِذا أدْركهُ الْغَرق} الْآيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 يَقُول الله - عز وَجل -: {آلآن وَقد عصيت} لأَنَّهُ آمَنَ فِي حِينٍ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ فِيهِ الإِيمَانَ؛ وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلَ الْإِيمَانُ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 {فاليوم ننجيك ببدنك} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: بِجَسَدِكَ، فَقَذَفَهُ الْبَحْرُ عُرْيَانًا عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ {لِتَكُونَ لمن خَلفك} لمن بعْدك {أيه} فَيُعْلَمُ أَنَّكَ عبدٌ ذليلٌ قَدْ أَهْلَكَكَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَغَرَّقَكَ {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتنَا لغافلون} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا وَلَا ينظرُونَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صدق} أَيْ: أَنْزَلْنَاهُمْ مَنْزِلَ صِدْقٍ {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُم الْعلم} هِيَ كَقَوْلِهِ: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُم الْبَينَات}. سُورَة يُونُس من الْآيَة (94) إِلَى الْآيَة (97). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 {فَإِنْ كُنْتَ فِي شكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكتاب من قبلك} يَعْنِي: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَن نَبِي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا أَشُكُّ وَلا أَسْأَلُ ". {لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تكونن من الممترين} يَعْنِي: الشاكين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 {إِن الَّذين حقت عَلَيْهِم (كَلِمَات} رَبك لَا يُؤمنُونَ} الآيَةَ، هُمُ الَّذِينَ يَلْقَوْنَ اللَّهَ - عز وَجل - بكفرهم. سُورَة يُونُس من الْآيَة (98) إِلَى الْآيَة (99). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 {فلولا} فَهَلا {كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إيمَانهَا} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: يَقُولُونَ: لمْ يَكُنْ هَذَا فِي الأُمَمِ؛ لمْ يَنْفَعْ قَرْيَةٌ كَفَرَتْ ثُمَّ آمَنَتْ حِينَ عَايَنَتْ عَذَابَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - {إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كشفنا عَنْهُم عَذَاب الخزي} قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ قَوْمَ يُونُسَ كَانُوا بِمَوْضِعٍ مِنْ أَرْضِ " الْمَوْصِلِ " فَلَمَّا فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ، قَذَفَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي قُلُوبِهِمِ التَّوْبَةَ، فَلَبِسُوا الْمُسُوحَ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ بَهِيمَةٍ وَوَلَدِهَا، فَعَجُّوا إِلَى اللَّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَلَمَّا عَرَفَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الصَّدْقَ من قُلُوبِهِمْ، وَالتَّوْبَةَ وَالنَّدَامَةَ مِنْهُمْ عَلَى مَا مَضَى كَشَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 بَعْدَ مَا نَزَلَ عَلَيْهِمْ. قَالَ يحيى: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَذَابِ أَرْبَعَةُ أميالٍ. وَقَوْلُهُ: {ومتعناهم إِلَى حِين} يَعْنِي: إِلَى الْمَوْتِ بِغَيْرِ عَذَابٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤمنين} أَيْ: لَا تَسْتَطِيعُ فِعْلَ ذَلِكَ إِنَّمَا يُؤْمِنُ مَنْ يُرِيدُ اللَّهُ - عز وَجل - أَن يُؤمن. سُورَة يُونُس من الْآيَة (100) إِلَى الْآيَة (104). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ على الَّذين لَا يعْقلُونَ} يَعْنِي: رجاسة الْكفْر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 {قل انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَات} مِنْ شَمْسِهَا وَقَمَرِهَا وَنُجُومِهَا، وَمَا فِيهَا من الْعَجَائِب {وَالْأَرْض} مِنْ بِحَارِهَا وَشَجَرِهَا وَجِبَالِهَا؛ فَفِي هَذِهِ آياتٌ وَحُجَجٌ عِظَامٌ {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤمنُونَ} إِذَا لمْ يَقْبَلُوهَا، وَيَتَفَكَّرُوا فِيهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذين خلوا من قبلهم} يَعْنِي: وَقَائِعَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي الأُمَمِ السَّالِفَةِ الَّتِي أَهْلَكَهُمْ بِهَا حِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ. {قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} أَيْ: سَيَنْزِلُ بِكُمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ؛ أَخَرَّ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَذَابَ آخِرِ كُفَّارِ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلَى (ل 143) النَّفْخَةِ الأُولَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 بِهَا يَكُونُ هَلاكُهُمْ، وَلَمْ يُهْلِكْهُمْ حِينَ كَذَّبُوا النَّبِيَّ بِعَذَابِ الاسْتِئْصَالِ، كَمَا أَهْلَكَ مَنْ قَبْلَهُمْ بِعَذَابِ الاسْتِئْصَالِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أحدٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا} يَقُولُ: كُنَّا إِذَا أَهْلَكْنَا قَوْمًا أنجينا النَّبِي وَالْمُؤمنِينَ، الْآيَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 {قل يَا أَيهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ من ديني} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبدُونَ من دون الله} الْآيَة. سُورَة يُونُس من الْآيَة (105) إِلَى الْآيَة (109). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 {وَأَن أقِم وَجهك} أَيْ: وِجْهَتِكَ إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا من الظَّالِمين} أَي: وَلست فَاعِلا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 {يَا أَيهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ ربكُم} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يضل عَلَيْهَا} وَهِيَ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فعلَيْهَا}. {وَمَا أَنا عَلَيْكُم بوكيل} بِحَفِيظٍ لِأَعْمَالِكُمْ؛ حَتَّى أُجَازِيَكُمْ بِهَا، إِنَّمَا أَنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 منذرٌ أبلغكم رِسَالَة رَبِّي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 {واصبر} عَلَى مَا يَقُولُ لَكَ الْمُشْرِكُونَ {حَتَّى يحكم الله} فَيَأْمُرَكَ بِالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ {وَهُوَ خَيْرُ} أفضل {الْحَاكِمين}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 تَفْسِيرُ سُورَةِ هُودٍ وَهِيَ مَكِّيَةٌ كلهَا سُورَة هود من الْآيَة (1) إِلَى الْآيَة (4). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 قَوْله عز اسْمه: {آلر كتبٌ} أَيْ: هَذَا كتابٌ {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} يَعْنِي: الْقُرْآن {ثمَّ فصلت} بُيِّنَتْ؛ بُيِّنَ فِيهَا حَلالُهُ وَحَرَامُهُ وطاعته ومعصيته {من لدن} من عِنْد {حَكِيم} أحكمه بِعِلْمِهِ {خَبِير} بأعمال الْعباد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لكم مِنْهُ نَذِير} يَقُولُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم قُلْ: لَا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ؛ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ؛ أُنْذِرَكُمْ عِقَابَهُ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا {وَبَشِيرٌ} بِالْجنَّةِ لمن آمن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 {وَأَن اسْتَغْفرُوا ربكُم} مِنَ الشِّرْكِ. {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أجل مُسَمّى} يَعْنِي: الْمَوْتَ، وَلا يَهْلِكَهُمْ بِالْعَذَابِ. {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} كَقَوْلِهِ: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} {وَإِن توَلّوا} عَنْ هَذَا الْقُرْآنِ، فَيُكَذِّبُوا بِهِ {فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِير}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 سُورَة هود من الْآيَة (5) فَقَط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ}. قَالَ الْحَسَنُ: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ؛ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ بِذَلِكَ؛ يَظُنُّونَ أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا يَعْلَمُ الَّذِي يَسْتَخْفُونَ بِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى {يثنون صُدُورهمْ}: يَطْوُونَ مَا فِيهَا وَيَسْتُرُونَهُ. {أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يسرون وَمَا يعلنون} قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى {يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ}: يَسْتَتِرُونَ بِهَا؛ يُقَالُ: اسْتَغْشَيْتُ ثَوْبِي وتغشيته. سُورَة هود من الْآيَة (6) فَقَط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 {وَيعلم مستقرها ومستودعها} تَفْسِيرُ ابْنِ مَسْعُودٍ: مُسْتَقَرُّهَا: الأَرْحَامُ، وَمُسْتَوْدَعُهَا: الأَرْضُ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا. يحيى: عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يَقْبِضَ عَبْدًا بأرضٍ جَعَلَ لَهُ بِهَا حَاجَةً؛ فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَتِ الأَرْضُ: رَبِّ هَذَا مَا اسْتَوْدَعْتَنِي ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 سُورَة هود من الْآيَة (7) فَقَط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 {ليبولكم} لِيَخْتَبِرَكُمْ بِالأَمْرِ وَالنَّهْيِ {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عملا} فِيمَا ابْتَلاكُمْ بِهِ مِنَ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: يَخْتَبِرُكُمُ الاخْتِبَارَ الَّذِي يُجَازِيكُمْ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ قَدْ عَلِمَ قَبْلَ ذَلِكَ أَيُّهُمْ أحسن عملا. سُورَة هود من الْآيَة (8) إِلَى الْآيَة (12). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أمة مَعْدُودَة} أَيْ: إِلَى حينٍ مَعْدُودٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْحِينُ أُمَّةً؛ لأَنَّ الأُمَّةَ مِنَ النَّاس تنقرض فِي حِين. {ليقولون مَا يحْبسهُ} قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} أَيْ: لَيْسَ يَسْتَطِيعُ أحدٌ أَنْ يصرفهُ عَنْهُم {وحاق بهم} أَحَاطَ بِهِمْ {مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون} يَعْنِي: عَذَابَ الآخِرَةِ؛ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 {وَلَئِن أذقنا الْإِنْسَان} يَعْنِي: الْمُشرك {منا رَحْمَة} يَعْنِي: صِحَّةً وَسِعَةً فِي الرِّزْقِ {ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ} من رَحْمَة الله (ل 144) أَنْ تَصِلَ إِلَيْهِ فَيُصِيبُهُ رَخَاءٌ بعد شدَّة {كفور} لنعمة الله تَعَالَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مسته} أَيْ: عَافَيْنَاهُ مِنْ تِلْكَ الضَّرَّاءِ الَّتِي نزلت بِهِ {لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي} ذَهَبَ الضُّرُّ عَنِّي {إِنَّهُ لَفَرِحٌ} بالدنيا {فخور} يَقُولُ: لَيْسَتْ لَهُ حسبةٌ عِنْدَ ضَرَّاءَ، وَلا شُكْرٌ عِنْدَ سَرَّاءَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 {إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} اسْتَثْنَى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَهْلَ الإِيمَانِ؛ أَيْ: أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ الَّذِي بَيَّنَ مِنْ فِعْلِ الْمُشْرِكِينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْك} خَاطَبَ بِهَذَا النَّبِيَّ؛ فَلا تُبَلِّغْ عَنِّي مَخَافَةَ قَوْمِكَ {وَضَائِقٌ بِهِ صدرك أَن يَقُولُوا} بِأَنْ يَقُولُوا {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كنز} هَلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مالٌ؛ فَإِنَّهُ فَقِيرٌ {أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ} فَيُخْبِرُنَا أَنَّهُ رسولٌ {إِنَّمَا أَنْتَ نذيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شيءٍ وَكيل} حفيظٌ لأَعْمَالِهِمْ؛ حَتَّى يُجَازِيهِمْ بِهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 سُورَة هود من الْآيَة (13) إِلَى الْآيَة (14). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 {أم يَقُولُونَ افتراه} افْتَرَى مُحَمَّدٌ الْقُرْآنَ: اخْتَلَقَهُ؛ أَيْ: قَدْ قَالُوا ذَلِكَ. {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أَيِ: اسْتَعِينُوا مَنْ أَطَاعَكُمْ مِنْ دون الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 {فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا لكم} فَيَأْتُوا بِعَشْرِ سورٍ مِثْلِهِ، وَلَنْ يَفْعَلُوا {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلِ بِعِلْمِ الله} أَي: من عِنْد الله. سُورَة هود من الْآيَة (15) إِلَى الْآيَة (16). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزينتهَا} يَعْنِي: الْمُشْرِكَ لَا يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ {نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم فِيهَا} يَعْنِي: جَزَاءَ حَسَنَاتِهِمْ {وَهُمْ فِيهَا لَا يبخسون} لَا يُنْقَصُونَ حَسَنَاتِهِمِ الَّتِي عَمِلُوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 {وحبط مَا صَنَعُوا فِيهَا} بَطَلَ مَا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ حسناتٍ فِي الآخِرَةِ؛ لأَنَّهُمْ جوزوا بهَا فِي الدُّنْيَا. سُورَة هود من الْآيَة (17) فَقَط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ ربه} أَيْ: بَيَانٍ وَيَقِينٍ؛ يَعْنِي: مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلامُ {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: جِبْرِيلُ شاهدٌ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَمِنْ قَبْلِهِ} مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ {كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَة} يَعْنِي: لِمَنْ آمَنَ بِهِ. يَقُولُ: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهدٌ مِنْهُ؛ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَكْفُرُ بِالْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ؟! أَيْ: أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ محمدٌ: يَجُوزُ النَّصْبُ فِي قَوْله: {إِمَامًا وَرَحْمَة} عَلَى الْحَالِ. {أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ يَؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ {وَمَنْ يكفر بِهِ من الْأَحْزَاب} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى {فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} {فَلا تَكُ فِي مرية مِنْهُ} فِي شِكٍّ أَنَّ مَنْ كَفَرَ بِهِ؛ فَالنَّار موعده. سُورَة هود من الْآيَة (18) إِلَى الْآيَة (19). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كذبا} أَي: لَا أحد أظلم مِنْهُ؛ وَافْتِرَاؤُهُمْ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - أَنْ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَمرهم بِمَا هُم عَلَيْهِ من عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَتَكْذِيبِهِمْ بمحمدٍ. {أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ} الأَنْبِيَاءُ {هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبهم} الْآيَة. سُورَة هود من الْآيَة (20) إِلَى الْآيَة (22). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 {أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْض} يَسْبِقُونَا حَتَّى لَا نَبْعَثَهُمْ، ثُمَّ نُعَذِّبَهُمْ. {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دون الله من أَوْلِيَاء} يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. {يُضَاعَفُ لَهُم الْعَذَاب} فِي النَّارِ {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع} سَمْعَ الْهُدَى؛ يَعْنِي: سَمْعَ قَبُولٍ إِذْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا {وَمَا كَانُوا يبصرون} الْهدى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} 6 يَعْنِي: أَوْثَانَهَمْ ضَلَّتْ عَنْهُمْ؛ فَلَمْ تغن عَنْهُم شَيْئا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هم الأخسرون} {لَا جَرَمَ} كَلِمَةُ وَعِيدٍ. قَالَ محمدٌ: جَاءَ عَنِ ابْن عَبَّاس؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَعْنَاهَا: حَقًّا. وَذَكَرَ الزَّجَّاجُ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: (جَرَمَ) مَعْنَاهَا: حَقٌّ، وَدَخَلَتْ لَا لِلنَّفْيِ، كَأَنَّ الْمَعْنَى: لَا يَنْفُعُهُمْ ذَلِكَ حَقٌّ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ. وَأَنْشَدَ [ ... ] (وَلَقَدْ طَعَنْتَ أَبَا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً ... جَرَمَتْ فَزَارَةَ بَعْدَهَا أَنْ يَغْضَبُوا} يَقُولُ: [أَحَقَّتِ الطَّعْنَةُ فَزَارَةَ] الْغَضَبَ. قَالَ محمدٌ: وَأَنْشَدَ قُطْرُبٌ: جَرَمَتْ (فَزَارَةُ بَعْدَهَا أَنْ يغضبوا). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 (ل 145) حق لَهُم الْغَضَب. سُورَة هود من الْآيَة (23) إِلَى الْآيَة (24). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 {وأخبتوا إِلَى رَبهم} أَي: أنابوا مُخلصين: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ والسميع هَل يستويان مثلا} أَي لَا يستويان مثل الْكَافِرُ مِثْلُ الأَعْمَى وَالأَصَمِّ؛ لأَنَّهُ أَعْمَى أَصَمُّ عَنِ الْهُدَى، وَالْبَصِيرُ وَالسَّمِيعُ مِثْلُ الْمُؤْمِنِ؛ لأَنَّهُ أَبْصَرَ الْهُدَى وَسَمِعَهُ؛ يَقُولُ: فَكَمَا لَا يَسْتَوِي عِنْدَكُمُ الأَعْمَى وَالأَصَمُ وَالْبَصِيرُ وَالسَّمِيعُ فِي الدُّنْيَا؛ فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَوِيَانِ عِنْدَ اللَّهِ فِي الدِّينِ. سُورَة هود من الْآيَة (25) إِلَى الْآيَة (28). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هم أراذلنا} سفلتنا {بَادِي الرَّأْي} أَيْ: فِيمَا يَظْهَرُ لَنَا {وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ} فِي الدِّينِ {بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} يَعْنُونَ: نَوْحًا وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} عَلَى بَيَانٍ {وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْده} يَعْنِي بِالرَّحْمَةِ: النُّبُوَّةَ {فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ} أَنْ تُبْصِرُوهَا بِقُلُوبِكُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 وَتَقْبَلُوهَا {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}. سُورَة هود من الْآيَة (29) إِلَى الْآيَة (31). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 {وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} يَعْنِي: عَلَى مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ من الْهدى {مَالا} فَإِنَّمَا يَحْمِلُكُمْ عَلَى تَرْكِ الْهُدَى الْمَالُ الَّذِي أَسْأَلُكُمُوهُ. {إِنْ أَجْرِيَ} ثَوَابِي {إِلا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ ملاقو رَبهم} فيحاسبهم بأعمالهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 {وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ الله} أَي: خَزَائِن علم الله {وَلَا أَقُول للَّذين تزدري أعينكُم}. قَالَ محمدٌ: (تزدري) أَيْ: تَسْتَقِلُّ وَتَسْتَخِسُّ. {لَنْ يُؤْتِيَهُمُ الله خيرا} فِي الْعَاقِبَةِ؛ أَيْ: أَنَّهُ سَيُؤْتِيهِمْ بِذَلِكَ خَيْرًا؛ إِنْ كَانَتْ قُلُوبُهُمْ صَادِقَة. سُورَة هود من الْآيَة (32) إِلَى الْآيَة (37). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا} ماريتنا {فَأَكْثَرت جدالنا}. {إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يغويكم} يُضِلَّكُمْ. قَالَ محمدٌ: (يُغْوِيَكُمْ): أَصْلُهُ يُهْلِكَكُمْ؛ تَقُولُ الْعَرَبُ: أَغْوَيْتُ فُلانًا؛ أَيْ: أَهْلَكْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: غَوَى الْفَصِيلُ؛ إِذَا فَقَدَ اللَّبَنَ، فَمَاتَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 {أم يَقُولُونَ افتراه} إِنَّ مُحَمَّدًا افْتَرَى الْقُرْآنَ {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بريءٌ مِمَّا تجرمون} يَقُولُ: فَعَلَيَّ عَمَلِي، وَأَنَا بريءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ. قَالَ محمدٌ: الإِجْرَامُ: الإِقْدَامُ عَلَى الذَّنْبِ؛ وَهُوَ مَصْدَرُ أجرمت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قد آمن} قَالَ قَتَادَةُ: ذَلِكَ حِينَ دَعَا عَلَيْهِمْ؛ فَقَالَ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}. {فَلَا تبتئس} أَيْ: لَا تَحْزَنْ لَهُمْ {بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 {واصنع الْفلك بأعيننا ووحينا} كَمَا نَأْمُرُكَ بِعَمَلِهَا {وَلا تُخَاطِبْنِي} تراجعني {فِي الَّذين ظلمُوا} أنفسهم بشركهم. سُورَة هود من الْآيَة (38) إِلَى الْآيَة (40). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 {ويصنع الْفلك} السَّفِينَةَ {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ من قومه سخروا مِنْهُ} عَمِلَ نوحٌ الْفُلْكَ بِيَدِهِ، فَكَانَ يَمُرُّ عَلَيْهِ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ فَيَقُولُونَ لَهُ اسْتِهْزَاءً بِهِ: يَا نُوحُ، بَيْنَمَا أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِذْ صِرْتَ نَجَّارًا. {قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: نَسْتَجْهِلُكُمْ كَمَا تَسْتَجْهِلُونَ. قَالَ يحيى: وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ قَوْمِهِ يَأْخُذُ بِيَدِ ابْنِهِ، فَيَذْهَبُ بِهِ إِلَى نوحٍ فَيَقُولُ: أَيْ بُنَيَّ، لَا تُطِعْ هَذَا؛ فَإِنَّ أَبِي قَدْ ذَهَبَ بِي إِلَيْهِ وَأَنَا مِثْلُكَ فَقَالَ: أَيْ بني لَا تُطِع هَذَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يخزيه} يَعْنِي: عَذَابَ الدُّنْيَا {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَاب مُقيم} دائمٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 {حَتَّى إِذا جَاءَ أمرنَا} يَعْنِي: عذابنا {وفار التَّنور} (التَّنُّورُ) فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: الْبَابُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ مَاءُ السَّفِينَةِ، فَفَارَ مِنْهُ الْمَاءُ وَالسَّفِينَةُ عَلَى الأَرْضِ، فَكَانَ ذَلِكَ عَلامَةً لإِهْلاكِ الْقَوْمِ. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: التَّنُّورُ عَيْنُ مَاءٍ كَانَتْ بِالْجَزِيرَةِ، يُقَالُ لَهَا: التَّنُّورُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: كَانَ التَّنُّورُ فِي أَقْصَى دَارِهِ. سعيدٌ: عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ التَّنُّورُ أَعْلَى الأَرْضِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} أَيْ: احْمِلْ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ مِنْ (ل 146) كُلِّ صِنْفٍ، الْوَاحِدُ: زوجٌ، وَالاثْنَانِ: زَوْجَانِ، فَحَمَلَ فِيهَا مِنْ جَمِيعِ مَا خَلَقَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنَ الْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ وَدَوَابِّ الْبَرِّ وَالطَّيْرِ وَالشَّجَرِ، وَشَكَوْا إِلَى نوحٍ فِي السَّفِينَةِ الزُّبْلَ؛ فَأَوْحَى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَى نوحٍ أَنْ يَمْسَحَ بِيَدِهِ عَلَى ذَنَبِ الْفِيلِ، فَفَعَلَ فَخَرَجَ مِنْهُ خِنْزِيرَانِ، فَكَانَا يَأْكُلانِ الزُّبْلَ، وَشَكَوْا إِلَى اللَّهِ الْفَأْرَةَ فَأَوْحَى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَى الأَسَدِ - أَلْقَى فِي قَلْبِهِ - فَعَطَسَ الأَسَدُ فَخَرَجَ مِنْ مُنْخَرَيْهِ سِنَّوْرَانِ، فَكَانَا يَأْكُلانِ الْفَأْرَةَ، وَشَكَوْا إِلَى نُوحٍ عَرَامَةَ الأَسَدِ، فَدَعَا عَلَيْهِ نوحٌ فَسَلَّطَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَيْهِ الحُمَّى. قَالَ الْحَسَنُ: وَكَانَ طُولُ السَّفِينَةِ فِيمَا بَلَغَنَا أَلْفَ ذِرَاعٍ وَمِائَتَيِ ذِرَاعٍ، وعرضها سِتّمائَة ذِرَاعٍ. يحيى: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَكَانَ رَأْسُهَا مِثْلَ رَأْسِ الْحَمَامَةِ، وَذَنَبُهَا كَذَنَبِ الدِّيكِ مُطَّبَقَةٌ تَسِيرُ مَا بَيْنَ الْمَاءَيْنِ: مَاءُ السَّمَاءِ، وَمَاءُ الأَرْضِ. قَالَ يحيى: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ فِي السَّفِينَةِ ثَلاثَةُ أَبْوَابٍ: بابٌ لِلسِّبَاعِ وَالطَّيْرِ، وبابٌ لِلْبَهَائِمِ، وبابٌ لِلنَّاسِ، وَفُصِلَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ: بِجَسَدِ آدَمَ حَمَلَهُ نوحٌ مَعَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَهْلَكَ إِلا من سبق عَلَيْهِ القَوْل} الْغَضَبُ؛ يَعْنِي: ابْنَهُ {وَمَنْ آمَنَ} أَيْ: وَاحْمِلْ مَنْ آمَنَ، قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَا آمَنَ مَعَه إِلَّا قَلِيل} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: ثَمَانِينَ نَفْسًا؛ أَرْبَعُونَ رَجُلا، وَأَرْبَعُونَ امْرَأَةً. قَالَ قَتَادَةُ:. لمْ يَنْجُ فِي السَّفِينَةِ إِلا نوحٌ وَامْرَأَتُهُ وَثَلاثَةُ بَنِينَ لَهُ: سامٌ وحامٌ وَيَافِثٌ؛ وَنِسَاؤُهُمْ؛ فَجَمِيعهمْ ثمانيةٌ. سُورَة هود من الْآيَة (41) إِلَى الْآيَة (45). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مجْراهَا وَمرْسَاهَا} قَالَ قَتَادَةُ: قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - كُلَّ مَا تَقُولُونَ؛ إِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبَرِّ، وَإِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبَحْرِ؛ إِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبَرِّ قَلْتُمْ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} وَإِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبَحْرِ قُلْتُمْ: {بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا}. قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ: {باسم اللَّهِ مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} بِضَمِّ الْمِيمَيْنِ جَمِيعًا فَمَعْنَى ذَلِكَ: بِاللَّهِ إِجْرَاؤُهَا، وَبِاللَّهِ إِرْسَاؤُهَا؛ يُقَالُ: جَرَتِ السَّفِينَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 وَأَجْرَيْتُهَا أَنَا مَجْرًى وَإِجْرَاءً فِي مَعْنَى واحدٍ، وَرَسَتْ وَأَرْسَيْتُهَا مَرْسًى وإرساءً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 {قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ} يَعْنِي: الَّذِينَ كَانُوا فِي السَّفِينَةِ. قَالَ محمدٌ: {لَا عَاصِم} فِي مَعْنَى: لَا مَعْصُومَ؛ كَمَا قَالُوا: مَاءٌ [دَافِقٌ] بِمَعْنَى مَدْفُوقٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 {وغيض المَاء} أَيْ: نَقَصَ. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: غَاضَ الْمَاءُ يَغِيضُ إِذَا غَابَ فِي الأَرْض. وَقَرَأَ بَعضهم (غيض الْمَاءُ) بِإِشْمَامِ الضَّمِّ فِي الْغَيْنِ، وَمَنْ قَرَأَ بِهَذَا أَرَادَ الأَصْلَ فُعِلَ، وَمَنْ كَسَرَ فَلِلْيَاءِ الَّتِي بَعْدَ فَاءِ الْفِعْلِ. {وَقُضِيَ الأَمْرُ} فُرِغَ مِنْهُ؛ يَعْنِي: هَلاكَ قَوْمِ نوح. {واستوت على الجودي} جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ. قَالَ قَتَادَةُ: وَبَلَغَنِي أَنَّ السَّفِينَةَ لَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَقِفَ، تَطَاوَلَتْ لَهَا الْجِبَالُ كُلُّ جبلٍ مِنْهَا يُحِبُّ أَنْ تَقِفَ عَلَيْهِ، وَتَوَاضَعَ الْجُودِيُّ، فَجَاءَتْ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَيْهِ، وَأَبْقَاهَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عِبْرَةً وَآيَةً حَتَّى نَظَرَ إِلَيْهَا أَوَائِلُ هَذِهِ الأُمَّةِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 وَبَلَغَنِي أَنَّهَا اسْتَقَلَّتْ بِهِمْ فِي عَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبَ، وَكَانَتْ فِي الْمَاءِ خَمْسِينَ وَمِائَةِ يَوْمًا، وَاسْتَقَرَّتْ بِهِمْ عَلَى الْجُوْدِيِّ شَهْرًا، وأهبطوا إِلَى الأَرْض فِي عشر خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ. قَالَ قَتَادَةُ: وذُكِرَ لَنَا أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلامُ بَعَثَ الْغُرَابَ لِيَنْظُرَ إِلَى الْمَاءِ؛ فَوَجَدَ جِيفَةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ [الْحَمَامَةَ] فَأَتَتْهُ بِوَرَقِ زَيْتُونٍ، فَأُعْطِيَتِ الطَّوْقُ الَّذِي فِي عُنُقهَا وخضاب رِجْلَيْهَا. سُورَة هود من الْآيَة (46) إِلَى الْآيَة (48). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ من أهلك} الَّذِينَ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنَجِّيَهُمْ، وَكَانَ (ابْنُهُ) يُظْهِرُ الإِيمَانَ وَيُسِرُّ الشِّرْكَ، ونوحٌ لَا يَعْلَمُ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ. قَالَ الْحَسَنُ: وَلَوْلا ذَلِكَ لمْ يُنَادِهِ؛ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - مُغْرِقٌ الْكُفَّارَ، وَأَنَّهُ قَضَى أَنَّهُ إِذَا نَزَلَ الْعَذَابُ عَلَى قومٍ كَذَّبُوا رَسُولَهُمْ ثُمَّ آمَنُوا، لمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ. {إِنَّه عمل غير صَالح} يَقُولُ: إِنَّ سُؤَالَكَ إِيَّايَ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ علمٌ عَمَلٌ غير صَالح (ل 147) {فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ علم} قَالَ الْحَسَنُ أَيْ: أَنَّكَ لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ مَا يُسِرُّ مِنَ النِّفَاقِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 يحيى: عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حوشبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ: {إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ} ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ منا} يَعْنِي: سَلامَةً مِنَ الْغَرَقِ. {وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} يَعْنِي: نُسُولَ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَة {وأمم سنمتعهم} فِي الدُّنْيَا يَعْنِي: أُمَمًا مِنْ نُسُولَ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَة. سُورَة هود من الْآيَة (49) إِلَى الْآيَة (52). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْك} يَقُول للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ انْقَضَتْ قِصَّةُ نُوحٍ: تِلْكَ مِنْ أَخْبَارِ الْغَيْبِ، يَعْنِي: مَا قَصَّ عَلَيْهِ {مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْت وَلَا قَوْمك} يَعْنِي: قُريْشًا {من قبل} هَذَا الْقُرْآن {فاصبر} عَلَى قَوْلِهِمْ: إِنَّكَ مجنونٌ؛ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا كَانُوا يَقُولُونَهُ لَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 {وَإِلَى عَاد أَخَاهُم هودا} يَقُولُ: وَأَرْسَلْنَا إِلَى عادٍ أَخَاهُمْ هُودًا، أَخُوهُمْ فِي النَّسَبِ، وَلَيْسَ بِأَخِيهِمْ فِي الدِّينِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 {فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} وَحِّدُوا اللَّهَ {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا مفترون} كُلُّ مَنْ عَبْدَ غَيْرَ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - فَقَدِ افْتَرَى الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - لأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَمَرَ الْعِبَادَ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. قَالَ محمدٌ: (غَيْرُهُ) مرفوعٌ عَلَى مَعْنَى: مَا لكم إِلَه غَيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 {يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا} أَيْ: يُوَسِّعُ لَكُمْ مِنَ الرَّزْقِ، وَإِنَّمَا أَرْزَاقُ الْعِبَادِ مِنَ الْمَطَرِ. قَالَ محمدٌ: معنى (مدراراً} الْمُبَالَغَةُ، وَنَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ؛ كَأَنَّهُ قَالَ: يُرْسِلُ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ دَارَّةً. وَذكر بعض المفسدين: أَنَّهُ كَانَ أَصَابَهُمْ جدبٌ. {وَيَزِدْكُمْ قُوَّة إِلَى قوتكم} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي شِدَّةً إِلَى شدتكم أَي: فِي أبدانكم. سُورَة هود من الْآيَة (53) إِلَى الْآيَة (57). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 {إِنَّه نقُول إِلَّا اعتراك} أَصَابَك {بعض آلِهَتنَا بِسوء} أَيْ: بِجُنُونٍ؛ لأَنَّكَ عِبْتَهَا؛ يَعْنُونَ: أوثانهم {فكيدوني جَمِيعًا} أَنْتُمْ وَأَوْثَانُكُمْ - أَيْ: اجْهَدُوا جُهْدَكُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 {ثمَّ لَا تنْظرُون} طَرْفَةَ عَيْنٍ؛ إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - سَيَمْنَعُنِي مِنْكُمْ؛ قَالَ هَذَا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الأَوْثَانَ لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَكِيدَ، وَأَنَّهَا لَا تضر وَلَا تَنْفَع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخذ بناصيتها} أَيْ: هِيَ فِي قَبْضَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. سُورَة هود من الْآيَة (58) إِلَى الْآيَة (60). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 {وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} أَيْ: وَاتَّبَعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى الْكُفْرِ، وَالْعَنِيدُ: الْمُجْتَنِبُ لِلْهُدَى الْمُعَانِدُ لَهُ. قَالَ محمدٌ: الْعَنِيدُ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ: الْجَائِرُ، وَالْعِنْدُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْجَانِبُ، فَقِيلَ لِلْجَائِرِ: عنيدٌ مِنْ هَذَا؛ لأَنَّهُ مجانبٌ لِلْقَصْدِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 {وَاتبعُوا} أُلْحِقُوا {فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} يَعْنِي: الْعَذَابُ الَّذِي عَذَّبَهُمْ بِهِ {وَيَوْم الْقِيَامَة} أَيْ: وَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْضًا لَعْنَةً؛ يَعْنِي: عَذَابَ جَهَنَّمَ {أَلا بعدا لعاد قوم هود}. قَالَ مُحَمَّد: (بعدا) نصبٌ عَلَى مَعْنَى: أَبْعَدَهُمُ اللَّهُ، فَبَعِدُوا بُعْدًا؛ أَيْ: مِنْ رَحْمَةِ الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 {هُوَ أنشأكم من الأَرْض} يُرِيد الْخلق الأول خلق آدم {واستعمركم فِيهَا} أَيْ: جَعَلَكُمْ عُمَّارَهَا {إِنَّ رَبِّي قريب مُجيب} قريبٌ مِمَّنْ دَعَاهُ، مُجِيبٌ لَهُ. سُورَة هود من الْآيَة (61) إِلَى الْآيَة (68). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 {قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مرجوا قبل هَذَا} أَيْ: كُنَّا نَرْجُو أَلا تَشْتُمَ آلِهَتَنَا، وَلا تَعْبُدَ غَيْرَهَا. {وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مريب} من الرِّيبَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 {فَمَا تزيدونني غير تخسير} نُقْصَانٍ؛ إِنْ أَجَبْتُكُمْ إِلَى مَا تدعونني إِلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 {وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لكم آيَة} قَالَ مُحَمَّدٌ: نَصْبُ (آيَةٍ) عَلَى الْحَالِ؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 كَأَنَّهُ قَالَ: انْتَبِهُوا لَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ. {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} أَيْ: لَا تَعْقِرُوهَا {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قريب} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوب} فَقَالُوا لَهُ: مَا آيَةُ ذَلِكَ حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّكَ صَادِقٌ؟ فَقَالَ: آيَةُ ذَلِكَ أَنْ وُجُوهَكُمْ تُصْبِحُ أَوَّلَ يَوْمٍ مُصْفَرَّةً، وَالْيَوْمُ الثَّانِي مُحْمَرَّةً، وَالْيَوْمُ الثَّالِثُ مُسْوَدَّةً، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ عَرَفُوا أَنَّهُ الْعَذَابُ، فَتَحَنَّطُوا وَتَكَفَّنُوا، فَلَمَّا أَمْسَوْا بَقَوْا فِي [ ... ] ثُمَّ صَبَّحَهُمُ الْعَذَابُ فِي الْيَوْم الرَّابِع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 قَالَ: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} (ل 148) قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: صَيْحَةَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ {فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جاثمين} أَي: قد هَلَكُوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 {كَأَن لم يغنوا فِيهَا} أَيْ: لمْ يَعِيشُوا. قَالَ محمدٌ: وَقيل كَأَن لم ينزلُوا فِيهَا. سُورَة هود من الْآيَة (69) إِلَى الْآيَة (73). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} قَالَ قَتَادَةُ: بِإِسْحَاقَ {قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلام} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 قَالَ محمدٌ: (سَلامًا) منصوبٌ عَلَى مَعْنَى: سَلَّمْنَا سَلامًا، وَأَمَّا (سلامٌ) فمرفوعٌ عَلَى مَعْنَى: أَمْرِي سلامٌ. {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حنيذ} مشوي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نكرهم} أنكرهم {وأوجس مِنْهُم خيفة} أَيْ: أَضْمَرَ خَوْفًا إِذْ لَمْ يَأْكُلُوا {فَقَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قوم لوطٍ} لنهلكهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 {وَامْرَأَته قَائِمَة} يَعْنِي: سَارَةَ امْرَأَةَ إِبْرَاهِيمَ {فَضَحِكَتْ} قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا رَأَتْ سَارَةُ فَرَقَ إِبْرَاهِيمَ عَجِبَتْ مِنْ فَرَقِهِ، فَضَحِكَتْ وَهِيَ لَا تَدْرِي مَنِ الْقَوْمِ، فَبَشَّرُوهَا بِإِسْحَاقَ، وَقَالُوا: نَرْجِعُ إِلَيْكِ عَامًا قَابِلا، وَقَدْ وَلَدْتِ لإِبْرَاهِيمَ غُلامًا اسْمُهُ: إِسْحَاقُ، وَيَكُونُ مِنْ وُرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبُ؛ أَيْ: من بعد إِسْحَاق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 {قَالَت يَا ويلتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيخا} وَكَانَتْ قَدْ قَعَدَتْ عَنِ الْوَلَدِ {إِنَّ هَذَا لشيءٌ عَجِيبٌ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ من أَمر الله رَحْمَة اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّه حميدٌ مجيد} مستحمدٌ إِلَى خَلْقِهِ، مجيدٌ كريمٌ. قَالَ محمدٌ: مَنْ قَرَأَ (يَعْقُوبُ) بِالرَّفْعِ فَعَلَى مَعْنَى: وَيَعْقُوبُ يَحْدُثُ لَهَا مِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ، وَمَنْ قَرَأَ: (هَذَا بعلي شَيخا) فَعَلَى الْحَالِ؛ الْمَعْنَى: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 انْتَبِهُوا لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ. سُورَة هود من الْآيَة (74) إِلَى الْآيَة (76). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} الْفرق {وجاءته الْبُشْرَى} بِإِسْحَاقَ {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ مُجَادَلَتَهُ إِيَّاهُمْ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهِمْ خَمْسُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَمُعَذِّبُوهُمْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا. حَتَّى صَارَ ذَلِكَ إِلَى عَشَرَةٍ، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهِمْ عشرةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَمُعَذِّبُوهُمْ أَنْتُم؟ قَالُوا: لَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} الْمُنِيبُ: الْمُخْلِصُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الأَوَّاهُ قبل هَذَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} قَالَ الْكَلْبِيُّ: سَأَلَ إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ أَلا يُهْلِكَ لَوْطًا وَأَهْلَهُ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْ قَوْمِ لوطٍ، فَقِيلَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَعْرِضْ عَنْ هَذَا {إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}. سُورَة هود من الْآيَة (77) إِلَى الْآيَة (83). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بهم} قَالَ الْحَسَنُ: سَاءَهُ دُخُولُهُمْ؛ لِمَا تَخَوَّفَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْمِهِ {وَضَاقَ بهم ذرعاً} قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمْ يَدْرِ أَيْنَ يُنْزِلَهُمْ. قَالَ: وَكَانَ قَوْمُ لوطٍ لَا يُؤْوُنَ ضَيْفًا بليلٍ، وَكَانُوا يَعْتَرِضُونَ مَنْ مَرَّ بِالطَّرِيقِ نَهَارًا لِلْفَاحِشَةِ، فَلَمَّا جَاءَتِ الْمَلائِكَةُ لُوطًا حِينَ أَمْسَوْا، كَرِهَهُمْ وَلَمْ يَسْتَطِعْ دَفْعَهَمْ، فَقَالَ: {هَذَا يومٌ عصيبٌ} شديدٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 {وجاءه قومه يهرعون إِلَيْهِ} أَيْ: يُسْرِعُونَ. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: أُهْرِعَ الرَّجُلُ؛ أَيْ: أَسْرَعَ؛ عَلَى لَفْظِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. {وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} يَعْنِي: يَأْتُونَ الرِّجَالَ فِي أَدْبَارِهِمْ؛ وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ بِالْغُرَبَاءِ {قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هن أطهر لكم} أَحَلُّ لَكُمْ مِنَ الرِّجَالِ، قَالَ قَتَادَةُ: أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَزَوَّجُوا النِّسَاءَ. قَالَ محمدٌ: وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ نَبِيٍّ أَبُو أُمَّتِهِ، وَإِنَّمَا عَنَى بِبَنَاتِهِ: نِسَاءَ أُمَّتِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا شبيهٌ بِمَا يُرْوَى عَنْ قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أبٌ لَهُمْ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} الضَّيْفُ: يُقَالُ لِلْوَاحِدِ وَلِلاثْنَيْنِ، وَلأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رجلٌ رَشِيدٌ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بناتك من حق} مِنْ حَاجَةٍ {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيد} أَيْ: إِنَّا نُرِيدُ أَضْيَافَكَ دُونَ بناتك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيد} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: إِلَى عَشِيرَةٍ قَوِيَّة (ل 149) فَدَافَعُوهُ الْبَابَ، وَقَالَتِ الْمَلائِكَةُ: {يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ من اللَّيْل} أَيْ: سِرْ بِهِمْ فِي ظُلْمَةٍ مِنَ اللَّيْلِ {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحدٌ إِلا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُم} فَقَالَ: لَا؛ بَلْ أَهْلِكُوهُمُ السَّاعَةَ! فَقَالُوا: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْح بقريب} فَطَمَسَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَعْيُنَهُمْ بِأَحَدِ جَنَاحَيْهِ، فَبَقَوْا لَيْلَتَهُمْ لَا يبصرون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سافلها} قَالَ: فَلَمَّا كَانَ فِي السَّحَرِ، خَرَجَ لوطٌ وَأَهْلُهُ، وَرَفَعَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَرْضَهُمْ بِجَنَاحِهِ الآخَرِ، حَتَّى بَلَغَ بِهَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا؛ حَتَّى سَمِعَتِ الْمَلائِكَةُ نُبَاحَ كِلابِهِمْ وَأَصْوَاتَ دَجَاجِهِمْ، فَقَلَبَهَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ قَدْ عُهِدَ إِلَى لوطٍ أَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحدٌ إِلا امْرَأَتَكَ؛ فَلَمَّا سَمِعَتِ الْعَجُوزُ - عَجُوزُ السُّوءِ - الْهَدَّةَ الْتَفَتَتْ، فَأَصَابَهَا مَا أَصَابَ قَوْمَهَا، ثُمَّ اتَّبَعَتِ الْحِجَارَةُ مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ مَدَائِنِهِمْ، قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتْ ثَلاثًا. قَالَ الْحَسَنُ: فَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - بَعْدَ لوط نَبِيًّا إِلا فِي عزٍّ مِنْ قَوْمِهِ، وَكَانَتِ امْرَأَةُ لوطٍ مُنَافِقَةً، تُظْهِرُ الإِسْلامَ، وَقَلْبُهَا عَلَى الْكُفْرِ. {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} قَالَ قَتَادَةُ: مِنْ طِينٍ {مَنْضُودٍ} أَي: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 بعضه على بعضٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 {مسومة عِنْد رَبك} قَالَ الْحَسَنُ: عَلَيْهَا سَيْمًا؛ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ حِجَارَةِ الدُّنْيَا، وَأَنَّهَا مِنْ حِجَارَةِ الْعَذَابِ. قَالَ: وَتِلْكَ السِّيمَا عَلَى الْحَجَرِ مِنْهَا مِثْلَ الْخَاتَمِ {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيد} يَقُولُ: وَمَا هِيَ مِنْ ظَالِمِي أُمَّتِكَ يَا مُحَمَّدُ بِبَعِيدٍ أَنْ يَحْصُبَهُمْ بِهَا. يحيى: عَنْ هَمَّامِ بْنِ يحيى، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لوط ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 سُورَة هود من الْآيَة (84) إِلَى الْآيَة (86). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 {وَإِلَى مَدين} أَيْ: وَأَرْسَلْنَا إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ {أَخَاهُم شعيبا} أَخُوهُمْ فِي النَّسَبِ، وَلَيْسَ بِأَخِيهِمْ فِي الدِّينِ. {إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} أَيْ: بِخَيْرٍ مِنَ اللَّهِ؛ يَعْنِي: السَّعَةَ وَالرِّزْقَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ تَطْفِيفٍ فِي الْكَيْلِ، وَنُقْصَانٍ مِنَ الْمِيزَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 {وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم} أَيْ: لَا تَظْلِمُوا {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْض مفسدين} قَدْ مَضَى تَفْسِيرُ {وَلا تَعْثَوْا} فِي سُورَة الْبَقَرَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 {بَقِيَّة الله خيرٌ لكم} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: طَاعَةَ اللَّهِ {وَمَا أَنا عَلَيْكُم بحفيظ} أَحْفَظُ عَلَيْكُمْ أَعْمَالَكُمْ حَتَّى أُجَازِيَكُمْ بهَا. سُورَة هود من الْآيَة (87) إِلَى الْآيَة (90). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} يَعْنُونَ: أَوْثَانَهُمْ. قَالَ الْحَسَنُ: لمْ يَبْعَثِ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - نَبِيًّا إِلا فَرَضَ عَلَيْهِ الصَّلاةَ وَالزَّكَاةَ. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: أَدِينُكَ يَأْمُرُكَ؛ وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ. {أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالنَا مَا نشَاء} أَيْ: أَوْ أَنْ نَتْرُكَ أَنْ نَفْعَلَ. {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} أَيْ: أَنَّكَ لَسْتَ بِالْحَلِيمِ الرَّشِيدِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 {وَرَزَقَنِي مِنْهُ رزقا حسنا} يَعْنِي: النُّبُوَّةَ. {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} فأفعله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 {وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي} أَيْ: لَا تَحْمِلَنَّكُمْ عَدَاوَتِي {أَنْ يُصِيبكُم} بِكُفْرِكُمْ بِي مِنْ عَذَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - {مِثْلُ مَا أَصَابَ قوم نوح} الْآيَة. قَالَ مُحَمَّد: (يجر مِنْكُم) أَصْلُهُ: يَكْسِبَنَّكُمْ؛ تَقُولُ: جَرِمْتُ كَذَا؛ بِمَعْنَى كَسَبْتُ، وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ: (طَرِيدُ عشيرةٍ وَرَهِينُ ذنبٍ ... بِمَا جَرَمَتْ يَدَيَّ وَجَنَى لِسَانِي) قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا قَوْمُ لوطٍ مِنْكُمْ بيعيد} يَقُولُ: الْعِظَةُ بِقَوْمِ لوطٍ قَرِيبَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 مِنْكُمْ؛ لأَنَّ إِهْلاكَ قَوْمِ لوطٍ كَانَ أَقْرَبَ الإِهَلاكَاتِ الَّتِي عَرَفُوهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 {إِن رَبِّي رحيمٌ} لِمَنِ اسْتَغْفَرَهُ، وَتَابَ إِلَيْهِ {ودودٌ} محبٌّ لأهل طَاعَته. سُورَة هود من الْآيَة (91) إِلَى الْآيَة (95). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كثيرا مِمَّا تَقول} أَيْ: إِنَّا لَا نَقْبَلُ، وَقَدْ فَهِمُوهُ وَقَامَتْ عَلَيْهِمْ بِهِ الْحُجَّةُ {وَإِنَّا لنراك فِينَا ضَعِيفا} قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ أَعْمَى {وَلَوْلا رهطك لرجمناك} {ل 150} بِالْحِجَارَةِ {وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} بعظيم، وَكَانَ من أَشْرَافهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ، وَرَاءَكُمْ ظهرياًّ} قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: أَعْزَزْتُمْ قَوْمَكُمْ، وَأَظْهَرْتُمْ بِرَبِّكُمْ قَالَ يحيى: أَرَاهُ يَعْنِي: جَعَلْتُمُوهُ مِنْكُمْ بِظَهْرٍ. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: ظَهْرَتُ بِحَاجَةِ فلانٍ؛ إِذَا نَبَذْتُهَا وَلَمْ تَعْبَأْ بِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 (تَمِيمُ بْنُ زَيْدٍ لَا تَكُونَنَّ حَاجَتِي ... بظهرٍ فَلا يَعْيَى عَلَيَّ جَوَابُهَا} قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ محيطٌ} {خَبِير} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} أَيْ: عَلَى دِينِكُمْ {إِنِّي عاملٌ} عَلَى دِينِي {سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعكُمْ من المنتظرين} يُخَوِّفُهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ ثَبَتُوا عَلَى دينهم، جَاءَهُم الْعَذَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 {أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُود}. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: أَنَّهُمْ قَدْ بُعِدُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَنَصَبَ (بُعْدًا) عَلَى الْمَصْدِرِ؛ يُقَالُ: بَعِدَ - بِكَسْرِ الْعَيْنِ - يَبْعُدُ؛ إِذَا كَانَ بُعْدَ هلكةٍ، وَبَعُدَ بِضَمِّ الْعَيْنِ يَبْعُدُ بُعْدًا؛ إِذَا نَأَى. سُورَة هود من الْآيَة (96) إِلَى الْآيَة (100). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 {وَلَقَد أرسلنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} أَيْ: بِعَلامَاتِنَا الَّتِي تَدُلُّ عَلَى صِحَة نبوته {وسلطانٍ مُبين} حُجَّةٍ بَيِّنَةٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 قَالَ محمدٌ: وَالسُّلْطَانُ إِنَّمَا سُمِّيَ سُلْطَانًا؛ لأَنَّهُ حُجَّةُ اللَّهِ - عَزَّ وَجل - فِي أرضه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يَقْدُمُ قومه يَوْم الْقِيَامَة} أَيْ: يَقُودُهُمْ إِلَى النَّارِ؛ حَتَّى يدخلهَا هُوَ وَقَومه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 {وأتبعوا فِي هَذِه} يَعْنِي: الدُّنْيَا {لَعنه} يَعْنِي: الْعَذَابُ الَّذِي عَذَّبَهُمْ بِهِ من الْغَرق {وَيَوْم الْقِيَامَة} أَيْ: وَأُتْبِعُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَعْنَةً {بئس الرفد المرفود} قَالَ عَطَاءٌ: تَرَادَفَتْ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لَعْنَتَانِ: لَعْنَةُ بَعْدَ لَعْنَةٍ؛ لَعْنَةُ الدُّنْيَا، وَلَعْنَةُ الآخِرَةِ. قَالَ محمدٌ: وَقِيلَ: الْمَعْنَى: بئس الْعَطاء الْمُعْطى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْك مِنْهَا قَائِم} تَرَاهُ قَدْ هَلَكَ أَهْلَهُ، وَمِنْهَا {حصيد} لَا ترى لَهُ أثرا. سُورَة هود من الْآيَة (101) إِلَى الْآيَة (107). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 {وَمَا زادوهم غير تتبيب} غير تخسير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 {وَذَلِكَ يومٌ مشهودٌ} يَشْهَدُهُ أَهْلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 السَّمَاء وَأهل الأَرْض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 {فَمنهمْ شقي وَسَعِيد}. يحيى: عَنْ فِطْرٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَقَةً، ثُمَّ يَكُونُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مُضْغَةً، ثُمَّ يَبْعَثُ الْمَلَكَ فَيُؤْمَرُ أَنْ يَكْتُبَ أَرْبَعًا: رِزْقَهُ وَعَمَلَهُ وَأَجَلَهُ وَأَثَرَهُ، وَشَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا. وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ؛ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى لَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلا ذراعٌ؛ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَدْخُلَهَا، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى لَا يَكُونُ بَينه وَبَين النَّار إِلا ذراعٌ؛ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلَهَا ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زفيرٌ وشهيق} قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا حِينَ يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُمْ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} فَيَنْقَطِعُ كَلامُهُمْ؛ فَمَا يَتَكَلَّمُونَ بَعْدَهَا بِكَلِمَةٍ إِلا هَوَاءَ الزَّفِيرِ وَالشَّهِيقِ؛ فَشَبَّهَ أَصْوَاتَهُمْ بِأَصْوَاتِ الْحَمِيرِ؛ أَوَّلُهَا زَفِيرٌ، وَآخِرُهَا شَهِيقٌ. قَالَ محمدٌ: اخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي الزَّفِيرِ وَالشَّهِيقِ: ذُكِرَ عَنِ الْخَلِيلِ؛ أَنَّهُ قَالَ: الشَّهِيقُ رَدُّ النَّفَسِ، وَالزَّفِيرُ إِخْرَاجُ النَّفَسِ. وَقِيلَ: الزَّفِيرُ صَوْتُ الْمَكْرُوبِ بِالأَنِينِ، وَالشَّهِيقُ أَشَدُّ مِنْهُ ارْتِفَاعًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْض} الْجَنَّةَ فِي السَّمَاءِ، وَالنَّارُ فِي الأَرْضِ؛ وَذَلِكَ مَا لَا يَنْقَطِعُ أَبَدًا {إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ} يَعْنِي: مَا سَبَقَهُمْ بِهِ الَّذِينَ دَخَلُوا قَبْلَهُمْ؛ قَالَ: {وَسِيقَ الَّذِينَ كفرُوا إِلَى جَهَنَّم زمرا} قَالَ: زُمْرَةٌ تَدْخُلُ بَعْدَ الزُّمْرَةِ. وَفِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ: إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ لأَهْلِ التَّوْحِيدِ. . الَّذِينَ (ل 151) يَدْخُلُونَ النَّارَ؛ فَلا يَدُومُونَ فِيهَا يخرجُون مِنْهَا إِلَى الْجنَّة. سُورَة هود من الْآيَة (108) إِلَى الْآيَة (111). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 {وَأما الَّذين سعدوا} إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا مَا شَاءَ رَبك} يَعْنِي: مَا سَبَقَهُمْ بِهِ الَّذِينَ دَخَلُوا قَبْلَهُمْ؛ قَالَ: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} قَالَ: زُمْرَةٌ تَدْخُلُ بَعْدَ الزُّمْرَةِ. وَفِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ: {إِلا مَا شَاءَ رَبك} يَعْنِي: مَا نَقَصَ لأَهْلِ التَّوْحِيدِ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ. {عَطَاءً غير مجذوذ} أَي: غير مَقْطُوع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 {فَلَا تَكُ فِي مرية} فِي شَكٍّ {مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ} يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 {مَا يَعْبُدُونَ إِلا كَمَا يَعْبُدُ آباؤهم} أَيْ: إِلا مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ؛ أَيْ: كَانُوا يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ} مِنَ الْعَذَابِ {غَيْرَ مَنْقُوصٍ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ} أَيْ: آمَنَ بِهِ قومٌ وَكَفَرَ بِهِ قومٌ {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ من رَبك} أَلا يُعَذِّبَ بِعَذَابِ الآخِرَةِ فِي الدُّنْيَا. {لقضي بَينهم} أَيْ: لَقَضَى اللَّهُ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا؛ فَأَدْخَلَ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلَ النَّارِ النَّارَ، وَلَكِنْ أَخَّرَ ذَلِك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالهم} يَعْنِي: الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ. قَالَ محمدٌ: وَمَنْ قَرَأَ (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا) بِتَخْفِيفِ (إِنْ وَلَمَا) فَالْمَعْنَى: إِنَّ كُلًّا لَيُوَفِيَنَّهُمْ وَتَكُونُ (مَا) صِلَةٌ، وَنَصْبَ (كُلًّا) بِإِنَّ؛ لأَنَّ مِنَ النَّحْوِييِّنَ مَنْ يَقُولُ فِي (إِنْ) الْخَفِيفَةِ: أَصْلُهَا (إِنَّ) الْمُشَدَّدَةُ، فَإِذَا أُدْخِلَ عَلَيْهَا التَّخْفِيفُ نُصِبَ بِهَا على تَأْوِيل الأَصْل. سُورَة هود من الْآيَة (112) إِلَى الْآيَة (116) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 {فاستقم كَمَا أمرت} عَلَى الإِسْلامِ {وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ تَابُوا مِنَ الشّرك {وَلَا تطغوا} فترجعوا عَن الْإِسْلَام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: لَا تَلْحَقُوا بِالشِّرْكِ، فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ؛ أَيْ: تَدْخُلُوهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا من اللَّيْل} يَعْنِي: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ: أَنْ تُقَامَ عَلَى وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها. وَطَرَفَا النَّهَارِ؛ فِي الطَّرَفِ الأَوَّلِ صَلاةُ الصُّبْحِ، وَفِي الطَّرَفِ الآخَرِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} يَعْنِي: صَلاةَ الْمَغْرِبِ وَصَلاةَ الْعِشَاءِ الآخِرِ، وَزُلَفَ اللَّيْلِ: أَدَانِيهِ - يَعْنِي: أَوَائِلَهُ. قَالَ محمدٌ: وَاحِدُ الزُّلَفِ: زلفةٌ؛ يُقَالُ: أَزْلَفَنِي عِنْدَكَ كَذَا؛ أَيْ: أَدْنَانِي، وَنَصْبُ {طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزلفًا من اللَّيْل} عَلَى الظَّرْفِ؛ كَمَا تَقُولُ: جِئْتُ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَأَوَائِلَ اللَّيْلِ. {إِنَّ الْحَسَنَات} يَعْنِي: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ {يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} يَعْنِي: مَا دُونَ الْكَبَائِرِ. يحيى عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا إِنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَالْجُمُعَةَ إِلَى الْجُمُعَةِ كفاراتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ؛ مَا اجْتنبت الْكَبَائِر ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 {فلولا} فَهَلا {كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قبلكُمْ أولو بَقِيَّة} يَعْنِي: طَاعَةٍ. {يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أنجينا مِنْهُم} يَقُولُ: لمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ اتَّبَعُوا الدُّنْيَا، وَمَا وَسَّعَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَيْهِمْ فِيهَا. قَالَ محمدٌ: أَصْلُ التَّرَفُّهِ: السَّعَةُ فِي الْعَيْشِ، وَالإِسْرَافُ فِي التَّنْعِيمِ. الْمَعْنَى: اتَّبَعُوا مَا أُعْطُوا مِنَ الأَمْوَالِ وَأَثْرَوْهُ؛ فَفُتِنُوا بِهِ. سُورَة هود من الْآيَة (117) إِلَى الْآيَة (120). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أمة وَاحِدَة} عَلَى الإِيمَانِ {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} يَعْنِي: الْكفَّار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 {إِلَّا من رحم رَبك} وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ؛ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْبَعْثِ كَمَا اخْتَلَفَ الْكُفَّارُ فِيهِ {وَلذَلِك خلقهمْ} أَيْ: وَلِذَلِكَ خَلَقَ أَهْلَ الرَّحْمَةِ أَلا يَخْتَلِفُوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 {وتمت كلمة رَبك} أَيْ: سَبَقَتْ {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ} يَعْنِي: أَهْلَ النَّارِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُل} مِنْ أَخْبَارِ الرُّسُلِ {مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادك} [ ... ] أَنَّ الأَنْبِيَاءَ قَدْ لَقِيَتْ مِنَ الأَذَى مَا لَقِيَتَ. قَالَ محمدٌ: (كلاًّ) منصوبٌ ب (نقص) الْمَعْنَى: كُلُّ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ، وَمَعْنَى تَثْبِيتِ الْفُؤَادِ: تَسْكِينُ الْقَلْبِ (ل 152) مِنَ السُّكُونِ، وَلَكِنْ كُلَّمَا كَانَ الدَّلالَةُ عَلَيْهِ وَالْبُرْهَانُ أَكْبَرَ كَانَ الْقَلْبُ أَثْبَتَ أَبَدًا؛ كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قلبِي}. {وجاءك فِي هَذِه الْحق} قَالَ الْحَسَنُ: وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. سُورَة هود من الْآيَة (121) إِلَى الْآيَة (123). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 {وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا على مكانتكم} أَيْ: عَلَى كُفْرِكُمْ؛ يُخَوِّفُهُمُ الْعَذَابَ؛ عَن ثَبَتُوا عَلَى كُفْرِهِمْ {إِنَّا عَامِلُونَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 {وَانْتَظرُوا} مَا يَنْزِلُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - {إِنَّا مُنْتَظِرُونَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 {وَللَّه غيب السَّمَوَات وَالْأَرْض} أَيْ: لَا يَعْلَمُهُ إِلا هُوَ {وَإِلَيْهِ يرجع الْأَمر كُله} يَوْمَ الْقِيَامَةِ. {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 تَفْسِيرُ سُورَةِ يُوسُفَ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا سُورَة يُوسُف من الْآيَة (1) إِلَى الْآيَة (3). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 قَوْلُهُ: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} يَعْنِي: هَذِهِ آيَاتُ الْقُرْآنِ {الْمُبِينِ} الْبَين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} أَيْ: بلسانٍ عَرَبِيٍّ {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لِكَيْ تَعْقِلُوا مَا فِيهِ فَتُؤْمِنُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} قَالَ قَتَادَةُ: مِنَ الْكُتُبِ الْمَاضِيَةِ، وَأُمُورِ اللَّهِ السَّالِفَةِ فِي الأُمَمِ {بِمَا أَوْحَينَا إِلَيْك هَذَا الْقُرْآن} أَيْ: بِوَحْيِنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ {وَإِن كنت من قبله} أَيْ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْك الْقُرْآن {لمن الغافلين} كَقَوْلِهِ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكتاب وَلَا الْإِيمَان}. سُورَة يُوسُف من الْآيَة (4) إِلَى الْآيَة (6). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عشر كوكبا} الآيَةَ، فَتَأَوَّلَهَا يَعْقُوبُ أَنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ - وَكَانُوا أَحَدَ عَشَرَ رَجُلا - وأبويه سيسجدون لَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 {فيكيدوا لَك كيدا} أَي: يحسدونك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 {وَكَذَلِكَ يجتبيك رَبك} أَيْ: يَخْتَارُكَ لِلنُّبُوَّةِ {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيل الْأَحَادِيث} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: عَوَاقِبَ الأُمُورِ الَّتِي لَا تُعْلَمُ إِلا بِوَحْيِ نُبُوَّةٍ {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آل يَعْقُوب} وَكَانَ اللَّهُ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ سَيُعْطِي ولد يَعْقُوب كلهم النُّبُوَّة. سُورَة يُوسُف من الْآيَة (7) إِلَى الْآيَة (17). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَات للسائلين} أَيْ: عِبْرَةٌ لِمَنْ كَانَ سَائِلا عَن حَدِيثهمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} جَمَاعَةٌ {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبين} أَيْ: مِنَ الرَّأْيِ، لَيْسَ يَعْنُونَ: ضَلَالَة فِي الدّين {مُبين} بَين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يخل لكم وَجه أبيكم} وَلَمْ يَكُونُوا يَوْمَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَنْبِيَاءَ {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قوما صالحين} يَعْنُونَ: تَصْلُحُ مَنْزِلَتُكُمْ عِنْدَ أَبِيكُمْ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَعْنُونَ: تَتُوبُونَ مِنْ بَعْدِ قَتْلِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 {قَالَ قَائِل مِنْهُم} هُوَ رُوبِيلُ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ {لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَاتِ الْجُبِّ} أَيْ: بَعْضُ نَوَاحِيهَا. قَالَ محمدٌ: كُلُّ شيءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا فَهُوَ غَيَابَةٌ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ يحيى (غيابة الْجب). {يلتقطه بعض السيارة} أَيْ: بَعْضُ مَنْ يَمُرُّ فِي الطَّرِيق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} قَالَ محمدٌ: قَرَأَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ {يرتع} بِالْيَاءِ وَكسر الْعين، {ويلعب} بِالْيَاءِ أَيْضًا؛ الْمَعْنَى: كَأَنَّهُمْ قَالُوا: يَرْعَى مَاشِيَتَهُ وَيَلْعَبُ فِي جَمْعِ السعَة وَالسُّرُور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 {قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عصبَة إِنَّا إِذا لخاسرون} قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: الْعُصْبَةُ مِنَ الْعشْرَة إِلَى الْأَرْبَعين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غيابات الْجب} أَيْ: اتَّفَقُوا وَأَلْقَوْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 فِي الْجُبِّ {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بأمرهم هَذَا} قَالَ قَتَادَةُ: أَتَاهُ وَحْيُ اللَّهِ وَهُوَ فِي الْبِئْرِ بِمَا يُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلُوا بِهِ {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} بِمَا أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ يُوسُفَ من أَمرهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 {وَجَاءُوا أباهم عشَاء يَبْكُونَ} قَالَ محمدٌ: (عشَاء) مَنْصُوب على الظّرْف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 {وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا} بِمُصَدِّقٍ لَنَا {وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} أَيْ: وَلَوْ صَدَّقْنَاكَ. قَالَ محمدٌ: قيل: الْمَعْنى: (ل 153) وَلَوْ كُنَّا عِنْدَكَ مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالصِّدْقِ لاتَّهَمْتَنَا فِي يُوسُفَ؛ لِمَحَبَّتِكَ فِيهِ، وَظَنَنْتَ أَنَّا قَدْ كذبناك. سُورَة يُوسُف من الْآيَة (18) إِلَى الْآيَة (21). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} لَطَخُوا قَمِيصَهُ بِدَمٍ سخلةٍ. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: دمٌ مكذوبٌ فِيهِ. {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أمرا} أَيْ: زَيَّنَتْ {أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أَيْ: لَيْسَ فِيهِ جزعٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 قَالَ الْحَسَنُ: وَكَانَ يَعْقُوبُ قَدْ عَلِمَ بِمَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّ يُوسُفَ حيٌّ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَيْن هُوَ؟ قَالَ محمدٌ: (صبرٌ جميل) مرفوعٌ عَلَى مَعْنَى: فَالَّذِي أَعْتَقِدُهُ: صبرٌ جَمِيلٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى: {فَصَبْرِي صبرٌ جَمِيلٌ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 {وَجَاءَت سيارة فأرسلوا واردهم} الْوَارِدُ: الَّذِي يَرِدُ الْمَاءَ؛ لَيَسْتَقِيَ للْقَوْم {فأدلى دلوه} فِي الْجُبِّ؛ وَهِيَ بِئْرُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: أَدْلَيْتُ الدَّلْوَ؛ إِذَا أَرْسَلْتُهَا لِتَمْلأَهَا، وَدَلَوْتُهَا؛ إِذَا أَخْرَجْتُهَا. قَالَ قَتَادَةُ: فَلَمَّا أَدْلَى دَلْوَهُ تَشَبَّثَ بِهَا يُوسُفُ، فَقَالَ الَّذِي أَدْلَى دَلْوَهُ: (يَا بُشْرَايَ) يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: مَا الْبُشْرَى؟ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: مَا وَرَاءَكَ؟ أَوْ مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: {هَذَا غلامٌ} فأخرجوه {وأسروه بضَاعَة} قَالَ مجاهدٌ: صَاحِبُ الدَّلْوِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ قَالُوا لأَصْحَابِهِمْ: إِنَّمَا اسْتَبْضَعْنَاهُ خِيفَةَ أَنْ يُشْرِكُوهُمْ فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 {وشروه} أَي: باعوه {بثمنٍ بخسٍ} أَيْ: حَرَامٌ لَمْ يَكُنْ يَحِلُّ بَيْعه. {دَرَاهِم معدودةٍ} قَالَ مُجَاهِدٌ: بَاعُوهُ بِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا. {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} يَعْنِي: الَّذِينَ الْتَقَطُوهُ، وَزِهَادَتُهُمْ فِيهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ مَنْزِلَتَهُ مِنَ اللَّهِ؛ فَبَاعُوهُ مِنْ مَلِكِ مصر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَته أكرمي مثواه} أَيْ: مَنْزِلَتَهُ (عَسَى أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 ينفعنا أَو نتخذه ولدا} أَيْ: نَتَبَنَّاهُ. قَالَ اللَّهُ: {وَكَذَلِكَ مكنا ليوسف فِي الأَرْض} يَعْنِي: أَرض مصر، وَمَا أعطَاهُ الله. سُورَة يُوسُف من الْآيَة (22) إِلَى الْآيَة (29). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 {وَلما بلغ أشده} يُقَالُ: بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً {آتَيْنَاهُ حكما وعلماً} يَعْنِي: الرسَالَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 {وَقَالَت هيت لَك} أَي: هَلُمَّ لَك. وتقرأ: (هيت لَك) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَسْكِينِ الْيَاءِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: هَيْتَ فلانٌ بِفُلانٍ؛ إِذَا صَاحَ بِهِ. قَالَ الشَّاعِرُ: (قَدْ رَابَنِي أَنَّ الْكَرِيَّ أَسْكَتَا ... لَوْ كَانَ مَعْنِيًّا بِهَا لَهَيَّتَا) {قَوْلُهُ} (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّه رَبِّي} أَيْ: سَيِّدِي - يَعْنِي: الْعَزِيزَ {أَحْسَنَ مثواي} أَيْ: أَكْرَمَ مَنْزِلَتِي. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيُّ: أَوَّلُ مَا قَالَتْ لَهُ: يَا يُوسُفُ مَا أَحْسَنَ شَعْرَكَ! قَالَ: أَمَّا إِنَّهُ أول شيءٍ يبْلى مني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 {وَلَقَد هَمت بِهِ} يَعْنِي: مَا أَرَادَتْهُ حِينَ اضْطَجَعَتْ لَهُ {وهم بهَا} يَعْنِي: حَلَّ سَرَاوِيلَهُ {لَوْلا أَنْ رأى برهَان ربه} قَالَ مُجَاهِدٌ: مُثِّلَ لَهُ يَعْقُوبُ فَاسْتَحْيَى مِنْهُ، فَصَرَفَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَذْهَبَ كُلَّ شهوةٍ كَانَتْ فِي مَفَاصِلِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 قَالَ اللَّهُ: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء والفحشاء} الْآيَة، فولى هَارِبا واتبعته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 {واستبقا الْبَاب} فَسَبَقَهَا إِلَيْهِ لِيَخْرُجَ {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ من دبر} أَيْ: شَقَّتْهُ مِنْ خَلْفِهِ. {وَأَلْفَيَا سَيِّدهَا} أَي: زَوجهَا {لَدَى الْبَاب} عِنْد الْبَاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 {وَشهد شَاهد من أَهلهَا} قَالَ قَتَادَةُ: رَجُلٌ حَكِيمٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا؛ قَالَ: الْقَمِيصُ يَقْضِي بَيْنَهُمَا؛ إِنْ كَانَ قُدَّ مِنْ قبلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دبرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِن كيدكن عَظِيم} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 ثُمَّ قَالَ لِيُوسُفَ: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَن هَذَا} أَيْ: لَا تَذْكُرْهُ: احْبِسْهُ، وَقَالَ لَهَا: {استغفري لذنبك} مِنْ زَوْجِكِ، وَاسْتَعْفِيهِ أَلا يُعَاقِبَكِ {إِنَّك كنت من الخاطئين} يَعْنِي: الْخَطِيئَةَ. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: خَطِئَ الرَّجُلُ يَخْطَأُ خِطْئًا؛ إِذَا تَعَمَّدَ الذَّنْبُ فَهُوَ خَاطِئٌ، وَالْخَطِيئَةُ مِنْهُ: أَخْطَأَ يُخْطِئُ؛ إِذَا لَمْ يتَعَمَّد، وَالِاسْم مِنْهُ: الْخَطَأ. سُورَة يُوسُف من الْآيَة (30) إِلَى الْآيَة (32). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 (ل 154) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيز} يَعْنِي: عِزَّ الْمُلْكِ {تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ: دَخَلَ حُبُّهُ فِي شِغَافِهَا. قَالَ الْكَلْبِيُّ: الشِّغَافُ: حِجَابُ الْقَلْبِ {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضلال مُبين} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: فِي خسرانٍ بَين من حب يُوسُف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 {فَلَمَّا سَمِعت بمكرهن} أَي: بغيبتهن {أرْسلت إلَيْهِنَّ} وَأَرَادَتْ أَنْ تُوقِعَهُنَّ فِيمَا وَقَعَتْ فِيهِ {وأعتدت} أَي: أعدت {لَهُنَّ مُتكئا} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: مَجْلِسًا وَتَكْأَةً. قَالَ يحيى: وَهِيَ تُقْرَأُ (مُتْكًا) قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الأُتْرُجُ. قَالَ محمدٌ: (الْمُتَّكَأُ) بِالتَّثْقِيلِ: هُوَ مَا اتَّكَأْتَ لحديثٍ، أَوْ طَعَامٍ، أَوْ شَرَابٍ. {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سكينا} لِيُقَطِّعْنَ وَيَأْكُلْنَ، وَقَالَتْ لِيُوسُفَ: {اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رأينه أكبرنه} أَيْ: أَعْظَمْنَهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْبشر. {وقطعن أَيْدِيهنَّ} أَيْ: حَزَزْنَ لَا يَعْقِلْنَ مَا يصنعن {وقلن حاش لله} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: مَعَاذَ اللَّهِ {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا ملك} من مَلَائِكَة الله {كريم} عَلَى اللَّهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: حَاشَ لِلَّهِ، وَحَاشَى لِلَّهِ - بِيَاءٍ وَبِغَيْرِ يَاءٍ -، وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ: الْبَرَاءَةُ؛ أَيْ قَدْ بَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، وَانْتَصَبَ (بَشَرًا) بِخَبَرِ (مَا) لأَنَّ (مَا) فِي لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ مَعْنَاهُ مَعْنَى (لَيْسَ) فِي النَّفْيِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أَي: امْتنع. {وليكوناً من الصاغرين} أَي: من الأذلاء. سُورَة يُوسُف من الْآيَة (33) إِلَى الْآيَة (35). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 {وَإِلَّا تصرف عني كيدهن} قَالَ الْحَسَنُ: قَدْ كَانَ مِنَ النِّسْوَةِ عَوْنٌ لَهَا عَلَيْهِ {أَصْبُ إلَيْهِنَّ} أَيْ: أُتَابِعُهُنَّ. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: أَمِلْ إِلَيْهِنَّ مَيْلَ جهلٍ وَصَبًا؛ يُقَالُ: صَبَا فلانٌ إِلَى اللَّهْوِ يَصْبُو صَبًا؛ إِذَا مَالَ إِلَيْهِ. قَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ. (صَبَا مَا صَبَا حَتَّى عَلا الشَّيْبُ رَأْسَهُ ... فَلَمَّا عَلاهُ قَالَ لِلْبَاطِلِ أبعد} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الْآيَات} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: قَدَّ الْقَمِيصِ مِنْ دبرٍ. {لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} قَالَ الْكَلْبِيُّ: بَلَغَنَا أَنَّهَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا: صَدَّقْتَهُ وَكَذَّبْتَنِي، وَفَضَحْتَنِي فِي الْمَدِينَةِ، فَأَنَا غَيْرُ سَاعِيَةٍ فِي رِضَاكَ إِنْ لَمْ تَسْجُنْ يُوسُفَ، وَتُسَمِّعْ بِهِ وَتَعْذُرْنِي؛ فَأَمَرَ بِيُوسُفَ يُحْمَلُ عَلَى حِمَارٍ، ثُمَّ ضُرِبَ بِالطَّبْلِ: هَذَا يُوسُفُ الْعِبْرَانِيُّ، أَرَادَ سَيِّدَتَهُ عَلَى نَفْسِهَا فَطَوَّفَ بِهِ أَسْوَاقَ مِصْرَ كُلَّهَا، ثُمَّ أُدْخِلَ السجْن. سُورَة يُوسُف من الْآيَة (36) إِلَى الْآيَة 42). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خمرًا} وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ (أَعْصِرُ عِنَبًا). {وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا} وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ (ثَرِيدًا) أَيْ: قَصْعَةً مِنْ ثَرِيدٍ. {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ إِحْسَانُهُ - فِيمَا بَلَغَنَا - أَنَّهُ كَانَ يُدَاوِي جَرْحَاهُمْ، وَيُعَزِّي حَزِينَهُمْ، وَرَأَوْا مِنْهُ إِحْسَانًا فَأَحَبُّوهُ عَلَى فِعْلِهِ، وَكَانَ الَّذِي قَالَ: إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا سَاقِيَ الْمَلِكِ عَلَى شِرَابِهِ، وَكَانَ الَّذِي قَالَ: إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأس خُبْزًا خَبَّازَ الْمَلِكِ عَلَى طَعَامِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نبأتكما بتأويله} أَيْ: بِمَجِيئِهِ {قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} أَيْ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمَا {ذلكما مِمَّا عَلمنِي رَبِّي} أَيْ: بِمَا يُطْلِعُنِي اللَّهُ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا} يَعْنِي: النُّبُوَّةَ الَّتِي أَعْطَاهُمْ {وَعَلَى النَّاس} أَيْ: وَفَضْلَهُ عَلَى النَّاسِ؛ يَعْنِي: الإِسْلامَ {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يشكرون} لَا يُؤمنُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 {يَا صَاحِبي السجْن} يَعْنِي: الْفَتَيَيْنِ اللَّذَيْنِ سُجِنُوا مَعَهُ {أأرباب متفرقون} يَعْنِي: الأَوْثَانَ الَّتِي تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ صغيرٍ وَكَبِيرٍ ووسطٍ {خير أم الله} أَيْ: أَنَّ اللَّهَ خيرٌ مِنْهُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان} من حجَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ (ل 155} فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} قَالَ لِسَاقِي الْمَلِكِ: أَمَّا أَنْتَ فَترد على عَمَلك. وَقَالَ للخبار: وَأَمَّا أَنْتَ فَتُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِكَ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا عَبَّرَ لَهُمَا الرُّؤْيَا قَالَ الْخَبَّازُ: يَا يُوسُفُ، لمْ أَرَ شَيْئًا! قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 {قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} أَيْ: كَالَّذِي (قُلْتُهُ) كَذَلِكَ (يُقْضَى) لَكمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْد رَبك} أَيْ: اذْكُرْ أَمْرِي عِنْدَ سَيِّدِكَ - يَعْنِي: الْمَلِكَ {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ ربه} يَعْنِي: يُوسُفَ حِينَ رَغِبَ إِلَى السَّاقِي أَنْ يَذْكُرَهُ عِنْدَ الْمَلِكِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ خَمْسَ سِنِينَ يَتَضَرَّعُ إِلَى اللَّهِ وَيَدْعُوهُ {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بضع سِنِين} قَالَ قَتَادَةُ: لَبِثَ فِي السِّجْنِ بَعْدَ قَوْلِهِ: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} سَبْعَ سِنِينَ عُقُوبَةً لِقَوْلِهِ ذَلِكَ. سُورَة يُوسُف من الْآيَة (43) إِلَى الْآيَة (49). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} يَعْنِي: سَبْعَ بَقَرَاتٍ عِجَافٍ {وَسَبْعَ سنبلات خضر} أَيْ: وَرَأَيْتُ سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ {وَأُخْرَى يابسات} أَي: وَسبعا يابسات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 {قَالُوا أضغاث أَحْلَام} أَيْ: أَخْلاطُ أَحْلامٍ. قَالَ محمدٌ: الأَضْغَاثُ وَاحِدُهَا: ضغثٌ؛ وَهِيَ الْحِزْمَةُ مِنَ النَّبَاتِ يَجْمَعُهَا الرَّجُلُ فَيَكُونُ فِيهَا ضروبٌ مُخْتَلِفَةٌ؛ الْمَعْنَى: رُؤْيَاكَ أخلاطٌ لَيْسَتْ بِرُؤْيَا بَيِّنَةٍ، وَلَيْسَ للرؤيا المختلطة عندنَا تَأْوِيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 {وَقَالَ الَّذِي نجا مِنْهُمَا} أَيْ: مِنَ السِّجْنِ {وَادَّكَرَ بَعْدَ أمة} يَقُولُ: ذَكَرَ يُوسُفَ بَعْدَ حِينٍ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: بَعْدَ نِسْيَانٍ: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فأرسلون} وَفِيه إِضْمَار، فَأرْسلهُ الْملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 فَأَتَى يُوسُفَ فِي السِّجْنِ فَقَالَ: {يُوسُف أَيهَا الصّديق} يَعْنِي: الصَّادِقَ {أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بقرات} أَيْ: أَخْبِرْنَا عَنْ سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ، الآيَةَ؛ فَأَجَابَهُ يُوسُفُ فَقَالَ: أَمَّا السَّبْعُ الْبَقَرَاتُ السِّمَانُ، وَالسَّبْعُ السُّنْبُلاتُ الْخُضْرُ فَهِيَ سَبْعُ سِنِينَ تُخْصِبُ، وَأَمَّا السَّبْعُ الْبَقَرَاتُ الْعِجَافُ وَالسَّنَابِلُ الْيَابِسَاتُ فَهِيَ سَبْعُ سِنِينَ مجدبةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ} أَرَادَ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي السُّنْبُلِ كَانَ أَبْقَى لَهُ. قَالَ محمدٌ: الدَّأَبُ: الْمُلازَمَةُ لِلشَّيْءِ وَالْعَادَةُ؛ يُقَالُ مِنْهُ: دَأَبْتُ أَدْأَبُ دَأَبًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سبع شَدَّاد} يَعْنِي: سَبْعَ سِنِينَ مجدبةٍ {يَأْكُلْنَ مَا قدمتم لَهُنَّ} فِي السِّنِينَ الْمُخْصَبَاتِ {إِلا قَلِيلا مِمَّا تحصنون} أَي: تدخرون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يعصرون} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: يَعْصِرُونَ الْعِنَبَ وَالزَّيْتُونَ. قَالَ محمدٌ: قَوْلُهُ: {فِيهِ يغاث النَّاس} مِنْ جَعْلِهِ مِنَ الْغَيْثِ فَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ: غَاثَ اللَّهُ الْبِلادَ يَغِيثُهَا، وَمَنْ جَعَلَهُ مِنَ التَّلاقِي وَالتَّدَارُكِ فَهُوَ مِنْ أَغَثْتُ فُلانًا أَغِيثُهُ إِغَاثَةً. وَقِيلَ أَنْ (يَعْصِرُونَ) مَعْنَاهُ: يُنْجُونَ، الْعُصْرَةُ فِي اللُّغَةِ: النَّجَاةُ. قَالَ: فَلَمَّا أُخْبِرَ الْمَلِكُ أَنَّ يُوسُفَ هُوَ الَّذِي عَبَّرَ الرُّؤْيَا قَالَ ائْتُونِي بِهِ. سُورَة يُوسُف من الْآيَة (50) إِلَى الْآيَة (53). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُول} قَالَ لَهُ يُوسُفُ: {ارْجِعْ إِلَى رَبك} أَيْ: سَيِّدِكَ؛ هَذَا كَانَ كَلامُهُمْ يومئذٍ {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قطعن أَيْدِيهنَّ} الآيَةَ، قَالَ قَتَادَةُ: أَرَادَ أَلا يَخْرُجَ حَتَّى يَكُونَ لَهُ عذرٌ. فَأرْسل إلَيْهِنَّ الْملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 فدعاهن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 {قَالَ مَا خطبكن} مَا حُجَّتُكُنَّ {إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} قَالَ السُّدِّيُّ: أَيْ: مِنْ زِنًا {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحق} تبين ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 {لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} لَمَّا بَلَغَ يُوسُفَ ذَلِكَ قَالَ: {ذَلِك ليعلم} الْعَزِيزُ {أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} وَكَانَ الْمَلِكُ فَوْقَ الْعَزِيزِ {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الزُّنَاةِ، فَلَمَّا قَالَ هَذَا يُوسُفُ، قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ - فِيمَا ذُكِرَ مِنْ (هَمِّهِمْ) يَا يُوسُفُ، فَمَا فَعَلْتَ السَّرَاوِيلَ؟ فَقَالَ يُوسُفُ: {وَمَا (ل 156} أبرئ نَفسِي} الْآيَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 سُورَة يُوسُف من الْآيَة (54) إِلَى الْآيَة (57). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 {إِنَّك الْيَوْم لدينا} عندنَا {مكين} فِي الْمنزلَة {امين} مِنَ الأَمَانَةِ، فَوَلاهُ الْمَلِكُ، وَعَزَلَ الْعَزِيز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 {قَالَ} يُوسُفُ: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ} يَعْنِي: أَقْوَاتَ أَرْضِ مِصْرَ {إِنِّي حفيظ} لما وليت {عليم} بِمَا يصلحهم من ميرتهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ} يَعْنِي: أَرْضَ مِصْرَ {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء} أَيْ: يَنْزِلُ. قَالَ السُّدِّيُّ: بَاعَ مِنْهُمْ قُوتَهُمْ عَامًا بِكُلِّ ذهبٍ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ بَاعَهُمْ عَامًا بِكُلِّ فضةٍ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ بَاعَهُمْ عَامًا بِكُلِّ نحاسٍ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ بَاعَهُمْ عَامًا بِكُلِّ رصاصٍ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ بَاعَهُمْ عَامًا بِكُلِّ حديدٍ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ بَاعَهُمْ عَامًا بِرِقَابِ أَنْفُسِهِمْ؛ فَصَارَتْ رِقَابُهُمْ وَأَمْوَالهُمْ كُلُّهَا لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 {وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} يَقُولُ: مَا يُعْطِي اللَّهُ فِي الآخِرَةِ أَوْلَيَاءَهُ خيرٌ مِنَ الدُّنْيَا. سُورَة يُوسُف من الْآيَة (58) إِلَى الْآيَة (65). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} فأنزلهم وَأكْرمهمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 {فَلَمَّا جهزهم بجهازهم} مِنَ الْمِيرَةِ {قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لكم من أبيكم} قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ بِنْيَامِينُ أَخُو يُوسُف من أَبِيه وَأمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 {وَقَالَ لفتيانه} يَعْنِي غِلْمَانِهِ {اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رحالهم} أَيْ: دَرَاهِمَهُمْ فِي مَتَاعِهِمْ {لَعَلَّهُمْ يرجعُونَ} يَقُولُ: إِذَا رُدَّتْ إِلَيْهِمْ بِضَاعَتُهُمْ، كَانَ أَحْرَى أَنْ يَرْجِعُوا إِلَيَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 {قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ منا الْكَيْل} فِيمَا نَسْتَقْبِلُ؛ إِنْ لَمْ نَأْتِهِ بأخينا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 {ونمير أهلنا} إِذَا أَرْسَلْتَهُ مَعَنَا {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بعير} وَكَانَ يُوسُفُ وَعَدَهُمْ - فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ - إِنْ هُمْ جَاءُوا بِأَخِيهِمْ أَنْ يَزِيدَهُمْ حِمْلَ بَعِيرٍ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَالْبَعِيرُ - فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ -: الْحِمَارُ؛ قَالَ: وَهِيَ لغةٌ لِبَعْضِ الْعَرَب {ذَلِك كيل يسير} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: سَرِيعًا لَا حَبْسَ فِيهِ. قَالَ الْحَسَنُ: وَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ يَأْتُونَهُ لِلْمِيرِ، فَيُحْبَسُونَ الزَّمَان حَتَّى يُكَال لَهُم. سُورَة يُوسُف من الْآيَة (66) إِلَى الْآيَة (68). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 {إِلَّا أَن يحاط بكم} أَيْ: تُغْلَبُوا عَلَيْهِ. {فَلَمَّا آتَوْهُ موثقهم} عَهْدَهُمْ {قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نقُول وَكيل} أَي: حفيظٌ لهَذَا الْعَهْد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا من بَاب وَاحِد} قَالَ قَتَادَةُ: خَشِيَ عَلَى بَنِيهِ الْعَيْنَ، وَكَانُوا ذَوِي صورةٍ وَجَمَالٍ. {مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شيءٍ إِلا حَاجَةً فِي نفس يَعْقُوب قَضَاهَا} يَعْنِي قَوْلَهُ: {لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَة}. قَالَ محمدٌ: (إِلا حَاجَةً) يَعْنِي: لَكِنْ حَاجَةً؛ يَقُولُ: لَوْ قُدِّرَ أَنْ تُصِيبَهُمُ الْعَيْنُ لأَصَابَتْهُمْ وَهُمْ مُفْتَرِقُونَ؛ كَمَا تُصِيبُهُمْ مُجْتَمِعِينَ، لَكِنْ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: لِمَا آتَيْنَاهُ من النُّبُوَّة. سُورَة يُوسُف من الْآيَة (69) إِلَى الْآيَة (77). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 {آوى إِلَيْهِ أَخَاهُ} أَيْ: ضَمَّهُ {فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: لَا تَغْتَمَّ بِمَا كَانَ من أَمرك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 {فَلَمَّا جهزهم بجهازهم} يَعْنِي: الْمِيرَةَ، وَوَفَّى لَهُمُ الْكَيْلُ {جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ} وَالسِّقَايَةُ: إِنَاءُ الْمَلِكِ الَّذِي كَانَ يُسْقَى فِيهِ؛ وَهُوَ الصُّوَاعُ، وَخَرَجَ إِخْوَةُ يُوسُفَ وَأَخُوهُمْ مَعَهُمْ وَسَارُوا {ثمَّ أذن مُؤذن} نَادَى منادٍ. {أيتها العير} يَعْنِي: أَهْلَ الْعِيرِ {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} مِنَ الطَّعَامِ {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} كَفِيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْله فَهُوَ جَزَاؤُهُ} أَيْ: يُؤْخَذُ بِهِ عَبْدًا، وَكَذَلِكَ كَانَ الْحَكْمُ بِهِ عِنْدَهُمْ؛ أَنْ يُؤْخَذَ بِسَرِقَتِهِ عَبْدًا يُسْتَخْدَمُ عَلَى قَدْرِ سَرِقَتِهِ، وَكَانَ قَضَاءُ أَهْلِ مِصْرَ أَنْ يُغَرَّمَ السَّارِقُ ضِعْفَيْ مَا أَخَذَ، ثُمَّ يُرْسَلُ؛ فَقَضَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِقَضَاءٍ أَرْضِهِمْ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ لِيُوسُفَ؛ فَذَاكَ قَوْلُهُ: {كَذَلِك كدنا ليوسف} أَيْ: صَنَعْنَا لَهُ {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} أَيْ: عَلَى قَضَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 مَلِكِ مِصْرَ [ ... ] الْقَضَاءُ إِلَيْهِ {إِلا أَن يَشَاء الله}. قَالَ محمدٌ: قِيلَ: يَعْنِي: إِلا بعلة كادها الله لَهُ (ل 157) اعْتَلَّ بِهَا يُوسُفُ. {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي علم عليم} قَالَ الْحَسَنُ: أَجَلْ وَاللَّهِ لَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عليمٌ؛ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْعِلْمُ إِلَى الَّذِي جَاءَ بِهِ وَهُوَ اللَّهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ يُوسُفَ مِنْ أَمْرِ أَخِيهِ إِنَّمَا هُوَ شيءٌ قَبِلَهُ عَنِ الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخ لَهُ من قبل} يَعْنُونَ: يُوسُفَ، وَكَانَ جَدُّهُ أَبُو أُمِّهِ يَعْبُدُ الأَوْثَانَ؛ فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: يَا يُوسُفُ، اذْهَبْ فَخُذِ الْقُفَّةَ الَّتِي فِيهَا أَوْثَانُ أَبِي فَفَعَلَ وَجَاءَ بِهَا إِلَى أُمِّهِ، فَتِلْكَ سَرِقَتُهُ الَّتِي أَرَادُوا {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا} مِمَّنْ قُلْتُمْ لَهُ هَذَا، قَالَ قَتَادَةُ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانا} هِيَ الَّتِي أَسَرَّ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ وَهَذَا مِنْ مَقَادِيمِ الْكَلامِ {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تصفون} أَي: إِنَّه كذبٌ. سُورَة يُوسُف من الْآيَة (78) إِلَى الْآيَة (83). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 {قَالُوا يَا أَيهَا الْعَزِيز} قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ يُوسُفَ كَانَ الْعَزِيزَ بَعْدَ الْعَزِيزِ سَيِّدِهِ الَّذِي ملكه. {فَخذ أَحَدنَا مَكَانَهُ} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي احْبِسْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 {فَلَمَّا استيئسوا مِنْهُ} يَئِسُوا مِنْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ أَخَاهُم {خلصوا نجيا} أَيْ: جَعَلُوا يَتَنَاجَوْنَ وَيَتَشَاوَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ. قَالَ محمدٌ: نجي لفظٌ واحدٌ فِي مَعْنَى جَمِيعٍ؛ الْمَعْنَى: اعتزلوا متناجين. {قَالَ كَبِيرهمْ} وَهُوَ رُوبِيلُ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: كَبِيرَهُمْ فِي الرَّأْيِ وَالْعِلْمِ، وَلَمْ يَكُنْ أَكْبَرَهُمْ فِي السِّنِّ. {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ} يَعْنِي: أَرْضَ مِصْرَ {حَتَّى يَأْذَنَ لي أبي} فِي الرُّجُوعِ إِلَيْهِ {أَوْ يَحْكُمَ الله لي} بِالْمَوْتِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 {وَمَا كُنَّا للغيب حافظين}. قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: مَا كُنَّا نرى أَن يسرق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 {واسأل الْقرْيَة} أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ {الَّتِي كُنَّا فِيهَا} يَعْنِي: أْهَلَ مِصْرَ {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقبلنَا فِيهَا} أَي: أهل العير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ} أَي: زينت {أمرا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} يَعْنِي: يُوسُف وأخاه وروبيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 سُورَة يُوسُف من الْآيَة (84) إِلَى الْآيَة (87). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 {وَتَوَلَّى عَنْهُم} أَعْرَضَ عَنْهُمْ {وَقَالَ يَا أَسَفَى على يُوسُف} أَيْ: يَا حُزْنًا {وَابْيَضَّتْ عَيناهُ} أَيْ: عَمِيَ مِنَ الْحُزْنِ، وَقَدْ عَلِمَ بِمَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِالْوَحْيِ أَنَّ يُوسُفَ حيٌّ، وَأَنَّهُ نَبِيٌّ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ حَيْثُ هُوَ {وَهُوَ كظيم} قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَيْ: كَمِيدٌ. قَالَ محمدٌ: (كظيم) هُوَ مِثْلَ كَاظِمٌ، وَالْكَاظِمُ: الْمُمْسِكُ عَلَى حُزْنِهِ لَا يُظْهِرُهُ وَلا يشكوه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 {قَالُوا تالله} قسمٌ {تفتأ تذكر يُوسُف} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي لَا تَزَالُ تَذْكُرُ يُوسُفَ {حَتَّى تَكُونَ حرضا} أَيْ: تَبْلَى {أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين} أَيْ: تَمُوتَ. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: أحرضه الْحزن إِذا أدقعه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بثي} هَمِّي (وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ من الله مَا لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 تَعْمَلُونَ} قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: أَعْلَمُ أَنَّ يُوسُف حيٌّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُف وأخيه} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي تَبْحَثُوا عَنْ خبرهما {وَلَا تيئسوا من روح الله} يَعْنِي: رَحْمَة الله. سُورَة يُوسُف من الْآيَة (88) إِلَى الْآيَة (95). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 {فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ} يَعْنِي: رَجَعُوا إِلَى مِصْرَ، فَدَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ {قَالُوا يَا أَيهَا الْعَزِيز مسنا وأهلنا الضّر} يَعْنِي: الْحَاجَةَ {وَجِئْنَا ببضاعةٍ مزجاةٍ} أَيْ: قَلِيلَةٍ {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} ببضاعتنا {وَتصدق علينا} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: تَصَدَّقْ عَلَيْنَا بأخينا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 قَوْله: {إِذْ أَنْتُم جاهلون} أَيْ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْكُمْ بِجَهَالَةٍ، وَلَمْ يَكُونُوا حِينَ أَلْقَوْهُ فِي الْجب أَنْبيَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 {قَالُوا أئنك لأَنْت يُوسُف} عَلَى الاسْتِفْهَامِ (قَالَ أَنَا يُوسُفُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} قَالَ محمدٌ: لَا تَعْيِيرَ، وَأَصْلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 التثريب: الْإِفْسَاد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 {فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجه أبي يَأْتِ بَصيرًا} أَيْ: يَرْجِعُ. قَالَ: وَلَوْلا أَنَّ ذَلِكَ عِلْمُهُ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ عِلْمٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 {وَلما فصلت العير} أَيْ: خَرَجَتِ الرُّفْقَةُ مِنْ مِصْرَ بِالْقَمِيصِ وَجَدَ يَعْقُوبُ رِيحَ يُوسُفَ، قَالَ: {إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} قَالَ قَتَادَةُ: وَجَدَ رِيحَهُ حِينَ خَرجُوا (ل 158) بِالْقَمِيصِ مِنْ مِصْرَ، وَهُوَ بِأَرْضِ كَنْعَانَ، وَبَيْنَهُمَا ثَمَانُونَ فَرْسَخًا {لَوْلا أَن تفندون} يَقُولُ: لَوْلا أَنْ تَقُولُوا: قَدْ هَرَمَ، وَاخْتَلَطَ عَقْلُهُ؛ فَتُسَفِّهُونِي؛ أَيْ: تجهلوني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيم} يَعْنُونَ: خُسْرَانَكَ مِنْ حُبِّ يُوسُفَ. سُورَة يُوسُف من الْآيَة (96) إِلَى الْآيَة (103). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تعلمُونَ} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: مِنْ فَرَجِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ أخبرهُ أَنه حيٌّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ} أخر ذَلِك إِلَى السحر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} قَالَ الْحَسَنُ: أَبُوهُ وَأُمَّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ. قَالَ محمدٌ: تَقُولُ: آوَيْتُ فُلانًا؛ إِذَا ضَمَمْتَهُ إِلَيْكَ، وَأَوَيْتُ - بِلا مَدٍّ - إِلَى فلانٍ إِذَا انضممت إِلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 {وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش} أَيْ: عَلَى سَرِيرِهِ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَة {وخروا لَهُ سجدا} قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ السُّجُودُ تَحِيَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَأَعْطَى اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ السَّلامَ؛ وَهُوَ تَحيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ البدو} وَكَانُوا بِأَرْض كنعان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 {توفني مُسلما وألحقني بالصالحين} يَعْنِي: أَهْلَ الْجَنَّةِ، قَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ وَأَقَرَّ عَيْنَهُ، ذَكَرَ الآخِرَةَ فَاشْتَاقَ إِلَيْهَا؛ فَتَمَنَّى [الْمَوْتَ] وَلَمْ يَتَمَنَّهُ نَبِيٌّ قبله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 {ذَلِك من أنباء الْغَيْب} يَعْنِي: مَا قُصَّ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ قِصَّتِهِمْ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ {وَمَا كُنْتَ لديهم} عِنْدَهُمْ {إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يمكرون} بِيُوسُف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 سُورَة يُوسُف من الْآيَة (104) إِلَى الْآيَة (107). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} يَعْنِي: عَلَى الْقُرْآنِ مِنْ أجرٍ، فَيَحْمِلَهُمْ عَلَى تَرْكَهِ الْغُرْمُ {إِنْ هُوَ إِلَّا ذكر للْعَالمين} يذكرُونَ بِهِ الْجنَّة وَالنَّار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 {وكأين من آيَة} أَيْ: وَكَمْ مِنْ علامةٍ وَدَلِيلٍ {فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَي: فِي خلق السَّمَوَات وَالأَرْضِ تَدُلُّهُمْ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ {يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} أَي: لَا يتعظون بهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وهم مشركون} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: قَالَ: إِيمَانُهُمْ أَنَّكَ لَا تَسْأَلُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلا أَنْبَأَكَ أَنَّ اللَّهَ رَبُّهُ؛ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مشركٌ فِي عِبَادَتِهِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 {أفأمنوا} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ من عَذَاب الله} يَقُولُ هَذَا عَلَى الاسْتِفَهَامِ؛ أَيْ: بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِآمِنِينَ {أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَة بَغْتَة} فَجْأَة {وهم لَا يَشْعُرُونَ} أَيْ: غَافِلُونَ؛ يَعْنِي: الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِم السَّاعَة بِالْعَذَابِ. سُورَة يُوسُف من الْآيَة (108) إِلَى الْآيَة (111). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 {قل هَذِه سبيلي} أَيْ: مِلَّتِي {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ على بَصِيرَة} على يَقِين {وَسُبْحَان الله} أَمَرَهُ أَنْ يُنَزِّهَ اللَّهَ عَمَّا قَالَ الْمُشْركُونَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقرى} قَالَ الْحَسَنُ: لمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَلا مِنَ النِّسَاءِ، وَلا مِنَ الْجِنِّ. {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قبلهم} يَقُولُ: قَدْ سَارُوا فِي الأَرْضِ، فَرَأَوْا آثَارَ الَّذِينَ أَهْلَكُهُمُ اللَّهُ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ حِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، كَانَ عَاقِبَتُهُمْ أَنْ دَمَّرَ الله عَلَيْهِم، ثمَّ صيرهم إِلَى النَّارِ؛ يُحَذِّرُهُمْ أَنْ يُنَزِّلَ بِهِمْ مَا نَزَّلَ بِالْقُرُونِ مِنْ قَبْلِهِمْ {وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} خير لَهُم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 {حَتَّى إِذا استيئس الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} كَانَ الْحَسَنُ يَقْرَؤُهَا بِالتَّثْقِيلِ (كُذِّبُوا) وَتَفْسِيرُهَا: حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ؛ أَيْ: يَئِسَ الرُّسُلُ أَنْ يُجِيبَهُمْ قَوْمُهُمْ لشيءٍ قَدْ عَلِمُوهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ وَظَنُّوا؛ أَيْ: عَلِمُوا؛ يَعْنِي: الرُّسُلَ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا، التَّكْذِيبُ الَّذِي لَا يُؤْمِنُ الْقَوْمُ بَعْدَهُ أَبَدًا، اسْتَفْتَحُوا عَلَى قَوْمِهِمْ بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ؛ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ فَأَهْلَكَهُمْ. وَكَانَ ابْنُ عباسٍ يَقْرَؤُهَا (كُذِبُوا) خَفِيفَةً، وَتَفْسِيرُهَا: حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 الرُّسُلَ مِنْ قَوْمِهِمْ أَنْ يُؤْمِنُوا، وَظَنَّ قَوْمَهُمْ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ كذبُوا {جَاءَهُم نصرنَا} عذابنا. {فنجي من نشَاء} يَعْنِي: النَّبِيَّ وَالْمُؤْمِنِينَ {وَلا يُرَدُّ بأسنا} عذابنا {عَن الْقَوْم الْمُجْرمين} الْمُشْركين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 {لقد كَانَ فِي قصصهم} يَعْنِي: يُوسُف وَإِخْوَته {عِبْرَة} مُعْتَبر {لأولي الْأَلْبَاب} الْعُقُولِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ. {مَا كَانَ حَدِيثا يفترى} أَيْ: يُخْتَلَقُ وَيُصْنَعُ؛ هَذَا جَوَابٌ لقَوْل الْمُشْركين: (ل 159) {إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ} أَيْ: كذبٌ اخْتَلَقَهُ مُحَمَّدٌ. {وَلَكِنْ تَصْدِيق الَّذين بَين يَدَيْهِ} من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {وتفصيل} أَي: تَبْيِين {كل شيءٍ} مِنَ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ وَالأَحْكَامِ. قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ {تَصْدِيق} بِالنَّصْبِ، فَعَلَى مَعْنَى مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى، وَلَكِنْ كَانَ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ. {وَهُدًى وَرَحْمَةً} يَعْنِي: الْقُرْآن {لقوم يُؤمنُونَ} يُصَدِّقُونَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 تَفْسِيرُ سُورَةِ الرَّعْدِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا إِلا آيَةً وَاحِدَةً وَهِيَ {وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا} إِلَى آخرهَا. سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (1) إِلَى الْآيَة (3). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 قَوْله: {المر} قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي حُرُوفِ الْمُعْجَمِ فِيمَا تَقَدَّمَ {تِلْكَ آيَاتُ} هَذِه آيَات {الْكتاب} الْقُرْآن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 {الله الَّذِي رفع السَّمَاوَات بِغَيْر عمد ترونها} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: فِيهَا تَقْدِيمٌ: رَفَعَ السَّمَوَاتِ تَرَوْنَهَا بِغَيْرِ عمدٍ. وَتَفْسِيرِ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَهَا عمدٌ، وَلَكِنْ لَا تَرَوْنَهَا {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كل يجْرِي لأجل مُسَمّى} يَعْنِي: الْقِيَامَةَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجْرِي مَجْرَى لَا يَعْدُوهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَمعنى {سخر الشَّمْس وَالْقَمَر} أَيْ: ذَلَّلَهُمَا وَقَصَرَهُمَا عَلَى مَا أَرَادَ. {يدبر الْأَمر} يَقْضِي الْقَضَاءَ فِي خَلْقِهِ {يُفَصِّلُ الْآيَات} يُبَيِّنُهَا (لَعَلَّكُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 بلقاء ربكُم توقنون} يَعْنِي: الْبَعْثُ؛ إِذَا سَمِعْتُمُوهَا فِي الْقُرْآن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 {وَهُوَ الَّذِي مد الأَرْض} أَيْ: بَسَطَهَا {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ} يَعْنِي: الْجِبَالَ {وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثمرات جعل فِيهَا} أَيْ: خَلَقَ فِيهَا {زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} أَيْ: صِنْفَيْنِ. قَالَ محمدٌ: قِيلَ: إِنَّهُ يَعْنِي: نَوْعَيْنِ: حُلْوًا وَحَامِضًا، وَالزَّوْجُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: الْوَاحِدُ الَّذِي لَهُ قَرِينٌ. {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَار} أَيْ: يُلْبِسُ اللَّيْلَ النَّهَارَ فَيُذْهِبُهُ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لقومٍ يتفكرون} وهم الْمُؤْمِنُونَ. سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (4) إِلَى الْآيَة (5). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 {وَفِي الأَرْض قطعٌ متجاوراتٌ} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: هِيَ الأَرْضُ الْعَذْبَةُ الطَّيِّبَةُ تَكُونُ مُجَاوِرَةً أَرْضًا سَبِخَةً مَالِحَةً {وجناتٌ مِنْ أعنابٍ وزرعٌ ونخيل صنوانٌ وَغير صنْوَان} الصِّنْوَانُ مِنَ النَّخِيلِ: النَّخْلَتَانِ أَوِ الثَّلاثُ مِنَ النَّخَلاتِ يَكُونُ أَصْلُهَا وَاحِدًا {تسقى بِمَاء واحدٍ} يَعْنِي: مَاءَ السَّمَاءِ؛ فِي تَفْسِيرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 مُجَاهِدٍ {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأكل} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَقُولُ: بَعْضُهَا أَطْيَبُ مِنْ بَعْضٍ. قَالَ محمدٌ: الْأُكُلُ: كُلُّ مَا يُؤْكَلُ، وَالأُكُلُ مَصْدَرُ أَكَلْتُ. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي صَنَعَ هَذَا قادرٌ عَلَى أَنْ يحيي الْمَوْتَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 {وَإِن تعجب فَعجب قَوْلهم} الآيَةَ، تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: إِنْ تَعْجَبْ يَا مُحَمَّدُ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ، فتكذيبهم بِالْبَعْثِ أعجب، وَقَوله: {أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خلق جَدِيد} فَقَوْلهم ذَلِك عجبٌ. سُورَة الرَّعْد (6) إِلَى الْآيَة (7). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 {ويستعجلونك بِالسَّيِّئَةِ} بِالْعَذَابِ؛ وَذَلِكَ مِنْهُمْ تكذيبٌ واستهزاءٌ {قبل الْحَسَنَة} يَعْنِي: قَبْلَ الْعَافِيَةِ {وَقَدْ خَلَتْ من قبلهم المثلات} يَعْنِي: وَقَائِعَ اللَّهِ فِي الأُمَمِ السَّالِفَةِ {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ للنَّاس على ظلمهم} إِذَا تَابُوا إِلَيْهِ {وَإِنَّ رَبَّكَ لشديد الْعقَاب} لمن أَقَامَ على شركه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 {وَيَقُول الَّذين كفرُوا لَوْلَا} هَلا {أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ ربه} قَالَ اللَّهُ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} وَلَسْتَ مِنْ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بآيةٍ فِي شيءٍ {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} أَيْ: دَاعٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة. سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (8) إِلَى الْآيَة (11). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى} مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى {وَمَا تغيض الْأَرْحَام وَمَا تزداد} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: قَالَ: الْغَيْضُوضَةُ أَنْ تَلِدَ لأَقَلِ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ {وَمَا تزداد} يَعْنِي: أَنْ تَلِدَ لأَكْثَرِ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، الْغَيْضُوضَةُ: النُّقْصَانُ. {وَكُلُّ شيءٍ عِنْده بِمِقْدَار} أَي: بِقدر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 {عَالم الْغَيْب} 6 السِّرّ {وَالشَّهَادَة} الْعَلَانِيَة {الْكَبِير} يَعْنِي: الْعَظِيم {المتعال} عَمَّا قَالَ الْمُشْركُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 {سواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمن جهر بِهِ} يَقُولُ: ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ سواءٌ سِرُّهُ وَعَلانِيَتُهُ {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} أَيْ: يُظِلُّهُ اللَّيْلُ {وساربٌ بِالنَّهَارِ} أَي: ظَاهر، يَقُول: ذَلِك (ل 160) كُلُّهُ عِنْدَ اللَّهِ سَوَاءٌ. قَالَ محمدٌ: قيل: {ساربٌ} مَعْنَاهُ: ظاهرٌ وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ لشاعرٍ يُخَاطِبُ امْرَأَةً: (أَنَّى سَرَيْتِ وَكُنْتِ غَيْرَ سَرُوبِ ... وَتَقَرُّبُ الْأَحْلامِ غَيْرُ قَرِيبِ} يَقُولُ: لمْ تَكُونِي مِمَّنْ يَبْرُزُ وَيَظَهْرُ لِلنَّاسِ، فَكَيْفَ تَخَطَّيْتِ الْبُعْدَ إِلَيْنَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 سراك؟! وَقيل: معنى {سارب}: ذَاهِبٌ فِي حَوَائِجِهِ؛ وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الْقَائِلِ: (أَرَى كُلَّ قومٍ قَارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ ... وَنَحْنُ خَلَعْنَا قَيْدَهُ فَهْوَ سَارِبُ} أَيْ: ذَاهِبُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 {لَهُ مُعَقِّبَات} لِهَذَا الْمُسْتَخْفِي وَهَذَا السَّارِبُ مُعَقِّبَاتٌ: مَلائِكَةٌ {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} أَيْ: بِأَمْرِ اللَّهِ، قَالَ الْحَسَنُ: هُمْ أَرْبَعَةُ أَمْلاكٍ: مَلَكَانِ بِاللَّيْلِ، وَمَلَكَانِ بِالنَّهَارِ. قَالَ محمدٌ: مَعْنَى {مُعَقِّبَات}: أَنْ يَأْتِيَ بَعْضُهُمْ بِعَقِبِ بَعْضٍ، وَشُدِّدَتْ لِتَكْثِيرِ الْفِعْلِ. {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} الْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ إِذَا بَعَثَ إِلَى قومٍ رَسُولا فَكَذَّبُوهُ، أَهْلَكُهُمُ اللَّهُ {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سوءا} يَعْنِي: عَذَابًا {فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ} يَمْنَعُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. قَالَ محمدٌ: {والٍ} أَيْ: وليٌّ يَتَوَلاهُمْ دُونَ اللَّهِ. سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (12) إِلَى الْآيَة (13). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 {يريكم الْبَرْق خوفًا وَطَمَعًا} قَالَ قَتَادَةُ: خَوْفًا لِلْمُسَافِرِ يَخَافُ أَذَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 وَمَعَرَّتَهُ، وَطَمَعًا لِلْمُقِيمِ يَرْجُو بَرَكَتَهُ ويطمع فِيهِ رِزْقِ اللَّهِ. وَالْبَرْقُ ضوءٌ خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَمًا لِلْمَطَرِ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحسن {وينشئ السَّحَاب الثقال} قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الَّتِي فِيهَا المَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خيفته} أَيْ: وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ أَيْضًا بِحَمْدِهِ مِنْ خِيفَتِهِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ مَلِكٌ اسْمُهُ: الرَّعْدُ، وَالصَّوْتُ الَّذِي يُسْمَعُ تَسْبِيحَهُ؛ يُؤَلِّفُ بِهِ السَّحَابَ بَعْضَهُ إِلَى بعضٍ، ثُمَّ يَسُوقُهُ حَيْثُ أُمِرَ. قَالَ يحيى: وَسَمِعْتُ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: الْبَرْقُ لَمْحَةٌ يَلْمَحُهَا إِلَى الأَرْضِ الْمَلَكُ الَّذِي يَزْجُرُ السَّحَاب. {وَيُرْسل الصَّوَاعِق} وَهِيَ نارٌ تَقَعُ مِنَ السَّحَابِ؛ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ. قَالَ يحيى: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمَلَكَ يَزْجُرُ السَّحَابَ بسوطٍ مِنْ نَارٍ، فَرُبَّمَا انْقَطَعَ السَّوْطُ؛ فَهُوَ الصَّاعِقَةُ. {فَيُصِيبُ بهَا من يَشَاء} قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ سَمِعَ الرَّعْدَ؛ فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ، لمْ تُصِبْهُ صاعقةٌ. {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ يُجَادِلُونَ نَبِيَّ اللَّهِ؛ أَيْ: يُخَاصِمُونَهُ فِي عِبَادَتِهِمُ الأَوْثَانَ دُونَ اللَّهِ {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: الْقُوَّةَ. قَالَ محمدٌ: يُقَال: مَا حلته مِحَالا إِذَا قَاوَيْتَهُ؛ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ أَيُّكُمَا أَشَدُّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 وَقَدْ قِيلَ: الْمِحَالُ: الْحِيلَةُ؛ وَمِنْ هَذَا قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ. (وَلَبَّسَ بَيْنَ أَقْوَامٍ وَكُلٌّ ... أَعَدَّ لَهُ الشغارب والمحالا) يَعْنِي: الكيد وَالْمَكْر. سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (14) إِلَى الْآيَة (16). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 {لَهُ دَعْوَة الْحق} هِيَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ {وَالَّذين يدعونَ من دونه} يَعْنِي: الأَوْثَانَ {لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بشيءٍ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ ببالغه} هَذَا مَثَلُ الَّذِي يَعْبُدُ الأَوْثَانَ رَجَاءَ الْخَيْرِ فِي عِبَادَتِهَا هُوَ كَالَّذِي يَرْفَعُ بِيَدِهِ الإِنَاءَ إِلَى فِيهِ يَرْجُو بِهِ الْحَيَاةَ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى فِيهِ؛ فَكَذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ حَيْثُ رَجَوْا مَنْفَعَةَ آلِهَتِهِمْ ضَلَّتْ عَنْهُمْ {وَمَا دُعَاءُ الْكَافرين} آلِهَتَهُمْ {إِلا فِي ضَلالٍ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْض} الآيَةَ، تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: قَالَ: وَلِلَّهِ يسْجد من فِي السَّمَوَات، ثمَّ انْقَطع الْكَلامُ، فَقَالَ: وَالأَرْضِ - أَيْ: وَمَنْ فِي الأَرْض {طَوْعًا وَكرها} أَيْ: طَائِعًا وَكَارِهًا، قَالَ الْحَسَنُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاللَّهِ، لَا يَجْعَلُ اللَّهُ مَنْ دَخَلَ فِي الإِسْلامِ طَوْعًا كَمَنْ دَخَلَهُ كَرْهًا ". قَالَ الْحَسَنُ: وَلَيْسَ يَدْخُلُ فِي الْكُرْهِ مَنْ وُلِدَ فِي الإِسْلامِ. {وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال} الآصَالُ: الْعَشِيُّ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: إِذَا سَجَدَ الأَشْيَاءُ سَجَدَ ظِلُّهُ مَعَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 {قل (ل 161} مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ الله} فَإِذا أقرُّوا بذلك فَقل: {أفتخذتم من دونه أَوْلِيَاء} يَعْنِي: أَوْثَانَهُمْ {لَا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نفعا وَلَا ضراًّ} وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى معرفةٍ؛ أَيْ: قَدْ فَعَلْتُمْ. {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} وَهَذَا مَثَلُ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ؛ الْكَافِرُ أَعْمَى عَنِ الْهُدَى، وَالْمُؤْمِنُ أَبْصَرَ الإِيمَانَ {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ والنور} عَلَى الاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَوِي. {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِم} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَقُولُ: هَلْ يَدَّعُونَ أَنَّ تِلْكَ الأَوْثَانَ خَلَقَتْ مَعَ الله شَيْئا؛ فَلم يدروا أَي الْخَالِقِينَ يُعْبَدُونَ؛ هَلْ رَأَوْا ذَلِكَ؟ وَهَلْ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَحْتَجُّوا بِهِ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ أَيْ: أَنَّهُمْ لَا يَدَّعُونَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ شيءٍ، فَكَيْفَ عَبَدُوا هَذِهِ الأَوْثَانَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟! ثُمَّ قَالَ اللَّهُ: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شيءٍ وَهُوَ الْوَاحِد القهار}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (17) إِلَى الْآيَة (18). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوديَة بِقَدرِهَا} الْكَبِيرُ بِقَدَرِهِ، وَالصَّغِيرُ بِقَدَرِهِ {فَاحْتَمَلَ السَّيْل زبداً رابياً} يَعْنِي: عَالِيا فَوْقَ الْمَاءِ، إِلَى قَوْلِهِ: {كَذَلِكَ يضْرب الله الْأَمْثَال} هَذِهِ أَمْثَالٌ ضَرَبَهَا اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِر، فَأَما قَوْله: {وَمِمَّا توقدون عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حليةٍ} فَإِنَّهُ يَعْنِي: الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ؛ إِذَا أُذِيبَا فَعَلا خَبَثُهُمَا؛ وَهُوَ الزَّبَدُ، وَخَلُصَ خَالِصُهُمَا تَحْتَ ذَلِكَ الزَّبَدِ {أَو مَتَاع} أَي: وابتغاء مَتَاع مَا يسْتَمْتع بِهِ {زبدٌ مثله} أَيْ: مِثْلَ زَبَدِ الْمَاءِ، وَالَّذِي يُوقَدُ عَلَيْهِ ابْتِغَاءَ مِتَاعٍ هُوَ الْحَدِيدُ وَالنُّحَاسُ وَالرُّصَاصُ إِذَا صُفِّيَ ذَلِكَ أَيْضًا؛ فَخَلُصَ خَالِصُهُ، وَعَلا خَبَثُهُ؛ وَهُوَ زَبَدُهُ {فَأَمَّا الزَّبَدُ} زَبَدُ الْمَاءِ، وَزَبَدُ الْحُلِيِّ، وَزَبَدُ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرُّصَاصِ {فَيَذْهَبُ جُفَاءً} يَعْنِي: لَا يُنْتَفَعُ بِهِ؛ فَهَذَا مِثْلَ عَمَلِ الْكَافِرِ؛ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الآخِرَةِ {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} فَيُنْتَفَعُ بِالْمَاءِ يُنْبِتُ عَلَيْهِ الزَّرْعُ وَالْمَرْعَى، وَيُنْتَفَعُ بِذَلِكَ الْحُلِيُّ وَالْمَتَاعُ؛ فَهَذَا مِثْلُ عَمَلِ الْمِؤْمِنِ يَبْقَى ثَوَابُهُ فِي الآخِرَةِ. قَالَ محمدٌ: {الْجُفَاءُ} فِي اللُّغَةِ: هُوَ مَا رَمَى بِهِ الْوَادِي إِلَى جَنَبَاتِهِ؛ يُقَالُ: جَفَأَ الْوَادِي غُثَاءَهُ، وَجَفَأْتُ الرَّجُلَ إِذَا صَرَعْتُهُ، وَمَوْضِعُ {جُفَاءً} نَصْبٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 عَلَى الْحَالِ، وَمَعْنَى {يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَال} يصفها ويبينها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ} آمنُوا {الْحسنى} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: الْجَنَّةَ {وَالَّذِينَ لم يَسْتَجِيبُوا لَهُ} يَعْنِي: الْكُفَّارَ {لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سوء الْحساب} شدته {ومأواهم جَهَنَّم} منزلهم جَهَنَّم {وَبئسَ المهاد} الْقَرار. سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (19) إِلَى الْآيَة (24). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أعمى} عَنْهُ؛ أَيْ: أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ؛ يَعْنِي: الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أولو الْأَلْبَاب} الْعُقُول؛ وهم الْمُؤْمِنُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا ينقضون الْمِيثَاق} الَّذِي أَخذ عَلَيْهِم فِي صُلْبِ آدَمَ؛ حَيْثُ قَالَ: {أَلَسْتُ بربكم}؛ يَقُول: أَوْفوا بذلك الْمِيثَاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصل} تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ: الإِيمَانُ بِالنَّبِييِّنَ كُلِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحدٍ مِنْهُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 {وَأَقَامُوا الصَّلَاة} يَعْنِي: الصَّلَوَات الْخمس عَلَى وضوئها وَمُوَاقِيتِهَا وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا {وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} يَعْنِي: الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحسن {سرا وَعَلَانِيَة} يُسْتَحَبُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 أَنْ تُعْطَى الزَّكَاةُ عَلانِيَةً، وَالتَّطَوُّعُ سراًّ {ويدرءون بِالْحَسَنَة السَّيئَة} يَقُولُ: يَدْفَعُونَ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ الْقَوْلَ الْقَبِيحَ وَالأَذَى {أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّار} يَعْنِي: دَارَ الآخِرَةِ، وَالْعُقْبَى: الثَّوَابُ؛ وَهُوَ الْجنَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ من آبَائِهِم} أَي: من آمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 {سَلام عَلَيْكُم} وَهَذِهِ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: يَقُولُونَ: سلامٌ عَلَيْكُمْ؛ فَأُضْمِرَ الْقَوْلُ؛ إِذْ فِي الْكَلامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. {بِمَا صَبَرْتُمْ} فِي الدُّنْيَا. سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (25) إِلَى الْآيَة (28). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} أَي: يُوسع عَلَيْهِ {وَيقدر} أَي: يضيق {وفرحوا} أَي: رَضوا {بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (ل 162) يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا متاعٌ} قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ يَسْتَمْتِعُ بِهِ، ثمَّ يذهب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 وَيَقُولُ الْكَافِرُونَ: {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَة من ربه} أَيْ: هَلا {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أناب} من تَابَ وأخلص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله} أَيْ: تَسْكُنُ {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تطمئِن الْقُلُوب}. قَالَ محمدٌ: (أَلا) حرف تَنْبِيه وَابْتِدَاء، والقلوب هَا هُنَا قُلُوب الْمُؤمنِينَ؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 الْمَعْنى: إِذْ ذُكِرَ اللَّهُ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، آمَنُوا بِهِ غير شاكين. سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (29) إِلَى الْآيَة (31). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 {طُوبَى لَهُم} قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: طُوبَى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ، أَصْلُهَا فِي دَارِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ دَارٌ وَلا غُرْفَةٌ إِلا وَغُصْنٌ مِنْهَا فِي تِلْكَ الدَّار {وَحسن مآب} مرجع، يَعْنِي: الْجنَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خلت من قبلهَا أُمَم} أَيْ: كَمَا أَرْسَلْنَا فِي الأُمَمِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مَنْ قَبْلِ هَذِهِ الأُمَّةِ {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} كَانُوا يَقُولُونَ: أَمَّا اللَّهُ فَنَعْرِفُهُ، وَأما الرَّحْمَن فَلَا نعرفه {قلا هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} يَعْنِي: التَّوْبَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 {وَلَو أَن قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} تَفْسِير قَتَادَة: ذكر لنا أَن قُرَيْشًا قَالَتْ لِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ سَرَّكَ أَنْ نَتَّبِعَكَ فَسَيِّرْ لَنَا جِبَالَ تُهَامَةَ، وَزِدْ لَنَا فِي حَرَمِنَا؛ حَتَّى نَتَّخِذَ قَطَائِعَ نَحْتَرِفَ فِيهَا، أَو أُمِّي لَنَا فُلانًا وَفُلانًا وَفُلانًا - لأُنَاسٍ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ، يَقُولُ: لَوْ فُعِلَ هَذَا بِقُرْآنٍ غَيْرِ قُرْآنِكُمْ فُعِلَ بِقُرْآنِكُمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 قَالَ محمدٌ: اخْتُصِرَ جَوَابُ (لَوْ)؛ إِذْ كَانَ فِي الْكَلَامِ مَا يدل عَلَيْهِ. {أفلم ييأس الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ الله لهدى النَّاس جَمِيعًا} أَيْ: أَلَمْ يَعْرِفْ؟ قَالَ محمدٌ: قِيلَ: إِنَّهَا لغةٌ لِلنَّخَعِ (يَيْأَسُ) بِمَعْنَى: يَعْرِفُ قَالَ الشَّاعِرُ: (أَقُولُ لَهُمْ بِالشِّعْبِ إِذْ يَأْسِرُونَنِي ... أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابْنُ فَارِسِ زَهْدَمِ) أَيْ: أَلَمْ تَعْلَمُوا. {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة} هِيَ السَّرَايَا سَرَايَا رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُصِيبَهُمُ اللَّهُ مِنْهَا بِعَذَاب {أَو تحل} أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ {قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} يَعْنِي: فَتْحَ مَكَّةَ؛ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِد وَقَتَادَة. سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (32) إِلَى الْآيَة (34). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 {فأمليت} أطلت {للَّذين كفرُوا} أَيْ: لمْ أُعَذِّبْهُمْ عِنْدَ اسْتِهْزَائِهِمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 بِأَنْبِيَائِهِمْ، وَلَكِنْ أَخَّرْتُهُمْ حَتَّى بَلَغَ الْوَقْتُ. {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَاب} أَي: كَانَ شَدِيدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نفسٍ بِمَا كسبت} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: ذَلِكُمُ اللَّهُ. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: اللَّهُ هُوَ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نفسٍ بِمَا كَسَبَتْ؛ يَأْخُذُهَا بِمَا جَنَتْ، وَيُثِيبُهَا بِمَا أَحْسَنَتْ؛ عَلَى مَا سَبَقَ فِي علمه. {وَجعلُوا لله شُرَكَاء} يَقُولُ: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِي هُوَ قائمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ وَهَذِهِ الأَوْثَانُ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا؟! {قُلْ سَمُّوهُمْ} وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسمَاء سميتموها} {أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الأَرْض} أَيْ: قَدْ فَعَلْتُمْ، وَلا يَعْلَمُ أَنَّ فِيهَا إِلَهًا مَعَهُ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إلهٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ. {أَمْ بِظَاهِر من القَوْل} يَعْنِي: أَمْ بِظَنٍّ مِنَ الْقَوْلِ؛ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ {بَلْ زُيِّنَ للَّذين كفرُوا مَكْرهمْ} قَوْلهم {وصدوا عَن السَّبِيل} عَن سَبِيل الْهدى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 {لَهُمْ عذابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَلآخِرِ كُفَّارِ هَذِهِ الأُمَّةِ بالنفخة الأولى {ولعذاب الْآخِرَة} النَّار {أشق} من عَذَاب الدُّنْيَا. سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (35) إِلَى الْآيَة (37). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 {مثل الْجنَّة} أَيْ: صِفَتُهَا {الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ أكلهَا} ثَمَرهَا {دائمٌ} أَي: لَا ينْفد {وظلها}. قَالَ محمدٌ: (مثل الْجنَّة} مرفوعٌ بِالابْتِدَاءِ. {تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقوا} يَعْنِي: الْجَنَّةَ {وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: هُمْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ {وَمِنَ الأَحْزَابِ مَنْ يُنكر بعضه} الْأَحْزَاب هَا هُنَا: الْيَهُود وَالنَّصَارَى؛ يُنكرُونَ (ل 163) بَعْضَ الْقُرْآنِ، وَيُقِرُّونَ بِبَعْضِهِ بِمَا وافقهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حكما عَرَبيا} يَعْنِي: الْقُرْآنَ. {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ حَتَّى لَا تُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ الرِّسَالَةَ. {مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واق} يُغْنِيكَ مِنْ عَذَابِهِ؛ إِنْ فَعَلْتَ، وَلست بفاعلٍ. سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (38) إِلَى الْآيَة (43). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلنَا لَهُم أَزْوَاجًا وذرية} نَزَلَتْ حِينَ قَالَتِ الْيَهُودُ: لَوْ كَانَ محمدٌ رَسُولا، لَكَانَ لَهُ هَمٌّ غَيْرَ النِّسَاءِ وَالْتِمَاسِ الْوَلَدِ {وَمَا كَانَ لرسولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أجل كتابٌ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْده أم الْكتاب} تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: يُكْتَبُ كُلَّ مَا يَقُولُ؛ فَإِذَا كَانَ كُلُّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، مُحِيَ عَنْهُ مَا لمْ يَكُنْ خَيْرًا أَوْ شَرًّا، وَأُثْبِتَ مَا سِوَى ذَلِكَ {وَعِنْدَهُ أم الْكتاب} يَعْنِي: اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ، وَتَفْسِيرُ أُمِّ الْكتاب جملَة الْكتاب وَأَصله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَو نتوفينك} تَفْسِير الحَسَن: إِن اللَّه أخبر مُحَمَّدًا أَنَّ لَهُ فِي أُمَّتِهِ نَقْمَةً، وَلَمْ يُخْبِرْهُ، أَفِي حَيَاتِهِ تَكُونُ أَمْ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ وَفِيهَا إِضْمَار {فَإنَّا مِنْهُم منتقمون}. {فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ} أَنْ تُبَلِّغَهُمْ، وَلَسْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُكْرِهَهُمْ عَلَى الإِيمَانِ، إِنَّمَا يُؤْمِنُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُؤْمِنَ {وعلينا الْحساب} يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِقِتَالِهِمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 {أَو لم يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا من أطرافها} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كُلَّمَا بَعَثَ إِلَى أَرْضٍ ظَهَرَ عَلَيْهَا وَغَلَبَ أَهْلُهَا؛ يَقُولُ: نَنْقُصُهَا بِذَلِكَ أَرْضًا فَأَرْضًا. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: كَأَنَّهُ يَنْقُصُ الْمُشْرِكِينَ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ. {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لحكمه} أَيْ: لإِرَادَتِهِ. قَالَ محمدٌ: أَصْلُ التَّعْقِيبِ فِي اللُّغَةِ: الْكَرُّ وَالرُّجُوعُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 لَا رَاجِعَ يَرُدُّ حُكْمَهُ. {وَهُوَ سريع الْحساب} يَعْنِي: الْعَذَابَ؛ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَذِّبَ قَوْمًا مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ كَانَ عَذَابُهُ إِيَّاهُمْ أَسْرَعَ مِنَ الطَّرْفِ؛ يُخَوِّفُ بِهَذَا الْمُشْرِكِينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يَعْنِي: مِنْ قَبْلِ مُشْرِكِي هَذِهِ الْأمة {فَللَّه الْمَكْر جَمِيعًا} فَمَكَرَ بِهِمْ، أَهْلَكَهُمْ أَحْسَنَ مَا كَانُوا فِي دُنْيَاهُمْ فِعَالا {يَعْلَمُ مَا تكسب كل نفسٍ} أَيْ: تَعْمَلُ {وَسَيَعْلَمُ (الْكُفَّارُ} لِمَنْ عُقبى الدَّار} لمن الْجنَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلا}. قُلْ يَا مُحَمَّدُ: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ علم الْكتاب} قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: فِيَّ نَزَلَتْ: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكتاب}. قَالَ محمدٌ: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدا} الْمَعْنى: كفى الله شَهِيدا، و (شَهِيدا) منصوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 تَفْسِيرُ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا إِلا آيَتَيْنِ: قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة اللَّهِ كُفْرًا} إِلَى قَوْلِهِ: {الْقَرَارُ}. سُورَة إِبْرَاهِيم من الْآيَة (1) إِلَى الْآيَة (3). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 قَوْلُهُ: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ} أَيْ: هَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ؛ يَعْنِي: الْقُرْآن {لتخرج النَّاس} من أَرَادَ الله أَن يهديه {من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} يَعْنِي: من الضَّلَالَة إِلَى الْهدى {بِإِذن رَبهم} 6 بِأَمْر رَبهم {إِلَى صِرَاط} {إِلَى طَرِيق} (الْعَزِيز} فِي ملكه ونقمته {الحميد} اسْتَحْمَدَ إِلَى خَلْقِهِ، وَاسْتَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَن يحمدوه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 {الَّذين يستحبون} يَخْتَارُونَ {الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ} لَا يُقِرُّونَ بِالآخِرَةِ {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل الله ويبغونها عوجا} يَبْتَغُونَ السَّبِيلَ عِوَجًا؛ يَعْنِي: الشِّرْكَ. قَالَ محمدٌ: (السَّبِيلُ) يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَكَذَلِكَ (الطَّرِيقُ) فَأَمَّا الزِّقَاقُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 فَمُذَكَّرٌ. وَنَصْبُ (عِوَجًا) عَلَى الْحَالِ. سُورَة إِبْرَاهِيم من الْآيَة (4) إِلَى الْآيَة (6). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَان قومه} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: بلغَة قَوْمِهِ {لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} بعد الْبَيَان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 {وَذكرهمْ بأيام الله} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: يُذَكِّرْهُمْ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِم، وَيذكرهُمْ (ل 164) كَيْفَ أَهْلَكَ قَوْمَ نوحٍ وَعَادًا وَثَمُودَ وَغَيْرَهُمْ، يَقُولُ: ذَكِّرْهُمْ هَذَا وَهَذَا {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لكل صبار شكور} وَهُوَ الْمُؤمن. سُورَة إِبْرَاهِيم من الْآيَة (7) إِلَى الْآيَة (9). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 {وَإِذ تَأذن رَبك} أَي: أعلمكُم {لَئِن شكرتم} آمنتم {لأزيدنكم} فِي النِّعَمِ {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابي لشديد} فِي الْآخِرَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قبلكُمْ} أَيْ: خَبَرُهُمْ. {لَا يَعْلَمُهُمْ إِلا الله} أَيْ: لَا يَعْلَمُ كَيْفَ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ إِلا اللَّهُ. {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاههم} أَيْ: عَضُّوا عَلَى أَنَامِلِهِمْ غَيْظًا عَلَى الأَنْبِيَاءِ؛ كَقَوْلِهِ: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}. سُورَة إِبْرَاهِيم من الْآيَة (10) إِلَى الْآيَة (14). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 {قَالَت رسلهم} أَيْ: قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ: {أَفِي الله شكّ فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَالِقِهِمَا؛ أَيْ: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شكٌّ، وَأَنْتُمْ تُقِرُّونَ أَنَّهُ خَالِقُ السَّمَوَات وَالأَرْضِ، فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ غَيْرَهُ؟! {يَدْعُوكُمْ ليغفر لكم من ذنوبكم} أَيْ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 لِيَغْفِرَ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ؛ إِنْ آمَنْتُمْ {ويؤخركم إِلَى أجل مُسَمّى} يَعْنِي: إِلَى آجَالِهِمْ بِغَيْرِ عَذَابٍ؛ فَلا يَكُونُ مَوْتُهُمْ بِالْعَذَابِ. {قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا} أَيْ: لَا يُوحَى إِلَيْكُمْ. {فَأْتُونَا بسُلْطَان مُبين} بِحُجَّةٍ بَيِّنَةٍ {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} بِالنُّبُوَّةِ؛ فَيُوحِي إِلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 {وَقد هدَانَا سبلنا} يَعْنُونَ: سُبُلَ الْهُدَى {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذيتمونا} يَعْنُونَ: قَوْلَهُمْ لِلأَنْبِيَاءِ: إِنَّكُمْ سَحَرَةٌ، وَإِنَّكُمْ كاذبون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} وَهَذَا حَيْثُ أَذِنَ اللَّهُ لِلرُّسُلِ فدعوا عَلَيْهِم؛ فَاسْتَجَاب لَهُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 {ولنسكننكم الأَرْض من بعدهمْ} أَيْ: مَنْ بَعْدِ إِهْلاكِهِمْ {ذَلِكَ لمن خَافَ مقَامي} يَعْنِي: الْمَقَامَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لِلْحسابِ. سُورَة إِبْرَاهِيم من الْآيَة (15) إِلَى الْآيَة (20). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 {واستفتحوا} يَعْنِي: الرُّسُلَ؛ أَيْ: دَعَوْا عَلَى قَوْمِهِمْ، حِينَ اسْتَيْقَنُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤمنُونَ. قَالَ محمدٌ: معنى (استفتحوا): سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ؛ أَيْ: يَنْصُرَهُمْ، وَكُلُّ نَصْرٍ هُوَ فَتْحٌ؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ يحيى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 {وخاب} أَيْ: خَسِرَ {كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} الْجَبَّارُ: الْمُتَكَبِّرُ، وَالْعَنِيدُ: الْمُجَانِبُ لِلْقَصْدِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 {من وَرَائه جَهَنَّم} أَي: من بعد هَذَا الْعَذَابِ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا {جَهَنَّم} أَيْ: عَذَابُ جَهَنَّمَ. وَقَدْ قِيلَ: {مِنْ وَرَائِهِ} أَيْ: مِنْ أَمَامِهِ. {ويسقى من مَاء صديد} الصَّدِيدُ: مَا يَسِيلُ مِنْ جُلُودِ أَهْلِ النَّارِ مِنَ الْقَيْحِ وَالدَّمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 {يتجرعه وَلَا يكَاد يسيغه} مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لَهُ، وَهُوَ يُسِيغُهُ لابُدَّ لَهُ مِنْهُ، فَتَتَقَطَّعَ أَمْعَاؤُهُ. قَالَ محمدٌ معنى (يسيغه): يَبْتَلِعُهُ. {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَان} وَهِيَ النَّارُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ قَضَى عَلَيْهِمْ أَلا يَمُوتُوا؛ هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ. {وَمِنْ وَرَائِهِ عذابٌ غَلِيظٌ} كَقَوْلِهِ: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عذَابا}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كرمادٍ اشتدت بِهِ الرِّيَاح فِي يَوْم عاصفٍ} يَعْنِي: مِمَّا عَمِلُوا مِنْ حَسَنٍ على سييءٍ فِي الآخِرَةِ، قَدْ جُوزُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} أَيْ: يُصَيِّرُ الأَمْرَ إِلَى الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ {إِنْ يَشَأْ يذهبكم} يَسْتَأْصِلْكُمْ بِالْعَذَابِ {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} أَي: آخَرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} أَي: لَا يشق عَلَيْهِ. سُورَة إِبْرَاهِيم من الْآيَة (21) إِلَى الْآيَة (23). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 {وبرزوا لله جَمِيعًا} يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ {فَقَالَ الضُّعَفَاءُ} وهم الأتباع {للَّذين استكبروا} 6 وَهُمُ الرُّؤَسَاءُ: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تبعا} لِدُعَائِكُمْ إِيَّانَا إِلَى الشِّرْكِ. قَالَ محمدٌ: (تبعا) جَمْعُ تَابِعٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا سُمِّي بِهِ؛ أَيْ: كُنَّا ذَوِي تَبَعٍ. {سواءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ محيصٍ} أَيْ: مهربٍ، وَلا مَعْزِلٍ عَنِ الْعَذَاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ} أَيْ: فُصِلَ بَيْنَ الْعِبَادِ؛ فَاسْتَبَانَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ {إِن الله وَعدكُم وعد الْحق} أَيْ: وَعَدَهُمُ الْجَنَّةَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِدِينِهِ {وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لي عَلَيْكُم من سلطانٍ} أَسْتَرْهِبُكُمْ بِهِ {إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ} 6 بالوسوسة {فاستجبتم لي}. {مَا أَنا بمصرخكم} بمغيثكم من عَذَاب الله (ل 165} (وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قبل} أَيْ: فِي الدُّنْيَا - يَكْفُرُ بِأَنْ يَكُونَ شَرِيكًا. يحيى: عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ دُخَيْنٍ الْحَجَرِي، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَفَرَغَ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: قَدْ قَضَى بَيْنَنَا رَبُّنَا؟ فَمَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا؟ قَالُوا: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى آدَمَ؛ فَإِنَّهُ أَبُونَا وَخَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ وَكَلَّمَهُ، فَيَأْتُونَهُ فَيُكَلِّمُونَهُ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمْ، فَيَقُولُ آدَمُ: عَلَيْكُمْ بِنُوحٍ؛ فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَدُلُّهُمْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ يَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَدُلُّهُمْ عَلَى مُوسَى، ثُمَّ يَأْتُونَ مُوسَى فَيَدُلُّهُمْ عَلَى عِيسَى، ثُمَّ يَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: أَدُلُّكُمْ عَلَى النَّبِيِّ الأُمِّي؛ فَيَأْتُونَنِي فَيَأْذَنُ اللَّهُ لِي أَنْ أَقُومَ إِلَيْهِ؛ فَيَفُورُ مِنْ مَجْلِسِي أَطْيَبُ رِيحٍ شَمَّهَا أحدٌ حَتَّى آتِي رَبِّي، فَيُشَفِّعُنِي وَيَجْعَلُ لِي نُورًا مِنْ شَعْرِ رَأْسِي إِلَى ظُفْرِ قَدَمِي، ثُمَّ يَقُولُ الْكَافِرُونَ: (هَذَا) وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَهُمْ فَمَنْ يَشْفَعُ لَنَا؟ {مَا هُوَ إِلا إِبْلِيسُ هُوَ الَّذِي أَضَلَّنَا فَيَأْتُونَهُ؛ فَيَقُولُونَ: قَدْ وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَهُمْ؛ فَقُمْ فَاشْفَعْ أَنْتَ لَنَا فَإِنَّكَ أَنْتَ أَضْلَلْتَنَا} فَيَقُومُ فَيَفُورُ مِنْ مَجْلِسِهِ أَنْتَنُ رِيحٍ شَمَّهَا أحدٌ، ثُمَّ (يُعَظِّمُ لِجَهَنَّمَ)، ثُمَّ يَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وعد الْحق ووعدتكم فأخلفتكم} الْآيَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 {تحيتهم فِيهَا سَلام} يَقُولُ: يُسَلِّمُ أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْضُهُمْ على بعضٍ، وتحييهم الْمَلائِكَةُ أَيْضًا عَنِ اللَّهِ بِالسَّلامِ؛ حِينَ تَأْتِيهِمْ مِنْ عِنْدَ اللَّهِ بالكرامة والهدية. سُورَة إِبْرَاهِيم من الْآيَة (24) إِلَى الْآيَة (27). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مثلا كلمة طيبَة} هِيَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ {كشجرة طيبَة} وَهِيَ النَّخْلَةُ؛ وَهِيَ مَثَلُ الْمَؤْمِنِ {أَصْلهَا ثَابت} فِي الأَرْضِ {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} أَيْ: رَأْسُهَا الَّذِي تَكُونُ فِيهِ الثَّمَرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 {تؤتي أكلهَا} ثَمَرَتَهَا {كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} أَيْ: بِأَمْرِهِ. تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَقُولُ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَزَالُ مِنْهُ كلامٌ طيبٌ وعملٌ صالحٌ؛ كَمَا تُؤْتِي هَذِهِ الشَّجْرَةُ أُكُلَهَا فِي كُلِّ حِينٍ. قَالَ يحيى: (وَالْحِينُ) فِي تَفْسِيرِ بَعْضِهِمْ: السَّنَةُ، وَهِيَ تُؤْكَلُ شِتَاءً وَصَيْفًا. قَالَ محمدٌ: (الْحِينُ) فِي اللُّغَةِ: اسْمُ وقتٍ مِنْ أَوْقَاتِ الزَّمَانِ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا طَال وَقصر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 {وَمثل كلمة خبيثة} الشّرك {كشجرة خبيثة} يَعْنِي: الْحَنْظَلَةَ {اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْض} أَيْ: قُطِعَتْ مِنْ أَعْلَى الأَرْضِ {مَا لَهَا من قَرَار} أَيْ: لَيْسَ لأَصْلِهَا ثباتٌ فِي الأَرْضِ؛ فَذَلِكَ مَثَلُ عَمَلِ الْكَافِرِ، لَيْسَ لِعَمَلِهِ الْحَسَنِ أصلٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 ثَابِتٌ يُجْزَى بِهِ فِي الآخِرَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} تَفْسِيرُ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَرَجَعَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ أَتَاهُ ملكٌ فَأَجْلَسَهُ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ، ثُمَّ يَقُولُ: فَمَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: الإِسْلامُ، ثُمَّ يَقُولُ: فَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: محمدٌ، فَيُقَالُ لَهُ: صَدَقْتَ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بابٌ إِلَى النَّارِ، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ هَذِهِ النَّارُ الَّتِي لَوْ أَنَّكَ كُنْتَ كَذَّبْتَ صِرْتَ إِلَيْهَا؛ قَدْ أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْهَا، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ هَذِهِ الْجَنَّةُ، وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ مَنْزِلُهُ فِيهَا ثُمَّ يُوَسَّعُ لَهُ قَبْرَهُ، فَلا يَزَالُ يَأْتِيهِ مِنْ رِيحِ الْجَنَّةِ وَبَرْدِهَا حَتَّى تَأْتِيَهُ السَّاعَةُ. وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَرَجَعَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ أَتَاهُ ملكٌ فَأْجَلَسَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي. ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي! ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ لَهُ: لَا أَدْرِي. فَيَقُولُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ. ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: هَذِهِ الْجَنَّةُ الَّتِي لَوْ كُنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صِرْتَ إِلَيْهَا، لَنْ تَرَاهَا أَبَدًا. ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بابٌ إِلَى النَّارِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَذِهِ النَّارُ الَّتِي أَنْتَ صَائِرٌ إِلَيْهَا، ثُمَّ يَضِيقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ، ثمَّ يضْرب ضَرْبَة لَو أَصَابَت جبلا (ل 166) فَيَصِيحُ عِنْدَ ذَلِكَ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا كُلُّ شيءٍ إِلا الثَّقَلَيْنِ. قَالَ: فَهُوَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمنُوا} الْآيَة ". سُورَة إِبْرَاهِيم من الْآيَة (28) إِلَى الْآيَة (31). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نعْمَة اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَار جَهَنَّم يصلونها} هُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، جَعَلُوا مَكَانَ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمُ الْكُفْرَ، وَأَخْرَجُوا قَوْمَهُمْ إِلَى قِتَالِ النَّبِيِّ بِبَدْرٍ؛ فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ فَحَلُّوا فِي النَّارِ. وَالْبَوَارُ: الْفَسَادُ؛ أَيْ: أَنَّ النَّارَ تُفْسِدُ أَجْسَادَهُمْ. قَالَ محمدٌ: نَصْبُ (جَهَنَّمَ) بَدَلا مِنْ قَوْلِهِ: (دَارَ الْبَوَارِ)، وَالْبَوَارُ أَصْلُهُ: الْهَلَاك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 {وَجعلُوا لله أندادا} يَعْنِي: آلِهَتَهُمُ الَّتِي عَدَلُوهَا بِاللَّهِ؛ فَجَعَلُوهَا آلِهَةً {لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} أَي: عَن سَبِيل الْهدى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاة} يَعْنِي: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ؛ يُحَافِظُونَ عَلَيْهَا {وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً} يَعْنِي: الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ. {مِنْ قَبْلِ أَن يَأْتِي يَوْم} يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ {لَا بَيْعٌ فِيهِ} أَيْ: لَا يَتَبَايَعُونَ فِيهِ {وَلا خلال} أَيْ: تَنْقَطِعُ فِيهِ كُلُّ خلةٍ إِلا خُلَّةَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ محمدٌ: الْخِلالُ مصدرٌ؛ يُقَالُ: خَالَلْتُ فُلانًا؛ أَيْ: صَادَقْتُهُ خِلالا وَمُخَالَّةً، وَالاسْمُ: الْخلَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 سُورَة إِبْرَاهِيم من الْآيَة (32) إِلَى الْآيَة (34). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} أَيْ: يَجْرِيَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ {وسخر لكم اللَّيْل وَالنَّهَار} يَخْتَلِفَانِ عَلَيْكُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 {وآتاكم} أَعْطَاكُمْ {مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} أَيْ: وَمَا لَمْ تَسْأَلُوهُ؛ هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ يَقُولُ: كُلُّ مَا أَعْطَاكُمْ هُوَ مِنْهُ مِمَّا سَأَلْتُمْ، وَمِمَّا لَمْ تَسْأَلُوا {وَإِنْ تَعُدُّوا نعْمَة الله لَا تحصوها}. يَحْيَى: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: مَنْ لَمْ يَرَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِلا فِي مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ، فَقَدْ قَلَّ عِلْمُهُ وَحَضَرَ عَذَابُهُ ". مِنْ حَدِيثِ يحيى بْنِ مُحَمَّد. {إِن الْإِنْسَان} يَعْنِي: الْكَافِر {لظلوم} لنَفسِهِ {كفار} بِنِعَمِ رَبِّهِ حِينَ أَشْرَكَ، وَقَدْ أجْرى عَلَيْهِ هَذِه النعم. سُورَة إِبْرَاهِيم من الْآيَة (35) إِلَى الْآيَة 41). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَل هَذَا الْبَلَد آمنا} يَعْنِي: مَكَّةَ {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نعْبد الْأَصْنَام}. قَالَ محمدٌ: أهل الْحجاز يَقُولُونَ: جَنَّبْنِي فلانٌ شَرَّهُ، وَأَهْلُ نَجْدٍ يَقُولُونَ: أَجْنَبَنِي وَجَنَّبَنِي؛ أَيْ: جَعَلَنِي جانباً مِنْهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاس} يَعْنِي: الأَصْنَامَ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ؛ يَقُولُ: ضَلَّ الْمُشْرِكُونَ بِعِبَادَتِهَا؛ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ دَعَتْ هِيَ إِلَى عِبَادَةِ أَنْفُسِهَا {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي} فَعَبَدَ الأَوْثَانَ، ثُمَّ تَابَ إِلَيْكَ بَعْدَ ذَلِكَ {فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي} يَعْنِي: إِسْمَاعِيلَ {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا ليقيموا الصَّلَاة} أَيْ: إِنَّمَا أَسْكَنْتُهُمُ مَكَّةَ، لِيَعْبُدُوكَ {فَاجْعَلْ أَفْئِدَة} أَيْ: قُلُوبًا {مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِم} تَنْزِعُ إِلَى الْحَجِّ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " وَلَوْ كَانَ قَالَ: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ، لَحَجَّهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وكل أحدٍ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نعلن} تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ:: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ جَاءَ بِهَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ؛ فَوَضَعَهُمَا بِمَكَّةَ عِنْدَ زَمْزَمَ، فَلَمَّا قَفَا نَادَتْهُ هَاجَرُ: يَا إِبْرَاهِيمُ؛ فَالْتَفَتَ إِلَيْهَا فَقَالَتْ: مَنْ أَمَرَكَ أَنْ تَضَعَنِي وَابْنِي بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا ضرعٌ وَلا زرعٌ وَلا أنيسٌ؟! قَالَ: رَبِّي. قَالَتْ: إِذَنْ لَنْ يُضَيِّعَنَا. فَلَمَّا قَفَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نعلن} أَي: من الْحزن، الْآيَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذريتي} أَيْ: وَاجْعَلْ مِنْ ذُرِّيَّتِي مَنْ يُقيم الصَّلَاة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 {رَبنَا اغْفِر لي ولوالدي} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: دَعَا لأَبِيهِ أَنْ يُحَوِّلَهُ اللَّهُ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الإِيمَانِ، وَلَمْ يَغْفِرْ لَهُ؛ فَلَمَّا مَاتَ كَافِرًا تَبَرَّأَ مِنْهُ، وَعَرَفَ أَنه قد هلك. سُورَة إِبْرَاهِيم من الْآيَة (42) إِلَى الْآيَة (43). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يعْمل الظَّالِمُونَ} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ. {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تشخص فِيهِ الْأَبْصَار} إِلَى إِجَابَةِ (الدَّاعِي) حِينَ يَدْعُوهُمْ من قُبُورهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 {مهطعين} أَيْ: مُسْرِعِينَ إِلَى (نَحْوِ) الدَّعْوَةِ (ل 167) حِينَ يَدْعُوهُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَالَ محمدٌ: (مُهْطِعِينَ) منصوبٌ عَلَى الْحَال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 و {مقنعي رُءُوسهم} أَيْ: رَافِعِيهَا {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طرفهم وأفئدتهم} أَيْ: يُدِيمُونَ النَّظَرَ. قَالَ محمدٌ: (طَرْفُهُمْ) يَعْنِي: نَظَرَهُمْ، وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: طَرَفَ الرَّجُلُ يَطْرِفُ طَرْفًا، إِذَا أَطْبَقِ أَحَدَ جَفْنَيْهِ عَلَى الآخَرِ؛ فَسُمِّيَ النَّظَرُ طَرْفًا؛ لأَنَّهُ بِهِ يَكُونُ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ يَذْكُرُ سُهَيْلا - النَّجْمُ فِي السَّمَاءِ، وَشَبَّهَ اضْطِرَابَهُ بِطَرْفِ الْعَيْنِ. (أُرَاقِبُ لَمْحًا مِنْ سهيلٍ كَأَنَّهُ ... إِذَا مَا بَدَا فِي دُجْنَةِ اللَّيْلِ يَطْرِفُ) قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وأفئدتهم هَوَاء} بَيْنَ الصَّدْرِ وَالْحَلْقِ؛ فَلا تَخْرُجُ مِنَ الْحَلْقِ، وَلا تَرْجِعُ إِلَى الصَّدْرِ؛ يَعْنِي: قُلُوبَ الْكُفَّارِ؛ هَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ. قَالَ محمدٌ: وَجَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (هواءٌ) أَيْ: خَالِيَةٌ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ شيءٍ أَجْوَفَ خاوٍ، فَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ هَوَاءٌ. وَأَنْشَدَ غَيْرُهُ: كَأَنَّ الرَّحْلَ مِنْهَا فَوْقَ صعلٍ ... مِنَ الظِّلْمَانِ جُؤْجُؤُهُ هَوَاءُ} يَقُولُ: لَيْسَ لِعَظْمِهِ مخ. سُورَة إِبْرَاهِيم من الْآيَة (44) إِلَى الْآيَة (46). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 قَوْلُهُ: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَاب} أَيْ: أَنْذِرْهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ. {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دعوتك} سَأَلُوا الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا؛ حَتَّى يُؤْمِنُوا. قَالَ اللَّهُ: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أقسمتم من قبل} أَيْ: فِي الدُّنْيَا {مَا لَكُمْ من زَوَال} من الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 ثمَّ انْقَطع الْكَلَام، ثمَّ قَالَ لِلَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ محمدٌ: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} بِشِرْكِهِمْ؛ يَعْنِي: مَنْ أَهْلَكَ مِنَ الأُمَمِ السَّابِقَةِ {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فعلنَا بهم} كَيْفَ أَهْلَكْنَاهُمْ؛ يُخَوِّفُهُمْ بِذَلِكَ {وَضَرَبْنَا لكم الْأَمْثَال} يَعْنِي: وَصَفْنَا لَكُمْ عَذَابَ الأُمَمِ الخالية؛ يخوف كفار مَكَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرهمْ} أَيْ: محفوظٌ لَهُمْ؛ حَتَّى يُجَازِيَهُمْ بِهِ {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجبَال} وَهِيَ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (وَمَا كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: قَالَ: " إِنَّ نُمْرُوذَ الَّذِي بَنَى الصَّرْحَ بِبَابِلَ، أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ عِلْمَ السَّمَاءِ؛ فَعَمَدَ إِلَى تابوتٍ فَجَعَلَ فِيهِ غُلامًا، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى نسورٍ أربعةٍ فَأَجَاعَهَا، ثُمَّ رَبَطَ كُلَّ نسرٍ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ التَّابُوتِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 ثُمَّ رَفَعَ لَهُمَا لَحْمًا فِي أَعْلَى التَّابُوتِ، فَجَعَلَ الْغُلامُ يَفْتَحُ الْبَابَ الأَعْلَى، فَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَاهَا كَهَيْئَتِهَا، ثُمَّ يَفْتَحُ البَّابَ الأَسْفَلِ فَيَنْظُرُ إِلَى الأَرْضِ فَيَرَاهَا مِثْلَ اللُّجَّةِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى جَعَلَ يَنْظُرُ فَلا يَرَى الأَرْضَ وَإِنَّمَا هُوَ الْهَوَاءُ، وَيَنْظُرُ فَوْقَ فَيَرَى السَّمَاءَ كَهَيْئَتِهَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ صَوَّبَ اللَّحْمَ فَتَصَوَّبَتِ النُّسُورُ، فَيُقَالُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -: إِنَّهُ مَرَّ بِجَبْلٍ فَخَافَ الْجَبْلَ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ، فَكَادَ يَزُولُ مِنْ مَكَانِهِ؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجبَال} ". سُورَة إِبْرَاهِيم من الْآيَة (47) إِلَى الْآيَة (52). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 {فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رسله} مَا وَعَدَهُمْ مِنَ النَّصْرِ فِي الدُّنْيَا. {أَن الله عَزِيز} فِي نقمته {ذُو انتقام} من أعدائه بعذابه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَات} قَالَ محمدٌ: أَي: وتبدل السَّمَوَات {وبرزوا لله} حُفَاة عُرَاة {الْوَاحِد القهار} قَهَرَ عِبَادَهُ بِالْمَوْتِ وَبِمَا شَاءَ. قَالَ محمدٌ: وَمعنى تَبْدِيل السَّمَوَات: تَكْوِيرُ شَمْسِهَا، وَخُسُوفُ قَمَرِهَا، وَانْتِثَارُ كَوَاكِبِهَا، وَانْفِطَارُهَا، وَانْشِقَاقُهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 يَحْيَى: عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: تُبَدَّلُ الأَرْضُ بِأَرْضٍ بَيْضَاءَ؛ كَأَنَّهَا فِضَّةٌ لَمْ يُعْمَلْ فِيهَا خَطِيئَةٌ، وَلَمْ يُسْفَكْ فِيهَا مِحْجَمَةُ دمٍ حرامٍ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 {وَترى الْمُجْرمين} الْمُشْرِكِينَ {يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} يَعْنِي: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 السلَاسِل (يقرن كل إِنْسَان (ل 168) وَشَيْطَانِهِ الَّذِي كَانَ قَرِينَهُ فِي الدُّنْيَا فِي سِلْسِلَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ محمدٌ: وَاحِدُ الأَصْفَادِ: صفدٌ) يُقَالُ: صَفَدْتُ الرَّجُلَ؛ إِذَا جَعَلْتُهُ فِي صفدٍ، وَأَصْفَدْتُهُ إِذَا أَعْطَيْتُهُ عَطَاءً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 {سرابيلهم من قطران} أَيْ: قُمُصُهُمْ، وَالْقَطِرَانُ: هُوَ الَّذِي يُطْلَى بِهِ الإِبْلُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: (سرابيلهم من قطران) أَيْ: مِنْ صفرٍ حَارٍّ قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ {وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} هُوَ كَقَوْلِهِ: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سوء الْعَذَاب} أَيْ: يُجَرُّ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 {لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كسبت} مَا عَمِلَتْ {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحساب}. يحيى: سَمِعْتُ بَعْضَ الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ: يُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي قَدْرِ نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 {هَذَا بَلَاغ للنَّاس} لِلْمُؤْمِنِينَ؛ يَعْنِي: الْقُرْآنَ يُبَلِّغُهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ {وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِد} لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ {وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَاب} وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 تَفْسِيرُ سُورَةِ الْحِجْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا سُورَة الْحجر من الْآيَة (1) إِلَى الْآيَة (8). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 قَوْلُهُ: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآن مُبين} بَين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسلمين}. يحيى: عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَقُولُ أَهْلُ النَّارِ لِمَنْ دَخَلَهَا مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ: قَدْ كَانَ هَؤُلاءِ مُسْلِمِينَ، فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ؟! قَالَ: فَيَغْضَبُ لَهُمْ رَبُّهُمْ فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 {ذرهم يَأْكُلُوا} يَعْنِي: الْمُشْركين، يَأْكُلُوا {ويتمتعوا} فِي الدُّنْيَا {ويلههم الأمل} الَّذِي يَأْمَلُونَ مِنَ الدُّنْيَا {فَسَوْفَ يعلمُونَ} يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَهَذَا وعيدٌ، وَكَانَ هَذَا قبل أَن يُؤمر بقتالهم، ثُمَّ أُمِرَ بِقِتَالِهِمْ، وَلا يَذَرُهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُقْتَلُوا؛ يَعْنِي: مُشْركي الْعَرَب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا وَلها كتاب مَعْلُوم} يَعْنِي: الْوَقْتَ الَّذِي يُهْلَكُونَ فِيهِ؛ يَعْنِي: مِنْ أُهْلِكَ مِنَ الْأُمَمِ السالفة بتكذيبهم رسلهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 {مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} يَعْنِي: الأُمَمَ الْخَالِيَةَ أَجَلُهَا وَقْتُ الْعَذَاب {وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 {وَقَالُوا يَا أَيهَا الَّذِي نزل عَلَيْهِ الذّكر} يَعْنِي: الْقُرْآن؛ فِيمَا تَدعِي {إِنَّك لمَجْنُون} يعنون: مُحَمَّدًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 {لَو مَا} أَي: لَوْلَا {تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ} حَتَّى تَشْهَدَ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ {إِن كنت من الصَّادِقين} فنصدقك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 قَالَ اللَّهُ: {مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ} حَتَّى تعاينونهم {إِلَّا بِالْحَقِّ} يَعْنِي: بِعَذَابِهِمْ وَاسْتِئْصَالِهِمْ {وَمَا كَانُوا إِذن منظرين} طَرْفَةَ عَيْنٍ بَعْدَ نُزُولِ الْمَلائِكَةِ. سُورَة الْحجر من الْآيَة (9) إِلَى الْآيَة (15). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} حَفِظَهُ اللَّهُ مِنْ إِبْلِيسَ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ شَيْئًا، أَوْ يَنْقُصَ مِنْهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شيع الْأَوَّلين} أَيْ: فِي قرنٍ؛ يَعْنِي: قَوْمَ نُوحٍ وَسَائِرَ الأُمَمِ {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رسولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يستهزئون} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 {كَذَلِك نسلكه} نَسْلُكُ التَّكْذِيبَ {فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ. قَالَ محمدٌ: تَقُولُ: سَلَكْتُ فُلانًا فِي الطَّرِيقِ وَأَسْلَكْتُهُ بِمَعْنى واحدٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 {لَا يُؤمنُونَ بِهِ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلين} يَعْنِي: وَقَائِعَ اللَّهِ فِي الأُمَمِ الْخَالِيَةِ الَّتِي أَهْلَكَهُمْ بِهَا - يُخَوِّفُ الْمُشْركين بذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاء فظلوا} أَي: سَارُوا {فِيهِ يعرجون} أَيْ: يَخْتَلِفُونَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، يَعْنِي: الْمَلَائِكَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 {لقالوا إِنَّمَا سكرت أبصارنا} أَيْ: سُدَّتْ {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مسحورون} كَقَوْلِهِ: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ويقولوا سحر مُسْتَمر}. قَالَ محمدٌ: مَنْ قَرَأَ (سُكِّرَتْ) بِالتَّثْقِيلِ، فَهُوَ مِنْ سَكَّرْتُ الْبَصَرَ إِذَا سَدَّدْتُهُ، وَيُقَالُ لِلسَّدِّ: السِّكْرُ. وَمَنْ قَرَأَ (سُكِرَتْ) مُخَفَّفَةً، فَالْمَعْنَى: تَحَيَّرَتْ أَبْصَارُنَا وَسَكَنَتْ عَنِ النَّظَرِ؛ تَقُولُ الْعَرَبُ: سُكِرَتِ الرِّيحُ تَسْكُرُ إِذا سكنت. سُورَة الْحجر من الْآيَة (16) إِلَى الْآيَة (25). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 (ل 169) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} يَعْنِي: نُجُومًا؛ فِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاس وَقَتَادَة {وزيناها} زينا السَّمَاء بالنجوم {للناظرين} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} مَلْعُونٍ رَجَمَهُ اللَّهُ بِاللَّعْنَةِ؛ فِي تَفْسِير الْحسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 {إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} فَإِنَّهَا لَمْ تُحْفَظْ مِنْهُ إِنْ تَسَمَّعَ الْخَبَرَ مِنْ أَخْبَارِ السَّمَاءِ، وَلا تَسْمَعُ مِنَ الْوَحْيِ شَيْئًا. {فَأَتْبَعَهُ شهَاب مُبين} مضيءٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 {وَالْأَرْض مددناها} يَعْنِي: بسطناها {وألقينا} أَي: جعلنَا {فِيهَا رواسي} وَهِيَ الْجِبَالَ {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كل شيءٍ مَوْزُون} أَيْ: مَقْدُورٍ بِقَدَرٍ؛ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ. قَالَ محمدٌ: مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ: أَيْ: جَرَى عَلَى وزنٍ مِنْ قَدَرٍ اللَّهِ لَا يُجَاوِزُ مَا قدره الله عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 {وَجَعَلنَا لكم فِيهَا} فِي الأَرْض {معايش} يَعْنِي: مَا أَخْرَجَ اللَّهُ لَهُمْ فِيهَا، وَمِمَّا عَمِلَ بَنُو آدَمَ {وَمن لَسْتُم لَهُ برازقين} أَيْ: جَعَلْنَا لَكُمْ، وَلِمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ فِيهَا مَعَايِشَ؛ يَعْنِي: الْبَهَائِمَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْخَلْقِ مِمَّنْ لَا يمونه بَنو آدم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 {وَإِنْ مِنْ شيءٍ إِلا عِنْدَنَا خزائنه} يَعْنِي: الْمَطَرَ؛ وَهَذِهِ الأَشْيَاءُ كُلُّهَا إِنَّمَا تعيش بالمطر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح} يَعْنِي: لِلسَّحَابِ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: أَنَّهَا تَضْرِبُ السَّحَابَ حَتَّى تُمْطِرَ، وَوَاحَدَةُ اللَّوَاقِحِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 مِنَ الرِّيَاحِ: لاقحٌ؛ بِمَعْنَى: أَنَّهَا ذَاتَ لُقْحٍ، كَقَوْلِهِ: {فِي عِيشَةٍ راضية} أَيْ: ذَاتِ رِضًا. {وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بخازنين} أَي: بحافظين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 {وَإِنَّا لنَحْنُ نحيي} أَيْ: نَخْلُقُ {وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} يَمُوتُ الْخَلْقُ، وَاللَّهُ الْوَارِثُ الْبَاقِي بعد خلقه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 {وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: يَعْنِي: آدَمَ، وَمَنْ مَضَى مِنْ ذُرِّيَّتِهِ {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} مَنْ بَقِيَ فِي أَصْلِبَةِ الرِّجَالِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 {وَإِن رَبك هُوَ يحشرهم} يَحْشُرُ الْخَلْقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {إِنَّهُ حَكِيمٌ} فِي أَمْرِهِ {عَلِيمٌ} بِخَلْقِهِ. سُورَة الْحجر من الْآيَة (26) إِلَى الْآيَة (31). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: التُّرَابَ الْيَابِسَ الَّذِي يُسْمَعُ لَهُ صلصلةٌ {مِنْ حمإ مسنون} يَعْنِي: الْمُتَغَيِّرَ الرَّائِحَةَ. قَالَ محمدٌ: الْحَمَأُ جَمْعُ: حَمْأَةٌ، وَيُقَالُ لِلْيَابِسِ مِنَ الطِّينِ الَّذِي لَمْ تُصِبْهُ نارٌ: صلصالٌ؛ فَإِذَا مَسَّتْهُ النَّارُ فَهُوَ فخار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 {والجان} يَعْنِي: إِبْلِيسَ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ {خلقناه مِنْ قَبْلُ} أَيْ: مِنْ قَبْلِ آدم {من نَار السمُوم} يَعْنِي: سَمُومَ جَهَنَّمَ. قَالَ محمدٌ: وَالسَّمُومُ مِنْ صِفَاتِ جَهَنَّمَ وَهُوَ شِدَّةُ حَرِّهَا، وَالْجَانَّ مَنْصُوبٌ بِفْعِلِ مضمرٍ؛ الْمَعْنَى: وَخَلَقْنَا الْجَانَّ خَلَقْنَاهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَن يكون مَعَ الساجدين} تَفْسِيرُ ابْنِ عباسٍ: " لَوْ لَمْ يَكُنْ إِبْلِيسُ مِنَ الْمَلائِكَةِ لَمْ يُؤمر بِالسُّجُود ". قَالَ الْحسن: أَمر بِاللَّه بِالسُّجُودِ كَمَا أَمَرَ الْمَلائِكَةَ؛ فَأَبَى أَنْ يَسْجُدَ مَعَهُمْ، وَكَانَ خَلْقُ إِبْلِيسَ مِنْ نارٍ، وَخَلْقُ الْمَلائِكَةِ مِنْ نورٍ. قَالَ محمدٌ: (إِلا إِبْلِيسَ) منصوبٌ بِاسْتِثْنَاءٍ لَيْسَ مِنَ الأَوَّلِ؛ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالمين} الْمَعْنَى: لَكِنَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ: إِنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلائِكَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ إِبْلِيسَ كَانَ اسْمُهُ: عَزَازِيلُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَمَّا لَعَنَهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ أَبْلَسَ مِنْ رَحْمَتِهِ؛ أَيْ: يَئِسَ؛ فَسَمَّاهُ: إِبْلِيس. سُورَة الْحجر من الْآيَة (32) إِلَى الْآيَة (44). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدّين} الْحِسَابِ؛ يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَيْهِ اللَّعْنَةُ أَيْضًا، يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَبَدًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 {قَالَ فَإنَّك من المنظرين} المؤخرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 {إِلَى يَوْم الْوَقْت الْمَعْلُوم} يَعْنِي: النَّفْخَةَ الأُولَى الَّتِي يَمُوتُ بِهَا كُلُّ حَيٍّ، وَأَرَادَ عَدَوُّ اللَّهِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إِلَى النَّفْخَةِ الآخِرَةِ الَّتِي يُبْعَثُ بِهَا الْخَلْقُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُم فِي الأَرْض} يُزَيِّنُ لَهُمُ الدُّنْيَا فِي أَمْرِهِمْ بِهَا، وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ لَا بَعْثَ وَلا حِسَابَ وَلا جَنَّةَ وَلا نَارَ؛ يُوسَوِسُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ} لأضلنهم {أَجْمَعِينَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 {إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين} الْمُوَحِّدين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} (ل 170) تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: يَعْنِي: أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْهَادِي لِمَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَان} أَيْ: لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُضِلَّ مَنْ هَدَى اللَّهُ {إِلا مَنِ اتبعك من الغاوين} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 {وَإِن جَهَنَّم لموعدهم أَجْمَعِينَ} يَعْنِي: الغاوين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 {لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب} بَعْضُهَا تَحْتَ بعضٍ مُطْبَقَةٌ؛ الْبَابُ الأَعْلَى جَهَنَّمُ، ثُمَّ سَقَرُ، ثُمَّ لَظَى، ثُمَّ الْحُطَمَةُ، ثُمَّ السَّعِيرُ، ثُمَّ الْجَحِيمُ، ثُمَّ الْهَاوِيَةُ، وَجَهَنَّمُ وَالنَّارُ يَقْدُمَانِ الأَسْمَاءَ {لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُم جُزْء مقسوم}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 سُورَة الْحجر من الْآيَة (45) إِلَى الْآيَة (48). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} الْعُيُون: الْأَنْهَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 {ادخلوها بِسَلام آمِنين} وَذَلِكَ حِينَ تَلْقَاهُمُ الْمَلائِكَةُ؛ تَقُولُ لَهُمْ: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدين} آمِنين من الْمَوْت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غل} يَعْنِي: مَا كَانَ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْحَسَدِ وَالضَّغَائِنِ {إِخْوَانًا على سرر مُتَقَابلين} قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا إِذَا زَارَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. قَالَ محمدٌ: {إِخْوَانًا} منصوبٌ على الْحَال. سُورَة الْحجر من الْآيَة (49) إِلَى الْآيَة (60). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيم} لَا أَغْفَرَ مِنْهُ وَلا أَرْحَمَ؛ يَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 ويرحمهم ويدخلهم الْجنَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 {وَأَن عَذَابي} يَعْنِي: النَّارَ {هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} الموجع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُم وجلون} أَيْ: خَائِفُونَ. قَالَ محمدٌ: (سَلامًا) منصوبٌ عَلَى الْمَصْدِرِ؛ كَأَنَّهُ قَالَ: فَسَلمُوا سَلاما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكبر} عَجِبَ مِنْ كِبَرِهِ وَكِبَرِ امْرَأَتِهِ {فَبِمَ تبشرون}. قَالَ محمدٌ: الأَصْل فِي (تُبَشِّرُونِ): تُبَشِّرُونَنِي؛ فَحُذِفَتْ أَحَدُ النُّونَيْنِ؛ لاسْتِثْقَالِ جَمْعِهِمَا هَذَا فِيمَنْ قَرَأَهَا بِكَسْر النُّون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ من القانتين} الآيسين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 {قَالَ فَمَا خطبكم} مَا أَمركُم؟. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 {إِلَّا آل لوط} يَعْنِي: أَهله الْمُؤمنِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 {إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} يَعْنِي: الْبَاقِينَ فِي عَذَابِ اللَّهِ. سُورَة الْحجر من الْآيَة (61) إِلَى الْآيَة (77). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 {فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ} يَعْنِي: الْمَلَائِكَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 {قَالَ} لوط {إِنَّكُم قوم منكرون} نكرهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 {قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يمترون} يَشُكُّونَ، مِنَ الْعَذَابِ؛ كَانُوا يَقُولُونَ: لَا نُعَذَّبُ؛ حِينَ كَانَ يُخَوِّفُهُمْ بِالْعَذَابِ إِن لم يُؤمنُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 {وأتيناك بِالْحَقِّ} يَعْنِي: بعذابهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بقطعٍ مِنَ اللَّيْلِ} أَيْ: فِي طائفةٍ مِنَ اللَّيْلِ؛ وَالسُّرَى لَا يَكُونُ إِلا لَيْلا. قَالَ محمدٌ: وَيُقَالُ مِنْهُ: أَسْرَى وسرى. {وَاتبع أدبارهم} أَيْ: كُنْ آخِرَهُمْ {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُم أحدٌ} لَا يَنْظُرُ وَرَاءَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 {وقضينا إِلَيْهِ ذَلِك الْأَمر} أَيْ: أَعْلَمْنَاهُ {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ} أصلهم {مَقْطُوع مصبحين}. قَالَ محمدٌ: (مصبحين) نصبٌ على الْحَال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 {وَجَاء أهل الْمَدِينَة يستبشرون} بِأَضْيَافِ لوطٍ؛ لِمَا يُرِيدُونَ مِنْ عَمَلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 السُّوءِ {قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلَا تفضحون} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 {قَالُوا أَو لم ننهك عَن الْعَالمين} أَيْ: أَنْ تُضِيفَ أَحَدًا وَلا تنزله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 {قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} أَمَرَهُمْ بِتَزْوِيجِ النِّسَاءِ {إِنْ كُنْتُمْ فاعلين} متزوجين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 {لعمرك} قسمٌ {إِنَّهُم لفي سكرتهم} يَعْنِي: ضلالتهم {يعمهون} يَتَحَيَّرُونَ. قَالَ محمدٌ: الْعَمْرُ وَالْعُمْرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ بِمَعْنَى واحدٍ؛ فَإِذَا اسْتُعْمِلَ فِي الْقَسَمِ فُتِحَ أَوَّلُهُ؛ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ لَهُ؛ لأَنَّ الْفَتْح أخف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 {فَأَخَذتهم الصَّيْحَة} قَالَ السُّدِّيُّ: صَيْحَةُ جِبْرِيلَ {مُشْرِقِينَ} حِين أشرقت الشَّمْس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 {فَجعلنَا عاليها سافلها} قد مضى تَفْسِيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي: لِلْمُتَفَرِّسِينَ. قَالَ محمدٌ: مَعْنَى التَّفَرُّسِ: الاسْتِدْلالُ بِصِحَّةِ النَّظَرِ؛ يُقَالُ: تَوَسَّمْتُ فِي فُلانٍ الْخَيْر، وتفرسته؛ أَي: تبينته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 {وَإِنَّهَا لبسبيل مُقيم} يَعْنِي: قَرْيَةَ قَوْمِ لُوطٍ؛ أَيْ: هِيَ طَرِيق وَاضح. سُورَة الْحجر من الْآيَة (78) إِلَى (84). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 {وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ} يَعْنِي: الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ شُعَيْبٌ وَالأَيْكَةُ كَانُوا أَصْحَابَ كَانَ عَامَّةَ ثمرهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 (ل 171) الْمُقْلُ؛ وَهُوَ الدَّوْمُ، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْحَرَّ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فَكَانَ لَا يَأْتِيهِمْ مِنْهُ شيءٌ، فَبَعَثَ الله عَلَيْهِم سَحَابَة فلجأوا تَحْتَهَا يَلْتَمِسُونَ الرَّوْحَ، فَجَعَلَهَا اللَّهُ نَارًا فَاضْطَرَمَتْ عَلَيْهِمْ. قَالَ محمدٌ: قَرَأَ نافعٌ: (الأيكة) وَكَذَلِكَ قَرَأَ الَّتِي فِي " قَافٍ " وَقَرَأَ الَّتِي فِي " الشُّعَرَاءِ " وَفِي " ص ": (لَيْكَةِ) بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلامٍ وَلَمْ يَصْرِفُهُمَا فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَقَالَ: وَجَدْنَا فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ: أَنَّ (لَيْكَةَ) اسْمُ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا، و (الأيكة): الْبِلَاد كلهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 {وإنهما لبإمام مُبين} يَقُولُ: وَإِنَّ مَنْزِلَ قَوْمِ لُوطٍ وَأَصْحَابِ الأَيْكَةِ لَبِطَرِيقٍ واضحٍ. قَالَ محمدٌ: قِيلَ لِلطَّرِيقِ: إِمَامٌ؛ لأَنَّهُ يُؤْتَمُّ بِهِ؛ أَيْ: يُهْتَدَى بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} يَعْنِي: ثَمُود قوم صَالح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 {وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنين}. قَالَ محمدٌ: الْحِجْرُ اسْمُ وادٍ، وأصل النحت: الْقطع والنجر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 سُورَة الْحجر من الْآيَة (85) إِلَى الْآيَة (94). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 {وَمَا خلقنَا السَّمَاوَات وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ} أَيْ: لِلْبَعْثِ {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} وَهَذَا منسوخٌ بِالْقِتَالِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: هِيَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ؛ وَهِيَ سَبْعُ آياتٍ؛ وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الْمَثَانِي؛ لأَنَّهُنَّ يُثَنَّيْنَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. قَالَ محمدٌ: قِيلَ: الْمَعْنَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مَثَانِيَ، وَتَكُونُ (مَنْ) صِلَةٍ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَاجْتَنِبُوا الرجس من الْأَوْثَان} الْمَعْنَى: اجْتَنِبُوا الأَوْثَانَ، لَا أَنَّ بَعْضهَا رجسٌ. {وَالْقُرْآن الْعَظِيم} أَي: وآتيناك الْقُرْآن الْعَظِيم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا متعنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُم} أَصْنَافًا؛ يَعْنِي: الأَغْنِيَاءَ؛ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِد {وَلَا تحزن عَلَيْهِم} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا {واخفض جناحك للْمُؤْمِنين} أَيْ: أَلِنْهُ لِمَنْ آمَنَ بِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} أَي: أنذر النَّاس النَّار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 (كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جعلُوا الْقُرْآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 عضين} قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ، يَعْنِي: أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ الَّذِي اقْتَسَمُوهُ، فَجَعَلُوهُ كُتُبًا بَعْدَ إِذْ كَانَ كِتَابًا، وَحَرَّفُوهُ فَجَعَلُوهُ كَالأَعْضَاءِ. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: آمَنُوا بِبَعْضِهِ، وَكَفَرُوا بِبَعْضِه، وَتقول الْعَرَب: عضيت الشئ؛ إِذَا وَزَّعْتَهُ، وَعَضَّيْتَ الذَّبِيحَةَ؛ إِذَا قَطَّعْتَهَا أَعْضَاءً، وَالْعِضَةُ: الْقِطْعَةُ مِنْهَا، وَالْجَمِيعُ: عِضُونٌ فِي حَالِ الرَّفْعِ، وَعِضِينَ فِي حَالِ النَّصْبِ وَالْخَفْضِ. قَالَ رُؤْبَةُ: - (وَلَيْسَ دِينَ اللَّهِ بالمعضى ... ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 قَوْلُهُ: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي: أَظْهِرْ مَا أمرت بِهِ. سُورَة الْحجر من الْآيَة (95) إِلَى الْآيَة (99). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 {إِنَّا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ} قَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمْ خَمْسَةٌ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ، وَعَدِيُّ بْنُ قَيْسٍ، وَالأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ، وَالأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} يَعْنِي بِقَوْلِهِمْ أَنَّكَ ساحرٌ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 وَإِنَّكَ شاعرٌ، وَإِنَّكَ كاهنٌ، وَإِنَّكَ مَجْنُونٌ، وَأَنَّكَ كاذبٌ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبك وَكن من الساجدين} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} يَعْنِي: الْمَوْتُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 تَفْسِيرُ سُورَةِ النَّحْلِ وَهِيَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى صَدْرِ هَذِهِ الآيَةِ: {وَالَّذين هَاجرُوا فِي الله} مكي، وسائرها مدنِي. سُورَة الْحجر من الْآيَة (1) إِلَى الْآيَة (8). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 قَوْلُهُ: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تستعجلوه} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: هَذَا جوابٌ مِنَ اللَّهِ لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ائْتِنَا بِعَذَابِ الله}، ولقولهم: {عجل لنا قطنا} وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ؛ فَقَالَ اللَّهُ: {أَتَى أَمر الله فَلَا تستعجلوه} أَيْ: أَنَّ الْعَذَابَ آتٍ قَرِيبٌ {سُبْحَانَهُ} ينزه نَفسه {وَتَعَالَى} ارْتَفع عَمَّا يَقُول الْمُشْركين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 مِنْ الْإِشْرَاك بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 {ينزل الْمَلَائِكَة بِالروحِ} (فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ) {مِنْ أَمْرِهِ} أَيْ: بِأَمْرِهِ. قَالَ محمدٌ: (سُمِّيَ (ل 172) الْوَحْيُ رُوحًا لأَنَّ بِهِ) حَيَاةً مِنَ الْجَهْلِ. {عَلَى مَنْ يَشَاءُ من عباده أَن أنذروا} بِأَنْ أَنْذِرُوا {أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنا فاتقون} أَن تعبدوا معي إِلَهًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 {خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} للبعث والحساب، وَالْجنَّة وَالنَّار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 {خلق الْإِنْسَان من نُطْفَة} يَعْنِي: الْمُشْرِكَ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ {فَإِذا هُوَ خصيم مُبين} بَين الْخُصُومَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 {والأنعام خلقهَا لكم} يَعْنِي: الإِبْلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ. قَالَ محمدٌ: نَصْبُ (الأَنْعَامِ) عَلَى فِعْلٍ مُضْمَرٍ؛ الْمَعْنَى: وَخَلَقَ الأَنْعَامَ لَكُمْ. {فِيهَا دفء} يَعْنِي: مَا يَصْنَعُ مِنَ الْكِسْوَةِ مِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا وَمَنَافِعَ فِي ظُهُورِهَا؛ هَذِهِ الإِبْلُ وَالْبَقَرُ وَأَلْبَانُهَا فِي جَمَاعَتِهَا. {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ} أَيْ: حِينَ تَرُوحُ عَلَيْكُمْ رَاجِعَةً من الرَّعْي {وَحين تسرحون} بِهَا إِلَى الرَّعْيِ؛ هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ. قَالَ محمدٌ: رَاحَتِ الْمَاشِيَةُ وَأَرَحْتُهَا، وَسَرَحَتْ وَسَرَّحْتُهَا؛ الرَّوَاحُ: بِالْعَشِيِّ، وَالسُّرُوحُ: بِالْغُدُوِّ. وَمَعْنَى (لَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ) أَيْ: إِذَا قِيلَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 هَذَا مَال فلَان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 {وَتحمل أثقالكم} يَعْنِي: الإِبْلَ وَالْبَقَرَ {إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الْأَنْفس} يَقُولُ: لَوْلا أَنَّهَا تَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى الْبَلَدِ الَّذِي تُرِيدُونَهُ، لمْ تَكُونُوا بِالِغِي ذَلِكَ الْبَلَدِ إِلا بِمَشَقَّةٍ عَلَى أُنْفُسِكُمْ {إِنَّ رَبَّكُمْ لرءوف رَحِيم} يَقُولُ: فَبِرَأْفَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ سَخَّرَ لَكُمْ هَذِهِ الأَنْعَامَ، وَهِيَ لِلْكَافِرِ رَحْمَةُ الدُّنْيَا لِيَرْزُقَهُ فِيهَا مِنَ النعم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 {وَالْخَيْل} يَقُولُ: وَخَلَقَ الْخَيْلَ {وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لتركبوها وزينة} فِي رُكُوبِهَا؛ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: خَلَقَهَا اللَّهُ لِلْرُكُوبِ وَلِلْزِينَةِ {وَيَخْلُقُ مَا لَا تعلمُونَ} مِنَ الأَشْيَاءِ كُلِّهَا مِمَّا لمْ يذكر لكم. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (9) إِلَى الْآيَة (13) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 {وعَلى الله قصد السَّبِيل} يَعْنِي: طَرِيقَ الْهُدَى؛ كَقَوْلِهِ: {إِنَّ علينا للهدى} {وَمِنْهَا} أَيْ: وَعَنْهَا؛ يَعْنِي: السَّبِيلَ {جَائِرٌ} وَهُوَ الْكَافِرُ جَارَ عَنْ سَبِيلِ الْهدى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 {وَمِنْه شجر فِيهِ تسيمون} أَيْ: تَرْعَوْنَ أَنْعَامَكُمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 قَالَ محمدٌ: تَقُولُ: أَسَمْتُ مَاشِيَتِي فسامت؛ أَي: رعيتها فرعت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 {ينْبت لكم بِهِ} أَيْ: بِذَلِكَ الْمَاءِ {الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ} الآيَةَ، يَقُولُ: فَالَّذِي يُنْبِتُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ الْوَاحِدِ هَذِهِ الأَلْوَانَ الْمُخْتَلِفَةَ قادرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْأَمْوَات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 {وَمَا ذَرأ لكم} خَلَقَ {فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: يَعْنِي: مِنَ الدَّوَابِّ وَالشَّجر وَالثِّمَار. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (14) إِلَى الْآيَة (20). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 {وَهُوَ الَّذِي سخر الْبَحْر} أَيْ: خَلَقَ {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طريا} يَعْنِي: الْحِيتَانَ {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تلبسونها} يَعْنِي: اللُّؤْلُؤ {وَترى الْفلك} السفن {مواخر فِيهِ} يَعْنِي: شَقَّهَا الْمَاءَ فِي وَقْتِ جَرْيِهَا. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: مَخَرَتِ السَّفِينَةُ الْمَاءَ؛ إِذَا شَقَّتْهُ. {وَلِتَبْتَغُوا من فَضله} يَعْنِي: طَلَبَ التِّجَارَةِ فِي السُّفُنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 {وَألقى فِي الأَرْض رواسي} يَعْنِي: الْجِبَالَ {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} لِئَلا تَمِيدَ؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 أَي: تتحرك {وأنهارا} أَيْ: وَجَعَلَ فِيهَا أَنْهَارًا {وَسُبُلا} طرقاً {لَعَلَّكُمْ تهتدون} لكَي تهتدوا الطّرق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 {وعلامات} جَعَلَهَا فِي الطُّرُقِ تَعْرِفُونَهَا بِهَا {وبالنجم هم يَهْتَدُونَ} يَعْنِي: جَمَاعَةَ النُّجُومِ الَّتِي يَهْتَدَى بهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 {أَفَمَن يخلق} يَعْنِي: نَفْسَهُ {كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} يَعْنِي: الأَوْثَانَ هَلْ يَسْتَوِيَانِ؟ أَيْ: لَا يَسْتَوِي اللَّهُ وَالأَوْثَانُ {أَفَلا تذكرُونَ} يَقُوله للْمُشْرِكين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 {وَالَّذين تدعون من دون الله} يَعْنِي: الأَوْثَانَ {لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وهم يخلقون} أَي: يصنعون بِالْأَيْدِي. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (21) إِلَى الْآيَة (25). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يبعثون} مَتَى يُبْعَثُونَ. قَالَ قَتَادَةُ: تُحْشَرُ الأَوْثَانُ بِأَعْيَانِهَا؛ فَتُخَاصِمُ عَابِدِيهَا عِنْدَ اللَّهِ؛ أَنَّهَا لمْ تَدْعُهُمْ إِلَى عِبَادَتِهَا، وَإِنَّمَا كَانَ دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِك الشَّيَاطِين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 {وَإِذا قيل لَهُم} إِذَا قَالَ الْمُؤْمِنُونَ لِلْمُشْرِكِينَ: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} أَيْ: كَذِبُ الأَوَّلِينَ وَبَاطِلِهِمْ؛ وَارْتَفَعَتْ لأَنَّهَا حِكَايَةٌ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 مَعْنَى قَالُوا: إِنَّهُ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 {ليحملوا أوزارهم} أَيْ: آثَامَهُمْ {كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} يَعْنِي الَّذِينَ قَالُوا: أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (ل 173) {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} أَيْ: بِئْسَ مَا يَحْمِلُونَ. يحيى: عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّمَا داعٍ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ عَلَيْهِ، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ، وَلا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَأَيُّمَا داعٍ دَعَا إِلَى ضلالةٍ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا فَعَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِك من أوزارهم شَيْئا ". سُورَة النَّحْل من الْآيَة (26) إِلَى الْآيَة (29). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} يَعْنِي: الَّذِينَ أَهْلَكَ بِالرَّجْفَةِ مِنَ الأُمَمِ السَّالِفَةِ رَجَفَتْ بِهِمُ الأَرْضُ {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} سَقَطت سقوف مَنَازِلهمْ عَلَيْهِم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 {وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تشاقون فيهم} أَيْ: تُعَادُونَ فِيهِمْ، وَعَدَاوَتُهُمْ لِلَّهِ: عِبَادَتُهُمُ الأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ، وَمَعْنَى (شركائي) أَيْ: الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ شُرَكَائِي. {قَالَ الَّذين أُوتُوا الْعلم} وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ {إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسوء} يَعْنِي: الْعَذَابَ عَلَى الْكَافِرِينَ؛ وَهَذَا الْكَلَام يَوْم الْقِيَامَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: وفاةٌ إِلَى النَّارِ؛ أَي: حشرٌ {فَألْقوا السّلم} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: أُعْطَوُا الإِسْلامَ وَاسْتَسْلَمُوا؛ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ {مَا كُنَّا نعمل من سوء} قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ فِي الْقِيَامَةِ مَوَاطِنَ، فَمِنْهَا مَوْطِنٌ يُقِرُّونَ فِيهِ بِأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ، وَمِنْهَا مَوْطِنٌ يُنْكِرُونَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَوْطِنٌ يَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، وَتَتَكَّلَمُ أَيْدِيهِمْ، وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يعْملُونَ. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (30) إِلَى الْآيَة (32). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ ربكُم قَالُوا خيرا} أَيْ أَنْزَلَ خَيْرًا. ثُمَّ انْقَطَعَ الْكَلامُ، ثُمَّ قَالَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا} آمَنُوا {فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} الْجنَّة {ولدار الْآخِرَة خير} مِنَ الدُّنْيَا {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 {جنَّات عدن يدْخلُونَهَا}. قَالَ محمدٌ: (جنَّات عدنٍ) مرفوعةٌ بإضمار (هِيَ). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 {الَّذين تتوفاهم الْمَلَائِكَة} تقبض أَرْوَاحهم {طيبين} يَعْنِي: أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا {يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. يحيى: عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ تَأْتِي وَلِيَّ اللَّهِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَتَقُولُ: السَّلامُ عَلْيَكَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ، اللَّهُ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامُ. وَتُبَشِّرُهُ بِالْجَنَّةِ. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (33) إِلَى الْآيَة (37). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَقُولُ: هَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ بِعَذَابِهِمْ؛ يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ، أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ؛ يَعْنِي: النَّفْخَةَ الأُولَى الَّتِي يَهْلِكُ بِهَا آخِرَ كُفَّارِ هَذِهِ الأُمَّةِ الدَّائِنِينَ بِدِينِ أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ قَبْلَ عَذَابِ الآخِرَةِ. قَالَ: {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قبلهم} أَيْ: كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} يَعْنِي: النَّفْخَةَ الأُولَى؛ كَمَا كَذَّبَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، فَأَهْلَكْنَاهُمُ بِالْعَذَابِ ... الْآيَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 {فَأَصَابَهُمْ سيئات مَا عمِلُوا} ثَوَابَ مَا عَمِلُوا {وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون} أَيْ: ثَوَابُ مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون بآيَات الله وبالرسل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 {وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْء} وَهُوَ مَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ؛ فَقَالَ اللَّهُ جَوَابًا لِقَوْلِهِمْ: {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا} يَعْنِي. مِمَّنْ أُهْلِكَ بِالْعَذَابِ {أَنِ اعبدوا الله وَاجْتَنبُوا الطاغوت} وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ؛ هُوَ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ {فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة المكذبين} كَانَ عاقبتهم أَن دمر الله عَلَيْهِم، ثمَّ صيرهم إِلَى النَّار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} كَقَوْلِهِ: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادي لَهُ}. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (38) إِلَى الْآيَة (42). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يبْعَث الله من يَمُوت} قَالَ: {بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} ليبعثهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 قَالَ محمدٌ: (وَعدا) مَصْدَرٌ؛ وَالْمَعْنَى: وَعَدَ بِالْبَعْثِ وَعْدًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} أَيْ: مَا كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِي الدُّنْيَا؛ يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} فِي قَوْلِهِمْ فِي الدُّنْيَا: {لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نقُول لَهُ} قبل أَن يكون (ل 174) {كن فَيكون}. قَالَ محمدٌ: (فَيكون) بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى: فَهُوَ يَكُونُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 {وَالَّذين هَاجرُوا فِي الله} إِلَى الْمَدِينَةِ {مِنْ بَعْدِ مَا ظلمُوا} مِنْ بَعْدِ مَا ظَلَمَهُمُ الْمُشْرِكُونَ {وأخرجوا دِيَارِهِمْ} مِنْ مَكَّةَ {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَة} يَعْنِي: الْمَدِينَةَ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ {ولأجر الْآخِرَة} الْجنَّة {أكبر} مِنَ الدُّنْيَا {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} لَعَلِمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ خيرٌ مِنَ الدُّنْيَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} قَالَ الْحَسَنُ: وَهُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظلمُوا. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (43) إِلَى الْآيَة (50). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذّكر} يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ {إِنْ كُنْتُمْ لَا تعلمُونَ} وَأَهْلُ الذِّكْرِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ، وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا؛ فِي تَفْسِير السّديّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 {بِالْبَيِّنَاتِ والزبر} يَعْنِي: الْكُتُبَ. قَالَ يحيى: فِيهَا تقديمٌ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِم. {وأنزلنا إِلَيْك الذّكر} الْقُرْآن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 {أفأمن الَّذين مكروا السَّيِّئَات} يَعْنِي: الشِّرْكَ {أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذهُمْ فِي تقلبهم} أَيْ: فِي أَسْفَارِهِمْ فِي غَيْرِ قَرَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 {فَمَا هم بمعجزين} بسابقين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 {أَو يَأْخُذهُمْ على تخوف} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: يَعْنِي: عَلَى تَنَقُّصٍ؛ أَيْ: يَبْتَلِيهِمْ بِالْجَهْدِ حَتَّى يَرْقَوْا وَيَقِلَّ عَدَدُهُمْ. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: تَخَوَّفَتْهُ الدُّهُورُ؛ أَيْ: تَنَقَّصَتْهُ. قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ - يَصِفُ نَاقَةً - وَأَنَّ السَّيْرَ نَقْصَ سَنَامَهَا بَعْدَ تَمَكُّنِهِ وَاكْتِنَازِهِ: (تَخَوُّفَ السَّيْرُ مِنْهَا ثَامِكًا قَرِدًا ... كَمَا تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 النَّبْعُ: الْعُودُ الَّذِي يُعْمَلُ مِنْهُ السِّهَامُ وَالْقِسِيُّ. قَوْلُهُ: {فَإِنَّ رَبَّكُمْ لرءوف رَحِيم} أَي: إِن تَابُوا وَأَصْلحُوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 {أَو لم يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ من شَيْء يتفيؤ} أَي: يرجع {ظلاله} يَعْنِي: ظِلَّ كُلِّ شَيْءٍ {عَنِ الْيَمين وَالشَّمَائِل} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: رُبَّمَا كَانَ الْفَيْءُ عَنِ الْيَمِينِ، وَرُبَّمَا كَانَ عَنِ الشِّمَالِ {سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} صَاغِرُونَ. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: دَخِرَ لله؛ أَي: خضع، و (سجدا) منصوبٌ على الْحَال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 {وَللَّه يسْجد مَا فِي السَّمَاوَات} يَعْنِي: الْمَلائِكَةَ {وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ؛ يَعْنِي: الْمَلائِكَةَ. قَالَ محمدٌ: قيل فِي قَوْله: (وَالْمَلَائِكَة) أَي: تسْجد مَلَائِكَة الأَرْض. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (51) إِلَى الْآيَة (56). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ} أَيْ: لَا تَعْبُدُوا مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ {إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فإياي فارهبون} فخافون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 {وَله الدّين واصبا} أَيْ: دَائِمًا {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ} تَعْبُدُونَ؛ يَقُولُ هَذَا لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: قَدْ فَعَلْتُمْ، فَعَبَدْتُمُ الْأَوْثَان من دونه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ} الْمَرَض والشدائد {فإليه تجأرون} تَصْرُخُونَ؛ أَيْ: تَدْعُونَهُ وَلا تَدْعُوا الْأَوْثَان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 {ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ليكفروا بِمَا آتَيْنَاهُم فتمتعوا} فِي الدُّنْيَا {فَسَوف تعلمُونَ} هَذَا وعيدٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا} يَعْنِي: آلِهَتَهُمْ؛ أَيْ: يَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَلَقَ مَعَ اللَّهِ شَيْئًا، وَلا أَمَاتَ وَلا أَحْيَا وَلا رَزَقَ مَعَهُ شَيْئًا {نَصِيبا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} يَعْنِي: قَوْلَهُ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لشركائنا} قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {تَاللَّهِ} قسمٌ يقسم بِنَفسِهِ {لتسئلن عَمَّا كُنْتُم تفترون}. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: تُسْأَلُونَ عَنْ ذَلِكَ - سُؤَالَ تَوْبِيخٍ - حَتَّى تَعْتَرِفُوا بِهِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَتُلْزِمُوا أَنْفُسَكُمُ الْحجَّة. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (57) إِلَى الْآيَة (61). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 {ويجعلون لله الْبَنَات} كَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ بَنَاتُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 الله. قَالَ الله: {سُبْحَانَهُ} يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا قَالُوا {وَلَهُمْ مَا يشتهون} أَيْ: وَيَجْعَلُونَ لأَنْفُسِهِمْ مَا يَشْتَهُونَ؛ يَعْنِي: الغلمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجهه مسودا} أَي: متغيراً {وَهُوَ كظيم} أَيْ: كظيمٌ عَلَى الْغَيْظِ وَالْحُزْنِ. (ل 175) قَالَ محمدٌ: وَأَصْلُ الْكَظْمِ: الْحَبْسُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} يَقُولُ: يَتَفَكَّرُ كَيْفَ يَصْنَعُ بِمَا بُشِّرَ بِهِ؛ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هوانٍ - يَعْنِي: الابْنَةَ - أَمْ يَدْفِنُهَا حَيَّةً حَتَّى تَمُوتَ مَخَافَةَ الْفَاقَةِ {أَلا سَاءَ} بئس {مَا يحكمون} وَهَذَا مثلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ: الْمَلائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 ثُمَّ قَالَ: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} يَقُولُ: وَلِلَّهِ الإِخْلاصُ وَالتَّوْحِيدُ؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} أَيْ: لَحَبَسَ الْمَطَرَ؛ فَأَهْلَكَ حَيَوَانَ الأَرْض {وَلَكِن يؤخرهم} يُؤَخِّرُ الْمُشْرِكِينَ {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} إِلَى السَّاعَةِ؛ لأَنَّ كُفَّارَ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ أَخَّرَ عَذَابَهَا بِالاسْتِئْصَالِ إِلَى النَّفْخَةِ الأُولَى {فَإِذَا جَاءَ أَجلهم} بِعَذَاب الله {لَا يَسْتَأْخِرُونَ} عَنهُ عَن الْعَذَاب، الْآيَة سُورَة النَّحْل من الْآيَة (62) إِلَى الْآيَة (67). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 {ويجعلون لله مَا يكْرهُونَ} يَجْعَلُونَ لَهُ الْبَنَاتِ، وَيَكْرَهُونَهَا لأَنْفُسِهِمْ {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحسنى} يَعْنِي: الْبَنِينَ؛ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ {لَا جرم} كَلِمَةُ وَعِيدٍ؛ وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُهَا {أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} قَرَأَهَا الْحَسَنُ بِتَسْكِينِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ - وَكَأَنَّ تَفْسِيرَهَا: مُعْجَلُونَ إِلَى النَّارِ، وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ (مُفَرَّطُونَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ؛ وَصَفَهُمْ بِالتَّفْرِيطِ. قَالَ محمدٌ: وَقِرَاءَةُ نَافِعٍ {مُفْرَطُونَ} بِتَسْكِينِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ؛ وَهُوَ مِنَ الإِفْرَاطِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهدى وَرَحْمَة} يَقُولُ: فِيهِ هُدًى وَرَحْمَةٌ {لِقَوْمٍ يُؤمنُونَ}. قَالَ محمدٌ: مَنْ قَرَأَ (وَرَحْمَةً) بِالنَّصْبِ، فَالْمَعْنَى: مَا أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْكَ إِلَّا للْبَيَان وَالْهِدَايَة وَالرَّحْمَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} يَعْنِي: الأَرْضَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ؛ فَيُحْيِيهَا بِالْمَطَرِ؛ فَتَنْبُتَ بَعْدَ إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نباتٌ {إِنَّ فِي ذَلِك لآيَة لقوم يسمعُونَ} فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي أَحْيَا هَذِهِ الأَرْضَ الْمَيْتَةَ حَتَّى أَنْبَتَتْ - قادرٌ على أَن يحيي الْمَوْتَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سائغا للشاربين} يَقُولُ: فِي هَذَا اللَّبَنِ الَّذِي أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ بَيْنَ فَرْثٍ وَدَمٍ آيَةٌ لقومٍ يَعْقِلُونَ؛ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي أَخْرَجَهُ قادرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: سَقَيْتُهُ وَأَسْقَيْتُهُ بِمَعْنَى واحدٍ. (وَالأَنْعَامُ) لَفْظُهُ لَفْظُ جَمِيعٍ، وَهُوَ اسْمُ الْجِنْسِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَالْفَرْثُ: مَا فِي الْكِرْشِ، وَالسَّائِغُ: السَّهْلُ فِي الشّرْب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا وَرِزْقًا حسنا} أَيْ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ مَا تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا. تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: السَّكَرُ: الْخَمْرُ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، وَالرِّزْقُ الْحسن: الطَّعَام. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (68) إِلَى الْآيَة (74). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 {وَأوحى رَبك إِلَى النَّحْل} أَيْ: أَلْهَمَهَا {وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} أَي: يبنون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 {فاسلكي سبل رَبك} يَعْنِي: طُرُقَ رَبِّكِ الَّتِي جَعَلَ لَك {ذللا} قَالَ مجاهدٌ: يَعْنِي: ذَلَّلْتُ لَهَا السُّبُلَ لَا يَتَوَعَّرُ عَلَيْهَا مَكَانٌ {يخرج من بطونها شراب} يَعْنِي: الْعَسَلَ {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء للنَّاس} أَي: دواءٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمر لكيلا يعلم بعد علم شَيْئا} يَقُولُ: يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الطِّفْلِ الَّذِي لَا يعقل شَيْئا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} الآيَةَ، يَقُولُ: هَلْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَكُونُ هُوَ وَمَمْلُوكُهُ وَأَهْلُهُ وَمَالُهُ شُرَكَاءَ سَوَاءً؛ أَيْ: أَنَّكُمْ لَا تَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِمَمْلُوكِيكُمْ؛ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَلا يُشْرَكَ بِهِ أحدٌ مِنْ خَلْقِهِ. {أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} عَلَى الاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: قَدْ فَعَلُوا ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} يَعْنِي: نِسَاءً {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أزواجكم بَنِينَ وحفدة} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: الْحَفَدَةُ: الْخَدَمُ؛ يَعْنِي: بِذَلِكَ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ؛ يُقَالُ: إِنَّهُمْ بَنُونَ وَخَدَمٌ. قَالَ محمدٌ: وَأَصْلُ الْحَفَدِ: الْخِدْمَةُ وَالْعَمَلُ، وَمِنْهُ يُقَال فِي الْقُنُوت: (ل 176) " وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ " أَيْ: نَعْمَلُ بطاعتك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 {أفبالباطل يُؤمنُونَ} عَلَى الاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: قَدْ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ، وَالْبَاطُلُ: إِبْلِيسُ {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هم يكفرون} هُوَ كَقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض شَيْئا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ} يَعْنِي: الأَوْثَانَ الَّتِي يَعْبُدُونَ؛ هُوَ كَقَوْلِه: {وَلَا يملكُونَ لأَنْفُسِهِمْ} يَعْنِي: الأَوْثَانَ {ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلَا نشورا}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 {فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال} فَتُشَبِّهُوا هَذِهِ الأَوْثَانَ الْمَيْتَةَ الَّتِي لَا تُحْيِي وَلا تُمِيتُ وَلا تَرْزُقُ بِاللِّهِ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ويرزق، وَيفْعل مَا يُرِيد. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (75) إِلَى الْآيَة (76). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يقدر على شَيْء} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: هَذَا مَثَلُ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْكَافِرِ؛ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالا فَلَمْ يُقَدِّمْ مِنْهُ خَيْرًا، وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِطَاعَةٍ {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ} وَهَذَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ أَعْطَاهُ اللَّهُ رِزْقًا حَلالا طَيِّبًا، فَعَمِلَ فِيهِ بِطَاعَتِهِ وَأَخَذَهُ بشكرٍ {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مثلا} أَيْ: أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وهم الْمُشْركُونَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أبكم} أَيْ: لَا يَتَكَلَّمُ؛ يَعْنِي: الْوَثَنَ {لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كلٍّ على مَوْلَاهُ} عَلَى وَلِيِّهِ الَّذِي يَتَوَلاهُ وَيَعْبُدُهُ؛ أَيْ: أَنَّهُ عَمِلَهُ بِيَدِهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ كَسبه {أَيْنَمَا يوجهه} هَذَا الْعَابِدُ لَهُ؛ يَعْنِي: دُعَاءَهُ إِيَّاهُ {لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي} هَذَا الْوَثَنُ {وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} وَهُوَ اللَّهُ {وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم} هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {إِنَّ رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم}. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (77) إِلَى الْآيَة (80). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 {وَللَّه غيب السَّمَوَات وَالْأَرْض} أَيْ: يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَغَيْبَ الأَرْضِ {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} بَلْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْ لَمْحِ الْبَصَرِ، وَلَمْحُ الْبَصَرِ أَنَّهُ يَلْمَحُ السَّمَاء؛ وَهِي على مسيرَة خَمْسمِائَة عَامٍ. قَالَ محمدٌ: قِيلَ: إِنَّ السَّاعَةَ اسمٌ لإِمَاتَةِ الْخَلْقِ وَإِحْيَائِهِمْ؛ فَأَعْلَمَ جَلَّ وَعَزَّ أَنَّ الْبَعْثَ وَالإِحْيَاءَ فِي سُرْعَةِ الْقُدْرَةِ عَلَى الإِتْيَانِ بِهِمَا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ؛ لَيْسَ يُرِيدُ أَنَّ السَّاعَةَ تَأْتِي فِي أَقْرَبِ مِنْ لمح الْبَصَر، وَالله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جو السَّمَاء} كَبَدِ السَّمَاءِ (مَا يُمْسِكُهُنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 إِلَّا الله} يُبَيِّنُ قُدْرَتَهُ لِلْمُشْرِكِينَ؛ يَقُولُ: هَلْ تصنع آلِهَتكُم شَيْئا؟! الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سكناً} {تَسْكُنُونَ فِيهِ} (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُود الْأَنْعَام} يَعْنِي: مِنَ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ {بُيُوتًا تستخفونها يَوْم ظعنكم} يَعْنِي: فِي سَفَرِكُمْ {وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} يَعْنِي: قَرَارَكُمْ فِي غَيْرِ سَفَرٍ {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا} قَالَ الأَعْمَشُ: الأَثَاثُ: الْمَالُ يُسْتَمْتَعُ بِهِ {إِلَى حِين} إِلَى الْمَوْتِ. قَالَ محمدٌ: وَوَاحِدُ الأَثَاثِ: أثاثةٌ؛ يُقَالُ: قَدْ أَثَّ الرَّجُلُ يَئِثُّ أَثًّا؛ إِذَا صَارَ ذَا أثاثٍ، وَالأَثَاثُ: مَتَاعُ الْبَيْتِ؛ عِنْد أهل اللُّغَة. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (81) إِلَى الْآيَة (85). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظلالاً} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: مِنَ الشَّجَرِ وَغَيْرِهَا {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أكناناً} يَعْنِي: الْغِيرَانَ الَّتِي تُكُونُ فِي الْجِبَالِ تُكِنُّ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} يَعْنِي: مِنَ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 وَالصُّوف {وسرابيل تقيكم بأسكم} يَعْنِي: دُرُوعَ الْحَدِيدِ تَقِي الْقِتَالَ. {كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تسلمون} لِكَيْ تُسْلِمُوا؛ يَقُولُ: إِنْ أَسْلَمْتُمْ تَمَّتْ عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ بِالْجَنَّةِ، وَإِنْ لَمْ تُسْلِمُوا لمْ تَتِمَّ عَلَيْكُمُ النِّعْمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبين} أَيْ: لَيْسَ عَلَيْكَ أَنْ تَهْدِيَهُمْ، وَكَانَ هَذَا قبل أَن يُؤمر بقتالهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 {يعْرفُونَ نعْمَة الله ثمَّ يُنْكِرُونَهَا} يَقُولُ: يَعْرِفُونَ وَيُقِرُّونَ أَنَّ اللَّهَ خلقهمْ، وَخلق السَّمَوَات وَالأَرْضَ، وَأَنَّهُ هُوَ الرَّزَّاقُ، ثُمَّ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ بِتَكْذِيبِهِمْ {وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} يَعْنِي: جَمَاعَتهمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدا} يَعْنِي: نبياًّ يشْهد عَلَيْهِم (ل 177) أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَهُمْ {ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يستعتبون} هِيَ مَوَاطِنٌ: لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي مَوْطِنٍ فِي الْكَلامِ، وَيُؤْذَنُ لَهُم فِي موطن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ} أَيْ: دَخَلُوا فِيهِ؛ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ} الْعَذَابُ {وَلا هم ينظرُونَ} سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ، فَيَرُدَّهُمْ إِلَى الدُّنْيَا حَتَّى يَتُوبُوا؛ فَلَمْ يؤخرهم. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (86) إِلَى الْآيَة (89). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ} يَعْنِي: شَيَاطِينَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يُضِلُّونَهُمْ فِي الدُّنْيَا {قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونك} قَالُوا هَذَا؛ لأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ {فَأَلْقَوْا إِلَيْهِم القَوْل} أَلْقَى بَنُو آدَمَ إِلَى شَيَاطِينِهِمُ الْقَوْلَ؛ أَيْ: حَدَّثُوهُمْ؛ فَقَالُوا لَهُمْ: {إِنَّكُم لَكَاذِبُونَ} أَي: أَنكُمْ كذبتمونا فِي الدُّنْيَا وغررتمونا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 {وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ} أَيْ: اسْتَسْلَمُوا وَآمَنُوا بِاللَّهِ، وَكَفَرُوا بِالشَّيَاطِينِ وَالأَوْثَانِ {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} تَفْسِيرُ ابْنِ مَسْعُودٍ: حَيَّاتٍ وَعَقَارِبَ لَهَا أَنْيَابٌ مِثْلَ النَّخْلِ الطُّوَالِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدا عَلَيْهِم من أنفسهم} يَعْنِي: نَبِيَّهُمْ؛ هُوَ شَاهِدٌ عَلَيْهِمْ {وَجِئْنَا بك} يَا مُحَمَّدُ {شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ} يَعْنِي: أُمَّتَهُ {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تبياناً لكل شيءٍ} يَعْنِي: مَا بَيَّنَ فِيهِ مِنَ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ، وَكُلِّ مَا أَنْزَلَ الله فِيهِ. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (90) إِلَى الْآيَة (92). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وإيتاء ذِي الْقُرْبَى} يَعْنِي: حَقَّ الْقَرَابَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 قَالَ الْحَسَنُ: حَقُّ الرَّحِمِ أَلا تَحْرِمَهَا وَلا تَهْجُرَهَا {وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالْبَغي} أَيْ: يَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. يحيى: عَنْ خِدَاشٍ، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ ذنبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجَّلَ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِم ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} يَعْنِي: تشديدها وتغليظها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا من بعد قُوَّة أنكاثا} يَنْهَاهُمْ عَنْ نَكْثِ الْعَهْدِ؛ يَقُولُ: فَيَكُونُ مَثْلُكُمْ إِنْ نَكَثْتُمُ الْعَهْدَ مَثْلَ الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ مَا أَبْرَمَتْهُ، وَالْمَرْأَةُ الَّتِي ضُرِبَتْ مَثَلا كَانَتْ تَغْزِلُ الشَّعْرَ؛ فَإِذَا غَزَلَتْهُ نَقَضَتْهُ، ثُمَّ عَادَتْ فغزلته. قَالَ محمدٌ: (أنكاثاً) منصوبٌ؛ لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَوَاحِدُ الأَنْكَاثِ: نكثٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 {دخلا بَيْنكُم} أَيْ: خِيَانَةً وَغَدْرًا {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} أَيْ: أَكْثَرُ؛ يَقُولُ: فَتَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ لقومٍ هُمْ أَكْثَرُ مِنْ قومٍ. قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا يُحَالِفُونَ قَوْمًا فَيَجِدُونَ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَعَزَّ، فَيَنْقُضُوا حِلْفَ هَؤُلاءِ وَيُحَالِفُونَ الَّذِينَ هُمْ أَعَزُّ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ. {إِنَّمَا يبلوكم الله بِهِ} أَي: يختبركم {وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ} يَوْمَ الْقِيَامَةِ {مَا كُنْتُم فِيهِ تختلفون} من الْكفْر وَالْإِيمَان. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (93) إِلَى الْآيَة (100). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَة} يَعْنِي: على مِلَّة الْإِسْلَام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَقُولُ: لَا تَصْنَعُوا كَمَا صَنَعَ الْمُنَافِقُونَ، فَتُظْهِرُوا الإِيمَانَ وَتُسِرُّوا الشِّرْكَ {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتهَا} تَزِلَّ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ مَا كَانَت على الْإِيمَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 {وَلَا تشتروا بِعَهْد الله} يَعْنِي الْيَمِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 الكاذبة {ثمنا قَلِيلا} من الدُّنْيَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 {فلنحيينه حَيَاة طيبَة} تَفْسِيرُ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: يَعْنِي: القناعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 {فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن} الآيَةَ قَالَ الْحَسَنُ: نَزَلَتْ فِي الصَّلاةِ، ثُمَّ صَارَتْ سُنَّةً فِي غَيْرِ الصَّلاةِ؛ إِذَا أَرَادَ أَنْ يقْرَأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذين آمنُوا} هُوَ كَقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ من مضل}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ} أَيْ: يُطِيعُونَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يُكْرِهَهُمْ {وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مشركون} أَيْ: بِاللَّهِ مُشْرِكُونَ. قَالَ مُحَمَّدٌ (ل 178) قِيلَ: الْمَعْنَى: الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَجله مشركون بِاللَّه. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (101) إِلَى الْآيَة (105). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْت مفتر} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: كَانَتِ الآيَةُ إِذَا نَزَلَتْ؛ فَعُمِلَ بِهَا وَفِيهَا شِدَّةٌ، ثمَّ نزلت بَعْدَهَا آيَةٌ فِيهَا لِينٌ قَالُوا: إِنَّمَا يَأْمُرُ محمدٌ أَصْحَابَهُ بِالأَمْرِ؛ فَإِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ صَرَفَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَلْو كَانَ هَذَا الأَمْرُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَكَانَ أَمْرًا وَاحِدًا، وَمَا اخْتَلَفَ وَلَكِنَّهُ مِنْ قبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 محمدٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 قَالَ الله: {قل} يَا مُحَمَّدُ: {نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ من رَبك بِالْحَقِّ} فَأَخْبِرْ أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا لم يفتر مِنْهُ شَيْئا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 {وَلَقَد نعلم أَنهم يَقُولُونَ} يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بشر} يَعْنُونَ: عَبْدًا لابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَكَانَ رُومِيًّا صَاحِبِ كِتَابٍ - فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ - اسْمُهُ: حبرٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَدَّاسُ غُلامُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ. قَالَ اللَّهُ: {لِسَانُ الَّذِي يلحدون إِلَيْهِ} أَيْ: يَمِيلُونَ إِلَيْهِ {أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبين} فأكذبهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ الله لَا يهْدِيهم الله} هَؤُلاءِ الَّذِينَ لَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يهْدِيهم يلقونه بكفرهم. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (106) إِلَى الْآيَة (110). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 {مِنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَان} أَيْ: راضٍ بِهِ؛ نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَأَصْحَابِهِ؛ أَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَوَقَفُوهُمْ عَلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَخَافُوا مِنْهُمْ؛ فَأَعْطَوْهُمْ ذَلِكَ بأفواههم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافرين} يَعْنِي: الَّذِينَ يَلْقَوْنَ اللَّهَ بِكُفْرِهِمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا من بعد مَا فتنُوا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: هُمْ قومٌ كَانُوا بِمَكَّةَ، فَعَرَضَتْ لَهُمْ فِتْنَةٌ؛ فَارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلامِ وَشَكُّوا فِي نَبِيِّ اللَّهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَسْلَمُوا وَهَاجَرُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ جَاهَدُوا مَعَهُ وَصَبَرُوا. {وَلَكِنْ مَنْ شرح بالْكفْر صَدرا} قَالَ محمدٌ: يَعْنِي: فَتَحَ لَهُ بِالْقبُولِ صَدره. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (111) إِلَى الْآيَة (115). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَفسهَا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: إِنَّ كُلَّ نفسٍ تُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لِلْحِسَابِ، لَيْسَ يَسْأَلُهَا عَنْ عَمَلِهَا إِلا اللَّهِ {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عملت} أَمَّا الْكَافِرُ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ فِي الآخِرَةِ شَيْءٌ قَدِ اسْتَوْفَاهَا فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا سَيِّئَاتُهُ فَيُوَفَّاهَا فِي الآخِرَةِ يُجَازَى بِهَا النَّارَ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَهُوَ الَّذِي يُوَفَّى الْحَسَنَاتِ فِي الآخِرَةِ، وَأَمَّا سَيِّئَاتُهُ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى ذَهَبَتْ سَيِّئَاتُهُ بِالْبَلاءِ وَالْعُقُوبَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ، فَيْفَعَلُ الله فِيهِ مَا يَشَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَة مطمئنة} إِلَى قَوْله: {وهم ظَالِمُونَ} الْقَرْيَةُ: مَكَّةُ، وَالرَّسُولُ: محمدٌ؛ كَفَرُوا بِأَنْعُمِ اللَّهِ؛ فَكَذَّبُوا رَسُولَهُ وَلَمْ يَشْكُرُوا. وَقَوْلُهُ: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوع وَالْخَوْف} يَعْنِي: الْجُوعَ الَّذِي عُذِّبُوا بِهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ عَذَابِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ عَذَّبَهُمُ اللَّهُ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَمَّا الْخَوْفُ: فَبَعْدَ مَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالا طيبا} يَعْنِي: مَا أَحَلَّ مِنَ الرَّزْقِ. {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} يَعْنِي: ذَبَائِحَ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ أَحَلَّ ذَبَائِحَ أْهَلِ الْكِتَابِ {فَمَنِ اضْطُرَّ غير بَاغ وَلَا عَاد} قد مضى تَفْسِيره. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (116) إِلَى الْآيَة (118). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ}. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: وَلا تَقُولُوا لَوَصْفِ أَلْسِنَتِكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ}. يَعْنِي: مَا حَرَّمُوا مِنَ الأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ، وَمَا اسْتَحَلُّوا من أكل الْميتَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 {مَتَاع قَلِيل} أَيْ: أَنَّ الَّذِي هُمْ فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا ذاهبٌ {وَلَهُمْ عذابٌ أَلِيم} {فِي الْآخِرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 2 - ! (وعَلى الَّذين هادوا حرمنا عَلَيْهِمْ) {بِكُفْرِهِمْ} (مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ من قبل} يَعْنِي: مَا قَصَّ فِي سُورَةِ الأَنْعَامِ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظفر} الْآيَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 سُورَة النَّحْل من الْآيَة (119) إِلَى الْآيَة (123). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِن رَبك من بعْدهَا} (ل 179) مِنْ بَعْدِ تِلْكَ الْجَهَالَةِ؛ إِذَا تَابُوا مِنْهَا {لغَفُور رَحِيم} فَكُلُّ ذنبٍ عَمِلَهُ الْعَبْدُ فَهُوَ مِنْهُ جهلٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 {إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة} وَالأُمَّةُ: السَّيِّدُ فِي الْخَيْرِ الَّذِي يعلم الْخَيْر {قَانِتًا} مُطيعًا {حَنِيفا} أَي: مخلصاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 {اجتباه} اخْتَارَهُ {وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 {وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَة} كَقَوْلِهِ: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا} فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينٍ إِلا وهم يتولونه ويرضونه. سُورَة النَّحْل من الْآيَة (124) إِلَى الْآيَة (128). الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتلفُوا فِيهِ} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: اسْتَحَلَّهُ بَعْضُهُمْ، وَحَرَّمَهُ بَعْضُهُمْ {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة} وَحُكْمُهُ فِيهِمْ أَنْ يُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمُ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلَ الْكَافِرِينَ النَّارَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 {ادْع إِلَى سَبِيل رَبك} دِينِ رَبِّكَ {بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أحسن} يَأْمُرُهُمْ بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَيَنْهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ مَثَّلَ الْمُشْرِكُونَ بِحَمْزَةَ، وَقَطَعُوا مَذَاكِرَهُ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَزِعَ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا، فَأَمَرَ بِهِ فَغُطِّيَ بِبُرْدَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ، فَمَدَّهَا عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ، وَجَعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ إِذْخَرًا، ثُمَّ قَالَ: لأُمَثِّلَنَّ بِثَلاثِينَ مِنْ قريشٍ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّه} فَصَبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 {وَلَا تحزن عَلَيْهِم} إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا؛ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يمكرون} أَيْ: لَا يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَكْرِهِمْ وَكَذِبِهِمْ عَلَيْكَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَكَ وَ {مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هم محسنون}. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 تَفْسِير سُورَة سُبْحَانَ، وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم سُورَة الْإِسْرَاء آيَة (1). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 قَوْلُهُ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} يَعْنِي: مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَام {لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى} يَعْنِي: بَيْتَ الْمَقْدِسِ. {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتنَا} يَعْنِي: مَا أَرَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ أَسْرَى بِهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى (أسرِي بِهِ) أَيْ: سَيَّرَهُ؛ وَلَا يَكُونُ السُّرَى إِلَّا لَيْلًا، وَفِيهِ لُغَتَانِ: سَرَى وَأَسْرَى. يَحْيَى: [عَنْ حَمَّادٍ] عَنِ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ؛ إِذْ أُتِيتُ فَشُقَّ النَّحْرُ فَاسْتُخْرِجَ الْقَلْبُ، فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانَهُ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ، يُقَالُ لَهُ: الْبُرَاقُ؛ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ مُضْطَرِبُ الْأُذُنَيْنِ، يَقَعُ خَطْوُهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرَفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَسَارَ بِي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي عَنْ يَمِينِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 الطَّرِيقِ: يَا مُحَمَّدُ، عَلَى رِسْلِكَ اسْلُكْ، يَا مُحَمَّدُ، عَلَى رِسْلِكَ اسْلُكْ، فَمَضَيْتُ وَلَمْ أُعَرِّجْ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِذَا أَنَا بِمُنَادٍ يُنَادِي عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ: يَا مُحَمَّدُ، عَلَى رِسْلِكَ اسْلُكْ، يَا مُحَمَّدُ، عَلَى رِسْلِكَ اسْلُكْ، يَا مُحَمَّدُ، عَلَى رِسْلِكَ اسْلُكْ، يَا مُحَمَّدُ، عَلَى رِسْلِكَ اسْلُكْ، فَمَضَيْتُ وَلَمْ أُعَرِّجْ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ أَحْسَبُهُ قَالَ: حَسْنَاءٍ (حَمْلا) عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ الْحُلِيِّ وَالزِّينَةِ، نَاشِرَةً شَعْرَهَا رَافِعَةً يَدَيْهَا تَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، عَلَى رِسْلِكَ اسْلُكْ، يَا مُحَمَّدُ، عَلَى رِسْلِكَ اسْلُكْ، يَا مُحَمَّدُ، عَلَى رِسْلِكَ اسْلُكْ، فَمَضَيْتُ وَلَمْ أُعَرِّجْ عَلَيْهَا، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَأَوْثَقْتُ الدَّابَّةَ بِالْحَلَقَةِ الَّتِي تُوْثِقُ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدِ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَأَتَانِي جِبْرِيلُ بِإِنَاءَيْنِ: إِنَاءٌ مِنْ لَبَنٍ، وَإِنَاءٌ مِنْ خَمْرٍ، فَتَنَاوَلْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ قَالَ لِي جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ، مَا رَأَيْتَ فِي رِحْلَتِكَ هَذِهِ؟ قَالَ: سَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِي عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ: يَا مُحَمَّد، على رسلك اسلك (ل 180) يَا مُحَمَّدُ، عَلَى رِسْلِكَ اسْلُكْ، يَا مُحَمَّدُ، عَلَى رِسْلِكَ اسْلُكْ قَالَ: فَمَا صَنَعْتَ، قُلْتُ: مَضَيْتُ وَلَمْ أُعَرِّجْ عَلَيْهِ. قَالَ: ذَاكَ دَاعِيَةُ الْيَهُودِ؛ أَمَّا إِنَّكَ لَوْ عَرَّجْتَ عَلَيْهِ، لَتَهَوَّدَتْ أُمَّتُكَ. قُلْتُ: ثُمَّ إِذَا أَنَا بِمُنَادٍ يُنَادِي عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ: يَا مُحَمَّدُ، عَلَى رِسْلِكَ اسْلُكْ، يَا مُحَمَّدُ، عَلَى رِسْلِكَ اسْلُكْ، يَا مُحَمَّدُ، عَلَى رِسْلِكَ اسْلُكْ. قَالَ: فَمَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: مَضَيْتُ وَلَمْ أُعَرِّجْ عَلَيْهِ. قَالَ: ذَاكَ دَاعِيَةُ النَّصَارَى؛ أَمَّا إِنَّكَ لَوْ عَرَّجْتَ عَلَيْهِ لَتَنَصَّرَتْ أُمَّتُكَ. قُلْتُ: ثُمَّ إِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ أَحْسَبُهُ قَالَ: حَسْنَاءٍ (حَمْلا) عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ الْحُلِيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 وَالزِّينَةِ، نَاشِرَةً شَعْرَهَا رَافِعَةً يَدَيْهَا تَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، عَلَى رِسْلِكَ اسْلُكْ، يَا مُحَمَّدُ، عَلَى رِسْلِكَ اسْلُكْ، يَا مُحَمَّدُ، عَلَى رِسْلِكَ اسْلُكْ. قَالَ: فَمَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: مَضَيْتُ وَلَمْ أُعَرِّجْ عَلَيْهَا. قَالَ: تِلْكَ الدُّنْيَا؛ إِمَّا أَنَّكَ لَوْ عَرَّجْتَ عَلَيْهَا لَمِلْتَ إِلَى الدُّنْيَا. ثُمَّ أُتِينَا بِالْمِعْرَاجِ؛ فَإِذَا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ، فَقَعَدْنَا فِيهِ، فَعَرَجَ بِنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَعَلَيْهَا مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ: إِسْمَاعِيلُ جُنْدُهُ سَبْعُونَ أَلْفِ مَلَكٍ، جُنْدُ كُلِّ مَلَكٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}. فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمِنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: أَوَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ لَنَا فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمٌ. فَرَحَّبَ بِي، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. قَالَ: وَإِذَا الْأَرْوَاحُ تُعْرَضُ عَلَيْهِ؛ فَإِذَا مَرَّ بِهِ رُوحُ مُؤْمِنٍ، قَالَ: رُوحٌ طَيِّبٌ وَرِيحٌ طَيِّبَةٌ، [وَإِذَا] مَرَّ بِهِ رُوحٌ كَافِرٌ قَالَ: رُوحٌ خَبِيثٌ وَرِيحٌ خَبِيثَةٌ {قَالَ: ثُمَّ مَضَيْتُ فَإِذَا أَنَا بِأَخَاوِينَ عَلَيْهَا لُحُومٌ مُنْتِنَةٌ، وَأَخَاوِينَ عَلَيْهَا لُحُومٌ طَيِّبَةٌ، وَإِذَا رِجَالٌ يَنْهَشُونَ اللُّحُومَ الْمُنْتِنَةَ، وَيَدَعُونَ اللُّحُومَ الطَّيِّبَةَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟} قَالَ: هَؤُلَاءِ الزُّنَاةُ؛ يَدَعُونَ الْحَلَالَ وَيَتْبَعُونَ الْحَرَامَ. قَالَ: ثُمَّ مَضَيْتُ فَإِذَا بِرِجَالٍ تُفَكُّ أَلْحِيَتُهُمْ، وَآخَرُونَ يَجِيئُونَ بِالصُّخُورِ مِنَ النَّارِ، فَيَقْذِفُونَهَا فِي أَفْوَاهِهِمْ، فَتَخْرُجُ مِنْ أَدْبَارِهِمْ. قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 يَا جِبْرِيلُ؟ {قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سعيرا}؛ ثُمَّ مَضَيْتُ فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ يُقْطَعُ مِنْ لُحُومِهِمْ بِدِمَائِهِمْ فَيَضْفِزُونَهَا وَلَهُمْ جُؤَارٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْهَمَّازُونَ اللَّمَّازُونَ. ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيه مَيتا فكرهتموه} وَإِذَا أَنَا بِنِسْوَةٍ مُعَلَّقَاتٍ بَثُدْيِهِنَّ وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَإِذَا حَيَّاتٌ وَعَقَارِبٌ تَنْهَشُهُنَّ فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الظُّؤُرَةُ يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ. قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ عَلَى سَابِلَةِ آلِ فِرْعَوْنَ حَيْثُ يَنْطَلِقُ جَمْعٌ إِلَى النَّارِ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غدوا وعشيا؛ فَإِذا رأوها قَالَ: رَبَّنَا لَا تَقُومَنَّ السَّاعَةُ؛ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَإِذَا أَنَا بِرِجَالٍ بُطُونِهِمْ، كَالْبُيُوتِ يَقُومُونَ فَيَقَعُونَ لِظُهُورِهِمْ وَبُطُونِهِمْ، يَأْتِي عَلَيْهِمْ آلُ فِرْعَوْنَ فَيَثْرِدُونَهُمْ بِأَرْجُلِهِمْ ثَرْدًا، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟} قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا. ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمس} ثُمَّ عُرِجَ بِنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ. فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمِنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: أَوَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَإِنَّهُ لَنِعْمَ الْمَجِيءُ. فَفُتِحَ لَنَا؛ فَإِذَا أَنَا بِابْنَيِ الْخَالَة: (ل 181) يَحْيَى وَعِيسَى، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 فَرَحَّبَا بِي وَدَعَوْا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمِنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: أَوَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ لَنَا؛ فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ، وَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ. قَالَ: فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمِنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: أَوَ قَدْ بُعِثَ [إِلَيْهِ] قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ لَنَا؛ فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبِ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمِنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: أَوَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ وَإِذَا بِلِحْيَتِهِ شَطْرَانِ: شَطْرٌ أَبْيَضُ وَشَطْرٌ أَسْوَدُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ {قَالَ: هَذَا الْمُحَبَّبُ فِي قَوْمِهِ، وَأَكْثَرُ مَنْ رَأَيْتُ تَبَعًا. قَالَ: فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. قَالَ: ثُمَّ عُرِجَ بِنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمِنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: أَوَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ؟ قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ لَنَا؛ فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى، وَإِذَا هُوَ رَجِلٌ أَشْعَرٌ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟} قَالَ: هَذَا أَخُوكَ مُوسَى. قَالَ: فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، قَالَ: فَمَضَيْتُ، فَسَمِعْتُ مُوسَى يَقُولُ: يَزْعُمُ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنِّي أَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ، وَهَذَا أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنِّي. ثُمَّ عُرِجَ بِنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمِنْ مَعَكَ؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 قَالَ: مُحَمَّدٌ؟ قِيلَ: أَوَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ لَنَا فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِذَا هُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ. وَيَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ {قَالَ: هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ؛ فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. وَإِذَا أُمَّتِي عِنْدَهُ شَطْرَانِ: شَطْرٌ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ، وَشَطْرٌ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ رُمْدٌ؛ فَدَخَلَ أَصْحَابُ الثِّيَابِ الْبِيضُ، وَاحْتَبَسَ الْآخَرُونَ. فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟} فَقَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَعَمَلًا سَيِّئًا، وَكُلٌّ عَلَى خَيْرٍ، ثُمَّ قِيلَ: هَذِهِ مَنْزِلَتُكَ وَمَنْزِلَةُ أُمَّتِكَ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ ولي الْمُؤمنِينَ} قَالَ: ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى؛ فَإِذَا هِيَ أَحْسَنُ مَا خَلَقَ اللَّهُ، وَإِذَا الْوَرَقَةُ مِنْ وَرَقِهَا لَوْ غُطِّيَتْ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةِ لَغَطَّتْهُمْ، ثُمَّ انْفَجَرَ مِنْ تَحْتِهَا السَّلْسَبِيلُ، ثُمَّ انْفَجَرَ مِنَ السَّلْسَبِيلِ نَهْرَانِ: نَهْرُ الرَّحْمَةِ، وَنَهْرُ الْكَوْثَرِ، فَاغْتَسَلْتُ مِنْ نَهْرِ الرَّحْمَةِ فَغَفَرَ اللَّهُ لِي مَا تَقَدَّمْ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ، ثُمَّ أُعْطِيتُ الْكَوْثَرَ فَسَلَكْتُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَجْرِي فِي الْجَنَّةِ؛ فَإِذَا طَيْرُهَا كَالْبُخْتِ؟ قَالَ: وَنَظَرْتُ إِلَى جَارِيَةٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتِ يَا جَارِيَةُ؟ فَقَالَتْ: لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. قَالَ: ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى النَّارِ، (فَإِذَا) عَذَابُ رَبِّي لَشَدِيدٌ لَا تَقُومُ لَهُ الْحِجَارَةُ وَلَا الْحَدِيدُ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَغَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَ، وَوَقَعَ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مَلَكٌ، وَأَيَّدَهَا اللَّهُ بِأَيْدِهِ، وَفَرَضَ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسِينَ صَلَاةً، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: مَاذَا فَرَضَ عَلَيْكَ رَبُّكَ؟ فَقُلْتُ: فَرَضَ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسِينَ صَلَاةً. فَقَالَ: (ل 182) ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ: أَيْ رَبِّي حُطَّ عَنْ أُمَّتِي؛ فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ لِي: مَا فَرَضَ عَلَيْكَ رَبُّكَ؟ قُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ؛ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَخْتَلِفُ مَا بَيْنَ رَبِّي وَمُوسَى حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدٌ، لَا تَبْدِيلَ؛ إِنَّهُ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، هِيَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَتِلْكَ خَمْسُونَ صَلَاةً، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ. قُلْتُ: قَدْ راجعته حَتَّى استحييت ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 2 آيَة 8). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 قَوْله: {وآتينا مُوسَى الْكتاب} التَّوْرَاةَ {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} يَعْنِي: لِمَنْ آمَنَ بِهِ {أَلَّا تَتَّخِذُوا من دوني وَكيلا} يَعْنِي: رَبًّا؛ فِي تَفْسِيرِ بَعْضِهِمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} أَيْ: يَا ذُرِيَّةَ؛ لِذَلِكَ انْتَصَبَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكتاب} أَيْ: أَعْلَمْنَاهُمْ {لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مرَّتَيْنِ ولتعلن علوا كَبِيرا} يَعْنِي: لتقهرن قهرا شَدِيدا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 {فَإِذا جَاءَ وعد أولاهما} يَعْنِي: أُولَى الْعُقُوبَتَيْنِ {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فجاسوا خلال الديار} قَالَ قَتَادَةُ: عُوقِبَ الْقَوْمُ عَلَى عُلُوِّهِمِ وَفَسَادِهِمْ، فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ فِي الْأُولَى جَالُوتَ الْخَزَرِيَّ، فَسَبَى وَقَتَلَ وَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى (جَاسُوا): طَافُوا؛ الْجَوْسُ طَلَبُ الشَّيْءِ بِاسْتِقْصَاءٍ. {وَكَانَ وَعدا مَفْعُولا} كَائِنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نفيرا} أَيْ: عَدَدًا؛ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ فِي زَمَانِ دَاوُدَ يَوْمَ طَالُوتَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 {فَإِذا جَاءَ وعد الْآخِرَة} يَعْنِي: آخِرَ الْعُقُوبَتَيْنِ {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} وَهِيَ تُقْرَأُ (لِيَسُوءَ) أَيْ: لِيَسُوءَ الله وُجُوهكُم {وليدخلوا الْمَسْجِد} يَعْنِي: بَيْتَ الْمَقْدِسِ {كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تتبيرا} أَيْ: وَلِيُفْسِدُوا مَا غَلَبُوا عَلَيْهِ إفسادا؛ يُقَالُ: إِنَّ إِفْسَادَهُمُ الثَّانِيَ: قَتْلُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُخْتُنَصَّرَ، عَدَا بِهِ عَلَيْهِمْ؛ فَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَسَبَى وَقَتَلَ مِنْهُم سبعين ألفا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 {عَسى ربكُم أَن يَرْحَمكُمْ} قَالَ قَتَادَةُ: فَعَادَ اللَّهُ بِعَائِدَتِهِ قَالَ: {وَإِن عدتم عدنا} عَلَيْكُمْ بِالْعُقُوبَةِ، قَالَ الْحَسَنُ: (أَعَادَهُ) عَلَيْهِمْ بِمُحَمَّدٍ؛ فَأَذَلَّهُمْ بِالْجِزْيَةِ. {وَجَعَلْنَا جَهَنَّم للْكَافِرِينَ حَصِيرا} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: سجنا. سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 9 آيَة 12). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 {إِن هَذَا الْقُرْآن يهدي} أَيْ: يَدْعُو {لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} أَي: أصوب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 {وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ} يَقُولُ: يَدْعُو بِالشَّرِّ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى وَلَدِهِ وَمَالِهِ؛ كَمَا يَدْعُو بِالْخَيْرِ؛ وَلَوِ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ لأهلكه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَة اللَّيْل} يُقَالُ: مُحِيَ مِنْ ضَوْءِ الْقَمَرِ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ جُزْءًا وَبَقِيَ جُزْءٌ وَاحِدٌ {وَجَعَلْنَا آيَة النَّهَار مبصرة} أَيْ: مُنِيرَةٌ {لِتَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ ربكُم} يَعْنِي: بِالنَّهَارِ {وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والحساب} بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: فَصَلْنَا اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ، وَفَصَلْنَا النَّهَارَ مِنَ اللَّيْلِ، وَالشَّمْسَ مِنَ الْقَمَرِ، وَالْقَمَرَ مِنَ الشَّمْسِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (كُلَّ) مَنْصُوبٌ بِمَعْنَى: وَفَصَلْنَا كُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ. سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 13 آيَة 17). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقه} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: عَمَلَهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: أَلْزَمْنَاهُ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْحَظِّ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ: طَائِرٌ؛ لِقَوْلِ الْعَرَبِ: جَرَى لَهُ طَائِرٌ بِالْيُمْنِ، وَجَرَى بِالشَّرِّ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ مَا لَزِمَ الْإِنْسَانَ: قَدْ لَزِمَ عُنُقَهُ، وَهَذَا لَكَ فِي عُنُقِي حَتَّى أخرج مِنْهُ؛ (ل 183) فخاطبهم الله بِمَا يستعملونه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْك حسيبا} قَالَ قَتَادَةُ: سَيَقْرَأُ يَوْمَئِذٍ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَارِئًا فِي الدُّنْيَا. قَالَ مُحَمَّد: (حسيبا) تَمْيِيزٌ؛ وَهُوَ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ بِمَعْنى: محاسب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} يَقُولُ: لَا يَحْمِلُ أَحَدٌ ذَنْبَ أَحَدٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَصْلُ الْوِزْرِ: الْحِمْلُ، وَكَذَلِكَ الْإِثْمُ وِزْرٌ؛ لِأَنَّهُ ثُقْلٌ عَلَى صَاحِبِهِ. {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لَا يُعَذِّبُ قَوْمًا بِالِاسْتِئْصَالِ حَتَّى يَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِالرُّسُلِ ,. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أمرنَا مُتْرَفِيهَا} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: أَكْثَرْنَا جَبَابِرَتَهَا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 وَكَانَ الْحَسَنُ يَقْرَؤُهَا: (آمَرْنَا) وَهُوَ من الْكَثْرَة أَيْضا. قَالَ قَتَادَة: (أمرنَا) مُخَفَّفَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ: فَعَلْنَا، وَقِرَاءَةُ الْحَسَنِ (آمَرْنَا) مَمْدُودَةُ الْأَلِفِ. قَالَ يَحْيَى: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا (أَمَّرْنَا) بِالتَّثْقِيلِ مِنْ قِبَلِ الْإِمَارَةِ. سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 18 آيَة 21). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 {من كَانَ يُرِيد العاجلة} وَهُوَ الْمُشْرِكُ لَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا، لَا يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ {عَجَّلْنَا لَهُ} إِلَى قَوْله: {مَدْحُورًا} أَيْ: مُبْعَدًا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 {كلا نمد هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء} يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ إِلَى قَوْلِهِ: {مَحْظُورًا} أَيْ مَمْنُوعًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: (كُلًّا) مَنْصُوب ب (نمد) و (هَؤُلَاءِ) بَدَلٌ مِنْ (كُلِّ) الْمَعْنَى: نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بعض} فِي الدُّنْيَا {وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وأكبر تَفْضِيلًا} سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 22 آيَة 27). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخر فتقعد مذموما} فِي نقمة الله {مخذولا} فِي عَذَاب الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاه وبالوالدين إحسانا} أَيْ: وَأَمَرَ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا؛ يَعْنِي: بِرًّا {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهما أُفٍّ} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَقُولُ: إِنْ بَلَغَا عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَوْ أَحَدُهُمَا، فَوَلِيتَ مِنْهُمَا مَا وَلِيَا مِنْكَ فِي صِغَرِكَ فَوَجَدْتَ مِنْهُمَا رِيحًا تُؤْذِيكَ؛ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا: أُفٍّ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ: الْمَعْنَى: لَا تَقُلْ لَهُمَا مَا فِيهِ أَدْنَى تَبَرُّمٍ. {وَلَا تنهرهما} لَا تُغْلِظَ لَهُمَا الْقَوْلَ {وَقُلْ لَهما قولا كَرِيمًا} أَي: لينًا سهلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَة} أَيْ: لَا تَمْتَنِعْ مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّاهُ {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا ربياني صَغِيرا} هَذَا إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَإِذَا كَانَا كَافِرَيْنِ فَلَا تَقُلْ: رَبَّ ارْحَمْهُمَا. يَحْيَى: عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مَكْحُولٍ؛ " أَنَّ رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام أَوْصَى بَعْضَ أَهْلِهِ فَكَانَ فِيمَا أَوْصَاهُ: أَطِعْ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنَّ تَخْرُجَ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 مَالِكَ كُلِّهِ؛ فَافْعَلْ ". يَحْيَى: عَنِ الْمُعَلَّى، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَّلَّمَ: " مَنْ أَصْبَحَ مُرْضِيًا لِأَبَوَيْهِ أَصْبَحَ لَهُ بَابَانِ مَفْتُوحَانِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَمِنْ أَمْسَى مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَوَاحدٌ، وَمَنْ أَصْبَحَ مُسْخِطًا لِأَبَوَيْهِ أَصْبَحَ لَهُ بَابَانِ مَفْتُوحَانِ إِلَى النَّارِ، وَمِنْ أَمْسَى مِثْلَ ذَلِكَ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَوَاحِدٌ؛ وَإِنْ ظَلَمَاهُ، وَإِنْ ظَلَمَاهُ، وَإِنْ ظَلَمَاهُ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ} مِنْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ {إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} الأواب: الرَّاجِع عَن ذَنبه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 {وَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه} يَعْنِي: مَا أَمر اللَّه بِهِ مِنْ صِلَةِ الْقَرَابَةِ {وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيل} نَزَلَتْ قَبْلَ أَنْ تُسَمَّى الْأَصْنَافُ الَّذِينَ تَجِبُ لَهُمُ الزَّكَاةَ {وَلا تبذر تبذيرا} يَقُولُ: لَا تُنْفِقْ فِي غَيْرِ حق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} يَعْنِي أَنْفَقُوا لَهُ وَمِنْ [أَنْفَقَ] لِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ، وَإِنَّمَا هُوَ لشيطان. سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 28 آيَة 38). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ من رَبك ترجوها} يَعْنِي: انْتِظَارَ رِزْقِ اللَّهِ {فَقُلْ لَهُم قولا ميسورا} يَعْنِي: أَنْ يَقُولَ لِلسَّائِلِ: يَرْزُقُنَا الله وَإِيَّاك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقك} قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: لَا تَكُنْ [بَخِيلًا مَنُوعًا] فَيَكُونُ مِثْلُكَ مِثْلَ الَّذِي غُلَّتْ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ (ل 184) {وَلَا تبسطها كل الْبسط} فَتُنْفِقَ فِي غَيْرِ بِرٍّ {فَتَقْعُدَ ملوما} فِي عِبَادِ اللَّهِ لَا تَسْتَطِيعُ أَن [تسع] النَّاس {محسورا} أَيْ: قَدْ ذَهَبَ مَا فِي يَدِكَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَحْسُورُ وَالْحَسِيرُ الَّذِي قَدْ بَالَغَ فِي التَّعَبِ وَالْإِعْيَاءِ؛ الْمَعْنَى: تَحْسُرُكَ الْعَطِيَّةُ وَتَقْطَعُكْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيقدر} أَي: يضيق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 {وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم} يَعْنِي: الموءودة {خشيَة إملاق} يَعْنِي: الْفَاقَةَ {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خطأ} ذَنبا {كَبِيرا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لوَلِيِّه سُلْطَانا} يَعْنِي: الْقَوَدَ، إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْوَلِيُّ أَوْ يَرْضَى بِالدِّيَةِ إِنْ أُعْطِيَهَا {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} أَيْ: لَا يَقْتُلُ غَيْرَ قَاتِلِهِ {إِنَّه كَانَ منصورا} أَيْ: يَنْصُرُهُ السُّلْطَانُ حَتَّى يُقَيِّدَهُ مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 (وَلا تَقْرَبُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أحسن} يَعْنِي: أَنَّ يُوَفِّرَ مَالَهُ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ دَفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ إِنْ آنَسَ مِنْهُ الرُّشْدَ. قَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، اشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ، فَكَانُوا لَا يخالطونهم فِي مطعم وَلا نَحوه؛ فَأنْزل اللَّه بعد ذَلِكَ: {وَإِنْ تخالطوهم فإخوانكم فِي الدّين} {} (وأوفوا بالعهد} يَعْنِي: مَا عَاهَدُوا عَلَيْهِ فِيمَا وَافَقَ الْحَقَّ {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مسئولا} يسْأَل عَنهُ الَّذين أَعْطوهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم ذَلِك خير} إِذَا أَوْفَيْتُمُ الْكَيْلَ، وَأَقَمْتُمُ الْوَزْنَ {وَأحسن تَأْوِيلا} يَعْنِي: عَاقِبَة الْآخِرَة. وَمعنى (القسطاس): الْعدْل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ علم} الْآيَةُ، تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لَا تَقْفُ أَخَاكَ الْمُسْلِمَ مِنْ بَعْدِهِ إِذَا مَرَّ بِكَ؛ فَتَقُولُ: إِنِّي رَأَيْتُ هَذَا يَفْعَلُ كَذَا، وَسَمِعْتُ هَذَا يَقُولُ كَذَا؛ لِمَا لَمْ تَسْمَعْ وَلَمْ تَرَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنْ قَوْلِكَ: قَفَوْتُ الأَثَرَ أَقْفُوهُ قَفْوًا؛ إِذَا اتَّبَعْتُهُ فَمَعْنَى الْآيَةِ: لَا تُتْبِعَنَّ لِسَانَكَ مِنَ الْقَوْلِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ؛ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الْحَسَنُ. {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسئولا} يُسْأَلُ السَّمْعُ عَمَّا سَمِعَ، وَالْبَصَرُ عَمَّا أَبْصَرَ، وَالْقَلْبُ عَمَّا عَزَمَ عَلَيْهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ جَمْعٍ أَشَرْتَ إِلَيْهِ مِنَ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ، وَمِنَ الْمَوَاتِ فَلَفْظُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 (أُولَئِكَ). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 {وَلَا تمش فِي الأَرْض} يَعْنِي: على الأَرْض {مرحا} كَمَا يَمْشِي الْمُشْرِكُونَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصْلُ الْمَرَحِ: حَرَكَةُ الْأَشِرِ وَالْبَطَرِ. {إِنَّك لن تخرق الأَرْض} بِقَدَمِكَ إِذَا مَشِيتَ {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجبَال طولا} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 {كل ذَلِك كَانَ سيئه} أَيْ: خَطِيئْتُهُ {عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}. سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 39 آيَة 44). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} أَيْ مَلُومًا فِي نِقْمَةِ اللَّهِ مُبْعَدًا عَنِ الْجَنَّةِ فِي النَّارِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 {أفأصفاكم} أَيْ خَصَّكُمْ {رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ من الْمَلَائِكَة إِنَاثًا} عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِمْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيذكرُوا} أَيْ: بَيَّنَّا لَهُمْ، وَأَخْبَرْنَاهُمْ أَنَّا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى فَلَا يَنْزِلُ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ السَّابِقَةِ قَبْلَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ (وَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 يزيدهم) {ذَلِك} (إِلَّا نفورا} يَعْنِي: تركا لأمر الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ} وَتُقْرَأُ بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ {إِذًا لابْتَغَوْا} يَعْنِي: الْآلِهَةُ {إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا} قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: إِذًا لَعَرَفُوا فَضْلَهُ عَلَيْهِمْ، وَلَابْتَغَوْا مَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 {سُبْحَانَهُ} ينزه نَفسه {وَتَعَالَى} ارْتَفَعَ {عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} { الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 2 - ! (يسبح لَهُ السَّمَوَات السَّبع} يَعْنِي: وَمِنْ فِيهِنَّ {وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يُسَبِّحُ لَهُ مِنَ الْخَلْقِ {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تفقهون تسبيحهم} كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: إِنَّ الْجَبَلَ يُسَبِّحُ؛ فَإِذَا قُطِعَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُسَبِّحِ الْمَقْطُوعُ وَيُسَبِّحُ الْأَصْلُ، وَكَذَلِكَ الشَّجَرَةُ مَا قُطِعَ مِنْهَا لَمْ يُسَبِّحْ، وَتُسَبِّحُ هِيَ، وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} عَن خلقه فَلَا يعجل (ل 185) كَعَجَلَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ (غَفُورًا) لَهُمْ إِذَا تَابُوا وَرَاجَعُوا أَنْفُسَهُمْ. سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 45 آيَة 49). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 {وَإِذا قَرَأت الْقُرْآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة حِجَابا مَسْتُورا} قَالَ مُحَمَّد: قِيلَ: إِن تَأْوِيل الْحِجَابِ: مَنْعَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ مِنَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، و (مَسْتُورا) فِي معنى (سَاتِر). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يفقهوه وَفِي آذانهم وقرا} الْوَقْرُ: ثَقَلُ السَّمْعِ {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبك فِي الْقُرْآن وَحده} أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ {ولوا على أدبارهم نفورا} أَي: أَعرضُوا عَنهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 {وَإِذ هم نجوى} أَيْ: يَتَنَاجَوْنَ فِي أَمْرِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام {إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رجلا مسحورا} أَيْ: يَقُولُ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَتُقْرَأُ: (يَتَّبِعُونَ) بِالْيَاءِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمعنى (مسحورا) فِي قَول بَعضهم: مخدوعا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فضلوا} بقَوْلهمْ {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: مخرجا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 {وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا} أَي: تُرَابا {أئنا لمبعوثون خلقا جَدِيدا} عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: لَا نُبْعَثُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصْلُ (الرُّفَاتِ): مَا ترفت؛ أَي: تفتت. سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 50 آيَة 55). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} لَمَّا قَالُوا: {أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا ورفاتا} الْآيَةُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ -: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صدوركم} يَعْنِي: الْمَوْتَ؛ يَقُولُ: إِذًا لَأَمَتُّكُمْ، ثُمَّ بَعَثْتُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {فَسَيَقُولُونَ من يعيدنا} خَلْقًا جَدِيدًا {قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ} خَلَقَكُمْ {أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسهم} أَيْ: يُحَرِّكُونَهَا تَكْذِيبًا وَاسْتِهْزَاءً {وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ} يَعْنُونَ: الْبَعْثَ {قُلْ عَسَى أَنْ يكون قَرِيبا} و (عَسى) من الله وَاجِبَة، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 {يَوْم يدعوكم} من قبوركم {فتستجيبون بِحَمْدِهِ} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: بِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ، وَالِاسْتِجَابَةُ: خُرُوْجُهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَى الدَّاعِي صَاحب الصُّور {وتظنون} فِي الْآخِرَة {إِن لبثتم} فِي الدُّنْيَا {إِلَّا قَلِيلا} تصاغرت الدُّنْيَا عِنْدهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أحسن} هُوَ أَنْ يَأْمُرُوهُمْ بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَيَنْهَوْهُمْ عَمَّا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَينهم} أَيْ: يُفْسِدُ {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ للْإنْسَان عدوا مُبينًا} بَين الْعَدَاوَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 {ربكُم أعلم بكم} يَعْنِي: بِأَعْمَالِكُمْ؛ خَاطَبَ بَهَذَا الْمُشْرِكِينَ {إِن يَشَأْ يَرْحَمكُمْ} أَيْ: يَتُبْ عَلَيْكُمْ، فَيَمُنُّ عَلَيْكُمْ بِالْإِسْلَامِ {أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} فَبِإِقَامَتِكُمْ عَلَى الشِّرْكِ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِم وَكيلا} أَيْ: حَفِيظًا لِأَعْمَالِهِمْ حَتَّى يُجَازِيَهُمْ بهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بعض} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: قَالَ: كَلَّمَ بَعْضُهُمْ، وَاتَّخَذَ بَعْضُهُمْ خَلِيلًا، وَأَعْطَى بَعْضُهُمْ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} اسْمُ الْكِتَابِ الَّذِي أَعْطَاهُ: الزَّبُورُ. قَالَ قَتَادَةُ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ دَاوُدَ وَتَحْمِيدٌ وَتَمْجِيدٌ، لَيْسَ فِيهِ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ، وَلَا فَرَائِضُ وَلَا حُدُودٌ. سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 56 - آيَة 60). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دونه} يَعْنِي: الْأَوْثَانَ {فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضّر عَنْكُم وَلَا تحويلا} أَنْ يُحَوِّلَ ذَلِكَ الضُّرَّ إِلَى غَيره أَهْون مِنْهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة} يَعْنِي: الْقُرْبَةَ، تَفْسِيرُ ابْنِ مَسْعُودٍ: قَالَ: نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ وَلَمْ يُعْلَمْ بِذَلِكَ النَّفَرُ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ الله: {أُولَئِكَ الَّذين يدعونَ} يَعْنِي: الْجِنِّيِّينَ الَّذِي يُعْبَدُونَ هَؤُلَاءِ {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أقرب} الْآيَةُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) (أَيهمْ) رفع بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَر (أقرب) الْمَعْنَى: يَطْلُبُونَ الْوَسِيلَةَ إِلَى رَبِّهِمْ، وَيَنْظُرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ إِلَيْهِ؛ أَيْ: بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ أَقْرَبُ إِلَيْهِ يَتَوَسَّلُونَ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مهلكوها} (ل 186) يُخَوِّفُهُمْ بِالْعَذَابِ {كَانَ ذَلِكَ فِي الْكتاب مسطورا} أَي: مَكْتُوبًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ} إِلَى قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا الْآيَاتِ {إِلا أَنْ كذب بهَا الْأَولونَ} وَكُنَّا إِذَا أَرْسَلْنَا إِلَى قَوْمٍ بِآيَةٍ فَلَمْ يُؤْمِنُوا أَهْلَكْنَاهُمْ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ نُرْسِلْ إِلَيْهِمْ بِالْآيَاتِ؛ لِأَنَّ آخِرَ كُفَّارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أُخِّرُوا إِلَى النَّفْخَةِ. قَالَ قَتَادَةُ: " إِنَّ أهل مَكَّة قَالُوا للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا وَسَرَّكَ أَنْ نُؤْمِنَ؛ فَحَوِّلْ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا! فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ كَانَ الَّذِي سَأَلَكَ قَوْمُكَ، وَلَكِنْ إِنْ هُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا لَمْ يُنْظَرُوا، وَإِنْ شِئْتَ اسْتَأَنَيْتَ بِقَوْمِكَ. قَالَ: لَا؛ بَلْ أَسْتَأَنِي بِقَوْمِي ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كذب بهَا الْأَولونَ} (أَن) الأولى نصب و (أَن) الثَّانِيَةُ رَفْعٌ؛ الْمَعْنَى: مَا مَنَعَنَا الْإِرْسَالَ إِلَّا تَكْذِيبُ الْأَوَّلِينَ. {وَآتَيْنَا ثَمُود النَّاقة مبصرة} أَي: بَيِّنَة {فظلموا بهَا} أَيْ: ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِعَقْرِهَا {وَمَا نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا تخويفا} يُخَوِّفُهُمْ بِالْآيَةِ؛ فَيُخْبِرُهُمْ أَنَّهُمْ إِذَا لم يُؤمنُوا عذبهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 {وَإِذ قُلْنَا لَك} أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ {إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ؛ أَيْ: يَعْصِمُكَ مِنْهُمْ؛ فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكَ حَتَّى تُبَلِّغَ عَنِ اللَّهِ الرِّسَالَةَ. {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك} يَعْنِي: مَا أَرَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، وَلَيْسَ بِرُؤْيَا الْمَنَامِ، وَلَكِنْ بِالْمُعَايَنَةِ {إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} لِلْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَخْبَرَهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَسِيرِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَرُجُوعِهِ فِي لَيْلَةٍ كَذَّبَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ؛ فَافَتُتِنُوا لِذَلِكَ {والشجرة الملعونة فِي الْقُرْآن} يَقُولُ: وَمَا جَعَلْنَا أَيْضًا الشَّجَرَةَ الْمَلْعُوْنَةَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ. قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُومِ؛ لَمَّا نَزَلَتْ دَعَا أَبُو جَهْلٍ بِتَمْرٍ وَزُبْدٍ؛ فَقَالَ: تَعَالَوْا تَزَقَّمُوا؛ فَمَا نَعْلَمُ الزَّقُّومَ إِلَّا هَذَا! قَالَ الْحَسَنُ: وَقَوْلُهُ: {الملعونة فِي الْقُرْآن} أَيْ: أَنَّ أَكَلَتَهَا مَلْعُونُونَ فِي الْقُرْآن قَالَ: {ونخوفهم} بِالشَّجَرَةِ الزقوم {فَمَا يزيدهم} تَخْوِيفُنَا إِيَّاهُمْ بِهَا وَبِغَيْرِهَا {إِلا طغيانا كَبِيرا}. سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 61 آيَة 64). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 {فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لمن خلقت طينا} أَيْ: مِنْ طِينٍ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ أَي: لَا أَسجد لَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 ثُمَّ {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كرمت عَليّ} وأمرتني بِالسُّجُود لَهُ {لَئِن أخرتني إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لَأُهْلِكَنَّهُمْ بِالْإِضْلَالِ {إِلا قَلِيلا} يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ الْحَسَنُ: وَهَذَا الْقَوْلُ ظَنٌّ مِنْهُ؛ حَيْثُ وَسْوَسَ إِلَى آدَمَ فَلَمْ يَجِدْ لَهُ عَزْمًا أَيْ: صَبْرًا، قَالَ: بَنُو هَذَا فِي الضَّعْفِ مِثْلُهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: تَقُولُ الْعَرَبُ: قَدِ احْتَنَكَتِ السَّنَةُ أَمْوَالَهُمْ؛ إِذَا اسْتَأْصَلَتْهَا، وَاحْتَنَكَ فُلَانٌ مَا عِنْدَ فُلَانٍ مِنَ الْعِلْمَ؛ إِذَا اسْتَقْصَاهُ. وَقَوْلُهُ: {أَرَأَيْتَكَ} هُوَ فِي مَعْنَى: أَخْبِرْنِي، وَالْجَوَابُ مَحْذُوف، الْمَعْنى: أَخْبِرْنِي مَنْ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ؛ لِمَ كَرَّمْتَهُ عَلَيَّ وَقَدْ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ؟! فَحَذَفَ هَذَا؛ لِأَنَّ فِي الْكَلَام دَلِيلا عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: وَافِرًا: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: وَفَّرْتُ عَلَيْهِ مَاله أفره فَهُوَ مَوْفُورٌ؛ أَيْ: مُوَفَّرٌ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ زُهَيْرٍ: - (وَمِنْ يَجْعَلِ الْمَعْرُوفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ ... يَفِرْهُ وَمِنْ لَا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 قَوْلُهُ: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بصوتك} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: هُوَ الدُّفُّ وَالْمِزْمَارُ. قَالَ مُحَمَّد: وَمعنى (استفزز): اسْتَخِفَّ. {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: كُلُّ رَاكِبٍ فِي مَعْصِيّة الله فَهُوَ من خَيْلُ إِبْلِيسَ، وَكُلُّ مَاشٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ رَجِلِ إِبْلِيسَ {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} تَفْسِير مُجَاهِد: (فِي الْأَمْوَال) يَعْنِي: مَا كَانَ مِنْ مَالٍ بِغَيْر طَاعَة الله، و (الْأَوْلَاد) (ل 187) يَعْنِي: أَوْلَاد الزِّنَا {وعدهم} بِالْأَمَانِيِّ؛ فَإِنَّهُ لَا بَعْثٌ وَلَا جَنَّةٌ وَلَا نَارٌ، وَهَذَا وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ لِلشَّيْطَانِ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ فَاجْهَدْ عَلَى جَهْدِكَ، وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ لَهُ بِهِ. قَالَ: {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غرُورًا}. سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 65 آيَة 69). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 {إِن عبَادي} يَعْنِي: مَنْ يَلْقَى اللَّهَ مُؤْمِنًا {لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان} أَنْ تُضِلَّهُمْ {وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا} أَيْ: حِرْزًا وَمَانِعًا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 {رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ} أَيْ: يُجْرِيهَا {فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا من فَضله} يَعْنِي: طَلَبَ التِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ {إِنَّه كَانَ بكم رحِيما} فَبِرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ سَخَّرَ لَكُمْ ذَلِكَ، وَالرَّحْمَةُ لِلْكَافِرِ فِي هَذَا رَحْمَةُ الدُّنْيَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 {وَإِذا مسكم الضّر} يَعْنِي: الْأَهْوَالَ {فِي الْبَحْرِ ضَلَّ من تدعون} يَعْنِي: مَا تَعْبُدُونَ {إِلا إِيَّاهُ} يَقُولُ: إِلَّا إِيَّاهُ تَدْعُونَ كَقَوْلِهِ {بل إِيَّاه تدعون} تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنَ الْغَرَقِ إِلَّا هُوَ {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبر أعرضتم} عَنِ الَّذِي نَجَّاكُمْ، وَرَجَعْتُمْ إِلَى شرككم {وَكَانَ الْإِنْسَان كفورا} يَعْنِي: الْمُشرك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبر} كَمَا خَسَفَ بِقَوْمِ لُوطٍ وَبِقَارُونَ {أَو يُرْسل عَلَيْكُم حاصبا} قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ يَحْصِبُكُمْ بِهَا كَمَا فَعَلَ بِقَوْمِ لُوطٍ {ثُمَّ لَا تَجِدُوا لكم وَكيلا} أَي: منيعا وَلَا نَصِيرًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 {أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ} فِي الْبَحْر {تَارَة أُخْرَى} أَيْ: مَرَّةً أُخْرَى {فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصفا من الرّيح} يَعْنِي: الرِّيحَ الشَّدِيدَةَ (فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ علينا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 بِهِ تبيعا} أَيْ: أَحَدًا يَتْبَعُنَا بِذَلِكَ فَيَنْتَصِرَ لكم. سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 70 آيَة 77). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 {وَلَقَد كرمنا بني آدم} أَيْ: فَضَّلْنَا بَنِي آدَمَ عَلَى الْبَهَائِمَ وَالسِّبَاعِ وَالْهَوَامَّ {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَات} يَعْنِي: طَيِّبَاتِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؛ فَجَعَلَ رِزْقَهُمْ أَطْيَبَ مِنْ رِزْقِ الدَّوَابِّ وَالطير وَالْجِنّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} تَفْسِيرُ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: أَيْ: بِنَبِيِّهِمْ. قَالَ مُحَمَّد: يجوز أَن يكون نصب (يَوْم) عَلَى مَعْنَى: اذْكُرْ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ. {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا} أَيْ: قَدْرَ فَتِيلٍ، وَالْفَتِيلُ: الَّذِي يكون فِي بطن النواة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: يَقُولُ: مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى عَمَّا عَايَنَ فِيهَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ وَعَجَائِبِهِ، فَيَعْلَمُ أَنَّ لَهُ مَعَادًا، فَهُوَ فِيمَا يَغِيبُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ أَعْمَى {وَأَضَلُّ سَبِيلا} أَيْ: طَرِيقًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا من عمى الْقلب؛ أَي: هُوَ فِي الْآخِرَةِ أَشَدُّ عَمًى وَأَضَلُّ سَبِيلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ طَرِيقا إِلَى الْهِدَايَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 {وَإِن كَادُوا} أَي: قد كَادُوا {لَيَفْتِنُونَك} أَيْ: يَسْتَزِلُّونَكَ {عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذا لاتخذوك خَلِيلًا} لَو فعلت ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاك} عَصَمْنَاكَ {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئا قَلِيلا} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 {إِذا لأذقناك} لَو فعلت {ضعف الْحَيَاة} أَيْ: عَذَابُ الدُّنْيَا {وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} أَيْ: عَذَابَ الْآخِرَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: ضِعْفَ عَذَابِ الْحَيَاةِ، وَضِعْفَ عَذَابِ الْمَمَاتِ. قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ قَوْمًا خَلَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ يُكَلِّمُونَهُ وَيُفَخِّمُونَهُ، وَكَانَ فِي قَوْلِهِمْ أَنْ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ تَأْتِي بِشَيْءٍ لَا يَأْتِي بِهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا ... فَمَا زَالُوا يُكَلِّمُونَهُ حَتَّى كَادَ يُقَارِبُهُمْ يَلَيِنُ لَهُمْ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عصمه من ذَلِك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ} يَعْنِي بِالْأَرْضِ: مَكَّةَ {لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا} أَيْ: يُخْرِجُونَكَ مِنْهَا بِالْقَتْلِ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ {وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ (خَلفك} إِلَّا قَلِيلا} يَعْنِي: بَعْدَكَ حَتَّى يَسْتَأْصِلَهُمْ بِالْعَذَابِ لَو قتلوك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ من رسلنَا} أَنَّهُمْ إِذَا قَتَلُوا نَبِيَّهُمْ، أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 قَالَ مُحَمَّد: يجوز أَن يكون نصب (ل 188) (سنة) بِمَعْنَى: أَنَا (سَنَنْتُ) السُّنَّةَ فِيمَنْ أرسلنَا قبلك. سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 78 آيَة 80). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 {أقِم الصَّلَاة} يَعْنِي: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أَيْ: لِزَوَالِهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءَ، يَعْنِي: صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ {إِلَى غسق اللَّيْل} يَعْنِي: اجْتِمَاعَهِ وَظُلْمَتَهِ؛ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ عِنْدَ بَدْوِ اللَّيْلِ، وَصَلَاةَ الْعِشَاءِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ اللَّيْلِ، وَظُلْمَتُهُ إِذَا غَابَ الشَّفق {وَقُرْآن الْفجْر} وَهِي صَلَاة الصُّبْح {إِن قُرْآن الْفجْر كَانَ مشهودا} تَشْهُدُهُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله {وَقُرْآن الْفجْر} الْمَعْنى: وأقم قُرْآن الْفجْر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَك} يَعْنِي: عَطِيَّةً مِنَ اللَّهِ لَكَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: تَهَجَّدَ الرَّجُلُ إِذَا سَهِرَ، وَهَجَدَ إِذَا نَامَ. {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ، وَالْمَقَامُ الْمَحْمُودُ: الشَّفَاعَةُ. يَحْيَى: عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَة ابْن الْيَمَانِ قَالَ: " يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ حُفَاةً عُرَاةً؛ كَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 خُلِقُوا يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِيَ وَيُنْفِذُهُمُ الْبَصَرَ، حَتَّى يُلْجِمَهُمُ الْعَرَقُ، وَلَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ. قَالَ: فَأَوَّلُ مَنْ يُدْعَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، وَالسَّعِيدُ مَنْ هَدَيْتَ، وَعَبْدُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ وَبِكَ وَإِلَيْكَ، وَلَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، وَعَلَى عَرْشِكَ اسْتَوَيْتَ، سُبْحَانَكَ رَبَّ الْبَيْتِ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اشْفَعْ. قَالَ: فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وعده الله ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} يَعْنِي: الْمَدِينَةَ حِينَ هَاجَرَ إِلَيْهَا؛ أَمَرَهُ اللَّهُ بَهَذَا الدُّعَاءِ {وَأَخْرِجْنِي مخرج صدق} أَيْ: إِلَى قِتَالِ أَهْلِ بَدْرٍ، وَقَدْ كَانَ أَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ سَيُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ، وَيُظْهِرُهُ عَلَيْهِمُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ {مُدْخَلَ} بِضَمِ الْمِيمِ، فَهُوَ مَصْدَرٌ أَدْخَلْتُهُ مُدْخَلًا، وَمَنْ قَرَأَ: (مَدْخَلَ) بِنَصْبِ الْمِيمِ، فَهُوَ عَلَى أَدْخَلْتُهُ فَدَخَلَ مَدْخَلَ صِدَقٍ. وَكَذَلِكَ شَرْحُ (مُخْرَجَ) مِثْلُهُ {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ} من عنْدك {سُلْطَانا نَصِيرًا} أَيْ: حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ؛ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِد. سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 81 آيَة 88). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 {وَقل جَاءَ الْحق} وَهُوَ الْقُرْآن {وزهق الْبَاطِل} وَهُوَ إِبْلِيسُ؛ هَذَا تَفْسِيرُ قَتَادَةَ {إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقا} الزهوق: الداحض الذَّاهِب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 {وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا} كُلَّمَا جَاءَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ كَذَّبُوا بِهِ، فَازْدَادُوا فِيهِ خَسَارًا إِلَى خسارهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 {وَإِذا أنعمنا على الْإِنْسَان} يَعْنِي: الْمُشْرِكَ؛ أَيْ: أَعْطَيْنَاهُ السَّلَامَةَ والعافية {أعرض} عَنِ اللَّهِ وَعَنْ عِبَادَتِهِ {وَنَأَى بجانبه} تَبَاعَدَ عَنِ اللَّهِ مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ {وَإِذا مَسّه الشَّرّ} الْأَمْرَاض والشدائد {كَانَ يئوسا} أَيْ: يَئِسَ أَنْ يُفَرَّجُ ذَلِكَ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا حسبَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: عَلَى نَاحِيَتِهِ؛ لِذَا يَقْوَى الْمُؤْمِنُ عَلَى إِيمَانِهِ، وَالْكَافِر على كفره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 {ويسألونك عَن الرّوح} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ بَعَثُوا رُسُلًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا لَهُمْ: سَلُوا الْيَهُودَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَصِفُوا لَهُمْ نَعْتَهُ وَقَوْلَهُ، ثُمَّ ائْتُونَا فَأَخْبِرُونَا. فَانْطَلَقُوا حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، فَوَجَدُوا بِهَا عُلَمَاءَ الْيَهُودِ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ قَدِ اجْتَمَعُوا فِيهَا لِعِيدٍ لَهُمْ فَسَأَلُوهُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَنَعَتُوا لَهُمْ نَعْتَهُ، فَقَالَ لَهُمْ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ: إِنَّ هَذَا لَنَعْتُ النَّبِيِّ الَّذِي يَتَحَدَّثُ أَنَّ اللَّهَ بَاعِثُهُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ. فَقَالَتْ لَهُ رُسُلُ قُرَيْشٍ: إِنَّهُ فَقِيرٌ عَائِلٌ يَتِيمٌ لَمْ يَتْبَعُهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ أَحَدٌ، وَلَا مِنْ ذَوِي الْأَسْنَانِ فَضَحِكَ الْحَبْرُ. وَقَالَ: كَذَلِكَ نَجِدُهُ. قَالَتْ لَهُ رُسُلُ قُرَيْشٍ: إِنَّهُ يَقُولُ قَوْلًا عَظِيمًا؛ يَدْعُو إِلَى الرَّحْمَنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 بِالْيَمَامَةِ السَّاحِرُ الْكَذَّابُ يَعْنُونَ: مُسَيْلِمَةَ. فَقَالَت لَهُم الْيَهُود: اذْهَبُوا (ل 189) فَسَلُوا صَاحِبَكُمْ عَنْ خِلَالٍ ثَلَاثٍ؛ فَإِنَّ الَّذِي بِالْيَمَامَةِ قَدْ عَجَزَ عَنْهُنَّ هُمَا اثْنَانِ مِنَ الثَّلَاثِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُهُمَا إِلَّا نَبِيٌّ، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِمَا فَقَدْ صَدَقَ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلَا يَجْتَرِئُ عَلَيْهَا أَحَدٌ، فَقَالَتْ لَهُمْ رُسُلُ قُرَيْشٍ: أَخْبِرُونَا بِهِنَّ. فَقَالَتْ لَهُمُ الْيَهُودُ: سَلُوهُ عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ وَقَصُّوا عَلَيْهِمْ قِصَّتَهُمْ وَسَلُوهُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَحَدِّثُوهُمْ بِأَمْرِهِ وَسَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ فِيهِ بِشَيْءٍ، فَهُوَ كَاذِبٌ. فَرَجَعَتْ رُسُلُ قُرَيْشٍ إِلَيْهِمْ، فَأَخْبَرُوهُمْ بِذَلِكَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ فَلَقِيَهُمْ فَقَالُوا: يَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنَّا سَائِلُوكَ عَنْ خِلَالٍ ثَلَاثٍ، فَإِنْ أَخْبَرْتَنَا بِهِنَّ فَأَنْتَ صَادِقٌ، وَإِلَّا فَلَا تَذْكُرَنَّ آلِهَتِنَا بِشَيْءٍ. فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا هُنَّ؟ قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ؛ فَإِنَّا قَدْ أُخْبِرْنَا عَنْهُمْ بِآيَةٍ بَيِّنَةٍ، وَأَخْبِرْنَا عَنْ ذِي الْقَرَنَيْنِ؛ فِإِنَّا قَدْ أُخْبِرْنَا عَنْهُ بَأَمْرٍ بَيِّنٍ، وَأَخْبِرْنَا عَنِ الرُّوحِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: انْظِرُونِي حَتَّى أَنْظُرَ مَا يُحْدِثُ إِلَيَّ فِيهِ رَبِّي؟ قَالُوا: فَإِنَّا نَاظِرُوكَ فِيهِ ثَلَاثًا. فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَا يَأْتِيهِ جِبْرِيلُ، ثُمَّ أَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَاسْتَبْشَرَ بِهِ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ، قَدْ رَأَيْتَ مَا سَأَلَ عَنْهُ قَوْمِي ثُمَّ لَمْ تَأْتِنِي! قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبك نسيا} فَإِذَا شَاءَ رَبُّكَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ. ثُمَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}: ثُمَّ قَالَ لَهُ: {أَمْ حَسِبْتَ أَن أَصْحَاب الْكَهْف والرقيم} فَذَكَرَ قِصَّتَهُمْ، وَقَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي القرنين} فَذَكَرَ قِصَّتَهُ، ثُمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ قُرَيْشًا فِي آخِرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَقَالُوا: مَا أَحْدَثَ إِلَيْكَ رَبُّكَ فِي الَّذِي سَأَلْنَاكَ عَنْهُ؟ فَقَصَّهُ عَلَيْهِمْ فَعَجِبُوا، وَغَلَبَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُصَدِّقُوهُ. قَالَ قَتَادَةُ: وَقَوْلُهُ: {وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} يَعْنِي بِهِ: الْيَهُود؛ أَي: أَنهم لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ. قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ؛ أَنَّهُ قَالَ: الرُّوحُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ الله لَهُم أيد وأرجل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك} يَعْنِي: الْقُرْآنَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ {ثُمَّ لَا تَجِدُ لَك بِهِ علينا وَكيلا} أَيْ: وَلِيًا يَمْنَعُكَ مِنْ ذَلِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 {إِلَّا رَحْمَة من رَبك} فِيهَا إِضْمَارٌ يَقُولُ: وَإِنَّمَا أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْكَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ، الْآيَةُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآن لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيرا} أَي: عوينا. سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 89 آيَة 95). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 {وَلَقَد صرفنَا للنَّاس} أَيْ: ضَرَبْنَا لَهُمْ {فِي هَذَا الْقُرْآن من كل مثل}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 {حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ ينبوعا} أَي: عينا ببلدنا هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا} خلال تِلْكَ الْجنَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ علينا كسفا} قِطَعًا؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ {أَوْ تَأتي بِاللَّه وَالْمَلَائِكَة قبيلا} أَيْ: عِيَانًا؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ. قَالَ مُحَمَّد: (قبيلا) مَأْخُوذ من الْمُقَابلَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زخرف} أَيْ: مِنْ ذَهَبٍ {أَوْ تَرْقَى} تَصْعَدُ {فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لرقيك} لِصُعُودِكَ أَيْضًا؛ فَإِنَّ السَّحَرَةَ قَدْ تَفْعَلُ ذَلِكَ، فَتَأْخُذُ بِأَعْيُنِ النَّاسِ حَتَّى تُبَدِّلَ {حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كتابا نقرؤه} إِلَى كُلَّ إِنْسَانِ بِعَيْنِهِ، مِنَ الله إِلَى فلَان ابْن فلَان وَفُلَان ابْن فلَان وَفُلَان ابْن فُلانٍ أَنْ آمِنُوا بِمُحَمَّدٍ؛ فَإِنَّهُ رَسُولِي. {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كنت إِلَّا بشرا رَسُولا} أَيْ: هَلْ كَانَتِ الرُّسُلُ تَأْتِي فِيمَا مَضَى بِكِتَابٍ مِنَ اللَّهِ إِلَى كُلِّ إِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ؟! أَنْتُمْ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يفعل بكم هَذَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 {وَمَا منع النَّاس} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أبْعث الله بشرا رَسُولا} (ل 190) عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا، فَلَوْ كَانَ من الْمَلَائِكَة لآمَنَّا بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلَائِكَة يَمْشُونَ مُطْمَئِنين} أَيْ: قَدِ اطْمَأَنَّتْ بِهِمُ الدَّارُ فَهِي مَسْكَنُهُمْ {لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاء ملكا رَسُولا} وَلَكِنْ فِيهَا بِشْرٌ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 فَأَرْسَلنَا إِلَيْهِم بشرا مثلهم. سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 96 آيَة 98). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنكُم} قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: كَفَى اللَّهُ شَهِيدًا، وَالنَّصْبُ يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ: (شَهِيدا) عَلَى نَوْعَيْنِ: إِنْ شِئْتَ عَلَى التَّمْيِيزِ؛ كَفَى اللَّهُ مِنَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ شِئْتَ عَلَى الْحَالِ؛ كَفَى الله فِي حَال الشَّهَادَة. {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا} مَوْضِعُ (أَنْ) نَصْبٌ وَقَوْلُهُ: {إِلا أَن قَالُوا} مَوْضِعُ (أَنْ) رَفْعٌ، الْمَعْنَى: مَا مَنَعَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا قَوْلُهُمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 {وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء من دونه} أَيْ: يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. {ونحشرهم يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: نَسُوقَهُمْ بَعْدَ الْحِسَابِ إِلَى النَّارِ {عَلَى وُجُوهِهِمْ عميا وبكما وصما} أما (عميا) فَعَمُوا فِي النَّارِ حِينَ دَخَلُوهَا فَلَمْ يُبْصِرُوا فِيهَا شَيْئًا وَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ لَا يُضِيءُ لَهَبُهَا، و (بكما): خُرْسًا؛ انْقَطَعَ كَلَامُهُمْ حِينَ قَالَ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} و (صمًّا): أَذْهَبَ الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ بِسَمْعِهِمْ؛ فَلَا يسمعُونَ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 {وهم فِيهَا لَا يسمعُونَ}. {كلما خبت زدناهم سعيرا} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: كُلَّمَا طُفِئَتْ أُسْعِرَتْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: خَبَتِ النَّارُ تَخْبُو خَبْوًا؛ إِذَا سَكَنَ لَهَبُهَا، فَإِنْ سَكَنَ اللَّهَبُ وَلَمْ يُطْفَأِ الْجَمْرُ، قِيلَ: خَمَدَتْ تَخْمَدُ خُمُودًا، وَإِنْ طُفِئَتْ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ قِيلَ: هَمَدَتْ تَهْمَدُ هُمُودًا. وَقَوْلُهُ: (زدناهم سعيرا) أَي: نَارا تسعر تتلهب. سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 99 آيَة 100). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 {أَو لم يرَوا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} وهم يقرونَ أَنه خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ {قَادِرٌ عَلَى أَن يخلق مثلهم} يَعْنِي: الْبَعْثَ {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلا لَا ريب فِيهِ} لَا شَكَّ فِيهِ؛ يَعْنِي: الْقِيَامَةَ {فَأبى الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ {إِلَّا كفرُوا} بالقيامة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَة رَبِّي} تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَعْنِي: مَفَاتِيحَ الرِّزْقِ {إِذا لأمسكتم خشيَة الْإِنْفَاق} خَشْيَةَ الْفَاقَةِ {وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا} بَخِيلًا يُخْبِرُ أَنَّهُمْ بُخَلَاءُ؛ يَعْنِي: الْمُشْركين. سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 101 آيَة 104). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَات} يَدَهُ، وَعَصَاهُ، وَالطُّوفَانَ، وَالْجَرَادَ، وَالْقُمَّلَ، وَالضَّفَادِعَ، وَالدَّمَ {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ}. {فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ} يَقُول ذَلِك للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام {فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مسحورا} قَالَ مُحَمَّد يَعْنِي: مخدوعا؛ فِي تَفْسِير بَعضهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ} يَعْنِي: الْآيَاتِ؛ يَقُولُ هَذَا لِفِرْعَونَ {إِلَّا رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض بصائر} يَعْنِي: حُجَجًا. مَقْرَأُ الْعَامَّةِ: {لَقَدْ علمت} بِفَتْحِ التَّاءِ؛ يَعْنِي: فِرْعَوْنَ؛ كَقَوْلِهِ: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وعلوا وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} أَي: مهْلكا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 {فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الأَرْضِ} يَعْنِي: أَرْضَ مِصْرَ؛ أَيْ: يُخْرِجَهُمْ مِنْهَا بِالْقَتْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بكم لفيفا} يَعْنِي: بَنِي إِسْرَائِيلَ وَفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، (لفيفا) جَمِيعًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: اللَّفِيفُ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: الْجَمَاعَاتُ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 سُورَة الْإِسْرَاء من (آيَة 105 آيَة 111). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 {وبالحق أَنزَلْنَاهُ} يَعْنِي: الْقُرْآنِ {وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا مبشرا} بِالْجنَّةِ {وَنَذِيرا} تنذر النَّاس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 {وقرآنا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مكث} أَيْ: طُوْلٍ، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّخْفِيفِ، فَالْمَعْنَى: فَرَقَ فِيهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَمِنْ قَرَأَهَا بِالتَّثْقِيلِ، فَالْمَعْنَى: فَرَّقَهُ اللَّهُ؛ فَأَنْزَلَهُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمَ، وَشَهْرًا بَعْدَ شَهْرٍ، وَعَامًا بَعْدَ عَامٍ مُنَجَّمًا يَقَرُّ بِهِ قَلْبُكَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْله (قُرْآنًا) مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ؛ الْمَعْنَى: وَفَرَقْنَاهُ قُرْآنًا. (ل 191) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 {قل آمنُوا بِهِ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ {أَوْ لَا يُؤمنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قبله} قَبْلَ الْقُرْآنِ؛ يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ (إِذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 يُتْلَى عَلَيْهِم) {الْقُرْآن} (يخرون للأذقان} لِلْوُجُوهِ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ {سُجَّدًا} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 {وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وعد رَبنَا لمفعولا} أَيْ: قَدْ كَانَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا مَفْعُولًا، وَدخلت (إِن) وَاللَّام للتوكيد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 و (يخرون للأذقان) يَعْنِي: الْوُجُوه. {يَبْكُونَ ويزيدهم} يَعْنِي: الْقُرْآن {خشوعا} وَالْخُشُوعُ: الْخَوْفُ الثَّابِتُ فِي الْقَلْبِ. قَالَ مُحَمَّد: (الأذقان) وَاحِدُهَا: ذَقْنٌ؛ وَهُوَ مَجْمَعُ اللِّحْيَيْنِ؛ وَهُوَ عُضُوٌ مِنْ أَعْضَاءِ الْوَجْهُ، و (سجدا) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ. {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} { الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 2 - ! (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَن أيا مَا تَدْعُو} يَقُولُ: أَيَّ الِاسْمَيْنِ دَعْوتُمُوهُ {فَلَهُ الْأَسْمَاء الْحسنى} أَيْ: أَنَّهُ هُوَ اللَّهُ وَهُوَ الرَّحْمَنُ. {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَقُولُ: هَذَا فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ لَا تَجْعَلْهَا كُلَّهَا سِرًّا، وَلَا تَجْعَلْهَا كُلَّهَا جَهْرًا، وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا. قَالَ يَحْيَى: فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ هُوَ بِمَكَّةَ كَانَ يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ؛ فَإِذَا صَلَّى بِهِمْ وَرَفَعَ صَوْتَهُ سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ صَوْتَهُ فَآذَوْهُ، وَإِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 خَفَضَ صَوْتَهُ لَمْ يَسْمَعْ مَنْ خَلْفَهُ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَبْتَغِي بَين ذَلِك سَبِيلا ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يتَّخذ ولدا} يَتَكَثَّرُ بِهِ مِنَ الْقِلَّةِ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} خَلْقَ مَعَهُ شَيْئًا {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ولي من الذل} يتعزز بِهِ {وَكبره تَكْبِيرا}) أَيْ: عَظِّمْهُ تَعْظِيمًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 تَفْسِيرُ سُوْرَةِ الْكَهْفِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَة الْكَهْف من (آيَة 1 آيَة 8). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 قَوْله: {الْحَمد لله} حَمِدَ نَفْسَهُ، وَهُوَ الْحَمِيدُ {الَّذِي أنزل على عَبده} مُحَمَّد {الْكتاب} الْقُرْآنَ {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} يَقُولُ: لَا عِوَجَ فِيهِ وَلَا اخْتِلَاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} أَيْ: بِعَذَابٍ شَدِيدٍ مِنْ لَدُنْهُ؛ أَيْ: مِنْ عِنْدِهِ {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أجرا حسنا} عِنْدَ اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} أَنَّ لِلَّهِ وَلَدًا {وَلا لآبَائِهِمْ} الَّذِينَ كَانُوا فِي الشِّرْكِ {كَبُرَتْ كلمة تخرج من أَفْوَاههم} (كلمة) بِالنَّصْبِ، وَكَانَ الْحَسَنُ يَقْرَؤُهَا (كَلِمَةٌ) بِالرَّفْعِ؛ وَتَفْسِيرُهَا: كَبُرَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ كَلِمَةً أَنْ قَالُوا أَنَّ لِلَّهِ ولدا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 قَالَ مُحَمَّد: وَمن قَرَأَهَا بِالنَّصْبِ، فَهُوَ عَلَى التَّمْيِيزِ؛ بِمَعْنَى: كَبُرَتْ مَقَالَتُهُمْ: اتَّخَذَ اللَّهُ ولدا كلمة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 {فلعلك باخع نَفسك} أَيْ: قَاتِلٌ نَفْسَكَ {عَلَى آثَارِهِمْ} أَيْ: مِنْ بَعْدِهِمْ {إِنْ لَمْ يُؤمنُوا بِهَذَا الحَدِيث} يَعْنِي: الْقُرْآن {أسفا} أَيْ: حُزْنًا عَلَيْهِمُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (أسفا) مَنْصُوبٌ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 {لنبلونهم} لنختبرهم {أَيهمْ أحسن عملا} أَي: أطوع لله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 {وَإِنَّا لجاعلون مَا عَلَيْهَا} مَا عَلَى الْأَرْضِ {صَعِيدًا جُرُزًا} قَالَ قَتَادَةُ: الْجُرُزُ: الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَجَرٌ وَلَا نَبَاتٌ. قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: أَرض جرز، وأراضون أَجْرَازٌ، وَالصَّعِيدُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْمُسْتَوِي. سُورَة الْكَهْف من (آيَة 9 آيَة 16). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 {أم حسبت} أَيْ: أَفَحَسِبْتَ {أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: يَقُولُ: قَدْ كَانَ فِي آيَاتِنَا مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْكَهْفُ: كَهْفُ الْجَبَلِ، وَالرَّقِيمُ: الْوَادِي الَّذِي فِيهِ الْكَهْفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَة} أَيْ: رِزْقًا. {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أمرنَا رشدا} قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: أَرْشِدْنَا إِلَى مَا يُقَرِّبُ مِنْكَ. قَالَ يَحْيَى: كَانُوا قَوْمًا قَدْ آمَنُوا، وَفَرُّوا بِدِينِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَكَانَ قَوْمُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ، وَخَشُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ الْقَتْل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 قَالَ: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْف سِنِين عددا}. قَالَ مُحَمَّد: و (عددا) مَنْصُوب (ل 192) عَلَى الْمَصْدَرِ؛ أَيْ: تُعَدُّ عَدًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أحصى لما لَبِثُوا أمدا} قَالَ مُحَمَّد: (أمدا) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ؛ الْمَعْنَى: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِلُبْثِهِمْ فِي الأمد، وَقَوله: {ثمَّ بعثناهم} يَعْنِي: مِنْ نَوْمِهِمْ، وَكُلُّ شَيْءٍ سَاكِنٌ حَرَّكْتَهُ لِلتَّصَرُّفِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 فقد بعثته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} أَي: خبرهم. {وزدناهم هدى} يَعْنِي: إِيمَانًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 {وربطنا على قُلُوبهم} بِالْإِيمَانِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: أَلْهَمْنَاهُمُ الصَّبْرَ، وَثَبَّتْنَا قُلُوبَهُمْ. {لَقَدْ قُلْنَا إِذا شططا} قَالَ قَتَادَة: يعنون: جورا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 {لَوْلَا} هَلَّا {يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} بِحُجَّةٍ بَيِّنَةٍ؛ بِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِعِبَادَتِهِمْ {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى على الله كذبا} أَي: لَا أحد أظلم مِنْهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا الله} قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ (وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) وَهَذَا تَفْسِيرُهَا {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْف} أَيْ: فَانْتَهُوا إِلَى الْكَهْفِ {يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} أَي: يبسط لكم من رزقه؛ فِي تفسر السّديّ. سُورَة الْكَهْف من (آيَة 17 آيَة 20). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ} أَيْ: تَمِيلُ {عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمين وَإِذا غربت تقرضهم} أَي: تتركهم {ذَات الشمَال} قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: لَا تَدْخُلُ الشَّمْسُ كَهْفَهُمْ {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} أَيْ: فِي فَضَاءٍ مِنَ الْكَهْفِ. قَالَ مُحَمَّد: (تزاور) الْأَصْلُ فِيهِ: (تَتَزَاوَرُ) فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الزَّاي، و (تفرضهم) أَصْلُ الْقَرْضِ: الْقَطْعُ وَالتَّفْرِقَةُ، وَالْقِرَاءَةُ (تقرضهم) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى (تَقْرُضُهُمْ) بِالضَّمِّ. {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِد لَهُ وليا مرشدا} أَيْ: صَاحِبًا يُرْشِدُهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (المهتد) وَقَعَتْ فِي الْمُصْحَفِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِغَيْرِ يَاءٍ، وَوَقَعَتْ فِي الْأَعْرَافِ بِالْيَاءِ، وَحَذْفُ الْيَاءِ جَائِزٌ فِي الْأَسْمَاءِ، وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 يجوز فِي الْأَفْعَال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 {وتحسبهم أيقاظا} أَيْ: مُفَتَّحَةٌ أَعْيُنُهُمْ {وَهُمْ رُقُودٌ}. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْأَيْقَاظُ: الْمُنْتَبِهُونَ، وَالرُّقُودُ: النِّيَامُ. {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشمَال} قَالَ قَتَادَةُ: فِي رَقْدَتِهِمُ الْأُوْلَى قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا. قَالَ أَبُو عِيَاضٍ: لَهُمْ فِي كُلِّ عَامٍ تَقْلِيبَتَانِ {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} أَيْ: بِفِنَاءِ الْكَهْفِ {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُم رعْبًا}. قَالَ مُحَمَّد: (فِرَارًا) مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى وليت: فَرَرْت، و (رعْبًا) مَنْصُوب على التَّمْيِيز. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} وَكَانُوا دَخَلُوا الْكَهْفَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، قَالَ: فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ قَدْ بَقِيَ مِنَ الشَّمْسِ بَقِيَّةٌ، فَقَالُوا: {أَو بعض يَوْم}، ثُمَّ إِنَّهُمْ شَكُّوا؛ فَرَدُّوا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ فَقَالُوا: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِه} أَي: بدراهمكم {إِلَى الْمَدِينَة} وَكَانَتْ مَعَهُمْ دَرَاهِمَ {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أزكى طَعَاما} تَفْسِيرُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَيُّهَا أَحَلُّ. قَالَ يَحْيَى: وَقَدْ كَانَ مِنْ طَعَامِ قَوْمِهِمْ مَا لَا يَسْتَحِلُّونَ أَكْلَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يشعرن} يعلمن {بكم أحدا} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 {إِنَّهُم إِن يظهروا عَلَيْكُم} أَي: يطلعوا عَلَيْكُم {يرجموكم} يَقْتُلُوكُمْ بِالْحِجَارَةِ {أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي ملتهم} الْكُفْرِ {وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} إِن فَعلْتُمْ. سُورَة الْكَهْف من (آيَة 21 آيَة 22). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 {وَكَذَلِكَ أعثرنا عَلَيْهِم} أَيْ: أَطْلَعْنَا عَلَيْهِمْ أَهْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ الَّذِي أَحْيَاهُمُ اللَّهُ فِيهِ {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا} لَا شَكَّ فِيهَا {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَينهم أَمرهم} يَعْنِي: قَوْمَهُمْ؛ كَانَتْ تِلْكَ الْأُمَّةُ الَّذِينَ هَرَبُوا مِنْهُمْ قَدْ بَادَتْ، وَخَلَفَتْ بَعْدَهُمْ أُمَّةٌ أُخْرَى، وَكَانُوا على الْإِسْلَام، ثمَّ إِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْبَعْثِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُبْعَثُ النَّاسُ فِي أَجْسَادِهِمْ وَهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ كَانَ الْمُلْكُ مِنْهُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُبْعَثُ الْأَرْوَاحُ بِغَيْرِ أَجْسَادٍ؛ فَبَعَثَ اللَّهُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ (ل 193) يَرَوْنَ أَنَّهَا تِلْكَ الْأُمَّةُ الَّذِينَ فَرُّوا مِنْهُمْ. [وَدَخَلَ] الْمَدِينَةَ وَهِيَ مَدِينَةٌ بِالرُّومِ يُقَالُ لَهَا: قَبْسُوسُ، وَأَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ؛ لِيَشْتَرِيَ بِهَا الطَّعَامَ، فَاسْتُنْكِرَتِ الدَّرَاهِمُ، وَأُخِذَ فَذُهِبَ بِهِ إِلَى مَلِكِ الْمَدِينَةِ؛ فَإِذَا الدَّرَاهِمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 دَرَاهِمُ الْمَلِكُ الَّذِي فَرُّوا مِنْهُ؛ فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ وَجَدَ كَنْزًا، فَلَمَّا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُعَذَّبَ أَطْلَعَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ لَهُمُ الْمَلِكُ: قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكُمْ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ، فَأَعْلَمَكُمْ أَنَّ النَّاسَ ليُبْعَثُونَ فِي أَجْسَامِهِمْ، فَرَكِبَ الْمَلِكُ وَالنَّاسُ مَعَهُ؛ حَتَّى أَتَوْا إِلَى الْكَهْفِ وَتَقَدَّمَهُمُ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا دَخَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَرَأَهُمْ وَرَأَوْهُ مَاتُوا؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَتْ أَتَتْ عَلَيْهِمْ آجَالُهُمْ، فَقَالَ الْقَوْمُ: كَيْفَ نَصْنَعُ بِهَؤُلَاءِ؟! {فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بنيانا}. {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} رُؤَسَاؤُهُمْ وَأَشْرَافُهُمْ {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 قَالَ الله: {سيقولون} سَيَقُولُ أَهْلُ الْكِتَابِ: {ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رجما بِالْغَيْبِ} قَالَ: السُّدِّيُّ: يَعْنِي: رَمْيًا بِقَوْلِ الظَّنِّ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى يَقُولُونَ ذَلِكَ ظَنًّا بِغَيْرِ يَقِينٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: (وَمَا الْحَرْبُ إِلَّا مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمُ ... وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ الْمُرَجَّمِ) قَوْلُهُ: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنْهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ} قَالَ قَتَادَةُ: إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ، وَذَكَرَ لَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: أَنَا مِنْ أُولَئِكَ الْقَلِيلِ الَّذِينَ اسْتَثْنَى اللَّهُ؛ كَانُوا سَبْعَةً وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ. قَالَ: {فَلا تمار فيهم} يَقُولُ اللَّهُ للنَّبِيِّ: فَلَا تُمَارِ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي أَصْحَابِ الْكَهْفِ {إِلَّا مراء ظَاهرا} أَيْ: إِلَّا بِمَا أَخْبَرْتُكَ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: أَفْتِ فِي قِصَّتِهِمْ بِالظَّاهِرِ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ. {وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ} فِي أَصْحَابِ الْكَهْفِ {مِنْهُمْ أَحَدًا} من الْيَهُود. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 سُورَة الْكَهْف من (آيَة 23 آيَة 26). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلا أَنْ يَشَاءَ الله} يَقُولُ: إِلَّا أَنْ تَسْتَثْنِي. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: إِلَّا أَنْ تَقُولَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ؛ فَأُضْمِرَ الْقَوْلُ؛ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَقَوْلُهُ: {وَاذْكُرْ رَبك إِذا نسيت}. قَالَ يَحْيَى: " بَلَغَنَا أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله عَلَيْهِ السَّلَام: أُخْبِرُكُمْ عَنْهَا غَدًا. وَلَمْ يَسْتَثْنِ؛ فَأنْزل اللَّه هَذِه الْآيَة ". قَالَ الْحَسَنُ: أُمِرَ أَلا يَقُولَ لِشَيْءٍ فِي الْغَيْبِ: إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، دَوْنَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وَأُمِرَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ إِذَا ذَكَرَ؛ فَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ فَلَا ثُنْيَا لَهُ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ نَاسٍ لِلِاسْتِثْنَاءِ فَلَهُ ثُنْيَاهُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ تَكَلَّمَ أَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 {وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَب من هَذَا رشدا} قَالَ مُحَمَّدٌ: قِيلَ: الْمَعْنَى: عَسَى رَبِّي أَنْ يُعْطِيَنِي مِنَ الْآيَاتِ وَالدَّلَالَاتِ عَلَى النُّبُوَّةِ مَا يَكُونُ أَقْرَبُ فِي الرُّشْدِ، وَأَدَلُّ مِنْ قصَّة أَصْحَاب الْكَهْف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 {وَلَبِثُوا فِي كهفهم ثَلَاثمِائَة} ثمَّ أخبر مَا تِلْكَ الثلاثمائة، فَقَالَ: {سِنِين}. قَالَ مُحَمَّد: (سِنِين) عطف على ثَلَاثمِائَة؛ وَهَذَا الْعَطْفُ يُسَمِّيهِ النَّحَوِيُّونَ: عَطْفُ الْبَيَانِ وَالتَّوْكِيدُ. قَوْلُهُ: {وَازْدَادُوا تِسْعًا} أَيْ: تِسْعَ سِنِينَ. تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: قَالَ: هَذَا قَوْلُ أَهْلُ الْكِتَابِ، رَجْعٌ إِلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَة وثامنهم كلبهم} وَيَقُولُونَ: {لَبِثُوا فِي كهفهم ثَلَاثمِائَة سِنِين، وازدادوا تسعا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 قَالَ قَتَادَةُ: فَرَدَّ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ فَقَالَ: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غيب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَي: يعلم غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ {أَبْصِرْ بِهِ وأسمع} يَقُولُ: مَا أَبْصَرَهُ وَمَا أَسْمَعَهُ! قَوْلِهِ: {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ من ولي} يَمْنَعُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ {وَلا يُشْرك فِي حكمه أحدا} أَيْ: وَلَا يُشْرِكُ اللَّهُ فِي حكمه أحدا. سُورَة الْكَهْف من (آيَة 27 آيَة 31). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 {لَا مبدل لكلماته} لَا يُغَيِّرُ فِي الْآخِرَةِ بِخِلَافِ مَا قَالَ فِي الدُّنْيَا {وَلَنْ تَجِد من دونه ملتحدا} (ل 194) قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي [مَوْئِلًا] قَالَ: مُلْتَحَدًا؛ أَيْ: نَصِيرًا؛ يُقَالُ: لَحَدْتُ وألحدت بِمَعْنى: عدلت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} قَالَ قَتَادَةُ: هُمَا الصَّلَاتَانِ: صَلَاةُ الْفَجْرِ، وَصَلَاةُ الْعَصْرِ، وَبَعْدَهُمْا فُرِضَتِ الصَّلَوَات قبل خُرُوج النَّبِي مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَنَةٍ {وَلَا تعد عَيْنَاك عَنْهُم} مَحَقَرَةٌ لَهُمْ {تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}. قَالَ مُحَمَّد: وَمعنى (لَا تعد): لَا تصرف بَصرك عَنْهُم إِلَّا غَيْرِهِمْ. قَالَ يَحْيَى: نَزَلَتْ فِي سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَصُهَيْبٍ وَخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ؛ قَالَ الْمُشْركُونَ للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ نُجَالِسَكَ فَاطْرُدْ عَنَّا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 يَحْيَى: عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ (عَمْرِو) بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَذِكْرُ اللَّهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ أَفْضَلُ مِنْ حَطْمِ السُّيُوفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمِنْ إِعْطَاءِ الْمَالِ سَحًّا ". يَحْيَى عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " لَأَنْ أُجَالِسَ أَقْوَامًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ؛ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ مَا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَلَأَنْ أُجَالِسَ أَقْوَامًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ بَعْدَ صَلَاةٍ الْعَصْرِ؛ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ أحب إِلَيّ من أُعْتِقَ ثَمَانِيَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 قَوْلِهِ: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} يَعْنِي: شَهْوَتَهُ {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} يَعْنِي: تضييعا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 {وَقل الْحق من ربكُم} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: الْقُرْآنَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: وَقُلِ الَّذِي آتَيْتُكُمْ بِهِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ. {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} هَذَا وَعِيدٌ؛ أَيْ: مَنْ آمَنَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ كَفَرَ دَخَلَ النَّارَ. قَوْلُهُ: {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} يَعْنِي: سُورُهَا {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمهْلِ} تَفْسِيرِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: كَعَكَرِ الزَّيْتِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَا أُذِيبَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالصُّفْرِ وَالرَّصَاصِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: مُهْلٌ. {يَشْوِي الْوُجُوهَ} أَيْ: يَحْرِقُهَا إِذَا أَهْوَى لِيَشْرَبَهُ {بئس الشَّرَاب وَسَاءَتْ مرتفقا} أَيْ: مَنْزِلًا وَمَأْوًى؛ وَهَذَا وَعِيدٌ لِمَنْ كَفَرَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 قَالَ مُحَمَّد: (مرتفقا) مَنْصُوب على التَّمْيِيز. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} إِلَى قَوْلِهِ: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أساور من ذهب}. يَحْيَى: عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: " إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَوْ بَدَا إِسْوَارُهُ لَغَلَبَ عَلَى ضَوْءِ الشَّمْسِ ". وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَحَدٌ إِلَّا وَفِي يَدِهِ ثَلَاثَةُ أَسْوِرَةٍ: إِسْوَارٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَإِسْوَارٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَإِسْوَارٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 {وَيلبسُونَ ثيابًا من سندس وإستبرق} وَهُمَا نَوْعَانِ مِنَ الْحَرِيرِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قِيلَ: إِنَّ السُّنْدُسَ رَقِيقُ الدِّيبَاجِ، وَالْإِسْتَبْرَقَ ثَخِينُهُ. {مُتَّكِئِينَ فِيهَا على الأرائك} تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْأَرَائِكَ: السُّرُرَ عَلَيْهَا الحجال. سُورَة الْكَهْف من (آيَة 32 40). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْل} قَالَ مُحَمَّدٌ: يَقُولُ: جَعَلْنَا النَّخْلَ مُطْبِقًا بِهِمَا. وَقَوْلُهُ: {مَثَلا رَجُلَيْنِ} نَصَبَهُمَا عَلَى مَعْنَى الْمَفْعُولِ؛ أَيْ: اضْرِب لَهُم رجلَيْنِ مثلا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 {كلتا الجنتين آتت أكلهَا} أَطْعَمَتْ ثَمَرَتْهَا {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئا} أَيْ: تَنْقُصْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 قَالَ مُحَمَّد: قَالَ: (آتت) وَلَمْ يَقُلْ: (أَتَتَا)؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَتَتْ أُكُلَهَا. {وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهرا} أَي: بَينهمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 {وَكَانَ لَهُ ثَمَر} أَيْ: أَصْلٌ {فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يحاوره} أَيْ: يُرَاجِعُهُ الْكَلَامَ {أَنَا أَكْثَرُ مِنْك مَالا وأعز نَفرا} يَعْنِي: رِجَالًا وَنَاصِرًا. قَالَ يَحْيَى: كَانَا أَخَوَيْنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَرِثَا عَنْ أَبِيهِمَا مَالًا؛ فَاقْتَسَمَاهُ فَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعَةَ آلَافِ دِينَارٍ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ مُؤْمِنًا فَأَنْفَقَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَقَدَّمَهُ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ كَافِرًا اتَّخَذَ الْأَرَضِينَ وَالضِّيَاعَ وَالدُّورَ وَالرَّقِيقَ فَاحْتَاجَ الْمُؤْمِنُ وَلَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَجَاءَ إِلَى أَخِيهِ يَزُورُهُ، وَيَتَعَرَّضْ لِمَعْرُوفِهِ، فَقَالَ أَخُوهُ: وَأَيْنَ مَا وَرِثْتَ؟ قَالَ: أَقْرَضته (ل 195) رَبِّي وَقَدَّمْتُهُ لِنَفْسِي؛ فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ: لَكِنِّي اتَّخَذْتُ بِهِ لِنَفْسِي ولولدي؛ مَا قد رَأَيْت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 قَالَ اللَّهُ: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِم لنَفسِهِ} يَعْنِي: بِشِرْكِهِ {قَالَ مَا أَظُنُّ} أَيْ: مَا أُوْقِنُ {أَنْ تَبِيدَ هَذِه أبدا} أَيْ: تَفْنَى، تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لَيْسَ يَعْنِي: أَنَّهَا لَا تَفْنَى فَتَذْهَبْ، وَلَكِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّهُ يَعِيشُ فِيهَا حَتَّى يأكلها حَيَاته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 {وَمَا أَظن} أَيْ: وَمَا أُوقِنُ أَنَّ {السَّاعَةَ قَائِمَة} يَجْحَدُ بِالْبَعْثِ {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأجدن خيرا مِنْهَا} أَي: من جنتي {منقلبا} فِي الْآخِرَةِ إِنَّ كَانَتْ آخِرَةٌ. قَالَ: {وَدخل جنته} وَقَالَ: {جعلنَا لأَحَدهمَا جنتين} كَانَتْ جَنَّةً فِيهَا نَهْرٌ، فَهِي جنَّة وَهِي جنتان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 {قَالَ لَهُ صَاحبه} الْمُؤْمِنِ {وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} إِلَى قَوْلُهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أشرك بربي أحدا}. قَالَ مُحَمَّد: (لَكنا) كُتِبَتْ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدِ بِالْأَلِفِ فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي يُقَالُ: هُوَ مُصْحَفُ عُثْمَانَ. قَالَ: وَقَرَأَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مُشَدَّدَةً عَلَى حَذْفِ الْألف إِذا وصلوا، وأضلها فِيمَا أَرَى (لَاكِنْ أَنَا) فَالْتَقَتِ النُّونَانِ فَأُدْغِمَتَا؛ فَإِذَا وُصِلَتِ الْقِرَاءَةُ حُذِفَتِ الْأَلِفُ، وَثَبَتَتْ فِي الْوَقْفِ، وَهَذَا كَقَوْلِكَ: أَنَ فَعَلْتُ ذَلِكَ، فَالْأَلِفُ مَحْذُوفَةٌ، فَإِذَا سَكَتَّ عَلَيْهَا قُلْتَ: أَنَا بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَذَكَرَ الزَّجَّاجُ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ الْأَلِفَ فِي الْوَصْلِ كَمَا يُثْبِتُهْا فِي الْوَقْفِ فَهُوَ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ: أَنَا فَعَلْتُ، قَالَ: وَإِثْبَاتُهَا فِي الْوَصْلِ شَاذٌّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 {وَلَوْلَا إِذْ دخلت جنتك} أَيْ: فَهَلَّا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ {قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه} ثمَّ قَالَ: {إِن ترني أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 {فَعَسَى رَبِّي أَن يؤتين} فِي الْآخِرَةِ {خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: نَارًا مِنَ السَّمَاءِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ: {حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاء} أَيْ: مَرَامِي، وَاحِدَتُهَا: حُسْبَانَةٌ. وَمَنْ قَرَأَ: (أَقَلَّ) بِالنَّصْبِ فَهُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِ (تَرَى)، وَدَخَلْتَ (أَنَا) لِلْتَوْكِيدِ. قَالَ: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَعْنِي: تُرَابًا لَا نَبَاتَ فِيهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (الصَّعِيدُ): الْمُسْتَوِي، وَيُسَمَّى وَجْهُ الْأَرْضِ: صَعِيدًا، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلتُّرَابِ: صَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ وَجه الأَرْض، و (الزلق): الَّذِي تزل عَلَيْهِ الْأَقْدَام. سُورَة الْكَهْف من (آيَة 41 آيَة 46). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 {أَو يصبح} يَعْنِي: أَوْ يَصِيرَ {مَاؤُهَا غَوْرًا} أَيْ: ذَاهِبًا قَدْ غَارَ فِي الْأَرْضِ {فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 قَالَ مُحَمَّد: (غورا) مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ، يُقَالُ: مَاء غور، ومياه غور. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 {وأحيط بثمره} مِنَ اللَّيْلِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى (أحيط): أهلك. {فَأصْبح} من الْغَد {يقلب كفيه} قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: يَضْرِبُ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى نَدَامَةً {عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عروشها}. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى (خَاوِيَةٌ عَلَى عروشها) أَيْ: خَرَابٌ عَلَى سَقْفِهَا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ: أَنْ يَسْقُطَ السَّقْفُ ثُمَّ تَسْقُطُ الْحِيطَانُ عَلَيْهَا. {وَيَقُولُ} فِي الْآخِرَةِ {يَا لَيْتَنِي لَمْ أشرك بربي} فِي الدُّنْيَا {أَحَدًا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 {وَلم تكن لَهُ فِئَة} أَيْ: عَشِيرَةٌ {يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ الله}. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ} وَلَمْ يَقُلْ: تَنْصُرُهُ؛ الْمَعْنَى: وَلَمْ يكن لَهُ أَقوام ينصرونه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 {هُنَالك الْولَايَة لله الْحق} تقْرَأ بِرَفْع (الْحق) وَبِجَرِّهِ، فَمَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ فَيَقُولُ: هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ الْحَقُّ لِلَّهِ، وَمِنْ قَرَأَهَا بِالْجَرِّ يَقُولُ: لِلَّهِ الْحَقِّ، وَالْحَقُّ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ؛ الْمَعْنَى: هُنَالِكَ يَتَوَلَّى اللَّهُ كُلَّ عَبْدٍ لَا يَبْقَى أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ إِلَّا تَوَلَّى اللَّهُ، فَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 قَالَ يَحْيَى: قَالَ السُّدِّيُّ: الْوَلَايَةُ بِالْفَتْحِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَرَأَهَا حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ الْوَاوِ، ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ. قَوْلُهُ: {هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخير عقبا} أَيْ عَاقِبَةٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (ثَوَابًا وعقبا) منصوبان على التَّمْيِيز. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَات الأَرْض}. قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي: انْدَفَعَ فِي النَّبَاتِ، فَأَخَذَ النَّبَاتُ زُخْرُفَهُ. {فَأَصْبَحَ هشيما تَذْرُوهُ الرِّيَاح} فَأَخْبَرَ أَنَّ الدُّنْيَا ذَاهِبَةٌ زَائِلَةٌ؛ كَمَا ذَهَبَ ذَلِكَ النَّبَاتُ بَعْدَ بهجته وزينته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا والباقيات الصَّالِحَات} هِيَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: [الْفَرَائِضُ] {خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أملا} يَقُولُ: هِيَ جَزَاءُ مَا قَدَّمُوهُ فِي الدُّنْيَا (ل 196) أَي يثابوه فِي الْآخِرَة. سُورَة الْكَهْف من (آيَة 47 آيَة 50). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بارزة} أَيْ: مُسْتَوِيَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا بِنَاءٌ وَلَا عَمَدٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ النَّصْبُ فِي قَوْلُهُ: (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ) عَلَى مَعْنَى: وَاذْكُرْ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ. {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أحدا} يُقَالُ: احْضُرُوا؛ فَلَمْ يَغِبْ مِنْهُمْ أَحَدٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: غَادَرْتُ كَذَا وغدرته؛ أَي: خلفته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 {وعرضوا على رَبك صفا} (أَيْ: صُفُوفًا) {لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة} أَيْ: حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، يَعْنِي: غُلْفًا غَيْرَ مُخْتَتَنِينَ. يَحْيَى: عَنِ الْأَزْهَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا سَوْءَتَاهُ لَكَ يَا ابْنَةَ أَبِي بَكْرٍ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: النَّاسُ يَوْمَئِذٍ أَشْغَلُ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؛ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ " الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 مِنْ حَدِيثِ يحيى بْنِ مُحَمَّدٍ. {بل زعمتم} يَقُول للْمُشْرِكين {أَن لن نجْعَل لكم موعدا} يَعْنِي: أَن لن تبعثوا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 {وَوضع الْكتاب} يَعْنِي: مَا كَانَتْ تَكْتِبُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ فِي الدُّنْيَا {فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ} يَعْنِي: الْمُشْركين {مشفقين} أَيْ: خَائِفِينَ {مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضرا} فِي كُتُبِهِمْ {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنّ} قَالَ الْحَسَنُ: وَهُوَ أَوَّلُ الْجِنِّ؛ كَمَا أَنَّ آدَمَ مِنَ الْإِنْسِ؛ وَهُوَ أَوَّلُ الْإِنْسِ , وَتَفْسِيرُ قَتَادَةَ: كَانَ من الْجِنّ قبيل من الْمَلائِكَةِ؛ يُقَالُ لَهُمُ: الْجِنُّ، وَكَانَ عَلَى خَزَانَةِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا {فَفَسَقَ عَن أَمر ربه} أَيْ: عَصَى أَمْرَهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْفُسُوقُ أَصْلُهُ: الْخُرُوجُ؛ تَقُولُ الْعَرَبُ: فَسَقَتِ الرُّطَبَةُ؛ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ قشرها. {أفتتخذونه وَذريته} يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى الشّرك {أَوْلِيَاء من دوني}. {بئس للظالمين بَدَلا} أَيْ: بِئْسَ مَا اسْتَبْدَلُوا بِعِبَادَةِ رَبهم طَاعَة إِبْلِيس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 سُورَة الْكَهْف من (آيَة 51 آيَة 56). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 {مَا أشهدتهم خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَا خلق أنفسهم} وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ؛ أَيْ: مَا أَشْهَدْتُهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ {وَمَا كنت متخذ المضلين عضدا} أَي: أعوانا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 {وَجَعَلنَا بَينهم} يَعْنِي: وَصْلَهُمُ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا {موبقا} أَيْ: مَهْلَكًا؛ فِي تَفْسِيرِ بَعْضِهِمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: وَبِقَ الرَّجُلُ يَوْبَقُ وَبَقًا، وَأَوْبَقَهُ اللَّهُ؛ أَيْ: أهلكه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 {وَرَأى المجرمون} الْمُشْركُونَ {النَّار فظنوا} أَيْ: عَلِمُوا {أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجدوا عَنْهَا مصرفا} أَي: معدلا إِلَى غَيرهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 {وَلَقَد صرفنَا} أَيْ: ضَرَبْنَا {فِي هَذَا الْقُرْآنِ للنَّاس من كل مثل}. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: وَلَقَدْ بَيَّنَّا لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثْلٍ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ. {وَكَانَ الْإِنْسَان} يَعْنِي: الْكَافِرَ {أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 قَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ كَقَوْلِهِ: {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ} مِنْ شِرْكِهِمْ {إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سنة الْأَوَّلين} يَعْنِي: مَا عذب الله بِهِ الْأُمَمَ السَّالِفَةَ {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قبلا} عيَانًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ} بِالْجنَّةِ {ومنذرين} مِنَ النَّارِ {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ ليدحضوا بِهِ الْحق} أَيْ: لِيُذْهِبُوهُ فِيمَا يَظُنُّونَ وَلَا يقدرُونَ على ذَلِك. سُورَة الْكَهْف من (آيَة 57 آيَة 60). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ ربه فَأَعْرض عَنْهَا} أَيْ: لَمْ يَؤْمِنْ بِهَا؛ أَيْ: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُ. {إِنَّا جعلنَا على قُلُوبهم أكنة} أغطية {أَن يفقهوه} لِئَلَّا يَفْقَهُوهُ {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} وَهُوَ الصَّمَمُ عَنِ الْهُدَى {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذا أبدا} يَعْنِي: الَّذِينَ يَمُوتُونَ عَلَى شِرْكِهِمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 {وَرَبك الغفور ذُو الرَّحْمَة} يَعْنِي: لِمَنْ آمَنَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 {بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا من دونه موئلا} قَالَ الْحَسَنُ: مَلْجَأٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: وَأَلَ فُلَانٌ إِلَى كَذَا؛ إِذَا لَجَأَ، وَيُقَالُ: لَا وَأَلَتْ نَفْسُكَ؛ أَيْ: لَا نَجَتْ، وَفُلَانٌ مُوَائِلٌ؛ أَيْ: (مُبَادِرٌ) لِيَنْجُوَ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الشَّاعِرِ: ([لَا وَاءَلَتْ نَفْسُكَ خَلَّيْتَهَا ... لِلْعَامِرِيِّينَ وَلَمْ تُكْلَمِ]) (ل 197) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 قَوْلِهِ: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظلمُوا} أَيْ: أَشْرَكُوا وَجَحَدُوا رُسُلَهُمْ {وَجَعَلْنَا لمهلكهم} أَي: لعذابهم {موعدا} أَجَلًا وَوَقْتًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ: (لِمُهْلَكِهِمْ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ فَهُوَ مَصْدَرُ أَهْلَكَهُ إِهْلاكًا وَمَهْلِكًا. وَمِنْ قَرَأَ: (لِمَهْلَكِهِمْ) بِنَصْبِ الْمِيمِ وَاللَّامِ؛ أَرَادَ هَلَكُوا مَهْلِكًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 {وَإِذ قَالَ مُوسَى لفتاه} وَهُوَ يُوْشَعُ بْنُ نُونٍ {لَا أَبْرَح} أَيْ: لَا أَزُولُ {حَتَّى أَبْلُغَ مجمع الْبَحْرين} يَعْنِي: حَيْثُ الْتَقَيَا. قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: بَحْرَ فَارِسَ وَالرُّومِ {أَوْ أمضي حقبا} الْحِقْبُ: سَبْعُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَمَانُونَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 سُورَة الْكَهْف من (آيَة 61 آيَة 74). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حوتهما فَاتخذ سَبيله} يَعْنِي: الْحُوتَ {فِي الْبَحْرِ سَرَبًا}. قَالَ مُحَمَّدٌ: سَرَبًا يَعْنِي: مَذْهَبًا وَمَسْلَكًا؛ وَهُوَ مَصْدَرٌ؛ الْمَعْنَى: نَسِيَا حُوْتَهُمَا؛ فَجَعَلَ الْحُوتُ طَرِيقَهُ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ بَيْنَ كَيْفَ ذَلِكَ؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ: سَرَبَ يَسْرُبُ سَرَبًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 قَالَ يَحْيَى: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مُوسَى لَمَّا قَطَعَ الْبَحْرَ وَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنْ آلِ فِرْعَونَ جَمَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ: أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ وَأَعْلَمُهُمْ، قَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ عَدُّوَكُمْ، وَأَقْطَعَكُمُ الْبَحْرَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ التَّوْرَاةَ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَا هُنَا رَجُلًا هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، فَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يُوْشَعُ يَطْلُبَانِهِ وَتَزَوَّدَا سَمَكَةً مَمْلُوحَةً فِي مَكْتَلٍ لَهُمَا، وَقِيلَ لَهُمَا: إِذَا نَسِيتُمَا بَعْضَ مَا مَعَكُمَا لَقِيتُمَا رَجُلًا عَالِمًا يُقَالُ لَهُ: خَضِرٌ. قَالَ يَحْيَى: وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مُوسَى وَفَتَاهُ لَمَّا أَوَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، بَاتَا فِيهَا، وَكَانَ عِنْدَهَا عَيْنُ مَاءٍ، فَأَكَلَا نِصْفَ الْحُوتِ وَبَقِيَ نِصْفُهُ فَأَدْنَى فَتَاهُ الْمَكْتَلَ مِنَ الْعَيْنِ، فَأَصَابَ الْمَاءُ الْحُوتَ، فَعَادَ فَانْسَرَبَ، وَدَخَلَ فِي الْبَحْر، وَمضى مُوسَى وفتاه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 {فَلَمَّا جاوزوا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} أَي: شدَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نسيت الْحُوت} {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} مُوسَى تَعَجَّبَ مِنْ أَثَرِ الْحُوتِ فِي الْبَحْر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 {قَالَ ذَلِك مَا كُنَّا نبغي} أَيْ: ذَلِكَ حَيْثُ أُمِرْتُ أَنْ أَجِدَ خَضِرًا. {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قصصا} أَيْ: رَجَعَا حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: رَجَعَا فِي الطَّرِيقِ الَّذِي سَلَكَاهُ، يَقُصَّانِ الْأَثَرَ قَصَصًا. قَالَ: فَأَتَّبَعَا الْأَثَرَ فِي الْبَحْرِ، وَكَانَ الْحُوتُ حَيْثُ مَرَّ جَعَلَ يَضْرِبُ بِذَنَبِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا فِي الْبَحْرِ، فَجَعَلَ كُلُّ شَيْءٍ يَضْرِبْهُ الْحُوتُ بِذَنَبِهِ يَيْبَسُ، فَصَارَ كَهَيْئَةِ طَرِيقٍ فِي الْبَحْرِ، فَاتَّبَعَا أَثَرَهُ، حَتَّى إِذَا خَرَجَا إِلَى جَزِيرَةٍ فَإِذَا هُمَا بِالْخَضِرِ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 رَوْضَةٍ يُصَلِّي، فَأَتَيَاهُ مِنْ خَلْفِهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَأَنْكَرَ الْخَضِرُ التَّسْلِيمَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَرَفَعَ رَأَسَهُ فَإِذَا هُوَ بِمُوسَى فَعَرَفَهُ. فَقَالَ: وَعَلْيَكَ السَّلَامُ يَا نَبِيَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ مُوسَى: وَمَا يُدْرِيكَ أَنِّي نَبِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: أَدْرَانِي بِذَلِكَ الَّذِي أَدْرَاكَ بِي {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَة خرقها قَالَ} مُوسَى: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْت شَيْئا إمرا} أَي: عَظِيما من الْمُنكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيع معي صبرا} وَكَانَ مُوسَى يُنكر الظُّلم، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 قَالَ لَهُ مُوسَى: {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نسيت} يَعْنِي: ذَهَبَ مِنِّي ذِكْرُهُ {وَلا ترهقني من أَمْرِي عسرا}. قَالَ مُحَمَّد: (ترهقني) مَعْنَاهُ: تُعَنِّتْنِي؛ أَيْ: عَامِلْنِي بِالْيُسْرِ لَا بالعسر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقتله قَالَ أقتلت نفسا (زاكية}} أَيْ: لَمْ تُذْنِبْ {بِغَيْرِ نَفْسٍ لقد جِئْت شَيْئا نكرا}. سُورَة الْكَهْف من (آيَة 75 آيَة 82). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لدني عذرا} أَيْ: قَدْ أُعْذِرْتَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن ينْقض} أَيْ: يَسْقُطَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْجِدَارُ (ل 198) يَكُونُ هَذَا عَلَى التَّشْبِيهِ، وَمِثْلُ هَذَا مُسْتَفِيضٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَأَشْعَارِهَا؛ قَالَ الرَّاعِي: (فِي مَهْمَةٍ قَلِقَتْ بِهِ هَامَاتُهَا ... قَلَقَ الْفُئُوسِ إِذَا أَرَدْنَ نُصُولًا) قَوْلُهُ: {قَالَ لَو شِئْت} مُوسَى قَالَهُ {لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} أَي: مَا يكفينا الْيَوْم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: هَذَا فِرَاقُ اتصالنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 {أما السفنية فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ} أَيْ: أَمَامَهُمْ {مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سفينة غصبا} وَهِيَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 (كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ). قَالَ مُحَمَّدٌ: يَكُونُ " وَرَاءَ " بِمَعْنَى: بَعْدَ، وَهُوَ قَوْلُهُ {وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ: (حَلَفْتُ فَلَمْ أَتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيبَةً ... وَلَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ لِلْمَرْءِ مَذْهَبُ) أَيْ: لَيْسَ بَعْدَ مَذَاهِبَ اللَّهِ لِلْمَرْءِ مَذْهَبٌ. وَتَكُونُ بِمَعْنَى: أَمَامَ؛ وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الْقَائِلِ: (أَتُوعِدُنِي وَرَاءَ بَنِي رِيَاحٍ ... كَذَبْتَ لَتَقْصِرَنَّ يَدَاكَ عَنِّي) يُرِيد أَمَام بني ريَاح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 قَوْلُهُ: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤمنين} قَالَ قَتَادَةُ: وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: (فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ). {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَعْنَى يُرْهِقَهُمْا: أَيْ: يَحْمِلُهُمَا عَلَى الرَّهَقِ وَهُوَ الْجَهْلُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاة} فِي التَّقْوَى {وَأقرب رحما} أَيْ: بِرًّا؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الرُّحْمُ فِي اللُّغَةِ: الْعَطف وَالرَّحْمَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهما} قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: أَيْ: مَالٌ {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} أَيْ: إِنَّمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِ الله {ذَلِك تَأْوِيل} تَفْسِيرُ {مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صبرا}. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْأَشُدُّ يَخْتَلِفُ؛ فَأَشُدُّ الْغُلَامِ أَنْ يَشْتَدَّ خَلْقُهُ وَيَتَنَاهَى فِي النَّبَاتِ؛ يُقَالُ: ذَلِكَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَأَشُدُّ الرَّجُلِ: الِاكْتِهَالُ، وَأَنْ يَشْتَدَّ رَأْيُهُ وَعَقْلُهُ وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ سَنَةً، وَيُقَالُ: ثَمَانٍ وَثَلَاثُونَ سَنَةً. وَنُصِبَتْ (رَحْمَةً) أَيْ: فَعَلْنَا ذَلِكَ رَحْمَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَصْدَرِ بِمَعْنَى رَحِمَهُمَا بِذَلِكَ رَحْمَةً. قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُمَا لَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ طَائِرًا؛ فَطَارَ إِلَى الْمَشْرِقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 ثُمَّ طَارَ إِلَى الْمَغْرِبِ، ثُمَّ طَارَ نَحْوَ السَّمَاءِ ثُمَّ هَبَطَ إِلَى الْبَحْرِ، فَتَنَاوَلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ بِمِنْقَارِهِ وَهُمَا يَنْظُرَانِ: فَقَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى: أَتَعْلَمُ مَا يَقُولُ هَذَا الطَّائِرُ؟ يَقُولُ: وَرَبِّ الْمَشْرِقِ وَرَبِّ الْمَغْرِبِ، وَرَبِّ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَرَبِّ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، مَا عِلْمُكَ يَا خَضِرُ وَعِلْمُ مُوسَى فِي عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا قَدْرَ هَذَا الْمَاءِ الَّذِي تَنَاوَلْتُهُ مِنَ الْبَحْرِ فِي الْبَحْرِ. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرُ؛ لِأَنَّهُ قَعَدَ عَلَى قَرْدَدٍ بَيْضَاء فاهتزت بِهِ خضراء. سُورَة الْكَهْف من (آيَة 83 آيَة 93). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} يَعْنِي: خَبرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: عَلَّمَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 الَّذِي أَعْطَى؛ بَلَغَنَا أَنَّهُ مَلَكَ مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 {فأتبع سَببا} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي مَنَازِلَ الْأَرْضِ ومعالمها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} وَهِيَ تُقْرَأُ: (حَامِيَةٍ) قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: اخْتَلَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ؛ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (حَمِئَةٍ) وَقَالَ عُمْرُو بْنُ الْعَاصِ: (حَامِيَةٍ)، فَجَعَلَا بَيْنَهُمَا كَعْبًا الحبر؛ فَقَالَ كَعْب: نَجِدُهَا فِي التَّوْرَاةِ: تَغْرُبُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ؛ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. يَحْيَى: وَمِنْ قَرَأَ: (حَامِيَةٍ) بِالْمَعْنَى: أَيْ: ذَاتِ حَمْأَةٍ؛ تَقُولُ: حَمِئَتِ الْبِئْرُ فَهِيَ حَمِئَةٌ إِذَا صَارَتْ [فِيهَا الْحَمْأَةُ فَتَكَدَّرَتْ وَتَغَيَّرَ رَائِحَتُهَا] (ل 199) {وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ} يَعْنِي: الْقَتْلَ {وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فيهم حسنا} يَعْنِي: الْعَفْوَ: فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ، قَالَ: فحكموه فَحكم بَينهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 {قَالَ أما من ظلم} يَعْنِي: مَنْ أَشْرَكَ {فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} يَعْنِي: الْقَتْلَ {ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى ربه فيعذبه عذَابا نكرا} عَظِيما فِي الْآخِرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلهُ جَزَاء الْحسنى} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: الْحُسْنَى هِيَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالْجَزَاءُ: الْجَنَّةُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى؛ يَعْنِي: الْعَفْوَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: لَمْ يُبَيِّنْ يَحْيَى كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ السُّدِّيُّ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ تَفْسِيرُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: (فَلَهُ جَزَاءً) بِالنَّصْبِ وَالتَّنْوِينِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ، الْمَعْنَى: فَلَهُ الْحُسْنَى جَزَاءً عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَ (جَزَاءً) مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ؛ فَلَهُ الْحُسْنَى مَجْزِيًّا بِهَا جَزَاءً. {وَسَنَقُولُ لَهُ من أمرنَا يسرا} أَي: مَعْرُوفا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 {ثمَّ أتبع سَببا} يَعْنِي: طرق الأَرْض ومعالمها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} قَالَ قَتَادَة: ذكر لَنَا أَنهم كَانُوا فِي مَكَانٍ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِمُ الْبِنَاءُ، وَأَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي أَسْرَابٍ لَهُمْ حَتَّى إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْهُمْ خَرَجُوا فِي مَعَايِشِهِمْ وحروثهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 {قَالَ كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خَبرا} أَيْ: هَكَذَا كَانَ مَا قَصَّ من أَمر ذِي القرنين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 {ثمَّ أتبع سَببا} طرق الأَرْض ومعالمها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} قَالَ قَتَادَةُ: هُمَا جَبَلَانِ {وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يفقهُونَ قولا} يَعْنِي: كَلَامَ غَيْرِهِمْ، وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ: {لَا يَكَادُونَ يُفْقِهُونَ قَوْلًا} أَيْ: لَا يَفْقَهُ أحد كَلَامهم. سُورَة الْكَهْف من (آيَة 94 آيَة 98). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ} أَيْ: قَاتِلُونَ النَّاسَ فِي الْأَرْضِ؛ يَعْنِي: أَرْضَ الْإِسْلَامِ {فَهَلْ نَجْعَلُ لَك خرجا} أَيْ: جُعْلًا. {عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْننَا وَبينهمْ سدا} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خير} مِنْ جُعْلِكُمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (مكني) فَالْمَعْنَى: مَكَّنَنِي، إِلَّا أَنَّهُ أَدْغَمَ النُّونَ فِي النُّونِ؛ لِاجْتِمَاعِ النُّونَيْنِ، وَمَنْ قَرَأَ (مَكَّنَنِي) بِإِظْهَارِ النُّونَيْنِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ كَلِمَتَيْنِ: الْأُولَى مِنَ الْفِعْلِ، وَالثَّانِيَةُ تَدْخُلُ مَعَ الِاسْمِ الْمُضْمَرِ. {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} يَعْنِي: عَدَدًا مِنَ الرِّجَالِ {أَجْعَلْ بَيْنكُم وَبينهمْ ردما}. قَالَ مُحَمَّدٌ: الرَّدْمُ فِي اللُّغَةِ: أَكْثَرُ مِنَ السَّدِّ؛ لِأَنَّ الرَّدْمَ مَا جُعِلَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ؛ يُقَالُ: ثَوْبٌ مُرَدَّمٌ؛ إِذَا كَانَ قَدْ رُقِعَ رُقْعَةً فَوْقَ رُقْعَةٍ، وَيُقَالُ لِكُلِّ مَا كَانَ مَسْدُودًا خِلْقَهً: سُدٌّ، وَمَا كَانَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ فَهُوَ سَدٌ بِالْفَتْحِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ: سَدٌّ، وَسُدٌّ؛ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَين الصدفين} يَعْنِي: رَأْسَ الْجَبَلَيْنِ؛ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدِ؛ أَيْ: سَدَّ مَا بَيْنَهُمَا {قَالَ انفخوا} أَيْ: عَلَى الْحَدِيدِ {حَتَّى إِذَا جعله نَارا} يَعْنِي: أَحْمَاهُ بِالنَّارِ {قَالَ آتُونِي} أعطوني {أفرغ عَلَيْهِ قطرا} فِيهَا تَقْدِيمٌ: أَعْطُونِي قِطْرًا أُفْرِغُ عَلَيْهِ، وَالْقِطْرُ: النُّحَاسُ؛ فَجَعَلَ أَسَاسَهُ الْحَدِيدَ، وَجَعَلَ مِلَاطَهُ النُّحَاسَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمِلَاطُ: هُوَ الطِّينُ الَّذِي يُجْعَلُ فِي الْبِنَاءِ مَا بَيْنَ كل صفّين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 {فَمَا اسطاعوا أَن يظهروه} أَيْ: يَظْهَرُوا عَلَيْهِ مِنْ فَوْقِهِ {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نقبا} من أَسْفَله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جَاءَ وعد رَبِّي} يَعْنِي: خُرُوجهمْ {جعله} يَعْنِي: السد {دكا} قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: يَتَعَفَّرَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَتُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ: " دَكَّاءَ " مَمْدُودَةٌ؛ أَيْ: جَعَلَهُ أَرْضًا مُسْتَوِيَةً. يَحْيَى: عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عُرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: " إِن يَأْجُوج ومأجوح يَخْرِقُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى إِذَا كَادُوا يرَوْنَ شُعَاع الشَّمْس (ل 200) قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ: ارْجَعُوا فَسَتَحْفُرُونَهُ غَدا؛ يُعِيدهُ اللَّهُ كَأَشَدَّ مَا كَانَ حَتَّى إِذا بلغت مدتهم وَأَرَادَ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى النَّاسِ حَفَرُوا حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ: ارْجَعُوا فَسَتَحْفُرُونَهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَيَغْدُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 فَيَخْرِقُونَهُ، فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ فَيُنَشِّفُونَ الْمِيَاهَ، وَيَتَحَصَّنَ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي حُصُونِهِمْ، فَيَرْمُونَ سِهَامَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَتَرْجِعُ وَفِيهَا كَهَيْئَةِ الدِّمَاءِ، فَيَقُولُونَ قَهَرْنَا أَهْلَ الْأَرْضِ، وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ! فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي أَقْفَائِهِمْ فَيَقْتُلُهُمْ بِهَا ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ؛ فَقَالَ: كَانَ عَبْدًا صَالِحًاَ دَعَا قَوْمَهُ إِلَى الْإِيمَانِ فَلَمْ يُجِيبُوهُ، فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ فَقَتَلُوهُ، فَأَحْيَاهُ اللَّهُ، ثُمَّ دَعَا قَوْمَهُ أَيْضًا، فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ فَقَتَلُوهُ فَأَحْيَاهُ الله، فَسُمي: ذَا القرنين. سُورَة الْكَهْف من (آيَة 99 آيَة 106). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بعض} يَعْنِي: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ السَّدِّ {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} وَالصُّورِ: قَرْنٌ يَنْفُخُ فِيهِ صَاحِبُ الصُّور. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذكري} كَانَتْ عَلَى أَعْيُنِهِمْ غِشَاوَةُ الْكُفْرِ {وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سمعا} أَيْ: لَا يَسْمَعُونَ الْهُدَى بِقُلُوبِهِمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عبَادي من دوني أَوْلِيَاء} يَعْنِي: مَنْ عَبَدَ الْمَلَائِكَةَ، يَقُولُ: أَفَحَسِبُوا أَنْ تَتَوَلَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى ذَلِكَ؟ أَيْ: لَا يَتَوَلَّوْنَهُمْ؛ وَلَيْسَ بَهَذَا أَمَرْتُهُمْ، إِنَّمَا أَمَرْتُهُمْ أَنْ يَعْبُدُونِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا {إِنَّا أَعْتَدْنَا} أعددنا {جَهَنَّم للْكَافِرِينَ نزلا} أَيْ: مَنْزِلًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: أَعْتَدْتُ لِفُلَانٍ كَذَا؛ أَيْ: اتَّخَذْتُهُ عَتَادًا لَهُ، وَالْعَتَادُ أَصْلُهُ: مَا اتخذ ليمكث فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا} هم أهل الْكتاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وزنا} هِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ}. سُورَة الْكَهْف من (آيَة 107 آيَة 110). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا}. يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " الْفِرْدَوْسُ جَبَلٌ فِي الْجَنَّةِ تَنَفَجَّرُ مِنْهُ أَنْهَارُ الْجنَّة ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حولا} أَيْ: تَحَوُّلًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: قَدْ حَالَ مِنْ مَكَانِهِ حَوْلًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا} الْقَلَمُ يُسْتَمَدُّ مِنْهُ لِلْكِتَابِ {لِكَلِمَاتِ رَبِّي} أَيْ: لِعِلْمِ رَبِّي {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَو جِئْنَا بِمثلِهِ مدَدا} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 أَي: آخر مثله من بَاب المدد. قَالَ مُحَمَّد: (مدَدا) مَنْصُوب على التَّمْيِيز. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِد} وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لَهُ: مَا أَنْتَ إِلَّا بَشْرٌ مِثْلُنَا. فَقَالَ اللَّهُ: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه} أَيْ: يَخَافُ الْبَعْثَ {فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أحدا} أَيْ: يُخْلِصُ لَهُ الْعَمَلَ. يَحْيَى: عَنِ الْفُرَاتِ بْنِ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ طَاوُسٍ، أَن رجلا قَالَ: " يَا رَسُول اللَّهِ، إِنِّي رَجُلٌ أَقِفُ الْمَوَاقِفَ أُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ، وَأُحِبُّ أَنْ يُرَى مَكَانِي! فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام شَيْئًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه} إِلَى آخِرِهَا ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 تَفْسِيرُ سُوْرَةِ مَرْيَمَ وَهِيَ مَكِّيَةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَة مَرْيَم من (آيَة 1 آيَة 11). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 قَوْله: {كهيعص} كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: لَا أَدْرِي مَا تَفْسِيرُهُ، غَيْرَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانُوا يَقُولُونَ: أَسْمَاءُ السُّوَرِ وَفَوَاتِحُهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 قَالَ يَحْيَى: [ثُمَّ ابْتَدَأَ] الْكَلَامَ فَقَالَ: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} يَقُولُ: ذِكْرُهُ لِزَكَرِيَّا رَحْمَةً مِنْهُ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} (ل 201) أَي: سرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مني} أَيْ: ضَعُفَ {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 قَالَ مُحَمَّد: (شيبا) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ. {وَلَمْ أَكُنْ بدعائك رب شقيا} أَيْ: لَمْ أَزَلْ بِدُعَائِي إِيَّاكَ سعيدا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} يَعْنِي: الْعَصَبَةَ الَّذِينَ [يَرِثُونِي] {مِنْ ورائي} مِنْ بَعْدِيَ؛ فَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ مِنْ صُلْبِهِ مَنْ يَرِثُ مَالَهُ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عاقرا} أَيْ: لَمْ تَلِدْ {فَهَبْ لِي من لَدُنْك} من عنْدك {وليا} يَعْنِي ولدا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} أَيْ: يَرِثُ مُلْكَهُمْ وَسُلْطَانَهُمْ؛ كَانَتِ امْرَأَةُ زَكَرِيَّا مِنْ وَلَدِ يَعْقُوبَ لَيْسَ يَعْنِي: يَعْقُوبَ الْأَكْبَرَ؛ يَعْقُوبَ دُونَهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (يَرِثنِي وَيَرِث) بِالَّرَفْعِ جَعَلَهُ كَالْنَعْتِ لِلْوَلِيِّ؛ الْمَعْنَى: هَبْ لِي الَّذِي يَرِثُنِي. وَمِنْ قَرَأَهَا بِالْجَزْمِ (يَرِثْنِي وَيَرِثْ مِنْ آل) فعلى جَوَاب الْأَمر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 {اسْمه يحيى} قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُ اللَّهُ بِالْإِيمَانِ {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سميا} قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: لَمْ يُسَمَّ أحد قبله يحيى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَام} مِنْ أَيْنَ يَكُونُ لِي وَلَدٌ {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} أَيْ: (يُبْسًا). قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْ يَبُسَ: عَتَا يعتو عتيا، وعتوا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَليّ هَين} قَالَ لَهُ الْمَلَكُ: (كَذَلِكَ قَالَ رَبك هُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 عَليّ هَين} أُعْطِيكَ هَذَا الْوَلَدَ؛ وَهُوَ كَلَامٌ مَوْصُولٌ أَخْبَرَ بِهِ الْمَلَكُ عَنِ الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 {قَالَ} {زَكَرِيَّا} (رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً} عَلَامَةً {قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاس ثَلَاث لَيَال سويا} يَعْنِي: صَحِيحًا لَا يَمْنَعُكَ الْكَلَامَ مَرَضٌ. قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّمَا عُوْقِبَ؛ لِأَنَّهُ سَأَلَ الْآيَة بعد مَا (شَافَهَتْهُ الْمَلَائِكَةُ) وَبَشَّرَتْهُ بِيَحْيَى، فَأُخِذَ عَلَيْهِ لِسَانُهُ، فَجَعَلَ لَا يُبِينُ الْكَلَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ} يَعْنِي: الْمَسْجِد {فَأوحى إِلَيْهِم} أَشَارَ إِلَيْهِمْ {أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وعشيا} أَيْ: صَلُّوا لِلَّهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ. سُورَة مَرْيَم من (آيَة 12 آيَة 15). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} أَيْ: بِجِدٍ وَمُوَاظَبَةٍ {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبيا} يَعْنِي: الْفَهْمَ وَالْعَقْلَ. قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ فِي صِغَرِهِ يَقُولُ لَهُ الصِّبْيَانُ: يَا يَحْيَى تعال نَلْعَبُ. فَيَقُولُ: لَيْسَ لِلَّعِبِ خُلِقْنَا! الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 {وَحَنَانًا من لدنا} أَيْ: أَعْطَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْحَنَانُ أَصْلُهُ: الْعَطْفُ وَالرَّحْمَةُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: (فَقَالَتْ حَنَانٌ مَا أَتَى بِكَ هَا هُنَا ... أَذُو نَسَبٍ أَمْ أَنْتَ بالحي عَارِف؟) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 قَوْله: (حنان)؛ أَيْ: أَمْرُنَا حَنَانٌ: عَطْفٌ وَرَحْمَةٌ. {وَزَكَاة} قَالَ قَتَادَةُ: الزَّكَاةُ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ {وَكَانَ تقيا}. يحيى: عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ وَلَدِ آدَمَ إِلَّا قَدْ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ هَمَّ بِهِ، غَيْرَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا لَمْ يُصِبْ ذَنْبًا، وَلم يهم بِهِ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 {وَبرا بِوَالِديهِ} أَيْ: مُطِيعًا لَهُمَا {وَلَمْ يَكُنْ جبارا عصيا} أَيْ: مُسْتَكْبِرًا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 {وَسَلام عَلَيْهِ يَوْم ولد} يَعْنِي: حِينَ وُلِدَ {وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْم يبْعَث حَيا} يَوْم الْقِيَامَة. سُورَة مَرْيَم من (آيَة 16 آيَة 25). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 {وَاذْكُر فِي الْكتاب} يَقُولُ للنَّبِيِّ: اقْرَأْ عَلَيْهِمْ أَمْرَ مَرْيَم {إِذْ انتبذت} يَعْنِي: إِذِ انْفَرَدَتْ {مِنْ أَهْلِهَا مَكَانا شرقيا} إِلَى قَوْله: {تقيا} كَانَ زَكَرِيَّا كِفْلُ مَرْيَمَ، وَكَانَتْ أُخْتُهَا تَحْتَهُ، وَكَانَتْ تَكُونُ فِي الْمِحْرَابِ، فَلَمَّا أَدْرَكَتْ، كَانَتْ إِذَا حَاضَتْ أَخْرَجَهَا إِلَى مَنْزِلِهِ إِلَى أُخْتِهَا، وَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ إِلَى الْمِحْرَابِ، فَطَهُرَتْ مَرَّةً، فَلَمَّا فَرَغَتْ مِنْ غُسْلِهَا قَعَدَتْ فِي مَشْرَفَةٍ فِي نَاحِيَةِ الدَّارِ، وَعَلَّقَتْ عَلَيْهَا [ثَوْبًا] سُتْرَةً؛ فَجَاءَ جِبْرِيلُ إِلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي صُورَةِ آدمى، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنْ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} قَالَ الْحَسَنُ: تَقُولُ: إِنْ كُنْتَ تقيا لله فاجتنبني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِيهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} أَيْ: صَالحا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 {قَالَت أَنى يكون} مِنْ أَيْنَ يَكُونُ {لِي غُلامٌ وَلم يمسسني بشر} أَيْ: يُجَامِعْنِي زَوْجٌ {وَلَمْ أَكُ بغيا} (ل 202) أَي: زَانِيَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَليّ هَين} أَنْ أَخْلُقَهُ {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَة منا} أَيْ: لِمَنْ قَبِلَ دِينَهُ {وَكَانَ أمرا مقضيا} يَعْنِي: كَانَ عِيسَى أَمْرًا مِنَ اللَّهِ مَكْتُوبًا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّهُ يَكُونُ. فَأَخَذَ جِبْرِيلُ جَيْبَهَا بِأُصْبَعِهِ فَنَفَخَ فِيهِ، فَصَارَ إِلَى بَطْنِهَا، فَحَمَلَتْ. قَالَ الْحَسَنُ: حَمَلَتْهُ تِسْعَة أشهر فِي بَطنهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 {فانتبذت بِهِ مَكَانا قصيا} أَيْ: انْفَرَدَتْ بِهِ فِي مَكَانٍ شاسع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 {فأجاءها الْمَخَاض} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: أَلْجَأَهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنَ: الْمَجِيءِ؛ يُقَالُ: {جَاءَتْ بِي} الْحَاجَةُ إِلَيْكَ، وَأَجَاءَتْنِي الْحَاجَةُ إِلَيْكَ؛ قَالَ زُهَيْرٌ: (وَجَارٍ سَارَ مُعْتَمِدًا عَلَيْكُمْ ... أَجَاءَتْهُ الْمَخَافَةُ وَالرَّجَاءُ) وَالْمَخَاضُ: دُنُوُّ الْوِلَادَةِ، يُقَالُ: مَخَضَتِ الْمَرْأَةُ ومَخِضَتْ. {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكنت نسيا منسيا} قَالَ قَتَادَةُ: تَعْنِي شَيْئًا لَا يُعْرَفُ، وَلَا يُذْكَرُ؛ قَالَتْ هَذَا مِمَّا خَشِيَتْ مِنَ الْفَضِيحَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: النَّسْيُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَصْلُهُ الشَّيْءُ الْحَقِيرُ؛ الَّذِي إِذَا ألقِي نسي غَفلَة عَنهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 {فناداها من تحتهَا} قَالَ قَتَادَةُ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ جِبْرِيلُ. قَالَ يَحْيَى: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {فناداها من تحتهَا} يَعْنِي: عِيسَى. قَالَ مُحَمَّدٌ: لَمْ يُبَيِّنْ لَنَا [يَحْيَى] كَيْفَ الْقِرَاءَةُ فِي قَوْله: (من تحتهَا) وَذَكَرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 أَبُو عُبَيْدٍ: أَنَّهَا تُقْرَأُ (مِنْ تَحْتِهَا) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالتَّاءِ الَّتِي بَعْدَ الْحَاءِ، وَتُقْرَأْ أَيْضًا بِفَتْحِهِمَا؛ فَمَنْ قَرَأَ بِالْكَسْرِ؛ فَتَأْوِيلَهَا: أَنَّ جِبْرِيلَ نَادَاهَا، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالْفَتْحِ فَتَأْوِيلَهَا: عِيسَى هُوَ الَّذِي نَادَاهَا. {أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتك سريا} السَّرِيُّ: الْجَدْوَلُ، وَهُوَ النَّهْرُ الصَّغِيرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 {وهزي إِلَيْك بجزع النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} أَيْ: حِينَ اجْتُنِيَ، وَكَانَ الْجِذْعُ يَابسا. سُورَة مَرْيَم من (آيَة 26 آيَة 38). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 {فكلي واشربي وقري عينا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: قَرَرْتُ بِهِ عَيْنًا أَقَرُّ بِفَتْحِ الْقَافِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قُرُورًا، وَقَرَرْتُ فِي الْمَكَانِ أَقِرُّ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَ (عَيْنًا) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ. {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نذرت للرحمن صوما} أَيْ: صَمْتًا {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إنسيا} أُذِنَ لَهَا فِي هَذَا الْكَلَامُ، وَكَانَتْ آيَةً جَعَلَهَا اللَّهُ لَهَا يَوْمَئِذٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ لِلْمُمْسِكِ عَنِ الطَّعَامِ أَوِ الْكَلَامِ: صَائِمٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 {لقد جِئْت شَيْئا فريا} أَيْ: عَظِيمًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: فُلَانٌ يَفْرِي الْفَرْيَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَوْ قَالَ قَوْلًا فَبَالَغَ فِيهِ؛ كَانَ فِي خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ: (أَلَا رُبَّ مَنْ يَدْعُو صَدِيقًا وَلَوْ تَرَى ... مَقَالَتَهُ بِالْغَيْبِ سَاءَكَ مَا يَفْرِي) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 قَوْلُهُ: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبوك امْرأ سوء} أَيْ: مَا كَانَ زَانِيًا. قَالَ قَتَادَةُ: لَيْسَ بِهَارُونَ أَخِي مُوسَى، وَلَكِنَّهُ هَارُونُ آخَرُ كَانَ يُسَمَّى هَارُونَ الصَّالِحَ الْمُحَبَّبَ فِي عَشِيرَتِهِ، الْمَعْنَى: يَا شَبِيهَةَ هَارُونَ فِي عِبَادَته وفضله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} بِيَدِهَا قَالَ قَتَادَةُ: أَمَرَتْهُمْ بِكَلَامِهِ {قَالُوا كَيفَ نُكَلِّم} أَيْ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 كَيفَ نُكَلِّم {من كَانَ} أَي: من هُوَ {من المهد صَبيا} وَالْمَهْدُ: الْحِجْرُ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كنت} يَقُول: جعلني معلما مؤدبا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 {وَلم يَجْعَلنِي جبارا} أَيْ: مُسْتَكْبِرًا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 {وَالسَّلَام عَليّ يَوْم ولدت} الْآيَةُ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ حَتَّى بَلَغَ مَبْلَغَ الْغِلْمَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحق} قَالَ الْحَسَنُ: الْحَقُّ: هُوَ اللَّهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (قَوْلُ) بِالرَّفْعِ؛ فَالْمَعْنَى: هُوَ قَوْلُ الْحَقِّ. {الَّذِي فِيهِ يمترون} قَالَ قَتَادَةُ: امْتَرَتْ فِيهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؛ أَمَّا الْيَهُودُ؛ فَزَعَمُوا أَنَّهُ سَاحِرٌ كَذَّابٌ، وَأَمَّا النَّصَارَى فَزَعَمُوا أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ وَثَالِثُ ثَلَاثَةٍ [وإله] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ من ولد سُبْحَانَهُ} (ل 203) يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا يَقُولُونَ {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كن فَيكون} [يَعْنِي: عِيسَى] كَانَ فِي عِلْمِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {أَنْ يَتَّخِذَ من ولد} الْمَعْنَى: أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا وَمِنْ مُؤَكدَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 {وَإِن الله رَبِّي وربكم} الآيَةَ، هَذَا قَوْلُ عِيسَى لَهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 {فَاخْتلف الْأَحْزَاب من بَينهم} يَعْنِي: النَّصَارَى؛ فَتَجَادَلُوا فِي عِيسَى؛ فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هُوَ ابْنُ اللَّهِ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَمَ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: اللَّهُ إِلَهٌ، وَعِيسَى إِلَهٌ، وَمَرْيَمُ إِلَهٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 قَالَ اللَّهُ: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ أَسْمِعْ بهم وَأبْصر يَوْم يأتوننا} وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: مَا أسمعهم يَوْمئِذٍ وَمَا أَبْصَرَهُمْ؛ سَمِعُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ السَّمَعُ، وَأَبْصَرُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعهُمْ الْبَصَر. سُورَة مَرْيَم من (آيَة 39 آيَة 45). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمر} يَعْنِي: إِذْ وَجَبَ الْعَذَابُ فَوَقَعَ بِأَهْلِ النَّارِ. يَحْيَى: عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثًا فِي الْبَعْثِ؛ قَالَ: " فَلَيْسَ مِنْ نَفْسٍ إِلَّا وَهِيَ تَنْظُرُ إِلَى بَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ وَبَيْتٍ فِي النَّارِ. قَالَ: وَهُوَ يَوْمُ الْحَسْرَةِ، فَيَرَى أَهْلُ النَّارِ الْبَيْتَ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: لَوْ عَمِلْتُمْ؛ فَتَأَخْذُهُمُ الْحَسْرَةُ، وَيَرَى أَهْلُ الْجَنَّةِ الْبَيْتَ الَّذِي فِي النَّارِ، قَالَ: فَيُقَالُ لَهُمْ: لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 {وهم فِي غَفلَة} فِي الدُّنْيَا؛ وَهَذَا كَلَامٌ مُسْتَقْبَلٌ {وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا} أَيْ: نُهْلِكَ الْأَرْضِ وَمِنْ عَلَيْهَا {وإلينا يرجعُونَ} يَوْم الْقِيَامَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 {وَاذْكُر فِي الْكتاب إِبْرَاهِيم} أَي: اقرأه عَلَيْهِم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يبصر} يَعْنِي: الْأَصْنَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ} أَيْ: إِنَّ عِبَادَةَ الْوَثَنِ عِبَادَةٌ الشَّيْطَان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ للشَّيْطَان وليا} أَيْ: إِذَا نَزَلَ بِكَ الْعَذَابُ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُكَ، وَمَا لَمْ يَنْزِلْ بِكَ فَتَوْبَتُكَ مَقْبُولَةٌ إِنْ تُبْتَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (يَا أَبَتِ) الْوَقْفُ عَلَيْهِ بِالْهَاءِ: (يَا أَبَهْ) الْهَاءُ عِوَضٌ مِنْ يَاءِ الْإِضَافَةِ. سُورَة مَرْيَم من (آيَة 46 آيَة 51). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيم} أَنْ تَعْبُدَهَا {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ} عَن شتمها وذمها {لأرجمنك} أَيْ: بِالْحِجَارَةِ فَلَأَقْتُلَنَّكَ بِهَا. وَقَالَ السّديّ: معنى (لأرجمنك): لَأَشْتِمَنَّكَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: تَقُولُ الْعَرَبُ: فُلَانٌ يَرْمِي فُلَانًا، وَفُلَانٌ يَرْجُمُ فُلَانًا؛ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ يُرِيدُونَ الشَّتْمَ. {واهجرني مَلِيًّا} يَعْنِي: طَويلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 {قَالَ سَلام عَلَيْك} إِبْرَاهِيمُ يَقُولُهُ، قَالَ الْحَسَنُ: هَذِهِ كَلِمَةُ حِلْمٍ {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّه كَانَ بِي حفيا}. قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي: رَحِيمًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَطِيفًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: حَفِيَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ حِفْوَةً وَحَفَاوَةً؛ إِذَا بره وألطفه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 {عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شقيا} أَيْ: عَسَى أَنْ أَسْعَدَ بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عليا} أَيْ: رَفِيعًا؛ يَعْنِي: الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ من بعدهمْ. سُورَة مَرْيَم من (آيَة 51 آيَة 57). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ} أَيمن الْجَبَل {وقربناه نجيا} يَعْنِي: حِينَ كَلَّمَهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (نجيا) يَعْنِي: مناجيا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُون نَبيا} جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ وَزِيرًا، وَأَشْرَكَهُ مَعَه فِي الرسَالَة). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 {إِنَّه كَانَ صَادِق الْوَعْد}. يَحْيَى: عَنْ أَبَانٍ الْعَطَّارِ " أَنَّ إِسْمَاعِيلَ وَعَدَ رَجُلًا مَوْعِدًا؛ فَجَاءَ لِلْمَوْعِدِ فَلَمْ يَجِدِ الرَّجُلَ، فَأَقَامَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ حَوْلًا يَنْتَظِرُهُ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 {وَكَانَ عِنْد ربه مرضيا} أَيْ: قَدْ رَضِيَ عَنْهُ [إِذِ ابتلاه بِالذبْحِ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا} قَالَ مُجَاهِدٌ: لَمْ يَمُتْ إِدْرِيسُ، بَلْ رُفِعَ كَمَا رُفِعَ عِيسَى. سُورَة مَرْيَم من (آيَة 58 آيَة 64). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} بِالنُّبُوَّةِ {مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حملنَا مَعَ نوح} وَكَانَ إِدْرِيسُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَبْلَ نُوْحٍ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ ذُرِيَّةِ نُوحٍ قَالَ: {وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيم وَإِسْرَائِيل} وَهُوَ يَعْقُوب {وَمِمَّنْ هدينَا} للْإيمَان {واجتبينا} لِلنُّبُوَّةِ؛ يَعْنِي: اخْتَرْنَا {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وبكيا} جمع: (باك) (ل 204) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 {فخلف من بعدهمْ خلف} قَالَ قَتَادَةُ يَعْنِي: اليَهُودَ {أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غيا} تَفْسِير ابْن مَسْعُود (غيا): وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ (الْخَلْفِ) فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَن عباده بِالْغَيْبِ} الْغَيْبُ: الْآخِرَةُ؛ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ الْمَعْنَى: وَعَدَهُمْ فِي الدُّنْيَا الْجَنَّةَ فِي الْآخِرَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَتُقْرَأُ: (جَنَّاتٌ) بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى: هِيَ جَنَاتُ عَدْنٍ {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مأتيا} قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي: أَتِيًّا؛ وَهُوَ مَفْعُولٌ مِنَ الْإِتْيَانِ؛ فِي مَعْنَى فَاعل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا} أَي: بَاطِلا {إِلَّا سَلاما} أَيْ: إِلَّا خَيْرًا {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بكرَة وعشيا} أَيْ: وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ، وَالْبُكْرَةُ وَالْعَشِيُّ سَاعَتَانِ مِنَ السَّاعَاتِ، وَلَيْسَ ثُمَّ لَيْلٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَيْسَ فِيهَا بُكْرَةٌ وَلَا عَشِيٌّ، وَلَكِنْ يُؤْتَوْنَ بِهِ عَلَى مَا كَانُوا يَشْتَهُونَ فِي الدُّنْيَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: قَالَ: " هَذَا قَوْلُ جِبْرِيلَ حِينَ احْتَبَسَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي بَعْضِ الْوَحْيِ؛ فَقَالَ لَهُ نَبِيُّ اللَّهِ: مَا جِئْتَ حَتَّى اشْتَقْتُ إِلَيْكَ؛ فَقَالَ جِبْرِيلُ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَين أَيْدِينَا} " يَعْنِي: مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ {وَمَا خلفنا} مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا؛ أَيْ: إِذَا كُنَّا فِي الْآخِرَةِ. {وَمَا بَيْنَ ذَلِك} قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي: الْبَرْزَخُ؛ مَا بَين النفختين. سُورَة مَرْيَم من (آيَة 65 72) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 {هَل تعلم لَهُ سميا} أَيْ: مَثَلًا؛ أَيْ: أَنَّكَ لَا تعلمه، و (سميا) هُوَ من: المساماة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 {وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لسوف أخرج حَيا} هُوَ الْمُشرك يكذب بِالْبَعْثِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 قَالَ الله {أَو لَا يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قبل وَلم يَك شَيْئا} فَالَّذِي خَلَقَهُ، وَلَمْ يَكُ شَيْئًا قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَبْعَثَهُ يَوْمَ الْقِيَامَة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 ثمَّ أقسم بِنَفسِهِ؛ فَقَالَ: {فو رَبك لنحشرنهم} يَعْنِي: الْمُشْركين {وَالشَّيَاطِين} الَّذِينَ دَعَتْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: عَلَى رُكَبِهِمْ. قَالَ مُحَمَّد: (جثيا) جَمْعُ (جَاثٍ)، وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ} يَعْنِي: مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ {أَيُّهُمْ أَشد على الرَّحْمَن عتيا}. قَالَ مُحَمَّد: (أَيهمْ) بِالرَّفْعِ، وَهِيَ أَكْثَرُ الْقِرَاءَةِ؛ عَلَى مَعْنَى: الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ: أَيُّهُمْ أَشَدُّ. قِيلَ: الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ -: فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْتَعْذِيبِ بِأَشَدِّهِمْ عِتِيًا، ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أولى بهَا صليا} يَعْنِي: الَّذين يصلونها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ على رَبك حتما مقضيا}. يَحْيَى: عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا واردها} قَالَ: " الصِّرَاطُ عَلَى جَهَنَّمَ مِثْلُ حَدِّ السَّيْفِ، وَالْمَلَائِكَةُ مَعَهُمْ كَلَالِيبُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا وَقَعَ رَجُلٌ اخْتَطَفُوهُ؛ فَيَمُرُّ الصَّفُّ الْأَوَّلُ كَالْبَرْقِ، وَالثَّانِي كَالرِّيحِ، وَالثَّالِثُ كَأَجْوَدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 الْخَيْلِ، وَالرَّابِعُ كَأَجْوَدِ الْبَهَائِمِ، وَالْمَلَائِكَةُ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ". وَتَفْسِيرُ الْحسن: {إِلَّا واردها} إِلَّا دَاخِلُهَا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بَرْدًا وَسَلَامًا؛ كَمَا جَعَلَهَا على إِبْرَاهِيم. سُورَة مَرْيَم من (آيَة 73 آيَة 76). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَي الْفَرِيقَيْنِ} نَحْنُ أَوْ أَنْتُمْ؟ {خَيْرٌ مَقَامًا وَأحسن نديا} الْمَقَامُ: الْمَسْكَنُ، وَالنَّدِيُّ: الْمَجْلِسُ. قَالَ قَتَادَة: رَأَوْا أَصْحَاب النَّبِي فِي عَيْشِهِمْ خُشُونَةً، فَقَالُوا لَهُمْ ذَلِك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 قَالَ اللَّهُ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا} أَي: مَتَاعا {ورئيا} أَيْ: مَنْظَرًا؛ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا مَهْمُوزَةً، وَمَنْ قَرَأَهَا بِغَيْرِ هَمْزٍ (وَرِيًّا) فَهُوَ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 قِبَلِ الرِّوَاءِ، وَإِنَّمَا عَيْشُ النَّاسِ بِالْمَطَرِ تَنْبُتُ زُرُوعُهُمْ، وَتَعِيشُ مَاشِيَتُهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ} هَذَا الَّذِي يَمُوتُ عَلَى ضَلَالَتِهِ {فليمدد لَهُ الرَّحْمَن مدا} هَذَا دُعَاءٌ أَمَرَ اللَّهُ النَّبِيَّ أَن يَدْعُو بِهِ؛ (ل 205) الْمَعْنَى: فَأَمَدَّ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدَّا. {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَاب وَإِمَّا السَّاعَة} يَعْنِي: إِمَّا الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ عَذَابِ الْآخِرَةِ، أَوِ الْعَذَابُ الأَكْبَرُ؛ لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًا إِلَّا وَهُوَ يُحَذِّرُ أُمَّتَهُ عَذَابَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، وَعَذَابَهُ فِي الْآخِرَة. قَالَ مُحَمَّد: (الْعَذَاب) و (السَّاعَة) مَنْصُوبَانِ عَلَى مَعْنَى الْبَدَلِ مِنْ [مَا] يوعدون؛ الْمَعْنَى: إِذَا رَأُوا الْعَذَابَ أَوْ رَأُوا السَّاعَةَ، قَالَ: فَيُسْلِمُونَ عِنْدَ ذَلِكَ. {مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا} أهم الْمُؤْمِنُونَ {وأضعف جندا} فِي النُّصْرَةِ وَالْمَنَعَةِ؛ أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ أَحَدٌ يَمْنَعُهُمْ مِنْ عَذَابِ الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} يَعْنِي: يَزِيدَهُمْ إِيمَانًا {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} قَالَ الْحَسَنُ: هِيَ الْفَرَائِضُ {خَيْرٌ عِنْد رَبك ثَوابًا} جَزَاءً فِي الْآخِرَةِ {وَخَيْرٌ مَرَدًّا} يَعْنِي: خَيْرٌ عَاقِبَةً مِنْ أَعْمَالِ الْكفَّار. سُورَة مَرْيَم من (آيَة 77 آيَة 87). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالا وَولدا} أَي: فِي الْآخِرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 {أطلع الْغَيْب} عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: عَلِمَ مَا فِيهِ؛ أَيْ: لَمْ يَطَّلِعْ {أَمِ اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا} أَيْ: لَمْ يَفْعَلْ، وَالْعَهْدُ: التَّوْحِيدُ؛ فِي تَفْسِير بَعضهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 {كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ من الْعَذَاب مدا} هُوَ كَقَوْلِهِ: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عذَابا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 {ونرثه مَا يَقُول} أَيْ: نَرِثُهُ مَالَهُ وَوَلَدَهُ الَّذِي قَالَ {ويأتينا فَردا} لَا شَيْءَ مَعَهُ. يَحْيَى: عَنْ صَاحِبٍ لَهُ: عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: " كُنْتُ قَيْنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ لِي عِنْدَهُ دَرَاهِمُ؛ فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ؛ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: وَإِنِّي لَمَبْعُوثٌ؟! قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَسَيَكُونُ لِي ثَمَّ مَالٌ وَولد فَأَقْضِيك، فَأتيت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ إِلَى قَوْله: {وَيَأْتِينَا فَرْدًا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً ليكونوا لَهُم عزا} هُوَ كَقَوْلِهِ: (وَاتَّخَذُوا مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ} وَإِنَّمَا يَرْجُونَ مَنْفَعَةَ أَوْثَانِهِمْ فِي الدُّنْيَا، لَا يقرونَ بِالآخِرَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 قَالَ اللَّهُ: {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ} {فِي الْآخِرَةِ} (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [قُرَنَاءَ فِي النَّارِ] الْمَعْنَى: يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بعض؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ يؤزهم أزا} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: تُزْعِجُهُمْ إِزْعَاجًا فِي مَعْصِيّة الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 {فَلَا تعجل عَلَيْهِم} وَهَذَا وَعِيدٌ {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عدا} يَعْنِي: الْأَجَلَ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كُتُبِ فِي أَوَّلِ الصَّحِيفَةِ أَجَلُهُ، ثُمَّ يُكْتَبُ أَسَفَلَ مِنْ ذَلِكَ ذَهَبَ يَوْمُ كَذَا، وَذَهَبَ يَوْمُ كَذَا؛ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى أَجله). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 {يَوْم نحشرالمتقين إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا}. يَحْيَى: بَلَغَنِي عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ " أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ الله عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: هَلْ يَكُونُ الْوَافِدُ إِلَّا الرَّاكِبَ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُمْ إِذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمُ اسْتُقْبِلُوا بِنُوقٍ بِيضٍ لَهَا أَجْنِحَةٌ عَلَيْهَا رَحَائِلُ الذَّهَبِ، كُلُّ خُطْوَةٍ مِنْهَا مَدَّ الْبَصَرِ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 قَالَ مُحَمَّدٌ: الْوَفْدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الرُّكْبَانُ الْمُكَرَّمُونَ وَاحِدُهُمْ: وَافِدٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 {ونسوق الْمُجْرمين} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} أَيْ: عِطَاشًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: {وِرْدًا} أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ: الْجَمَاعَةُ يَرِدُونَ المَاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا} قَالَ بَعضهم الْعَهْد: التَّوْحِيد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 سُورَة مَرْيَم من (آيَة 88 - آيَة 98). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جئْتُمْ شَيْئا إدا} قَالَ (مُجَاهِد): يَعْنِي عَظِيما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 {يكَاد السَّمَوَات يتفطرن مِنْهُ} أَيْ: يَتَشَقَّقْنَ مِنْهُ {وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وتخر الْجبَال هدا} أَي: سقوطا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 {ان دعوا} بِأَن دعوا {للرحمن ولدا} قَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ كَعْبًا قَالَ: غَضِبَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَسُعِّرَتْ جَهَنَّمُ حِين قَالُوا مَا قَالُوا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيجْعَلُ لَهُم الرَّحْمَن ودا} قَالَ قَتَادَةُ يَعْنِي: فِي قُلُوبِ أهل الْإِيمَان. (ل 206) يَحْيَى: عَنْ مَنْدَلِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحَبَّهُ. قَالَ: فَيُنَادِي جِبْرِيلُ: (يَا أَهْلَ السَّمَاءِ) إِنَّ اللَّهَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 يُحِبُّ فُلَانًا؛ فَأَحِبُّوهُ. قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ يَعْنِي: الْمَوَدَّةَ فِي الْأَرْضِ " قَالَ سُهَيْلٌ: وَأَحْسَبُهُ ذكر البغض مثل ذَلِك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 {فَإِنَّمَا يسرناه} يَعْنِي: الْقُرْآن {بلسانك} يَا مُحَمَّدُ {لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} بِالْجنَّةِ {وتنذر بِهِ} بالنَّار {قوما لدا} أَيْ: ذَوِي لَدَدٍ وَخُصُومَةٍ؛ يَعْنِي: قُريْشًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 {وَكم أهلكنا قبلهم} قَبْلَ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ {مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أحد} أَيْ: هَلْ تَرَى {أَوْ تَسْمَعُ لَهُم ركزا} يَعْنِي: صَوْتًا؟ أَيْ: إِنَّكَ لَا تَرَى مِنْهُمْ أَحَدًا، وَلَا تَسْمَعُ لَهُمْ صَوْتًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: الرِّكْزُ فِي اللُّغَةِ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 تَفْسِيرُ سُوْرَةِ طه وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَة طه من (آيَة 1 آيَة 8). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 قَوْله: { طه } قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: يَا رجل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 {مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى} وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ: إِنَّه شقي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 {إِلَّا تذكرة لمن يخْشَى} يَقُولُ: إِنَّمَا (أَنْزَلَهُ) تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى اللَّهَ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَمْ يقبل التَّذْكِرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 {تَنْزِيلا} (أَيْ: أَنْزَلَهُ تَنْزِيلًا) {مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْض وَالسَّمَوَات الْعلَا} يَعْنِي: نَفسه. قَالَ مُحَمَّد: (الْعلَا) جَمْعُ: الْعُلْيَا؛ يُقَالُ: سَمَاءٌ عُلْيَا، وسموات علا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحت الثرى} قَالَ أَبُو رَجَاء العطاري: الثَّرَى: الْأَرْضُ الَّتِي تَحْتَ الْمَاءِ الَّتِي يُسْتَقَرُّ عَلَيْهَا؛ فَهُوَ يَعْلَمُ مَا تَحت ذَلِك الثرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرّ وأخفى} قَالَ قَتَادَةُ: السِّرُّ: مَا حَدَّثْتَ بِهِ نَفْسَكَ، وَأَخْفَى مِنْهُ: مَا هُوَ كَائِن مِمَّا لم يحدث بِهِ نَفسك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 {لَهُ الْأَسْمَاء الْحسنى} لله تِسْعَة وَتسْعُونَ اسْما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 سُورَة طه من (آيَة 9 آيَة 12). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 {وَهل أَتَاك حَدِيث مُوسَى} أَيْ: قَدْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 {إِذْ رأى نَارا} أَيْ: عِنْدَ نَفْسِهِ (وَإِنَّمَا كَانَتْ نُورًا) {فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنست نَارا} أَيْ: رَأَيْتُ {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هدى} يَعْنِي: هُدَاةً يَهْدُونَهُ الطَّرِيقَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْقَبَسُ: مَا أَخَذْتَهُ فِي رَأْسِ عُودٍ مِنَ النَّارِ، أَوْ فِي رَأس فَتِيلَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 قَالَ: {فَلَمَّا أَتَاهَا} أَيْ: النَّارَ الَّتِي ظَنَّهَا نَارًا {نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبك}. قَالَ مُحَمَّدٌ: تُقْرَأُ: (أَنِّي) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ؛ الْفَتْحُ عَلَى مَعْنَى: نُودِيَ بِأَنِّي، وَالْكَسْرُ بِمَعْنَى: نُودِيَ: يَا مُوسَى، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ: {إِنِّي أَنا رَبك فاخلع نعليك} قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ فَخَلَعَهُمَا {إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدّس طوى} الْمُقَدَّسُ: الْمُبَارَكُ، وَطُوًى: اسْمُ الْوَادِي. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْقِرَاءَةُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 سُورَة طه من (آيَة 13 آيَة 24). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 {وَأَنا اخْتَرْتُك} أَيْ: لِرِسَالَتِي وَلِكَلَامِي {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحى} إِلَيْك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 {وأقم الصَّلَاة لذكري} فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ: إِذَا صَلَّى العَبْد ذكر الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 {إِن السَّاعَة} يَعْنِي: الْقِيَامَةَ {آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ: (أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي) {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} يَقُولُ: إِنَّمَا تَجِيءُ السَّاعَةُ لِتُجْزَى كل نفس بِمَا تعْمل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 {فَلَا يصدنك عَنْهَا} أَيْ: عَنِ الْإِيمَانِ بِهَا {مَنْ لَا يُؤمن بهَا}. {فتردى} أَي: تهْلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} سَأَلَهُ عَنِ الْعَصَا الَّتِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 قَالَ مُوسَى: {هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ يَخْبِطُ بِهَا وَرَقَ الشَّجَرِ. {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: حَوَائِجَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاحِدُ الْمَآرِبِ: مَأْرُبَةٌ، ومأربة أَيْضا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} أَيْ: تَزْحَفُ عَلَى بَطْنِهَا بِسُرْعَةٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 {سنعيدها سيرتها الأولى} أَيْ: هَيْئَتَهَا الْأُولَى؛ يَعْنِي: عَصًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 {واضمم يدك إِلَى جناحك} قَالَ مُجَاهِدٌ: أَمَرَهُ أَنْ يُدْخِلَ كَفه تَحت عضده (ل 207) {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ. قَالَ الْحَسَنُ: أَخْرَجَهَا وَاللَّهِ كَأَنَّهَا مِصْبَاحٌ، فَعَلِمَ مُوسَى أَنْ قَدْ لَقِيَ رَبَّهُ. {آيَةً أُخْرَى لنريك من آيَاتنَا الْكُبْرَى} كَانَتِ الْيَدُ أَكْبَرُ مِنَ الْعَصَا. قَالَ مُحَمَّد: (آيَة) بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى: نُرِيَكَ آيَةً أُخْرَى. سُورَة طه من (آيَة 25 آيَة 36). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 {قَالَ} مُوسَى {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} دَعَا أَنْ يَشْرَحَ صَدْرَهُ لِلْإِيمَانِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً من لساني يفقهوا قولي} فَفَعَلَ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ، وَكَانَتِ الْعُقْدَةُ الَّتِي فِي لِسَانِهِ أَنَّهُ تَنَاوَلَ لِحْيَةَ فِرْعَوْنَ وَهُوَ صَغِيرٌ فَهَمَّ بِقَتْلِهِ، وَقَالَ: هَذَا عَدُوٌّ لِي! فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنَّ هَذَا صَغِيرٌ لَا يَعْقِلُ؛ فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ ذَلِكَ، فَادْعُ بِتَمْرَةٍ وَجَمْرَةٍ، فَاعْرِضْهُمَا عَلَيْهِ، فَأُتِيَ بِتَمْرَةٍ وَجَمْرَةٍ فَعَرَضَهُمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 عَلَيْهِ، فَتَنَاوَلَ الْجَمْرَةَ فَأَلْقَاهَا فِي فِيهِ، فَمِنْهَا كَانَتْ [تِلْكَ] الْعُقْدَةُ فِي لِسَانِهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي بالعقدة: رتة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي} أَي: عوينا من أَهلِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 {هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} أَيْ: ظَهْرِي. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: أَزَرْتُ فُلَانًا عَلَى الْأَمْرِ؛ أَيْ: قَوَّيْتُهُ عَلَيْهِ، فَأَمَّا وَازَرْتُهُ: فَصِرْتُ لَهُ وزيرا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 {وأشركه فِي أَمْرِي} دَعَاءٌ مِنْ مُوسَى لِرَبِّهِ أَنْ يشركهُ فِي أمره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 {قَالَ قد أُوتيت سؤلك} أَيْ: مَا سَأَلْتَ {يَا مُوسَى}. سُورَة طه من (آيَة 37 آيَة 48). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى} فَذِكْرُهُ النِّعْمَةَ الْأُولَى يَعْنِي: قَوْلَهُ: {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحى} شَيْءٍ قُذِفَ فِي قَلْبِهَا أُلْهِمَتْهُ، وَلَيْسَ بِوَحْي نبوة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 {أَن اقذفيه فِي التابوت} أَيْ: اجْعَلِيهِ {فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} فِي الْبَحْرِ {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ} يَعْنِي: فِرْعَوْنَ {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مني} قَالَ قَتَادَةُ: أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ مَحَبَّةً مِنْهُ، فَأَحَبُّوهُ حِينَ رَأَوْهُ {ولتصنع على عَيْني} أَي: ولتغذى بمرأى مني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ} أَيْ: يَضُمُّهُ. قَالُوا: نَعَمْ. فَجَاءَتْ بِأُمِّهِ، فَقَبِلَ ثَدْيَهَا. {وَقَتَلْتَ نَفْسًا} يَعْنِي: الْقِبْطِيَّ الَّذِي كَانَ قَتَلَهُ خطأ {فنجيناك من الْغم} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: مِنَ الْخَوْفِ؛ فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْكَ الْقَوْمُ، وَغَفَرْنَا لَكَ ذَلِكَ الذَّنْبُ {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} أَيِ: ابْتَلَيْنَاكَ ابْتِلَاءً؛ الِابْتِلَاءُ وَالِاخْتِبَارُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ {فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أهل مَدين} أَقَامَ بِمَدْيَنَ عِشْرِينَ سَنَةً {ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} أَيْ: عَلَى مَوْعِدٍ؛ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 {واصطنعتك لنَفْسي} اخْتَرْتُك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 {وَلَا تنيا فِي ذكري} أَيْ: لَا تَضْعُفَا فِي الدُّعَاءِ إِلَيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} كفر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 {فقولا لَهُ قولا لينًا} سَمِعْتُ بَعْضَ الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ: كَنِّيَاهُ {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَو يخْشَى} قَالَ السُّدِّيُّ: الْأَلِفُ هَا هُنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 صِلَةٌ يَقُولُ: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ وَيَخْشَى. قَالَ مُحَمَّدٌ: (لَعَلَّ) فِي اللُّغَةِ مَعْنَاهَا: التَّرَجِّي وَالطَّمَعُ، فَالْمَعْنَى: اذْهَبَا عَلَى رَجَائِكُمَا وَطَمَعِكُمَا؛ وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَا يتَذَكَّر وَلَا يخْشَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يفرط علينا} أَي: يَجْعَل عَلَيْنَا عُقُوبَةً مِنْهُ {أَوْ أَنْ يطغى} فيقتلنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وَأرى} يَقُولُ: لَيْسَ بِالَّذِي يَصِلُ إِلَى قتلكما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذبهُمْ} كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عِنْدَ الْقِبْطِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْجِزْيَةِ فِينَا {قَدْ جئْنَاك بِآيَة من رَبك} الْعَصَا وَالْيَدُ {وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتبع الْهدى}. قَالَ يحيى: كَانَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام إِذَا كَتَبَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ كَتَبَ: " السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ". سُورَة طه من (آيَة 49 آيَة 54). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَعْطَاهُ شَكْلَهُ، أَعْطَى الرَّجُلَ الْمَرْأَةَ، وَالْجَمَلَ النَّاقَةَ، وَالذَّكَرَ الْأُنْثَى {ثمَّ هدى} عرفه كَيفَ يَأْتِيهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى} الْمَعْنَى: دَعَاهُ مُوسَى إِلَى الْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ، فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ: فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى قَدْ هَلَكَتْ فَلم تبْعَث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلا ينسى} لَا يضله (ل 208) فَيَذْهَبَ، وَلَا يَنْسَى مَا فِيهِ؛ هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: من قَرَأَ (يضل) بِفَتْحِ الْيَاءِ، فَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ: ضَلَلْتُ الشَّيْءَ أَضِلُّهُ؛ إِذَا جَعَلْتُهُ فِي مَكَانٍ لَمْ تَدْرِ أَيْنَ هُوَ. وَمِنْ قَرَأَ (يُضِلُّ) بِضَمِّ الْيَاءِ، فَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ: أَضْلَلْتُ الشَّيْء، وَمعنى أضللته: أضعته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا} أَيْ: بِسَاطًا {وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سبلا} أَيْ: جَعَلَ لَكُمْ فِيهَا طُرُقًا {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا} أصنافا {من نَبَات شَتَّى} أَيْ: مُخْتَلِفٍ، فَالَّذِي يُنْبِتُ هَذِهِ الْأَزْوَاجِ الشَّتَّى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يبعثكم بعد الْمَوْت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 {إِنَّ فِي ذَلِك لآيَات لأولي النهى} الْعُقُولِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاحِدُ النُّهَى: نُهْيَةٌ، يُقَالُ: فُلَانٌ ذُو نُهْيَةٍ؛ أَيْ: ذُو عَقْلٍ يَنْتَهِي بِهِ عَن القبائح. سُورَة طه من (آيَة 55 آيَة 64). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 {وَلَقَد أريناه آيَاتنَا كلهَا} يَعْنِي: التسع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: مُنْصَفًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي: يَكُونُ النِّصْفُ فِيمَا بَيْنَ المكانين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 {قَالَ مَوْعدكُمْ يَوْم الزِّينَة} يَعْنِي: يَوْمُ عِيدٍ كَانَ لَهُمْ يَجْتَمعُونَ فِيهِ {ضحى} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 {فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ} يَعْنِي: مَا جمع من سحرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 {فيسحتكم بِعَذَاب} أَي: يستأصلكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 {فتنازعوا أَمرهم بَينهم} أَيْ: تَنَاظَرُوا؛ يَعْنِي: السَّحَرَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 {وأسروا النَّجْوَى} أَخْفُوُا الْكَلَامَ، قَالَتِ السَّحَرَةُ: إِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ سَاحِرًا؛ فَإِنَّا سَنَغْلِبُهُ، وَإِنْ يَكُ مِنَ السَّمَاءِ كَمَا زعم فَلهُ أَمر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 {إِن هَذَانِ لساحران} يَعْنِي: مُوسَى وَهَارُونَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْله: {هَذَانِ} بِالرَّفْعِ؛ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّهَا لُغَةٌ لِكِنَانَةَ؛ يَجْعَلُونَ أَلْفَ الِاثْنَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالنَّصْبِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَلِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِيهِ كَلَامٌ كَثِيرٌ، وَاخْتِلَافٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ، غَيْرُ الَّذِي ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ. {ويذهبا بطريقتكم المثلى} أَيْ: بِعَيْشِكُمُ الْأَمْثَلِ؛ يَعْنِي: بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْقِبْطِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْجِزْيَةِ فِينَا؛ يَأْخُذُونَ مِنْهُم الْخراج ويستعبدونهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 {فَأَجْمعُوا كيدكم} أَيْ: سِحْرَكُمْ، يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ {ثمَّ ائتو صفا} أَيْ: تَعَالُوا جَمِيعًا {وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْم من استعلى} غلب. سُورَة طه من (آيَة 65 آيَة 76). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسْعَى} أَي: أَنَّهَا حيات تسْعَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 {فأوجس فِي نَفسه} أضمر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 {تلقف مَا صَنَعُوا} أَيْ: تَبْتَلِعُهُ بِفِيهَا. {إِنَّمَا صَنَعُوا} أَيْ: أَنَّ الَّذِي صَنَعُوا {كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} حَيْثُ كَانَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 {إِنَّه لكبيركم} فِي السِّحْرِ؛ أَيْ: عَالِمُكُمْ {فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيكُم وأرجلكم من خلاف} الْيَدِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيّنَا} يَعْنِي: أَنَا أَوْ مُوسَى {أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا} أَيْ: وَعَلَى الَّذِي خَلَقَنَا. {إِنَّمَا تقضي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ السُّدِّيُّ يَقُول: افْعَلْ فِي أَمْرِنَا مَا أَنْتَ فَاعِلٌ، إِنَّمَا تَفْعَلُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 {وَالله خير} مِنْكَ يَا فِرْعَوْنُ {وَأَبْقَى}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} أَيْ: مُشْرِكًا {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 {وَمن يَأْته مُؤمنا} إِلَى قَوْله: {من تزكّى} أَي: من آمن. سُورَة طه من (آيَة 77 آيَة 89). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يبسا} قَالَ الْحَسَنُ: أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَى فَرَسٍ؛ فَأَمَرَهُ فَضَرَبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ، فَصَارَ طَرِيقًا يَبَسًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي: ذَا يَبَسٍ. قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ صَارَ اثْنَى عَشْرَ طَرِيقًا، لِكُلِّ سِبْطٍ طَرِيقٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 {لَا تخَاف دركا} أَنْ يُدْرِكَكَ فِرْعَوْنُ {وَلا تَخْشَى} الْغَرق أمامك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 {فأتبعهم فِرْعَوْن بجُنُوده} قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي: لَحِقَهُمْ {فَغَشِيَهُمْ من اليم مَا غشيهم} يَقُول: فَغَرقُوا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 {وواعدناكم} يَعْنِي: مُوَاعَدَتَهُ لِمُوسَى {جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمن} يَعْنِي: أَيْمَنَ الْجَبَلِ {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنّ والسلوى} وَقد مضى تَفْسِيره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 {وَلَا تطغوا فِيهِ} أَيْ: لَا تَعْصُوا اللَّهَ فِي رَفْعِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وَكَانُوا أُمِرُوا أَلَا يَأْخُذُوا مِنْهُ لِغَدٍ، وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذَا {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبي} أَي: (ل 209) فَيَجِبَ {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فقد هوى} فِي النَّار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 {وَإِنِّي لغفار لمن تَابَ} مِنَ الشِّرْكِ {وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثمَّ اهْتَدَى} مَضَى بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ حَتَّى يَمُوتَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي: السَّبْعِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ؛ فَذَهَبُوا مَعَه لِلْمِيعَادِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 {قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي} أَيْ: يَنْتَظِرُونَنِي بِالَّذِي آتِيهِمْ بِهِ، وَلَيْسَ يَعْنِي أَنهم يتبعونه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ من بعْدك} أَي: ابتليناهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أسفا} أَيْ: حَزِينًا شَدِيدَ الْحُزْنِ مَعَ غَضَبِهِ عَلَى مَا صَنَعَ قَوْمُهُ مِنْ بَعْدَهُ {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا} فِي الْآخِرَةِ عَلَى التَّمَسُّكِ بِدِينِهِ {أفطال عَلَيْكُم الْعَهْد} يَعْنِي: الْموعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} أَيْ: بِطَاقَتِنَا إِلَى قَوْلِهِ: {فَنَسِيَ}. قَالَ يَحْيَى: كَانَ وَعْدُهُمْ مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَعَدُّوا عِشْرِينَ يَوْمًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَقَالُوا: هَذِهِ أَرْبَعُونَ، فَقَدْ أَخْلَفَنَا مُوسَى الْوَعْدَ، وَكَانُوا اسْتَعَارُوا مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 آلِ فِرْعَوْنَ حُلِيًّا لَهُمْ [أَظُنُّهُ] لِيَوْمِ الْعِيدِ، وَكَانُوا قَدْ أُمِرُوا أَنْ يُسْرَى بِهِمْ لَيْلًا، فَكَرِهَ الْقَوْمُ أَنْ يَرُدُّوا الْعَوَارِيَ عَلَى آلِ فِرْعَوْنَ، فَيَفْطِنُوا لَهُمْ، فَأَسْرُوا مِنَ اللَّيْلِ وَالْعَوَارِي مَعَهُمْ؛ وَهِيَ الْأَوْزَارُ الَّتِي قَالُوا: {حُمِّلْنَا أَوْزَارًا} أَيْ: أَثْقَالًا، فَقَالَ لَهُمُ السَّامِرِيُّ بعد مَا مَضَت عشرُون يَوْمًا وَعشْرين لَيْلَةً: إِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ بَهَذَا الْحُلِيِّ فَهَاتُوهُ. وَأَلْقَى مَا مَعَهُ مِنَ الْحُلِيِّ، وَأَلْقَى الْقَوْمُ مَا مَعَهُمْ، فَصَاغَهُ عِجْلًا، ثُمَّ أَلْقَى فِي فِيهِ التُّرَابَ الَّذِي كَانَ أَخَذَهُ مِنْ تَحْتِ حَافِرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ يَوْمَ جَازَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَجَعَلَ يَخُورُ خُوَارَ الْبَقَرَةِ؛ فَقَالَ عَدُوُّ اللَّهِ: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فنسي} أَيْ: نَسِيَ مُوسَى، الْمَعْنَى: أَنَّ مُوسَى طَلَبَ هَذَا وَلَكِنَّهُ (نَسِيَهُ) وَخَالفهُ فِي طَرِيق آخر؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 قَالَ اللَّهُ: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يرجع إِلَيْهِم قولا} يَعْنِي: الْعِجْلَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (أَلا يرجع) بِالرَّفْعِ، فَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ {وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نفعا}. سُورَة طه من (آيَة 90 آيَة 98). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قبل} أَيْ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ مُوسَى حِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ} يَعْنِي: الْعِجْلَ {وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 {قَالُوا لن نَبْرَح} أَيْ: لَنْ نَزَالَ {عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} نَعْبُدُهُ {حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 {قَالَ يَا ابْن أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ ترقب قولي} أَي: وَلم تنْتَظر مِيعَادِي، وَقَدِ اسْتَخْلَفْتُكَ فِيهِمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (يَا ابْنَ أُمَّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَمَوْضِعُهَا جَرٌّ فَإِنَّمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ (ابْنَ وأُمَّ) جُعِلَا شَيْئًا وَاحِدًا، وَبُنِيَا عَلَى الْفَتْح مثل خَمْسَة عشر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 {قَالَ} ثُمَّ أَقْبَلَ مُوسَى عَلَى السَّامِرِيِّ؛ فَقَالَ لَهُ: {فَمَا خَطبك} أَيْ: مَا حُجَّتُكَ {يَا سَامِرِيُّ} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} يَعْنِي: بَنِي إِسْرَائِيَلَ، وَكَانَ الَّذِي رَأَى: فَرَسَ جِبْرِيلَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يَقُولُ أَهْلُ اللُّغَةِ: بَصُرَ الرَّجُلُ يَبْصُرُ؛ إِذَا صَارَ عَلِيمًا بِالشَّيْءِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 وَأَبْصَرَ يُبْصِرُ؛ إِذَا نَظَرَ. {فَقَبَضْتُ قَبْضَة من أثر الرَّسُول} يَعْنِي: مِنْ تَحْتِ حَافِرِ فَرَسِ جِبْرِيل {فنبذتها} أَيْ: أَلْقَيْتُهَا فِي الْعِجْلِ؛ يَعْنِي: حِينَ صَاغَهُ، وَكَانَ صَائِغًا {وَكَذَلِكَ سَوَّلت لي نَفسِي} أَيْ: وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنِّي إِذَا أَلْقَيْتُهَا فِي الْعِجْلِ خَارَ. قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ السَّامِرِيُّ مِنْ عُظَمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهَا: سَامِرَةٌ، وَلَكِنْ نَافَقَ بَعْدَمَا قَطَعَ الْبَحْرَ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 {قَالَ} لَهُ مُوسَى: {فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاة} (يَعْنِي: حَيَاةَ الدُّنْيَا {أَنْ تَقُولَ لَا مساس} يَعْنِي: لَا تُخَالِطَ النَّاسَ، وَلَا يُخَالِطُونَكَ) فَهَذِهِ عُقُوبَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَمِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالسَّامِرَةُ صِنْفٌ مِنَ الْيَهُودِ. قَالَ قَتَادَةُ: يُقَالُ: السَّامِرَةُ حَتَّى الْآنَ بِأَرْضِ الشَّامِ، يَقُولُونَ: لَا مِسَاسَ. قَوْلُهُ: {وَإِنَّ لَكَ موعدا لن تخلفه} يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَجْزِيَكَ اللَّهُ فِيهِ بأسوإ عَمَلِكَ {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظلت عَلَيْهِ} أَي: صرت عَلَيْهِ {عاكفا} على عِبَادَته (ل 210) {لنحرقنه ثمَّ لننسفنه}. مُحَمَّدٌ: النَّسْفُ: التَّذْرِيَةُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: ذَبَحَهُ مُوسَى، ثُمَّ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ، ثمَّ ذراه فِي الْبَحْر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 {وسع كل شَيْء} قَالَ قَتَادَةُ: مَلَأَ رَبِّي كُلَّ شَيْء {علما} يَقُولُ: لَا يَكُونُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 شَيْء إِلَّا بِعلم الله. سُورَة طه من (آيَة 99 آيَة 104). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قد سبق} أَيْ: مِنْ أَخْبَارِ مَا قَدْ مضى {وَقد آتيناك} أعطيناك {من لدنا} من عندنَا {ذكرا} يَعْنِي: الْقُرْآن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 {من أعرض عَنهُ} عَنِ الْقُرْآنِ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ {فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا} ثقلا؛ يَعْنِي: الْإِثْم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 {خَالِدين فِيهِ} أَيْ: فِي ثَوَابِ ذَلِكَ الْوِزْرِ؛ وَهِي النَّار {وساء لَهُم} أَيْ: وَبِئْسَ لَهُمْ {يَوْمَ الْقِيَامَةِ حملا} يَعْنِي: مَا يَحْمِلُونَ عَلَى ظُهُورِهِمْ مِنَ الْوِزْرِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (حِمْلا) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ؛ الْمَعْنَى: سَاءَ الْوِزْرُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا، وَسُمِّيَ (الْوِزْرُ حِمْلًا)؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يحمل بِهِ ثقلا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 {يَوْم ينْفخ فِي الصُّور} وَالصُّورِ: قَرْنٌ يَنْفُخُ فِيهِ صَاحِبُ الصُّورِ؛ فَيَنْطَلِقُ كُلَّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهِ، تُجْعَلُ الْأَرْوَاحُ كُلُّهَا فِي الصُّورِ؛ فَإِذَا نُفِخَ فِيهِ خَرَجَتِ الْأَرْوَاحُ مِثْلَ النَّحْلِ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جسده {ونحشر الْمُجْرمين} الْمُشْرِكِينَ؛ هَذَا حَشْرٌ إِلَى النَّارِ {يَوْمئِذٍ زرقا} أَي: مسودة وُجُوههم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 {يتخافتون بَينهم} أَي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 يتسارون {إِن لبثتم} فِي الدُّنْيَا {إِلَّا عشرا} يُقَلِّلُونَ لَبْثَهُمْ فِي الدُّنْيَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْخُفُوتُ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ: السُّكُونُ؛ يُقَالُ: خَفَتَ الْكَلَامُ وَخَفَتَ الدُّعَاء؛ إِذا سكن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 {إِذْ يَقُول أمثلهم طَريقَة} أَيْ: أَعْقَلُهُمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي: أَعْقَلَهُمْ عِنْدَ نَفْسِهِ، وَأَعْلَمَهُمْ بِمَا يَقُول. {إِن لبثتم} أَيْ: مَا لَبِثْتُمْ {إِلا يَوْمًا} قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ مَوَاطِنُ، قَالُوا إِلَّا عَشْرًا، وَإِلَّا يَوْمًا، وَقَالُوا: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} وَقَالَ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ المجرمون} يَحْلِفُ الْمُجْرِمُونَ {مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَة} أَيْ: فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ لِتَصَاغُرِ الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ، وَقَلِّتِهَا فِي طُولِ الْآخِرَة. سُورَة طه من (آيَة 105 آيَة 113). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نسفا} أَيْ: يَذْرِيهَا تَذْرِيَةً مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 أُصُولِهَا، تَصِيرُ الْجِبَالُ كَالْهَبَاءِ الْمَنْثُورِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 {فيذرها} يَعْنِي: الأَرْض {قاعا صفصفا} الْقَاعُ: الَّذِي لَا أَثَرَ عَلَيْهِ، وَالصَّفْصَفُ: الْمُسْتَوِيَةُ الَّتِي لَيْسَ عَلَيْهَا نَبَات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 {لَا ترى فِيهَا عوجا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْعِوَجُ: الْوَادِي {وَلَا أمتا} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: ارتفاعا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 {يَوْمئِذٍ يتبعُون الدَّاعِي} صَاحِبَ الصُّورِ؛ أَيْ: يُسْرِعُونَ إِلَيْهِ حِينَ يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ {لَا عوج لَهُ} أَيْ: لَا يَتَعَوَّجُونَ عَنْ إِجَابَتِهِ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ للرحمن} أَيْ: سَكَنَتْ {فَلا تَسْمَعُ إِلا همسا} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي صَوْتَ الْأَقْدَامِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْهَمْسُ فِي اللُّغَةِ: الشَّيْء الْخَفي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قولا} يَعْنِي: التَّوْحِيد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 {يعلم مَا بَين أَيْديهم} مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ {وَمَا خَلْفَهُمْ} من أَمر الدُّنْيَا؛ أَي: إِذْ صَارُوا فِي الْآخِرَةِ {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ علما} أَيْ: وَيَعْلَمُ مَا لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا؛ أَيْ: مَا لَا يعلمُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 {وعنت الْوُجُوه للحي القيوم} أَيْ: ذَلَّتْ، وَالْقَيُّومُ: الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: عَنَا يَعْنُو؛ إِذَا خَضَعَ. {وَقَدْ خَابَ من حمل ظلما} أَي: شركا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤمن فَلَا يخَاف ظلما} يَعْنِي: أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ فِي سيئاته {وَلَا هضما} أَن ينقص من حَسَنَاته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 {وصرفنا فِيهِ من الْوَعيد} أَيْ: بَيَّنَّا؛ مِنْ يَعْمَلْ كَذَا فَلَهُ كَذَا {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يحدث لَهُم ذكرا} تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: الْمَعْنَى: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، وَيُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا؛ الْأَلِفُ هَا هُنَا صلَة. سُورَة طه من (آيَة 114 آيَة 127). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَن يقْضى إِلَيْك وحيه} أَيْ: لَا تَتْلُهُ؛ حَتَّى نُتِمَّهُ لَكَ؛ كَانَ النَّبِيُّ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يَقْرَؤُهُ وَيُدْئِبُ فِيهِ نَفسه؛ مَخَافَة أَن ينسى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قبل} يَعْنِي: مَا أُمِرَ بِهِ: أَلَا يَأْكُل من الشَّجَرَة {فنسي} يَعْنِي: فَتَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ. {وَلم نجد لَهُ عزما} أَي: صبرا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 {فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} فِي الدُّنْيَا، يَعْنِي: الْكَدَّ فِيهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا} يَعْنِي: فِي الْجَنَّةِ {وَلا تَعْرَى} كَانَا كسيا الظفر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 {وَأَنَّك لَا تظمأ فِيهَا} أَيْ: لَا تَعْطَشُ {وَلا تَضْحَى} أَيْ: لَا تُصِيبُكَ شَمْسٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: ضَحِيَ الرَّجُلُ يَضْحَى؛ إِذَا بَرَزَ إِلَى الضُّحَى، وَهُوَ حر الشَّمْس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجنَّة} (ل 211) يَعْنِي: جَعَلَا يُرَقِّعَانِهِ كَهَيْئَةِ الثَّوْبِ. {وَعصى آدم ربه فغوى} وَلم يبلغ بمعصيته الْكفْر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ} من ذَلِك الذَّنب {وَهدى} أَي: مَاتَ على الْهدى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 {فَمن اتبع هُدَايَ} يَعْنِي: رُسُلِي وَكُتُبِي {فَلا يَضِلُّ} (فِي الدُّنْيَا) {وَلَا يشقى} فِي الْآخِرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 {وَمن أعرض عَن ذكري} فَلَمْ يُؤْمِنْ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضنكا}. يَحْيَى: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرَادَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَعِيشَةً ضنكا} " يَعْنِي: عَذَابَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 الْقَبْرِ ". قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصْلُ الضَّنْكِ فِي اللُّغَةِ: الضِّيقُ وَالشِّدَّةُ، يُقَالُ: ضَنُكَ عَيْشُهُ ضَنْكًا، وضَنَكًا، وَقَالُوا: {معيشة ضنكا} أَيْ: شَدِيدَةً. يَحْيَى: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَاذَانَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّبَعَ جَنَازَةَ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ؛ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَبْرِهِ وَجَدَهُ لَمْ يُلْحَدْ؛ فَجَلَسَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرُ وَبِيَدِهِ عُودٌ وَهُوَ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالَهَا ثَلَاثًا إِنَّ الْمُؤْمِنِ إِذَا كَانَ فِي قُبُلٍ مِنَ الْآخِرَةِ، وَانْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا أَتَتْهُ مَلَائِكَةٌ وُجُوهُهُمْ كَالشَّمْسِ بِحَنُوطِهِ وَكَفَنِهِ، فَجَلَسُوا بِالْمَكَانِ الَّذِي يَرَاهُمْ (مِنْهُ)؛ فَإِذَا خَرَجَ رَوْحُهُ صَلَّى عَلَيْهِ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؛ وَكُلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ كُلُّ بَابٍ مِنْهَا يُعْجِبُهُ أَنْ يَصْعَدَ رَوْحُهُ مِنْهُ، فَيَنْتَهِي الْمَلَكُ إِلَى رَبَّهُ، فَيَقُولُ: يَا رَبُّ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 هَذَا رُوحُ عَبْدِكَ، فَيُصَلِّي عَلَيْهِ اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ، وَيَقُولُ: ارْجِعُوا بِعَبْدِي فَأَرُوهُ مَاذَا أَعْدَدْتُ لَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ؛ فَإِنِّي عَهِدْتُ إِلَى عِبَادِي أَنِّي مِنْهَا خَلَقْتُكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ، فَيَرُدُّ إِلَيْهِ رُوحَهُ حِينَ يُوضَعُ فِي قَبْرِهِ، فَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِكُمْ حِينَ تَنْصَرِفُونَ عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ وَمَنْ رَبُّكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ رَبِّي، وَالْإِسْلَامُ دِينِي، وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي، فَيَنْتَهِرَانِهِ انْتِهَارًا شَدِيدًا، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ وَمَنْ رَبُّكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ رَبِّي، وَالْإِسْلَامُ دِينِي، وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي. فَيُنَادِيهِ مُنَادٍ: {يثبن اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} فَيَأْتِيهِ عَمَلُهُ فِي صُوْرَةٍ حَسَنَةٍ وَرِيحٍ طَيِّبَةٍ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ (بِجَنَّاتٍ) فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ؛ فَقَدْ كُنْتُ سَرِيعًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ بَطِيئًا عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَيَقُولُ: وَأَنْتَ بَشَّرَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَمِثْلُ وَجْهِكَ يُبَشِّرُ بِالْخَيْرِ، وَمَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْحَسَنُ. ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ، فَيُقَالُ لَهُ: كَانَ هَذَا مَنْزِلُكَ فَأَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ فِي جَانِبِ قَبْرِهِ فَيَرَى مَنْزِلَهُ فِي الْجَنَّةِ، فَيَنْظُرُ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ فَيَقُولُ: يَا رَبُّ، مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ كَيْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي؟! فَيُوَسَّعُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ وَيَرْقُدُ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِذَا كَانَ فِي قُبُلٍ مِنَ الْآخِرَةِ وَانْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا، أَتَتْهُ مَلَائِكَةٌ (سُودُ الْوُجُوهِ) بِسَرَابِيلَ مِنْ قَطْرَانٍ، وَمُقَطَّعَاتٍ مِنْ نَارٍ، فَجَلَسُوا مِنْهُ بِالْمَكَانِ الَّذِي يَرَاهُمْ مِنْهُ، فَيَنْزِعُ رُوحَهُ كَمَا يَنْتَزِعُ السُّفُّودُ الْكَثِيرُ شُعَبِهِ مِنَ الصُّوفِ الْمُبْتَلِّ مِنْ عُرُوقِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 وَقَلْبِهِ؛ فَإِذَا خَرَجَ رُوحُهُ لَعَنَهُ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَكُلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ السَّمَوَاتِ دُوْنَهُ، كُلُّ بَابٍ يَكْرَهُ أَنْ يَصْعَدَ رُوحُهُ مِنْهُ، فَيَنْتَهِي الْمَلَكُ إِلَى رَبَّهُ فَيَقُولُ: يَا رَبُّ هَذَا رُوحُ عَبْدِكَ فُلَانٍ لَا تَقْبَلُهُ أَرْضٌ وَلَا سَمَاءٌ {فَيَلْعَنُهُ اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ، فَيَقُولُ: ارْجِعُوا بِعَبْدِي فَأَرُوهُ مَاذَا أَعْدَدْتُ لَهُ مِنَ الْهَوَانِ؛ فَإِنِّي عَهِدْتُ إِلَى عِبَادِي أَنِّي مِنْهَا خَلَقْتُكُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُكُمْ، فَتُرَدُّ إِلَيْهِ رُوحُهُ حِينَ يُوْضَعُ فِي قَبْرِهِ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِكُمْ حِينَ تَنْصَرِفُونَ (ل 212) عَنهُ، فَيَقُول لَهُ: مَا دِينُكَ؟ وَمَنْ رَبُّكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ رَبِّي، وَالْإِسْلَامُ دِينِي، وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي، فَيَنْتَهِرَانِهِ انْتِهَارًا شَدِيدًا، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ وَمَنْ رَبُّكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي} فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ، وَيَأْتِيهِ عَمَلُهُ فِي صُوْرَةٍ قَبِيحَةٍ وَرِيحٍ مُنْتِنَةٍ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِعَذَابٍ مُقِيمٍ، فَيَقُولُ: وَأَنْتَ فَبَشَّرَكَ اللَّهُ بِشَرٍّ فَمِثْلُ وَجْهِكَ يُبَشِّرُ بِالشَّرِّ. وَمَنْ أَنْتَ؟! فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ. ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: كَانَ هَذَا مَنْزِلَكَ لَوْ أَطَعْتَ اللَّهَ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ مَنْزَلَهُ مِنَ النَّارِ، فَيَنْظُرُ إِلَى مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْهَوَانِ، وَيُقَيَّضُ لَهُ أَصَمُّ أَعْمَى، فِي يَدِهِ مِرْزَبَةٌ لَو تُوضَع على جبل لصار رُفَاتًا، فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً فَيَصِيرُ رُفَاتًا، ثُمَّ يُعَادُ فَيَضْرِبُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ضَرْبَةً يَصِيحُ مِنْهَا صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ، وَيُنَادِي مُنَادٍ أَنِ افْرِشُوهُ لَوْحَيْنِ مِنَ النَّارِ، فَيُفْرَشُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 لَهُ لَوْحَيْنِ مِنْ نَارٍ، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ؛ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 قَوْلُهُ: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} عَن حجَّته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 أَعْمَى} عَنِ الْحُجَّةِ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ {وَقد كنت بَصيرًا} عَالِمًا بِحُجَّتِي فِي الدُّنْيَا؟! وَإِنَّمَا عِلْمُهُ ذَلِكَ عِنْدَ نَفْسِهِ؛ أَنَّهُ يُحَاجُّ فِي الدُّنْيَا جَاحِدًا لِمَا جَاءَهُ من الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 قَالَ اللَّهُ: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا} {فِي الدُّنْيَا} (فنسيتها} أَيْ: فَتَرَكْتَهَا لَمْ تُؤْمِنْ بِهَا {وَكَذَلِكَ الْيَوْم تنسى} أَي: تتْرك فِي النَّار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 {وَكَذَلِكَ نجزي من أسرف} عَلَى نَفْسِهِ بِالشِّرْكِ {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشد} من عَذَاب الدُّنْيَا {وَأبقى} أَي: لَا يَنْقَطِع أبدا. سُورَة طه من (آيَة 128 آيَة 132). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 {أفلم يهد لَهُم} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: نُبَيِّنُ لَهُمْ؛ مُقْرَأَةً بِالنُّونِ {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ من الْقُرُون} يُحَذِّرُهُمْ وَيُخَوِّفُهُمُ الْعَذَابَ إِنْ لَمْ يُؤمنُوا {يَمْشُونَ فِي مساكنهم} تَمْشِي هَذِهِ الْأُمَّةُ فِي مَسَاكِنِهِمْ؛ يَعْنِي: مَنْ مَضَى {إِنَّ فِي ذَلِك لآيَات لأولي النهى} الْعُقُول، وهم الْمُؤْمِنُونَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} أَلَّا يُعَذِّبَ كُفَّارَ آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِالْنَفْخَةِ {لَكَانَ لِزَامًا} أَيْ: لَأُلْزِمُوا عُقُوبَةَ كُفْرِهِمْ فَأُهْلِكُوا جَمِيعًا؛ لِجُحُودِهِمْ مَا جَاءَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 بِهِ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام {وَأجل مُسَمّى} فِيهَا تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ: وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وَأَجَلٌ مُسَمَّى لَكَانَ لزاما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 {فاصبر على مَا يَقُولُونَ} أَنَّك سَاحر، وَأَنت شَاعِرٌ، وَأَنَّكَ مَجْنُونٌ، وَأَنَّكَ كَاهِنٌ، وَأَنَّكَ كَاذِبٌ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قبل طُلُوع الشَّمْس} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: صَلَاةَ الصُّبْحِ {وَقبل غُرُوبهَا} الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ} يَعْنِي: سَاعَات اللَّيْل {فسبح} يَعْنِي: الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ. [قَالَ مُحَمَّدٌ:] وَاحِدُ الْآنَاءِ إِنَى {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: التَّطَوُّعَ {لَعَلَّكَ ترْضى} أَيْ: لِكَيْ تَرْضَى فِي الْآخِرَةِ ثَوَاب عَمَلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا متعنَا بِهِ أَزْوَاجًا} أَصْنَافًا مِنْهُمْ؛ يَعْنِي: الْأَغْنِيَاءَ. {زَهْرَةَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} يَعْنِي: زِينَة {لنفتنهم فِيهِ} أَيْ: نَخْتَبِرُهُمْ؛ أَمْرُهُ أَنْ يَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: (زَهْرَةَ) مَنْصُوبٌ بِمَعْنَى: جَعَلْنَا لَهُمُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا زهرَة. {ورزق رَبك} فِي الْجنَّة {خير} من الدُّنْيَا {وَأبقى} يَقُول: لَا نفاد لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 {وَأمر أهلك بِالصَّلَاةِ} أَهْلُهُ: أُمَّتُهُ {لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} أَنْ تَرْزُقَ نَفْسَكَ {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} أَيْ: لِأَهْلِ التَّقْوَى، وَالْعَاقِبَةُ: الْجَنَّةُ. سُورَة طه من (آيَة 133 آيَة 135). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 {وَقَالُوا لَوْلَا} هَلَّا {يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ} قَالَ الله: {أَو لم تأتهم بَيِّنَة} قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي: آيَاتٍ {مَا فِي الصُّحُف الأولى} يَعْنِي: التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قبله} يَعْنِي: مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ {لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا} هَلَّا {أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 {قل كل متربص} نَحن وَأَنْتُم؛ كَانَ الْمُشْركين يَتَرَبَّصُونَ بِالنَّبِيِّ أَنْ يَمُوتَ، وَكَانَ النَّبِي يَتَرَبَّصُ بِهِمْ أَنْ يَجِيئَهُمُ الْعَذَابُ {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ} يَعْنِي: الطَّرِيقَ الْمُعْتَدِلَ {وَمَنِ اهْتَدَى} أَيْ: فَسَتَعْلَمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ وَالْمُؤْمِنِينَ كَانُوا عَلَى [الصِّرَاطِ السَّوِيِّ، وَأَنَّهُمْ مَاتُوا عَلَى الْهُدَى]. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 تَفْسِيرُ سُوْرَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَهِيَ مَكِيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 1 آيَة 5). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 قَوْله: {اقْترب للنَّاس حسابهم} أَيْ: أَنَّ ذَلِكَ قَرِيبٌ. يَحْيَى: عَنْ خَدَاشٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حِينَ بُعِثَ إِلَيَّ بُعِثَ إِلَى صَاحِبِ الصُّورِ فَأَهْوَى بِهِ إِلَى فِيهِ، وَقَدَّمَ رِجْلًا وَأَخَّرَ رِجْلًا، يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرْ يَنْفُخْ؛ أَلَا فَاتَّقُوا النَّفْخَةَ ". {وَهُمْ فِي غَفلَة} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْآخِرَةِ {مُعْرِضُونَ} عَن الْقُرْآن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبهم مُحدث} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} يَسْمَعُونَهُ بِآذَانِهِمْ، وَلَا تَقْبَلُهُ قُلُوبُهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 {لاهية قُلُوبهم} أَيْ: غَافِلَةً. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: اسْتَمَعُوهُ لَاعِبِينَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 {وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا} أَشْرَكُوا؛ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَأَسَرُّوا ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ {هَلْ هَذَا} يَعْنُونَ: مُحَمَّدًا {إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أفتأتون السحر} يَعْنُونَ: الْقُرْآنَ؛ أَيْ: تُصَدِّقُونَ بِهِ {وَأَنْتُم تبصرون} أَنَّهُ سِحْرٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا} فِيهِ وَجْهَانِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (الَّذين ظلمُوا) رَفْعًا عَلَى مَعْنَى: هُمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَعْنِي الَّذِينَ ظَلَمُوا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 {قَلَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ} السِّرَّ {فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 {بل قَالُوا أضغاث أَحْلَام} أَيْ: أَخْلَاطُ أَحْلَامٍ؛ يَعْنُونَ: الْقُرْآنَ {بل افتراه} يَعْنُونَ: مُحَمَّدًا {بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ} كَمَا جَاءَ مُوسَى وَعِيسَى؛ فِيمَا يزْعم مُحَمَّد. سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 6 آيَة 10). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أهلكناها أفهم يُؤمنُونَ} أَيْ: أَنَّ الْقَوْمَ إِذَا كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، وَسَأَلُوهُ الْآيَةَ فَجَاءَتْهُمْ وَلَمْ يُؤْمِنُوا أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ؛ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ إِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ؛ أَيْ: لَا يُؤمنُونَ إِن جَاءَتْهُم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ {إِنْ كُنْتُم لَا تعلمُونَ} وهم لَا يعلمُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 {وَمَا جعلناهم جسدا} يَعْنِي: النَّبِيِّينَ {لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} أَيْ: وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ؛ قَالَ هَذَا لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ {مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام}. {وَمَا كَانُوا خَالِدين} فِي الدُّنْيَا لَا يَمُوتُونَ. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {جسدا} هُوَ وَاحِد يُنْبِئُ عَنْ جَمَاعَةٍ؛ الْمَعْنَى: وَمَا جَعَلْنَا الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُ ذَوِي أَجْسَادٍ لَا تَأْكُلُ الطَّعَامَ وَلَا تَمُوتُ؛ فنجعله كَذَلِك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 {ثمَّ صدقناهم الْوَعْد} كَانَتِ الرُّسُلُ تُحَذِّرُ قَوْمَهَا عَذَابَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا، فَلَمَّا لَمْ يُؤْمِنُوا صَدَقَ اللَّهُ رُسُلَهُ الْوَعْدَ، فَأَنْزَلَ الْعَذَابَ عَلَى قَوْمِهِمْ. قَالَ: {فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمن نشَاء} يَعْنِي: النَّبِي وَالْمُؤمنِينَ {وأهلكنا المسرفين} الْمُشْركين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 {لقد أنزلنَا إِلَيْكُم كتابا} الْقُرْآن {فِيهِ ذكركُمْ} فِيهِ شَرَفُكُمْ يَعْنِي: قُرَيْشًا لِمَنْ آمن بِهِ {أَفلا تعقلون} يَقُوله للْمُشْرِكين. سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 11 آيَة 18). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 ({وَكم قصمنا} أَهْلَكْنَا {مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} مُشركَة) يَعْنِي: أَهلهَا {وأنشأنا} خلقنَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 {فَلَمَّا أحسوا بأسنا} رَأَوْا عَذَابَنَا؛ يَعْنِي: قَبْلَ أَنْ يهْلكُوا {إِذا هم مِنْهَا} من الْقرْيَة {يركضون} يفرون، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 قَالَ الله: {لَا تركضوا} لَا تَفِرُّوا. {وَارْجِعُوا إِلَى مَا أترفتم فِيهِ} أَيْ: إِلَى دُنْيَاكُمُ الَّتِي أُتْرِفْتُمْ فِيهَا {ومساكنكم لَعَلَّكُمْ تسْأَلُون} مِنْ دُنْيَاكُمْ شَيْئًا؛ أَيْ: لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ؛ يُقَالُ لَهُمْ هَذَا اسْتِهْزَاءٌ بهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 {قَالُوا يَا ويلنا} وَهَذَا حِينَ جَاءَهُمُ الْعَذَابَ {إِنَّا كُنَّا ظالمين} قَالَ الله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعوَاهُم} أَيْ: فَمَا زَالَ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ؛ يَعْنِي: {يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظالمين}. {حَتَّى جعلناهم حصيدا خامدين} أَي: قد هَلَكُوا وَسَكنُوا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَينهمَا لاعبين} أَي: إِنَّمَا خلقناهما (ل 214) للبعث والحساب، وَالْجنَّة وَالنَّار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا} قَالَ الْحَسَنُ: اللَّهْوُ [الْمَرْأَةُ] بِلِسَانِ الْيمن {لاتخذناه من لدنا} أَيْ: مِنْ عِنْدِنَا {إِنْ كُنَّا فاعلين} أَيْ: وَمَا كُنَّا فَاعِلِينَ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 بَنَات الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 {بل نقذف بِالْحَقِّ} بِالْقُرْآنِ {على الْبَاطِل} يَعْنِي: (الشّرك) {فيذمغه فَإِذا هُوَ زاهق} ذَاهِبٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {فَيَدْمَغُهُ} أَيْ: يَكْسِرُهُ، وَأَصْلُ هَذَا إِصَابَةُ الرَّأْسِ وَالدِّمَاغِ بِالضَّرْبِ، وَهُوَ مُقْتِلٌ. {وَلكم الويل} الْعَذَاب {مِمَّا تصفون} قَالَ قَتَادَةُ: لِقَوْلِهِمْ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَات الله. سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 19 آيَة 28). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 {وَله من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن عِنْده} يَعْنِي: الْمَلائِكَةَ. {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَته وَلَا يستحسرون} أَي: يعيون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأَرْضِ هم ينشرون} أَيْ: يُحْيُونَ الْمَوْتَى؛ (هَذَا عَلَى الِاسْتِفْهَام؛ أَي: أَنهم قَدِ اتَّخَذُوا آلِهَةً لَا يُحْيُونَ الْمَوْتَى). قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: أَنْشَرَ الله الْمَوْتَى فنشروا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 {لَو كَانَ فيهمَا} يَعْنِي: فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ {آلِهَةٌ إِلَّا الله} غير الله {لفسدتا} لَهَلَكَتَا {فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ} ينزه نَفسه {عَمَّا يصفونَ} يَقُولُونَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل} بعباده {وهم يسْأَلُون} وَالْعِبَادُ يَسَأَلُهُمُ اللَّهُ عَنْ أَعْمَالِهِمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} عَلَى الاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: قَدْ فَعَلُوا، وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ، وَأَشْبَاهُهُ اسْتِفْهَامٌ عَلَى معرفَة. {قل هاتوا برهانكم} يَعْنِي: حُجَّتَكُمْ عَلَى مَا تَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً؛ أَيْ: لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ حُجَّةٌ. {هَذَا ذِكْرُ من معي} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: الْقُرْآنَ {وَذِكْرُ من قبلي} يَعْنِي أَخْبَارَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَأَعْمَالُهُمْ؛ لَيْسَ فِيهَا اتِّخَاذ آلِهَةً دُونَ اللَّهِ {بَلْ أَكْثَرُهُمْ} يَعْنِي: جَمَاعَتُهُمْ {لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فهم معرضون} عَن الْحق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 {وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا} قَالَ قَتَادَةُ: قَالَتِ اليَهُودُ: إِنَّ اللَّهَ صَاهَرَ إِلَى الْجِنِّ، فَكَانَتْ مِنْ بَيْنِهِمُ الْمَلَائِكَةُ. قَالَ اللَّهُ: {سُبْحَانَهُ} يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا قَالُوا {بَلْ عباد مكرمون} يَعْنِي: الْمَلَائِكَةَ هُمْ كِرَامٌ عَلَى الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 {لَا يسبقونه بالْقَوْل} فَيَقُولُونَ شَيْئًا لَمْ يَقْبَلُوهُ عَنِ الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلفهم} تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَعْنِي: يَعْلَمُ مَا كَانَ قَبْلَ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ، وَمَا كَانَ بعد خلقهمْ (وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 يشعفون إِلَّا لمن ارتضى} أَي: لمن رَضِي. سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 29 آيَة 35). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ من دونه} الْآيَة، قَالَ قَتَادَةُ: هَذِهِ فِي إِبْلِيسَ خَاصَّةً لَمَّا دَعَا إِلَى عِبَادَةِ نَفْسِهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: وَمَنْ يَقُلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ إِنْ قَالَهُ، وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ؛ وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 {أَو لم يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْض كَانَتَا رتقا} [قَالَ السُّدِّيُّ: أَوْ لَمْ يَعْلَمْ] قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: مُلْتَزِقَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا على الْأُخْرَى {ففتقناهما} يَقُولُ: فَوَضَعَ الْأَرْضَ، وَرَفَعَ السَّمَاءَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {كَانَتَا رَتْقًا} لِأَنَّ السَّمَوَاتِ يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالسَّمَاءِ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ، وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ، وَمَعْنَى (رتقا) أَيْ: شَيْئًا وَاحِدًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 مُلْتَحِمًا؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ. {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ} أَيْ: أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ فَإِنَّمَا خلق من المَاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 {وَجَعَلنَا فِي الأَرْض رواسي} يَعْنِي: الْجِبَالَ {أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} لِئَلَّا تَحَرَّكَ بِهِمْ {وَجَعَلْنَا فِيهَا فجاجا سبلا} يَعْنِي: أَعْلَامًا طَرِقًا {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} لكَي يهتدوا الطّرق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 {وَجَعَلنَا السَّمَاء سقفا} على من تحتهَا {مَحْفُوظًا} يَعْنِي: مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ. {وهم عَن آياتها معرضون} أَي: لَا يتفكرون فِيهَا يَرَوْنَ؛ فَيَعْرِفُونَ أَنَّ لَهُمْ مَعَادًا فيؤمنون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يسبحون} أَي: يجرونَ، تفسيرالحسن: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ فِي طَاحُونَةٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَهَيْئَةِ فَلَكَةِ الْمِغْزَلِ تَدُورُ فِيهَا، وَلَوْ كَانَتْ مُلْتَزِقَةٌ بِالسَّمَاءِ لَمْ تَجْرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 {أفأين مت فهم الخالدون} على (ل 215) الِاسْتِفْهَامِ: أَفَهُمُ الْخَالِدُونَ؟ أَيْ: لَا يخلدُونَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 {وتبلوكم بِالشَّرِّ وَالْخَيْر} يَعْنِي: الشدَّة والرخاء {فتْنَة} أَي: اختبارا. سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 36 آيَة 40). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 {وَإِذا رآك الَّذين كفرُوا} يَقُولُهُ لِلنَّبِيِّ {إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} أَيْ: يَعِيبُهَا وَيَشْتِمُهَا، يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. قَالَ اللَّهُ: {وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 {خلق الْإِنْسَان من عجل} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: خُلِقَ عَجُولًا. قَالَ اللَّهُ: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} وَذَلِكَ لِمَا كَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام مِنَ الْعَذَابِ اسْتِهْزَاءً مِنْهُمْ وَتَكْذِيبًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُم صَادِقين} هَذَا قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ لِلنَّبِيِّ؛ مَتَى هَذَا الَّذِي تَعِدُنَا بِهِ مِنْ أَمر الْقِيَامَة؟! الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 قَالَ اللَّهُ: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوههم النَّار} الْآيَةُ (وَفِيهَا تَقْدِيمٌ؛ أَيْ: أَنَّ الْوَعْد الَّذِي كَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا هُوَ يَوْمُ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ) {وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هم ينْصرُونَ} لَو يعلم الَّذين كفرُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 {بل تأتيهم بَغْتَة} يَعْنِي: الْقِيَامَة {فتبهتهم} أَيْ: تُحَيِّرُهُمْ {فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هم ينظرُونَ} يؤخرون. سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 41 آيَة 44). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فحاق بالذين سخروا مِنْهُم} أَيْ: كَذَّبُوهُمْ وَاسْتَهْزَءُوا بِهِمْ {مَا كَانُوا بِهِ يستهزءون} يَعْنِي: الْعَذَابَ الَّذِي كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ من الرَّحْمَن} أَيْ: هُمْ مِنَ الرَّحْمَنِ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ؛ كَقَوْلِهِ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمر الله} أَيْ: هُمْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَهُمْ مَلَائِكَةٌ حَفَظَةٌ لِبَنِي آدَمَ ولأعمالهم، وَقد مضى تَفْسِيره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 {أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُوننَا} أَيْ: قَدِ اتَّخَذُوا آلِهَةً لَا تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا. قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: لَا تَمْنَعُهُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ عَذَابَهُمْ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا تُعَذَّبُ الشَّيَاطِينُ الَّتِي دَعَتْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَلَا تُعَذَّبُ الْأَصْنَامُ. {لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} يَقُولُ: لَا تَسْتَطِيعُ تِلْكَ الْأَصْنَامُ نَصْرَ أَنْفُسِهَا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُعَذِّبَهَا {وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ} قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَقُولُ: وَلَا مَنْ عَبدهَا منا يجارون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 {بل متعنَا هَؤُلَاءِ} يَعْنِي: قُرَيْشًا {وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِم الْعُمر} لم يَأْتهمْ رَسُول حَتَّى جَاءَهُم مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام {أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ ننقصها من أطرافها} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كُلَّمَا بُعِثَ إِلَى أَرْضٍ ظَهَرَ عَلَيْهَا؛ أَيْ: يَنْقُصُهَا بِالظُّهُورِ عَلَيْهَا أَرْضًا فَأَرْضًا {أَفَهُمُ الغالبون} أَيْ: لَيْسُوا بِالْغَالِبِينَ، وَلَكِنَّ رَسُولَ الله هُوَ الْغَالِب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 45 آيَة 50). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 {قل إِنَّمَا أنذركم بِالْوَحْي} بِالْقُرْآنِ، أُنْذِرُكُمْ بِهِ عَذَابَ الدُّنْيَا وَعَذَابَ الْآخِرَةِ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {وَلا يسمع الصم الدُّعَاء} يَعْنِي: النِّدَاءَ {إِذَا مَا يُنْذَرُونَ} والصم هَاهُنَا: الْكفَّار؛ صموا عَن الْهدى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبك} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: عُقُوبَةً. قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: النَّفْخَةَ الْأُولَى الَّتِي يُهَلْكُ بِهَا كُفَّارُ آخِرِ هَذِهِ الْأمة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 {وَنَضَع الموازين الْقسْط} (يَعْنِي: الْعَدْلَ) {لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تظلم نفس شَيْئا} لَا تُنْقَصُ مِنْ ثَوَابِ عَمَلِهَا {وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة} أَيْ: وَزْنَ حَبَّةٍ {مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} قَالَ الْحَسَنُ: لَا يَعْلَمُ حِسَابَ مَثَاقِيلِ الذَّرِّ وَالْخَرْدَلِ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يُحَاسِبُ الْعِبَادَ إِلَّا هُوَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ} يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، وفُرْقَانُهَا أَنَّهُ فَرَّقَ فِيهَا حلالها وحرامها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 {الَّذين يَخْشونَ رَبهم بِالْغَيْبِ} أَيْ: يَذْكَرُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ ذَنْبَهُ فِي الْخَلَاءِ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 فَيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ مِنْهُ. {وَهُمْ مِنَ السَّاعَة مشفقون} خَائِفُونَ مِنْ شَرِّ ذَلِكَ الْيَوْمَ وهم الْمُؤْمِنُونَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 {وَهَذَا ذكر مبارك} يَعْنِي: الْقُرْآنَ. {أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ يَعْنِي: قد أنكرتموه. سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 51 آيَة 57). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قبل} يَعْنِي: النُّبُوَّةَ {وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} أَنَّهُ سَيُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ الرِّسَالَةَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 {مَا هَذِه التماثيل} يَعْنِي: الْأَصْنَامَ {الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عاكفون} (ل 216) مقيمون على عبادتها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ من اللاعبين} يَعْنِي: الْمُسْتَهْزِئِينَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 {الَّذِي فطرهن} خَلَقَهُنَّ {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدين} أَنه ربكُم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 {وتالله لأكيدن أصنامكم} الْآيَةُ. قَالَ قَتَادَةُ: [نَرَى] أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَسْمَعُونَ اسْتَدْعَاهُ قَوْمُهُ إِلَى عِيدٍ لَهُمْ؛ فَأبى وَقَالَ: {إِنِّي سقيم} اعْتَلَّ لَهُمْ بِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ لما ولوا: {تالله لأكيدن أصنامكم} الْآيَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 58 آيَة 68). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 {فجعلهم جذاذا} أَيْ: قِطَعًا؛ قَطَعَ أَيْدِيَهَا وَأَرْجُلَهَا، وَفَقَأَ أَعْيُنَهَا، وَنَجَرَ وُجُوْهَهَا {إِلا كَبِيرا لَهُم} لِلْآلِهَةِ؛ يَعْنِي: أَعْظَمَهَا فِي أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ أَوْثَقَ الْفَأْسَ فِي [يَدِ] كَبِيرِ تِلْكَ الْأَصْنَامِ؛ كَادَهُمْ بِذَلِكَ {لَعَلَّهُم إِلَيْهِ يرجعُونَ} أَي: يبصرون فيؤمنون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 فَلَمَّا رَجَعُوا رَأُوا مَا صُنِعَ بِأَصْنَامِهِمْ {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 {قَالُوا سمعنَا فَتى يذكرهم} أَيْ: يَعِيبُهُمْ {يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}. قَالَ مُحَمَّد: (إِبْرَاهِيم) رُفِعَ بِمَعْنَى يُقَالُ لَهُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَوِ الْمَعْرُوفُ بِهِ إِبْرَاهِيمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 {قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاس لَعَلَّهُم يشْهدُونَ} أَنَّهُ كَسَرَهَا، قَالَ قَتَادَةُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 كَرِهُوا أَنْ يَأْخُذُوهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَجَاءُوا بِهِ فَقَالُوا: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فاسألوهم إِن كَانُوا ينطقون} قَالَ قَتَادَةُ: وَهِيَ هَذِهِ الْمَكِيدَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 {ثمَّ نكثوا على رُءُوسهم} أَيْ: خَزَايَا قَدْ حَجَّهُمْ؛ فَقَالُوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دون الله}. قَالَ مُحَمَّد: (أُفٍّ) مَعْنَاهُ: التَّغْلِيظُ فِي الْقَوْلُ وَالتَبَرُّمُ، وَقِيلَ: إِنَّ أَصْلَهَا النَّتَنُ؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ: نَتنًا لكم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 {قَالُوا حرقوه} الْآيَةُ، قَالَ الْحَسَنُ: فَجَمَعُوا الْحَطَبَ زَمَانًا، ثُمَّ جَاءُوا بِإِبْرَاهِيمَ، فَأَلْقَوْهُ فِي تِلْكَ النَّارِ. قَالَ يَحْيَى: بلعني أَنَّهُمْ رَمُوا بِهِ فِي الْمَنْجَنِيقِ؛ فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا صُنِعَ المنجنيق. سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 69 73). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسلَامًا} تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: سَلَامَةً مِنْ حَرِّ النَّارِ، وَمِنْ بَرْدِهَا. قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ كَعْبًا قَالَ: مَا انْتَفَعَ بِهَا يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 أحرقت مِنْهُ إِلَّا وثَاقه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 {وَأَرَادُوا بِهِ كيدا} يَعْنِي: حَرْقُهُمْ إِيَّاهُ {فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ} فِي النَّارِ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَخَسِرُوا الْجنَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي باركنا فِيهَا} يَعْنِي: الأَرْض المقدسة {للْعَالمين} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: جَمِيعَ الْعَالَمِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} قَالَ الْحسن: أَي: عَطِيَّة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 {وجعلناهم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا} قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ يُهْتَدَى بِهِمْ فِي أَمر الله. سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 74 آيَة 77). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 {ولوطا آتيناه حكما وعلما} يَعْنِي: النُّبُوَّةَ {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تعْمل الْخَبَائِث} يَعْنِي: أَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الْخَبَائِثَ {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسقين} مُشْرِكين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ} وَهَذَا حِينَ أُمِرَ بِالدُّعَاءِ عَلَى قَوْمِهِ {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} قَالَ قَتَادَةُ: نُجِّيَ مَعَ نَوْحٍ: امْرَأَته وَثَلَاثَة بَنِينَ لَهُ ونساءهم؛ وَجَمِيعُهُمْ ثَمَانِيَةٌ {مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} يَعْنِي: الْغَرق. قَالَ مُحَمَّد: (نوحًا) مَنْصُوبٌ عَلَى مَعْنَى: اذْكُرْ نُوحًا، وَكَذَلِكَ دَاوُد وَسليمَان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 {ونصرناه} يَعْنِي: نوحًا {من الْقَوْم} يَعْنِي: عَلَى الْقَوْمِ؛ فِي تَفْسِيرِ السّديّ. سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 78 آيَة 82). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْث إِذْ نفشت فِيهِ} أَيْ: وَقَعَتْ فِيهِ {غَنَمُ الْقَوْمِ} النَّفْشُ بِاللَّيْلِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ أَصْحَابَ الْحَرْثِ اسْتَعَدَوْا عَلَى أَصْحَابِ الْغَنَمِ، فَنَظَرَ دَاوُدُ ثَمَنَ الْحَرْثِ، فَإِذَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ ثَمَنِ الْغَنَمِ، فَقَضَى بِالْغَنَمِ لِأَهْلِ الْحَرْثِ فَمَرُّوا بِسُلَيْمَانَ فَقَالَ: كَيْفَ قَضَى فِيكُمْ (نَبِيُّ اللَّهِ)؟ فَأَخْبَرُوهُ، قَالَ لَهُمْ: [نِعْمَ] مَا قَضَى، وَغَيْرُهُ كَانَ أَرْفَقُ بِالْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَدَخَلَ أَصْحَابُ الْغَنَمِ عَلَى دَاوُدَ؛ فَأَخْبَرُوهُ فَأَرْسَلَ إِلَى سُلَيْمَانَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ لَمَا حَدَّثْتَنِي كَيْفَ رَأَيْتَ فِيمَا قَضَيْتُ؟ قَالَ: تَدْفَعُ الْغَنَمَ إِلَى أَهْلِ الْحَرْثِ، فَيَنْتَفِعُونَ بِلَبَنِهَا وَسَمْنِهَا وَأَصْوَافِهَا عَامَهُمْ هَذَا، وَعَلَى أَهْلِ الْغَنَمِ أَنْ يَزْرَعُوا لِأَهْلِ الْحَرْثِ مِثْلَ الَّذِي أَفْسَدَتْ غَنَمُهُمْ فَإِذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 (بَلَغَ) مِثْلَهُ حِينَ أُفْسِدَ قَبَضُوا غَنَمَهُمْ؛ فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: نِعْمَ الرَّأْي رَأَيْت. (ل 217) {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطير} كَانَتْ جَمِيعُ الْجِبَالِ وَجَمِيعُ الطَّيْرِ تُسَبِّحُ مَعَ دَاوُدَ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، ويفقه تسبيحها {وَكُنَّا فاعلين} أَيْ: قَدْ فَعَلْنَا ذَلِكَ. قَالَ مُحَمَّد: يجوز نصب (الطير) مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا عَلَى مَعْنَى: وَسَخَّرْنَا الطَّيْرَ، وَالْأُخْرَى عَلَى مَعْنَى: يسبحْنَ مَعَ الطير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 {وعلمناه صَنْعَة لبوس لكم} يَعْنِي: دُرُوعَ الْحَرْبِ {لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بأسكم} يَعْنِي: الْقِتَالَ. قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتْ قَبْلَ دَاوُدَ صَفَائِحَ، وَأَوَّلُ مَنْ صَنَعَ هَذِهِ الْحِلَقَ وَسَمَّرَهَا: دَاوُدُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: تُقْرَأُ {لِيُحَصِنَكُمْ} بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ؛ فَمَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ فَالْمَعْنَى: لِيُحَصِنَكُمُ اللَّبُوسُ، وَمِنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ فَكَأَنَّهُ عَلَى الصَّنْعَةِ؛ لِأَنَّهَا أُنْثَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 {ولسليمان الرّيح} أَي: وسخرنا لِسُلَيْمَان الرّيح {عَاصِفَة} لَا تُؤْذِيهِ {تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا} يَعْنِي: أَرض الشَّام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ ويعملون عملا دون ذَلِك} (سِوَى ذَلِكَ) الْغَوْصِ، وَكَانُوا يَغُوصُونَ فِي الْبَحْرِ فَيُخْرِجُونَ لَهُ اللُّؤْلُؤَ، وَقَالَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 آيَةٍ أُخْرَى: {كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ}. {وَكُنَّا لَهُم حافظين} حَفِظَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَلَّا يَذْهَبُوا ويتركوه. سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 83 آيَة 86). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مسني الضّر} الْمَرَض {وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ} قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ أَيُّوبَ لَمْ يَبْلُغْهُ شَيْءٌ يَقُولُهُ النَّاسُ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا مَا ابْتُلِيَ بِالَّذِي ابْتُلِيَ بِهِ، فَدَعَا اللَّهَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَعْمَلْ حَسَنَةً فِي الْعَلَانِيَةِ إِلَّا عَمِلْتُ فِي السِّرِّ مَثْلَهَا؛ فَاكْشِفْ مَا بِي مِنْ ضُرٍّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، فَوَقَعَ سَاجِدًا، وَأَمْطَرَ عَلَيْهِ فَرَاشَ الذَّهَبِ، فَجَعَلَ يَلْتَقِطُهُ وَيَجْمَعُهُ {وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} هَذَا مُفَسَّرٌ فِي سُورَةِ " ص " {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} أَيْ: أَنَّ الَّذِي كَانَ مِمَّنِ ابْتُلِي بِهِ أَيُوبُ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَوَانِهِ عَلَى اللَّهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِذَلِكَ، وَجَعَلَ ذَلِك عزاء للعابدين بعده. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 {وَإِسْمَاعِيل وَإِدْرِيس وَذَا الكفل} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: أَنَّ ذَا الْكِفْلِ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا، وَلَكِنَّهُ كَانَ عَبْدًا صَالِحًا تَكَفَّلَ بِعَمَلِ رَجُلٍ صَالِحٍ عِنْدَ مَوْتِهِ كَانَ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 يَوْمٍ مِائَةَ صَلَاةٍ؛ فَأَحْسَنَ اللَّهُ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ. وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ تَكَفَّلَ لنَبِيٍّ أَنَّ يَقُومَ فِي قومه بعده بِالْعَدْلِ. سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 87 آيَة 91). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 {وَذَا النُّون} يَعْنِي: يُونُسَ، قَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: النُّونُ: الْحُوتُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {وَإِسْمَاعِيل وَإِدْرِيس وَذَا الكفل} مَنْصُوبٌ عَلَى مَعْنَى: وَاذْكُرْ، وَكَذَلِكَ قَوْله: {وَذَا النُّونِ}. {إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} [لِقَوْمِهِ]: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: أَنْ لَنْ نُعَاقِبَهُ بِمَا صَنَعَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصْلُ الْكَلِمَةِ: الضِّيقُ؛ كَقَوْلِهِ: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رزقه} أَيْ: ضَيَّقَ، وَمِنْ هَذَا قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ مُقَدَّرٌ عَلَيْهِ وَمُقَتَّرٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 {فَنَادَى فِي الظُّلُمَات} يَعْنِي: فِي ظُلْمَةِ الْبَحْرِ، وَظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةِ بَطْنِ الْحُوتِ {أَنْ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت} الْآيَةُ. يَحْيَى: عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ سَعْدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " دَعْوةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: {لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمين} فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ رَبَّهُ قَطٌّ فِي شَيْءٍ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 وَتَفْسِيرُ قِصَّةِ يُونُسَ (مَذْكُورٌ) فِي سُورَة الصافات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 {وأصلحنا لَهُ زوجه} قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتْ عَاقِرًا؛ فَجَعَلَهَا الله ولودا {وَوَهَبْنَا لَهُ} مِنْهَا {يحيي}. {ويدعوننا رغبا} أَي: طَمَعا {ورهبا} أَي: خوفًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 {وَالَّتِي أحصنت فرجهَا} جَيْبَ دِرْعِهَا عَنِ الْفَوَاحِشِ {فَنَفَخْنَا فِيهَا من رُوحنَا} تَنَاوَلَ جِبْرِيلُ بِأُصْبَعِهِ جَيْبَهَا فَنَفَخَ فِيهِ؛ فَسَارَ إِلَى بَطْنِهَا فَحَمَلَتْ {وجعلناها وَابْنهَا آيَة للْعَالمين} يَعْنِي: أَنَّهَا وَلَدَتْهُ مِنْ غَيْرِ رجل. سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 92 آيَة 95). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: دِينَكُمْ دِينًا وَاحِدًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ {أُمَّتُكُمْ} بِالرَّفْع، وَنصب (أمة وَاحِدَة) فأمتكم رفع خبر (هَذِه)، وَنصب (أمة) لِمَجِيءِ النَّكِرَةِ بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ؛ هَذَا قَول أبي عُبَيْدَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 {وتقطعوا أَمرهم بَينهم} يَعْنِي: أَهْلَ الْكِتَابِ؛ أَيْ: فَرَّقُوا دِينَهُمُ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ، يَعْنِي: الْإِسْلَام [فَدَخَلُوا فِي] غَيره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 {فَلَا كفران لسعيه} لعمله {وَإِنَّا لَهُ كاتبون} نحسب حَسَنَاته (ل 218) حَتَّى يجزى بهَا الْجَنَّةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: تَقُولُ الْعَرَبُ: غُفْرَانَكَ لَاكُفْرَانَكَ؛ الْمَعْنَى: لَا نَجْحَدُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 {وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها} أَيْ: وَاجِبٌ عَلَيْهَا {أَنَّهُمْ لَا يرجعُونَ} قَالَ الْحَسَنُ: [الْمَعْنَى] أَنَّهُمْ لَا يَتُوبُونَ، وَلَا يَرْجِعُونَ عَنْ كُفْرِهِمْ. وتقرأ أَيْضا {وَحرم عَلَى قَرْيَةٍ}. قَالَ مُحَمَّدٌ: حِرُمَ وَحَرَامٌ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ أَيْ: وَاجِبٌ. قَالَ الشَّاعِرُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 (فَإِنَّ حَرَامًا لَا أَرَى الدَّهْرَ بَاكِيًا ... عَلَى شَجْوَةٍ إِلَّا بَكَيْتُ على عَمْرو) سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 96 آيَة 100). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 قَوْله: {حَتَّى إِذا فتحت} أَيْ: أُرْسِلَتْ {يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ من كل حدب يَنْسلونَ} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: مِنْ كُلِّ أَكَمَةٍ يَخْرُجُونَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: النَّسَلَانِ فِي اللُّغَةِ: مُقَارَبَةُ الْخَطْوِ مَعَ الْإِسْرَاع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 {واقترب الْوَعْد الْحق} يَعْنِي: النَّفْخَةَ الْآخِرَةَ {فَإِذَا هِيَ شاخصة أبصار الَّذين كفرُوا} إِلَى إِجَابَةِ الدَّاعِي. {يَا وَيْلَنَا} يَقُولُونَ: يَا وَيْلَنَا {قَدْ كُنَّا فِي غَفلَة من هَذَا} يَعْنُونَ: تَكْذِيبَهُمْ بِالسَّاعَةِ {بَلْ كُنَّا ظالمين} لأنفسنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ؛ لِأَنَّهُمْ بِعِبَادَتِهِمُ الْأَوْثَانَ عَابِدُونَ لِلشَّيَاطِينِ {حَصَبُ جَهَنَّم} أَيْ: يُرْمَى بِهِمْ فِيهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 قَالَ مُحَمَّد: {حصب جَهَنَّم} مَا أُلْقِي فِيهَا؛ تَقُولُ: حَصَبْتُ فُلَانًا حَصْبًا بِتَسْكِينِ الصَّادِ؛ أَيْ: رَمَيْتُهُ، وَمَا رَمَيْتَ فَهُوَ حَصَبٌ. {أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَة مَا وردوها} (يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ) {وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} العابدون والمعبودون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 {لَهُم فِيهَا زفير} قَدْ مَضَى تَفْسِيرُ الزَّفِيرِ وَالشَّهِيقِ {وهم فِيهَا لَا يسمعُونَ} قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا بَقَى فِي النَّارِ مَنْ يَخْلُدُ فِيهَا جُعِلُوا فِي تَوَابِيتَ مِنْ نَارٍ فِيهَا مَسَامِيرٌ مِنْ نَارٍ، ثُمَّ جُعِلَتِ التَّوَابِيتُ فِي تَوَابِيتَ أُخَرَ، ثُمَّ جُعِلَتْ تِلْكَ التَّوَابِيتُ فِي تَوَابِيتَ أُخَرَ؛ فَلا يَرَوْنَ أَنَّ أَحَدًا يُعَذَّبُ فِي النَّارِ غَيْرَهَمْ. ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يسمعُونَ}. سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 101 آيَة 104). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحسنى} يَعْنِي: الْجنَّة {أُولَئِكَ عَنْهَا} (يَعْنِي: النَّار) {مبعدون} قَالَ الْكَلْبِيُّ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام مُقَابِلَ بَابِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} فَوَجِدَ مِنْهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 أَهْلُ مَكَّةَ وَجْدًا شَدِيدًا، فَقَالَ ابْنُ الزِّبْعَرَى: يَا مُحَمَّدُ؛ أَرَأَيْتَ الْآيَةَ الَّتِي قَرَأْتَ آنِفًا أَفِينَا وَهِي آلِهَتِنَا خَاصَّةً، أَمْ فِي الْأُمَمِ وَآلِهَتِهِمْ؟ قَالَ: لَا؛ بَلْ فِيكُمْ وَفِي آلِهَتِكُمْ وَفِي الْأُمَمِ وَآلِهَتِهِمْ. فَقَالَ: خَصَمْتُكَ وَالْكَعْبَةِ؛ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ النَّصَارَى يَعْبُدُونَ عِيسَى وَأُمِّهِ، وَإِنَّ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةِ، أَفَلَيْسَ هَؤُلَاءِ مَعَ أَلِهَتِنَا فِي النَّارِ؟! فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَضَحِكَتْ قُرَيْشٌ وَلَجُّوا؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَوَابَ قَوْلِهِمْ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} يَعْنِي: عُزَيْرًا وَعِيسَى وَالْمَلَائِكَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 {لَا يسمعُونَ حَسِيسهَا} يَعْنِي: صَوْتَهَا إِلَى قَوْلِهِ: {الْفَزَعُ الْأَكْبَر} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: النَّفْخَةَ الْآخِرَةَ {وتتلقاهم الْمَلَائِكَة} قَالَ الْحَسَنُ: تَتَلَقَّاهُمُ بِالْبِشَارَةِ حِينَ يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَتَقُولُ: {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: كَطَيِّ الصَّحِيفَةِ فِيهَا الْكِتَابُ {كَمَا بَدَأْنَا أول خلق نعيده} قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبْعَثَ الْمُوْتَى، عَادَ النَّاسُ كُلُّهُمْ نُطَفًا ثُمَّ عِلَقًا ثُمَّ مُضَغًا ثُمَّ عِظَامًا ثُمَّ لَحْمًا، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِمُ الرُّوحَ، فَكَذَلِكَ بَدَأَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يُرْسِلُ اللَّهَ مَاءً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ مَنِيًا كَمَنِيِّ الرِّجَالِ فَتَنْبُتُ بِهِ جُسْمَانُهُمْ وَلُحْمَانُهُمْ؛ كَمَا تَنْبُتُ الْأَرْضُ مِنَ الثرى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 {وَعدا علينا} (يَعْنِي: الْبِدْءَ) {إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} أَيْ: نَحْنُ فَاعِلُونَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: {وَعدا} مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ؛ بِمَعْنَى: وَعَدْنَاهُمْ [هَذَا] وَعدا. سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة 105 آيَة 112). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: الْكُتُبَ: التَّوْرَاةَ والْإِنْجِيلَ وَالْقُرْآنَ {مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} يَعْنِي: اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ {أَنَّ الأَرْضَ} يَعْنِي: أَرْضَ الْجَنَّةِ {يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 {إِن فِي هَذَا} يَعْنِي: الْقُرْآن {لبلاغا} إِلَى الْجنَّة {لقوم عابدين} الَّذين يصلونَ [الصَّلَوَات الْخمس] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (ل 219) تَفْسِير سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ تَمَّتْ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ عُوفِيَ مِمَّا عُذِّبَتْ بِهِ الْأُمَمُ؛ وَلَهُ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 قَالَ يَحْيَى: [إِلَّا أَنَّ] تَفْسِيرَ النَّاسِ أَنَّ اللَّهَ أَخَّرَ عَذَابَ كُفَّارِ آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالِاسْتِئْصَالِ إِلَى النَّفْخَةِ الْأُولَى، ثُمَّ يَكُونُ هلاكهم بعد هَذَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 {فَقل آذنتكم على سَوَاء} قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: مَنْ كَذَّبَ بِي فَهُوَ عِنْدِي سَوَاءٌ؛ أَيْ: جِهَادُكُمْ كُلُّكُمْ عِنْدِي سَوَاءٌ. قَالَ مُحَمَّد: وَمعنى (آذنتكم): أَعْلَمْتُكُمْ. {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بعيد مَا توعدون} يَعْنِي: السَّاعَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ} تَفْسِير الْحسن يَقُول: وَإِن أَدْرِي لَعَلَّ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ السَّعَةِ وَالرَّخَاءِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ زائل {فتْنَة} بلية لكم {ومتاع} تَسْتَمْتِعُونَ بِهِ؛ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {إِلَى حِين} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: إِلَى الْمَوْتِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَعْنَى (وَإِنْ أَدْرِي): وَمَا أَدْرِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 {قل رب احكم بِالْحَقِّ} قَالَ الْحَسَنُ: أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ أَنْ يَنْصَرَ أَوْلِيَاءَهُ عَلَى أَعْدَائِهِ، فَنَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ {وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} أَيْ: تَكْذِبُونَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 تَفْسِيرَ سُورَةِ الْحَجِّ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ كُلُّهَا إِلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ مَكِّيَّاتٍ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} إِلَى قَوْلِهِ: {عَذَابُ يَوْم عقيم}. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةٌ الْحَج من (آيَة 1 آيَة 2). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 قَوْله: {يَا أَيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَة شَيْء عَظِيم} يَعْنِي: النفخة الْآخِرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 {يَوْم ترونها تذهل} أَيْ: تُعْرِضُ {كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أرضعت} الْآيَة. يَحْيَى: عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ فِي مَسِيرٍ لَهُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ السَّيْرُ؛ إِذْ رفع صَوته فَقَالَ: {يَا أَيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلُهُ: {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد} فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَ نَبِيِّهِمُ اعْصَوْصَبُوا بِهِ. فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ ذَاكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذَاكُمْ يَوْمٌ يَقُولُ اللَّهُ لِآدَمَ: يَا آدَمُ، قُمِ ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ إِنْسَانًا إِلَى النَّارِ وَوَاحِدٌ إِلَى الْجَنَّةِ. فَلَمَّا سَمِعُوا مَا قَالَ نَبِيُّهُمْ أُبْلِسُوا حَتَّى مَا يُجْلِي رَجُلٌ مِنْهُمْ عَنْ وَاضِحَةٍ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 وُجُوهِهِمْ، قَالَ: اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلَّا كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ، أَوْ كَالشَّامَةِ فِي جَنْبِ الْبَعِيرِ، وَإِنَّكُمْ مَعَ خَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا مَعَ شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا كَثُرَتَاهُ: يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَمَنْ هَلَكَ يَعْنِي: وَمَنْ كَفَرَ مِنْ بَنِي إِبْلِيسَ، وَتُكْمَلُ الْعِدَّةُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {وَتَرَى النَّاس سكارى} أَيْ: تَرَى أَنْتَ أَيُّهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 الْإِنْسَانُ النَّاسَ سُكَارَى مِنَ الْعَذَابِ وَالْخَوْف {وَمَا هم بسكارى} من الشَّرَاب. سُورَة الْحَج من (آيَة 3 آيَة 4). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْر علم} يَعْنِي: الْمُشْرِكَ يُلْحِدُ فِي اللَّهِ، فَيَجْعَلُ مَعَهُ إِلَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ أَتَاهُ مِنَ اللَّهِ {وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَان مُرِيد} أَيْ: جَرِيءٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَالشَّيَاطِينُ هِيَ الَّتِي أَمرتهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 {كتب عَلَيْهِ} أَيْ: قُضِيَ عَلَى الشَّيْطَانِ {أَنَّهُ من تولاه} اتبعهُ {فَأَنَّهُ يضله}. قَالَ مُحَمَّدٌ: (أَنَّهُ مَنْ تَوَلاهُ) (أَنَّهُ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، (فَأَنَّهُ يضله) عَطْفٌ عَلَيْهِ، وَمَوْضِعُهُ رَفْعٌ أَيْضًا، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهَا مِكَرَّرَةٌ عَلَى جِهَةِ الْتَوْكِيدِ؛ الْمَعْنَى: كُتُبِ عَلَيْهِ أَنَّهُ من تولاه أضلّهُ. سُورَة الْحَج (آيَة 5). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 {يَا أَيهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} أَيْ: فِي شَكٍّ (مِنَ الْبَعْثِ فَإنَّا خَلَقْنَاكُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 من تُرَاب} وَهَذَا خَلْقُ آدَمَ {ثُمَّ مِنْ نُطْفَة} يَعْنِي: نَسْلَ آدَمَ {ثُمَّ مِنْ علقَة ثمَّ من مضعة مخلقة وَغير مخلقة} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: هُمَا جَمِيعًا: السَّقْطُ مُخَلَّقٌ وَغَيْرُ مُخَلَّقٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمعنى {مخلقة وَغير مخلقة} أَيْ: مِنَ الْخَلْقِ مَنْ تَتِمُّ مُضْغَتُهُ بِخَلْقِ الْأَعْضَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُتِمُّ اللَّهُ خَلْقَهُ. {لِنُبَيِّنَ لكم} أَيْ: خَلْقَكُمْ {وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ} أَرْحَامَ النِّسَاءِ {مَا نَشَاءُ إِلَى أجل مُسَمّى} {ل 220} يَعْنِي: مُنْتَهَى الْوِلَادَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: تُقْرَأُ بِالرَّفْعِ عَلَى الْقَطْعِ [مِمَّا قَبْلَهُ]. يَحْيَى: عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ [أَبِي وَائِلٍ] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام: " إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يُؤْمَرُ الْمَلَكُ أَوْ قَالَ: يَأْتِي الْمَلَكُ فَيُؤْمَرُ أَنْ يَكْتُبَ أَرْبَعًا: رِزْقَهُ وَعَمَلَهُ وَأَثَرَهُ وَشَقِيًا أَوْ سَعِيدًا ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشدّكُم} يَعْنِي: الِاحْتِلَامِ. {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى} وَفِيهَا إِضْمَارٌ؛ أَيْ: يُتَوفَّى مِنْ قَبْلِ أَنْ يَبْلُغَ أَرَذْلَ الْعُمُرِ {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمر} يَعْنِي: الْهَرم {لكَي لَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} أَيْ: يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُ شَيْئًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: (طفْلا) فِي مَعْنَى: أَطْفَالَ؛ كَأَنَّ الْمَعْنَى: يَخْرُجُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ طِفْلًا. وَقَوله: (لكَي لَا) هُوَ بِمَعْنَى حَتَّى لَا. {وَتَرَى الأَرْض هامدة} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: (غَبْرَاءَ) مُتَهَشِّمَةً. قَالَ مُحَمَّدٌ: هَامِدَةٌ حَقِيقَتُهَا جَافَّةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ: هُمُودُ النَّارِ إِذَا طُفِئَتْ فَذَهَبَتْ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ قَتَادَةَ. {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهتزت وربت} وِفِيهَا تَقْدِيمٌ، وَرَبَتْ لِلنَّبَاتِ؛ أَيْ: انْتَفَخَتْ، وَاهْتَزَّتْ بِالنَّبَاتِ؛ إِذَا أَنْبَتَتْ {وأنبتت من كل زوجٍ} أَي: من كل لون {بهيج} أَيْ: حَسَنٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (بَهِيجٍ) فِي مَعْنَى بَاهِجٌ؛ تَقُولُ الْعَرَبُ: امْرَأَة ذَات خلق باهج. سُورَة الْحَج من (آيَة 6 آيَة 10). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنه يحيي الْمَوْتَى} الْآيَةُ، يَقُولُ: إِنَّ الَّذِي أَخْرَجَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ الْهَامِدَةِ مَا أَخْرَجَ مِنَ النَّبَاتِ قَادِرٌ عَلَى أَن يحيي الْمَوْتَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى} أَتَاهُ مِنَ اللَّهِ {وَلا كِتَابٍ مُنِير} مضيء لعبادة الْأَوْثَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 {ثَانِي عطفه} أَيْ: عُنُقُهُ. تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: يَقُولُ: هُوَ مُعْرِضٌ عَنِ اللَّهِ. قَالَ مُحَمَّد: (ثَانِي) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ؛ الْمَعْنَى: لَاوِيًا عُنُقَهُ؛ وَهَذَا مِمَّا يُوصَفُ بِهِ الْمُتَكَبِّرُ. {لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} يَعْنِي: الْقَتْلُ، قَالَ الْكَلْبِيُ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ؛ فَقُتِلَ يَوْم بدر. سُورَة الْحَج من (آيَة 11 آيَة 15). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ على حرف} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ: عَلَى شَكٍّ. {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ} أَيْ: رَضِيَ {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلب على وَجهه} أَيْ: تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ، هُوَ الْمُنَافِقُ؛ إِنْ رَأَى فِي الْإِسْلَامِ رَخَاءً وَطُمَأْنِينَةً طَابَتْ نَفْسُهُ بِمَا يُصِيبُ مِنْ ذَلِكَ الرَّخَاءِ، وَقَالَ: أَنَا مِنْكُمْ وَأَنَا مَعَكُمُ، وَإِذَا رَأَى فِي الْإِسْلَامِ شِدَّةً أَوْ بَلِيَّةً لَمْ يَصْبِرْ عَلَى مُصِيبَتِهَا، وَانْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ كَافِرًا، وَترك مَا كَانَ عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يضرّهُ وَلَا يَنْفَعهُ} يَعْنِي: الْوَثَنَ {ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفعه} يَعْنِي: الْوَثَنَ أَيْضًا؛ يَعْنِي: أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَهُوَ كَلٌّ عَلَيْهِ {لبئس الْمولى} يَعْنِي: الْوَثَنَ {وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} يَعْنِي: الْمُنَافِقَ؛ أَيْ: أَنَّهُ أَيِسَ مِنْ أَنْ يَنْصُرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا، لَا يُصَدِّقُ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ رَسُولَهُ مِنْ نَصْرِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَنَصْرُهُ فِي الْآخِرَةِ: الْجَنَّةُ {فليمدد بِسَبَب} أَي: بِحَبل {إِلَى السَّمَاء} يَقُولُ: فَلْيُعَلِّقْ حَبْلًا مِنَ السَّمَاءِ؛ يَعْنِي: سَقْفَ الْبَيْتِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ لِيَخْتَنِقَ حَتَّى يَمُوتَ {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يذْهبن كَيده} أَي: فعله {مَا يغِيظ} أَيْ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يُذْهِبُ غيظه. سُورَة الْحَج من (آيَة 16 آيَة 18) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ} يَعْنِي: الْقُرْآن {آيَات بَيِّنَات} أَي: بَين فِيهِ الْحَلَال وَالْحرَام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} تهودوا {وَالصَّابِئِينَ} وَهُمْ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ، وَيَقْرَءُونَ الزبُور {وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس} وَهُمْ عَبَدَةُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنِّيرَانِ {وَالَّذين أشركوا} وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ {إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} فِي الدُّنْيَا فَيُدْخِلُ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلُ [جَمِيعَ هُؤَلاءِ النَّارَ عَلَى مَا أَعَدَّ لِكُلِّ قوم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْض} يَعْنِي: جَمِيعَ أَهْلِ السَّمَاءِ يَسْجُدُونَ وَبَعْضُ أَهْلِ الْأَرْضِ. كَانَ الْحَسَنُ لَا يُعَوِّدُ السُّجُودَ إِلَّا مِنَ الْمُسلمين] {وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم} كلهَا {وَالْجِبَال} [كلهَا] {وَالشَّجر} [كُله] {وَالدَّوَاب} كُلُّهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى صِفَةِ الْإِنْسَانِ، فَاسْتَثْنَى فِيهِ، فَقَالَ {وَكَثِيرٌ من النَّاس} يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب} من لم يُؤمن. سُورَة الْحَج من (آيَة 19 - آيَة 25). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: اخْتَصَمَ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ؛ فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَكِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ، وَنَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ. وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: كِتَابُنَا يَقْضِي عَلَى الْكُتُبِ كُلِّهَا، وَنَبِيُّنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَنَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ، فَأْفَلَجَ اللَّهُ أَهْلَ الْإِسْلَامِ؛ فَقَالَ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُم ثِيَاب من نَار} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَقَالَ {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار} الْآيَة، وَقَالَ: {خصمان}: أَهْلُ الْكِتَابِ خَصْمٌ، وَالْمُؤْمِنُونَ خَصْمٌ، ثمَّ قَالَ: (اخْتَصَمُوا) يَعْنِي: الْجَمِيع. {وَيصب من فَوق رُءُوسهم الْحَمِيم} وَهُوَ الْحَار الشَّديد الْحر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 {يصهر بِهِ} أَيْ: يُذَابُ بِهِ {مَا فِي بطونهم والجلود} أَي: وَتحرق بِهِ الْجُلُود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 {وَلَهُم مَقَامِع من حَدِيد} من نَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا من غم أعيدوا فِيهَا} قَالَ الْحَسَنُ: تَرْفَعُهُمْ بِلَهَبِهَا؛ فَإِذَا كَانُوا فِي أَعْلَاهَا قَمَعَتْهُمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 الْمَلَائِكَةُ بِمَقَامِعَ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ نَارٍ فَيَهْوُونَ فِيهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا} إِلَى قَوْلِهِ: {مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذهب ولؤلؤا}. قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ: {لؤلؤا} بِالنّصب فَالْمَعْنى: وَيحلونَ لؤلؤا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} هُوَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ {وهدوا} أَيْ: فِي الدُّنْيَا {إِلَى صِرَاطِ الحميد} وَهُوَ الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل الله وَالْمَسْجِد الْحَرَام} أَيْ: وَيَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ {الَّذِي جَعَلْنَاهُ للنَّاس} (قبْلَة) {سَوَاء العاكف فِيهِ} يَعْنِي: أهل مَكَّة {والبادي} يَعْنِي: مَنْ يَنْتَابَهُ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ يَقُولُ: هُمْ سَوَاءٌ فِي حَرَمِهِ وَمَسَاكِنِهِ وَحُقُوقِهِ. قَالَ مُحَمَّد: (سَوَاء) الْقِرَاءَةُ فِيهِ بِالرَّفْعِ؛ عَلَى الِابْتِدَاءِ. {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} أَيْ: بِشِرْكٍ، وَالْإِلْحَادُ: الْمَيْلُ، الْمَعْنَى: وَمِنْ يُرِدْ أَنْ يَعْبُدَ غَيْرَ اللَّهِ فِيهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: {بِإِلْحَادٍ} الْبَاء فِيهِ زَائِدَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 سُورَة الْحَج من (آيَة 26 آيَة 27). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} أَي: أعلمناه. {وطهر بَيْتِي} أَي: من عبَادَة الْأَوْثَان وَقَول الزُّورِ وَالْمَعَاصِي {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ والقائمين} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي بِالْقَائِمِينَ: أَهْلَ مَكَّة {والركع السُّجُود} هم الَّذين يصلونَ إِلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رجَالًا} أَيْ: مُشَاةً {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} أَيْ: وَرُكْبَانًا عَلَى ضُمُرٍ مِنْ طُولِ السَّفَرِ {يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فج عميق} بعيد. قَالَ مُحَمَّد: (رجَالًا) جَمْعُ رَاجِلٍ، مِثْلُ صَاحِبٍ وَصِحَابٍ، وَقَالَ (يَأْتِين) عَلَى مَعْنَى جَمَاعَةِ الإِبِلِ. يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " قَامَ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَام عِنْدَ الْبَيْتِ؛ فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، فَسَمِعَ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ ". وَفِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ نَادَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِن لله بَيْتا فحجوه. سُورَة الْحَج من (آيَة 28 آيَة 33). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 سُورَة الْحَج من (آيَة 28 - آيَة 33). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 {ليشهدوا مَنَافِع لَهُم} يَعْنِي: الْأَجْرَ فِي الْآخِرَةِ، وَالتِّجَارَةَ فِي الْمَوْسِمِ {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّام مَعْلُومَات} وَهِيَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، آخِرُهَا يَوْمُ النَّحْرِ. [{عَلَى مَا رَزَقَهُمْ من بَهِيمَة الْأَنْعَام} يَعْنِي: إِذَا نَحَرَ وَذَبَحَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ: إِنَّ الأَيَّامَ الْمَعْلُومَاتِ: يَوْمُ النَّحْرِ]، وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ. {وَأَطْعِمُوا البائس الْفَقِير} قَالَ الْحَسَنُ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا وَتَصَدَّقَ بِهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْبَائِسُ الَّذِي نَالَهُ بُؤْسٌ، وَهُوَ [شَدِيدُ] الْفَقْرِ يُقَالُ: قَدْ بَؤُسَ الرَّجُلُ وَبَئِسَ إِذَا صَارَ ذَا بُؤْسٍ؛ أَي: شدَّة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 {ثمَّ ليقضوا تفثهم} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: الْتَفَثُ: تَقَشُّفُ الْإِحْرَامِ، وَبِرَمْيِهِمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ يَحِلُّ لَهُمْ [كُلُّ شَيْءٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى تَقَشُّفُ الْإِحْرَامِ: كُلُّ مَا لَا يجوز للْمحرمِ فعله مثل] (ل 222) قَصِّ الْشَارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ [وَنَتْفِ الْإِبِطَيْنِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ الْمُحْرِمُ مِنَ الطّيب وَغَيره. {وليوفوا نذورهم} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: مَا نَذَرَ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ فِي الْحَجِّ {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ؛ كَمْ مِنْ جَبَّارٍ صَارَ إِلَيْهِ يُرِيدُ أَنْ يَهْدِمَهُ؛ فَحَالَ الله بَينه وَبَينه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 {وَمن يعظم حرمات الله} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: الْحُرُمَاتُ: مَكَّةُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، وَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَعَاصِيهِ كُلِّهَا {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَقَدْ مَضَى تَفْسِيره. {فَاجْتَنبُوهُ الرجس من الْأَوْثَان} يَقُولُ: اجْتَنِبُوا الْأَوْثَانَ؛ فَإِنَّهَا رِجْسٌ {وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور} يَعْنِي: الشّرك {حنفَاء لله} أَي: مُخلصين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 {وَمن يُشْرك بِاللَّه} الْآيَةُ، قَالَ الْحَسَنُ: شَبَّهَ اللَّهُ أَعْمَالَ الْمُشْرِكِينَ بِالَّذِي يَخِرُّ مِنَ السَّمَاءِ؛ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ، فَلَا يَصِلُ إِلَى الْأَرْضِ {أَوْ تَهْوِي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق} بَعِيدٍ، فَيَذْهَبُ فَلَا يُوْجَدُ لَهُ أَصْلٌ، وَلَا يُرَى لَهُ أَثَرٌ. يَقُولُ: لَيْسَتْ لِأَعْمَالِ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ اللَّهِ قَرَارٌ لَهُمْ بِهِ عِنْدَهُ خير فِي الْآخِرَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 {وَذَلِكَ وَمن يعظم شَعَائِر الله} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: يَعْنِي: اسْتِعْظَامُ الْبُدْنِ، واستسمانها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى} تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَجَلُ الْمُسَمَّى: إِلَى أَنْ تُقَلَّدَ وَتُشْعِرَ {ثمَّ محلهَا} إِذَا قَلَّدَتْ وَأُشْعِرَتْ {إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيق}. سُورَة الْحَج من (آيَة 34 آيَة 37). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 {وَلكُل أمة} (وَلكُل قوم) {جعلنَا منسكا} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: حَجًا وَذَبْحًا. {وَبشر المخبتين} يَعْنِي: الْخَاشِعِينَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاشْتِقَاقُ الْكَلِمَةِ مِنْ: الْخَبْتِ؛ وَهُوَ الْمَكَانُ المنخفض من الأَرْض. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبهم} أَي: خَافت {والمقيمي الصَّلَاة} يَعْنِي: الْمَفْرُوضَةَ {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} يَعْنِي: الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ الله لكم فِيهَا خير} أَيْ: أَجْرٌ فِي نَحْرِهَا، وَالصَّدَقَةُ مِنْهَا يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى اللَّهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (الْبُدْنَ) بِالنَّصْبِ فَعَلَى فَعْلٍ مُضْمَرٍ؛ الْمَعْنَى: وَجَعَلْنَا الْبُدْنَ. {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صواف} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ يَعْنِي: مُعْقَلَةً قِيَامًا. وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ (صَوَافِنَ). قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (صواف) مُشَدَّدَةً؛ فَالْمَعْنَى: صُفَّتْ قَوَائِمُهَا، وَالنَّصْبُ فِيهَا عَلَى الْحَالِ، وَلَا تُنَوَّنُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْصَرِفُ وَمَنْ قَرَأَ (صَوَافِنَ) فَالْصَافِنُ: الَّذِي يَقُومُ عَلَى ثَلَاثٍ؛ يُقَالُ: صَفَنَ الْفَرَسُ؛ إِذَا رَفَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ؛ فَقَامَ عَلَى طَرَفِ الْحَافِرِ، وَالْبَعِيرُ إِذَا أَرَادُوا نَحْرَهُ تُعْقَلُ إِحْدَى يَدَيْهِ فَهُوَ الْصَافِنُ وَالْجَمِيعُ: صَوَافِنُ. وَقُرِئَتْ (صَوَافِيَ) بِالْيَاءِ وَالْفَتْحِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، وَتَفْسِيرُهُ: خَوَالِصَ؛ أَيْ: خَالِصَةً لِلَّهِ لَا يُشْرِكْ بِاللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 التَّسْمِيَةِ عَلَى نَحْرِهَا أَحَدٌ. وَقَدْ ذَكَرَ يَحْيَى هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ وَلَمْ يُلَخِّصْهَا هَذَا التَّلْخِيصَ. قَالَ: {فَإِذَا وَجَبت جنوبها} أَي: أسقطت لِلْمَوْتِ {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ والمعتر} قَالَ الْحَسَنُ: الْقَانِعُ: السَّائِلُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ وَيُقْبِلُ إِنْ أُعْطِي شَيْئًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: قَنَعَ يَقْنَعُ مِنَ السُّؤَالِ، وَقَنِعَ يَقْنَعُ مِنَ الرِّضَا وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ؛ أَيْ: يُلِمُّ لِتُعْطِيَهُ وَلَا يَسْأَلُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دماؤها} يَقُولُ: لَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا، وَقَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَذْبَحُونَ لِآلِهَتِهِمْ، ثُمَّ يَنْضَحُونَ دماءها حول الْبَيْت. {لَكِن يَنَالهُ التَّقْوَى مِنْكُم} يَصْعَدُ إِلَيْهِ؛ يَعْنِي: مِمَّنْ آمَنَ. {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} السُّنَّةُ إِذَا ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ أَنَّ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أكبر. سُورَة الْحَج من (آيَة 38 41). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمنُوا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يُدَافِعُ عَنْهُمْ، فَيَعْصِمُهُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ [فِي دِينِهِمْ] {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} قَالَ قَتَادَة: هُم (أَصْحَاب نَبِي الله، أذن لَهُم بِالْقِتَالِ؛ بعد مَا أَخْرَجَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَشَدَّدُوا عَلَيْهِمْ، حَتَّى لحق طوائف مِنْهُم بالجبشة. قَالَ مُحَمَّد: أذن) (ل 223) لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ أَنْ يُقَاتِلُوا. وَقِيلَ: إِنَّهَا أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي (الْجِهَاد). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا الله} أَيْ: أَنَّهُمْ أُخْرِجُوا؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: رَبُّنَا اللَّهُ {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبيع وصلوات ومساجد} قَالَ قَتَادَةُ: الْصَوَامِعُ (لِلصَّابِئِينَ)، وَالْبِيَعُ لِلنَّصَارَى؛ يَعْنِي: الْكَنَائِسَ، وَالصَّلَوَاتُ لِلْيَهُودُ وَمَسَاجِدَ؛ يَعْنِي: مَسَاجِدَ الْمُسْلِمِينَ {يُذْكَرُ فِيهَا اسْم الله كثيرا} يَعْنِي: الْمَسَاجِدَ {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ ينصره} أَيْ: مَنْ يَنْصُرُ دِينَهُ. مَعْنَى (وصلوات) أَي: بيُوت صلوَات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ} يَعْنِي: أَصْحَاب النَّبِي (أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 وَأمرُوا بِالْمَعْرُوفِ} بِعِبَادَةِ اللَّهِ {وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} عَن عبَادَة الْأَوْثَان. سُورَة الْحَج من (آيَة 42 آيَة 46). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 {فأمليت للْكَافِرِينَ} أَيْ: لَمْ أُهْلِكْهُمْ عِنْدَ تَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ حَتَّى جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي أَرَدْتُ أَنْ أُهْلِكَهُمْ فِيهِ {ثُمَّ أخذتهم} بِالْعَذَابِ حِينَ جَاءَ الْوَقْتُ {فَكَيْفَ كَانَ نكيري} أَيْ: عِقَابِي، أَيْ: كَانَ شَدِيدًا يحذر بذلك الْمُشْركين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 {فكأين من قَرْيَة} أَيْ: فَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ {أَهْلَكْنَاهَا وَهِي ظالمة} يَعْنِي: أَهْلَكْنَا أَهْلَهَا {فَهِيَ خَاوِيَةٌ على عروشها} سَقْفِهَا، فَصَارَ أَعْلَاهَا أَسْفَلَهَا {وَبِئْرٍ معطلة} [أَيْ: قَدْ بَادَ أَهْلُهَا] {وَقَصْرٍ مشيد} قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَيْ: حَصِينٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: هُوَ مَا بُنِيُ بِالشِّيدِ، وَهُوَ الْجَصُّ. وَقِيلَ: مَعْنَى (مشيد) مطول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 {أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ (فَتَكُونَ لَهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يسمعُونَ بهَا} أَيْ: لَوْ صَارُوا فَتَفَكَّرُوا فَحَذِرُوا مَا نَزَلَ بِإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، فَيَتُوبُونَ لَوْ كَانَتْ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور} أَيْ: إِنَّمَا أُوتُوا مِنْ قِبَلِ قُلُوبهم. سُورَة الْحَج من (آيَة 47 آيَة 51). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 {ويستعجلونك بِالْعَذَابِ} وَذَلِكَ مِنْهُمْ تَكْذِيبٌ وَاسْتِهْزَاءٌ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ {وَلَنْ يُخْلِفَ الله وعده} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَعْنِي: هَلَاكَهُمْ بِالسَّاعَةِ قَبْلَ عَذَابِ الْآخِرَةِ. {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعدونَ} يَوْمُ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ كَأَلْفِ سنة من أَيَّام الدُّنْيَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 {وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا} أَي: كذبُوا {معاجزين} أَيْ: يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يُعْجِزُونَنَا فَيَسْبِقُونَنَا حَتَّى لَا نَقْدِرَ عَلَيْهِمْ فَنُعَذِّبَهُمْ؛ هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ. وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: (معاجزين): مُثَبِّطِينَ لِلنَّاسِ عَنِ الْإِيمَانِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: لَمْ يُبَيِّنْ يَحْيَى قِرَاءَةَ مُجَاهِدٍ وَالْقِرَاءَةُ عَلَى تَفْسِيرِهِ: (مُعَجِّزِينَ) مثقلة. سُورَة الْحَج من (آيَة 52 آيَة 56). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تمنى} أَيْ: تَلَا؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ. قَالَ قَتَادَةُ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي عِنْدَ الْمَقَامِ إِذْ نَعِسَ، فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ كَلِمَةً؛ فَتَكَلَّمَ بِهَا فَتَعَلَّقَهَا الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ قَرَأَ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ وَنَعِسَ: (فَإِنَّ شَفَاعَتَهَا هِيَ الْمُرْتَجَى وَإِنَّهَا لِمَنَ الْغَرَانِيقِ الْعُلَى) فَحَفِظَهَا الْمُشْرِكُونَ، وَأَخْبَرَهُمُ الشَّيْطَانُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ قَرَأَهَا فَزَلَّتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِهَا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تمنى} الْآيَة. قَالَ مُحَمَّد: قِيلَ: إِن (تَمَنَّى) بِمَعْنَى تَلَا وَأَنْشَدَ [بَعْضُهُمْ]: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 (تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ آخِرَ لَيْلَةٍ ... تَمَنِّيَ دَاوُدُ الزَّبُورَ عَلَى رِسْلِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 قَوْلُهُ: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والقاسية قُلُوبهم} يَعْنِي: الْمُشْركين {وَإِن الظَّالِمين} الْمُشْركين {لفي شقَاق} أَي: فِرَاق {بعيد} عَن الْحق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 {وليعلم الَّذِي أُوتُوا الْعلم} يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ. {أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبك فيؤمنوا بِهِ} أَيْ: يُصَدِّقُوا بِهِ قَوْلُهُ: {فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبهم} أَي: تخشع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مرية مِنْهُ} [أَيْ: شَكٍّ؛ يَعْنِي: مِنَ الْقُرْآنِ] {حَتَّى تأتيهم السَّاعَة بَغْتَة} [يَعْنِي الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِمُ السَّاعَةُ، الدائنين] (ل 224) بدين أبي جهل و [أَصْحَابه] {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} أَيْ: عَذَابُ يَوْمِ بَدْرٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: [أَصْلُ الْعُقْمِ] فِي الْوِلَادَةِ؛ يُقَالُ: امْرَأَةٌ عَقِيمٌ، وَرَجُلٌ عَقِيمٌ إِذَا كَانَ لَا يُولَدُ لَهُ، وَرِيحٌ عَقِيمٌ الَّتِي لَا تَأْتِي [بسحاب فتمطر]. سُورَة الْحَج من (آيَة 57 آيَة 59). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثمَّ قتلوا} فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ [(أَو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 مَاتُوا} عَلَى قُرُوحِهِمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ] {لَيَرْزُقَنَّهُمُ الله رزقا حسنا} يَعْنِي: الْجنَّة. سُورَة الْحَج من (آيَة 60 آيَة 68). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 {وَذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثمَّ بغي عَلَيْهِ} يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ أَنَّهُمْ عُوقِبُوا؛ فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ بِجُحُودِهِمُ النَّبِيَّ وَظُلْمِهِمْ إِيَّاه وَأَصْحَابه وبغيهم عَلَيْهِم {لينصرنه الله} النَّصْرُ فِي الدُّنْيَا: الظُّهُورُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ فِي الْآخِرَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْل} وَهُوَ أَخذ كل وَاحِد مِنْهُمَا من صَاحبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مخضرة} أَيْ: بِالنَّبَاتِ إِذَا أَنْبَتَتْ، وَلَيْسَ يَعْنِي من لَيْلَتهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 {وَإِن الله لَهو الْغَنِيّ} عَن خلقه {الحميد} اسْتَوْجَبَ عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يَحْمَدُوهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 {ويمسك السَّمَاء أَن تقع} يَعْنِي: لِئَلَّا تقع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 {وَهُوَ الَّذِي أحياكم} مِنَ النُّطَفِ {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} يَعْنِي: الْبَعْث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 {لكل أمة جعلنَا منسكا} أَيْ: حَجًّا وَذَبْحًا {هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا ينازعنك فِي الْأَمر} أَيْ: لَا يُحَوِّلَنَّكَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ هَذَا الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ يَقُولُهُ للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام. سُورَة الْحَج من (آيَة 69 آيَة 72). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 {اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُم فِيهِ تختلفون} يَعْنِي: مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكَافِرُونَ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ أَنْ يُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلَ الْكَافِرِينَ النَّارَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} أَي: هَين حِين كتبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا} يَعْنِي: حُجَّةً لِعِبَادَتِهِمْ {وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ علم} أَنَّ الْأَوْثَانَ خَلَقَتْ مَعَ اللَّهِ شَيْئا، وَلَا رزقت شَيْئا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 (يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 آيَاتنَا} أَيْ: يَكَادُونَ يَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَهُمْ {قُلْ أفأنبئكم بشر من ذَلِكُم} بِشَرٍّ مِنْ قَتْلِ أَنْبِيَائِهِمْ {النَّارُ} هِيَ شَرٌّ مِمَّا صَنَعُوا (بِأَنْبِيَائِهِمْ؛ يَعْنِي: مِنْ قَتْلِهِمْ إِيَّاهُمْ. قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ (النَّار) بِالرَّفْعِ، فَعَلَى مَعْنَى: هِيَ النَّارُ. سُورَة الْحَج من (آيَة 73 آيَة 76). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 {يَا أَيهَا النَّاس ضرب مثل} أَي: وصف {فَاسْتَمعُوا لَهُ} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ من دون الله} يَعْنِي: الْأَوْثَانَ {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ}. إِنَّ الذُّبَابَ يَقَعُ عَلَى تِلْكَ الْأَوْثَانِ فَيَنْقُرُ أَعْيُنَهَا وَوُجُوهَهَا فَيَسْلُبُهَا مَا أَخَذَ مِنْ وُجُوهِهَا وَأَعْيُنِهَا. وَسَمِعْتُ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَطْلُونَهَا بِخَلُوقٍ. قَالَ اللَّهُ {ضَعُفَ الطَّالِب} يَعْنِي: الوثن {وَالْمَطْلُوب} يَعْنِي: الذُّبَاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أَيْ: مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ عَظَمَتِهِ؛ بِأَنْ عَبَدُوا الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ الَّتِي إِنْ سَلَبَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 الذُّبَابُ الضَّعِيفُ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تمْتَنع مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 {يعلم مَا بَين أَيْديهم} مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ {وَمَا خَلْفَهُمْ} مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا إِذَا كَانُوا فِي الْآخِرَة. سُورَة الْحَج من (آيَة 77 آيَة 78). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} هِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {اتَّقُوا اللَّهَ حق تُقَاته} وَهُمَا مَنْسُوخَتَانِ؛ نَسَخَتْهُمَا الْآيَةُ الَّتِي فِي الْتَغَابُنِ {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم}. {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ من حرج} أَيْ: مِنْ ضِيقٍ. {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيم هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين} يَقُولُ اللَّهُ: سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ؛ أَيْ: مِنْ قَبْلِ هَذَا الْقُرْآنِ فِي الْكُتُبِ كُلِّهَا وَفِي الذّكر، {وَفِي هَذَا} الْقُرْآنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ) الْمَعْنَى: اتَّبِعُوا مِلَّةَ أَبِيكُمْ. {لِيَكُونَ الرَّسُول شَهِيدا عَلَيْكُم} بَأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ {وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ على النَّاس} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 بِأَن الرُّسُل قد بلغت قَومهَا. {واعتصموا بِاللَّه} أَيْ: بِدِينِ اللَّهِ {هُوَ مَوْلاكُمْ} وَلِيكُم {فَنعم الْمولى} الْوَلِيّ {وَنعم النصير} وَعَدَهُمُ النَّصْرَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ مِنَ الْمُشْركين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 تَفْسِير سُورَة الْمُؤمنِينَ وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة 1 آيَة 11). (ل 225) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 قَوْلُهُ: {قَدْ أَفْلَح َ الْمُؤْمِنُونَ} يَعْنِي: بِاللَّهِ [ ... ] عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَة: قَالَ: ذكر لَنَا أَن كَعْبًا قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ بِيَدِهِ إِلَّا ثَلَاثًا: خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَغَرَسَ الْجَنَّةَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي، فَقَالَتْ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 قَوْلُهُ: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشعون}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 يَحْيَى: عَنْ خَدَاشٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ): " كَانُوا يَلْتَفِتُونَ فِي صَلَاتِهِمْ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَغَضُّوا أَبْصَارَهُمْ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَنْظُرُ إِلَى مَوضِع سُجُوده ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} اللَّغْو: الْبَاطِل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 {وَالَّذين هم لِلزَّكَاةِ فاعلون} يَعْنِي: يؤدون الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 {وَالَّذين هم لفروجهم حافظون} من الزِّنَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 {إِلَّا على أَزوَاجهم} يَتَزَوَّجُ أَرْبَعًا إِنْ شَاءَ وَلَا يَحِلُّ لَهُ مَا فَوْقَ ذَلِكَ {أَو مَا ملكت أَيْمَانهم} يَطَأُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ كَمَ شَاءَ {فَإِنَّهُم غير ملومين} أَيْ: لَا لَوْمَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أحل لَهُم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هم العادون} يَعْنِي: الزُّنَاةَ؛ يَتَعَدَّوْنَ الْحَلالَ إِلَى الْحَرَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} يَقُولُ: يُؤَدُّونَ الْأَمَانَةَ وَيُوفُونَ بِالْعَهْدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 {وَالَّذين هم على صلواتهم} [يَعْنِي: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ] {يُحَافِظُونَ} عَلَى وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 {أُولَئِكَ هم الوارثون} لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مَنْزِلًا وَأَهْلًا فِي الْجَنَّةِ؛ فَإِنْ أَطَاعَ اللَّهُ صَارَ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ، وَإِنْ عَصَى اللَّهَ صَرَفَ اللَّهُ ذَلِكَ الْمَنْزِلَ عَنْهُ؛ فَأَعْطَاهُ الْمُؤْمِنَ مَعَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَوَرَّثَ الْمُؤْمِنِينَ تِلْكَ الْمَنَازِلَ والأزواج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 {الَّذين يَرِثُونَ الفردوس}. يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: الْفِرْدَوْسُ جَبَلٌ فِي الْجَنَّةِ تَتَفَجَّرُ مِنْهُ أَنْهَارُ الْجنَّة. سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة 12 17). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ من طين} خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ طِينٍ (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ بَعْدُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ؛ يَعْنِي: النُّطْفَة) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مكين} يَعْنِي: الرَّحِم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعلقَة مُضْغَة} يَكُونُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ نُطْفَهً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا} يَعْنِي: جَمَاعَةَ الْعِظَامِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (علقَة) وَاحِدَة: العلق؛ وَهُوَ الدَّم، و (المضغة): اللَّحْمَةُ الصَّغِيرَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا بِقَدْرِ مَا يُمْضَغُ. {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر} يَعْنِي: ذكرا أَو أُنْثَى؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ {فَتَبَارَكَ اللَّهُ} هُوَ مِنْ بَابِ الْبَرَكَةِ {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} إِنَّ الْعِبَادَ قَدْ يَخْلِقُونَ، وَيُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْفُخُوا فِيهِ الرُّوحَ. يَحْيَى: عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُصَوِّرُونَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ " مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ. يَحْيَى: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ يَعْلَى الثَّقَفِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " قَالَ اللَّهُ: مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 ذُبَابًا أَوْ ذَرَّةً أَوْ بَعُوضَةً ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: يَعْنِي: سَبْعَ سَمَوَاتٍ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (طرائق) جَمْعُ: طَرِيقَةٍ؛ يُقَالُ: طَارَقْتُ الشَّيْءَ؛ إِذا جَعَلْتُ بَعْضَهُ فَوْقَ بَعْضٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ. رِيشٌ طَرَّاقٌ. {وَمَا كُنَّا عَن الْخلق غافلين} يَعْنِي: أَنْ نُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ مَا يُحْيِيهِمْ، وَمَا يُصْلِحُهُمْ مَنْ هَذَا الْمَطَر؛ فِي تَفْسِير الْحسن. سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة 18 آيَة 22). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: يَعْنِي: الْأَنْهَارَ وَالْعُيُونَ والآبار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 {فأنشأنا لكم بِهِ} أَيْ: أَنْبَتْنَا {جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ} الْآيَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ} و [هِيَ الزيتونة]، وَالطور [الْجَبَل] و {شَجَرَة} مَعْطُوف (ل 226) عَلَى قَوْلِهِ: {فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جنَّات}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 قَوْله: {تنْبت بالدهن} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: تُثْمِرُ بِهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: نَبَتَ الشَّجَرُ وَأَنْبَتَ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ. {وَصِبْغٍ للآكلين} أَي: يأتدمون بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} (لحجة) {نسقيكم مِمَّا فِي بطونه} يَعْنِي: اللَّبَنَ {وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَة} يَعْنِي: مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ ظُهُورهَا وَغير ذَلِك. سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة 23 آيَة 27). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 {مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيد أَن يتفضل عَلَيْكُم} أَيْ: بِالرِّسَالَةِ. {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلين} أَن رجلا ادّعى النُّبُوَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 {إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ بِهِ جنَّة} أَيْ: جُنُونٌ {فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِين} أَيْ: حَتَّى يَمُوتَ؛ فِي تَفْسِيرِ بَعضهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} قد مضى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 تَفْسِير فِي سُورَة هود. {وَأهْلك} أَيْ: وَاحْمِلْ فِيهَا أَهْلَكَ {إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ} يَعْنِي: الْغَضَب {وَلَا تخاطبني} أَيْ: لَا تُرَاجِعْنِي {فِي الَّذِينَ ظلمُوا} أشركوا. سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة 28 آيَة 30). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلا مُبَارَكًا} قَالَ هَذَا لِنُوحٍ حِينَ نَزَلَ مِنَ السَّفِينَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: تُقْرَأُ {منزلا} وَ {مَنْزَلا}؛ فَالْمَنْزِلُ: اسْمٌ لِمَا نَزَلْتَ فِيهِ، وَالْمُنْزَلُ: الْمَصْدَرُ؛ بِمَعْنَى الْإِنْزَال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 {إِن فِي ذَلِك} فِي أَمْرِ قَوْمِ نَوحٍ وَغَرَقِهِمْ {لآيَات} لِمَنْ بَعْدَهُمْ. {وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} يَعْنِي: مَا أَرْسِلَ بِهِ الرُّسُلَ مِنْ عِبَادَتِهِ، وَمَعْنَى الِابْتِلَاءِ: الِاخْتِبَارُ. سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة 31 آيَة 41). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 {وأترفناهم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} يَقُولُ: وَسَّعْنَا عَلَيْهِمْ فِي الرِّزْقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 {هَيْهَات هَيْهَات لما توعدون} تَبَاعَدَ الْبَعْثُ فِي أَنْفُسِ الْقَوْمِ. قَالَ مُحَمَّد: من كَلَام الْعَرَب: هَيْهَاتَ لِمَا قُلْتَ؛ يَعْنُونَ: بُعْدًا لِقَوْلِكَ، وَيُقَالُ: أَيْهَاتَ؛ بِمَعْنَى: هَيْهَاتَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 {عَمَّا قَلِيل ليصبحن نادمين} يَعْنِي: عَنْ قَلِيلٍ وَالْمِيمُ صِلَةٌ، فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ. قَالَ مُحَمَّدٌ: هِيَ صِلَةٌ زَائِدَةٌ؛ بِمَعْنَى التَّوْكِيدِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 {فَأَخَذتهم الصَّيْحَة} يَعْنِي: الْعَذَابَ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ {فجعلناهم غثاء} يَعْنِي: مِثْلَ النَّبَاتِ إِذَا تَهَشَّمَ بَعْدَ إِذْ كَانَ أَخْضَرَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْغُثَاءُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ مَا عَلَا السَّيْلَ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ. الْمَعْنَى: جَعَلْنَاهُمْ هَلْكَى كَالْغُثَاءِ؛ لِأَن الغثاء يتفرق وَيذْهب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة 42 آيَة 50). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 {مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} يَعْنِي: الْوَقْتُ الَّذِي يُهْلِكُهَا فِيهِ {وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} عَنِ الْوَقْتِ سَاعَةً، وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ سَاعَة قبل الْوَقْت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 {ثمَّ أرسلنَا رسلنَا تترى} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: تِبَاعًا؛ بَعْضُهُمْ عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ مِنَ التَّوَاتُرِ، وَقِيلَ: الْأَصْلُ فِي تَتْرَى: وَتْرَى؛ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ تَاءً؛ كَمَا قَلَبُوهَا فِي التُّخْمَةِ وَالتُّكْلَانِ. {كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا} يَعْنِي: الْعَذَابَ الَّذِي أَهْلَكْنَاهُمْ بِهِ أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ {وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} لمن بعدهمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 {وَكَانُوا قوما عالين} أَيْ: مُسْتَكْبِرِينَ فِي الْأَرْضِ عَلَى النَّاس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لنا عَابِدُونَ} وَكَانُوا قَدِ اسْتَعْبَدُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَوَضَعُوا عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ، وَلَيْسَ يَعْنِي: أَنهم يعبدوننا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} عِبْرَةً خُلِقَ لَا وَالِدَ لَهُ {وآويناهما إِلَى ربوة} قَالَ قَتَادَةُ: الرَّبْوَةُ هَا هُنَا: بَيْتُ الْمَقْدِسِ. قَالَ يَحْيَى: ذَكَرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ: هِيَ أَدْنَى الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ بِثَمَانِيَةَ عَشْرَ مِيلًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ مَا ارْتَفَعَ وَزَادَ فَقَدْ رَبًّا. {ذَات قَرَار} قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: ذَاتَ جِنَانٍ {ومعين} قَالَ عِكْرِمَةَ: الْمَعِينُ: الظَّاهِرُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ مَفْعُولٌ مِنَ الْعَيْنِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ: معيون. سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة 51 آيَة 56). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 قَوْله: {يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات} [يَعْنِي: الْحَلَالَ مِنَ الرِّزْقِ] {وَاعْمَلُوا صَالحا} الْآيَةُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: خَاطَبَ [بَهَذَا النَّبِيَّ، عَلَى مَذْهَبِ الْعَرَبِ فِي مُخَاطَبَةِ الْوَاحِدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 خطاب الْجَمِيع، وتضمن (ل 227) الْخَطَّابُ إِلَى الرُّسُلِ جَمِيعًا؛ كَذَا أمروا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} أَيْ: مِلَّةً وَاحِدَةً؛ يَعْنِي: الْإِسْلَامَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ: {وَأَنَّ هَذِهِ} بِفَتْحِ الْأَلِفِ فَالْمَعْنَى: لِأَنَّ هَذِه أمتكُم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 {فتقطعوا أَمرهم بَينهم} يَعْنِي: دِينَهُمُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ {زبرا} وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ {زُبُرًا} بِفَتْحِ الْبَاءِ وَرَفْعِهَا؛ فَمَنْ قَرَأَهَا بِالْفَتْحِ فَالْمَعْنَى: قِطَعًا، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ فَالْمَعْنَى: كُتُبًا، يَقُولُ: فَرَّقُوا كِتَابِ اللَّهِ فَحَرَّفُوهُ وَبَدَّلُوهُ، وَكَتَبُوهُ عَلَى مَا حَرَّفُوا {كُلُّ حِزْبٍ} أَيْ: قَوْمٍ مِنْهُمْ {بِمَا لَدَيْهِمْ} بِمَا عِنْدَهُمْ مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ {فَرِحُونَ} أَي: راضون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 {فذرهم فِي غمرتهم} أَي: غفلتهم {حَتَّى حِين} يَعْنِي: إِلَى آجَالِهِمْ. وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالْقِتَالِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَال} أَيْ: نُعْطِيهِمْ مِنْ مَالٍ {وَبَنِينَ نسارع لَهُم فِي الْخيرَات} أَيْ: لَيْسَ لِذَلِكَ نَمُدُّهُمْ بِالْمَالِ والبنين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 {بل لَا يَشْعُرُونَ} أَنَّا لَا نُعْطِيهُمْ ذَلِكَ مُسَارَعَةً لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ، وَأَنَّهُمْ يَصِيرُونَ إِلَى النَّار؛ يَعْنِي: الْمُشْركين. سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة 57 آيَة 67). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 {وَالَّذين يُؤْتونَ مَا آتوا} ممدودة {وَقُلُوبهمْ وَجلة} أَيْ: خَائِفَةٌ {أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُون} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ قَالَ: كَانُوا يَعْمَلُونَ مَا عَمِلُوا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ، وَيَخَافُونَ أَلَا يُنْجِيَهُمْ ذَلِكَ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَعْنَى أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ: أَنَّهُمْ يُوقِنُونَ بِأَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى رَبِّهِمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} أَي: وهم بالخيرات سَابِقُونَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 {وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} إِلَّا طاقتها {ولدينا} عندنَا {كتاب ينْطق بِالْحَقِّ} يُرِيد: الْكتاب الأول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: فِي غَفْلَةٍ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ أَعْمَالِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ من دون ذَلِك} يَقُولُ: لَهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 أَعْمَالٌ لَمْ يَعْمَلُوهَا سَيَعْمَلُونَهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ: أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ سَيَعْمَلُونَ أَعْمَالًا تُبْعِدُ مِنَ اللَّهِ غَيْرَ الْأَعْمَال الَّتِي ذكرُوا بهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ} يَعْنِي: أَبَا جَهْلٍ وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ {إِذَا هُمْ يجأرون} قَالَ الْحَسَنُ: يَصْرُخُونَ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ فَلَا تقبل مِنْهُم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 {فكنتم على أعقابكم تنكصون} أَيْ: تَسْتَأْخِرُونَ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 {مستكبرين بِهِ} أَي: بِالْحرم {سامرا تهجرون} أَي: تتكلمون بِهَجْرِ الْقَوْلِ وَمُنْكَرِهِ. قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي بِهَذَا: أَهْلَ مَكَّةَ؛ كَانَ سَامِرَهُمْ لَا يَخَافُ شَيْئًا؛ كَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ أَهْلُ الْحَرَمِ؛ فَلَا نُقْرَبُ لِمَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْأَمْنِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَتَكَلَّمُونَ بِالشِّرْكِ وَالْبُهْتَانِ. وَالْقِرَاءَةُ عَلَى تَفْسِيرِ قَتَادَةَ: بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ. وَكَانَ الْحسن يقْرؤهَا: (تهجرون) بِنَصْبِ التَّاءِ وَرَفْعِ الْجِيمِ؛ وَتَأْوِيلَهَا: الصَّدُّ وَالْهُجْرَانُ. يَقُولُ: قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمَانِكُمْ أَنَّ سَامِرَكُمْ [يَسْمُرُ] بِالْبَطْحَاءِ؛ يَعْنِي: سَمَرَ اللَّيْلِ، وَالْعَرَبُ يَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيَسْبِي بَعْضُهَا بَعْضًا، وَأَنْتُمْ فِي ذَلِكَ تَهْجُرُونَ كِتَابِي وَرَسُولِي. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: هَذَا سَامِرُ الْحَيِّ؛ يُرَادُ الْمُتَحَدِّثُونَ مِنْهُم لَيْلًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة 68 آيَة 74). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 {أفلم يدبروا القَوْل} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {أَمْ جَاءَهُمْ مَا لم يَأْتِ آبَاءَهُم الْأَوَّلين} أَيْ: لَمْ يَأْتِهِمْ إِلَّا مَا أَتَى آبَاءَهُم الْأَوَّلين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 {أم لم يعرفوا رسولهم} يَعْنِي: مُحَمَّدًا {فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} بل يعْرفُونَ وَجهه وَنسبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 {وَأَكْثَرهم للحق كَارِهُون} يَعْنِي: جَمَاعَةً مَنْ لَمْ يُؤْمِنُ مِنْهُم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 {وَلَو اتبع الْحق أهواءهم} يَعْنِي: أهواء الْمُشْركين {لفسدت السَّمَاوَات وَالْأَرْض} تَفْسِير الْحسن يَقُول: لَو كَانَ الْحَقُّ فِي أَهْوَائِهِمْ لَوَقَعَتْ أَهْوَاؤُهُمْ عَلَى إِهْلَاكِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ {بَلْ أتيناهم بذكرهم} أَيْ: بِشَرَفِهِمْ؛ هُوَ شَرَفٌ لِمَنْ آمَنَ بِهِ {فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ} [عَنْ شَرَفِهِمْ] {مُعْرِضُونَ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 {أم تَسْأَلهُمْ خرجا} [أَيْ: أَجْرًا عَلَى مَا جِئْتَهُمْ بِهِ، لِأَنَّكَ لَا تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا {فخراج رَبك} (ل 228) يَعْنِي: ثَوَابُهُمْ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ من أجرهم أَو أَعْطُوْكَ فِي الدُّنْيَا أَجْرًا {وَهُوَ خير الرازقين} وَقَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ رِزْقَ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ يَرْزُقُ هَذَا عَلَى يَدَيْ هَذَا يَرْزُقُ اللَّهُ إيَّاهُم {وَهُوَ خير الرازقين} يَعْنِي: أفضلهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 {وأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَن الصِّرَاط لناكبون} أَي: تاركون لَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة 75 آيَة 77). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ من ضرّ} نَزَلَتْ فِي أَهْلِ مَكَّةَ؛ وَذَلِكَ حِينَ أُخِذُوا بِالْجُوعِ سَبْعَ سِنِينَ؛ حَتَّى أَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ وَأُجْهِدُوا؛ حَتَّى جَعَلَ أَحَدُهُمْ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا، وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَان مُبين} نزلت هَذِه الْآيَة قبل أَن يُؤْخَذُوا بِالْجُوعِ، ثُمَّ أُخِذُوا بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ (وَهُمْ فِي ذَلِكَ الْجُوعِ: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طغيانهم يعمهون} يَتَرَدَّدُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 {وَلَقَد أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ} يَعْنِي: ذَلِكَ الْجُوعِ فِي السَّبْعِ السِّنِينَ) {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} يَقُولُ: لَمْ يُؤْمِنُوا، وَقَدْ سَأَلُوا أَنْ يَرْفَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ فَيُؤْمِنُوا، فَقَالُوا: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ} وَهُوَ ذَلِكَ الْجُوعُ {إِنَّا مُؤْمِنُونَ} فكشف عَنْهُم، فَلم يُؤمنُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَاب شَدِيد} يَعْنِي: يَوْمَ بَدْرٍ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ {إِذا هم فِيهِ مبلسون} يئسوا من كل خير. سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة 78 آيَة 89). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 {وَهُوَ الَّذِي أنشأ لكم} أَيْ: خَلَقَ. {قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} أَقَلُّكُمْ مَنْ يَشْكُرْ؛ أَيْ: يُؤْمِنُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 {أَفلا تعقلون} يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ، يُذَكِّرْهُمْ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ يَقُولُ: فَالَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ والأبصار والأفئدة، وَيحيى ويمت، وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قَادِرٌ على أَن يحيي الْمَوْتَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَولونَ} ثُمَّ أَخْبَرَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ؛ فَقَالَ {قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} إِلَى قَوْله: {أساطير الْأَوَّلين} أَي: كذب الْأَوَّلين وباطلهم؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَقُولُ لَهُمْ: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 وَقَالَ: {سيقولون لله} أَي: فَإِذا قَالُوا ذَلِك {قل أَفلا تذكرُونَ} فَتُؤْمِنُوا، وَأَنْتُمْ تُقِرُّوَنْ أَنَّ الْأَرْضَ وَمن فِيهَا لله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 {قل من رب السَّمَاوَات السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لله} فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَ {قُلْ أَفلا تَتَّقُون} وَأَنْتُمْ تُقِرُّونَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَرَبُّهَا، وَقَدْ كَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ يُقِرُّونَ بَهَذَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: قِرَاءَةُ يَحْيَى (سَيَقُولُونَ اللَّهُ) وَهِيَ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ. قَالَ: وَعَامَّةُ الْقُرَّاء يقرءونها: (سيقولون لله). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 قَالَ: وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يُحْكَى عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَنْ رَبُّ هَذِهِ الدَّارِ؟ فَيَقُولُ: لِفُلَانٍ؛ بِمَعْنَى: هِيَ لفُلَان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْء} أَيْ: مُلْكُ كُلِّ شَيْءٍ {وَهُوَ يجير} مَنْ يَشَاءُ، فَيَمْنَعُهُ فَلَا يُوصَلُ إِلَيْهِ {وَلَا يجار عَلَيْهِ} أَيْ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُعَذِّبَهُ لم يسْتَطع أحد مَنعه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 {سيقولون لله}. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ أَيْضًا فِي قَوْله: {سيقولون لله} وَهِيَ فِي التَّأْوِيلِ مِثْلُ الَّتِي قبلهَا. {فَأنى تسحرون} أَيْ: فَكَيْفَ تَسْحِرُونَ عُقُولَكُمْ؟ فَشَبَّهَهُمْ بِقَوْمٍ مَسْحُورِينَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ: الْمَعْنَى: كَيْفَ تُخْدَعُونَ وَتُصْرَفُونَ عَنْ هَذَا؟! سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة 90 98). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 {بل أتيناهم بِالْحَقِّ} يَعْنِي: الْقُرْآن {وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ} وَهِيَ تُقْرَأُ: (بَلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 أتيتهم) يَقُوله للنَّبِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خلق} يَقُولُ: لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ {وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} يَقُولُ: لَطَلَبَ بَعْضُهُمْ مُلْكَ بَعْضٍ حَتَّى يَعْلُوَ عَلَيْهِ؛ كَمَا يَفْعَلُ مُلُوك الدُّنْيَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 {عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة} قَالَ الْحسن: الْغَيْب هَاهُنَا: مَا لَمْ [يَحِنْ مِنْ غَيْبِ الْآخِرَةِ، وَالشَّهَادَةِ: مَا أَعْلَمَ بِهِ الْعِبَادَ. قُلْ يَا مُحَمَّدُ: {فَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ}] (ل 229) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 {مَا يوعدون} من الْعَذَاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 {رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمين} تَفْسِيرُهُ: أَيْ: [لَا تُهْلِكْنِي] مَعَهُمْ إِن أريتني مَا يوعدون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَقُولُ: ادْفَعْ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ الْقَوْلَ الْقَبِيحَ؛ وَذَلِكَ قَبْلَ أَن يُؤمر بقتالهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ همزات الشَّيَاطِين} وَهُوَ الْجُنُون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} فَأُطِيعُ الشَّيْطَانَ فَأَهْلِكُ؛ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ بَهَذَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقيل: (همزات الشَّيَاطِين): نَخْسُهَا وَطَعْنُهَا بِالْوَسْوَسَةِ؛ حَتَّى تُشْغَلَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ. وَالْقِرَاءَةُ (رَبِّ) بِكَسْرِ الْبَاءِ [وَحَذْفِ الْيَاءِ]؛ حُذِفَتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 الْيَاءُ لِلنِّدَاءِ؛ الْمَعْنَى: أَعُوذُ بِكَ يَا رَبِّ، وَإِثْبَاتُ الْيَاءِ جَائِزٌ. سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة 99 آيَة 104). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رب ارْجِعُونِ} قَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، لَيْسَ لِلِّهِ بِوَلِيٍّ إِلَّا وَهُوَ يَسْأَلُ الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا عِنْدَ الْمَوْتِ بِكَلَامٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الدُّنْيَا بِحَرْفٍ قَطُّ؛ وَذَلِكَ إِذَا اسْتَبَانَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، سَأَلَ الرَّجْعَةَ وَلَا يسمعهُ من يَلِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} يَعْنِي: فِيمَا ضَيَّعْتُ. قَالَ اللَّهُ: لَسْتَ بِرَاجِعٍ إِلَى الدُّنْيَا، ثُمَّ قَالَ: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلهَا} يَعْنِي: هَذِهِ الْكَلِمَةَ: {رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} {} (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يبعثون} قَالَ السُّدِّيُّ: الْبَرْزَخُ: مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَكُلُّ شَيْءٍ بَين شَيْئَيْنِ فَهُوَ برزخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 {فَإِذا نفخ فِي الصُّور} قَدْ مَضَى تَفْسِيرُهُ (فَلا أَنْسَابَ بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 يتساءلون} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَقُولُ: فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَتَعَاطَفُونَ عَلَيْهَا؛ كَمَا كَانُوا يَتَعَاطَفُونَ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا، وَلَا يَتَسَاءَلُونَ عَلَيْهَا أَنْ يَحْمِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ؛ كَمَا كَانُوا يَتَسَاءَلُونَ فِي الدُّنْيَا بِأَنْسَابِهِمْ؛ كَقَوْلِ الرَّجُلِ: أَسأَلك بِاللَّه وبالرحم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 {تفلح وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ}. يحيى: عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام: " شَفَتُهُ السُّفْلَى سَاقِطَةٌ عَلَى صَدْرِهِ، وَالْعُلْيَا قَالِصَةٌ قَدْ غَطَّتْ وَجْهَهُ ". سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة 105 آيَة 114). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} الَّتِي كتبت علينا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإنَّا ظَالِمُونَ} فَيَسْكُتْ عَنْهُمْ قَدْرَ عُمُرِ الدُّنْيَا مرَّتَيْنِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} أَيْ: اصْغَرُوا؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا تَكَلَّمَ الْقَوْمُ بَعْدَهَا بِكَلِمَةٍ، وَمَا هُوَ إِلَّا الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى {اخْسَئُوا} فِي اللُّغَةِ: تَبَاعَدُوا، وَيُقَالُ: خَسَأْتُ الْكَلْبَ أَخْسَؤُهُ؛ إِذَا زَجَرْتُهُ لِيَتَبَاعَدَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 {وَأَنت خير الرَّاحِمِينَ} يَعْنِي: أَفْضَلُ مَنْ رَحِمْ، وَقَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ الرَّحْمَةَ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ؛ وَذَلِكَ مِنْ رَحْمَةِ الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 {فاتخذتموهم سخريا} كَانُوا يَسْخَرُونَ بِأَصْحَابِ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَضْحَكُونَ مِنْهُمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْأَجْوَدُ فِي قِرَاءَةِ (اتَّخَذْتُمُوهُمْ) إْدَغْامُ الذَّالِ فِي التَّاءِ؛ لِقُرْبِ الْمَخْرَجَيْنِ فِي الذَّالِ وَالتَّاءِ، وَإِنْ شِئْتَ أَظْهَرْتَ. وَتُقْرَأُ (سُخْرِيًّا) بِالضَّمِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 وَالْكَسْرِ فِي مَعْنَى الِاسْتِهْزَاءِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: مَا كَانَ مِنَ الِاسْتِهْزَاءِ فَهُوَ بِالْكَسْرِ، وَمَا كَانَ مِنْ جِهَةِ التَّسْخِيرِ فَهُوَ بِالضَّمِّ. {حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي} لَيْسَ يَعْنِي: أَنَّ أَصْحَابِ الْأَنْبِيَاءِ أَنْسَوْهُمْ ذَكَرَ اللَّهِ؛ فَأَمَرُوهُمْ أَلَّا يذكروه، وَلَكِن جحودهم واستهزاؤهم، وَضَحِكُهُمْ مِنْهُمْ هُوَ الَّذِي أَنْسَاهُمْ ذكر الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا} فِي الدُّنْيَا {إِنَّهُم} بِأَنَّهُم {هم الفائزون} النَّاجُونَ مِنَ النَّارِ، وَتُقْرَأُ بِالْكَسْرِ {إِنَّهُمْ}. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَنْ كَسَرَ فَالْمَعْنَى: أَنِّي جَزَيْتُهُمْ بِمَا صَبَرُوا، ثمَّ أخبر فَقَالَ: إِنَّهُم هُوَ الفائزون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 {قَالَ كم لبثتم} يَقُولُهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ {فِي الأَرْض عدد سِنِين} أَيْ: كَمْ عَدَدَ السِّنِينَ الَّتِي لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ [يُرِيدُ بِذَلِكَ أَن يعلمهُمْ قلَّة] (ل 230) بَقَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا [فَتَصَاغَرَتِ الدُّنْيَا] عِنْدهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْم} وَذَلِكَ لِتَصَاغُرِ الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ {فَاسْأَلِ العادين} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: الْحُسَّابَ الَّذِينَ كَانُوا يَحْسِبُونَ آجَالَنَا. مِثْلَ قَوْلِهِ: {إِنَّمَا نعد لَهُم عدا} وَهِي آجالهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا} أَيْ: إِنَّ لُبْثَكُمْ فِي الدُّنْيَا فِي طُولِ مَا أَنْتُمْ لَابِثُونَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 النَّارِ كَانَ قَلِيلًا {لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُم تعلمُونَ} يَقُولُ: لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عُلَمَاءَ لَمْ تَدْخُلُوا النَّارَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (عدد) مَنْصُوبٌ بِكَمْ، وَقَوْلُهُ: {إِنْ لَبِثْتُمْ} مَعْنَاهُ: مَا لبثتم. سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة 115 آيَة 118). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 {أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا} أَيْ: لِغَيْرِ بَعْثٍ وَلَا حِسَابٍ {وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون} وَهُوَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: قَدْ حَسِبْتُمْ ذَلِكَ؛ وَلَمْ نَخْلُقْكُمْ عَبَثًا، إِنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ للبعث والحساب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيم} عَلَى اللَّهِ. وَبَعْضُهُمْ يَقْرَؤُهَا بِالرَّفْعِ يَقُول: الله الْكَرِيم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} أَيْ: لَا حُجَّةَ لَهُ بِذَلِكَ {فَإِنَّمَا حسابه عِنْد ربه} يَعْنِي: فَإِنَّمَا جَزَاؤُهُ عِنْدَ رَبِّهِ {إِنَّه لَا يفلح الْكَافِرُونَ} وَهِي تقْرَأ: (إِنَّه) بِالْكَسْرِ عَلَى مَعْنَى: فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ النَّارَ، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَنْ قَرَأَهَا بِالْفَتْحِ، فَالْمَعْنى: بِأَنَّهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خير الرَّاحِمِينَ} يَعْنِي: وَأَنْتَ أَفْضَلُ مَنْ يَرْحَمُ؛ أَمر الله النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بَهَذَا الدُّعَاءِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 تَفْسِيرُ سُورَةِ النُّورِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَة النُّور من (آيَة 1 آيَة 3). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 قَوْله: {سُورَة أنزلناها} (أَيْ: هَذِهِ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا) {وَفَرَضْنَاهَا} يَعْنِي: مَا فُرِضَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَحُدَّ فِيهَا مِنْ حُدُودِهِ، وَتُقْرَأُ: (فَرَّضْنَاهَا) بِالتَّثْقِيلِ؛ يَعْنِي: بَيَّنَّاهَا {وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ} لكَي تَذكرُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مائَة جلدَة} هَذَا فِي الْأَحْرَارِ إِذْا لَمْ يَكُونَا مُحْصَنَيْنِ؛ فَإِنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ رُجِمَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (الزَّانِيَة) بِالرَّفْعِ فَتَأْوِيلُهُ الِابْتِدَاءُ. قَالَ الْحَسَنُ: وَالرَّجْمُ فِي مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ فِي مُصْحَفِنَا أَيْضًا فِي سُوْرَةِ الْمَائِدَةِ فِي قَوْلِهِ: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 للَّذين هادوا والربانيون والأحبار} حَيْثُ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ اليَّهُودِيَّيْنِ حِينَ ارْتَفَعُوا إِلَيْهِ. يَحْيَى: عَنِ الْمُعَلَّى، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: " قَالَ لِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: يَا زِرُّ، كَمْ تَقْرَءُونَ سُورَةَ الْأَحْزَابِ؟ قُلْتُ: ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ آيَةً. قَالَ: قَطْ؟ قُلْتُ: قَطْ؟ قَالَ: فَوَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَتُوازِي سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَإِنَّ فِيهَا لَآيَةَ الرَّجْمِ. قُلْتُ: وَمَا آيَةُ الرَّجْمِ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ؟ قَالَ: " إِذَا زَنَى الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 الْمَسْعُودِيُّ: عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ " أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 قَالَ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَكُنَّا نَقْرَأُ: " لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ، وَآيَةُ الرَّجْمِ، وَإِنِّي قَدْ خِفْتُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ قَوْمٌ يَقُولُونَ: لَا رَجْمَ {وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَجَمَ وَرَجَمْنَا} وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: إِنَّ عُمَرَ زَادَ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَأَثْبَتُّهَا، وَلَقَدْ نَزَلَتْ وَكَتَبْنَاهَا ". {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دين الله} فِي حُكْمِ اللَّهِ، قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: أَنْ يُجْلَدَ الْجَلْدَ الشَّدِيدَ. يحيى: عَن الْخضر بْنِ مُرَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كُثَيْرٍ " أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَصَبْتُ حَدًّا؛ فَأَقِمْهُ عَلِيَّ! فَدَعَا بِسَوْطٍ، فَأُتِي بِسَوْطٍ شَدِيدٍ. فَقَالَ: سَوْطٌ دُونَ هَذَا. فَأُتِي بِسَوْطٍ مُنْكَسِرِ الْعَجُزِ، فَقَالَ: فَوْقَ هَذَا. فَأُتِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 بِسَوْطٍ بَيْنَ السَّوْطَيْنِ فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ [جَلْدًا بَيْنَ الْجَلْدَيْنِ] ". {وَلْيَشْهَدْ غذابهما} أَيْ: جَلْدَهُمْا {طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} يُقَال: (ل 231) الطَّائِفَة رجل فَصَاعِدا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً} الْآيَةُ، تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ يَقُولُ: نَزَلَتْ فِي كُلِّ زَانٍ وَزَانِيَةٍ، ثُمَّ نُسِخَتْ. يَحْيَى: عَنْ نَصْرِ بْنِ طَرِيفٍ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: " نَسَخَتْهَا {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} ". [{وَحرم ذَلِك على الْمُؤمنِينَ} يُرِيدُ لَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ زَانِيَةً مَشْهُورَةَ بِالزِّنَا، وَلَا عَبَدَةَ الْأَصْنَامِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنَةٍ أَنْ تَتَزَوَّجَ مُشْرِكًا مِنْ عَبَدَةِ الْأَصْنَام، وَلَا مَشْهُورا بِالزِّنَا]. سُورَة النُّور من (آيَة 4 آيَة 10). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 {وَالَّذين يرْمونَ} أَي: يقذفون بِالزِّنَا {الْمُحْصنَات} يَعْنِي: الْحَرَائِرَ الْمُسْلِمَاتِ {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء} يَجِيئُونَ جَمِيعًا يَشْهَدُونَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جلدَة} يُجْلَدُ بِالسَّوْطِ ضَرْبًا بَيْنَ ضَرْبَيْنِ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَذَفَ حُرًّا مُسْلِمًا. {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} الْعَاصُونَ، وَلَيْسَ بِفِسْقِ الشِّرْكِ؛ وَهِيَ من الْكَبَائِر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِك} الْآيَةُ، تَفْسِيرُ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَا: تَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَا شَهَادَةَ لَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} قَالَ يَحْيَى: هَذَا إِذَا ارْتَفَعَا إِلَى الْإِمَامُ، وَثَبَتَ عَلَى قَذْفِهَا؛ قَالَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ عِنْدَ الْإِمَامِ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَصَادِقٌ، ثُمَّ يَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلِيَّ إِنْ كُنْتُ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَتَقُولُ هِيَ أَربع مَرَّات: أشهد بِاللَّه إِنَّهُ لِكَاذِبٌ تَعْنِي زَوْجَهَا ثُمَّ تَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: غَضَبُ اللَّهِ عَلِيَّ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (أَرْبَعَ) بِالنَّصْبِ، فَالْمَعْنَى: فَعَلَيْهِمْ أَنَّ يَشْهَدَ أَحَدُهْمَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ وَهِيَ تُقْرَأُ بِالرَّفْعِ عَلَى خَبَرِ الِابْتِدَاءِ؛ الْمَعْنَى: فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمُ الَّتِي تَدْرَأُ حَدَّ الْقَذْف أَربع شَهَادَات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَقُولُ: لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَنِعْمَتُهُ لَأَهْلَكَ الْكَاذِبَ مِنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ {وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيم} تَوَّابٌ عَلَى مَنْ تَابَ مِنْ ذَنبه، حَكِيم فِي أمره سُورَة النُّور من (آيَة 11 آيَة 15). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ} جمَاعَة {مِنْكُم} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: قَالَ: هَذَا كَانَ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ، وَمَا أُذِيعَ عَلَيْهَا أَنَهَا كَانَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَخَذَ النَّاسُ فِي الرَّحِيلِ، وَانْقَطَعَتْ قِلَادَةٌ لَهَا؛ فَطَلَبَتْهَا فِي الْمَنْزِلِ وَمَضَى النَّاسُ، وَقَدْ كَانَ صَفْوَانُ بْنُ مُعَطَّلٍ تَخَلَّفَ عَنِ الْمَنْزِلِ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أقبل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 فَوجدَ النَّاس قد ارتحلوا وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَإِذَا هُوَ بِعَائِشَةَ فَجَاءَ بِبَعِيرِهِ وَوَلَّاهَا ظَهْرَهُ حَتَّى رَكِبَتْ، ثُمَّ قَادَهَا فَجَاءَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ، فَتَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ قَوْمٌ فَاتَّهَمُوهَا. قَالَ يَحْيَى: " بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أبي ابْن سَلُولٍ وَحَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ وَمُسْطَحًا وَحَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ هُمُ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ شَاعَ ذَلِكَ فِي النَّاسِ؛ فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهَا جَلَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَدَّ ". {لَا تَحْسَبُوهُ} يَعْنِي: عَائِشَةَ وَصَفْوَانَ {شَرًّا لَكُمْ} يَعْنِي: مَا قِيلَ فِيهِمَا {بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُم} يَعْنِي: الَّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا {مَا اكْتسب من الْإِثْم} عَلَى قَدْرِ مَا أَشَاعَ {وَالَّذِي تولى كبره} يَعْنِي: بَدَأَ بِهِ مِنْهُمْ {لَهُ عَذَاب عَظِيم} قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْن أبي ابْن سلول الْمُنَافِق {لَهُ عَذَاب عَظِيم} جَهَنَّم. سُورَة النُّور من (آيَة 16 آيَة 20). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 {لَوْلَا} هَلَّا {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفسِهِم} أَيْ: بِإِخْوَانِهِمْ {خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إفْك} كذب {مُبين} بَين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيم} فِيهَا تَقْدِيمٌ؛ يَقُولُ: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالْإِفَاضَةُ فِيهِ كَانَ إِذَا لَقِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ، فَيَقُولُ: أَمَا بَلَغَكَ مَا قِيلَ مِنْ أَمر عَائِشَة وَصَفوَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 {إِذْ تلقونه بألسنتكم} يَعْنِي: يَرْوِيهِ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 {سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم} أَي: كذب. (ل 232) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَة} يَعْنِي: أَنْ تَنْتَشِرَ {فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ؛ كَانُوا يُحِبُّونَ ذَلِكَ، ليعيبوا بِهِ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَيَغِيظُوهُ، وَعَذَابُ الدُّنْيَا لِلْمُنَافِقِينَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمُ الزَّكَاةُ وَمَا يُنْفِقُونَ فِي الْغَزْو كرها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} أَيْ: لِأَهْلَكَكُمْ؛ فَاسْتَأْصَلَكُمْ؛ يَعْنِي: الَّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا، وَلَيْسَ يَعْنِي بِالْفَضْلِ وَبِالرَّحْمَةِ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ فِيهِمْ، وَقَدْ ذكر عبد هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ فِي النَّارِ. قَالَ: {وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} بِالْمُؤْمِنِينَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 سُورَة النُّور (آيَة 21). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَان} أَمْرَ الشَّيْطَانِ {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَان فَإِنَّهُ} فَإِنَّ الشَّيْطَانَ {يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}. سُورَة النُّور من (آيَة 22 آيَة 26). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 {وَلَا يَأْتَلِ} أَيْ: وَلَا يَحْلِفْ {أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُم وَالسعَة} يَعْنِي: الْغِنَى {أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} الْآيَةُ، تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: قَالَ: " أُنْزِلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَمُسْطَحٍ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ قَرَابَةٌ، وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِهِ، وَكَانَ مِمَّنْ أَذَاعَ عَلَى عَائِشَةَ مَا أُذِيعَ؛ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَهَا وَعُذْرَهَا تَأَلَّى أَبُو بَكْرٍ أَلا يوليه خيرا أبدا، فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَعَا أَبَا بَكْرٍ فَتَلَاهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تُحِبُّ أَنَ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْكَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَاعْفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 وَتَجَاوَزْ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا جَرَمَ، وَاللَّهِ لَا أَمْنَعُهُ مَعْرُوفًا كُنْتُ أُولِيهِ إِيَّاهُ قَبْلَ الْيَوْمِ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 {إِن الَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات} يَعْنِي: العفائف {الْغَافِلَات} يَعْنِي: أَنَّهُنَ لَمْ يَفْعَلْنَ مَا قُذِفْنَ بِهِ {لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} إِلَى قَوْلِهِ: {بِمَا كَانُوا يعْملُونَ}. قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي ابْن سلول فِي أَمر عَائِشَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَعْنِي: حِسَابَهُمُ الْعَدْلَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات} [تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاسِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ] {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} مِثْلُ ذَلِكَ؛ وَهَذَا فِي قِصَّةِ عَائِشَةَ {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مغْفرَة} لذنوبهم {وزرق كريم} الْجنَّة. سُورَة النُّور (آيَة 27). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 قَوْلُهُ: {تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} حَتَّى تستأذنوا؛ تَفْسِيرِ قَتَادَةَ. وَفِيهَا تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ: حَتَّى تُسَلِّمُوا [وَتَسْتَأْنِسُوا]. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 قَالَ مُحَمَّدٌ: الِاسْتِئْنَاسُ فِي اللُّغَةِ مَعْنَاهُ: الِاسْتِعْلَامُ؛ تَقُولُ: اسْتَأْنَسْتُ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا؛ أَيْ: اسْتَعْلَمْتُ وَتَعَرَّفْتُ. قَالَ النَّابِغَةُ: (كَأَنَّ رَحْلِي وَقَدْ زَالَ النَّهَارُ بِنَا ... بِذِي الْجَلِيلِ عَلَى مُسْتَأْنَسٍ وَحَدِ) يَعْنِي: ثَوْرًا أَبْصَرَ شَيْئًا فَخَافَهُ فَهُوَ فَزِعٌ. يَحْيَى: عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: " سُئِلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَيَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ عَلَى وَالِدَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا، أَوْ عَلَى أُخْتِهِ؟! قَالَ: نَعَمْ ". يَحْيَى: عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ؛ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: " يَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ إِلَّا عَلَى امْرَأَتِهِ ". سُورَة النُّور من (آيَة 28 آيَة 29). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا} يَعْنِي: الْبُيُوتَ الْمَسْكُونَةَ {فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤذن لكم} قَالَ قَتَادَةُ: لَا تَقِفْ عَلَى بَابِ قَوْمٍ قَدْ رَدُّوكَ عَنْ بَابِهِمْ؛ فَإِنَّ لِلنَّاسَ حَاجَاتٍ وَلَهُمْ أشغال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غير مسكونة} يَعْنِي: الْفَنَادِقَ {فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: مَنَافِعَ لَكُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ؛ فَلَيْسَ عَلَيْهِ (أَنْ يَسْتَأْذِنَ) فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أهل يسكنونها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 سُورَة النُّور من (آيَة 30 آيَة 31). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} يَعْنِي: يَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ عَنْ جَمِيعِ الْمعاصِي، (من) هَاهُنَا صِلَةٌ زَائِدَةٌ. يَحْيَى: عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدِ، عَنْ أَبِي زَرْعَةَ بْنِ عَمْرو ابْن جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " سَأَلت رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ النَّظَرِ فَجْأَةً، فَقَالَ: اصْرِفْ بَصَرَكَ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 قَوْله: {ويحفظوا فروجهم} عَمَّا لَا يحل لَهُم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُنَّ مِنَ النّظر {ويحفظن فروجهن} مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهُنَّ وَهَذَا فِي الْأَحْرَار والمماليك (ل 233) {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظهر مِنْهَا} وَهَذَا فِي الْحَرَائِرِ. تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ: مَا ظَهَرَ مِنْهَا: هُوَ الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ. وَتَفْسِيرُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنُ: هِيَ الثِّيَابُ. قَالَ يَحْيَى: وَهَذِهِ فِي الْحَرَائِرِ، وَأَمَّا الْإِمَاءُ فَقَدْ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَعُثْمَانُ، عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى أَمَةً عَلَيْهَا قِنَاعٌ، فَضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ - فِي حَدِيثِ سَعِيدٍ. وَقَالَ عُثْمَانُ: فَتَنَاوَلَهَا بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: اكْشِفِي عَنْ رَأْسِكِ. وَقَالَ سَعِيدٌ: وَلَا تَشَبَّهِي بِالْحَرَائِرِ ". {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} تَسْدِلُ الْخِمَارَ عَلَى جَيْبِهَا تَسْتُرُ بِهِ نَحْرَهَا {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} وَهَذِهِ الزِّينَةُ الْبَاطِنَةُ {إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} يَعْنِي: أَزْوَاجَهُنَّ إِلَى قَوْلِهِ: {أَوْ نسائهن} يَعْنِي: الْمُسْلِمَاتِ يَرَيْنَ مِنْهَا مَا يَرَى ذُو الْمَحْرَمِ، وَلَا تَرَى ذَلِكَ مِنْهَا الْيَهُودِيَّةُ وَلَا النَّصْرَانِيَّةُ وَلَا الْمَجُوسِيَّةُ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإربة} يَعْنِي: الْحَاجَةَ إِلَى النِّسَاءِ، تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: هُوَ الرَّجُلُ الْأَحْمَقُ الَّذِي لَا تَشْتَهِيهِ الْمَرْأَةُ، وَلَا يَغَارُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (غَيْرِ) بِالْخَفْضِ، فَعَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلتَّابِعِينَ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 الْمَعْنَى: لِكُلِّ تَابِعٍ غَيْرِ أُولِي الإربة، وَمن نصب (غير) فَعَلَى الْحَالِ؛ الْمَعْنَى: أَوِ التَّابِعِينَ لَا مُرِيدِينَ النِّسَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالِ. قَالَ يَحْيَى: فَهَذِهِ ثَلَاثُ حُرَمٍ بَعْضُهَا أَعْظَمُ مِنْ بَعْضٍ، مِنْهُنَّ الزَّوْجُ الَّذِي يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ [مِنْهَا] فَهَذِهِ حُرْمَةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ. وَمِنْهُنَّ: الْأَبُ، وَالِابْنُ، وَالْأَخُّ، وَالْعَمُّ، وَالْخَالُ، وَابْنُ الْأَخِ، وَابْنُ الْأُخْتِ، وَالرَّضَاعُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ؛ فَلَا يَحِلُّ لِهَؤُلَاءِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى الشَّعْرِ وَالصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَنْظُرُونَ إِلَى مَوْضِعِ الْقُرْطَيْنِ وَالْقِلَادَةُ وَالسِّوَارَيْنِ وَالْخُلْخَالَيْنِ. وَحُرْمَةٌ ثَالِثَةٌ فِيهِمْ أَبُو زوج، وَابْنُ الزَّوْجِ، وَالتَّابِعُ غَيْرُ أُولِي الْإِرْبَةَ وَمَمْلُوكُ الْمَرْأَةِ؛ لَا بَأْسَ أَنْ تَقُومَ بَيْنَ يَدَيْ هَؤُلَاءِ فِي دَرْعٍ صَفِيقٍ وَخِمَارٍ صَفِيقٍ بِغَيْرِ جِلْبَابٍ. قَوْلِهِ: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: من لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ وَلَا النِّكَاحَ. {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يخفين من زينتهن} قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَضْرِبُ بِرِجْلَيْهَا إِذَا مَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ لِيُسْمَعَ قَعْقَعَةُ الْخُلْخَالَيْنِ، فَنُهِينَ عَنْ ذَلِكَ. {وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا} مِنْ ذُنُوبِكُمْ {أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تفلحون} لكَي تُفْلِحُوا فتدخلوا الْجنَّة. سُورَة النُّور من (آيَة 32 آيَة 34). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم} يَعْنِي: كُلَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: امْرَأَةٌ أَيِّمٌ، وَرَجُلٌ أَيِّمٌ، وَرَجُلٌ أَرْمَلٌ، وَامْرَأَةٌ أَرْمَلَةٌ. {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} يَعْنِي: المملوكين الْمُسلمين {وَإِمَائِكُمْ} الْمُسْلِمَاتُ، وَهَذِهِ رُخْصَةٌ وَلَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ بِوَاجِبٍ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ وَعَبْدَهُ {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ الله من فَضله}. (يَحْيَى: عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: " اطْلُبُوا الْغِنَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ الله من فَضله} "). يَحْيَى: عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: " مَا رَأَيْتُ مِثْلَ رَجُلٍ لَمْ يَلْتَمِسِ الْغِنَى فِي الْبَاءَةِ، وَاللَّهُ يَقُولُ: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 الله من فَضله) { الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 2 - ! (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خيرا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: إِنْ عَلِمْتُمْ عِنْدَهُمْ مَالًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنْ عَلِمْتُمْ عِنْدَهُمْ صِدْقًا وَوَفَاءً وَأَمَانَةً. قَوْلُهُ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُم} قَالَ قَتَادَةُ: أَنْ يَتُرْكَ لَهُمْ طَائِفَة من مكسبته {وَلَا تكرهو فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [الْبغاء: الزِّنَا] {تَحَصُّنًا} أَيْ: عِفَّةً وَإِسْلَامًا. وَبَلَغَنَا عِنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَمَةٍ كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْن سَلُولٍ كَانَ يُكْرِهُهَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ يُرِيدُهَا لِنَفْسِهِ رَجَاءَ أَنْ تَلِدَ مِنْهُ، فَيَفْدِي وَلَدَهُ، فَذَلِك (ل 234) الْغَرَضُ الَّذِي كَانَ ابْنُ أُبَيِّ سلول يَبْتَغِي {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بعد إكراههن غَفُور رَحِيم} وَكَذَلِكَ هِيَ فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {وَمَثَلا مِنَ الَّذِينَ خلوا من قبلكُمْ} يَعْنِي: أَخْبَار الْأُمَم السَّابِقَة. سُورَة النُّور من (آيَة 35 آيَة 36) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَعْنِي: بِنُورِهِ يَهْتَدِي مَنْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض {مثل نوره} الَّذِي أَعْطَى الْمُؤْمِنَ فِي قَلْبِهِ {كمشكاة} تَفْسِيرُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الْمِشْكَاةُ: الْكُوَّةُ فِي الْبَيْتِ الَّتِي لَيْسَتَ بنافذة {فِيهَا مِصْبَاح} يَعْنِي: السِّرَاجَ {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} يَعْنِي: الْقِنْدِيلُ {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دري} أَيْ: مُنِيرٌ ضَخَمٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: من قَرَأَ (دري) بِلَا هَمْزٍ، فَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الدُّرِّ، وَمَنْ قَرَأَ (دُرِّيءٌ) بِالْهَمْزِ وَكَسْرِ الدَّالِ؛ فَهُوَ مِنَ النُّجُومِ الدراري. قَوْله: {يُوقد} يَعْنِي: الْمِصْبَاحَ {مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: لَا يَفِيءُ عَلَيْهَا ظِلُّ شَرْقٍ وَلَا غَرْبٍ هِيَ ضَاحِيَةٌ لَلشَّمْسِ، وَهِيَ أَصْفَى الزَّيْتِ وَأَعْذَبُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ فِي سَفْحِ جَبَلٍ {يَكَادُ زَيْتُهَا} يَعْنِي: الزُّجَاجَةَ {يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تمسسه نَار} وَهَذَا مِثْلُ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، يَكَادُ يَعْرِفُ الْحَقَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ فِيمَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْحَقِّ فِيمَا أَمَرَ بِهِ، وَفِيمَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ مَا يَنْهَى عَنْهُ {نُورٌ على نور} قَالَ مُجَاهِد: نور الزُّجَاجَةِ وَنُورُ الزَّيْتِ وَنُورُ الْمِصْبَاحِ؛ فَكَذَلِكَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ صَارَ نُورًا عَلَى نور. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ ترفع} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: أَنْ تُبْنَى؛ يَعْنِي: الْمَسَاجِدَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 يَحْيَى: عَنْ مَنْدَلِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام " مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ وَلَوْ مِثْلُ مِفْحَصِ قَطَاةٍ بُنِي لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} الْغُدُوُّ: صَلَاةُ الصُّبْحِ، وَالْآصَالُ: الْعَشِيُّ: الْظُهْرُ وَالْعَصْرُ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ، وَجَمِيع الصَّلَوَات الْخمس. سُورَة النُّور من (آيَة 37 آيَة 40) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بيع} التِّجَارَةُ: الْجَالِبُ [لِلْمَتَاعِ] وَالْبَيْعُ: الَّذِي يَبِيعُ عَلَى يَدَيْهِ {عَنْ ذِكْرِ الله} ذَكَرُ اللَّهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْأَذَانُ؛ كَانُوا إِذَا سَمِعُوا الْمُؤَذِّنَ تَرَكُوا بَيْعَهُمْ وَقَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ {وَأقَام الصَّلَاة} يَعْنِي: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ {وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} يَعْنِي: الْمَفْرُوضَةَ {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوب والأبصار} يَعْنِي: قُلُوبَ الْكُفَّارِ وَأَبْصَارَهُمْ، وَتَقَلُّبُ الْقُلُوبِ: أَنَّ الْقُلُوبَ انْتُزِعَتْ مِنْ أَمَاكِنِهَا، فَغَصَّتْ بِهَا الْحَنَاجِرُ فَلَا هِيَ تَرْجِعُ إِلَى أَمَاكِنِهَا وَلَا هِيَ تَخْرُجُ، وَأَمَّا تَقَلُّبُ الْأَبْصَارُ فَالزَّرَقُ بَعْدَ الْكَحَلِ، وَالْعَمَى بَعْدَ الْبَصَر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} (ثَوَابَ مَا عَمِلُوا) يَجْزِيَهُمْ بِهِ الْجنَّة {ويزيدهم من فَضله} فَأهل الحنة أَبَدًا فِي مَزِيدٍ {وَاللَّهُ يَرْزُقُ من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب} تَفْسِير بَعضهم: لَا يُحَاسِبُهُمْ أَبَدًا بِمَا أَعْطَاهُمُ الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهُوَ الْقَاعُ الْقَرْقَرَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 {يحسبه الظمآن} الْعَطْشَانُ {مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لم يجده شَيْئا} وَالْعَطْشَانُ مِثْلُ الْكَافِرِ وَالسَّرَابُ (مِثْلُ عَمَلِهِ؛ يَحْسَبُ أَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا حَتَّى يَأْتِيَهِ الْمَوْتُ؛ فَإِذَا جَاءَهُ الْمَوْتُ لَمْ يَجِدْ عَمَلَهُ أَغْنَى عَنْهُ شَيْئًا) إِلَّا كَمَا يَنْفَعُ السَّرَابُ الْعَطْشَانَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْقَيْعَةُ وَالْقَاعُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: مَا انْبَسَطَ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَبَاتٌ وَهُو الَّذِي أَرَادَ مُجَاهِد فَالَّذِي [يسير] فِيهِ نِصْفِ النَّهَارِ يَرَى كَأَنَّ فِيهِ مَاءً يَجْرِي، وَذَلِكَ هُوَ السَّرَابُ. قَوْلُهُ: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حسابه} يَعْنِي: ثَوَابَ عَمَلِهِ، وَهُوَ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} أَي: قد جَاءَ الْحساب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} أَي: عميق (ل 235) {يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوق بعض} يَعْنِي: ظُلْمَةُ الْبَحْرِ وَظُلْمَةُ السَّحَابِ وَظُلْمَةُ اللَّيْلِ، هَذَا مَثَلُ الْكَافِرِ؛ يَقُولُ: قَلْبُهُ مُظْلِمٌ فِي صَدْرٍ مُظْلِمِ فِي جَسَدٍ مُظْلِمٍ {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} من شدَّة الظلمَة. سُورَة النُّور من (آيَة 41 آيَة 43). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالطير صافات} بِأَجْنِحَتِهَا {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وتسبيحه} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: الصَّلَاةُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَالتَّسْبِيحُ [لِمَا سِوَى ذَلِكَ] مِنَ الْخَلْقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي} أَيْ: يُنْشِئُ {سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَينه} أَيْ: يَجْمَعُ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ {ثمَّ يَجعله ركاما} بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ {فَتَرَى الْوَدْقَ} يَعْنِي: الْمَطَرَ {يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} مِنْ خِلَالِ السَّحَابِ {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ برد} يُنَزِّلُ مِنْ تِلْكَ الْجِبَالِ الَّتِي هِيَ مِنْ بَرَدٍ {فَيُصِيبُ بِهِ من يَشَاء} فَيهْلك الزَّرْع {ويصرفه عَمَّن يَشَاء}. يَصْرِفُ ذَلِكَ الْبَرَدُ {يَكَادُ سَنَا برقه} أَي: ضوء برقه. سُورَة النُّور من (آيَة 44 آيَة 53). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 {يقلب الله اللَّيْل وَالنَّهَار} كَقَوْلِهِ: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل} هُوَ أَخْذُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا من صَاحبه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاء} يَعْنِي: النُّطْفَةَ {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي على بَطْنه} الْحَيَّةُ {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} أَيْ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَكثر من ذَلِك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 {وَيَقُولُونَ آمنا بِاللَّه} إِلَى قَوْله {معرضون} يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ، وَيُسِرُّونَ الشّرك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 {وَإِن يكن لَهُم الْحق} الْآيَةُ، تَفْسِيرُ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقُّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ؛ فَإِذَا قَالَ لَهُ: انْطَلِقْ مَعِي إِلَى النَّبِيِّ، فَإِنْ عَرَفَ أَنَّ الْحَقَّ لَهُ ذَهَبَ مَعَهُ، وَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ يَطْلُبُ بَاطِلًا أَبَى أَنْ يَأْتِي النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَأنْزل الله: {وَإِذا دعوا إِلَى الله} إِلَى قَوْله: {مذعنين} أَي: سرَاعًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 {أَفِي قُلُوبهم مرض} وَهُوَ الشّرك {أم ارْتَابُوا} شَكُّوا فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ؛ قَالَهُ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ {أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيف الله} أَي: يجوز الله {عَلَيْهِم وَرَسُوله} أَي: قد خَافُوا ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ويخش الله} فِيمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ {وَيَتَّقْهِ} فِيمَا بَقِيَ {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} أَي: الناجون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم} يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ {لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 إِلَى الْجِهَادِ، قَالَ اللَّهُ: {قُلْ لَا تقسموا} ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْكَلَامَ فَقَالَ: {طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أَيْ: طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ خَيْرٌ مِمَّا تُسِرُّونَ مِنَ النِّفَاقِ، وَهَذَا مِنَ الْإِضْمَار. سُورَة النُّور من (آيَة 54 آيَة 57). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ، ثُمَّ قَالَ: {فَإِنْ توَلّوا} يَعْنِي: فَإِنْ أَعْرَضْتُمْ عَنْهُمَا {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ} يَعْنِي: الرَّسُول {مَا حمل} مِنَ الْبَلَاغِ {وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} من طَاعَته {وَإِن تطيعوه} يَعْنِي: النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام {تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلَاغ الْمُبين} كَقَوْلِهِ: {وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} تَحْفَظُ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ حَتَّى تُجَازِيَهُمْ بهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتخْلف الَّذِي من قبلهم} مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم} أَيْ: سَيَنْصُرُهُمْ بِالْإِسْلَامِ؛ حَتَّى يُظْهِرَهُمْ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 فَيَكُونُوا الْحُكَّامَ عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ. يَحْيَى: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدٍ، عَنْ [سُلَيْمِ] بِنْ عَامِرٍ الْكَلَاعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: " لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ ذُلِّ ذَلِيلٍ؛ إِمَّا يُعِزُّهُمُ اللَّهُ فَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِهَا، وِإِمَّا يُذِلُّهُمْ فَيَدِينُونَ لَهَا " الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 مِنْ حَدِيثِ يحيى بْنِ مُحَمَّدٍ. {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} [يَقُولُ: مَنْ أَقَامَ عَلَى كُفْرِهِ بَعْدَ هَذَا الَّذِي أَنْزَلْتُ] يَعْنِي: فسق الشّرك (ل 236) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْض} أَيْ: لَا تَحْسَبَنَّهُمْ يَسْبِقُونَنَا حَتَّى لَا نقدر عَلَيْهِم فنحاسبهم. سُورَة النُّور (آيَة 58). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُم} هُمُ الْمَمْلُوكُونَ مِنَ الرِّجَالِ [وَالنِّسَاءِ] الَّذِينَ يَخِدْمُونَ الرَّجُلَ فِي بَيْتِهِ {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} يَعْنِي: الْأَطْفَالَ الَّذِينَ يُحْسِنُونَ الْوَصْفَ إِذَا رَأَوْا شَيْئًا {ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تضعون ثيابكم من الظهيرة} وَهُوَ نِصْفُ النَّهَارِ عِنْدَ الْقَائِلَةِ {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عورات لكم} فَلَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ الْكِبَارِ وَالَّذِينَ يُحْسِنُونَ الْوَصْفَ أَنْ يَدْخُلُوا إِلَّا بِإِذْنٍ، إِلَّا أَلَّا يَكُونَ لِلرَّجُلِ إِلَى أَهْلِهِ حَاجَةٌ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ إِذَا كَانَتْ لَهُ إِلَى أَهْلِهِ الْحَاجَةُ أَنْ يَطَأَ أَهْلَهُ وَمَعَهُ فِي الْبَيْتِ مِنْ هَؤُلَاءِ أَحَدٌ؛ فَلِذَلِكَ لَا يَدْخُلُونَ فِي هَذِه الثَّلَاث السَّاعَات إِلا بِإِذْنٍ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِم جنَاح بعدهن} مِنْ بَعْدِ هَذِهِ الثَّلاثِ سَاعَاتٍ، أَنْ تَدْخُلُوا بِغَيْرِ إِذْنٍ {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} أَيْ: يَطُوفُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ؛ أَيْ: يَدْخُلُونَ بِغَيْرِ إِذْنٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (طَوَّافُونَ) مَرْفُوع بِمَعْنى: هُوَ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ؛ أَيْ: يَطُوفُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ. سُورَة النُّور من (آيَة 59 آيَة 60). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 {فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قبلهم} يَعْنِي: من احْتَلَمَ {كَذَلِك} أَيْ: هَكَذَا {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاته وَالله عَلِيمٌ} بِخَلْقِهِ {حَكِيمٌ} فِي أَمْرِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يرجون نِكَاحا} أَيْ: قَدْ كَبِرْنَ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يُرِدْنَهُ {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بزينة} يَعْنِي: غَيْرَ مُتَزِيِّنَةٍ وَلَا مُتَشَوِّفَةٍ. قَالَ قَتَادَةُ: رَخَّصَ لِلَّتِي لَا تَحِيضُ، وَلَا تُحَدِّثُ نَفْسَهَا بِالْأَزْوَاجِ أَنْ تَضَعَ جِلْبَابَهَا، وَأَمَّا الَّتِي قَدْ قَعَدَتْ عَنِ الْمَحِيضِ وَلَمْ تَبْلُغْ هَذَا الْحَدَّ فَلَا {وَأَنْ يستعففن} يَعْنِي: اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا عَنْ تَرْكِ الْجِلْبَابِ {خَيْرٌ لَهُنَّ}. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْقَوَاعِدُ وَاحِدَتُهَا: قَاعِدٌ بِلا هَاءٍ؛ لِيُدَلَّ بِحَذْفِ الْهَاءِ عَلَى أَنَّهُ قُعُودُ الْكِبَرِ، كَمَا قَالُوا: امْرَأَةٌ حَامِلٌ بِلا هَاءٍ لِيُدَلَّ بِحَذْفِ الْهَاءِ عَلَى أَنَّهُ حَمْلُ حَبَلٍ، وَقَالُوا فِي غَيْرِ ذَلِكَ: قَاعِدَةٌ فِي بَيْتِهَا، وَحَامِلَةٌ على ظهرهَا. سُورَة النُّور (آيَة 61). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 {لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ قَالَ: مُنِعَتِ الْبُيُوتُ زَمَانًا كَانَ الرَّجُلُ لَا يَتَضَيَّفُ أَحَدًا وَلا يَأْكُلُ فِي بَيْتِ غَيره تأثما مِنْ ذَلِكَ. قَالَ يَحْيَي: بَلَغَنِي أَنَّ ذَلِكَ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة: {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} قَالَ قَتَادَةُ: فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ رَخَّصَ اللَّهُ لَهُ الْأَعْمَى وَالْأَعْرَجُ وَالْمَرِيضُ، ثُمَّ رَخَّصَ اللَّهُ لِعَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {أَو صديقكم} فَقَوْلُهُ: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} قَالَ بَعضهم: هم المملوكون الَّذِينَ هُمْ خَزَنَةٌ عَلَى بُيُوتِ مواليهم. وَقَوله: {صديقكم} قِيلَ لِلْحَسَنِ: الرَّجُلُ يَدْخُلُ عَلَى الرَّجُلِ يَعْنِي: صَدِيقَهُ فَيَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ وَيَرَى الْآخَرُ الشَّيْءَ مِنَ الطَّعَامِ فِي الْبَيْتِ؛ فَيَأْكُلُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: كُلْ مِنْ طَعَامِ أَخِيكَ. قَالَ يَحْيَى: لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيْتَ الابْن، فَرَأَيْت أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا قَالَ: " أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ " مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا من بُيُوتكُمْ}: إِنَّهُ أَرَادَ مِنْ أَمْوَالِ نِسَائِكُمْ وَمِنْ ضَيْعَةِ مَنَازِلِكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَو أشتاتا} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: قَالَ: كَانَ بَنُو كِنَانَةَ يَرَى أَحَدُهُمْ أَنَّ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ [وَحْدَهُ] فِي [الْجَاهِلِيَّةِ] حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لِيَسُوقُ [الذَّوْدَ الْحَفْلَ] وَهُوَ جَائِعٌ حَتَّى يجد من (ل 237) يُؤَاكِلُهُ وَيُشَارِبُهُ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَتَّخِذُ الْخَيَالَ إِلَى جَنْبِهِ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُؤَاكِلَ وَيُشَارِبَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلمُوا على أَنفسكُم} أَيْ: يُسَلِّمُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا دَخَلَ بَيْتًا لَا أَحَدَ فِيهِ فَلْيَقُلْ: سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. قَالَ قَتَادَةُ: حُدِّثْنَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَرُدُّ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَخَلَ عَلَى قَوْمٍ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِمْ سَلَّمَ وِإِنْ مَرَّ بِهِمْ أَوْ لَقِيَهُمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا وَاحِدًا سَلَّمَ عَلَيْهِ وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ سَلَامٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي؛ وَافْتَحْ لِي بَابَ رَحْمَتِكَ، فَإِنْ كَانَ مَسْجِدًا كَثِيرَ الْأَهْلِ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ يُسْمِعُ نَفْسَهُ، وَإِنْ كَانُوا قَلِيلًا أَسْمَعَهُمُ التَّسْلِيمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلَامُ عَلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا. يَحْيَى: عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: " إِنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَضَعَهُ فِي الْأَرْضِ؛ فَأَفْشُوهُ بَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ إِذَا مَرَّ بِالْقَوْمِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا عَلَيْهِ (كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِمْ فَضِيلَةُ دَرَجَةٍ؛ فَإِنَّهُ ذَكَّرَهُمُ السَّلَامَ، فَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ) مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَأَطْيَبُ: الْمَلَائِكَة ". سُورَة النُّور (آيَة 62). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يستأذنوه} يَسْتَأْذِنُوا الرَّسُولَ {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أَيْ: مُخْلِصُينَ غَيْرُ مُنَافِقِينَ {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْت مِنْهُم} وَذَكَرَ قَتَادَةُ: أَنَّهَا نَسَخَتِ الْآيَةَ فِي بَرَاءَةَ {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} وَهِي عِنْدَهُ فِي الْجِهَادِ؛ فَرَخَّصَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَأْذِنُوا إِذَا كَانَ لَهُم عذر. سُورَة النُّور من (آيَة 63 آيَة 64). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كدعاء بَعْضكُم بَعْضًا} قَالَ مُجَاهِدٌ: أَمْرَهَمُ أَنْ يَدْعُوهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ فِي لِينٍ وَتَوَاضُعٍ، وَلَا يَقُولُوا: يَا مُحَمَّدُ {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُم لِوَاذًا} يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ؛ يَلُوذُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ اسْتِتَارًا مِنَ النَّبِيِّ حَتَّى يَذْهَبُوا. قَالَ مُحَمَّدٌ: اللِّوَاذُ مَصْدَرٌ: لاوَذْتُ (فَعْلُ اثْنَيْنِ) وَلَوْ كَانَ مَصْدَرًا للذت لَكَانَ لِيَاذًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} عَنْ أَمْرِ اللَّهِ، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ {أَن تصيبهم فتْنَة} بَلِيَّةٌ {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أَنْ يَسْتَخْرِجَ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبهم من النافق حَتَّى يُظْهِرُوهُ شِرْكًا؛ فَيُصِيبَهُمْ بِذَلِكَ الْقَتْل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 {أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} يَعْنِي: الْمُنَافِقين {وَيَوْم يرجعُونَ إِلَيْهِ} يرجع إِلَيْهِ الْمُنَافِقين يَوْم الْقِيَامَة {فينبئهم بِمَا علمُوا} مِنَ النِّفَاقِ وَالْكُفْرِ {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْء عليم}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 تَفْسِيرُ سُورَةِ الْفُرْقَانِ وَهِي مَكِيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَة الْفرْقَان من (آيَة 1 آيَة 6). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 قَوْله: {تبَارك} [هُوَ مِنَ] الْبَرَكَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَعْنَى الْبَرَكَةُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: الْكَثْرَةُ فِي كُلِّ ذِي خَيْرٍ. {الَّذِي نزل الْفرْقَان} يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَفُرْقَانُهُ: حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ: سُمِّيَ فُرْقَانَا؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ يَحْيَى. {على عَبده} يَعْنِي: مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام {ليَكُون للْعَالمين} يَعْنِي: الْإِنْس وَالْجِنّ {نذيرا} يُنْذِرُهُمْ عَذَابَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِن لم يُؤمنُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 (وَاتَّخذُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 من دونه) {من دون الله} (آلِهَة} يَعْنِي: الأَوْثَانَ {لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وهم يخلقون} أَيْ: يَصْنَعُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ كَقَوْلِهِ: {أَتَعْبُدُونَ مَا تنحتون} {وَلَا يملكُونَ لأَنْفُسِهِمْ} يَعْنِي: الأَوْثَانَ {ضَرًّا وَلا نَفْعًا} {الْآيَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 2 - ! (إِنْ هَذَا} يعنون: الْقُرْآن {إِلَّا أفك} {كذب} (افتراه} اختلفه؛ يَعْنُونَ: مُحَمَّدًا {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} قَالَ الْكَلْبِيّ: يعنون عبد ابْن الْحَضْرَمِيِّ وَعَدَّاسًا غُلَامَ عُتْبَةَ. قَالَ: {فقد جَاءُوا ظلما} أَي: شركا {وزورا} كذبا. (ل 238) قَالَ مُحَمَّدٌ: نَصْبُ (ظُلْمًا وَزُورًا) عَلَى مَعْنَى: فَقَدْ جَاءُوا بِظُلْمٍ ويزور، فَلَمَّا سَقَطَتِ الْبَاءُ عُدِّيَ الْفِعْلُ فنصب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 {وَقَالُوا أساطير الْأَوَّلين} أَي: أَحَادِيث الْأَوَّلين {اكتتبها} مُحَمَّد بن عبد ابْن الْحَضْرَمِيِّ وَعَدَّاسٍ {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بكرَة وَأَصِيلا}. قَالَ مُحَمَّد: (أساطير) خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف؛ الْمَعْنى: وَقَالُوا: الَّذِي جَاءَ بِهِ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وَوَاحِد الأساطير: أسطورة. سُورَة الْفرْقَان من (آيَة 7 آيَة 11). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 {وَقَالُوا مَال هَذَا الرَّسُول} فِيمَا يَدَّعِي {يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق لَوْلَا} هَلَّا {أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَه نذيرا} يصدقهُ بمقالته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 {أَو يلقى إِلَيْهِ كنز} فَإِنَّهُ فَقِيرٌ {أَوْ تَكُونُ لَهُ جنَّة يَأْكُل مِنْهَا}. قَالَ مُحَمَّدٌ: تَأْوِيلُ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ وَنصب (فَيكون) عَلَى الْجَوَابِ بِالْفَاءِ، وَلَا يَجُوزُ النصب فِي {تكون لَهُ} لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ الْمَعْنَى: لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ أَو يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جنَّة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ} يَعْنِي: قَوْلَهُمْ: إِنْ هَذَا إِلا إفْك افتراه، وَقَوْلهمْ: {أساطير الْأَوَّلين} وَقَوْلهمْ: {مَال هَذَا الرَّسُول} إِلَى قَوْله: {مسحورا}. {فضلوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا} يَعْنِي: مَخْرَجًا مِنَ الْأَمْثَالِ الَّتِي ضروا لَك؛ فِي تَفْسِير مُجَاهِد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار} وَإِنَّمَا قَالُوا: هِيَ جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ {وَيجْعَل لَك قصورا} مَشِيدَةً فِي الدُّنْيَا، وَهَذَا عَلَى مقرإ مَنْ لَمْ يَرْفَعْهَا، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ؛ فَالْمَعْنَى: وَسَيَجْعَلُ لَكَ قُصُورًا فِي الْآخِرَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ بِالْجَزْمِ، فَهُوَ عَلَى جَوَابِ الْجَزَاءِ؛ الْمَعْنَى: إِنْ يَشَأْ يَجْعَلْ لَكَ جَنَّاتٍ، وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا فِي الْآخِرَةِ. سُورَة الْفرْقَان من (آيَة 12 آيَة 16). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} مَسِيرَةَ خَمْسِمَائَةِ سَنَةٍ {سَمِعُوا لَهَا تغيظا} عَلَيْهِم {وزفيرا} صَوتا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقرنين} تَفْسِير قَتَادَة: ذكر لنا أَن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَقُولُ: " إِنَّ جَهَنَّمَ لَتَضِيقُ عَلَى الْكَافِرِ؛ كَضِيقِ الزُّجِّ عَلَى الرَّمْحِ ". وَمعنى (مُقرنين): يُقْرَنُ هُوَ وَشَيْطَانُهُ الَّذِي كَانَ يَدْعُوهُ إِلَى الضَّلَالَةِ فِي سِلْسِلَةٍ وَاحِدَةٍ، يَلْعَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَيَتَبَرَّأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} يَعْنِي: وَيْلًا وَهَلَاكًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: (ثبورا) نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ؛ كَأَنَّهُمْ قَالُوا: ثبرنا ثبورا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 {لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادعوا ثبورا كثيرا}. قَالَ مُحَمَّد: (ثبورا) لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عَلَى لَفْظِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ مصدر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 {أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ} قَالَهُ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: أَنَّ جَنَّةَ الْخُلْدِ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 {كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولا} سَأَلَ الْمُؤْمِنُونَ اللَّهَ الْجَنَّةَ؛ فَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهَا. سُورَة الْفرْقَان من (آيَة 17 آيَة 20). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عبَادي هَؤُلَاءِ} عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُضِلُّوهُمْ. قَالَ مُجَاهِدٌ: يقَوْلُهُ لِعِيسَى وَعُزَيْرٍ وَالْمَلَائِكَةِ {أَمْ هُمْ ضلوا السَّبِيل} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 {قَالُوا سُبْحَانَكَ} يُنَزِّهُونَ اللَّهَ عَنْ ذَلِكَ {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ من دُونك من أَوْلِيَاء} أَيْ: لَمْ نَكُنْ نُوَالِيهِمْ عَلَى عِبَادَتِهِمْ إِيَّانَا {وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ} فِي عَيْشِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِغَيْرِ عَذَاب {حَتَّى نسوا الذّكر} حَتَّى تَرَكُوا الذِّكْرَ لَمَّا جَاءَهُمْ فِي الدُّنْيَا {وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} أَيْ: هُلْكًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: رَجُلٌ بُورٌ، وَقُوْمٌ بُورٌ؛ لَا يُجْمَعُ وَلَا يُثَنَّى. هَذَا الِاخْتِيَارُ فِيهِ، وَأَصْلُ الْبَائِرِ: الْفَاسِدُ؛ يُقَالُ: أَرْضٌ بَائِرَةٌ؛ أَيْ: مَتْرُوكَةٌ مِنْ أَنْ يُزْرَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 فِيهَا شَيْءٌ، وَبَارَتِ الْأَيِّمُ: إِذَا لم يرغب فِيهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 {فقد كذبوكم بِمَا تَقولُونَ} أَنهم آلِهَة {فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صرفا وَلَا نصرا} لَا تَسْتَطِيعُ لَهُمْ آلِهَتُهُمْ صَرْفًا للعذاب وَلَا نصرا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاق} وَهَذَا جَوَاب للْمُشْرِكين (ل 239) حِينَ قَالُوا: مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ؟! {وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة} تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: يَعْنِي: الْأَنْبِيَاءَ وَقَوْمَهُمْ {أَتَصْبِرُونَ} يَعْنِي: الرُّسُلَ عَلَى مَا يَقُولُ لَهُمْ قَوْمُهُمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: فِي هَذَا إِضْمَارٌ: أَتَصْبِرُونَ اصْبِرُوا؛ كَذَلِكَ قَالَ ابْن عَبَّاس. سُورَة الْفرْقَان من (آيَة 22 آيَة 26). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} يَعْنِي: لَا يَخْشَوْنَ الْبَعْثَ {لَوْلا} هلا {أنزل علينا الْمَلَائِكَة} فَيَشْهَدُوا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ {أَوْ نرى رَبنَا} مُعَايَنَةً؛ فَيُخْبِرُنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ: {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أنفسهم} الْآيَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 {يَوْم يرَوْنَ الْمَلَائِكَة} وَهَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ {لَا بُشْرَى يَوْمئِذٍ للمجرمين} للْمُشْرِكين بِالْجنَّةِ {وَيَقُولُونَ حجرا محجوزا} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: حَرَامًا مُحَرَّمًا عَلَى الْكَافِرِينَ الْبُشْرَى يَوْمَئِذٍ بِالْجَنَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 قَالَ مُحَمَّد: (يَوْم يرَوْنَ) مَنْصُوبٌ عَلَى مَعْنَى: يَقُولُونَ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ، ثُمَّ أَخْبَرَ فَقَالَ: {لَا بشرى} الْآيَةُ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْحَرَامِ: حِجْرٌ؛ لِأَنَّهُ حُجِرَ عَلَيْهِ بِالتَّحْرِيمِ، ثُمَّ يُقَالُ: حَجَّرْتُ حِجْرًا، وَاسْمُ مَا حجرت عَلَيْهِ حجر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 {وَقدمنَا} أَيْ: عَمِدْنَا {إِلَى مَا عَمِلُوا من عمل} أَيْ: حَسَنٍ {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} فِي الْآخِرَةِ. تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: هُوَ الشُّعَاعُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْكُوَّةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاحِدُ الْهَبَاءِ: هَبَاءَةٌ، وَالْهَبَاءُ: الْمُنْبَثُّ مَا سَطَعَ مِنْ سَنَابِكِ الْخَيْلِ، وَهُوَ مِنَ الْهُبْوَةِ والهبوة: الْغُبَار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 {وَأَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا} مِنْ مُسْتَقَرِّ الْمُشْرِكِينَ {وَأَحْسَنُ مَقِيلا} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 {وَيَوْم تشقق السَّمَاء بالغمام} هَذَا بَعْدَ الْبَعْثِ فَتَرَاهَا وَاهِيَةً مُتَشَقِّقَةً كَقَوْلِهِ: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أبوابا} وَيَكُونُ الْغَمَامُ سُتْرَةً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض {وَنزل الْمَلَائِكَة تَنْزِيلا} مَعَ الرَّحْمَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 {الْملك يَوْمئِذٍ الْحق للرحمن} يَقُولُ: تَخْضَعُ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَئِذٍ لِمُلْكِ الله، والجبابرة لجبروت الله. سُورَة الْفرْقَان من (آيَة 27 آيَة 32). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 {وَيَوْم يعَض الظَّالِم} يَعْنِي: أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ {عَلَى يَدَيْهِ} أَيْ: يَأْكُلُهَا نَدَامَةً. قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ يَحْضُرُ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَزَجَرَهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ عَنْ ذَلِكَ، فَهُو قَوْلُ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ فِي الْآخِرَةِ. {يَا لَيْتَني اتَّخذت مَعَ الرَّسُول} يَعْنِي: مُحَمَّدًا {سَبِيلا} إِلَى الله باتباعه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فلَانا خَلِيلًا} يَعْنِي: عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 {لقد أضلني عَن الذّكر} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} قَالَ اللَّهُ: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خذولا} يَأْمُرُهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، ثُمَّ يَخْذُلُهُ فِي الْآخِرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قومِي} يَعْنِي: مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ {اتَّخذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: يَقُولُ: يَهْجُرُونَ بِالْقَوْلِ فِيهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ: جَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ الْهَجْرِ، وَالْهَجْرُ: الْهَذَيَانُ وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنَ الْقَوْلِ؛ يُقَالُ: فُلَانٌ يَهْجُرُ فِي مَنَامه؛ أَي: يهذي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا من الْمُجْرمين} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ يُعَزِّي نَبِيَّهُ {وَكَفَى بِرَبِّك هاديا} إِلَى دينه {ونصيرا} للْمُؤْمِنين على أعدائهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 {وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَوْلَا} هلا {نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة} أَيْ: كَمَا نَزَلَ عَلَى مُوسَى وَعَلَى عِيسَى، قَالَ اللَّهُ: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا} يَعْنِي: وبيناه تبيينا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 سُورَة الْفرْقَان من (آيَة 33 آيَة 39). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَ فِي ثَلَاثٍ وَعشْرين سنة {وَلَا يأتوك بِمثل} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ فِيمَا كَانُوا يُحَاجُّونَهُ بِهِ {إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرا} تبيينا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 {أُولَئِكَ شَرّ مَكَانا} مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ {وَأَضَلُّ سَبِيلا} طَرِيقًا فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُمْ إِلَى النَّارِ وَطَرِيقُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْجنَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} أَيْ: عَوْنًا وَعَضُدًا وَشَرِيكًا فِي الرسَالَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 {فدمرناهم} أَي: فكذبوهما {فدمرناهم تدميرا} أهلكناهم إهلاكا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 {وَقوم نوح} أَيْ: وَأَهْلَكْنَا قَوْمَ نُوحٍ {لَمَّا كذبُوا الرُّسُل} يَعْنِي: نوحًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 {وعادا وثمودا} أَي: وأهلكنا عادا وثمودا {وَأَصْحَاب الرس} قَالَ مُجَاهِدٌ: الرَّسُّ بِئْرٌ كَانَ عَلَيْهَا نَاسٌ. قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهُمْ شُعَيْبٌ [وَأَنَّهُ] أُرْسِلَ إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ، وَإِلَى [أهل] الرُّسُل جَمِيعًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 {وقرونا بَين ذَلِك كثيرا} أَيْ: وَأَهْلَكْنَا قُرُونًا يَعْنِي: أُمَمًا. قَالَ قَتَادَةُ: الْقَرْنُ: سَبْعُونَ سَنَةً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 {وكلا} يَعْنِي: مَنْ ذُكِرَ مِمَّنْ مَضَى (ل 240) {ضربنا بِهِ الْأَمْثَال} أَيْ: خَوَّفْنَاهُمُ الْعَذَابَ {وَكُلًّا تَبَّرْنَا} أهلكنا {تتبيرا} إهلاكا بتكذيبهم رسلهم. سُورَة الْفرْقَان: من (آيَة 40 43). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 {وَلَقَد أَتَوا} يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ {عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أمْطرت مطر السوء} يَعْنِي: قَرْيَةَ قَوْمِ لُوطٍ، وَمَطَرُ السَّوْءِ: الْحِجَارَةُ الَّتِي رُمِيَ بِهَا مِنَ السَّمَاءِ مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلُ السَّفَرِ مِنْهُمْ قَالَ: {أفلم يَكُونُوا يرونها} فَيَتَفَكَّرُوا وَيَحْذَرُوا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ؛ أَيْ: بَلَى قَدْ أَتَوْا عَلَيْهَا وَرَأَوْهَا. {بَلْ كَانُوا لَا يرجون} لَا يخَافُونَ {نشورا} بعثا وَلَا حسابا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 {لَوْلَا أَن صَبرنَا عَلَيْهَا} عَلَى عِبَادَتِهَا، قَالَ اللَّهُ: {وَسَوْفَ يعلمُونَ حِين يرَوْنَ الْعَذَاب} إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ {مَنْ أضلّ سَبِيلا} أَيْ: مَنْ كَانَ أَضَلَّ سَبِيلًا فِي الدُّنْيَا؛ أَيْ: سَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَضَلَّ سَبِيلًا مِنْ مُحَمَّدٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 قَالَ مُحَمَّدٌ: يَقُولُ: يَتَّبِعُ هَوَاهُ وَيَدَعُ الْحَقَّ؛ فَهُوَ لَهُ كَالْإِلَهِ {أفأنت تكون عَلَيْهِ وَكيلا} حَفِيظًا تَحْفَظُ عَلَيْهِ عَمَلَهُ حَتَّى تُجَازِيَهُ بِهِ؛ أَيْ: أَنَّكَ لَسْتَ بِرَبّ، إِنَّمَا أَنْت نَذِير. سُورَة الْفرْقَان من (آيَة 44 آيَة 49). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَو يعْقلُونَ} يَعْنِي: جَمَاعَةَ الْمُشْرِكِينَ {إِنْ هُمْ إِلَّا كالأنعام} فِيمَا يَعْبُدُونَهُ {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا} يَعْنِي: أَخطَأ طَرِيقا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مد الظل} مَدَّهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنا} أَيْ: دَائِمًا لَا يَزُولُ {ثُمَّ جعلنَا الشَّمْس عَلَيْهِ} أَي: على الظل {دَلِيلا} أَيْ: تَتَلُوهُ وَتَتْبَعُهُ حَتَّى تَأْتِي عَلَيْهِ [كُله] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 {ثمَّ قبضناه} يَعْنِي: الْظِلَّ {إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} أَي: يَسِيرا علينا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لباسا} يَعْنِي: سَكَنًا يَسْكُنُ فِيهِ الْخَلْقُ {وَالنَّوْم سباتا} يُسَبِتُ النَّائِمَ حَتَّى لَا يَعْقِلَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصْلُ السَّبْتِ: الرَّاحَةُ. {وَجعل النَّهَار نشورا} يُنْشَرُ فِيهِ الْخَلْقُ لِمَعَايِشِهِمْ وَحَوَائِجِهِمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 (وَهُوَ الَّذِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 أَرْسَلَ الرِّيَاحَ نُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} يَعْنِي: الْمَطَرَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (نُشُرًا) بِالضَّمِّ جَمْعُ: نَشُورٍ؛ مِثْلَ: رَسُولٌ وَرُسُلٌ. {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاء} يَعْنِي: الْمَطَر {طهُورا} لِلْمُؤْمِنِينَ يَتَطَهَّرُونَ بِهِ مِنَ الْأَحْدَاثِ والجنابة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 {لنحيي بِهِ بَلْدَة مَيتا} يَعْنِي: الْيَابِسَ الَّتُي لَا نَبَاتَ فِيهَا. قَالَ مُحَمَّد: (مَيتا) وَلَفْظُ (الْبَلْدَةِ) مُؤَنَّثٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْبَلَدِ وَالْبَلْدَةِ وَاحِدٌ. {وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خلقنَا أنعاما وأناسي كثيرا} قَالَ مُحَمَّد: (أناسي) جَمْعُ إِنْسِيٍّ؛ مِثْلُ: كُرْسِيٍّ وَكَرَاسِيَّ. سُورَة الْفرْقَان من (آيَة 50 آيَة 55). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 {وَلَقَد صرفناه بَينهم} أَيْ: قَسَمْنَاهُ؛ يَعْنِي: الْمَطَرَ؛ مَرَّةً لِهَذِهِ الْبَلْدَةِ، وَمَرَّةً لِبَلْدَةٍ أُخْرَى {لِيذكرُوا} بِهَذَا الْمَطَرِ؛ فَيَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ الْمَطَرِ الَّذِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 يَعِيشُ بِهِ الْخَلْقُ، وَيَنْبُتُ بِهِ النَّبَاتُ فِي الْأَرْضِ الْيَابِسَةِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى {فَأَبَى أَكثر النَّاس إِلَّا كفورا} قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَة نذيرا} رَسُولا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 {فَلَا تُطِع الْكَافرين} فِيمَا يَنْهَوْنَكَ عَنْهُ مِنْ طَاعَةِ الله {وجاهدهم بِهِ} بِالْقُرْآنِ، وَهَذَا الْجِهَادُ بِاللِّسَانِ مِنْ قبل أَن يُؤمر بقتالهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 {وَهُوَ الَّذِي مرج الْبَحْرين} أَيْ: أَفَاضَ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ {هَذَا عذب فرات} أَيْ: حُلْوٌ {وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} أَيْ: مُرٌّ {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} أَيْ: حَاجِزًا لَا يُرَى؛ لَا يَغْلِبُ الْمَالِحُ عَلَى الْعَذْبِ، وَلَا الْعَذْبُ عَلَى الْمَالِحِ. {وَحِجْرًا مَحْجُورًا} حَرَامًا مُحَرَّمًا أَنْ يَغْلِبَ أَحَدُهُمَا على الآخر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بشرا} خَلَقَ مِنَ النُّطْفَةِ إِنْسَانًا {فَجَعَلَهُ نسبا وصهرا}. قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي: قَرَابَةَ النَّسَبِ وقرابة النِّكَاح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 {وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا} أَيْ: عَوِينًا؛ يَقُولُ: يُظَاهِرُ الشَّيْطَانَ على ترك أَمر ربه. سُورَة الْفرْقَان من (آيَة 56 آيَة 62). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا مبشرا} بِالْجنَّةِ {وَنَذِيرا} مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِن لم يُؤمنُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ} عَلَى الْقُرْآنِ {مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى ربه سَبِيلا} يَقُولُ: إِنَّمَا جِئْتُكُمْ بِالْقُرْآنِ لِيَتَّخِذَ بِهِ مَنْ آمَنَ بِرَبِّهِ سَبِيلًا بِطَاعَتِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 {الرَّحْمَن فاسأل بِهِ خَبِيرا} أَيْ: خَبِيرًا [بِالْعِبَادِ]. قَالَ مُحَمَّدٌ: من قَرَأَ (الرَّحْمَن) بِالرَّفْعِ فَعَلَى الِابْتِدَاءِ (وَالْخَبَرُ {فَاسْأَلْ بِهِ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرنَا وَزَادَهُمْ نفورا} أَيْ: زَادَهُمْ قَوْلُهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ) (ل 241) نفورا عَن الْقُرْآن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بروجا} (أَيْ: نُجُومًا؛ يَعْنِي: نَفْسَهُ جَلَّ وَعز) {وَجعل فِيهَا سِرَاجًا} يَعْنِي: الشَّمْس {وقمرا منيرا} مضيئا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَو أَرَادَ شكُورًا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَقُولُ: مَنْ عَجَزَ فِي اللَّيْلِ كَانَ لَهُ فِي النَّهَارِ مُسْتَعْتَبٌ، وَمَنْ عَجَزَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 النَّهَارِ كَانَ لَهُ فِي اللَّيْلِ مُسْتَعْتَبٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {خِلْفَةً} يَعْنِي: يخلف هَذَا هَذَا، وَمِثْلُهُ قَوْلُ زُهَيرٍ: (بِهَا الْعِينُ وَالْآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وَأَطْلَاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ) الرِّيمُ: وَلَدُ الظَّبْيِ، وَجَمْعُهُ آرَامُ، يَقُولُ: إِذَا ذهب فَوْج جَاءَ فَوْج. سُورَة الْفرْقَان من (آيَة 63 آيَة 67). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْض هونا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: مَدَحَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَذَمَّ الْمُشْرِكِينَ؛ فَقَالَ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} أَيْ: حِلْمًا، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ لَسْتُمْ بِحُلَمَاءَ، وَالْهَوْنُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: اللَّيِنُ وَالسَّكِينَةُ. {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} تَفْسِير مُجَاهِد قَالُوا: سدادا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} يَعْنِي: يُصَلُّونَ، وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ لَا تُصَلُّونَ. قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ، فَهُوَ مِنَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لرَبهم سجدا وقياما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 {إِن عَذَابهَا كَانَ غراما} أَيْ: لِزَامًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْغَرَامُ فِي اللُّغَةِ: أَشَدُّ الْعَذَابِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ مُغْرَمٌ بِالنِّسَاءِ؛ أَيْ: مهلك بِهن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 {إِنَّهَا ساءت مُسْتَقرًّا ومقاما} أَيْ: بِئْسَ الْمُسْتَقَرُّ هِيَ وَالْمَنْزِلُ. قَالَ مُحَمَّد: (مُسْتَقرًّا ومقاما) مَنْصُوبَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ؛ الْمَعْنَى: أَنَّهَا ساءت فِي المستقر وَالْمقَام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: الْإِسْرَافُ: النَّفَقَةُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، والإِقْتَارُ: الْإِمْسَاكُ عَنْ حَقِّ اللَّهِ. {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قواما} وَهِذِهِ نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ. سُورَة الْفرْقَان من (آيَة 68 آيَة 71). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 {وَالَّذين لَا يدعونَ} أَيْ: لَا يَعْبُدُونَ {مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخر} قَالَ الْحَسَنُ: خَافَ قَوْمٌ أَنْ يُؤْخَذُوا بِمَا عَمِلُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ وَذَكَرُوا الْفَوَاحِشَ، وَقَالُوا: قَدْ قَتَلْنَا وَفَعَلْنَا؛ فَأَنْزَلَ الله {وَالَّذين لَا يدعونَ} أَيْ: لَا يَعْبُدُونَ {مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} يَعْنِي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 بعد إسْلَامهمْ {وَلَا يزنون} يَعْنِي: بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِك يلق أثاما} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: نكالا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 {يُضَاعف لَهُ الْعَذَاب}. قَالَ مُحَمَّدٌ: تَأْوِيلُ الْأَثَامِ فِي اللُّغَةِ: الْمُجَازَاةُ عَلَى الشَّيْءِ، يُقَالُ: قَدْ لَقِيَ أَثَامَ ذَلِكَ؛ أَيْ جَزَاءَ ذَلِكَ، وَمَنْ قَرَأَ {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَاب} بِالْجَزْمِ فَلِأَنَّ مُضَاعَفَةَ الْعَذَابِ لَقْيُ الْأَثَامِ. وَمَنْ قَرَأَ: (يُضَاعَفُ) بِالرَّفْعِ فَعَلَى مَعْنَى التَّفْسِيرِ؛ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ: مَا لَقْيُ الْأَثَامِ، فَقِيلَ: يُضَاعف للآثم الْعَذَاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عملا صَالحا} قَالَ قَتَادَةُ: {إِلا مَنْ تَابَ} أَيْ: رَجَعَ مِنْ ذَنْبِهِ {وَآمَنَ} بربه {وَعمل صَالحا} فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ {فَأُولَئِكَ يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} فَأَمَّا التَّبْدِيلُ فِي الدُّنْيَا: فَطَاعَةُ اللَّهِ بَعْدَ عِصْيَانِهِ، وَذِكْرُ اللَّهِ بعد نسيانه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوب إِلَى الله متابا} أَيْ: يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ إِذَا تَابَ قبل الْمَوْت. سُورَة الْفرْقَان من (آيَة 72 آيَة 77). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} الشّرك {وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ} الْبَاطِلِ وَهُو مَا فِيهِ الْمُشْرِكُونَ {مروا كراما} أَي: لَيْسُوا من أَهله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صمًّا وعميانا} أَيْ: لَمْ يَصُمُّوا عَنْهَا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 وَلم يعموا عَنْهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} أَيْ: يَرَوْنَهُمْ مُطِيعِينَ لِلَّهِ {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتقين إِمَامًا} يؤتم بِنَا فِي الْخَيْر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 {أُولَئِكَ يجزون الغرفة} كَقَوْلِهِ: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}. {ويلقون فِيهَا تَحِيَّة وَسلَامًا} التَّحِيَّة: السَّلَام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 {قل مَا يعبؤا بكم} مَا يَفْعَلُ بِكُمْ {رَبِّي لَوْلا دعاؤكم} لَوْلَا توحيدكم {فقد كَذبْتُمْ} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} أَيْ: أَخْذًا بِالْعَذَابِ يَعِدُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ؛ فَأَلْزَمَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ عُقُوبَةَ كُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ فَعَذَّبَهُمْ بِالسَّيْفِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 تَفْسِيرُ سُورَةِ طسم الشُّعَرَاءِ وَهِيَ مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم سُورَة الشُّعَرَاء من (آيَة 1 آيَة 9). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 قَوْله: {طسم} قَالَ الْحَسَنُ: لَا أَدْرِي مَا تَفْسِيرُهَا، غَيْرَ أَنَّ قَوْمًا مِنَ السَّلَفِ كَانُوا يَقُولُونَ فِيهَا: أَسْمَاءُ السُّور وفواتحها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 {تِلْكَ آيَات الْكتاب} هَذِه آيَات الْقُرْآن {الْمُبين} الْبَين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 {لَعَلَّك باخع نَفسك} أَيْ: قَاتِلٌ نَفْسَكَ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْقُرْآنَ؛ أَيْ: فَلَا تفعل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاء آيَة فظلت أَعْنَاقهم} يَعْنِي: فَصَارَتَ أَعْنَاقُهُمْ {لَهَا خَاضِعِينَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ، فَهَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (فظلت) مَعْنَاهُ: فَتَظَلُّ أَعْنَاقُهُمْ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَقَعُ فِيهِ لَفْظُ الْمَاضِي فِي مَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ؛ تَقُولُ: إِنْ تَأْتِنِي أكرمتك؛ مَعْنَاهُ: أكرمك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 {وَمَا يَأْتِيهم من ذكر} يَعْنِي: الْقُرْآنَ (مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 معرضين} يَقُولُ: كُلَّمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْء جَحَدُوا بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 {فقد كذبُوا فسيأتيهم} {فِي الْآخِرَة} (أنباء) {أَخْبَار} (مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون} فِي الدُّنْيَا؛ يَقُولُ: فَسَيَأْتِيهِمْ تَحْقِيقُ ذَلِك الْخَبَر بدخولهم النَّار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 {أَو لم يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} يَعْنِي: مِنْ كُلِّ صِنْفٍ حَسَنٍ؛ فالواحد مِنْهُ زوج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 {إِن فِي ذَلِك لآيَة} لَمَعْرِفَةً بِأَنَّ الَّذِي أَنْبَتَ هَذِهِ الْأَزْوَاجَ فِي الْأَرْضِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى {وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين} يَعْنِي: مَنْ مَضَى مِنَ الْأُمَمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 {وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز} فِي نقمته {الرَّحِيم} بِخَلْقِهِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَتَتِمُّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَهُوَ مَا أَعْطَاهُ فِي الدُّنْيَا، فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا رَحْمَةُ الدُّنْيَا؛ فَهِيَ زائلة عَنهُ. سُورَة الشُّعَرَاء من (آيَة 10 آيَة 18). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يكذبُون ويضيق صَدْرِي} وَلَا ينشرح يتبليغ الرِّسَالَةِ فَشَجِّعْنِي؛ حَتَّى أُبَلِّغَهَا. {وَلا ينْطَلق لساني} لِلْعُقْدَةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ. يُقْرَأُ بِالرَّفْعِ: (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لساني)، وَبِالنَّصْبِ: (وَيَضِيقَ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقَ لِسَانِي) أَيْ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونَ، وَأَخَافُ أَنْ يَضِيقَ صَدْرِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 وَلَا يَنْطَلِقَ لِسَانِي. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَنْ قَرَأَهُمَا بِالرَّفْعِ فَعَلَى الِابْتِدَاءِ. {فَأرْسل إِلَى هَارُون} [كَقَوْلِه] {وأشركه فِي أَمْرِي} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 {وَلَهُم عَليّ ذَنْب} أَيْ: وَلَهُمْ عِنْدِي؛ يَعْنِي: الْقِبْطِيَّ الَّذِي قَتَلَهُ خَطَأً حَيْثُ وَكَزَهُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 قَالَ الله: {كلا} أَيْ: لَيْسُوا بِالَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَتْلِكَ؛ حَتَّى تُبَلِّغَ عَنِّي الرِّسَالَةَ، ثمَّ اسْتَأْنف الْكَلَام فَقَالَ: {فاذهبنا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالمين} يُقُوْلُهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ، وَهِيَ كَلِمَةٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: مَنْ كَانَ رُسُولَكَ إِلَى فُلَانٍ؟ فَيَقُولُ: فُلَانٌ، وَفُلَانٌ، وَفُلَانٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الرَّسُولُ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْجَمِيعِ؛ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ يَحْيَى، وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى الرِّسَالَةِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرُ: (لَقَدْ كَذِبَ الْوَاشُونَ مَا فُهْتُ عِنْدَهُمْ ... بِسُوءٍ وَلَا أَرْسَلْتُهُمْ بِرَسُولِ) أَيْ: بِرِسَالَةٍ؛ فَمَنْ تَأَوَّلَ: (إِنَّا رَسُولُ) عَلَى مَعْنَى: رِسَالَةٍ، يَقُولُ: الْمَعْنَى: إِنَّا ذَوَا رِسَالَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} فَلَا تَمْنَعْهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ، وَلَا تَأْخُذ مِنْهُم الْجِزْيَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} أَيْ: عِنْدَنَا صَغِيرًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا دَخَلَ مُوسَى عَلَى فِرْعَونَ عَرَفَهُ عَدُوُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ لِمَ تَدَّعِ هَذِهِ النُّبُوَّةَ. سُورَة الشُّعَرَاء من (آيَة 19 آيَة 22). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 {وَفعلت فعلتك الَّتِي فعلت} يَعْنِي: وَقَتَلْتَ النَّفْسَ الَّتِي قَتَلْتَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْأَجْوَدُ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْأَكْثَر: (وَفعلت فعلتك) بِفَتْحِ الْفَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ: قَتَلْتَ النَّفْسَ قَتْلَتَكَ؛ عَلَى مَذْهَبِ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَة. {وَأَنت من الْكَافرين} يَعْنِي: لِنِعْمَتِنَا، أَيْ: إِنَّا رَبَّيْنَاكَ صَغِيرا، وأحسنا إِلَيْك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالّين} (ل 243) تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: يَعْنِي: مِنَ الْجَاهِلِينَ، وَكَذَلِكَ هِيَ فِي بعض الْقِرَاءَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 {فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا} يَعْنِي: النُّبُوَّة {وَجَعَلَنِي من الْمُرْسلين} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عبدت بني إِسْرَائِيل} مُوسَى يَقُولُهُ لِفِرْعَوْنَ، أَرَادَ: أَلَّا يُسَوِّغَ عَدُوَّ اللَّهِ مَا امْتَنَّ بِهِ عَلَيْهِ؛ يَقُولُ: أَتَمُنُّ عَلَيَّ بِأَنِ اتَّخَذْتَ قَوْمِي عَبِيدًا وَكَانُوا أَحْرَارًا، وَأَخَذْتَ أَمْوَالَهُمْ فَأَنْفَقْتَ عَلَيَّ مِنْهَا وَرَبَّيْتَنِي بِهَا، فَأَنَا أَحَقُّ بِأَمْوَالِ قَوْمِي مِنْكَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْله: {عبدت} يُقَالُ مِنْهُ: عَبْدٌ مُعَبَّدٌ وَمُسْتَعْبَدٌ، وَعَبَّدْتُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 الْغُلَامَ وَأَعْبَدْتُهُ؛ أَيْ: اتَّخَذْتُهُ عَبْدًا. وَقَالَ حَاتِمٌ: (إِذَا كَانَ بَعْضُ الْمَالِ رَبًّا لِأَهْلِهِ ... فَإِنِّي بِحَمْدِ الله مَالِي معبد) سُورَة الشُّعَرَاء من (آيَة 23 آيَة 51). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 قَوْله: {قَالَ فِرْعَوْن إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ} فِيمَا يَدَّعِي {لَمَجْنُونٌ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} قَدْ مَضَى تَفْسِيرُ قِصَّتِهِمْ فِي سُورَة الْأَعْرَاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 {قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبنَا منقلبون}. قَالَ مُحَمَّد: {لَا ضير} وَهْوَ مِنْ: ضَارَهُ يَضُورُهُ وَيُضِيرُهُ؛ بِمَعْنَى: ضَرَّهُ؛ أَيْ: لَا ضَرَرَ عَلَيْنَا فِيمَا يَنَالُنَا فِي الدُّنْيَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 {إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبنَا خطايانا أَن كُنَّا} بِأَن كُنَّا {أول الْمُؤمنِينَ} من السَّحَرَة. سُورَة الشُّعَرَاء من (آيَة 52 آيَة 68). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بعبادي إِنَّكُم متبعون} أَي: يتبعكم فِرْعَوْن وَقَومه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 {إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ} أَيْ: هُمْ قَلِيلٌ فِي كَثِيرٍ. قَالَ مُحَمَّد: معنى {شرذمة}: طَائِفَةٌ، وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ: الْقِلَّةُ. قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ قَطَعَ مُوسَى بِهِمُ الْبَحْر كَانُوا سِتّمائَة أَلْفَ مُقَاتِلٍ. قَالَ الْحَسَنُ: سِوَى الْحَشَمِ. وَكَانَ مُقَدِّمَةُ فِرْعَوْنَ أَلْفَ أَلْفِ حِصَانٍ، وَمِائَتَيْ أَلْفِ حِصَانٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حذرون} وتقرأ: {حاذرون}. قَالَ مُحَمَّد: والحاذر عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: الْمُسْتَعِدُّ، وَالْحَذِرُ: المتيقظ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ} أَي: أَمْوَال {ومقام كريم} منزل حسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 {كَذَلِك} أَيْ: هَكَذَا كَانَ الْخَبَرُ. ثُمَّ انْقَطَعَ الْكَلَامُ، ثُمَّ قَالَ: {وَأَوْرَثْنَاهَا بني إِسْرَائِيل} رَجَعُوا إِلَى مِصْرَ بَعْدَ مَا أَهْلَكَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ؛ فِي تَفْسِير الْحسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 {فأتبعوهم مشرقين} يَعْنِي: حِينَ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ؛ رَجَعَ إِلَى أَوَّلِ الْقِصَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 قَالَ مُحَمَّد: معنى {اتَّبَعُوهُمْ}: لَحِقُوهُمْ، وَيُقَالُ: أَشْرَقْنَا؛ أَيْ: دَخَلْنَا فِي الشُّرُوقِ؛ كَمَا يُقَالُ: أَمْسَيْنَا وَأَصْبَحْنَا: دَخَلْنَا فِي الْمَسَاءِ وَالصَّبَاحِ، وَيُقَالُ: شَرُقَتِ الشَّمْسُ إِذَا طَلَعَتْ، وأشرقت إِذا أَضَاءَت وصفت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 {فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ} جَمْعُ مُوسَى وَجَمْعُ فِرْعَوْنَ {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 {قَالَ} مُوسَى {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سيهدين} إِلَى الطَّرِيق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بعصاك الْبَحْر} جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَى فَرَسٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَضْرِبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ؛ فَضَرَبَهُ {فانفلق} الْبَحْرُ {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيم} وَالطَّوْدُ: الْجَبَلُ. قَالَ قَتَادَةُ: صَارَ اثْنَى عَشْرَ طَرِيقًا لِكُلِّ سِبْطٍ طَرِيقٌ، وَصَارَ مَا بَيْنَ كُلِّ طَرِيقَيْنِ مِنْهُ مِثْلُ الْقَنَاطِيرِ يَنْظُرُ بَعضهم إِلَى بعض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 {وأزلفنا ثمَّ الآخرين} قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: أَدْنَيْنَا فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ إِلَى الْبَحْرِ. قَالَ قَتَادَةُ: يُقَالُ: أَزْلَفَنِي كَذَا؛ أَيْ: أَدْنَانِي مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 {إِن فِي ذَلِك لآيَة} لَعِبْرَةً لِمَنِ اعْتَبَرَ وَحَذِرَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ مَا نَزَلَ بِهِمْ. سُورَة الشُّعَرَاء من (آيَة 69 آيَة 83). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 {فَنَظَلُّ لَهَا عاكفين} أَيْ: نَصِيرُ مُقِيمِينَ عَلَى عِبَادَتِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَو ينفعونكم أَو يضرون} أَي: أَنَّهَا لَا تسمع ولاتنفع وَلَا تضر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالمين} أَيْ: إِلَّا مَنْ عَبَدَ رَبَّ الْعَالَمِينَ مِنْ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِي بِعَدُوٍ؛ هَذَا تَفْسِيرُ الْحسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 {الَّذِي خلقني فَهُوَ يهدين} يَعْنِي: الَّذِي خلقني وهداني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 {وَالَّذِي أطمع} وَهَذَا طَمَعُ يَقِينٍ {أَنْ يَغْفِرَ لي خطيئتي} يَعْنِي: قَوْله: {إِنِّي سقيم} وَقَوْلَهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وَقَوْلَهُ لِسَارَّةَ: إِنْ سَأَلُوكِ فَقُولِي أَنَّك أُخْتِي {يَوْم الدّين} يُرِيدُ: يَدِينُ اللَّهُ النَّاسَ فِيهِ بأعمالهم (ل 244) أَي: يجازيهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 {رب هَب لي حكما} أَيْ: ثَبِّتْنِي عَلَى النُّبُوَّةِ {وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} يَعْنِي أهل الْجنَّة. سُورَة الشُّعَرَاء من (آيَة 84 آيَة 104) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين} فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينٍ إِلا وهم يتولونه وَيُحِبُّونَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْجَنَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 {وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالّين} قَالَ هَذَا فِي حَيَاةِ أَبِيهِ، وَكَانَ فِي طَمَعٍ مِنْ أَنْ يُؤْمِنَ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ يَدْعُ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 {إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سليم} من الشّرك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 {وأزلفت الْجنَّة} أَي: أدنيت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 {وبرزت الْجَحِيم} أظهرت {للغاوين} للْمُشْرِكين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 {وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبدُونَ من دون الله} يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ مِنْ عَبَدُوا مِنْ دُونِ الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 {هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ} يَعْنِي: هَلْ يَمْنَعُونَكُمْ مِنْ عَذَابِ الله؟ {أَو ينتصرون} يمتنعون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 {فكبكبوا فِيهَا} أَيْ: قُذِفُوا فِيهَا؛ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {هم والغاوون} يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: {فَكُبْكِبُوا} أَصْلُهُ: كُبِّبُوا؛ مِنْ قَوْلِكَ: كَبَبْتُ الْإِنَاءَ، فَأُبْدِلَ مِنَ الْبَاءِ الْوُسْطَى كَافًا؛ اسْتِثْقَالًا لِاجْتِمَاعِ ثَلَاثِ بَاءَاتٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 {قَالُوا} قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلشَّيَاطِينِ {وَهُمْ فِيهَا يختصمون} وَخُصُومَتُهُمْ تَبَرُّؤُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، وَلعن بَعضهم بَعْضًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 {تالله إِن كُنَّا} فِي الدُّنْيَا. أَيْ: لَقَدْ كُنَّا فِي الدُّنْيَا {لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} بَين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 {إِذْ نسويكم بِرَبّ الْعَالمين} أَي: نتخذكم آلِهَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 {وَمَا أضلنا إِلَّا المجرمون} يَعْنِي: الشَّيَاطِين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 {فَمَا لنا من شافعين} يَشْفَعُونَ لَنَا الْيَوْمَ عِنْدَ اللَّهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 {وَلَا صديق حميم} قَرِيبِ الْقَرَابَةِ، فَيَحْمِلَ عَنَّا؛ كَمَا كَانَ يَحْمِلُ الْحَمِيمُ عَنْ حَمِيمِهِ فِي الدُّنْيَا؛ قَالُوا هَذَا حِينَ شُفِعَ لِلْمُذْنِبِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَأُخْرِجُوا مِنْهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 {فَلَو أَن لنا كرة} رَجْعَةً إِلَى الدُّنْيَا {فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤمنِينَ}. سُورَة الشُّعَرَاء من (آيَة 105 آيَة 122). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 {كذبت قوم نوح الْمُرْسلين} يَعْنِي: نوحًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ} أَخُوهُمْ فِي النَّسَبِ، وَلَيْسَ بِأَخِيهِمْ فِي الدّين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 {وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ} عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ الْهدى {أجرا}. {إِن أجري} ثَوَابِي {إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ} يَعْنِي: السفلة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 {قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} أَيْ: بِمَا يَعْمَلُونَ، إِنَّمَا نَقْبَلُ مِنْهُمُ الظَّاهِرَ، وَلَيْسَ لِي بِبَاطِنِ أَمرهم علم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: بِالْحِجَارَةِ فَلَنَقْتُلَنَّكَ بِهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 {فافتح بيني وَبينهمْ فتحا} أَيْ: اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ قَضَاءً؛ وَهَذَا حِينَ أُمِرَ بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ، فاستجيب لَهُ فأهلكهم الله. سُورَة الشُّعَرَاء من (آيَة 123 آيَة 140). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 {أتبنون} عَلَى الاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: قَدْ فَعَلْتُمْ {بِكُل ريع} بِكُلِّ فَجٍّ {آيَةً} أَيْ: عَلَمَا {تعبثون} أَيْ: تَلْعَبُونَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الرِّيعُ: الِارْتِفَاعُ مِنَ الْأَرْضِ. قَالَ الشَّمَّاخُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 (سَقَى دَارَ سُعْدَى حَيْثُ شَطَّ بِهَا النَّوَى ... فَأُنْعِمَ مِنْهَا كُلُّ ريع وفدفد) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 قَوْله: {وتتخذون مصانع} يَعْنِي: الْقُصُورَ؛ وَيُقَالُ: مَصَانِعَ (لِلْمَاءِ) {لَعَلَّكُمْ تخلدون} فِي الدُّنْيَا؛ أَيْ: لَا تَخْلُدُونَ فِيهَا، وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ (كَأَنَّكُمْ خَالدُونَ). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 {وَإِذا بطشتم} بِالْمُؤْمِنِينَ {بطشتم جبارين} يَعْنِي: قتالين بِغَيْر حق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 {إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ} يَقُولُ: خُلُقُهُمُ الْكَذِبُ، وَتُقْرَأُ: إِنْ هَذَا إِلَّا (خَلْقُ الْأَوَّلِينَ) أَيْ: هَكَذَا كَانَ الْخَلْقُ قَبْلَنَا وَنَحْنُ مِثْلُهُمْ، عَاشُوا مَا عَاشُوا، ثُمَّ مَاتُوا وَلَا بَعْثٌ عَلَيْهِمْ وَلَا حِسَاب. سُورَة الشُّعَرَاء من (آيَة 141 آيَة 159). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 {أتتركون فِيمَا هَاهُنَا آمِنين} عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: لَا تُتْرَكُونَ فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 {ونخل طلعها هضيم} هَشِيمٌ؛ أَيْ: إِذَا مُسَّ تَهَشَّمَ للينه؛ هَذَا تَفْسِير مُجَاهِد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: شَرِهِينَ وَهُوَ من شَره النَّفس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 {إِنَّمَا أَنْت من المسحرين} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ: يَعْنِي: مِنَ الْمَسْحِورِينَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: كَأَنَّهُ فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَلذَلِك شدد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 {مَا أَنْتَ إِلَّا بَشْرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقين} قَالُوا لَهُ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ نَاقَةً، وَكَانَتْ صَخْرَةً يَحْلِبُونَ عَلَيْهَا اللَّبَنَ فِي سَنَتِهِمْ؛ فَدَعَا اللَّهَ فتصدعت الصَّخْرَة (ل 245) فَخَرَجَتْ مِنْهَا نَاقَةٌ عَشْرَاءُ فَنَتَجَتْ فَصِيلًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: (عَشْرَاءُ) يَعْنِي: حَامِلا قريبَة الْولادَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلكم شرب يَوْم مَعْلُوم} كَانَتْ تَشْرَبُ الْمَاءَ يَوْمًا وَيَشْرَبُونَهُ يَوْمًا؛ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ شِرْبِهَا شَرِبَتْ مَاءَهُمْ كُلَّهُ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ شِرْبِهِمْ كَانَ لِأَنْفُسِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ وَأَرْضِهِمْ، وَكَانَ سَبَبُ عَقْرِهِمْ إِيَّاهَا: كَانَتْ تَضُرُّ بِمَوَاشِيهِمْ كَانَتِ الْمَوَاشِي إِذَا رَأَتْهَا هَرَبَتْ مِنْهَا؛ فَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ صَافَتِ النَّاقَةُ بِظَهْرِ الْوَادِي فِي بَرْدِهِ وَخَصْبِهِ، وَهَبَطَتْ مَوَاشِيهِمْ إِلَى بَطْنِ الْوَادِي فِي جَدْبِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 وَحَرِّهِ، وَإِذَا كَانَ الشِّتَاءُ شَتَّتِ النَّاقَةُ فِي بَطْنِ الْوَادِي فِي دِفْئِهِ وَخَصْبِهِ، وَصَعَدَتْ مَوَاشِيهِمْ إِلَى ظَهْرِ الْوَادِي فِي جَدْبِهِ وَبَرْدِهِ؛ حَتَّى أَضَرَّ ذَلِكَ بِمَوَاشِيهِمْ لِلْأَمْرِ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ، فَبَيْنَمَا قَوْمٌ مِنْهُمْ يَوْمًا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، فَفَنِيَ الْمَاءُ الَّذِي يَمْزِجُونَ بِهِ، فَبَعَثُوا رَجُلًا؛ لِيَأْتِيَهُمْ بِالْمَاءِ، وَكَانَ يَوْمُ شِرْبِ النَّاقَةِ فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ بِغَيْرِ مَاءٍ، وَقَالَ: حَالَتِ النَّاقَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَاءِ {ثُمَّ بَعَثُوا آخَرَ؛ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تَنْتَظِرُونَ؛ فَقَدْ أَضَرَّتْ بِنَا وَبِمَوَاشِينَا؟} فَانْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَقَتَلَهَا، وَتَصَايَحُوا وَقَالُوا: عَلَيْكُمُ الْفَصِيلَ. وَصَعَدَ الْفَصِيلُ الْجَبَلَ فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ}. قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَن صَالِحًا حِينَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْعَذَابَ يَأْتِيهِمْ لَبِسُوا الْأَنْطَاعَ وَالْأَكْسِيَةَ وَاطَّلَوْا، وَقَالَ لَهُمْ: آيَةُ ذَلِكَ أَنْ تَصْفَرَّ وُجُوهُكُمْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَتَحْمَرَّ فِي الثَّانِي، وَتَسْوَدَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ. فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ اسْتَقْبَلَ الْفَصِيلُ الْقِبْلَةَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، أُمِّي {يَا رَبِّ، أُمِّي} يَا رَبِّ، أُمِّي! فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهُمُ الْعَذَابَ عِنْدَ ذَلِك. سُورَة الشُّعَرَاء من (آيَة 160 آيَة 175). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 قَوْلُهُ: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ ربكُم من أزواجكم} يَعْنِي: أَقْبَالُ النِّسَاءِ {بَلْ أَنْتُمْ قوم عادون} أَي: مجاوزون لأمر الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لوط لتكونن من المخرجين} من قريتنا؛ أَي: نقتلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} يَعْنِي: المبغضين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 {إِلَّا عجوزا فِي الغابرين} يَعْنِي: الْبَاقِينَ فِي عَذَابِ اللَّهِ. سُورَة الشُّعَرَاء من (آيَة 176 آيَة 183). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 {كذب أَصْحَاب ليكة الْمُرْسلين} وَالْأَيْكَةُ: الْغَيْضَةُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَرَاءَةُ أَهْلِ الْمَدْيِنَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَهِي سُورَةِ " ص " بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَقَدْ ذَكَرْتُ مَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْفَرْقِ، بَيْنَ لَيْكَةِ وَالْأَيْكَةِ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 سُورَة الْحجر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ المخسرين} يَعْنِي: المنتقصين لحقوق النَّاس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 {وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم} يَعْنِي: الْعدْل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 {وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم} أَيْ: لَا تَنْقُصُوهُمُ الَّذِي لَهُمْ، وَكَانُوا أَصْحَابَ نُقْصَانٍ فِي الْمِيزَانِ {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} قد مضى تَفْسِيره. سُورَة الشُّعَرَاء من (آيَة 184 آيَة 191). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ} يَعْنِي: الخليقة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} أَي: قطعا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 {فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة} قَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا أَهْلَ غَيْضَةٍ وَشَجَرٍ، وَكَانَ أَكْثَرَ شَجَرِهِمُ الدَّوْمُ، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْحَرَّ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فَكَانَ لَا يُكِنُّهُمْ ظِلٌ، وَلَا يَنْفَعُهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ سَحَابَةً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 فَلَجَئُوا تَحْتَهَا يَلْتَمِسُونَ الرَّوْحَ؛ فَجَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَذَابًا، جَعَلَ تِلْكَ السَّحَابَةُ نَارًا، فَاضْطَرَمَتْ عَلَيْهِمْ، فَأَهْلَكَهُمُ بذلك. سُورَة الشُّعَرَاء من (آيَة 192 آيَة 204). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 {وَإنَّهُ لتنزيل رب الْعَالمين} يَعْنِي: الْقُرْآن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 {نزل بِهِ الرّوح الْأمين} يَعْنِي: جِبْرِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 {على قَلْبك} يَا مُحَمَّد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 {وَإنَّهُ لفي زبر الْأَوَّلين} كُتُبِ الْأَوَّلِينَ؛ يَقُولُ: نَعْتُ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ فِي كُتُبِهِمْ؛ يَعْنِي: التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 {أَو لم يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل} يَعْنِي: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ؛ أَيْ: قَدْ كَانَ لَهُمْ فِي إِيمَانِهِمْ بِهِ آيَة. (يكن) تُقْرَأُ بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ. فَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّاءِ، قَالَ: (آيَةٌ) بِالرَّفْعِ؛ أَيْ: قَدْ كَانَتْ لَهُمْ آيَةٌ، وَمَنْ جَعَلَهَا عَمَلًا فِي بَابِ كَانَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ: (آيَةً) بِالنَّصْبِ، جَعَلَهَا عَمَلًا لِكَانَ، وَالِاسْمُ (أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 يُعلمهُ (ل 246) وَمَنْ قَرَأَ {آيَةٌ} بِالرَّفْعِ جَعَلَهَا اسْمًا لِكَانَ وَ (أَنْ يَعْلَمَهُ) خَبَرُهَا وَعَمَلُهَا، وَهَذَا الَّذِي أَرَادَ يحيى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ} يَقُولُ: لَوْ أَنْزَلْنَاهُ بِلِسَانٍ أَعْجَمِيٍّ إِذًا لَمْ يَفْقَهُوهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الأعجمين جَمْعُ أَعْجَمَ، وَالْأُنْثَى عَجْمَاءُ؛ يُقَالُ: رَجُلٌ أَعْجَمُ؛ إِذَا كَانَتْ فِي لِسَانِهِ عُجْمَةٌ، وَإِنْ كَانَ عَرَبِيَّ اللِّسَانِ، وَرَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ إِذَا كَانَ مِنَ الْعَجَمِ وَإِنْ كَانَ فَصِيحُ اللِّسَان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 {كَذَلِك سلكناه} أَيْ: سَلَكْنَا التَّكْذِيبَ بِهِ {فِي قُلُوب الْمُجْرمين} الْمُشْركين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 {لَا يُؤمنُونَ بِهِ} بِالْقُرْآنِ {حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} يَعْنِي: قيام السَّاعَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 {فيقولوا} عِنْدَ ذَلِكَ: {هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ} أَيْ: مَرْدُودُونَ إِلَى الدُّنْيَا فَنُؤْمِنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 {أفبعذابنا يستعجلون} أَي: قد استعجلوا بِهِ. سُورَة الشُّعَرَاء من (آيَة 205 آيَة 220). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُم مَا كَانُوا يوعدون} يَعْنِي: الْعَذَابَ {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا منذرون} أَيْ: إِلَّا مِنْ بَعْدِ الْحُجَّةِ وَالرسل والإعذار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 {ذكرى وَمَا كُنَّا ظالمين} أَيْ: مَا كُنَّا لِنُعَذِّبَهُمْ إِلَّا مِنْ بَعْدِ الْبَيِّنَةِ وَالْحُجَّةِ. قَالَ مُحَمَّد: {ذكرى} قَدْ تَكُونُ نَصْبًا وَتَكُونُ رَفْعًا، فَالنَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ عَلَى مَعْنَى: {إِلَّا لَهَا منذرون}؛ أَيْ: مُذَكِّرُونَ ذِكْرًا، وَالرَّفْعُ عَلَى مَعْنَى: إِنْذَارُنَا ذِكْرَى؛ أَيْ: تَذْكِرَةٌ؛ يُقَالُ: ذَكَّرْتُهُ ذِكْرَى بِأَلِفِ التَّأْنِيثِ، وذكرا وتذكيرا وَتَذْكِرَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 {الشَّيَاطِينُ وَمَا تنزلت بِهِ} يَعْنِي: الْقُرْآن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 {وَمَا يَنْبَغِي لَهُم} أَنْ يَنْزِلُوا بِهِ؛ أَيْ: لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 {إِنَّهُم عَن السّمع لمعزولون} وَكَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ يَسْتَمِعُونَ أَخْبَارًا مِنْ [أَخْبَارِ] السَّمَاءِ، فَأَمَّا الْوَحْيُ فَلَمْ يَكُونُوا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَسْمَعُوهُ؛ فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَّلَّمَ مُنِعُوا مِنْ تِلْكَ الْمَقَاعِدَ الَّتِي كَانُوا يَسْتَمِعُونَ فِيهَا، إِلَّا مَا يَسْتَرِقُ أَحَدُهُمْ فَيُرْمَى بِالشِّهَابِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: " أَن رَسُول اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام خَرَجَ حَتَّى قَامَ عَلَى الصَّفَا وَقُرَيْشٌ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 الْمَسْجِدِ، ثُمَّ نَادَى: يَا صَبَاحَاهُ {فَفَزِعَ النَّاسُ فَخَرَجُوا، فَقَالُوا: مَا لَكَ يَا ابْنَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ؟} فَقَالَ: يَا آلَ غَالِبٍ. قَالُوا: هَذِهِ غَالِبٌ عِنْدَكَ. ثُمَّ نَادَى يَا آلَ لُؤَيٍّ. ثُمَّ نَادَى يَا آلَ مُرَّةَ. ثُمَّ نَادَى يَا آلَ كَعْبٍ. ثُمَّ نَادَى يَا آلَ قُصَيٍّ. فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: أَنْذَرَ الرَّجُلُ عَشِيرَتَهُ الْأَقْرَبِينَ انْظُرُوا مَاذَا يُرِيدُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: هَؤُلَاءِ عَشِيرَتُكَ قَدْ حَضَرُوا فَمَا تُرِيدُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنْذَرْتُكُمْ أَنَّ جَيْشًا يُصْبِحُونَكُمْ أَصَدَّقْتُمُونِي؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أُنْذِرُكُمُ النَّارَ، وَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَنْفَعَةً، وَلَا مِنَ الْآخِرَةِ نَصِيبًا، إِلَّا أَنْ تَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ {تَبَّتْ يَدَا أبي لَهب} فَتَفَرَّقَتْ عَنْهُ قُرَيْشٌ وَقَالُوا: مَجْنُونٌ يهذي من أم رَأسه ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤمنِينَ} كَقَوْلِهِ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لنت لَهُم}. قَالَ مُحَمَّد: من كَلَام الْعَرَب: اخْفِضْ جَنَاحَكَ؛ يَعْنِي: أَلِنْ جَنَاحَكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 {فَإِن عصوك} يَعْنِي: الْمُشْركين {فَقل إِنِّي برِئ مِمَّا تَعْمَلُونَ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 {الَّذِي يراك حِين تقوم} فِي الصَّلَاة وَحدك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 {وتقلبك فِي الساجدين} يَعْنِي: فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ؛ فِي تَفْسِير بَعضهم. سُورَة الشُّعَرَاء من (آيَة 221 آيَة 227). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 {هَل أنبئكم} أَلَا أُنَبِّئُكُمْ {عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِين} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} يَعْنِي: الكهنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 {يلقون السّمع} كَانَتِ الشَّيَاطِينُ تَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ تَسْتَمِعُ، ثُمَّ تَنْزِلُ إِلَى الْكَهَنَةِ فَتُخْبِرُهُمْ، فَتُحَدِّثُ الْكَهَنَةُ بِمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ، وَتَخْلِطُ بِهِ الْكَهَنَةُ كَذِبًا كَثِيرًا، فَيُحَدِّثُونَ بِهِ النَّاسَ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ سَمْعِ السَّمَاء، فَيكون حَقًا، و [أما] مَا [كَانَ] خَلَطُوا بِهِ مِنَ الْكَذِبِ يَكُونُ كَذِبًا {وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} يَعْنِي: جَمَاعَتهمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} يَعْنِي: الشَّيَاطِين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَاد} أَيْ: مِنْ أَوْدِيَةِ الْكَذِبِ {يَهِيمُونَ}. قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي: يذهبون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} قَالَ قَتَادَة: (ل 247) يَعْنِي: يَمْدَحُ قَوْمًا بِبَاطِلٍ، وَيَذُمُّ قوما بباطل، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ: {إِلا الَّذِينَ آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات}. قَالَ قَتَادَةُ: اسْتَثْنَى اللَّهُ الشُّعَرَاءَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؛ مِنْهُمْ: حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ {وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظلمُوا} أَيْ: انْتَصَرُوا بِالْكَلَامِ؛ يَعْنِي: [هَجَوْا] عَنِ نَبِيِّ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظَلَمَهُمُ الْمُشْرِكُونَ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظلمُوا} أَشْرَكُوا مِنَ الشُّعَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ {أَيَّ مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} مِنْ بَيْنِ يَدَيِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَة؛ أَي: أَنهم سَيَنْقَلِبُونَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ إِلَى النَّار. قَالَ مُحَمَّد: {إِي} بِالنَّصْبِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَسْمَاءِ الِاسْتِفْهَامِ، لَا يَعْمَلُ فِيهَا مَا قَبْلَهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 تَفْسِيرُ سُورَةِ النَّمْلِ وَهِي مَكِيَّةُ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَة النَّمْل من (آيَة 1 آيَة 6) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 قَوْله: {طس تِلْكَ آيَات الْقُرْآن وَكتاب مُبين} بَين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 {هدى وبشرى للْمُؤْمِنين} يَهْتَدُونَ بِهِ، ويبشرون بِالْجنَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 {الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة} يَعْنِي: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ يُحَافِظُونَ عَلَى وُضُوئِهَا وَمَوَاقِيتِهَا وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة} الْمَفْرُوضَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 {وَإنَّك لتلقى الْقُرْآن} أَي: لتأخذه {من لدن} أَي: من عِنْد {حَكِيمٌ} فِي أَمْرِهِ {عَلِيمٌ} بِخَلْقِهِ؛ يَعْنِي: نَفسه تبَارك وَتَعَالَى. سُورَة النَّمْل من (آيَة 7 - آيَة 13). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 {إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهله}. قَالَ مُحَمَّدٌ: قِيلَ: الْمَعْنَى: اذْكُرْ إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ. {إِنِّي آنست نَارا} أَيْ: أَبْصَرْتُ {سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} الطَّرِيقُ وَكَانَ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ {أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تصطلون} لِكَيْ تَصْطَلُوا. قَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ ذِي نُورٍ فَهُوَ شِهَابٌ فِي اللُّغَةِ، وَالْقَبَسُ: النَّارُ تُقْتَبَسُ؛ تَقُولُ: قَبَسْتُ النَّارَ قَبْسًا، وَاسْمُ مَا قبست: قبس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ} بِأَنْ بُورِكَ {مَنْ فِي النَّارِ} يَعْنِي: نَفْسَهُ، وَلَمْ تَكُنْ نَارًا، وَإِنَّمَا كَانَ ضَوْءُ نُورِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَكَانَ مُوسَى يَرَى أَنَّهَا نَار {وَمن حولهَا} يَعْنِي: الْمَلَائِكَةَ، وَهِيَ فِي مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: " نُودِيَ أَنْ بوركت النَّار وَمن حولهَا ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ولى مُدبرا} من الْفرق {وَلم يعقب} يَعْنِي: وَلَمْ يَرْجِعْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ هَاهُنَا {كَأَنَّهَا جَان} وَالْجَانُ: الصَّغِيرُ مِنَ الْحَيَّاتِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {فَإِذَا هِيَ ثعبان مُبين} وَالثُّعْبَانُ: الْكَبِيرُ مِنَ الْحَيَّاتِ. قِيلَ: فَالْمَعْنَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ خَلْقَهَا خَلْقُ الثُّعْبَانِ الْعَظِيمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 وَاهْتِزَازَهَا وَحَرَكَتَهَا كَاهْتِزَازِ الْجَانِّ؛ وَهَذَا مِنْ عَظِيمِ الْقُدْرَةِ. {يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لدي المُرْسَلُونَ} أَي: عِنْدِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 {إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حسنا بعد سوء} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ فِي الْآخِرَةِ وَفِي الدُّنْيَا {إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيم} أَيْ: فَإِنَّهُ لَا يَخَافُ عِنْدِي. وَكَانَ مُوسَى مِمَّنْ ظَلَمَ، ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوْءٍ، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ؛ وَهُوَ قَتْلُ ذَلِكَ الْقِبْطِيِّ لَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُ، وَلَكِنْ تَعَمَّدَ وَكْزَهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {إِلَّا من ظلم} قِيلَ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ لَيْسَ مِنَ الْأَوَّلِ؛ الْمَعْنَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -: لَكِنْ مَنْ ظَلَمَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَغَيْرِهِمْ، ثمَّ تَابَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 {وَأدْخل يدك} أَيْ: فِي جَيْبِكَ؛ أَيْ: فِي جَيْبِ قَمِيصِكَ {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غير سوء} قَالَ الْحَسَنُ: أَخْرَجَهَا - وَاللَّهِ - كَأَنَّهَا مِصْبَاح {فِي تسع آيَات} يَعْنِي: يَدَهُ، وَعَصَاهُ، وَالطُّوفَانَ، وَالْجَرَادَ، وَالْقُمَّلَ، وَالضَّفَادِعَ، وَالدَّمَ، وَالسِّنِينَ، وَنَقْصَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَوله: {فِي تسع} أَي: من تسع {فِي} بِمَعْنى (من). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 {فَلَمَّا جَاءَتْهُم آيَاتنَا مبصرة} أَي: بَيِّنَة. سُورَة النَّمْل (آيَة 14). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 {وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم} أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، قَالَ قَتَادَةُ: وَالْجَحْدُ لَا يَكُونُ إِلَّا من بعد الْمعرفَة {ظلما} لأَنْفُسِهِمْ {وعلوا}. قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي: تَرَفُّعًا عَنْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} كَانَ عاقبتهم أَن دمر الله عَلَيْهِم ثمَّ صيرهم إِلَى النَّار. سُورَة النَّمْل من (آيَة 15 - آيَة 19). (ل 248) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 {وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِمَا من الْمُؤمنِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 {وَورث سُلَيْمَان دَاوُد} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: وَرِثَ نُبُوَّتَهُ وَمُلْكَهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لِدَاوُدَ تِسْعَةَ عَشْرَ وَلَدًا، فَوَرِثَ سُلَيْمَانُ مَنْ بَيْنِهِمْ نُبُوَّتَهُ وَمُلْكَهُ. {وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} يَعْنِي: كُلُّ شَيْءٍ أُوتِيَ مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 {فهم يُوزعُونَ} أَيْ: يُدْفَعُونَ أَلَّا يَتَقَدَّمَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ، قَالَ قَتَادَةُ: عَلَى كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ وَزَعَةٌ تَرُدُّ أُولَاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْل} قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ وَادٍ بِالشَّام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 {قَالَت نملة يَا أَيهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَان وَجُنُوده} قَالَ اللَّهُ: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} أَنَّ سُلَيْمَانَ يَفْهَمُ كَلَامَهُمْ. قَالَ مُحَمَّد: لفظ النَّمْل أجري هَاهُنَا مَجْرَى لَفْظِ الْآدَمِيِّينَ حِينَ نَطَقَ؛ كَمَا ينْطق الآدميون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 {فَتَبَسَّمَ} سُلَيْمَانُ {ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رب أوزعني} أَلْهِمْنِي. قَالَ مُحَمَّدٌ: تَأْوِيلُ (أَوْزِعْنِي): كُفَّنِي عَنِ الْأَشْيَاءَ إِلَّا عَنْ شكر نِعْمَتك. سُورَة النَّمْل من (آيَة 20 - آيَة 22). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 {وتفقد الطير} قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَن سُلَيْمَانَ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مَفَازَةً فَدَعَا بِالْهُدْهُدْ لَيَعْلَمَ لَهُ مَسَافَةَ الْمَاءِ، وَكَانَ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْبَصَرِ بِذَلِكَ مَا لَمْ يُعْطَهُ غَيْرُهُ مِنَ الطَّيْرِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ يَدُلُّهُ عَلَى الْمَاءِ إِذَا نَزَلَ النَّاسُ، فَيُخْبِرُهُ كَمْ بَيْنَهُ وَبَين المَاء من قامة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ} قَالَ قَتَادَةُ: وَعَذَابُهُ أَنْ يَنْتِفَ رِيشَهُ وَيَذَرُهُ فِي الْمَنْهِلِ؛ حَتَّى يَأْكُلَهُ الذَّرُّ وَالنَّمْلُ {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بسُلْطَان مُبين} بِعُذْر بَين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 {فَمَكثَ غير بعيد} أَيْ: رَجَعَ مِنْ سَاعَتِهِ {فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: عَلِمْتُ مَا لَمْ تَعْلَمْ {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بنبإ يَقِين} أَيْ: بِخَبَرٍ حَقٍّ. وَ (سَبَأٌ) فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 وَقَتَادَةَ: أَرْضٌ بِالْيَمَنِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: " سُئِلَ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ سَبَإٍ، فَقَالَ: هُوَ رَجَلٌ ". قَالَ مُحَمَّدٌ: ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ؛ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَقْرَأُ: {مِنْ سَبَأَ} مَنْصُوبَةً غَيْرَ مُجْرَاةٍ: قَالَ: وَتَفْسِيرُهَا: اسْمٌ مُؤَنَّثٌ لِامْرَأَةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ، وَالَّذِي يُجْرِي يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ اسْمُ رَجُلٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَنْ قَالَ: هُوَ اسْمُ رَجُلٍ، فَالْمَعْنَى: أَنَّ الْقَبِيلَةَ أَوِ الْأَرْضَ سُمِّيَتْ بِاسْمِ ذَلِكَ الرجل. سُورَة النَّمْل من (آيَة 23 آيَة 28). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 {وَأُوتِيت من كل شَيْء} أَيْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أُوْتِيَتْ مِنْهُ {وَلها عرش عَظِيم} أَيْ: سَرِيرٌ حَسَنٌ. قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ مِنْ ذَهَبٍ، وَقَوَائِمُهُ لُؤْلُؤٌ وَجَوْهَرٌ، وَكَانَ مُسَتَّرًا بِالْدِيبَاجِ وَالْحَرِيرِ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ سَبْعُ مَغَالِيقَ، وَكَانَتْ دونه سَبْعَة أَبْيَات مغلقة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دون الله} قَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا مَجُوسًا {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 {أَلا يسجدوا لله} أَيْ: فَصَدَّهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ بِتَرْكِهِمُ السُّجُودَ لِلَّهِ {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ} يَعْنِي: الخبيئة {فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَيْ: يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ} إِلَى قَوْلِهِ: {يرجعُونَ} قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَنَّهَا امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، كَانَتْ فِي بَيْتِ مَمْلَكَةٍ يُقَالُ لَهَا: بِلْقِيسُ ابْنَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 شُرُحْبِيلَ، فَهَلَكَ قَوْمُهَا فَمَلَكَتْ، وَأَنَّهَا كَانَتْ إِذَا رَقَدَتْ غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ، فَلَمَّا غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَأَوَتْ إِلَى فِرَاشِهَا، أَتَاهَا الْهُدْهُدُ حَتَّى دَخَلَ مِنْ كُوَّةِ بَيْتِهَا، فَقَذَفَ الصَّحِيفَةَ عَلَى بَطْنِهَا؛ فَأَخَذَتِ الصَّحِيفَةَ فَقَرَأَتْهَا فَقَالَت: {يَا أَيهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كريم} حَسَنٌ؛ أَيْ: حَسَنٌ مَا فِيهِ، الْآيَة. {أَلا تعلوا عَليّ} أَيْ: لَا تَتَخَلَّفُوا عَنِّي {وَأْتُونِي مُسلمين} قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَيْ مُسْتَسْلِمِينَ؛ لَيْسَ يَعْنِي: الْإِسْلَام. سُورَة النَّمْل من (آيَة 29 آيَة 35). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 {قَالَت يَا أَيهَا الْمَلأُ} إِلَى قَوْلِهِ: {مَاذَا تَأْمُرِينَ} قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لِنَا أَنَّهُ كَانَ لَهَا ثَلَاثمِائَة (ل 249) وَثَلَاثَةَ عَشْرَ رَجُلًا أَهْلُ مَشُورَتِهَا كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى عَشْرَةِ آلَافٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْقِرَاءَةُ فِي قَوْله: {حَتَّى تَشْهَدُون} بِكَسْرِ النُّونِ، وَأَصْلُهُ: (تَشْهَدُونَنِي) فَحُذِفَتِ النُّونُ الْأُولَى لِلنَّصْبِ، وَحُذِفَتِ الْيَاءُ؛ لِأَنَّهَا آخِرُ آيَةٍ، وَالْكَسْرَةُ تَدُلُّ عَلَيْهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّة} قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 اللَّهُ: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ} تَقُولُ: إِنْ قَبِلَ هَدِيَّتَنَا فَهُوَ مِنَ الْمُلُوكِ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ النُّبُوَّةِ؛ كَمَا يَنْتَحِلُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: بَعَثَتْ إِلَيْهِ بِجَوارٍ قَدْ لَبَّسَتْهُنَّ لُبْسَةَ الْغِلْمَانِ، وَبِغِلْمَانٍ قَدْ أَلْبَسَتْهُمْ لُبْسَةَ الْجَوَارِي؛ فَخَلَّصَ سُلَيْمَانُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَلَمْ يَقْبَلْ هَدِيَّتَهَا. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله (بِمَ) بِحَذْفِ الْأَلِفِ؛ لِأَنَّ حُرُوفَ الْجَرِّ مَعَ (مَا) فِي الِاسْتِفْهَامِ تُحْذَفُ مَعَهَا الْأَلِفُ مِنْ (مَا) لِيُفْصَلَ بَين الْخَبَر والاستفهام. سُورَة النَّمْل من (آيَة 36 آيَة 40). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 {ارْجع إِلَيْهِم} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: الرُّسُلَ {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} أَي: لَا طَاقَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 {قَالَ يَا أَيهَا الْمَلأ أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا} يَعْنِي: سَرِيرِهَا {قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسلمين} أَيْ: مُقِرِّينَ بِالطَّاعَةِ؛ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 {قَالَ عفريت من الْجِنّ} أَيْ: مَارِدٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: عِفْرٌ وَعِفْرِيتٌ، وَعِفْرِيَّةٌ وَعِفَارِيَّةٌ؛ إِذَا كَانَ شَدِيدًا وَثِيقًا. {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تقوم من مقامك} قَالَ قَتَادَةُ: وَمَقَامُهُ: مَجْلِسُهُ الَّذِي كَانَ يَقْضِي فِيهِ، فَأَرَادَ مَا هُوَ أعجل من ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكتاب} وَكَانَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ يُقَالُ لَهُ: آصِفُ، يَعْلَمُ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ {قَالَ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طرفك} وَطَرْفُهُ: أَنْ يَبْعَثَ رَسُولًا إِلَى مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ، حَتَّى يُؤْتَى بِهِ، فَدَعَا الرَّجُلُ بِاسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ {فَلَمَّا رَآهُ} رَأَى سُلَيْمَانُ السَّرِيرَ {مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أم أكفر} أَيْ: أَشْكُرُ النِّعْمَةَ أَمْ أَكْفُرُهَا؟ {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}. يَحْيَى: عَنِ الْمُعَلَّى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " إِنَّ صَاحِبَ سُلَيْمَانَ الَّذِي قَالَ: أَنَا آتِيكَ بِهِ كَانَ يُحْسِنُ الِاسْمَ الْأَكْبَرَ، فَدَعَا بِهِ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسِيرَةُ شَهْرَيْنِ، وَهِيَ مِنْهُ عَلَى فَرْسَخٍ، فَلَمَّا جَاءَهُ الْعَرْشُ كَأَنَّ سُلَيْمَانَ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ مِثْلَ الْحَسَدِ لَهُ ثُمَّ فَكَّرَ، فَقَالَ: أَلَيْسَ هَذَا الَّذِي قَدِرَ عَلَى مَا لَمْ أَقْدِرُ عَلَيْهِ مُسَخَّرًا لِي؟! هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أم أكفر ". سُورَة النَّمْل من (آيَة 41 آيَة 44). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 {قَالَ نكروا لَهَا عرشها} قَالَ قَتَادَةُ: وَتَنْكِيرُهُ: أَنْ يُزَادَ فِيهِ، وَيُنْقَصَ مِنْهُ {نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي} أَيْ: أَتَعْرِفُهُ {أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذين لَا يَهْتَدُونَ} أَي: أم لَا تعرفه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَت كَأَنَّهُ هُوَ} قَالَ قَتَادَةَ: شَبَّهَتْهُ بِهِ، وَكَانَتْ قَدْ تَرَكَتْهُ خَلْفَهَا، فَوَجَدَتْهُ أَمَامَهَا. {وأوتينا الْعلم من قبلهَا} سُلَيْمَان يَقُوله؛ يَعْنِي: النُّبُوَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دون الله} صَدَّهَا أَنْ تَهْتَدِيَ لِلْحَقِّ {إِنَّهَا كَانَت من قوم كَافِرين}. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (إِنَّهَا) بِكَسْرِ الْأَلِفِ، فَهُوَ عَلَى (الِاسْتِئْنَافِ). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 {قيل لَهَا ادخلي الصرح} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: إِنَّ الْجِنَّ اسْتَأْذَنُوا سُلَيْمَانَ، فَقَالُوا: ذَرْنَا فَلْنَبْنِ لَهَا صَرْحًا أَيْ: قَصْرًا مِنْ قَوَارِيرَ فَنَنْظُرُ كَيْفَ عَقْلُهَا، وَخَافَتِ الْجِنُّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا سُلَيْمَانُ فَتُطْلِعَهُ عَلَى أَشْيَاءَ كَانَتِ الْجِنُّ تُخْفِيهَا مِنْهُ. قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ أَحَدَ أَبَوَيْهَا كَانَ جِنِيًّا، فَلِذَلِكُ تَخَوَّفُوا ذَلِكَ مِنْهَا. قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَأَذِنَ لَهُمْ فَعَمَدُوا إِلَى الْمَاءِ فَفَجَّرُوهُ فِي أَرْضٍ فَضَاءٍ، ثُمَّ أَكْثَرُوا فِيهِ مِنَ الْحِيتَانِ وَالضَّفَادِعِ، ثُمَّ بَنُوا عَلَيْهِ سُتْرَةً مِنْ زُجَاجٍ، ثُمَّ بَنُوا حَوْلَهُ صَرْحًا مُمَرَّدًا مِنْ قَوَارِيرَ، وَالْمُمَرَّدُ: الْأَمْلَسُ، ثُمَّ أَدْخَلُوا [عَرْشَ سُلَيْمَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 وَعَرْشَهَا وَكَرَاسِيَّ عُظَمَاءِ الْمُلُوكِ، ثُمَّ دَخَلَ سُلَيْمَانُ، وَدَخَلَ مَعَهُ عُظَمَاءُ جُنُوده] ثمَّ (ل 250) قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الصَّرْحَ وَفُتِحَ الْبَابُ؛ فَلَمَّا أَرَادَتِ الدُّخُولَ إِذَا هِيَ بِالْحِيتَانِ وَالضَّفَادِعِ، فَظَنَّتْ أَنَّهُ مَكْرٌ بِهَا لِتَغْرَقَ، ثُمَّ نَظَرَتْ فَإِذَا هِيَ بِسُلَيْمَانَ عَلَى سَرِيرِهِ، وَالنَّاسُ عِنْدَهُ عَلَى الْكَرَاسِيِّ؛ فَظَنَّتْ أَنَّهَا بمخاضة، فَكشفت عَن سَاقيهَا وَكَانَ بِهَا بَرَصٌ؛ فَلَمَّا رَآهَا سُلَيْمَانُ كَرِهَهَا، فَلَمَّا عَرِفَتِ الْجِنُّ أَنَّ سُلَيْمَانَ قَدْ رَأَى مِنْهَا مَا كَانَتْ تَكْتُمُ مِنَ النَّاسِ، قَالَتْ لَهَا الْجِنُّ: لَا تَكْشِفِي عَنْ سَاقَيْكِ، وَلَا عَنْ قَدَمَيْكِ؛ فَإِنَّمَا هُوَ صَرْحٌ مِنْ قَوَارِيرَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ بِنَاءٍ مُطُوَّلٍ: صَرْحٌ، وَالْمُمَرَّدِ يُقَالُ مِنْهُ: مَرَدْتُ الشَّيْءَ إِذَا بَلَطْتُهُ أَوْ مَلَسْتُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ الْأَمْرَدُ الَّذِي لَا شَعْرَ فِي وَجْهِهِ. {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظلمت نَفسِي} أَي: تقصتها؛ يَعْنِي: مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْكفْر. سُورَة النَّمْل من (آيَة 45 آيَة 53). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: إِذَا الْقَوْمُ بَيْنَ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ؛ هَذِهِ كَانَتْ خُصُومَتُهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قبل الْحَسَنَة} والسيئة: الْعَذَاب؛ لقَولهم: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ من الْمُرْسلين} والحسنة: الرَّحْمَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ قَدْ أَصَابَهُمْ جُوعٌ، فَقَالُوا: بِشُؤْمِكَ، وَبِشُؤْمِ الَّذِينَ مَعَكَ أَصَابَنَا هَذَا {قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْد الله} يَعْنِي: عَمَلَكُمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: لَيْسَ ذَلِكَ مِنِّي، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ اللَّهِ {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تفتنون} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: تُصْرَفُونَ عَنْ دِينِكُمُ الَّذِي أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} قَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا مِنْ قَوْمِ صَالح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 {قَالُوا تقاسموا بِاللَّه} أَي: تحالفوا {لنبيتنه} لَنُبَيِّتَنَّ صَالِحًا وَأَهْلَهُ؛ يَعْنِي: الَّذِينَ عَلَى دِينِهِ {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ} أَيْ: لِرَهْطِهِ {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهله} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 {ومكروا مكرا} يَعْنِي: الَّذِي أَرَادوا بِصَالح {ومكروا مكرا} قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لِنَا أَنَّهُ بَيْنَا هُمْ مُعَايِنُونَ إِلَى صَالِحٍ لِيَفْتِكُوا بِهِ؛ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِم صَخْرَة فأهمدتهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنا دمرناهم} بالصخرة {وقومهم أَجْمَعِينَ} بَعْدَ ذَلِكَ بِالصَّيْحَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (إِنَّا) بِكَسْرِ الْأَلِفِ، فَالْمَعْنَى: فَانْظُرْ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِمْ، ثُمَّ فَسَّرَ فَقَالَ: {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 {فَتلك بُيُوتهم خاوية} يَقُولُ: لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، وَكَانُوا بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: الْحِجْرُ. قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ {خاوية} بِالنّصب فَهُوَ على الْحَال. سُورَة النَّمْل من (آيَة 54 آيَة 58). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 {أتأتون الْفَاحِشَة وَأَنْتُم تبصرون} أَنَّهَا الْفَاحِشَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُم أنَاس يتطهرون} أَيْ: يَتَنَزَّهُونَ عَنْ أَعْمَالِ قَوْمِ لوط. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 {إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} يَعْنِي: الْبَاقِينَ فِي عَذَابِ اللَّهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 {وأمطرنا عَلَيْهِم مَطَرا} قد مضى تَفْسِيره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 سُورَة النَّمْل من (آيَة 59 آيَة 63). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عباده الَّذين اصطفىءآلله خير} على الِاسْتِفْهَام {أما تشركون} أَيْ: أَنَّ اللَّهَ خَيْرٌ مِنْ أوثانهم الَّتِي يعْبدُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 {فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} أَيْ: حَسَنَةٌ. قَالَ الْحَسَنُ: وَالْحَدَائِقُ: النَّخْلُ {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تنبتوا شَجَرهَا} أَيْ: أَنَّ اللَّهَ هُوَ أَنْبَتَهَا {أإله مَعَ الله} عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} يَقُولُ: يَعْدِلُونَ الْأَوْثَانَ بِاللَّهِ، فَيَعْبُدُونَهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 {وَجعل بَين الْبَحْرين حاجزا} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: يَعْنِي: بَحْرَ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَالْحَاجِزُ: الْخَلْقُ الَّذِي بَيْنَهُمَا فَلَا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ {بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} يَعْنِي: جَمَاعَتهمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 {ويجعلكم خلفاء الأَرْض} يَعْنِي: خَلَفًا مِنْ بَعْدِ خَلَفٍ (قَلِيلا مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 تذكرُونَ} يَقُولُ: أَقَلُّهُمُ الْمُتَذَكِّرُ؛ يَعْنِي: مَنْ يُؤمن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْر} يَعْنِي: فِي أَهْوَالِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ {وَمن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نَشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحمته} يَعْنِي: الْمَطَر. سُورَة النَّمْل من (آيَة 64 آيَة 70). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 {أَمن يبدؤ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ} يَعْنِي: الْبَعْث. {قل هاتوا برهانكم} أَمر الله النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْرِكِينَ: هَاتُوا حُجَّتَكُمْ {إِن كُنْتُم صَادِقين} أَنَّ هَذِهِ الْأَوْثَانَ خَلَقَتْ خَلْقًا أَوْ صَنَعَتْ شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَهَذَا كُله (ل 251) تبع للْكَلَام الأول {آللَّهُ خير أما يشركُونَ} أَيْ: أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ هَذَا كُلَّهُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ أَوْثَانِهِمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} والغيب هَاهُنَا: الْقِيَامَةُ؛ لَا يَعْلَمُ مَجِيئَهَا إِلَّا الله {وَمَا يَشْعُرُونَ} وَمَا يَشْعُرُ جَمِيعُ الْخَلْقِ {أَيَّانَ يبعثون} مَتى يبعثون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 {بل ادارك} أَيْ: تَدَارَكَ {عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ} {يَقُولُ عَلِمُوا فِي الْآخِرَةِ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ اللَّهُ، فَآمَنُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعُهْمُ عِلْمُهُمْ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 أَيْ: إِيمَانُهُمْ {بَلْ هُمْ فِي شكّ مِنْهَا} يَعْنِي: الْآخِرَةَ {بَلْ هُمْ مِنْهَا عمون} أَيْ: عَمُوا عَنْهَا لَا يَدْرُونَ مَا الْحِسَابُ فِيهَا وَمَا الْعَذَابُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابا وآباؤنا} على الِاسْتِفْهَام {أئنا لمخرجون} لَمَبْعُوثُونَ؛ أَيْ: لَا نُبْعَثُ. وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ مِنْهُ عَلَى إِنْكَارٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قِرَاءَةُ نَافِعٍ (إِذَا كُنَّا) بِكَسْرِ الْأَلِفِ عَلَى الْخَبَرِ، وَفِيهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْقُرَّاءِ. وَمَنْ قَرَأَ: (أئذا) اخْتَلَسَ الْيَاءَ، وَلَمْ يُخْلِصْ لَفْظَهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا من قبل} هَذَا قَوْلُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، أَيْ: قَدْ وُعِدَتْ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ بِالْبَعْثِ كَمَا وَعَدَنَا مُحَمَّدٌ، فَلَمْ نَرَهَا بُعِثَتْ؛ يَعْنِي: مَنْ كَانَ مِنَ الْعَرَبِ عَلَى عَهْدِ مُوسَى. {إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} أَي: كذب الْأَوَّلين وباطلهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُجْرمين} الْمُشْرِكِينَ كَانَ عَاقِبَتُهُمْ أَنْ دَمَّرَ الله عَلَيْهِم، ثمَّ صيرهم إِلَى النَّارِ؛ يُحَذِّرُهُمْ أَنْ يُنَزِّلَ بِهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَا نَزَلَ بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 {وَلَا تحزن عَلَيْهِم} إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا {وَلا تَكُنْ فِي ضيق مِمَّا يمكرون} أَيْ: لَا يَضِيقُ عَلَيْكَ أَمْرُكَ بِمَا يَمْكُرُونَ بِكَ وَبِدِينِكَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَنْصُرُكَ عَلَيْهِمْ وَيُذِلُّهُمْ لَكَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَكْثَرُ الْقِرَاءَةِ: (فِي ضيق) بِفَتْح الضَّاد. سُورَة النَّمْل من (آيَة 71 آيَة 81). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 {وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الْوَعْد} الَّذِي تَعِدُنَا بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 قَالَ اللَّهُ للنَّبِيِّ: {قُلْ عَسَى أَن يكون ردف لكم} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: اقْتَرَبَ مِنْكُمْ. قَالَ مُحَمَّد: (ردف لكم) اللَّامُ فِيهِ زَائِدَةٌ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ الْمَعْنَى: رَدِفَكُمْ؛ كَمَا تَقُولُ: رَكِبَكُمْ، وَجَاءَ بَعْدَكُمْ. {بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُون} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: قِيَامَ السَّاعَةِ الَّذِي يُهْلَكُ بِهِ آخِرُ كُفَّارِ هَذِه الآمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاس} فَبِفَضْلِ اللَّهِ يَتَقَلَّبُ الْكَافِرُ فِي الدُّنْيَا، وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يشكرون} يَعْنِي: من لَا يُؤمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورهمْ} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَدَاوَةِ رَسُولِ الله {وَمَا يعلنون} من الْكفْر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} بَين؛ يَعْنِي: اللَّوْح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 الْمَحْفُوظ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 {إِن هَذَا الْقُرْآن يقص على بني إِسْرَائِيل} يَعْنِي: الَّذين أدركوا النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام {أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} يَعْنِي: مَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَوَائِلُهُمْ، وَمَا حَرَّفُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَمَا كَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ، ثُمَّ قَالُوا: هَذَا من عِنْد الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ} فَيُدْخِلُ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلُ الْكَافِرِينَ النَّار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 {إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى} يَعْنِي: الَّذِينَ يَلْقَوْنَ اللَّهَ بِكُفْرِهِمْ {وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا ولوا مُدبرين} يَقُولُ: إِنَّ الْأَصَمَّ لَا يَسْمَعُ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّى مُدْبِرًا. قَالَ قَتَادَةَ: هَذَا مَثَلُ ضَرَبَهُ اللَّهُ، فَالْكَافِرُ لَا يَسْمَعُ الْهُدَى وَلَا يَفْهَمُهُ؛ كَمَا لَا يَسْمَعُ الْمَيِّتَ، وَلَا يَسْمَعُ الْأَصَمُّ الدُّعَاءَ إِذَا ولى مُدبرا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضلالتهم} يَعْنِي: الَّذِينَ يَمُوتُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ {إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} يَعْنِي: من أَرَادَ الله أَن يُؤْمِنُ؛ وَهَذَا سَمَعُ الْقَبُولِ، فَأَمَّا الْكَافِر تسمع أذنَاهُ وَلَا يعقله قلبه. سُورَة النَّمْل (آيَة 82). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 {وَإِذا وَقع القَوْل عَلَيْهِم} أَيْ: وَجَبَ الْغَضَبُ {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّة من الأَرْض تكلمهم} وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: (تُحَدِّثُهُمْ) {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} قَالَ بَعْضُهُمْ: تَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ كَانُوا بِي لَا يُوقِنُونَ. يَحْيَى: عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: " هِيَ دَابَّةٌ ذَاتُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 زَغَبٌ وَرِيشٍ، وَلَهَا أَرْبَعُ قَوَائِمَ، تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ ". سعيد (ل 252) عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ (زِيَادٍ) أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو، قَالَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ؛ حَتَّى يَجْتَمِعُ أَهْلُ الْبَيْتِ عَلَى الْإِنَاءِ الْوَاحِدِ، فَيَعْرِفُوا مُؤْمِنِيهِمْ مِنْ كَافِرِيهِمْ. قَالُوا: كَيْفَ ذَلِكَ؟! قَالَ: إِنَّ الدَّابَّةَ تَخْرُجُ حِينَ تَخْرُجَ وَهِيَ دَابَّةُ الْأَرْضِ؛ فَتَمْسَحُ كُلَّ إِنْسَانٍ عَلَى مَسْجِدِهِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنَ فَتكون نُكْتَة بَيْضَاء؛ فتفشو فِي وَجْهِهِ حَتَّى يَبْيَضَّ لَهَا وَجْهُهُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَكُونُ نُكْتَةً سَوْدَاء؛ فتفشو فِي وَجهه حَتَّى يسوء لَهَا وَجْهُهُ؛ حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَتَبَايَعُونَ فِي أَسْوَاقِهِمْ يَقُولُ هَذَا: كَيْفَ تَبِيعُ هَذَا يَا مُؤْمِنُ؟ وَيَقُولُ هَذَا: كَيْفَ تَبِيعُ هَذَا يَا كَافِرُ؟ فَمَا يَرُدُّ بَعْضُهُمْ عَلَى بعض ". سُورَة النَّمْل من (آيَة 83 آيَة 86). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فوجا} يَعْنِي: كُفَّارَ كُلِّ أُمَّةٍ {فَهُمْ يُوزعُونَ} قَالَ قَتَادَةُ: لَهُمْ وَزَعَةٌ تَرُدُّ أولاهم على أخراهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 {حَتَّى إِذا جَاءُوا قَالَ} اللَّهُ {أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بهَا علما} أَيْ: لَمْ تُحِيطُوا عِلْمًا بِأَنَّ مَا عَبَدْتُمْ مِنْ دُونِي خَلَقُوا مَعِي شَيْئًا، وَلَا رَزَقُوا مَعِي شَيْئًا، وَإِنَّ عِبَادَتَكُمْ إِيَّاهُمْ لَمْ تَكُنْ مِنْكُمْ بِإِحَاطَةِ عِلْمٍ عَلِمْتُمُوهُ، إِنَّمَا ذَلِكَ كَانَ مِنْكُمْ عَلَى الظَّن {أماذا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} يَسْتَفْهِمُهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ؛ يحْتَج عَلَيْهِم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 {وَوَقع القَوْل عَلَيْهِم} أَيْ: حَقَّ الْغَضَبُ {بِمَا ظَلَمُوا} أشركوا. سُورَة النَّمْل من (آيَة 87 آيَة 88). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 {يَوْم يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا من شَاءَ الله} وَهَذِهِ النَّفْخَةُ الْأُولَى. يَحْيَى: عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عِمَارَةَ بْنِ غُرَابٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام: " {إِلَّا من شَاءَ الله}: الشُّهَدَاءُ؛ يَقُولُونَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الصَّوْت ". {وكل أَتَوْهُ داخرين} أَيْ: صَاغِرِينَ؛ يَعْنِي: النَّفْخَةَ الْآخِرَةَ. يَحْيَى: عَنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام: " بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 أَرْبَعُونَ سَنَةً؛ الْأُولَى يُمِيتُ اللَّهُ بِهَا كُلَّ حَيٍّ، وَالْأُخْرَى يُحْيِي الله بهَا كل ميت ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 {وَترى الْجبَال تحسبها جامدة} سَاكِنَةً {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} تَكُونُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ وُتَكُونَ كَثِيبًا مَهِيلًا، وَتُبَسُّ بَسًّا؛ كَمَا يُبَسُّ السويق. وَتَكون سرابا، تمّ تَكُونُ هَبَاءً مُنْبَثًّا؛ وَذَلِكَ حِينَ تَذْهَبُ مِنْ أُصُولِهَا، فَلَا يُرَى مِنْهَا شَيْءٌ؛ فَتَصِيرُ الْأَرْضُ كُلُّهَا مُسْتَوِيَةً {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كل شَيْء}. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْقِرَاءَةُ (صُنْعَ اللَّهِ) بِالنَّصْبِ؛ عَلَى مَعْنَى: الْمَصْدَرِ؛ كَأَنَّهُ قَالَ: صَنَعَ اللَّهُ ذَلِكَ صُنْعًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 سُورَة النَّمْل من (آيَة 89 - آيَة 93). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 {من جَاءَ بِالْحَسَنَة} ب " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " مخلصا {فَلهُ خير مِنْهَا} فِيهَا تَقْدِيمٌ: فَلَهُ مِنْهَا خَيْرٌ؛ أَي: حَظّ؛ يَعْنِي الْجنَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 {وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} يَعْنِي: الشِّرْكَ {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّار} أَيْ: أُلْقُوا فِيهَا عَلَى وُجُوهِهِمْ {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فِي الدُّنْيَا؛ يُقَال لَهُم ذَلِك فِي الْآخِرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 {إِنَّمَا أمرت} أَيْ: قُلْ: يَا مُحَمَّدُ: إِنَّمَا أُمِرْتُ {أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلدة} يَعْنِي: مَكَّةَ {الَّذِي حَرَّمَهَا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 {فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} أَيْ: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُكْرِهَكُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 {سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فتعرفونها} فِي الْآخِرَةِ عَلَى مَا قَالَ فِي الدُّنْيَا مِنْ وَعْدِهِ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَصَصِ وَهِيَ مَكِيَّةٌ كلهَا بِسم الله الحمن الرَّحِيم سُورَة الْقَصَص من (آيَة 1 - آيَة 6). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 قَوْله: {طسم تِلْكَ آيَات} هَذِه آيَات {الْكتاب الْمُبين} الْبَين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 {نتلو عَلَيْك من نبإ مُوسَى} مِنْ خَبَرِ مُوسَى {وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لقوم يُؤمنُونَ} يصدقون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ} أَيْ: بَغَى {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} أَيْ: فِرَقًا {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يذبح أَبْنَاءَهُم ويستحيي نِسَاءَهُمْ} يَعْنِي: بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا بِمِصْرَ فِي يَدَيْ فِرْعَوْنَ، وَالطَّائِفَةُ الَّتِي كَانَ يُذَبِّحُ: الْأَبْنَاءَ، وَالْطَائِفَةُ الَّتِي كَانَ يَسْتَحْيِي: النِّسَاءُ، وَقَدْ كَانَ يفعل هَذَا فِرْعَوْن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 {و} نَحن {نُرِيد أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْض} يَعْنِي: بَنِي إِسْرَائِيلَ {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: وُلَاةً (فِي الأَرْض) (ل 253) {ونجعلهم الْوَارِثين} أَي: يَرِثُونَ الْأَرْضِ بَعْدَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، فَفَعَلَ الله ذَلِك بهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ} مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ (مَا كَانُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 يحذرون} قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَن حَازِرًا حَزَرَ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ يُوْلَدُ فِي هَذَا الْعَامُ غُلَامٌ يَسْلِبُكَ مُلْكَكَ، فَتَتَبَّعَ أَبْنَاءَهُمْ يَقْتُلُهُمْ حَذَرًا مِمَّا قَالَ لَهُ الْحَازِرُ. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 7 - آيَة 13). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 {وأوحينا إِلَى أم مُوسَى} أَيْ: قَذَفَ فِي قَلْبِهَا، وَلَيْسَ بِوَحْيِ النُّبُوَّةِ {أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خفت عَلَيْهِ} الطّلب {فألقيه فِي اليم} {فِي الْبَحْر} (وَلَا تخافي} عَلَيْهِ الضَّيْعَة {وَلَا تحزني} {أَنْ يُقْتَلَ} (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} قَالَ قَتَادَةُ: فَجَعَلَتْهُ فِي تَابُوتٍ، ثمَّ قَذَفته فِي الْبَحْر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 {فالتقطه آل فِرْعَوْن} قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ الْغَسَّالَاتِ عَلَى النِّيلِ الْتَقَطْنَهُ {لِيَكُونَ لَهُمْ عدوا} {فِي دينهم} (وحزنا} يُحْزِنُهُمْ بِهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {ليَكُون لَهُم عدوا وحزنا} أَيْ: لِيَصِيرَ الْأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 لَا أَنَّهُمْ طَلَبُوهُ وَأَخَذُوهُ لِذَلِكَ، وَمَثْلُهُ مِنَ الْكَلَامِ قَوْلُهُمْ لِلَّذِي كَسَبَ مَالًا؛ فَأَدَّاهُ ذَلِكَ إِلَى الْهَلَاكِ: إِنَّمَا كَسَبَ فُلَانُ لِحَتْفِهِ، وَهُوَ لَمْ يَطْلُبِ الْمَالَ لِحَتْفِهِ، وَلَكِنْ صَارَ الْأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ وَهَذِهِ اللَّامُ يُسَمِّيهَا بَعْضُ النَّحْوِييِّنَ لَام الصيرورة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 {وَقَالَت امْرَأَة فِرْعَوْن قُرَّة عين لي وَلَك} تَقُولُهُ لِفِرْعَوْنَ. قَالَ قَتَادَةُ: أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ رَحْمَتُهَا حِينَ أَبْصَرَتْهُ {لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} أَنَّ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدَيْهِ وَفِي زَمَانه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: أَيْ: فَارِغًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، غَيْرِ ذِكْرِ مُوسَى لَا تَذْكُرُ غَيْرَهُ {إِنْ كَادَتْ لتبدي بِهِ} قَالَ قَتَادَةُ: لِتُبَيِّنَ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ شِدَّةِ وَجْدِهَا {لَوْلا أَنْ ربطنا على قَلبهَا} بِالْإِيمَانِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الرَّبْطُ عَلَى الْقَلْبِ: إِلْهَامُ الصَّبْرِ وَتَشْدِيدُهُ وَتَقْوِيَتُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 {وَقَالَت} أم مُوسَى {لأخته} لأخت مُوسَى {قصيه} أَيْ: اتْبَعِي أَثَرَهُ {فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جنب} أَيْ: مِنْ بَعِيدٍ {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} أَنَّهَا أُخْتُهُ؛ جَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَكَأَنَّهَا لَا تريده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} قَالَ قَتَادَةُ: جَعَلَ لَا يُؤْتَى بِامْرَأَةٍ إِلَّا لَمْ يَأْخُذْ ثَدْيَهَا {فَقَالَت هَل أدلكم} أَلَا أَدُلُّكُمْ {عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يكفلونه لكم} أَي: يضمونه فيرضعونه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} يَعْنِي: الَّذِي قُذِفَ فِي قَلْبِهَا {وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} يَعْنِي: جَمَاعَتهمْ. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 14 - آيَة 19). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 {وَلما بلغ أشده} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً {واستوى} بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً {آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ من أَهلهَا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَوْمَ عِيدٍ لَهُمْ، وَهُمْ فِي لَهْوِهِمْ وَلَعِبِهِمْ {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شيعته} مَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ {وَهَذَا مِنْ عدوه} (قِبْطِيٌّ) مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} قَالَ قَتَادَةُ: أَرَادَ الْقِبْطِيُّ أَنْ يُسَخِّرَ الْإِسْرَائِيلِيَّ؛ لِيَحْمِلَ حَطَبًا لِمَطْبَخِ فِرْعَوْنَ فَأَبَى فَقَاتَلَهُ، فَوَكَزَهُ مُوسَى وَلم يتَعَمَّد قَتْلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يَحِلُّ قَتْلَ الْكَافِرِ يَوْمَئِذٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: لَكَزَهُ وَوَكَزَهُ (وَلَهَزَهُ) بِمَعْنًى وَاحِدٍ: إِذا دَفعه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 {قَالَ} مُوسَى {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّه عَدو مضل مُبين} بَين الْعَدَاوَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 {قَالَ} مُوسَى {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} يَعْنِي: بقتل القبطي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 {فَلَنْ أكون ظهيرا} أَي: عوينا {للمجرمين}. قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: فَلَنْ أُعِينَ بعْدهَا على فجرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} مَنْ قَتْلِهِ النَّفْسَ؛ يَتَرَقَّبُ أَنْ يُؤْخَذَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى (يَتَرَقَّبُ): يَنْتَظِرُ سُوءًا يَنَالُهُ. {فَإِذَا الَّذِي استنصره بالْأَمْس يستصرخه} أَيْ: يَسْتَعِينُهُ {قَالَ لَهُ مُوسَى} للإسرائيلي {إِنَّك لغَوِيّ مُبين} أَيْ: بَيِّنُ الْغَوَاءِ [ثُمَّ أَدْرَكَتْ مُوسَى الرأفة عَلَيْهِ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدو لَهما} (ل 254) بِالْقِبْطِيِّ خَلَّى الْإِسْرَائِيلِيُّ عَنِ الْقِبْطِيِّ {وَقَالَ يَا مُوسَى} الْإِسْرَائِيلِيُّ يَقُوْلُهُ: {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ} مَا تُرِيدُ {إِلا أَنْ تَكُونَ جبارا} أَيْ: قَتَّالًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ الْمَعْنَى: فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ الْمُسْتَصْرِخُ أَنْ يَبْطِشَ مُوسَى بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا، وَلَمْ يَفْعَلْ مُوسَى، وَقَالَ لِلْمُسْتَصْرِخِ: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} قَالَ لَهُ الْمُسْتَصْرِخُ: {يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تقتلني} الْآيَةُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَصْلُ الْجَبَّارِ فِي اللُّغَةِ: الْمُتَعَظِّمُ الَّذِي لَا يَتَوَاضَعُ لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ [فِي الأَرْض]. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 20 آيَة 21). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يسْعَى} أَيْ: يُسْرِعُ {قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ}. قَالَ مُحَمَّد: (يأتمرون) هُوَ يَفْتَعِلُونَ مِنَ الْأَمْرِ؛ الْمَعْنَى: يَأْمُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِقَتْلِكَ. قَالَ قَتَادَةُ: وَذَلِكَ أَنَّ الْقِبْطِيَّ [الْآخَرَ] لَمَّا سَمِعَ قَوْلَ الْإِسْرَائِيلِيِّ لِمُوسَى: أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ أَفْشَى عَلَيْهِ، فَائْتَمَرَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ لِيَقْتُلُوهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُؤْمِنَ آلِ فِرْعَوْنَ وَهُوَ الَّذِي جَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَة، فَأخْبر مُوسَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 {فَخرج مِنْهَا} من الْمَدِينَة {خَائفًا يترقب}. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 22 آيَة 24). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيل} يَعْنِي: الطَّرِيقِ إِلَى مَدْيَنَ، وَكَانَ خَرَجَ وَلَا يَعْرِفُ الطَّرِيقَ إِلَى مَدين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ (تَذُودَانِ النَّاسَ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 شِيَائِهِمَا) أَيْ: تَمْنَعَانِ غَنَمَهُمَا أَنْ تختلط بأغنام النَّاس {قَالَ} لَهما مُوسَى {مَا خطبكما} مَا أَمْرُكُمَا {قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يصدر الرعاء} أَيْ: حَتَّى يَسْقِي النَّاسُ، ثُمَّ نتتبع فُضَالَتِهِمْ؛ هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ: (حَتَّى يُصْدِرَ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ، فَالْمَعْنَى: لَا نَقْدِرُ أَنْ نَسْقِيَ حَتَّى يَرُدَّ الرِّعَاءُ غَنَمَهُمْ وَقَدْ شَرِبَتْ، والرعاء جمع: رَاع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 {فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيّ من خير فَقير} يَعْنِي: الطَّعَام. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 25 آيَة 28). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أجر مَا سقيت لنا} قَالَ الْحَسَنُ: وَيَقُولُونَ: هُوَ شُعَيْبٌ، وَلَيْسَ بِشُعَيْبٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ سَيِّدَ أَهْلِ الْمَاءِ يَوْمَئِذٍ. وَقَالَ ابْنُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 عَبَّاسٍ: اسْمُ خَتَنِ مُوسَى: يَثْرَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأمين} تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ فِي قَوْلِهِ: (الْقَوِيُّ): أَنه سَأَلَهُمَا: هَل هَاهُنَا بِئْرٌ غَيْرُ هَذِهِ؟ فَقَالَتَا: نَعَمْ، وَلَكِنْ عَلَيْهَا صَخْرَةٌ لَا يَرْفَعُهَا إِلَّا أَرْبَعُونَ رَجُلًا، فَرَفَعَهَا مُوسَى وَحْدَهُ. وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَنَّ الْأَمَانَةَ الَّتِي رَأَتْ مِنْهُ؛ أَنَّهَا حِينَ جَاءَتْهُ تَدْعُوهُ. قَالَ لَهَا: كُوْنِي ورائي وَكره أَن يستدبرها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحين} أَي: فِي الرِّفْق بك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَليْنِ قضيت} يَعْنِي: أَي الْأَجَليْنِ قضيت، و (مَا) زَائِدَة {فَلَا عدوان} أَيْ: فَلَا سَبِيلَ عَلَيَّ. قَالَ مُحَمَّد: (عدوان) مَنْصُوبٌ بِ (لَا) وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنَ الْعَدَاءِ؛ وَهُوَ الظُّلْمُ؛ كَأَنَّهُ قَالَ: أَيُّ الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتَ فَلَا تَعْتَدِ عَلَيَّ؛ بَأَنْ تُلْزِمَنِي أَكْثَرَ مِنْهُ. {وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكيل} أَي: شَهِيد. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 29 آيَة 30). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 {فَلَمَّا قضى مُوسَى الْأَجَل} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَضَى أَوْفَاهُمَا وَأَبَرهمَا: الْعشْر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 {وَسَار بأَهْله} قَالَ مُجَاهِدٌ: أَقَامَ بَعْدَ أَنْ قَضَى الأَجَلَ عَشْرَ سِنِينَ {آنَسَ من جَانب الطّور نَارا} قَدْ مَضَى تَفْسِيرُهُ {أَوْ جَذْوَةٍ من النَّار} يَعْنِي: أَصْلَ شَرَرٍ {لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} وَكَانَ (شاتيا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 {نُودِي مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى}. قَالَ مُحَمَّد: (أَن) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ؛ الْمَعْنَى: نُوْدِيَ بِأَنَّهُ يَا مُوسَى، وَكَذَلِكَ {وَأَنْ ألق عصاك} عطف عَلَيْهَا. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 31 آيَة 35). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 {كَأَنَّهَا جَان} كَأَنَّهَا حَيَّة {ولى مُدبرا} هَارِبا مِنْهَا {وَلم يعقب} أَيْ: يَرْجِعُ؛ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 {اسلك يدك فِي جيبك} اسْلُكْ؛ أَيْ: أَدْخِلْهَا فِي جَيْبِكَ [أَيْ: قَمِيصِكَ] {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غير سوء}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: سلكت (ل 255) يَدِي وَأَسْلَكْتُهَا. {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} يَعْنِي: يدك {من الرهب} [أَيْ: مِنُ الرُّعْبِ] يَقُولُ: اضْمُمْهَا إِلَى صَدْرِكَ؛ فَيَذْهَبُ مَا فِيهِ مِنَ الرُّعْبِ، وَكَانَ قَدْ دَخَلَهُ فَزَعٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ {فَذَانِكَ برهانان من رَبك} أَيْ: بَيَانَانِ؛ يَعْنِي: الْعَصَا وَالْيَدَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 {فَأرْسلهُ معي ردْءًا} أَي: عونا {يصدقني} أَيْ: يَكُونُ مَعِي فِي الرِّسَالَةِ {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ}. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: رَدَأْتُهُ عَلَى كَذَا؛ أَيْ: أَعَنْتُهُ، وَمَنْ قَرَأَ (يُصَدِّقْنِي) بِالْجَزْمِ فَهُوَ عَلَى جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ: أَرْسِلْهُ يُصَدِّقْنِي، وَمَنْ رَفَعَ (يُصَدِّقُنِي) فَالْمَعْنَى: رِدْءًا مُصَدِّقًا لِي. وَذَكَرَ ابْنُ مُجَاهِدٍ أَنَّ نَافِعًا وَحْدَهُ قَرَأَ (رِدًّا) مُنَوَّنَةً بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَأَنَّ سَائِرَ الْقُرَّاءِ يَقْرَءُونَ: (رِدْءًا) بِالْهَمْز. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 36 آيَة 38). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 {وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهدى من عِنْده} أَيْ: إِنِّي أَنَا جِئْتُ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ {وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَة الدَّار} دَارُ الْآخِرَةِ؛ يَعْنِي: الْجَنَّةَ {إِنَّهُ لَا يفلح الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 {وَقَالَ فِرْعَوْن يَا أَيهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْرِي} قَالَ الْحَسَنُ: تَعَمَّدَ الْكَذِبَ {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ} أَي: فاطبخ لي آجرا؛ فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ طَبَخَ الْآجُرَّ {فَاجْعَلْ لي صرحا} أَيِ: ابْنِ لِي قَصْرًا؛ فَبَنَى لَهُ صَرْحًا عَالِيًا، وَقَدْ عَلِمَ فِرْعَوْنُ أَنَّ مُوسَى رَسُولُ اللَّهِ، وَهَذَا القَوْل مِنْهُ كذب. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 39 آيَة 43). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ} يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 {فَانْظُر} يَا مُحَمَّدُ {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمين} أَيْ: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ صيرهم إِلَى النَّار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} أَيْ: يَتْبَعُهُمْ مَنْ بَعْدَهَمْ مِنَ الْكفَّار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} يَعْنِي: الْغَرَقَ الَّذِي عَذَّبَهُمْ بِهِ (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 هم من المقبوحين} يَقُولُ: أَهْلُ النَّارِ مُشَوَّهُونَ سُودٌ زرق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب} التَّوْرَاةَ؛ وَهُوُ أَوَّلُ كِتَابٍ نَزَلَ فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ وَالْأَحْكَامُ {بَصَائِرَ للنَّاس}. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 44 آيَة 46). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 {وَمَا كنت} يَا مُحَمَّد {بِجَانِب الغربي} يَعْنِي: غَرْبِيَّ الْجَبَلِ {إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمر} يَعْنِي: الرِّسَالَةَ {وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدين} أَي: لم تشاهد ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 {وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمر} كَانَ بَين عِيسَى وَمُحَمّد خَمْسمِائَة سنة، وَقيل: سِتّمائَة سَنَةٍ {وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} أَيْ: لَمْ تَكُنْ يَا مُحَمَّدُ مُقِيمًا بِمَدْيَنَ؛ فَتَعْلَمَ كَيْفَ كَانَ أَمْرُهُمْ، فَتُخْبِرَ أَهْلَ مَكَّةَ بِشَأْنِهِمْ وَأمرهمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نادينا} قَالَ بَعْضُهُمْ: نُودِيَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ: أَجَبْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَدْعُونِي، وَأَعْطَيْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُونِي {وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا} يَعْنِي: قُرَيْشًا؛ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ {لَعَلَّهُم يتذكرون} لكَي يتذكروا. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (رَحْمَةً) بِالنَّصْبِ، فَالْمَعْنَى: فَعَلْنَا ذَلِكَ لِلرَّحْمَةِ؛ كَمَا تَقُولُ: فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ الْخَيْر؛ أَي: لابتغاء الْخَيْر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 سُورَة الْقَصَص من (آيَة 47 آيَة 50). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 {وَلَوْلَا أَن تصيبهم مُصِيبَة} يَعْنِي: الْعَذَابَ {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} بِالَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ {فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا} الْآيَةُ، يَقُولُ: وَلَوْ أَنَّا عَذَّبْنَاهُمْ لَاحْتَجُّوا، فَقَالُوا: رَبَّنَا لَوْلَا: هَلَّا {أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ ونكون من الْمُؤمنِينَ} فَقَطَعَ اللَّهُ عُذْرَهُمْ بِمُحَمَّدٍ؛ فَكَذَّبُوهُ. قَالَ الله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ} يعنون: النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام {مثل مَا أُوتِيَ مُوسَى} أَيْ: هَلَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً؛ كَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى جُمْلَةً وَاحِدَةً. قَالَ الله: {أَو لم يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قبل} وَقَدْ كَانَ كِتَابُ مُوسَى عَلَيْهِمْ حُجَّةً؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ {قَالُوا ساحران تظاهرا} مُوسَى وَمُحَمَّدٌ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ؛ وَهَذَا قَوْلُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ {وَقَالُوا إِنَّا بِكُل كافرون} يَعْنِي: بِالتَّوْرَاةِ وَالْقُرْآن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 قَالَ اللَّهُ: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا} مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْقُرْآنِ {أَتَّبِعْهُ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 {فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا لَك} لِيَأْتُوا بِهِ، وَلَا يَأْتُونَ بِهِ؛ وَلَكِنَّهَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ {إِنَّ اللَّهَ لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين} (ل 256) يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ عَلَى شركهم. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 51 آيَة 55). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 {وَلَقَد وصلنا لَهُم القَوْل} أَخْبَرْنَاهُمْ بِأَنَّا أَهْلَكْنَا مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لكَي يتذاكروا، فَيَحْذَرُوا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نزل بهم فيؤمنوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ} مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنَ {هُمْ بِهِ} بِالْقُرْآنِ {يُؤمنُونَ} يَعْنِي: مَنْ كَانَ مُسْتَمْسِكًا بِأَمْرِ مُوسَى وَعِيسَى، ثُمَّ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 {وَإِذا يُتْلَى عَلَيْهِم} الْقُرْآنُ {قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا من قبله} مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ بِهِ {مُسْلِمِينَ} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} عَلَى دِينِهِمْ {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} تَفْسِيرُ السُّدِّيُّ: يَدْفَعُونَ بِالْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ وَالْعَفْوِ الْأَذَى وَالْأَمْرَ الْقَبِيحَ {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} يَعْنِي: الزَّكَاة الْوَاجِبَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 {وَإِذا سمعُوا اللَّغْو} يَعْنِي: الشَّتْمَ وَالْأَذَى مِنْ كُفَّارِ قَومهمْ {أَعرضُوا عَنهُ} أَيْ: لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِمْ {وَقَالُوا} لِلْمُشْرِكِينَ: (لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 عَلَيْكُم} كَلِمَةُ حِلْمٍ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، وَتَحِيَّةٌ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ {لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} أَي: لَا نَكُون مِنْهُم. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ: مَعْنَى {سَلامٌ عَلَيْكُم} هَاهُنَا؛ أَيْ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْمُسَالَمَةُ، وَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ (يُؤْمَرُوا بِقِتَالِهِمْ). سُورَة الْقَصَص من (آيَة 56 آيَة 59). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ، حَيْثُ أَرَادَهُ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؛ فَأَبَى {وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} أَيْ: مَنْ قُدِّرَ لَهُ الْهُدَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ} يَعْنِي: التَّوْحِيدَ {نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} لِقِلَّتِنَا فِي كَثْرَةِ الْعَرَبِ، وِإِنَّمَا يَنْفِي الْحَرْبَ عَنَّا أَنَّا عَلَى دِينِهِمْ؛ فَإِنْ آمَنَّا بِكَ وَاتَّبَعْنَاكَ خَشِينَا أَنْ يَتَخَطَّفَنَا النَّاسُ؛ قَالَ الله للنَّبِي: {أَو لَو نمكن لَهُم حرما آمنا} الْآيَةُ. يَقُولُ: قَدْ كَانُوا فِي حَرَمِي يَأْكُلُونَ رِزْقِي وَيَعْبُدُونَ غَيْرِي وَهُمْ آمِنُونَ، فَيَخَافُونَ إِنْ آمَنُوا أَنْ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ مَنْ يَقْتُلُهُمْ وَيَسْبِيهِمْ؟! مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ {وَلَكِنَّ أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} يَعْنِي: من لم يُؤمن مِنْهُم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 قَرْيَة بطرت معيشتها} [هُوَ كَقَوْلِهِ: {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ}. قَالَ مُحَمَّدٌ: قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى {بطرت معيشتها} أَيْ:] أَشِرَتْ فِي مَعِيشَتِهَا، وَنَصْبُ (معيشتها) بِإِسْقَاط (فِي). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى} أَيْ: مُعَذِّبَهُمْ؛ يَعْنِي: هَذِهِ الْأُمَّةَ {حَتَّى يبْعَث فِي أمهَا} يَعْنِي: مَكَّة {رَسُولا} وَالرَسُولُ: مُحَمَّدٌ {إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} مُشْرِكُونَ {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأبقى} {الْجنَّة} (أَفلا تعقلون} يَقَوْلُهُ لِلْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ قَالَ عَلَى الِاسْتِفْهَام. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 60 آيَة 63). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 {أَفَمَن وعدناه وَعدا حسنا} يَعْنِي الْجَنَّةَ {فَهُوَ لاقِيهِ [كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ]} أَيْ: أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ. يُقَالُ: نزلت فِي النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 {قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} الْغَضَبُ؛ يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ: (رَبَّنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 هَؤُلَاءِ الَّذين أغوينا أغويناهم} أضللناهم {كَمَا غوينا} {ضَلَلْنَا} (تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إيانا يعْبدُونَ} أَيْ: بِسُلْطَانٍ كَانَ لَنَا عَلَيْهِمُ اسْتَكْرَهْنَاهُمْ بِهِ، وَإِنَّمَا دَعَوْنَاهُمْ بِالْوَسْوَسَةِ؛ كَقَوْلِه إِبْلِيسَ: {وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لي}. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 64 آيَة 71). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 {وَقيل ادعوا شركاءكم} يَعْنِي: الأَوْثَانَ {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُم وَرَأَوا الْعَذَاب} أَيْ: وَدَخَلُوا الْعَذَابَ {لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ} أَيْ: لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا مُهْتَدِينَ فِي الدُّنْيَا مَا دَخَلُوا الْعَذَابَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 {وَيَوْم يناديهم} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسلين} يُسَتَفْهِمُهُمْ؛ يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ، وَلَا يَسْأَلُ الْعِبَادَ عَنْ أَعْمَالهم إِلَّا الله وَحده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 {فعميت عَلَيْهِم الأنباء} الْحُجَجُ؛ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ {يَوْمَئِذٍ فهم لَا يتساءلون} أَي يَحْمِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ مَنْ ذُنُوبِهِمْ شَيْئًا؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 {فَأَما من تَابَ} من شركه {وآمن} أَيْ: أَخْلَصَ الْإِيمَانَ لِلَّهِ {وَعَمِلَ صَالحا} فِي إِيمَانِهِ {فَعَسَى أَنْ يَكُونَ من المفلحين} و (عَسى) من الله وَاجِبَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} مِنْ خَلْقِهِ لِلنُّبُوَّةِ. {مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة} يَعْنِي: أَن يختاروا هُوَ [الْأَنْبِيَاء (ل 257) فيتبعونهم]. {سُبْحَانَ الله} (ينزه نَفسه) {وَتَعَالَى} ارْتَفَعَ {عَمَّا يُشْرِكُونَ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 [{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُم اللَّيْل سرمدا} أَيْ: دَائِمًا لَا يَنْقَطِعُ، أَمْرُهُ يقَوْلُهُ لِلْمُشْرِكِينَ {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بضياء أَفلا تَسْمَعُونَ}]. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 72 آيَة 75). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُم النَّهَار سرمدا} أَيْ: دَائِمًا لَا يَنْقَطِعُ، أَمْرُهُ أَنْ يَقَوْلَهُ لِلْمُشْرِكِينَ {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} أَي: يسكن فِيهِ الْخلق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَار لتسكنوا فِيهِ} يَعْنِي: فِي اللَّيْلِ {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضله} بِالنَّهَارِ؛ وَهَذَا رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ؛ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَتَتِمُّ عَلَيْهِ رَحْمَةُ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَهِي رَحْمَةٌ لَهِ فِي الدُّنْيَا، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَة نصيب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 {وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} أَيْ: أَحْضَرْنَا رَسُولًا {فَقُلْنَا هَاتُوا برهانكم} حُجَّتُكُمْ بِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِمَا كُنْتُم عَلَيْهِ من الشّرك {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} يَعْنِي: أَوْثَانَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 76 79). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى} كَانَ ابْنَ عَمِّهِ؛ أَخِي أَبِيهِ {فبغى عَلَيْهِم} كَانَ عَامِلًا لِفِرْعَوْنَ، فَتَعَدَّى عَلَيْهِمْ وظلمهم {وَآتَيْنَاهُ من الْكُنُوز} أَيْ: مِنَ الْأَمْوَالِ؛ يَعْنِي: قَارُونَ {مَا إِن مفاتحه} يَعْنِي: مَفَاتِحُ خَزَائِنِهِ؛ فِي تَفْسِيرِ بَعضهم {لتنوء بالعصبة} أَيْ: لَتُثْقِلُ الْعُصْبَةَ {أُولِي الْقُوَّةِ} يَعْنِي: الشِّدَةَ؛ وَهُمْ هَا هُنَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: نَأَتْ بِالْعُصْبَةِ؛ أَيْ: مَالَتْ بِهَا، وَأَنْأَتِ الْعُصْبَةُ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 أَيْ: أَمَالَتْهَا. قَوْلُهُ: {لَا تَفْرَحْ} لَا تَبْطَرْ {إِنَّ اللَّهَ لَا يحب الفرحين} يَعْنِي: الْبَطِرِينَ؛ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ لَا (يشركُونَ) اللَّهَ فِيمَا أَعْطَاهُمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مِنَ الْفَرَحِ مَا يَكُونُ مَعْنَاهُ: الأشر والبطر. قَالَ الشَّاعِر: (وَلَيْسَت بِمِفْرَاحٍ إِذَا الدَّهْرُ سَرَّنِي ... وَلَا جَازِعٌ مِنْ صَرْفِهِ الْمُتَحَوِّلِ) يَقُولُ: لَسْتُ بِأَشِرٍ وَلَا بَطِرٍ؛ لَيْسَ هُوَ مِنَ الْفَرَحِ الَّذِي مَعْنَاهُ السرُور. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 {وابتغ فِيمَا آتاك الله} مِنْ هَذِهِ النِّعَمِ {الدَّارَ الآخِرَةَ} يَعْنِي: الْجَنَّةَ {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ من الدُّنْيَا} يَقُولُ: اعْمَلْ فِي دُنْيَاكَ لِآخِرَتِكَ. {وَأحسن} فِيمَا افْترض الله عَلَيْك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 {قَالَ} قَارون {إِنَّمَا أُوتِيتهُ} يَعْنِي: مَا أُعْطِيَ مِنَ الدُّنْيَا {على علم عِنْدِي} أَيْ: بِقُوَّتِي وَعِلْمِي. قَالَ مُحَمَّدٌ: قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ [أَقْرَأُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِلتَّوْرَاةِ] وَلِذَلِكَ ادَّعَى أَنَّ الْمَالَ أُعْطِيَهُ لِعِلْمِهِ. قَالَ اللَّهُ: بل هِيَ فتْنَة: بلية. {أَو لم يعلم} يَعْنِي: قَارُونَ {أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأكْثر جمعا} مِنَ الْجُنُودِ وَالرِّجَالِ؛ أَيْ: بَلَى قَدْ عَلِمَ {وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذنوبهم المجرمون} الْمُشْرِكُونَ لِتُعْلَمَ ذُنُوبُهُمْ مِنْ عِنْدِهِمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 {فَخرج على قومه} يَعْنِي: قَارون {فِي زينته} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: أَنَّهُ خَرَجَ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ حُمْرٌ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ، وَمَعَهُ أَرْبَعمِائَة جَارِيَةٍ عَلَيْهِنَّ ثِيَابٌ حُمْرٌ عَلَى بِغَالٍ بِيضٍ (قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 الَّذين يُرِيدُونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ {يَا لَيْتَ لَنَا مثل مَا أُوتِيَ قَارون} الْآيَة. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 80 آيَة 82). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 {وَقَالَ الَّذين أُوتُوا الْعلم} وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ لِلْمُشْرِكِينَ {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ الله} يَعْنِي: الْجنَّة {خير} {وَلَا يلقاها} يُعْطَاهَا؛ يَعْنِي: الْجَنَّةَ {إِلا الصَّابِرُونَ} وهم الْمُؤْمِنُونَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 {فَخَسَفْنَا بِهِ} بقارون {وَبِدَارِهِ} يَعْنِي: مَسْكَنَهُ، فَهُوَ يُخْسَفُ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ قَامَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 {وَأصْبح الَّذِي تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ الله} أَيْ: أَنَّ اللَّهَ {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لمن يَشَاء} {} (ويكأنه لَا يفلح الْكَافِرُونَ} أَيْ: وَإِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ} قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: سَبِيلُهَا سَبِيلُ: (أَلَمْ تَرَ) وَقَدْ رَأَيْتُ بَيْنَ النَّحْوِيِّينَ وَأَصْحَابِ اللُّغَةِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَة (ويكأنه) اخْتِلَافًا كَثِيرًا؛ فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 سُورَة الْقَصَص من (آيَة 83 آيَة 85). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 {لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ} يَعْنِي: شركا {وَلَا فَسَادًا} قتل الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤمنِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 {من جَاءَ بِالْحَسَنَة} لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ {فَلَهُ خير مِنْهَا} أَيْ: فَلَهُ مِنْهَا خَيْرٌ. {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} بِالشِّرْكِ {فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} يَقُولُ: جَزَاؤُهُمُ النَّارُ خَالِدِينَ فِيهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 {إِن الَّذِي فرض} يَعْنِي: أنزل {عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد}. قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ هَاجَرَ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ وَهُوَ بِالْجَحْفَةِ مُوَّجِهٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: أَشْتَقْتَ يَا مُحَمَّدُ إِلَى بِلَادِكَ الَّتِي وُلِدْتَ بِهَا فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد} يَعْنِي إِلَى مَوْلِدِكَ الَّذِي خَرَجْتَ مِنْهُ، ظَاهِرًا عَلَى أَهْلِهِ ". {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى} أَيْ: مُحَمَّدٌ جَاءَ بِالْهُدَى، فَآمَنَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ (ل 258) {وَمن هُوَ} أَيْ: أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ {فِي ضلال مُبين} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 سُورَة الْقَصَص من (آيَة 86 آيَة 88). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْك} يَعْنِي النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام. {أَن يلقى إِلَيْك الْكتاب} يَعْنِي: أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكَ [وَقَوْلُهُ: {ترجو} يَقُوله للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام] {إِلَّا رَحْمَة من رَبك} يَقُولُ: [وَلَكِنْ] نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ {فَلا تَكُونَنَّ ظهيرا} عوينا {للْكَافِرِينَ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} يَعْنِي: إِلَّا هُوَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: {وَجهه} مَنْصُوبٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، الْمَعْنَى: إِلَّا إِيَّاهُ؛ وَهُوَ مَذْهَبُ يَحْيَى. {لَهُ الحكم} الْقَضَاء {وَإِلَيْهِ ترجعون}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 تَفْسِيرُ سُوْرَةِ الْعَنْكَبُوتِ وَهِيَ مَكِّيَةُ كُلُّهَا إِلَّا عَشْرَ آيَاتٍ مَدَنِيَّةٍ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقين}. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةٌ المعنكبوت من (آيَة 1 آيَة 8). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 قَوْله: {الم} قَدْ مَضَى (الْقَوْلُ فِيهِ) فِي أول سُورَة الْبَقَرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} يَعْنِي: يُبْتَلَوْنَ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ هُمْ قَوْمٌ كَانُوا بِمَكَّةَ مِمَّنْ أَسْلَمَ كَانَ قَدْ وُضِعَ عَنْهُم الْجِهَاد وَالنَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا افْتُرِضَ الْجِهَادُ، وَقَبِلَ مِنْهُمْ أَنْ يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 يُجَاهِدُوا، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ حِينَ أَخْرَجَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ؛ فَلَمَّا أُمِرُوا بِالْجِهَادِ كَرِهُوا الْقِتَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 {وَلَقَد فتنا} اخْتَبَرْنَا {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ الله الَّذين صدقُوا} بِمَا أَظْهَرَوُا مِنَ الْإِيمَانِ {وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبين} يَعْنِي: الَّذِينَ يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ وَقُلُوبُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَهَذَا عِلْمُ الْفِعَالِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى عِلْمُ الْفِعَالِ: الْعِلْمُ الَّذِي تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَعَلَيْهِ يَكُونُ الْجَزَاءُ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ الصَّادِقَ وَالْكَاذِبَ قبل خلقهما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} يَعْنِي: الشّرك {أَن يسبقونا} حَتَّى لَا نَقْدِرَ عَلَيْهِمْ فَنُعَذِّبَهُمْ أَيْ: قَدْ حَسِبُوا ذَلِكَ وَلَيْسَ كَمَا ظنُّوا {سَاءَ مَا} أَي: بئس مَا {يحكمون} أَنْ يَظُنُّوا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمْ، ثُمَّ لَا يَبْعَثُهُمْ فَيَجْزِيَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله} يَقُولُ: مَنْ كَانَ يَخْشَى الْبَعْثَ، وَهَذَا الْمُؤْمِنُ {فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآت} يَعْنِي: الْبَعْث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} يَقُولُ: يُعْطِيهِ اللَّهُ ثَوَابَ ذَلِكَ. {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} أَي: عَن عِبَادَتهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ} يَعْنِي: جَمِيعَ النَّاسِ بِوَالِدِيهِ {حُسْنًا} أَيْ: بِرًّا {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي} أَيْ: أَرَادَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ علم} أَيْ: أَنَّكَ لَا تَعْلَمُ أَنَّ مَعِي شَرِيكًا؛ يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ {فَلا تطعهما}. سُورَة النعكبوت من (آيَة 9 آيَة 13). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحين} (يَعْنِي: مَعَ الصَّالِحِينَ) وَهُمْ أَهْلُ الْجنَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّه} رَجَعَتِ الْقِصَّةُ إِلَى الْكَلَامِ الْأَوَّلِ {الم أَحَسِبَ النَّاسُ} إِلَى قَوْلِهِ: {وليعلمن الْكَاذِبين} فَوَصَفَ الْمُنَافِقَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْآخِرَةِ، فَقَالَ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كعذاب الله} أَيْ: إِذَا أُمِرَ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فِيهِ أَذًى، رَفَضَ مَا أُمِرَ بِهِ. وَأَقَامَ عَنِ الْجِهَادِ، وَجَعَلَ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنَ الْبَلِيَّةِ فِي الْقِتَالِ إِذَا كَانَتْ بَلِيَّةً كَعَذَابِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ خَوَّفَهُ عَذَابَ الْآخِرَةِ وَهُوَ لَا يُقِرُّ بِهِ {وَلَئِنْ جَاءَ نصر من رَبك} يَعْنِي: نصرا على الْمُشْركين {ليقولون} يَعْنِي: جَمَاعَتَهُمْ {إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} يطْلبُونَ الْغَنِيمَة، قَالَ الله: {أَو لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالمين} أَيْ: أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ فِي صُدُورِهِمُ التَّكْذِيبُ بِاللَّهِ وبرسوله وهم يظهرون الْإِيمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتبعُوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} أَيْ: مَا كَانَ فِيهِ مِنْ إِثْمٍ فَهُوَ [عَلَيْنَا] وَهَذَا مِنْهُمْ إِنْكَارٌ لِلْبَعْثِ وَالْحِسَابِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (ولنحمل) هُوَ أَمْرٌ فِي تَأْوِيلِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، الْمَعْنَى: إِنْ تَتَّبِعُوا سَبِيلَنَا حملنَا خطاياكم أَيْ إِنْ كَانَ فِيهِ إِثْمٌ فَنحْن نحمله وَإِلَى هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 (ل 259) ذهب يحيى. {وَمَا هم} يَعْنِي: الْكَافِرِينَ {بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ} يَعْنِي: خَطَايَا الْمُؤْمِنِينَ {مِنْ شَيْءٍ} لَو أتبعوهم {وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 {وليحملن أثقالهم} يَعْنِي: آثَامَ أَنْفُسِهِمْ {وَأَثْقَالا مَعَ أثقالهم} يَقُولُ: يَحْمِلُونَ مِنْ ذُنُوبِ مَنِ اتَّبَعَهُمْ عَلَى الضَّلَالَةِ، وَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ ذُنُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ شَيْئًا. يَحْيَى: عَنْ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " أَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ عَلَيْهِ، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَأَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ". سُورَة الْقَصَص من (آيَة 14 آيَة 18). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خمسين عَاما} قَالَ كَعْبٌ: لَبِثَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، ثُمَّ لَبِثَ بَعْدَ الطُّوفَانِ سِتّمائَة سنة {فَأَخذهُم الطوفان} إِلَى قَوْله: {آيَة للْعَالمين} قَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي سُوْرَةِ هُودٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالطُّوفَانُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَا كَانَ كَثِيرًا مُهْلِكًا لِلْجَمَاعَةِ؛ كَالْغَرَقِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى جَمَاعَةٍ وَالْقَتْلِ الذَّرِيعِ وَالْمَوْت الجارف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أوثانا وتخلقون إفكا} أَي: تَقولُونَ كذبا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 {وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ من قبلكُمْ} أَيْ: فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، يُحَذِّرُهُمْ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا {وَمَا عَلَى الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين} أَيْ: لَيْسَ عَلَيْكَ أَنْ تُكْرِهَ النَّاس على الْإِيمَان. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 19 آيَة 23). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 {أَو لم يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ} بَلَى قَدْ رَأُوا أَنَّ اللَّهَ قَدْ خَلَقَ الْعِبَادَ {ثُمَّ يُعِيدُهُ} يُخْبِرُ أَنَّهُ يَبْعَثُ الْعِبَادَ {إِنَّ ذَلِك على الله يسير} خلقهمْ وبعثهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 {ثمَّ الله ينشئ} يخلق {النشأة الْآخِرَة} يَعْنِي: الْبَعْث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاء} يَعْنِي: مَا أَنْتُمْ بِسَابِقِي اللَّهِ بِأَعْمَالِكُمُ الْخَبِيثَةِ فَتَفُوتُونَهُ هَرَبًا؛ يَقُوْلُهُ للْمُشْرِكين. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 24 آيَة 27). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 {فَمَا كَانَ جَوَاب قومه} رَجَعَ إِلَى قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أَيْ: فِيمَا صَنَعَ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِهُ وَمَا نَجَّاهُ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ الْمُؤْمِنُونَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: من قَرَأَ (جَوَاب) بِالنّصب جعل (أَن قَالُوا) اسْم كَانَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 {ثمَّ قَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أوثانا مَوَدَّة بَيْنكُم} أَيْ: يُحِبُّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. قَالَ مُحَمَّد: (مَوَدَّة) مَنْصُوبٌ بِمَعْنَى: اتَّخَذْتُمْ هَذَا لِلْمَوَدَّةِ. {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْض} أَيْ: يَتَبَرَّأُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 {وَقَالَ إِنِّي مهَاجر إِلَى رَبِّي} إِبْرَاهِيمُ يَقُولُهُ؛ هَاجَرَ مِنْ أَرْضِ الْعرَاق إِلَى أَرض الشَّام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 {وَآتَيْنَاهُ أجره} فِي الدُّنْيَا فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينٍ إِلَّا وَهُمْ يَتَوَلُّونَهُ وَيُحِبُّونَهُ. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 28 آيَة 30). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 {ولوطا} أَيْ: وَأَرْسَلْنَا لُوطًا {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُم لتأتون الْفَاحِشَة} يَعْنِي: إِتْيَانَ الرِّجَالِ فِي أَدْبَارِهِمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 {أئنكم لتأتون الرِّجَال}. قَالَ مُحَمَّد: (أئنكم) لَفْظُهُ لَفْظُ الِاسْتِفْهَامِ، وَالْمَعْنَى مَعْنَيَ التَّقْرِير والتوبيخ. {وتقطعون السَّبِيل} كَانُوا يَتَعَرَّضُونَ الطَّرِيقَ يَأْخُذُونَ الْغُرَبَاءَ؛ فَيَأْتُونَهُمْ فِي أَدْبَارِهِمْ، وَلَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكر} فِي مَجْمَعِكُمُ الْمُنْكَرَ؛ يَعْنِي: فِعْلَهُمْ ذَلِك. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 31 35). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 {وَلما أَن جَاءَت رسلنَا} يَعْنِي: الْمَلَائِكَة {إِبْرَاهِيم بالبشرى} بِإِسْحَاقَ {قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِه الْقرْيَة} يَعْنُونَ: قَرْيَةَ لُوْطٍ {إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظالمين} مُشْرِكين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} لِمَا تَخَوَّفَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ فِعْلِ قَوْمِهِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُمْ آدَمِيُّونَ. {وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ} الْمَلَائِكَة قالته للوط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 {إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يفسقون} يشركُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 {وَلَقَد تركنَا مِنْهَا آيَة (ل 260} بَيِّنَة} أَي: [عِبْرَة] {لقوم يعْقلُونَ} وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ قصَّة قوم لوط. سُورَة الْقَصَص من (آيَة 36 آيَة 38). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 {وَإِلَى مَدين} أَيْ: وَأَرْسَلْنَا إِلَى مَدْيَنَ {أَخَاهُمْ شعيبا} أَخُوهُمْ فِي النَّسَبِ، وَلَيْسَ بِأَخِيهِمْ فِي الدِّينِ {فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ} أَي: صدقُوا بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 {فَكَذبُوهُ فَأَخَذتهم الرجفة} الْعَذَابُ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ {فَأَصْبَحُوا فِي دَارهم جاثمين} أَي: هالكين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 {وعادا وثمودا} أَي: وأهلكنا عادا وثمودا {وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} يَعْنِي: مَا رَأَوْا مِنْ آثَارِهِمْ {وَكَانُوا مستبصرين} فِي الضَّلَالَة. سُورَة العنكبوت من (آيَة 39 - آيَة 40). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 {وَقَارُون} أَيْ: وَأَهْلَكْنَا قَارُونَ {وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَمَا كَانُوا سابقين} أَيْ: يَسْبِقُونَنَا؛ حَتَّى لَا نَقْدِرَ عَلَيْهِم فنعذبهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 {فكلا أَخذنَا بِذَنبِهِ} يَعْنِي: مِنْ أُهْلِكَ مِنَ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حاصبا} يَعْنِي: قَوْمَ لُوطٍ الَّذِينَ رُجِمُوا بِالْحِجَارَةِ؛ مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ مَدِينَتِهِمْ، وَأْهِلُ السَّفَرِ مِنْهُمْ. {وَمِنْهُمْ من أَخَذته الصَّيْحَة} ثَمُودُ {وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْض} يَعْنِي: مَدِينَةَ قَوْمِ لُوطٍ وَقَارُونَ {وَمِنْهُم من أغرقنا} قوم نوح، وَفرْعَوْن وَقَومه. سُورَة العنكبوت من (آيَة 41 - آيَة 45). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 {مثل الَّذين اتخدوا من دون الله أَوْلِيَاء} يَعْنِي: أَوْثَانَهُمُ الَّتِي عَبَدُوهَا مَنْ دُونِ اللَّهِ {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتا وَإِن أوهن الْبيُوت} أَضْعَف الْبيُوت {لبيت العنكبوت} أَيْ: إِنَّ أَوْثَانَهُمْ لَا تُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا كَمَا لَا يَكِنُّ بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ مِنَ حَرٍّ وَلَا بَرْدٍ {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} لَعَلِمُوا أَنَّ أَوْثَانَهُمْ لَا تُغْنِي عَنْهُم شَيْئا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 {وَتلك الْأَمْثَال نَضْرِبهَا للنَّاس} أَيْ: نَصِفُهَا وَنُبَيِّنُهَا {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالمُونَ} يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 {خلق الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} أَيْ: لِلْبَعْثِ وَالْحِسَابِ {إِنَّ فِي ذَلِك لآيَة} لَعِبْرَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ: إِنَّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ يَبْعَثُ الْخَلْقَ يَوْم الْقِيَامَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكر} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: إِنَّ الْعَبْدَ مَا دَامَ فِي صَلَاتِهِ لَا يَأْتِي فُحْشًا وَلَا مُنْكَرًا {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أكبر} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: قَالَ اللَّهُ: {فَاذْكُرُونِي أذكركم} فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ الْعَبْدُ ذَكَرَهُ اللَّهُ، فَذِكْرُ اللَّهِ الْعَبْدَ أَكْبَرُ من ذكر العَبْد إِيَّاه. سُورَة العنكبوت من (آيَة 46 - آيَة 48). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظلمُوا مِنْهُم} قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي: مَنْ قَاتَلَكَ مِنْهُمْ وَلَمْ يُعْطِكَ الْجِزْيَةَ فَقَاتِلْهُ، وَإِنَّمَا أُمِرَ بِقِتَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، وَهَذَا مِمَّا نَزَلَ بِمَكَّةَ؛ لِيَعْمَلُوا بِهِ بِالْمَدِينَةِ [نسختها آيَة الْقِتَال] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 {فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} يَعْنِي: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ {وَمِنْ هَؤُلَاءِ} يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ {مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} يَعْنِي: الْقُرْآن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ} مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ {مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ المبطلون} لَوْ كُنْتَ تَقْرَأُ وَتَكْتُبُ، وَ (المبطلون) فِي تَفْسِيرِ بَعْضِهِمْ: مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ: أَيْ: إِنَّهُمْ يَجِدُونَكَ فِي كُتُبِهِمْ أُمِيًّا فَلَو كُنْتَ تَكْتُبُ لَارْتَابُوا. سوررة العنكبوت من (آيَة 49 - آيَة 52). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُور الَّذين أُوتُوا الْعلم} يَعْنِي: (النَّبِي) وَالْمُؤمنِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 {وَقَالُوا لَوْلَا} هَلَّا {أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ ربه} كَانُوا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِالْآيَاتِ، قَالَ اللَّهُ: {قُلْ إِنَّمَا الْآيَات عِنْد الله} إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُنْزِلَ آيَة أنزلهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 {أَو لم يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِم} أَيْ: تَتْلُوهُ وَأَنْتَ لَا تَقْرَأُ وَلَا تَكْتُبُ، فَكَفَاهُمْ ذَلِكَ لَوْ عقلوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدا} إِنِّي رَسُولُهُ وَإِنَّ هَذَا الْكِتَابَ مِنْ عِنْدِهِ؛ وَإِنَّكُمْ عَلَى الْكُفْرِ {وَالَّذين آمنُوا بِالْبَاطِلِ} وَالْبَاطِل: إِبْلِيس. سُورَة العنكبوت من (آيَة 53 آيَة 60). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 {ويستعجلونك بِالْعَذَابِ} كَانَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام يُخَوِّفُهُمُ الْعَذَابَ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا؛ فَكَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ اسْتِهْزَاءً وَتَكْذِيبًا. قَالَ اللَّهُ: {وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى} (ل 261) النفخة [الأولى] {لجاءهم الْعَذَاب} أَنَّ اللَّهَ أَخَّرَ عَذَابَ كُفَّارِ آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالِاسْتِئْصَالِ إِلَى النَّفْخَةِ الأُولَى؛ بِهَا يَكُونُ هَلاكُهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 (يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرجُلهم} كَقَوْلِهِ: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمن فَوْقهم غواش} {} (وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أَيْ: ثَوَابَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أرضي وَاسِعَة} أَمَرَهُمُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَة {فأياي فاعبدون} أَيْ: فِي تِلْكَ الْأَرْضِ الَّتِي أَمَرَكُمْ أَنْ تُهَاجِرُوا إِلَيْهَا، يَعْنِي: الْمَدِينَة. قَالَ مُحَمَّد: (فإياي) مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ الَّذِي ظَهَرَ تَفْسِيرُهُ؛ الْمَعْنَى فَاعْبُدُوا إِيَّايَ: فَاعْبُدُونِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 {لنبوئنهم} أَيْ: لَنُسْكِنَنَّهُمْ {مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا ... نعم أجر العاملين} نِعْمَ ثَوَابُ الْعَامِلِينَ فِي الدُّنْيَا؛ يَعْنِي: الْجنَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 {وكأين} أَيْ: وَكَمْ {مِنْ دَابَّةٍ لَا تحمل رزقها} يَعْنِي: تَأْكُلُ بِأَفْوَاهِهَا، وَلَا تَحْمِلُ شَيْئا لغد. سُورَة العنكبوت من (آيَة 61 آيَة 63). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} يَقُولُ: فَكَيْفَ يُصْرَفُونَ بَعْدَ إِقْرَارِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 [{وَالله يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عباده وَيقدر لَهُ} أَيْ: يَقْتُرُ. (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 شَيْءٍ عَلِيمٌ) { الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 } (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فأحي بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بل أَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ} أَيْ: أَنَّهُمْ قَدْ أَقَرُّوا بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ]، ثُمَّ عبدُوا الْأَوْثَان من دونه؟!. سُورَة العنكبوت من (آيَة 64 آيَة 66). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهو وَلعب} أَيْ: أَنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا أَهْلُ لَهْوٍ وَلَعِبٍ؛ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ هُمْ أَهْلُ الدُّنْيَا لَا يُقِرُّونَ بِالْآخِرَةِ {وَإِن الدَّار الْآخِرَة} يَعْنِي: الْجنَّة {لهي الْحَيَوَان} أَيْ: يَبْقَى فِيهَا أَهْلُهَا لَا يموتون {لَو كَانُوا يعلمُونَ} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ لَعَلِمُوا أَنَّ الْآخِرَةَ خير من الدُّنْيَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} إِذا خَافُوا الْغَرق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 {ليكفروا بِمَا آتَيْنَاهُم} كَقَوْلِه: {بدلُوا نعْمَة الله كفرا} {} (وليتمتعوا) {فِي الدُّنْيَا} (فَسَوف يعلمُونَ} إِذَا صَارُوا إِلَى النَّارِ؛ وَهَذَا وَعِيد. سُورَة العنكبوت من (آيَة 67 آيَة 69). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 {أَو لم يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} أَيْ: بَلَى قَدْ رَأَوْا ذَلِكَ {وَيُتَخَطَّف النَّاس من حَولهمْ} يَعْنِي: أَهْلَ الْحَرَمِ، يَقُولُ: إِنَّهُمْ آمِنُونُ، وَالْعَرَبُ حَوْلَهُمْ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا {أفبالباطل يُؤمنُونَ} أَفَبِإِبْلِيسَ يُصَدِّقُونَ؟! أَيْ: بِمَا وَسْوَسَ إِلَيْهِمْ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَهِيَ عِبَادَته {وبنعمة الله يكفرون} يَعْنِي: مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَام مِنَ الْهُدَى، وَهَذَا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَي: قد فعلوا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كذبا} فَعَبَدَ الْأَوْثَانَ دُونَهُ {أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ} بِالْقُرْآنِ {لما جَاءَهُ} أَي: لَا أحد أظلم مِنْهُ {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مثوى} أَي: منزل {للْكَافِرِينَ} أَيْ: بَلَى فِيهَا مَثْوًى لَهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 {وَالَّذين جاهدوا فِينَا} يَعْنِي: عَمِلُوا لَنَا. {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} يَعْنِي: سُبُلَ الْهُدَى. {وَإِنَّ اللَّهَ لمع الْمُحْسِنِينَ} يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 تَفْسِيرُ سُوْرَةِ الرُّوْمِ وَهِيَ مَكِيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَة الرّوم من (آيَة 1 آيَة 7). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 قَوْله: {الم} قد مضى القَوْل فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 {غلبت الرّوم} غلبتهم فَارس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 {فِي أدنى الأَرْض} أَرْضِ الرُّومِ بِأَذْرُعَاتٍ مِنَ الشَّامِ؛ بِهَا كَانَتِ الْوَقْعَةُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ شَمِتُوا، وَكَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يَظْهَرَ الْمَجُوسُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ؛ لِأَن الرّوم أهل كتاب، قَالَ اللَّهُ: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غلبهم سيغلبون} فَارس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 {فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ من قبل وَمن بعد} مِنْ قَبْلِ أَنْ تُهْزَمَ الرُّومُ، وَمِنْ بَعْدِ مَا هُزِمَتْ {وَيَوْمَئِذٍ} يَوْمَ يَغْلِبُ الرُّومُ فَارِسَ {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ} إِلَى قَوْلِهِ: {لَا يَعْلَمُونَ} فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلْمُشْرِكِينَ: لِمَ تَشْمَتُونَ؟ فَوَاللَّهِ لَتَظْهَرَنَّ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ. وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ: أَنَا أُبَايِعُكَ أَلَّا تَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ. فَتَبَايَعَا عَلَى خَطَرٍ بِسَبْعٍ مِنَ الْإِبِلِ. ثُمَّ رَجَعَ أَبُو بُكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام: اذْهَبْ فَبَايِعْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 إِلَى سَبْعِ سِنِينَ، مِدَّ فِي الْأَجَلِ وَزِدْ فِي الْخَطَرِ [وَلَمْ يَكُنْ حَرَامٌ ذَلِكَ يَوْمَئِذٍ، وِإِنَّمَا حُرِّمَ الْقُمَارُ وَهُوَ الْمَيْسِرُ بَعْدَ] غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ، فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهِم (ل 262) قَالَ: اجْعَلُوا (الْوَعْدَ) إِلَى سَبْعِ سِنِينَ وَأَزِيدَكُمْ فِي الْخَطَرِ. فَفَعَلُوا فَزَادُوا فِيهِ ثَلَاثًا فَصَارَتْ عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ، وَصَارَتِ السُّنُونَ سَبْعًا؛ فَلَمَّا جَاءَتَ سَبْعُ سِنِينَ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسٍ، وَكَانَ اللَّهُ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا غَلَبَتِ الرُّومُ فَارِسَ أَظْهَرَهُمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، وَالْمُؤْمِنُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ، وَبِأَنَّ اللَّهَ صَدَقَ قَوْلَهُ وَصَدَقَ رَسُولَهُ. قَالَ مُحَمَّد: (وعد الله) مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ؛ الْمَعْنَى: وَعَدَ اللَّهُ وَعْدًا. {وَلَكِنَّ أَكثر النَّاس} يَعْنِي: الْمُشْركين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 {لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: يَعْلَمُونَ حِينَ زَرْعِهِمْ، وَحِينَ حَصَادِهِمْ، وَحِينَ نِتَاجِهِمْ {وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} لَا يقرونَ بهَا. سُورَة الرّوم من (آيَة 8 آيَة 10). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 {أَو لم يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ الله السَّمَاوَات وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ} أَيْ: لَوْ تَفَكَّرُوا فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَعَلِمُوا أَنَّ الَّذِي خَلَقَهُمَا يَبْعَثُ الْخَلْقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {وَإِن كثيرا من النَّاس} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 {وَكَانُوا أَشد مِنْهُم قُوَّة} أَي: بطشا {وأثاروا الأَرْض} أَيْ: حَرَثُوهَا {وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عمروها} أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرَ هَؤُلَاءِ {فَمَا كَانَ الله ليظلمهم} يَعْنِي: كُفَّارَ الْأَمَمِ الْخَالِيَةِ فَيُعَذِّبَهُمْ عَلَى غَيْرِ ذَنْبٍ {وَلَكِنْ كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ} بِكُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ؛ أَيْ: قَدْ [سَارُوا] فِي الْأَرْضِ وَرَأَوا آثَارَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُخَوِّفُهُمْ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ إِنْ لم يُؤمنُوا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا} أشركوا {السوأى} يَعْنِي: جَهَنَّمَ {أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ الله} يَعْنِي: بِأَنْ كَذَّبُوا. قَالَ مُحَمَّدٌ: من قَرَأَ: (عَاقِبَة) بِالرَّفْع جعل (السوأى) خَبَرًا لِكَانَ، وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ الْفُعْلَى مِنَ السُّوْءِ قَالَ الشَّاعِرُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 ( ... أَمْ كَيْفَ يَجْزُونَنِي السُّوأَى مِنَ الْحسن) سُورَة الرّوم من (آيَة 11 آيَة 15). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 قَوْله: {وَالله يبدؤ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ} يَعْنِي: الْبَعْثَ {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ} أَيْ: يَيْأَسُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْجَنَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ} يَعْنِي: أوثانهم {شُفَعَاء} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 {يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ}: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ، وَفَرِيقٌ فِي السعير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 {فهم فِي رَوْضَة يحبرون} يكرمون. سُورَة الرّوم من (آيَة 16 آيَة 19). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 {فسبحان الله حِين تمسون} الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كُلُّهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 {فسبحان الله حِين تمسون} الْمغرب وَالْعشَاء {وَحين تُصبحُونَ} صَلَاة الْفجْر {وعشيا} صَلَاة الْعَصْر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 {وَحين تظْهرُونَ} صَلَاةَ الظُّهْرِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: تَقُولُ: أَظْهَرْنَا؛ أَيْ: دَخَلْنَا فِي الظَّهِيرَةِ؛ وَهُوَ وَقْتُ الزَّوَالِ. قَالَ يَحْيَى: " نزلت هَذِه الْآيَة بعد مَا أسرِي بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام وَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَكُلُّ صَلَاةٍ ذُكِرَتْ فِي الْمَكِّيِّ مِنَ الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَهِي رَكْعَتَانِ غُدْوَةً، وَرَكْعَتَانِ عَشِيَّة ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّت من الْحَيّ} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يُخْرِجُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ، وَيُخْرِجُ الْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ {ويحيي الأَرْض بعد مَوتهَا} يُحْيِيهَا بِالنَّبَاتِ بَعْدَ إِذْ كَانَتْ يَابِسَةً. {وَكَذَلِكَ تخرجُونَ} يَعْنِي: الْبَعْثَ؛ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا مَنِيًا كَمَنِيِّ الرِّجَالِ، فَتَنْبُتُ بِهِ جُسْمَانُهُمْ وَلُحْمَانُهُمْ؛ كَمَا تَنْبُتُ الْأَرْضُ الثرى. سُورَة الرّوم من (آيَة 20 آيَة 24). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 {وَمن آيَاته} تَفْسِيرُ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: وَمِنْ عَلَامَاتِ الرَّبِّ أَنَّهُ وَاحِدٌ {أَنْ خَلَقَكُمْ من تُرَاب} يَعْنِي: الْخَلْقَ الْأَوَّلَ: خَلْقَ آدَمَ {ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} تنبسطون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ من أَنفسكُم أَزْوَاجًا} يَعْنِي: الْمَرْأَةَ هِيَ مِنَ الرَّجُلِ {لتسكنوا إِلَيْهَا} أَيْ: تَسْتَأْنِسُوا بِهَا {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّة} محبَّة {وَرَحْمَة} يَعْنِي: الْوَلَد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 {وَاخْتِلَاف أَلْسِنَتكُم وألوانكم} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: اخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ لِلْعَرَبِ كَلَامٌ، وَلِفَارِسَ كَلَامٌ، وَلِلرُّومِ كَلَامٌ (سَائِرهمْ من النَّاس) كَلَام {وألوانكم} أَبيض وأحمر وأسود. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وابتغاؤكم من فَضله} (263) كَقَوْلِهِ: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا من فَضله} مِنْ رِزْقِهِ بِالنَّهَارِ {إِنَّ فِي ذَلِك لآيَات لقوم يسمعُونَ} وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ سَمِعُوا عَنِ اللَّهِ مَا أنزل عَلَيْهِم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 {يريكم الْبَرْق خوفًا وَطَمَعًا} خَوْفًا لِلْمُسَافِرِ يَخَافُ أَذَاهُ وَمَعَرَّتَهُ، وَطَمَعًا لِلْمُقِيمِ فِي الْمَطَرِ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ عَقِلُوا عَنِ اللَّهِ مَا أنزل عَلَيْهِم. سُورَة الرّوم من (آيَة 25 آيَة 27). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْض بأَمْره} كَقَوْلِه: {إِن الله يمسك السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَن تَزُولَا}. {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ} يَعْنِي: النَّفْخَةَ الْآخِرَةَ، وَفِيهَا تَقْدِيمٌ: إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً إِذَا أَنْتُمْ من الأَرْض تخرجُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 {كل لَهُ قانتون} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: كُلٌّ لَهُ مُطِيعُونَ فِي الْآخِرَةِ؛ فَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ من الْكفَّار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 {وَهُوَ الَّذِي يبدؤ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ} بعد الْمَوْت؛ يَعْنِي: الْبَعْث. {وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ} أَيْ: وَهُوَ أَسْرَعُ عَلَيْهِ بَدْءُ الْخَلْقِ خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمَعْنَى: وَهُوَ هَيِّنٌ عَلَيْهِ؛ كَمَا قَالُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ بِمَعْنَى الْكَبِيرِ، وَكَمَا قَالُوا: أَجْهَلُ؛ بِمَعْنَى: جَاهِلٍ، وَأَنْشَدَ: (وَقَدْ أَعْتِبُ ابْنَ الْعَمِّ إِنْ كَانَ ظَالِمًا ... وَأَغْفِرُ عَنْهُ الْجَهْلَ إِنْ كَانَ أجهلا) سُورَة الرّوم من (آيَة 28 آيَة 29). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 قَوْلُهُ: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَيْ: لَيْسَ لَهُ نِدٌّ وَلَا شبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ} ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ الْمَثَلَ فَقَالَ: {هَل لكم} يَعْنِي: ألكم؟ {مِمَّا ملكت أَيْمَانكُم} يَعْنِي: عبيدكم {من شُرَكَاء فِيمَا رزقناكم فَأنْتم فِيهِ سَوَاء} أَيْ: هَلْ يُشَارِكُ أَحَدُكُمْ مَمْلُوكَهُ فِي زَوجته وَمَاله؟ {تخافونهم} تخافون لائمتهم {كخيفتكم أَنفسكُم} يَعْنِي: كَخِيفَةِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا؛ أَيْ: أَنه لَيْسَ أحد مِنْكُم هَذَا؛ فَأَنَا أَحَقُّ أَلَّا يُشْرَكَ بِعِبَادَتِي غَيْرِي {كَذَلِك نفصل الْآيَات} نبينها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْر علم} أَتَاهُمْ مِنَ اللَّهِ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ {فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} أَي: لَا أحد يهديه. سُورَة الرّوم من (آيَة 30 آيَة 32). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 {فأقم وَجهك} اي: وجهتك {للدّين حَنِيفا} أَي: مخلصا. {فطرت الله الَّتِي فطر} خلق {النَّاس عَلَيْهَا}. قَالَ مُحَمَّد: (فطرت الله) نَصْبٌ بِمَعْنَى: اتَّبِعْ فِطْرَةَ اللَّهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 قَالَ يَحْيَى: وَهْوَ قَوْلُهُ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ من ظُهُورهمْ ذرياتهم} الْآيَةُ. إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ؛ فَقَالَ: اكْتُبْ. قَالَ: رَبِّ مَا أَكْتُبُ! قَالَ: مَا هُوَ كَائِنٌ. قَالَ: فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ فَأَعْمَالُ الْعِبَادِ تُعْرَضُ كُلَّ يَوْم اثْنَيْنِ وَخمسين عَرْضَةً (فَيَجِدُونَهَا) عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ. ثُمَّ مَسَحَ بَعَدَ ذَلِكَ عَلَى ظَهْرِ آدَمَ فَأَخْرَجَ (مِنْهَا) كُلَّ نَسْمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا، فَأَخْرَجَهُمْ مِثْلَ الذَّرِّ. فَقَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بلَى شَهِدنَا} ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْبِ آدَمَ، ثُمَّ يَكْتُبُ الْعَبْدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ: شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا، عَلَى الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، فَمَنْ كَانَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ شَقِيًّا عُمِّرَ حَتَّى يَجْرِيَ عَلَيْهُ الْقَلَمُ فَيَنْقُضُ الْمِيثَاقَ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِ فِي صُلْبِ آدَمَ بِالشِّرْكِ، وَمَنْ كَانَ فِي الْكتاب الأول سعيدا غمر حَتَّى يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْقَلَمُ [فَيُؤْمِنَ] فَيَصِيرُ سَعِيدًا، وَمَنْ مَاتَ صَغِيرًا مِنْ أَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ أَنْ يجْرِي عَلَيْهِ الْقَلَم؛ فيكونون من آبَائِهِمْ فِي [الْجَنَّةِ مِنْ مُلُوكِ] أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْقَلَمُ، فَلَيْسَ يَكُونُونُ مَعَ آبَائِهِمْ فِي النَّارِ؛ لِأَنَّهُمْ مَاتُوا عَلَى الْمِيثَاقِ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ فِي صُلْبِ آدَمَ، وَلَمْ يَنْقُضُوا الْمِيَثَاقَ. قَالَ يَحْيَى: وَقَدْ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ يَزِيدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ: لَمْ تَكُنْ لَهُمْ حَسَنَاتٌ؛ فَيُجْزَوا بِهَا فَيَكُونُوا مِنْ مُلُوكِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ سَيِّئَاتٌ؛ فَيُعَاقَبُوا بِهَا فَيَكُونُوا مِنْ أَهْلِ النَّارِ؛ فَهُمْ خَدَمٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 يَحْيَى: (عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ) عَنِ الزُّهْرِيِّ [عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْركين، فَقَالَ: الله أعلم (ل 264) بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ ". قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: لَوْ بُلِّغُوا. قَوْلُهُ: {لَا تَبْدِيل لخلق الله} يَعْنِي: لِدِينِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ {مَنْ يهد الله فَهُوَ الْمُهْتَدي} لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُضِلَّهُ {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} وهم الْمُشْركُونَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 {منيبين إِلَيْهِ}: أَيْ مُقْبِلِينَ بِالْإِخْلَاصِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ الزّجاج: (منيبين إِلَيْهِ) نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ بِفِعْلِ (فَأَقِمْ وَجهك) قَالَ: وَزَعَمْ جَمِيعُ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ مَعْنَى هَذَا: فَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ؛ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 مُخَاطبَة النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام تَدْخُلُ فِيهَا الْأُمَّةُ. {وَلا تَكُونُوا من الْمُشْركين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شيعًا فِرَقًا؛ يَعْنِي: أَهْلَ الْكِتَابِ {كُلُّ حزب} كل قوم {بِمَا لديهم} أَيْ: بِمَا هُمْ عَلَيْهِ {فَرِحُونَ} أَي: راضون. سُورَة الرّوم من (آيَة 33 آيَة 38). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبهم منيبين إِلَيْهِ} أَيْ: مُخْلِصِينَ فِي الدُّعَاءِ {ثُمَّ إِذا أذاقهم مِنْهُ رَحْمَة} يَعْنِي: كَشَفَ عَنْهُمْ ذَلِكَ {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُم} أَيْ: يَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ مِنَ النعم حَيْثُ أشركوا {فتمتعوا} إِلَى موتكم {فَسَوف تعلمُونَ} وَهَذَا وَعِيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 {أم أنزلنَا عَلَيْهِم سُلْطَانا} أَي: حجَّة {فَهُوَ يتَكَلَّم} أَيْ: فَذَلِكَ السُّلْطَانُ يَتَكَلَّمُ {بِمَا كَانُوا بِهِ يشركُونَ} أَيْ: لَمْ تَنْزِلْ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ بذلك تَأْمُرهُمْ أَن يشركوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 {وَإِذا أذقنا النَّاس رَحْمَة} يَعْنِي: عَافِيَةً وَسَعَةً {فَرِحُوا بِهَا وَإِن تصبهم سَيِّئَة} يَعْنِي: شدَّة عُقُوبَة {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يقنطون} يَيْأَسُونَ مِنْ أَنْ يُصِيبَهُمْ رَخَاءٌ بَعْدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 تِلْكَ الشِّدَّةِ؛ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيل}. قَالَ الْحَسَنُ: بَعْضُ هَذِهِ الْآيَةِ تَطَوُّعٌ، وَبَعْضُهَا مَفْرِوضٌ؛ فَأَمَّا قَوْلُهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 {فَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه} فَهْوَ تَطَوُّعٌ، وَهُوَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ صِلَةِ الْقَرَابَةِ، وَأَمَا قَوْلُهُ: {وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} فَيَعْنِي: الزَّكَاةَ. قَالَ يَحْيَى: حَدَّثُونَا أَنَّ الزَّكَاةَ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ، وَلَكِنْ لم تكن شَيْئا مَعْلُوما. سُورَة الرّوم من (آيَة 39 آيَة 40). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِتُرْبُوَا فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يربوا عِنْدَ اللَّهِ} تَفْسِيرُ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ: قَالَ: تِلْكَ الْهَدِيَّةُ تُهْدِيهَا لَيُهَدَى إِلَيْكَ خَيْرٌ مِنْهَا لَيْسَ لَكَ فِيهَا أَجْرٌ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيمَا وزر، وَبَعْضهمْ يقْرؤهَا: {ليربوا} أَيْ: لِيَرْبُوَ ذَلِكَ الرِّبَا {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله} يَعْنِي: تُرِيدُونَ بِهِ اللَّهَ {فَأُولَئِكَ هم المضعفون} يَعْنِي: الَّذِينَ يُضَاعِفُ اللَّهُ لَهُمُ الْحَسَنَاتِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: رَجُلٌ مُضْعِفٌ؛ أَيْ: ذُو أَضْعَافٍ مِنَ الْحَسَنَاتِ؛ كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ مُوسِرٌ؛ أَي: ذُو يسَار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 سُورَة الرّوم من (آيَة 41 آيَة 42). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: الْفَسَادُ: الْهَلَاكُ، يَعْنِي: مِنْ أُهْلِكَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ فِي بَرِّ الْأَرْضِ وَبَحْرِهَا {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لَعَلَّ مَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَرْجِعَوا عَنْ شِرْكِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ وَيَتَّعِظُوا بهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 {فَانْظُر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قبل} كَانَ عاقبتهم أَن دمر الله عَلَيْهِم ثمَّ صيرهم إِلَى النَّار. سُورَة الرّوم من (آيَة 43 آيَة 47). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 {فأقم وَجهك} أَي: وجهتك {للدّين الْقيم} الْإِسْلَامِ {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله} يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} يَتَصَدَّعُونَ؛ أَيْ: يَتَفَرَّقُونَ: فَرِيقٌ فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 {من كفر فَعَلَيهِ كفره} يُثَابُ عَلَيْهِ النَّارَ {وَمَنْ عَمِلَ صَالحا فلأنفسهم يمهدون} يَعْنِي: يُوَطِّئُونَ فِي الدُّنْيَا الْقَرَارَ فِي الْآخِرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ من فَضله} أَي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 بفضله يدخلهم الْجنَّة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَات} بالمطر {وليذيقكم من رَحمته} يَعْنِي: الْمَطَر {ولتجري الْفلك} يَعْنِي: السُّفُنَ {بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضله} يَعْنِي: طَلَبَ التِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ. سُورَة الرّوم من (آيَة 48 آيَة 50). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 {ويجعله كسفا} أَي: قطعا {فترى الودق} الْمَطَر {يخرج من خلاله} من خلال السَّحَاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ ينزل عَلَيْهِم} الْمَطَر {من قبله لمبلسين} أَيْ: يَائِسِينَ عَاجِزِينَ. قَوْلُهُ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قبله} (ل 265) هُوَ كَلَامٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ مَثْنَى مِثْلَ قَوْلِهِ: {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}. قَالَ مُحَمَّدٌ: تَكْرِيرُ (قبل) على جِهَة التوكيد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ} يَعْنِي: الْمَطَرَ (كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 مَوتهَا} يَعْنِي: النَّبَاتَ؛ أَيْ: فَالَّذِي أَنْبَتَ هَذَا النَّبَاتَ بِذَلِكَ الْمَطَرِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ الْخَلْقَ (يَوْمَ) الْقِيَامَة. سُورَة الرّوم من (آيَة 51 آيَة 57). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 {وَلَئِن أرسلنَا ريحًا} فَأَهْلَكْنَا بِهِ ذَلِكَ الزَّرْعَ {فَرَأَوْهُ} يَعْنِي: الزَّرْعَ {مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بعده} [لَصَارُوا] مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ الْمَطَرِ {يَكْفُرُونَ} { الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 } (فَإنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى} يَعْنِي: الْكُفَّارَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ {وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذا ولوا مُدبرين} [يَقُولُ: إِنَّ الصُّمَّ لَا يَسْمَعُونَ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ] وَهَذَا مَثَلُ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ إِذَا تَوَلَّوْا عَنِ الْهُدَى لَمْ يَسْمَعُوهُ سَمَعَ قبُول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 قَالَ {وَمَا أَنْت بهاد الْعمي} يَعْنِي: الْكُفَّارَ هُمْ عُمْيٌ عَنِ الْهدى (إِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 تسمع} إِنْ: يَقْبَلُ مِنْكَ {إِلا مَنْ يُؤمن بِآيَاتِنَا}. قَالَ مُحَمَّد: (إِن تسمع) أَي: مَا تسمع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} يَعْنِي: نُطْفَةَ الرَّجُلِ {ثُمَّ جَعَلَ من بعد ضعف قُوَّة} يَعْنِي: الشبيبة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 {يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ} يحلف الْمُشْركُونَ {مَا لَبِثُوا} فِي الدُّنْيَا فِي قُبُورهم {غيرساعة كَذَلِك كَانُوا يؤفكون} يَصُدُّونَ فِي الدُّنْيَا عَنِ الْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لقد لبثم فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْث} وَهَذَا مِنْ مَقَادِيمِ الْكَلَامِ. يَقُولُ: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ والْإِيمَانِ: لَقَدْ لَبِثْتُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ يَعْنِي: لُبْثَهُمُ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا وَفِي قُبُورِهِمْ إِلَى أَنْ بُعِثُوا {فَهَذَا يَوْم الْبَعْث وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُم} {فِي الدُّنْيَا} (لَا تعلمُونَ} أَن الْبَعْث حق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 {فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} {أَشْرَكُوا} (مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} لَا يُرَدُّونَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُعْتَبُونَ؛ أَي: يُؤمنُونَ. سُورَة الرّوم من (آيَة 58 آيَة 60). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآن من كل مثل} أَيْ: لِيَذَّكَّرُوا (وَلَئِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن أَنْتُم إِلَّا مبطلون} وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ أَن يَأْتِيهم بِآيَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذين لَا يعلمُونَ} يَعْنِي: الَّذِينَ يَلْقَوْنَ اللَّهَ بِشِرْكِهِمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} الَّذِي وَعَدَكَ أَنَّهُ سَيَنْصُرُكَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. {وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يوقنون} أَيْ: لَا تُتَابِعِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مَا يَدْعُونَكَ إِلَيْهِ مِنْ تَرْكِ دِينِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 تَفْسِيرُ سُورَةِ لُقْمَانَ وَهِيَ مَكِيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَة لُقْمَان من (آيَة 1 آيَة 7). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 قَوْلُهُ: {الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيم} هَذِهِ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ الْمُحْكَمِ؛ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالْأَمْرِ وَالنَّهْي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 {هدى وَرَحْمَة للمحسنين} لِلْمُؤْمِنِينَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ: {وَرَحْمَة} بِالنّصب فعلى الْحَال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 {الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة} الْمَفْرُوضَة {وَيُؤْتونَ الزَّكَاة} الْمَفْرُوضَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيث} تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَخْتَارُ بَاطِلَ الْحَدِيثِ عَلَى الْقُرْآنِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ؛ وَكَانَ رَجُلًا رَاوِيَةً لِأَحَادِيثِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَشْعَارِهِمْ {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أَتَاهُ مِنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 اللَّهِ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الشّرك {ويتخذها} يَتَّخِذُ آيَاتِ اللَّهِ الْقُرْآنَ {هُزُوًا}. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ: {وَيَتَّخِذُهَا} بِالرَّفْع فعلى الِابْتِدَاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مستكبرا} أَيْ: جَاحِدًا {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} أَيْ: قَدْ سَمِعَهَا بِأُذُنَيْهِ، وَلَمْ يَقْبَلْهَا قَلْبُهُ وَقَامَتْ عَلَيْهِ بِهَا الْحُجَّةُ. {كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} صمما. سُورَة لُقْمَان من (آيَة 8 - آيَة 11). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 {خلق السَّمَاوَات بِغَيْر عمد ترونها} فِيهَا تَقْدِيمٌ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: خَلَقَ السَّمَوَاتِ تَرَوْنَهَا بِغَيْرِ عَمَدٍ، وَتَفْسِيرُ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَهَا عَمَدٌ وَلَكِنْ لَا تَرَوْنَهَا {وَأَلْقَى فِي الأَرْض رواسي} يَعْنِي: الْجِبَالَ أَثْبَتَ بَهَا الْأَرْضَ {أَن تميد بكم} أَيْ: لِئَلَّا تَحَرَّكَ بِكُمْ {وَبَثَّ فِيهَا} خَلَقَ {مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 {فَأَرُونِي مَاذَا خلق} يَقُوله للْمُشْرِكين (ل 266) {مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} يَعْنِي: الْأَوْثَان {بل الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ {فِي ضلال مُبين} بَين. سُورَة لُقْمَان من (آيَة 12 آيَة 16). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: الْفِقْهَ وَالْعَقْلَ، وَالْإِصَابَةَ فِي الْقَوْلِ فِي غَيْرِ نبوة {أَن اشكر لله} النِّعْمَةَ. {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لنَفسِهِ} وَهُوَ الْمُؤمن {وَمن كفر} يَعْنِي: كَفَرَهَا {فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ} عَن خلقه {حميد} اسْتوْجبَ عَلَيْهِم أَن يحمدوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 {إِن الشّرك لظلم عَظِيم} يَعْنِي: يَظْلِمُ بِهِ الْمُشْرِكُ نَفْسَهُ وينقصها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهنا على وَهن} أَيْ: ضَعْفًا عَلَى ضَعْفٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: لَزِمَهَا لِحَمْلِهَا إِيَّاهُ أَنْ تَضْعُفَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 {وَإِن جَاهَدَاك} يَعْنِي: أَرَادَاكَ {عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ علم} أَيْ أَنَّكَ لَا تَعْلَمُ أَنَّ لِي شَرِيكًا؛ يَعْنِي: الْمُؤْمِنَ {فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} طَرِيقَ مَنْ أَقْبَلَ إِلَيَّ بِقَلْبِهِ مخلصا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 {يَا بني} رَجَعَ إِلَى كَلَامِ لُقْمَانَ {إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَال حَبَّة} أَيْ: وَزْنَ حَبَّةٍ {مِنْ خَرْدَلٍ}. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (مِثْقَالُ) بِالرَّفْع مَعَ تَأْنِيث (تَكُ) فَلِأَنَّ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 خَرْدَلٍ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى خَرْدَلَةٍ؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ: إِنْ تَكُ حَبَّةٌ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ. قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنَا أَنَّهَا الصَّخْرَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الْحُوتُ الَّذِي عَلَيْهِ قَرَار الأَرْض. {أَو فِي السَّمَاوَات أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا الله} أَيْ: احْذَرْ؛ فَإِنَّهُ سَيُحْصِي عَلَيْكَ عَمَلَكَ وَيَعْلَمُهُ؛ كَمَا عَلِمَ هَذِهِ الْحَبَّةَ مِنَ الْخَرْدَلِ {إِنَّ اللَّهَ لطيف} باستخراجها {خَبِير} بمكانها. سُورَة لُقْمَان من (آيَة 17 آيَة 19). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 {وَأمر بِالْمَعْرُوفِ} بِالتَّوْحِيدِ {وانه عَن الْمُنكر} الشِّرْكِ {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور} والعزم أَن يصبر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 {وَلَا تصاعر خدك للنَّاس} لَا تُعْرِضْ بِوَجْهِكَ عَنْهُمُ اسْتِكْبَارًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَنْ قَرَأَ (تُصَعِّرْ) فَعَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ، وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَصَابَ الْبَعِيرَ صَعْرٌ؛ إِذْ أَصَابَهُ دَاءٌ فَلَوَى مِنْهُ عُنُقَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 قَالَ الْمُتَلَمِّسُ: (وَكُنَّا إِذَا الْجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ ... أَقَمْنَا لَهُ مِنْ رَأْسِهِ فَتَقَوَّمَا) قَوْلُهُ: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْض مرحا} أَيْ: تَعَظُّمًا {إِنَّ اللَّهَ لَا يحب كل مختال فخور} أَيْ: مُتَكَبِّرٍ فَخُورٍ، يَعْنِي: يُزْهَى بِمَا أُعْطِيَ، وَلَا يَشْكُرُ اللَّهَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 {واقصد فِي مشيك} كَقَوْلِهِ: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مرحا} {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَات} يَعْنِي: أقبح {لصوت الْحمير}. قَالَ مُحَمَّد: معنى (اغضض): انْقُصْ؛ الْمَعْنَى: عَرَّفَهُ قُبْحَ رَفْعِ الْصَوْتِ فِي الْمُخَاطَبَةِ وَالْمُلَاحَاةِ بِقُبْحِ أصوات الْحمير؛ لِأَنَّهَا عالية. سُورَة لُقْمَان من (آيَة 20 آيَة 22). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لكم مَا فِي السَّمَاوَات} يَعْنِي: شَمْسَهَا وَقَمَرَهَا وَنُجُومَهَا، وَمَا يَنْزِلُ مِنْهَا مِنْ مَاءٍ {وَمَا فِي الأَرْض} من شَجَرهَا وجبالها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 وأنهارها وبحارها وَبَهَائِمِهَا {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وباطنة} أَيْ: فِي بَاطِنِ أَمْرِكِمْ وَظَاهِرِهِ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي الله} فَيَعْبُدُ الْأَوْثَانَ دُونَهُ {بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هدى} أَتَاهُ مِنَ اللَّهِ {وَلا كِتَابٍ مُنِير} بَيِّنَ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الشّرك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 {بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} يعنون: عبَادَة الْأَوْثَان {أَو لَو كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السعير} أَيْ: أَيَتَّبِعُونَ مَا وَجَدُوا عَلَيْهِ آبَاءَهُمْ، وَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ؛ أَيْ: قَدْ فعلوا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 {وَمن يسلم وَجهه} يَعْنِي: وِجْهَتَهُ فِي الدِّينِ {إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بالعروة الوثقى} لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ {وَإِلَى الله عَاقِبَة الْأُمُور} يَعْنِي: مصيرها فِي الْآخِرَة. سُورَة لُقْمَان من (آيَة 23 آيَة 28). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 {نمتعهم قَلِيلا} فِي الدُّنْيَا؛ يَعْنِي: إِلَى مَوْتِهِمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 {بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} أَنهم مبعوثون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 {وَلَو أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَات الله} يَقُولُ: لَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ يَكْتُبُ بِهَا عِلْمَهُ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 أَبْحُرٍ؛ يُسْتَمَدُّ مِنْهُ لِلْأَقْلَامِ لَانْكَسَرَتِ الْأَقْلَامُ وَنَفِدَ الْبَحْرُ وَلَمَاتَ الْكُتَّابُ، وَمَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ يَعْنِي بِمَا خَلَقَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ: {وَالْبَحْر} بِالرَّفْع فَهُوَ على الِابْتِدَاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفس وَاحِدَة} قَالَ الْمُشْرِكُونَ: يَا مُحَمَّدُ، خَلَقَنَا الله (ل 267) أَطْوَارًا: نُطَفًا ثُمَّ عَلَقًا ثُمَّ مُضَغًا ثُمَّ عِظَامًا ثُمَّ لَحْمًا، ثُمَّ أَنْشَأَنَا خَلْقًا آخَرَ كَمَا تَزْعُمْ، وَتَزْعُمُ أَنَّا نُبْعَثُ فِي سَاعَة وَاحِدَة؟ ّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَوَابًا لِقَوْلِهِمْ: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَة} إِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيُكُونُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (فَيَكُونُ) بِالرَّفْعِ فَعَلَى مَعْنَى: فَهُو يَكُونُ). سُورَة لُقْمَان من (آيَة 29 آيَة 32). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَار فِي اللَّيْل} هُوَ أَخْذُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا من صَاحبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 {ليريكم من آيَاته} يَعْنِي: جَرْيَ السُّفُنِ. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} وَهُوَ الْمُؤمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 {وَإِذا غشيهم موج كالظلل} كالجبال. {فَمنهمْ مقتصد} هَذَا الْمُؤْمِنُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَعَادَ فِي كُفْرِهِ {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كل ختار} أَي: غدار {كفور} يَقُولُ: أَخْلَصَ لَهُ فِي الْبَحْرِ لِلْمَخَافَةِ مِنَ الْغَرَقِ، ثُمَّ غَدَرَ. سُورَة لُقْمَان من (آيَة 33 آيَة 34). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 {وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَده} أَيْ: لَا يَفْدِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} يَعْنِي: الْبَعْثَ وَالْحِسَابَ، وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ. {وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور} الشَّيْطَانُ، وَتُقْرَأُ: (الْغُرُورُ) بِرَفْعِ الْغَيْنِ؛ يَعْنِي: غُرُورُ الدُّنْيَا، وَهُوَ أَبَاطِيلُهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} علم مجيئها {وَينزل الْغَيْث} الْمَطَرَ {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} من ذكر وَأُنْثَى وَكَيْفَ صَوَّرَهُ {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ الله عليم} بخلقه {خَبِير} بِأَعْمَالِهِمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 تَفْسِيرُ الم السَّجْدَةُ وَهِيَ مَكِيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَة السَّجْدَة من (آيَة 1 آيَة 5). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 قَوْلُهُ: {الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أَيْ: لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: {تَنْزِيل} رَفْعٌ عَلَى خَبَرِ الِابْتِدَاءِ عَلَى إِضْمَارِ: الَّذِي تَتْلُو تَنْزِيلُ الْكِتَابِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَفْعُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَيَكُونُ خَبْرُ الِابْتِدَاءِ {لَا رَيْبَ فِيهِ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 {أم يَقُولُونَ افتراه} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا افْتَرَى الْقُرْآنَ، أَيْ: قَدْ قَالُوهُ وَهُوَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ {مَا أَتَاهُمْ من نَذِير من قبلك} يَعْنِي: قُريْشًا {لَعَلَّهُم يَهْتَدُونَ} لكَي يهتدوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 {فِي سِتَّة أَيَّام} الْيَوْمُ مِنْهَا أَلْفَ سَنَةٍ. {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} يمنعكم من عَذَابه إِذْ أَرَادَ عذابكم {وَلَا شَفِيع} يَشْفَعُ لَكُمْ عِنْدَهُ؛ حَتَّى لِا يعذبكم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْض} أَيْ: يُنَزِّلُهُ مَعَ جَبْرِيلَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} أَيْ: يَصْعَدُ؛ يَعْنِي: جِبْرِيلَ إِلَى السَّمَاءِ {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ ألف سنة} مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا. قَالَ يَحْيَى: بَين السَّمَاء وَالْأَرْض مسيرَة خَمْسمِائَة سنة، فَينزل مسيرَة خَمْسمِائَة سنة، ويصعد مسيرَة خَمْسمِائَة سنة فِي يَوْم وَفِي أقل مِنْ يَوْمٍ، وَرُبَّمَا سُئِلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَام عَنِ الْأَمْرِ يَحْضُرُهُ، فَيَنْزِلُ فِي أسْرع من الطّرف. سُورَة السَّجْدَة من (آيَة 6 آيَة 11). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 {ذَلِك عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة} وَهَذَا تَبَعٌ لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ {لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثُمَّ قَالَ: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة} يَعْنِي: نَفسه و {الْغَيْب}: السِّرّ و {الشَّهَادَة}: الْعَلَانِيَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 {وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} يَعْنِي: آدم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 {ثمَّ جعل نَسْله} نَسْلَ آدَمَ بَعْدُ {مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} ضَعِيفٍ؛ يَعْنِي: النُّطْفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 {ثمَّ سواهُ} يَعْنِي: سَوَّى خَلْقَهُ كَيْفَ شَاءَ {قَلِيلا مَا تشكرون} أَي: أقلكم من يشْكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ} أَيْ: إِذَا كُنَّا رُفَاتًا وَتُرَابًا {أئنا لفي خلق جَدِيد} وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى إِنْكَارٍ؛ أَيْ: إِنَّا لَا نُبْعَثُ بَعْدَ الْمَوْتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 {قل يتوفاكم} أَيْ: يَقْبِضُ أَرْوَاحَكُمْ {مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وكل بكم} جُعَلِتِ الْأَرْضُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ مِثْلَ الطَّسْتِ يَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمْ، كَمَا يَلْتَقِطُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 الطَّيْرُ الْحَبَّ. قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ يَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ شَيْءٍ فِي الْبر وَالْبَحْر. سُورَة السَّجْدَة من (آيَة 12 آيَة 14). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 {وَلَو ترى إِذْ المجرمون ناكسوا رُءُوسهم عِنْد رَبهم} خزايا نادمين {رَبنَا أبصرنا وَسَمعنَا} سَمِعُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ السَّمَعُ، وَأَبْصَرُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ الْبَصَرُ {فارجعنا} إِلَى الدُّنْيَا {نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا موقنون} بِالَّذِي أَتَى بِهِ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ حق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 {وَلَكِن حق القَوْل مني} أَيْ: سَبَقَ {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ} يَعْنِي: الْمُشْركين من الْفَرِيقَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 {فَذُوقُوا} يَعْنِي: عَذَابَ جَهَنَّمَ {بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يومكم هَذَا} (ل 268) يَعْنِي: بِمَا تَرَكْتُمُ الْإِيمَانَ بِلِقَاءِ يومكم هَذَا {إِنَّا نسيناكم} أَي: تركناكم فِي الْعَذَاب. سُورَة السَّجْدَة من (آيَة 15 آيَة 17). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 {وهم لَا يَسْتَكْبِرُونَ} عَن عبَادَة الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ قَالَ: يَعْنِي: قِيَامَ اللَّيْل {يدعونَ رَبهم خوفًا} من عَذَابه {وَطَمَعًا} فِي رَحْمَتِهِ؛ يَعْنِي: الْجَنَّةَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 قَالَ مُحَمَّد: معنى {تَتَجَافَى} تفارق. {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} يَعْنِي: الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} على قدر أَعْمَالهم. سُورَة السَّجْدَة من (آيَة 18 آيَة 20). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا} يَعْنِي: مُشْرِكًا {لَا يَسْتَوُونَ}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أعيدوا فِيهَا} يَقُولُ: إِذَا كَانُوا فِي أَسْفَلِهَا رَفَعَتْهُمْ بِلَهَبِهَا؛ حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي أَعْلَاهَا رَجُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَضُرِبُوا بِمَقَامِعَ مِنْ حَدِيدٍ؛ فهووا إِلَى أَسْفَلهَا. سُورَة السَّجْدَة من (آيَة 21 آيَة 25. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 {ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى} الْأَقْرَبِ؛ يَعْنِي: بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ {دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَر} عَذَاب النَّار {لَعَلَّهُم} لَعَلَّ مَنْ يَبْقَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 مِنْهُم {يرجعُونَ} من الشّرك إِلَى الْإِيمَان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب} التَّوْرَاة {فَلَا تكن} يَا مُحَمَّدُ {فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِه} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ {وجعلناه هدى} يَعْنِي: مُوسَى {هدى لبني إِسْرَائِيل}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 {وَجَعَلنَا مِنْهُم أَئِمَّة} يَعْنِي: أَنْبيَاء {يهْدُونَ} أَيْ: يَدْعُونَ {بِأَمْرِنَا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} الْآيَةُ، يَفْصِلُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ {فِيمَا اخْتلفُوا فِيهِ} مِنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ؛ فَيُدْخِلُ الْمُؤْمِنِينَ الْجنَّة، وَيدخل الْمُشْركين النَّار. سُورَة السَّجْدَة من (آيَة 26 آيَة 30). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 {أَو لم يهد لَهُم} يَعْنِي: يُبَيِّنْ لَهُمْ {كَمْ أَهْلَكْنَا من قبلهم من الْقُرُون} يَعْنِي: مَا قُصَّ مِمَّا أُهْلِكَ بِهِ الْأُمَم السالفة؛ حِين كذبُوا رسلهم {يَمْشُونَ فِي مساكنهم} أَيْ: يَمُرُّونَ؛ مِنْهَا مَا يُرَى، وَمِنْه مَا لَا يُرَى؛ كَقَوْلِهِ: {مِنْهَا قَائِم} ترَاهُ {وحصيد} لَا ترَاهُ {أَفلا يسمعُونَ} يَعْنِي: الْمُشْركين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 {إِلَى الأَرْض الجرز} يَعْنِي: الْيَابِسَةَ؛ أَيْ: فَالَّذِي أَحْيَا هَذِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 {وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الْفَتْح} يَعْنِي: الْقَضَاءَ بِعَذَابِهِمْ؛ قَالُوا ذَلِكَ استهزاءا وتكذيبا بِأَنَّهُ لَا يكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 {قل يَوْم الْفَتْح} الْقَضَاءِ {لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانهم} لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَرَى الْعَذَابَ إِلَّا آمَنَ؛ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 {فَأَعْرض عَنْهُم وانتظر} بهم الْعَذَاب {إِنَّهُم منتظرون} نَزَلَتْ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 تَفْسِيرُ سُوْرَةِ الْأَحْزَابِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 1 آيَة 5). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 قَوْله: {يَا أَيهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافرين} فِي الشّرك بِاللَّه {وَالْمُنَافِقِينَ} أَي: وَلَا تُطِع الْمُنَافِقين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قلبين فِي جَوْفه} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ: جَمِيلٌ كَانَ حَافِظًا لِمَا سَمِعَ، فَقَالَتْ قُرَيشٌ: مَا يَحْفَظُ جَمِيلٌ مَا يَحْفَظُ بِقَلْبٍ وَاحِدٍ؛ إِنَّ لَهُ لَقَلْبَيْنِ! فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ. {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتكُم} يَعْنِي: إِذَا قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، لَمْ تَكُنْ مِثْلَ أُمِّهِ فِي الْتَحْرِيمِ أَبَدًا، وَلَكِنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أبناءكم} وَكَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَكُونُ ذَلِيلًا فَيَأْتِي الرَّجُلَ ذَا الْقُوَّةِ وَالشَّرَفِ فَيَقُولُ: أَنَا ابْنُكَ، فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَإِذَا قَبِلَهُ وَاتَّخَذَهُ ابْنًا أَصْبَحَ أَعَزَّ أَهْلِهِ؛ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مِنْهُمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَنَّاهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى مَا كَانَ يُصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ مَوْلًى لِرَسُولِ اللَّهِ؛ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُلْحِقُوهُمْ بِآبَائِهِمْ؛ فَقَالَ: {وَمَا جعل أدعياءكم ذَلِكُم قَوْلكُم بأفواهكم} يَعْنِي: ادِّعَاءَهُمْ هَؤْلَاءِ، وَقَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ الله} أَيْ: أَعْدَلُ {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} يَقُولُ: قُولُوا: [وَلِيُّنَا فُلَانٌ]، وَأَخُونَا فلَان. {وَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح} إِثْم {فِيمَا أخطأتم بِهِ} (ل 269) إِنْ أَخْطَأَ الرَّجُلُ بَعْدَ النَّهْيِ فَنَسَبَهُ إِلَى [الَّذِي] تَبَنَّاهُ نَاسِيًا؛ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إِثْمٌ {وَلَكِن مَا تَعَمّدت قُلُوبكُمْ} أَنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى غَيْرِ آبَائِهِمْ. سُورَة الْأَحْزَاب (آيَة 6). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: يَعْنِي: هُوَ أَبُوهُمْ {وأزواجه أمهاتهم} أَيْ: هُنَّ فِي التَّحْرِيمِ مِثْلُ أُمَّهَاتِهِمْ. يَحْيَى: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 عَائِشَةَ " أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لَهَا: يَا أُمَّهْ. فَقَالَتْ: لَسْتُ لَكِ بِأُمٍّ! إِنَّمَا أَنَا أُمُّ رِجَالِكُمْ ". {وَأولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: كَانَ نَزَلَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيةِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يهاجروا} فَتَوَارَثَ الْمُسْلِمُونَ بِالْهِجْرَةِ وَكَانَ لَا يَرِثُ الأَعْرَابِيُّ الْمُسْلِمَ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُهَاجِرِ الْمُسْلِمِ شَيْئًا، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَصَارَتِ الْمَوَارِيثُ بِالْمِلَلِ. {إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أوليائكم} يَعْنِي: مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ {مَعْرُوفًا} يَعْنِي: بِالْمَعْرُوفِ: الْوَصِيَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِ: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} فَقَالَ: {كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مسطورا} أَيْ: مَكْتُوبًا: لَا يَرِثُ كَافِرٌ مُسلما، وَقد قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر ". سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 7 آيَة 8). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 {وَإِذا أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: فِي ظَهْرِ آدَمَ {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم ميثاقا غليظا} بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ. كَانَ قَتَادَةُ إِذَا تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَإِذْ أَخَذْنَا من النَّبِيين ميثاقهم} قَالَ: قَالَ رَسُول الله: " كُنْتُ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ فِي الْخَلْقِ، وَآخرهمْ فِي الْبَعْث ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 قَوْله: {ليسئل الصَّادِقين} يَعْنِي: النَّبِيين {عَن صدقهم} أَيْ: عَنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ إِلَى قَومهمْ من الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 {إِذْ جاءتكم جنود} يَعْنِي: أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِم ريحًا} قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهِي الصَّبَا، كَانَتْ تَكُبُّهُمْ عَلَى وَجُوهِهِمْ وَتَنْزِعُ الْفَسَاطِيطَ حَتَّى أَظْعَنَتْهُمْ {وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} يَعْنِي: الْمَلَائِكَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَل مِنْكُم} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: جَاءُوا مِنْ وَجْهَيْنِ: مِنْ أَسْفَلِ الْمَدِينَةِ، وَمِنْ أَعْلَاهَا {وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِر} مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظنونا} يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ ظَنُّوا أَنَّ مُحَمَّدًا سيقتل وَأَنَّهُمْ سيهلكون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 قَالَ اللَّهُ: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} أَيْ: اخْتُبِرُوا {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا} أَيْ: حُرِّكُوا بِالْخَوْفِ، وَأَصَابَتْهُمُ الْشِدَّةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبهم مرض} وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، الْمَرَضُ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ: النِّفَاقُ {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُوله} فِيمَ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُهُ {إِلا غرُورًا} أَيْ: وَعَدَنَا اللَّهُ النَّصْرَ فَلَا تَرَانَا نُنْصَرُ وَتَرَانَا نُقْتَلُ وَنُهْزَمُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ أَلَّا يُقْتَلَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَأَلَّا يُهْزَمُوا فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ، وَإِنَّمَا وعدهم النَّصْر فِي الْعَاقِبَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 13 آيَة 14). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا رَأَى الْمُنَافِقُونَ الْأَحْزَابَ جَبُنُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا وَاللَّهِ مَا لَكُمْ مُقَامٌ مَعَ هَؤُلَاءِ؟ فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمِكُمْ يَعْنُونَ: الْمُشْرِكِينَ فَاسْتَأْمَنُوهُمْ. {إِنَّ بُيُوتَنَا عَورَة} أَيْ: خَالِيَةٌ نَخَافُ عَلَيْهَا السَّرَقَ. قَالَ اللَّهُ: {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} إِنَّ اللَّهَ يَحْفَظُهَا إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا} يَقُولُ: لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ نَوَاحِيهَا {ثمَّ سئلوا الْفِتْنَة} يَعْنِي: الشّرك {لآتوها} لَجَاءُوهَا وَتُقْرَأُ: (لَآتَوْهَا) بِالْمَدِّ، الْمَعْنَى: لأعطوها. سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 15 آيَة 17). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قبل لَا يولون الأدبار} أَيْ: يَنْهَزِمُونَ {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مسئولا} يَعْنِي: يَسْأَلُهُمْ عَنِ الْعَهْدِ الَّذِي لَمْ يَفُوا بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 يَحْيَى: عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ، وَلم نُبَايِعهُ على الْمَوْت ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 {وَإِذا لَا تمتعون} فِي الدُّنْيَا {إِلَّا قَلِيلا} يَعْنِي: إِلَى آجالكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ} (ل 270) أَيْ: يَمْنَعُكُمْ {مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بكم سوءا} يَعْنِي: الْقَتْلَ وَالْهَزِيمَةَ؛ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: النَّصْرَ وَالْفَتْحَ. سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 18 آيَة 20). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ والقائلين لإخوانهم هَلُمَّ إِلَيْنَا} يَأْمُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْفِرَارِ، وَهُوَ التعويق {وَلَا يأْتونَ الْبَأْس} يَعْنِي: الْقِتَال {إِلَّا قَلِيلا} أَيْ: بِغَيْرِ حِسْبَةٍ، وَإِنَّمَا قَلَّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِغَيْرِ اللَّهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: إِلَّا إِتْيَانًا قَلِيلًا؛ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ يحيى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 {أشحة عَلَيْكُم} يَقُولُ: لَا يَتْرُكُونَ لَكُمْ مِنْ حُقُوقِهِمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْف} يَعْنِي: الْقِتَالَ {رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ من الْمَوْت} خَوْفًا مِنَ الْقِتَالِ {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْف سلقوكم} أَيْ: صَاحُوا عَلَيْكُمْ {بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} قَالَ مُحَمَّدٌ: قِيلَ: الْمَعْنَى: خَاطَبُوكُمْ أَشَدَّ مُخَاطَبَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 وَأَبْلَغَهَا فِي الْغَنِيمَةِ، يُقَالُ: خَطِيبٌ مِسْلَاقٌ وَسَلَّاقٌ إِذَا كَانَ بَلِيغًا. {أشحة على الْخَيْر} الْغَنِيمَة {أُولَئِكَ لم يُؤمنُوا} أَيْ: لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ {يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَاب يود} الْمَنَافِقُونَ {لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَاب} أَيْ: فِي الْبَادِيَةِ مَعَ الْأَعْرَابِ {يسْأَلُون عَن أنبائكم} وَهُوَ كَلَام مَوْصُول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لم يذهبوا} قِيلَ: الْمَعْنَى: يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ بَعْدَ انْهِزَامِهِمْ وَذِهَابِهِمْ لَمْ يَذْهَبُوا؛ لِجُبْنِهِمْ وخوفهم. سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 21 - آيَة 22). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 {وَذكر الله كثيرا} وَهَذَا ذِكْرُ التَّطَوُّعِ لَيْسَ فِيهِ وَقت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 {وَلما رأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَاب} يَعْنِي: أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ تَحَازَبُوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ {قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} كَانَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} إِلَى قَوْلِهِ: {أَلا إِنَّ نصر الله قريب} فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ أَصْحَاب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: مَا أَصَابَنَا هَذَا بَعْدُ؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ} إِلَى قَوْله: {إِيمَانًا وتسليما} يَعْنِي: تَصْدِيقًا وَتَسْلِيمًا لِأَمْرِ اللَّهِ. سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 23 آيَة 24). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} حِينَ بَايَعُوهُ عَلَى أَلَّا يَفِرُّوا وَصَدَقُوا فِي لِقَائِهِمُ الْعَدُوَّ؛ وَذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ. {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نحبه} يَعْنِي: أَجَلَهُ؛ فِي تَفْسِيرِ بَعْضِهِمْ {وَمِنْهُم من ينْتَظر} أَجله {وَمَا بدلُوا تبديلا} كَمَا بَدَّلَ الْمُنَافِقُونَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصْلُ النَّحْبِ: النَّذْرِ؛ كَأَنَّ قَوْمًا نذورا إِنْ لَقُوا الْعَدُوَ أَنْ يُقَاتِلُوا؛ حَتَّى يُقْتَلُوا أَوْ يَفْتَحِ اللَّهُ، فَقُتِلُوا فَقِيلَ: فُلَانٌ قَضَى نَحْبَهُ؛ إِذا قتل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقين إِن شَاءَ} أَيْ: يَمُوتُوا عَلَى نِفَاقِهِمْ فَيُعَذِّبَهُمْ {أَو يَتُوب عَلَيْهِم} فيرجعوا من نفاقهم. سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 25 آيَة 27). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لم ينالوا خيرا} يَعْنِي: لَمْ يُصِيبُوا ظَفَرًا وَلَا غَنِيمَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ خَيْرًا لَوْ نَالُوهُ {وَكَفَى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال} بِالرِّيحِ وَالْجُنُودِ الَّتِي أَرَسَلَ عَلَيْهِمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 {وَأنزل الَّذين ظاهروهم} يَعْنِي: عَاوَنُوهُمْ {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} يَعْنِي: قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ {مِنْ صَيَاصِيهِمْ} يَعْنِي: حُصُونَهُمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصْلُ الْكَلِمَةِ: قُرُونُ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّهَا تَمْتَنِعُ بِهَا وَتَدْفَعُ عَنْ أَنْفُسِهَا، فَقِيلَ لِلْحُصُونِ: صَيَاصِيُّ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ وَصِيصِيَةُ الدِّيكِ شَوْكَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يتحصن بهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 {وأرضا لم تطئوها} وَهِي خَيْبَر؛ فتحت عنْوَة. سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 28 آيَة 30). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 {يَا أَيهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} إِلَى قَوْلِهِ: {أجرا عَظِيما} قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّمَا خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَمْ يُخَيِّرْهُنَّ الطَّلَاقَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُن بِفَاحِشَة مبينَة} يَعْنِي: الزِّنَا؛ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ {يُضَاعف لَهَا الْعَذَاب ضعفين} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: فِي الْآخِرَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى (يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَاب ضعفين) أَيْ: يُجْعَلُ مِثْلَيْنِ؛ الضِّعْفُ فِي اللُّغَةِ: الْمِثْلُ، يُقَالُ: هَذَا ضِعْفُ هَذَا؛ أَي: مثله. سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 31 آيَة 32). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} أَيْ: تُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ {نُؤْتِهَا أجرهَا مرَّتَيْنِ} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: فِي الْآخِرَةِ {وأعتدنا} أعددنا {لَهَا رزقا كَرِيمًا} يَعْنِي: الْجنَّة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تخضعن بالْقَوْل} قَالَ الْكَلْبِيّ: (ل 271) هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي فِيهِ مَا يَهْوَى الْمُرِيبُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ: {كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} وَلَمْ يَقُلْ: كَوَاحِدَةٍ لِأَنَّ أَحَدًا مَعْنًى عَامٌّ مِنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ. {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قلبه مرض} أَيْ: فُجُورٌ؛ فِي تَفْسِيرِ بَعْضِهِمْ. قَالَ الْحَسَنُ: وَكَانَ أَكْثَرُ مَنْ يُصِيبُ الْحُدُودَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام المُنَافِقُونَ. سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 33 آيَة 34). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 {وَقرن فِي بيوتكن} مَنْ قَرَأَهَا بِالْفَتْحِ؛ فَهُوَ مِنَ الْقَرَارِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْأَصْلُ فِيهِ: (اقْرَرْنَ) فَحَذَفَ الرَّاءَ الْأُوْلَى لِثَقَلِ التَّضْعِيفِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 وَأَلْقَى حَرَكَتُهَا عَلَى الْقَافِ؛ فَصَارَتْ: (وَقَرْنَ). قَالَ يَحْيَى: وَتُقْرَأُ: (وَقِرْنَ) بِكَسْر الْقَاف، وَهُوَ مِنَ الْوَقَارِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَرَ فِي مَنْزِلِهِ يَقِرُّ وُقُورًا. {وَلا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى} أَيْ: قَبْلَكُمْ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ، وَلَيْسَ يَعْنِي: أَنَّهَا كَانَتْ جَاهِلِيَّةً قبلهَا؛ كَقَوْلِه: {عادا الأولى}. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: يَعْنِي الْجَاهِلِيَّةَ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا إِبْرَاهِيمُ قَبْلَ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا مُحَمَّدٌ {وَأَقِمْنَ الصَّلَاة} يَعْنِي: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ {وَآتِينَ الزَّكَاةَ} يَعْنِي: الْمَفْرُوضَةَ {وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} فِيمَا أَمَرَكُنَّ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ليذْهب عَنْكُم الرجس} يَعْنِي: الشَّيْطَانَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الرِّجْسُ: الْإِثْمُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الرِّجْسُ فِي اللُّغَةِ: كُلُّ مُسْتَنْكَرٍ مُسْتَقْذَرٍ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ فَاحِشَةٍ، و (أهل الْبَيْت) مَنْصُوبٌ عَلَى وَجْهَيْنِ: عَلَى مَعْنَى: أَعْنِي أَهْلَ الْبَيْتِ، وَعَلَى النِّدَاءِ. {وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا}. يَحْيَى: عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ أبي الْحَمْرَاء، قَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 " رابطت الْمَدِينَة سَبْعَة أشهر مَعَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، وَسمعت النَّبِي إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ جَاءَ إِلَى بَابِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ فَقَالَ: الصَّلَاةَ ثَلَاثًا - {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا} ". سُورَة الْأَحْزَاب (آيَة 35) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} هُوَ كَلَامٌ وَاحِدٌ؛ كَقَوْلِهِ: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ من الْمُسلمين} وَالْإِسْلَامُ هَوَ اسْمُ الدِّينِ، قَالَ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يقبل مِنْهُ} وَهُو الْإِيمَانُ بِاللَّهِ {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} الْقُنُوتُ: الطَّاعَةُ {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ والصابرات} عَلَى مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ {والخاشعين والخاشعات} وَهُوَ الْخَوْفُ الثَّابِتُ فِي الْقَلْبِ {والمتصدقين والمتصدقات} يَعْنِي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ}. قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَهُوَ مِنَ الصَّائِمِينَ والصائمات {والحافظين فروجهم والحافظات} مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهُنَّ. {وَالذَّاكِرِينَ الله كثيرا وَالذَّاكِرَات} يَعْنِي: بِاللِّسَانِ؛ وَلَيْسَ فِي الذّكر وَقت. سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 36 - آيَة 39). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا} يَعْنِي: إِذَا فَرَضَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ شَيْئا {أَن تكون لَهُم الْخيرَة} يَعْنِي: التخير {من أَمرهم} {وَمن يَعْصِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبينًا} أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّ يُزَوِّجَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ؛ فَأَبَتْ وَقَالَتْ: أُزَوِّجُ نَفْسِي رَجُلًا كَانَ عَبْدَكَ بِالْأَمْسِ. وَكَانَتْ ذَاتَ شَرَفٍ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ، ثُمَّ صَارَتْ سُنَّةً بَعْدُ فِي جَمِيعِ الدِّينِ، لَيْسَ لِأَحَدٍ خِيَارٌ عَلَى قَضَاء رَسُول الله وَحُكْمِهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: كَانَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ بِنْتُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوجك وَاتَّقِ الله} [وَقَوله: {وأنعمت عَلَيْهِ} يَعْنِي: زَيْدًا]. قَالَ اللَّهُ للنَّبِيِّ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مبديه} أَيْ: مُظْهِرُهُ {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَق أَن تخشاه} أَيْ: تَخْشَى عَيْبَةَ النَّاسِ {فَلَمَّا قضى زيد مِنْهَا وطرا} الْوَطَرُ: الْحَاجَةُ {زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزوَاج أدعيائهم} قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ: يَا مُحَمَّدُ، زَعَمْتَ أَنَّ حَلِيلَةَ الِابْنِ لَا تَحِلُّ لِلْأَبِ وَقَدْ تَزَوَّجْتَ حَلِيلَةَ ابْنِكَ زَيْدٍ! فَقَالَ اللَّهُ: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} الْآيَة (ل 272) قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَتَى زَيْدًا زَائِرًا فَأَبْصَرَهَا قَائِمَةً فَأَعْجَبَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: سُبْحَانَ الله مُقَلِّب المقلوب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 فَرَأَى زَيْدٌ أَنْ رَسُولَ اللَّهِ هَوِيَهَا. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِي طَلَاقِهَا؛ فَإِنَّ فِيهَا كِبْرًا، وَإِنَّهَا لَتُؤْذِينِي بِلِسَانِهَا! فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 عَلَيْكَ زَوْجَكَ. فَأَمْسَكَهَا زَيْدٌ مَا شَاءَ الله ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَلَمَّا قَضَتْ عِدَّتَهَا أَنْزَلَ اللَّهُ نِكَاحَهَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَ السَّمَاءِ، فَقَالَ {وَإِذْ تَقُولُ للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ} إِلَى قَوْله: {زَوَّجْنَاكهَا} فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ زَيْدًا؛ فَقَالَ: ائْتِ زَيْنَبَ، فَأَخْبِرْهَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ زَوَّجَنِيهَا. فَانْطَلَقَ زيد، فَاسْتَفْتَحَ الْبَابَ؛ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: زَيْدٌ. قَالَتْ: وَمَا حَاجَةُ زَيْدٍ إِلَيَّ وَقَدْ طَلَّقَنِي؟! فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ؛ فَقَالَتْ: مرْحَبًا برَسُول رَسُول الله، فَفتح لَهُ؛ فَدَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ زَيْدٌ: لَا يُبْكِي اللَّهُ عَيْنَكِ، قَدْ كُنْتِ نِعْمَتَ الْمَرْأَةُ أَوْ قَالَ: الزَّوْجَةُ إِنْ كُنْتِ لَتَبَرِّينَ قَسَمِي، وَتُطِيعِينَ أَمْرِي، فَقَدْ أَبْدَلَكِ اللَّهُ خَيْرًا مِنِّي. قَالَتْ: مَنْ؛ لَا أَبَا لَكَ؟ فَقَالَ: رَسُول الله. فخرت سَاجِدَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 قَوْلُهُ: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} يَعْنِي: أَحَلَّ {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذين خلوا من قبل} أَيْ: أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ حَرَجٌ فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ، وَقَدْ أَحَلَّ لِدَاوُدَ مِائَةَ امْرَأَةٍ، ولسليمان ثَلَاثمِائَة إمرأة وَسَبْعمائة سُرِّيَةٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: نَصْبُ (سُنَّةَ) عَلَى الْمَصْدَرِ؛ الْمَعْنَى: سَنَّ اللَّهُ سنة. سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 40 آيَة 43). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ من رجالكم} يَعْنِي: أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَكُنْ أَبًا لِزَيْدٍ، وَإِنَّمَا كَانَ زَيْدٌ دَعِيًّا لَهُ {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتم النَّبِيين}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (رَسُولَ الله) بِالنَّصْبِ فَعَلَى مَعْنَى: وَلَكِنْ كَانَ رَسُول الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 {يَا أَيهَا الَّذين آمنو اذْكروا الله ذكرا كثيرا} يَعْنِي: بِاللِّسَانِ، وَهَذَا ذِكْرٌ لَيْسَ فِيهِ وَقْتٌ. يَحْيَى: عَنْ خَدَاشٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ، عَنْ أَنَسِ ابْن مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام: " مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلَّا وَجْهَهُ، إِلَّا نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: قُومُوا مَغْفُورًا لَكُمْ، قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتِكُمْ حَسَنَاتٍ ". مِنْ حَدِيثِ يحيى بن مُحَمَّد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 {وسبحوه بكرَة وَأَصِيلا} تَفْسِيرُ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} تَفْسِيرُ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ: صَلَاةُ اللَّهِ: الرَّحْمَةُ، وَصَلَّاةُ الْمَلَائِكَةِ: الِاسْتِغْفَارُ. {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} يَعْنِي: من الضَّلَالَة إِلَى الْهدى. سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 44 48). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 {تحيتهم يَوْم يلقونه سَلام} يَقُولُ: تُحَيِّيهِمُ الْمَلَائِكَةُ عَنِ اللَّهِ بِالسَّلَامِ {وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} يَعْنِي: الْجنَّة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 {إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا} عَلَى أُمَّتِكَ تَشْهَدُ عَلَيْهُمْ فِي الْآخِرَةِ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَهُمْ {وَمُبَشِّرًا} فِي الدُّنْيَا بِالْجنَّةِ {وَنَذِيرا} من النَّار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 {وداعيا إِلَى الله بِإِذْنِهِ} يَعْنِي: بِالْوَحْي {وسراجا منيرا} مضيئا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ الله فضلا كَبِيرا} يَعْنِي: الْجنَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 {ودع أذاهم} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَقُولُ: اصْبِرْ عَلَيْهِ. سُورَة الْأَحْزَاب (آيَة 49). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} إِلَى قَوْله: {فمتعوهن} الْمَتَاعُ مَنْسُوخٌ إِذَا كَانَ قَدْ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يُسَمِّهِ لَهَا، فَيَكُونُ لَهَا الْمُتْعَةُ وَلَا صَدَاقَ لَهَا إِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 الْبَقَرَة {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} هَذَا قَوْلُ الْعَامَّةِ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ. وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: لَهَا الْمَتَاعُ؛ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِامْرَأَتِهِ تَوَارَثَا وَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهَا النِّصْفُ إِذَا طَلَّقَهَا {وَسَرِّحُوهُنَّ سراحا جميلا} إِلَى أَهْلِيهِنَّ لَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ لَيْسَ بَينهمَا حُرْمَة. سُورَة الْأَحْزَاب (آيَة 50). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 {يَا أَيهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتيت أُجُورهنَّ} يَعْنِي: صَدُقَاتِهِنَّ {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْك وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا للنَّبِي خَالِصَة لَك} {ل 273} يَقُوله للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام {من دون الْمُؤمنِينَ} لَا تَكُونُ الْهِبَةُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ إِلَّا للنَّبِيِّ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ؛ إِن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَدْ تَطَوَّعَ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا، فَأَعْطَاهَا الصَّدَاقَ. وَمَقْرَأُ الْعَامَّةِ: (أَنْ وَهَبَتْ) بِفَتْحِ (أَنْ) وَتَفْسِيرُهَا عَلَى هَذَا الْمَقْرَإِ: كَانَتِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَنْ قَرَأَ بِكَسْرِ الْأَلِفِ فَعَلَى الْمُسْتَقْبَلِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَنْ قَرَأَ {أَنْ} بِالْفَتْحِ فَالْمَعْنَى: لِأَنَّ، وَ {خَالِصَةً} مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ. {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرضنَا عَلَيْهِم} أَي: أَوْحَينَا {فِي أَزوَاجهم} [أَلَّا تُنْكَحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشُهَدَاءَ وَصَدَاقٍ، وَلَا يَنْكِحُ الرَّجُلُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ] {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} يَقُولُ: يَتَزَوَّجُ أَرْبَعًا إِنْ شَاءَ، وَيَطَأُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ مَا شَاءَ {لكيلا يكون عَلَيْك حرج} أَي: إِثْم. سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 51 آيَة 52). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ} رَجِعَ إِلَى قِصَّةِ النَّبِيِّ. تَفْسِيرُ الْحسن: يذكر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام الْمَرْأَةَ لِلتَّزْوِيجِ ثُمَّ يُرْجِيهَا؛ أَيْ: يَتْرُكُهَا فَلَا يَتَزَوَّجُهَا، وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ امْرَأَةً لِيَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْرِضَ لِذِكْرِهَا؛ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا أَوْ يَتْرُكَهَا. {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ من تشَاء} أَيْ: تَتَزَوَّجُ مَنْ تَشَاءُ {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْك} يَقُولُ: لَيْسَتْ [عَلَيْكَ] لَهُنَّ قِسْمَةٌ (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 أعينهن} إِذَا عَلِمْنَ أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الله {وَلَا يحزن} عَلَى أَنْ تَخُصَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ دُونَ الْأُخْرَى {وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ} مِنَ الْخَاصَّةِ الَّتِي تَخُصُّ مِنْهُنَّ لحاجتك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ من أَزوَاج} يَعْنِي: أَزْوَاجَهُ التِّسْعَ، قَالَ الْحَسَنُ: لَمَّا خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ نِسَاءَهُ، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَصَرَهُ عَلَيْهِنَّ {وَلَو أعْجبك حسنهنَّ} يَعْنِي: حسن غيرما أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ مِنَ النِّسَاءِ؛ عَلَى مَا مَضَى مِنْ تَفْسِيرِ الْحَسَنِ {إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} يَطَأُ بِمَلْكِ يَمِينِهِ مَا شَاءَ {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رقيبا} يَعْنِي: حفيظا. سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 53 55). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: مُتَحَيِّنِينَ حِينَهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: غَيْرَ مُنْتَظِرِينَ وَقْتَ إِدْرَاكِهِ؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 و {غير} مَنْصُوبَةٍ عَلَى الْحَالِ. {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} أَيْ: تَفَرَّقُوا {وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} يَعْنِي: بَعْدَ أَنْ تَأْكُلُوا {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحق} يُخْبِرُهُمْ أَنَّ هَذَا يُؤْذِي النَّبِيَّ. {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وقلوبهن} يَعْنِي: مِنَ الرِّيبَةِ وَالدَّنَسِ؛ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أبدا} قَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: لَوْ قد مَاتَ تَزَوَّجْنَا نِسَاءَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ: {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَو تُخْفُوهُ} يَعْنِي مَا قَالُوا: لَوْ قَدْ مَاتَ تَزَوَّجْنَا نِسَاءَهُ. {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُل شَيْء عليما} ثُمَّ اسْتَثْنَى مَنْ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ فِي الْحِجَابِ فَقَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ} إِلَى قَوْله: {وَلَا نسائهن} يَعْنِي: الْمُسْلِمَاتُ {وَلا مَا مَلَكَتْ أيمانهن} وَكَذَلِكَ الرَّضَاعُ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي ذُكِرَ مِمَّنْ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ فِي الْحجاب. سُورَة الْأَحْزَاب (آيَة 56). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي} يَعْنِي: أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِلنَّبِيِّ، وَتَسْتَغْفِر لَهُ الْمَلَائِكَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ} يَعْنِي: اسْتَغْفِرُوا لَهُ {وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 يَحْيَى: عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ صَاحِبِ الرُّمَّانِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: " جَاءَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً، بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ الله إِذْ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَرَفْنَا السَّلَامَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ". يَحْيَى: عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " أَكْثرُوا عَليّ (ل 274) الصَّلَاة يَوْم الْجُمُعَة ". سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 57 آيَة 58). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ كَانُوا يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ، وَيَسْتَخِفُّونَ بِحَقِّهِ، وَيَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْده ويكذبون عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكتسبوا} يَعْنِي: جَنَوْا؛ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ {فَقَدِ احتملوا بهتانا} كذبا {وإثما مُبينًا} بَيِّنًا. يَحْيَى: عَنِ النَّضْرِ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَرَجَ يَوْمًا فَنَادَى بِصَوْتٍ أَسْمَعَ الْعَوَاتِقَ فِي الْخُدُورِ: يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُسْلِمْ بِقَلْبِهِ، أَلَا لَا تُؤْذُوا الْمُؤْمِنِينَ وَلَا تَغْتَابُوهُمْ، وَلَا تَتَبَّعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ فَضَحَهُ فِي بَيته ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 سُورَة الْأَحْزَاب (آيَة 59). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 {يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن} وَالْجِلْبَابُ الرِّدَاءُ؛ يَعْنِي: يَتَقَنَّعْنَ بِهِ {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يؤذين} أَيْ: يُعْرَفَ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ مُسْلِمَاتٌ عَفَائِفُ فَلا يُؤْذَيْنَ؛ أَيْ: فَلا يُعَرَّضُ لَهُنَّ بِالْأَذَى، وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَتَعَرَّضُونَ النِّسَاءَ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانُوا يَلْتَمِسُونَ الْإِمَاءَ، وَلَمْ يَكُنْ تُعْرَفُ الْحُرَّةُ مِنَ الْأَمَةِ بِاللَّيْلِ؛ فَلَقِيَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ أَذًى شَدِيدًا؛ فَذَكَرْنَ ذَلِكَ لِأَزْوَاجِهِنَّ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ؛ فَنَزَلْتَ هَذِهِ الْآيَةُ. يَحْيَى: عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى أَمَةً عَلَيْهَا قِنَاعٌ، فَعَلَاهَا بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ: اكْشِفِي رَأْسَكِ وَلَا تشبهي بالحرائر! ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 60 آيَة 62). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَة} وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ يُرْجِفُونَ بِالنَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ يَقُولُونَ: يَهْلَكُ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابَهُ! {لَنُغْرِيَنَّكَ بهم} أَيْ: لَنَسُلِّطَنَّكَ عَلَيْهِمْ {ثُمَّ لَا يجاورونك فِيهَا إِلَّا قَلِيلا}. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 {ملعونين} قَالَ مُحَمَّد: {معلونين} مَنْصُوب على الْحَال؛ فَالْمَعْنى: لَا يُجَاوِرُونَكَ إِلَّا وَهُمْ مَلْعُونُونَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا من قبل} أَي: من أظهر الشّرك قَبْلُ، وَهَذَا إِذَا أُمِرَ النَّبِيُّونَ بِالْجِهَادِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: {سُنَّةَ اللَّهِ} مَصْدَرٌ؛ الْمَعْنَى: (سَنَّ) اللَّهُ سُنَّةً. سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 63 آيَة 68). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا علمهَا عِنْد الله} أَيْ: لَا يَعْلَمُ مَتَى مَجِيئُهَا إِلَّا اللَّهُ {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَة تكون قَرِيبا} أَي: أَنَّهَا قريب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 {يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرسولا} وَإِنَّمَا صَارَت {الرسولا} و {السبيلا}؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ وَهَذَا جَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، إِذَا كَانَتْ مُخَاطَبَةً. قَالَ مُحَمَّدٌ: الِاخْتِيَارُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: (السَّبِيلَا) بِالْأَلِفِ وَأَنْ يُوْقَفَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ أَوَاخِرَ الْآيِ وَفَوَاصِلَهَا يَجْرِي فِيهَا مَا يَجْرِي فِي أَوَاخِرِ أَبْيَاتِ الشِّعْرِ وَمَصَارِعِهَا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا خُوْطِبَ الْعَرَبُ بِمَا يَعْقِلُونَهُ فِي الْكَلَامِ الْمُؤَلَّفِ، فَيُدَلُّ بِالْوَقْفِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَزِيَادَةُ الْحُرُوفِ نَحْو {الظنونا} و {السبيلا} و {الرسولا} أَنَّ ذَلِكَ الْكَلَامَ قَدْ تَمَّ وَانْقَطَعَ وَأَنَّ مَا بَعْدَهُ مُسْتَأَنَفٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 {رَبنَا إِنَّا أَطعْنَا سادتنا} وَهِي تقْرَأ على وَجه آخر: {سَادَاتِنَا} وَالسَّادَةُ جَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالسَّادَاتُ جمَاعَة الْجَمَاعَة {وكبراءنا} أَي: فِي الضَّلَالَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ} أَيْ: مِثْلَيْنِ. {وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} وتقرأ (كثيرا). سُورَة الْأَحْزَاب من (آيَة 69 آيَة 73). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذوا مُوسَى} الْآيَةُ. يَحْيَى: عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ مُوسَى آدر، وَكَانَ إِذا ذخل الْمَاءَ لِيَغْتَسِلَ وَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى صَخْرَةٍ. قَالَ: فَدَخَلَ الْمَاءَ يَوْمًا وَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلى صَخْرَةٍ فَتَدَهْدَهَتْ، فَخَرَجَ يَتْبَعُهَا فَرَأَوْهُ، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 {وَقُولُوا قولا سديدا} أَي: عدلا؛ وَهُوَ: لَا إِلَه إِلَّا الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 {يصلح لكم أَعمالكُم} لَا يَقْبَلُ الْعَمَلَ إِلَّا مِمَّنَ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مخلصا من قلبه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 {إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة} الْآيَةُ، تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ عَرَضَ الْعِبَادَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ أَنْ يأخذوها بِمَا فِيهَا، فَلَنْ: وَمَا فِيهَا؟ قِيلَ: إِنْ أَحْسَنْتُنَّ جوزيتن (ل 275) وَإِنْ أَسَأَتُنَّ عُوْقِبْتُنَّ {فَأَبَيْنَ أَنْ يحملنها} وَعَرَضَهَا عَلَى الْإِنْسِانِ وَالْإِنْسَانُ: آدَمُ فَقَبِلَهَا. يَحْيَى: عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ " أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} إِلَى قَوْلِهِ: (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 والمشركات} فَقَالَ: هُمَا اللَّذَانِ ظَلَمَاهَا، هُمَا اللَّذَانِ خَانَاهَا: الْمُنَافِقُ وَالْمُشْرِكُ ". {وَكَانَ الله غَفُورًا} لِمَنْ تَابَ مِنْ شِرْكِهِ {رَحِيمًا} لِلْمُؤْمِنِينَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 تَفْسِيرُ سُورَةِ سَبَأَ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا سُورَة سبأ من آيَة 1 إِلَى آيَة 5 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 قَوْله: {الْحَمد لله} , حَمَدَ نَفْسَهُ وَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ {الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَة وَهُوَ الْحَكِيم} فِي أَمْرِهِ أَحْكَمَ كُلَّ شيءٍ {الْخَبِير} بخلقه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ} مِنَ الْمَطَرِ {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} مِنَ النَّبَاتِ {وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاء} مِنَ الْمَطَرِ وَغَيْرِ ذَلكَ {وَمَا يعرج فِيهَا} أَيْ: يَصْعَدُ يَعْنِي: مَا تَصْعَدُ بِهِ الْمَلائِكَةُ {وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} لمن آمن. قَالَ محمدٌ: يُقَال: عَرَج يعرُجُ إِذا صَعِدَ , وعرِجَ - بالكسْر - يعرَجُ إِذا صَار أعْرجَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَة} الْقِيَامَة {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالم الْغَيْب} من قَرَأَهَا بِالرَّفْع رَجَعَ إِلَى قَوْله: {وَهُوَ الرَّحِيم الغفور} عالِمُ الْغَيْب , وَمن قَرَأَهَا بِالْجَرِّ: (عالمِ الغيبِ) يَقُولُ: بلَى وربي عالمِ الغيْب، وفيهَا تقديمٌ، والغيبُ فِي تَفْسِير الْحَسَن فِي هَذَا الْموضع: مَا لم يكن {لَا يعزب عَنهُ} أَي: لَا يغيب {مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} أَي: وزن ذرة يَقُولُ: ليعلم ابْن آدم أَن عمله الَّذِي عَلَيْهِ الثَّوَاب وَالْعِقَاب لَا يغيبُ عَن اللَّه مِنْهُ مِثْقَال ذرةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 {أُولَئِكَ لَهُم مغْفرَة} لذنوبهم {ورزق كريم} يَعْنِي: الْجنَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 {وَالَّذين سعوا} عمِلُوا {فِي آيَاتنَا معاجزين} تَفْسِير الْحَسَن: مسابقين؛ أيْ: يظنون أَنهم يسْبقوننا حَتَّى لَا نقدر عَلَيْهِم فنبعثهم ونعذبهم. قَالَ محمدٌ: يُقَال: مَا أَنْت بمعاجزي؛ أَي: بمُسابقي، وَمَا أَنْت بمعجزي؛ أَي: بسابقي. {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رجز} وَالرجز: الْعَذَاب؛ أَي: لَهُم عذابٌ من عَذَاب {أَلِيم} موجع. سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة 6 حَتَّى الْآيَة 9. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 {وَيرى الَّذين أُوتُوا الْعلم} يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ {الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ من رَبك هُوَ الْحق} أَي: يعلمُونَ أَنَّهُ هُوَ الْحق {وَيهْدِي} أَي: ويعلمون أَن الْقُرْآن يهدي {إِلَى صِرَاط} إِلَى طَرِيق {الْعَزِيز الحميد} المستحمد إِلَى خلقه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 {وَقَالَ الَّذين كفرُوا} قَالَه بَعضهم لبعضٍ {هَلْ نَدُلُّكُمْ} أَلا ندلكم {على رجل} يعنون: مُحَمَّدًا {ينبئكم} يُخْبِركُمْ {إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُم لفي خلق جَدِيد} أَي: إِذا متم وتفرّقت عظامُكم وَكَانَت رُفاتًا أَنكُمْ لمبعوثون خلقا جَدِيدا - إِنْكَار للبعث؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 قَالَ اللَّه: {بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة فِي الْعَذَاب} فِي الْآخِرَة {والضلال} فِي (الدّين) {الْبعيد} من الْهدى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْديهم} يَعْنِي: أمامهم {وَمَا خَلفهم} يَعْنِي: وَرَاءَهُمْ {مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاء} الكسف: الْقطعَة. سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة 10 حَتَّى الْآيَة 11. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا} يَعْنِي: النُّبُوَّة {يَا جِبَالُ أَوِّبِي} قُلْنَا: يَا جبال أوبي مَعَه؛ أَي: سبحي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 قَالَ محمدٌ: ذكر ابْن قُتَيْبَة أَن أصل الْكَلِمَة من التأويب فِي السَّفر. قَالَ: وَهُوَ أَن [يسير] النَّهَار كُله وَينزل لَيْلًا كَأَن الْمَعْنى: أَوِّبي النَّهَار كُله بالتسبيح. وَذكر الزّجاج: أَن أصل الْكَلِمَة من آبَ يئوب؛ إِذا رَجَعَ، كَأَنَّهُ أَرَادَ: سبحي مَعَه ورَجِّعي التَّسْبِيح؛ فاللَّه أعلم مَا أَرَادَ. {وَالطير} هُوَ كَقَوْلِه: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجبَال يسبحْنَ وَالطير} أَي: وسخرنا لَهُ الطير {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيد} ألانه اللَّه لَهُ؛ فَكَانَ يعمله بِلَا نارٍ وَلَا مطرقة بأصابعه الثَّلَاثَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 {أَن اعْمَلْ سابغات} وَهِي الدروع {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} تَفْسِير مُجَاهِد: لَا تصغر المسمار وتعظم الْحلقَة؛ فيسلس، وَلَا تعظم المسمار وتصغر الْحلقَة فتنفصم الْحلقَة. قَالَ محمدٌ: السابغ: الَّذِي يُغطي كل مَا تَحْتَهُ حَتَّى [يفضل وَذكر] (ل 276) لِأَنَّهَا تدل عَلَى الْمَوْصُوف وَمعنى السّرد: النّسْجُ، وَيُقَال للحرز أَيْضا: سرْدٌ، وَيُقَال لصانع الدِّرع: سرّاد وزرَّادٌ؛ تبدل من السِّين: الزَّاي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة 12 حَتَّى الْآيَة 14. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 {ولسليمان الرّيح} أَي: وسخرنا لِسُلَيْمَان الرّيح {غُدُوُّهَا شهر ورواحها شهر} قَالَ الْحَسَن: وَكَانَ سُلَيْمَان إِذا أَرَادَ أَن يركب جَاءَت الرّيح فَوضع سَرِير مَمْلَكَته عَلَيْهَا وَوضع الكراسي والمجالس عَلَى الرّيح، وَجلسَ وُجُوه أَصْحَابه عَلَى مَنَازِلهمْ فِي الدِّين من الْجِنّ وَالْإِنْس يومئذٍ، وَالْجِنّ يَوْمئِذٍ ظَاهِرَة للإنس يَحُجُّون جَمِيعًا وَيصلونَ جَمِيعًا، وَالطير ترفرف عَلَى رَأسه ورءوسهم، وَالشَّيَاطِين حَرسُه لَا يتركون أحدا يتقدَّم بَين يَدَيْهِ {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} يَعْنِي: الصُّفر؛ فِي تَفْسِير مُجَاهِد سَالَتْ لَهُ مثل المَاء {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذن ربه} يَعْنِي: السُّخرة الَّتِي سخّرها اللَّه لَهُ {وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أمرنَا} يَعْنِي: عَن طَاعَة اللَّه وعبادته {نذقه من عَذَاب السعير} فِي الْآخِرَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ محاريب} يَعْنِي: الْمَسَاجِد والقصور؛ فِي تَفْسِير الكَلْبي. قَالَ محمدٌ: يُقَال لأشرف مَوضِع فِي الدَّار أَو فِي الْبَيْت: محراب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 قَوْله: {وتماثيل} يَعْنِي: صورًا من نُحَاس. قَالَ الْحَسَن: ولمْ تكن الصُّور يومئذٍ محرَّمة {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِي} يَعْنِي: صحافًا كالحياض. قَالَ محمدٌ: الجوابي جمع: جابية. {وقدور راسيات} أَي: ثابتاتٌ فِي الأَرْض عِظَام لَا تحوَّل عَن أماكنها {اعْمَلُوا آل دَاوُد شكرا} أَي: توحيدًا. قَالَ بَعضهم: لما نزلت لم يزل إنسانٌ مِنْهُم قَائِما يُصَلِّي. قَالَ: {وَقَلِيلٌ مِنْ عبَادي الشكُور} أَي: أقل النَّاس الْمُؤمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 {فَلَمَّا قضينا} أنزلنَا {عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ} وَهِي الأرضةُ؛ فِي تَفْسِير مُجَاهِد {تَأْكُل منسأته} أَي: عَصَاهُ. قَالَ محمدٌ: وأصل الْكَلِمَة من قَوْلك: نسأت الدَّابَّة؛ إِذا سُقْتَهَا، فَقيل للعصاة: مِنْسَأةٌ. وَأنْشد بَعضهم: (إِذا دببت عَلَى المنساة من كبر ... فقد تبَاعد مِنْك اللَّهْو والغول) وَفِيه لغةٌ أُخْرَى {تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} مَهْمُوزَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 قَالَ يحيى: مكث سُلَيْمَان حولا وَهُوَ متوكئ عَلَى عَصَاهُ لَا يعلمُونَ أَنَّهُ مَاتَ. وَذَلِكَ أَن الشَّيَاطِين كَانَت تزْعم للإنس أَنهم يعلمُونَ الْغَيْب، فَكَانُوا يعْملُونَ لَهُ حولا لَا يعلمُونَ أَنَّهُ مَاتَ. قَالَ {فَلَمَّا خر} سُلَيْمَان؛ أَي: سقط {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ} للإنس {أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ المهين} يَعْنِي: الْأَعْمَال [الَّتِي] سخرهم فِيهَا. سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة 15 حَتَّى الْآيَة 17. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْاكَنِهِمْ آيَةٌ} أَي: لقد تبيّن لأهل سبإٍ؛ كَقَوْلِه: {واسأل الْقرْيَة} أَي: أهل الْقرْيَة. قَالَ محمدٌ: قد مضى القَوْل فِي (سبإٍ) فِي تَفْسِير سُورَة النَّمْل، وَاخْتِلَاف الْقِرَاءَة فِيهِ، والتأويل. قَالَ يحيى: ثمَّ أخبر بِتِلْكَ الْآيَة؛ فَقَالَ: {جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} جنَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 عَن يَمِين، وجنةٌ عَن شمال {بَلْدَة طيبَة وَرب غَفُور} لمن آمن. قَالَ محمدٌ {جَنَّتَانِ} بدل من {أيه} و {رب غَفُور} مَرْفُوع على معنى وَالله رب غَفُور. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 {فأعرضوا} عَمَّا جَاءَت بِهِ الرسُلُ {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِم سيل العرم} والعَرِمُ: الجسْرُ يُحبَسُ بِهِ المَاء، وَكَانَ سدًّا قد جعل فِي موضعٍ من الْوَادي [تَجْتَمِع] فِيهِ الْمِيَاه. قَالَ مُجَاهِد: إِن ذَلكَ السَّيْل الَّذِي أرسَلَ اللَّه عَلَيْهِم من العرم مَاء أحْمَر، أَتَى اللَّه بِهِ من حَيْثُ شَاءَ، وَهُوَ شقّ السّدّ وهدَمَه. وحفر بطن الْوَادي عَن الجنّتيْن؛ فارتفعتا وغارَ عَنْهُمَا المَاء فيبستا قَالَ: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَي أُكُلٍ} أَي: ثَمَرَة {خمط} وَهُوَ الْأَرَاك {وأثل}. وَقَالَ محمدٌ: والأثل شَبيه بالطّرفاء، وَاخْتلف أهل اللُّغَة فِي مد الطّرفاء وقصره، وَأَكْثَرهم على الْمَدّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نجازي} أَي نعاقب {إِلَّا الكفور}. قَالَ محمدٌ: قِيلَ معنى المجازاة هَا هُنَا: أَنَّهُ لَا يغْفر لَهُ، وَإِنَّمَا الْمَغْفِرَة لأهل الْإِيمَان. سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة 18 حَتَّى الْآيَة 19. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 {وَجَعَلنَا بَينهم} أَي: وَكُنَّا جعلنَا بَينهم {وَبَيْنَ الْقرى الَّتِي باركنا فِيهَا} يَعْنِي: أَرض الشَّام {قُرًى ظَاهِرَةً} أَي: مُتَّصِلَة؛ ينظر بَعْضهَا إِلَى بعض {وقدرنا فِيهَا السّير} (ل 277) تَفْسِير الْكَلْبِيّ: يَعْنِي المقيل وَالْمَبِيت {سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنْينَ} كَانُوا يَسِيرُونَ مسيرَة أَرْبَعَة أشهر فِي أَمَان لَا يُحَرك بَعضهم بَعْضًا، وَلَو لَقِي الرجلُ قاتِلَ أَبِيه لم يحركه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} قَالَ الْحَسَن: ملوا النِّعْمَة؛ كَمَا ملّت بَنو إِسْرَائِيل المنَّ والسَّلوى. قَالَ الله {وظلموا أنفسهم}. بشركهم {فجعلناهم أَحَادِيث}. لمَن بعدهمْ {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} أَي: بدَّدْنا عظامهم وأوصالهم [فأكلهم] التُّرابُ. قَالَ: محمدٌ وَقد قِيلَ فِي قَوْله: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} أَي: مزّقناهمْ فِي الْبِلَاد؛ لأَنهم لما أذهب الله جنتيهم وغرق مكانهم تبدّدُوا فِي الْبِلَاد؛ فَصَارَت الْعَرَب تتمثل بهم فِي الْفرْقَة فَتَقول: تفرّقوا أَيدي سبأ، وأيادي سبأ؛ إِذا أخذُوا فِي وجوهٍ مُخْتَلفَة. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَات لكل صبار} على أَمر الله {شكور} لنعمة الله وَهُوَ الْمُؤمن. سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة 20 حَتَّى الْآيَة 22. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} يَعْنِي: جَمِيع الْمُشْركين {فَاتَّبَعُوهُ إِلا فريقا من الْمُؤمنِينَ} قَالَ بَعضهم: قَالَ إِبْلِيس: خُلِقتُ من نارٍ وخُلِقَ آدم من طينٍ، وَالنَّار تَأْكُل الطين! فَلذَلِك ظن أَنَّهُ سيضل عامتهم. قَالَ محمدٌ: وَمن قَرَأَ: {صَدَقَ} بِالتَّخْفِيفِ نصبَ الظنَّ مصْدَرًا عَلَى معنى: صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظنا ظَنّه، وَصدق فِي ظَنّه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَان} هُوَ كَقَوْلِه: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُم عَلَيْهِ بفاتنين} يَقُولُ: لَسْتُم بمضلي أحدٍ {إِلا من هُوَ صال الْجَحِيم}. قَوْله: {إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَة} وَهَذَا علم الفعال {مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شكّ} وَإِنَّمَا جحد الْمُشْركُونَ الْآخِرَة ظنًّا مِنْهُم وشكًّا {وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء حفيظ} حَتَّى يجازيهم فِي الْآخِرَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 {وَمَا لَهُم فيهمَا} يَعْنِي: السَّمَاوَات وَالْأَرْض {وَمن شرك} أَي: مَا خلقُوا شَيْئا مِمَّا فيهمَا {وَمَا لَهُ مِنْهُم} أَي: وَمَا لله من أوثانهم {من ظهير} أَي: عُوين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة 23 حَتَّى الْآيَة 24. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 {وَلَا تَنْفَع الشَّفَاعَة عِنْده} عِنْد اللَّه {إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} أَي: لَا يشفع الشافعون إِلَّا للْمُؤْمِنين. {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهم} الْآيَة. قَالَ يحيى: إِن أهل السَّمَاوَات لم يسمعوا الوحْيَ فِيمَا بَين عِيسَى وَمُحَمّد؛ فَلَمَّا بعث اللَّه جِبْرِيل بِالْوَحْي إِلَى محمدٍ سَمِعَ أهل السَّمَاوَات صوتَ الْوَحْي مثل جر السلاسِل عَلَى الصخور - أَو الصَّفا - فَصعِقَ أهل السَّمَاوَات مَخَافَة أَن تَقُوم السَّاعَة، فَلَمَّا فرغ من الْوَحْي، وانحذر جِبْرِيل جعل كلما يمُرُّ بِأَهْل سَمَاء فزع عَن قُلُوبهم - يَعْنِي: خُلي عَنْهَا - فَسَأَلَ بَعضهم بَعْضًا - يسْأَل أهل كل سَمَاء الَّذين فَوْقهم إِذا خُلي عَن قُلُوبهم مَاذَا قَالَ ربكُم؟ فَيَقُولُونَ الْحق؛ أَي: هُوَ الْحق - يعنون: الْوَحْي. قَالَ محمدٌ: وَقيل: إِن تَأْوِيل {فزع عَن قُلُوبهم} أَي: كشف اللَّه الْفَزع عَن قُلُوبهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَو فِي ضلال مُبين} بيِّن، وَهِي كلمة عَرَبِيَّة؛ يَقُولُ الرجل لصَاحبه: إنَّ أَحَدنَا لصَادِق - يَعْنِي: نَفسه - وَكَقَوْلِه: إنّ أَحَدنَا لكاذبِ؛ يَعْنِي صَاحبه - أَي: نَحْنُ عَلَى الْهدى وَأَنْتُم فِي ضلالٍ مُبين، وَكَانَ هَذَا بِمَكَّة وَأمر الْمُسلمين يَوْمئِذٍ ضَعِيف. سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة 25 حَتَّى الْآيَة 27. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 {قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نسْأَل عَمَّا تَعْمَلُونَ} كَقَوْلِه {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 {ثمَّ يفتح بَيْننَا بِالْحَقِّ} أَي: يقْضِي {وَهُوَ الفتاح} القَاضِي {الْعَلِيم} بخلقه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 {قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاء} أَي: جعلتموهم شُرَكَاء؛ فعبدتموهم، يَقُولُ: أروني مَا نفعوكم وأجابوكم بِهِ! كلَّا لَسْتُم بالذين تأتون بِمَا نفعوكم وأجابوكم بِهِ إِذْ كُنْتُم تدعونهم؛ أَي: أَنهم لم ينفعوكم وَلم يجيبوكم، ثمَّ اسْتَأْنف الْكَلَام؛ فَقَالَ {كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيز الْحَكِيم} أَي: هُوَ الَّذِي لَا شريك لَهُ وَلَا ينفع إِلَّا هُوَ. سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة 28 حَتَّى الْآيَة 31. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} يَعْنِي: جمَاعَة الْإِنْس وَإِلَى جمَاعَة الْجِنّ {بشيرا} بِالْجنَّةِ {وَنَذِيرا} من النَّار {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} أَنهم مبعوثون ومجاوزون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ} لن نصدق {بِهَذَا الْقُرْآن وَلَا بِالَّذِي بَين يَدَيْهِ} يعنون: التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل. {وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ} أَي: الْمُشْركُونَ {مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} يَوْم الْقِيَامَة {يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} وهم السفلة (ل 278) {للَّذين استكبروا} وهم الرؤساء. سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة 32 حَتَّى الْآيَة 36. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 {بل مكر اللَّيْل وَالنَّهَار} أَي: بل قَوْلكُم لنا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ {إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّه ونجعل لَهُ أندادا} يَعْنِي: أوثانهم عدلوها بِاللَّه فعبدوها دونه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِير إِلَّا قَالَ مترفوها} يَعْنِي: أهل السعَة وَالنعْمَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لمن يَشَاء وَيقدر} أَي: يقتر {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ} يَعْنِي: جمَاعَة الْمُشْركين {لَا يعلمُونَ}. سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة 37 حَتَّى الْآيَة 39. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تقربكم عندنَا زلفى} الزلفى: الْقرْبَة {إِلا مَنْ آمَنَ} أَي: لَيْسَ الْقرْبَة عندنَا إِلَّا لمن آمن وَعمل صَالحا {فَأُولَئِكَ لَهُم جَزَاء الضعْف} يَعْنِي: تَضْعِيف الْحَسَنَات؛ كَقَوْلِه {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ثمَّ نزل بعد ذَلكَ بِالْمَدِينَةِ: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سبع سنابل} الْآيَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 {وَالَّذين يسعون} يعْملُونَ {فِي آيَاتنَا معاجزين} أيْ: يظنون أَنهم يسْبقوننا حَتَّى لَا نقدر عَلَيْهِم فنعذبهم {أُولَئِكَ فِي الْعَذَاب محضرون} مدخلون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ} أَي: فِي طَاعَة اللَّه {فَهُوَ يخلفه} تَفْسِير السّديّ: {فَهُوَ يخلفه}؛ يَعْنِي: فِي الْآخِرَة؛ أَي: يعوضهم بِهِ الْجنَّة. سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة 40 حَتَّى الْآيَة 42. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 {وَيَوْم يحشرهم جَمِيعًا} يَعْنِي: الْمُشْركين وَمَا عبدُوا (ثُمَّ نَقُولُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} يجمع اللَّه يَوْم الْقِيَامَة بَين الْمَلَائِكَة ومَنْ عَبدهَا، فَيَقُول للْمَلَائكَة: أَهَؤُلَاءِ إيَّاكُمْ كَانُوا يعْبدُونَ؟ عَلَى الِاسْتِفْهَام وَهُوَ أعلم بذلك مِنْهُم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 {قَالُوا} {قَالَت الْمَلَائِكَة} (سُبْحَانَكَ} ينزِّهون اللَّه عَمَّا قَالَ الْمُشْركُونَ. {أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم} أَي: أَنَا لمْ نَكُنْ نواليهم عَلَى عِبَادَتهم إيانًا {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} الشَّيَاطِينَ هِيَ الَّتِي دَعَتْهُمْ إِلَى عبادتنا؛ فهم بطاعتهم الشَّيَاطِين عَابِدُونَ لَهُم {بل أَكْثَرُهُم} يَعْنِي: جمَاعَة الْمُشْركين {بِهِم} أَي: بالشياطين {مُّؤْمِنُونَ} مصدقون بِمَا وسوسوا إِلَيْهِم بِعبَادة من عبدُوا؛ فعبدوهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} {أشركوا} (ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} وهم جَمِيعًا قرناء فِي النَّار: الشَّيَاطِين، وَمن أَضَلُّوا؛ يلعن بعضُهم بَعْضًا، وَيَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة 43 حَتَّى الْآيَة 45. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 {وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا} أَي: يقرءونها بِمَا هُمْ عَلَيْهِ من الشّرك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} من قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد؛ يَعْنِي: مِنْ أُهْلِكَ مِنَ الْأُمَمِ السالفة. {وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ} مَا بلغ هَؤُلّاءِ معشار؛ أَي: عشر {مَا آتَيْنَاهُمْ} من الدُّنْيَا؛ يَعْنِي: الْأُمَم السالفة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيريِ} عقابي؛ أيْ: كَانَ شَدِيدا؛ يُحَذرهُمْ أَن ينزل بهم مَا نزل بهم. قَالَ مُحَمَّد: (نَكِير) الْمَعْنى: نكيري، وحُذِفت الْيَاء؛ لِأَنَّهُ آخر آيَة. سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة 46 حَتَّى الْآيَة 50. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 {قل إِنَّمَا أعظكم بِوَاحِدَة} ب (لَا إِلَه إِلَّا اللَّه) يَقُوله للْمُشْرِكين {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مثنى وفرادى} أَي: وَاحِدًا وَاحِدًا، أَو اثنيْن اثنيْن {ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ من جنَّة} أَي: مَا بمحمدٍ من جُنُون {إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَين يَدي عَذَاب شَدِيد}. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: ينذركم أَنكُمْ إِن عصيتم لَقِيتُم عذَابا شَدِيدا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} أَي: الَّذِي سألتكم من أجرٍ {فَهُوَ لكم إِن أجري} ثوابي {إِلا عَلَى اللَّهِ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} أَي: ينزل الْوَحْي {عَلَّامُ الْغُيُوبِ} غيب السَّمَاء: مَا ينزل مِنْهَا من الْمَطَر وَغَيره، وغيب الأَرْض مَا يخرج مِنْهَا من النَّبَات وَغَيره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ {عَلَّامُ الغيوب} بِالرَّفْع، فعلى معنى: هُوَ علام الغيوب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِل} [يَعْنِي: إِبْلِيس] {وَمَا يُعِيد} أَي: مَا يخلق أحدا وَلَا يَبْعَثهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ على نَفسِي وَإِن اهتديت} الْآيَة؛ أَي: أَنكُمْ أَنْتُم الضالون وَأَنا على الْهدى. سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة 51 حَتَّى الْآيَة 54. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 {وَلَو ترى إِذْ فزعوا} تَفْسِير الْحَسَن: يَعْنِي النفخة الأولى الَّتِي يُهَلْكُ بِهَا كُفَّارُ آخِرِ هَذِه الْأمة {فَلَا فَوت} أَي: لَا يفوت أحدٌ مِنْهُم دون أَن يهْلك بِالْعَذَابِ {وَأُخِذُوا من مَكَان قريب} يَعْنِي: النفخة الْآخِرَة. قَالَ الْحَسَن: وَأي شيءٍ أقرب من أَن [كَانُوا] فِي بطن الأَرْض فَإِذا هُمْ عَلَى ظُهُورهَا. قَالَ محمدٌ: قِيلَ: من مَكَان قريب: قريب على الله يَعْنِي: الْقُبُور. (ل 279) وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحسن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 {وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التناوش من مَكَان بعيد} يَعْنِي: الْآخِرَة، والتناوش: التَّنَاوُل، قَالَ الْحَسَن يَعْنِي: وأنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 لَهُم الْإِيمَان. قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: وأنى لَهُم تنَاول مَا أَرَادوا من التَّوْبَة؛ أَي: إِدْرَاكه من مَكَان بعيد من الْموضع الَّذِي تقبل فِيهِ التوْبة، وَهُوَ معنى قَول الْحَسَن، والتناوش يُهْمزُ وَلَا يهمز يُقَال: نشت ونأشت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} كذبُوا [بِالْبَعْثِ] وَهُوَ الْيَوْم عِنْدهم بعيد؛ لأَنهم لَا يقرونَ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} تَفْسِير بَعضهم: مَا يشتهون من الْإِيمَان، وَلَا يقبل مِنْهُم عِنْد ذَلكَ. {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قبل} يَعْنِي: من كَانَ عَلَى دينهم - الشّرك - لما كذبُوا رسلهم جَاءَهُم الْعَذَاب، فآمنوا عِنْد ذَلكَ؛ فَلم يقبل مِنْهُم {أَنهم كَانُوا} قبل أَن يجيئهم الْعَذَاب {فِي شكّ مريب} من الرِّيبَة؛ وَذَلِكَ أَن جحودهم بالقيامة، وَبِأَن الْعَذَاب لَا يَأْتِيهم؛ إِنَّمَا ذَلكَ ظن مِنْهُم [وَشك لَيْسَ] عِنْدهم فِيهِ علمٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 تَفْسِير سُورَة الْمَلَائِكَة وَهِي مَكِّيَّة كلهَا سُورَة فاطر الْآيَات من الْآيَة 1 حَتَّى الْآيَة 2. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 قَوْله: {الْحَمد لله} حَمَدَ نَفْسَهُ وَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ { فاطر } خَالق {السَّمَاوَات وَالْأَرْض جَاعل الْمَلَائِكَة رسلًا} جعل من شَاءَ مِنْهُم لرسالته إِلَى الْأَنْبِيَاء {أولي} ذَوي {أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} تَفْسِير قَتَادَة: مِنْهُم من لَهُ جَنَاحَانِ، وَمِنْهُم من لَهُ ثَلَاثَة أَجْنِحَة، وَمِنْهُم من لَهُ أَرْبَعَة أَجْنِحَة. قَالَ محمدٌ: (وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) فِي مَوضِع خفض، وَكَذَلِكَ (مَثْنَى) إِلَّا أَنَّهُ فتح ثَلَاث وَربَاع؛ لِأَنَّهُ ينْصَرف لعلّتين: إِحْدَاهمَا: أَنَّهُ معدول عَن ثَلَاثَة ثَلَاثَة، وَأَرْبَعَة أَرْبَعَة، واثنين اثْنَيْنِ، فَهَذِهِ عِلّة، وَالثَّانيَِة: أَن عدْله وَقع فِي حَال النكرَة. {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء} تَفْسِير الْحَسَن: يزِيد فِي أَجْنِحَة الْمَلَائِكَة مَا يَشَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 {مَا يفتح الله للنَّاس} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: مَا يقسِمٌ اللَّه للنَّاس {من رَحْمَة} من الْخَيْر والرزق {فَلا مُمْسِكَ لَهَا} أَي: لَا أحد يَسْتَطِيع أَن يمسك مَا يقسم من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 رَحْمَة {وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ من بعده} يَعْنِي: نَفسه، تبَارك اسْمُه. قَالَ مُحَمَّد: {يفتح} فِي مَوضِع جزْم عَلَى معنى الشَّرْط وَالْجَزَاء، وَجَوَاب الْجَزَاء {فَلا مُمْسك لَهَا}. سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة 3 إِلَى آيَة 4 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 {يَا أَيهَا النَّاس اذْكروا نعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض} يَعْنِي: مَا ينزل من السَّمَاء من الْمَطَر، وَمَا ينْبت فِي الأَرْض من النَّبَات {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} يَقُوله للْمُشْرِكين يحْتَج بِهِ عَلَيْهِم، وَهُوَ اسْتِفْهَام؛ أَي: لَا خَالق وَلَا رَازِق غَيره، وَأَنْتُم تقرون بذلك وتعبدون من دونه الْآلهَة { قَالَ مُحَمَّد: تقْرَأ {غير} بِالرَّفْع والكسْر؛ فَمن قَرَأَ بِالرَّفْع فعلى معنى: هَلْ خالقٌ غيرُ اللَّه وَتَكون {من} مُؤَكدَة، وَمن كسر جعله صفة للخالق. {فَأَنَّى تؤفكون} يَقُول: فَكيف تُصرف عقولكم فتعبدون غير الله؟} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ من قبلك} يعزيه بذلك، ويأمره بِالصبرِ. تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة 5 إِلَى آيَة 8 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 {يَا أَيهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} يَعْنِي: مَا وعد من الثَّوَاب وَالْعِقَاب {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور} الشَّيْطَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 {إِنَّمَا يَدْعُو حزبه} يَعْنِي: الَّذين أضلّ ووسوس إِلَيْهِم بِعبَادة الْأَوْثَان {لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} وَالسَّعِيرُ اسْمُ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حسنا} كمن آمن وَعمل صَالحا؛ أَي: لَا يستويان، وَفِيه إضمارٌ {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات} يَقُول: لَا تتحسر عَلَيْهِم إِذْ لم يُؤمنُوا. تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة 9 إِلَى آيَة 11 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سحابا فسقناه} يَعْنِي: سقنا المَاء فِي السَّحَاب {إِلَى بلد ميت} أَي: إِلَى أَرض لَيْسَ فِيهَا نَبَات. وَلما قَالَ: {إِلَى بَلَدٍ} قَالَ: {ميت}؛ لِأَن الْبَلَد مذكّرٌ، وَالْمعْنَى عَلَى الأَرْض {كَذَلِك النشور} أَي: (هَكَذَا) تحْيَوْن بعد الْمَوْت بِالْمَاءِ يَوْم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 الْقِيَامَة كَمَا تحْيا الأَرْض بِالْمَاءِ فتنبت، يُرْسل اللَّه مَطَرا منيًّا كَمَنِيِّ الرِّجَالِ؛ فَتَنْبُتُ بِهِ جُسْمَانُهُمْ وَلُحْمَانُهُمْ كَمَا تَنْبُتُ الْأَرْضُ مِنَ الثرى يقوم ملك بالصور بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فينفخ فِيهِ، فَينْطَلق كل روح (ل 280) إِلَى جسده حَتَّى يدْخل فِيهِ، فيجيبوا إِجَابَة رَجُل وَاحِد سرَاعًا إِلَى صَاحب الصُّور إِلَى بَيت الْمُقَدّس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّة جَمِيعًا} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ يَقُولُ: مَنْ كَانَ يُرِيد الْعِزَّة؛ فليتعزّزْ بِطَاعَة اللَّه {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} هُوَ التَّوْحِيد {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} التَّوْحِيد؛ لَا يرْتَفع الْعَمَل إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ {وَالَّذين يمكرون السَّيِّئَات} أَي: يعملونها {ومكر أُولَئِكَ} أَي: عمل أُولَئِكَ {هُوَ يَبُورُ} أَي: يفْسد عِنْد اللَّه؛ لِأَنَّهُ لَا يقبل الْعَمَل الصَّالح إِلَّا من الْمُؤمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 {وَالله خَلقكُم من تُرَاب} يَعْنِي: خلق آدم {ثمَّ من نُطْفَة} يَعْنِي: نسْل آدم {ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا} يَعْنِي: ذكرا وَأُنْثَى؛ وَالْوَاحد: زوج {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا ينقص من عمره} تَفْسِير الْحَسَن: وَمَا يعمر من معمر؛ حَتَّى يبلغ أرذل الْعُمر، وَلَا ينقص من آخر عُمَر المعمر فَيَمُوت قبل أَن يبلغ أرذل الْعُمر {إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} هيِّن. قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر: كتب فِي أول الصفحة أَجله، ثمَّ كُتب أسْفل من ذَلِكَ ذَهَبَ يَوْمُ كَذَا، وَذَهَبَ يَوْمُ كَذَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى أَجله. تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة 12 إِلَى آيَة 14 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فرات} أَي: حُلْو {سَائِغٌ شَرَابُهُ} {وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} أَي: مالحٌ مرٌّ {وَمِنْ كُلٍّ} يَعْنِي: من العَذْب والمالح {تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} يَعْنِي: اللؤلؤَ. قَالَ محمدٌ: وَإِنَّمَا تستخرج الحليةُ من الْملح دون العذب، إِلَّا أَنَّهُمَا لما كَانَا مختلطيْن جَازَ أَن يُقَال: تستخرجون الْحِلْية مِنْهُمَا؛ كَقَوْلِه {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان}. {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا من فَضله} يَعْنِي: طَلَبَ التِّجَارَةِ فِي السُّفُنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَار فِي اللَّيْل} هُوَ أَخذ أَحدهمَا من الآخر {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِلأَجَلٍ مُّسَمًّى} لَا يعدوه، قَالَ السُّدي: وَهُوَ مطالع الشَّمْس وَالْقَمَر إِلَى غَايَة لَا يجاوزانها فِي شتاءٍ وَلَا صيف {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} يَقُوله للْمُشْرِكين يَعْنِي: أوثانهم {مَا يملكُونَ من قطمير} قَالَ مُجَاهِد: القِطْمير: لفافة النّواة. قَالَ محمدٌ: يُقَال: لِفَافةٌ وفُوفَة، والفوفة أفْصح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 {إِن تدعوهم} يَعْنِي: تنادوهم {لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} يَعْنِي: بعبادتكم إيَّاهُم {وَلا يُنَبِّئُكَ مثل خَبِير} يَعْنِي: نَفسه تبَارك وَتَعَالَى. تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة 15 إِلَى آيَة 18 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ بِعَذَاب الإستئصال (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} هُوَ أطوع لَهُ مِنْكُم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} أَي: لَا يشق عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 {ولاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أَي: لَا تحمل حاملةٌ ذَنْب نفس أُخْرَى {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} أَي: من الذُّنُوب {إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} أَي: لَا يحمل قريبٌ عَن قَرِيبه شَيْئا من ذنُوبه. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى وَلَو كَانَ المدْعُو ذَا قربى. {إِنَّمَا تُنذِرُ} أَي: إِنَّمَا يقبل نذارتك {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ} فِي السِّرّ حَيْثُ لَا يطلع عَلَيْهِم أحد {وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ} الْمَفْرُوضَة {وَمَن تَزَكَّى} أَي: عمل صَالحا {فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} أَي: يجد ثَوَابه. تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة 19 إِلَى آيَة 26 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} وَهَذَا تبعٌ لقَوْله: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ}، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 {وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَات} هَذَا كُله مثل الْمُؤمن وَالْكَافِر؛ أَي: كَمَا لَا يَسْتَوِي مَا ذكر؛ فَكَذَلِك لَا يَسْتَوِي الْمُؤمن وَالْكَافِر. قَالَ محمدٌ: الحرُور: (استيقاد) الْحر ولفحه بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار. {إِنَّ الله يسمع من يَشَاء} أَي: يهديه للْإيمَان {وَمَا أَنْتَ بمسمع من فِي الْقُبُور} أَي: وَمَا أَنْت بمسمع الْكفَّار سَمِعَ قبُول؛ كَمَا أَن الَّذين فِي الْقُبُور لَا يسمعُونَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 {وَإِنَّ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِير} أَي: من أمة ممَّن أهلكها إِلَّا خلا فِيهَا نَذِير، يحذر الْمُشْركين أَن ينزل بهم مَا نزل بهم إِن كذبُوا النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} قَالَ السّديّ: يَعْنِي الْآيَات (ل 281) الَّتِي كَانَت تَجِيء بهَا الْأَنْبِيَاء {وبالزبر} يَعْنِي أَحَادِيث [الْكتاب] مَا كَانَ [من قبلهم] من المواعظ {وَبِالْكِتَابِ الْمُنِير} البيِّن، يَعْنِي: الْكتاب الَّذِي يَجِيء بِهِ النَّبِيّ مِنْهُم إِلَى قومه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 {فَكيف كَانَ نَكِير} أَي: كَانَ شَدِيدا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة 27 إِلَى آيَة 30. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَات مُخْتَلفا ألوانها} [وطعمها فِي الْإِضْمَار] {وَمِنَ الْجِبَالِ جدد بيض} أَي: [طرائق] بيض {وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ ألوانها وغرابيب سود} والغربيب: الشَّديد السّواد. قَالَ محمدٌ: قَالُوا: أسْوَدُ غرْبيبٌ يؤكدون السوَاد، والجدد وَاحِدهَا: جدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ ألوانه كَذَلِك} أَي: كَمَا اخْتلفت ألوان مَا ذكر من الثِّمَار وَالْجِبَال ثمَّ انْقَطع الْكَلَام، ثمَّ اسْتَأْنف فَقَالَ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعلمَاء} وهم الْمُؤْمِنُونَ. قَالَ ابْن عَبَّاس: يعلمُونَ أَن اللَّه عَلَى كل شَيْء قدير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 {وَأَقَامُوا الصَّلَاة} الْمَفْرُوضَة {وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً} السِّر: التَّطَوُّع؛ وَالْعَلَانِيَة: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة، يستحبُّ أَن تُعْطى الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة عَلَانيَة، والتطوُّع سرًّا {يرجون تِجَارَة لن تبور} أَي: تفْسد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 {ليوفيهم أُجُورهم} يَعْنِي: ثوابهم فِي الْجنَّة {وَيَزِيدَهُمْ من فَضله} يُضَاعف لَهُم الثَّوَاب. تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة 31 إِلَى آيَة 32. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 {مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ} يَعْنِي: التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} اخترنا {مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لنَفسِهِ} إِلَى قَوْله: {يدْخلُونَهَا}. يَحْيَى: عَنِ النَّضْرِ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ زَيْدٍ وَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِي اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} إِلَى قَوْلِهِ: {جنَّات عدن يدْخلُونَهَا} إِلَى آخِرِ الآيَةِ، قَالَ: فَيَجِيءُ هَذَا السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِلا حِسَابٍ، وَيَجِيءُ هَذَا الْمُقْتَصِدُ فَيُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ثُمَّ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنْهُ، وَيَجِيءُ هَذَا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فَيُوقَفُ وَيُعَيَّرُ وَيُوَبَّخُ وَيُعَرَّفُ ذُنُوبَهُ، ثُمَّ يُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفضل رَحمته، فهم الَّذِي قَالُوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شكور} غَفَرَ الذَّنْبَ الْكَبِيرَ، وَشَكَرَ الْعَمَلَ الْيَسِيرَ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 يَحْيَى: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ، عَنْ شَهْرِ بن حَوْشَب؛ أَن عمر ابْن الْخَطَّابِ قَالَ: " سَابِقُنَا سَابِقٌ، وَمُقْتَصِدُنَا نَاجٍ، وَظَالِمُنَا مَغْفُورٌ لَهُ ". وَمن حَدِيث يحيى بْن مُحَمَّد، عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مولى التوءمة، عَن أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ: " قَرَأَ رَسُول الله هَذِه الْآيَة، فَقَالَ: أما السَّابِق فَيدْخل الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب، والمقتصد يُحَاسب حسابا يَسِيرا، وَأما الظَّالِم لنفْسه فَيحْبس فِي طول الْمَحْشَر، ثمَّ يتَجَاوَز اللَّه عَنهُ ". تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة 33 إِلَى آيَة 38. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَحَدٌ إِلَّا وَفِي يَدَيْهِ ثَلَاثَة أَسْوِرة: سوار من ذهب، وسوارٌ من فضَّة، وسوارٌ من لُؤْلُؤ. وَقَالَ هَا هُنَا: {مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى {وَحُلُّوا أساور من فضَّة}. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ: (وَلُؤْلُؤًا) فعلى معنى: (يحلَّوْن لؤلؤًا) وأساور جمع: أسورة، وَاحِدهَا: سِوَارٌ. {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} يَحْيَى: عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَزَّمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " دَارُ الْمُؤْمِنِ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ فِي وَسَطِهَا شَجَرَةٌ تُنْبِتُ الْحُلَلَ، وَيَأْخُذُ بِأُصْبُعِهِ - أَوْ قَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 بِأَصَابِعِهِ - سَبْعِينَ حُلَّةً مُنَظَّمَةً بِاللُّؤْلُؤِ والمرجان ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يمسنا فِيهَا لغوب} إعْيَاء.: قَالَ محمدٌ: المُقَامة والإِقَامة واحدٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يقْضى عَلَيْهِم فيموتوا}. قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ (فَيَمُوتُوا) يَجعله جَوَاب الْفَاء للنَّفْي فِي أَوله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نعمل} أَي: ارْدُدْنا فِي الدُّنْيَا نعملْ صَالحا! قَالَ الله: {أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ} يَعْنِي: النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم. [قَالَ قَتَادَة] (ل 282) نزلت هَذِه الْآيَة وفيهَا ابْن ثَمَانِي عشرَة. تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة 39 إِلَى آيَة 40. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْض} أَي: خلفا بعد خلف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} قَالَ السُّدّي: يَعْنِي: فِي الأَرْض {أم لَهُم شرك فِي السَّمَاوَات} أَي: لم يخلقوا مِنْهَا مَعَ اللَّه شَيْئا {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا} بِمَا هُم عَلَيْهِ من الشّرك {فَهُمْ عَلَى بَيِّنَات مِّنْهُ} أَي: لم يفعل {بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلا غُرُورًا} يَعْنِي: الشَّيَاطِين الَّتِي دعتهم إِلَى عبَادَة الْأَوْثَان، وَالْمُشْرِكين الَّذين دَعَا بَعضهم بَعْضًا إِلَى ذَلكَ. قَالَ محمدٌ: (الْغرُور) الأباطيل الَّتِي تغرُّ، وَمعنى (إِنْ يَعِدُ): مَا يعد و (بَعضهم) بدل من (الظَّالِمين). تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة 41 إِلَى آيَة 43. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 {إِن الله يمسك السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَن تَزُولَا} [يَعْنِي: لِئَلَّا تَزُولَا] {وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بعده} وَهَذِه صفةٌ؛ يَقُولُ: إِن زالتا، وَلنْ تَزُولَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُم نَذِير} نبيٌّ {لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَم} كَقَوْلِه: {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأَوَّلِينَ لَكنا عباد الله المخلصين}. قَالَ اللَّه: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} مُحَمَّد {مَا زادهم} ذَلِك {إِلَّا نفورا} عَن الْإِيمَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 {استكبارا فِي الأَرْض} عَن عبَادَة اللَّه {وَمَكْرَ السَّيِّئِ} يَعْنِي: الشّرك وَمَا يمكرون برَسُول اللَّه وبدينه {وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَ بِأَهْلِهِ} وَهَذَا وعيدٌ لَهُم. قَالَ محمدٌ: (استكباراً) منصوبٌ مفعولٌ لهُ؛ الْمَعْنى: مَا زادهم إِلَّا نفورًا للاستكبارُ. {فَهَلْ ينظرُونَ} ينتظرون {إِلَّا سنة الْأَوَّلين} أَي: سُنَّة اللَّه فِي الأوّلين أَنهم إِذا كذبُوا رسلهم أهلكهم {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} لَا يُبدل اللَّه بهَا غَيرهَا {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا} أَي: لَا تحول؛ وَأخر عَذَابَ كُفَّارِ آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَى النفخة الأولى بالاستئصال؛ بهَا يكون هلاكهم، وَقد عذب أَوَائِل مُشْركي هَذِه الْأمة بِالسَّيْفِ يَوْم بدر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة 44 إِلَى آيَة 45. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 {أَو لم يَسِيرُوا فِي الأَرْض} أَي: بلَى قد سَارُوا {فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قبلهم} كَانَ عاقبتهم أَن دمر الله عَلَيْهِم ثمَّ صيرهم إِلَى النَّار؛ يُحَذِّرُهُمْ أَنْ يُنَزِّلَ بِهِمْ مَا نزل بهم {وَمَا كَانَ اللَّهُ ليعجزه} ليسبقه {مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الأَرْض} حَتَّى لَا يقدر عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كسبوا} بِمَا عمِلُوا {مَا تَرَكَ عَلَى ظهرهَا من دَابَّة} يَقُول: لَحَبَسَ عَنْهُمُ القَطْر فَهَلَك مَا فِي الأَرْض من دَابَّة {وَلَكِن يؤخرهم} يَعْنِي: الْمُشْركين {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} السَّاعَة بهَا يكون هلاكُ كفَّار آخر هَذِه الْأمة {فَإِذَا جَاءَ أَجلهم} السَّاعَة {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصيرًا}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 تَفْسِير سُورَة يس وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة يس الْآيَات من آيَة 1 إِلَى آيَة 9. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 قَوْله: { يس } تَفْسِير قَتَادَة: يَا إِنْسَان، بقوله للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام. قَالَ محمدٌ: قيل: إِنَّهَا بلغَة طَيِّىء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} الْمُحكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} أقسم للنَّبِي بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ من الْمُرْسلين على دين مُسْتَقِيم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 {تَنزِيلَ} أَي: هُوَ تنزيلٌ، يَعْنِي: الْقُرْآن {الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 {لِتُنذِرَ قَوْمًا} يَعْنِي: قُريْشًا {مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ} قَالَ بَعضهم: يَعْنِي: الَّذِي أَنْذَرَ آبَاءَهُم {فَهُمْ غَافِلُونَ} يَعْنِي: فِي غفلةٍ من الْبَعْث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ} {سبق} (عَلَى أَكْثَرِهِمْ} يَعْنِي: من لَا يُؤمن مِنْهُم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ} [مغلولون] يَقُولُ: هُمْ فِيمَا ندعوهم إِلَيْهِ من الْهدى بِمَنْزِلَة الَّذِي فِي عُنقه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 الغُلُّ، فَهُوَ لَا يَسْتَطِيع أَن يبسط يَده، أَي: أَنهم لَا يقبلُونَ الْهدى و (المقمح) فِي تَفْسِير الْحَسَن: الطَّامح ببصره الَّذِي لَا يبصر حَيْثُ يطأُ بقدمه؛ أَي: أَنهم لَا يبصرون الهُدَى. قَالَ محمدٌ: قَوْله: {فَهِيَ إِلَى الأذقان} (فَهِيَ) كِنَايَة عَن الْأَيْدِي لَا عَن الْأَعْنَاق؛ لِأَن الغلّ يَجْعَل الْيَد تلِي الذَّقن والعُنق. والمُقْمَح فِي كَلَام الْعَرَب: الرافع رَأسه الغاضُّ بَصَره. وَقيل أقماح؛ لِأَن الْإِبِل إِذا وَردت المَاء ترفعُ رءوسها لشدَّة برودته. قَالَ الشَّاعِر - يذكُر سفينة -: ([وَنحن عَلَى جوانبها قعُود] ... نغض الطّرف كَالْإِبِلِ القماح) وَاحِد القماح: قامح (ل 283) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّ ا} هُوَ كَقَوْلِه: {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [قَالَ: كَانَ ناسٌ من الْمُشْركين من قُرَيْش يَقُولُ بَعضهم: لَو قد رأيتُ مُحَمَّدًا لقد فعلتُ كَذَا وَكَذَا {وَيَقُول بعضهُم: لَو قد رأيتُه لفعلتُ بِهِ كَذَا وَكَذَا} فَأَتَاهُم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَلْقة من الْمَسْجِد، فَوقف عَلَيْهِم فَقَرَأَ عَلَيْهِم: (يس وَالْقُرْآن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 الْحَكِيمِ} حَتَّى بلغ: {فَهُمْ لَا يبصرون} ثمَّ أَخذ تُرَابا؛ فَجعل يذروه عَلَى رُءُوسهم، فَمَا رفع رَجُل إِلَيْهِ طرفه وَلَا تكلّم كلمة. ثمَّ جَاوز النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجعلُوا ينفضُون التُّرَاب عَن رُءُوسهم ولحاهم وهم يَقُولُونَ: وَالله مَا سمعنَا، وَمَا أبصرنا، وَمَا عقلنا!]. تَفْسِير سُورَة يس الْآيَات من آيَة 10 إِلَى آيَة 12. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 {وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ} يَعْنِي: الَّذين لَا يُؤمنُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 {إِنَّمَا تُنذِرُ} إِنَّمَا يقبل نذارَتَك {مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ} {الْقُرْآن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 2 - ! (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى} يَعْنِي: الْبَعْث {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} أَي: مَا عمِلُوا من خير أَو شَرّ {وَآثَارَهُمْ} تَفْسِير قَتَادَة: يَعْنِي الخُطَا، لَو كَانَ الله مُغْفِلًا شَيْئا من شَأْنك يَا ابْن آدم لَا تُحْصيه لأغفلَ هَذِه الآثارَ الَّتِي [تعفوها] الرِّيَاح {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} بيِّن؛ يَعْنِي: اللَّوْح الْمَحْفُوظ. قَالَ محمدٌ: (كلّ) نُصِب عَلَى معنى: أحصينا كلَّ شيءٍ أحصيناه {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} وَهِي أَنْطاكية {إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} أَي: قويناهما بثالث. تَفْسِير سُورَة يس الْآيَات من آيَة 13 إِلَى آيَة 19. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 قَالَ محمدٌ: معنى قَوْله: {وَاضْرِبْ لَهُم مثلا} أَي: اذكر لَهُم مثلا و (أَصْحَاب الْقرْيَة) بدل من قَوْله: (مثلا) وَقَوله: (فعززنا) يُقَال: مِنْهُ عَزَّز من قلبه؛ أَي: قوَّى، وتعزّز لحم النَّاقة إِذا صَلُبَ. وَفِي تَفْسِير مُجَاهِد: أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَيْهِم نبيَّان قبل الثَّالِث فَقَتَلُوهُمَا ثمَّ أرسل اللَّه الثَّالِث قَالَ: فَقَالُوا: يَعْنِي: الْأَوَّلين قبل الثَّالِث، وَالثَّالِث بعدهمَا: {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 {قَالُوا إِنَّا تطيرنا بكم} أَي: تشاءمنا {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لنرجمنكم} لنقتلنكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 {قَالُوا} قالتْ لَهُم رسلُهم {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [أَي عَمَلكُمْ مَعكُمْ. قَالَ مُحَمَّد: شؤمكم مَعكُمْ أَي عَمَلكُمْ بِهِ تصابون] {أئن ذكرْتُمْ} يَعْنِي: ذكّرناكم بِاللَّه تطيَّرْتمْ بِنَا. قَالَ محمدٌ: قِرَاءَة نَافِع (أَيْنَ) بِهَمْزَة بعْدهَا يَاء. وَاخْتلف عَلَيْهِ فِي الْمَدّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 تَفْسِير سُورَة يس الْآيَات من آيَة 20 إِلَى آيَة 27. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 {وَجَاء من أقْصَى الْمَدِينَة} أنطاكية {رجل يسْعَى} يسْرع، وَهُوَ حبيب النَّجَّار. تَفْسِير مُجَاهِد قَالَ: كَانَ [رجلا] من قوم يونُسَ وَكَانَ بِهِ جذامٌ، فَكَانَ يطِيف بآلهتهم يدعوها فَلم يُغن ذَلكَ عَنْهُ شَيْئا، فَبَيْنَمَا هُوَ يَوْمًا إِذْ هُوَ بِجَمَاعَة فَدَنَا مِنْهُم؛ فَإِذا نَبِي يَدعُوهُم إِلَى اللَّه وَقد قتلوا قبله اثْنَيْنِ، فَدَنَا مِنْهُ، فَلَمَّا سَمِعَ كَلَام النَّبِيّ قَالَ: يَا عبْدَ اللَّه، إِن معي ذَهَبا، فَهَل أَنْت آخذه مني وأتبعك وَتَدْعُو اللَّه لي؟ قَالَ: لَا أُرِيد ذهبك وَلَكِن ابتعني فَلَمَّا رَأَى الَّذِي بِهِ دَعَا اللَّه لَهُ فبرأ، فَلَمَّا رَأَى مَا صُنع بِهِ قَالَ: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يسألكم أجرا} لما كَانَ عرض عَلَيْهِ من الذَّهَب فَلم يقبله مِنْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 {وَمَا لِي لَا أَعْبُدُ الَّذِي فطرني} إِلَى قَوْله: {فاسمعون} أَي: فاسمعو مني قولي، دعاهم إِلَى الْإِيمَان فَلَمَّا سَمِعُوهُ قَتَلُوهُ، فَقيل لَهُ: ادخل الْجنَّة. قَالَ مُجَاهِد: أَي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 وَجَبت لَك الجنةُ {قَالَ يَا لَيْت قومِي يعلمُونَ} الْآيَة. تَفْسِير سُورَة يس الْآيَات من آيَة 28 إِلَى آيَة 32. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 قَالَ اللَّه: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ من السَّمَاء} يَعْنِي: رِسَالَة - فِي تَفْسِير مُجَاهِد -؛ أَي: انْقَطع عَنْهُمُ الْوَحْي؛ فاستوجبوا الْعَذَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 {إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً} والصَّيْحَةُ عِنْد الْحَسَن: الْعَذَاب {فَإِذَا هم خامدون} قد هَلَكُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 {يَا حسرة على الْعباد} أخبر اللَّه أَن تكذيبهم الرسلَ حسرةٌ عَلَيْهِم. قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ: (إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة) بالنصْب، فَالْمَعْنى: مَا كَانَت عقوبتُهم إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة. والحسرةُ: أَن يركب الْإِنْسَان من شدَّة النّدم مَا لَا نِهَايَة بعده حَتَّى يبْقى قلبُه حسيرًا. يُقَال مِنْهُ: حسر الرجل، وتحسر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 {ألم يرَوا} يَعْنِي: مُشْركي قُرَيْش {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يرجعُونَ} أَي: لَا يرجعُونَ إِلَى الدُّنْيَا؛ يُحَذِّرُهُمْ أَنْ يُنَزِّلَ بِهِمْ مَا نزل بهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا محضرون} يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ (لَمَا) بِالتَّخْفِيفِ ف " مَا " زَائِدَة مؤكِّدة؛ الْمَعْنى: وَمَا كُلٌّ إِلَّا جَمِيع. تَفْسِير سُورَة يس الْآيَات من آيَة 33 إِلَى آيَة 44. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 {وَآيَة لَهُم الأَرْض الْميتَة} يَعْنِي: الَّتِي لَا نَبَات فِيهَا أحييناها بالنبات؛ أَي: فَالَّذِي أَحْيَاهَا بعد مَوتهَا قادرٌ عَلَى أَن يحيى الْمَوْتَى. قَالَ مُحَمَّد: {أيه} رفع بِالِابْتِدَاءِ، وخبرها {الأَرْضُ الْمَيْتَةُ} وَمعنى آيَة: عَلامَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْديهم} أَي: لم تعمله أَيْديهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 (سُبْحَانَ الَّذِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا} يَعْنِي: الْأَصْنَاف {مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ} يَعْنِي: الذّكر وَالْأُنْثَى {وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ} مِمَّا خَلَق فِي البرّ وَالْبَحْر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} {ل 284} أَي: نَذْهَب مِنْهُ النَّهَار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} لَا تجاوزه، وَهَذَا بعد مسيرها، ثمَّ ترجع منازلَها إِلَى يَوْم الْقِيَامَة حَيْثُ تُكوَّرُ ويذهبُ ضوْؤُها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} أَي: يجْرِي عَلَى مَنَازِله؛ يَزِيدُ وينقُص {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} كعِذْق النَّخْلَة الْيَابِس؛ يَعْنِي: إِذا كَانَ هِلَالًا. قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ (وَالْقَمَر) بِالرَّفْع، فعلى معنى: وَآيَة لَهُم الْقَمَر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 {لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ} تَفْسِير الْحَسَن: لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَن تدْرك الْقَمَر لَيْلَة الْهلَال خَاصَّة لَا يَجْتَمِعَانِ فِي السَّمَاء، وَقد يُرَيَان جَمِيعًا ويجتمعان فِي غير لَيْلَة الْهلَال، وَهُوَ كَقَوْلِه: {وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا} إِذا تبعها لَيْلَة الْهلَال خَاصَّة {وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} أَي: يَأْتِي عَلَيْهِ النهارُ، كَقَوْلِه: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا}. {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يَعْنِي: الشَّمْس وَالْقَمَر. قَالَ الْحَسَن: الفَلَكُ: طاحونَةُ مستديرةُ كفَلْكَةِ المِغْزَل بَين السَّمَاء وَالْأَرْض تجْرِي فِيهَا الشمسُ وَالْقَمَر والنجوم، وَلَيْسَت بملتصقةٍ بالسماء، وَلَو كَانَت ملتصقةً مَا جرت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 تَفْسِير سُورَة يس الْآيَات من آيَة 41 إِلَى آيَة 47. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّاتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} يَعْنِي: نوحًا وبنيه الثَّلَاثَة: سَام وَحَام وَيَافث، مِنْهُم ذرىء الْخلق بعد مَا غَرِقَ قومُ نوح؛ والمشحونُ: المُوقَر، يَعْنِي: مِمَّا حمل نوح مَعَه فِي السَّفِينَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 {وخلقنا لَهُم من مثله} من مثل الْفلك {مَا يَرْكَبُونَ} يَعْنِي: الْإِبِل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُم} أَي: فَلَا مُغِيث لَهُم {وَلا هم ينقذون} من الْعَذَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 {إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِين} فبرحمتنا نمتّعهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَلم نهلكهم بِعَذَاب الاستئصال، وسيهلك كفار آخر هَذِه الأمّة بالنفخة الأولى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَين أَيْدِيكُم وَمَا خلفكم} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ}. من أَمْر الْآخِرَة اتقوها وَاعْمَلُوا بهَا، {وَمَا خلفكم} يَعْنِي: الدُّنْيَا إِذا كُنْتُم فِي الْآخِرَة فَلَا تغترُّوا بالدنيا؛ فَإِنَّكُم تأتون الْآخِرَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ} وَهَذَا تطوُّع {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاء الله أطْعمهُ} فَإِذا لم يَشَأْ الله أَن يطعمهُ لِمَ نطعمه؟! {إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} يَقُوله الْمُشْركُونَ للْمُؤْمِنين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 تَفْسِير سُورَة يس الْآيَات من آيَة 48 إِلَى آيَة 54. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 {وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الْوَعْد}. أيْ: هَذَا الْعَذَاب {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقين} يكذبُون بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 قَالَ الله {مَا ينظرُونَ} أَي: مَا ينْتَظر كفار آخر هَذِهِ الأُمَّةِ الدَّائِنِينَ بِدِينِ أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابه {إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً} يَعْنِي: النفخة الأولى من إسْرَافيل بهَا يكون هلاكهم {تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يخصمون} أَي: يختصمون فِي أسواقهم وحوائجهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ توصية} أَن يوصُوا {وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يرجعُونَ} من أسواقهم وَحَيْثُ كَانُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 {وَنفخ فِي الصُّور} هَذِه النفخةُ الْآخِرَة، والصُّور. قرنٌ تُجْعل الأرواحُ فِيهِ، ثمَّ يَنْفُخ فِيهِ صاحبُ الصُّور، فيذهبُ كلُّ روح إِلَى جسده {فَإِذَا هُمْ من الأجداث} الْقُبُور {إِلَى رَبهم يَنْسلونَ} أَي: يخرجُون سرَاعًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا من مرقدنا} قَالَ قَتَادَة: تكلّم بأوّل هَذِه الْآيَة أهلُ الضَّلَالَة، وبآخرها أهلُ الْإِيمَان. قَالَ أهل الضَّلَالَة: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن وَصدق المُرْسَلُونَ} وَقَوْلهمْ: {من مرقدنا} هُوَ مَا بَين النفختيْن لَا يُعَذَّبون فِي قُبُورهم مَا بَين النفختين، وَيُقَال: إِنَّهَا أَرْبَعُونَ سنة، الْأُولَى يُمِيتُ اللَّهُ بِهَا كُلَّ حَيٍّ، وَالْأُخْرَى يُحْيِي اللَّهُ بِهَا كل ميت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 {إِن كَانَت} يَعْنِي: مَا كَانَت {إِلا صَيْحَةً وَاحِدَة} يَعْنِي: النفخة الثَّانِيَة {فَإِذَا هُمْ جَمِيع لدينا محضرون} الْمُؤْمِنُونَ والكافرون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ (صَيْحَةً) بالنصْب، فعلى معنى: إِن كَانَت تِلْكَ إِلَّا صَيْحَة. تَفْسِير سُورَة يس الْآيَات من آيَة 55 إِلَى آيَة 59. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 {إِن أَصْحَاب الْجنَّة الْيَوْم} يَعْنِي: فِي الْآخِرَة {فِي شُغُلٍ} قَالَ قَتَادَة فِي: افتضاض العذارى {فاكهون} أَي: مسرورون؛ فِي تَفْسِير الْحَسَن (ل 285) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأرائك} يَعْنِي: السُّرُر فِي الحجال. يَحْيَى: عَنْ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَدْخُلُونَهَا كُلُّهُمْ نِسَاؤُهُمْ وَرِجَالُهُمْ مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ أَبْنَاءَ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً، عَلَى طُولِ آدَمَ؛ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا - اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَيِّ ذِرَاعٍ - جَرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَلا يَبُولُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ، وَالنِّسَاءُ عُرُبًا أَتْرَابًا لَا يَحِضْنَ، وَلا يَلِدْنَ وَلا يَمْتَخِطْنَ وَلا يَبُلْنَ وَلا يَقْضِينَ حَاجَة ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يدعونَ} أَي: يشتهون قَالَ: يكون فِي فَم أحدهم الطعامُ، فيخطُر عَلَى باله آخرُ؛ فيتحوَّل ذَلكَ الطعامُ فِي فِيهِ، يأكلُ من ناحيةٍ البسْرةَ بُسرًا، ثمَّ يَأْكُل من النَّاحِيَة الْأُخْرَى عنبًا إِلَى عشرةِ ألوان، وَمَا شَاءَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 اللَّه من ذَلكَ. وتصفُّ الطيرُ بَين يَدَيْهِ؛ فَإِذا اشْتهى الطَّائِر مِنْهَا اضْطربَ ثمَّ صَار بَين يَدَيْهِ نَضِيجًا بعْضُه شواءً وبعْضُه قَدِيدًا، وكلُّ مَا اشتهت أنفسهم وجدوه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} يَأْتِي المَلَكُ من عِنْد اللَّه إِلَى أحدهم فَلَا يدْخل عَلَيْهِ، حَتَّى يسْتَأْذن عَلَيْهِ يطْلب الإذْنَ من البواب الأول؛ فيذكره للبواب الثَّانِي، ثمَّ كَذَلِك حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى البواب الَّذِي يَلِيهِ، فَيَقُول البواب لَهُ: ملكٌ عَلَى الْبَاب يستأذنُ! فَيَقُول: ائْذَنْ لَهُ فَيدْخل بِثَلَاثَة أَشْيَاء: بِالسَّلَامِ من اللَّه، والتحيَّة، وبأنّ اللَّه عَنْهُ راضٍ. قَالَ محمدٌ: قَوْله: {سَلامٌ قَوْلا} منصوبٌ عَلَى معنى: لَهُم سلامٌ يَقُوله الله قولا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 {وامتازوا الْيَوْم أَيهَا المجرمون} الْمُشْركُونَ؛ أَي: تميزوا عَن أهل الجنَّة إِلَى النَّار. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى انْقَطَعُوا عَن الْمُؤمنِينَ، يُقَال: مِزْتُ الشَّيْء عَن الشَّيْء إِذا عزلته عَنْهُ، فانمازَ وامتاز وميّزته فتميز. تَفْسِير سُورَة يس الْآيَات من آيَة 60 إِلَى آيَة 66. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَلاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} لأَنهم عبدُوا الْأَوْثَان بِمَا وسوس إِلَيْهِم الشَّيْطَان؛ فَأَمرهمْ بعبادتهم فَإِنَّمَا عبدُوا الشَّيْطَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 {هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم} أَي: دين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا} أَي: خلقا كَثِيرَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} فِي الدُّنْيَا أَنْ لمْ تؤمنوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْديهم وَتشهد أَرجُلهم} تَفْسِير بَعضهم: لما قَالُوا: وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين. ختم اللَّه عَلَى أَفْوَاههم ثمَّ قَالَ للجوارح: انْطِقِي فأوّل مَا يتَكَلَّم من أحدهم فَخِذُه. قَالَ الْحَسَن: وَهَذَا آخر مَوَاطِن يَوْم الْقِيَامَة، إِذا ختمت أفواهم لم يكن بعد ذَلكَ إِلَّا دُخُول النَّار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} يَعْنِي: الْمُشْركين {فاستبقوا الصِّرَاط} الطَّرِيق {فَأنى يبصرون} فَكيف يبصرون إِذا أعميناهم؟! تَفْسِير سُورَة يس الْآيَات من آيَة 67 إِلَى آيَة 70. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 {وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ} أَي: لأقعدناهم عَلَى أَرجُلهم {فَمَا اسْتَطَاعُوا مضيا وَلَا يرجعُونَ} أَي: إِذا فعلنَا ذَلكَ بهم لمْ يستطيعوا أَن يتقدَّموا وَلَا يتأخروا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 {وَمن نعمره} أَي: إِلَى أَرْذَل الْعُمر {نُنَكِّسْهُ فِي الْخلق} فَيكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 بِمَنْزِلَة الصَّبِي الَّذِي لَا يَعْقِلُ {أَفلا يعْقلُونَ} يَعْنِي: الْمُشْركين، أَي: فَالَّذِي خَلقكُم ثمَّ جعلكُمْ شبَابًا ثمَّ جعلكُمْ شُيُوخًا ثمَّ نكَّسكم فِي الْخلق فردكم بِمَنْزِلَة الطِّفْل الَّذِي لَا يعقل شَيْئا - قادرٌ عَلَى أَن يبعثكم يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 {وَمَا علمناه الشّعْر} يَعْنِي: النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} أَن يكون شَاعِرًا وَلَا يروي الشّعْر، هَذَا لقَولهم فِي النَّبِي أَنَّهُ شاعرٌ. قَالَ قَتَادَة: وَقَالَت عَائِشَة: " لم يتكلَّم رَسُول الله بِبَيْت شعرٍ قطّ؛ غير أَنَّهُ أَرَادَ مرّة أَن يتمثَّل بِبَيْت شعرٍ فَلم يُقِمْه " وَقَالَ بَعضهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَاتل اللَّه طرفَة حيثُ يَقُولُ: (سَتُبْدِي لَك الأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلا ... ويَأْتِيكَ مَنْ لم تُزَوَّدِ بالأَخْبَارِ) قِيلَ لَهُ: إِنَّه قَالَ: (ويأتيك بالأخبار من لم تزَود ... ) فَقَالَ: سَوَاء ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 {إِن هُوَ إِلَّا ذكر وَقُرْآن مُبين} تَفْسِير بَعضهم: إِن هُوَ إِلَّا تفكر فِي ذَات الله {وَقُرْآن مُبين} بَين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 {لينذر} يَا محمدُ {مَنْ كَانَ حَيًّا} أَي: مُؤمنا هُوَ الَّذِي يقبلُ نذارتك {ويحق القَوْل} الْغَضَب {على الْكَافرين}. تَفْسِير سُورَة يس الْآيَات من آيَة 71 إِلَى آيَة 77. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} {ل 286} أَي: قوتنا فِي تَفْسِير الْحَسَن كَقَوْلِه: {وَالسَّمَاء بنيناها بأيد} [أَي: بِقُوَّة] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 {وذللناها لَهُم فَمِنْهَا ركوبهم} أَي: مَا يركبون. قَالَ محمدٌ: (الرَّكُوب) بِفَتْح الرَّاء اسْمُ مَا يركب، والرُّكوب المصدرُ، وَيُقَال: مكانٌ ركُوب، يُرِيدُونَ الِاسْم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 {وَلَهُم فِيهَا مَنَافِع} فِي أصوافها، وأوبارها، وَأَشْعَارهَا، ولحومها {ومشارب} يشربون من أَلْبَانهَا {أَفَلا يَشْكُرُونَ} أَي: فليشكروا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُم ينْصرُونَ} يمْنَعُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 {لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصرهم} لَا تَسْتَطِيع آلِهَتهم الَّتِي يعْبدُونَ نَصْرَهُمْ {وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} مَعَهم فِي النَّار؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 {فَلَا يحزنك قَوْلهم} إِنَّكَ سَاحِرٌ، وَإِنَّكَ شَاعِرٌ [وَإِنَّكَ كَاهِنٌ] وَأَنَّكَ مَجْنُونٌ، وَأَنَّكَ كَاذِبٌ {إِنَّا نعلم مَا يسرون} من عداوتهم لَك {وَمَا يُعْلِنُونَ} فيعصمك اللَّه مِنْهُم ويذلهم لَك، فَفعل الله ذَلِك بِهِ. تَفْسِير سُورَة يس الْآيَات من آيَة 78 إِلَى آيَة 83. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} أَي: وَقد علم أَنَا خلقناه؛ أَي: فَكَمَا خلقناه كَذَلِك نعيده {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيم} أَي: رُفات. قَالَ محمدٌ: يُقَال: رمّ العظْمُ فَهُوَ رَمِيم ورِمَامٌ. قَالَ مُجَاهِد: " أَتَى أُبيُّ بْن خلف إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعظْمٍ نَخِرٍ ففتَّه بِيَدِهِ؛ فَقَالَ: يَا محمدُ، أَيُحْيِي اللَّه هَذَا وَهُوَ رَمِيم؟! ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 قَالَ يَحْيَى: فبلغني أَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: " نعم يُحْيِيك اللَّه بعد موتك، ثمَّ يدْخلك النَّار "؟ فَأنْزل اللَّه {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا} خلقهَا {أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَر نَارا} يَعْنِي: كُلّ عودٍ تزند مِنْهُ النَّار، فَهُوَ من شَجَرَة خضراء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 {الَّذِي بِيَدِهِ ملكوت} (أَي: ملك) {كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} يَوْم الْقِيَامَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 تَفْسِير سُورَة الصافات وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الصافات الْآيَات من آيَة 1 إِلَى آيَة 10. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 قَوْله: {و َالصَّافَّات صفا} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: صُفُوف الْمَلَائِكَة. يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلا وَعَلَيْهَا مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ ". قَالَ مُحَمَّد: الأطيط: الصَّوْت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 {فالزاجرات زجرا} يَعْنِي: الْمَلَائِكَة، وَمِنْهُم الرَّعْد الْملك الَّذِي يزجُر السَّحَاب؛ وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَة} يَعْنِي: النفخة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 الْآخِرَة ينفخها صَاحب الصُّور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 {فالتاليات ذكرا} الْمَلَائِكَة تتلو الْوَحْي الَّذِي تَأتي بِهِ الْأَنْبِيَاء؛ أقسم بِهَذَا كُله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 {إِن إِلَهكُم لوَاحِد رب السَّمَاوَات وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} تَفْسِير قَتَادَة قَالَ: هِيَ ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ مشرقاً، وثلاثمائة وَسِتُّونَ مغرباً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِب وحفظا} أَي: وجعلناها يَعْنِي: الْكَوَاكِب حِفْظًا للسماء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 {من كل شَيْطَان مارد} أَي: مجترئ على الْمعْصِيَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 {لَا يسمعُونَ} أَي: لِئَلَّا يسمعُونَ {إِلَى الْمَلإِ الْأَعْلَى} يَعْنِي: الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء، وَكَانُوا يسمعُونَ قبل أَن يُبْعث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَارًا مِنْ أَخْبَارِ السَّمَاءِ، فَأَمَّا الْوَحْيُ فَلَمْ يَكُونُوا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يسمعوه {ويقذفون} أَي: يُرْمَوْن {مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 {دحورا} أَي: طَرْدًا {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} أَي: دَائِم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 {إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ} أَي: لحقه {شهَاب ثاقب} مضيء، رَجَعَ إِلَى أول الْكَلَام {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى}. {إِلَّا من خطف الْخَطفَة} يَعْنِي: اسْتمع الاستماعة. قَالَ ابْن عَبَّاس: إِذا رَأَيْتُمْ الْكَوْكَب قد رُمِيَ بِهِ فتوارى؛ فَإِنَّهُ يَحْرق مَا أصَاب وَلَا يقتل. تَفْسِير سُورَة الصافات الْآيَات من آيَة 11 إِلَى آيَة 21. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 {فاستفتهم} يَعْنِي: الْمُشْركين، أَي: فاسألهم عَلَى الِاسْتِفْهَام؛ يُحاجُّهم بذلك {أَهُمْ أَشَدُّ خلقا أم من خلقنَا} أم السَّمَاء أَي: أَنَّهَا أَشد خلقا مِنْهُم {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طين لازب} واللازبُ: الَّذِي يلصقُ بِالْيَدِ؛ يَعْنِي: خلق آدم. قَالَ محمدٌ: يُقَال: لازب ولازم، بِمَعْنى وَاحِد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 {بل عجبت} يَا محمدُ أَن أَعْطَيْت هَذَا الْقُرْآن {ويسخرون} يَعْنِي: الْمُشْركين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 {وَإِذا ذكرُوا} بِالْقُرْآنِ {لَا يذكرُونَ} (ل 287) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 {وَإِذا رَأَوْا آيَة} إِذا تليت عَلَيْهِم آيَة {يَسْتَسْخِرُونَ} من السخرية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 {قل نعم وَأَنْتُم داخرون} أَي: صاغرون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَة وَاحِدَة} النفخة الْآخِرَة {فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ} أَي: خَرجُوا من قُبُورهم [ينظرُونَ]. تَفْسِير سُورَة الصافات الْآيَات من آيَة 22 إِلَى آيَة 50 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 {احشروا} أَي: سوقوا {الَّذين ظلمُوا} أشركوا {وَأَزْوَاجَهُمْ} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ الَّذِينَ دَعَوْا إِلَى عبَادَة الْأَوْثَان. قَالَ محمدٌ: تَقُولُ الْعَرَب: زوّجْتُ إبلي إِذا قرنت وَاحِدًا بآخر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 {فاهدوهم} أَي: ادعوهُمْ {إِلَى صِرَاط} طَرِيق {الْجَحِيم} والجحيم اسْم من أَسمَاء جهنّم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 {وقفوهم} أَي: احبسوهم، وَهَذَا قبل أَن يدخلُوا النَّار {إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} عَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّه. قَالَ محمدٌ: يُقَال: وقفت الدَّابَّة وَقْفًا ووقُوفًا، وَمن هَذَا الْمَعْنى قَوْله: {وقفوهم} وَيُقَال: أوقفتُ الرجل عَلَى الْأَمر إيقافاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 {مَا لكم لَا تناصرون} يُقَال لَهُم: مَا لكم لَا ينصر بَعْضكُم بَعْضًا؟! الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 قَالَ اللَّه: {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مستسلمون} أَي: استسلموا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 يَتَسَاءلُونَ} يَعْنِي: الْكفَّار وَالشَّيَاطِين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 {قَالُوا} قَالَ الْكفَّار للشياطين: {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} قَالَ مُجَاهِد: أَي: من قبل الدّين؛ فصددتمونا عَنهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 {قَالُوا} يَعْنِي: الشَّيَاطِين للْمُشْرِكين من الْإِنْس {بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 {وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ} نقهركم بِهِ عَلَى الشّرك {بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ} أَي: ضَالِّينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا} الشَّيَاطِين تَقُولُ هَذَا، قَالَ اللَّه: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} يُقْرَنُ كل واحدٍ مِنْهُم هُوَ وشيطانه فِي سلسلة وَاحِدَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 {وَيَقُولُونَ} يَعْنِي: الْمُشْركين إِذا دعاهم النَّبِيّ إِلَى الْإِيمَان {أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} يَعْنُونَ: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَي: لَا نَفْعل. قَالَ الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 {بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} {قبله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 {إِلاَ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} اسْتثْنى الْمُؤمنِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 {أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ} الْجنَّة. (عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ لَا ينظر بعضُهم إِلَى قَفَا بعضٍ. تَفْسِير بَعضهم: وَهَذَا فِي الزِّيَارَة إِذا تزاوروا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 {يُطَاف عَلَيْهِم بكأس} وَهِي الخَمْرُ. قَالَ محمدٌ: الكأس اسْمٌ يَقع لكل إناءٍ مَعَ شرابه. {من معِين} والمعين: الْجَارِي الظَّاهِر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا ينزفون} أَي: إِذا شَرِبُوهَا لَا يَسْكرون؛ فتذهب عقولُهم. قَالَ محمدٌ: يُقَال: الخمْر غَوْلٌ للحلْمِ، والحربُ غَوْلٌ للنفوس؛ أَي: تذْهب بهَا. وَذكر أَبُو عُبَيْد أَن قِرَاءَة نَافِع (ينزَفون) بِفَتْح الزَّاي فِي هَذِه، وَفِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 الَّتِي هِيَ الْوَاقِعَة. قَالَ محمدٌ: وَيُقَال: للسكران: نَزِيفٌ ومَنْزُوفٌ. وَمن قَرَأَ (يُنْزَفُونَ) بِكَسْر الزَّاي فَهُوَ من: أنزفَ القومُ إِذا حَان مِنْهُم النَّزفُ وَهُوَ السُّكْر؛ كَمَا يُقَال: أحصد الزَّرعُ إِذا حَان حصادُه، وأقطف الْكَرم إِذا حَان قطافه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 قَوْله: {قاصرات الطّرف} يَعْنِي: الْأزْوَاج قَصْرن طرْفَهُنّ عَلَى أزواجهنّ لَا يُرِدْن غيْرهم. {عِينٌ} عِظَام الْعُيُون، الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ، عَيْناء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 {كأنهن بيض مَكْنُون} تَفْسِير بَعضهم يَعْنِي بالبيض: اللُّؤْلُؤ، كَقَوْلِه: {وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ} مَكْنُون فِي أصدافه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بعض يتساءلون} يَعْنِي: أهل الْجنَّة. تَفْسِير سُورَة الصافات الْآيَات من آيَة 51 إِلَى آيَة 60. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لي قرين} صَاحب فِي الدُّنْيَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 {يَقُول أئنك لمن المصدقين} على الِاسْتِفْهَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 {أئنا لمدينون} لمحاسبون؛ أَي: لَا نُبْعَثُ وَلَا نُحَاسب. قَالَ يحيى: وهما اللَّذَان فِي سُورَة الْكَهْف فِي قَوْله: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ} إِلَى آخر قصتهما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 {قَالَ} الْمُؤمن مِنْهُمَا: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} يَعْنِي: فِي وسط الْجَحِيم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} أَي: تباعدني من اللَّه. قَالَ محمدٌ: يُقَال: رَدِيَ الرجُل يَرْدَى رَدًى؛ إِذا هلك، وأرْدَيتُه: أهلكته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 {وَلَوْلَا نعْمَة رَبِّي} يَعْنِي: الْإِسْلَام {لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} مَعَك فِي النَّار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلا مَوْتَتَنَا الأولى} وَلَيْسَ هِيَ إِلَّا موتَة وَاحِدَة الَّتِي كَانَت فِي الدُّنْيَا {وَمَا نَحن بمعذبين} عَلَى الِاسْتِفْهَام، وَهَذَا اسْتِفْهَام عَلَى سرُور (ل 288)، قد أَمن ذَلكَ، ثمَّ [قَالَ]: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} النجَاة الْعَظِيمَة من النَّار إِلَى الْجنَّة. تَفْسِير سُورَة الصافات الْآيَات من آيَة 61 إِلَى آيَة 74. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 قَالَ الله: {لمثل هَذَا} يَعْنِي: مَا [وصف فِيهِ] أهل الْجنَّة {فليعمل الْعَامِلُونَ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 ثمَّ قَالَ: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلا أم شَجَرَة الزقوم} أَي: أَنه خير نزلا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 {إِنَّا جعلناها فتْنَة للظالمين} للْمُشْرِكين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 قَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة، جَاءَ أَبُو جهل بِتَمْر وزبد، وَقَالَ: تزقَّموا فَمَا نعلم الزقوم إِلَّا هَذَا، فَأنْزل اللَّه {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيم}. قَالَ يحيى: [بَلغنِي] أَنَّهَا فِي الْبَاب السَّادِس، وَأَنَّهَا تَجِيء بلهب النَّار؛ كَمَا تَجِيء الشَّجَرَة بِبرد المَاء، فَلَا بُد لأهل النَّار من أَن ينحدروا إِلَيْهَا، أَعنِي: من كَانَ فَوْقهَا؛ فيأكلوا مِنْهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 قَوْله {طلعها} يَعْنِي: ثَمَرَتهَا {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} يقبحها بذلك. قَالَ محمدٌ: الشَّيْء إِذا استقبح يُقَال: كَأَنَّهُ وجهُ شَيْطَان، وَكَأَنَّهُ رَأس شَيْطَان، والشيطان لَا يُرَى، وَلكنه يستشعر أَنَّهُ أقبح مَا يكون من الْأَشْيَاء لَو نظر إِلَيْهِ، وَهَذَا كَقَوْل امْرِئ الْقَيْس. (أَيَقْتُلُنِي وَالمَشْرَفيُّ مُضَاجِعِي ... وَسُمْر القَنَا حَوْلي كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 وَلم يَرَ الغُولَ وَلَا نَابَهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا من حميم} أَي: لمزاجًا من حميم، وَهُوَ المَاء الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ من حَرِّه. قَالَ محمدٌ: (الشّوبُ) المصدرُ، و (الشّوبُ) الِاسْم؛ الْمَعْنى: إِن لَهُم عَلَى أكلهَا لخلْطًا ومزَاجًا من حميم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 {فهم على آثَارهم يهرعون} يُسْرعون. قَالَ محمدٌ: يُقَال: هُرِعَ الرّجل وأُهرِعَ إِذا اسْتُحِثَّ وأسْرع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 {وَلَقَد أرسلنَا فيهم} فِي الَّذين قبلهم {منذرين} يَعْنِي: الرُّسُل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} أَي: كَانَ عاقبتهم أَن دمر الله عَلَيْهِم ثمَّ صيرهم إِلَى النَّار. تَفْسِير سُورَة الصافات الْآيَات من آيَة 75 إِلَى آيَة 94. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 {وَلَقَد نادانا نوح} يَعْنِي: حَيْثُ دَعَا عَلَى قومه {فلنعم المجيبون} لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 أجبناه فأهلكناهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} يَعْنِي: الْغَرق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 {وَجَعَلنَا ذُريَّته هم البَاقِينَ} فَالنَّاس كلهم ولد سَام وَحَام وَيَافث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 {وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين} يَعْنِي: أبقينا لَهُ الثّناءَ الْحَسَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 {سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} يَعْنِي: مَا كَانَ بعد نوحٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 {وَإِن من شيعته لإِبْرَاهِيم} تَفْسِير مُجَاهِد: عَلَى منهاجه وسُنَّته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} من الشّرك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 {أئفكا} كذبا {آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} عَلَى الاسْتِفْهَامِ أَيْ قَدْ فَعَلْتُمْ؛ فعبدتموهم دونه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 {فَمَا ظنكم بِرَبّ الْعَالمين} أَي: مُعَذِّبكُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 {فَنظر نظرة فِي النُّجُوم} فِي الْكَوَاكِب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 {فَقَالَ إِنِّي سقيم} أَي: مطعون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 {فتولوا عَنهُ مُدبرين} إِلَى عيدهم؛ وَذَلِكَ أَنهم استتبعوه لعيدهم - فِي تَفْسِير الْكَلْبِيّ - فعصب رَأسه، وَقَالَ: إِنِّي رأيتُ اللَّيْلَة فِي النُّجُوم أَنِّي سأطعن غَدا! وَكَانُوا ينظرُونَ فِي النُّجُوم، فَقَالَ لَهُم هَذَا كَرَاهِيَة مِنْهُ للذهاب مَعَهم، وَلما أَرَادَ أَن يفعل بآلهتهم كادهم بذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 {فرَاغ عَلَيْهِم} أَي: مَال عَلَى آلِهَتهم {ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} فَكَسرهَا إِلَّا كَبِيرهمْ، وَقد مضى تَفْسِيره فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ} إِلَى إِبْرَاهِيم {يزفون} أَي يبتدرونه. قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ (يزفون) بِفَتْح الْيَاء وَتَشْديد الْفَاء فَالْمَعْنى: يسرعون وَأَصله من: زَفِيفِ النَّعَام، يُقَال: زفَّت النعامُ تَزِفُّ زفيفًا، وَفِيه لُغَة أُخْرَى: أزفت زفافا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 تَفْسِير سُورَة الصافات من آيَة 95 إِلَى آيَة 102 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 {قَالَ} لَهُم إِبْرَاهِيم {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} يَعْنِي: أصنامهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} أَي: خَلقكُم وَخلق ذَلكَ الَّذِي تنحتون بِأَيْدِيكُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بنيانا} يَقُوله بعضُهم لبَعض {فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيم} أَي: فِي النَّار؛ فَجمعُوا الْحَطب زَمَانًا، ثُمَّ جَاءُوا بِإِبْرَاهِيمَ، فَأَلْقَوْهُ فِي تِلْكَ النَّار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 {فأرادوا بِهِ كيدا} بحرقهم إِيَّاه {فجعلناهم الأسفلين} فِي النَّار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سيهدين} يَعْنِي: سيهديني الطَّرِيق، هَاجر من أَرْضِ الْعِرَاقِ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 [{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} يُرِيد: ولدا تقيا صَالحا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 {فبشرناه بِغُلَام حَلِيم} يُرِيد إِسْمَاعِيل] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 {فَلَمَّا بلغ مَعَه السَّعْي} [يُرِيد الْعَمَل لله - تَعَالَى - وَهُوَ الِاحْتِلَام]، تَفْسِير الْحَسَن يَعْنِي: سعي الْعَمَل وَقيام الْحجَّة. [{قَالَ} إِسْمَاعِيل {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمر} يُرِيد مَا أوحى إِلَيْك رَبك {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصابرين} على بلَاء الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 تَفْسِير سُورَة الصافات من آيَة 103 إِلَى آيَة 113. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 {فَلَمَّا أسلما} يُرِيد إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل، يُرِيد: أسلم إِبْرَاهِيم طَوْعًا لله - تبَارك وَتَعَالَى - أَن يذبح ابْنه وبكره وواحده؛ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي التَّوْرَاة: (جادلني) بكره وواحده. وَأسلم إِسْمَاعِيل نَفسه لله]؛ أَي استسلما لأمر اللَّه، رَضِي إِبْرَاهِيم بِذبح ابْنه، وَرَضي ابْنه بِأَن يذبحه أَبُوهُ {وَتَلَّهُ للجبين} (ل 289) أَي: أضجعه؛ ليذبحه وَأخذ الشَّفْرَة وَعَلِيهِ قَمِيص أَبيض قَالَ: يَا أَبَت إِنِّي لَيْسَ لي ثوبٌ تكفنني فِيهِ [غير هَذَا] فاخلعه حَتَّى تكفنني فِيهِ. [{وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} يُرِيد: أضجعه عَلَى جنبه إِلَى الأَرْض]. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صدقت الرُّؤْيَا}. قَالَ يحيى: ناداه بِهِ الْملك من عِنْد اللَّه {أَنْ يَا إِبْرَاهِيم قد صدقت الرُّؤْيَا} بِوَحْي من اللَّه عز وَجل - {إِنَّا كَذَلِك نجزي الْمُحْسِنِينَ} يُرِيد: هَكَذَا نجزي الْمُوَحِّدين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} [يُرِيد الَّذِي ابتليتك بِهِ عَظِيم أَن تذبح لي بكرك وواحدك] يَعْنِي: النِّعْمَة البيِّنة عَلَيْك من اللَّه؛ إِذْ لم تذبح ابْنك. قَالَ مُحَمَّد (وناديناه) ذكر بعض الْعلمَاء أَنَّهُ جَوَاب {فَلَمَّا أسلما وتله للجبين} وَالْوَاو زَائِدَة. وَالله أعلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 قَالَ: {وفديناه بِذبح عَظِيم} [يُرِيد الْكَبْش الَّذِي تقرب بِهِ هابيل ابْن آدم إِلَى اللَّه، فتقبله، وَكَانَ فِي الْجنَّة يرْعَى حَتَّى فدى اللَّه - جلّ ذِكْره - إِسْمَاعِيل] قَالَ مُجَاهِد: أَي متقبّل. قَالَ ابْن عَبَّاس: فَالْتَفت إِبْرَاهِيم؛ فَإِذا هُوَ بكبش أَبيض أقرن فذبحه. قَالَ يحيى: وَابْنه الَّذِي أَرَادَ ذبحه: قَالَ الْحسن: هُوَ إِسْحَاق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 {وَتَركنَا عَلَيْهِ} أبقينا عَلَيْهِ {فِي الآخرين} الثَّنَاء الحَسَن؛ [يُرِيد الذّكر الْحَسَن لإكرامه لإسماعيل، أَلا يذكر من بعده إِلَّا بِخَير إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَذَلِكَ أَن إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي سُورَة باخع {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين} يَقُول: لَا أذكر فِي جَمِيع الْأُمَم من بعدِي إِلَّا بذكرٍ حسن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 {سَلام على إِبْرَاهِيم} فِي الْعَالمين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 {كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} يُرِيد الْمُوَحِّدين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 {إِنَّه من عبادنَا الْمُؤمنِينَ} يُرِيد: المصدقين الْمُوَحِّدين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} يُرِيد: من صَالح الْأَنْبِيَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 (وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 إِسْحاَقَ} يُرِيد: عَلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق] {وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا} [يُرِيد: ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق] {مُحْسِنٌ} [يُرِيد: موحدًا، يَعْنِي:] مُؤمن (وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُشْرك [{مُبين} بَين الشّرك. تَفْسِير الْآيَات من 114 وَحَتَّى 122 من سُورَة الصافات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} يُرِيد أعطينا مُوسَى وَهَارُون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 {ونجيناهما وقومهما} يُرِيد بني إِسْرَائِيل الاثْنَي عشر سبطاً {من الكرب الْعَظِيم} يُرِيد: الظُّلم الْعَظِيم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 {ونصرناهم فَكَانُوا هم الغالبين} يُرِيد: لفرعون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 {وآتيناهما الْكتاب المستبين} يُرِيد: التَّوْرَاة وَمَا فِيهَا من الْأَحْكَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 {وهديناهما} يُرِيد: أرشدناهما {الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} يُرِيد: الدّين القويم الْوَاضِح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 {وَتَركنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخرين} يُرِيد: الثَّنَاء الْحسن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 {سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 {إِنَّا كَذَلِك نجزي الْمُحْسِنِينَ} يُرِيد: الْمُوَحِّدين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 {إنَّهُمَا من عبادنَا الْمُؤمنِينَ} يُرِيد المصدقين بتوحيد الله. تَفْسِير الْآيَات من 123 وَحَتَّى 132 من سُورَة الصافات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُون} [يُرِيد: أَلا تخافون] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 {أَتَدعُونَ بعلا} يُرِيد صنمًا مَا كَانَ لَهُم أَن يعبدوه، يُقَال لَهُ: البعل السَّيِّد. تَفْسِير الْحَسَن: كَانَ اسْم صَنَمهمْ: بَعْلًا {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 {اللَّه ربكُم وربّ آبائكم الْأَوَّلين} من قَرَأَهَا بِالرَّفْع؛ فَهُوَ كَلَام مُسْتَقْبل، وَمن قَرَأَهَا بِالنّصب؛ فَالْمَعْنى وتذرون أحسن الْخَالِقِينَ اللَّه ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 {فَكَذبُوهُ فَإِنَّهُم لمحضرون} يُرِيد أَنهم لمبعوثون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 {إِلَّا عباد الله المخلصين} يُرِيد: الَّذين صدقُوا وَأَخْلصُوا لله بِالتَّوْحِيدِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 {وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين} يُرِيد: الثَّنَاء الْحسن] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 {سَلام على إل ياسين} [يُرِيد: إلْيَاس وَمن آمن مَعَه]، من قَرَأَهَا موصوله يَقُولُ هُوَ اسْمه: آل ياسين، وإلياس، ومقرأ الْحَسَن: إلياسين قَالَ: يعنيه وَمن آمن من أمته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 تَفْسِير الْآيَات من 133 وَحَتَّى 138 من سُورَة الصافات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 {وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ نجيناه وَأَهله أَجْمَعِينَ} يُرِيد بأَهْله: بَنَاته أَجْمَعِينَ] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 {إِلَّا عجوزا فِي الغابرين} يَعْنِي: الْبَاقِينَ فِي عَذَابِ اللَّهِ [يُرِيد: امْرَأَته، {فِي الغابرين} يُرِيد: الفانين، يُرِيد: بقيت حَتَّى أهلكتها فِيمَن أهلكت وَلم أنجها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 {ثمَّ دمرنا الآخرين} يُرِيد: دمرت عَلَى من بَقِي، ودمرت عَلَيْهَا مَعَهم] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 {وانكم} [يَا معشر الْمُشْركين] {لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ} [على مَنَازِلهمْ] {مصبحين} أَي: نَهَارا [يُرِيد: فِي النَّهَار إِلَى الشَّام فِي ذهابكم إِلَى الشَّام، وإقبالكم بِالتِّجَارَة وترون مَا صنعت بهم] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 {وبالليل} [يُرِيد: تمرون بهم أَيْضا] {أَفَلا تعقلون} يَقُوله للْمُشْرِكين، يُحَذرهُمْ أَن ينزل بهم مَا نزل بهم. تَفْسِير الْآيَات من 139 وَحَتَّى 148 من سُورَة الصافات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} {إِذْ أبق} أَي: فرَّ من قومه {إِلَى الْفلك المشحون} يَعْنِي: المُوقَرَ. قَالَ يحيى: بلغنَا - وَالله أعلم - أَن يُونُس دَعَا قومه إِلَى اللَّه، فَلَمَّا طَال ذَلكَ عَلَيْهِ وأبوا أوحى اللَّه إِلَيْهِ أَن الْعَذَاب يَأْتِيهم يَوْم كَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا دنا الْوَقْت تنحى عَنْهُمْ، فَلَمَّا كَانَ قبل الْوَقْت بِيَوْم جَاءَ فَجعل يطوف بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يبكي وَيَقُول: غَدا يأتيكم الْعَذَاب! فَسَمعهُ رجلٌ مِنْهُم، فَانْطَلق إِلَى الْملك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 فَأخْبرهُ أَن سَمِعَ يُونُس يبكي. وَيَقُول: يأتيكم الْعَذَاب غَدا، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلكَ الْملك دَعَا قومه، فَأخْبرهُم بذلك، وَقَالَ: إِن كَانَ هَذَا حقًّا فسيأتيكم الْعَذَاب غَدا، فَاجْتمعُوا حَتَّى نَنْظُر فِي أمرنَا، فَاجْتمعُوا فَخَرجُوا من الْمَدِينَة من الْغَد، فنظروا فَإِذا بِظُلمةٍ وريحٍ شَدِيدَة قد أَقبلت نحوهم، فَعَلمُوا أَنَّهُ الحقُّ، ففرّقوا بَين الصّبيان وأمهاتهم وَبَين الْبَهَائِم وَبَين أمهاتها، ولبسوا الشَّعر وَجعلُوا الرماد وَالتُّرَاب عَلَى رُءُوسهم تواضُعًا لله، وتضرَّعوا إِلَيْهِ وَبكوا وآمنوا، فصرف اللَّه عَنْهُمُ الْعَذَاب، وَاشْترط بعضُهم عَلَى بعضٍ أَلا يكذب أحدُهم كذبة إِلَّا قطعُوا لِسَانه، فجَاء يُونُس من الْغَد فَنظر فَإِذا الْمَدِينَة عَلَى حَالهَا، وَإِذا النَّاس داخلون وخارجون؛ فَقَالَ: أَمرنِي رَبِّي أَن أخبر قومِي أَن الْعَذَاب يَأْتِيهم غَدا فَلم يَأْتهمْ، فَكيف ألقاهم؟ {فَانْطَلق حَتَّى أَتَى سَاحل الْبَحْر؛ فَإِذا بسفينة فِي الْبَحْر؛ فَأَشَارَ إِلَيْهِم فَأتوهُ فَحَمَلُوهُ وَلَا يعرفونه، فَانْطَلق إِلَى نَاحيَة من السَّفِينَة فتقنَّع ورقد، فَمَا مضوا إِلَّا قَلِيلا حَتَّى جَاءَتْهُم ريحٌ كَادَت السفينةُ تغرق، فَاجْتمع أهلُ السَّفِينَة ودعوا اللَّه ثمَّ قَالُوا: أيقظوا الرجل يَدْعُو مَعنا} فَفَعَلُوا فَدفع اللَّه عَنْهُمْ تِلْكَ الرّيح، ثمَّ انْطلق إِلَى مَكَانَهُ فرقد، فَجَاءَت ريحٌ كَادَت السَّفِينَة تغرق، فأيقظوه ودعوا اللَّه فارتفعت الرّيح، فتفكر العَبْد الصَّالح فَقَالَ: هَذَا من خطيئتي! أَو كَمَا قَالَ، فَقَالَ لأهل السَّفِينَة (شُدوني) وثاقًا وألقوني فِي الْبَحْر، فَقَالُوا: مَا كُنَّا لنفعل وحالُك حالُك، وَلَكنَّا نقترع فَمن أَصَابَته القرعةُ ألقيناه فِي الْبَحْر، فاقترعوا فأصابته الْقرعَة، فَقَالَ: قد أَخْبَرتكُم. فَقَالُوا: مَا كُنَّا لنفعل وَلَكِن اقترعوا، فاقترعوا الثَّانِيَة فأصابته الرعة، ثمَّ اقترعوا الثَّالِثَة؛ فأصابته الْقرعَة وَهُوَ قَول اللَّه: {فَسَاهَمَ فَكَانَ من المدحضين} [يُرِيد: المسهومين] أَي: وَقع السهْم عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 (ل 290) قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: فقورع فَكَانَ من المقروعين وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ يحيى، وأصل الْكَلِمَة من قَوْلهم: أدحض اللَّه حُجَّته فدحضتْ؛ أَي: أزالها فَزَالَتْ. قَالَ يحيى: فَانْطَلق إِلَى صدر السَّفِينَة ليلقي بنفْسه فِي الْبَحْر؛ فَإِذا هُوَ بحوتٍ فاتحٍ فَاه، فَانْطَلق إِلَى ذَنَب السَّفِينَة؛ فَإِذا هُوَ بالحوت فاتحًا فَاه ثمّ جَاءَ إِلَى جَانب السَّفِينَة؛ فَإِذا هُوَ بالحوت فاتحًا فَاه، ثمَّ جَاءَ إِلَى الْجَانِب الآخر،؛ فَإِذا هُوَ بالحوت فاتحًا فَاه، فَلَمَّا رَأَى ذَلكَ ألْقى نَفسه، فالتقمه الحوتُ، وَهُوَ قَول اللَّه: {فالتقمه الْحُوت وَهُوَ مليم} [يُرِيد: أَن اللَّه كَانَ لَهُ لائمًا حَيْثُ أبق]. قَالَ محمدٌ: يُقَال: قد ألام الرجلُ إلامةً فَهُوَ مليمٌ، إِذا أَتَى مَا يجب أَن يُلَام عَلَيْهِ.: قَالَ يحيى: فَأوحى اللَّه إِلَى الْحُوت أَلا يَأْكُل عَلَيْهِ وَلَا يشرب، وَقَالَ: إِنِّي لم أجعلْه لَك رزقا، وَلَكِنِّي جعلت بَطْنك لَهُ سِجْنًا. فَمَكثَ فِي بطْن الْحُوت أَرْبَعِينَ لَيْلَة {فَنَادَى فِي الظُّلُمَات} كَمَا قَالَ اللَّه: {أَنْ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} والظلمات: ظلمةُ اللَّيْل، وظلمة الْبَحْر، وظلمة بطن الْحُوت، قَالَ اللَّه: {فاستجبنا لَهُ} الْآيَة، وَقَالَ: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ من المسبحين} الْآيَة [يُرِيد: فِي بطن الْحُوت] قَالَ الْحَسَن: أما وَالله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 مَا هُوَ التَّسْبِيح قبل ذَلكَ، وَلكنه لما التقمه الحوتُ جعل يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّه، سُبْحَانَ اللَّه ... وَيَدْعُو اللَّه. قَالَ يحيى: فَأوحى اللَّه إِلَى الْحُوت أَن يلقيه إِلَى الْبر، وَهُوَ قَوْله: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [يُرِيد عَلَى سَاحل قَرْيَة من قرى الْموصل يُقَال لَهَا: بَلَد {بالعراء} عُرْيَان قد بلي لَحْمه، وكل شَيْء مِنْهُ، مثل الصَّبِي الْمَوْلُود {وَهُوَ سقيم} يُرِيد الصَّبِي الْمَوْلُود]. قَالَ محمدٌ: العَراء ممدودٌ وَهُوَ الْمَكَان الْخَالِي، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ: عراءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا شجر فِيهِ وَلَا شَيْء يغطيه، وَكَأَنَّهُ من: عَرِيَ الشيءُ، والعَرَى - مقصورٌ -: النَّاحِيَة. قَالَ يحيى: فأصابته حرارةُ الشَّمْس؛ فأنبت اللَّه عَلَيْهِ شَجَرَة من يَقْطِين - وَهُوَ القرع [تظله بورقها، وَيشْرب من لَبنهَا] فأظلته، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ [وَقَامَ من نَومه] وَقد يَبِسَتْ فَحزن عَلَيْهَا، فأوحَى اللَّه إِلَيْهِ، أحزنت عَلَى هَذِه الشَّجَرَة وَأَرَدْت أَن أهلك مائَة ألف من خلقي [كَمَا قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} يُرِيد أَكثر من مائَة ألف، اللَّه أعلم الْأَكْثَرين مِنْهُم] {أَوْ يزِيدُونَ} أَي: بل يزِيدُونَ. قَالَ محمدٌ: قِيلَ: الْمَعْنى: وَيزِيدُونَ، الأَلِفُ صلةٌ زَائِدَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 قَالَ يحيى: وبلغنا أَنهم كَانُوا عشْرين وَمِائَة ألف، فَعلم عِنْد ذَلكَ أَنَّهُ قد ابْتُلِي فَانْطَلق، فَإِذا هُوَ بذود من غنم فَقَالَ لِلرَّاعِي: اسْقِنِي لَبَنًا. فَقَالَ: لَيْسَ هَا هُنَا شاةٌ لَهَا لبنٌ، فَأخذ شَاة مِنْهَا، فَمسح بِيَدِهِ عَلَى ضرْعهَا فدرَّت فَشرب من لَبنهَا؛ فَقَالَ لَهُ الرَّاعِي: من أَنْت يَا عَبْد اللَّه؟! قَالَ: أَنَا يُونُس؛ فَانْطَلق الرَّاعِي إِلَى قومه فبشرهم بِهِ فَأَخَذُوهُ وَجَاءُوا مَعَه إِلَى مَوضِع الْغنم، فَلم يَجدوا يُونُس؛ فَقَالُوا: إِنَّا شرطنا أَلا يكذب أحدٌ إِلَّا قَطعنَا لِسَانه؛ فتكلمت الشَّاة بِإِذن اللَّه؛ فَقَالَت: قد شرب من لبني. وَقَالَت شَجَرَة - كَانَ استظل تحتهَا -: قد استظلّ بظلي. فطلبوه فأصابوه فَرجع إِلَيْهِم، فَكَانَ فيهم حَتَّى قَبضه اللَّه، وَكَانُوا بِمَدِينَة يُقَال لَهَا: نِينَوَى، من أَرض الْموصل، وَهِي عَلَى دجلة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 قَوْله: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَو يزِيدُونَ} قَالَ الْحَسَن: فَأَعَادَ اللَّه لَهُ الرسَالَة، فآمنوا [يُرِيد: صدقُوا] كلهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 قَالَ اللَّه: {فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} يَعْنِي: إِلَى آجالهم، وَلم يُهْلِكهُمْ. تَفْسِير الْآيَات من 149 وَحَتَّى 153 من سُورَة الصافات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 {فاستفتهم} [يَا مُحَمَّد، أهل مَكَّة]- يَعْنِي: الْمُشْركين - يَقُولُ: فاسألهم {أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُم البنون} وَذَلِكَ لقَولهم أَن الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه [يَقُولُ اللَّه سُبْحَانَهُ: أَنى يكون لَهُ ولد، وَقَالَ] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 {أم خلقنَا الْمَلَائِكَة إِنَاثًا} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 [يُرِيد تَسْأَلهُمْ يَا مُحَمَّد: أخلقنا الْمَلَائِكَة إِنَاثًا]؟! {وهم شاهدون} لخَلْقهم [كَمَا قَالَ فِي الزخرف: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتهم ويسألون}]. {أَلا إِنَّهُم من إفكهم} كذبهمْ {ليقولون} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 {ولد الله} أَي: ولد الْبَنَات؛ يعنون: الْمَلَائِكَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 {اصطفي} أخْتَار {الْبَنَات على الْبَنِينَ} أَي: لمْ يفعل. قَالَ محمدٌ: تَفْسِير يحيى يدل عَلَى أَن قِرَاءَته (أصطفى) مَهْمُوز، وَفِي هَذَا الْحَرْف اخْتِلَاف بَين الْقُرَّاء. تَفْسِير الْآيَات من 154 وَحَتَّى 170 من سُورَة الصافات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 [{مَا لكم كَيفَ تحكمون} يُرِيد: هَكَذَا تحكمون؟! تَجْعَلُونَ لأنفسكم الْبَنِينَ، وتجعلون لله الْبَنَات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 {أَفلا تذكرُونَ} يُرِيد: تتعظون] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبين} حجَّة بَيِّنَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 {فَأتوا بِكِتَابِكُمْ} الَّذِي فِيهِ حجتكم {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقين} إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ؛ أَيْ: لَيْسَ لكم بذلك حجَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} تَفْسِير بَعضهم: يَقُولُ: قَالَ مشركو الْعَرَب: إِنَّه صاهر إِلَى الْجِنّ، وَالْجِنّ صنف من الْمَلَائِكَة، فَكَانَت لَهُ مِنْهُم بَنَات {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجنَّة إِنَّهُم لمحضرون} [يُرِيد: لمعذبهم عَلَى هَذَا]؛ أَي: مدخلون فِي النَّار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 {سُبْحَانَ الله} ينزه نَفسه {عَمَّا يصفونَ} [عَمَّا يَقُولُونَ من الْكَذِب] (إِلاَ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ. وَهَذَا من مقاديم الْكَلَام وَلَقَدْ علمت الْجنَّة إِنَّهُم لَمُحْضَرُونَ إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 [{إِلَّا عباد الله المخلصين} يُرِيد: الْمُوَحِّدين، يُرِيد: أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمن آمن مثلهم]. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} {ل 291} الْآيَة، يَقُول: {فَإِنَّكُم} يَعْنِي: الْمُشْركين {وَمَا تَعْبدُونَ} يَعْنِي: مَا عبدُوا [يُرِيد: فَإِنَّكُم وآلهتكم الَّتِي تَعْبدُونَ من دون الله] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 {مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ} على مَا تَعْبدُونَ [{بِفَاتِنِينَ} يُرِيد: مَا تقدرون لَا أَنْتُم، وَلَا من تَعْبدُونَ أَن تضلوا أحدا من عبَادي إِلَّا من كَانَ فِي سَابق علمي وقضائي وقدرتي] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 {إِلاَ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [يُرِيد: أَنَّهُ قد كَانَ فِي سَابق علمي أَنَّهُ يصلى الْجَحِيم]. قَالَ محمدٌ: الْقِرَاءَة فِي (صَالِ الْجَحِيم) بِكَسْر اللَّام عَلَى معنى: صالي - بِالْيَاءِ - وَالْيَاء محذوفة فِي الْمُصحف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 {وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُوم} [يُرِيد: مُنْذُ خلقُوا إِلَى النفخة الأولى، يسبحون اللَّه ويهللونه، ويحمدونه، ويسجدون لَهُ، لَا يعْرفُونَ من يداني عِبَادَتهم وَقَالَت الْمَلَائِكَة: {وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} أَي: إِلَّا لَهُ مَكَان يعبد اللَّه فِيهِ. هَذَا قَول الْمَلَائِكَة؛ أَي: ينزهون اللَّه، حَيْثُ جعلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 [{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصافون} فِي التَّسْبِيح والتهليل وَالتَّكْبِير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 {وَإِنَّا لنَحْنُ المسبحون} يُرِيد: أَصْحَاب التَّسْبِيح] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 {وَإِن كَانُوا ليقولون} يَعْنِي [وَإِن كَانَ أهل مَكَّة ليقولون قبل أَن يبْعَث محمدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلين} [يُرِيد: قُرْآنًا من لدن إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل] أَي: كتابا مثل كتاب مُوسَى وَعِيسَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 {لَكنا عباد الله المخلصين} الْمُؤمنِينَ [يُرِيد: التَّوْحِيد] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 قَالَ الله: {فَكَفرُوا بِهِ} بِالْقُرْآنِ؛ [يُرِيد: بِمَا جَاءَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] {فَسَوْفَ يعلمُونَ} [تهديدًا]. قَالَ محمدٌ: ذكر قطرب أَن بعض الْقُرَّاء قَرَأَ (مخلِصين) كل مَا فِي الْقُرْآن بِكَسْر اللَّام. قَالَ: وَقَرَأَ بَعضهم كل مَا فِي الْقُرْآن {مخلَصين} {إِنَّه كَانَ مخلَصًا} كل ذَلكَ بِالْفَتْح إِلَّا {مُخلصين لَهُ الدّين} حَيْثُ [وَقع] فَإِنَّهُ مكسور. تَفْسِير الْآيَات من 171 وَحَتَّى 182 من سُورَة الصافات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُم لَهُم المنصورون} فِي الدُّنْيَا، وبالحجة فِي الْآخِرَة. تَفْسِير الْحَسَن: لمْ يُقْتَلْ من الرُّسُل من أَصْحَاب الشَّرَائِع أحدٌ قطّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 [{وَإِن جندنا لَهُم الغالبون} يُرِيد: حزبه، مِثْلَمَا قَالَ فِي (قد سمع الله): {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حزب الله هم المفلحون}]. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 {فتول عَنْهُم حَتَّى حِين} نسختها آيَة الْقِتَال [يُرِيد: الْقَتْل ببدرٍ، وَهُوَ مَنْسُوخ بِآيَة السَّيْف] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 {وأبصرهم فَسَوف يبصرون} أَي: فَسَوف يرَوْنَ الْعَذَاب [أَيْضا يَقُولُوا: أنْتَظر بهم] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 {فَإِذا نزل بِسَاحَتِهِمْ} [أَي: نزل بدارهم] {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذرين} [يُرِيد: قُرَيْظَة وَالنضير] تَفْسِير الْحَسَن: يَعْنِي: النفخة الأولى؛ بهَا يهْلك اللَّه كفار آخر هَذِه الْأمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 {وتول عَنْهُم} [يَا مُحَمَّد] {حَتَّى حِين} إِلَى آجالهم؛ [يُرِيد: يَوْم بدر]، وَهَذَا مَنْسُوخ نسخه الْقِتَال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 {وَأبْصر} انْتظر {فَسَوف يبصرون} [وعيدًا من اللَّه وتهديدًا، أَي: فَسَوف] يرَوْنَ الْعَذَاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 {سُبْحَانَ رَبك} ينزِّه نَفسه {رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يصفونَ} يكذبُون يَا مُحَمَّد، إِنَّه سيعزك وَأَصْحَابك [يُرِيد: من اتِّخَاذ الْبَنَات وَالنِّسَاء] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 (وَسَلاَمٌ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 الْمُرْسَلِينَ} [الَّذين يبلغون رسالتي وَقَامُوا بديني وحجتي] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يُرِيد: وَالْحَمْد لله، وَأَنا رب الْعَالمين، يُرِيد الْأَوَّلين والآخرين]. يَحْيَى: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ قَالَ: " سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ: بِمَ كَانَ رَسُولَ اللَّهِ ص َلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتِمُ صَلاتَهُ؟ فَقَالَ: بِهَذِهِ الآيَةِ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 تَفْسِير سُورَة ص وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير الْآيَات من 1 وَحَتَّى 8 من سُورَة ص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 قَوْله: { ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر} الْبَيَان , أقسم بِالْقُرْآنِ [{ذِي الذِّكْرِ} ذِي الشّرف , مثل قَوْله: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} وَيُقَال: فِيهِ ذكر مَا قبله من الْكتب] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وشقاق} يَعْنِي: فِي حمية وفراق للنَّبِي؛ هَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ. قَالَ مُحَمَّدٌ: ذكر قطرب أَن الْحَسَن كَانَ يقْرَأ (صادِ) بالخفضِ من المصاداة وَهِي الْمُعَارضَة؛ الْمَعْنى: صادِ الْقُرْآن بعملك؛ أيْ: عارضْه بِهِ , قَالَ: وَتقول الْعَرَب: صاديتك بِمَعْنى عارضتك , وتصدّيتُ لَك؛ أَي: تعرّضت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 [{شقَاق} يُرِيد عَدَاوَة ومباعدة]. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ} مِنْ قبل قَوْمك يَا محمدٌ {فَنَادَوْا} بِالتَّوْبَةِ {ولات حِين مناص} أَي: لَيْسَ حِين فرار , وَلَا حِين تقبل التَّوْبَة فِيهِ , [{وَلاتَ حِين مناص} يُرِيد لَا حِين مهرب , والنوص: التَّأَخُّر فِي كَلَام الْعَرَب , والبوص: التَّقَدُّم قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: (أَمِنْ ذِكْرِ ليلى إذْ نَأَتْكَ تَنُوصُ ... وتَقْصُر عَنها خَطوةً وتَبُوصُ) قَالَ ابْن عَبَّاس: لَيْسَ حِين نزوٍ وَلَا فرار]. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 {وعجبوا} رَجَعَ إِلَى قَوْله: {كَمْ أَهْلَكْنَا من قبلهم من قرن} أخبر كَيفَ أهلكهم , ثمَّ قَالَ: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} يَعْنِي: مُحَمَّدًا، ينذر من النَّار وَمن عَذَاب اللَّه فِي الدُّنْيَا {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} يعنون: مُحَمَّدًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 {أجعَل الْآلهَة} عَلَى الِاسْتِفْهَام مِنْهُم {إِلَهًا وَاحِدًا} أَي: قد فعل حِين دعاهم إِلَى عبَادَة اللَّه وَحده {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} عجب [عُجاب وَعَجِيب وَاحِد , مثل طوال وطويل , وعراض وعريض , وكبار وكبير]. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 {وَانْطَلق الْمَلأ مِنْهُم} الْآيَة وَذَلِكَ أَن رهطًا من أَشْرَاف قُرَيْش مَشوا إِلَى أَبِي طَالِب؛ فَقَالُوا: أَنْت شَيخنَا وَكَبِيرنَا وَسَيِّدنَا , وَقد رَأَيْت مَا فَعَلَتْ هَذِه السفهةُ - يعنون: الْمُؤمنِينَ - وَقد أَتَيْنَاك لِتَقضي بَيْننَا وَبَين ابْن أَخِيك! فَأرْسل أَبُو طَالِب إِلَى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَؤُلّاءِ قَوْمك يَسْأَلُونَك السوَاء؛ فَلَا تمل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 كل الْميل عَلَى قَوْمك , فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: مَاذَا تسألونني؟ فَقَالُوا لَهُ: اُرْفُضْنَا من ذكرك وَارْفض آلِهَتنَا , وَنَدَعك وَإِلَهك، فَقَالَ رَسُول الله: أمُعْطيّ أَنْتُم كلمة وَاحِدَة تدين لكم بهَا الْعَرَب والعجم؟ فَقَالَ أَبُو جهل: لله أَبوك نعَمْ , وَعشرا مَعهَا. فَقَالَ رَسُول الله: قُولُوا: لَا إِلَه إِلَّا اللَّه. فنفروا مِنْهَا وَقَامُوا وَقَالُوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لشَيْء عُجاب}. وَانْطَلَقُوا وهم يَقُولُونَ: [من علم أَن نبيًّا يخرج فِي زَمَاننَا هَذَا] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 {أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ} تَفْسِير الْحَسَن يَقُولُوا: مَا كَانَ عندنَا [من هَذَا من علم أَن] يخرج (ل 292) فِي زَمَاننَا هَذَا {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاق} أَي: كذب اختلقه مُحَمَّد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 {أأنزل عَلَيْهِ الذّكر} يعنون: الْقُرْآن عَلَى الِاسْتِفْهَام {مِنْ بَيْننَا} أَي: لم ينزل عَليّ , قَالَ اللَّه: {بَلْ هُمْ فِي شكّ من ذكري} من الْقُرْآن {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَاب} أَي: لم يَأْتهمْ عَذَابي بعد , وَقد أخر عَذَاب كفار آخر هَذِهِ الأُمَّةِ إِلَى النَّفْخَةِ الأُولَى , وَقد أهلك أوائلهم بِالسَّيْفِ يَوْم بدر. تَفْسِير الْآيَات من 9 وَحَتَّى 16 من سُورَة ص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 {أَمْ أعِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} قَالَ السُّدي: يَعْنِي: مفاتح النُّبُوَّة , فيعطوا النُّبُوَّة من شَاءُوا , ويمنعوا من شَاءُوا؛ أَي: لَيْسَ ذَلكَ عِنْدهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 {أم لَهُم ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا} عَلَى الِاسْتِفْهَام؛ أَي: لَيْسَ لَهُم من ذَلِك شَيْء {فليرتقوا} فليصعدوا {فِي الْأَسْبَاب} قَالَ السُّدي: يَعْنِي: فِي الْأَبْوَاب؛ أَبْوَاب السَّمَاوَات إِن كَانُوا يقدرُونَ عَلَى ذَلكَ؛ أَي: لَا يقدرُونَ عَلَيْهِ. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى إِذا ادّعوا شَيْئا من هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي لَا يملكهَا إِلَّا اللَّه فليصعدوا فِي الْأَسْبَاب الَّتِي توصلهم إِلَى السَّمَاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 {جند مَا هُنَالك} أَي: جند هُنَالك , و " مَا " صلَة زَائِدَة {مَهْزُومٌ مِنَ الأَحْزَابِ} يُخْبر بأنْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيهزمهم يَوْم بدر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفرْعَوْن ذُو الْأَوْتَاد} تَفْسِير قَتَادَة: كَانَ إِذا غضب عَلَى أحدٍ أوتد لَهُ أَرْبَعَة أوتاد على يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 {وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ} يَعْنِي: قوم شُعَيْب , والأيكة: الغيضة {أُولَئِكَ الْأَحْزَاب} يَعْنِي بِهِ كفار من ذكر تحزبوا على أَنْبِيَائهمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 {إِن كُلّ} يَعْنِي: من أَهْلَكَ مِمَّن (مضى) من الْأُمَم السالفة. {إِلا كَذَّبَ الرُّسُل فَحق عِقَاب} يَعْنِي: عُقُوبَته إيَّاهُم بِالْعَذَابِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 {وَمَا ينظر هَؤُلَاءِ} يَعْنِي: كفار آخر هَذِه الْأمة {إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة} يَعْنِي: النفخة الأولى بهَا يكون هلاكهم {مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} قَالَ الْكَلْبِيّ: يَعْنِي مَا لَهَا من نظرة؛ أَي: من تَأْخِير. قَالَ محمدٌ: تُقرأ (فُواق) بِضَم الْفَاء وَفتحهَا وَهُوَ مَا بَين حلبتي النَّاقة , الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 وَذَلِكَ أَن تُحلَب وتترك سَاعَة؛ حَتَّى ينزل شَيْء من اللَّبن , ثمَّ تحلب فَمَا بَين الحلبتين فُواق؛ فاستُعير الفُواق فِي مَوضِع الِانْتِظَار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قبل يَوْم الْحساب} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: قَالُوا ذَلكَ حِين ذكر اللَّه فِي كِتَابه: (فَمن أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ , وَمن أُوتِيَ كِتَابه بِشمَالِهِ) والقِطُّ: الصَّحِيفَة الْمَكْتُوبَة؛ أَي: عجل لنا كتَابنَا الَّذِي يَقُولُ محمدٌ حَتَّى نعلم أبأيماننا نَأْخُذ كتبنَا أم بشمائلنا - إنكارًا لذَلِك واستهزاءً. قَالَ محمدٌ: وَجمع القط: قطوط. تَفْسِير الْآيَات من 17 وَحَتَّى 20 من سُورَة ص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 {اصبر على مَا يَقُولُونَ} يَأْمر نبيه بذلك {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُد ذَا الأيد} يَعْنِي: ذَا الْقُوَّة فِي أَمر اللَّه؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة {إِنَّهُ أواب} أَي: رجاع منيب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 {يسبحْنَ بالْعَشي وَالْإِشْرَاق} قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ اللَّهُ قَدْ سخّر مَعَ دَاوُد جَمِيع جبال الدُّنْيَا تسبح مَعَه وَكَانَ يفقه تسبيحها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 {وَالطير محشورة} أَي: تحْشر بِالْغَدَاةِ والعشي تسبح مَعَه. قَالَ محمدٌ: الْإِشْرَاق: طلوعُ الشَّمْس وإضاءتها , يُقَال: شَرقَتْ الشَّمْس إِذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 طلعت , وأشرقت إِذا أَضَاءَت؛ هَذَا الِاخْتِيَار عِنْد أهل اللُّغَة. {كُلٌّ لَهُ أواب} أَي: مُطِيع. قَالَ مُحَمَّد: وَقيل الْمَعْنى كل يُرَجِّعُ التَّسْبِيح مَعَ دَاوُد؛ أَي: يجِيبه كلما سبّح سبحت؛ يَعْنِي: الْجبَال وَالطير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 {وشددنا ملكه وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَة} يَعْنِي النُّبُوَّة {وَفصل الْخطاب} قَالَ الْحَسَن: يَعْنِي: الْعدْل فِي الْقَضَاء. تَفْسِير الْآيَات من 20 وَحَتَّى 26 من سُورَة ص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 {وَهل أَتَاك نبأ الْخصم} خبر الْخصم أَي: أَنَّك لم تعلَمْه؛ حَتَّى أعلمتك {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} الْمَسْجِد إِلَى قَوْله: {وَأَنَابَ} تَفْسِير الْحَسَن: أَن دَاوُد جمع عُبَّاد بني إِسْرَائِيل؛ فَقَالَ: أَيّكُم كَانَ يمْتَنع من الشَّيْطَان يَوْمًا لَو وَكله اللَّه إِلَى نفْسه؟ فَقَالُوا: لَا أحد إِلَّا أَنْبيَاء اللَّه؛ فكأنّه عرض فِي الْهم بِشَيْء فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي إِذا بطائر حسن قد وَقع عَلَى شُرفة من شرفِ الْمِحْرَاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ بَعضهم يَقُولُ: طَائِر جؤجؤه من ذهب، وجناحاه ديباجٌ، وَرَأسه ياقوته حَمْرَاء فأعجبه - وَكَانَ لَهُ بني يُحِبهُ - فَلَمَّا أعجبه حُسْنه وَقع فِي نَفسه أَن يَأْخُذهُ وَيُعْطِيه ابْنه. قَالَ الْحسن: فَلَمَّا انْصَرف إِلَيْهِ (ل 293) , فَجعل يطير فِي شُرْفةٍ إِلَى شُرْفةٍ وَلَا يؤيسه؛ حَتَّى ظهر فَوق الْمِحْرَاب، وَخلف الْمِحْرَاب حَائِط تَغْتَسِل فِيهِ النِّسَاء الحُيّض إِذا طهُرن لَا يشرف عَلَى ذَلكَ الْحَائِض أحدٌ إِلَّا من صعد فَوق الْمِحْرَاب. لَا يصْعَدُه أحدٌ من النَّاس قَالَ: فَصَعدَ داودُ خلف ذَلكَ الطَّائِر ففاجأته امرأه جَاره لم يعرفهَا تَغْتَسِل , فرآها فَجْأَة ثمَّ غضّ بَصَره عَنْهَا وأعجبته؛ فَأتى بَابهَا , فَسَأَلَ عَنْهَا وَعَن زَوجهَا قَالُوا: زَوجهَا فِي أجناد دَاوُد فَلم يلبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى بَعثه عَامله بريدًا إِلَى دَاوُد فَأتى دَاوُد بكتبه ثمَّ انْطلق إِلَى أَهله فَأخْبر أنَّ نَبِي اللَّه دَاوُد أَتَى بَابه فَسَأَلَ عَنْهُ وَعَن أَهله , فَلم يصل الرجل إِلَى أَهله حَتَّى رَجَعَ إِلَى دَاوُد مَخَافَة أَن يكون حدث من اللَّه فِي أَهله أمرٌ فَأتى دَاوُد وَقد فرغ من كتبه , وَكتب إِلَى عَامل ذَلكَ الْجند أَن يَجعله عَلَى مُقَدّمَة الْقَوْم؛ فَأَرَادَ أَن يقتل الرجل شَهِيدا ويتزوج امْرَأَته حَلَالا، إِلَّا أَن النيّة كَانَت مدْخولة , فَجعله عَلَى مقدّمة الْقَوْم فَقتل ذَلكَ الرجل قَالَ: فَبَيْنَمَا دَاوُد فِي محرابه والحرس حوله إِذْ تسوّر عَلَيْهِ المحرابُ ملكان فِي صُورَة آدميين , فَفَزعَ مِنْهُمَا فَقَالَا: {لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْننَا بِالْحَقِّ وَلَا تشطط} أَي: لَا تجر {واهدنا} أرشدنا {إِلَى سَوَاء الصِّرَاط} أيْ: إِلَى قصْد الطَّرِيق؛ فَقَالَ: قُصّا قصّتكما , فَقَالَ أَحدهمَا: {إِنَّ هَذَا أخي} يَعْنِي: صَاحِبي {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أكفلنيها} أَي: ضمهَا إِلَيّ {وعزني} قهرني {فِي الْخطاب} فِي الْخُصُومَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نعاجه}. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: مَضْمُومَة إِلَى نعاجة؛ فاختصر مَضْمُومَة وَإِنَّمَا سُمِّيت: نعجة؛ لأنّها رخوةٌ , النعجُ فِي اللُّغَة اللين , والنعجُ أَيْضا الفتونُ فِي الْعين. {وَظن دَاوُد} أَي: علم. قَالَ مُحَمَّد: معنى {ظن} أَيقَن , إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِيَقِين عيان؛ فَأَما العيان فَلَا يُقَال فِيهِ إِلَّا: علم. {أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} ابتليناه {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا} أَي: سَاجِدا أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يرفع رَأسه إِلَّا لصلاةٍ مَكْتُوبَة يقيمها أَو لحَاجَة لَا بُدّ لَهُ مِنْهَا أَو لطعام يتبلَّغ بِهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 فَأَتَاهُ ملكٌ من عِنْد اللَّه فَقَالَ: يَا دَاوُد، ارْفَعْ رَأسك , فقد غفر اللَّه لَك. فَعلم أنّ اللَّه قد غفر لَهُ، ثمَّ أَرَادَ أَن يعلم كَيفَ يغْفر لَهُ؛ فَقَالَ: أيْ رب، كَيفَ تغْفر لي وَقد قتلته - يَعْنِي: بالنيّة؟! فَقَالَ: أستوهبه نفسَهُ فيهبها لي فأغفرها لَك. فَقَالَ: أَي رب , قد علمت أَنَّك قد غفرت لي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 قَالَ اللَّه: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِن} {لَهُ عندنَا لزلفى} يَعْنِي: لقربةٌ فِي الْمنزلَة {وَحُسْنَ مَآبٍ} مرجع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْض} إِلَى قَوْله: {فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ الله} يَعْنِي: فيستزلّك الْهوى عَن طَاعَة اللَّه فِي الحكم، وَذَلِكَ من غير كُفْرٍ {إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} أَي: تَرَكُوهُ وَلم يُؤمنُوا بِهِ. تَفْسِير الْآيَات من 27 وَحَتَّى 29 من سُورَة ص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَينهمَا بَاطِلا} أَي: مَا خلقناهما إِلَّا للبعث والحساب , وَالْجنَّة وَالنَّار، وَكَانَ الْمُشْركُونَ يَقُولُونَ: إِن اللَّه خلق هَذِه الْأَشْيَاء لغير بعثٍ. قَالَ: {ذَلِكَ ظن الَّذين كفرُوا} أَنهم لَا يبعثون وأنّ اللَّه خَالق هَذِه الْأَشْيَاء بَاطِلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 {أم نجْعَل الْمُتَّقِينَ كالفجار} كالمشركين فِي الْآخِرَة أَي: لَا نَفْعل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 {كتاب} أَي: هَذَا كتابٌ , يَعْنِي: الْقُرْآن {أَنزَلْنَاهُ إِلَيْك}. {أُوْلُو الأَلْبَابِ} أَي: ذَوُو الْعُقُول وهم الْمُؤْمِنُونَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 تَفْسِير الْآيَات من 30 وَحَتَّى 33 من سُورَة ص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 {الصافنات الْجِيَاد} يَعْنِي: الْخَيل السراع الْوَاحِد مِنْهَا: جواد , والصافن فِي تَفْسِير مُجَاهِد: الْفَرَسُ إِذَا رَفَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ؛ حَتَّى تكون عَلَى طرف الْحَافِر. عُرِضتْ عَلَى سُلَيْمَان فجعلتْ تجْرِي بَين يَدَيْهِ فَلَا يستبين مِنْهَا قَلِيلا وَلَا كثيرا من سرعتها وَجعل يَقُولُ: ردُّوها عليّ؛ ليستبين مِنْهَا شَيْئا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 {حَتَّى تَوَارَتْ} غَابَتْ؛ يَعْنِي: الشَّمْس {بالحجاب} ففاتته صَلَاة الْعَصْر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 قَالَ الْحَسَن: فَقَالَ سُلَيْمَان فِي آخر ذَلِك (ل 294) {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ والأعناق} فَضرب أعناقها وعراقيبها أَنَّهَا شغلته عَن اللَّه. قَالَ محمدٌ: معنى (فَطَفِقَ) أَي أقبل , والسوق جمع سَاق , والصافنُ من الْخَيل: الْقَائِم الَّذِي لَا يثني إِحْدَى يَدَيْهِ أَو إِحْدَى رجلَيْهِ حِين يقف بهَا عَلَى سُنْبُكِه وهُوَ طرف الْحَافِر. {إِنِّي أَحْبَبْت حب الْخَيْر} يَعْنِي: الْخَيل , وَكَذَلِكَ فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: (إِنِّي أَحْبَبْت حبّ الْخَيل). قَالَ محمدٌ: معنى أَحْبَبْت: آثرت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 تَفْسِير الْآيَات من 34 وَحَتَّى 40 من سُورَة ص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 {وَلَقَد فتنا سُلَيْمَان} أَي: ابتلينا {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جسدا} يَعْنِي: الشَّيْطَان الَّذِي خَلفه فِي ملكه؛ تِلْكَ الْأَرْبَعين لَيْلَة , قَالَ بَعضهم: كَانَ اسْمُه صخرًا. قَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام - قَالَ للشَّيْطَان الَّذِي خَلفه -: كَيفَ تفتنون النَّاس؟ قَالَ: أَرِنِي خاتمك أخْبرك , فَلَمَّا أعطَاهُ إِيَّاه شده فِي الْبَحْر , فساح سُلَيْمَان. قَالَ الْكَلْبِيّ: كَانَت لَهُ امْرَأَة من أكْرم نِسَائِهِ عَلَيْهِ وأحبهنّ إِلَيْهِ، فَقَالَت: إِن بَين أَبِي وَبَين رجلٌ خُصُومَة فزَّينت حُجّة أَبِيهَا فَلَمَّا جَاءَا يختصمان إِلَيْهِ جعل يحب أَن تكون الحجّة لختنه، فابتلاه اللَّه بِمَا كَانَ من أَمر الشَّيْطَان الَّذِي خَلفه وأذهب ملك سُلَيْمَان , وَذَلِكَ [أَنَّهُ] كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يدْخل الْخَلَاء فَدفع الْخَاتم إِلَى امرأةٍ من نِسَائِهِ كَانَ يَثِق بهَا فَدفعهُ إِلَيْهَا يَوْمًا ثمَّ دخل الْخَلَاء , فَجَاءَهَا ذَلكَ الشَّيْطَان فِي صورته فَأخذ الْخَاتم مِنْهَا , فَلَمَّا خرج سُلَيْمَان طلب الْخَاتم مِنْهَا فَقَالَت: قد أعطيتكه , وَذهب الْخَبيث وَجلسَ عَلَى كرْسِي سُلَيْمَان وأُلْقي عَلَيْهِ شَبَهُ سُلَيْمَان وبهْجته وهيئته , فَخرج سُلَيْمَان فَإِذا هُوَ بالشيطان عَلَى كرسيه , فَذهب فِي الأَرْض وَذهب ملكه. قَالَ يحيى: فِي تَفْسِير الْحَسَن: إِن الشَّيْطَان قعد عَلَى كرْسِي سُلَيْمَان - وَهُوَ سَرِير ملكه - لَا يَأْكُل وَلَا يشرب وَلَا يَأْمر وَلَا ينْهَى وأذهب اللَّه ذَلكَ من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 أذهان النَّاس؛ فَلَا يرَوْنَ إِلَّا أَن سُلَيْمَان فِي مَكَانَهُ يُصَلِّي بهم وَيَقْضِي بَينهم. قَالَ يحيى: وَفِي تَفْسِير مُجَاهِد: أَن الشَّيْطَان مُنِعَ نسَاء سُلَيْمَان أَن يقربهن. قَالَ الْكَلْبِيّ: فَلَمَّا انْقَضتْ أَيَّام الشَّيْطَان وَنزلت الرَّحْمَة من اللَّه لِسُلَيْمَان عمد الشَّيْطَان إِلَى الْخَاتم؛ فَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْر فَأَخذه حوتٌ , وَكَانَ سُلَيْمَان يُؤَاجر نَفسه من أَصْحَاب السفن ينْقل السّمك من السفن إِلَى الْبر عَلَى سمكتيْن كل يَوْم , فَأخذ فِي أجْره يَوْمًا سمكتيْن فَبَاعَ إِحْدَاهمَا , بِرَغِيفَيْنِ , وأمَّا الْأُخْرَى فشقّ بَطنهَا وَجعل يغسلهَا؛ فَإِذا هُوَ بالخاتم فَأَخذه فَعرفهُ النَّاس , وَاسْتَبْشَرُوا بِهِ وَأخْبرهمْ أَنَّهُ إِنَّمَا فعله بِهِ الشَّيْطَان , فَاسْتَغْفر سُلَيْمَان ربه {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا} الْآيَة. {فسخرنا لَهُ الرّيح}. {وَالشَّيَاطِين} وسُخر لَهُ الشَّيْطَان الَّذِي فعل بِهِ الفعْل , فَأَخذه سُلَيْمَان فَجعله فِي نحْتٍ من رُخَام ثمَّ أطبق عَلَيْهِ وشدّ عَلَيْهِ بِالنُّحَاسِ ثمَّ أَلْقَاهُ فِي عُرض الْبَحْر، فَمَكثَ سُلَيْمَان فِي ملكه رَاضِيا مطمئنًا؛ حَتَّى قَبضه اللَّه إِلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 قَوْله: {تجْرِي بأَمْره رخاء} قَالَ الْحَسَن: لَيست بالعاصف الَّتِي تؤذيه , وَلَا بالبطيئة الَّتِي تقصُر بِهِ دون حَاجته. قَالَ محمدٌ: معنى رخاءً فِي اللُّغَة: لينَة , وَيُقَال: ريحٌ رِخوةٌ , بِكَسْر الرَّاء وَفتحهَا , والكسْر أفْصَح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 {حَيْثُ أصَاب} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: حَيْثُ أَرَادَ , وَهِي بِلِسَان هجر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 {وَالشَّيَاطِين كل بِنَاء وغواص} يغوصون فِي الْبَحْر يستخرجون لَهُ اللُّؤْلُؤ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 {وَآخَرين مُقرنين فِي الأصفاد} فِي السلَاسِل , وَلم يكن يُسَخَّر مِنْهُم وَيسْتَعْمل فِي هَذِه الْأَشْيَاء وَلَا يصفَّد إِلَّا الْكفَّار؛ فَإِذا آمنُوا حلَّهم من تِلْكَ الأصفاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْر حِسَاب} تَفْسِير بَعضهم: فامْنُنْ فأعط من شِئْت أَو أمسك عمَّن شِئْت بِغَيْر حِسَاب (ل 295) أَي: فَلَا حِسَاب عَلَيْك فِي ذَلِك وَلَا حرج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى} يَعْنِي: الْقرْبَة فِي الْمنزلَة {وَحُسْنَ مَآبٍ} أَي: وَحسن مرجع؛ يَعْنِي الْجنَّة. تَفْسِير الْآيَات من 41 وَحَتَّى 43 من سُورَة ص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى ربه} الْآيَة , قَالَ الْحَسَن: إِن إِبْلِيس قَالَ: يَا رب هَلْ من عبيدك عبدٌ إِن سلّطتني عَلَيْهِ امْتنع مني؟ قَالَ: نعم؛ عَبدِي أَيُّوب. فَسَلَّطَهُ اللَّه عَلَيْهِ؛ ليجهد جهده ويضِله , فَجعل يَأْتِيهِ بوساوسه وحبائله وَهُوَ يرَاهُ عيَانًا؛ فَلَا يقدر مِنْهُ عَلَى شيءٍ، فَلَمَّا امْتنع مِنْهُ قَالَ الشَّيْطَان: أَي رب , إِنَّه قد امْتنع مني؛ فسلطني عَلَى مَاله {فَسَلَّطَهُ اللَّه عَلَى مَاله فَجعل يهْلك مَاله صنفا صنفا , فَجعل يَأْتِيهِ وَهُوَ يرَاهُ عيَانًا فَيَقُول: يَا أَيُّوب , هلك مَالك فِي كَذَا وَكَذَا} فَيَقُول: الْحَمد لله اللَّهم أَنْت أعطيْتنيه وَأَنت أخذتهُ مني , إِن تبْق لي نَفسِي أحمدك عَلَى بلائك. فَفعل ذَلكَ حَتَّى أهلك مَا لَهُ كُله , فَقَالَ إِبْلِيس: يَا رب , إِن أَيُّوب لَا يُبَالِي بِمَالِه فسلطني عَلَى جسده! فَسَلَّطَهُ اللَّه عَلَيْهِ , فَمَكثَ سبع سِنِين وأشهرًا حَتَّى وَقعت الْأكلَة فِي جسده. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 قَالَ يحيى: وَبَلغنِي أَن الدودة كَانَت تقع من جسده فيردّها مَكَانهَا , وَيَقُول: كلي مِمَّا رزقك اللَّه. قَالَ الْحَسَن: فَدَعَا ربَّه {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} يَعْنِي: فِي جسده , وَقَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ}. قَالَ محمدٌ: النُّصْبُ والنَّصَبُ واحدٌ مثل حُزْن وحَزَن , وَهُوَ العياء والتعب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 قَالَ الْحَسَن: فَأوحى اللَّه إِلَيْهِ أَن اركض برجلك , فركض برجْله ركضة وَهُوَ لَا يَسْتَطِيع الْقيام؛ فَإِذا عينٌ فاغتسل مِنْهَا , فَأذْهب اللَّه ظَاهر دائه ثمَّ مَشى عَلَى رجليْه أَرْبَعِينَ ذِرَاعا , ثمَّ قِيلَ لَهُ: اركض برجلك أَيْضا , فركض ركضةً أُخْرَى , فَإِذا عينٌ فَشرب مِنْهَا , فَأذْهب اللَّه بَاطِن دائه وردّ عَلَيْهِ أَهله وَولده وأمواله من الْبَقر وَالْغنم وَالْحَيَوَان وكل شيءٍ هلك بِعَيْنِه , ثمَّ أبقاه اللَّه فِيهَا حَتَّى وهب لَهُ من نسولها أَمْثَالهَا , فَهُوَ قَوْله: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهم رَحْمَة منا} وَكَانُوا مَاتُوا غير الْمَوْت الَّذِي أَتَى عَلَى آجالهم تسليطًا من اللَّه للشَّيْطَان؛ فأحياهم اللَّه فوفَّاهم آجالهم. تَفْسِير الْآيَات من 44 وَحَتَّى 48 من سُورَة ص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ} قَالَ الْحَسَن: إِن امْرَأَة أَيُّوب [كَانَت] قاربت الشَّيْطَان فِي بعض الْأَمر , ودعت أَيُّوب إِلَى مُقَاربته؛ فَحلف بِاللَّه لَئِن اللَّه عافاه أَن يجلدها مائَة جلدَة , ولمْ تكن لَهُ نِيَّة بِأَيّ شيءٍ يجلدُها , فَمَكثَ فِي ذَلكَ الْبلَاء حَتَّى أذن اللَّه لَهُ فِي الدُّعَاء , وتمَّتْ لَهُ النعْمة من اللَّه والأجْر , فَأَتَاهُ الْوَحْي من اللَّه , وَكَانَت امرأتُه مسلمة قد أَحْسَنت القيامَ عَلَيْهِ , وَكَانَت لَهَا عِنْد اللَّه منزلَة , فَأوحى اللَّه إِلَيْهِ أَن يَأْخُذ بِيَدِهِ ضغثًا - والضِّغْثُ: أَن يَأْخُذ قَبْضَة , قَالَ بَعضهم: من (السُّنْبل وَكَانَت مائَة سُنبلة) وَقَالَ بَعضهم: من الأَسَل , والأسل: السَّمَارُ - فيضربها بِهِ ضَرْبَة وَاحِدَة فَفعل. قَالَ محمدٌ: روى أَن امْرَأَة أَيُّوب قَالَتْ لَهُ: لَو تقرّبْتَ إِلَى الشَّيْطَان فذبحت لَهُ عنَاقًا. فَقَالَ: وَلَا كفًّا من تُرَاب , فَلهَذَا حلف أَن يجلدها إِن عوفي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا} يَقُولُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم {أُوْلِي الأَيْدِي} يَعْنِي: الْقُوَّة فِي أَمر اللَّه {وَالأَبْصَارِ} فِي كتاب اللَّه. قَالَ محمدٌ: (الْأَيْدِي) بِالْيَاءِ وَهُوَ الِاخْتِيَار فِي الْقِرَاءَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} يَعْنِي: الدَّار الْآخِرَة , والذكرى: الْجنَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 قَالَ محمدٌ: الِاخْتِيَار فِي الْقِرَاءَة (بخالصة) غير منونة وعَلى هَذِه الْقِرَاءَة فسر يحيى الْآيَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 {وَإِنَّهُم عندنَا لمن المصطفين} يَعْنِي: المختارين , اخْتَارَهُمْ اللَّه للنبوة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ} قَالَ مُجَاهِد: إِن ذَا الكفل كَانَ رجلا صَالحا وَلَيْسَ بِنَبِي تكفّل لنَبِيّ بِأَن يكفل لَهُ أَمر قومه , وَيَقْضِي بَينهم بِالْعَدْلِ. تَفْسِير الْآيَات من 49 وَحَتَّى 54 من سُورَة ص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 (ل 296) {هَذَا ذكر} يَعْنِي: الْقُرْآن {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مآب} مرجع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ}. قَالَ مُحَمَّد: (جنَّات عدن) بدل من (حسن مآب) وَمعنى (مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب): أَي مِنْهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 {متكئين فِيهَا} أَي: عَلَى السرر فِيهَا إِضْمَار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 {وَعِنْدهم قاصرات الطّرف} يقصرن طرفَهُن عَلَى أَزوَاجهنَّ لَا ينظرن إِلَى غَيرهم {أتراب} عَلَى سنٍّ وَاحِدَة بَنَات ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 {هَذَا مَا توعدون} يَعْنِي: مَا وُصِفَ فِي الْجنَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 {مَا لَهُ من نفاد} انْقِطَاع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 تَفْسِير الْآيَات من 55 وَحَتَّى 61 من سُورَة ص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 {هَذَا وَإِن للطاغين} (للْمُشْرِكين) {لشر مآب} أَي: مرجع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 {هَذَا فليذوقوه حميم وغساق} فِيهَا تقديمٌ: هَذَا حميمٌ وغساقٌ فليذوقوه " الْحَمِيم: الحارُ الَّذِي لَا يُسْتَطاع من حرِّه , قَالَ عبد الله بْن عَمْرو: والغَسَّاق: القيْح الغليظ لَو أَن جَرَّة مِنْهُ تُهراق فِي الْمغرب لأنتنت أهْلَ الْمشرق , وَلَو أَن تهراق فِي الْمشرق لأنتنت أهل الْمغرب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 {وَأخر} يَعْنِي: الزَّمْهَرِير {من شكله} من نَحوه؛ أَي: من نَحْو الْحَمِيم {أَزوَاج} ألوان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 {هَذَا فَوْج مقتحم مَعكُمْ} إِلَى قَوْله {فبئس الْقَرار} تَفْسِير بَعضهم يَقُولُ: جَاءَت الْمَلَائِكَة بفوج إِلَى النَّار فَقَالَت للفوج الأول الَّذين دخلُوا قبلهم: هَذَا فوجٌ مقتحم مَعكُمْ! قَالَ الفوج الأول: {لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صالوا النَّار} قَالَ الفوج الآخر: {بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لنا فبئس الْقَرار} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 قَالَ اللَّه: {قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضعفا فِي النَّار}. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {مَا قدم لنا هَذَا} أَي: من سَنَّهُ وشرعه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 وَقَوله: {فزده عذَابا ضعفا} أَي: زده عَلَى عَذَابه عذَابا آخر. تَفْسِير الْآيَات من 62 وَحَتَّى 70 من سُورَة ص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رجَالًا} لما دخلُوا النَّار لمْ يَرْوهم مَعَهم فِيهَا فَقَالُوا: {مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُمْ من الأشرار} فِي الدُّنْيَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 {أتخذناهم سخريا} فأخطأنا {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ} أَي: أم هُمْ فِيهَا وَلَا نراهُم؟ هَذَا تَفْسِير مُجَاهِد. قَالَ: علمُوا بعد أَنهم لَيْسُوا مَعَهم فِيهَا. قَالَ محمدٌ: تقْرَأ (سخريًّا) بِضَم السِّين وَكسرهَا بِمَعْنى واحدٍ من الهُزْء. وَقد قِيلَ: من ضمَّ أَوله جعله من السُّخرة , وَمن كسر جعله من الهُزْءِ. وَقَرَأَ نَافِع {أتخذناهم} بِأَلف الِاسْتِفْهَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 قَالَ اللَّه: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تخاصم أهل النَّار} يَعْنِي: قَول بَعضهم لبعضٍ فِي الْآيَة الأولى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 {قل إِنَّمَا أَنا مُنْذر} من النَّار {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا الله الْوَاحِد القهار} قهر الْعباد بِالْمَوْتِ , وَبِمَا شَاءَ من أمره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 {رب السَّمَاوَات وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} لمن آمن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 {قل هُوَ نبأ عَظِيم} يَعْنِي: الْقُرْآن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 {أَنْتُم عَنهُ معرضون} يَعْنِي: الْمُشْركين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 {مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بالملإ الْأَعْلَى} يَعْنِي: الْمَلَائِكَة {إِذْ يختصمون} تَفْسِير الْحَسَن: اخْتَصَمُوا فِي خلق آدم؛ قَالُوا فِيمَا بَينهم: مَا اللَّه خالقٌ خَلْقًا هُوَ أكْرم عَلَيْهِ منا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 قَوْله: {إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلا أَنما أَنا نَذِير مُبين} كَقَوْلِه: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قوم هاد} النَّبِي الْمُنْذر , وَالله الْهَادِي. تَفْسِير الْآيَات من 71 وَحَتَّى 85 من سُورَة ص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ} إِلَى قَوْله: {وَكَانَ من الْكَافرين} قَدْ مَضَى تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ كَعْبًا قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ بِيَدِهِ إِلَّا ثَلَاثَة: خلق آدم بِيَدِهِ , وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ , وَغَرَسَ الْجَنَّةَ بِيَدِهِ {أَسْتَكْبَرْتَ} يَعْنِي: تكبّرت. قَالَ محمدٌ: الِاخْتِيَار فِي الْقِرَاءَة (أستكبرت) بِفَتْح الْألف على الِاسْتِفْهَام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 {فَاخْرُجْ مِنْهَا} {من السَّمَاء} (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} أَي: مَلْعُون (رجم باللعنة) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} وأبدا فِي مَلْعُون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي} أَي: أخرْني {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 قَالَ محمدٌ: {إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} يَعْنِي: النفخة الأولى , وَأَرَادَ عَدو اللَّه أَن يُؤَخر إِلَى النفخة الْآخِرَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 (إِلاَ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ {المخلصين} بِكَسْر اللَّام أَرَادَ: الَّذين أَخْلصُوا دينهم لله , وَمن قَرَأَ بِالْفَتْح؛ فَالْمَعْنى: الَّذين أخلصهم الله لعبادته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 {قَالَ فَالْحق وَالْحق أَقُول} تَفْسِير الْحَسَن هَذَا قسمٌ , يَقُول: (ل 297) حقًّا حقًّا لأملأن جهنَّم. وَقَرَأَ الحكم بْن عتيبة: {قَالَ فالحقُّ والحقّ أَقُول} بِمَعْنى: اللَّه الحقّ , الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 وَيَقُول الحقَّ وَهُوَ قسمٌ أَيْضا. تَفْسِير الْآيَات من 86 وَحَتَّى 88 من سُورَة ص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 {قل مَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ} عَلَى الْقُرْآن {مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنا من المتكلفين} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 {إِن هُوَ} أَي: الْقُرْآن {إِلَّا ذكر} أَي: تفكر {للْعَالمين} يَعْنِي الغافلين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 {ولتعلمن نبأه بعد حِين} (أَي ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة). الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 سُورَة الزمر وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 1 إِلَى آيَة 3. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 قَوْله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيز الْحَكِيم} يَعْنِي: الْقُرْآن أنزلهُ مَعَ جِبْرِيل عَلَى محمدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ محمدٌ: يجوزُ الرّفْع فِي {تَنْزِيل} على معنى: هَذَا تَنْزِيل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} أَي: لَا تشرك بِهِ شَيْئا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} يَعْنِي: الْإِسْلَام {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دونه أَوْلِيَاء} أَي: يتخذونهم آلِهَة يَعْبُدُونَهُمْ من دون اللَّه {مَا نَعْبُدُهُمْ} أَي: قَالُوا مَا نعبدهم , فِيهَا إِضْمَار {إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زلفى} قربى؛ زَعَمُوا أَنهم يَتَقَرَّبُون إِلَى اللَّه بِعبَادة الْأَوْثَان لكَي يصلح لَهُم مَعَايشهمْ فِي الدُّنْيَا , وَلَيْسَ يقرونَ بِالآخِرَة. قَالَ مُجَاهِد: قُرَيْش يَقُولُونَهُ للأوثان , وَمن قبلهم يَقُولُونَهُ للْمَلَائكَة ولعيسى ابْن مَرْيَم ولعُزَير. {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} يحكم بَين الْمُؤمنِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 وَالْمُشْرِكين يَوْم الْقِيَامَة , فَيدْخل الْمُؤمنِينَ الْجنَّة , وَيدخل الْمُشْركين النَّار {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِب كفار} يَعْنِي: من يَمُوت عَلَى كفره. تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 4 إِلَى آيَة 5. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ ولدا لاصطفى} لاختار {مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ} ينزه نَفسه أَن يكون لَهُ ولد {الْوَاحِد القهار} قهر الْعباد بِالْمَوْتِ وَبِمَا شَاءَ من أمره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 {خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} أَي: للبعث والحساب وَالْجنَّة وَالنَّار {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَار على اللَّيْل} يَعْنِي: أَخذ كل واحدٍ مِنْهُمَا من صَاحبه {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كل يجْرِي لأجل مُسَمّى} يَعْنِي: إِلَى يَوْم الْقِيَامَة {أَلا هُوَ الْعَزِيز الْغفار} لمن آمن. تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 6 إِلَى آيَة 7. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 {خَلقكُم من نفس وَاحِدَة} آدم {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} حَوَّاء؛ من ضلعٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 من أضلاعه القُصيري من جنبه الْأَيْسَر {وَأنزل لكم} أَي: وَخلق لكم {مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَة أَزوَاج} أَصْنَاف الْوَاحِد مِنْهَا زوجٌ , هِيَ الْأزْوَاج الثَّمَانِية الَّتِي ذكر فِي سُورَة الْأَنْعَام {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خلقا من بعد خلق} يَعْنِي: نُطْفَة ثمَّ علقَة ثمَّ مُضْغَة ثمَّ عظامًا ثمَّ يُكسي الْعِظَام اللَّحْم ثمَّ الشّعْر ثمَّ ينْفخ فِيهِ الرّوح {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاث} يَعْنِي: الْبَطن والمشيمة وَالرحم {فَأَنَّى تصرفون} أيْ: أَيْنَ يُذْهَبُ بكُمْ فتعبدون غَيره وَأَنْتُم تعلمُونَ أَنَّهُ خَلقكُم وَخلق هَذِه الْأَشْيَاء؟! الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُم} أَي: عَن عبادتكم {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكفْر وَإِن تشكروا} تؤمنوا {يَرْضَهُ لَكُمْ}. {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزر أُخْرَى} يَعْنِي: لَا يحمل أحدٌ ذَنْبِ أحدٍ {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} يَعْنِي: بِمَا فِي الصُّدُور. تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 8 إِلَى آيَة 10. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 {وَإِذا مس الْإِنْسَان ضرّ} يَعْنِي: مَرضا {دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ} أَي: دَعَاهُ بالإخلاص أَن يكْشف عَنْهُ {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ} أَي: عافاه من ذَلكَ الْمَرَض {نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ من قبل} هُوَ كَقَوْلِه: (مَرَّ كَأَنْ لَمْ يدعنا إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 ضرّ مَسّه}. قَالَ محمدٌ: كل شيءٍ أُعطيته فقد خُوِّلْتَه وَمن هَذَا قَول زُهَيْر: (هُنَالك إِن يستخولوا المَال يُخولوا ... وَإِن يسْأَلُوا يُعْطوا وَإِن يَيْسِرُوا يُغْلوا) وَيُقَال: فلَان يخول أَهله إِذا رعى غَنمهمْ، أَو مَا أشبه ذَلكَ. {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا} يَعْنِي: الْأَوْثَان؛ الندُّ فِي اللُّغَة: الْعدْل {لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ} أَي: يتبعهُ عَلَى ذَلكَ غَيره {قُلْ} يَا مُحَمَّد للمشرك: {تَمَتَّعْ} {فِي الدُّنْيَا} (بِكُفْرِكَ قَلِيلاً} أَي أَن بَقَاءَك فِي الدُّنْيَا قَلِيل {إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} يَعْنِي (مصل) {آنَاء اللَّيْلِ} يَعْنِي: سَاعَات اللَّيْل {سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ} أَي: يخَاف عَذَابهَا {وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} يَعْنِي: الْجنَّة يَقُولُ: {أَمَّنْ هُوَ قَانِت} إِلَى آخر الْآيَة , كَالَّذي جعل لله أندادًا فعبد الْأَوْثَان دوني , لَيْسَ مثله. قَالَ محمدٌ: أصل الْقُنُوت الطَّاعَة , وَقَرَأَ نَافِع (أَمن) بِالتَّخْفِيفِ. (ل 298) {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} أَي: هَلْ يَسْتَوِي هَذَا الْمُؤمن الَّذِي يعلم أَنَّهُ ملاقٍ ربه , وَهَذَا الْمُشرك الَّذِي جعل لله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 الأنداد؛ أَي: أَنَّهُمَا لَا يستويان {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ} إِنَّمَا (يقبل) التَّذْكِرَة {أولُوا الْأَلْبَاب} أَصْحَاب الْعُقُول؛ وهم الْمُؤْمِنُونَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 {للَّذين أَحْسنُوا} آمَنُوا {فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} أَي: فِي الْآخِرَة؛ وَهِي الْجنَّة {وَأَرْض الله وَاسِعَة} هُوَ كَقَوْلِه: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فاعبدون} فِي الأَرْض الَّتِي أَمركُم أَن تهاجروا إِلَيْهَا؛ يَعْنِي: الْمَدِينَة {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ} يَعْنِي: الَّذين صَبَرُوا عَلَى طَاعَة الله {أجرهم} الْجنَّة {بِغَيْر حِسَاب}. يَقُول: لَا حِسَاب عَلَيْهِم فِي الْجنَّة، كَقَوْلِه: {يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب}. تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 11 إِلَى آيَة 16. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 {وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} من هَذِه الْأمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} بمتابعتكم عَلَى مَا تدعونني إِلَيْهِ من عبَادَة الْأَوْثَان {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم} يَعْنِي: جَهَنَّم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} وَهَذَا وَعِيد؛ أَي: أَنكُمْ إِن عَبدْتُمْ من دونه عذّبكم {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} الْآيَة , جعل اللَّه لكل أحدٍ منزلا فِي الْجنَّة وَأهلا؛ فَمن عمل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 بِطَاعَة اللَّه كَانَ لَهُ ذَلكَ الْمنزل والأهل، وَمن عمل بِمَعْصِيَة اللَّه صيَّره اللَّه إِلَى النَّار , وَكَانَ ذَلكَ الْمنزل والأهل مِيرَاثا لمن عمل بِطَاعَة اللَّه إِلَى مَنَازِلهمْ وأهليهم الَّتِي جعل اللَّه لَهُم , فَصَارَ جَمِيع ذَلكَ لَهُم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّار وَمن تَحْتهم ظلل} كَقَوْلِهِ: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمن فَوْقهم غواش}. {ذَلِك} الَّذِي {يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عباد فاتقون}. قَالَ محمدٌ: قَوْله: {ذَلِكَ يُخَوِّفُ الله بِهِ عباده} مَوضِع (ذَلِك) رفعٌ بِالِابْتِدَاءِ الْمَعْنى ذَلكَ الَّذِي ذكرنَا من الْعَذَاب يخوف اللَّه بِهِ عباده , وَقَوله (يَا عِبَادِ) قِرَاءَة نَافِع بِحَذْف الْيَاء؛ وَهُوَ الِاخْتِيَار عِنْد أهل الْعَرَبيَّة. تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 17 إِلَى آيَة 21. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 {وَالَّذين اجتنبوا الطاغوت} (يَعْنِي: الشَّيَاطِين) {أَن يعبدوها} وَذَلِكَ أَن الَّذين يعْبدُونَ الْأَوْثَان إِنَّمَا يعْبدُونَ الشَّيَاطِين؛ لأَنهم هُمْ دعوهم إِلَى عبادتها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 {وأنابوا إِلَى الله} أَقبلُوا مُخلصين إِلَيْهِ {لَهُمُ الْبُشْرَى} يَعْنِي الْجنَّة {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه} اي: بشرهم بِالْجنَّةِ , الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 وَالْقَوْل كتاب اللَّه , واتِّباعهم لأحسنه أَن يعملوا بِمَا أَمرهم اللَّه بِهِ فِيهِ , وينتهوا عَمَّا نَهَاهُم الله عَنهُ فِيهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 {أَفَمَن حق عَلَيْهِ} أَي: سبقت عَلَيْهِ {كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} أَي: تهدي من وَجب عَلَيْهِ الْعَذَاب؛ اي: لَا تهديه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 {لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّة}. قَالَ محمدٌ: قِيلَ الْمَعْنى: لَهُم؛ منَازِل فِي الْجنَّة رفيعة وفوقها منَازِل أرفع مِنْهَا {وَعْدَ اللَّهِ} الَّذِي وعد الْمُؤمنِينَ , يَعْنِي الْجنَّة. قَالَ محمدٌ: الْقِرَاءَة {وَعَدَ اللَّهَ} بِالنّصب بِمَعْنى وعدهم اللَّه وَعدا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 {فسلكه ينابيع فِي الأَرْض} والينابيع: الْعُيُون {ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا} كَقَوْلِه: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هشيما تَذْرُوهُ الرِّيَاح}. قَالَ محمدٌ: قَوْله: {ثُمَّ يَهِيجُ} أَي: يجفُّ، يُقَال للنبت إِذا تمّ جفافه. قد هاج النبت يهيج , وهاجت الأَرْض إِذا ذَوَى مَا فِيهَا من الخُضَر والحطام: مَا تفتت وتكسَّر من النبت وَغَيره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُولِي الْأَلْبَاب} الْعُقُول؛ وهم الْمُؤْمِنُونَ يتذكرون فيعلمون أنّ مَا فِي الدُّنْيَا ذاهبٌ. تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 22 إِلَى آيَة 26. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ}: أَي: وسَّع {فَهُوَ عَلَى نُورٍ من ربه} أَي: ذَلكَ النُّور فِي قلبه {فويل للقاسية قُلُوبهم} الْآيَة؛ أَي: أَن الَّذِي شرح اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نور من ربه لَيْسَ كالقاسي قلبه الَّذِي هُوَ فِي ضلال مُبين عَن الْهدى؛ يَعْنِي: الْمُشرك وَهَذَا عَلَى الِاسْتِفْهَام يَقُولُ: {هَلْ يستويان} أَي: أَنَّهُمَا لَا يستويان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 {الله نزل أحسن الحَدِيث} يَعْنِي: الْقُرْآن {كتابا متشابها} يَعْنِي: يشبه بعضه بَعْضًا فِي نوره وَصدقه وعدله {مثاني} يَعْنِي: ثنى اللَّه فِيهِ الْقَصَص عَن الْجنَّة فِي هَذِه السُّورَة , وثنى ذكرهَا فِي سُورَة أُخْرَى , وَذكر النَّار فِي هَذِه (ل 299) السُّورَة ثمَّ ذكرهَا فِي غَيرهَا من السُّور؛ هَذَا تَفْسِير الْحَسَن. قَالَ مُحَمَّد: {مثاني} نعت قَوْله (كتابا) وَلم ينْصَرف؛ لِأَنَّهُ جمع لَيْسَ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 مِثَال الْوَاحِد. {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذين يَخْشونَ رَبهم} إِذا ذكرُوا وَعِيد اللَّه [فِيهِ] {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذكر الله} إِذا ذكرُوا أَعْمَالهم الصَّالِحَة , لانت قُلُوبهم وجلودهم إِلَى وعد اللَّه الَّذِي وعدهم. قَالَ محمدٌ: وَقيل: الْمَعْنى: إِذا ذكرت آيَات الْعَذَاب , اقشعرَّت جُلُود الْخَائِفِينَ لله , ثمَّ تلين جلودُهم وَقُلُوبهمْ إِذا ذكرت آيَات الرَّحْمَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ} أَي: شدته أول مَا تصيب مِنْهُ النَّار إِذا أُلقي فِيهَا وَجهه؛ لِأَنَّهُ يكبُّ عَلَى وَجهه {خير أَمن يَأْتِي آمنا} أَي: أَنَّهُمَا لَا يستويان {وَقِيلَ للظالمين} الْمُشْركين: {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} أَي: جَزَاء مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 {كذب الَّذين من قبلهم} يَعْنِي: من قبل قَوْمك يَا محمدُ. {فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} جَاءَهُم فَجْأَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 {ولعذاب الْآخِرَةِ أَكْبَرُ} مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا {لَو كَانُوا يعلمُونَ} لعلموا أَن عَذَاب الْآخِرَة أكبر من عَذَاب الدُّنْيَا. تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 27 إِلَى آيَة 31. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يتذكرون} لِكَيْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 يَتَذَكَّرُوا؛ فَيَحْذَرُوا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نزل بالذين من قبلهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} أَي: لَيْسَ [فِيهِ عوج] {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} لكَي يتقوا. قَالَ محمدٌ: (عَرَبِيًّا) منصوبٌ عَلَى الْحَال , الْمَعْنى: ضربنا للنَّاس فِي هَذَا الْقُرْآن فِي حَال عربيته وَبَيَانه , وَذكر (قُرْآنًا) توكيدا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 {ضرب الله مثلا رجلا} يَعْنِي: الْمُشرك {فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} يَعْنِي: أوثانًا؛ هُمْ شَتَّى. {وَرَجُلا سلما لرجل} يَعْنِي: الْمُؤمن يعبد اللَّه وَحده {هَل يستويان مثلا} أَيْ: أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ. قَالَ مُحَمَّد: {متشاكسون} مَعْنَاهُ: مُخْتَلفُونَ لَا يتفقون. وَيُقَال للعسير: شَكِس الرجل شَكْسًا , وَمن قَرَأَ (ورجلا سلما) فَالْمَعْنى: ذَا سلمٍ وَهُوَ مصدر وُصِفَ بِهِ , وأصلُ الْكَلِمَة من الاستسلام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ ربكُم تختصمون} تَفْسِير الْحَسَن: يُخَاصم النَّبِي والمؤمنون الْمُشْركين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 32 إِلَى آيَة 37. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى الله} فعبد الْأَوْثَان , وَزعم أَن عبادتها تقرب إِلَى اللَّه {وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} يَعْنِي: الْقُرْآن الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد؛ أَي: لَا أحد أظلم مِنْهُ {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى} أَي: منزلا {للْكَافِرِينَ} أَي: بلَى فِيهَا منزل للْكَافِرِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 {وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ} محمدٌ جَاءَ بِالْقُرْآنِ {وَصَدَّقَ بِهِ} يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ؛ صدَّقوا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد {أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 {أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} يَعْنِي: مُحَمَّدًا؛ يَكْفِيهِ الْمُشْركين حَتَّى لَا يصلُوا إِلَيْهِ {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ من دونه} يَعْنِي: الْأَوْثَان. تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 38 إِلَى آيَة 40. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دون الله} يَعْنِي: أوثانهم , الْآيَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 يَقُولُ: لَا يقدرن أَن يكشفن ضرا، وَلَا يمسكن رَحْمَة {لَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض ليَقُولن الله} أَي: فَكيف تَعْبدُونَ الْأَوْثَان من دونه , وَأَنْتُم تعلمُونَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مكانتكم} أَي: عَلَى شرككم {إِنِّي عَامِلٌ} عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ من الْهدى {فَسَوف تعلمُونَ} وَهَذَا وَعِيد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 {من يَأْتِيهِ عَذَاب يخزيه} يَعْنِي: النَّفْخَةَ الأُولَى الَّتِي يَهْلِكُ بِهَا كُفَّارُ آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ {وَيحل عَلَيْهِ عَذَاب مُقيم} فِي الْآخِرَة. تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 41 إِلَى آيَة 44. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 {وَمَا أَنْت عَلَيْهِم بوكيل} أَي: بحفيظ لأعمالهم حَتَّى تجازيهم بهَا , وَالله هُوَ الَّذِي يجزيهم بهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} أَي ويتوفى الَّتِي لمْ تمت؛ أَي: يتوفاها فِي منامها {فَيُمْسِكُ الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت} أَي: فيميتها. قَالَ محمدٌ: (فَيُمْسِكُ) بِالرَّفْع هِيَ قِرَاءَة نَافِع. {وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أجل مُسَمّى} إِلَى الْمَوْت؛ وَذَلِكَ أَن الْإِنْسَان إِذا نَام خرجت النَّفس وَتبقى الرّوح فَيكون بَينهمَا مثل شُعَاع الشَّمْس , وبلغنا أَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 الأحلام الَّتِي يرى النَّائِم هِيَ فِي تِلْكَ الْحَال؛ فَإِن كَانَ مِمَّن كتب اللَّه عَلَيْهِ الْمَوْت فِي مَنَامه خرجت الرّوح إِلَى النَّفس، وَإِن كَانَ مِمَّن لم يحضر أَجله رجعت النَّفس إِلَى الرّوح فَاسْتَيْقَظَ. {إِنَّ فِي ذَلِك لآيَات لقوم يتفكرون} وهم الْمُؤْمِنُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء} أَي: قد اتخذوهم؛ ليشفعوا لَهُم (ل 300) زَعَمُوا ذَلكَ لدنياهم ليصلحها لَهُم وَلَا يقرونَ بِالآخِرَة {قل} يَا مُحَمَّد: {أَوَ لَوْ كَانُوا} {يَعْنِي: أوثانهم} {لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يعْقلُونَ} [أَي: أَنهم لَا يملكُونَ شَيْئا وَلَا يعْقلُونَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 {قل لله الشَّفَاعَة جَمِيعًا} أَي: لَا يشفع أحدٌ يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا بِإِذْنِهِ , يَأْذَن لمن يَشَاء من الْمَلَائِكَة والأنبياء وَالْمُؤمنِينَ أَن يشفعوا للْمُؤْمِنين فيشفعهم فيهم. تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 45 إِلَى آيَة 48. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ} انقبضت {قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دونه} أَي: الَّذين يعْبدُونَ من دونه؛ يَعْنِي: الْأَوْثَان {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 قَالَ محمدٌ: يُقَال لمن ذُعر من شَيْء: اشمأز اشمئزازا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 {عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة} الْغَيْب: السِّرّ , وَالشَّهَادَة: الْعَلَانِيَة {أَنْتَ تحكم بَين عِبَادك} يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ وَالْمُشْرِكين؛ فَيكون حكمه بَينهم أَن يدْخل الْمُؤمنِينَ الْجنَّة وَيدخل الْمُشْركين النَّار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لم يَكُونُوا يحتسبون} يَعْنِي: لم يَكُونُوا يحتسبون أَنهم مبعوثون ومعذبون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 {وحاق بهم} وَجب عَلَيْهِم {مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون} أَي: جَزَاء ذَلكَ الِاسْتِهْزَاء وَهِي جَهَنَّم بعد عَذَاب الدُّنْيَا. تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 49 إِلَى آيَة 52. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 {ثمَّ إِذا خولناه} أعطيناه {نعْمَة منا} أَي: عَافِيَة {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ} أَعْطيته {على علم} تَفْسِير مُجَاهِد يَقُولُ: هَذَا [بعلمي] (كَقَوْلِه: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لي} أَي: أَنَا محقوقٌ بِهَذَا). الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 قَالَ اللَّهُ: {بَلْ هِي فِتْنَةٌ} يَعْنِي: بليّة {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يعلمُونَ} يَعْنِي: جمَاعَة الْمُشْركين. قَالَ مُحَمَّد: قِيلَ: الْمَعْنى: تِلْكَ العطيَّة بلوى من اللَّه يَبْتَلِي بهَا العَبْد ليشكر أَو يكفر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 {قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من الْمُشْركين؛ يَعْنِي: هَذِه الْكَلِمَة. {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} من أَمْوَالهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 {فَأَصَابَهُمْ سيئات مَا كسبوا} مَا عمِلُوا من الشّرك، يَقُولُ: نزل بهم جَزَاء أَعْمَالهم؛ يَعْنِي: الَّذِي أهلك من الْأُمَم {وَالَّذِينَ ظلمُوا} أشركوا {من هَؤُلَاءِ} يَعْنِي: هَذِه الْأمة {سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كسبوا} يَعْنِي: الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِمُ السَّاعَةُ كفار آخر هَذِه الْأمة , وَقد أهلك أوائلهم؛ أَبَا جهل وَأَصْحَابه بِالسَّيْفِ يَوْم بدر {وَمَا هُمْ بمعجزين} أَي: بالذين يَسْبِقُونَنَا حَتَّى لَا نقدر عَلَيْهِم فنبعثهم ثمَّ نعذبهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 {أَوَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ} أَي: بلَى قد علمُوا. تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 53 إِلَى آيَة 56. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا على أنفسهم} بالشرك {لَا تقنطوا} تيأسوا. الْآيَة. تَفْسِير الْحَسَن قَالَ: لما نزل فِي قَاتل الْمُؤمن وَالزَّانِي وغَير ذَلكَ مَا نزل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 خَافَ قوم أَن يؤاخذوا بِمَا عمِلُوا فِي الْجَاهِلِيَّة , فَقَالُوا: أَيّنَا لم يفعل فَأنْزل اللَّه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا على أنفسهم} [بالشرك] {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} الَّتِي كَانَت فِي الشّرك {إِنَّهُ هُوَ الغفور الرَّحِيم} وَأنزل: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر} أَي: بعد إسْلَامهمْ {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} أَي: بعد إسْلَامهمْ {وَلا يَزْنُونَ} أَي: بعد إسْلَامهمْ إِلَى قَوْله: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عملا صَالحا} الْآيَة , وَقد مضى تَفْسِيرهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 {وأنيبوا إِلَى ربكُم} يَقُوله للْمُشْرِكين: أَقْبِلُوا إِلَى ربكُم بالإخلاص لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ من ربكُم} وَهُوَ أَن يَأْخُذُوا بِمَا أَمرهم اللَّه بِهِ , وينتهوا عَمَّا نَهَاهُم اللَّه عَنْهُ {مِنْ قَبْلِ أَنْ يأتيكم الْعَذَاب بَغْتَة} فَجْأَة {وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} أَي: فِي أَمر اللَّه {وَإِنْ كنت لمن الساخرين} أَي: كنت أسخر فِي الدُّنْيَا بِالنَّبِيِّ وَالْمُؤمنِينَ. قَالَ محمدٌ: {أَنْ تَقول نفس} مَعْنَاهُ: خَوْفَ أَن تَقُولُ نفسٌ إِذا صَارَت إِلَى (حَال) الندامة، وَالِاخْتِيَار فِي الْقِرَاءَة: (يَا حسرتا). تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 57 إِلَى آيَة 63. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ} حِين تدخل فِي الْعَذَاب: {لَوْ أَن لي كرة} إِلَى الدُّنْيَا {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ , الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 قَالَ اللَّه: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آياتي} الْآيَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا على الله وُجُوههم مسودة}. [قَالَ مُحَمَّد: {وُجُوههم مسودة} رفع عَلَى الِابْتِدَاء , وَلم يعْمل الْفِعْل وَالْخَبَر {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مثوى للمتكبرين} (ل 301) عَن عبَادَة اللَّه بلَى لَهُم فِيهَا مثوى يثوون فِيهَا أبدا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} بمنجاتهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} حفيظ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 {لَهُ مقاليد السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَعْنِي: مَفَاتِيح. قَالَ محمدٌ: وَاحِد المقاليد: إقليد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 64 إِلَى آيَة 67. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِي أَعْبُدُ أَيهَا الجاهلون} يَعْنِي: الْمُشْركين دَعَوْهُ إِلَى عبَادَة الْأَوْثَان. قَالَ محمدٌ: قد مضى فِي سُورَة الْأَنْعَام ذكر الِاخْتِلَاف فِي قِرَاءَة {تأمروني}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} مَا عظموا اللَّه حق عَظمته إِذْ عبدُوا الْأَوْثَان من دونه {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ}. يَحْيَى: عَنْ عُثْمَانَ الْبُرِّيِّ , قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ , قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول الله يَقُول: " إِن الرَّحْمَن يطوي السَّمَاوَات يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِيَمِينِهِ , وَالأَرَضِينَ بِالأُخْرَى ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ , أَنَا الْملك , أَنا الْملك ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 {سُبْحَانَهُ} ينزه نَفسه {وَتَعَالَى} ارْتَفع {عَمَّا يشركُونَ}. تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 68 إِلَى آيَة 70 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 {وَنفخ فِي الصُّور} وَالصُّورِ قَرْنٌ يَنْفُخُ فِيهِ صَاحِبُ الصُّور {فَصعِقَ} أَي: فَمَاتَ {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْض} وَهَذِه النَّفْخة الأولى {إِلا مَنْ شَاءَ الله} تَفْسِير الْحَسَن: اسْتثْنى طوائف من أهل السَّمَاء يموتون بَين النفختين. قَالَ يحيى: وَبَلغنِي أَن آخر من يبْقى مِنْهُم جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت , ثمَّ يَمُوت جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل , ثمَّ يَقُولُ اللَّه لملك الْمَوْت: مُتْ فَيَمُوت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 {ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى} وَهَذِه النفخة الْآخِرَة {فَإِذَا هُمْ قيام ينظرُونَ} وَبَين النفختين أَرْبَعُونَ سنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكتاب} الَّذِي كتبته الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ} الَّذين بعثوا إِلَيْهِم {وَالشُّهَدَاء} يَعْنِي: الْمَلَائِكَة الْحفظَة {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وهم لَا يظْلمُونَ}. قَالَ يحيى: بلغنَا أَنهم يقومُونَ مِقْدَار ثَلَاثمِائَة سنة قبل أَن يفصل بَينهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ} أما الْمُشْركُونَ فَلَيْسَ يعطوْن فِي الْآخِرَة بأعمالهم الْحَسَنَة شَيْئا: قد جوزوا بهَا فِي الدُّنْيَا , وَأما الْمُؤْمِنُونَ فَيُوَفَّوْنَ حسناتهم فِي الْآخِرَة , وَأما سيئاتهم فَإِنَّهُ يُحَاسب العَبْد بِالْحَسَنَاتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 والسيئات؛ فَإِن فضلت حَسَنَاته سيئاته بحسنة وَاحِدَة ضاعفها اللَّه لَهُ , وَهُوَ قَوْله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَة يُضَاعِفهَا} وَإِن اسْتَوَت حَسَنَاته وسيئاته فَهُوَ من أَصْحَاب الْأَعْرَاف يصير إِلَى الْجنَّة , وَإِن زَادَت سيئاتُه عَلَى حَسَنَاته فَهُوَ فِي مَشِيئَة اللَّه. تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 71 إِلَى آيَة 72. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا} أَي: فوجًا فوجًا , إِلَى قَوْله: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 {بئس مثوى المتكبرين} يَعْنِي: عَن عبَادَة الله. تَفْسِير سُورَة الزمر من الْآيَة 73 إِلَى آيَة 75. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} إِلَى قَوْله: {سَلامٌ عَلَيْكُم طبتم}. يَحْيَى: عَنْ نُعَيْمِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 الْهَمْدَانِيِّ , عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ , عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " إِذَا تَوَجَّهُوا إِلَى الْجَنَّةِ مَرُّوا بِشَجَرَةٍ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ؛ فَيَشْرَبُونَ مِنْ إِحْدَاهِمَا , فَتَجْرِي عَلَيْهِمْ بِنَضْرَةِ النَّعِيمِ , فَلا تُغَبَّرُ أَبْشَارُهُمْ وَلا تُشَعَّثُ أَشْعَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا , ثُمَّ يَشْرَبُونَ مِنَ الأُخْرَى فَيَخْرُجُ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنْ أَذًى , ثُمَّ تَسْتَقْبِلُهُمُ الْمَلائِكَةُ - خَزَنَةُ الْجَنَّةِ - فَتَقُولُ لَهُمْ: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدين}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 {وأورثنا الأَرْض} يَعْنِي: أَرض الْجنَّة {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجنَّة حَيْثُ نشَاء} أَي: ننزل: {فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} فِي الدُّنْيَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْش} أَي: مُحْدِقين {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} أَي: فُصِلَ {وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رب الْعَالمين} قَالَه الْمُؤْمِنُونَ؛ حمدوا اللَّه عَلَى مَا أَعْطَاهُم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 تَفْسِير سُورَة حم الْمُؤمن وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 1 إِلَى آيَة 4. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 قَوْله: {حم} قَالَه الْحَسَن: مَا أَدْرِي مَا تَفْسِير (حم) و (طسم) وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ , غَيْرَ أَنَّ قَوْمًا مِنَ السَّلَفِ كَانُوا يَقُولُونَ: أَسْمَاءُ السُّور وفواتحها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 {تَنْزِيل الْكتاب} الْقُرْآن {من الله الْعَزِيز} فِي ملكه {الْعَلِيم} بخلقه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعقَاب} لمن لمْ يُؤمن {ذِي الطَّوْلِ} الْغنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 {مَا يُجَادِل} (ل 302) يُمَارِي {فِي آيَات الله} فيجحدها {إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يغررك تقلبهم} إقبالهم وإدبارهم {فِي الْبِلَاد} يَعْنِي: الدُّنْيَا بِغَيْر عَذَاب؛ فَإِن الله معذبهم. تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 5 إِلَى آيَة 6. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 {كذبت قبلهم} قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد {قَوْمُ نوح والأحزاب من بعدهمْ} يَعْنِي: عادًا وَثَمُود , وَمن بعدهمْ الَّذين أخبر بهلاكهم لتكذيبهم رسلهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} فيقتلوه {وجادلوا} خاصموا {بِالْبَاطِلِ} بالشرك جادلوا بِهِ الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤمنِينَ {ليدحضوا بِهِ} أَي: يذهبوا بِهِ {الْحق} يَعْنِي: الْإِيمَان. {فَأَخَذْتُهُمْ بِالْعَذَابِ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} أَي: كَانَ شَدِيدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِماَتُ رَبِّكَ} أَي: سبقت. تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 7 إِلَى آيَة 12. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} أَي: وَمن حول الْعَرْش {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} {يَقُولُونَ} (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ} أَي: مَلَأت كل شيءٍ {رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} من الشّرك {وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} يَعْنِي: الْإِسْلَام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 {وَمَن صَلَحَ} أَي: من آمن {مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 {وقهم السَّيِّئَات} يَعْنِي: جَهَنَّم هِيَ جَزَاء الشّرك {وَمن تق السَّيِّئَات} أَي: تصرف عَنهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 {إِن الَّذين كفرُوا ينادون} وهم فِي النَّار: {لَمَقْتُ اللَّهِ أكبر من مقتكم أَنفسكُم} أَي: لمقت اللَّه إيَّاهُم فِي مَعْصِيَته أكبر من مقتهم أنفسهم فِي النَّار، وَذَلِكَ أَن أحدهم يمقت نَفسه {إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَان} فِي الدُّنْيَا {فَتَكْفُرُونَ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} وَهُوَ قَوْله فِي سُورَة الْبَقَرَة: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}. يَقُولُ: كُنْتُم أَمْوَاتًا فِي أصلبة آبائكم نطفاً {فأحياكم} يَعْنِي: هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا {ثُمَّ يميتكم} يَعْنِي: مَوْتهمْ {ثمَّ يُحْيِيكُمْ} يَعْنِي: الْبَعْث. {فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ من سَبِيل} تَفْسِير الْحَسَن: فِيهَا إِضْمَار (قَالَ الله: لَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 ثمَّ قَالَ: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرك بِهِ تؤمنوا} تصدقوا بِعبَادة الْأَوْثَان. تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 13 إِلَى آيَة 16. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 قَوْله: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ} مَا أرَاهُ العبادَ من قدرته {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} الْمَطَر؛ يَعْنِي: فِيهِ أرزاق الْعباد {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلا مَنْ يُنِيبُ} يخلص لله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 {رفيع الدَّرَجَات} هُوَ رفيع الدَّرَجَات دَرَجَات الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 {ذُو الْعَرْش} رب الْعَرْش {يلقِي الرّوح} ينزل الْوَحْي {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ} [يَوْم الْقِيَامَة] يَوْم يلتقي فِيهِ الْخَلَائق: أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض عِنْد اللَّه. قَالَ مُحَمَّد: الِاخْتِيَار فِي الْقِرَاءَة بِالْيَاءِ , وَقَرَأَ نَافِع بِغَيْر يَاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} يَقُول: لمن الْملك الْيَوْم؟ يسْأَل الْخَلَائق فَلَا يجِيبه أحد , فَيرد عَلَى نَفسه فَيَقُول: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ القهار} قهر الْعباد بِالْمَوْتِ , وَبِمَا شَاءَ من أمره قَالَ بَعضهم: هَذَا بَين النفختين حِين لَا يبْقى أحد غَيره. تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 17 إِلَى آيَة 20. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 {الْيَوْم} يَعْنِي: فِي الْآخِرَة {تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} سَمِعْتُ بَعْضَ الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ: يَفْرَغُ من حِسَاب الْخَلَائق فِي مِقْدَار نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا إِذا أَخذ فِي حِسَاب الْخَلَائق وعرضهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الآزفة} يَعْنِي: الْقِيَامَة {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِر كاظمين} قَالَ قَتَادَة: انتزعت الْقُلُوب فغصّت بهَا الْحَنَاجِر , فَلَا هِيَ تخرج وَلَا هِيَ ترجع إِلَى أماكنها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 يَحْيَى: عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ , عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ , عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: " يَجِيءُ الرَّبُّ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي مَلائِكَةِ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ , لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلا اللَّهُ , فَيُؤْتَى بِالْجَنَّةِ مُفْتَحَةٌ أَبْوَابُهَا يَرَاهَا كُلُّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ , عَلَيْهَا مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ حَتَّى تُوضَعَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ , فَيُوجَدُ رِيحُهَا مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسمِائَة عَامٍ. قَالَ: وَيُؤْتَى بِالنَّارِ تُقَادُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ يَقُودُ كُلَّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ (مُفْتَحَةٌ) أَبْوَابُهَا , عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ سُودٌ، مَعَهُمْ السَّلاسِلُ الطِّوَالُ , وَالأَنْكَالُ الثِّقَالُ وَسَرَابِيلُ الْقَطِرَانِ، وَمُقَطِّعَاتُ النِّيرَانِ , لأَعْيُنِهِمْ لَمْعٌ كَالْبَرْقِ , وَلِوُجُوهِهِمْ لَهَبٌ كَالنَّارِ , شَاخِصَةٌ أَبْصَارُهُمْ , لَا يَنْظُرُونَ إِلَى ذِي الْعَرْش [تَعْظِيمًا لَهُ] , فَإِذا (ل 303) دَنَتِ النَّارُ فَكَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَلَائق مسيرَة خَمْسمِائَة سَنَةٍ زَفَرَتْ زَفْرَةً , فَلا يَبْقَى أَحَدٌ إِلا جَثَا عَلَى رُكْبَتِهِ , وَأَخَذَتْهُ الرَّعْدَةُ وَصَارَ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقًا فِي حَنْجَرَتِهِ لَا يَخْرُجُ وَلا يَرْجِعُ إِلَى مَكَانِهِ , وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} وَيُنَادِي إِبْرَاهِيمُ: رَبِّ لَا تُهْلِكْنِي بِخَطِيئَتِي! وَيُنَادِي نُوحٌ وَيُونُسُ , وَتُوضَعُ النَّار على يَسَارِ الْعَرْشِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْمِيزَانِ فَيُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ، ثُمَّ يُدْعَى الْخَلائِقُ لِلْحِسَابِ ". قَالَ محمدٌ: إِنَّمَا قِيلَ للقيامة: آزفة؛ لِأَنَّهَا قريبةٌ وَإِن استبعد النَّاس مداها. يُقَال: أَزِفَت تَأْزَف أَزَفًا , وَقد أزف الْأَمر إِذا قرُب , وكاظمين منصوبٌ عَلَى الْحَال , وأصل الكظم: الْحَبْس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 {مَا للظالمين} للْمُشْرِكين {من حميم} أَي: شفيق يحمل عَنْهُمْ من ذنوبهم شَيْئا {وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} أَي: لَا يشفع لَهُم أحدٌ؛ إِنَّمَا الشَّفَاعَة للْمُؤْمِنين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 {يعلم خَائِنَة الْأَعْين} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: نظر الْعين إِلَى مَا نهى عَنْهُ. قَالَ مُحَمَّد: الخائنة والخيانة وَاحِد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} يَعْنِي: أوثانهم {لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ}. تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 21 إِلَى آيَة 25. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 {كَانُوا هم أَشد مِنْهُم} من مُشْركي الْعَرَب {قُوَّة} أَي: بطشًا {وَآثَارًا فِي الأَرْضِ} يَعْنِي: مَا عمِلُوا من الْمَدَائِن وَغَيرهَا من آثَارهم {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} يقيهم من عَذَاب الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 {إِنَّه قوي شَدِيد الْعقَاب} للْمُشْرِكين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} حجَّة بَيِّنَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 {قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَه} أَي: صدقوه {واستحيوا نِسَاءَهُمْ} أَي: لَا تقتلوهن {وَمَا كَيْدُ الْكَافرين إِلَّا فِي ضلال} يذهب فَلَا يكون شَيْئا؛ أَي: فِي الْعَاقِبَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 26 إِلَى آيَة 28. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} يَقُوله لأَصْحَابه؛ أَي: خلوا بيني وَبَينه فَأَقْتُلهُ وَلم يخف أَن يمْتَنع مِنْهُ {وليدع ربه} أَي: وليسْتعن ربه؛ أَي إِن ربه لَا يُغني عَنْهُ شَيْئا {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} قَالَ الْحَسَن: كَانُوا عَبدة أوثان {وَأَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ} يَعْنِي: أَرض مصر {الْفَسَادَ}. ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْن} من قوم فِرْعَوْن {يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} قَالَ الْحَسَن: قد كَانَ مُؤمنا قبل أَن يَأْتِيهم مُوسَى. {وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ من ربكُم}؛ يَعْنِي: الْآيَات الَّتِي جَاءَهُم بهَا مُوسَى. {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} كَانَ مُوسَى يعدهم عَذَاب اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِنْ لَمْ يُؤمنُوا , وَقد كَانَ مُؤمن آل فِرْعَوْن علم أَن مُوسَى عَلَى الْحق. تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 29 إِلَى آيَة 33. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 {ظَاهِرين فِي الأَرْض} يَعْنِي: غَالِبين عَلَى أَرض مصر فِي الْقَهْر لَهُم {فَمَنْ يَنْصُرُنَا} يمنعنا {من بَأْس الله} عَذَابه {إِن جَاءَنَا} يَقُوله عَلَى الِاسْتِفْهَام - أَي: أَنَّهُ لَا يمنعنا مِنْهُ أحد. {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أرى} أَي: مَا أرى لنَفْسي {وَمَا أهديكم إِلَّا سَبِيل الرشاد} يَعْنِي: جحود مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى والتمسُّك بِمَا هُمْ عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَاب} يَعْنِي: مثل عَذَاب الْأُمَم الخالية , ثمَّ أخبر عَن يَوْم الْأَحْزَاب) {فَقَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 2 - ! (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ} الْآيَة الدأْبُ: الْفِعْل؛ الْمَعْنى: إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم مثل عُقُوبَة فعلهم وَهُوَ مَا أهلكهم اللَّه بِهِ. قَالَ محمدٌ: (الدأب) عِنْد أهل اللُّغَة: الْعَادة؛ الْمَعْنى: إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم أَن تُقِيمُوا عَلَى كفركم , فَينزل بكم من الْعَذَاب مثل مَا نزل بالأمم السَّالفة المكذبة رسلهم؛ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ يحيى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} قَالَ قَتَادَة: يَوْم يُنَادي أهل الْجنَّة أهل النَّار أَن قد وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا , وينادي أهل النَّار أهل الْجنَّة أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ. قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ (التناد) مخفَّفة؛ فَهِيَ بِلَا يَاء فِي الْوَصْل وَالْوَقْف , الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 وَقد قُرِئت أَيْضا بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل وَالْوَقْف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 {يَوْم تولون مُدبرين} يَعْنِي: عَن النَّار , أَي فارِّين غير معجزين اللَّه , فِي تَفْسِير مُجَاهِد. تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 34 إِلَى آيَة 37. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ} أَي: من قبل مُوسَى {بِالْبَيِّنَاتِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً} أَي: أَنَّهُ لم يكن برَسُول , فَلَنْ (ل 304) يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِف} مُشْرك {مرتاب} فِي شكّ من الْبَعْث. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 {بِغَيْر سُلْطَان أَتَاهُم} بِغَيْر حجَّة أَتَتْهُم من اللَّه بِعبَادة الْأَوْثَان {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ الله}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 {ابْن لي صرحا} قَالَ الكَلْبي: يَعْنِي: قصرًا {لَعَلِّي أبلغ الْأَسْبَاب} يَعْنِي: الْأَبْوَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 {فَأطلع إِلَى إِلَه مُوسَى} الَّذِي يزْعم {وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا} مَا فِي السَّمَاء أحدٌ تعمد الْكَذِب. قَالَ اللَّه: {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيل} عَن طَرِيق الْهدى {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْن إِلَّا فِي تباب} خسار. تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 38 إِلَى آيَة 40. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} يُسْتمتع بِهِ , ثمَّ يذهب فَيصير الْأَمر إِلَى الْآخِرَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 {من عمل سَيِّئَة} والسيئة هَا هُنَا: الشّرك {فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا} النَّار {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} لَا يقبل اللَّه الْعَمَل الصَّالح إِلَّا من الْمُؤمن. {يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْر حِسَاب} قَالَ السُّدي: يَعْنِي: بِغَيْر متابعةٍ وَلَا مَنِّ عَلَيْهِم فِيمَا يُعْطَوْن. تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 41 إِلَى آيَة 44. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 {مالِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ} إِلَى الْإِيمَان بِاللَّه {وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار} إِلَى الْكفْر الَّذِي يدْخل بِهِ صَاحبه النَّار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 {وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} أَي: لَيْسَ عِنْدِي علمٌ بأنَّ مَعَ اللَّه شَرِيكا , وَلكنه اللَّه وَحده لَا شريك لَهُ {وَأَنَا أدعوكم إِلَى الْعَزِيز الْغفار} لمن آمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 {لاَ جَرَمَ أَنَّ مَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} أَن أعبده {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ} أَي: لَا يُجيب من دَعَاهُ فِي الدُّنْيَا , وَلَا يَنْفَعهُ فِي الْآخِرَة. قَالَ محمدٌ: قد مضى تَفْسِير {لَا جرم}. {وَأَن المسرفين} الْمُشْركين {هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 {فستذكرون مَا أَقُول لكم} إِذا صرتم إِلَى النَّار {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى الله} أَي: أتوكل عَلَى اللَّه {إِنَّ الله بَصِير بالعباد} أَي: بأعمالهم ومصيرهم. تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 45 إِلَى آيَة 48. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} أَي: عصمه من ذَلكَ الْكفْر الَّذِي دَعوه إِلَيْهِ , الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 وَعَصَمَهُ من الْقَتْل والهلاك الَّذِي هَلَكُوا بِهِ {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ} وَجب عَلَيْهِم {سوء الْعَذَاب} يَعْنِي: شدته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 {النَّارِ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: مَا كَانَت الدُّنْيَا. يَحْيَى: عَنْ حَمَّادٍ (عَنْ) أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فِي حَدِيثِ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ " أَنَّهُ أَتَى عَلَى سَابِلَةِ آلِ فِرْعَوْنَ , حَيْثُ يُنْطَلَقُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا؛ فَإِذَا رَأَوْهَا قَالُوا: رَبَّنَا لَا تَقُومَنَّ السَّاعَةُ! لِمَا يَرَوْنَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ". {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أدخلُوا آل فِرْعَوْن} يَعْنِي: أهل مِلَّته , وَفرْعَوْن مَعَهم {أَشَدَّ الْعَذَابِ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء} يَعْنِي: السفلة {للَّذين استكبروا} يَعْنِي: الرؤساء فِي الضَّلَالَة {إِنَّا كُنَّا لكم تبعا} أَي: دعوتمونا إِلَى الضَّلَالَة فأطعناكم {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا} أَي: جُزْءا {من النَّار}. تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 49 إِلَى آيَة 52. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 {ادعوا ربكُم} أَي: سلوه {يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا من الْعَذَاب قَالُوا} يَعْنِي: خَزَنَة جَهَنَّم {أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ} الْآيَة {قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضلال}. يَحْيَى: عَنِ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ , عَن سلميان التَّيْمِيّ قَالَ: " إِن أهل النَّار يدعونَ خَزَنَة النَّار , فَلَا يجيبونهم مِقْدَار أَرْبَعِينَ سنة , ثمَّ يكون جوابهم إيَّاهُم: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 {أَو لم تَكُ تَأْتيكُمْ رسلكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} الْآيَة , ثمَّ ينادون مَالِكًا فَلَا يُجِيبهُمْ مِقْدَار ثَمَانِينَ سنة , ثمَّ يكون جَوَاب مَالك إيَّاهُم: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} ثمَّ يدعونَ رَبهم فَلَا يُجِيبهُمْ مِقْدَار الدُّنْيَا مرَّتَيْنِ ثمَّ يكون جَوَابه إيَّاهُم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تكَلمُون}. (كل كَلَام ذكر فِي الْقُرْآن من كَلَامهم كُله فَهُوَ قبل أَن يَقُولُ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تكَلمُون}) وَقد مضى تَفْسِيره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} يَعْنِي: النَّصْر وَالظفر عَلَى عدوِّهم {وَيَوْم يقوم الأشهاد} يَعْنِي: يَوْم الْقِيَامَة , والأشهاد: الْمَلَائِكَة الحَفَظَةُ يشْهدُونَ للأنبياء بالبلاغ , وَعَلَيْهِم بالتكذيب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 {يَوْم لَا ينفع الظَّالِمين} الْمُشْركين {معذرتهم}. تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 53 إِلَى آيَة 55. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 {وأورثنا بني إِسْرَائِيل الْكتاب} بعد الْقُرُون الأولى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} يَعْنِي: مَا وعده أَن يُعْطِيهِ فِي الْآخِرَة (ل 305) , وَيُعْطِي من آمن بِهِ {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَار} وَهِي صَلَاة مَكَّة قبل أَن تفترض الصَّلَوَات الْخمس حِين كَانَت الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ غَدْوَةً وَرَكْعَتَيْنِ عَشِيَّةً. تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 56 إِلَى آيَة 58. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 {بِغَيْر سُلْطَان أَتَاهُم} بِغَيْر حجَّة أَتَتْهُم {إِنْ فِي صُدُورهمْ} أَي: لَيْسَ فِي صُدُورِهِمْ {إِلا كِبْرٌ مَا هم ببالغيه} يَعْنِي: أملَهم فِي محمدٍ وَأهل دينه أَن يهْلك ويهلكوا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 {لخلق السَّمَاوَات وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} أَي: أَشد , يَعْنِي: شدَّة خلقهَا وكثافتها وعرضها وطولها؛ أَي: فَأنْتم أَيهَا الْمُشْركُونَ تقرون بِأَن اللَّه هُوَ الَّذِي خلقهَا , وتجحدون بِالْبَعْثِ {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} أَنهم مبعوثون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى} الْكَافِر عمي عَن الْهدى {وَالْبَصِيرُ} الْمُؤمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 أبْصر الْهدى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلاَ الْمُسِيءُ} الْمُشرك {قَلِيلاً مَّا يتَذَكَّرُونَ} أَي: أقلهم المتذكر؛ يَعْنِي: من يُؤمن. قَالَ محمدٌ: (وَلا الْمُسِيءُ) الْمَعْنى: والمسيء و (لَا) زَائِدَة. تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 59 إِلَى آيَة 60. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 {إِن السَّاعَة} الْقِيَامَة {لآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا} لَا شكّ فِيهَا {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاس لَا يُؤمنُونَ} بالساعة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} إِلَى قَوْله: {داخرين} يَعْنِي: صاغرين. يَحْيَى: عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ , عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُسْلِمُ مِنْ دُعَائِهِ عَلَى إِحْدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَنْ يُعْطَى مَسْأَلَتَهُ وَإِمَّا أَنْ يُعْطَى مِثْلَهَا مِنَ الْخَيْرِ , وَإِمَّا أَنْ يُصْرَفَ عَنْهُ مِثْلَهَا مِنَ الشَّرِّ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ يَسْتَعْجِلُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ ذَلكَ قَالَ: " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ , كَيْفَ يَسْتَعْجِلُ؟ قَالَ: يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ اللَّهَ فَمَا أَجَابَنِي وَسَأَلْتُهُ فَمَا أَعْطَانِي الله ". تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 61 إِلَى آيَة 65. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} يَعْنِي: تستقروا من النصب {وَالنَّهَار مبصرا} أَي: مضيئًا {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يشكرون} لَا يُؤمنُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 {فَأنى تؤفكون} فَكيف تصرفون عَن الْهدى؟! الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 {كَذَلِك يؤفك} يصرف {الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 {اللَّهُ الَّذِي خلَقَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا} مثل قَوْله: {بساطا} و {مهادا} {وَالسَّمَاء بِنَاء} كَقَوْلِه: {وَالسَّمَاء بنيناها بأيد}. قَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ مَا ارْتَفَعَ عَلَى الأَرْض فالعرب تسميه بِنَاء. {وصوركم فَأحْسن صوركُمْ} أَي: جعل صوركُمْ أحسن من صور الْبَهَائِم وَالطير. {وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَات} قَالَ السُّدي: يَقُولُ جعل رزقكم أَطْيَبَ مِنْ رِزْقِ الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ وَالْجِنّ {فَتَبَارَكَ الله} تبَارك من الْبركَة. تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 66 إِلَى آيَة 68. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} يَعْنِي: خلق آدم {ثُمَّ مِنْ نُطْفَة} نسل آدم {ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} الِاحْتِلَام {ثمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا} يَعْنِي: من يبلغ حَتَّى يكون شَيخا {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى} مِنْ قَبْلُ أَن يكون شَيخا {وَلِتَبْلُغُوا أَجَلا مُسَمّى} الْمَوْت {ولعلكم تعقلون} لكَي تعقلوا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 69 إِلَى آيَة 77. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات الله} يَعْنِي: يجحدون بآيَات اللَّه {أَنَّى يصرفون} كَيفَ يصرفون عَنْهَا؟! {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يسْحَبُونَ} تسحبهم الْمَلَائِكَة؛ أَي: تجرُّهم عَلَى وُجُوههم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 {فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يسجرون} أَي: توقد بهم النَّار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} كَقَوْلِه: {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ من دون الله} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 {قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بل لم نَكُنْ ندعوا من قبل شَيْئا} ينفعنا وَلَا يضرنا , قَالَ اللَّه: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 ثمَّ رَجَعَ إِلَى قصَّتهم فَقَالَ: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تمرحون} الْفَرح والمرح وَاحِد؛ أَي: بِمَا كُنْتُم بطرين أشرين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 {فبئس مثوى} منزل {المتكبرين}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} من الْعَذَاب {أَو نتوفينك} فَيكون بعد وفاتك {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} يَوْم الْقِيَامَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 78 إِلَى آيَة 81. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَ بِإِذْنِ اللَّهِ} أَي: حَتَّى يَأْذَن اللَّه لَهُ فِيهَا , وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا يسْأَلُون النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يَأْتِيهم بِآيَة وَأَن الْآيَة إِذا جَاءَت فَلم يُؤمن الْقَوْم أهلكهم اللَّه. قَالَ: {فَإِذَا جَاءَ أَمر الله} قَضَاؤُهُ {قضي بِالْحَقِّ} أَي: أهلكهم اللَّه بتكذيبهم {وَخَسِرَ هُنَالك المبطلون} [حِين جَاءَهُم] (ل 306) الْعَذَاب {المبطلون} الْمُشْركُونَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 {وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَة فِي صدوركم} يَعْنِي: الْإِبِل وَالْحَاجة: السّفر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 {ويريكم آيَاته} يَعْنِي: من السَّمَاء وَالْأَرْض , وَالْخَلَائِق وَمَا فِي أَنفسكُم من الْآيَات , وَمَا سخر لكم من شيءٍ {فَأَي آيَات الله تنكرون} أَنه لَيْسَ من خلقه. تَفْسِير سُورَة غَافِر من الْآيَة 82 إِلَى آيَة 85. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 {فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} يَعْنِي: علمهمْ عِنْد أنفسهم هُوَ قَوْلهم لن نبعث وَلنْ نعذب {وحاق بهم} وَجب عَلَيْهِم {مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} أَي: عِقَاب استهزائهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 {فَلَمَّا رَأَوْا بأسنا} عذابنا فِي الدُّنْيَا {قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكين} أَي: بِمَا كُنَّا بِهِ مُصدقين من الشّرك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 قَالَ اللَّه: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانهم لما رَأَوْا بأسنا} عذابنا {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خلت فِي عباده} الْمُشْركين أَنهم إِذا كذبُوا رسلهم أهلكهم بِالْعَذَابِ , وَلَا يقبل إِيمَانهم عِنْد نزُول الْعَذَاب , قَالَ: {وخسر هُنَالك الْكَافِرُونَ}. قَالَ مُحَمَّد: {سنة الله} منصوبٌ عَلَى معنى: سنّ اللَّه هَذِه السنةَ فِي الْأُمَم كلهَا؛ أَلا يَنْفَعهُمْ الْإِيمَان إِذا رَأَوْا الْعَذَاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 32 S تَفْسِير (حم السَّجْدَة) وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة 1 إِلَى آيَة 7. الحديث: 32 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 قَوْله: {تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم} يَعْنِي: الْقُرْآن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 {كتاب فصلت} أَي: فسرت {آيَاتُهُ} بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ , وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ {قُرْآنًا عَرَبيا لقوم يعلمُونَ} يُؤمنُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 {بشيرا} بِالْجنَّةِ {وَنَذِيرا} من النَّار. قَالَ مُحَمَّد: {تَنْزِيل} رفع بِالِابْتِدَاءِ , وَخَبره {كتاب} وَجَائِز أَن يرفع بإضمار هَذَا تَنْزِيل و {قُرْآنًا عَرَبيا} نصْبٌ عَلَى الْحَال. {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ} أَي: عَنْهُ {فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} الْهدى؛ سمع قبُول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 {وَقَالُوا قُلُوبنَا فِي أكنة} أَي: فِي غُلُفٍ {مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} يَا محمدُ؛ فَلَا نعقله {وَفِي آذاننا وقر} صَمَمٌ عَنْهُ فَلَا نَسْمَعهُ (وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 حِجَابٌ} فَلَا نفقه مَا تَقُولُ {فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ}؛ أَي: اعْمَلْ بِدينِك؛ فَإنَّا عاملون بديننا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 قَالَ الله للنَّبِي: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} غير أَنَّهُ يُوحى إليَّ {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ} أَي: فوحدوه {وَاسْتَغْفِرُوهُ} من الشّرك {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ} فِي النَّار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 {الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} أَي: لَا يوحدون الله. تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة 8 إِلَى آيَة 11. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} تَفْسِير الْحَسَن: أَي لَا يمنُّ عَلَيْهِم من أَذَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} يَقُوله عَلَى الِاسْتِفْهَام؛ أَي: قد فَعلْتُمْ {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا} أعدالًا تعدلونهم بِهِ؛ فتعبدونهم دونه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا} يَعْنِي: فَوق الأَرْض , والرواسي: الْجبَال حَتَّى لَا تحرّك بكم {وَبَارَكَ فِيهَا} أَي: جعل فِيهَا الْبركَة؛ يَعْنِي: الأرزاق {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} أرزاقها {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} فِي تَتِمَّة أَرْبَعَة أَيَّام , يَعْنِي: خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ , وأقواتها فِي يَوْمَيْنِ , ثمَّ جمع الْأَرْبَعَة الْأَيَّام فَقَالَ: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ} يَعْنِي: لمن كَانَ سَائِلًا عَن ذَلكَ , وَهِي تقْرَأ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 (فِي أَرْبَعَة أَيَّام سواءٍ) أَي: مستوياتٍ , يَعْنِي: الْأَيَّام. قَالَ محمدٌ: من نصب {سَوَاء} فعلى الْمصدر اسْتَوَت اسْتِوَاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} قَالَ محمدٌ: يَعْنِي: عمد لَهَا وَقصد {وَهِي دُخان} ملتصقة بِالْأَرْضِ؛ فِي تَفْسِير الْحَسَن {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَو كرها} عَلَى وجْه السخرة وَالْقُدْرَة؛ قَالَ هَذَا لَهما قبل خلقه إيَّاهُمَا {قَالَتَا أَتَيْنَا طائعين} يَعْنِي: بِمَا فيهمَا. قَالَ محمدٌ: {طَوْعًا أَو كرها} بِمَنْزِلَة: أطيعا طَاعَة، أَو تكرهان كرها. تَفْسِير سُورَة فصلت الْآيَة 12. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 {فقضاهن} يَعْنِي: خَلقهنَّ {سبع سماوات} فِي يَوْمَيْنِ {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أمرهَا} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: أمره الَّذِي جعل فِيهَا مِمَّا أَرَادَ {وزينا السَّمَاء الدُّنْيَا بمصابيح} يَعْنِي: النُّجُوم {وحفظا} أَي: جعلنَا النُّجُوم حفظا للسماء من الشَّيَاطِين لَا يسمعُونَ الْوَحْي , وَذَلِكَ بعد بعث محمدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة 13 إِلَى آيَة 16. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 {فَإِن أَعرضُوا} يَعْنِي: الْمُشْركين {فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مثل صَاعِقَة عَاد وَثَمُود} يَعْنِي: الْعَذَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْديهم وَمن خَلفهم} أَي: أنذروهم عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة. {قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأنزل مَلَائِكَة} أَي: يخبروننا أَنكُمْ رسل اللَّه؛ يَقُوله كل قوم لرسولهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 قَالَ الله: (ل 307) {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ منا قُوَّة} عجبوا من شدتهم، قَالَ اللَّه {أَو لم يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا صَرْصَرًا} يَعْنِي: شَدِيدَة الْبرد؛ وَهِي الدبور. قَالَ مُحَمَّد: الصرصر: الشَّدِيدَة الْبرد الَّتِي لَهَا صوتٌ , وَهِي الصَّرَّة أَيْضا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 {فِي أَيَّام نحسات} أَي: مشئومات , وَهِي الثَّمَانِية الْأَيَّام الَّتِي فِي الحاقة , كَانَ أَولهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء إِلَى الْأَرْبَعَاء الآخر. قَالَ محمدٌ: قِرَاءَة نَافِع (نحْسات) بتسكين الْحَاء , وَاحِدهَا نَحْسٌ الْمَعْنى: هِيَ نحسات عَلَيْهِم. تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة 17 إِلَى آيَة 20. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 {وَأما ثَمُود فهديناهم} أَي: بيَّنا لَهُم سَبِيل الْهدى وسبيل الضلال {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهدى} أَي: اخْتَارُوا الضَّلَالَة عَلَى الْهدى {فَأَخَذتهم صَاعِقَة الْعَذَاب الْهون} من: الهوان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 {فهم يُوزعُونَ} قَالَ قَتَادَةُ: لَهُمْ وَزَعَةٌ تَرُدُّ أولاهم عَلَى أخراهم. قَالَ محمدٌ: وأصل الْكَلِمَة من: وزعته إِذا كففته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 {يَوْم يشَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ} جوارحهم. قَالَ محمدٌ: وأصل الْكَلِمَة: أَن الْجُلُود كنايةٌ عَن الْفروج. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة 21 إِلَى آيَة 24. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} انْقَطع ذكر كَلَامهم هَا هُنَا , قَالَ اللَّه: {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مرّة} يَقُوله للأحياء {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 {وَمَا كُنْتُم تستترون} أَي: تَتَّقُون؛ فِي تَفْسِير مُجَاهِد {أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ} حسبتم {أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كثيرا مِمَّا تَعْمَلُونَ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أرداكم} أهلككم {فأصبحتم} يَعْنِي: فصرتم {مِنَ الْخَاسِرِينَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 {وَإِن يستعتبوا} أَي: يطلبوا إِلَى اللَّه أَن يخرجهم من النَّار؛ فيردّهم إِلَى الدُّنْيَا ليؤمنوا {فَمَا هُمْ مِنَ المعتبين} أَي: لَا يستعتبون. تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة 25 إِلَى آيَة 29. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 {وقيضنا لَهُم قرناء} يَعْنِي: شياطين {فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم} قَالَ الْحَسَن: مَا بَين أَيْديهم , يَعْنِي: حب مَا كَانَ عَلَيْهِ آباؤهم من الشّرك وتكذيبهم الرُّسُل، وَمَا خَلفهم: تكذيبهم بِالْبَعْثِ {وَحَقَّ عَلَيْهِم القَوْل} أَي: وَجب عَلَيْهِم الْغَضَب؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة {فِي أُمَمٍ قَدْ خلت من قبلهم} أَي: مَعَ أُمَم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 {لَا تَسْمَعُوا لهَذَا الْقُرْآن والغوا فِيهِ} قَالَ السُّدي: نزلت فِي أَبِي جهل بْن هِشَام كَانَ يَقُولُ لأَصْحَابه: إِذا سَمِعْتُمْ قِرَاءَة محمدٍ؛ فارفعوا أَصْوَاتكُم بالأشعار حَتَّى تَلْتَبِس عَلَى محمدٍ قِرَاءَته {لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} لَعَلَّ دينكُمْ يغلب دين محمدٍ. قَالَ محمدٌ: اللَّغْو فِي اللُّغَة: الْكَلَام الَّذِي لَا يحصل مِنْهُ على نفع وَلَا على فَائِدَة، وَلَا تفهم حَقِيقَته، يُقَال مِنْهُ لَغَا، وَفِيه لُغَة أُخْرَى: لغي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 {وَقَالَ الَّذين كفرُوا} فِي النَّار {رَبنَا أرنا} يَعْنِي: الرُّؤْيَة , وَمن قَرَأَهَا (أرنا) بتسكين الرَّاء، فَالْمَعْنى: أعطنا {الَّذَيْنِ أضلانا من الْجِنّ وَالْإِنْس} يعنون إِبْلِيس , وَقَاتل ابْن آدم الَّذِي قتل أَخَاهُ {نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أقدامنا ليكونا من الأسفلين} فِي النَّار يَقُولُونَ ذَلِك من شدَّة الغيظ عَلَيْهِم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة 30 إِلَى آيَة 32. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} مُخلصين لَهُ {ثمَّ استقاموا} عَلَيْهَا {تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة} عِنْد الْمَوْت {أَلا تخافوا} الْآيَة. تَفْسِير الْحسن: أَن قَول الْمَلَائِكَة لَهُم: لَا تخافوا وَلَا تحزنوا؛ تستقبلهم بِهَذَا إِذا خَرجُوا من قُبُورهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أَي: نَحن كُنَّا أولياءكم إِذْ كُنْتُم فِي الدُّنْيَا , وَنحن أولياؤكم فِي الْآخِرَة , قَالَ بَعضهم: هم الْمَلَائِكَة الَّذين كَانُوا يَكْتُبُونَ أَعْمَالهم {وَلكم فِيهَا مَا تدعون} أَي: مَا تشتهون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 {نزلا من غَفُور رَحِيم}. قَالَ مُحَمَّد: (نزلا) مَنْصُوب بِمَعْنى أَبْشِرُوا بِالْجنَّةِ تنزلونها نزلا , وَمعنى نزلا: رزقا. تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة 33 إِلَى آيَة 38. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 {وَمن أحسن قولا} الْآيَة , وَهَذَا على الِاسْتِفْهَام؛ أَي: لَا أحد أحسن قولا مِنْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} الْحَسَنَة فِي هَذَا الْموضع الْعَفو والصفح , والسيئة مَا يكون بَين النَّاس من الشتم والبغضاء. قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: وَلَا تستوي الْحَسَنَة والسيئة و (لَا) زَائِدَة. {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (ل 308) يَقُولُ: ادْفَعْ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ الْقَوْلَ الْقَبِيح والأذى , كَانَ ذَلِك فِيمَا بَينهم وَبَين الْمُشْركين قبل أَن يؤمروا بقتالهم. يَحْيَى: عَنْ فِطْرٍ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ , عَنِ أَبِي الأَحْوَصِ , عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " قلت: يَا رَسُول الله , إِنَّ لِي جَارًا وَإِنَّهُ يُسِيءُ مُجَاوَرَتِي؛ أَفَأَفْعَلُ بِهِ كَمَا يَفْعَلُ بِي؟ قَالَ: لَا , إِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ ولي حميم} أَي: قريب قرَابَته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا} فَيَقُول: لَا يعْفُو الْعَفو الَّذِي يقبله الله إِلَّا أهل الْجنَّة , وَهِي الْحَظ الْعَظِيم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} قَالَ قَتَادَة: النزغ: الْغَضَب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 {وَمن آيَاته} من عَلَامَات توحيده {اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلقهنَّ} خلق آيَاته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 {فَإِن استكبروا} يَعْنِي: الْمُشْركين عَن السُّجُود لله {فَالَّذِينَ عِنْد رَبك} يَعْنِي: الْمَلَائِكَة {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وهم لَا يسأمون} أَي: يملون. قَالَ (مجاهدٌ): سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن السَّجْدَة فِي " حم " فَقَالَ: اسجدوا بِالآخِرَة من الْآيَتَيْنِ. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَلَيْسَ فِي الْمفصل سُجُود. تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة 39 إِلَى آيَة 42. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 قَوْله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْض خاشعة} يَعْنِي: غبراء متهشمة {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاء اهتزت وربت} يَعْنِي: انتفخت [فِيهَا تَقْدِيم {ربت}] للنبات {واهتزت} بنباتها إِذا أنبتت {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لمحيي الْمَوْتَى} وَهَذَا مثل للبعث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا} قَالَ الْكَلْبِيّ: يَعْنِي: يميلون إِلَى غير الْحق. قَالَ محمدٌ: معنى يلحدون يجْعَلُونَ الْكَلَام على غير جِهَته , وَهُوَ مَذْهَب الْكَلْبِيّ , وَمن هَذَا اللَّحْد؛ لِأَنَّهُ الْحفر فِي جَانب الْقَبْر , يُقَال: لحد وألحد [بِمَعْنى] وَاحِد. {أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أمَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أَي إِن الَّذِي يَأْتِي آمنا خير {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} وَهَذَا وَعِيد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 {إِن الَّذين كفرُوا بِالذكر} يَعْنِي: الْقُرْآن. {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} أَي: منيع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل} يَعْنِي: إِبْلِيس {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه} تَفْسِير الْكَلْبِيّ {لَا يَأْتِيهِ من بَين يَدَيْهِ} يَعْنِي: من قبل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 التَّوْرَاة، وَلَا من قبل الْإِنْجِيل وَلَا الزبُور، لَيْسَ مِنْهَا شَيْء يكذب بِالْقُرْآنِ وَلَا يُبطلهُ {وَلا من خَلفه} لَا يَأْتِيهِ من بعده كتاب يُبطلهُ {تَنْزِيل من حَكِيم} فِي أمره {حميد} استحمد إِلَى خلقه؛ أَي: اسْتوْجبَ عَلَيْهِم أَن يحمدوه. تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة 43 إِلَى آيَة 46. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 {مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} يَعْنِي: مَا قَالَ لَهُم قَومهمْ من الْأَذَى , كَانُوا يَقُولُونَ للرسول: إِنَّكَ مَجْنُونٌ , وَإِنَّكَ سَاحِرٌ , وَإِنَّكَ كَاذِب {إِن رَبك لذُو مغْفرَة} لمن آمن {وَذُو عِقَاب} لمن لم يُؤمن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 {وَلَو جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعجميا لقالوا لَوْلَا} هلا {فصلت آيَاته} أَي: بيّنت {أعجمي وعربي} أَي: بالعجمية والعربية على مقرأ من قَرَأَهَا بِغَيْر اسْتِفْهَام وَمن قَرَأَهَا على الِاسْتِفْهَام مدّها {أعجمي وعربي} أَي: لقالوا: كتاب أعجمي (وَنَبِي) عَرَبِيّ يحتجون بذلك؛ أَي: كَيفَ يكون هَذَا؟! الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 قَالَ محمدٌ: من قَرَأَهَا بِلَا مدٍّ فَالْمَعْنى: جعل بعضه بَيَانا للعجم , وَبَعضه بَيَانا للْعَرَب. قَالَ الله: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هدى وشفاء} لصدورهم يشفيهم مِمَّا كَانُوا فِيهِ من الشَّك والشرك {وَالَّذِينَ لَا يُؤمنُونَ فِي آذانهم وقر} أَي: صممٌ عَن الْإِيمَان {وَهُوَ عَلَيْهِم عمى} [يزدادون عمى] إِلَى عماهم إِذْ لم يُؤمنُوا {أُولَئِكَ ينادون} بِالْإِيمَان {من مَكَان بعيد} تَفْسِير بَعضهم [بعيد من] قُلُوبهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب} التَّوْرَاة {فَاخْتُلِفَ فِيهِ} عمل بِهِ قوم , وَكفر بِهِ قَوْمٌ {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبك} أَلا يُحَاسِبَ بِحِسَابِ الآخِرَةِ فِي الدُّنْيَا لحاسبهم فِي الدُّنْيَا , فَأَدْخَلَ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجنَّة , وَأهل النَّار النارَ , وَهَذَا تَفْسِير الْحسن {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ} من الْعَذَاب {مريب} من الرِّيبَة. تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة 47 إِلَى آيَة 50. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا} تَفْسِير الْحسن هَذَا فِي النّخل خَاصَّة حِين (ل 309) يطلع لَا يعلم أحدٌ كَيفَ يُخرجهُ الله {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ} (يَقُول: لَا يعلم وَقت قيام السَّاعَة , وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا , وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تضع؛ إِلَّا هُوَ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ). قَالَ مُحَمَّدٌ: الِاخْتِيَار فِي الْقِرَاءَة " وَمَا يخرج " بِالْيَاءِ؛ لِأَن مَا ذكر مُذَكّر , الْمَعْنى: وَالَّذِي يخرج. قَوْله: {مِنْ أكمامها} يَعْنِي: الْمَوَاضِع الَّتِي كَانَت فِيهِ مستترة , وغلاف كل شَيْء كُمُّه , وَمن هَذَا قيل: كم الْقَمِيص. {وَيَوْم يناديهم} يَعْنِي: الْمُشْركين {أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذين زعمتم} أَنهم شركائي {قَالُوا آذَنَّاكَ} سمعناك {مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ} يشْهد الْيَوْم أَن مَعَك آلِهَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 قَالَ الله: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يدعونَ من قبل} فِي الدُّنْيَا؛ ضلت عَنْهُم أوثانهم الَّتِي كَانُوا يعْبدُونَ , فَلَنْ تَسْتَجِيب لَهُم. قَالَ مُحَمَّد: (آذناك) حَقِيقَته فِي اللُّغَة: أعلمناك. {وَظَنُّوا} علمُوا {مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} من ملْجأ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 {لَا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْر} أَي: لَا يملُّ {وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} فالخير عِنْد الْمُشرك: الدُّنْيَا وَالصِّحَّة فِيهَا والرخاء {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ} فِي ذهَاب مالٍ، أَو مرضٍ لم تكن لَهُ حِسْبة , وَلم يرجُ ثَوابًا فِي الْآخِرَة , وَلَا أَن يرجع إِلَى مَا كَانَ فِيهِ من الرخَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 {وَلَئِن أذقناه رَحْمَة} يَعْنِي: رخاء وعافية {مِنْ بَعْدِ ضراء} أَي: شدَّة {مسته} فِي ذهَاب مالٍ , أَو مرضٍ {ليَقُولن هَذَا لي} أَي: بعلمي , وَأَنا محقوق بِهَذَا! {وَمَا أَظن السَّاعَة قَائِمَة} أَي: لَيست بقائمة {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي} كَمَا يَقُولُونَ {إِنَّ لِي عِنْدَهُ للحسنى} للجنة؛ إِن كَانَت جنَّة. تَفْسِير سُورَة فصلت من الْآيَة 51 إِلَى آيَة 54. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ ونأى بجانبه} أَي: تبَاعد {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ} الضّر {فذو دُعَاء عريض} أَي: كَبِير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْد الله} يَعْنِي: الْقُرْآن {ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شقَاق} فِي فِرَاق للنَّبِي وَمَا جَاءَ بِهِ {بعيد} من الْحق , أَي: لَا أحد أضلّ مِنْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أنفسهم} قَالَ الْحسن: يَعْنِي: مَا أهلك بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 الْأُمَم السالفة فِي الْبلدَانِ , فقد رَأَوْا آثَار ذَلِك {وَفِي أَنْفُسِهِمْ} أخبر بِأَنَّهُم تصيبهم البلايا , فَكَانَ ذَلِك كَمَا قَالَ فأظهره الله عَلَيْهِم , وابتلاهم بِمَا ابْتَلَاهُم بِهِ. قَالَ يحيى: يَعْنِي: من الْجُوع بِمَكَّة , وَالسيف يَوْم بدر. {حَتَّى يتَبَيَّن لَهُم أَنه الْحق} يَعْنِي: الْقُرْآن {أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أَي: شاهدٌ على كفرهم وأعمالهم , أَي: بلَى كفى بِهِ شَهِيدا عَلَيْهِم. قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: أَو لم يكف [بِرَبِّك]. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 {أَلا إِنَّهُم فِي مرية} فِي شكٍّ {مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ} يَقُولُونَ: لَا نبعث وَلَا نلقى الله {أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ} أحَاط علمه بِكُل شيءٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 S42 تَفْسِير سُورَة " حم عسق " وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الشورى من الْآيَة 1 إِلَى آيَة 6. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 قَوْله: {حم عسق} قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي حُرُوفِ المعجم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 {كَذَلِك يوحي إِلَيْك} أَي: هَكَذَا يوحي إِلَيْك {وَإِلَى الَّذين من قبلك} من الْأَنْبِيَاء {الله الْعَزِيز} فِي نقمته {الْحَكِيم} فِي أمره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 {يَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ} أَي: يتشققن {من فوقهن} يَعْنِي: من مَخَافَة من فوقهن , وَبَلغنِي أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يقْرؤهَا {ينْفَطِرْنَ من فوقهن}. {وَيَسْتَغْفِرُونَ لمن فِي الأَرْض} أَي: من الْمُؤمنِينَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} يَعْنِي: آلِهَة يعبدونها من دون الله (الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} أَي: يحفظُ عَلَيْهِم أَعْمَالهم؛ حَتَّى يجازيهم بهَا {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} بحفيظ تحاسبهم وتجازيهم بأعمالهم. تَفْسِير سُورَة الشورى من الْآيَة 7 إِلَى آيَة 10. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 {لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى} مكَّة مِنْهَا دُحِيتِ الأرضُ {وَمَنْ حَوْلَهَا} يَعْنِي: الْآفَاق كلهَا {وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ} يَوْم الْقِيَامَة؛ يجْتَمع فِيهِ الْخَلَائق: أهل السَّمَاوَات، وَأهل الأَرْض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 {وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} {على الْإِيمَان} (وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ} يَعْنِي: فِي دينه؛ وَهُوَ الْإِسْلَام {وَالظَّالِمُونَ} {الْمُشْركُونَ} (مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ} يمنعهُم (ل 310) من عَذَاب الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء} أَي: قد فعلوا {فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} يَعْنِي: الرب دون الْأَوْثَان {وَهُوَ يُحْيِي المَوْتَى} وأوثانهم لَا تحيي الْمَوْتَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ} يَعْنِي: مَا اختلفتم فِيهِ من الْكفْر وَالْإِيمَان {فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} فَيُدْخِلُ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلُ الْمُشْرِكِينَ النَّار {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي} يَقُولُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قل لَهُم: ذَلِكُم الله رَبِّي. قَالَ محمدٌ: ذكر ابْنُ مُجَاهِد أَن الْيَاء ثَابِتَة فِي {رَبِّي} لِأَنَّهَا إِضَافَة قَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 وَلم يخْتَلف القراءُ فِي ثُبُوتهَا. تَفْسِير سُورَة الشورى من الْآيَة 11 إِلَى آيَة 13. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} يَعْنِي: النِّسَاء. {وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا} ذكرا وَأُنْثَى، الْوَاحِد مِنْهَا زوجٌ. {يذرؤكم فِيهِ} أَي: يخلقكم فِيهِ نَسْلًا بعد نسل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. قَالَ محمدٌ: هَذِه الْكَاف مُؤَكدَة؛ الْمَعْنى: لَيْسَ مثله شَيْء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 {لَهُ مقاليد} مَفَاتِيح؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 {شرع لكم} أَي: فرض؛ فِي تَفْسِير الْحسن {مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ} مَا أَمر بِهِ {نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ} أمرنَا بِهِ (إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ} يَعْنِي: الْإِسْلَام. {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} من عبَادَة الله وَترك عبَادَة الْأَوْثَان. {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء} أَي: يخْتَار لنَفسِهِ؛ يَعْنِي: الْأَنْبِيَاء {وَيَهْدِي إِلَيْهِ} إِلَى دينه {مَن يُنِيبُ} من يخلص لَهُ. تَفْسِير سُورَة الشورى من الْآيَة 14 إِلَى آيَة 15. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 {وَمَا تَفَرَّقُوا} يَعْنِي: أهل الْكتاب {إِلاَ مِن بَعْدِ مَا جَآءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} أَي: حسدا فِيمَا بَينهم , أَرَادوا الدُّنْيَا ورخاءها؛ فغيّروا كِتَابهمْ، فأحلوا فِيهِ مَا شَاءُوا وحرموا مَا شَاءُوا، فترأَّسوا على النَّاس يستأكلونهم؛ فاتبعوهم على ذَلِك. قَالَ محمدٌ: قَوْله: {إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُم الْعلم} الْمَعْنى إِلَّا عَن علم بِأَن الْفرْقَة ضَلَالَة، وَلَكنهُمْ فعلوا ذَلِك بغيًا؛ أَي: للبغي. {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} يَعْنِي: الْقِيَامَة أُخروا إِلَيْهَا {لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ} فِي الدُّنْيَا؛ فأَدْخَلَ الْمُؤمنِينَ الْجنَّة , وَأدْخل الْكَافرين النَّار {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ} يَعْنِي: الْيَهُود وَالنَّصَارَى من بعد اوائلهم {لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ} {من الْقُرْآن} (مُرِيبٍ} من الرِّيبَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 {فَلِذَلِكَ} لما شكوا فِيهِ وارتابوا من الْإِسْلَام وَالْقُرْآن {فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} على الْإِسْلَام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 {وَأمرت لأعدل بَيْنكُم} أَي: لَا نظلم مِنْكُم أحدا {لَا حجَّة بَيْننَا وَبَيْنكُم} تَفْسِير مُجَاهِد: لَا خُصُومَة بَيْننَا وَبَيْنكُم فِي الدُّنْيَا {اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْننَا} يَوْم الْقِيَامَة {وَإِلَيْهِ الْمصير} المرْجع؛ نَجْتَمِع عِنْده فيجزينا ويجزيكم. تَفْسِير سُورَة الشورى من الْآيَة 16 إِلَى آيَة 18. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 {وَالَّذين يحاجون فِي الله} يَعْنِي: الْمُشْركين؛ يحاجون الْمُؤمنِينَ {مِنْ بعد مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} يَعْنِي: من بعد مَا اسْتَجَابَ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ {حجتهم} خصومتهم {داحضة} بَاطِلَة {عِنْد رَبهم} قَالَ مجاهدٌ: طَمِع رجالٌ بِأَن تعود الْجَاهِلِيَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 {الله الَّذِي أنزل الْكتاب} الْقُرْآن {بِالْحَقِّ وَالْمِيزَان} يَعْنِي: الْعدْل {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَة قريب}. قَالَ مُحَمَّد: {قريب} يجوز أَن يكون على معنى: لَعَلَّ مجيءَ السَّاعَة قريبٌ , وَقد يكون بِمَعْنى: لَعَلَّ الْبَعْث قريب. وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بهَا} استهزاءً وتكذيبًا {وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا} أَي: خائفون {أَلا إِنَّ الَّذِينَ يمارون فِي السَّاعَة} يكذبُون بهَا {لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} من الْحق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 تَفْسِير سُورَة الشورى من الْآيَة 19 إِلَى آيَة 22. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 {الله لطيف بعباده} أَي: فبلطفه وَرَحمته خُلِقَ الْكَافِر ورزق وعوفي وَاقْبَلْ وَأدبر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ} يَعْنِي: الْعَمَل الصَّالح {نَزِدْ لَهُ فِي حرثه} وَهُوَ تَضْعِيف الْحَسَنَات؛ فِي تَفْسِير الْحسن {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة} يَعْنِي: فِي الْجنَّة {مِنْ نَصِيبٍ} وَهُوَ الْمُشْرِكُ لَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا وَقَوله: {نؤته مِنْهَا} يَعْنِي: من الدُّنْيَا وَلَيْسَ كل مَا أَرَادَ من الدُّنْيَا , لَا يُؤْتى , كَقَوْلِه {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نشَاء لمن نُرِيد}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله} هَذَا على (ل 311) الِاسْتِفْهَام - أَي: نعم لَهُم شُرَكَاء؛ يَعْنِي: الشَّيَاطِين - جعلوهم شُرَكَاء فعبدوهم؛ لأَنهم دعوهم إِلَى عبَادَة الْأَوْثَان {وَلَوْلَا كلمة الْفَصْل} لَا يعذب بِعَذَاب الْآخِرَة فِي الدُّنْيَا {لقضي بَينهم} فَأدْخل الْمُؤمنِينَ الْجنَّة , الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 وَأدْخل الْمُشْركين النَّار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 {ترى الظَّالِمين} الْمُشْركين {مشفقين} خَائِفين {مِمَّا كسبوا} عمِلُوا فِي الدُّنْيَا {وَهُوَ وَاقِعٌ بهم} أَي: الَّذِي خَافُوا مِنْهُ - من عَذَاب الله. تَفْسِير سُورَة الشورى من الْآيَة 23 إِلَى آيَة 26. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذين آمنُوا} يبشرهم فِي الدُّنْيَا بروضات الجنات. {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} تَفْسِير الْحسن قَالَ: إِلَّا أَن يتقربوا إِلَى الله بِالْعَمَلِ الصَّالح. قَالَ يحيى: كَقَوْلِه {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَا شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا} بِطَاعَتِهِ. {وَمن يقترف} أَي: يعْمل {حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حسنا} يَعْنِي: تَضْعِيف الْحَسَنَات {إِنَّ اللَّهَ غَفُور} للذنب {شكور} للْعَمَل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 {أم يَقُولُونَ افترى} مُحَمَّد {على الله كذبا} أَي: قد قَالُوهُ {فَإِنْ يَشَإِ الله يخْتم على قَلْبك} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 فَيذْهب عَنْك النُّبُوَّة الَّتِي أعطاكها , هَذَا على الْقُدْرَة؛ وَلَا ينتزع مِنْهُ النُّبُوَّة {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِل} فَلَا يَجْعَل لأَهله فِي عاقبته خيرا {ويحق الله الْحق بكلماته} فينصر النَّبِي وَالْمُؤمنِينَ. قَالَ محمدٌ: {ويمحوا} الْوُقُوف عَلَيْهَا بواو وَألف , الْمَعْنى: وَالله يمحو الْبَاطِل على كل حالٍ , وكُتبت فِي الْمُصحف بِغَيْر وَاو؛ لِأَن الْوَاو تسْقط فِي اللَّفْظ؛ لالتقاء الساكنين على الْوَصْل , وَلَفظ الْوَاو ثَابت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عباده} إِذا تَابُوا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 {ويستجيب الَّذين آمنُوا} أَي: يستجيبون لرَبهم يُؤمنُونَ بِهِ {ويزيدهم من فَضله} يَعْنِي: تَضْعِيف الْحَسَنَات. تَفْسِير سُورَة الشورى من الْآيَة 27 إِلَى آيَة 31. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 {وَلَو بسط الله الرزق} الْآيَة. يَحْيَى: عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: " إِنَّ هَذَا الرِّزْقَ يَتَنَزَّلُ مِنَ السَّمَاءِ كَقَطْرِ الْمَطَرِ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كتب الله لَهَا ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 {وَهُوَ الَّذِي ينزل الْغَيْث} الْمَطَر {مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} يئسوا (وَيَنشُرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 رَحْمَتَهُ} وَهُوَ الْمَطَر {وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} الرب المستحمد إِلَى خلقه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ} يَعْنِي: أَنه يجمعهُمْ يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} فبمَا عملت أَيْدِيكُم {وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}. قَالَ محمدٌ: قَرَأَ يحيى {فَبِمَا} وَأهل الْمَدِينَة يقرءُون {بِمَا} بِغَيْر فَاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 {وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ} يَقُوله للْمُشْرِكين مَا أَنْتُم بسابقي الله حَتَّى لَا يبعثكم ثمَّ يعذبكم {وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ} يمنعكم من عَذَابه {وَلاَ نَصِيرٍ} ينتصر لكم. تَفْسِير سُورَة الشورى من الْآيَة 32 إِلَى آيَة 39. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ} السفن {فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلاَمِ} كالجبال. قَالَ محمدٌ: ذكر ابْن مُجَاهِد أَن نَافِعًا قَرَأَ {الْجَوَارِي} بياء فِي الْوَصْل وَبِغير يَاء فِي الْوَقْف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 {إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّياحَ فَيَظْلَلْنَ} يَعْنِي: السفن {رواكد} سواكن {على ظَهره} على ظهر الْبَحْر {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} أَي: لكل مُؤمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 {أَو يوبقهن} يغرقْهُن؛ يَعْنِي: السفن {بِمَا كَسَبُوا} عمِلُوا؛ يَعْنِي: أهل السفن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا} يجحدونها {مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} أَي: ملْجأ يلجئون إِلَيْهِ من عَذَاب الله. قَالَ محمدٌ: يُقَال: حَاص عَن الشَّيْء؛ أَي: تنحى عَنهُ , وتقرأ: {ويعلمُ} بِرَفْع الْمِيم , وتقرأ بالنصْب , وَقِرَاءَة نَافِع بِالرَّفْع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 {فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ} يَعْنِي: الْمُشْركين {فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ينْفد وَيذْهب {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خير وَأبقى} يَعْنِي: الْجنَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ} أَي: ويجتنبون الْفَوَاحِش {وَإِذَا مَا غضبوا هم يغفرون} يَعْنِي: يغفرون للْمُشْرِكين , وَهُوَ مَنْسُوخ نسخه الْقِتَال , وَصَارَ ذَلِك الْعَفو بَين الْمُؤمنِينَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 {وَالَّذين اسْتَجَابُوا لرَبهم} أَي: آمنُوا {وَأَقَامُوا الصَّلَاة} كَانَت الصَّلَاة يَوْم نزلت هَذِه الْآيَة رَكْعَتَيْنِ غدْوَة , وَرَكْعَتَيْنِ عَشِيَّة قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ {وَأمرهمْ شُورَى بَينهم} تَفْسِير الْحسن أَي: يتشاورون فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} وَلم يكن يومئذٍ شَيْء مؤقتًا. (ل 312) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 {وَالَّذين إِذا أَصَابَهُم الْبَغي} إِذا بغى عَلَيْهِم الْمُشْركُونَ فظلموهم {هم ينتصرون} بألسنتهم لم يَكُونُوا أمروا بقتالهم يَوْمئِذٍ. تَفْسِير سُورَة الشورى من الْآيَة 40 إِلَى آيَة 44. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} يَعْنِي: مَا يسيء إِلَيْهِم الْمُشْركُونَ أَن يَفْعَلُوا بهم مَا يَفْعَلُونَ هم. قَالَ محمدٌ: قَوْله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} فَالْأولى سَيِّئَة فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى , وَالثَّانيَِة سَيِّئَة فِي اللَّفْظ وعاملها لَيْسَ بمسيء وَلكنهَا سميت سَيِّئَة؛ لِأَنَّهَا مجازاة لسوء على مَذْهَب الْعَرَب فِي تَسْمِيَة الشَّيْء باسم الشَّيْء إِذا كَانَ من سَببه. {فَمن عَفا وَأصْلح} يَقُول: فَمن ترك مظلمته {فَأَجْرُهُ} ثَوَابه {عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يحب الظَّالِمين} الْمُشْركين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 {وَلمن انتصر بعد ظلمه} بعد مَا ظُلِمَ {فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم من سَبِيل} أَي: من حجَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 {إِنَّمَا السَّبِيل} الْحجَّة {عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} يَعْنِي: بكفرهم وتكذيبهم {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب أَلِيم} موجع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لمن عزم الْأُمُور} وَهَذَا كُله منسوخٌ فِيمَا بَينهم وَبَين الْمُشْركين نسخه الْقِتَال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 {فَمَا لَهُ من ولي من بعده} من بعد الله يمنعهُم من عَذَاب الله {وَترى الظَّالِمين} الْمُشْركين {لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَل إِلَى مرد} إِلَى الدُّنْيَا {من سَبِيل} فنؤمن. تَفْسِير سُورَة الشورى من الْآيَة 45 إِلَى آيَة 48. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 {ينظرُونَ من طرف خَفِي} أَي: يسارقون النّظر {الَّذِينَ خَسِرُوا أنفسهم وأهليهم يَوْم الْقِيَامَة} خسروا أنفسهم أَن يغنموها؛ فصاروا فِي النَّار , وخسروا أَهْليهمْ من الْحور الْعين , وَقد فسرناه فِي سُورَة الزمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ من سَبِيل} إِلَى الْهدى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 {اسْتجِيبُوا لربكم} أَي: آمنُوا (مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 لاَ مَرَدَّ لَهُ} يَوْم الْقِيَامَة , أَي: لَا يردهُ أحدٌ بعد مَا حكم الله بِهِ وَجعله أَََجَلًا ووقتا. {وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ} أَي: نصير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 {فَإِنْ أَعْرَضُوا} أَي: لمْ يُؤمنُوا. {فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} تَحْفَظُ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ؛ حَتَّى تُجَازِيَهُمْ بهَا {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَ الْبَلاَغُ} وَلَيْسَ عَلَيْك أَن تكرههم وَقد أمروا بقتالهم بعد. {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنسَانَ} يَعْنِي: الْمُشرك {مِنَّا رَحْمَةً} وَهَذِه رَحْمَة الدُّنْيَا , وَمَا فِيهَا من الرخَاء والعافية {فَرِحَ بِهَا} كَقَوْلِه: {وفرحوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} لَا يُقِرُّونَ بِالْآخِرَةِ {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} من ذهَاب مالٍ , أَو مرضٍ {بِمَا قَدَّمَتْ} {عملت} (أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ} يَعْنِي: الْمُشرك لَيْسَ لَهُ صبرٌ على الْمُصِيبَة وَلَا حسبَة؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْجُو ثَوَاب الْآخِرَة. تَفْسِير سُورَة الشورى من الْآيَة 49 إِلَى آيَة 53. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا} يَعْنِي: الْجَوَارِي {وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 (أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 يُزَوِّجُهُمْ} يَعْنِي: يخلط بَينهم. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: يَجْعَل بَعضهم ذُكُورا وَبَعْضهمْ إِنَاثًا؛ تَقول الْعَرَب: زوجت إبلي إِذا قرنت بَعْضهَا إِلَى بعض , وزوجت الصغار بالكبار إِذا قرنت كَبِيرا بصغير وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ مُجَاهِد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ} فَكَانَ مُوسَى مِمَّن كَلمه الله وَرَاءِ حِجَابٍ {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} {جِبْرِيل} (فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء}. قَالَ محمدٌ: قيل: {إِلا وَحْيًا} يَعْنِي: إلهامًا , وتقرأ: {أَو يرسلُ} بِالرَّفْع وَالنّصب؛ فَمن قَرَأَهَا بِالنّصب فَالْمَعْنى: مَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا بِأَن يوحي أَو أَن يُرْسل، وَمن قَرَأَ بِالرَّفْع فَالْمَعْنى: أَو هُوَ يرسلُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا} يَعْنِي: الْقُرْآن {مِّنْ أَمْرِنَا}. قَالَ مُحَمَّد: معنى {روحا} أَي: مَا يَهْتَدِي بِهِ الخَلْق؛ فَيكون حَيَاة [من الضلال]. {مَا كُنتَ تَدْرِي} قبل أَن نوحيه إِلَيْك {مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ} يَعْنِي: الْقُرْآن {نُورًا} أَي: ضِيَاء من الظُّلْمة {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي} {لتدعو} (إِلَى صِرَاطٍ) {طَرِيق} {مُّسْتَقِيم ٍ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 {صِرَاطِ اللَّهِ} طَرِيق الله {أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} يَعْنِي: أُمُور الْخَلَائق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 S43 تَفْسِير سُورَة الزخرف وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الزخرف من الْآيَة 1 إِلَى آيَة 5. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 قَوْله: {وَالْكتاب الْمُبين} الْبَين وَهَذَا قسم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 {إِنَّا جَعَلْنَاهُ} يَعْنِي: الْقُرْآن {قُرْآنًا عَرَبيا لَعَلَّكُمْ تعقلون} لكَي تعقلوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 {وَإنَّهُ} يَعْنِي: الْقُرْآن {فِي أُمِّ الْكِتَابِ لدينا} عندنَا {لعَلي} رفيع {حَكِيم} مُحكم , و {أم الْكتاب}: (ل 313) اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ , وَتَفْسِيرُ أُمِّ الْكِتَابِ: جملَة الْكتاب وَأَصله. قَالَ محمدٌ: وَمعنى {جَعَلْنَاهُ} بَيناهُ , كَذَلِك قَالَ غير يحيى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 {أفنضرب عَنْكُم الذّكر} يَعْنِي: الْقُرْآن {صفحا} تَفْسِير الْكَلْبِيّ يَقُول: أَنَذَرُ الذّكْرَ من أجلكم؟! {أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مسرفين} مُشْرِكين أَي: لَا نَذَرُه. قَالَ مُحَمَّد: تقْرَأ {إِن كُنْتُم} بِالْفَتْح وبالكسر , فَمن فتح فَالْمَعْنى: لِأَن كُنْتُم وَمن كسر فعلى الِاسْتِقْبَال؛ الْمَعْنى: إِن تَكُونُوا مسرفين نضرب عَنْكُم الذّكر. وَيُقَال: ضربْتُ عَنهُ الذّكر وأضْربتُ بِمَعْنى وَاحِد إِذا امسكت. وَقَوله: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 {صفحا} أَي: إعْرَاضًا يُقَال: صفحت عَن فلانٍ أَي: أَعرَضت عَنهُ , وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَنَّك توليه صفحة عُنُقك. تَفْسِير سُورَة الزخرف من الْآيَة 6 إِلَى آيَة 10. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلين} أَي: كثيرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 {فأهلكنا أَشد مِنْهُم بطشا} يَعْنِي: أشدّ من مُشْركي الْعَرَب قُوَّة {وَمضى مثل الْأَوَّلين} يَعْنِي: وقائعه فِي الْأُمَم السَّالفة بتكذيبهم رسلهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 {وَلَئِن سَأَلتهمْ} يَعْنِي: الْمُشْركين {من خلق السَّمَاوَات وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 ثمَّ قَالَ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مهادًا} أَي: بساطًا وفراشًا {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سبلا} طرقا {لَعَلَّكُمْ تهتدون} لكَي تهتدوا الطّرق. تَفْسِير سُورَة الزخرف من الْآيَة 11 إِلَى آيَة 14. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقدر}. يَحْيَى: عَنْ عَاصِمِ بْنِ حَكِيمٍ , عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ , عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ , الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " مَا عَامٌ بِأَكْثَرِ مَطَرًا مِنْ عَامٍ - أَوْ قَالَ: مَاءٌ - وَلَكِنَّ اللَّهَ يَصْرِفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ". {فَأَنْشَرْنَا بِهِ} يَعْنِي: فأحيينا بِهِ {بَلْدَةً مَيْتًا} الْيَابِسَة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَبَات {كَذَلِك تخرجُونَ} يَعْنِي: الْبَعْثَ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا مَنِيًا؛ كَمَنِيِّ الرِّجَالِ فَتَنْبُتُ بِهِ جسمانهم ولحمانهم؛ كَمَا ينْبت الأَرْض الثرى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 {وَالَّذِي خلق الْأزْوَاج كلهَا} تَفْسِير الْحسن: يَعْنِي: الشتَاء والصيف , وَاللَّيْل وَالنَّهَار , وَالسَّمَاء وَالْأَرْض , وكل اثْنَيْنِ , فالواحد مِنْهُمَا زوج. قَالَ محمدٌ: وَقيل: معنى الْأزْوَاج: الْأَصْنَاف , تَقول: عِنْدِي من كل زوجٍ أَي: من كل صنف. {وَجَعَلَ لكم} أَي: خلق لكم {مِنَ الْفُلْكِ والأنعام مَا تَرْكَبُونَ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 {لتستووا على ظُهُوره} ظُهُور مَا سخر لكم؛ أَي: تركبوه. {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} يَعْنِي: مطيقين , قَالَ: تَقول: أَنا مقرنٌ لَك؛ أَي مطيقٌ لَك؛ وَقيل: إِن اشتقاق اللَّفْظَة من قَوْلهم: أَنا قِرْنٌ لفُلَان إِذا كنت مثله فِي الشدَّة , فَإِذا أردْت السنّ قلت: قَرْنُه بِفَتْح الْقَاف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 قَالَ قَتَادَة: قد بيَّن الله لكم مَا تَقُولُونَ إِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبر , وَمَا تَقولُونَ إِذا ركبتم فِي الْبَحْرِ؛ إِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبَرِّ قَلْتُمْ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} وَإِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبَحْرِ قُلْتُمْ: {بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا} الْآيَةَ. يحيى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ ازْوِ لَنَا الأَرْضَ وَهَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ وعثاء السّفر وكآبة المنقلب وَسُوء المنظر فِي الْأَهْل وَالْمَال ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 تَفْسِير سُورَة الزخرف من الْآيَة 15 إِلَى آيَة 20. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 {وَجعلُوا لَهُ} يَعْنِي: الْمُشْركين {مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: الْمَلَائِكَة حَيْثُ جعلوهم بَنَات الله {إِنَّ الإِنْسَانَ لكفور مُبين} يَعْنِي: الْكَافِر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} على الِاسْتِفْهَام {وأصفاكم بالبنين} أَي: لم يفعل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ للرحمن مثلا} أَي: بِالْأُنْثَى لما كَانُوا يَقُولُونَ أَن الْمَلَائِكَة بَنَات الله؛ فألحقوا الْبَنَات بِهِ , فيقتلون بناتهم {ظَلَّ وَجهه مسودا} أَي: مغيرا {وَهُوَ كظيم} يَعْنِي: كُظِم على الغيظ والحزن , أَي: رَضوا لله مَا كَرهُوا لأَنْفُسِهِمْ. قَالَ محمدٌ: الكظم أَصله فِي اللُّغَة: الْحَبْس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} وَهَذَا تبعٌ للْكَلَام الأول {أَمِ اتخذ مِمَّا يخلق بَنَات} يَقُول: أنتخذ من ينشأ فِي الحُلى - يَعْنِي: النِّسَاء - بَنَات؟! {وَهُوَ فِي الْخِصَام} الْخُصُومَة. {غير مُبين} أَي: لَا تبين عَن نَفسهَا من ضعفها (ل 314} (وأصفاكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 بالبنين} اي: لم يفعل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 {وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ} قَالَ السّديّ: يَعْنِي: وصفوا. قَالَ مُحَمَّد: الْجعل هَا هُنَا فِي معنى القَوْل، وَالْحكم تَقول: جعلت فلَانا أعلم النَّاس؛ أَي: قد وَصفته بذلك وحكمت بِهِ. {الَّذِينَ هُمْ عِند الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} , كَقَوْلِه: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته} وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس: {الَّذِينَ هُمْ عباد الرَّحْمَن} كَقَوْلِه سُبْحَانَهُ: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} أَي: أَنهم لم يشْهدُوا خلقهمْ {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} عَنْهَا يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 {وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم} أَي: لَو كره الله هَذَا الدّين الَّذِي نَحن عَلَيْهِ لحوَّلنا عَنهُ إِلَى غَيره , ولكنَّ الله لم يكرههُ. قَالَ الله: {مَّا لَهُم بِه مِنْ عِلْمٍ} بِأَنِّي أمرت أَن يعبدوا غَيْرِي، إِنَّمَا قَالُوا ذَلِك على الشَّك وَالظَّن. تَفْسِير سُورَة الزخرف من الْآيَة 21 إِلَى آيَة 23. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ} من قبل الْقُرْآن فِيهِ مَا يدّعون من قَوْلهم أَن الْمَلَائِكَة بَنَات الله [وَقَوْلهمْ]: لَو كره اللَّهُ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ لَحَوَّلَنَا عَنهُ إِلَى غَيره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 {فهم} بذلك الْكتاب {مستمسكون} يحاجوننا بِهِ أَي: لم نؤتهم كتابا فِيهِ مَا يَقُولُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا على أمة} مِلَّة , وَهِي ملَّة الشّرك {وَإِنَّا على آثَارهم مهتدون} أَي: أَنهم كَانُوا على هدى وَنحن نتبعهم على ذَلِك الْهدى , الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 قَالَ الله: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِير} نَبِي ينذرهم الْعَذَاب {إِلا قَالَ مترفوها} وهم أهل السُّمعَة والقادة فِي الشّرك {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} أَي: أَنهم كَانُوا مهتدين فَنحْن نقتدي بهداهم. تَفْسِير سُورَة الزخرف من الْآيَة 24 إِلَى آيَة 30. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 قَالَ اللَّه للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {قَالَ أَوَ لَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ} ثمَّ رَجَعَ إِلَى قصَّة الْأُمَم , فَأخْبر بِمَا قَالُوا لأنبيائهم {قَالُوا} لَهُم: {إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافرون}. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {قل أَو لَو جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُم} الْمَعْنى: أتتبعون مَا وجدْتُم عَلَيْهِ آبَاءَكُم وَإِن جِئتُكُمْ بأهدى مِنْهُ؟! الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 {فانتقمنا مِنْهُم} يَعْنِي: الَّذين كذبُوا رسلهم (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 الْمُكَذِّبِينَ} أَي: كَانَ عاقبتهم أَن دمر الله عَلَيْهِم ثمَّ صيرهم إِلَى النَّار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ} قَالَ مُحَمَّد: قَوْله {برَاء} بِمَعْنى بريءٌ , وَالْعرب تَقول للْوَاحِد مِنْهَا: أَنا البراءُ مِنْك , وَكَذَلِكَ الِاثْنَان وَالْجَمَاعَة , وَالذكر وَالْأُنْثَى يَقُولُونَ: نَحن الْبَراء مِنْك , والخَلاء مِنْك , لَا يَقُولُونَ: نَحن البراآن مِنْك وَلَا نَحن البراءون مِنْك , الْمَعْنى: أَنا ذُو الْبَراء مِنْك , وَنحن ذَوُو الْبَراء مِنْك , كَمَا تَقول: رجلٌ عَدْلٌ , وامرأةٌ عدْلٌ , وَقوم عدل؛ الْمَعْنى: ذُو عدل , و [ذَات] عدل هَذَا أفْصح اللُّغَات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 {إِلاَ الَّذِي فَطَرَنِي} لَكِن أعبد الَّذِي فطرني: خلقني {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} أَي: يثيبني على الْإِيمَان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً} يَعْنِي: لَا إِلَه إِلَّا الله {بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} تَفْسِير مُجَاهِد: فِي وَلَده {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لكَي يرجِعوا إِلَى الْإِيمَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 {بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاَء وَآبَاءهُمْ} يَعْنِي: قُريْشًا لم أعذبهم {حَتَّى جَاءهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ} مُحَمَّد صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم. تَفْسِير سُورَة الزخرف من الْآيَة 31 إِلَى آيَة 33. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 {وَقَالُوا لَوْلاَ} هلا {نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} القريتين: مَكَّة والطائف أَي لَو كَانَ هَذَا الْقُرْآن حقًّا لَكَانَ هَذَانِ الرّجلَانِ أَحَق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 بِهِ مِنْك يَا مُحَمَّد؛ يعنون: الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي وَأَبا مَسْعُود الثَّقَفِيّ؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة. قَالَ محمدٌ: {عَلَى رَجُلٍ مِنَ القريتين} الْمَعْنى: على رجل من رَجُلَيِ القريتين عَظِيم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 قَالَ الله: {أهم يقسمون رَحْمَة رَبك} يَعْنِي: النُّبُوَّة؛ أَي: لَيْسَ ذَلِك فِي أَيْديهم فيضعون النُّبُوَّة حَيْثُ شَاءُوا {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَات} فِي الرزق {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سخريا} أَي: يملك بَعضهم من بَاب السخرة {وَرَحْمَة رَبك} النُّبُوَّة {خير مِمَّا يجمعُونَ} خير مِمَّا يجمع الْمُشْركُونَ من الدُّنْيَا. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: فَكَمَا فضلنَا بَعضهم على بعضٍ فِي الرزق وَفِي الْمنزلَة كَذَلِك (ل 315) اصْطَفَيْنَا للرسالة من نشَاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَة} تَفْسِير الْحسن: لَوْلَا أَن تجتمعوا على الْكفْر. {لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا من فضَّة ومعارج عَلَيْهَا} اي: درج {عَلَيْهَا يظهرون} أَي: يرقون إِلَى ظُهُور بُيُوتهم. تَفْسِير سُورَة الزخرف من الْآيَة 34 إِلَى آيَة 39. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 {ولبيوتهم} أَي: لجعلنا لبيوتهم {أبوابا} من فضَّة {وسررا} من فضَّة {عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 {وَزُخْرُفًا} والزخرف: الذَّهَب {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لما مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} يُسْتَمتع بِهِ ثمَّ يذهب {وَالآخِرَةُ} يَعْنِي: الْجنَّة {عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}. قَالَ محمدٌ: واحدُ المعارج: مَعْرَجٌ، وَيُقَال: ظَهرت على الْبَيْت إِذا عَلَوْت سطحه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 {وَمن يَعش عَن ذكر} أَي: وَمن يعم عَن ذكر {الرَّحْمَن} أَي: الْمُشرك. قَالَ محمدٌ: قِرَاءَة يحيى {يغش} بِفَتْح الشين، وَمن قَرَأَ {يَعْشُ} بِضَم الشين فَالْمَعْنى: وَمن يعرض عَن ذكر الرَّحْمَن، هَذَا قَول الزّجاج، قَالَ ابْن قُتَيْبَة المعني: يظلم بَصَره كَقَوْلِه: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي} قَالَ: وَالْعرب تَقول: عشوت إِلَى النَّار؛ إِذا استدللت إِلَيْهَا ببصر ضَعِيف، وَأنْشد للحُطيْئة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 (مَتى تأته تَفْشُو إِلَى ضوْء ناره ... تَجِد خير نَار عِنْدهَا خير موقد) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 قَوْله: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} سَبِيل الْهدى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 {حَتَّى إِذا جَاءَنَا} يَعْنِي: هُوَ وقرينه: شَيْطَانه {قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين فبئس القرين}. يَحْيَى: عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ، عَنِ أبي مَسْعُود الجُرَيْري قَالَ: " إِن الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ، وجد عِنْد رَأسه شَيْطَانه، فَيَأْخُذ بِيَدِهِ فَيَقُول: أَنا قرينك حَتَّى أَدخل أَنا وَأَنت جَهَنَّم ". قَالَ محمدٌ: عِنْد ذَلِك يَقُول: يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فبئس القرين! قَالَ محمدٌ: قيل: معنى المشرقين هَا هُنَا الْمشرق وَالْمغْرب؛ كَمَا قَالُوا: سُنَّة العمرين؛ يُرَاد أَبُو بكر وَعمر، وَمثل هَذَا من الشّعْر: (لنا قمراها والنجوم الطوالع ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 يُرِيد: الشَّمْس وَالْقَمَر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 قَوْله {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظلمتم} إِذْ أشركتم {أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مشتركون} يقرن هُوَ وشيطانه فِي سلسلة وَاحِدَة، يتبرأ كل واحدٍ مِنْهُمَا من صَاحبه، ويلعن كل واحدٍ مِنْهُمَا صَاحبه. قَالَ مُحَمَّد: ذكر مُحَمَّد بن يزِيد المبَرِّد أَن معنى هَذِه الْآيَة: أَنهم مُنِعُوا روحَ التأسِّي؛ لِأَن التأسِّي يُسَهِّل الْمُصِيبَة، فأعلموا أَنه لَا يَنْفَعهُمْ الِاشْتِرَاك فِي الْعَذَاب. وَأنْشد للخنساء. (وَلَوْلَا كَثْرَة الباكين حَولي ... على إخْوَانهمْ لقتلتُ نَفسِي) (فَمَا يَبْكُونَ مثلَ أخي وَلَكِن ... أُعزِّي النَّفس عَنهُ بالتأسي) تَفْسِير سُورَة الزخرف من الْآيَة 40 إِلَى آيَة 47. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 قَوْله: {أفأنت تسمع الصم} يَعْنِي النَّبِي، تسمع الصم عَن الْهدى {أَوْ تهدي الْعمي} عَن الْعَمى، يَقُوله على الِاسْتِفْهَام، أَي: أَنَّك لَا تسمعهم وَلَا تهديهم يَعْنِي: من لَا يُؤمن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 {فإمَّا نذهبن بك} أَي: نتوفينك إِلَى قَوْله: {مُقْتَدِرُونَ} أنزل الله آيَات فِي الْمُشْركين هَذِه وأشباهها مِمَّا وعدهم بِهِ من الْعَذَاب؛ فَكَانَ بعض ذَلِك يَوْم بدر، وَبَعضه يكون مَعَ قيام السَّاعَة بالنفخة الأولى؛ بهَا يكون هلاكُ كفَّار آخر هَذِه الْأمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 {فَاسْتَمْسك بِالَّذِي أُوحِي إِلَيْك} الْقُرْآن {إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وَهُوَ الْإِسْلَام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 {وَإنَّهُ لذكر لَك ولقومك} يَعْنِي: قُريْشًا، أَي شرفٌ لَك ولقومك {وسوف تسْأَلُون} يَوْم الْقِيَامَة، قَالَ بَعضهم: عَن أَدَاء شكره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ من رسلنَا} تَفْسِير بَعضهم: كَانَ هَذَا لَيْلَة أسرِي بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلإهِ} يَعْنِي: قومه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 {إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ} استهزاء وتكذيبا. تَفْسِير سُورَة الزخرف من الْآيَة 48 إِلَى آيَة 56. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلا هِيَ أكبر من أُخْتهَا} تَفْسِير الْحسن: كَانَت اليدُ أكبر من الْعَصَا {وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ} لَعَلَّ مَنْ بعدهمْ ممّن كَانَ على دينهم من الْكفَّار {يَرْجِعُونَ} إِلَى الْإِيمَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 {وَقَالُوا يَا أَيهَا السَّاحر ادْع لنا رَبك} سَلْ لنا رَبك {بِمَا عَهِدَ عنْدك} فِيمَن آمن مِمَّن كشف الْعَذَاب عَنْهُم لَعَلَّهُم يُؤمنُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هم ينكثون} (ل 316) أَي: ينقضون عَهدهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 {ونادى فِرْعَوْن فِي قومه} حِين جَاءَهُ مُوسَى يَدعُوهُ إِلَى الله {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تجْرِي من تحتي} أَي: فِي ملكي {أَفَلا تُبْصِرُونَ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 ثمَّ اسْتَأْنف الْكَلَام فَقَالَ: {أَمْ أَنا خير} أَي: بل أَنا خيرٌ {مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مهين} ضَعِيف {وَلَا يكَاد يبين} يَعْنِي: الْعقْدَة الَّتِي كَانَت فِي لِسَانه من الْجَمْرَة الَّتِي أَلْقَاهَا فِي فِيهِ وَهُوَ صَغِير حِين تنَاول لحية فِرْعَوْن، وَقد ذكرنَا ذَلِك قبل هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 {فلولا} فَهَلا، يَقُوله فِرْعَوْن {أُلْقِيَ عَلَيْهِ} على مُوسَى {أَسْاوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ} تَفْسِير الْحسن: مالٌ من الذَّهَب. قَالَ محمدٌ: قيل: أَسَاورة جمعُ: أَسْوِرَة. {أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مقترنين} يَمْشُونَ جَمِيعًا عيَانًا يصدقونه بمقالته بِأَنَّهُ رَسُول الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 {فَلَمَّا آسفونا} أغضبونا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 {فجعلناهم سلفا ومثلا} قَالَ مُجَاهِد: يَقُول: جعلنَا كفارهم سلفا لكفار أمة مُحَمَّد {وَمَثَلا للآخرين} أَي: عِبْرَة لمن بعدهمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 قَالَ مُحَمَّد: وَمعنى {سلفا} أَي: قدمًا تقدَّموا؛ فِي قِرَاءَة من قَرَأَهَا بِفَتْح السِّين وَاللَّام. تَفْسِير سُورَة الزخرف من الْآيَة 57 إِلَى آيَة 60. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذا قَوْمك مِنْهُ يصدون} أَي: يَضْحَكُونَ؛ فِي قِرَاءَة من قَرَأَهَا بِكَسْر الصَّاد، وَمن قَرَأَهَا برفعها {يصُدُّون} فَهُوَ من الصدود؛ أَي: يفرون. تَفْسِير الْكَلْبِيّ: " لما نزلت {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} قَامَ رَسُول الله مُقَابِلَ بَابِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِه الْآيَة، فوجَد مِنْهَا أهل مَكَّة وجدا شَدِيدا؛ فَدخل عَلَيْهِم ابْن الزِّبَعْرَى الشَّاعِر وقريش يَخُوضُونَ فِي ذكر هَذِه الْآيَة، فَقَالَ: أمحمدٌ تكلم بِهَذِهِ؟ {قَالُوا: نعم، قَالَ: وَالله إِن اعْترف لي بِهَذَا لأَخْصُمَنَّه، فَلَقِيَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ الْآيَةَ الَّتِي قَرَأْتَ آنِفا، أفينا وَفِي آلِهَتنَا نزلت خَاصَّةً أَمْ فِي الْأُمَمِ وَآلِهَتِهِمْ؟ قَالَ: لَا؛ بَلْ فِيكُمْ وَفِي آلِهَتكُم وَفِي الْأُمَم وآلهتهم: فقالي: خصمتُك وربِّ الْكَعْبَة} أَلَيْسَ تُثْنِي على عِيسَى وَمَرْيَم وَالْمَلَائِكَة خيرا، وَقد علمت أَن النَّصَارَى تعبد عِيسَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 وَأُمِّهِ، وَإِنَّ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةِ، أَفَلَيْسَ هَؤُلَاءِ مَعَ أَلِهَتِنَا فِي النَّارِ؟! فَسَكَتَ رَسُولُ الله وضحكت قُرَيْش وضجوا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 وَقَالُوا: {ءآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُو} يعنون عِيسَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 قَالَ اللَّه للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جدلا} وَأنزل فِي عِيسَى وَأمه وَالْمَلَائِكَة {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون}. وَقد مضى تَفْسِير هَذَا. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله {إِلَّا جدلا} أَي: طلبا للمجادلة، يُقَال: جَدِلَ الرجل جَدَلًا فَهُوَ صَاحب جَدَلٍ. {إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} بِالنُّبُوَّةِ؛ يَعْنِي: عِيسَى {وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا} يَعْنِي: عِبْرَة {لبني إِسْرَائِيل} تَفْسِير مُجَاهِد: جعله الله عِبْرَة لَهُم بِمَا كَانَ يصنع من تِلْكَ الْآيَات، مِمَّا يبرىء الأكمه والأبرص وَمِمَّا علمه الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْض يخلفون} أَي: يعْمرون الأَرْض بَدَلا مِنْكُم. تَفْسِير سُورَة الزخرف من الْآيَة 61 إِلَى آيَة 66. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 {وَإنَّهُ لعلم للساعة} رَجَعَ إِلَى ذكر عِيسَى، قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: نزُول عِيسَى {فَلا تمترن بهَا} لَا تشكن فِيهَا. قَالَ محمدٌ: قَوْله: {لعلم للساعة} فِي قِرَاءَة من قَرَأَ بِكَسْر الْعين، الْمَعْنى: نُزُوله؛ يُعْلَم بِهِ قرب السَّاعَة. قَوْله {وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم} وَهُوَ الْإِسْلَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُمْ بعض الَّذِي تختلفون فِيهِ} يَعْنِي: من تبديلهم التَّوْرَاة، وَكَانَ من الْبَينَات إحياؤه الْمَوْتَى بِإِذن الله وإبراؤه الأكمه والأبرص، وَمَا كَانَ يُخْبِرهُمْ بِهِ مِمَّا كَانُوا يَأْكُلُون ويدَّخرون فِي بُيُوتهم، وَمن البيِّنات الَّتِي جَاءَ بهَا أَيْضا: الْإِنْجِيل؛ فِيهِ مَا أُمروا بِهِ ونهوا عَنهُ، قَالَ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وأطيعون} يَقُوله عِيسَى لَهُم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 {إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم} يَعْنِي: الْإِسْلَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 {فَاخْتلف الْأَحْزَاب من بَينهم} يَعْنِي: النَّصَارَى. قَالَ قَتَادَة: " ذُكر لنا أَنه لما رُفع عِيسَى انتخبت بَنو إِسْرَائِيل أَرْبَعَة من فقهائهم فَقَالُوا للْأولِ: مَا تَقول فِي عِيسَى؟ قَالَ: هُوَ الله هَبَط إِلَى الأَرْض، فخلق مَا خلق، وَأَحْيَا مَا أَحْيَا، ثمَّ صعد إِلَى السَّمَاء. فتابعه على ذَلِك أنَاس (ل 317) فَكَانَت اليعقوبية من النَّصَارَى، فَقَالَ الثَّلَاثَة الْآخرُونَ: نشْهد أَنَّك كاذبٌ! فَقَالُوا للثَّانِي: مَا تَقول فِي عِيسَى؟ فقالي هُوَ ابْن الله فتابعه على ذَلِك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 أناسٌ، فَكَانَت النسطورية من النَّصَارَى، فَقَالَ الِاثْنَان الْآخرَانِ: نشْهد إِنَّك كاذبٌ {فَقَالُوا للثَّالِث: مَا تَقول فِي عِيسَى؟ فَقَالَ: هُوَ إِلَه وَأمه إِلَه وَالله إِلَه. فتابعه على ذَلِك أناسٌ من النَّاس، فَكَانَت الإسرائيلية من النَّصَارَى، فَقَالَ الرَّابِع: أشهد أَنَّك كاذبٌ} وَلكنه عبد الله وَرَسُوله وَكلمَة الله وروحه. فاختصم الْقَوْم، فَقَالَ المسلمُ: أنْشدكُمْ الله، هَل تعلمُونَ أَن عِيسَى كَانَ يَطِعم الطَّعَام، وَأَن الله لَا يَطعم الطَّعَام؟ {قَالُوا: اللَّهُمَّ نعَمْ. قَالَ: هَل تعلمُونَ أَن عِيسَى كَانَ ينَام، وَأَن الله لَا ينَام؟} قَالُوا: اللَّهُمَّ نعم. فخصمهم الْمُسلم؛ فاقتتل الْقَوْم، فذُكر لنا أَن اليعقوبية ظَهرت يَوْمئِذٍ وَأُصِيب الْمُسلم ". قَالَ الله: {فويل للَّذين ظلمُوا} أشركوا، الْآيَة. تَفْسِير سُورَة الزخرف من الْآيَة 67 إِلَى آيَة 73. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 {الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} اسْتثْنى من الأخلاء الْمُتَّقِينَ، فَقَالَ: إِلَّا الْمُتَّقِينَ مِنْهُم؛ فَإِنَّهُم لَيْسُوا بأعداء بَعضهم لبَعض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 (يَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 عِبَاديِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} يَقُوله يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ محمدٌ: {يَا عبَادي} بِإِثْبَات الْيَاء وحذفها، وَقد تقدم القَوْل فِي مثل هَذَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ} يَعْنِي: وحلائلكم {تُحْبَرُونَ} تكرمون. قَالَ محمدٌ: الحَبْرة فِي كَلَام الْعَرَب الْمُبَالغَة فِي الْإِكْرَام، والحَبْرة أَيْضا الْمُبَالغَة فِيمَا وصف بالجمال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 {يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ} يطوف على أَدْنَاهُم منزلَة سَبْعُونَ ألف غُلَام بسبعين ألف صَحْفَة من ذهب، يُغْدى عَلَيْهِ بهَا، فِي كل واحدةٍ مِنْهَا لون لَيْسَ فِي صاحبتها؛ يَأْكُل من آخرهَا كَمَا يَأْكُل من أَولهَا، ويجد طعم آخرهَا كَمَا يجد طعم أَولهَا لَا يشبه بعضُه بَعْضًا، وَيرَاح عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا، وَيَطوف على أرفعهم منزلَة كل يَوْم سَبْعمِائة ألف غُلَام، مَعَ كل غُلَام سَبْعمِائة ألف صَحْفَة من ذهب فِيهَا لون من الطَّعَام لَيْسَ فِي صاحبتها، يَأْكُل من آخرهَا كَمَا يَأْكُل من أَولهَا، ويجد طعم آخرهَا كَمَا يجد طعم أَولهَا، وَلَا يشبه بعضه بَعْضًا، قَالَ: {وَأَكْوَابٍ} أَي: وَيُطَاف عَلَيْهِم بأكواب، قَالَ قَتَادَة: الكوب: الْمُدَوَّرُ الْقَصِيرُ الْعُنُقِ الْقَصِيرُ الْعُرْوَةِ، والإبريق الطَّوِيل الْعُنُق الطَّوِيل العروة {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ} مَا خطر على بالهم من شيءٍ أَتَاهُم من غير أَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 يدعوا بِهِ، وَإِن أحدهم ليَكُون فِي فَمه الطَّعَام، فيخطر على باله طعامٌ غَيره، فيتحول ذَلِك الطَّعَام فِي فِيهِ. قَالَ محمدٌ: تقْرَأ (تشْتَهي) و (تشتهيه) بِإِثْبَات الْهَاء، وَأكْثر الْمَصَاحِف بِغَيْر هَاء، وَفِي بَعْضهَا الْهَاء. ذكره الزّجاج. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 {وَتلك الْجنَّة} الَّتِي وصف {أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} على قدر أَعْمَالهم، ورَّث الله الْمُؤمنِينَ منَازِل الْكفَّار الَّتِي أُعدت لَهُم لَو آمنُوا مَعَ مَنَازِلهمْ، وَهِي مثل الَّتِي فِي الْمُؤمنِينَ {أُولَئِكَ هم الوارثون}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 {لكم فِيهَا فَاكِهَة كَثِيرَة}. يحيى (عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَنَاوَلُونَ مِنْ قُطُوفِهَا وَهُمْ مُتَّكِئُونَ عَلَى فُرُشِهِمْ فَمَا تَصِلُ إِلَى فِي أَحَدِهِمْ؛ حَتَّى يُبْدِلَ اللَّهُ مَكَانهَا أُخْرَى ". تَفْسِير سُورَة الزخرف من الْآيَة 74 إِلَى آيَة 80. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ} {الْمُشْركين} (فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 {لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 الْعَذَاب {وهم فِيهِ مبلسون} يائسون من أَن يخرجُوا مِنْهَا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 قَالَ: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} يَعْنِي: كفار الْأُمَم كلهَا؛ فنعذبهم فِي الْآخِرَة بِغَيْر ذَنْب {وَلَكِنْ كَانُوا هم الظَّالِمين} لأَنْفُسِهِمْ بكفرهم. قَالَ محمدٌ: {هُمُ الظَّالِمُونَ} هم هَا هُنَا صلَة؛ فَلَا مَوضِع لَهَا فِي الْإِعْرَاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 {وَنَادَوْا يَا مَالك} وَهُوَ خَازِن النَّار مَلَكٌ من الْمَلَائِكَة {ليَقْضِ علينا رَبك} (ل 318) أَي: يميتنا، يدعونَ مَالِكًا؛ فَلَا يُجِيبهُمْ مِقْدَار ثَمَانِينَ سنة، ثمَّ يكون جَوَاب مَالك إيَّاهُم: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 {لقد جئناكم بِالْحَقِّ} بِالْقُرْآنِ؛ يَقُوله للأحياء {وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ للحق كَارِهُون} يَعْنِي: من لَا يُؤمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 {أم أبرموا أمرا} كَادُوا كيدًا بمحمدٍ {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} كائدون لَهُم بِالْعَذَابِ، وَذَلِكَ مَا كَانُوا اجْتَمعُوا لَهُ فِي دَار الندوة فِي أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الْآيَة، وَقد مضى تَفْسِير ذَلِك فِي سُورَة الْأَنْفَال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سرهم ونجواهم} مَا كَانُوا يتناجون فِيهِ من أَمر النَّبِي {بلَى وَرُسُلنَا} (الْمَلَائِكَة) الْحفظَة {لديهم} عِنْدهم {يَكْتُبُونَ} أَعْمَالهم. تَفْسِير سُورَة الزخرف من الْآيَة 81 إِلَى آيَة 87. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} أَي: مَا كَانَ للرحمن ولدٌ، ثمَّ انْقَطع الْكَلَام، ثمَّ قَالَ: {فَأَنا أول العابدين} تَفْسِير بَعضهم: فَأَنا أول الدائنين من هَذِه الْأمة بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ولد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 {سُبْحَانَ رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} ينزِّه نَفسه: رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} عَمَّا يكذبُون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} فقد أَقمت عَلَيْهِم الْحجَّة {حَتَّى يُلاَقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} يَوْمَ الْقِيَامَة، وَهَذَا قبل أَن يُؤمر بقتالهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} هُوَ إِلَه أهل السَّمَاء، وإله أهل الأَرْض {وَهُوَ الْحَكِيمُ} فِي أمره {الْعَلِيمُ} بخلقه. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: هُوَ المُوَحَّدُ فِي السَّمَاء وَفِي الأَرْض؛ وَإِلَيْهِ ذهب يحيى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 {وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} علم مَجِيء السَّاعَة، لَا يعلم علم مجيئها غَيره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 {وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} يَعْنِي: الْأَوْثَان لَا تملك أَن تشفع لعابدها {إِلاَ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ} يَقُول: إِنَّمَا الشَّفَاعَة لمن شهد بِالْحَقِّ فِي الدُّنْيَا {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أَنه الْحق؛ تشفع لَهُم الْمَلَائِكَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 {فَأنى يؤفكون} يصدون فيعبدون غَيره. تَفْسِير سُورَة الزخرف من الْآيَة 88 إِلَى آيَة 89. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 {وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلاَء قَوْمٌ لاَ يُؤْمِنُونَ} هَذَا قَول النَّبِي يشكو قومه إِلَى الله. قَالَ يحيى: وَهِي تُقرأ على ثَلَاثَة أوجه: {قيلَه} و {قيلُه} و {قيلِه} فَمن قَرَأَهَا بالنْصب رَجَعَ إِلَى قَوْله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نسْمع سرهم ونجواهم} وَلَا نسْمع قيلَه، وَمن قَرَأَهَا بِالْجَرِّ رَجَعَ إِلَى قَوْله: {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ ملك السَّمَاوَات وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَة} وَعلم قيله، وَمن قَرَأَهَا بِالرَّفْع فَهُوَ كَلَام مُبْتَدأ يُخْبَر بقوله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 قَالَ الله: {فاصفح عَنْهُم} وَهِي منسوخةٌ نسختها الْقِتَال {وَقُلْ سَلام} كلمة حلمٍ، وَكَانَ ذَلِك أَيْضا قبل أَن يُؤمر بقتالهم {فَسَوف تعلمُونَ} يَوْم الْقِيَامَة، وَهِي كلمة وَعِيد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 تفسيرسورة الدُّخان وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَفْسِير سُورَة الدُّخان من الْآيَة 1 إِلَى آيَة 9. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 قَوْله: {وَالْكتاب الْمُبين} قسم أقسم بِالْقُرْآنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} يَعْنِي: الْقُرْآن {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} يَعْنِي: لَيْلَة الْقدر. يَحْيَى: عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالحٍ [عَنِ] ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " نَزَلَ الْقُرْآنُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ جَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْزِلُ نُجُومًا ثَلاثَ آيَاتٍ وَأَرْبَعَ آيَاتٍ وَخَمْسَ آيَاتٍ وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ. ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 {إِنَّا كُنَّا منذرين} الْعباد من النَّار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 {فِيهَا} يَعْنِي: لَيْلَة الْقدر {يُفْرَقُ كُلُّ أَمر حَكِيم} أَي: يفصل، قَالَ الْحسن: مَا يُرِيد الله أَن ينزل من الْوَحْي وَينفذ من الْأُمُور فِي سمائه وأرضه وخلقه تِلْكَ السّنة، ينزله فِي لَيْلَة الْقدر إِلَى سمائه، ثمَّ ينزله فِي الْأَيَّام والليالي على قَدَرٍ حَتَّى يحول الْحول من تِلْكَ اللَّيْلَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 قَوْله: {أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مرسلين} الرُّسُل إِلَى الْعباد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 {رَحْمَة من رَبك} الْآيَة. قَالَ محمدٌ: قَوْله: {أَمْرًا} مَنْصُور على الْحَال؛ الْمَعْنى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ آمرين أمرا. وَقَوله: {رَحْمَةً مِنْ رَبك} أَي: أَنزَلْنَاهُ رَحْمَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 تَفْسِير سُورَة الدُّخان من الْآيَة 10 إِلَى آيَة 15. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 {فَارْتَقِبْ} أَي: فانتظر {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَان مُبين} بَين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 {يغشى النَّاس} تَفْسِير مُجَاهِد: يَعْنِي: الجدب وإمساك الْمَطَر عَن [كفار قُرَيْش]. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 يَقُولُونَ: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 قَالَ الله: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى} أَي: كَيفَ لَهُم الذكرى؟ (ل 319) يَعْنِي: الْإِيمَان بعد وُقُوع هَذَا الْبلَاء {وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُون} يُعلمهُ عبد [لنَبِيّ] الْحَضْرَمِيّ، وَكَانَ كَاهِنًا؛ فِي تَفْسِير الْحسن. وَقَالَ بَعضهم: عداس غُلَام عتبَة بن ربيعَة؛ كَانَ يقْرَأ الْكتب، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 قَالَ الله: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلا}. تَفْسِير سُورَة الدُّخان آيَة 16. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 {يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى}. قَالَ مُحَمَّد: {يَوْم نبطش} منصوبٌ بِمَعْنى: وَاذْكُر يَوْم نبطش، وَيُقَال: يبطُش بِالرَّفْع أَيْضا، مثل: عَكَفَ يَعْكُفُ ويَعْكِفُ، وَمثل هَذَا كثير. يَحْيَى: عَنِ الْمُعَلَّى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: " هَا هُنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِي دُخَانٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَغَضِبَ؛ فَجَلَسَ فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاسُ مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ: اللَّهُ أَعْلَمُ؛ فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ لِمَا لَا يَعْلَمُ: اللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا من المتكلفين} وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنِ الدُّخَانِ: إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا أَبْطَئُوا عَنِ الإِسْلامِ، دَعَا عَلَيْهِم رَسُول الله؛ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ. فَأَصَابَهُمُ الْجُوعُ؛ حَتَّى أَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ، حَتَّى كَانَ أَحَدُهُمْ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا مِنَ الْجَهْدِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَان مُبين} إِلَى قَوْله {إِنَّا مُؤمنُونَ} فَسَأَلُوا أَنْ يُكْشَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ فَيُؤْمِنُوا، قَالَ اللَّهُ: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} إِلَى قَوْله: {منتقمون} فَكُشِفَ عَنْهُمْ فَعَادُوا فِي كُفْرِهِمْ؛ فَأَخَذَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَهُوَ قَوْلُهُ: {يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى} فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَدْ مَضَتِ الْبَطْشَةُ وَالدُّخَانُ وَاللِّزَامُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 وَالرُّومُ وَالْقَمَرُ ". قَالَ محمدٌ: قيل للجوع: دُخان، لِيَبَس الأَرْض فِي سنة الجَدْب، وَانْقِطَاع النَّبَات وارتفاع الْغُبَار، فَشبه مَا يرْتَفع مِنْهُ بالدخان، وَمن كَلَامهم: جوعٌ أغْبَرُ وَسنة غبراء لسنة المجاعة. تَفْسِير سُورَة الدُّخان من الْآيَة 17 إِلَى آيَة 29. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 قَوْله: {وَلَقَد فتنا قبلهم} أَي: اختبرنا قبلهم {قَوْمَ فِرْعَوْنَ} بِالدّينِ؛ كَقَوْلِه: {وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} لمختبرين بِالدّينِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 {وجاءهم رَسُول كريم} على الله؛ يَعْنِي: مُوسَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} أرْسلُوا معي بني إِسْرَائِيل؛ فِي تَفْسِير مُجَاهِد {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِين} على مَا أَتَانِي من الله، لَا أَزِيد فِيهِ شَيْئا وَلَا أنقص مِنْهُ شَيْئا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 {وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ} أَي: لَا تستكبروا عَن عبَادَة الله {إِنِّي آتيكم} أَي: قد أتيتكم {بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} بِحجَّة بَيِّنَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ ترجمون} يَعْنِي: الْقَتْل بِالْحِجَارَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 {وَإِن لم تؤمنوا لي} تصدقوني {فاعتزلون} حَتَّى يحكم الله بيني وَبَيْنكُم. قَالَ محمدٌ: قيل: الْمَعْنى: فَإِن لم تؤمنوا لي؛ فَلَا تَكُونُوا عَليّ وَلَا معي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مجرمون} مشركون. قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ (إِن) بالكَسْرِ فعلى معنى: قَالَ: إِن هَؤُلَاءِ، وَيجوز الْفَتْح بِمَعْنى: بِأَن هَؤُلَاءِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} أَي: يتبعكم فِرْعَوْن وَجُنُوده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 {واترك الْبَحْر رهوا} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: سَاكِنا بعد أَن ضربه مُوسَى بعصاه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 {ومقام كريم} أَي: منزل حسن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 {ونعمة كَانُوا فِيهَا فاكهين} أَي: مسرورين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 قَالَ الله: {كَذَلِك} أَي: هَكَذَا كَانَ الْخَبَر {وَأَوْرَثْنَاهَا قوما آخَرين} يَعْنِي: بني إِسْرَائِيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ}. يَحْيَى: عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " لِلْمُؤْمِنِ بَابَانِ فِي السَّمَاءِ، أَحَدُهُمَا يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ، وَالآخَرُ يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ، فَإِذَا مَاتَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 بَكَيَا عَلَيْهِ ". قَالَ أبان الْعَطَّار: بَلغنِي أَنَّهُمَا يَبْكِيَانِ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ صباحا. {وَمَا كَانُوا منظرين} من الْعَذَاب يَعْنِي: الْغَرق. تَفْسِير سُورَة الدُّخان من الْآيَة 30 إِلَى آيَة 39. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 (ل 320) {وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَاب المهين} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 {مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا من المسرفين} أَي: المتكبرين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالمين} على عَالم زمانهم الَّذِي كَانُوا فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 {وآتيناهم} يَعْنِي: أعطيناهم {مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بلَاء مُبين} نعْمَة بَيِّنَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 {إِن هَؤُلَاءِ ليقولون} يَعْنِي: مُشْركي الْعَرَب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 {إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحن بمنشرين} بمبعوثين. قَالَ محمدٌ: يُقَال: أَنْشَرَ الله الْمَوْتَى؛ فنشروا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 {فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أَي: فأحيوا لنا آبَاءَنَا، حَتَّى نصدقكم بمقالتكم أنَّ الله يحيي الْمَوْتَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 قَالَ الله: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من الْكفَّار أَي: أَنهم لَيْسُوا بِخَير مِنْهُم؛ يخوفهم بِالْعَذَابِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 {مَا خلقناهما إِلَّا بِالْحَقِّ} للبعث وللحساب، وللجنة وَالنَّار {وَلَكِنَّ أَكْثَرهم} جمَاعَة الْمُشْركين {لَا يعلمُونَ} أَنهم مبعوثون ومحاسبون ومجازون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 تَفْسِير سُورَة الدُّخان من الْآيَة 40 إِلَى آيَة 50. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 {إِن يَوْم الْفَصْل} يَعْنِي: الْقَضَاء {ميقاتهم أَجْمَعِينَ} أَي: مِيقَات بَعثهمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مولى} ولي عَن ولي {شَيْئا} أَي: لَا يحمل من ذنوبهم شَيْئا {وَلَا هم ينْصرُونَ} يمْنَعُونَ من الْعَذَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 {إِلَّا من رحم الله} قَالَ الْحسن: يَعْنِي: من الْمُؤمنِينَ يشفع بعضُهم لبَعض؛ فينفعهم ذَلِك عِنْد الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 {إِن شَجَرَة الزقوم} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 {طَعَام الأثيم} الْمُشرك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 {كَالْمهْلِ} الْمهل: مَا كَانَ ذائبًا من الْفضة والنحاس وَمَا أشبه ذَلِك. قَالَ محمدٌ: وَقيل: الْمهل: عكر الزَّيْت الشَّديد السوَاد. {تَغْلِي فِي الْبُطُونِ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} يَعْنِي: المَاء الشَّديد الْحر {خذوه فاعتلوه} قَالَ الْحسن: يَعْنِي: فجرُّوه {إِلَى سَوَاء الْجَحِيم} وسط الْجَحِيم. قَالَ محمدٌ: العَتْلُ فِي اللُّغَة أَن يُمْضَى بِهِ بعنْفٍ وَشدَّة، يُقَال مِنْهُ: عتَلَ يَعْتُلُ، وَفِيه لُغَة أُخْرَى: يَعْتِلُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَاب الْحَمِيم} كَقَوْلِه {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيد} يُقْمَعُ بالمقمعة، فتخرقُ رأسَهُ، فيُصَبُّ على رَأسه الْحَمِيم، فَيدْخل فِي فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 حَتَّى يصل إِلَى جَوْفه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} يَعْنِي: المنيع الْكَرِيم عِنْد نَفسك، إِذْ كنت فِي الدُّنْيَا وَلست كَذَلِك، قَالَ بَعضهم: نزلت فِي أبي جهل كَانَ يَقُول: أَنا أعز قُرَيْش وَأَكْرمهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 {إِن هَذَا} يَعْنِي: (الْعَذَاب) {مَا كُنْتُمْ بِهِ تمترون} تشكون فِي الدُّنْيَا أَنه كَائِن. تَفْسِير سُورَة الدُّخان من الْآيَة 51 إِلَى آيَة 59. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 {إِن الْمُتَّقِينَ فِي مقَام} فِي منزل {امين} أَي: هم آمنون فِيهِ من الغِيَرِ. قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ {مُقامٍ} بِرَفْع الْمِيم فَهُوَ من قَوْلهم: أَقَام مُقَامًا، وَمن قَرَأَ بِفَتْح الْمِيم فَهُوَ من قَوْلهم: قَامَ يقوم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 {يلبسُونَ من سندس وإستبرق} تَفْسِير الْحسن: هما جَمِيعًا حَرِير. قَالَ محمدٌ: قيل الاسْتَبْرَقُ: الدِّيبَاجُ الصَّفِيقُ الكثيف، والسُّنْدس: الرَّقِيق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 قَالَ كَعْب: فِي الْجنَّة شجر تُنْبِت الاستبرق وَالْحَرِير؛ مِنْهُ يكون لِبَاس أهل الْجنَّة. قَوْله: {مُتَقَابِلِينَ} لَا ينظر بعضُهم إِلَى قَفَا بعضٍ إِذا تزاوروا؛ فِي تَفْسِير بَعضهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 {كَذَلِك وزوجناهم بحور عين} تَفْسِير الْحسن، أَي: كَذَلِك حكم الله لأهل الْجنَّة بِهَذَا؛ والحُور: البيضُ؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة، والعِينُ: عظامُ الْعُيُون. قَالَ محمدٌ: قَوْله {وزوجناهم} أَي: قرناهم بِهن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 {يدعونَ فِيهَا بِكُل فَاكِهَة} أَي: يَأْتِيهم مَا يشتهون فِيهَا {أمنين} من الْمَوْت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الموتة الأولى} وَلَيْسَ ثَمَّ موتَة، إِنَّمَا هِيَ هَذِه الموتة الْوَاحِدَة فِي الدُّنْيَا. {فَضْلا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الْعَظِيمَة من النَّار إِلَى الْجنَّة. قَالَ مُحَمَّد: {فضلا} منصوبٌ بِمَعْنى: وَذَلِكَ بفضلٍ من الله، أَي: فعل ذَلِك مِنْهُ فضلا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 {فَإِنَّمَا يسرناه} يَعْنِي: الْقُرْآن {بلسانك} يَعْنِي: النَّبِي، لَوْلَا أَن الله يسره بِلِسَان محمدٍ مَا كَانُوا ليقرءوه وَلَا يفقهوه {لَعَلَّهُم يتذكرون} لكَي يتذكروا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 {فَارْتَقِبْ} فانتظر الْعَذَاب، فَإِنَّهُ واقعٌ بهم {إِنَّهُم مرتقبون} منتظرون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 تَفْسِير سُورَة الجاثية وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة 1 إِلَى آيَة 6. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيز الْحَكِيم} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 {إِن فِي السَّمَاوَات وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ}] (ل 321) من تُرَاب؛ يَعْنِي: خلق آدم مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثمَّ من مُضْغَة، وَفِي الأسماع والآذان وَمَا لَا يُحصى من خلق الله فِي الْإِنْسَان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 {وَمَا يبث} يخلق. قَالَ مُحَمَّد: (يبث) فِيهِ لُغَتَانِ تَقول: بَثَثْتُكَ مَا فِي نَفسِي، وأَبْثَثْتُكَ أَي: بسطته لَك. {آيَات لقوم يوقنون}. قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ (آيَاتٌ) بِالرَّفْع فعلى الِاسْتِثْنَاء وَالْمعْنَى: وَفِي خَلقكُم آيَات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 {وَاخْتِلَاف} أَي: وَفِي اخْتِلَاف {اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ من رزق} يَعْنِي: الْمَطَر فِيهِ أرزاق الْخلق {فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} بعد إِذْ كَانَت يابسة لَا نَبَات فِيهَا. {وتصريف} اي: وتلوين {الرِّيَاح} فِي الرَّحْمَة وَالْعَذَاب {آيَاتٌ لِقَوْمٍ يعْقلُونَ} وهم الْمُؤْمِنُونَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤمنُونَ} يصدقون أَي: لَيْسَ بعد ذَلِك إِلَّا الْبَاطِل. تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة 7 إِلَى آيَة 11. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 {ويل لكل أفاك} أَي كَذَّاب {أثيم} يَعْنِي: الْمُشرك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 {ثمَّ يصر} على مَا هُوَ عَلَيْهِ {مُسْتَكْبِرًا} عَن عبَادَة الله {كَأَنْ لَمْ يسْمعهَا} يَعْنِي: آيَات الله، أَي بلَى قد سَمعهَا، وقامتْ عَلَيْهِ الحجَّةُ بهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 {من ورائهم جَهَنَّم} يَعْنِي أمامهم وَهِي كلمة عَرَبِيَّة، تَقول للرجل: من ورائك كَذَا؛ لأمر سَيَأْتِي عَلَيْهِ. قَالَ محمدٌ: وَقد يكون " وَرَاء " بِمَعْنى بَعْدُ، وَقد تقدم ذكر هَذَا. {وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا} تَفْسِير الْحسن: مَا عمِلُوا من الْحَسَنَات، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 يبطل الله أَعْمَالهم فِي الْآخِرَة {وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ الله أَوْلِيَاء} آلِهَة؛ يَعْنِي: الْأَوْثَان الَّتِي عبدوها لَا تغني عَنْهُم شَيْئا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 قَوْله: {هَذَا} يَعْنِي: الْقُرْآن {هدى} يَهْتَدُونَ بِهِ. قَوْله: {لَهُمْ عَذَابٌ من رجز أَلِيم} أَي: موجع. تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة 12 إِلَى آيَة 13. {ولتبتغوا من فَضله} يَعْنِي: طلب التِّجَارَة فِي السَّفَر {ولعلكم تشكرون} (لكَي تشكروا) اي: تؤمنوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 {وسخر لكم} [أَي] خلق لكم {مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} أَي: كل ذَلِك تفضُّلٌ مِنْهُ؛ يَعْنِي: مِمَّا سخّر فِي السَّمَاوَات: الشمسَ وَالْقَمَر والنجوم والمطر، وَبِمَا سخر فِي الأَرْض: الْأَنْهَار والبحار وَمَا ينْبت فِي الأَرْض من النَّبَات، وَمَا يسْتَخْرج من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَغير ذَلِك مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ، فَذَلِك كلّه بتسخير الله. تَفْسِير سُورَة الدُّخان من الْآيَة 14 إِلَى آيَة 15. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يرجون أَيَّام الله} يَعْنِي: الْمُشْركين؛ فَأمر الله الْمُؤمنِينَ أَن يغفروا لَهُم {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} يعْملُونَ؛ يَجْزِي الْمُؤمنِينَ بحلمهم عَن الْمُشْركين، وَيجْزِي الْمُشْركين بشركهم، وَكَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 هَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرُوا بِقِتَالِهِمْ، ثمَّ نسخ ذَلِك بِالْقِتَالِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 {من عمل صَالحا فلنفسه} أَي: يجده عِنْد الله {وَمَنْ أَسَاءَ فعلَيْهَا} أَي: فعلى نَفسه. تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة 16 إِلَى آيَة 17. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ} أَي: أَنزَلْنَاهُ عَلَيْهِم {وَالْحكم} قَالَ قَتَادَة: يُرِيد الحِكْمة، وَهِي السّنة {ورزقناهم من الطَّيِّبَات} مَا أحلّ لَهُم {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالمين} يَعْنِي: عالمي زمانهم {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعلم بغيا بَينهم} أَرَادوا الدُّنْيَا ورخاءها، فغيّروا كِتَابهمْ وأحلّوا فِيهِ مَا شَاءُوا وحرموا مَا شَاءُوا، فترأَّسوا على النَّاس يستأكلونهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 {إِن رَبك يقْضِي بَينهم} الْآيَة، فَيكون قضاؤُه فيهم أَن يدْخل الْمُؤمنِينَ مِنْهُم الَّذين تمسكوا بدينهم الْجنَّة، وَيدخل الْكَافرين النَّار. تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة 18 إِلَى آيَة 22. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمر} تَفْسِير الْحسن: الشَّرِيعَة: الْفَرِيضَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 {فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يعلمُونَ} يَعْنِي: الْمُشْركين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ الله شَيْئا} أَي: إِن اتبعت أهواءهم عذَّبتك وَلم يغنوا عَنْك شَيْئا، وَقد [عصمه] الله من ذَلِك، وَقضى أَن يثبت على مَا هُوَ عَلَيْهِ {وَإِن الظَّالِمين} الْمُشْركين {بَعضهم أَوْلِيَاء بعض} فِي الدُّنْيَا، وهم أعداءٌ فِي الْآخِرَة؛ يتبرَّأُ بعضُهم من بعض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 {هَذَا بصائر للنَّاس} يَعْنِي: الْقُرْآن {وَهدى} يَهْتَدُونَ بِهِ {وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاحِدُ الْبَصَائِرِ: بَصِيرَةٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 {أم حسب الَّذين اجترحوا} اكتسبوا {السَّيِّئَات} الشّرك. قَالَ محمدٌ: فَمَعْنَى {اجْتَرَحُوا}: [اكتسبوا] وَيُقَال: فلانٌ جارح أَهله، وجارحه أَهله، أَي: [كاسبهم] (ل 322) وَمِنْه قيل لذوات الصَّيْد: جوارح. {أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات} أَي: لَا نجعلهم مِثْلَهم، الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فِي الْجنَّة، وَالْمُشْرِكُونَ فِي النَّار، وَهَذَا لقَوْل أحدهم: {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي} كَمَا يَقُولُونَ: {إِنَّ لِي عِنْدَهُ للحسنى} يَعْنِي: الْجنَّة؛ إِن كَانَت جنَّة {سَوَاء محياهم ومماتهم} مقرأ مُجَاهِد بِالرَّفْع: {سواءٌ} مُبْتَدأ، الْمَعْنى: الْمُؤمن مُؤمن فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالْكَافِر كافرٌ، ومقرأ الْحسن بِالنّصب: {سَوَاء} على معنى: أَن يَكُونُوا سَوَاء، أَي: لَيْسُوا سَوَاء {سَاءَ مَا} بئْسَمَا {يحكمون} أَي يجعلهم سَوَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 (وَخَلَقَ اللَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} أَي: للبعث والحساب وَالْجنَّة وَالنَّار. تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة 23 إِلَى آيَة 24. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} هُوَ الْمُشرك، اتخذ هَوَاهُ إِلَهًا؛ فعبد الْأَوْثَان من دون الله. قَوْله {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ} فَلَا يسمع الْهدى من الله، يَعْنِي سمع قبُول {وَقَلْبِهِ} أَي: وَختم على قلبه؛ فَلَا يفقه الْهدى. {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} فَلَا يبصر الْهدى {فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ} أَي: لَا أحد {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}. قَالَ محمدٌ: غشاوة: غطاء، وَمِنْه غاشيةُ السَّرْج، وَأنْشد بعضُهم: (صَحِبْتُكَ إذْ عَيْنِي عَلَيْهَا غِشَاوَةٌ ... فَلَمَّا انْجَلَتْ قَطَّعْتُ نَفْسِي أَلُومُهَا) وَيُقَال: غُشاوة بِرَفْع الْغَيْن، وغَشْوة بِفَتْحِهَا بِغَيْر ألف، وَقد قرىء بهما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 وَقَوله: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حياتنا الدُّنْيَا نموت ونحيا} أَي: نموت ونُولَد. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: يَمُوت قومٌ ويحيا قومٌ؛ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ يحيى. {وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا الدَّهْر} الزَّمَان، أَي: هَكَذَا كَانَ من قبلنَا، وَكَذَلِكَ نَحن. قَوْله: {وَمَا لَهُم بذلك من علم} بِأَنَّهُم لَا يبعثون {إِنْ هُمْ إِلَّا يظنون} إِن ذَلِك مِنْهُم إِلَّا ظن. قَالَ مُحَمَّد (إِن) بِمَعْنى (مَا) أَي: مَا هم إِلَّا يظنون. تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة 25 إِلَى آيَة 28. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 قَوْله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} الْقُرْآن {بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا} أحيوا آبَاءَنَا حَتَّى يصدقوكم بمقالتكم، بِأَن الله يحيي الْمَوْتَى، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 قَالَ الله جَوَابا لقَولهم: {قُلِ الله يُحْيِيكُمْ} يَعْنِي: هَذِه الْحَيَاة {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} يَعْنِي: الْمَوْت {ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} لَا شكَّ فِيهِ؛ يَعْنِي: الْبَعْث {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} أَنهم مبعوثون. قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ {حجتهم} بِالنّصب جعل اسْم كَانَ (أَن) مَعَ صِلَتِها، وَيكون الْمَعْنى: مَا كَانَ حجتَهم إِلَّا مقالتُهم، وَمن قَرَأَ (حُجّتُهم) بِالرَّفْع جعل (حجّتهم) اسْم كَانَ و {وَأَن قَالُوا} خبر كَانَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 قَوْله: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يخسر المبطلون} المكذبون بِالْبَعْثِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 {وَترى كل أمة} يَعْنِي: كفارها؛ فِي تَفْسِير الْحسن. {جاثية} على الرُّكَب؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} إِلَى حِسَابهَا، وَهُوَ الْكتاب الَّذِي كتبتْ عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة. قَالَ محمدٌ: يُقَال: جثا فلَان يجثو إِذا جلس على رُكْبَتَيْهِ، وَمثله جَذَا يَجْذُو، والجَذْوُ أشدُّ استقرارًا من الجثو؛ لِأَن الجذوَ أَن يجلس صَاحبه على أَطْرَاف أَصَابِعه. وَمن قَرَأَ {كلُّ أمةٍ} بِالرَّفْع رفع (كل) بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَر {تُدْعَى إِلَى كتابها} وَمن نصب جعله بَدَلا من (كل) الأول، الْمَعْنى: وَترى كل أُمَّةٍ {تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا}. {الْيَوْمَ تُجْزونَ} أَي: يُقَال لَهُم: الْيَوْم تُجْزونَ. تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة 29 إِلَى آيَة 31. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أَي: ننسخ مَا فِي كتب الْحفظَة، وَنثْبت عِنْد الله - عز وَجل. يَحْيَى: عَنْ نُعَيْمِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 قَالَ: " أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ: اكْتُبْ. قَالَ: رَبِّ؛ مَا أَكْتُبُ؟! قَالَ: مَا هُوَ كَائِنٌ. فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 فَأَعْمَالُ الْعِبَادِ تُعْرَضُ كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وخميس، فيجدونه على مَا فِي الْكتاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 قَوْله: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تكن آياتي تتلى عَلَيْكُم} يَقُول الله لَهُم يَوْم الْقِيَامَة: أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا؟! {فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مجرمين} مُشْرِكين. تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة 32 إِلَى آيَة 33. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حق والساعة} يَعْنِي: الْقِيَامَة {لَا رَيْبَ فِيهَا} لَا شكّ فِيهَا {قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظنا} مَا نشكُّ إِلَّا شكًّا {وَمَا نَحن بمستيقنين} (ل 323) أَن السَّاعَة آتيةٌ. قَالَ محمدٌ: [(السَّاعَة) ترفع وتنصب فَمن] رفع فعلى معنى [الِابْتِدَاء]، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 وَمن نصبها عطف على (الْوَعْد)، الْمَعْنى: إِذا قيل: إِن وعد الله حق وَأَن السَّاعَة [آتِيَة. قَوْله: {إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا} قيل: الْمَعْنى: مَا نعلم ذَلِك إِلَّا شكًّا وَلَا نستيقنه؛ لِأَن الظَّن قد يكون بِمَعْنى الْعلم كَقَوْلِه: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنهم مواقعوها} أَي: علمُوا وَمثل هَذَا فِي الشّعْر - لم يثبت لأحد -: (فَقُلْتُ: لَهُمْ ظُنُّوا بِأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ ... سَرَاتُهُمُ بِالفَارِسيِّ المُسَرَّدِ) وَقد يكون الظَّن أَيْضا بِمَعْنى الشَّك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 قَوْله {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عمِلُوا} أَي: حِين غضب عَلَيْهِم علمُوا أَن أَعْمَالهم تِلْكَ سيئات، وَلم يَكُونُوا يرَوْنَ أَنَّهَا سيئاتٌ. {وَحَاقَ بهم} نزل بهم {مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} كَانُوا يستهزئون بِالنَّبِيِّ وَالْمُؤمنِينَ؛ فحاق بهم عُقُوبَة ذَلِك الِاسْتِهْزَاء، فصاروا فِي النَّار. تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة 34 إِلَى آيَة 37. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 {كَمَا نَسِيتُمْ} كَمَا تركْتُم، وَقيل: الْمَعْنى فِي (ننساكم): نترككم {لِقَاء يومكم هَذَا} فَلم تؤمنوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 {وغرتكم الْحَيَاة الدُّنْيَا} كُنْتُم لَا تقرون بِالْبَعْثِ {فَالْيَوْمَ لَا يخرجُون مِنْهَا} من النَّار {وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أَي: لَا يستعتبوا ليُعْتَبُوا؛ أَي: ليؤمنوا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 {وَله الْكِبْرِيَاء} العظمة {وَهُوَ الْعَزِيز} فِي نقمته {الْحَكِيم} فِي أمره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 تَفْسِير سُورَة الْأَحْقَاف وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الْأَحْقَاف من الْآيَة 1 إِلَى آيَة 5. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 {تَنْزِيل الْكتاب} الْقُرْآن {مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} الْعَزِيز فِي نقمته، الْحَكِيم فِي أمره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دون الله} يَعْنِي: أوثانهم {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا من الأَرْض} أَي: لم يخلقوا مِنْهَا شَيْئا {أم لَهُم شرك فِي السَّمَاوَات} هَل خلقُوا مِنْهَا شَيْئا؟ أيْ: لم يخلقوا {ائْتُونِي} يَقُول للنَّبِي: قل لَهُم: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قبل هَذَا} فِيهِ أَن هَذِه الْأَوْثَان خلقت من الأَرْض شَيْئا أم من السَّمَاوَات {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} بِهَذَا {إِن كُنْتُم صَادِقين} أَي: لَيْسَ عنْدكُمْ بِهَذَا كتاب (وَلَا أَثَرة من علم) فِي مقرأ الْحسن، وَهِي تقْرَأ (أَثْرَة) و (أَثَارة) فَمن قَرَأَ {أَثَارَةٍ} يَعْنِي: رِوَايَة، وَمن قَرَأَ {أَثَرَة} يَعْنِي: خَاصَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 قَوْله: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 الْقِيَامَةِ} يَعْنِي: أوثانهم {وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} يَعْنِي: الْأَوْثَان عَن دُعَاء من عَبدهَا غافلون. قَالَ محمدٌ: قَالَ (من) وَهُو لغير مَا يعقل؛ لِأَن الَّذين عبدوها أجروها مجْرى مَا يُمَيّز، فَخُوطِبُوا على مخاطبتهم؛ كَمَا قَالُوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زلفى}. تَفْسِير سُورَة الْأَحْقَاف من الْآيَة 6 إِلَى آيَة 10. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء} الْآيَة، قَالَ الْحسن: إِن اللَّه يَجْمَعُ يَوْم الْقِيَامَة بَين كل عابدٍ ومعبود، فيوقفون بَين يَدَيْهِ، ويحشرها اللَّه بِأَعْيَانِهَا، فينطقها فتخاصم من كَانَ يَعْبُدهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} مُحَمَّد قَالَ الله: {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد: (إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلاَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} أَي: سَوف يُعَذِّبنِي وَلَا تَسْتَطِيعُونَ أَن تَمْنَعُونِي من عَذَابه {هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ} من الشِّرك أَي: تتكلمون بِهِ {كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} أَي: جِئْت بِالْقُرْآنِ من عِنْده وَإِنِّي لم أفتره {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} لمن آمن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ} أَي: مَا كنت أَوَّلهمْ؛ قد كَانَت الرُّسُل قبلي {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: إِن النَّبِي قَالَ: " لقد رَأَيْت فِي مَنَامِي أَرضًا أَخْرجُ إِلَيْهَا من مَكَّة. فَلَمَّا اشْتَدَّ البلاءُ على أَصْحَابه بِمَكَّة قَالُوا: يَا نَبِي اللَّه، حَتَّى مَتى نلقى هَذَا الْبلَاء، وَمَتى نخرج إِلَى الأَرْض حَتَّى أُرِيتَ؟! فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ، أنموت بِمَكَّة أم نخرجُ مِنْهَا؟ ". {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَ مَا يُوحَى إِلَيَّ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ} يَعْنِي: الْقُرْآن {وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} على مثل الْقُرْآن؛ يَعْنِي: التَّوْرَاة. قَالَ الْحسن: يَعْنِي بِالشَّاهِدِ: عبد اللَّه بن سَلام {فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} الْمُشْركين؛ يَعْنِي: الَّذين يلقون اللَّه بشركهم. تَفْسِير سُورَة الْأَحْقَاف من الْآيَة 11 إِلَى آيَة 14. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [ (ل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 324 - ) ]. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 {وَمن قبله} مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ {كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا} يَعْنِي: التَّوْرَاة؛ يَهْتَدُونَ بِهِ {وَرَحْمَةً} لمن آمن بِهِ {وَهَذَا كِتَابٌ} يَعْنِي: الْقُرْآن {مُصدق} للتوراة وَالْإِنْجِيل {لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} أشركوا {وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} الْمُؤمنِينَ بِالْجنَّةِ. قَالَ محمدٌ: {إِمَامًا}، مَنْصُوب على الْحَال، {وَرَحْمَة} عطف عَلَيْهِ، و {لِسَانًا عَرَبِيًّا} منصوبٌ أَيْضا على الْحَال، الْمَعْنى: مصدقٌ لما بَين يَدَيْهِ عربيًّا وَذكر (لِسَانا) توكيدا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 قَوْله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثمَّ استقاموا} على ذَلِك {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} الْآيَةُ. يَحْيَى: عَنْ يُونُسَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ [عَامِرِ] بْنِ سَعْدٍ الْبَجَلِيِّ قَالَ: " قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ هَذِهِ الآيَةَ، فَقَالُوا: وَمَا الاسْتِقَامَةُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: لَمْ يشركوا ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 تَفْسِير سُورَة الْأَحْقَاف من الْآيَة 15 إِلَى آيَة 16. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ حسنا} يَعْنِي: برًّا {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعته كرها} حَملته بِمَشَقَّة، وَوَضَعته بِمَشَقَّة {وَحَمْلُهُ} فِي الْبَطن {وفصاله} فطامه {ثَلَاثُونَ شهرا}. قَالَ مُحَمَّد: {حسنا} نصبٌ على الْمصدر، الْمَعْنى: أمرناه بِأَن يحسن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 إِلَيْهِمَا إحسانا. و {كرها} منصوبٌ بِمَعْنى: حَملته أمه على مشقة، وَوَضَعته على مشقة. {حَتَّى إِذا بلغ أشده} يَعْنِي: احْتَلَمَ، وَبَعْضهمْ يَقُول: عشْرين سنة. قَالَ محمدٌ: وَجَاء فِي الأشد هَا هُنَا أَنه بضع وَثَلَاثُونَ سنة، وَهُوَ الْأَكْثَر. قَوْله: {وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سنة} أَي: فِي سِنِّهِ {قَالَ رَبِّ أوزعني} يَعْنِي: ألهمني {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} الْآيَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 {أُولَئِكَ الَّذين يُتقبل عَنْهُم} أَي: يتَقَبَّل اللَّه مِنْهُم {أَحْسَنَ مَا عمِلُوا}. {فِي أَصْحَاب الْجنَّة} مَعَ أَصْحَاب الْجنَّة {وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يوعدون} فِي الدُّنْيَا. قَالَ محمدٌ: {وَعْدَ الصدْق} منصوبٌ مصدر مُؤَكد لما قبله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أتعدانني أَن أخرج} أَن أبْعث {وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ من قبلي} فَلم يبعثوا. قَالَ محمدٌ: (أُفٍّ) كلمة تبرم، وَقد مضى تَفْسِيرهَا واشتقاقها بِأَكْثَرَ من هَذَا فِي سُورَة سُبْحَانَ وَسورَة الْأَنْبِيَاء. قَالَ: {وَهُمَا يستغيثان الله وَيلك آمن} أَي: يَقُولَانِ لَهُ ذَلِك {إِنَّ وعد الله حق} الْقِيَامَة {فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} كَذِبِ الأَوَّلِينَ وَبَاطِلِهِمْ، نزلت فِي عبد الرَّحْمَن بْن أبي بكر قبل أَن يسلم، وَفِي أَبَوَيْهِ: أبي بكر الصّديق وَامْرَأَته: أم رُومَان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 قَالَ اللَّه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِم القَوْل} وَجب عَلَيْهِم الْغَضَب {فِي أُمَمٍ} أَيْ: مَعَ أُمَمٍ {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} صَارُوا إِلَى النَّار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 {وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا} الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُشْرِكُونَ؛ للْمُؤْمِنين دَرَجَات فِي الْجنَّة على قدر أَعْمَالهم، وللمشركين درجاتٌ فِي النَّار على قدر أَعْمَالهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّار} وعرضهم فِي تَفْسِير الْحسن: دُخُولهمْ {أَذهَبْتُم} وتقرأ أَيْضا بالاستفهام بِمد: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا) فَمن قَرَأَهَا بِغَيْر مد يَقُول: قد فَعلْتُمْ، وَمن قَرَأَهَا بِمد فَهِيَ على الِاسْتِفْهَام ( ... .) أَي: قد فَعلْتُمْ، الْمَعْنى: أَنكُمْ أَذهَبْتُم {طَيِّبَاتِكُمْ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 فِي الْجنَّة بشرككم {وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} يَعْنِي: بالدنيا {وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} يَعْنِي: فسق الشّرك. قَالَ محمدٌ: قِرَاءَة نَافِع {أَذهَبْتُم} بِلَا مد على الْخَبَر، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ يحيى. تَفْسِير سُورَة الْأَحْقَاف من الْآيَة 21 إِلَى آيَة 26. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 {وَاذْكُر أَخا عَاد} يَعْنِي: هودًا؛ أخوهم فِي النّسَب، وَلَيْسَ بأخيهم فِي الدّين {إِذْ أنذر قومه بالأحقاف} وَكَانَت مَنَازِلهمْ. قَالَ محمدٌ: الأحقافُ فِي اللُّغَة وَاحِدهَا: حِقْفٌ، وَهُوَ من الرمل مَا أشرف من كثبانه واستطال، وَقد قيل: إِن الْأَحْقَاف هَا هُنَا: جبلٌ بِالشَّام. {وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} وَهُوَ بَدْء كَلَام مُسْتَقْبل، يخبر اللَّه أَن النّذر قد مَضَت من بَين يَدي هود؛ أَي: من قبله {وَمن خَلفه} أَي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 وَمن بعده يدعونَ إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ هود [{أَلَّا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ}] {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم عَظِيم} رَجَعَ إِلَى قصتهم (ل 325) أَي: قد فعلت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 {فأتنا بِمَا تعدنا} كَانَ يعدهم [بِالْعَذَابِ] إِن لم يُؤمنُوا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 {قَالَ} لَهُم: {إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ} علم مَتى يأتيكم الْعَذَاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 {فَلَمَّا رَأَوْهُ} رَأَوْا الْعَذَاب {عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارض مُمْطِرنَا} حسبوه سحابًا، وَكَانَ قد أَبْطَأَ عَنْهُم الْمَطَر، قَالَ اللَّه: {بَلْ هُوَ مَا استعجلتم بِهِ} لما كَانُوا يستعجلون بِهِ هودًا من الْعَذَاب استهزاءً وتكذيبًا {رِيحٌ فِيهَا عَذَاب أَلِيم} موجع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 قَوْله تَعَالَى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} أَي: تدمر كل شيءٍ أُمِرتْ بِهِ، وَهِي ريحُ الدَّبُور {فَأَصْبَحُوا لاَ تُرَى إِلاَ مَسَاكِنُهُمْ} يَقُوله للنَّبِي، أَي: لَا تُبْصر إِلَّا مساكنَهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 {وَلَقَد مكناهم فِيمَا إِن مكناهم فِيهِ} أَي: فِيمَا لم نمكنكم فِيهِ كَقَوْلِه: {كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأكْثر أَمْوَالًا وأولادا} {وحاق بهم} نزل بهم {مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون} نزل بهم عُقُوبَة استهزائهم، يَعْنِي: مَا عذبهم بِهِ. تَفْسِير سُورَة الْأَحْقَاف من الْآيَة 27 إِلَى آيَة 28. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقرى} يَقُوله لأهل مَكَّة وَهِي أم الْقرى، مِنْهَا دُحِيت الأرضُ، وَمَا حولهَا الْبِلَاد كلهَا أخبر اللَّه بِهَلَاك من أَهْلَكَ {وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُم يرجعُونَ} لَعَلَّ مَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَرْجِعَوا إِلَى الْإِيمَان؛ يُحَذرهُمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 {فلولا} فَهَلا {نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دون الله قربانا آلِهَة} يَعْنِي: آلهتَهم الَّتِي عبدوها، زَعَمُوا أَنَّهَا تقربهم إِلَى اللَّه زلفى، يَقُول: فَهَلا نصروهم إِذْ جَاءَهُم الْعَذَاب. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: اتخذوهم آلِهَة يَتَقَرَّبُون بهم إِلَى اللَّه، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ يَحْيَى. تَفْسِيرُ سُورَة الْأَحْقَاف من الْآيَة 29 إِلَى آيَة 32. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنّ} أَي: وجهنا {يَسْتَمِعُون الْقُرْآن فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصتُوا} يَقُوله بعضُهم لبَعض {فَلَمَّا قُضِيَ} لما قَرَأَهُ النَّبِي عَلَيْهِم {ولوا} رجعُوا {إِلَى قَومهمْ منذرين} وهم جن نَصِيبين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كتابا} يعنون: الْقُرْآن {أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} كَانُوا على الْيَهُودِيَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} مِنَ الْكتاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 {وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ} يَعْنِي: النَّبِي؛ أَي: لَا يُؤمن {فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْض} فَلَيْسَ بِالَّذِي يسْبق اللَّه حَتَّى لَا يبْعَث. يَحْيَى: عَنِ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أبي فضَالة، عَن عَوْف بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " خَرَجْنَا حَاجِّينَ - أَوْ مُعْتَمِرِينَ - حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالطَّرِيقِ هَاجَتْ رِيحٌ، فَارْتَفَعَتْ عَجَاجَةٌ مِنَ الأَرْضِ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ عَلَى رُءُوسِنَا تَكَشَّفَتْ عَنْ جَانٍّ بَيْضَاءَ - يَعْنِي: حَيَّةً - فَنَزَلْنَا، وَتَخَلَّفَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ فَأَبْصَرَهَا، فَصَبَّ عَلَيْهَا مِنْ مِطْهَرَتِهِ، وَأَخْرَجَ خِرْقَةً مِنْ عَيْبَتِهِ فَكَفَّنَهَا فِيهَا، ثُمَّ دَفَنَهَا ثُمَّ اتَّبَعَنَا، فَإِذَا بِنِسْوَةٍ قَدْ جِئْنَ عِنْدَ الْعِشَاءِ فَسَلَّمْنَ، فَقُلْنَ: أَيُّكُمْ دَفَنَ عَمْرَو بْنَ جَابِرٍ؟ قُلْنَا: وَاللَّهِ مَا نَعْرِفُ عَمْرَو بْنَ جَابِرٍ! فَقَالَ صَفْوَانُ: أَبْصَرْتُ جَانًّا بَيْضَاءَ فَدَفَنْتُهَا. قُلْتُ: فَإِنَّ ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ جَابِرٍ بَقِيَّةُ مَنِ اسْتمع إِلَى رَسُول الله قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مِنَ الْجِنِّ، الْتَقَى زَحْفَانِ مِنَ الْجِنِّ: زَحْفٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَزَحْفٌ مِنَ الْكُفَّارِ، فَاسْتُشْهِدَ رَحمَه الله ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 تَفْسِير سُورَة الْأَحْقَاف من الْآيَة 33 إِلَى آيَة 35. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 قَوْله: {أولم يرَوا} يَعْنِي: الْمُشْركين {أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلم يعي بخلقهن} كَقَوْلِه: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} {بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى}. قَالَ محمدٌ: دخلت الْبَاء فِي خبر (أَن) بِدُخُول (أَو لمْ) فِي أول الْكَلَام، الْمَعْنى: أَلَيْسَ اللَّه بِقَادِر على أَن يحيى الْمَوْتَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّار أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ} يُقَال لَهُم وهم فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 النَّار: أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ الَّذِي كُنْتُم توعدون فِي الدُّنْيَا؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 {فاصبر كَمَا صَبر أولُوا الْعَزْم من الرُّسُل} تَفْسِير الْكَلْبِيّ يَعْنِي: من أَمر بِالْقِتَالِ من الرُّسُل {وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُم} يَعْنِي: الْمُشْركين بِالْعَذَابِ. {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يرَوْنَ مَا يوعدون} يَعْنِي: الْعَذَاب {لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَة من نَهَار بَلَاغ} [ (ل 326) ] {فَهَل يهْلك} بعد الْبَلَاغ {إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} الْمُشْركُونَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة 1 إِلَى آيَة 3. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 قَوْله: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيل الله} سَبِيل الْهدى؛ يَعْنِي: الْإِسْلَام {أَضَلَّ أَعْمَالهم} أحبط أَعْمَالهم فِي الْآخِرَة؛ يَعْنِي: مَا عمِلُوا من حسن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نزل على مُحَمَّد} صدقُوا بِهِ؛ يَعْنِي: الْقُرْآن {وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُم سيئاتهم} غفرها لَهُم {وَأصْلح بالهم} حَالهم؛ يَعْنِي: يدخلهم الْجنَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِل} يَعْنِي: إِبْلِيس؛ اتبعُوا وسوسته بِالَّذِي دعاهم إِلَيْهِ من عبَادَة الْأَوْثَان {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ} أَي: يبين {للنَّاس أمثالهم} يَعْنِي: صِفَات أَعْمَالهم. قَالَ محمدٌ: معنى قَول الْقَائِل: ضربت لَك مثلا؛ أَي: بيّنت لَك صنفا من الْأَمْثَال. تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة 4 إِلَى آيَة 6. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرّقاب}. يَحْيَى: عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث سَرِيَّة إِلَى حَيٍّ فَأَصَابُوهُمْ، فَصَعِدَ رَجُلٌ مِنْهُمْ شَجَرَةً مُلْتَفَّةً أَغْصَانُهَا قَالَ الَّذِي حَضَرَ: قَطَعْنَاهَا فَلا شَيْءَ، وَرَمَيْنَاهَا فَلا شَيْءَ؟ قَالَ: فَجَاءُوا بِنَارٍ فَأُضْرِمَتْ فِيهَا فَخَرَّ الرَّجُلُ مَيِّتًا فَبلغ ذَلِك رَسُول الله فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ تَغَيُّرًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لأُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ! وَلَكِنْ بُعِثْتُ بِضَرْبِ الأَعْنَاقِ وَالْوَثَاقِ ". قَوْله: {حَتَّى إِذَا أثخنتموهم فشدوا الوثاق} وَهَذَا فِي الأَسْرى {فَإِمَّا مَنًّا بعد وَإِمَّا فدَاء} لم يكن لَهُم حِين نزلت هَذِه الْآيَة إِذا أخذُوا أَسِيرًا إِلَّا أَن يقادوه أَو يمنون عَلَيْهِ فيرسلوه، وَهِي مَنْسُوخَة نسختها {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بهم من خَلفهم} الْآيَة؛ فَإِن شَاءَ الإمامُ قتل الْأَسير، وَإِن شَاءَ جعله غنيمَة وَإِن شَاءَ فاداه، وَأما المنُّ بِغَيْر فدَاء فَلَيْسَ ذَلِك لَهُ. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله {أثخنتموهم} يَعْنِي: أَكثرْتُم فيهم الْقَتْل كَقَوْلِه: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْض تُرِيدُونَ عرض الدُّنْيَا} أَي: يُبَالغ فِي الْقَتْل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 وَقَوله: {فَضرب الرّقاب} منصوبٌ على الْأَمر؛ أَي: فاضربوا الرّقاب. وَقَوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فدَاء} يَعْنِي: مُنُّوا منًّا، وافدوا فدَاء {حَتَّى تضع الْحَرْب أَوزَارهَا} تَفْسِير مُجَاهِد: حَتَّى لَا يكون دينٌ إِلَّا الْإِسْلَام. قَالَ يحيى: وفيهَا تقديمٌ؛ يَقُول: فَإِذا لَقِيتُم الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى تضع الحربُ أوزارَها. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: حَتَّى يضع أهلُ الْحَرْب السَّلَام؛ وَهُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ مُجَاهِد، وأصل الْوزر مَا حَملته، فَسُمي السِّلَاح: أوزارًا؛ لِأَنَّهُ يُحْمل، قَالَ الْأَعْشَى: (وأَعْدَدْتُ للحربِ أَوْزَارَهَا ... رِمَاحًا طِوَالًا وَخَيْلًا ذُكُورا) يَحْيَى: عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: " سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قُلْتُ: إِذَا كَانَ عَلِيَّ إِمَامٌ جَائِرٌ فَلَقِيتُ مَعَهُ أَهْلَ ضَلالَةٍ أَأُقَاتِلُ أَمْ لَا، لَيْسَ بِي حُبُّهُ وَلا مُظَاهَرَتُهُ؟ قَالَ: قَاتِلْ أَهْلَ الضَّلالَةِ أَيْنَمَا وَجَدْتُهُمْ، وَعَلَى الإِمَامِ مَا حَمَلَ، وَعَلَيْكَ مَا حَمَلْتَ ". يَحْيَى: عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ جِسْرٍ الْمِصِّيصِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى ثَلاثٍ: الْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ إِلَى آخِرِ فِئَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَكُونُ هِيَ الَّتِي تُقَاتِلُ الدَّجَّالَ؛ لَا يَنْقُضُهُ جَوْرُ مَنْ جَارَ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 وَالْكَفُّ عَنْ أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَنْ تُكَفِّرُوهُمْ بِذَنْبٍ، وَالْمَقَادِيرُ خَيْرُهَا وَشَرُّهَا مِنَ اللَّهِ ". {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُم} بِغَيْر قتال {وَلَكِن لِّيَبْلُوَا} يَبْتَلِي {بَعْضَكُم بِبَعْضٍ}. {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} (ل 327) لن يحبطها اللَّه فَإِن أَحْسنُوا غفر لَهُم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 {سيهديهم وَيصْلح بالهم} حَالهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 {ويدخلهم الْجنَّة عرفهَا لَهُم} تَفْسِير مُجَاهِد: يعْرفُونَ مَنَازِلهمْ فِي الْجنَّة [ويهتدون] إِلَيْهَا. تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة 7 إِلَى آيَة 11. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ ينصركم} نصرتهم النَّبِي نصْرَة لله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 {وَالَّذين كفرُوا فتعسا لَهُم} تَفْسِير الْحسن: أَن التَّعْسَ شتم من اللَّه لَهُم، وَهِي كلمةٌ عَرَبِيَّة. قَالَ محمدٌ: قيل: إِن معنى (تعساً لَهُم): بُعدًا لَهُم، وَقَالُوا: تَعِسَ الرجل، وفيهَا لُغَة أُخْرَى تَعَسَ بِفَتْح العيْن، وأَتْعَسْتُهُ أَنا؛ أَي: أشقيته، وتعسًا منصوبٌ على معنى: أتعسهم الله. {وأضل أَعْمَالهم} أحبطَ مَا كَانَ مِنْهَا حسنا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ الله} الْقُرْآن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قبلهم} أَي: أهلكهم اللَّه {وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} يَعْنِي: عَاقِبَة الَّذين تقوم عَلَيْهِم السَّاعَة: كفار آخر هَذِه الْأمة؛ يهْلكُونَ بالنفخة الأولى. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: وللكافرين أَمْثَالهَا؛ أَي: أَمْثَال تِلْكَ الْعَاقِبَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 {ذَلِك بِأَن الله مولى} يَعْنِي: وليّ (الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 لَهُمْ} لَا وليَّ لَهُم إِلَّا الشَّيْطَان؛ فَإِنَّهُ وليُّهم، وَقَوله فِي غير هَذِه السُّورَة: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحق} فَمَعْنَاه: مالكهم، وَلَيْسَ هُوَ من بَاب ولَايَة الله للْمُؤْمِنين. تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة 12 إِلَى آيَة 14. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ} {فِي الدُّنْيَا} (وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ} وَهِي غافلة عَن الْآخِرَة {وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} أَي: منزلٌ، يَعْنِي: الَّذين كفرُوا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ} أَي: وَكم من قَرْيَة {هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً} أَهلهَا أشدُّ قُوَّة {مِّن قَرْيَتِكَ} من أهل قريتك {الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} أخرجك أَهلهَا؛ يَعْنِي: مَكَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ} وَهَذَا الْمُشرك؛ أَي ليسَا بِسَوَاء. تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة 15 إِلَى آيَة 17. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 {مَثَلُ الْجَنَّةِ} صفة الْجنَّة {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاء غير آسن} أَي: متغيِّر. قَالَ محمدٌ: يُقَال: أَسَنَ الماءُ يَأْسُنُ أُسُونًا وأَسْنًا. {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طعمه} أَي: لم يخرج من ضلوع الْمَوَاشِي فيتغيّر {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّة للشاربين}. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {لذه} أَي: لذيذة، يُقَال: شرابٌ لَذُّ إِذا كَانَ طيِّبًا. {وَأَنْهَارٌ مِنْ عسل مصفى} لم يخرج من بطُون النَّحْل {وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} إِلَى قَوْله: {فَقطع أمعاءهم} وَهَذَا على الِاسْتِفْهَام، يَقُول: أَهَؤُلَاءِ المتقون الَّذين وُعِدُوا الْجنَّة فِيهَا مَا وصف {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّار} على مَا وصف؟! أَي: لَيْسُوا بِسَوَاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 {وَمِنْهُم من يستمع إِلَيْك} يَعْنِي: الْمُنَافِقين {حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعلم مَاذَا قَالَ آنِفا} كَانُوا يأْتونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَمِعُون حَدِيثه من غير حِسْبَة وَلَا يفقهُونَ حَدِيثه؛ فَإِذا خَرجُوا من عِنْده قَالُوا لعبد اللَّه بْن مَسْعُود: مَاذَا قَالَ محمدٌ آنِفا؟ لمْ يفقهوا مَا قَالَ النَّبِي. قَالَ مُحَمَّد: {أنفًا} مَعْنَاهُ: السَّاعَة. قَالَ اللَّه للنَّبِي: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 {وَالَّذين اهتدوا زادهم هدى} كلما جَاءَهُم من اللَّه شيءٌ صدقوه؛ فَزَادَهُم ذَلِك هدى {وَآتَاهُمْ} أَعْطَاهُم {تقواهم} جعلهم متقين. تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة 18 إِلَى آيَة 19. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 {فَهَل ينظرُونَ} أَي: فَمَا ينتظرون {إِلا السَّاعَةَ} النفخة الأولى الَّتِي يهْلك اللَّه بِهَا كُفَّارُ آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ {أَن تأتيهم بَغْتَة} فَجْأَة {فقد جَاءَ أشراطها} كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم من أشراطها، وأشراطها كثير، مِنْهَا انْشِقَاق الْقَمَر، ورَجْمُ الشَّيَاطِين بالنجوم. قَالَ محمدٌ: معنى (أشراطها): أعلامها، الْوَاحِد مِنْهَا شَرَطٌ - بِالتَّحْرِيكِ - وَأنْشد بَعضهم: (فَإنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ بالصَّرْمِ بَيْنَنَا ... فقد جَعَلَتْ أَشْرَاطُ أَوّلهِ تَبْدُو) يَحْيَى: عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ [كَهَاتَيْنِ. فَمَا فَضَّلَ إِحْدَاهُمْا عَلَى الأُخْرَى، وَجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي يَقُولُ النَّاسُ: السَّبَّابَةُ] ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 (ل 328) يَحْيَى: عَنْ خَدَاشٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حِينَ بُعِثَ إِلَيَّ بُعِثَ إِلَى صَاحِبِ الصُّورِ فَأَهْوَى بِهِ إِلَى فِيهِ، وَقَدَّمَ رِجْلًا وَأَخَّرَ أُخْرَى، يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرْ يَنْفُخْ، أَلَا فَاتَّقُوا النَّفْخَةَ ". {فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} أَي: فَكيف لَهُم تَوْبَتهمْ إِذا جَاءَتْهُم السَّاعَة؟! أَي: أَنَّهَا لَا تقبل مِنْهُم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 {وَالله يعلم متقلبكم} فِي الدُّنْيَا {ومثواكم} إِذا صرتم إِلَيْهِ، والمثوى: الْمنزل الَّذِي يثوون فِيهِ لَا يزولون عَنهُ. تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة 20 إِلَى آيَة 24. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 {وَيَقُول الَّذين آمنُوا لَوْلَا} هلا {نُزِّلَتْ سُورَةٌ} {محكمَة} أَي: مفروضٌ فِيهَا الْقِتَال. {رَأَيْتَ الَّذين فِي قُلُوبهم مرض} يَعْنِي: الْمُنَافِقين {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ من الْمَوْت} خوفًا وكراهية لِلْقِتَالِ {فَأَوْلَى لَهُمْ} هَذَا وعيدٌ من اللَّه لَهُم، ثمَّ انْقَطع الْكَلَام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 قَوْله: {طَاعَة} أَي: طاعةٌ لله وَرَسُوله {وَقَوْلٌ مَعْرُوف} خير مِمَّا أضمروا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 من النِّفَاق {فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ} بِالْجِهَادِ فِي سَبِيل اللَّه {فَلَوْ صدقُوا الله} فَكَانَ بَاطِن أَمرهم وَظَاهره صدقا {لَكَانَ خيرا لَهُم} يَعْنِي: بِهِ الْمُنَافِقين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 قَالَ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} عَمَّا فِي قُلُوبكُمْ من النِّفَاق حَتَّى تظهروه شركا {أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْض وتقطعوا أَرْحَامكُم} أَي: تقتلُوا قرابتكم. قَالَ محمدٌ: قَرَأَ نَافِع {عَسِيتُمْ} بكَسْر السِّين، وَقَرَأَ غير وَاحِد من الْقُرَّاء بِالْفَتْح، وَهِي أَعلَى اللغتين وأفصحهما؛ ذكره أَبُو عبيد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ} عَن الْهدى (وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ عَنهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} أَي: أَن على قُلُوبهم أقفالها؛ وَهُوَ الطَّبْع. تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة 25 إِلَى آيَة 29. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى} من بعد مَا أعْطوا الْإِيمَان، وَقَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة بِالنَّبِيِّ وَالْقُرْآن، يَعْنِي: الْمُنَافِقين {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ} {زين لَهُم} (وَأَمْلَى لَهُمْ} قَالَ الْحسن: يَعْنِي: وسوس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 إِلَيْهِم أَنكُمْ تعيشون فِي الدُّنْيَا بِغَيْر عَذَاب، ثمَّ تموتون فتصيرون إِلَى غير عَذَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بعض الْأَمر} أَي: فِي الشّرك وافقوهم على الشّرك؛ فِي السِّرِّ {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إسرارهم}. قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ بِفَتْح الْألف فَهُوَ جمع (سر). الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوههم وأدبارهم} تَفْسِير الْحسن: {توفتهم الْمَلَائِكَة} حشرتهم إِلَى النَّار {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدبارهم} فِي النَّار. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: فَكيف تكون حالُهم إِذا فعلت الْمَلَائِكَة هَذَا بهم؟! الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مرض} وهم المُنَافِقُونَ {أَنْ لَنْ يُخْرِجَ الله أضغانهم} يَعْنِي: مَا يكنون فِي صُدُورهمْ من الشّرك. تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة 30 إِلَى آيَة 31. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 {وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} يَعْنِي: نعتهم من غير أَن تعرفهم {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} يَعْنِي: تَعَلُّلَهم وَمَا كَانُوا يَعْتَذِرُونَ بِهِ من الْبَاطِل فِي الغَزْوِ، وَفِيمَا يكون مِنْهُم من القَوْل، ثمَّ أخبرهُ اللَّه بهم، فَلم يخف على رَسُول الله بعد هَذِه الْآيَة منافقٌ، وأَسَرَّهم النَّبِي إِلَى حُذَيْفَة. قَالَ محمدٌ: (فِي لحن القَوْل) أَي: فِي لحن كَلَامهم وَمَعْنَاهُ، وأصل الْكَلِمَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 من قَوْلهم: لَحِنْتُ أَي: بيَّنتُ، وأَلْحَنْتُ الرجلَ فَلَحِنَ؛ أَي: فهَّمتُه ففهم. {وَالله يعلم أَعمالكُم} من قبل أَن تعملوا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} وَهَذَا علم الفَعَال {وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} أَي: نختبركم؛ فنعلم من يصدق فِيمَا أَعْطي من الْإِيمَان وَمن يكذب. تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة 32 إِلَى آيَة 35. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 {وشاقوا الرَّسُول} فارقوه وعادوه {مِنْ بَعْدِ مَا تبين لَهُم الْهدى} من بعد مَا قَامَت عَلَيْهِم الحُجَّة {لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} بكفرهم {وسيحبط أَعْمَالهم}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 {وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم} تَفْسِير السُّدي: لَا تُحْبطوا أَعمالكُم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 {فَلَا تهنوا} (ل 329) لَا تضعفوا فِي الْجِهَاد {وَتَدْعُوا إِلَى السّلم} الصُّلْح، أَي: لَا تدعوا إِلَى الصُّلْح {وَأَنْتُم الأعلون} أَي: منصورون؛ بقوله للْمُؤْمِنين {وَالله مَعكُمْ} ناصركم {وَلنْ يتركم أَعمالكُم} أَي: لن ينقصكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 شَيْئا من ثَوَاب أَعمالكُم. قَالَ محمدٌ: يُقَال: وَتَرْتَنِي حقِّي: أَي بَخَسْتَنِيه، وَهُوَ الوِتْر بِكَسْر الْوَاو والتِّرَةُ أَيْضا. يَحْيَى: عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ الْمُؤْمِنَ حَسَنَةً يُثَابُ عَلَيْهَا الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ " مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ. تَفْسِيرُ سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة 36 إِلَى آيَة 38. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 قَوْله: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهو} أَي: إِن أهل الدُّنْيَا؛ يَعْنِي: الْمُشْركين الَّذين لَا يُرِيدُونَ غَيرهَا أهل لَهْوٍ ولعبٍ. {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وتتقوا يُؤْتكُم أجوركم} ثوابكم {وَلَا يسألكم أَمْوَالكُم} يَعْنِي: النَّبِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 {إِن يَسْئَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ} بِالْمَسْأَلَة {تبخلوا} أَي: لَو سألكم أَمْوَالكُم لبخلتم بهَا {وَيخرج أضغانكم} عداوتكم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 قَالَ محمدٌ: يُقَال: أَحْفاني بِالْمَسْأَلَة؛ أَي: ألح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 {هَا أَنْتُم هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ الله فمنكم من يبخل} بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيل اللَّه؛ يَعْنِي: الْمُنَافِقين {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَفسه وَالله الْغَنِيّ} عَنْكُم {وَأَنْتُم الْفُقَرَاء} إِلَيْهِ؛ يَعْنِي: جمَاعَة النَّاس {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا} عَن الْإِيمَان {يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} ويهلككم بالاستئصال {ثُمَّ لَا يَكُونُوا أمثالكم} أَي: يَكُونُوا خيرا مِنْكُم؛ يَقُوله للْمُشْرِكين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 تَفْسِير سُورَة الْفَتْح وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الْفَتْح من الْآيَة 1 إِلَى آيَة 5. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 قَوْله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبينًا} إِلَى قَوْله: {مُسْتَقِيمًا}. يَحْيَى: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم عَن مَرْجِعِهِ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَصْحَابِهِ مُخَالِطُو الْحُزْنَ وَالْكَآبَةِ، قَدْ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنَاسِكِهِمْ وَنَحَرُوا الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ. فَقَالَ: لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا! فَلَمَّا تَلاهَا عَلَيْهِمْ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: هَنِيئًا مَرِيئًا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَنَا مَا يَفْعَلُ بِكَ، فَمَاذَا يَفْعَلُ بِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} إِلَى قَوْله: {فوزا عَظِيما}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 قَالَ محمدٌ: قَوْله: {فَتَحْنَا لَكَ فتحا مُبينًا} قبل: الْمَعْنى: قضينا لَك بِإِظْهَار دين الْإِسْلَام والنصرة على عَدوك، وحكمنا لَك بذلك، وَيُقَال للْقَاضِي: الفتاح، وَالْحُدَيْبِيَة اسمُ بِئْر يُسَمَّى بِهِ الْمَكَان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 قَوْله: {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} يذل بِهِ أعداءك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 {هُوَ الَّذِي أنزل} يَعْنِي: أثبت {السكينَة} الْوَقار، فِي تَفْسِير الْحسن {فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانهم} أَي: تَصْدِيقًا مَعَ تصديقهم، يَعْنِي: يصدقونه بِكُل مَا أُنْزِلَ من الْقُرْآن. {وَللَّه جنود السَّمَاوَات وَالْأَرْض} ينْتَقم لبَعْضهِم من بعض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 {وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيما} وَهِي النجَاة من النَّار إِلَى الْجنَّة. تَفْسِير سُورَة الْفَتْح من الْآيَة 6 إِلَى آيَة 9. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 قَوْله: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} كَانُوا يَقُولُونَ: يهلكُ محمدٌ وَأَصْحَابه وَدينه {عَلَيْهِم دَائِرَة السوء} يَعْنِي: الْهَلَاك فِي الْآخِرَة {وَسَاءَتْ مصيرا} أَي: وبئست الْمصير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 {وَكَانَ الله عَزِيزًا} فِي نقمته {حكيما} فِي أمره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 {إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا} على أمتك {وَمُبشرا} بِالْجنَّةِ {وَنَذِيرا} من النَّار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 {لتؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله} يَقُوله للنَّاس {وتعزروه} أَي: وتنصروه {وتوقروه} أَي: وتعظموه؛ يَعْنِي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَفْسِير الْكَلْبِيّ {وتسبحوه} تسبِّحوا اللَّه: تصلوا لَهُ {بُكْرَةً وَأَصِيلا} بكرَة: صَلَاة الصُّبْح، وَأَصِيلا: صَلَاة الظّهْر وَالْعصر. تَفْسِير سُورَة الْفَتْح من الْآيَة 10 إِلَى آيَة 13. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} من بَايع رَسُول الله فَإِنَّمَا يُبَايع اللَّه، وَهَذَا يَوْم الْحُدَيْبِيَة، وَهِي بيعَة الرضْوَان؛ بَايعُوهُ على أَلا يَفروا {يَدُ اللَّهِ فَوق أَيْديهم} تَفْسِير السُّدي يَقُول: فعل اللَّه بهم الْخَيْر أفضل من فعلهم فِي أَمر الْبيعَة. يَحْيَى: عَنِ ابْن لَهِيعَة ( (ل 330)) يَوْم بيعَة رَسُول الله تَحْتَ الشَّجَرَةِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَلَمَّا رَاثَ عَلَيْهِ - أَيْ: أَبْطَأَ عَلَيْهِ - ظن رَسُول الله أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ غُدِرَ بِهِ فَقُتِلَ؛ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: إِنِّي لَا أَظُنُّ عُثْمَانَ إِلا قَدْ غُدِرَ بِهِ؛ فَإِنْ فَعَلُوا فَقَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ، فَبَايِعُونِي عَلَى الصَّبْرِ وَأَلا تَفِرُّوا ". قَوْله: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه} أَي: فَمن نكث؛ يَعْنِي: يرجع مُحَمَّد فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله فسيؤتيه أجرا عَظِيما} يَعْنِي: الْجنَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ} يَعْنِي: الْمُنَافِقين المتخلِّفين عَن الْجِهَاد؛ فِي تَفْسِير الْحسن {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} خِفْنَا عَلَيْهِم الضَّيْعَةَ، فَذَلِك الَّذِي منعنَا أَن نَكُون مَعَك فِي الْجِهَاد. {فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهم} أَي: يَعْتَذِرُونَ بِالْبَاطِلِ {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِن أَرَادَ بكم ضرا} أَن يهلككم بنفاقكم فيدخلكم النَّار {أَو أَرَادَ بكم نفعا} أَن يَرْحَمكُمْ بِإِيمَان يَمُنُّ بِهِ عَلَيْكُم، وَقد أخبر نبيَّه بعد هَذِه الْآيَة أَنه لَا يَتُوب عَلَيْهِم فِي قَوْله: {لن يغْفر الله لَهُم}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} كَانَ المُنَافِقُونَ يَقُولُونَ: لن يرجع مُحَمَّد إِلَى الْمَدِينَة أبدا {وَكُنْتُمْ قَوْمًا بورا} يَعْنِي: فاسدين. قَالَ محمدٌ: البور فِي بعض اللُّغَات: الفاسدُ، يُقَال: أَصبَحت أَعْمَالهم بورًا؛ أَي: مُبْطَلة، وأصبحت ديارُهم بورًا؛ أَي: معطلة خرابا. تَفْسِير سُورَة الْفَتْح من الْآيَة 14 إِلَى آيَة 15. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 {وَللَّه ملك السَّمَاوَات وَالأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ من يَشَاء} وَلَا يَشَاء أَن يغْفر إِلَّا لمن تَابَ من الشّرك وَبرئ من النِّفَاق، ويعذِّب من أَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 يَمُوت {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (لمن) آمن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِم لتأخذوها} وهم المُنَافِقُونَ: {ذرونا} يَقُولُونَهُ للْمُؤْمِنين {نتبعكم} وَهَذَا حِين أَرَادوا أَن يخرجُوا إِلَى خَيْبَر أَحبُّوا الْخُرُوج ليصيبوا من الْغَنِيمَة، وَقد كَانَ اللَّه وعدها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يتركْ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحدا من الْمُنَافِقين يخرج مَعَه إِلَى خَيْبَر أمره اللَّه بذلك، وَإِنَّمَا كَانَت لمن شهد بيعَة الرضْوَان يَوْم الْحُدَيْبِيَة {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قل لن تتبعونا} أَي: لن تخْرجُوا مَعنا {كَذَلِكُمْ قَالَ الله من قبل} أَلا تخْرجُوا {فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا} إِنَّمَا تمنعوننا من الْخُرُوج مَعكُمْ للحسد، قَالَ اللَّه: {بَلْ كَانُوا لَا يفقهُونَ إِلَّا قَلِيلا} عَن اللَّه، ثمَّ اسْتثْنى الْمُؤمنِينَ فَقَالَ: {إِلَّا قَلِيلا} فهم الَّذين يفقهُونَ عَن اللَّه. تَفْسِير سُورَة الْفَتْح من الْآيَة 16 إِلَى آيَة 17. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} والبأس: الْقِتَال. {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} أَي: تقاتلونهم على الْإِسْلَام. قَالَ الْحسن وَمُجاهد: هم أهل فَارس {فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ من قبل} قَالَ الْكَلْبِيّ: يَوْم الْحُدَيْبِيَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 عَذَر اللَّه عِنْد ذَلِك أهلَ الزّمانة فَقَالَ: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حرج} إثمٌ {وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ} أَن يتخلَّفوا عَن الْغَزْوَة {وَلا على الْمَرِيض حرج} فَصَارَت رخصَة لَهُم فِي الْغَزْو، وَوضع عَنْهُم. تَفْسِير سُورَة الْفَتْح من الْآيَة 18 إِلَى آيَة 23. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايعُونَك تَحت الشَّجَرَة} قَالَ جَابر بْن عبد اللَّه: " كَانَت سَمُرةً بَايَعْنَاهُ تحتهَا وَكُنَّا أَربع عشرَة مائَة - يُرِيد ألفا وَأَرْبَعمِائَة - وَعمر آخذٌ بِيَدِهِ فَبَايَعْنَاهُ كلنا غير جد بْن قيس اخْتَبَأَ تَحت إبط بعيره. قَالَ جَابر: وَلم نُبَايِع عِنْد شَجَرَة إِلَّا الشَّجَرَة الَّتِي بِالْحُدَيْبِية ". قَالَ: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبهم} أَنهم صَادِقُونَ {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} تَفْسِير الْحسن: السكينَة: الْوَقار {وَأَثَابَهُمْ فتحا قَرِيبا} خَيْبَر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 (وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 يَأْخُذُونَهَا} يَأْخُذهَا الْمُؤْمِنُونَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا}. {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ} وهم أَسد وغَطَفَان كَانُوا خَيْبَر، وَكَانَ (ل 331) اللَّه قد وعد نبيه خَيْبَر؛ فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يوجهوا راياتهم إِذا هموا إِلَى غطفان وَأسد ذَلِك، فَألْقى اللَّه فِي قُلُوبهم الرعب، فَهَرَبُوا من تَحت ليلتهم فَهُوَ قَوْله: {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُم} إِلَى آخر الْآيَة؛ هَذَا تَفْسِير الْكَلْبِيّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 قَوْله: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} {بعد} (قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا} يَقُول: أعلم أَنكُمْ ستظفرون بهَا وتفتحونها؛ يَعْنِي: كل غنيمَة يغنمها الْمُسلمُونَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فِي تِلْكَ الْحَال {لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيًّا} يمنعهُم من ذَلِك الْقَتْل الَّذِي يقتلهُمْ الْمُؤْمِنُونَ {وَلاَ نَصِيرًا} ينتصر لَهُم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ} أَي: بقتل من أظهر الشّرك؛ إِذْ أَمر النَّبِي بِالْقِتَالِ. قَالَ محمدٌ: {سُنَّةَ اللَّهِ} مَنْصُوب بِمَعْنى: سنّ اللَّه سنة. تَفْسِير سُورَة الْفَتْح من الْآيَة 24 إِلَى آيَة 26. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بعد أَن أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم} قَالَ الكَلْبي: كَانَ هَذَا يَوْم الْحُدَيْبِيَة؛ فَإِن الْمُشْركين من أهل مَكَّة كَانُوا قَاتلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ شيءٌ من رمْي نَبْلٍ وحجارة بَين الْفَرِيقَيْنِ ثمَّ هزم اللَّه الْمُشْركين وهم بِبَطن مَكَّة، فهُزِمُوا حَتَّى دخلُوا مَكَّة، ثمَّ كفّ الله بَعضهم عَن بعض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِد الْحَرَام} صدّ الْمُشْركُونَ رَسُول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبَيْت، فَنحر وَنحر أَصْحَابه الْهَدْي بِالْحُدَيْبِية، وَهُوَ قَوْله: {وَالْهَدْي معكوفا} أَي: مَحْبُوسًا {أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}. قَالَ محمدٌ: يُقَال: عَكَفْتُه عَن كَذَا إِذا حبَسْته، وَمِنْه: العاكف فِي الْمَسْجِد، إِنَّمَا هُوَ الَّذِي يَحْبِس نَفسه فِيهِ: والمحِلُّ: المَنْحَرُ. وَنصب (وَالْهَدْي) على معنى: صدوكم وصدوا الهَدْيَ معكوفًا. {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مؤمنات} بِمَكَّة يدينون بالتقية {لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ} فتقتلوهم {فتصيبكم مِنْهُم معرة} إِثْم {بِغَيْر علم} أَي: فتقتلوهم بِغَيْر علم {لِيُدْخِلَ الله فِي رَحمته} يَعْنِي: الْإِسْلَام {من يَشَاء} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 فيسلموا، وَقد فعل اللَّه ذَلِك. قَالَ الله: {لَو تزيلوا} أَي: زَالَ الْمُسلمُونَ من الْمُشْركين، وَالْمُشْرِكُونَ من الْمُسلمين، فَصَارَ الْمُشْركُونَ مَحْضًا {لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عذَابا أَلِيمًا} أَي: لسلطناكم عَلَيْهِم فَقَتَلْتُمُوهُمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبهم الحمية} هم الْمُشْركُونَ؛ صدوا نبيَّ اللَّه يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وحُبِسَ الْهَدْي أَن يبلغ مَحَله، وَإِنَّمَا حملهمْ على ذَلِك حمية الجاهية والتَّمَاسُك بهَا {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كلمة التَّقْوَى} لَا إِلَه إِلَّا اللَّه {وَكَانُوا أَحَق بهَا وَأَهْلهَا} فِي الدُّنْيَا، وَعَلَيْهَا وَقع الثَّوَاب فِي الْآخِرَة. تَفْسِير سُورَة الْفَتْح من الْآيَة 27 إِلَى آيَة 28. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ} كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم - فِي تَفْسِير الْكَلْبِيّ - رأى فِي الْمَنَام فِي خُرُوجه إِلَى الْمَدِينَة كَأَنَّهُ بمكَة، وَأَصْحَابه قد حَلقُوا وَقصرُوا؛ فَأخْبر رَسُول الله بذلك الْمُؤمنِينَ، فاستبشروا وَقَالُوا: وَحْيٌ. فَلَمَّا رَجَعَ رَسُول الله من الْحُدَيْبِيَة ارتاب نَاس؛ فَقَالُوا: رأى فَلم يكن الَّذِي رأى، فَقَالَ اللَّه - عز وَجل -: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ الله آمِنين}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 قَالَ محمدٌ: ذكر بعض الْعلمَاء أَن الْعَرَب تستثني فِي الْأَمر الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ، وَمِنْه قَول اللَّه - عز وَجل -: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِد الْحَرَام} فعزم لَهُم بِالدُّخُولِ، وَاسْتثنى فِيهِ. قَالَ يحيى: وَكَانَ رَسُول الله صَالح الْمُشْركين على أَن يرجع عَامه ذَلِك، وَيرجع من قَابل، وَيُقِيم بِمَكَّة ثَلَاثَة أَيَّام، فَنحر رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه الْهَدْي بالحُدَيبية، وحلقوا وَقصرُوا ثمَّ أدخلهُ اللَّه الْعَام الْمقبل مَكَّة وَأَصْحَابه آمِنين فحلقوا وَقصرُوا. {فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبا} فتح خَيْبَر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدين الْحق} (ل 332) الْإِسْلَام {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} تَفْسِير الْحسن: حَتَّى يحكم على الْأَدْيَان. وَتَفْسِير ابْن عَبَّاس: حَتَّى يظْهر النَّبِي على الدّين كُله؛ أَي: على شرائع الدّين كلهَا، فَلم يقبض رَسُول الله حَتَّى أتم الله ذَلِك. تَفْسِير سُورَة الْفَتْح الْآيَة 29. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} يَعْنِي: متوادين {تراهم ركعا سجدا} يَعْنِي: الصَّلَوَات الْخمس {يَبْتَغُونَ فَضْلا من الله ورضوانا} بِالصَّلَاةِ والصَّوْم وَالدّين كُله {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} قَالَ بَعضهم: سِيمَاهُمْ فِي الآخرين يقومُونَ غرًّا مُحجَّلين من أَثَرِ الْوضُوء {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 أَي: نَعْتُهم {وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ} أَي: ونعتهم فِي الْإِنْجِيل {كَزَرْعٍ أخرج شطأه} النَّعْت الأول فِي التَّوْرَاة، والنعت الآخر فِي الْإِنْجِيل و (شطأه): فِرَاخه {فآزره} فشده {فاستغلظ} أَي: فَاشْتَدَّ {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} أَي: أُصُوله قَالَ محمدٌ: يُقَال: قد أشطأ الزَّرْع فَهُوَ مُشْطِئ إِذا أفرخ. وَمعنى (آزره): أَعَانَهُ وَقواهُ، و (السُّوق) جمع: سَاق. {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بهم الْكفَّار} أَي: يخرجُون فيكونون قَلِيلا كالزرع حِين يخرج ضَعِيفا فيكثرون ويَقْوَوْن، فشبَّههم بالزرْع يعجب الزراع ليغيظ بهم الْكفَّار. يَقُول: إِنَّمَا يفعل ذَلِك بهم ليغيظ بهم الْكفَّار {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} يَعْنِي: الْجنَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 تَفْسِير سُورَة الحجرات وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الحجرات من الْآيَة 1 إِلَى آيَة 3. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدي الله وَرَسُوله} الْآيَة، تَفْسِير مُجَاهِد: تفتاتوا على رَسُول الله بِشَيْء حَتَّى يَقْضِيه اللَّه على لِسَانه. قَالَ محمدٌ: يُقَال فلَان يقدم بَين يَدي الإِمَام وَبَين يَدي أَبِيه؛ أَي: يعجل بِالْأَمر وَالنَّهْي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الْآيَة، تَفْسِير الْحسن: أَن نَاسا من الْمُنَافِقين كَانُوا يأْتونَ النَّبِي فيرفعون أَصْوَاتهم فَوق صَوته، يُرِيدُونَ بذلك أَذَاه وَالِاسْتِخْفَاف بِهِ، فنسبهم إِلَى مَا أعْطوا من الْإِيمَان فِي الظَّاهِر، فَقَالَ: {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} يَقُول: لَا تَقولُوا: يَا مُحَمَّد، وَقُولُوا: يَا رَسُول الله، وَيَا نَبِي اللَّه {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ}. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: فَيكون ذَلِك سَببا لِأَن تحبط أَعمالكُم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُول الله} فيعظمونه بذلك؛ فَلَا يرفعونها عِنْده {أُولَئِكَ الَّذين امتحن الله قُلُوبهم} أخْلص الله قُلُوبهم {للتقوى}. تَفْسِير سُورَة الحجرات من الْآيَة 4 إِلَى آيَة 5. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 قَوْله: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاء الحجرات} الْآيَة، تَفْسِير الْكَلْبِيّ: بلغنَا أَن نَاسا من بَني العَنْبر، وَكَانَ رَسُول الله وَأَصْحَابه قد أَصَابُوا من ذَرَارِيهمْ فَأَقْبَلُوا ليقادوهم، فقدموا الْمَدِينَة ظُهْرًا فَإِذا هم بذراريهم عِنْد بَاب الْمَسْجِد، فَبكى إِلَيْهِم ذَرَارِيهمْ فنهضوا فَدَخَلُوا الْمَسْجِد، وعجلوا أَن يخرج إِلَيْهِم النَّبِي، فَجعلُوا يَقُولُونَ: يَا مُحَمَّد، اخْرُج إِلَيْنَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 قَالَ اللَّه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُم} تَفْسِير الْحسن: وَلَو أَنهم صَبَرُوا حَتَّى تخرج إِلَيْهِم؛ فعظموك ووقروك، لَكَانَ لَهُم خيرا. تَفْسِير سُورَة الحجرات من الْآيَة 6 إِلَى آيَة 8. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} الْآيَة، تَفْسِير الْكَلْبِيّ: بلغنَا أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم بعث الْوَلِيد بْن عقبَة إِلَى بني المصطلق وهم حيٌّ من خُزَاعَة؛ ليَأْخُذ مِنْهُم صَدَقَاتهمْ، فَفَرِحُوا بذلك وركبوا يَلْتمسونه، فَبَلغهُ أَنهم قد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 ركبُوا يتلقونه، وَكَانَ بَينهم وَبَين الْوَلِيد ضِغْنٌ فِي الْجَاهِلِيَّة، فخاف الْوَلِيد أَن يَكُونُوا إِنَّمَا ركبُوا إِلَيْهِ ليقتلوه، فَرجع إِلَى رَسُول الله وَلم يلقهم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن بني المصطلق منعُوا صَدَقاتهم، وَكَفرُوا بعد إسْلَامهمْ قَالُوا: يَا رَسُول الله، إِلَيْنَا (ل 333) إِنَّمَا رده غَضَبه غضِبْته علينا؛ فَإنَّا نَعُوذ بِاللَّه من غَضَبه وَغَضب رَسُوله. فَأنْزل اللَّه [عذرهمْ] فِي هَذِه الْآيَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ} مُقيما بَيْنكُم؛ فَلَا تضلون مَا قبلتم مِنْهُ {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كثير من الْأَمر لعنتم} أَي: فِي دينكُمْ، العنتُ: الْحَرج والضيق {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَان وزينه فِي قُلُوبكُمْ} بِمَا وَعدكُم عَلَيْهِ من الثَّوَاب {وَكره إِلَيْكُم الْكفْر والفسوق} الفسوق والعصيان واحدٌ {أُولَئِكَ هُمُ الراشدون} الَّذين حبب إِلَيْهِم الْإِيمَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 {فضلا من الله ونعمة} أَي: بِفضل من اللَّه وَنعمته فعل ذَلِك بهم {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} بخلقه {حَكِيم} فِي أمره. تَفْسِير سُورَة الحجرات من الْآيَة 9 إِلَى آيَة 10. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: بلغنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم أقبل على حمارٍ حَتَّى وقف فِي مجْلِس من مجَالِس الْأَنْصَار؛ فكره بعض الْقَوْم موقفه، وَهُوَ عبد الله بْن أبي ابْن سلول الْمُنَافِق، فَقَالَ لَهُ: خل لنا سَبِيل الرّيح من نَتن هَذَا الْحمار، أُفٍّ {وَأمْسك بِأَنْفِهِ، فَمضى رَسُول الله وَغَضب لَهُ بعض الْقَوْم، وَهُوَ عبد الله بْن رَوَاحَة فَقَالَ: ألرسول اللَّه قلت هَذَا القَوْل؟} فواللَّه لَحِمَارهُ أطيبُ ريحًا مِنْك! فاستبًّا ثمَّ اقتتلا واقتتلت عشائرهما، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله، فَأقبل يصلح بَينهمَا؛ فكأنهم كَرهُوا ذَلِك، فَنزلت هَذِه الْآيَة: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا}. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {اقْتَتَلُوا} يُرِيد جَمَاعَتهمْ، وَقَوله: {بَينهمَا} يُرِيد الطَّائِفَتَيْنِ. تَفْسِير سُورَة الحجرات من الْآيَة 11 إِلَى آيَة 12. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ من قوم} تَفْسِير مُجَاهِد: لَا يهزأ قوم بِقوم وَرِجَال من رجال {عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفسكُم} أَي: لَا يطعن بعضُكُم على بعض {وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ} تَفْسِير الْحسن: يَقُول الرّجُل للرجل - قد كَانَ يهوديًّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 أَو نصرانيًّا؛ فَأسلم -: يَا يَهُودِيّ، يَا نَصْرَانِيّ، أَي: يَدعُونَهُ باسمه الأول، ينْهَى اللَّه الْمُؤمنِينَ عَن ذَلِك وَقَالَ: {بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بعد الْإِيمَان} بئس الِاسْم: الْيَهُودِيَّة والنصرانية بعد الْإِسْلَام. قَالَ محمدٌ: الألقاب والإنباز وَاحِد، الْمَعْنى: لَا تتداعَوْا بهَا، وَهُوَ تَفْسِير الْحسن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} تَفْسِير الْحسن: إِذا ظَنَنْت بأخيك الْمُسلم ظنًّا حسنا؛ فَأَنت مأجورٌ، وَإِذا ظَنَنْت بِهِ ظنًّا سَيِّئًا؛ فَأَنت آثم {وَلَا تجسسوا} لَا يتَّبع الرجل عَوْرة أَخِيه الْمُسلم. يَحْيَى: عَنِ النَّضْرِ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَّلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَنَادَى بِصَوْتٍ أَسْمَعَ الْعَوَاتِقَ فِي الْخُدُورِ: يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِقَلْبِهِ، أَلا لَا تُؤْذُوا الْمُؤْمِنِينَ وَلا تُعِيبُوهُمْ وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ؛ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ فَضَحَهُ فِي بَيْتِهِ ". قَوْله: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فكرهتموه} قَالَ الْكَلْبِيُّ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لقوم اغتابوا رجليْن: أيحبُّ أحدكُم أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا بَعْدَمَا يَمُوت؟! فَقَالُوا: لَا وَالله يَا رَسُول الله، مَا نستطيع أَكْله وَلَا نحبه. فَقَالَ رَسُول الله: فاكرهوا الْغَيْبَة ". يَحْيَى: عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا ذَكَرْتَ أَخَاكَ بِمَا فِيهِ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِذَا ذَكَرْتَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَقَدْ بَهته ". تَفْسِير سُورَة الحجرات من الْآيَة 13 إِلَى آيَة 18. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 {وجعلناكم شعوبا وقبائل} تَفْسِير بَعضهم: الشعوب: الْأَجْنَاس، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 والقبائل: قبائل الْعَرَب. قَالَ محمدٌ: وَاحِد الشعوب: شَعب - بِفَتْح الْعين - والشَّعْب بالكسْر: الطَّرِيق؛ يَعْنِي: فِي الْجَبَل. {لتعارفوا} ثمَّ انْقَطع الْكَلَام، ثمَّ قَالَ: {إِن أكْرمكُم عِنْد الله} يَعْنِي: فِي الْمنزلَة {أَتْقَاكُم} (فِي الدُّنْيَا). الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 {قَالَت الْأَعْرَاب آمنا} يَعْنِي: الْمُنَافِقين (ل 334) من {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أسلمنَا} تَفْسِير قَتَادَة: وَلَكِن قُولُوا: السَّيْف {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تطيعوا الله وَرَسُوله} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {لَا يَلِتْكُمْ} لَا ينقصكم {مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُوله ثمَّ لم يرتابوا} يشكوا {وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} بِمَا أعْطوا من الْإِيمَان مُخْلصة بِهِ قُلُوبهم، لَيْسَ كَمَا صنع المُنَافِقُونَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 {قل أتعلمون الله بدينكم} يَعْنِي: الْمُنَافِقين أَي: إنّ دينكُمْ الَّذِي تضمرون هُوَ الشّرك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 {يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا} تَفْسِير الْحسن: هَؤُلَاءِ مُؤمنُونَ وَلَيْسوا بمنافقين، وَلَكنهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لرَسُول الله: أسْلَمْنا قبل أَن يسلم بَنو فلَان، وقاتلنا مَعَك قبل أَن يُقَاتل بَنو فلَان؛ فَأنْزل اللَّه {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أَي: إِن كُنْتُم صَادِقين عُرِفْتُم بِالصّدقِ، إِن المنَّة لله وَلِرَسُولِهِ عَلَيْكُم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 {إِن الله يعلم غيب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} سر السَّمَاوَات وَالأَرْضِ {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 تَفْسِير سُورَة ق وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير الْآيَات من 1 وَحَتَّى 11 من سُورَة ق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 ق َوْله {ق} تَفْسِير بَعضهم: هُوَ جبل مُحِيط بالدنيا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 قَالَ محمدٌ: وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: هُوَ جبل أَخْضَر من زمرد، خضرَة السَّمَاء مِنْهُ. وَذكر قطرب أَن قِرَاءَة الْحسن {ق} بِالْجَزْمِ. قَالَ يحيى: وبَعْضُهم يجر قَاف وَالْقُرْآن الْمجِيد؛ يَجعله على الْقسم، وَمعنى (الْمجِيد): الْكَرِيم على اللَّه، وَمن جزم جعل الْقسم من (وَالْقُرْآن الْمجِيد). قَالَ الْحسن: وَقع الْقسم على تعجْب الْمُشْركين مِمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 قَوْله: {بل عجبوا} أَي: لقد عجبوا؛ يَعْنِي: الْمُشْركين {أَن جَاءَهُم مُنْذر مِنْهُم} يَعْنِي: النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم فِي النّسَب ينذر من عَذَاب اللَّه {فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} أَي: عجب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 {أئذا متْنا وَكُنَّا تُرَابا} على الِاسْتِفْهَام {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} يُنكرُونَ الْبَعْث؛ أَي: إِنَّه لَيْسَ بكائن، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 قَالَ اللَّه: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تنقص الأَرْض مِنْهُم} مَا تَأْكُل الأَرْض مِنْهُم إِذا مَاتُوا، تَأْكُل كل شيءٍ إِلَّا عَجْبَ الذَّنَب {وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} تَفْسِير بَعضهم: يَقُول: هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 {فهم فِي أَمر مريج} مُلْتبسٍ؛ يَعْنِي: فِي شّكٍ من الْبَعْث. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 {كَيفَ بنيناها وزيناها} يَعْنِي: بالكواكب {وَمَا لَهَا من فروج} من شقوق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 {وألقينا فِيهَا رواسي} الرواسِي: الْجبَال أَثْبَتَ بهَا الأرضَ {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بهيج} حسن، وكل مَا ينْبت فِي الأَرْض فالواحد مِنْهُ زوج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 {تبصرة} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 أَي: يتفكر فِيهِ الْمُؤمن، فَيعلم أَن الَّذِي خلق هَذَا قادرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى، وَأَنْ مَا وعد اللَّه من الْآخِرَة حق. قَالَ مُحَمَّد: (تبصرة) منصوبٌ بِمَعْنى: فصَّلنا ذَلِك للتبصرة، وليدل على الْقُدْرَة. {وَذِكْرَى لِكُلِّ عبد منيب} مقبل إِلَى اللَّه بإخلاص لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 {فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} وَهُوَ كل مَا يحصد؛ فِي تَفْسِير الْحسن. قَالَ محمدٌ: (حب الحصيد) الْمَعْنى: الْحبّ الحصيد، فأضاف الْحبّ إِلَى الحصيد؛ كَمَا يُقَال: صَلَاة الأولى؛ يُرَاد الصَّلَاة الأولى، وَمَسْجِد الْجَامِع؛ يُرَاد المسجدُ الْجَامِع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 قَوْله: {وَالنَّخْل باسقات} يَعْنِي: طوَالًا. قَالَ محمدٌ: يُقَال: بسق الشَّيْء بُسُوقًا إِذا طَال. {لَهَا طلع نضيد} أَي: منضودٌ بعْضُه فَوق بعض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 {رزقا للعباد} أَي: أنبتناه رزقا للعباد {وَأَحْيَيْنَا بِهِ} بالمطر {بَلْدَة مَيتا} يابسة لَيْسَ فِيهَا نَبَات فأنبتت {كَذَلِك الْخُرُوج} الْبَعْثَ. يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا مَنِيًّا كمني الرِّجَال ينْبت بِهِ جسمانهم ولحمانهم، كَمَا ينْبت الأَرْض الثرى. تَفْسِير الْآيَات من 12 وَحَتَّى 15 من سُورَة ق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 {كذبت قبلهم} قبل يَوْمك يَا محمدُ {قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرس} الرس: بِئْر كَانَ (ل 335) عَلَيْهَا قوم فنسبوا إِلَيْهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 {وإخوان لوط} إخْوَان فِي النّسَب لَا فِي الدّين {وَأَصْحَاب الأيكة} الغيضة وَقد فسرنا أَمرهم فِي سُورَة الشُّعَرَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 {وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحق وَعِيد} يَقُول: جَاءَتْهُم الرُّسُل يَدعُونَهُمْ إِلَى الْإِيمَان، ويحذرونهم الْعَذَاب، فكذبوهم فَجَاءَهُمْ الْعَذَاب، يحذر بِهَذَا مُشْركي الْعَرَب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 {أفعيينا بالخلق الأول} تَفْسِير الْحسن: يَعْنِي: خلق آدمَ، أَي: لم يعي بِهِ {بَلْ هم فِي لبس} فِي شكٍّ {مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} يَعْنِي: الْبَعْث. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: لم يعي بالخلق الأول، وَكَذَلِكَ لَا يعيى بالخلق الثَّانِي وَهُوَ الْبَعْث، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الْحسن، وَيُقَال: عَيِيَ بأَمْره يَعْيَى عَيَاءً، وأعيا فِي الْمَشْي إعياء. تَفْسِير الْآيَات من 16 وَحَتَّى 22 من سُورَة ق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا توسوس بِهِ نَفسه} مَا تحدث بِهِ نَفسه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} وَهُوَ نِيَاط الْقلب. قَالَ محمدٌ: الوريد عرقٌ فِي بَاطِن الْعُنُق، وَالْحَبل هُوَ الوريد؛ فأضيف إِلَى نَفسه لاخْتِلَاف لَفْظِي اسْمه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 قَوْله: {إِذْ يتلَقَّى المتلقيان} يَعْنِي: الْملكَيْنِ الكاتبيْن. قَالَ محمدٌ: يَعْنِي: يَلْتَقِيَانِ مَا يعمله ويَكْتُبَانه. {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قعيد} أَي: رصيده يرصده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد} أَي: حَافظ حَاضر يكتبان كل مَا يلفظ بِهِ. قَالَ محمدٌ: {قعيد} أَرَادَ قعيدًا من كل جَانب، فَاكْتفى بِذكر وَاحِد إِذْ كَانَ دَلِيلا على الآخر، وقعيد بِمَعْنى قَاعد، كَمَا يُقَال: قدير وقادر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 {وَجَاءَت سكرة الْمَوْت بِالْحَقِّ} بِالْبَعْثِ؛ أَي: يَمُوت ليَبْعَث. قَوْله: {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} تهرب، قَالَ الْحسن: هُوَ الْكَافِر لم يكن شَيْء أبْغض إِلَيْهِ من الْمَوْت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 {ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعيد} يَعْنِي: الْمَوْعُود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وشهيد} سائق يَسُوقهَا إِلَى الْجنَّة أَو النَّار، وَشَاهد يشْهد عَلَيْهَا بعملها، وَتَفْسِير بَعضهم: هُوَ ملكه الَّذِي كتب عمله فِي الدُّنْيَا هُوَ شَاهد عَلَيْهِ بِعَمَلِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فكشفنا عَنْك غطاءك} غطاء الْكفْر {فبصرك الْيَوْم} يَعْنِي: يَوْم الْقِيَامَة {حَدِيد} أَي: بصيرٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 قَالَ مُحَمَّد: {حَدِيد} فِي معنى: حاد، كَمَا يُقَال: حفيظٌ وحافظ: وَيُقَال: حدَّ بَصَره. تَفْسِير الْآيَات من 23 وَحَتَّى 30 من سُورَة ق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 {وَقَالَ قرينه} هُوَ الْملك الَّذِي كَانَ يكْتب عمله {هَذَا مَا لدي} أَي: عِنْدِي {عتيد} أَي: حَاضر؛ يَعْنِي: مَا كتب عَلَيْهِ. قَالَ مُحَمَّد: (عتيد) يجوز الرّفْع فِيهِ بِمَعْنى هُوَ عتيد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 قَالَ اللَّه: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كل كفار عنيد} أَي: معاند للحق مجتنبه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 {مناع للخير} لِلزَّكَاةِ (مُعْتَد) هُوَ من قِبَل العُدوان {مُرِيبٍ} أَيْ: فِي شَكٍّ مِنَ الْبَعْثِ. قَالَ محمدٌ: قَوْله: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم} قيل: يحْتَمل - وَالله أعلم - أَن يكون عَنَى السَّائِق والشهيد؛ لقَوْله: {مَعهَا سائق وشهيد} فيكونا هما المأمورين، وَيحْتَمل أَن يكون وَاحِدًا، وَهِي لُغَة بني تَمِيم تَقول: اذْهبا يَا رجل، واذهبا يَا قوم، وَقَالَ الشَّاعِر: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 (فَإِنْ تَزْجُراني يَا ابْنَ مَرْوَان أَزْدَجِرْ ... وإنْ تَدَعَانِي أَحْمِ عِرْضًا ممنعا) وَجَاء ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَقُلْنَا اذْهَبَا} قَالَ: يُرِيد مُوسَى وَحده. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَقَوله: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم} هُوَ من هَذَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 {قَالَ قرينه} يَعْنِي: شَيْطَانه {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} أَي: مَا أضللته بسُلْطان كَانَ لي عَلَيْهِ {وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ} {من الْهدى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 2 - ! (قَالَ لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ) {عِنْدِي} (وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ) {فِي الدُّنْيَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 2 - ! (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} أَي: قد قضيت مَا أَنا قَاض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 {يَوْمَ يَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} تَفْسِير مُجَاهِد: وعدها ليملأها، فَقَالَ: أوفيتُكِ؟ فَقَالَت: أَو هَل من مَسْلَك؟ أَي: قد امْتَلَأت. قَالَ مُحَمَّد: {يَوْم} نصب على معنى [وَاذْكُرْ] يَوْم يَقُول، وَقد يكون على معنى: مَا يُبَدَّل القَوْل لدي فِي ذَلِك الْيَوْم. وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ. تَفْسِير الْآيَات من 31 وَحَتَّى 35 من سُورَة ق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 {وأزلفت الْجنَّة} أَي: أدنيت {لِلْمُتَّقِينَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 {هَذَا مَا توعدون} يَعْنِي: الْجنَّة {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} (ل 336) الأواب: الرَّاجِع عَن ذَنبه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 {وَجَاء بقلب منيب} أَي: لَقِي الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 {ادخلوها بِسَلام} تَفْسِير السُّدي: تَقوله لَهُم الْمَلَائِكَة {ذَلِك يَوْم الخلود}. يَحْيَى: عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: " إِذَا دَخَلَ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلَ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلا مَوْتٌ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْتٌ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ} إِذا اشتهوا الشَّيْء جَاءَهُم من غير أَن يدعوا بِهِ {وَلَدَيْنَا مزِيد}. يَحْيَى: عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بن عبد الله ابْن عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " سَارِعُوا إِلَى الْجَمْعِ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 عَزَّ وَجَلَّ - يَبْرُزُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فِي كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ أَبْيَضَ، فَيَكُونُونَ مِنْهُ فِي الْقُرْبِ كَمُسَارَعَتِهِمْ إِلَى الْجَمْعِ فِي الدُّنْيَا، فَيُحْدِثُ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ شَيْئًا لَمْ يَكُونُوا رَأَوْهُ قَبْلَ ذَلِكَ ". قَالَ يحيى: وسمعتُ غير المَسْعُودِيّ يزِيد فِيهِ: وَهُوَ قَوْله: {ولدينا مزِيد}. يحيى: عَن خَالِد، عَن عَمْرو بْن عُبيد، عَن بكر بْن عبد الله الْمُزنِيّ، قَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 " إِن أهل الْجنَّة ليَروْن رَبهم فِي مِقْدَار كل عيد هُوَ لكم - كَأَنَّهُ يَقُول: فِي كل سَبْعَة أَيَّام - مرّة، فَيَأْتُونَ ربَّ الْعِزَّة فِي حُلَلٍ خُضر (وُجُوههم مشرقة) وأساور من ذهب مُكَلَّلةٍ بالدُّر والزُّمُرُّد وَعَلَيْهِم أكاليل (الدّرّ) ويركبون نجائبهم ويستأذنون على رَبهم فَيدْخلُونَ عَلَيْهِ؛ فيأمر لَهُم رَبنَا بالكرامة ". قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فِي كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ لَا يُرَى طَرْفَاهُ، وَفِيهِ نَهْرٌ جَارٍ حَافَّتَاهُ الْمِسْكُ عَلَيْهِ جَوَارٍ يَقْرَأْنَ الْقُرْآنَ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ؛ فَإِذَا انْصَرَفُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ أَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مَا شَاءَ مِنْهُنَّ، ثُمَّ يَمُرُّونَ عَلَى قَنَاطِرَ مِنْ لُؤْلُؤٍ إِلَى مَنَازِلِهِمْ، فَلَوْلا أَنَّ اللَّهَ يَهْدِيهِمْ إِلَى مَنَازِلِهِمْ مَا اهْتَدَوْا إِلَيْهَا؛ لِمَا يُحْدِثُ اللَّهُ لَهُمْ فِي كل يَوْم جُمُعَة ". تَفْسِير الْآيَات من 36 وَحَتَّى 38 من سُورَة ق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 وَقَوله: {وَكم أهلكنا قبلهم} يَعْنِي: قبل مُشْركي الْعَرَب (مِّن قَرْنٍ هُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا} يَعْنِي: قُوَّة {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلاَدِ} أَي: جوّلوا؛ فِي قِرَاءَة من قَرَأَهَا بالتثقيل، يَقُول: جوَّلوا فِي الْبِلَاد حِين جَاءَهُم الْعَذَاب، وَمن قَرَأَهَا بِالتَّخْفِيفِ يَقُول: فجالوا فِي الْبِلَاد {هَلْ مِن مَّحِيصٍ} هَل من ملْجأ يلجئون إِلَيْهِ من عَذَاب اللَّه، فَلم يَجدوا ملْجأ حَتَّى هَلَكُوا. قَالَ محمدٌ: (نقبوا فِي الْبِلَاد) أَي: طافوا وفتَّشوا، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ يحيى، وَمثله قَول امْرِئ الْقَيْس: (وَقَدْ نَقَّبْتُ فِي الآفاقِ حَتَّى ... رَضِيتُ مِنَ الغَنِيمَةِ بِالإِيَابِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 قَوْله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} وَهُوَ الْمُؤمن {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} تَفْسِير مُجَاهِد: أَو ألْقى السّمع، وَالْقلب شَهِيد. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: اسْتمع كتاب اللَّه وَهُوَ شاهدُ الْقلب والفهم، لَيْسَ بغافلٍ وَلَا ساهٍ، وَهَذَا مَا أَرَادَ مُجَاهِد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} وَالْيَوْم مِنْهَا ألف سنة {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} من إعياء؛ وَذَلِكَ أَن الْيَهُود - أعداءُ اللَّه - قَالَت: لما فرغ اللَّه من خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض أعيى فاستلقى وَوضع إِحْدَى رجليْه على الْأُخْرَى استراح. فَأنْزل اللَّه: {وَلَقَد خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض} الْآيَة، لَيْسَ كَمَا قَالَت الْيَهُود. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْأَجْوَدُ فِي الْقِرَاءَةِ (لغوب) بِضَم اللَّام يُقَال مِنْهُ: لَغَبَ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 بِفَتْح الْغَيْن - لَغَبًا ولُغُوبًا، وَفِيه لُغَة أُخْرَى: لَغِبَ - بِكَسْر الْغَيْن - واللغوب: الإعياء. تَفْسِير الْآيَات من 39 وَحَتَّى 40 من سُورَة ق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 {فاصبر على مَا يَقُولُونَ} مَا يَقُول لَك قَوْمك: أَنَّك سَاحِرٌ، وَإِنَّكَ شَاعِرٌ، وَإِنَّكَ كَاهِنٌ، وَأَنَّك مَجْنُون، وَأَنَّك كَاذِب {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقبل الْغُرُوب} تَفْسِير الْحسن: يَعْنِي: صَلَاة الصُّبْح وَالظّهْر وَالْعصر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 {وَمن اللَّيْل فسبحه} يَعْنِي: صَلاةَ الْمَغْرِبِ وَصَلاةَ الْعِشَاءِ (ل 237) {وأدبار السُّجُود}. يَحْيَى: عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ {أدبار السُّجُود} فَقَالَ: هُمَا (الرَّكْعَتَيْنِ) بَعْدَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ، وَسُئِلَ عَنْ (إِدْبَارَ النُّجُومِ) فَقَالَ: هُمَا الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 قَالَ محمدٌ: وَمن قَرَأَ {وإدبار} بكسْر الْألف فعلى الْمصدر، يَقُول: أدبر إدباراً. تَفْسِير الْآيَات من 41 وَحَتَّى 45 من سُورَة ق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 قَوْله: {واستمع} أَي: إِنَّك ستستمع {يَوْمَ يُنَادِ المناد من مَكَان قريب} والمنادي: صَاحب الصُّور، يُنَادي من الصَّخْرَة من بَيت الْمُقَدّس؛ فِي تَفْسِير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 قَتَادَة. قَالَ: وَهِي أقرب الأَرْض إِلَى السَّمَاءِ بِثَمَانِيَةَ عَشْرَ مِيلًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 {تشقق الأَرْض عَنْهُم سِرَاعًا} إِلَى الْمُنَادِي - صَاحِبِ الصُّورِ - إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالَ عز وَجل: {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} هَين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 {نَحن أعلم بِمَا يَقُولُونَ} أَنَّك شاعرٌ، وَأَنَّك ساحرٌ، وَأَنَّك كاهِنٌ، وَأَنَّك كاذبٌ، وأنّك مجْنُونٌ؛ أَي: فسيجزيهم بذلك النَّار {وَمَا أَنْت عَلَيْهِم بجبار} بربٍّ تجبرهم على الْإِيمَان. قَالَ محمدٌ: وَقد قيل: لَيْسَ هُوَ من: أجبرت الرَّجُل على الْأَمر إِذا قهرته عَلَيْهِ، لَا يُقَال من ذَلِك فعَّال؛ والجبار: الْملك، سمي بذلك؛ لتجبره، فَالْمَعْنى على هَذَا: لست عَلَيْهِم بِمَلِكٍ مسلَّطٍ، إِنَّمَا يُؤْمِنُ مَنْ يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُؤمن، وَهَذِه مَنْسُوخَة نسختها الْقِتَال. {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِي} وَهُوَ الْمُؤمن يقبل التَّذْكِرَة، أَي: إِنَّمَا يقبل نَذَارتك بِالْقُرْآنِ من يخَاف وعيدي؛ أَي: وعيدي بالنَّار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 تَفْسِير سُورَة والذاريات وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير الْآيَات من 1 وَحَتَّى 14 من سُورَة الذاريات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 قَوْله: {و الذاريات ذَروا} وَهِي الرِّيَاح، ذروها: جريها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 {فَالْحَامِلَات وقرا} السَّحَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 {فَالْجَارِيَات يسرا} السفن تجْرِي بتيسير الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 {فَالْمُقَسِّمَات أمرا} الْمَلَائِكَة. قَالَ محمدٌ: يُقَال: ذَرَتِ الرّيح تَذْرُو ذرْوًا إِذا فَرَّقَت التُّرَاب وَغَيره فَهِيَ ذاريةٌ. وَفِيه لُغَة أُخْرَى: أَذْرَت فَهِيَ مُذْرِية ومُذْرِيات للْجَمَاعَة. وَمعنى {فَالْحَامِلَات وقرا}: أَن السَّحَاب تحمل الوِقْر من المَاء. وَرَأَيْت فِي تَفْسِير ابْن عَبَّاس أَن معنى {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} أَن اللَّه قسم للْمَلَائكَة الْفِعْل. قَالَ يحيى: أقسم بِهَذَا كُله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} لصدق، يَعْنِي: يَوْم الْبَعْث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 {وَإِنَّ الدِّينَ الْحساب (لَوَاقِعٌ} لكائن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 {وَالسَّمَاء ذَات الحبك} تَفْسِير ابْن عَبَّاس: يَعْنِي: استواءها. وَتَفْسِير غَيره مثل حُبُك المَاء إِذا هَاجَتْ الرّيح، وَمثل حبك الزَّرْع إِذا أَصَابَته الرّيح. قَالَ مُحَمَّد: الحبك عِنْد أهل اللُّغَة: الطرائق (الْإِنَاء الْقَائِم) إِذا ضَربته الرّيح فَصَارَت فِيهِ طرائق لَهُ حُبُك، وَكَذَلِكَ الرمل إِذا هبَّتْ عَلَيْهِ الرّيح فرأيتَ فِيهِ الطرائق فَذَلِك حُبُكه، وَاحِدهَا: حِبَاكٌ مثل مِثَال ومُثُل، وَيكون واحدُها أَيْضا: حبيكة مثل: طَريقَة وطرق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 {إِنَّكُم لفي قَول مُخْتَلف} أَي: لفي اخْتِلَاف من الْبَعْث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 {يؤفك عَنهُ من أفك} يُصَدُّ عَنهُ من صُدَّ عَن الْإِيمَان بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 {قتل} أَي: لعن {الخراصون} الَّذين يكذبُون بِالْبَعْثِ وَذَلِكَ مِنْهُم تخرص الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 {الَّذين هم فِي غمرة} أَي: فِي غَفلَة. وَقيل: فِي حيرة {ساهون} أَي: لاهون لَا يُحِقُّونه. قَالَ محمدٌ: تَقول: تخرص على فلَان الْبَاطِل إِذا كذب، وَيجوز أَن يكون الخراصون الَّذين يتظنَّوْن الشَّيْء لَا يُحِقُّونه؛ فيعملون بِمَا لَا يَدْرُونَ صِحَّته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 {يسْأَلُون أَيَّانَ يَوْم الدّين} أَي: مَتى يَوْم الدّين؟ وَذَلِكَ مِنْهُم استهزاء وَتَكْذيب، أَي: لَا يكون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 قَالَ اللَّه: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّار يفتنون} يحرقون بهَا. قَالَ محمدٌ: (يَوْم) مَنْصُوب بِمَعْنى: يَقع الْجَزَاء {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 {ذوقوا فتنتكم} حريقكم {هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُون} فِي الدُّنْيَا، لما كَانُوا يستعجلون بِالْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا استهزاءً وتكذيبًا. قَالَ محمدٌ: يُقَال للحجارة السود الَّتِي يحرق بهَا قد احترقت بالنَّار الفتين. تَفْسِير سُورَة الذاريات من آيَة 15 إِلَى آيَة 23 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} وَهِي الْأَنْهَار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 {آخذين مَا آتَاهُم} أَعْطَاهُم {رَبهم} فِي الْجنَّة. قَالَ محمدٌ: (آخذين) نصبٌ على الْحَال الْمَعْنى: فِي جناتٍ وعيون فِي حَال أَخذهم مَا آتَاهُم (ل 833) رَبهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يهجعون} تَفْسِير الْحسن: يَقُول: كَانُوا لَا ينامون مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 {وبالأسحار هم يَسْتَغْفِرُونَ}. يَحْيَى: عَنْ خَالِدٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " قَالَ الله: إِن من أَحَبَّ أَحِبَّائِي إِلَيَّ الْمَشَّائِينَ إِلَى الْمَسَاجِدِ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 الْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، أُولَئِكَ الَّذِينَ إِذَا أَرَدْتُ أَهْلَ الأَرْضِ بِسُوءٍ فَذَكَرْتُهُمْ صَرَفْتُهُ عَنْهُمْ بِهِمْ ". قَالَ محمدٌ: قَوْله: {وَمَا يهجعون} جَائِز أَن تكون (مَا) مُؤَكدَة صلَة، وَجَائِز أَن يكون مَا بعْدهَا مصدرا، الْمَعْنى: كَانُوا قَلِيلا من اللَّيْل هُجُوعُهم. {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حق للسَّائِل والمحروم} السَّائِل: الَّذِي يسْأَل، والمحروم فِي تَفْسِير الْحسن: المتعفِّف الْقَاعِد فِي بَيته الَّذِي لَا يسْأَل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 قَوْله: {وَفِي الأَرْض آيَات} أَي: فِيمَا خلق اللَّه فِيهَا آياتٌ {لِلْمُوقِنِينَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 {وَفِي أَنفسكُم} أَي: فِي بَدْء خَلْقكم من ترابٍ؛ يَعْنِي: آدم ثمَّ خلق نَسْله من نُطْفَة {أَفَلا تُبْصِرُونَ} يَقُوله للْمُشْرِكين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 {وَفِي السَّمَاء رزقكم} الْمَطَر فِيهِ أرزاقُ الخَلْقِ {وَمَا توعدون} تَفْسِير بَعضهم يَعْنِي: من الْوَعْد والوعيد من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 السَّمَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْض إِنَّه} أقسم بنفْسه إِن هَذَا الْقُرْآن {لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}. قَالَ محمدٌ: من نصب (مِثْلَ) فجائزٌ أَن يكون على التوكيد بِمَعْنى: إِنَّه لحقٌ حقًّا مثل نطقكم. تَفْسِير سُورَة الذاريات من الْآيَة 24 إِلَى أَيَّة 30. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 {هَل أَتَاك} أَي: قد أَتَاك {حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيم الْمُكرمين} عِنْد اللَّه بالمنزلة والقربة؛ يَعْنِي: الْمَلَائِكَة الَّذين نزلُوا بِهِ فبشروه بِإسْحَاق، وَجَاءُوا بِعَذَاب قوم لوط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 {إِذْ دخلُوا عَلَيْهِ} فِي صُورَة الْآدَمِيّين {فَقَالُوا سَلامًا} أَي: سلمُوا عَلَيْهِ {قَالَ سَلامٌ} رد عَلَيْهِم {قوم منكرون} أنكرهم حِين لمْ يَأْكُلُوا من طَعَامه. قَالَ محمدٌ: {قَالُوا سَلامًا} منصوبٌ [بِتَقْدِير]. سلّمنا عَلَيْك سَلاما. وَقَوله: {قَالَ سَلام} مَرْفُوع بِمَعْنى: قَالَ: سلامٌ عَلَيْكُم، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى: أمرنَا سَلام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 قَوْله: {فرَاغ} فَمَال {إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سمين} فَلم يَأْكُلُوا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 قَالَ محمدٌ: معنى (راغ). عدل إِلَيْهِم فِي خُفْيَةٍ، قَالُوا: وَلَا يكون الرَّوَاغُ إِلَّا أَن تخفي مجيئك وذهابك. {قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تخف وبشروه بِغُلَام عليم} إِسْحَاق. قَالَ مُحَمَّد: (أوجس) مَعْنَاهُ: أضمر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 {فَأَقْبَلت امْرَأَته فِي صرةٍ} صَيْحَة {فصكت وَجههَا} جبينها {وَقَالَت عَجُوز عقيم} قَالَت ذَلِك تعجُّبًا؛ أَي: كَيفَ تلدُ وَهِي عجوزٌ؟! وَقَالَ محمدٌ: (عَجُوز) مَرْفُوع بِمَعْنى: أَنا عجوزٌ، وَيُقَال: عَقُمتِ المرأةُ عُقْمًا وعَقَمًا فَهِيَ بيِّنةُ العُقُومة، ورجلٌ عقيم أَيْضا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 {قَالُوا كَذَلِك قَالَ رَبك} أَي: تلدي غُلَاما اسْمُه: إِسْحَاق. تَفْسِير سُورَة الذاريات من الْآيَة 31 إِلَى الْآيَة 40. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 {قَالَ فَمَا خطبكم} فَمَا أَمركُم؟! الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مجرمين} مُشْرِكين؛ يعنون: قوم لوط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} قَالَ هَا هُنَا: {من طين} وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى: {مِنْ سجيل}. قَالَ محمدٌ: تَفْسِير ابْن عَبَّاس {من سجيل}: من آجُر}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 {مسومة} أَي: مُعْلَمَة أَنَّهَا من حِجَارَة الْعَذَاب، كَانَ فِي كل حجر مِنْهَا مثل الطابع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 {فأخرجنا} فأنجينا {من كَانَ فِيهَا} فِي قَرْيَة لوطٍ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ من الْمُسلمين} يَعْنِي: أهل بَيت لوط فِي الْقَرَابَة، وَمن كَانَ مَعَه من الْمُؤمنِينَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 قَالَ: {وَتَركنَا فِيهَا} أَي: فِي إهلاكنا إِيَّاهَا {آيَةً للَّذين يخَافُونَ الْعَذَاب الْأَلِيم} فيحذرون أَن ينزل بهم مَا نزل بهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 {وَفِي مُوسَى} أَي: وَتَركنَا فِي أمْر مُوسَى {إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبين} بَين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 {فَتَوَلّى بركنه} قَالَ الكَلْبي: يَعْنِي: بجُنُوده {وَقَالَ سَاحر أَو مَجْنُون} يَعْنِي: مُوسَى. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: هَذَا سَاحر أَو مَجْنُون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 {فنبذناهم فِي اليم} فِي الْبَحْر {وَهُوَ مليم} مُذْنِبٌ، وذنبه: الشّرك. قَالَ محمدٌ: يُقَال: ألامَ الرجُلُ إِذا أَتَى بذنب يلام عَلَيْهِ. تَفْسِير سُورَة الذاريات من الْآيَة 41 إِلَى الْآيَة 45. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 {وَفِي عَاد} أَي: وَتَركنَا فِي عادٍ أَيْضا آيَة، وَهِي مثل الأولى {إِذْ أرسلنَا عَلَيْهِم الرّيح الْعَقِيم} الَّتِي لَا تدع سحابًا وَلَا شَجرا وَهِي الدبور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 {مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ} {ل 239} مِمَّا مرّت بِهِ، وَهُوَ الْإِنْسَان {إِلَّا جعلته كالرميم} كرميم الشّجر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 {وَفِي ثَمُود} وَهِي مثل الأولى {إِذْ قِيلَ لَهُم تمَتَّعُوا حَتَّى حِين} إِلَى آجالكم بِغَيْر عَذَاب إِن آمنتم، وَإِن عصيتم عذبتم {فَعَتَوْا عَن أَمر رَبهم} تركُوا أمره {فَأَخَذتهم الصاعقة} الْعَذَاب {وهم ينظرُونَ} إِلَى الْعَذَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 {فَمَا اسْتَطَاعُوا من قيام} تَفْسِير السُّدي: فَمَا أطاقوا أَن يقومُوا للعذاب {وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ} ممتنعين. تَفْسِير سُورَة الذاريات من الْآيَة 46 إِلَى الْآيَة 53. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 {وَقوم نوح} الْآيَة. قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ {قوم نوح} بِالنّصب فعلى معنى: فأخذناه وَجُنُوده، وأخذنا قوم نوح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 {وَالسَّمَاء بنيناها بأيد} بِقُوَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 قَالَ مُحَمَّد: {وَالسَّمَاء بنيناها} الْمَعْنى: بنينَا السَّمَاء بنيناها. {وَإِنَّا لموسعون} فِي الرزق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 {وَالْأَرْض فرشناها} أَي: وفرشناها كَقَوْلِه: {جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض فراشا} و {بساطا} و {مهادا} {فَنعم الماهدون}. قَالَ مُحَمَّد: {وَالْأَرْض فرشناها} أَي: وفرشنا الأَرْض فرشناها، قَوْله: {فَنعم الماهدون} أَي: فَنعم الماهدون نَحن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: هُوَ كَقَوْلِه {وَأَنَّهُ خلق الزَّوْجَيْنِ الذّكر وَالْأُنْثَى} الذّكر زوجٌ، وَالْأُنْثَى زوجٌ {لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ} لكَي تذّكَّروا فتعلموا أَن الَّذِي خلق هَذِه الْأَشْيَاء واحدٌ صَمَدٌ، جعلهَا لكم آيَة فتعتبروا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 {فَفرُّوا إِلَى الله} إِلَى دين اللَّه، أَمر اللَّه النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يَقُوله لَهُم: {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قبلهم} من قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد، أَي: هَكَذَا مَا أَتَى الَّذين مِنْ قَبْلِهِمْ {مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحر أَو مَجْنُون}. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: إِلَّا قَالُوا: هَذَا سَاحر أَو مَجْنُون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 {أتواصوا بِهِ} على الِاسْتِفْهَام، أَي: لمْ يتواصَوْا بِهِ؛ لأنّ الأمَّة الأولى لم تدْرك الْأمة الْأُخْرَى، قَالَ: {بَلْ هم قوم طاغون} مشركون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 تَفْسِير سُورَة الذاريات من الْآيَة 54 إِلَى الْآيَة 60. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 {فتول عَنْهُم} أَي: فَأَعْرض عَنْهُم، وَهَذَا قبل أَن يُؤمر بقتالهم {فَمَا أَنْتَ بملوم} فِي الحجَّةِ؛ فقد أقمتها عَلَيْهِم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} إِنَّمَا يقبل التَّذْكِرَة الْمُؤْمِنُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا ليعبدون} أَي: ليقروا لي بالعبودية فِي تَفْسِير ابْن عَبَّاس. قَالَ يحيى: كَقَوْلِه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ ليَقُولن الله} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ} أَي: يرزقوا أنفسهم {وَمَا أُرِيدُ أَن يطْعمُون} أَي: يطعموا أحدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّة المتين} الَّذِي لَا تضعف قوته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 {فَإِن للَّذين ظلمُوا} أشركوا {ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} يَعْنِي: من مضى قبلهم من الْمُشْركين، تَفْسِير سعيد بْن جُبَير: الذَّنُوبُ: السَّجْلُ. قَالَ يحيى: والسَّجْلُ: الدَّلْوُ. يَحْيَى: عَنْ تَمَّامِ بْنِ نَجِيحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ أَنَّ غَرْبًا مِنْ جَهَنَّمَ وُضِعَ بِالأَرْضِ لآذَى حَرُّهُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ". قَالَ تَمَّامٌ: وَالْغَرْبُ: الدَّلْوُ الْعَظِيمُ. قَالَ محمدٌ: الذَّنُوب فِي اللُّغَة: الحظُّ والنصيبُ، وَأَصله: الدَّلْوُ الْعَظِيمَة، وَكَانُوا يستقون فَيكون لكل واحدٍ ذَنُوبٌ، فَجُعِل الذَّنوب مَكَان الْحَظ والنصيب، قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ: (لَعَمْرُكَ وَالمَنَايَا غَالِبَاتٌ ... لكُلِّ بَنِي أَبٍ مِنْهَا ذَنُوبُ) قَوْله: {فَلا يَسْتَعْجِلُونِ} أَي: فَلَا يستعجلون بِالْعَذَابِ لما كَانُوا يستعجلون بِهِ من الْعَذَاب استهزاء وتكذيباً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 {فويل للَّذين كفرُوا} فِي النَّار {مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يوعدون} فِي الدُّنْيَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 تَفْسِير سُورَة الطّور وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الطّور من الْآيَة 1 إِلَى الْآيَة 14. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 قَوْله: {وَ الطور } الطُّور: الْجَبَل. قَالَ محمدٌ: رُوِيَ عَن الْحسن أَنه قَالَ: كل جبل يدعى طوراً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 {وَكتاب مسطور} مَكْتُوب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 {فِي رق منشور} تَفْسِير الْحسن: الْقُرْآن فِي أَيدي السفرة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 {وَالْبَيْت الْمَعْمُور} تَفْسِير ابْن عَبَّاس قَالَ: الْبَيْت الْمَعْمُور: بَيت فِي السَّمَاء حِيَال الْكَعْبَة، يَحُجُّه كلَّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ [ ... ]. قَالَ قَتَادَة: قَالَ اللَّه - عز وَجل - لآدَم: [أهبط مَعَك] (ل 340) بَيْتِي يُطَاف حوله؛ كَمَا يُطَاف حول عَرْشِي، فحجه آدم وَمَا بعده من الْمُؤمنِينَ، فَلَمَّا كَانَ زمَان الطوفان رَفعه اللَّه وطهرَّه من أَن تصيبه عُقُوبَة أهل الأَرْض؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 فَصَارَ معمور السَّمَاء، فتتبع إِبْرَاهِيم الأساس فبناه على أساس قديم كَانَ قبله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 {والسقف الْمَرْفُوع} يَعْنِي: السَّمَاء بَينهَا وَبَين الأَرْض مسيرَة خَمْسمِائَة عَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 {وَالْبَحْر الْمَسْجُور} تَفْسِير عَليّ بْن أبي طَالب: الْبَحْر الْمَسْجُور فِي السَّمَاء. قَالَ محمدٌ: الْمَسْجُور مَعْنَاهُ فِي اللُّغَة: المَمْلُوء، قَالَ النَّمِر يصف وَعلًا: (إذَا شَاءَ طَالَعَ مَسْجُورةً ... تَرَى حَوْلَهَا النَّبْعَ والسَّاسَما) أَي: عينا مَمْلُوءَة. أقسم بِهَذَا كُله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 {إِن عَذَاب رَبك لوَاقِع} بالمشركين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 {مَا لَهُ} مَا للعذاب {من دَافع} يَدْفَعهُ من الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 {يَوْم تمور السَّمَاء مورا} فِيهَا تَقْدِيم: إِن عَذَاب رَبك لوَاقِع بهم {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مورا} أَي: تحرّك تحركاً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 {وتسير الْجبَال سيرا} كَقَوْلِه: {وَإِذا الْجبَال سيرت}. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: أَنَّهَا تسير عَن وَجه الأَرْض، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ يحيى. {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 {الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} وخوضهم التَّكْذِيب. قَالَ محمدٌ: (الويلُ) كلمةٌ تَقُولهَا الْعَرَب فِي كل من وَقع فِي هلكة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 {يَوْم يدعونَ} يُدْفَعُون {إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} دفعا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 {هَذِه النَّار} يُقَال لَهُم: هَذِه النَّار {الَّتِي كُنْتُم بهَا تكذبون} فِي الدُّنْيَا أَنَّهَا لَا تكون. تَفْسِير سُورَة الطّور من الْآيَة 15 إِلَى الْآيَة 20. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 {أفسحر هَذَا} يُقَال لَهُم ذَلِك على الِاسْتِفْهَام {أم أَنْتُم لَا تبصرون} يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا إِذْ كُنْتُم تَقولُونَ: هَذَا سحْرٌ، أَي: لَيْسَ بِسحر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 {اصلوها} يَعْنِي: النَّار {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تصبروا سَوَاء عَلَيْكُم} كَقَوْل: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا}. قَالَ محمدٌ: (سواءٌ) مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَر مَحْذُوف، فَالْمَعْنى: سواءٌ عَلَيْكُم الصَّبْرُ والجزع. {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات ونعيم} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 {فاكهين} أَي: مسرورين {بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} أَي: أَعْطَاهُم. قَالَ محمدٌ: {فَاكِهِينَ} نصب على الْحَال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. قَالَ مُحَمَّد: {هَنِيئًا} منصوبٌ، وَهِي صفة فِي مَوضِع الْمصدر، الْمَعْنى: يُقَال لَهُم: كلوا وَاشْرَبُوا هنئتم هَنِيئًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 {متكئين على سرر مصفوفة}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 يحيى: عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيَتَنَعَّمُ فِي تُكَأَةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعِينَ عَامًا، فَتُنَادِيهِ أَبْهَى مِنْهَا وَأَجْمَلُ مِنْ غُرْفَةٍ أُخْرَى: أَمَا لَنَا مِنْكَ دَوْلَةٌ بَعْدُ؟ فَيَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتِ؟! فَتَقُولُ: أَنَا مِنَ اللاتِي قَالَ اللَّهُ: {وَلَدَيْنَا مزِيد} فَيَتَحَوَّلُ إِلَيْهَا فَيَتَنَعَّمُ مَعَهَا سَبْعِينَ عَامًا فِي تُكَأَةٍ وَاحِدَةٍ، فَتُنَادِيهِ أَبْهَى مِنْهَا وَأَجْمَلُ مِنْ غُرْفَةٍ أُخْرَى فَتَقُولُ: أَمَا لَنَا مِنْكَ دَوْلَةٌ بَعْدُ؟ فَيَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتِ؟ فَتَقُولُ: أَنَا مِنَ اللاتِي قَالَ اللَّهُ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} فَيَتَحَوَّلُ إِلَيْهَا، فَيَتَنَعَّمُ مَعَهَا فِي تُكَأَةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعِينَ عَامًا، فَهُمْ كَذَلِكَ يَدُورُونَ ". {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} الْحور: الْبيض؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة والعامة. وَالْعين: عِظَام الْعُيُون. تَفْسِير سُورَة الطّور من الْآيَة 21 إِلَى الْآيَة 29 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتَهُمْ}. يَحْيَى: عَنْ (سَعِيدٍ) عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ لَيَرْفَعُ لِلْمُؤْمِنِ وَلَدَهُ فِي دَرَجَتِهِ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِي الْعَمَلِ؛ لَتَقَرَّ بِهِمْ عَيْنُهُ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 وَكَذَلِكَ الْآبَاء يُرفَعُون للأبناء؛ إِذا كَانَت الْآبَاء دون الْأَبْنَاء فِي الْعَمَل. قَوْله: {وَمَا ألتناهم} أَي: وَمَا نقصناهم {مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ} يَعْنِي: أهل النَّار {بِمَا كَسَبَ} من عمل {رَهِينٌ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 {وأمددناهم بفاكهة}. يحيى: عَنْ [عُثْمَانَ، عَنْ] نُعَيْمِ [بْنِ] عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَنَاوَلُونَ مِنْ قُطُوفِهَا وَهُمْ مُتَّكِئُونَ عَلَى فُرُشِهِمْ مَا تَصِلُ إِلَى يَدِ [أَحَدِهِمْ حَتَّى يُبْدِلَ اللَّهُ مَكَانهَا أُخْرَى] ". (ل 341) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 {يتنازعون فِيهَا} أَي: لَا يتعاطون فِيهَا {كَأْسًا} والكأس: الخَمْرُ {لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تأثيم} تَفْسِير مُجَاهِد: لَا يَسْتَبُّون فِيهَا، وَلَا يأثمون فِي شَيْء. قَالَ محمدٌ: الكَأْسُ فِي اللُّغَة: الْإِنَاء المملوء؛ فَإِذا كَانَ فَارغًا فَلَيْسَ بكأسٍ. وتقرأ: {لَا لَغْوَ فِيهَا وَلَا تأثيمَ} بالنَّصْب، إِلَّا أَن الِاخْتِيَار عِنْد النَّحْوِيين إِذا كُررت " لَا " فِي مثل هَذَا الْموضع الرفعُ، وَالنّصب جائزٌ، فَمن رفع فعلى الإبتداء و " فِيهَا " هُوَ الخبرُ، وَمن نصبَ فعلى النَّفْي والتبرئة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 قَوْله: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤ مَكْنُون} يَعْنِي: صفاء ألوانهم والمكنون فِي أصدافه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} يُسَائل بَعضهم بَعْضًا عَن شفقتهم فِي الدُّنْيَا من عَذَاب اللَّه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ} فِي الدُّنْيَا {فِي أهلنا مشفقين} من عَذَاب النَّار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 السَّمُومِ) {النَّار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 2 - ! (إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ} أَن يَقِينا عَذَاب السمُوم {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} بر بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيم بهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 قَوْله: فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} الْآيَة. قَالَ محمدٌ: هُوَ كَمَا تَقول: مَا أَنْت بِحَمْد اللَّه. تَفْسِير سُورَة الطّور من الْآيَة 30 إِلَى الْآيَة 31. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ ريب الْمنون} أَي: قد قَالُوا: نتربَّصُ بِهِ الدَّهْر حَتَّى يَمُوت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 فِي تَفْسِير الْحسن قَالَ اللَّه للنَّبِي: {قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ المتربصين} كَانُوا يتربَّصون بِالنَّبِيِّ أَن يَمُوت، وَكَانَ النَّبِي يتربَّصُ بهم أَن يَأْتِيهم الْعَذَاب. و {ريب الْمنون} فِي تَفْسِير مُجَاهِد: حوادثُ الدَّهْر. قَالَ محمدٌ: المنونُ عِنْد أهل اللُّغَة: الدهْرُ، ورَيْبُه: حَوَادثُه وأوجاعه ومصائبه، وَالْعرب تَقول: لَا أُكَلِّمُك آخر الْمنون. وَأنْشد بَعضهم قَوْلَ أبي ذُؤَيْبٍ: (أَمِنَ المَنُونِ وَرَيْبِهِ تَتَوَجَّعُ ... وَالدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ) يَعْنِي: أَمِنَ الدَّهْر ورَيْبه تتوجع؟! تَفْسِير سُورَة الطّور من الْآيَة 32 إِلَى الْآيَة 43. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 قَوْله: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا} بالتكذيب، أَي: لَيست لَهُم أحلامٌ {أم هم قوم طاغون} أَي: بل هُمْ قومٌ طاغون يَقُول: إِن الطغيانَ - وَهُوَ الشّرك - يَأْمُرهُم بِهَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 {أم يَقُولُونَ تَقوله} محمدٌ، يَعْنِي: الْقُرْآن؛ أَي: قد قَالُوهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 {فليأتوا بِحَدِيث مثله} مثل الْقُرْآن {إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} أَي: لَا يأْتونَ بِمثلِهِ، وَلَيْسَ ذَلِك عِنْدهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} أَي: لمْ يخلقوا من غير شَيْء خلقناهم من نُطْفَة وَأول ذَلِك من ترابٍ {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} أَي: لَيْسُوا بالخالقين وهم مخلوقون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 {أم خلقُوا السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَي: لمْ يخلقوها {بَلْ لَا يوقنون} بِالْبَعْثِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 {أم عِنْدهم خَزَائِن رَبك} يَعْنِي: علمَ الْغَيْب {أَمْ هُمُ المصيطرون} يَعْنِي: الأرباب، أَي: إنّ اللَّه هُوَ الرَّبُّ - تبَارك اسْمُه. قَالَ محمدٌ: يُقَال: تَصيطرتَ عليَّ، أَي: اتخذتّني خَوَلًا. وَيكْتب بِالسِّين وَالصَّاد، والأصْلُ السِّين وكل سين بعْدهَا طاءٌ يجوز أَن تقلب صادًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 قَوْله: {أم لَهُم سلم} درج {يَسْتَمِعُون فِيهِ} إِلَى السَّمَاء، والسُّلّمُ أَيْضا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 السَّبَب وَقَوله (فِيهِ) بِمَعْنى: عَلَيْه {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبين} بِحجَّة بيّنة بِمَا همْ عَلَيْهِ من الشّرك، أَي: لَيْسَ عِنْدهم بذلك حجَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} وَذَلِكَ لقَولهم: أَن الْمَلَائِكَة بَنَات الله. وَجعلُوا لأَنْفُسِهِمْ الغلمان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 {أم تَسْأَلهُمْ أجرا} على الْقُرْآن {فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مثقلون} فقد أثقلهم الغُرْمُ، أَي: إِنَّك لَا تَسْأَلهُمْ أجرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 {أم عِنْدهم الْغَيْب} يَعْنِي: علم غَيْب الْآخِرَة {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} لأَنْفُسِهِمْ مَا يتخيّرون؛ لقَوْل الْكَافِر: {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لي عِنْده للحسنى} يَعْنِي للجنة إِن كَانَت جنَّة، أَي: لَيْسَ عِنْدهم علم غيب الْآخِرَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 {أم يُرِيدُونَ كيدا} بِالنَّبِيِّ، أَي: قد أرادوه {فَالَّذِينَ كَفَرُوا هم المكيدون} كَقَوْلِه: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كيدا} لأريهم جَزَاء كيدهم وَهُوَ الْعَذَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 قَالَ {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ الله} أَي (ل 342) {شَاعِر نتربص بِهِ} إِلَى هَذَا الْموضع كالاستفهام وكذبهم بِهِ كُله. تَفْسِير سُورَة الطّور من الْآيَة 44 إِلَى الْآيَة 49. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ} والكِسْفُ: القطْعة {سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مركوم} بعضُه على بعض، وَذَلِكَ أَنه قَالَ فِي سُورَة سبأ: {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا من السَّمَاء} فَقَالُوا للنَّبِي: لن نؤمن لَك حَتَّى تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كسفاً؛ فَأنْزل اللَّه: {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مركوم} أَي: وَلم يُؤمنُوا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 قَالَ اللَّه: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يومهم الَّذِي فِيهِ يصعقون} أَي: يموتون، وَهِي النفخة الأولى؛ فِي تَفْسِير الْحسن، يَعْنِي: كفار آخر هَذِه الْأمة الَّذين يكون هلاكهم بِقِيَام السَّاعَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 {يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئا} لَا تغني عَنْهُم عبَادَة الْأَوْثَان وَلَا مَا كَادُوا للنَّبِي شَيْئا {وَلَا هم ينْصرُونَ} إِذا جَاءَهُم الْعَذَاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 قَالَ: {وَإِن للَّذين ظلمُوا} أشركوا {عذَابا دون ذَلِك} بِالسَّيْفِ؛ يَعْنِي: من أُهلك يَوْم بدر؛ فِي تَفْسِير الْحسن {وَلَكِنَّ أَكْثَرهم} أَي: جَمَاعَتهمْ {لَا يعلمُونَ} يَعْنِي: من لَا يُؤمن بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 {واصبر لحكم رَبك} أَي: لما حكم اللَّه عَلَيْك، فَأمره بقتالهم {فَإنَّك بأعيننا} أَي: نرى مَا تصنع وَمَا يصنع بك، فسنجزيك ونجزيهم. {وَسَبِّحْ بِحَمْد رَبك حِين تقوم} من مقامك، يَعْنِي: صَلَاة الصُّبْح؛ فِي تَفْسِير الْحسن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 {وَمن اللَّيْل فسبحه} يَعْنِي: صَلاةَ الْمَغْرِبِ وَصَلاةَ الْعِشَاءِ {وإدبار النُّجُوم}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 يَحْيَى: عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ قَوْله: {وإدبار النُّجُوم}. فَقَالَ: هُمَا الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْح ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 تَفْسِير سُورَة النَّجْم وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة النَّجْم من الْآيَة 1 إِلَى الْآيَة 18. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 قَوْله: {النَّجْم إِذا هوى} تَفْسِير ابْن عباسٍ قَالَ: يَقُول: وَالْوَحي إِذا نزل وَفِي تَفْسِير الْحسن: يَعْنِي الْكَوَاكِب إِذا انتثرت. و النجم عِنْده: جمَاعَة النُّجُوم أقسم بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} يَعْنِي: مُحَمَّدا صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم، يَقُوله للْمُشْرِكين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} إِنْ الْقُرْآن الَّذِي ينْطق بِهِ محمدٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى}. قَالَ مُحَمَّد: (إِن) بِمَعْنى (مَا) أَي: مَا هُوَ إِلَّا وحيٌ يُوحى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 {علمه} علم مُحَمَّدًا {شَدِيد القوى} يَعْنِي: جِبْرِيل شَدِيد الْخلق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 {ذُو مرّة} وَهُوَ من شدَّة الْخلق أَيْضا {فَاسْتَوَى} اسْتَوَى جِبْرِيل عِنْد محمدٍ؛ أَي: رَآهُ فِي صورته، وَكَانَ محمدٌ يرى جِبْرِيل فِي غير صورته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 {وَهُوَ بالأفق الْأَعْلَى} وَجِبْرِيل بالأفق الْأَعْلَى، وَهُوَ الْمشرق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 {ثمَّ دنا فَتَدَلَّى} جِبْرِيل بِالْوَحْي إِلَى مُحَمَّد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 {فَكَأَن} إِلَيْهِ {قاب قوسين} أَي: قدر ذراعين {أَوْ أَدْنَى} أَي: بل أدنى. قَالَ محمدٌ: قيل: إِن القوسَ فِي لُغَة أَزْد شنُوءَة: الذِّرَاع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} إِلَى عبد الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} وَهِي تقْرَأ على وَجْهَيْن: بالتثقيل وَالتَّخْفِيف، من قَرَأَهَا بالتثقيل يَقُول: مَا كذّب فؤاد محمدٍ مَا رأى؛ أَي: فِي ملكوت اللَّه وآياته، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّخْفِيفِ يَقُولُ: مَا كذّب فؤاد محمدٍ مَا رأى؛ أَي: قد صدق الرُّؤْيَة فأثبتها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 {أفتمارونه} يَقُول للْمُشْرِكين؛ أفتمارون مُحَمَّدًا على مَا يرى؟! الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى} يَعْنِي: مرّة أُخْرَى رأى جِبْرِيل فِي صورته مرَّتَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 {عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى} قَالَ ابْن عَبَّاس: سَأَلت كَعْبًا عَن سِدْرَة الْمُنْتَهى. فَقَالَ: يُنْتَهى إِلَيْهَا بأرْوَاح الْمُؤمنِينَ إِذا مَاتُوا لَا يجاوزها روح مُؤمن؛ فَإِذا قبض الْمُؤمن تبعه مُقَرَّبو أهل السَّمَاوَات حَتَّى يُنْتَهى بِهِ إِلَى السِّدْرة فَيُوضَع، ثمَّ تصفُّ الْمَلَائِكَة المقربون فيصلون عَلَيْهِ كَمَا تصلونَ على مَوْتَاكُم أَنْتُم هَا هُنَا، فَذَلِك قَوْله: {سِدْرَة الْمُنْتَهى}. سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذكر فِي حَدِيثِ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ: " ثمَّ رفعت لنا السِّدْرَة الْمُنْتَهى، فَإِذا ورقُها مثل آذان الفِيلَة، وَإِذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 نَبقها مثل قِلَال هَجَر، وَإِذا أَرْبَعَة أَنهَار يخرجُون [من أَصْلهَا نهران] باطنان [ونهران ظاهران]، قلت: يَا جِبْرِيل، مَا هَذِه الْأَنْهَار؟ فَقَالَ: أما الباطنان فنهران فِي الْجنَّة [واما الظاهران] (ل 343) فالنيل والفرات ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 قَوْله: {عِنْدهَا جنَّة المأوى} وَالْجنَّة عِنْدهَا السِّدْرة والمأوى: مأوى الْمُؤمنِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} تَفْسِير بَعضهم: قَالَ: غشيها فرَاش من ذهب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 {مَا زاغ الْبَصَر} بصر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يُثْبت مَا رأى، {وَمَا طَغى}: مَا قَالَ مَا لم يَرَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} يَعْنِي: مَا قصّ مِمَّا رأى، ثمَّ قَالَ للْمُشْرِكين: تَفْسِير سُورَة النَّجْم من الْآيَة 44 إِلَى الْآيَة 49. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} بعد الاثنتين: اللات كَانَت لثقيف، والعُزَّى لقريش، وَمَنَاة لبني هِلَال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 {ألكم الذّكر وَله الْأُنْثَى} على الِاسْتِفْهَام؛ وَذَلِكَ أَنهم جعلُوا الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه - عز وَجل - وَجعلُوا لأَنْفُسِهِمْ الغلمان، وَقَالُوا: إِن اللَّه صاحبُ بَنَات، فسمّوا هَذِه الْأَصْنَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 فجعلوهن إِنَاثًا، قَالَ اللَّه: {أَلَكُمُ الذّكر وَله الْأُنْثَى} أَي: لَيْسَ ذَلِك كَذَلِك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 {تِلْكَ إِذا قسْمَة ضيزى} جائرة أَن جعلُوا لله الْبَنَات وَلَهُم الغلمان هَذَا تَفْسِير الْحسن. قَالَ محمدٌ: يُقَال: ضِزْت فِي الحُكْم أَي: جُرْت، وضازه يضيزه إِذا نَقصه حَقه. وَأنْشد بَعضهم لامرئ الْقَيْس: (ضَازَتْ بَنُو أَسَدٍ بحُكْمِهم ... إِذْ يَجْعَلُون الرَّأْسَ كَالذَّنَبِ) وأصل ضِيزَى ضُوزا فكُسِرت الضَّاد للياء وَلَيْسَ فِي النعوت فِعْلى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 {إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُم وآباؤكم} يَعْنِي اللات والعزة وَمَنَاة {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا من سُلْطَان} من حجَّة بِأَنَّهَا آلِهَة {إِنْ يتبعُون} يَعْنِي: الْمُشْركين {إِلَّا الظَّن} أَي: ذَلِك مِنْهُم ظنٌّ {وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبهم الْهدى} الْقُرْآن، قَالَ الْكَلْبِيّ: " كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي عِنْد الْبَيْت وَالْمُشْرِكُونَ جلوسٌ فَقَرَأَ: {والنجم إِذا هوى} فحدَّث نَفسه حَتَّى إِذا بلغ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} ألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه: فَإِنَّهَا من الغرانيق العُلى - يَعْنِي: الْمَلَائِكَة - وَإِن شَفَاعَتهَا ترتجى أَي: هِيَ المرتجى. فَلَمَّا انْصَرف النَّبِي من صلَاته قَالَ الْمُشْركُونَ: قد ذكر محمدٌ آلِهَتنَا بِخَير، فَقَالَ النَّبِي: وَالله مَا كَذَلِك نزلت عليَّ. فَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل فَأخْبرهُ النَّبِي، فَقَالَ: وَالله مَا هَكَذَا علّمْتُك وَمَا جِئْت بهَا هَكَذَا، فَأنْزل اللَّهُ: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أمْنِيته} الْآيَة وَقد مضى تَفْسِير هَذَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 قَوْله: {أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى} وَذَلِكَ لفرح الْمُشْركين بِمَا ألْقى الشَّيْطَان على لِسَان النَّبِي من ذكر آلِهَتهم. تَفْسِير سُورَة النَّجْم من الْآيَة 26 إِلَى الْآيَة 30. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 قَوْله: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} لَا تَنْفَع شفاعتهم الْمُشْركين شَيْئا، إِنَّمَا يشفعون للْمُؤْمِنين وَلَا يشفعون {إِلاَ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنثَى}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ} بِأَنَّهُم إناثٌ وَلَا بِأَنَّهُم بَنَات اللَّهِ {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَ الظَّنَّ} أَي: إِن ذَلِك مِنْهُم ظن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 {فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا} هَذَا مَنْسُوخ نسخه الْقِتَال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 {ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ} أَي: إِن علمهمْ لم يبلغ الْآخِرَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 تَفْسِير سُورَة النَّجْم من الْآيَة 31 إِلَى الْآيَة 32. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا} أشركوا {بِمَا عمِلُوا} يجزيهم النَّار {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا} آمنُوا {بِالْحُسْنَى} يَعْنِي الْجنَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 قَوْله عزّ ذكره: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} تَفْسِير الْحسن: إِلَّا اللمة يلمُّ بهَا من الذُّنُوب. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: إِن اللَّه - عز وَجل - وَعَد الْمَغْفِرَة من اجْتنب الْكَبَائِر، ووعد الْمَغْفِرَة أَيْضا من ألمَّ بِشَيْء مِنْهَا، ثمَّ تَابَ من ذَلِك واستغفر اللَّه. والإلمام فِي اللُّغَة مَعْنَاهُ: أَلا يتعمّق فِي الشَّيْء وَلَا يلْزمه، وَهَذَا معنى مَا ذهب إِلَيْهِ الْحسن. قَوْله: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ} خَلقكُم {من الأَرْض} يَعْنِي: خلق والأجنةُ من بَاب الْجَنِين فِي بطن أمه. قَوْله: {فَلَا تزكوا أَنفسكُم}. يَحْيَى: عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ ثَابِتِ بن الْحَارِث (ل 344) الأَنْصَارِيِّ قَالَ: " كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ إِذَا هَلَكَ صَبِيٌّ صَغِيرٌ: هَذَا صِدِّيقٌ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: كَذَبَتْ يَهُودُ، مَا مِنْ نَسَمَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 بَطْنِ أُمِّهَا إِلا أَنَّهُ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الآيَةَ {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} إِلَى آخِرِهَا ". مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بن مُحَمَّد. تَفْسِير سُورَة النَّجْم من الْآيَة 33 إِلَى الْآيَة 54. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 {أَفَرَأَيْت الَّذِي تولى} يَعْنِي: الْمُشرك تولى عَن الْإِيمَان، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 {وَأعْطى قَلِيلا وأكدى} تَفْسِير عِكْرِمَة قَالَ: أعْطى قَلِيلا ثمَّ قطعه. قَالَ محمدٌ: وأصل الْكَلِمَة من كُدْيَة الْبِئْر، وَهِي الصَّلابة فِيهَا، وَإِذا بلغَهَا الْحَافِر يئس من حفرهَا؛ فَقطع الْحفر، فَقيل لكل من طلب شَيْئا فَلم يبلغ آخِره وَأعْطى وَلم يتمم: أَكْدَى. قَالَ يحيى: قَوْله: {أعْطى قَلِيلا} إنَّمَا قل؛ لأنَّه كَانَ لغير الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} يخْتَار لنَفسِهِ الْجنَّة إِن كَانَت جنَّة. كَقَوْلِه: {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} للجنة إِن كَانَت جنَّة هَذَا تَفْسِير الْحسن {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صحف مُوسَى} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} يَعْنِي: وَفِي مَا فرض اللَّه عَلَيْهِ فِي تَفْسِير مُجَاهِد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سعى} مَا عمل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 {وَأَن سَعْيه سَوف يرى}. قَالَ محمدٌ: قيل: الْمَعْنى: يرى عمله فِي مِيزَانه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 {وَأَن إِلَى رَبك الْمُنْتَهى} يَعْنِي: الْمصير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 {وَأَنه هُوَ أضْحك وأبكى} أَي: خلق الضَّحِكَ والبكاء. {وَأَنَّهُ هُوَ أمات وَأَحْيَا} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} الْوَاحِد مِنْهُمَا: زوج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 {من نُطْفَة إِذا تمنى} إِذا يمنيها الذّكر {وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الْأُخْرَى} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 {وَأَنه هُوَ أغْنى وأقنى} أغْنى عَبده، وأقناه من قِبَل القِنْيَة. قَالَ محمدٌ: تَقول: أَقْنَيْتُ كَذَا أَي: عملتُ على أَنه يكون عِنْدِي لَا أخرجه من يَدي؛ فَكَأَن معنى (أقنى) جعل الْغنى أصلا لصَاحبه ثَابتا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 {وَأَنه هُوَ رب الشعرى} الْكَوْكَب الَّذِي خلف الجوزاء كَانَ يَعْبُدهَا قوم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 {وَأَنه أهلك عادا الأولى} وَهِي عادٌ وَاحِدَة، لمْ يكن قبلهَا عَاد قَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 {وَثَمُودًا فَمَا أَبْقَى} أهلكهم فَلم يبقهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 {وَقوم نوح} أَي: وَأهْلك قوم نوحٍ {مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وأطغى} كَانُوا أول من كذب الرُّسُل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 {والمؤتفكة أَهْوى} يَعْنِي قرى قوم لوط رَفعهَا جِبْرِيل بجناحه، حَتَّى سمع أهْل سَمَاء الدُّنْيَا ضواغي كلابهم ثمَّ قَلبهَا، والمؤتفكة: المنقلبة. قَالَ محمدٌ: أَهْوى: أسْقط. يُقَال: هوى وأهواه الله: أسْقطه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 قَالَ: {فغشاها مَا غشى} يَعْنِي: الْحِجَارَةَ الَّتِي رُمِيَ بِهَا من كَانَ مِنْهُم خَارِجا من الْمَدِينَة وَأهل السّفر مِنْهُم. تَفْسِير سُورَة النَّجْم من الْآيَة 55 إِلَى الْآيَة 62. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 قَالَ: {فَبِأَي آلَاء} يَعْنِي نعماء {رَبك تتمارى} تشك أَي: إِنَّك لَا تشك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 ثمَّ قَالَ للنَّاس: {هَذَا نَذِيرٌ} يَعْنِي: مُحَمَّدًا {مِنَ النُّذُرِ الأُولَى} أَي: جَاءَ بِمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل الأولى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 {أزفت الآزفة} أَي: دنت الْقِيَامَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشفة} كَأَن الْمَعْنى: لَيْسَ لَهَا وقعةٌ كاشفةٌ، وَالله أعلم {أَفَمِنْ هَذَا الحَدِيث تعْجبُونَ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 {وَتَضْحَكُونَ} يَعْنِي: الْمُشْركين، أَي: قد فَعلْتُمْ {وَلَا تَبْكُونَ} أَي: يَنْبَغِي لكم أَن تبكوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 {وَأَنْتُم سامدون} قَالَ: غافلون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 {فاسجدوا لله} فصلوا لله {واعبدوا} أَي: واعبدوه وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا. قَالَ محمدٌ: سامدون مَعْنَاهُ لاهون وَهِي لُغَة الْيمن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 تَفْسِير سُورَة اقْتَرَبت السَّاعَة وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الْقَمَر من الْآيَة 1 إِلَى الْآيَة 8. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 قَوْله: {اقْتَرَبت السَّاعَة} أَي دنت. يحيى: عَن أبي الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ كَهَاتَيْنِ، فَمَا فَضَّلَ إِحْدَاهُمْا عَلَى الأُخْرَى، وَجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي يَقُول النَّاس السَّبَّابة ". {وَانْشَق َّ الْقَمَر} قَالَ ابْن مَسْعُود: " انْشَقَّ الْقَمَر شقين حَتَّى رَأَيْت أَبَا قبيس بَينهمَا " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 {وَإِن يرَوا آيَة} يَعْنِي: الْمُشْركين {يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمر} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 ٌ ذَاهِب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 {وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقر} لأَهله من الْخَيْر وَالشَّر. قَالَ محمدٌ: يَقُول: يسْتَقرّ لأهل الْجنَّة عَمَلهم، وَلأَهل النَّار عَمَلهم. وَالِاخْتِيَار لِأَنَّهُ ابْتِدَاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 {وَلَقَد جَاءَهُم من الأنباء} يَعْنِي: أَخْبَار الْأُمَم (ل 345) فأهلكهم اللَّه {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} عَمَّا هم عَلَيْهِ من الشّرك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 {حِكْمَة بَالِغَة} يَعْنِي: الْقُرْآن. قَالَ محمدٌ: (حِكْمَةٌ بَالِغَة) بِالرَّفْع على معنى: فَهُوَ حِكْمَة بَالِغَة. {فَمَا تغن النّذر} عَمَّن لَا يُؤمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ} عَظِيم، والداع هُوَ صَاحب الصُّور. قَالَ مُحَمَّد: {يدع} كتب بِحَذْف الْوَاو على مَا يجْرِي فِي اللَّفْظ لالتقاء الساكنين الْوَاو من (يَدْعُو) وَاللَّام من (الداع) وَقَوله: (نكر) بِضَم الْكَاف وإسكانها، والنكر وَالْمُنكر واحدٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 قَالَ النَّابِغَة: (أَبَى اللَّهُ إِلَّا عَدْلَهُ ووَفَاءَهُ ... فَلَا النُّكْرُ مَعْروفٌ وَلَا الْعرف ضائع) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 قَوْله: {خشعا أَبْصَارهم} يَقُول: فتولَّ عَنْهُم فستراهم يَوْم الْقِيَامَة ذليلة أَبْصَارهم، وَكَانَ هَذَا قبل أَن يُؤمر بِالْقِتَالِ {يَخْرُجُونَ من الأجداث} من الْقُبُور {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} تَفْسِير الْحسن شبَّههم بالجراد إِذا أدْركهُ اللَّيْل لزم الأَرْض، فَإِذا أصبح وطلع عَلَيْهِ الشَّمْس انْتَشَر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 {مهطعين} مُسْرِعين {إِلَى الداع} صَاحِبِ الصُّورِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ {يَقُول الْكَافِرُونَ} يَوْمئِذٍ {هَذَا يَوْم عسر} يعلم الْكَافِرُونَ يومئذٍ أَن عسر ذَلِك الْيَوْم عَلَيْهِم، وَلَيْسَ لَهُم من يسره شَيْء. تَفْسِير سُورَة الْقَمَر من الْآيَة 9 إِلَى الْآيَة 17. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 {وَقَالُوا مَجْنُون وازدجر} تُهُدِّدَ بِالْقَتْلِ فِي تَفْسِير الْحسن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} أَي: فانتقم لي من قومِي. قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ {أَنِّي} بِالْفَتْح للألف - وَهُوَ الأجود - وَالْمعْنَى: دَعَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 ربه بِأَنِّي مغلوب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} بعضه على بعض وَلَيْسَ بمطر. قَالَ محمدٌ: يُقَال: همَر الرجُلُ إِذا أَكثر من الْكَلَام وأسرع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ} مَاء السَّمَاء وَمَاء الأَرْض {عَلَى أَمر قد قدر} على هَلَاك قوم نوح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 {وحملناه} يَعْنِي: نوحًا {عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ} يَعْنِي: السَّفِينَة {ودسر} الدُّسُر: المسامير؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة. قَالَ محمدٌ: وَاحِدهَا دِسارٌ، مثل حمَار وحمر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 {تجْرِي بأعيننا} كَقَوْلِه: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}. {جَزَاء لمن كَانَ كفر} جَزَاء لنوحٍ كفره قوْمُه، وجحدوا مَا جَاءَ بِهِ إنجاء اللَّه إِيَّاه فِي السَّفِينَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 {وَلَقَد تركناها آيَة} لمن بعدهمْ، يَعْنِي: السَّفِينَة. قَالَ محمدٌ: قَوْله: (آيَة) يَعْنِي: عَلامَة؛ ليعتبر بهَا. {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أَي: متفكر، يَأْمُرهُم أَن يعتبروا وَيَحْذَرُوا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نزل بهم. قَالَ محمدٌ: مُدَّكِر أَصله مذتكر مفتَعِل من الذِّكْرِ، فأدغمت الذَّال فِي التَّاء ثمَّ قلبت دَالا مشدودة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 {فَكيف كَانَ عَذَابي وَنذر} إنذاري أَي كَانَ شَدِيدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 لِلذِّكْرِ} لِيذكرُوا اللَّه {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} وَهِي مثل الأولى. تَفْسِير سُورَة الْقَمَر من الْآيَة 18 إِلَى الْآيَة 22. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 {كَذَّبَتْ عَادٌ} أَي: فأهلكتهم {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} أَي: كَانَ شَدِيدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} والصرصر: الْبَارِدَة الشَّدِيدَة الْبرد، وَهِي ريح الدَّبور {فِي يَوْمِ نَحْسٍ} أَي: مشئوم {مُّسْتَمِرّ} اسْتمرّ بِالْعَذَابِ، وَكَانَ ذَلِك من يَوْم الْأَرْبَعَاء إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} شبّههم فِي طولهم وعظمتهم بالأعجاز، وَهِي النّخل الَّذِي قد انقلعت من أُصُولهَا فَسَقَطت على الأَرْض. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: {منقعر} قَالُوا: قعرتُ النَّخْلَة أَقْعَرُها - بِفَتْح الْعين - إِذا قطعتَها قَعْرًا. وقعَرْتُ الْبِئْر أَقْعِرُها - بكسْر الْعين - إِذا بلغت قعرها بنزول أَو حفر. وَالنَّخْل تذكر وتؤنث؛ يُقَال: هَذَا نخل وَهَذِه نخل، فمنقعر على من قَالَ: هَذَا نخلٌ، وَمن قَالَ هَذِه نخل مثل قَوْله. {كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل خاوية}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 وَمعنى {يَسَّرْنَا} أَي: سهلنا، وَرُوِيَ أَن كتب أهل الْأَدْيَان نَحْو التَّوْرَاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 وَالْإِنْجِيل إِنَّمَا يتلوها أَهلهَا (نظرا) وَلَا يكادون يحفظونها من أوَّلها إِلَى آخرهَا؛ كَمَا يحفظ القرآنُ. تَفْسِير سُورَة الْقَمَر من الْآيَة 23 إِلَى الْآيَة 32. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 {كذبت ثَمُود بِالنذرِ} بالرسل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 {فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} أَي: أنتَّبع بشرا منا وَاحِدًا {إِنَّا إِذا لفي ضلال} فَلَا (نهتدي) (ل 346) {وسعر} أَي: وشقاء؛ فِي تَفْسِير مُجَاهِد. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: (وسعر) أصل الْكَلِمَة من [سعرت] النَّار إِذا التهبت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 {أَأُلْقِيَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا} على الِاسْتِفْهَام مِنْهُم، وَهَذَا الِاسْتِفْهَام على إِنْكَار أَي: لمْ ينزل الذّكر عَلَيْهِ من بَيْننَا يجحدون مَا جَاءَ بِهِ صَالح {بَلْ هُوَ كَذَّاب أشر} من بَاب الأشر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 {سيعلمون غَدا} يَعْنِي: يَوْم الْقِيَامَة {مَنِ الْكَذَّابُ الأشر}. قَالَ محمدٌ: الأَشِرُ فِي اللُّغَة: البَطِر المتكبر، يُقَال: أَشِرَ يأشَرُ أَشَرًا فَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 أَشِر، وَقَالُوا أَيْضا: أَشْرَان وَامْرَأَة أشرى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 {إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ} أَي: مخرجوها {فتْنَة لَهُم} أَي: بلية {فارتقبهم} أَي: انظرْ مَاذَا يصنعون {وَاصْطَبِرْ} على مَا يصنعون وعَلى مَا يَقُولُونَ، أَي: إِذا جَاءَت النَّاقة. وَقد مضى تَفْسِير أَمر النَّاقة فِي سُورَة الشُّعَرَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} وَهَذَا بعد مَا جَاءَتْهُم النَّاقة {كل شرب محتضر} تشرب النَّاقة المَاء يَوْمًا ويشربونه يَوْمًا. قَالَ محمدٌ: معنى {مُحْتَضَرٌ} يحضر القومُ الشِّرْبَ يَوْمًا، وتحضره النَّاقة يَوْمًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً} والصيحة: الْعَذَاب {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} وَهُوَ النَّبَات إِذا هاج فَذَرَتْهُ الرياحُ فَصَارَ حظائر، تَفْسِير من قَرَأَ (المحتظِر) بكسْر الظَّاء، وَمن قَرَأَهَا (المحتظَر) بِفَتْح الظَّاء فَالْمَعْنى جعل حظائر. قَالَ مُحَمَّد: وَقيل: الهشيم: مَا يبس من الْوَرق وتكسر وتحطم، أَي: فَكَانُوا كالهشيم الَّذِي يجمعه صَاحب الحظيرة فِي تَفْسِير من قَرَأَهُ (المحتظر) بِكَسْر الظَّاء يَقُول: احتظر حَظِيرَة، وَمن قَرَأَ (المحتظر) بِفَتْح الظَّاء فَهُوَ اسْم للحظيرة. تَفْسِير سُورَة الْقَمَر من الْآيَة 33 إِلَى الْآيَة 40. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 {كذبت قوم لوط بِالنذرِ} بالرسل يَعْنِي لوطا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 {إِنَّا أرسلنَا عَلَيْهِم حاصبا} يَعْنِي: الْحِجَارَةَ الَّتِي رُمِيَ بِهَا من كَانَ مِنْهُم خَارِجا من الْمَدِينَة وَأهل السّفر مِنْهُم، وَأصَاب مدينتهم الخسفُ {إِلا آلَ لُوطٍ} يَعْنِي من آمن {نَّجَّيْنَاهُم} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 قَوْله: {من شكر} يَعْنِي: من آمن. قَالَ محمدٌ: تَقول: أتيتُ فلَانا سَحَرًا أَي: سحرًا من الأسحار، وَإِذا أردْت سحر يَوْمك قلت: أَتَيْته بِسَحَرٍ، وأتيته سَحَرَ، ونصْبه على الظّرْف. {نِعْمَةً من عندنَا} بِمَعْنى: نجيناهم بالإنعام عَلَيْهِم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 قَوْله: {وَلَقَد أَنْذرهُمْ بطشتنا} أَي: عذابنا {فتماروا بِالنذرِ} كذبُوا بِمَا قَالَ لَهُم لوطٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا} وَقد مضى تَفْسِير كَيفَ أهلكوا فِي سُورَة هود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ} استقرَّ بهم الْعَذَاب. قَالَ محمدٌ: (بكرَة) هَا هُنَا نكرَة، وَإِذا أردْت بكرَة يَوْمك لم تَصْرِفْها وَكَذَلِكَ (غدْوَة) فِي مثل هَذَا. تَفْسِير سُورَة الْقَمَر من الْآيَة 41 إِلَى الْآيَة 48. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} يَعْنِي مُوسَى وَهَارُون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 {كذبُوا بِآيَاتِنَا كلهَا} يَعْنِي التسع آيَات، وَقد مضى ذِكْرُها {فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} على خلقه، عذبهم بِالْغَرَقِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 {أكفاركم} يَعْنِي أهل مَكَّة {خَيْرٌ مِنْ أولئكم} يَعْنِي: مِنْ أُهْلِكَ مِنَ الْأُمَمِ السالفة، أَي: لَيْسُوا بِخَير مِنْهُم، يَعْنِي: كَانُوا أَشد مِنْهُم قُوَّة وَأكْثر أَمْوَالًا وأولادًا {أَمْ لَكُمْ بَرَاءَة} أَي: من الْعَذَاب {فِي الزُّبُرِ} فِي الْكتب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 {نَحن جَمِيع منتصر أم يَقُولُونَ} بل يَقُولُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 {سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} يَعْنِي: يَوْم بدر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 {بل السَّاعَة موعدهم} أَي: بِعَذَاب الاستئصال، يَعْنِي: كفار آخر هَذِه الْأمة؛ فِي تَفْسِير الْحسن {والساعة أدهى} من تِلْكَ الأخذات الَّتِي أهلك بهَا الْأُمَم السالفة {وَأمر} أَي: وَأَشد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 {إِن الْمُجْرمين} الْمُشْركين {فِي ضلال} عَن الْهدى {وسعر} أَي: شقاء فِي تَفْسِير مُجَاهِد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوههم} تسحبهم الْمَلَائِكَة أَي: تجرهم {ذُوقُوا مس} يُقَال لَهُم فِي النَّار: ذوقوا مسَّ سَقر، وسقر اسمٌ من أَسمَاء جَهَنَّم. تَفْسِير سُورَة الْقَمَر من الْآيَة 49 إِلَى الْآيَة 55. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} تَفْسِير سعيد بْن جُبَير عَن عَليّ قَالَ: كل شَيْء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 بِقدر حَتَّى هَذِه، وَوضع إصبعه السبابَة على طرف لِسَانه، ثمَّ وَضعهَا على ظهر إبهامه الْيُسْرَى. قَالَ مُحَمَّد: {كُلُّ شَيْءٍ} منصوبٌ بِفعل مُضْمر، الْمَعْنى: إِنَّا خلقنَا كلَّ شيءٍ خلقناه بِقدر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 {وَمَا أمرنَا} (ل 347) يَعْنِي مَجِيء السَّاعَة {إِلا وَاحِدَةٌ كلمح بالبصر} تَفْسِير الْحسن يَعْنِي: إِذا جَاءَ عَذَابَ كُفَّارِ آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بالنفخة الأولى. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: أَنه إِذا أَرَادَ هلاكهم كَانَت سُرْعة الاقتدار على الْإِتْيَان بِهِ كسُرعة لمح الْبَصَر، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الْحسن، وَمعنى لمح الْبَصَر: أَن البصَرَ يلمحُ السَّمَاء وَهِي مسيرَة خَمْسمِائَة عَام، وَهَذَا من عَظِيم الْقُدْرَة. وَقَوله: {إِلَّا وَاحِدَة} فَإِن الْمَعْنى: إِلَّا قَوْله وَاحِدَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 {وَلَقَد أهلكنا أشياعكم} يَعْنِي: مِنْ أُهْلِكَ مِنَ الْأُمَمِ السالفة يَقُوله للْمُشْرِكين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} فِي الْكتب قد كُتِب عَلَيْهِم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 {وكل صَغِير وكبير مستطر} مَكْتُوب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} يَعْنِي: جَمِيع الْأَنْهَار. قَالَ محمدٌ: وَهُوَ واحدٌ يدل على جمع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مقتدر} يَعْنِي: نَفسه تبَارك اسْمُه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 تَفْسِير سُورَة الرَّحمن وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الرَّحْمَن من الْآيَة 1 إِلَى الْآيَة 16. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 قَوْله: {علمه الْبَيَان} علمه الْكَلَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 {الشَّمْس وَالْقَمَر بحسبان} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: بِحِسَاب ومنازل مَعْدُودَة، كل يَوْم منزل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 {والنجم وَالشَّجر يسجدان} النَّجْم: مَا كَانَ من النَّبَات على غير سَاق، والشجرُ مَا كَانَ على سَاق. وسجودهما ظلُّهما. قَالَ محمدٌ: يُقَال: نَجَمَ النَّبَات ينجم نجوما، وبقل يبقل بقولا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 {وَالسَّمَاء رَفعهَا} بَينهَا وَبَين الأَرْض مسيرَة خَمْسمِائَة عَام {وَوضع الْمِيزَان} أَي: وَجعل الْمِيزَان فِي الأَرْض بَين النَّاس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 {أَلا تطغوا فِي الْمِيزَان} أَلا تظلموا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 {وَأقِيمُوا الْوَزْن بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ {وَلَا تخسروا الْمِيزَان} أَي: لَا تنقصوا النَّاس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 قَالَ محمدٌ: يُقَال: أَخْسَرتُ الْمِيزَان وخسرت. وَالْقِرَاءَة بِضَم التَّاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 {وَالْأَرْض وَضعهَا للأنام} لِلْخلقِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 {فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ} قَالَ الْحسن: الأكمام: الليف. قَالَ محمدٌ: أكمام النَّخْلَة: مَا غطى جُمَّارها من السّعَف والليف والطلعة، كمها: قشرها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 قَوْله: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} العصف: سوق الزَّرْع، وَالريحَان: الرزْقُ فِي تَفْسِير الْكَلْبِيّ. وَكَانَ يقْرَأ {وَالريحَان} بِالْجَرِّ وَيجْعَل العصفَ وَالريحَان جَمِيعًا من صفة الزَّرْع، وَكَانَ الْحسن يقْرَأ (وَالريحَان) بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء أَي: وفيهَا الريحانُ. وَالريحَان فِي تَفْسِير الْحسن: الرياحين الَّتِي تُشَمُّ. قَالَ محمدٌ: وَالْعرب تسمي الرزق. الريحان، يُقَال: خرجت أطلب ريحَان اللَّه. وَمِنْه قَول النَّمِر بْن توْلَب: (سَلَامُ الإِلَهِ وَرَيْحانُهُ ... وَرَحْمَتُهُ وَسَمَاءٌ دِرَرْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 معنى ريحانه: رزقه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 قَوْله: {فَبِأَي آلَاء} أَي: نعماء {رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} يَعْنِي: الثقلَيْن الْجِنّ وَالْإِنْس. قَالَ محمدٌ: قيل: ذكر اللَّه - عز وَجل - فِي هَذِه السُّورَة مَا ذكر من خلق الْإِنْسَان وَتَعْلِيم الْبَيَان، وَمن خلق الشَّمْس وَالْقَمَر وَالسَّمَاء وَالْأَرْض وَغير ذَلِك مِمَّا ذكر من آلائه الَّتِي أنعم بهَا، وَجعلت قِوَامًا ووُصْلَةً إِلَى الْحَيَاة، ثمَّ خَاطب الْإِنْس وَالْجِنّ فَقَالَ: {فَبِأَيِّ آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} أَي: فَبِأَي نعم رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ من هَذِه الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة، أَي: أَنكُمْ تصدقُونَ بِأَن ذَلِك كُله من عِنْده، وَهُوَ أنعم بِهِ عَلَيْكُم، وَكَذَلِكَ فوحِّدوه وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ غَيره، والآلاء وَاحِدهَا إِلَّا مثل مَعًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 قَوْله: {خلق الْإِنْسَان} يَعْنِي: آدم {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} وَهُوَ التُّرَاب الْيَابِس الَّذِي يُسْمَع لَهُ صلصلة إِذا حُرِّك، وَكَانَ آدم فِي حالات قبل أَن ينْفخ فِيهِ الرّوح، وَقد قَالَ فِي آيَة أُخْرَى: {مِنْ طِينٍ} وَقَالَ: {من حمإ مسنون}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 قَوْله: {وَخلق الجان} إِبْلِيس {مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} أَي: من لِسَان النَّار ولهبها فِي تَفْسِير الحَسَن. قَالَ مُحَمَّد: يُقَال للهب النَّار: مارجٌ لاضطرابه، من مرج الشَّيْء يَعْنِي اضْطربَ وَلم يسْتَقرّ. قَالَ الْحسن: الْإِنْس كلهم من عِنْد آخِرهم ولد آدم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 (ل 348) وَالْجِنّ كلهم من عِنْد آخِرهم ولد إِبْلِيس. تَفْسِير سُورَة الرَّحْمَن من الْآيَة 17 إِلَى الْآيَة 30. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 {رب المشرقين وَرب المغربين} مشرق الشتَاء ومشرق الصَّيف، ومغرب الشتَاء ومغرب الصَّيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 {مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ} تَفْسِير قَتَادَة: أَفَاضَ أَحدهمَا فِي الآخر. قَالَ محمدٌ: معنى مرج: خلط وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ قَتَادَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 {بَينهمَا برزخ لَا يبغيان} بَين العذب والمالح حاجزٌ من قدرَة اللَّه لَا يَبْغِي أَحدهمَا على صَاحبه، لَا يَبْغِي المالح على العذب فيختلط بِهِ، وَلَا العذب على المالح فيختلط بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 {يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان} تَفْسِير قَتَادَة قَالَ: اللُّؤْلُؤ: الْكِبَار، والمرجان: الصغار. قَالَ يحيى: وَمعنى (يخرج مِنْهُمَا) أَي: من أَحدهمَا. قَالَ محمدٌ: قَالَ {يخرج مِنْهُمَا} وَإِنَّمَا يخرج من الْبَحْر المالح؛ لِأَنَّهُ قد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 ذكرهمَا وجمعهما، فَإِذا خرج من أَحدهمَا فقد خرج مِنْهُمَا، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ يحيى. والواحدة: مرْجَانَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كالأعلام} يَعْنِي: السفن الَّتِي عَلَيْهَا شُرُعها، وَهِي القُلُع. قَالَ محمدٌ: كتبتْ بِلَا يَاء، وَمن وقف عَلَيْهَا وقف بِالْيَاءِ، وَالِاخْتِيَار وَصْلُها؛ ذكره الزَّجاجُ، وَمعنى الْمُنْشَآت: الَّتِي أُنْشئن، والأعلام: الْجبَال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 {كل من عَلَيْهَا} يَعْنِي: على الأَرْض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 {فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجلَال} يَعْنِي: العظمة {وَالْإِكْرَام} لأهل طَاعَته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 {يسْأَله من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يسْأَله أهل السَّمَاء الرَّحْمَة، ويسأله أهل الأَرْض الرَّحْمَة وَالْمَغْفِرَة والرزق وحوائجهم، ويدعوه الْمُشْركُونَ عِنْد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 الشدَّة، وَلَا يسْأَله الْمَغْفِرَة إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن} يُمِيت وَيحيى مَا يُولد، ويجيب دَاعيا، وَيُعْطِي سَائِلًا، ويشفي مَرِيضا، ويفك عانيًا، وشأنه كثير لَا يُحْصَى؛ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ. قَالَ محمدٌ: قيل الْمَعْنى: هُوَ فِي تَنْفِيذ مَا قدر اللَّه أَن يكون فِي ذَلِك الْيَوْم، وَهُوَ مَذْهَب يحيى. تَفْسِير سُورَة الرَّحْمَن من الْآيَة 31 إِلَى الْآيَة 40. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلاَنِ} الْجِنّ وَالْإِنْس؛ أَي: سنحاسبكم فنعذبكم، وَهِي كلمة وَعِيد؛ يَعْنِي: الْمُشْركين مِنْهُم. قَالَ محمدٌ: لُغَة أهل الْحجاز: فَرَغ يَفْرُغُ - بِضَم الرَّاء - فُرُوغًا، وَتَمِيم تَقول: فَرَغ يفرَغ - بِفَتْح الرَّاء - فراغا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 {يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس} يَعْنِي: الْمُشْركين مِنْهُم {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تنفذوا من أقطار السَّمَاوَات وَالْأَرْض} من نَوَاحِيهَا (فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِحجَّة فِي تَفْسِير مُجَاهِد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا} يَعْنِي: الْكفَّار من الْجِنّ وَالْإِنْس {شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ} الشُّواظ: اللهب الَّذِي لَا دُخان فِيهِ، والنحاس: الدُّخان الَّذِي لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 لَهب فِيهِ؛ هَذَا تَفْسِير ابْن عَبَّاس. قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ (نُحَاس) بِالرَّفْع فعلى معنى: ويُرْسَلُ عَلَيْكُمَا نُحَاس. {فَلَا تنتصران} تمتنعان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً} محمرة {كالدهان} يَعْنِي: كَعَكرِ الزَّيْت؛ فِي تَفْسِير زيد بن أسلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنس وَلَا جَان} أَي: لَا يُطْلب علم ذَلِك من قبلهم. تَفْسِير سُورَة الرَّحْمَن من الْآيَة 41 إِلَى الْآيَة 45. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 {يعرف المجرمون بِسِيمَاهُمْ} بسواد وُجُوههم وزرقة أَعينهم. {فَيُؤْخَذُ بالنواصي والأقدام} يجمع بَين ناصيته وقدَميْه من خَلفه، ثمَّ يلقى فِي النَّار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا المجرمون} الْمُشْركُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} يَعْنِي: الْحَار الَّذِي انْتهى حَرُه. قَالَ محمدٌ: أَنى يأني وَهُوَ آنٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 قَالَ يحيى: بلغنَا أَن شَجَرَة الزقوم نابتة فِي الْبَاب السَّادس من جَهَنَّم على صَخْرَة من نَار، وتحتها عيْنٌ من الْحَمِيم أسود غليظ، فيسلّط على أحدهم الْجُوع، فيُنْطلق بِهِ فيأكل مِنْهَا حَتَّى يمْلَأ بطْنَه، فتغلي فِي بَطْنه كغلي الْحَمِيم، فيطلب الشَّرَاب ليبرد بِهِ جوْفَه، فَينزل من الشَّجَرَة إِلَى تِلْكَ الْعين الَّتِي تخرج من تَحت الصَّخرة من فَوْقهَا الزقوم، وَمن تحتهَا الحميمُ، فتزل قدماه فَيَقَع لظهره وجنبه، فينشوي عَلَيْهَا كَمَا ينشوي الْحُوت على المِقلى، فتسحبه الخُزَّان على وَجهه، فينحدر إِلَى تِلْكَ العَيْنِ، فَلَا يَنْتَهِي إِلَيْهَا إِلَّا وَقد ذهب لحم وَجهه حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى تِلْكَ الْعين فيسقيه الخُزَّان فِي إِنَاء من فَإِذا (ل 349) فِيهِ اشتوى وَجهه، وَإِذا وَضعه على شَفَتَيْه تقطعت شفتاه وتساقطت أَضْرَاسه وأنيابه من حره؛ فَإِذا اسْتَقر فِي بَطْنه أخرج مَا كَانَ فِي بَطْنه من دُبُره. تَفْسِير سُورَة الرَّحْمَن من الْآيَة 46 إِلَى الْآيَة 61. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 {وَلمن خَافَ مقَام ربه} يَعْنِي: الَّذِي يقوم بَين يَدي ربه لِلْحسابِ فِي تَفْسِير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 الْحسن {جنتان} قَالَ الْحسن: هِيَ أَربع جنَّات: جنتان للسابقين وهم أَصْحَاب الْأَنْبِيَاء، وجنتان للتابعين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 {ذواتا أفنان} أَغْصَان؛ يَعْنِي: ظلال الشّجر؛ فِي تَفْسِير الْحسن. قَالَ محمدٌ: وَاحِدهَا فنن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} أَي: نَوْعَانِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إستبرق} تَفْسِير الْحسن. بطائنها؛ يَعْنِي: مَا يَلِي جُلُودهمْ، والاستبرق: الصَّفيق من الديباج. {وجنى الجنتين} يَعْنِي: ثمارها {دَان} قريب يتناولون مِنْهَا وهم قعُود ومضطجعون وَكَيف شَاءُوا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 {فِيهِنَّ قاصرات الطّرف} قصر طرْفهنَّ على أَزوَاجهنَّ لَا يُرِدْن غَيرهم {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ} لم يَمْسَسْهُنَّ إنسٌ {قَبْلَهُمْ وَلا جَان} يَعْنِي: قبل أَزوَاجهنَّ فِي الْجنَّة بعد خلق اللَّه إياهن الْخلق الثَّانِي؛ يَعْنِي: مَا كَانَ من الْمُؤْمِنَات من نسَاء الدُّنْيَا. قَالَ محمدٌ: من كَلَام الْعَرَب: مَا طمث هَذَا البعيرَ حَبل قطّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 {كأنهن الْيَاقُوت والمرجان} يُرِيد: صفاء الْيَاقُوت فِي بَيَاض المرجان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 {هَل جَزَاء الْإِحْسَان} الْإِيمَان {إِلَّا الْإِحْسَان} الْجنَّة. تَفْسِير سُورَة الرَّحْمَن من الْآيَة 62 إِلَى الْآيَة 78. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 {وَمن دونهمَا} يَعْنِي الجنتين اللَّتَيْنِ وصف مَا فيهمَا {جنتان} وَهَاتَانِ الجنتان [الأخريان] لأَصْحَاب الْيَمين الَّذين لَيْسُوا من السَّابِقين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 {مدهامتان} يَعْنِي: حمراوين ناعمتين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 {فيهمَا عينان نضاختان} أَي: فوَّارتان. قَالَ محمدٌ: يُقَال: ادهامّتِ ادْهيمامًا، والنضخ الْفِعْل مِنْهُ نَضَخَ يَنْضَخُ وَيَنْضِخ، ونَضَح بِالْيَدِ بِالْحَاء غير منقوطة، والنضخُ فِي اللُّغَة أَكثر من النَّضْح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 {فِيهِنَّ خيرات حسان} يَعْنِي: النِّسَاء، الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ: خيرة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 قَالَ مُحَمَّد: (خيرات) أصْلُه فِي اللُّغَة: خيراتٌ مخفف كَمَا يُقَال: هيْنٌ ليْنٌ الْمَعْنى: أَنَّهُنَّ حسان الْخلق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 {حور} أَي: بيض {مقصورات} محبوسات {فِي الْخيام} قَالَ ابْن عَبَّاس: الخيْمة: درّة مجوَّفة فَرسَخ فِي فَرسَخ، لَهَا أَرْبَعَة آلَاف مصراع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 {متكئين على رَفْرَف خضر} قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: المحابس {وَعَبْقَرِيٍّ حسان} قَالَ ابْن عَبَّاس: يَعْنِي: الوسائد. قَالَ يحيى: الْوَاحِدَة: عبقرة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 {تبَارك اسْم رَبك} تقدَّس اسْم رَبك {ذِي الْجَلالِ} العظمة {وَالْإِكْرَام} لأهل طَاعَته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة من الْآيَة 1 إِلَى الْآيَة 9. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 قَوْله: {إِذا وَقعت الْوَاقِعَة} الْقِيَامَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 {لَيْسَ لوقعتها كَاذِبَة} أَي: هِيَ كَاذِبَة. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: لَيْسَ لوقعتها وقْعَة كَاذِبَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 {خافضة رَافِعَة} خفضت وَالله أَقْوَامًا إِلَى النَّار، وَرفعت أَقْوَامًا إِلَى الْجنَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 {إِذا رجت الأَرْض رجا} زلزلت زلزالا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 {وبست الْجبَال بسا} فتت فتاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 {فَكَانَت هباء منبثا} قَالَ الْحسن: يَعْنِي: غبارًا ذَا هباء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 {وكنتم أَزْوَاجًا ثَلَاثَة} أصنافا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} وهم الميامين على أنفسهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 {وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ} وهم المشائيم على أنفسهم. قَالَ محمدٌ: قَوْله: {مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} هَذَا اللَّفْظ فِي الْعَرَبيَّة مجْرَاه مجْرى التَّعَجُّب، كَأَنَّهُ قَالَ: أَي شَيْء هُمْ؟ يُقَال فِي الْكَلَام: فلانٌ مَا فلانٌ، وَمَجْرَاهُ من اللَّه - عز وجلّ - فِي مُخَاطبَة الْعباد مَجْرى مَا يُعَظمُ بِهِ الشَّأْن عندهُمْ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي قَوْله: {مَا أَصْحَاب المشأمة} أَي: أيّ شَيْء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 هم؟! وَيَقُول: يَمَنَ فلَان على الْقَوْم ويَمُن وَهُوَ ميمونٌ، وشأم الْقَوْم وشُئمَ عَلَيْهِم فَهُوَ مشئوم. تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة من الْآيَة 10 إِلَى الْآيَة 26. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} تَفْسِير الْحسن: السَّابِقُونَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصحابُ الْأَنْبِيَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 {ثلة من الْأَوَّلين} والثلة: الطَّائِفَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 {وَقَلِيل من الآخرين} يَعْنِي: أَن سابقي جَمِيع الْأُمَم أَكثر من سابقي أمة محمدٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 {على سرر موضونة} (ل 350) مَرْمولة، ورَمَلها نسجها بالياقوت واللُّؤْلؤ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 {متكئين عَلَيْهَا مُتَقَابلين} لَا ينظر بعضُهم إِلَى قَفَا بعضٍ. قَالَ يحيى: بَلغنِي أَن ذَلِك إِذا تزاوروا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 {يطوف عَلَيْهِم ولدان مخلدون} لَا يموتون وَلَا يشيبون على منَازِل الوُصَفاء، خُلِدوا على تِلْكَ الْحَال لَا يتحولون عَنْهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 {لَا يصدعون عَنْهَا} لَا يصيبهم عَلَيْهَا صُدَاعٌ {وَلا ينزفون} لَا تذْهب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 عُقُولهمْ أَي: لَا يسكرون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 {وَفَاكِهَة مِمَّا يتخيرون} إِذا اشْتهوا الشعْبَ من الشَّجَرَة انقض إِلَيْهِم فَأَكَلُوا مِنْهُ أيَّ الثِّمَار شَاءُوا؛ إِن شَاءُوا قيَاما، وَإِن شَاءُوا مستلقين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 {وَلحم طير مِمَّا يشتهون} قَالَ سَعِيد بْن رَاشد: بَلغنِي أَن الطير تُصَفُّ بَين يَدي الرجل؛ فَإِذا اشْتهى أَحدهَا اضْطربَ ثمَّ صَار بَين يَدَيْهِ نَضِيجًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 {وحور عين} أَي: بيضٌ، عينٌ أَي: عِظَام الْعُيُون، الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ عَيْنَاء. وَقَالَ مُحَمَّد: {وحور عين} مَرْفوعٌ بِمَعْنى: ولهُمْ حورٌ عين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 {كأمثال اللُّؤْلُؤ الْمكنون} يَعْنِي: صفاء ألوانهن، والمكنون الَّذِي فِي أصدافه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 {جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ}. قَالَ مُحَمَّد: {جَزَاء} مصدرٌ، الْمَعْنى: يجازون بأعمالهم جَزَاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا} أَي: بَاطِلا {وَلَا تأثيما} لَا يؤثم بَعضهم بَعْضًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 {إِلَّا قيلا سَلاما سَلاما} تَفْسِير بَعضهم: إِلَّا خيرا خيرا. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى عَلَى هَذَا التَّفْسِير: لَا يسمعُونَ فِيهَا إِلَّا قيلًا يُسْلَمُ فِيهِ من اللَّغْو وَالْإِثْم. تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة من الْآيَة 27 إِلَى الْآيَة 40. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} يَعْنِي: أهل الْجنَّة من غير السَّابِقين، وَأهل الْجنَّة كلهم أَصْحَاب الْيَمين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 {فِي سدر مخضود} المخضودُ: الَّذِي لَا شوك لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 {وطلح منضود} أَي: بعضه على بعضٍ يَعْنِي بالطلح: الشّجر الَّذِي بطرِيق مَكَّة. قَالَ مُجَاهِد: كَانُوا يعْجبُونَ من وَج وظلاله من طَلْحٍ وسِدْرٍ، فَخُوطِبُوا ووعدوا بِمَا يحبونَ مثله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 قَوْله: {وظل مَمْدُود} أَي: مُتَّصِل دَائِم أبدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 {وَمَاء مسكوب} ينسكب بعضُه على بعض، وَلَيْسَ بالمطر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 {وفرش مَرْفُوعَة} قَالَ أَبُو أُمَامَة: ارتفاعها من الأَرْض قدر مائَة سنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء} خلَقْناهُنّ؛ يَعْنِي: نسَاء أهل الْجنَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 {فجعلناهن أَبْكَارًا} عذارى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 {عربا} يَعْنِي: متحبِّبات إِلَى أَزوَاجهنَّ {أَتْرَابًا} أَي: على سنٍّ وَاحِدَة بَنَات ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة. قَالَ محمدٌ: {عربا} جمع عَرُوبٍ، وأصل الْكَلِمَة: المُعَارَبة؛ وَهِي المداعَبة وَقَالَ: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء} وَلم يذكر النِّسَاء قبل ذَلِك؛ لِأَن الْفرش مَحل النِّسَاء، فَاكْتفى بِذكر الفُرش، الْمَعْنى: أنشأنا الصبية والعجوز إنْشَاء جَدِيدا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 قَوْله: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ من الآخرين} الثلَّة: الطَّائِفَة. تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة من الْآيَة 41 إِلَى الْآيَة 56. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ} وهم أهلُ النَّار. يَحْيَى: عَنْ فِطْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: " خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَكَانُوا قَبْضَتَهُ، فَقَالَ لِمَنْ فِي يَمِينِهِ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ. وَقَالَ لِمَنْ فِي يَدِهِ الأُخْرَى: ادْخُلُوا النَّارَ وَلا أُبَالِي. فَذَهَبَتْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ". قَالَ يحيى: وَبَلغنِي أَنه قَوْله: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمين} {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 قَوْله: {فِي سموم وحميم} فِي نَار وحميم؛ يَعْنِي: الشَّرَاب الشَّديد الْحر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 {وظل من يحموم} اليحموم: الدُّخان الشَّديد السوَاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 {لَا بَارِدٍ} فِي الظِّلِ {وَلا كريم} فِي الْمنزل، والكريم: الْحسن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} والمترفون أهل السَّعَة وَالنعْمَة فِي الدُّنْيَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 {وَكَانُوا يصرون} يُقِيمُونَ {على الْحِنْث} يَعْنِي: الذَّنب {الْعَظِيم} وَهُوَ الشّرك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا} الْآيَة لَا نبعث نَحن وَلَا آبَاؤُنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 {فشاربون شرب الهيم} يَعْنِي: الْإِبِل العطاش؛ فِي تَفْسِير الْكَلْبِيّ. قَالَ محمدٌ: بعيرٌ أهْيَمُ وناقة هيماء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 {هَذَا نزلهم يَوْم الدّين} يَوْم الْحساب. قَالَ محمدٌ: نزلهم أَي: رزقهم وطعامهم. تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة من الْآيَة 57 إِلَى الْآيَة 62. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 {نَحن خَلَقْنَاكُمْ} يَقُوله للْمُشْرِكين {فلولا} فَهَلا {تصدقُونَ} بِالْبَعْثِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 {أَفَرَأَيْتُم مَا تمنون} يَعْنِي: النُّطْفَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} على الِاسْتِفْهَام أَي: لَسْتُم الَّذين تخلقونه (ل 351) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 {نَحن قَدرنَا بَيْنكُم الْمَوْت} لكل عبد وَقت لَا يعدوه {وَمَا نَحن بمسبوقين} بمغلوبين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 {على أَن نبدل أمثالكم} آدميين خيرا مِنْكُم يَقُوله للْمُشْرِكين {وننشئكم} نخلقكم (فِيمَا لاَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 تَعْلَمُونَ} قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي فِي أَي خلق شِئْنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى} خلق آدم وَذريته بعده {فَلَوْلاَ} فَهَلا {تَذكَّرُونَ} فتؤمنوا بِالْبَعْثِ. تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة من الْآيَة 63 إِلَى الْآيَة 74. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 {أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ} أَي تنبتونه يَقُوله لَهُم على الِاسْتِفْهَام {أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} أَي: لَسْتُم الَّذين تزرعونه، وَلَكِن نَحن الزارعون المنبتون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 {لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ} يَعْنِي: الزَّرْع {حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} تَفْسِير بَعضهم: تعْجبُونَ، الْمَعْنى: يعْجبُونَ لهلاكه بعد خضرته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} أَي: مهلكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} حرمنا الزَّرْع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 {أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} من السَّحَاب. قَالَ محمدٌ: وَاحِدهَا مزنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 {لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} {مرا} (فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ} هلا تؤمنون؛ يَقُوله للْمُشْرِكين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} أَي: تستخرجون من الزنود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 {أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا} الَّتِي تخرج مِنْهَا {أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 قَالَ محمدٌ: تَقول: أوْرَيْتُ النَّار إيراءً، ولغة أُخْرَى: وَرَيْتُها وَرْيًا إِذا قَدَحْتَها، وَوَرَتْ هِيَ إِذا ظهرتْ، وَمن كَلَامهم: وَرِيَتْ بك زنادي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 {نَحن جعلناها تذكرة} للنار الْكُبْرَى {ومتاعا للمقوين} للمسافرين يَنْتَفِعُونَ بهَا؛ فِي تَفْسِير الْحسن. قَالَ محمدٌ: المقوي: الَّذِي ينزل بالقَوَاء، وَهِي الأَرْض القفر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 {فسبح باسم رَبك الْعَظِيم} يَقُوله لنَبيه، فنزِّه اللَّهَ مِمَّا يَقُولُونَ. قَالَ يحيى: وَبَلغنِي أَنَّهَا لما نزلت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اجْعَلُوهَا فِي ركوعكم. وَلما نزلت: {سَبِّحِ اسْم رَبك الْأَعْلَى} قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودكُمْ ". تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة من الْآيَة 75 إِلَى الْآيَة 82. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 قَوْله: {فَلَا أقسم} أَي: أقسم، و (لَا) زَائِدَة {بمواقع النُّجُوم} نُجُوم الْقُرْآن إِذْ نزل جِبْرِيل على النَّبِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 {إِنَّه لقرآن كريم} على الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 {فِي كتاب مَكْنُون} عِنْد الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} من الذُّنُوب؛ يَعْنِي: الْمَلَائِكَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 {تَنْزِيل من رب الْعَالمين} نزل بِهِ جِبْرِيل، وفيهَا تقديمٌ يَقُول: تَنْزِيل من رب الْعَالمين فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 {أفبهذا الحَدِيث} يَعْنِي: الْقُرْآن {أَنْتُم مدهنون} أَي: تاركون لَهُ، يَقُوله للْمُشْرِكين. قَالَ محمدٌ: يُقَال: أدهن فِي أمره وداهن؛ وَهُوَ الْكذَّاب الْمُنَافِق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} أَي: تَجْعَلُونَ مَكَان الرزق التَّكْذِيب. قَالَ مُحَمَّد: جَاءَ عَنِ ابْن عَبَّاس " أَنه كَانَ يقْرَأ: وتجعلون شكركم أَنكُمْ تكذبون ". وَقيل: إِن لُغَة أَزْد شنُوءَة مَا رزق فلَان أَي: مَا شكر فلَان. تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة من الْآيَة 83 إِلَى الْآيَة 96. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 {فلولا} فَهَلا {إِذا بلغت} النَّفس الَّتِي زعمتم أَن اللَّه لَا يبعثها {الْحُلْقُومَ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 {فلولا} فَهَلا {إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} غير محاسبين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 {ترجعونها إِن كُنْتُم صَادِقين} بأنكم لَا تبعثون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 {فَروح وَرَيْحَان} تقْرَأ: (رَوْحٌ) بِفَتْح الرَّاء وَضمّهَا، فَمن قَرَأَهَا بِالْفَتْح فمعناها: الرَّاحَة، وَمن قَرَأَهَا بِالرَّفْع فمعناها: الْحَيَاة الطَّوِيلَة فِي الْجنَّة. وَالريحَان: الرزق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 قَوْله: {فسلام لَك} أَي: خيرٌ لَك {مِنْ أَصْحَابِ الْيَمين} وَهَؤُلَاء أَصْحَاب الْيَمين من غير المقربين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالّين} الْآيَة. يَحْيَى: عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَن الْمَيِّتَ تَحْضُرُهُ الْمَلائِكَةُ؛ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، اخْرُجِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانَ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ. فَيُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ، فَيُصْعَدُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا؛ فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: فُلانٌ. فَيُقَالُ: مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطِّيِّبِ، ادْخُلِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانَ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَان، فيقل لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السَّوْءُ قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، اخْرُجِي ذَمِيمَةً وَأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 وَغَسَّاقٌ، وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ، فَيَقُولُونَ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى تَخْرُجَ، ثُمَّ يُعْرَجَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا، فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: فُلانُ. فَيُقَالُ: لَا مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، ارْجِعِي ذَمِيمَةً، فَإِنَّهُ لَنْ يُفْتَحَ لَكِ! فَتُرْمَى مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ تَصِيرُ فِي الْقَبْرِ ". يَحْيَى: عُنْ حَمَّادٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن (ل 352) بْنِ أَبِي عَنْ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 قَوْله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِين} هَذَا الَّذِي قَصَصنَا عَلَيْك فِي هَذِه السُّورَة ليقين حق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 {فسبح باسم رَبك الْعَظِيم} أَي: نزِّه اللَّه من السوء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 تَفْسِير سُورَة الْحَدِيد وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الْحَدِيد من الْآيَة 1 إِلَى آيَة 6. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 قَوْله: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز} فِي نقمته {الْحَكِيم} فِي أمره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 {هُوَ الأول} يَعْنِي: قبل كل شَيْء {وَالآخِرُ} بعد كل شَيْء {وَالظَّاهِر} يَعْنِي: الْعَالم بِمَا ظهر {وَالْبَاطِنُ} يَعْنِي: الْعَالم بِمَا بطن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 {هُوَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام} الْيَوْم مِنْهَا ألف سنة {ثُمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} تَفْسِيرُ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ الكُرسي الَّذِي وسع السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَمَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ، وَلا يَعْلَمُ قَدْرَ الْعَرْش إِلَّا الَّذِي خلقه {يَعْلَمُ مَا يلج فِي الأَرْض} مَا يدْخل فِيهَا من الْمَطَر {وَمَا يخرج مِنْهَا} مِنَ النَّبَاتِ {وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاء} من وَحي وَغَيره {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} يصعد إِلَيْهَا من الْمَلَائِكَة وأعمال الْعباد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَار فِي اللَّيْل} وَهُوَ أَخذ كل وَاحِد مِنْهُمَا من صَاحبه {وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الصُّدُور. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 تَفْسِير سُورَة الْحَدِيد من الْآيَة 7 إِلَى آيَة 10. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جعلكُمْ مستخلفين فِيهِ} بعد الْأُمَم الَّتِي أهلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 {وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخذ ميثاقكم} فِي صلب آدم {إِنْ كُنْتُمْ مُؤمنين} بِاللَّه وَالرَّسُول؛ فَأنْتم مُؤمنُونَ بذلك الْمِيثَاق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَات بَيِّنَات} يَعْنِي: الْقُرْآن {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور} من الضَّلَالَة إِلَى الْهدى، يَعْنِي: من أَرَادَ أَن يهديه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيل الله} رَجَعَ إِلَى الْكَلَام الأول {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جعلكُمْ مستخلفين فِيهِ}. {وَللَّه مِيرَاث السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يبقي وَيهْلك كل شَيْء {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قبل الْفَتْح وَقَاتل} فِيهَا تقديمٌ: لَا يَسْتَوِي من أنْفق مِنْكُم من قبل الْفَتْح وَقَاتل، وَهُوَ فتح مَكَّة. (أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 الْحُسْنَى} يَعْنِي: الْجنَّة؛ من أنْفق وَقَاتل قبل فتح مَكَّة وَبعده. تَفْسِير سُورَة الْحَدِيد من الْآيَة 11 إِلَى آيَة 15. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 {مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} أَي: مُحْتسبًا هَذَا فِي النَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه، وَفِي صَدَقَة التَّطَوُّع {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} الْجنَّة. قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ (فيضاعفه لَهُ) بِالرَّفْع فعلى الِاسْتِئْنَاف، أَي: فَهُوَ يضاعفه لَهُ، وَمن قَرَأَ بِالنّصب فعلى جَوَاب الِاسْتِفْهَام بِالْفَاءِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 {يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} يقودهم إِلَى الْجنَّة {وَبِأَيْمَانِهِم} كتبهمْ، وَهِي بشراهم بِالْجنَّةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 {انظُرُونَا} انتظرونا {نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} وَذَلِكَ أَنه يُعْطي كل مُؤمن ومنافق نورا على الصِّرَاط، فيطفأ نورُ الْمُنَافِقين وَيبقى نورُ الْمُؤمنِينَ، فَيَقُول المُنَافِقُونَ للْمُؤْمِنين: {انظرونا} انتظرونا نقتبس من نوركم، وَيَحْسبُونَ أَنه قبسٌ كقبس الدُّنْيَا إِذا طفئت نَار أحدهم اقتبس، فَقَالَ لَهُم الْمُؤْمِنُونَ وَقد عرفُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 أَنهم مُنَافِقُونَ: ارْجعُوا وراءكم فالتمسوا نورا؛ فَرَجَعُوا وَرَاءَهُمْ فَلم يَجدوا شَيْئا، فهنالك أدركتْهم خدْعةُ اللَّه. {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ} تَفْسِير مُجَاهِد: السُّور: الْأَعْرَاف {بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَة} الْجنَّة {وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} بالنَّار. قَالَ يحيى: والأعراف جبَلُ أُحُدٍ فِيمَا بَلغنِي يُمثَّلُ يَوْم الْقِيَامَة بَين الْجنَّة وَالنَّار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 {ينادونهم} يُنَادي المُنَافِقُونَ الْمُؤمنِينَ حِين ضرب بَينهم بسور {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} فِي الدُّنْيَا على دينكُمْ {قَالُوا بلَى} أَي: فِيمَا أظهرتم {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنفسكُم} يَعْنِي: أكفرتم أَنفسكُم فتربصتم بِالنَّبِيِّ وقلتم: هلك فنرجع إِلَى ديننَا {وارتبتم} شَكَكْتُمْ {وغرتكم الْأَمَانِي} أَي مَا كُنْتُم تتمنون من قَوْلكُم: ُيهلك محمدٌ وَأَصْحَابه، فنرجع إِلَى ديننَا {حَتَّى جَاءَ أَمْرُ الله} قَالَ بَعضهم: يَعْنِي الْمَوْت {وَغَرَّكُمْ بِاللَّه الْغرُور} الشَّيْطَان أخْبركُم بالوسوسة إِلَيْكُم أَنكُمْ لَا ترجعون إِلَى الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 {فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ} وَذَلِكَ أَنهم الْإِيمَان يَوْم الْقِيَامَة فَلَا يقبل مِنْهُم الَّذين كفرُوا يَعْنِي (ل 353) الَّذين جَحَدُوا فِي الدُّنْيَا فِي الْعَلَانِيَة، وَأما المُنَافِقُونَ فجحدوا فِي السِّرّ وأظهروا الْإِيمَان، فآمنوا كلهم فِي الْآخِرَة فَلم يقبل مِنْهُم {مَأْوَاكُمُ النَّارُ} يَعْنِي الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ {هِيَ مَوْلاكُمْ} أَي كُنْتُم تتولونها فِي الدُّنْيَا، فتعملون عمل أَهلهَا. قَالَ محمدٌ: وَقيل (هِيَ مولاكم) هِيَ أولى بكم لما أسلفتم، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ يحيى أَيْضا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 تَفْسِير سُورَة الْحَدِيد من الْآيَة 16 إِلَى آيَة 19. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تخشع قُلُوبهم لذكر الله} الْخُشُوع الْخَوْف {وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحق} يَعْنِي: الْقُرْآن. قَالَ محمدٌ: يَقُول: أَنى الشَّيْء يأني إِذا حَان {وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ من قبل} يَعْنِي: الْيَهُود {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ} بقاؤهم فِي الدُّنْيَا {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} غلظت {وَكثير مِنْهُم فَاسِقُونَ} يَعْنِي: مَنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ عَلَى الشِّرك، تَفْسِير بَعضهم نزلَتْ فِي الْمُنَافِقين، أَمرهم أَن يخلصوا الْإِيمَان؛ كَمَا أخْلص الْمُؤْمِنُونَ وَقَوله: {لِلَّذِينَ آمنُوا} يَعْنِي: أقرُّوا بألسنتهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 {إِن المصدقين والمصدقات} يَعْنِي: المتصدِّقين والمتصدِّقات {وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قرضا حسنا} يَعْنِي: يقدمُونَ لأَنْفُسِهِمْ، وَهَذَا فِي التَّطَوُّع. {يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ} ثَوَاب {كريم} الْجنَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 {أُولَئِكَ هم الصديقون} صدّقوا بِمَا جَاءَ من عِنْد الله {وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم} تَفْسِير مُجَاهِد: يشْهدُونَ على أنفسهم بِالْإِيمَان بِاللَّه. تَفْسِير سُورَة الْحَدِيد من الْآيَة 20 إِلَى آيَة 24. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهو} أَي: إِنَّمَا أَهْلَ الدُّنْيَا أَهْلُ لَعِبٍ وَلَهْوٍ، يَعْنِي: الْمُشْركين {كَمثل غيث} مطر {أعجب الْكفَّار نَبَاته} يَعْنِي: مَا أنبتت الأَرْض من ذَلِك الْمَطَر {ثمَّ يهيج} ذَلِك النَّبَات {فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يكون حطاما} كَقَوْلِه: {هشيما تَذْرُوهُ الرِّيَاح}. قَالَ محمدٌ: لم يُفَسر يحيى معنى (الْكفَّار)، وَرَأَيْت فِي كتاب غَيره أَنهم الزراع. يُقَال للزارع: كَافِر؛ لِأَنَّهُ إِذا ألْقى الْبذر فِي الأَرْض كَفَره أَي غطَّاه، وَقيل: قد يحْتَمل أَن يكون أَرَادَ الْكفَّار بِاللَّه، وهم أَشد إعجابًا بزينة الدُّنْيَا من الْمُؤمنِينَ، وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ. وَقَوله: {ثمَّ يهيج فتراه مصفرا} أَي: يَأْخُذ فِي الْجَفَاف فتبتدىء بِهِ الصُّفْرَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 {ثمَّ يكون حطاما} أَي: متحطِّمًا متكسِّرًا ذَاهِبًا. وَقَوله: {وَفِي الْآخِرَة عَذَاب شَدِيد} للْكَافِرِينَ {وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} للْمُؤْمِنين {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاع الْغرُور} يغتر بهَا أَهلهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 {سابقوا} أَي: بِالْأَعْمَالِ {إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْض} يَعْنِي: جَمِيع السَّمَاوَات وَجَمِيع الأَرْض مبسوطات، كل وَاحِدَة إِلَى صاحبتها، هَذَا عرضهَا، وَلَا يصف أحدٌ طولهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْض} يَعْنِي: الجدوبة وَنقص الثِّمَار {وَلا فِي أَنفسكُم} يَعْنِي: الْأَمْرَاض والبلايا فِي الأجساد {إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَن نبرأها} نخلقها تَفْسِير بَعضهم: من قبل أَن يخلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض {إِنَّ ذَلِك على الله يسير} هَين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 {لكَي لَا تأسوا} تحزنوا {على مَا فاتكم} يَعْنِي من الدُّنْيَا {وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُم} يَعْنِي: من الدُّنْيَا. قَالَ محمدٌ: وَقيل معنى (تفرحوا) هَا هُنَا أَي: تفرحوا فَرحا شَدِيدا تأشرون فِيهِ وتبْطرون، وَدَلِيل ذَلِك {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} فدلّ بِهَذَا أَنه ذمَّ الفرحَ الَّذِي يختالُ فِيهِ صَاحبه ويبطرُ، وَأما الْفَرح بِنِعْمَة اللَّه وَالشُّكْر عَلَيْهَا فَغير مَذْمُوم، وَكَذَلِكَ {كي لَا تأسوا على مَا فاتكم} لَا تحزنوا حزنا شَدِيدا لَا تعتدون فِيهِ، سَوَاء مَا تُسْلَبُونه وَمَا فاتكم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} يَعْنِي: الْيَهُود يأمرون إخْوَانهمْ الْيَهُود بالبخل، بكتمان مَا فِي أَيْديهم من نعت محمدٍ وَالْإِسْلَام {وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ} عَن خلقه {الحميد} المستحمدُ إِلَى خلقه، اسْتوْجبَ عَلَيْهِم أَن يحمدوه. تَفْسِير سُورَة الْحَدِيد الْآيَة 25. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهم الْكتاب وَالْمِيزَان} أَي: وَجَعَلنَا الْمِيزَان {بِالْقِسْطِ} أَي: بِالْعَدْلِ {وأنزلنا الْحَدِيد} أَي: وَجَعَلنَا (ل 354) الْحَدِيد، أخرجه اللَّه من الأَرْض {فِيهِ بَأْس شَدِيد} يَعْنِي: مَا يصنع مِنْهُ من السِّلَاح. {وَمَنَافع للنَّاس} يَعْنِي: مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ من الْحَدِيد فِي مَعَايشهمْ {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ من ينصره وَرُسُله بِالْغَيْبِ} والغيب: الْبَعْث والحساب وَالْجنَّة وَالنَّار، وَإِنَّمَا ينصر اللَّه ورسولَه من يُؤمن بِهَذَا، وَهَذَا علم الفعَال {إِن الله قوي عَزِيز} فِي نقمته. تَفْسِير سُورَة الْحَدِيد من الْآيَة 26 إِلَى آيَة 29. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذريتهما النُّبُوَّة وَالْكتاب} فَكَانَ أول كتاب نزل فِيهِ الْحَلَال وَالْحرَام كتاب مُوسَى قَالَ: {فَمنهمْ مهتد} يَعْنِي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 من ذريتهما {وَكثير مِنْهُم} من ذريتهما {فَاسِقُونَ} مشركون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وقفينا بِعِيسَى ابْن مَرْيَم} بعدهمْ. قَالَ محمدٌ: معنى (قَفَّيْنَا): أتبعنا، والمصْدَر: تقفية. {وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رأفة وَرَحْمَة} يرأف بَعضهم بِبَعْض، ويرحَم بَعضهم بَعْضًا، ثمَّ اسْتَأْنف الْكَلَام فَقَالَ: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} لم نكْتبها عَلَيْهِم، إِنَّمَا ابتدعوها ابْتِغَاء رضوَان اللَّه ليتقربُوا بهَا إِلَى اللَّه. قَالَ الْحسن: ففرضها اللَّه عَلَيْهِم حِين ابتدعوها. قَالَ مُحَمَّد: (ورهبانية) بالنصْب على معنى: وابتدعوا رَهْبَانِيَّة. قَالَ {فَمَا رعوها} يَعْنِي: الرهبانية {حق رعايتها} وَلَا مَا فَرضنَا عَلَيْهِم، أَي: مَا أدَّوْا ذَلِك إِلَى اللَّه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 قَوْله: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} يَعْنِي: أَجْرين {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تمشون بِهِ} يَعْنِي: إِيمَانًا تهتدون بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 {لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب} هَذِه كلمةٌ عربيَّة يَقُول: لِئَلَّا يعْلمَ وليعلمَ بِمَعْنى وَاحِد {أَلاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ} أَي: أَنهم لَا يقدرُونَ على شَيْءٍ {مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 تَفْسِير سُورَة المجادلة وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة المجادلة من الْآيَة 1 إِلَى آيَة 2. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 قَوْله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} الْآيَة قَالَ: كَانَ طَلَاق أهل الْجَاهِلِيَّة ظِهَارًا، يَقُول الرجل لامْرَأَته: أَنْت عليَّ كَظهر أُمِّي، وَكَانَت خَوْلةُ بنت ثَعْلَبَة تَحت أَوْس بْن صَامت فَظَاهر مِنْهَا؛ فَأَتَت النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنَّه حِين كَبرت سني ظَاهر مني، قَالَ الْكَلْبِيّ: وَقَالَت: فَهَل من شَيْء يجمَعُني وإياه يَا رَسُول الله؟ فَقَالَ لَهَا: مَا أُمِرْتُ فِيك بِشَيْء، ارجعي إِلَى بَيْتك فَإِن يأتني شَيْء أعلمتُك بِهِ. فَلَمَّا خرجت من عِنْده رفعتْ يديْها نحْوَ السّماءِ تَدْعُو اللَّه؛ فَأنْزل اللَّه: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} إِلَى قَوْله: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا من القَوْل وزورا} كذبا، حَيْثُ يَقُول: أنتِ عليّ كَظهر أُمِّي فيُحرم مَا أحل اللَّه قَالَ: {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ} عَنْهُم {غَفُور}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 تَفْسِير سُورَة المجادلة من الْآيَة 3 إِلَى آيَة 4. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يعودون لما قَالُوا} يعودون إِلَى مَا حرَّمُوا أَي يُرِيدُونَ الْوَطْء {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ} الْآيَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتلك حُدُود الله} أَحْكَام اللَّه الَّتِي حدَّ فِي الظِّهَار من العِتق وَالصِّيَام وَالْإِطْعَام. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: (ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا) الْمَعْنى: ذَلِك الَّذِي وَصفنَا لتؤمنوا. تَفْسِير سُورَة المجادلة من الْآيَة 5 إِلَى آيَة 6. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 {إِن الَّذين يحادون الله} أَي: يعادون اللَّه {وَرَسُولَهُ كُبِتُوا} أخزوا {كَمَا كبت} أُخْزِي {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أنزلنَا آيَات بَيِّنَات} الْقُرْآن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 {فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ ونسوه} أحصى عَلَيْهِم مَا عمِلُوا فِي الدُّنْيَا ونسوه {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} شَاهد لأعمالهم. تَفْسِير سُورَة المجادلة من الْآيَة 7 إِلَى آيَة 8. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابعهم} مَا يكون من خلْوَة ثَلَاثَة يسرُّون شَيْئا ويتناجون بِهِ، إِلَّا هُوَ رابعهم، أَي: عالمٌ بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَن النَّجْوَى} هم الْيَهُود نُهُوا أَن يتناجوا بِمَعْصِيَة الله ومعصية الرَّسُول، والطعن فِي دين اللَّه {ثُمَّ يعودون لما نهوا عَنهُ} كَانُوا يخلون بَعضهم بِبَعْض {ويتناجون بالإثم والعدوان} (ل 355) الْإِثْم: الْمعْصِيَة، والعدوان: الظُّلم {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} كَانُوا يسلمُونَ على النَّبِي وَأَصْحَابه فَيَقُولُونَ: السَّام عَلَيْكُم، والسَّامُ: الْمَوْت فِي قَول بَعضهم قَالَ: فَكَانَ رَسُول الله يرد عَلَيْهِم على حد السَّلَمِ؛ فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَأخْبرهُ أَنهم لَيْسُوا يَقُولُونَ ذَلِك على وَجه التَّحِيَّة فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه: " إِذا سلم عَلَيْكُم من أهل الْكتاب فَقولُوا: عَلَيْك ". أَي: عَلَيْك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 مَا قلتَ. {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا} هلا {يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} من السام أَي: إِن كَانَ نبيًّا فسيعذبنا اللَّه بِمَا نقُول. قَالَ اللَّه: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فبئس الْمصير}. تَفْسِير سُورَة المجادلة من الْآيَة 9 إِلَى آيَة 11. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} يَعْنِي: أقرُّوا بالألْسنة {إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} كَمَا صنعت الْيَهُود من هَذِه النَّجْوَى الَّتِي ذكر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 {إِنَّمَا النَّجْوَى من الشَّيْطَان} الْآيَة تَفْسِير الْكَلْبِيّ: أَن الْمُنَافِقين كَانُوا إِذا غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو بعث سَرِيَّة يتغامزون بِالرجلِ إِذا رَأَوْهُ، وَعَلمُوا أَن لَهُ حميمًا فِي الْغَزْو، فيتناجون وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَيَقُول الرجل: مَا هَذَا إِلَّا شيءٌ قد بَلغهُمْ من حميمي، فَلَا يزَال من ذَلِك فِي غمّ وحزن، حَتَّى يقدم حميمه؛ فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا} أَي: توسَّعُوا {فِي الْمَجَلِسِ}، تَفْسِير مُجَاهِد: يَعْنِي: مجلسَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 فَانشُزُوا} إِلَى كل خير من قتال الْعَدو، أَو أمْرٍ معروفٍ مَا كَانَ وَمعنى انشزوا: ارتفعوا {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} فِي الْآخِرَة على الَّذين آمنُوا، أَي: ليْسوا بعلماء. يَحْيَى: عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عِمْرَانَ الْقَصِيرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِي ". يَحْيَى: عَنْ نُعَيْمِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " مُعَلِّمُ الْخَيْرِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحُوت فِي الْبَحْر ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 تَفْسِير سُورَة المجادلة من الْآيَة 12 إِلَى آيَة 13. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} إِلَى قَوْله: {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} تَفْسِير قَتَادَة قَالَ: كَانَ الناسُ أحفوا رَسُول الله بِالْمَسْأَلَة حَتَّى آذَوْه؛ فقطعهم اللَّه عَنهُ بِهَذِهِ الْآيَة: {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} فَكَانَ أحدُهم لَا يَسْتَطِيع أَن يسْأَل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَاجَة؛ حَتَّى يقدمَ بيْن يَدي نَجوَاهُ صَدَقَة فاشتدَّ ذَلِك عَلَيْهِم، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 فَأنْزل اللَّه هَذِه الْآيَة فنسختها: {أَأَشْفَقْتُم أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ الله عَلَيْكُم فأقيموا الصَّلَاة} أَي: أَتموا الصّلاة {وَآتُوا الزَّكَاةَ} أَتموا الزَّكَاة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 تَفْسِير سُورَة المجادلة من الْآيَة 14 إِلَى آيَة 21. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قوما غضب الله عَلَيْهِم} الْآيَة هم المُنَافِقُونَ توَلّوا الْمُشْركين {مَّا هُم مِّنكُمْ} يَقُوله للْمُؤْمِنين مَا هم مِنْكُم فِي بَاطِن أَمرهم، إِنَّمَا يظهرون لكم الْإِيمَان وَلَيْسَ فِي قُلُوبهم {وَلَا مِنْهُم} يَعْنِي من الْمُشْركين فِي ظَاهر أَمرهم؛ لأَنهم يظهرون لكم الْإِيمَان، ويسّرون مَعَهم الشِّرْك {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِب وهم يعلمُونَ} أَنهم كاذبون، يحلف المُنَافِقُونَ أَنهم مُؤمنُونَ وَلَيْسوا بمؤمنين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 {اتَّخذُوا أَيْمَانهم جنَّة} حَلِفَهم اجْتنُّوا بهَا؛ حَتَّى لَا يُقْتَلُوا وَلَا تُسْبَى ذرِّيتهم، وَلَا تُؤْخَذ أَمْوَالهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 {يَوْم يَبْعَثهُم الله جَمِيعًا} يَوْم الْقِيَامَة {فَيحلفُونَ لَهُ} أَنهم كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُؤمنين {كَمَا يحلفُونَ لكم} فِي الدُّنْيَا فتقبلون مِنْهُم {وَيَحْسَبُونَ} يحْسب المُنَافِقُونَ {أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ} أَي: أَن ذَلِك يجوز عِنْد اللَّه كَمَا جَازَ لَهُم عنْدكُمْ فِي الدُّنْيَا {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} يَوْم يحلفُونَ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 {استحوذ} يَعْنِي استولى {عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذكر الله} أَن يذكروه بالإخلاص لَهُ {أُولَئِكَ حزب الشَّيْطَان} شيعةُ الشَّيْطَان {أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَان هم الخاسرون} خسروا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 أنفسهم، فصاروا فِي النَّار، وخسروا الْجنَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 {إِن الَّذين يحادون} يعادون {اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأذلين} (ل 356) يذلهم الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 {كتب الله} أَي: قضى اللَّه {لأَغْلِبَنَّ أَنَا ورسلي}. قَالَ مُحَمَّدٌ: قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى غَلَبَة الرُّسُل على نَوْعَيْنِ: فَمن بُعِث مِنْهُم بِالْحَرْبِ فغالبٌ بِالْحَرْبِ، وَمن بُعث مِنْهُم بِغَيْر حَرْبٍ فَهُوَ غَالب بِالْحجَّةِ. تَفْسِير سُورَة المجادلة آيَة 22. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْم الآخر يوادون} يحبونَ {من حاد} أَي: من عادى {اللَّهَ وَرَسُولَهُ} تَفْسِير الْحسن: إِنَّهُم المُنَافِقُونَ يوادون الْمُشْركين {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ} يَعْنِي: جعل فِي قُلُوبهم {الإِيمَانَ} يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ الَّذين لَا يوادون الْمُشْركين {وأيدهم} أعانهم {بِروح مِنْهُ} بنصرٍ مِنْهُ على الْمُشْركين {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضوا عَنهُ} أَي: رَضوا ثَوَابه {أُولَئِكَ حِزْبُ الله} جند اللَّه {أَلا إِنَّ حِزْبَ الله} جند الله {هم المفلحون} السُّعداءُ وهم أهل الْجنَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 تَفْسِير سُورَة الْحَشْر وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الْحَشْر من الْآيَة 1 إِلَى آيَة 4. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 قَوْله: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ} فِي نقمته {الْحَكِيم} فِي أمره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأوّل الْحَشْر} يَعْنِي: الشَّام، وَهِي أَرض الْمَحْشَر {مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} يَقُول: مَا ظننتم أَن يحكم اللَّه عَلَيْهِم بِأَن يجلوا إِلَى الشَّام {وظنوا} ظن بَنو النَّضِير {أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حصونهم من الله} أَي: لم يَكُونُوا يحتسبون أَن يخرجُوا من دِيَارهمْ وَمن حصونهم {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: " لمَّا أُمِر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالسَّيْر إِلَى بني النَّضِير، فَبَلغهُمْ ذَلِك خرّبوا الْأَزِقَّة، وحصّنوا الدّور، فَأَتَاهُم رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم فَقَاتلهُمْ إِحْدَى وَعشْرين لَيْلَة، كلما ظهر على دَار من دُورهمْ أَو درب من دروبهمْ هَدمه ليتّسع المقاتِلُ، وَجعلُوا ينقبون دُورهمْ من أَدْبَارها إِلَى الدَّار الَّتِي تَلِيهَا، ويرمون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 أَصْحَاب رَسُول الله بنقضها، فَلَمَّا يَئسوا من نَصْرِ الْمُنَافِقين، وَذَلِكَ أَن الْمُنَافِقين كَانُوا وعدوهم إِن قَاتلهم النَّبِي أَن ينصروهم فَلَمَّا يئسوا من نَصرهم سَأَلُوا نَبِي الله الصُّلْح، فَأبى عَلَيْهِم إِلَّا أَن يخرجُوا من الْمَدِينَة، فَصَالحهُمْ على أَن يجليهم إِلَى الشَّام على أنّ لَهُم أَن يحمل أهْلُ كل ثَلَاثَة أَبْيَات على بعير مَا شَاءُوا من طَعَام وسقاء، ولنبي الله وَأَصْحَابه مَا فضل فَفَعَلُوا ". {فَاعْتَبِرُوا} فتفكروا {يَا أولي الْأَبْصَار} يَعْنِي: الْعُقُول وهم الْمُؤْمِنُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 {وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجلاء لعذبهم} لَوْلَا أنّ اللَّه حكم عَلَيْهِم بالجلاء إِلَى الشَّام لعذّبهم فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ والسَّبْي. قَالَ محمدٌ: يُقَال جَلَوْا من أرضهمْ وأجْلَيْتُهم وجَلَوتُهم أَيْضا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} عَادوا الله وَرَسُوله. تَفْسِير سُورَة الْحَشْر من الْآيَة 5 إِلَى آيَة 6. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} الْآيَة، قَوْله: {فبإذن الله} أَي: أَذِن لكم فِي ذَلِك، وَجعله إِلَيْكُم أَن تقطعوا أَو تتركوا فعقر رَسُول الله يومئذٍ من صنوف التَّمْر غير العَجْوة وَترك العجْوة. قَالَ عِكْرِمَة: كل مَا كَانَ دون العجْوة من النّخل فَهُوَ لينَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُم} الْآيَة ظن الْمُسلمُونَ أَنه سيقسِمُه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 بَينهم جَمِيعًا؛ فَقَالَ رَسُول الله للْأَنْصَار: إِن شِئْتُم أَن أقسم لكم وتقروا الْمُهَاجِرين مَعكُمْ فِي دُوركُمْ فعلتُ، وَإِن شئتُم عزلْتُهم وقسمْتُ لَهُم هَذِه الأَرْض وَالنَّخْل فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، بل أقرهم فِي دُورنَا، واقسْم لَهُم الأَرْض وَالنَّخْل. فَجَعلهَا النَّبِي للمهاجرين. قَالَ محمدٌ: الإيجاف هُوَ من الوجيف، والوجيفُ دون التَّقْرِيب من السَّيْر يُقَال: وَجَفَ الفرسُ وأَوْجَفْتُه. والرِّكاب: الْإِبِل، وَالْمعْنَى: أَنه لَا شَيْء لكم فِيهِ، إِنَّمَا هُوَ لرَسُول اللَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِصا يعْمل فِيهِ مَا أحبّ. وَهَذَا الَّذِي أَرَادَ يحيى فِي معنى الْآيَة. تَفْسِير سُورَة الْحَشْر من الْآيَة 7 إِلَى آيَة 8. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} إِلَى قَوْله {وَابْن السَّبِيل} تَفْسِير قَتَادَة: لما نزلت هَذِه الْآيَة كَانَ الْفَيْء بَين هَؤُلَاءِ، فَلَمَّا نزلت الْآيَة فِي الْأَنْفَال (ل 357) {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ} نسخت الْآيَة الأولى فَجعل الْخمس لمن كَانَ لَهُ الْفَيْء، وَصَارَ مَا بَقِي من الْغَنِيمَة لمن قَاتل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 عَلَيْهِ. قَوْله: {كَيْلاَ يَكُونَ دُولَةً} يَعْنِي الْفَيْء {بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} فَلَا يكون للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فِيهِ حق. قَالَ مُحَمَّد: (دولة) من التداول أَي: يتداوله الأغنياءُ بَينهم. {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} نزلت فِي الْغَنِيمَة، ثمَّ صَارَت بعد فِي جَمِيع الدّين. قَالَ: {وَمَا نهاكم عَنهُ} من الْغلُول {فَانْتَهوا} وَهِي بعد فِي جَمِيع الدّين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 قَوْله: {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين} أَي: وللفقراء، رَجَعَ إِلَى أول الْآيَة {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل} وللفقراء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ أخرجهم الْمُشْركُونَ من مَكَّة {يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ ورضوانا} بِالْعَمَلِ الصَّالح {وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هم الصادقون} من قُلُوبهم. تَفْسِير سُورَة الْحَشْر من الْآيَة 9 إِلَى آيَة 10. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 {وَالَّذين} أَي: وللذين، هُوَ تبعٌ للْكَلَام الأول (تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 قَبْلِهِمْ} يَعْنِي: الْأَنْصَار، وَقَوله: (تَبَوَّءُوا الدَّارَ) يَعْنِي: استوطنوا الْمَدِينَة، وَكَانَ إِيمَان الْأَنْصَار قبل أَن يُهَاجر إِلَيْهِم الْمُهَاجِرُونَ {يُحِبُّونَ} يَعْنِي: الْأَنْصَار {مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا} مِمَّا أُوتِيَ الْمُهَاجِرُونَ يَعْنِي: مَا قُسِم للمهاجرين من بني النَّضِير {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}. قَالَ أَبُو المتَوَكل النَّاجِي: " إِن رجلا من الْمُسلمين عَبر ثَلَاثَة أَيَّام صَائِما يُمْسِي فَلَا يجدُ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ، فَيُصْبِح صَائِما، حَتَّى فطن لَهُ رجلٌ من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ: ثَابت بْن قَيْس، فَقَالَ لأَهله: إِنِّي أجيء اللَّيْلَة بضيف لي فَإِذا وضعْتم طَعَامكُمْ، فَليقمْ بعضُكم إِلَى السِّراج كَأَنَّهُ يصلحه، فيُطْفِئُه، ثمَّ اضربوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى الطَّعَام كأنكم تَأْكُلُونَ، وَلَا تَأْكُلُوا حَتَّى يشْبع ضيفنا. فَلَمَّا أمْسَى وضع أهلُه طعامهم، فَقَامَتْ امْرَأَته إِلَى السّراج كَأَنَّهَا تُصْلحه؛ فأطفأتْه ثمَّ جعلُوا يضْربُونَ بِأَيْدِيهِم إِلَى الطَّعَام، كَأَنَّهُمْ يَأْكُلُون وَلَا يَأْكُلُون، حَتَّى شبع ضيفهم، وَإِنَّمَا كَانَت خبْزَة هِيَ قُوتهم، فَلَمَّا أصبح ثَابت غَدا إِلَى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِي: يَا ثَابت لقد عجب اللَّه مِنْكُم البارحة وَمن ضيفكم، وأُنزلت فِيهِ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بهم خصَاصَة} {قَوْله} (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} تَفْسِير سعيد بْن جُبَير: يَعْنِي: وُقِيَ إدخالَ الْحَرَام، ومَنْعَ الزَّكَاة. يَحْيَى: عَنْ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَدَّى الزَّكَاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 مَالِهِ، فَقَدْ أَعْطَى حَقَّ اللَّهِ فِيهِ، وَمَنْ زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 قَوْله: {وَالَّذين} أَي وللذين، هُوَ تبعٌ للْكَلَام الأول {جَاءُوا من بعدهمْ} يَعْنِي: بعد أَصْحَاب النَّبِي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، فَلم يبْق أحدٌ إِلَّا وَله فِي هَذَا المَال حقٌّ أُعْطِيَهُ أَو مُنِعَه {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان} هم أَصْحَاب النَّبِي {وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبنَا غلا} حسداً {للَّذين آمنُوا}. تَفْسِير سُورَة الْحَشْر من الْآيَة 11 إِلَى آيَة 14. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهل الْكتاب} تَفْسِير الْحسن: يَعْنِي: قُرَيْظَة وَالنضير (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا} يَقُول المُنَافِقُونَ: لَا نطيع فِيكُم مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه {وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} فَأجلى رَسُول الله بني النَّضِير إِلَى الشَّام فَلم يخرجُوا مَعَهم، وَقتل قُرَيْظَة بعد ذَلِك بِحكم سعد بْن معَاذ، فَلم يقاتلوا مَعَهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 قَوْله: {لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ} أَي: هم أشدُّ خوفًا مِنْكُم مِنْهُم من اللَّه يَعْنِي: الْمُنَافِقين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 {لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ} يَعْنِي: الْيَهُود {جَمِيعًا إِلاَ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ} أَي: لَا يقاتلونكم من شدَّة رعبهم الَّذِي دخلهم مِنْكُم {أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ} {ل 358} يَعْنِي {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} أَي: إِذا اجْتَمعُوا قَالُوا: لنفعلن بِمُحَمد كَذَا ولنفعلن بِهِ كَذَا. قَالَ اللَّه لنَبيه: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} أَي: مفرقة فِي قتالكم. تَفْسِير سُورَة الْحَشْر من الْآيَة 15 إِلَى آيَة 17. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} من قبل قتل قُرَيْظَة. {قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ} يَعْنِي: النَّضِير، كَانَ بَين إجلاء النَّضِير وَقتل قُرَيْظَة سنتَانِ، والوبال: الْعقُوبَة، الْمَعْنى: ذاقوا جَزَاء ذنبهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ} إِلَى قَوْله: {وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 قَالَ يحيى: وَبَلغنِي أَن عابدًا كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل قد خرج من الدُّنْيَا، وَاتخذ ديرًا يتعبَّدُ فِيهِ، فَطَلَبه الشَّيْطَان أَن يُزِيلهُ فَلم يسْتَطع عَلَيْهِ، فَلَمَّا رأى ذَلِك الشَّيْطَان جَاءَ إِلَى ابْنة الْملك فَدخل فِيهَا فَأَخذهَا، فدَعَوْا لَهَا الْأَطِبَّاء فَلم يغْنوا عَنْهَا شَيْئا، فتكلّم على لسانها، فَقَالَ: لَا ينفعها شَيْء إِلَّا أَن تَأْتُوا بهَا إِلَى فلانٍ الراهب فيدعو لَهَا، فَذَهَبُوا بهَا إِلَيْهِ، فجعلوها عِنْده فأصابها يَوْمًا مَا كَانَ بهَا، فَانْكَشَفَتْ وَكَانَت امْرَأَة حسناء؛ فأعجبه بياضُها وحسنها، فَوَقع بهَا فأحْبلها، فَذهب الشَّيْطَان إِلَى أَبِيهَا وإخوتها فَأخْبرهُم، وَقَالَ لَهُ: اقتلْها وادفنها لَا يُعْلَمُ أَنَّك قتلتها، فَقَتلهَا الراهب ودفنَها إِلَى أصْل حَائِط، وَجَاء أَبوهَا وإخوتها وَجَاء الشَّيْطَان بَين أيديهمْ، فسبقهم إِلَى الراهب وَقَالَ: إِن الْقَوْم قد علمُوا مَا صنعْتَ بِالْمَرْأَةِ، فَإِن سجدت لي سَجْدَة رددتهُم عَنْك فَسجدَ لَهُ، فَلَمَّا سجد لَهُ أَخْزَاهُ اللَّه وتبرأ مِنْهُ الشَّيْطَان، وَجَاء أَبوهَا وإخوتها فاستخرجوها من حَيْثُ دَفنهَا، وعَمِدوا إِلَى الراهب فصلبوه، فَضرب اللَّه مثل الْمُنَافِقين حِين خذلوا الْيَهُود فَلم ينصروهم، وَقد كَانُوا وعدوهم النُّصْرَة كَمثل الشَّيْطَان فِي هَذِه الْآيَة: {إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَاف الله رب الْعَالمين} وَكذب قَالَ اللَّه: {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا} عَاقِبَة الشَّيْطَان وَذَلِكَ الراهب {أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمين} الْمُشْركين. قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: (خَالِدَيْنِ فِيهَا) هُوَ نصب على الْحَال. تَفْسِير سُورَة الْحَشْر من الْآيَة 18 إِلَى آيَة 21. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 قَوْله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله} يَعْنِي: تركُوا ذكْرَ اللَّه بالإخلاص من قُلُوبهم {فأنساهم أنفسهم} تَركهم من أَن يذكروها بالإخلاص لَهُ قَالَ: {أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} وَهُوَ فسق الشّرك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 {لَو أنزلنَا هَذَا الْقُرْآن على جبل} على حد مَا أَنزَلْنَاهُ على الْعباد من الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَالْأَمر وَالنَّهْي {لرأيته خَاشِعًا} أَي: خَائفًا {مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ الله} يوبّخ بذلك الْعباد {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ} يَعْنِي: الْأَشْبَاه {نَضْرِبهَا للنَّاس} يهمي " نصفُها لَهُم {لَعَلَّهُم يتفكرون} لكَي يتفكروا فيعلموا أَنهم أَحَق بخشية اللَّه من هَذَا الْجَبَل؛ لأَنهم يخَافُونَ الْعقَاب، وَلَيْسَ على الْجَبَل عِقَاب. تَفْسِير سُورَة الْحَشْر من الْآيَة 22 إِلَى آيَة 24. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 {عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة} الْغَيْب: مَا أخْفى العبادُ، وَالشَّهَادَة: مَا أعْلنُوا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 {الْملك القدوس} يَعْنِي: الطَّاهِر {السَّلَام} سلِمَ الْخَلَائق من ظلمه {الْمُؤْمِنُ} تَفْسِير الْحسن: الْمُؤمن بِنَفسِهِ قبل إِيمَان خَلْقه كَقَوْلِه: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ} الْآيَة {الْمُهَيْمِن} تَفْسِير بَعضهم: الشَّهِيد على خلقه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 {الْعَزِيز} تَفْسِير الْحسن: بعزَّته ذلَّ مَنْ دونه {الْجَبَّار} تَفْسِير بَعضهم: القاهر لخلقه بِمَا أَرَادَ {المتكبر} الَّذِي يتكبّر على خلْقه {سُبْحَانَ الله} نزّه نفْسه {عَمَّا يُشْرِكُونَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} والبارئ هُوَ المصور الَّذِي يصور فِي الْأَرْحَام وَغَيرهَا مَا يَشَاء {لَهُ الْأَسْمَاء الْحسنى}. يحيى: عَنْ خِدَاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ غَيْرُ وَاحِدٍ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ". قَالَ محمدٌ: من النَّاس من قَالَ: معنى أحصاها: حفظهَا، وَمِنْهُم من قَالَ: الْمَعْنى: من تعبَّد لله بهَا. {يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز} فِي نقمته {الْحَكِيم} فِي أمره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 تَفْسِير سُورَة الممتحنة وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الممتحنة من الْآيَة 1 إِلَى آيَة 3. (ل 359) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} يَعْنِي فِي الدّين {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} أَي: تلقونَ إِلَيْهِم المودّة {وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يخرجُون الرَّسُول وَإِيَّاكُم} أَي: أخرجُوا الرَّسُول وَإِيَّاكُم {أَنْ تؤمنوا بِاللَّه ربكُم} أَي: إِنَّمَا أخرجوكم من مَكَّة؛ لأنكم آمنتم بِاللَّه ربكُم. ثمَّ قَالَ: {إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بالمودة} كَمَا صنع المُنَافِقُونَ {وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَله مِنْكُم} أَي: وَمن ينافق مِنْكُم {فَقَدْ ضل سَوَاء السَّبِيل} قصد الطَّرِيق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 {إِن يثقفوكم} يلقَوْكم {يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُم أَيْديهم} أَي: يُقَاتِلُوكُمْ {وألسنتهم} أَي: ويبسطوا إِلَيْكُم ألسنتهم {بِالسُّوءِ} بالشتم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 {يَوْم الْقِيَامَة يفصل بَيْنكُم} بَين الْمُؤمنِينَ وَبَين الْمُشْركين؛ فَيدْخل الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلَ الْكَافِرِينَ النَّارَ {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} نزل هَذَا فِي أَمر حَاطِب بْن أبي بَلتعة، تَفْسِير الْكَلْبِيّ: أَن حَاطِب بْن أبي بلتعة كتب إِلَى أهل مَكَّة أَن مُحَمَّدًا يَغْزُو، وَإِنِّي لَا أَدْرِي إيَّاكُمْ يُريدُ أَو غَيْركُمْ فَعَلَيْكُم بالحذر. قَالَ يحيى: بَلغنِي أَنه كتب مَعَ امْرَأَة مولاة لنَبِيّ هَاشم وَجعل لَهَا جُعْلًا، وَجعلت الْكتاب فِي خمارها، فجَاء جِبْرِيل إِلَى رَسُول الله فَأخْبرهُ، فَبعث رَسُول الله فِي طلبَهَا عليا ورجلاً آخر، ففتشاها فَلم يجدا مَعهَا شَيْئا، فَأَرَادَ صَاحبه الرُّجُوع فَأبى عَليّ وسَلَّ عَلَيْهَا السَّيْفَ، وَقَالَ: وَالله مَا كَذَبتُ وَلَا كُذِبْتُ، فَأخذت عَلَيْهِمَا إِن أَعْطتْهُ إيَّاهُمَا أَلا يَرُداها، فأخرجت الْكتاب من خمارها. قَالَ الْكَلْبِيّ: فَأرْسل رَسُول الله إِلَيْهِ هَل تعرف هَذَا يَا حاطبُ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَمَا حملك عَلَيْهِ؟ قَالَ: أما وَالَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مَا كفرت مُنْذُ آمنتُ، وَلَا أحببْتُهم مُنْذُ فَارَقْتهمْ، وَلم يكن من أَصْحَابك أحدٌ إِلَّا وَله بِمَكَّة من يمْنَع الَّذِي لَهُ غَيْرِي، فأحببتُ أَن أَتَّخِذ عِنْدهم مَوَدَّة، وَقد علمت أَن اللَّه منزلٌ عَلَيْهِم بأسه ونِقْمَته، وَإِن كتابي لن يُغني عَنْهُم شَيْئا، فصدّقه رَسُول الله وعَذَره؛ فَأنْزل اللَّه هَذَا فِيهِ. تَفْسِير سُورَة الممتحنة من الْآيَة 4 إِلَى آيَة 5. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 وَقَالَ: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله كفرنا بكم} أَي: بولايتكم فِي الدّين. {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ} أَن أُدْخِلَك فِي الْإِيمَان، وَلَا أَن أَغفر لَك. يَقُول: قد كَانَت لكم فِي إِبْرَاهِيم وَالَّذين مَعَه أُسْوَة حَسَنَة إِلَّا قَول إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ: لأَسْتَغْفِرَن لَك، فَلَا تستغفروا للْمُشْرِكين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 {رَبنَا لَا تجعلنا فتْنَة} بلية {للَّذين كفرُوا} الْآيَة؛ أَي: لَا تظهر علينا الْمُشْركين، فيقولوا: لَو كَانَ هَؤُلَاءِ على دين مَا ظهرنا عَلَيْهِم، فيفتنوا بِنَا. تَفْسِير سُورَة الممتحنة من الْآيَة 6 إِلَى آيَة 9. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 قَوْله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَة حَسَنَة} الْآيَة رَجَعَ إِلَى قَوْله: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيم} فَأمر اللَّه نبيّه وَالْمُؤمنِينَ بِالْبَرَاءَةِ من قَومهمْ مَا داموا كفَّارًا؛ كَمَا برِئ إِبْرَاهِيم وَمن مَعَه من قَومهمْ؛ فَقطع الْمُؤْمِنُونَ ولايتهم من أهل مَكَّة، وأظهروا لَهُم الْعَدَاوَة قَالَ: {وَمن يتول} عَن الْإِيمَان {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيّ} عَن خلقه {الحميد} اسْتوْجبَ عَلَيْهِم أَن يحمدوه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} فَلَمَّا أسلم أهل مَكَّة، خالطهم أَصْحَاب رَسُول الله وناكحوهم، وتزوّج رَسُول الله أمّ حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان، وَهِي المودّة الَّتِي ذكر اللَّه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تبروهم} بالصلة {وتقسطوا إِلَيْهِم} أَي: تعدلوا إِلَيْهِم فِي أَمْوَالكُم {إِن الله يحب المقسطين} العادلين. قَالَ مُحَمَّد: قيل: إِن معنى (تقسطوا إِلَيْهِم) (ل 360): تعدلوا فِيمَا بَيْنكُم وَبينهمْ من الْوَفَاء بالعهد. قَالَ يحيى: وَكَانَ هَذَا قبل أَن يُؤمر بِقِتَال الْمُشْركين كَافَّة، كَانَ الْمُسلمُونَ قبل أَن يُؤمر بقتالهم استشاروا النَّبِي فِي قرابتهم من الْمُشْركين أَن يصلوهم ويبروهم، فَأنْزل اللَّه هَذِه الْآيَة فِي تَفْسِير الْحسن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدّين} يَعْنِي: كفَّار أهل مَكَّة. {وَأَخْرَجُوكُمْ من دِيَاركُمْ} يَعْنِي: من مَكَّة {وظاهروا} أعانوا {عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ}. تَفْسِير سُورَة الممتحنة الْآيَة 10. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مهاجرات فامتحنوهن} وَهَذِه فِي نسَاء أهل الْعَهْد من الْمُشْركين، وَكَانَت محنتهن فِي تَفْسِير قَتَادَة أَن يُسْتَحْلفْن بِاللَّه مَا أخرجهُنّ النشوزُ، وَمَا أخرجهنّ إِلَّا حُبُّ الْإِسْلَام والحرص عَلَيْهِ. {الله أعلم بإيمانهن} أصدقن أم كذبن {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مؤمنات} إِذا أقررن بِالْإِسْلَامِ، وحلفن بِاللَّه مَا أخرجهُنّ النشوزُ، وَمَا أخرجهنّ إِلَّا حُبُّ الْإِسْلَام والحرص عَلَيْهِ {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ} مهورهن {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} يَعْنِي: كوافر الْعَرَب إِذا أبَيْن أَن يُسْلِمْنَ أَن يُخلَّى سبيلُهنّ {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنكُم} وَهَذَا حكمٌ حكمه اللَّه بَين أهل الْهدى وَأهل الضَّلَالَة، فِي تَفْسِير قَتَادَة. قَالَ قَتَادَة: كن إِذا فررْن إِلَى أَصْحَاب رَسُول الله وأزواجهن من أهلِ الْعَهْد فتزوّجُوهُن، بعثوا بمهورهنّ إِلَى أَزوَاجهنَّ من الْمُشْركين، وَإِذا فررْن من أَصْحَاب رَسُول الله إِلَى الْكفَّار الَّذين بَينهم وَبَين رَسُول الله عهدٌ فتزوجوهنّ، بعثوا بمهورهن إِلَى أَزوَاجهنَّ من الْمُسلمين، فَكَانَ هَذَا بَين أَصْحَاب رَسُول الله وَبَين أهل الْعَهْد من الْمُشْركين، ثمَّ نسخ هَذَا الحكم وَهَذَا الْعَهْد فِي بَرَاءَة فنبذ إِلَى كل ذِي عهدٍ عَهده، وَقد مضى تَفْسِيره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 تَفْسِير سُورَة الممتحنة من الْآيَة 11 إِلَى الْآيَة 13. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 {وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ} الَّذين لَيْسَ بَيْنكُم وَبينهمْ عهدٌ {فعاقبتم} أَي: فغنمتم. قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: كَانَت العقبى لكم فغنمتم. {فَآتُوا الَّذين ذهبت أَزوَاجهم} يَعْنِي: من أَصْحَاب النَّبِي {مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُم بِهِ مُؤمنُونَ} فَكَانُوا إِذا غنموا غنيمَة أعْطوا زَوجهَا صَدَاقهَا الَّذِي كَانَ سَاق إِلَيْهَا من جَمِيع الْغَنِيمَة، ثمَّ تُقْسَم الْغَنِيمَة بعد، ثمَّ نسخ ذَلِك مَعَ الْعَهْد وَالْحكم بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 قَوْله: {وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَين أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ} يَعْنِي: أَن تلْحق إِحْدَاهُنَّ بزوجها ولدا لَيْسَ لَهُ {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوف} قَالَ الْحسن: نهاهُنّ عَن النِّياحة، وَأَن يحادثن الرِّجَال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} أقرُّوا فِي الْعَلَانِيَة، يَعْنِي: المنافين (لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} قَالَ الْحسن: يَعْنِي: الْيَهُود {قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ} أَي: من نعيم الْآخِرَة، يَعْنِي: الْيَهُود زَعَمُوا أَن لَا أكل فِيهَا وَلَا شُرْب، قد يئسوا من ذَلِك؛ كَمَا يئس من مَاتَ من الْكفَّار من الْجنَّة حِين عاينوا النَّار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 تَفْسِير سُورَة الصَّفّ وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا تَفْسِير سُورَة الصَّفّ الْآيَات من الْآيَة 1 إِلَى الْآيَة 4. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 {سبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ} فِي نقمته {الْحَكِيم} فِي أمره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} تَفْسِير الْحسن: يَعْنِي: الْمُنَافِقين نسبهم إِلَى الْإِسْلَام الَّذِي أظهرُوا، وَهُوَ الْإِقْرَار، وَكَانُوا يَقُولُونَ: نجاهد مَعَ رَسُول الله، ونؤمن بِهِ، فَإِذا جَاءَ الْجِهَاد بعدوا عَنهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 قَالَ اللَّه: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}. قَالَ مُحَمَّد: {لم تَقولُونَ} الأَصْل (لما) فحذفت الْألف لِكَثْرَة استعمالهم (مَا) فِي الِاسْتِفْهَام، فَإِذا وقفت عَلَيْهَا قلت: لِمَهْ، وَلَا وقف عَلَيْهَا فِي الْقُرْآن بِالْهَاءِ إتباعاً للمصحف، (ل 361) وَيَنْبَغِي للقارئ أَن يصلها. وَقَوله: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقولُوا} (أَن) فِي مَوضِع رفع، و (مقتاً) مَنْصُوب على التَّمْيِيز، الْمَعْنى: كَبُرَ قَوْلكُم: مَا لَا تَفْعَلُونَ مقتًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 قَالَ يحيى: ثمَّ وصف الْمُؤمنِينَ فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص} ذكر ثبوتهم فِي صفوفهم، كَأَنَّهُ بنيانٌ قد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 رص بعضه إِلَى بعض. تَفْسِير سُورَة الصَّفّ الْآيَة 5. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم} يَعْنِي: الْخَاصَّة الَّذين يعلمُونَ أَنه رَسُول الله الَّذين كذبوه وآذوه، فَكَانَ فِيمَا آذوه بِهِ أَن زَعَمُوا أَنه آدَرُ {فَلَمَّا زَاغُوا أزاغ الله قُلُوبهم} والزيْغُ: الشّرك {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْم الْفَاسِقين} يَعْنِي: الَّذِينَ يَلْقَوْنَ اللَّهَ بِشِرْكِهِمْ. تَفْسِير سُورَة الصَّفّ الْآيَات من الْآيَة 6 إِلَى الْآيَة 9. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمه أَحْمد}. مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ يَعْنِي: الآخِرَ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} يَعْنِي: الَّذِينَ يَلْقَوْنَ اللَّهَ بِشِرْكِهِمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} أَي: بتكذيبهم وبقتالهم، ونوره: الْإِسْلَام وَالْقُرْآن، أَرَادوا أَن يطفئوه؛ حَتَّى لَا يكون إِيمَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ} تَفْسِير الْحسن: حَتَّى تدين لَهُ الْأَدْيَان كلهَا، وَيحكم على أهل الْأَدْيَان كلهَا، وَتَفْسِير ابْن عَبَّاس: حَتَّى يظْهر النَّبِي على الدّين كُله على شرائع الْإِسْلَام كلهَا، فَلم يقبض رَسُول الله، حَتَّى أتمَّ اللَّه ذَلِك لَهُ. يَحْيَى: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدٍ، عَنْ سُلَيْمِ بِنْ عَامِرٍ الْكَلَاعِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَبْقَى أَهْلُ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ إِلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الإِسْلامَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، إِمَّا يُعِزُّهُمْ فَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِهَا، وَإِمَّا يذلهم فيدينون لَهَا ". تَفْسِير سُورَة الصَّفّ الْآيَات من الْآيَة 10 إِلَى الْآيَة 13. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: إِن هَذَا جَوَاب لقَولهم: لَو نعلَمُ أحبّ الْأَعْمَال إِلَى اللَّه وأرضاها عِنْده لعملْنا بهَا، فَقَالَ الله: {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَة} إِلَى قَوْله: {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 يَحْيَى: عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ هِلالٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ تُرِيدُونَ مِنْ رَبِّكُمْ إِلا أَنْ يَغْفِرَ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلَكُمُ الْجَنَّةَ؟ قَالُوا: حَسْبُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَاغْزُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ". يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ دَمِعَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَلَى عَيْنٍ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ". يَحْيَى: عَنْ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً آخِرُهُمْ دُخُولا رَجُلٌ مَسَّهُ سُفْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَيُعْطَى فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ مَا أَعْطَاكَ اللَّهُ، وَيَفْسَحُ لهُمْ فِي أَبْصَارِهِمْ، فَيَنْظُرُ إِلَى مَسِيرَةِ سَنَة كُلُّهُ لَهُ لَيْسَ فِيهِ مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلا وَهُوَ عَامِرٌ، قُصُورَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَخِيَامَ اللُّؤْلُؤِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 وَالْيَاقُوتِ، فِيهَا أَزْوَاجُهُ وَخَدَمُهُ ". يَحْيَى: عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ: " أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ اسْتَخَفَّ زَوْجَتَهُ الْفَرَحُ فَتَخْرُجُ مِنَ الْخَيْمَةِ تَسْتَقْبِلُهُ، فَتَقُولُ: أَنْتَ حِبِّي وَأَنَا حِبُّكَ، نَحْنُ الرَّاضِيَاتُ اللاتِي لَا نَسْخَطُ أَبَدًا، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ اللاتِي لَا نَبْؤُسُ أَبَدًا، وَنَحْنُ الْخَالِدَاتُ اللاتِي لَا نَمُوتُ أَبَدًا، الْمُقِيمَاتُ اللاتِي لَا نَظْعَنُ أَبَدًا، أَنْتَ حِبِّي وَأَنَا حِبُّكَ، فَتُدْخِلُهُ بَيْتًا أَسَاسُهُ إِلَى سَقْفِهِ مِائَةَ أَلْفِ ذِرَاعٍ مَبْنِيًّا عَلَى جَنْدَلِ اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ طَرَائِقُ حُمْرٌ وَخُضْرٌ وَصُفْرٌ لَيْسَ مِنْهَا طَرِيقَةٌ تُشَاكِلُ صَاحِبَتِهَا، فَإِذَا رَفَعُوا أَبْصَارَهُمْ إِلَى سَقْفِ بُيُوتِهِمْ، فَلَوْلا أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ أَلا تذْهب أَبْصَارهم (ل 362) لَذَهَبَتْ مِمَّا يَرَوْنَ مِنَ النُّورِ والبهاء فِي سقوف بُيُوتهم ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 قَالَ محمدٌ: قَوْله {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تحتهَا الْأَنْهَار} هُوَ جَوَاب {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وتجاهدون}؛ لِأَن مَعْنَاهُ معنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 الْأَمر، الْمَعْنى: آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله، وَجَاهدُوا يغْفر لكم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 قَوْله: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ الله} على أعدائه {وَفتح قريب} مَكَّة {وَبشر الْمُؤمنِينَ} بِأَن لَهُم الجنّة جنَّات عدْن فِي الْآخِرَة، والنصر فِي الدُّنْيَا على أعدائهم. قَالَ محمدٌ: (وَأُخْرَى تحبونها): وَلكم تِجَارَة أُخْرَى تحبونها، وَهِي نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 تَفْسِير سُورَة الصَّفّ الْآيَة 14. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} ولمحمدٍ بِالْقِتَالِ على دينه {كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ} وهم أصفياء الْأَنْبِيَاء {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى الله} أَي مَعَ اللَّه. {فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ} فقاتلت الطائفةُ المؤمنة الطَّائِفَة الْكَافِرَة {فأيدنا} أعنا {الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبحُوا ظَاهِرين} عَلَيْهِم قد ظفروا بهم. قَالَ مُحَمَّد: (الحواريون) أصل الْكَلِمَة من التحوير للثياب وَغَيرهَا وَهُوَ التّبْييضُ، تَقول: حوَّرتُ الثَّوْب، أَي: غسلته وبيضته، واحْوَرَّت القِدْرُ ابيضَّ لَحمهَا قبل أَن ينضج، والحَوْرَاء من هَذَا أَيْضا وَهِي الشَّدِيدَة الْبيَاض، وخبز الحُوَّارَى هُوَ من هَذَا؛ لِأَنَّهُ خالصٌ أَبيض نقيٌّ، فَكَأَن الحَوَارِيَّ من النَّاس الصافي من العُيوب الْخَالِص فِي دينه النقي، وَالله أعلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 تَفْسِير سُورَة الْجُمُعَة وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 {يسبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: القدوس: الطَّاهِر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ} الْعَرَب {رَسُولا مِنْهُم} كَانُوا أُمِّيين لَيْسَ عِنْدهم كتابٌ من عِنْد اللَّه كَمَا مَعَ أهل الْكتاب، وَقد كَانُوا يخطون بِأَيْدِيهِم {يَتْلُو عَلَيْهِم آيَاته} الْقُرْآن {وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} تَفْسِير قَتَادَة: الْكتاب: الْقُرْآن، وَالْحكمَة: السُّنَّة، وَالزَّكَاة: الْعَمَل الصَّالح {وَإِنْ كَانُوا من قبل} أَن يَأْتِيهم مُحَمَّد {لَفِي ضَلالٍ مُبين} بَين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} تَفْسِير مُجَاهِد: يَعْنِي: إخْوَانهمْ من الْعَجم، أَي بعث فِي الْأُمِّيين رَسُولا مِنْهُم وَفِي آخَرين مِنْهُم لما يلْحقُوا بهم بعد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاء} يَعْنِي: من رُزِق الْإِسْلَام من النَّاس كلهم. تَفْسِير سُورَة الْجُمُعَة آيَة 5. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 {مثل الَّذين حملُوا التَّوْرَاة} يَعْنِي: الْيَهُود {ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} كذّبوا بِبَعْضِهَا، وَهُوَ جحودهم بمحمدٍ وَالْإِسْلَام، وَمَا غيروا من التَّوْرَاة، وَمن كفر بِحرف من كتاب اللَّه فقد كفر بِهِ كُله {كَمثل الْحمار يحمل أسفارا} والأسفار: الْكتب، شبَّههم بالحمار الَّذِي لَو حملت عَلَيْهِ جَمِيع كتب اللَّه لم يَدْرِ مَا حمل عَلَيْهِ {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمين} الَّذين يلقون الله بشركهم. تَفْسِير سُورَة الْجُمُعَة الْآيَات من الْآيَة 6 إِلَى الْآيَة 8. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} بأنكم أَوْلِيَاء لله من دون النَّاس. قَالَ مُحَمَّد: الْقِرَاءَة (فَتَمَنَّوُا الْمَوْت) بِضَم الْوَاو لسكونها وَسُكُون اللَّام وَقد قُرئت (فتمنوا الْمَوْت) بكسْر الْوَاو لالتقاء الساكنين، وَالِاخْتِيَار الضَّم مَعَ الْوَاو و (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) مثلهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 قَالَ: {وَلَا يتمنونه} يَعْنِي الْمَوْت {أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهم وَالله عليم بالظالمين} بالمشركين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ} يَعْنِي: تكرهونه {فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تردون} يَوْم الْقِيَامَة {إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة} الْغَيْب: السِّرّ، وَالشَّهَادَة: الْعَلَانِيَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 تَفْسِير سُورَة الْجُمُعَة الْآيَات من الْآيَة 9 إِلَى الْآيَة 11. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} يَعْنِي: صَلَاة الْجُمُعَة، وَهِي فِي حرف ابْن مَسْعُود (فامضوا إِلَى ذكر الله). {وذروا البيع} تَفْسِير ابْن عَبَّاس: إِذا أذَّن الْمُؤَذّن يَوْم الْجُمُعَة حرم البيع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 {فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا} يَعْنِي: فَتَفَرَّقُوا فِي الأَرْض {وَابْتَغُوا من فضل الله} أَي: من رزق اللَّه، رخّص لَهُم أَن ينتشروا إِذا صلّوا إِن شَاءُوا، وَإِن أَقَامُوا كَانَ أفضل لَهُم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِما} (ل 363) تَفْسِير الْحسن: كَانَت عير تَجِيء إِلَى الْمَدِينَة فِي الزَّمَان مرّة فَجَاءَت يَوْم جمعةٍ، فَانْطَلق النَّاس إِلَيْهَا فَأنْزل اللَّه هَذِه الْآيَة. قَالَ يحيى: وسمعتُ من يَقُول: التِّجَارَة: العِيرُ الَّتِي كَانَت تَجِيء، وَاللَّهْو: كَانَ دِحْية الْكَلْبِيّ قدم فِي عير من الشَّام وَكَانَ رجلا جميلًا، كَانَ جِبْرِيل يَأْتِي النَّبِي فِي صورته، فَقدمت عيرٌ وَمَعَهُمْ دحْيَة وَالنَّبِيّ يخْطب يَوْم الْجُمُعَة فتسلّلُوا ينظرُونَ إِلَى العير وَهِي التِّجَارَة، وَيَنْظُرُونَ إِلَى دحْيَة الْكَلْبِيّ وَهُوَ اللَّهْو، لَهَوْا بِالنّظرِ إِلَى وَجْهه وَتركُوا الْجُمُعَة. قَالَ قَتَادَة: " أَمرهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعُدوا أنفسهم فَإِذا هم اثْنَا عشر رجلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 وامْرأة فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو اتبع آخِرُكم أوّلكم لَالْتَهَبَ الْوَادي عَلَيْكُم نَارا ". {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 تَفْسِير سُورَة الْمُنَافِقين وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة المُنَافِقُونَ من الْآيَة 1 إِلَى آيَة 6. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 قَوْله: {إِذَا جَاءَك َ الْمُنَافِقُونَ} إِلَى قَوْله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} أَي: إِنَّمَا يَقُولُونَهُ بأفواههم، وَقُلُوبهمْ لَيست على الْإِيمَان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 {اتَّخذُوا أَيْمَانهم جنَّة} اجتنُّوا بهَا، أَي: استتروا، حَتَّى لَا يقتلُوا وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيهمْ {فصدوا عَن سَبِيل الله} يَعْنِي: بقلوبهم {سَاءَ} يَعْنِي: بئس {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 {ذَلِك بِأَنَّهُم آمنُوا} يَعْنِي: أقرُّوا بألْسنتهم فِي الْعَلَانِيَة {ثمَّ كفرُوا} أَي: بقلوبهم {فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ختم عَلَيْهَا أَلا يُؤمنُوا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 {وَإِذا رَأَيْتهمْ تعجبك أجسامهم} يَعْنِي: فِي المنظر والهَيْئة {وَإِنْ يَقُولُوا تسمع لقَولهم} من قَوْلهم لما أعْطوا من الْإِيمَان فِي الظَّاهِر (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 مُّسَنَّدَةٌ} يَعْنِي: أَنهم أجسادٌ لَيست لَهُم قُلُوب آمنُوا بهَا {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} وَصفهم بالجُبْن عَن الْقِتَال، وَانْقطع الْكَلَام، ثمَّ قَالَ: {هُمُ الْعَدُوُّ} فِيمَا أسَرُّوا {فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّه} {لعنهم الله} (أَنَّى يُؤْفَكُونَ} كَيفَ يصدون عَن الْإِيمَان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا} أَي: أخلِصُوا الْإِيمَان {يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} أَي: أَعرضُوا {وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ} عَن دين اللَّه {وَهُم مُسْتَكْبِرُونَ} {مكذبون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 2 - ! (سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} الْآيَة. أخبر أَنهم يموتون على النِّفَاق، فَلم يستحلّ رسُولُ اللَّه أَن يسْتَغْفر لَهُم بعد ذَلِك. تَفْسِير سُورَة المُنَافِقُونَ من الْآيَة 7 إِلَى آيَة 8. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: أَنَّهَا نزلت فِي عبد الله بن أبي بن سلول رَأس الْمُنَافِقين أَنه قَالَ لقوم كَانُوا يُنْفقُونَ على بعض من كَانَ مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تنفقوا عَلَيْهِم؛ حَتَّى يَنْفضوا عَنهُ. قَوْله: {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} يَعْنِي: علم خَزَائِن السَّمَاوَات وَالْأَرْض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلّ} هَذَا قوْلُ عبد الله بْن أبيَ بْن سلول؛ وَذَلِكَ أَنه قَالَ لأَصْحَابه وهُمْ فِي غَزْوَة تَبُوك: عمدنا إِلَى رجل من قُرَيْش فجعلناه على رقابنا، أَخْرجُوهُ فألحقوه بقَوْمه وَليكن علينا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 رجلٌ من أَنْفُسنَا. قَالَ اللَّه: {وَللَّه الْعِزَّة وَلِرَسُولِهِ} الْآيَة يخبر تبَارك وَتَعَالَى أنّه مُعِزُّ رَسُوله وَمن مَعَه من الْمُؤمنِينَ. تَفْسِير سُورَة المُنَافِقُونَ من الْآيَة 9 إِلَى آيَة 11. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} يَعْنِي: أقرُّوا بِاللِّسَانِ نزلتْ فِي الْمُنَافِقين {لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله} عَن الْإِيمَان بِاللَّه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 {وَأَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم} يَعْنِي: الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رب لَوْلَا} هلَّا {أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصدق} أَي: فأزكي {وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} فأحج، وَمثلهَا فِي سُورَة الْمُؤمنِينَ {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْت قَالَ رب ارْجِعُونِ} أَي: إِلَى الدُّنْيَا {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالحا فِيمَا تركت}. قَالَ مُحَمَّد: {فَأَصدق} جَوَاب " لَوْلَا " فَمن قَرَأَ (وأكُنْ) بِالْجَزْمِ فَهُوَ على مَوضِع (فَأَصدق)؛ لأنّ الْمَعْنى: إِن أخّرتني أصدّقْ وأكنْ من الصَّالِحين، وَمن قَرَأَهَا (وأكون) فَهُوَ على لفظ (فَأَصدق) وأكون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 تَفْسِير سُورَة التغابن وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة التغابن من الْآيَة 1 إِلَى آيَة 4. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 قَوْله {يُسَبِّحُ لِلَّهِ} إِلَى قَوْله: {فمنكم كَافِر ومنكم مُؤمن}. يحيى: عَن فطر بْن خَليفَة، عَن عبد الرَّحْمَن بن باسط قَالَ: " خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَكَانُوا قَبْضَتَهُ فَقَالَ لِمَنْ فِي يَمِينِهِ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ، وَقَالَ لِمَنْ فِي يَدِهِ الأُخْرَى: ادْخُلُوا النَّارَ وَلا أُبَالِي. فَذَهَبَتْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 قَوْله: {خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} أَي: للبعث والحساب وَالْجنَّة وَالنَّار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 {وَالله عليم بِذَات الصُّدُور} بِمَا فِي الصُّدُور. تَفْسِير سُورَة التغابن من الْآيَة 5 إِلَى آيَة 10. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 {ألم يأتكم نبأ} خبر {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فذاقوا وبال} يَعْنِي: عُقُوبَة {أَمرهم} هُوَ الَّذِي عذَّب بِهِ الْأُمَم السَّالفة فِي الدُّنْيَا حِين كذبُوا رسلهم، يحذر الْمُشْركُونَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِمن كفر قبلهم {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} يَعْنِي: عَذَاب جهنّم بعد عَذَاب الدُّنْيَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 {فَقَالُوا أبشر يهدوننا} إنكارا لذَلِك. {وَاسْتغْنى الله} عَنْهُم {وَالله غَنِي} عَن خلقه {حميد} اسْتوْجبَ عَلَيْهِم أَن يحمدوه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 {يَوْم يجمعكم ليَوْم الْجمع} يَعْنِي: يَوْم الْقِيَامَة {ذَلِكَ يَوْمُ التغابن} يتغابنون فِي الْمنَازل عِنْد اللَّه؛ فريقٌ فِي الْجنَّة وفريقٌ فِي السعير. تَفْسِير سُورَة التغابن من الْآيَة 11 إِلَى آيَة 13. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذن الله} بِقَضَاء اللَّه {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يهد قلبه} أَي: إِذا أَصَابَته مصيبةٌ سلّم وَرَضي، وَعرف أَنَّهَا من اللَّه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 {فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} لَيْسَ عَلَيْهِ أَن يكرههم على الْإِيمَان. تَفْسِير سُورَة التغابن من الْآيَة 14 إِلَى آيَة 18. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} إِلَى قَوْله: {فَإِن الله غَفُور رَحِيم} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: إِن الرجل كَانَ إِذا أَرَادَ الْهِجْرَة تعلَّق بِهِ وَلَده وَامْرَأَته؛ فَقَالُوا: ننشدك اللَّه أَن تذْهب وتتركنا فنضيع، فَمنهمْ من يُطِيع أَمرهم فيقيم، فَحَذَّرَهُمْ إيَّاهُم ونهاهم عَن طاعتهم، وَمِنْهُم من يمْضِي على الْهِجْرَة فيذرهم فَيَقُول لَهُم: أما وَالله لَئِن لم تهاجروا معي وبقيتُ حَتَّى يجمع اللَّه بيني وَبَيْنكُم فِي دَار الْهِجْرَة لَا أنفعكم بِشَيْء أبدا، فَلَمَّا جمع اللَّه بَينه وَبينهمْ أنزل اللَّه: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 {أَنما أَمْوَالكُم وَأَوْلَادكُمْ فتْنَة} أَي: اختبار؛ لينْظر كَيفَ تَعْمَلُونَ {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} مَا أطقتم. قَالَ قَتَادَة: أنزل الله فِي سُورَة آل عمرَان: {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاته} وَحقّ تُقَاته: أَن يطاع فَلَا يُعْصَى، ويُذكر فَلَا ينسى، ويُشكر فَلَا يُكفر فنسختها هَذِه الْآيَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 {واسمعوا وَأَطيعُوا} وَعَلَيْهَا بَايع رَسُول اللَّه على السَّمْع وَالطَّاعَة فِيمَا اسْتَطَاعُوا. {وَأَنْفِقُوا خيرا لأنفسكم} تَفْسِير الْحسن: إِنَّهَا النفقةُ فِي سَبِيل الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حسنا} تَفْسِير الْحسن: إِن هَذَا فِي التطوُّع من الْأَعْمَال كلهَا {يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيم} يشْكر للْعَبد الْعَمَل الْيَسِير يثيبه عَلَيْهِ الثَّوَاب الْعَظِيم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 {عَالم الْغَيْب} يَعْنِي: السِّرّ {وَالشَّهَادَة} يَعْنِي: الْعَلَانِيَة {الْعَزِيز} فِي نقمته {الْحَكِيم} فِي أمره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 تَفْسِير سُورَة الطَّلَاق وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الطَّلَاق من الْآيَة 1 إِلَى آيَة 3. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 قَوْله: {يَا أَيهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لعدتهن} يُخَاطب بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَمَاعَة الْمُسلمين. تَفْسِير قَتَادَة: يطلقهَا فِي قُبُل عدَّتها طَاهِرا من غير جماع وَاحِدَة، ثمَّ يَدعهَا، فَإِن كَانَ لَهُ فِيهَا حاجةٌ دَعَا شَاهِدين فأشهدهما أَنِّي قد راجعتها، وَإِن لم تكن لَهُ فِيهَا حاجةٌ تَركهَا؛ حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا، فَإِن ندما كَانَ خاطبًا من الْخطاب. قَوْله. {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ} أَي: فَلَا تطلقوهن فِي الدَّم، وَلَا فِي الطَّهَارَة وَقد جامعتموهن، إِلَّا فِي الطَّهَارَة بَعْدَمَا يغتسلن من الْحيض من قبل أَن تجامعوهُنَّ {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يخْرجن} لَا تخرج من بَيتهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدَّتها، وَهَذَا الْخُرُوج أَلا تتحوَّل من بَيتهَا، وَإِن احْتَاجَت إِلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 الْخُرُوج بِالنَّهَارِ لحاجتها خرجت، (ل 365) وَلَا تبيت إِلَّا فِي بَيتهَا {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} تَفْسِير ابْن عمر: قَالَ: الْفَاحِشَة المبيّنة: خُرُوجهَا فِي عدَّتها {وَتِلْكَ حُدُود الله} أَحْكَام اللَّه {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ الله} أَي: يتَجَاوَز مَا أَمر اللَّه بِهِ {فقد ظلم نَفسه} أَي: بمعصيته من غير شرْكٍ {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بعد ذَلِك أمرا} يَعْنِي: الْمُرَاجَعَة رَجَعَ إِلَى أول السُّورَة {فطلقوهن لعدتهن وأحصوا الْعدة} أَي: لَهُ الرّجْعَة مَا لم تنقض الْعدة فِي التطليقة والتطليقتين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 {فَإِذا بلغن أَجلهنَّ} أَي: مُنْتَهى الْعدة {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَو فارقوهن بِمَعْرُوف} وَذَلِكَ أَن الرجل كَانَ يُطلق الْمَرْأَة، فيتركها حَتَّى تشرف على انْقِضَاء عدّتها، ثمَّ يُرَاجِعهَا ثمَّ يطلقهَا؛ فَتعْتَد الْمَرْأَة تسع حيض، فَنهى اللَّه عَن ذَلِك، قَوْله: {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} يَعْنِي: على الطَّلَاق والمراجعة {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَة لله} يَعْنِي: من كَانَت عِنْده شهادةٌ فليشهد بهَا. قَوْله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب} تَفْسِير ابْن عَبَّاس فِي قَوْله عز وَجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَهُ مخرجا} قَالَ من كل ضيق [ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}] من حَيْثُ لَا يَرْجُو. {إِنَّ الله بَالغ أمره} أَي: يبلغ أمره على من توكل وعَلى من لم يتوكل {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} أَي: مُنْتَهى ينتهى إِلَيْهِ. تَفْسِير سُورَة الطَّلَاق من الْآيَة 4 إِلَى آيَة 5. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُم إِن ارتبتم} شَكَكْتُمْ (فَعِدَّتُهُنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَئِي لَمْ يَحِضْنَ}. قَالَ محمدٌ: سَأَلُوا فَقَالُوا: قد عرفنَا عدَّة الَّتِي تحيض، فَمَا عدَّة الَّتِي لَا تحيض؟ فَقيل: {إِن ارتبتم} أَي: إِذا ارتبتم، فعدتهن ثَلَاثَة أشهر. قَوْله: {وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ} هَذِه نسخت الَّتِي فِي الْبَقَرَة {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} نسخ مِنْهَا الْحَامِل فَجعل أجلهَا أَن تضع حملهَا، وَإِن لم تكن حَامِلا كَبِيرَة كَانَت أَو صَغِيرَة وَمن لَا تحيض فعدتُها أَرْبَعَة أشهر وَعشر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ} فِي الْقُرْآن. تَفْسِير سُورَة الطَّلَاق من الْآيَة 6 إِلَى آيَة 7. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ} من سعتكم، يَعْنِي: أَن لَهَا الْمسكن حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة. قَالَ محمدٌ: يُقَال: وَجَدْتُ فِي المَال وَجدًا ووُجْدًا وجِدَةً، وَوَجَدْت الضَّالة وجدانا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 {وَلَا تضاروهن} فِي الْمسكن {لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضعن حَملهنَّ} إِن كَانَت حَامِلا أنْفق عَلَيْهَا حَتَّى تضع إِذا طلّقها {فَإِنْ أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} أجر الرَّضَاع {وَأْئتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ} يَعْنِي الرجل وَالْمَرْأَة. قَالَ محمدٌ: يَقُول: ليأمُرْ بعضُكم بَعْضًا بِالْمَعْرُوفِ فِي رضَاع الْمَوْلُود والرفق بِهِ؛ حَتَّى يتفقوا على شَيْء معلومٍ من أجر الرَّضَاع. {وَإِن تعاسرتم} فِي الرَّضَاع {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} أَي: فاسترضعوا لَهُ امْرَأَة أُخْرَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 {وَمن قدر} قتر {عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ الله} أعطَاهُ الله. تَفْسِير سُورَة الطَّلَاق من الْآيَة 8 إِلَى آيَة 12. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 {وكأين} أَي: وَكم {مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَن أَمر رَبهَا وَرُسُله} عَصَتْ أَمر رَبهَا وَرُسُله؛ يَعْنِي: أَهلهَا {فحاسبناها حسابا شَدِيدا} تَفْسِير السُّدي: يَعْنِي: فجازيناها جَزَاء شَدِيدا {وعذبناها عذَابا نكرا} عَظِيما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 {فذاقت وبال أمرهَا} يَعْنِي: الْعقُوبَة {وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خسرا} خسروا بِهِ الْجنَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 405 - @ عَذَابًا شَدِيدًا} فِي الْآخِرَة بعد عَذَاب الدُّنْيَا. {قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا} أَي: قد أنزل اللَّه إِلَيْكُم ذكرا بالرسول الَّذِي جَاءَكُم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 {رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ} يبينها رَسُول الله؛ هَذَا على مقرأ من قَرَأَهَا مفتوحةَ الْيَاء. {قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} يَعْنِي: الْجنَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 {يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ} يَعْنِي: الْوَحْي {بَيْنَهُنَّ} {بَين السَّمَاء وَالْأَرْض} (لِتَعْلَمُوا} بِهَذَا الْوَحْي {أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} لَا يخرج عَن علمه شيءٌ. قَالَ مُحَمَّد: (علما) مَنْصُوب على الْمصدر الْمُؤَكّد، الْمَعْنى: قد علم كل شيءٍ علما. انْتهى هَذَا الْجُزْء بِحَمْد الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 تَفْسِيرُ سُورَةُ التَّحْرِيمِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَفْسِير سُورَة التَّحْرِيم الْآيَة (1 - 5) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 قَوْله: {يَا أَيهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لَك} الْآيَةُ. وَذَلِكَ أَنَّ حَفْصَةَ زَارَتْ أَبَاهَا، فَرَجَعَتْ فَوَجَدَتْ رَسُولَ اللَّهِ مَعَ مَارِيَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ فِي الْبَيْتِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ مَارِيَةُ دَخَلَتْ حَفْصَة على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّنِي قَدْ رَأَيْتُ مَنْ كَانَتْ مَعَكَ فِي الْبَيْتِ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأُرْضِيَنَّكِ؛ هِيَ عليَّ حرَام فَلَا تُخْبِرِي بِهَذَا (ل 366) أَحَدًا. فَانْطَلَقَتْ حَفْصَةٌ إِلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرتهَا فَأنْزل الله: {يَا أَيهَا النَّبِي} إِلَى قَوْله: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 {قد فرض الله لكم} (1) يَعْنِي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 بيَّن {تَحِلَّة أَيْمَانكُم} وَهُوَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: {فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين} إِلَى قَوْلِهِ: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} (1). قَوْلُهُ: {وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ} بخلقه {الْحَكِيم} فِي أَمْرِهِ، فأُمرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْكَفَّارَةِ فَكفر يَمِينه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَعْرَضَ عَن بعض} تَفْسِير الْكَلْبِيّ: أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِحَفْصَةَ: أَلَمْ آمُرْكِ أَنْ تَكْتُمِي سِرِّي وَلا تُخْبِرِي بِهِ أَحَدًا، لِمَ أَخْبَرْتِ بِهِ عَائِشَةَ؟ وَذَكَرَ لَهَا بَعْضَ الَّذِي قَالَتْ، وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمْ يَذْكُرْهُ لَهَا. قَالَ: {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيم الْخَبِير} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 قَالَ اللَّهُ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى الله} يَعْنِي: حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبكُمَا} أَيْ: زَاغَتْ إِلَى الْإِثْمِ، فَأَمَرَهُمَا بِالتَّوْبَةِ {وَإِن تظاهرا} أَي: تعاونا {عَلَيْهِ} عَلَى النَّبِيِّ {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ} وليُّه فِي الْعَوْنِ لَهُ {وَجِبْرِيلُ} وليُّه {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} وهم النَّبِيُّونَ {بعد ذَلِك} مَعَ ذَلِك {ظهير} أَيْ: أعوانٌّ لَهُ، يَعْنِي: النَّبِيَّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 قَوْله: {قانتات} يَعْنِي: مطيعات {سائحات} يَعْنِي: صائمات {ثيبات وأبكارا}. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: امرأةٌ ثيبةٌ وَثَيِّبٌ أَيْضًا بَيِّنَةُ الثَّيب، وبِكْرٌ بَيِّنَة الْبكارَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 تَفْسِير سُورَة التَّحْرِيم آيَة رقم 6 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارا} الْآيَةُ. قَالَ زيْدُ بنُ أسْلم: ((لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَقِي أَنْفُسَنَا، فَكَيْفَ نَقِي أَهْلِينَا؟ قَالَ تأمرونهم بِطَاعَة الله)). قَوْله: {وقودُوها النَّاس} يَعْنِي: حطبها النَّاس {وَالْحِجَارَة} أَيْ: تَأْكُلُ النَّاسَ وَتَأْكُلُ الْحِجَارَةَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ، وَهِيَ حِجَارَةٌ مِنْ كِبْريتٍ أحْمِر {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظ شَدَّاد} عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ. قَالَ أَبُو الْعَوَّامِ: الملكُ مِنْهُمْ فِي يَدِهِ مِرزَبَّة مِنْ حَدِيدٍ لَهَا شُعْبتان يَضْرِبُ بِهَا الضَّرْبَةَ؛ فَيَهْوِي بِهَا سَبْعُونَ ألفّا. ستفسير ورة التَّحْرِيم من آيَة (7 - 9) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 {يَا أَيهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} وَهَذَا يُقَالُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فِي الدُّنْيَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَة نصُوحًا}. يَحْيَى: عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: ((سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ. قَالَ: هِيَ أَنْ يَتُوبَ الْعَبْدُ مِنَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 الذَّنْبِ ثُمَّ لَا يَعُودُ فِيهِ)). (1) {عَسى ربكُم} وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ {أَنْ يكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ}. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (نَصُوحًا) بِفَتْحِ النُّونِ فَعَلَى صِفَةِ التَّوْبَةِ، وَمَعْنَاهُ: تَوْبَةً بَالِغَةً فِي النُّصْحِ، وَمَنْ قَرَأَ (نُصوحًا) بِضَمِّ النُّونِ فَمَعْنَاهُ: يُنْصَحُونَ فِيهَا نُصُوحًا (2)، يُقَالُ: نصَحَتُ لَهُ نُصْحًا ونُصُوحًا. (3) يَحْيَى: عَنِ الْفُرَاتِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ الْجَرَّاحِ، عَنْ] عَبْدِ اللَّهِ [(4) بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: ((كَانَ أَبِي عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِعَبْدِ الله: أسمعت رَسُول الله يَقُولُ: النَّدَمُ توبَة؟ قَالَ: نَعَمْ)) (5). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 يَحْيَى: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ الشِّعْبِيِّ قَالَ: ((التَّائِبُ مِنَ الذَّنْب كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ)) (1) قَوْلُهُ: {نُورُهُمْ يَسْعَى بَين أَيْديهم} أَيْ يَقُودُهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ {وَبِأَيْمَانِهِمْ} كُتُبُهُمْ هِيَ بُشْراهم بِالْجَنَّةِ {يَقُولُونَ رَبنَا أتمم لنا نورنا} قَالَ مُجاهد: يَقُولُونَهُ حِينَ يُطفأ نور الْمُنَافِقين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 {يَا أَيهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِم} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: يَعْنِي: جَاهِدِ الْكُفَّارَ بِالسَّيْفِ، وَاغْلُظْ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِالْحُدُودِ. تَفْسِير سُورَة الْحَرِيم من آيه (10 - 12) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا} إِلَى قَوْله: {فَخَانَتَاهُمَا} تَفْسِيرُ ابْنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 عَبَّاسٍ: كَانَتَا مُنَافِقَتَيْنِ تُظهران الإِيمَانَ، وتُسرَّان الشِّرْكَ {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا من الله شَيْئا} لَمْ يُغنِ عملُ نُوحٍ وَلُوطٍ - عَلَيْهِمَا السَّلامُ - عَنِ امْرَأَتَيْهِمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا؛ وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ يُحَذِّرُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ لِلَّذِي (كَانَ) (1) مِمَّا قَصَّ فِي أَوَّلِ السُّورَة، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 وَضَرَبَ لَهُمَا أَيْضًا مَثلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمَ، يَأْمُرُهُمَا بِالتَّمَسُّكِ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا للَّذين آمنُوا امرأت فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ونجني من فِرْعَوْن وَعَمله} {ل 367} تَسْأَلُ الثَّبَاتَ عَلَى الإِيمَانِ فَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَنْزِلَتُهَا عِنْدَ اللَّهِ لَمْ تُغْنِ عَنْ فِرْعَوْنَ مِنَ اللَّهِ شَيْئا؛ إِذْ كَانَ كافرّا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 قَالَ: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أحصنت فرجهَا} يَعْنِي: جَيْب دِرْعها عَنِ الْفَوَاحِشِ {فنفخنا فِيهِ من رُوحنَا} تَنَاوَلَ جِبْرِيلُ جَيْبَها بإصبَعِه، فَنَفَخَ فِيهِ، فَصَارَ إِلَى بَطْنِهَا فَحَمَلَتْ قَالَ: {وصدَّقت بِكَلِمَات رَبهَا وَكتابه} يَعْنِي: جَمِيعَ الْكُتُبِ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحسن {وَكَانَت من القانتين} مِنَ الْمُطِيعِينَ لِرَبِّهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْعَرَبُ تَقُولُ لِلْعَفِيفِ: هُوَ نقيُّ الثَّوْبِ، وَهُوَ طَيَّب الحجْزة. (3) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 تَفْسِيرُ سُورَةِ الْمُلْكِ وَهِيَ مَكِيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَفْسِير سُورَة الْملك من الْآيَة (1 - 5) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 قَوْله: {تبَارك} هُوَ مِنْ بَابِ الْبَرَكَةِ {الَّذِي بِيَدِهِ} أَيْ: فِي يَدِه ِ {الْمُلْكُ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 {ليَبْلُوكُمْ} لِيَخْتَبِرَكُمْ {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيز} فِي نقمته {الغفور} لمن آمن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 {الَّذِي خلق سبع سماوات طباقا} بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، غِلَظُ كُلِّ سَمَاء مِنْهَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَامٍ، وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءَيْنِ مسيرةُ خَمْسمِائَة عَامٍ {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَن من تفَاوت} أَيْ: اخْتِلافٌ؛ يَعْنِي: مُسْتَوِيَةً {فَارْجِعِ الْبَصَر} أَيْ: فَانْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ {هَلْ ترى من فطور} مِنْ شُقُوقٍ؛ أَيْ: أَنَّكَ لَا تَرَى فِيهَا شُقُوقًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: مِنْ كَلامِ الْعَرَبِ: فَطَرَ نابُ الْبَعِيرِ إِذَا شقَّ اللَّحْمَ فَظَهَرَ (1) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 {ثمَّ ارْجع الْبَصَر كرتين} مَرَّةً بَعْدَ مرةٍ {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَر} يرجع إِلَيْك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 الْبَصَر {خاسئا} فاتراً {وَهُوَ حسير} أَيْ: كَلِيلٌ قَدْ أَعْيَا لَا يَجِدُ مُنْقِذًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: {خَاسِئًا} أَصْلُ الْكَلِمَةِ الإبْعَاد، تَقُولُ: خَسَأْتُ الكلبَ إِذَا أبْعدته (1). وَقَولُهُ: {حَسِيرٌ} حَقِيقَةُ الْكَلِمَةِ: مُنْقَطِعٌ عَنْ أَنْ تَلْحَقَ مَا نَظَرَ إِلَيْهِ؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ يَحْيَى. وَقَالُوا: حَسَرَ الرجلُ وحَسِرَ؛ وَهُوَ الْإِعْيَاءُ الشَّدِيدُ. (2) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} وَهِي الْكَوَاكِب {وجعلناها} يَعْنِي: الْكَوَاكِب {رجوما للشياطين} يَعْنِي: مَا جُعِلَ مِنْهَا رُجُومًا {وأعتدنا لَهُم} أعددنا لَهُم {عَذَاب السعير} فِي الْآخِرَةِ؛ يَعْنِي: لِلَّذِينَ يُرْجَمُونَ من الشَّيَاطِين. تَفْسِير سُورَة الْملك من الْآيَة (6 - 12) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شهيقا} صَوتا {وَهِي تَفُور} تغلي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 {تكَاد تميز} أَيْ: تَبَيَّنُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَتَتَفَرَّقُ تَغَيُّظًا عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ {ألم يأتكم نَذِير} نَبِي، ينذركم عَذَاب جَهَنَّم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 {قَالُوا بلَى} {إِن أَنْتُم} يَعْنُونُ: الرُّسُلَ وَالْمُؤْمِنِينَ {إِلا فِي ضلالٍ} فِي الدِّينِ {كَبِيرٍ}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نعقل} لآمنَّا فِي الدُّنْيَا، فَلَمْ نَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 السَّعِيرِ، وَالسَّعِيرُ اسْمُ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 {فسحقا} فبُعْدًا {لأَصْحَاب السعير}. قَالَ مُحَمَّد: {سحقا} مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ؛ الْمَعْنَى: أَسْحَقَهُمُ اللَّهُ سُحْقًا؛ أَيْ: بَاعَدَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ مُبَاعَدَةً (1)، والسَّحِيقُ: الْبَعِيدُ، وَتَقُولُ: سَحَقَ الرّجُلُ وسَحُقَ سُحُوقًا (2). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} فِي السِّر بَذِكْرِ ذُنُوبِهِ فِي الْخَلَاء (3) الله مِنْهَا. تَفْسِير سُورَة الْملك من الْآيَة (13 - 18) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 {أَلا يعلم من خلق} عَلَى الاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: هُوَ خَلَقَكُمْ، فَكَيْفَ لَا يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَعَلانِيَتَكُمْ؟! {وَهُوَ اللَّطِيف} بِلُطْفه خلق الْخلق {الْخَبِير} بأعمال الْعباد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذلولا} أَيْ: سهَّل لَكُمُ السُّلوك فِيهَا وذلَّلها لكم {فامشوا} فامضوا {فِي مناكبها} طُرُقِهَا؛ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 {وكلوا من رزقه} الَّذِي أحلَّ لَكُمْ {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} الْبَعْث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 {أأمنتم من فِي السَّمَاء} عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ يَعْنِي: نَفْسَهُ {أَنْ يخسف بكم الأَرْض} أَيْ: أَنَّكُمْ تَأْمَنُونَ ذَلِكَ، قَالَ: {فَإِذا هِيَ} قَبْلَ أَنْ تُخْسَفَ بِكُمْ {تَمُورُ} تحرّك حَتَّى يخسف بكم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 {أم أمنتم} أَي: أأ منتم؟ {من فِي السَّمَاء} يَعْنِي: نَفسه؛ أَي تَأْمَنُونَ {أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} كَمَا حَصَبَ قَوْمَ لُوطٍ؛ يَعْنِي: الْحِجَارَة الَّتِي أمطرها عَلَيْهِم (1) (ل 368) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 {وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} قَبْلَ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ {فَكَيْفَ كَانَ نَكِير} عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: كَانَ شَدِيدًا؛ وَنَكِيرِي: عُقُوبَتِي. قَالَ مُحَمَّدٌ: ذَكَرَ ابْنُ مُجَاهِدٍ (2) أَنَّ وَرْشًا رَوَى عَنْ نَافِعٍ: {نَذِيرِي} وَ {نَكِيرِي} بياء فِي الْوَصْلِ. قَالَ: وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ فِي وصل وَلَا وقف (3). تَفْسِير سُورَة الْملك من آيَة (19 - 25) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافات} بِأَجْنِحَتِهَا؛ أَيْ: قَدْ رَأَوْهَا. {وَيَقْبِضْنَ} يَعْنِي: إِذَا وَقَفَ الطَّائِرُ صَافًّا بِجَنَاحَيْهِ لَا يَزُولُ؛ فِي تَفْسِيرِ بَعضهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جندٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ} عَلَى الِاسْتِفْهَامِ إِنْ أَرَادَ عَذَابَكُمْ، أَيْ: لَيْسَ أحدٌ يَنْصَرُكُمْ مِنْ دونه {إِن الْكَافِرُونَ} مَا الْكَافِرُونَ {إِلا فِي غُرُورٍ} يَعْنِي: فِي غرور الشَّيْطَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 {بل لجوا فِي عتو} وَهُوَ الشّرك {ونفور} عَن الْإِيمَان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} لَا يُبْصِرُ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ؛ وَهَذَا مثلٌ لِلْكَافِرِ {أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سويًّا} عَدْلاً يُبْصِرُ حَيْثُ يَسْلُكُ، وَهَذَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ؛ أَيْ: أَنَّ الْمُؤْمِنَ أَهْدَى مِنَ الْكَافِرِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: أكبَّ عَلَى وَجْهِهِ بِالْأَلِفِ، وكبَّه الله بِغَيْر ألفٍ (1). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 {قَلِيلا مَا تشكرون} أَي: أقلكم من يُؤمن. تَفْسِير سُورَة الْملك من الْآيَة (26 - 30) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ} يَعْنِي عِلْمُ السَّاعَةِ لَا يَعْلَمُ قِيَامَهَا إِلَّا هُوَ {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِير} أنذركم عَذَاب الله {مُبين} أبين لكم عَن الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 {فَلَمَّا رَأَوْهُ} يَعْنِي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 الْعَذَاب {زلفة} قَرِيبًا {سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} سَاءَ الْعَذَاب وُجُوههم {وَقيل} لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ {هَذَا الَّذِي كُنْتُم بِهِ تدعون} لقَولهم: {ائتنا بِعَذَاب الله} (1) اسْتِهْزَاءً وَتَكْذِيبًا. قَالَ محمدٌ: ذَكَرَ أَبُو عُبَيد أَنَّ مُنَ الْقُرَّاءِ مَنْ قَرَأَ: (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدْعون) خَفِيفَةً (2)؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدْعُونَ بِالْعَذَابِ فِي قَوْلِهِ: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة} (3) الْآيَةُ، قَالَ: وَقَرَأَ أَكْثَرُهُمْ (تدَّعون) بِالتَّشْدِيدِ (4)، قَالَ: وَهِيَ الْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا، وَالتَّشْدِيدُ مَأْخُوذٌ مِنَ التَّخْفِيفِ (تَدْعون) تفْعَلون، و (تدَّعون) تفتعلون مُشْتَقَّة مِنْهُ (5). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 قَوْله: {قل} يَا مُحَمَّدُ {أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ الله وَمن معي} مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يجير} أَي: يمْنَع {الْكَافرين} أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ مُجيرٌ يَمْنَعُهُمْ من عَذَاب الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 {فستعلمون} يَوْمَ الْقِيَامَةِ {مَنْ هُوَ فِي ضلال مُبين} أَيْ: أَنَّكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ فِي ضلال مُبين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 {إِن أصبح ماؤكم غورا} أَيْ: قَدْ غَارَ فِي الْأَرْضِ فَذَهَبَ، وَالْغَوْرُ الَّذِي لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ وَلا تُدْرِكُهُ الدِّلاء {فَمَنْ يأتيكم بِمَاء معِين} جَاءَ عَنْ عِكْرِمَةَ: الْمَعِينُ الظَّاهِرُ. قَالَ الْحَسَنُ: الْمَعِينُ: الَّذِي أَصْلُهُ مِنَ الْعُيُونِ (6). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 قَالَ مُحَمَّد: {غورا} مصْدَرٌ موْصُوفٌ بِهِ؛ تَقُولُ: ماءٌ غَوْرٌ وَمَاءَانِ غورٌ ومياهٌ غَوْرٌ كَمَا تَقُولُ: هَذَا عدلٌ، وَهَذَانِ عدلٌ، وَهَؤُلاءِ عدلٌ (1). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 تَفْسِيرُ سُورَةُ ((ن)) وَهِيَ مَكِّيَةٌ كلهَا بِسم اله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة ن من الْآيَة (1 - 16) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 قَوْله: {ن و القلم } تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَعْنِي: الدَّوَاةَ وَالْقَلَمَ هَذَا الْقَلَمُ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ , وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُوَ الْحُوتُ الَّذِي عَلَيْهِ قَرَارُ الْأَرْضِ (1). {وَمَا يَسْطُرُونَ} يَكْتُبُونَ؛ يَعْنِي: الْمَلَائِكَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} (2) بِهَذَا لِلنَّبِيِّ لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ لَهُ: إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ، وَمَقْرَأُ الْعَامَّةِ بِالْوَقْفِ وَالْإِسْكَانِ (3) وَوَقَعَ الْقَسَمُ عَلَى الْقَلَمِ {وَمَا يسطرون}. قَالَ مُحَمَّدٌ: قِرَاءَةُ نَافِعٍ (نونٌ) ظَاهِرَةٌ فِي رِوَايَةِ قَالُونَ عَنْهُ، وروى غَيره عَنهُ أَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 أخفاها؛ ذكره ابْن مُجَاهِد (1). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 {وَإِن لَك لأجرا} يَعْنِي: الْجنَّة {غير ممنون} بِهِ أَيْ: لَا يُمَنُّ عَلَيْكَ بِهِ مِنْ أَذًى، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ: مَعْنَى {غير ممنون}: غَيْرُ مَقْطُوعٍ، يُقَالُ: مَنَنْتَ الحبلَ إِذا قطعته (2). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم} يَعْنِي: دين الْإِسْلَام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 {فستبصر} يَوْم الْقِيَامَة {ويبصرون} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ، أَيْ: سَيُبْصِرُونَ أَنَّكَ كنت الْمُهْتَدي، وَأَنَّهُمْ الضُّلالُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 {بأيكم الْمفْتُون} يَعْنِي: أَيِّكُمُ الضُّلال؛ فِي تَفْسِيرِ الْحسن بِجعْل الْبَاء صلَة (3). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 {فَلَا تُطِع المكذبين} كَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَتْرُكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جَاءَ بِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 {ودوا لَو تدهن فيدهنون} تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: يَقُولُ: لَوْ تُدَاهِنُ فِي دِينِكَ فَيُدَاهِنُونَ فِي أَدْيَانِهِمْ، (4) (ل 369) فِي الْخَيْر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 {هماز} أَيْ: يَهْمِزُ النَّاسَ، أَيْ يَغْتَابُهُمْ {مشاء بنميم} يفْسد ذَات البَيْن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 {مناع للخير} يَمْنَعُ حقَّ اللَّهِ عَلَيْهِ {مُعْتَدٍ} أَي: ظَالِم {أثيم} أيْ: آثم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 {عتل بعد ذَلِك} أَيْ: مَعَ ذَلِكَ، والعتلُّ: الْفَاحِشُ {زنيم} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ الزنيمُ: اللَّيِّنُ الضَّرِيبَةِ؛ يَعْنِي الطَّبِيعَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ: الزنيمُ: الْمَعْرُوفُ بالشَّر؛ كَمَا تُعْرَفُ الشَّاةُ بِزَنِمَتِهَا؛ يُقَالُ: شَاةٌ زنِمةُ، وَهُوَ مَا تعلَّق عِنْدَ حُلوق المِعْزَى (1)، وَالْعُتُلُّ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: الْغَلِيظُ الْجَافِي (2). وَالله أعلمُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 قَوْله: {إِن كَانَ} بِأَنْ كَانَ {ذَا مَالٍ وَبَنِينَ}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 {أساطير الْأَوَّلين} يَعْنِي: كذب الْأَوَّلين وباطلهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 {سنسمه على الخرطوم} عَلَى أَنْفِهِ بِسُوَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يعرف بِهِ. تَفْسِير سُورَة الْقَلَم من الْآيَة (17 - 33) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 {إِنَّا بلوناهم} يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ ابْتُلُوا بِالْجُوعِ حِينَ كذَّبوا النَّبِيَّ {كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَاب الْجنَّة} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: أَنَّهُمْ كَانُوا أَبْنَاءَ قَوْمٍ صَالِحِينَ، وَأَنَّ آبَاءَهُمْ كَانُوا جَعَلُوا مِنْ جَنَّتِهِمْ حَظًّا لِلْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 أَبْنَاؤُهُمْ، فَقَالُوا: كَبُرْنَا وَكَثُرَ عِيَالُنَا، فَلَيْسَ لِلْمَسَاكِينِ عِنْدَنَا شيءٌ فَتَقَاسَمُوا {ليصرمنها} ليجذُّنّها (1) {مصبحين} أَي: صبحًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 {وَلَا يستثنون} أَيْ: وَلَمْ يَقُولُوا إِنْ شَاءَ الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 {فَطَافَ عَلَيْهَا طائف} عذابٌ {مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 {فَأَصْبَحت كالصريم} الصَّرِيمُ بِمَعْنَى الْمَصْرُومِ، وَهُوَ الْهَالِكُ الذَّاهِب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 {فَتَنَادَوْا مصبحين} حِين أَصْبحُوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 {وهم يتخافتون} يتسارُّون بَينهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 {أَلا يدخلنها الْيَوْم عَلَيْكُم مِسْكين} أَيْ: أَلَّا تُطْعِمُوا الْيَوْمَ مِسْكِينًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 {وغدوا على حرد قَادِرين} عَلَى جدٍّ مِنْ أَمْرِهِمْ {قَادِرِينَ} عَلَى جَنَّتِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْحَرْدُ أَيْضًا فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ، يُقَالُ مِنْهُ حَارَدَتِ السَّنَةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَطَرٌ، وَحَارَدَتِ النَّاقَةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا لبن (2). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 {فَلَمَّا رأوها} [خَرَابًا] (3) سَوْدَاءَ، وَعَهْدُهُمْ بِهَا بِالْأَمْسِ عامرة {قَالُوا إِنَّا لضالون} أَيْ: ضَلَلْنَا الطَّرِيقَ، ظَنُّوا أَنَّهَا لَيْسَتْ جَنَّتَهُمْ ثُمَّ أَيْقَنُوا أَنَّهَا جنتهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 فَقَالُوا: {بل نَحن محرومون} حُرِمْنا خير جنتنا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 {قَالَ أوسطهم} أَعْدَلُهُمْ {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا} هلا {تسبحون} تستثنون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 {كَذَلِك الْعَذَاب} أَيْ: هَكَذَا كَانَ الْعَذَابُ؛ كَمَا قَصَصْتُهُ عَلَيْكُمْ يَعْنِي: مَا عَذَّبَهُمْ بِهِ مِنْ إِهْلاكِ جَنَّتِهِمْ {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ} مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا {لَو كَانُوا يعلمُونَ} يَعْنِي: قُرَيْشًا، رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّا بلوناهم} يَعْنِي: قُرَيْشًا {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} لعلموا أَن عَذَاب الْآخِرَة أكبر من عَذَاب الدُّنْيَا. تَفْسِير سُورَة الْقَلَم من آيَة (34 - 35) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 تَفْسِير سُورَة الْقَلَم من آيَة (35 - 47) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 {أفنجعل الْمُسلمين كالمجرمين} كالمشركين؛ أَي: لَا نَفْعل، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 ثُمَّ قَالَ لِلْمُشْرِكِينَ: {مَا لَكُمْ كَيفَ تحكمون} أَيْ: لَيْسَ حُكْمُنَا أَنْ نَجْعَلَ الْمُسلمين فِي الْآخِرَة كالمشركين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 {ام لكم} يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ {كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ} تقرءون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 {ان لكم فِيهِ} فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ {لَمَا تَخَيَّرُونَ} أَيْ: مَا تَخَيَّرَونَ وَاللَّامُ صِلَةٌ؛ أَيْ: لَيْسَ عِنْدَكُمْ كتابٌ تَقْرَءُونَ فِيهِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَخَيَّرُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لما تحكمون} أَيْ: مَا تَحْكُمُونَ، يَقُولُ: أَمْ حَلَفْنَا لَكُمْ بِأَنَّ لَكُمْ مَا تَحْكُمُونَ بِهِ. أَيْ: لَمْ نَفْعَلْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 {سلهم أَيهمْ بذلك زعيم} حَمِيلٌ يَحْمِلُ عَنَّا لَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ مَا يَحْكُمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَنْفُسِهِمْ؛ هَذَا لِقَوْلِ أَحَدِهِمْ: {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْده للحسنى} (1) للجنّة إِن كَانَت جنَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 {أم لَهُم شُرَكَاء} خَلَقُوا مَعَ اللَّهِ شَيْئًا أَيْ: قَدْ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ آلِهَةً لَمْ يخلقوا مَعَه شَيْئا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ قَبْلَ هَذَا {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة} يَعْنِي: بِبَالِغَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. {يَوْمَ يكْشف عَن سَاق} قَالَ مُجَاهد: كُلُّ كَرْب أَوْ شدَّة فَهُوَ ساقٌ (2) وَمِنْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 قَوْله {والتفت السَّاق بالساق} (1) أَيْ: كَرْبُ الدُّنْيَا بِكَرْبِ الْآخِرَةِ (2). {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 {خاشعة أَبْصَارهم} أَي: ذليلة (3). (ل 370) وَيَبْقَى الْمُنَافِقُونَ ظُهُورُهُمْ طَبَقًا وَاحِدًا كَأَنَّ فِيهَا السَّفَافِيدُ (4) فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا فَيَقُولُ: كَذَبْتُمْ قَدْ كُنْتُمْ تُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَأَنْتُمْ سَالِمُونَ؛ وَذَلِكَ أَنْ سُجُودَهُمْ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ، إِنَّمَا كَانَ رِيَاءً؛ حَتَّى لَا يُقْتَلُوا وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيهمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 وَهَذَا وعيدٌ لِمَنْ كذَّب بِالْقُرْآنِ {سنستدرجهم} يَعْنِي: الْمُكَذِّبِينَ {مِنْ حَيْثُ لَا يعلمُونَ} أَيْ: نَأْخُذُهُمْ قَلِيلًا قَلِيلًا وَلا نباغتهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 {وأملي لَهُم} أَيْ: أُطِيلُ لَهُمْ وَأُمْهِلُهُمْ؛ حَتَّى يَبْلُغَ الْوَقْتُ الَّذِي يُعَذِّبُهُمْ فِيهِ {إِن كيدي متين} شَدِيدٌ، وَكَيْدُهُ: أَخْذُهُ إِيَّاهُمْ بِالْعَذَابِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 {أم تَسْأَلهُمْ} يَقُولُ لِلنَّبِيِّ: أَمْ تَسْأَلُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْقُرْآنِ {أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مغرم مثقلون} أَيْ: قَدْ أَثْقَلَهُمُ الغُرْم؛ أَيْ أَنَّك لم تَسْأَلهُمْ أجرا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 {أم عِنْدهم الْغَيْب} علم الْغَيْب {فهم يَكْتُبُونَ} لِأَنْفَسِهِمُ الْجَنَّةَ إِنْ كَانَتْ جَنَّةٌ؛ لقَوْل أحدهم: {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} للجنة إِن كَانَت جنَّة. تَفْسِير سُورَة الْقَلَم من الْآيَة (48 - 52) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 {فاصبرلحكم رَبك} أَيْ: الَّذِي يَحْكُمُ عَلَيْكَ، وَكَانَ هَذَا قبل أَن يُؤمر بقتالهم {وَلَا تكن كصاحب الْحُوت} يَعْنِي: يُونُس {إِذْ نَادَى} يَعْنِي: فِي بَطْنِ الْحُوتِ {وَهُوَ مكظوم} مَكْرُوبٌ؛ وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ قِصَّةِ يُونُس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 {لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ ربه} فَتَابَ {لنبذ بالعراء} بِالْأَرْضِ {وَهُوَ مَذْمُوم} يَعْنِي: حِينَ أُخْرِجَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ؛ فِي تَفْسِيرِ بَعْضِهِمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْعَرَاءُ: الْأَرْضُ الَّتِي لَا تُوَارِي مَنْ فِيهَا بِجَبَلٍ وَلا شجر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 {فاجتباه ربه} فَاصْطَفَاهُ فَأَنْقَذَهُ مِمَّا كَانَ فِيهِ {فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ} لينفذونك {بِأَبْصَارِهِمْ} لشدَّة نَظَرِهِمْ عَدَاوةٌ وَبُغْضًا {لَمَّا سمعُوا الذّكر}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 قَالَ محمدٌ: (يزلقونك) فِي اللُّغَةِ مَعْنَاهُ: يَصْرَعُونَكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: ... يَتَقَارَضُونَ إِذَا التقوْا فِي مَجْلِسٍ ... نَظَرًا يزيلُ مواطئَ الْأَقْدَامِ ... وَقِرَاءَةُ نَافِعٍ: (ليَزلقونك) مِنْ: زلَقتُ بِفَتْحِ الْيَاءِ. قَوْلُهُ {وَيَقُولُونَ إِنَّه} يَعْنُونَ: مُحَمَّدًا {لَمَجْنُونٌ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 {وَمَا هُوَ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} يَذْكُرُونَ بِهِ الْآخِرَةَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 تَفْسِيرُ سُورَةِ الْحَاقَّةِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَفْسِير سُورَة الحاقة من آيَة (1 - 12) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 قَوْلُهُ: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَمَا أَدْرَاك مَا الحاقة } أَيْ: أَنَّكَ لَمْ تَكُ تَدْرِي مَا الْحَاقَّةُ؟ حَتَّى أَعْلَمْتُكَهَا، وَالْحَاقَّةُ: اسمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقِيَامَةِ أحقَّت لِأَقْوَامٍ الْجَنَّةَ، وأحقَّت لِأَقْوَامٍ النَّارَ. يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّ كلَّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ (وَمَا أَدْرَاكَ) فَقَدْ أَدْرَاهُ إِيَّاهُ وَكُلُّ شَيْءٍ (وَمَا يدْريك) فَهُوَ مَا لَمْ يُعْلِمْهُ إِيَّاهُ بعدُ. قَالَ محمدٌ: قَوْلُهُ: {الْحَاقَّةُ مَا الحاقة} اللَّفْظُ لَفْظُ الِاسْتِفْهَامِ، وَالْمَعْنَى تَفْخِيمُ شَأْنِهَا؛ كَمَا تَقُولُ فُلانُ مَا فلَان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 {كذبت ثَمُود وَعَاد بالقارعة} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: الْقَارِعَةُ اسْمٌ مِنْ أَسمَاء الْقِيَامَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 {فَأَما ثَمُود فأهلكوا بالطاغية} قَالَ الْكَلْبِيُّ: الطَّاغِيَةُ: الصَّاعقة الَّتِي أهلكوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 بهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ} بَارِدَة شَدِيدَة الْبرد. {عَاتِيَة} عَتَتْ عَلَى خُزَّانها بِأَمْرِ رَبِّهَا كَانَتْ تَخْرُجُ بِقَدَرٍ فَعَتَتْ يومئذٍ عَلَى خُزَّانها، وَهِيَ رِيحُ الدَّبور الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّام حسوما} أَيْ: تِبَاعًا لَيْسَ فِيهَا تَفْتِيرٌ، وَكَانَ ذَلِك من يَوْم الْأَرْبَعَاء إِلَى الْأَرْبَعَاءِ الْآخَرِ، وَاللَّيَالِي سبعٌ مِنْ لَيْلَةِ الْخَمْيِسِ إِلَى لَيْلَةِ الْأَرْبَعَاءِ. قَالَ محمدٌ: قَوْلُهُ: {حُسُومًا} يُقَالُ: هُوَ مِنْ حَسْمِ الدَّاءِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يُتَابِعُ عَلَيْهِ بَالْكَيِّ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: تَحْسُمُهُمْ حُسُومًا؛ أَيْ: تُذْهِبهم وَتُفْنِيهِمْ؛ فَاللَّهُ أَعْلَمُ. {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صرعى} أَخْبَرَ عَنْهُمْ {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ} شَبَّهَهُمْ بِالنَّخْلِ الَّتِي قَدِ انْقَعَرَتْ فَوَقَعت، وَقَوله: {خاوية} يَعْنِي: بَالِيَةٌ أَخَذَتْ أَبْدَانَهُمْ مِنْ أَرْوَاحهم، كالنخل الخاوية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 وَقَوْلُهُ: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَة} يَعْنِي: مِن (ل 371) بَقِيَّةٍ؛ أَيْ: قَدْ أُهْلِكُوا، فَلا ترى مِنْهُم أحدا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 {وَجَاء فِرْعَوْن وَمن قبله} مِمَّن كذب الرُّسُل {والمؤتفكات} وَهِيَ قُرَيَاتُ قَوْمِ لُوطٍ {بِالْخَاطِئَةِ} يَعْنِي: الشّرك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 {فعصوا رَسُول رَبهم} عَصَى كُلُّ قَوْمٍ رَسُولَ رَبِّهِمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ {فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابية} شَدِيدَةً، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ. قَالَ محمدٌ: (رابية) الْمَعْنَى: تَزِيدُ عَلَى الْأَخَذَاتِ؛ وَهُوَ معنى قَول مُجَاهِد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 {إِنَّا لما طَغى المَاء} عَلَى خُزَّانه بِأَمْرِ رَبِّهِ كَانَ يَخْرُجُ بِقَدَرٍ، فَطَغَى يَوْمَ غرَّق الله قوم نوح {حَمَلْنَاكُمْ} يَعْنِي: نُوحًا وَمَنْ مَعَهُ الَّذِينَ من ذرّيتهم {فِي الْجَارِيَة} يَعْنِي: السَّفِينَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 {لنجعلها لكم تذكرة} فَيَذْكُرُونَ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ فِي الْأَرْضِ غَرِقَ غَيْرَ أَهْلِ السَّفينة {وَتَعيهَا أذن وَاعِيَة} حَافِظَةٌ؛ وَهِيَ أُذُنُ الْمُؤْمِنِ سَمِعَ التَّذْكِرَةَ فَوَعَاهَا بِقَلْبِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 قَالَ محمدٌ: وَعَيْتُ الْعلم وووَعَيْتُ مَا قلتَ؛ أَيْ: حَفِظْتُهُ، وَكَذَلِكَ كُلَّ شَيْءٍ حَفِظْتُهُ فِي نَفْسِكَ، وَيُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ حَفِظْتَهُ فِي غَيْرِ نَفْسِكَ: أوعيْته، وَمِنْهُ أوعيت الْمَتَاع فِي الْوِعَاء. تَفْسِير سُورَة الحاقة من آيَة (13 - 17) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَة} وَهِيَ النَّفْخَةُ الْآخِرَةُ. قَالَ محمدٌ: الْقِرَاءَة (نفخةٌ واحدةٌ) بِالرَّفْعِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ؛ الْمَعْنَى نُفِخَ نفخةٌ واحدةٌ فِي الصُّورِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 {وحملت الأَرْض وَالْجِبَال} تُحْمَلُ مِنْ أُصُولِهَا فَتُذْهَبْ {فَدُكَّتَا دكة وَاحِدَة} تصير أرْضهَا مستوية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 {فَيَوْمئِذٍ وَقعت الْوَاقِعَة} يَعْنِي: وَقَعَ الْعَذَابُ بِأَهْلِ الْعَذَابِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} كَقَوْلِهِ: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا} يَعْنِي: تَشَقُّقَهَا، وَالْوَاهِيَةُ: الضَّعِيفَةُ لَيْسَتْ فِي الشدَّة كَمَا كَانَت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 {وَالْملك} يَعْنِي: جَمِيعُ الْمَلائِكَةِ {عَلَى أَرْجَائِهَا} عَلَى حَافَّاتِ السَّمَاءِ يَعْنِي: أَطْرَافَهَا. قَالَ محمدٌ: رَجَا كُلِّ شَيْءٍ: ناحيَتُه مَقْصُورٌ، وَالتَّثْنِيَةُ: رَجَوان وَالْجَمْعُ أَرْجَاءُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 {وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم} فَوق الْخَلَائق {يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة} قَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْيَوْمَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ. يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: ((أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ رجْلاه فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، وَعَلَى قرْنه العرشُ، وَبَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقه خفقان الطير مسيرَة سَبْعمِائة سَنَةٍ، يَقُولُ: سُبْحَانَكَ حَيْثُ كُنْتَ)). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ اسْمَهُ رُزوفيل. تَفْسِير سُورَة الحاقة من آيَة (18 - 37) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خافية} لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ أَعمالكُم شَيْء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} فَيَعْرِفُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ {فَيَقُول هاؤم} أَي هاكم {اقْرَءُوا كِتَابيه} وَذَلِكَ حِينَ يَأْذَنُ اللَّهُ لَهُ فَيَقْرَأُ كِتَابَهُ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي الْخَيْر رَأْسًا يَدْعُو إِلَيْهِ، وَيَأْمُرُ بِهِ وَيُكْثِرُ عَلَيْهِ تبعُه، دُعِيَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 فَيَتَقَدَّمُ؛ حَتَّى إِذَا دَنَا أُخْرِج لَهُ كِتَابٌ أَبْيَضُ بِخَطٍّ أَبْيَضَ فِي بَاطِنِهِ السَّيِّئَاتُ، وَفِي ظَاهِرِهِ الْحَسَنَاتُ، فَيَبْدَأُ بِالسَّيِّئَاتِ فَيَقْرَؤُهَا فيشْفق وَيَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ، فَإِذَا بَلَغَ آخِرَ الْكِتَابِ وَجَدَ فِيهِ هَذِهِ سَيِّئَاتُكَ قَدْ غُفِرَتْ لَكَ فَيَفْرَحُ ثُمَّ يقلب كِتَابه، فَيقْرَأ حَسَنَاته قلا يَزْدَادُ إِلَّا فَرَحًا؛ حَتَّى إِذَا بَلَغَ آخِرَ الْكِتَابِ وَجَدَ فِيهِ هَذِهِ حَسَنَاتُكَ، وَقَدْ ضُوعفت لَكَ فَيَبْيَضُّ وَجْهُهُ، وَيُؤْتَى بِتَاجٍ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، ويُكْسَى حُلتين، ويُحَلَّى كُلُّ مِفْصَلٌ مِنْهُ، ويُطوّل سِتِّينَ ذِرَاعًا، وَهِيَ قَامَةُ آدَمَ وَيُقَالُ: انْطَلِقْ إِلَى أَصْحَابِكَ فَبَشِّرْهُمْ وأخبرهُمْ أَنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مِثْلَ هَذَا، فَإِذَا أَدْبَرَ قَالَ: {هَاؤُمُ} أَيْ: هَاكُمُ {اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 {إِنِّي ظَنَنْت} عَلِمْتُ {أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 قَالَ اللَّهُ: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضية} أَيْ: مَرْضِيَّةٌ قَدْ رَضِيهَا {فِي جنَّة عالية} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 {قطوفها} ثمارها] وعناقيدها {دانية} أُدْنِيَتْ مِنْهُمْ فَيَقُولُ لِأَصْحَابِهِ]: هَلْ تَعْرِفُونَنِي؟ فَيَقُولُونَ قَدْ غَيَّرَتْكَ كَرَامَةُ اللَّهِ، مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ:] أَنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ، أَبَشِّرُ كُلَّ رجل] مِنْكُم بِمثل هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ} قدمتم] فِي أَيَّام الدُّنْيَا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 و] إِذا كَانَ الرَّجُلُ فِي الشَّرِّ] رَأْسًا [يَدْعُو إِلَيْهِ (ل 372) وَيَأْمُرُ بِهِ فيكثُر عَلَيْهِ تبَعُه، نُودِيَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ، فَيَتَقَدَّمُ إِلَى حِسَابِهِ، فَيَخْرُجُ لَهُ كتابٌ أَسْوَدٌ بِخَطٍّ أَسْوَدٍ فِي بَاطِنِهِ الْحَسَنَاتُ وَفِي ظَاهِرِهِ السَّيِّئَاتُ، فَيَبْدَأُ بِالْحَسَنَاتِ فَيَقْرَؤُهَا فَيَفْرَحُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ سَيَنْجُو؛ فَإِذَا بَلَغَ آخِرَ الْكِتَابِ وَجَدَ فِيهِ: هَذِهِ حَسَنَاتُكَ وَقَدْ رُدت عَلَيْكَ فَيَسْوَدُّ وجهُه وَيَعْلُوهُ الْحُزْنُ، وَيَقْنَطُ مِنَ الْخَيْرِ، ثُمَّ يَقْلِبُ كِتَابَهُ فَيَقْرَأُ سَيِّئَاتَهُ، فَلا يَزْدَادُ إِلَّا حُزْنًا وَلا يزدادُ وجْهُه إِلَّا سَوَادًا، فَإِذَا بَلَغَ آخِرَ الْكِتَابِ وَجَدَ فِيهِ: هَذِهِ سَيِّئَاتُكَ، وَقَدْ ضُوعفت عَلَيْكَ؛ أَيْ: يُضاعَفُ عَلَيْهِ الْعَذَابُ، لَيْسَ الْمَعْنَى: أَنَّهُ يُزَادُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْمَلْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 قَالَ: فَيُعْظِمُ لِلنَّارِ وَتَزْرَقُّ عَيْنَاهُ ويَسْوَدّ وَجْهُهُ، ويُكسى سَرَابِيلَ الْقَطْرَانِ وَيُقَالُ لَهُ: انْطَلِقْ إِلَى أَصْحَابِكَ؛ فَأَخْبِرْهُمْ إِنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مِثْلَ هَذَا. فَيَنْطَلِقُ وَهُوَ يَقُولُ: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا ليتها كَانَت القاضية} يتَمَنَّى الْمَوْت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 {هلك عني سلطانيه} تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَلَكَتْ عَنِّي حُجَّتي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 قَالَ اللَّهُ: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيم صلوه} أَي: اجعلوه يَصْلَي الْجَحِيم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا} اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَيِّ ذِرَاعٍ {فاسلكوه} فَيُسْلَكُ فِيهَا، تَدْخُلُ مِنْ فِيهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ دُبُره، وَلَوْ أَنَّ حَلْقَةً مِنْهَا وُضِعَتْ عَلَى جَبَلٍ لَذَابَ؛ فَيُنَادِي أَصْحَابَهُ: هَلْ تَعْرِفُونَنِي؟ فَيَقُولُونَ: لَا وَلَكِنْ قَدْ نَرَى مَا بِكَ مِنَ الخِزْي فَمَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ أَنَا فُلانُ ابْنُ فُلانٍ إِنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْكُم مثل هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 قَالَ اللَّهُ: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَا هُنَا حميم} أَي: شفيقُ يَنْفَعهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 {وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ} يَعْنِي: غُسَالَةُ أَهْلِ النَّارِ: القيْح والدّمُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 {لَا يَأْكُلهُ إِلَّا الخاطئون} الْمُشْرِكُونَ. قَالَ محمدٌ: الِاخْتِيَارُ أَنْ يُوقَفَ عَلَى الْهَاءَاتِ الَّتِي مَضَتْ فِي قَوْله {كِتَابيه} {حسابيه} و {ماليه} و {سلطانيه} وَتُوصَلُ، وَقَدْ حَذَفَهَا قومٌ فِي الوصْل؛ وَهُوَ خِلافُ الْمُصْحَفِ ذَكَرَهُ الزَّجَّاج. تَفْسِير سُورَة الحاقة من آيه (38 - 46) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 تَفْسِير سُورَة الحاقة من آيه (47 - 52) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 قَوْلُهُ: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تبصرون} أُقْسِمُ بِكُلِّ شَيْءٍ أَنَّ الْقُرْآنَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 {لقَوْل رَسُول كريم} على الله؛ يَعْنِي: مُحَمَّد صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 {وَمَا هُوَ} مَا الْقُرْآنُ {بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تؤمنون} أقلكم من يُؤمن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 {وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تذكرُونَ} أَقَلُّكُمْ مَنْ يَتَذَكَّرُ أَيْ: يُؤْمِنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 {تَنْزِيل} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 {وَلَو تَقول علينا} يَعْنِي: مُحَمَّدًا {بعض الْأَقَاوِيل} فَزَادَ فِي الْوَحْيِ أَوْ نَقَصَ مِنْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 {لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} أَيْ: بِالْحَقِّ عُقُوبَةٌ، وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَقُول: لقطعنا يَده الْيُمْنَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 {ثمَّ لقطعنا مِنْهُ الوتين} وَهُوَ الْعِرْقُ الَّذِي الْقَلْبُ مُعَلَّقٌ بِهِ فَإِذَا انْقَطَعَ مَاتَ الْإِنْسَانُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجزين}. قَالَ محمدٌ: (حاجزين) من نعت (أحد)، و (أحدٌ) فِي مَعْنَى جَمِيعٍ؛ الْمَعْنَى فَمَا مِنْكُم قوم يحجزون عَنهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 {وَإنَّهُ} يَعْنِي: الْقُرْآن {لتذكرة لِلْمُتقين} هم الَّذين يقبلُونَ التَّذْكِرَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 {وَإنَّهُ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ} يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 {وَإنَّهُ} يَعْنِي: الْقُرْآن {لحق الْيَقِين} أَنه من عِنْد الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 {فسبح باسم رَبك الْعَظِيم}. قَالَ مُحَمَّدٌ: التَّسْبِيحُ مَعْنَاهُ: تَنْزِيهُ اللَّهِ مِنَ السُّوءِ وَتَبْرِئَتُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 تَفْسِيرُ سُورَةِ سَأَلَ سَائِلٌ وَهِيَ مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة المعارج من آيه (1 - 9) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 قَوْله: {سَأَلَ سَائل} الْعَامَّةُ يَهْمِزُونَهَا مِنْ بَابِ السُّؤَالِ، قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا للنَّبِي صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم لِمَنْ هَذَا الْعَذَابُ الَّذِي تَذْكُرُ أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ؟ فَقَالَ الله: {سَأَلَ سَائل بِعَذَاب} أَيْ: عَنْ عَذَابٍ {وَاقِعٌ لِلْكَافِرِينَ} وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقْرَؤُهَا: (سَالَ سَيْلٌ) بِغَيْرِ همزٍ مِنْ بَابِ السَّيْل، وَقَالَ هُوَ وَادٍ مِنْ نارٍ يسيل، {بِعَذَاب وَاقع} للْكَافِرِينَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 {لَيْسَ لَهُ دَافع} يَدْفَعهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 {من الله ذِي المعارج} ذِي الْمَرَاقِي إِلَى السَّمَاءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْم} يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ {كَانَ مِقْدَارُهُ خمسين ألف سنة} يَقُولُ هَذَا كَانَ مِقْدَارُهُ [لَوْ وَلِيَ] غَيْرُ اللَّهِ حِسَابَ الْخَلائِقِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَفْرَغُ مِنْهُمْ فِي مِقْدَار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 (ل 373) نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 {فاصبر صبرا جميلا} لَيْسَ فِيهِ (جَزَعٌ) عَلَى تَكْذِيبِ الْمُشْركين لَك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 {إِنَّهُم يرونه بَعيدا} يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُونَ: لَيْسَ بكائنٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 {ونراه قَرِيبا} جَائِيًا وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قريب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 {يَوْم تكون السَّمَاء} أَيْ: ذَلِكَ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ {كَالْمهْلِ} كَعَكرِ الزَّيْت؛ فِي تَفْسِير زيد بن أسلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 {وَتَكون الْجبَال كالعهن} كَالصُّوفِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ أَضْعَفُ الصُّوفِ، وَهِي فِي حرف ابْن مَسْعُود (كالصوف الْأَحْمَر المنفوش) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 {وَلَا يسْأَل حميم حميما} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لَا يَسْأَلُ قريبٌ قَرِيبَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ شَيْئًا؛ كَمَا كَانَ يَحْمِلُ بعضُهم فِي الدُّنْيَا عَنْ بَعْضٍ. قَالَ محمدٌ: الْحَمِيمُ: الْقَرِيبُ، وَالْحَمِيمُ أَيْضا: المَاء الشَّديد الْحر. تَفْسِير سُورَة المعارج من آيه (10 - 18) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 قَوْله: {يبصرونهم} يُبْصُرُ الرَّجُلُ قَرَابَتَهُ؛ أَيْ: يَعْرِفُهُمْ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ، وَفِي بَعْضِهَا لَا يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا {يَوَدُّ المجرم} يَعْنِي: الْمُشرك، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 وَمعنى (فصيلته): عشيرته، وَمعنى (تؤويه): تنصره فِي الدُّنْيَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 {وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ ينجيه} ذَلِكَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. {كَلَّا إِنَّهَا لظى} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 {نزاعة} يَعْنِي: أكالة {للشوى} يَعْنِي: الْهَامَّ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 {تَدْعُو من أدبر} عَن الْإِيمَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 {وَتَوَلَّى} عَن طَاعَة الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 {وَجمع فأوعى} يَعْنِي: جمع المَال فأوعاه. تَفْسِير سُورَة المعارج من آيَة (19 - 35) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 {إِن الْإِنْسَان} يَعْنِي الْمُشرك {خلق هلوعا} يَعْنِي: ضَجِرًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 {إِذا مَسّه الشَّرّ} يَعْنِي: الشدَّة {جزوعا} لَمْ يَصْبِرْ لَيْسَتْ لَهُ فِيهَا حسبةٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 {وَإِذا مَسّه الْخَيْر} يَعْنِي: إِذَا أُعْطِيَ الْمَالَ {مَنُوعًا} أَيْ: يَمْنَعُ حَقَّ اللَّهِ فِيهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 {إِلَّا الْمُصَلِّين} يَعْنِي: الْمُسلمين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} يَدُومُونَ عَلَيْهَا فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} وَهِي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 {للسَّائِل والمحروم} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: السَّائِلُ: الْمِسْكِينُ الَّذِي يَسْأَلُ عِنْدَ الْحَاجَةِ , وَالْمَحْرُومُ: الْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ عَلَى حَالٍ فحُرم أَنْ يُعْطى عَنِ الْمَسْأَلَةِ؛ كَمَا يُعْطى السَّائِلُ، وَإِنْ أُعطي شَيْئا قَبِل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 {وَالَّذين يصدقون بِيَوْم الدّين} بِيَوْم الْحساب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مشفقون} خائفون. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 {فَمن ابْتغى وَرَاء ذَلِك} وَرَاءَ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهم {فَأُولَئِك هم العادون} الزُّناة تعدَّوْا الْحَلالَ إِلَى الْحَرَامِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 {وَالَّذين هم لِأَمَانَاتِهِمْ} يَعْنِي: مَا افْترض اللَّه عَلَيْهِم، وَالْأَمَانَاتُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ {وَعَهْدهمْ} مَا عَاهَدُوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 عَلَيْهِ {رَاعُونَ} حَافِظُونَ؛ يَعْنِي: يُؤَدُّونَ الْأَمَانَاتِ، وَيُوفُونَ بِالْعَهْدِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ فِيمَا وَافق الْحق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 {وَالَّذين هم بشهاداتهم قائمون} وَهِيَ شَهَادَاتٌ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ يقومُونَ بهَا إِذا كَانَت عِنْدهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} عَلَى وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها. تَفْسِير سُورَة المعارج من آيَة (36 - 44) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} يَعْنِي: مُنْطَلِقِينَ يَأْخُذُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، يَقُولُونَ: مَا يَقُولُ هَذَا الرَّجُلُ؟: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 {عزين} أَيْ: مُتَفَرِّقِينَ - فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ - عَنِ النَّبِيِّ يُكَذِّبُونَ بِمَا جَاءَ بِهِ. قَالَ محمدٌ (مُهْطِعِينَ) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَال، و (عزين) جمع عزَة والعِزَةُ: الْجَمَاعَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 {أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يدْخل جنَّة نعيم} لقَوْل أحدهم: {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} لَلْجَنَّةَ إِنْ كَانَتْ جَنَّةٌ كَمَا يَقُولُونَ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 قَالَ الله: {كلا} لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 يَعْنِي: من النُّطَفِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} قَالَ قَتَادَة: للشمس ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ مشرقًا وثلاثمائة وَسِتُّونَ مَغْرِبًا {إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَن نبدل خيرا مِنْهُم} أَيْ: عَلَى أَنْ نُهْلِكَهُمْ بِالْعَذَابِ، وَنُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ آدَمِيِّينَ أَطْوَعَ لِلَّهِ مِنْهُمْ {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} بِمَغْلُوبِينَ عَلَى ذَلِكَ إِنْ أَرَدْنَاهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 {فذرهم يخوضوا} فِي كفرهم {ويلعبوا} فَقَدْ قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ {حَتَّى يلاقوا يومهم الَّذِي يوعدون} يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَمَرَ بقتالهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 {يَوْم يخرجُون من الأجداث} الْقُبُور {سرَاعًا} إِلَى صَاحِبِ الصُّورِ {كَأَنَّهُمْ إِلَى نصب} أَيْ: إِلَى عِلْمٍ مَنْصُوبٍ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا بِنَصْبِ النُّونِ وَإِسْكَان الصَّاد {يوفضون} [يسرعون] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 {خاشعة أَبْصَارهم} أَي: ذليلة {ترهقهم} تَغْشَاهُمْ {ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي [كَانُوا يوعدون] (ل 374}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 تَفْسِيرُ سُورَةِ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوْحًا وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة نوح من آيَة (1 - 12) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 قَوْلُهُ: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحً ا إِلَى قومه} إِلَى قَوْله: {عَذَاب أَلِيم} أَي: موجع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 {يغْفر لكم من ذنوبكم} أَيْ: يَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ كُلَّهَا و (من) صلةٌ {وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} إِلَى مُدَّتِكُمْ، فَيَكُونُ مَوْتُكُمْ بِغَيْرِ عَذَاب {إِن أجل الله} يَعْنِي: الْقِيَامَةَ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ {لَو كُنْتُم تعلمُونَ} لعلمتم أَن الْقِيَامَة؛ جائية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ} أَيْ: كُلَمَّا دَعَوْتُهُمْ أَنْ يَتُوبُوا مِنَ الشِّرْكِ وَيُؤْمِنُوا فَتَغْفِرَ لَهُمْ، أبَوا {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} يتولَّون وَيَكْرَهُونَ ذَلِكَ. {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} غَطَّوْا رُءُوسَهُمْ؛ لِكَيْ لَا يَسْمَعُوا دُعَائِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 إيَّاهُم إِلَى الْإِيمَان {وأصروا} أَقَامُوا على الْكفْر {واستكبروا} عَن عبَادَة الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 {ثمَّ إِنِّي دعوتهم جهارا} مجاهرة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُم إسرارا} أَيْ: خَلَطْتُ دُعَاءَهُمْ فِي الْعَلانِيَةِ بِدُعَاء السِّر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 {يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا} أَي: تدرُّ عَلَيْكُم بالمطر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 {وَيَجْعَلْ لَكُمْ جنَّات وَيجْعَل لكم أَنهَارًا}. قَالَ مُحَمَّد: ٌ {جنَّات} بساتين، وَقيل: إِنَّهُم كَانُوا قدأجدبوا فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ إِيَمَانَهِمْ بِاللَّهِ يَجْمَعُ لَهُمْ مَعَ الْحَظِّ الْوَافِرِ فِي الْآخِرَةِ الْخِصْبُ وَالْغِنَى فِي الدُّنْيَا. تَفْسِير سُورَة نوح من آيَة (13 - 22) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 قَوْلُهُ: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لله وقارا} أَيْ: لَا تَخَافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 {وَقد خَلقكُم أطوارا} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: يَعْنِي: نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ عَظْمًا ثُمَّ لَحْمًا. قَالَ محمدٌ: (أَطْوَارًا) أَيْ: طَوْرًا بَعْدَ طَوْرٍ، نَقَلَكُمْ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ قَتَادَةَ. وَقَوْلُهُ: {تَرْجُونَ} تَخَافُونَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: (مَحِلَّتُهُمْ ذَاتُ الْإِلَهِ وَدِينُهُمْ ... قويمٌ فَمَا يَرْجُونَ غَيْرَ الْعَوَاقِبِ) أَيْ: مَا يخَافُونَ إِلَّا خَوَاتِم الْأَعْمَال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 قَوْله: {سبع سماوات طباقا} يَعْنِي: بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 قَالَ محمدٌ: (طباقًا) من نعت (سبع)؛ أَيْ: خَلَقَ سَبْعًا ذَاتَ أَطْبَاقٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورٌ ا} أَيْ: مَعَهِنَّ ضِيَاءٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ؛ فِي تَفْسِير الْكَلْبِيّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} خَلَقَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ خَلْقًا؛ يَعْنِي: خَلَقَ آدَمَ. قَالَ محمدٌ: (نَبَاتًا) مَحْمُولٌ فِي الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَعْنَى؛ لِأَن معنى (أنبتكم): جعلكُمْ تنبتون نباتًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 {وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} مِنْهَا يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 {لتسلكوا مِنْهَا سبلا فجاجا} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: يَعْنِي: طُرُقًا بَيِّنَةً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 {وَاتبعُوا} اتَّبَعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى التَّكْذِيبِ {مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خسارا} عِنْد الله باتبَاعهمْ إِيَّاه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 {ومكروا مكرا كبارًا} عَظِيمًا وَهُوَ الشِّرْكُ. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: مكرٌ كبيرٌ وكُبّارٌ فِي معنى وَاحِد. تَفْسِير سُورَة نوح من آيَة (23 - 27) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 تَفْسِير سُورَة نوح من آيَة (27 - 28) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 {وَقَالُوا لَا تذرن آلِهَتكُم} إِلَى قَوْله: {ونسرا} وَهِيَ أَسْمَاءُ آلِهَتِهِمْ؛ أَيْ: لَا تدَعُوا عبادتها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 {وَقد أَضَلُّوا كثيرا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَعْنِي: الْأَصْنَامَ؛ أَيْ: ضَلَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ بِعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ الْأَصْنَامُ دَعَتْ إِلَى عِبَادَتِهَا {وَلا تزد الظَّالِمين} الْمُشْركين {إِلَّا ضلالا} هَذَا دُعَاءُ نُوحٍ عَلَى قَوْمِهِ حِينَ أَذِنَ اللَّهُ لَهُ بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 {مِمَّا خطيئاتهم} أَيْ: بِخَطَايَاهُمْ {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} أَيْ: وَجَبَتْ لَهُمُ النَّارُ. قَالَ محمدٌ: (مِمَّا خطيئاتهم) قِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى: مِنْ خَطِيئَاتِهِمْ، و (مَا) زَائِدَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 {لَا تذرعلى الأَرْض من الْكَافرين ديارًا} أَيْ: أَحَدًا وَهَذَا حَيْثُ أَذِنَ الله لَهُ بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 {وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا} أَيْ: أَنَّهُمْ إِنْ وَلَدُوا وَلِيدًا فأدْرك كفَرَ وَهُوَ شَيْءٌ عَلِمَهُ نُوحٌ مِنْ قِبَل اللَّهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا من قد آمن} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 قَالَ نُوحٌ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي ولوالدي} قَالَ الْحَسَنُ: كَانَا مُؤْمِنَيْنِ {وَلِمَنْ دخل بَيْتِي مُؤمنا} تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: يَعْنِي: دَخَلَ قَالَ محمدٌ: إِسْكَانُ الْيَاءِ مِنْ (بَيْتِي) وَفَتْحِهَا جَائِزٌ. {وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تزد الظَّالِمين إِلَّا تبارا} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 تَفْسِيرُ سُورَةِ الْجَنِّ وَهِيَ [مَكِّيَّةٌ] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الْجِنّ من آيَة (1 - 7) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 قَوْلُهُ: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتمع نفر من الْجِنّ} وهم (ل 375) {فَقَالُوا إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 {يهدي إِلَى الرشد} أَيْ: يُبَيِّنُ سَبِيلَ الْهُدَى {فَآمَنَّا بِهِ} وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ على الْيَهُودِيَّة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 {وَأَنه تَعَالَى} ارْتَفع {جد رَبنَا} عَظمته وكبرياؤه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 {وَأَنه كَانَ يَقُول سفيهنا} وَهُوَ الْمُشْرِكُ مِنْهُمْ {عَلَى اللَّهِ شططا} أَي: جورًا وكذبًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 قَالَ اللَّهُ: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنّ فزادوهم رهقا} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْإِنْسِ كَانَ أَحَدُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَ مُسَافِرًا، فَأَمْسَى فِي الْأَرْضِ الْقَفْرِ نَادَى: أَعُوذُ بَسَيِّدِ هَذَا الْوَادِي مِنْ سُفَهَاءِ قَوْمِهِ، فَيَبِيتُ فِي مَنَعةٍ مِنْهُ حَتَّى يصبح {فزادوهم رهقا} زَادَتِ الْجِنُّ لتعوُّذهم بِهِمْ إِثْمًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 {وَأَنَّهُمْ ظنُّوا} ظَنَّ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْجِنِّ {كَمَا ظننتم} يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ مِنَ الْإِنْسِ {أَنْ لن يبْعَث الله أحدا} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 يجحدون الْبَعْث. تَفْسِير سُورَة الْجِنّ من آيَة (8 - 13) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حرسا شَدِيدا وشهبا} هَذَا قَوْلُ الْجِنِّ مَنْ كَانَ يفعل ذَلِك مِنْهُم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 {وَأَنا كُنَّا نقعد مِنْهَا} مِنَ السَّمَاءِ {مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رصدا} أَيْ: حَفَظة تَمْنَعُ مِنَ الِاسْتِمَاعِ. قَالَ محمدٌ: (الشهَاب الرَّصد): أَي: قد أُرصِدَ بِهِ للرَّجْم، و (شُهُبًا) جَمْعُ شِهَابٍ. قَالَ يَحْيَى: وَكَانُوا يَسْتَمِعُونَ أَخْبَارًا مِنْ أَخْبَارِ السَّمَاءِ، وأمَّا الْوَحْيُ فَلَمْ يَكُونُوا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَسْتَمِعُوهُ. يَحْيَى: عَنْ عُبَيْدِ الصَّمَدِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رجاءٍ العُطَاردي يَقُولُ: ((كُنَّا قَبْلَ أَنْ يُبعث النَّبِيُّ مَا نَرَى نَجْمًا يَرْمَى بِهِ؛ فَبَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذَا النُّجُومُ قَدْ رُمِيَ بِهَا فَقُلْنَا: مَا هَذَا؟ إِنْ هَذَا إِلَّا أمرٌ حَدَثٌ. فجاءنا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم بُعِثَ)). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بهم رَبهم رشدا} تَفْسِيرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 الْحَسَنِ: أَنَّهُمْ قَالُوا: هَذَا أمرٌ حَدَثٌ حِينَ رُمِيَ بِالنُّجُومِ، فَلا نَدْرِي أشرٌّ أَرَادَ اللَّهُ بِأَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يُهْلِكَهُمْ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا، أَمْ أَحْدَثَ لَهُم مِنْهُ نعْمَة وكرامة؟: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 {وَأَنا منا الصالحون} الْمُؤْمِنُونَ {وَمنا دون ذَلِك} يَعْنُونَ: الْمُشْرِكِينَ {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} وَفِي الْجِنِّ مَؤْمِنُونَ ويهودٌ وَنَصَارَى ومجوسٌ وَعَبَدَةُ الْأَوْثَانِ. قَالَ محمدٌ: (طَرَائِقُ) أَيْ: كُنَّا فِرَقًا، والقِدَدُ: جَمْعُ قِدّة، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ قِطْعَةٍ وقطعٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 قَوْله: {وَأَنا ظننا} عَلِمْنَا {أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ} أَنْ نَسْبِقَ اللَّهَ حَتَّى لَا يَقْدِرُ عَلَيْنَا؛ فَيَبْعَثَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 {وَأَنا لما سمعنَا الْهدى} الْقُرْآن {آمنا بِهِ} صَدَّقْنَا بِهِ. {فَلا يَخَافُ بَخْسًا} يَعْنِي: أَنْ يُنْقَصَ مِنْ عَمَلِهِ {وَلَا رهقا} ظُلْمًا أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْمَلْ. قَالَ محمدٌ: أَصْلُ (الرَّهَق) فِي اللُّغَةِ العيْبُ وَالظُّلْمُ؛ يُقَالُ: رَهَقَ وَتَرَهَّقَ فِي دِينِهِ إِذا ظلم. تَفْسِير سُورَة الْجِنّ من آيَة (14 - 17) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 تَفْسِير سُورَة الْجِنّ من آيَة (17 - 20) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 {وَأما القاسطون} الْجَائِرُونَ عَنِ الْهُدَى. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: قَسَطَ إِذَا جَارَ، وأقْسَط إِذَا عَدل. {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} أَصَابُوا الرُّشْدَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 {وألَّوا استقاموا على الطَّرِيقَة} عَلَى الْإِيمَانِ {لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} أَيْ: لَأَوْسَعْنَا لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ؛ فِي تَفْسِير الْحسن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 {لنفتنهم فِيهِ} لِنَخْتَبِرَهُمْ فِيهِ فَنَعْلَمَ كَيْفَ شُكْرُهُمْ. قَالَ محمدٌ: قَالُوا: غَدِقَت الْأَرْضُ وأَغْدقت إِذَا ابتلّتْ، وَقَالُوا: مطرٌ غَيْداق؛ أَيْ: كَثِيرٌ، وَسَنَةٌ غَيْدَاق إِذَا أَخْصَبَتْ. {نَسْلُكُهُ} نُدْخِلُهُ {عَذَابًا صعدا} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: لَا رَاحَةَ فِيهِ. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: تصعَّدني الْأَمْرُ إِذا شقَّ عليَّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 {وَأَن الْمَسَاجِد لله} قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: وَلِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ. {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أحدا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: قَالَ: يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ قَوْمٍ غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ يَقُومُونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ إِلَّا وَهُمْ يُشْرِكُونَ بِاللَّه فِيهَا، فأخلصُوا لله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} {يَدعُوهُ} يَدْعُو الله {كَادُوا} كَادَ الْمُشْرِكُونَ {يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} تَفْسِيرُ مِنَ الْحَرْدِ عَلَيْهِ. قَالَ محمدٌ: كُلُّ شيءٍ أَلْصَقْتَهُ بشيءٍ إلصاقًا شَدِيدا [فقد لبّدته]. تَفْسِير سُورَة الْجِنّ من آيَة (21 - 28) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضرا} أَنْ أُدْخِلَكُمْ فِي الْكُفْرِ {وَلا رشدا} أَن أكرهكم على الْهدى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ} {وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دونه ملتحدا} ملْجأ ألجأ إِلَيْهِ (ل 376) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 {إِلا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 {فسيعلمون من أَضْعَف ناصرا} أَيْ: أَنَّكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ لَا نَاصِر لكم {وَأَقل عددا} أَيْ: يُفْرَدُ كُلُّ إِنْسَانٍ بِعَمَلِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا توعدون} أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ مَجِيءِ السَّاعَةِ {أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 {عَالم الْغَيْب} والغيب هَا هُنَا فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ: الْوَحْيُ (فَلا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 يظْهر على غيبه أحدا} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 {إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمن خَلفه رصدًا} مِنَ الْمَلائِكَةِ يَحْفَظُونَهُ حَتَّى يُبَلِّغَ عَن الله الرسَالَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبهم} لِيَعْلَمَ ذَلِكَ الرَّسُولُ أَنَّ الرُّسُلَ قَبْلَهُ قَدْ بلَّغوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ {وأحاط} {الله} (بِمَا لديهم} يَعْنِي: مَا أُرْسِلُوا بِهِ فَلا يُوصَلُ إِلَيْهِمْ؛ حَتَّى يُبَلِّغُوا عَنِ اللَّهِ الرِّسَالَةَ {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ} {من خلقه} (عددا}. قَالَ محمدٌ: (عددا) حَالٌ؛ الْمَعْنَى: وأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ فِي حَالِ الْعَدَدِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 تَفْسِيرُ سُورَةِ الْمُزَّمِّل وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَفْسِير سُورَة المزمل من آيه (1 - 13) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 قَوْله: {يَا أَيهَا المزمل } يَعْنِي: النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُزَّمِّلُ هُوَ: المتزَمَّل بِثِيَابِهِ. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: تَزَمَّلَ فلانٌ إِذَا تلفَّف بِثِيَابِهِ وَكُلُّ شيءٍ لُفِّفَ فَقَدْ زُمَّل، وَجَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: يَقُولُ لِلنَّبِيِّ: يَا أَيُّهَا الْمُزَمِّلُ بِثِيَابِهِ يَعْنِي: يلبسهَا للصَّلَاة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 {قُم اللَّيْل إلاقليلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَو زد عَلَيْهِ}. قَالَ محمدٌ: (نِصْفَهُ)؛ أَيْ: قُمْ نصفه. {ورتل الْقُرْآن ترتيلا} أَي: ترسَّل فِيهِ ترسُّلا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: يَعْنِي: فَرَائِضَهُ وَحُدُودَهُ وَالْعَمَل بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 {إِن ناشئة اللَّيْل} قِيَامَ اللَّيْلِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهِيَ بِلِسَانِ الْحَبَشِ، فَإِذَا قَامَ الرَّجُلَ قَالُوا: قَدْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 نَشَأَ فُلانٌ. قَالَ قَتَادَةُ: وَمَا كَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَهُوَ مِنْ ناشئة اللَّيْل {هِيَ أَشد وطئا} وَهِيَ تُقْرَأُ ((وَطْأ)) مَفْتُوحَةَ الْوَاوِ مَقْصُورَةً، وَوِطَاءً مَكْسُورَةَ الْوَاوِ مَمْدُودَةً، فَمن قَرَأَهَا {وطئا} بِفَتْحِ الْوَاوِ، فَتَفْسِيرُهَا عِنْدَ قَتَادَةَ أَثْبَتُ فِي الْخَيْرِ، وَمَنْ قَرَأَهَا بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ فَتَفْسِيرُهَا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَشَدُّ مُوَاطَأَةٍ لِلْقَلْبِ لِفَرَاغِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْوَاتَ تَهْدَأُ فِي اللَّيْلِ. قَالَ محمدٌ: وِطَاء مصدَر وَاطَأْتُ، وَأَرَادَ مُواطأة الْقَلْبِ وَالسَّمْعِ عَلَى الْفَهْمِ لِلْقُرْآنِ وَالْأَحْكَامِ لِتَأْوِيلِهِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ يَحْيَى. وَقَوْلُهُ: {وَأَقْوَمُ قيلا} أَيْ أَصْدَقُ فِي التِّلاوَةِ وأجدرُ أَلَّا يُلبِس عَلَيْكَ الشَّيْطَانُ تِلاوَتَكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا} أَي: فراغاً {طَويلا} لحوائجك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تبتيلا} أخْلص لَهُ إخلاصًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 {رب الْمشرق وَالْمغْرب} مَشْرِقِ الشَّمْسِ وَمَغْرِبِهَا {فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 {واصبر على مَا يَقُولُونَ} مَا يَقُولُ لَكَ الْمُشْرِكُونَ، وَهِيَ مَنْسُوخَة نسختها الْقِتَال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 {وذرني والمكذبين أولي النِّعْمَة} فِي الدُّنْيَا فَسَأُعَذِّبُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا وعيدٌ؛ يقالُ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي بَنِي الْمُغِيرَةِ، وَكَانُوا نَاعِمِينَ ذَوِي غِنًى. قَالَ محمدٌ: النِّعْمَةُ: التنعُّمُ، والنِّعمة اليِدُ الْجَمِيلَةُ وَالصُّنْعُ مِنَ اللَّهِ لِلْإِنْسَانِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 {ومهلهم قَلِيلا} أَيْ: أَنَّ بَقَاءَهُمْ فِي الدُّنْيَا قَلِيلٌ ثُمَّ يَصِيرُونَ إِلَى النَّارِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 {إِن لدينا} عندنَا {أَنْكَالًا} وَهِيَ الْقُيُودَ. قَالَ محمدٌ: وَاحِدُهَا نِكْلٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 {وَطَعَامًا ذَا غُصَّة} تغصُّ بِهِ الحلوق. تَفْسِير سُورَة المزمل من آيه (14 - 19) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 {يَوْم ترجف الأَرْض} أَيْ: ذَلِكَ لَهُمْ يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْض تتزلزل {وَالْجِبَال وَكَانَت} أَيْ: وَصَارَتْ؛ يَعْنِي: {الْجِبَالُ كَثِيبًا} أَي: رملاً {مهيلا} أَي: سَائِلًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وبيلا} شَدِيدًا. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: اسْتَوْبَلَتِ الْبَلَد، وَيُقَال: كَلأ مٌ سْتَوْبَلٌ؛ أَي: لَا يُسْتمرأ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 {يَوْمًا يَجْعَل الْولدَان شيبا} أَيْ: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي يُجْعل الْوَلْدَانُ فِيهِ شِيبًا؟: أَيْ: إِنْ كَفَرْتُمْ لَمْ تَتَّقُوهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 {السَّمَاء منفطر بِهِ} أَيْ: منشقٌّ فِيهِ. قَالَ محمدٌ: قَوْله: (السَّمَاء منفطرٌ بِهِ) أَيْ: ذَاتُ انْفِطَارٍ؛ كَمَا تَقُولُ: امرأةٌ مُرْضِعٌ أَيْ: ذاتُ رَضَاعٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 {إِن هَذِه تذكرة} أَي: أَن هَذِهِ السُّورَةُ تَذْكِرَةٌ لِلْآخَرَةِ {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا} وطاعته. تَفْسِير سُورَة المزمل آيَة (20) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى} أَقَلَّ {مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} إِلَى قَوْلِهِ {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} اللَّيْل {فَتَابَ عَلَيْكُم} تَفْسِير (ل 377) قَتَادَةَ: كَانَ الْفَرْضُ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أوّل هَذِه السُّورَة {يَا أَيهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَو زد عَلَيْهِ} فَقَامَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابُهُ حَوْلاً حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ؛ وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا فِي السَّمَاءِ اثْنَي عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ أَنْزَلَ {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثلثه} وبعضعم يقْرؤهَا {وَثلثه} إِلَى قَوْلِهِ: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} فَرِيضَتَانِ وَاجِبَتَانِ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تطوُّعًا {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: هَذَا فِي التطوَّع {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: تَجِدُوهُ خَيْرًا لَكُمْ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا، وَدَخَلَتْ (هُوَ) فَصْلاً. {وَأعظم أجرا} أَيْ: يُثِيبُكُمْ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} لِمَنْ آمَنَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 تَفْسِيرُ سُورَةِ المِّدثر وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَفْسِير سُورَة المدثر من آيه (1 - 10) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 قَوْله: {يَا أَيهَا المدثر } الْمُتَدَثِّرُ بِثِيَابِهِ؛ يَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: هَذِهِ أوَّل آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ. قَالَ يَحْيَى: والعامَّة عَلَى أنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبك الَّذِي خلق}. قَالَ محمدٌ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُفَسِّرُ المدَّثر: تدثَّر بِثِيَابِهِ وتلَثَّم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 {قُم فَأَنْذر} من النَّار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 {وثيابك فطهر} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: لَا تَلْبَسْهَا عَلَى مَعْصِيَتِي، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ: إِنَّهُ لطاهر الثِّيَاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 {وَالرجز فاهجر} يَعْنِي: الْأَوْثَانِ لَا تعْبُدْها. قَالَ محمدٌ: أَصْلُ الرُّجْزِ: الْعَذَابُ، فَسُمِّيَتِ الْأَوْثَانُ رِجْزًا، لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إِلَى الْعَذَاب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 {وَلَا تمنن تستكثر} تَفْسِيرُ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ: هِيَ الْهَدِيَّةُ تُهْدِيهَا لَيُهَدَى إِلَيْكَ خيرٌ مِنْهَا. قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ أُبي: ((وَلا تَمْنُنْ أَنْ تَسْتَكْثِرَ)) وَذَلِكَ تَفْسِيرُهَا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ. قَالَ محمدٌ: قِيلَ: إِنَّهُ خَاطَبَ بِهَذَا النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أدَّبه بِأَشْرَفِ الْآدَابِ، وأسْنى الْأَخْلاقِ وَلَيْسَ عَلَى الْإِنْسَانِ إثْمٌ أَنْ يُهْدِي هَدِيَّةً يَرْجُو بِهَا مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا. قَالَ يَحْيَى: وَكَانَ الْحَسَنُ يَقْرَؤُهَا: ((تستكثرْ)) مَوْقُوفَةٌ، قَالَ: وَفِيهَا تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ يَقُولُ: لَا تَسْتَكْثِرْ عَمَلَكَ فَتَمُنَّ عَلَيْنَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 {ولربك فاصبر} على مَا أُوْذيت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 {فَإِذا نقر فِي الناقور} أَيْ: إِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 {فَذَلِك يَوْمئِذٍ يَوْم عسير} أَي: عسير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 {على الْكَافرين غير يسير} لَيْسَ لَهُمْ مِنْ يُسْرِهِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يُسره للْمُؤْمِنين. تَفْسِير سُورَة المدثر من آيَة (11 - 30) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 {ذَرْنِي وَمن خلقت وحيدا} نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَهَذَا وعيدٌ لَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 {وَجعلت لَهُ مَالا ممدودا} وَاسِعًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 {وبنين شُهُودًا} يَعْنِي: حُضُورًا مَعَهُ بِمَكَّةَ لَا يُسَافِرُونَ، كَانَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ ولدا رجَالًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 {ومهدت لَهُ تمهيدا} بَسَطْتُ لَهُ فِي الدُّنْيَا بَسْطًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 {ثمَّ يطْمع أَن أَزِيد} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ لِقَوْلِ الْمُشْرِكِ: {وَلَئِنْ رجعت إِلَى رَبِّي} كَمَا يَقُولُونَ {إِنَّ لِي عِنْدَهُ للحسنى} للجنة إِن كَانَت جنَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 قَالَ: {كلا} لَا نُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ {إِنَّهُ كَانَ لآياتنا عنيدا} معاندًا لَهَا جاحدًا بهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 {سَأُرْهِقُهُ صعُودًا} أَيْ: سَأَحْمِلُهُ عَلَى مَشَقَّةٍ مِنَ الْعَذَاب. قَالَ محمدٌ: وَيُقَال الْعقبَة الشاقة: صعودٌ وَكَذَلِكَ الْكَئودُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 {إِنَّه فكر وَقدر} إِلَى قَوْلِهِ {إِنْ هَذَا إِلا قَول الْبشر} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ قَالَ: يَا قَوْمُ إِنَّ أمْرَ هَذَا الرَّجُلِ يَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَشَا وَقَدْ حَضَرَ الموْسمَ، وَإِنَّ النَّاسَ سَيَسْأَلُونَكُمْ عَنْهُ فَمَاذَا قَالَ: إِذًا وَاللَّهِ يَسْتَنْطِقُونَهُ فَيَجِدُونَهُ فَصِيحًا عالاً فيكذبونكم إِذًا وَاللَّهِ يَلْقَوْنَهُ فَيُخْبِرَهُمْ بِمَا لَا يُخْبِرُهُمْ بِهِ الْكَاهِنُ قَالُوا: فَنُخْبِرُ يَعْرِفُونَ الشِّعْرَ وَيَرْوُونَهُ فَيَسْتَمِعُونَهُ فَلا يَسْمَعُونَ شَيْئًا قُرَيْشٌ صَبَأَ وَالله الْوَلِيد لَئِن قُرَيْش (ل 378) كُلُّهَا قَالَ أَبُو جَهْلٍ: فَأَنَا أَكْفِيكُمُوهُ فَانْطَلَقَ أَبُو جَهْلٍ فَجَلَسَ إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَةِ الْحَزِينِ فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: مَا يُحْزِنُكَ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: وَمَالِي لَا أَحْزَنُ وَهَذِهِ قُرَيْشٌ تَجْمَعُ لَكَ نَفَقَةَ يُعِينُوكَ بِهَا عَلَى كِبَركَ وَزَمَانَتِكَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 قَالَ: أَوَلَسْتُ أَكْثَرُ مِنْهُمْ مَالًا وَوَلَدًا قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّكَ قُلْتَ الَّذِي قُلْتَ؛ لتصيبَ مِنْ فُضُولِ طَعَامِ محمدٍ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَشْبَعُونَ مِنَ الطَّعَامِ فأيُ فَضْلٍ يَكُونُ لَهُمْ وَلَكُنِّي أكثرتُ الْحَدِيثَ فِيهِ فَإِذَا الَّذِي يَقُولُ سحرٌ وَقَوْلُ بَشَرٍ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ قَوْمُهُ فَقَالُوا: كَيْفَ يَا أَبَا الْمُغِيرَةِ يَكُونُ قَوْلُهُ سحرٌ أَوْ قَوْلُ بَشَرٍ؟ قَالَ: أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ فَرَّقَ بني فُلانَةٍ وَزَوْجِهَا، وَبَيْنَ فُلانٍ وَابْنُهُ، وَبَيْنَ فُلانٍ وَابْنِ أَخِيهِ، وَبَيْنَ فُلانٍ مَوْلَى بَنِي فُلانٍ وَبَيْنَ مَوَالِيهِ - يَعْنِي مَنْ أَسْلَمَ؟ فَقَالُوا: اللَّهم نَعَمْ، قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ: فَهُوَ ساحرٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ} أَي: فلعن {كَيفَ قدر} {ثمَّ قتل} لُعِنَ {كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثمَّ عبس وَبسر} كَلَحَ. قَالَ محمدٌ: (عَبَسَ وَبَسَرَ) أَيْ: قَطَّبَ وَكَرِهَ، يُقَالُ: بَسَرَ وبَسُرَ، وَأَصَلُ الْكَلِمَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: بسَر الْفَحْلُ النَّاقَةَ إِذَا ضَرَبَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا. {ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِن هَذَا} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} يُرْوَى {إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبشر} يَعْنُونَ: عَدَّاسًا غُلامَ عُتْبَةَ كَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعلمهُ بشر} هُوَ عَدَّاسٌ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 قَالَ: {سأصليه سَقر} وسقر اسمٌ من أَسمَاء جهنّم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 {وَمَا أَدْرَاك مَا سقر} أَيْ: أَنَّكَ لَمْ تَكُنْ تَدْرِي مَا سقر؛ حَتَّى أعلمتك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 {لَا تبقي وَلَا تذر} لَا تُبْقِي إِذَا دَخَلَهَا شَيْئًا مِنْ لَحْمِهِ وَدَمِهِ وَشَعْرِهِ وَبَشَرِهِ وُعِظَامِهِ وَأَحْشَائِهِ؛ حَتَّى تَهْجُمَ عَلَى الْفُؤَادَ فَيُصِيحُ الْفُؤَادُ فَإِذَا انْتَهْتَ إِلَى فُؤَادِهِ لَمْ تَجِدْ شَيْئًا تَتَعَلَّقْ بِهِ، ثُمَّ يُجَدِّدُ اللَّهُ خلقه فتأكله أَيْضا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 {لواحة للبشر} أَيْ: مُحْرِقَةٌ لِلْجِلْدِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 قَالَ محمدٌ: (البَشَرُ) جَمْعُ بشَرة وَمَعْنَى لَوَّاحَةٍ: مُغَيِّرَةٍ، تَقُولُ: لاحَتْهُ الشَّمْسُ إِذَا غيَّرتْه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 {عَلَيْهَا تِسْعَة عشر} لمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَرَى مُحَمَّدًا يُخَوِّفُكُمْ بِخَزَنَةِ النَّارِ، وَيَزْعُمْ أَنَّهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ أَفَيَعْجَزُ كُلُّ مِائَةٍ مِنْكُمْ أَنْ يَبْطِشُوا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَتَخْرُجُوا مِنْهَا؟ فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ الْجُمَحِيُّ: أَنَا أَكْفِيكُمْ مِنْهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ عَشْرَةٌ عَلَى ظَهْرِي وَسَبْعَةٌ عَلَى صَدْرِي، فَاكْفُونِي أَنْتُم اثْنَيْنِ فَأنْزل الله: تَفْسِير سُورَة المدثر من آيَة (31 - 48) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلَائِكَة} أَيْ: فَمَنْ يُطِيقُهُمْ؟ {وَمَا جَعَلْنَا عدتهمْ إِلَّا فتْنَة} بليَّة {لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا كتاب} لِأَنَّهُمْ فِي كُتُبُهِمِ تِسْعَةَ عَشَرَ {ويزداد الَّذين آمنُوا إِيمَانًا} تَصْدِيقًا {وَلَا يرتاب} يَشُكُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 {الَّذين أُوتُوا الْكتاب والمؤمنون} فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ عَدَدِهِمْ {وَيَقُولُ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مرضٌ} شكٌّ {والكافرون} الْجَاحِدُونَ {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مثلا} أَيْ: ذِكْرًا، وَذَلِكَ مِنْهُمُ اسْتِهْزَاءٌ وتكذيبٌ. قَالَ اللَّهُ: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} يحيى: عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ الْحَسَنِ ((أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ خَلْقِ الْمَلائِكَةِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خُلِقَتْ؟ فَقَالَ: مِنْ نُورِ الْحُجُبِ السَّبْعِينَ الَّتِي تَلِيَ الربَّ؛ كُلُّ حِجَابٍ مِنْهَا مَسِيرَةُ خَمْسمِائَة عَامٍ، فَلَيْسَ مَلَكٌ إِلَّا وَهُوَ يَدْخُلُ فِي نَهْرِ الْحَيَاةِ فَيَغْتَسِلُ فَيَكُونُ مِنْ كُلِّ قَطْرَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ مَلَكٌ، فَلا يَحْصِي أحدٌ مَا يَكُونُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ)) فَهُوَ قَوْلُهُ (وَمَا يَعْلَمُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ}. {وَمَا هِيَ إِلَّا ذكرى للبشر} رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِ: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاك مَا سقر} {كلا وَالْقَمَر} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 {وَاللَّيْل إذْ أدبر} إِذْ ولَّى، وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُ: {إِذَا أَدْبَرَ} إِذَا ولَّى. قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: دَبَرَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ، كَقَوْلِكَ: قَبَلَ اللَّيْلُ وأَقْبل، وَيُقَالُ: دَبَرَنِي فلانُ وَخَلَفَنِي؛ يَعْنِي: إِذَا جَاءَ بَعْدِي. {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} { الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 2 - ! (إِنَّهَا لإحدى الْكبر} لَإِحْدَى الْعَظَائِمِ يَعْنِي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 قَالَ محمدٌ: الْكُبَرُ جَمْعُ كُبْرَى، مِثْلُ أُولَي وَأُوَلُ، وصُغْرى وصُغَر. ولجهنم (ل 379) سَبْعَةُ أَبْوَابٍ: جَهَنَّمُ، وَلَظَى، وَالْحُطَمَةُ، وسقر، والجحيم، والسعير، والهاوية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 قَوْله: {نذيرا للبشر} يَعْنِي: مُحَمَّد صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم رَجَعَ إِلَى أول السُّورَة {يَا أَيهَا المدثر} قُمْ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ {فَأَنْذِرْ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 قَالَ: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يتَقَدَّم} فِي الْخَيْر {أَو يتَأَخَّر} فِي الشَّرِ كَقَوْلِهِ: {فَمَنْ شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر} وَهَذَا وعيدٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 {كل نفس} يَعْنِي: مِنْ أَهْلِ النَّارِ {بِمَا كسبت} بِمَا عملت {رهينة} فِي النَّار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 {إِلَّا أَصْحَاب الْيَمين} وَهُمْ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ كُلُّهُمْ فِي هَذَا الْموضع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 {فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ} أَي: يسائلون الْمُجْرمين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 {مَا سلككم} مَا أَدْخَلَكُمْ؟ {فِي سَقَرَ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 فأجابهم الْمُشْركُونَ قَالُوا: {لم تَكُ من الْمُصَلِّين} إِلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 قَالَ اللَّهُ: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشافعين} أَيْ: لَا يَشْفَعُ لَهُمُ الشَّافِعُونَ. يَحْيَى: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم ((إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ شَفَعَ النَّبِيُّ لِأُمَّتِهِ، وَالشَّهِيدُ لِأَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْمُؤْمِنُ لِأَهْلِ بَيْتِهِ، وَتَبْقَى شَفَاعَةُ الرَّحْمَنِ يُخْرِجُ اللَّهُ أَقْوَامًا مِنَ النَّارِ قَدِ احْتَرَقُوا وَصَارُوا فَحْمًا فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى نَهْرٍ فِي الْجَنَّةِ - يُقَالُ لَهُ: الْحَيَاةُ - فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْغُثَاءُ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ، ثُمَّ يَقُومُونَ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَهُمْ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا وأدناهم منزلَة)). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 تَفْسِير سُورَة المدثر من آيَة (49 - 56) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 قَوْلُهُ: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ معرضين} عَن الْقُرْآن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 {كَأَنَّهُمْ حمر مستنفرة} أَي: حمر وَحش الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 {فرت من قسورة} تَفْسِيرُ بَعْضِهِمُ الْقَسْوَرَةُ: الأسدُ. قَالَ محمدٌ: (معرضين) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، وَمَعْنَى مُسْتَنْفِرَةٌ مَذْعُورَة استُنفرتْ فنفرت، قيل: إِنَّ اشْتِقَاقِ قَسْوَرَةٍ مِنَ القسْر وَهُوَ الْقَهْرِ؛ لأَنَّ الْأَسَدَ يَقْهَرُ السبَاع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ} يَعْنِي: مُشْرِكِي قُرَيْشٍ {أَنْ يُؤْتَى صحفا منشرة} إِلَى كُلِّ إنسانٍ بِاسْمِهِ أَنْ آمِنْ بمحمدٍ قَالَ اللَّهُ {كَلَّا} أَنْتُمْ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 ثمَّ قَالَ {بل لَا تخافون الْآخِرَة} لَا يُؤمنُونَ بهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 {كلا إِنَّه تذكرة} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 {هُوَ أهل التَّقْوَى} أَيْ: أَهْلُ أَنْ يُتَّقَى {وَأَهْلُ الْمَغْفِرَة} أَهْلُ أَنْ يَغْفِرَ، وَلا يَغْفِرُ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 تَفْسِيرِ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الْقِيَامَة من آيَة (1 - 19) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 قَوْلُهُ: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْم ِ الْقِيَامَةِ} الْمَعْنى: أقسم و ((لَا)) صلَة، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللوامة} مَعْنَاهُ أقسم. قَالَ الْحسن: وَهُوَ نفسُ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا تَلْقَاهُ إِلَّا وَهُوَ يَلُومُ نَفْسَهُ، يَقُولُ: مَا أَرَدْتُ بِكَلامِي، مَا أَرَدْتُ بِكَذَا، مَا أَرَدْتُ بِكَذَا، يَنْدَمُ عَلَى مَا فَاتَ، وَيَلُومُ نَفسه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 {أيحسب الْإِنْسَان} وَهُوَ الْمُشْرِكُ {أَنْ لَنْ نَجْمَعَ عِظَامه} أَي: أَن لن نبعثه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بنانه} يَعْنِي: مَفَاصِلَهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (قَادِرِينَ) حَالٌ بِمَعْنَى: بَلَى نَجْمَعُهَا قَادِرِينَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 {بَلْ يُرِيدُ الإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} وَهُوَ الْمُشْرِكُ؛ يَعْنِي: أَنَّهُ يَمْضِي عَلَى فُجُورِهِ لَا يُعَاتِبُ نَفْسَهُ حَتَّى يلقى ربه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 {يسْأَل أَيَّانَ يَوْم الْقِيَامَة} مَتَى يَوْمُ الْقِيَامَةِ؛ أَيْ: لَيست بجائية يكذب بهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 قَالَ اللَّهُ: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ أَيْ: شَخُصَ لِإِجَابَةِ الدَّاعِي كَقَوْلِهِ: {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِم طرفهم} هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ. قَالَ محمدٌ: مَنْ قَرَأَ (برَق الْبَصَرُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَرَادَ: بَرِيقَه إِذَا شَخُصَ، يُقَالُ: بَرَقَ يَبْرُق، وَمَنْ قَرَأَ بَرِقَ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - فَمَعْنَاهُ: فَزِعَ وتحَّير. يُقَالُ مِنْهُ: بَرِقَ يَبْرَقُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 {وَجمع الشَّمْس وَالْقَمَر} أَيْ: جَمَعَهُمَا جَمِيعًا؛ فِي تَفْسِيرِ الْحسن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 {يَقُولُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} قَالَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 {إِلَى رَبك يَوْمئِذٍ المستقر} الْمرجع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 {يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ كَافِرٌ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. قَالَ محمدٌ: وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعَاذِيرَ السُّتُورُ بِلُغَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 {لَا تحرّك بهَا لسَانك لتعجل بِهِ} تفسيرالحسن: كَانَ رَسُول الله إِذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 (ل 380) نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ يُدْئِبُ نَفْسَهُ فِي قَرَاءَتِهِ، مَخَافَةَ أَنْ يَنْسَاهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لسَانك لتعجل بِهِ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 {إِنَّا علينا جمعه وقرآنه} أَيْ: نَحْنُ نَحْفَظُهُ عَلَيْكَ فَلا تنساه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 {فَإِذا قرأناه} نَحن {فَاتبع} أَنْت {قرآنه} يَعْنِي: فَرَائِضَهُ وَحُدُودَهُ وَالْعَمَلَ بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 {ثمَّ إِن علينا بَيَانه} تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: نَحْنُ نبيَّنه لَكَ. تَفْسِير سُورَة الْقِيَامَة من آيَة (20 - 33) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَة} أَيْ: لَا تُؤْمِنُونَ أَنَّهَا جَائِيَةٌ، يَقُوله للْمُشْرِكين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 {وجوهٌ يومئٍذ ناضرة} ناعمة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 {إِلَى رَبهَا ناظرة} تنظر إِلَى الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 {ووجوهٌ يومئٍذ باسرة} عابسة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 {تظن} تَعْلَمُ {أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} أَيْ: داهيةٌ وشَرٌّ. قَالَ محمدٌ: (فاقرة) يُقَالُ: إِنَّهَا مِنْ فقَار الظَّهْر كَأَنَّهَا تكسِره، تَقُولُ: فَقَرْتُ الرَّجُلَ؛ إِذا كَسَرْتَ فَقَارَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 {كلا إِذا بلغت التراقي} يَعْنِي: النَّفْسَ سُلَّتْ مِنَ الرِّجلين حَتَّى إِذا بلغت التَّرْقُوَتَيْن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 {وَقيل من راق} أَيْ: مَنْ يَرْقِيهِ؟ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 {وَظن} علم {أَنه الْفِرَاق} فِرَاق الدُّنْيَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 {والتفت السَّاق بالساق} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ، اجْتَمَعَ أَمْرُ الدُّنْيَا وَأَمَرُ الْآخِرَةِ. قَالَ محمدٌ: يَعْنِي: كَرْبَ الدُّنْيَا وكرب الْآخِرَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 {إِلَى رَبك يَوْمئِذٍ} يَعْنِي: يَوْم الْقِيَامَة {المساق} يساقون إِلَى الْحساب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 {فَلَا صدق وَلَا صلى} أَيْ: لَمْ يصدَّق وَلَمْ يصلَّ. قَالَ يَحْيَى: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ. قَالَ محمدٌ: مِنْ كَلامِ الْعَرَبِ: لَا فَعَلَ، يُرِيدُ لَمْ يَفْعَلْ. قَالَ الشَّاعِرُ: (وَأَيُّ فعلٍ سيئ لَا فعَلَه ... ْ) أَرَادَ: لم يَفْعَله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} يَتَبَخْتَرُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {يَتَمَطَّى} أَصْلُهُ: يتمطَّطُ؛ فَقُلِبَتِ الطَّاءُ يَاءً، كَمَا قَالُوا: يتظنَّى وَأَصْلُهُ: يتظنَّنُ. تَفْسِير سُورَة الْقِيَامَة من آيَة (34 - 40) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 {أولى لَك فَأولى} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 الْجَبَلَيْنِ أحدٌ أعزُّ مِنِّي، فَاجْهَدْ أَنْتَ وَرَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ جَهْدَكُمَا؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثمَّ أولى لَك فَأولى} وعيدٌ بَعْدَ وَعِيدٍ، فَقَتَلَهُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ وصيَّره إِلَى جَهَنَّمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 {أيحسب الْإِنْسَان} يَعْنِي: الْمُشْرِكَ {أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} أَيْ: هَمَلاً، فَلا يُبْعَثُ وَلا يُحَاسب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ تمنى} يَمِينهَا الرجل؛ يَعْنِي: النُّطْفَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 {ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى} أَي: خلقه الله فسوَّاه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} الذّكر زوج وَالْأُنْثَى زوج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يحيي الْمَوْتَى} يَقُولُهُ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ. يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي الْيَسَعِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا خَتَمَ أَحَدُكُمْ آخِرَ ((لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ)) فليقلْ: بَلَى)). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 تَفْسِيرُ سُورَةِ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الْإِنْسَان من آيَة (1 - 3) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 تَفْسِير سُورَة الْإِنْسَان من آيَة (3 - 4) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 قَوْله: {هَل أَتَى} يَعْنِي: قَدْ أَتَى {عَلَى الإِنْسَانِ} يَعْنِي: آدَمَ {حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لم يكن شَيْئا مَذْكُورا} فِي الْخَلْقِ وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ مَذْكُورٌ أَنَّهُ خَالِقُهُ خَلَقَ اللَّهُ أُصُولَ الْخَلْقِ فِي الْأَيَّامِ السِّتة، وَخَلَقَ آدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ. يَحْيَى: عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ قَالَ: ((قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يكن شَيْئا مَذْكُورا} فَرَفَعَ صَوْتَهُ، وَقَالَ: يَا لَيْتَهَا تَمَّتْ)) يَحْيَى: عَنْ أَشْعَثِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ: ((أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَخَذَ تِبْنَةً مِنَ الْأَرْضِ، فَقَالَ: يَا لَيْتَنِي هَذِهِ التِّبْنَةُ، يَا لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي، يَا لَيْتَنِي كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا، يَا لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ شَيْئا يذكر)). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ} يَعْنِي: نسل آدم {أمشاج} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَعْنِي: مَشَجَ مَاءُ الرَّجُلِ بِمَاءِ الْمَرْأَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 قَالَ محمدٌ: يُرِيدَ اخْتِلاطَ مَاءِ الرَّجُلِ بِمَاءِ الْمَرْأَةِ، يُقَالُ مَشَجْتُهُ فَهُوَ مشيج. {نبتليه} نختبره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 {إِنَّا هديناه السَّبِيل} أَيْ: بصَّرناه سَبِيلَ الْهُدَى وَسَبِيلَ الضَّلَالَة {إِمَّا شاكرا} مُؤمنا {وَإِمَّا كفورا}. قَالَ محمدٌ: (إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كفورًا) هُمَا نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، الْمَعْنَى: شَاكِرًا أَوْ كَفُورًا، كَأَنَّهُ قَالَ: هديناه فِي هَذِه الْحَال. تَفْسِير سُورَة الْإِنْسَان من آيَة (5 - 18) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ} يَعْنِي: الْخَمْرَ {كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: كَافُورًا عينٌ فِي الْجنَّة، اسْمهَا: كافورا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يفجرونها تفجيرا} أَيْ: تَجْرِي لَهُمْ بِعَيْنٍ كَمَا أَحبُّوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَره مُسْتَطِيرا} (ل 381) أَيْ: قَاسِيًا وَشَرُّهُ عَلَى الكُفَار. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: اسْتَطَارَ الْحَرِيقُ إِذا انْتَشَر، واستطار الْفجْر إِذا انْتَشَر الضَّوْء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 {ويطعمون الطَّعَام على حبه} أَيْ: عَلَى حَاجَاتِهِمْ إِلَيْهِ {مِسْكِينًا ويتيما وأسيرا} يَعْنِي: الْأَسِيرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ((كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يَدْفَعُ الْأَسِيرَ إِلَى الرَّجُلِ، فَيَقُولُ: احْبِسْ هَذَا عِنْدَكَ. فَيَكُونُ عِنْدَهُ اللَّيْلَةَ وَاللَّيْلَتَيْنِ، فَكَانُوا يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أُولَئِكَ الْأَسْرَى فَأَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِم بذلك)). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: قَالُوا: هَذَا فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَنْطِقُوا بِهِ، فَعَلِمَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَأَثْنَى بِهِ عَلَيْهِم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 {يَوْمًا عبوسا قمطريرا} قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي: تَعْبَسُ فِيهِ الْوُجُوهُ، وَالْقَمْطَرِيرُ: الشَّدِيدُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ لِلْمُعْبَسِ الْوَجْهَ: قمطريرٌ وقُمَاطِرٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 {ولقاهم نَضرة} فِي وُجُوههم {وسرورا} فِي قُلُوبهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 {متكئين فِيهَا على الأرائك} عَلَى السُّرُرِ فِي الْحِجَالِ {لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا} الزَّمْهَرِيرُ: الْبَرْدُ الشَّدِيدُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شمسٌ وَلا ليلٌ مُظْلِمٌ وَلا حرٌّ وَلا بردٌ يؤذيهم)). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 {ودانية عَلَيْهِم ظلالها} يَعْنِي: ظِلالَ الشَّجَرِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 قَالَ مُحَمَّد: (الأرائك) وَاحِدُهَا: أَرِيكَةٌ، وَهِيَ الحجالُ فِيهَا الْفرش والأسرّة وَنصب (متكئين) عَلَى الْحَالِ؛ الْمَعْنَى: وَجَزَاهُمْ جَنَّةً فِي حَالِ اتِّكَائِهِمْ فِيهَا وَكَذَلِكَ {ودانية عَلَيْهِم ظلالها}. قَوْله: {وذللت قطوفها تذليلا} أَيْ: ذُلِّلَتْ لَهُمْ ثِمَارُهَا يَتَنَاوَلُونَ فِيهَا كَيْفَ شَاءُوا. قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنْ قَامَ ارْتَفَعَتْ بِقَدْرِهِ وَإِنْ قَعَدَ تَدَلَّتْ إِلَيْهِ حَتَّى يَنَالَهَا، وَإِنِ اضْطَجَعَ تَدَلَّتْ إِلَيْهِ؛ حَتَّى يَنَالَهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاحِدُ (الْقُطُوفِ): قِطْفٌ، وَمعنى: ذللت أُدْنيَتْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 {وأكوابٌ كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَا مِنْ فضَّة} الْأَكْوَابُ: الْأَكْوَازُ وَاحِدُهَا: كُوبٌ؛ وَهُوَ المُدَوّرُ الْقَصِيرُ الْعُنُقِ الْقَصِيرُ الْعُرْوَةِ، وَمَعْنَى كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَا مِنْ فضَّة؛ أَيْ: يَجْتَمِعُ فِيهَا صَفَاءُ الْقَوَارِيرِ فِي بَيَاضِ الْفِضَّةِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ مِنْ تُرَابِ أَرْضِهِمْ قَوَارِيرَ، وَإِنَّ تُرَابَ الْجَنَّةِ فِضَّةٌ، فَهِيَ قَوَارِيرُ مِنْ فِضَّةٍ يَشْرَبُونَ فِيهَا يُرَى الشَّرَابُ مِنْ وَرَاءِ جُدُرِ الْقَوَارِيرِ؛ وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي فِضَّةِ الدُّنْيَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَرَأَهُ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ (قَوَارِيرًا قَوَارِيرًا) بِإِثْبَاتِ الْأَلْفِ وَالتَّنْوِينِ؛ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: وَكَانَ حَمْزَةُ يُسْقِطُ الْأَلَفَ مُنْهُنَّ وَلا يُصْرَفْنَ. وَذَكَرَ الزجَّاج: أَنَّ الِاخْتِيَارَ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ أَنْ تُقْرَأَ بِغَيْرِ صَرْفٍ قَالَ: وَمَنْ قَرَأَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 قَوَارِيرًا بِصَرْفُ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ، وَمَنْ صَرَفَ الثَّانِيَ أَتْبَعَ اللَّفْظَ اللَّفْظَ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ رُبَّمَا قَلَبَتْ إِعْرَابَ الشَّيْءِ؛ لِتُتْبِعَ اللَّفْظَةَ اللَّفْظَةَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنَّا أَعْتَدْنَا للْكَافِرِينَ سلاسلاً وأغلالاً وسعيرًا} الْأَجْوَدُ فِي الْعَرَبِيَّةِ: أَلَّا يُصْرَفُ وَلَكِنْ لَمَّا جُعْلِتْ رَأْسَ آيَةٍ صُرِفَتْ لِيَكُونَ آخِرُ الْآيِ عَلَى لفظ وَاحِد. {قدروها تَقْديرا} أَيْ: فِي أَنْفُسِهِمْ فَأَتَتْهُمْ عَلَى نَحْوِ مَا قَدَّرُوا وَاشْتَهَوْا مِنْ صِغَارٍ وَكِبَارٍ وأوساطٍ، هَذَا تَفْسِيرُ قَتَادَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 {ويسقون فِيهَا كأسا} وَهِيَ الْخَمْرُ {كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا} أَيْ: طَعْمُ ذَلِكَ الْمِزَاجِ طَعْمُ الزّنجبيل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 {عينا فِيهَا تسمى سلسبيلا} السَّلْسَبِيلُ: اسْمُ الْعَيْنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: (يُسْقَوْنَ عَيْنًا سَلْسَبِيلًا)، وَكَانَتِ الْعَرَب تستطيب الزنجيل، وَتَضْرِبُ بِهِ الْمَثَلُ وَبِالْخَمْرِ مُمْتَزِجِينَ، فَخَاطَبَهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَعْرِفُونَ وَيَسْتَحِبُّونَ فِي الدُّنْيَا، يَقُولُ: لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ مَا تَسْتَحِبُّونَ فِي الدُّنْيَا إِنْ آمَنْتُمْ، وَالسَّلْسَبِيلُ فِي اللُّغَةِ صِفَةٌ لِمَكَانٍ غَايَةٍ فِي السَّلامَةِ وَصُرِفَ؛ لِأَنَّهُ رَأْسُ آيَة. تَفْسِير سُورَة الْإِنْسَان من آيَة (19 - 22) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 تَفْسِير سُورَة الْإِنْسَان من آيَة (23 - 24) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 قَوْلُهُ: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} لَا يَمُوتُونَ أَبَدًا {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حسبتهم} أَي: شبهتهم {لؤلؤا منثورا} فِي صَفَاءِ أَلْوَانِهِمْ وَالْمَنْثُورُ: أَحْسَنُ مَا يكون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 {وَإِذا رَأَيْت} أَي: عَايَنت {ثمَّ} يَعْنِي: فِي الْجَنَّةِ {رَأَيْتَ نَعِيمًا وملكا كَبِيرا} الملكُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ إِلَى الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِالتُّحْفَةِ والهدية الله فَلَا يدْخل (. . (ل 382).) حَتَّى يَسْتَأْذِنَ فَيَقُولُ الْبَوَّابُ: سَأَذْكُرُهُ لِلْبَوَّابِ الَّذِي يَلِينِي، فَيَذْكُرُهُ لِلَّذِي يَلِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْبَوَّابَ الَّذِي يَلِي وَلِيَّ اللَّهِ، فَيَقُولُ لَهُ: ملكٌ بِالْبَابِ يَسْتَأْذِنُ. فَيَقُولُ: ائْذَنُوا لَهُ. فَيُؤْذَنُ لَهُ فَيَدْخُلُ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلامُ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّهُ عَنْهُ راضٍ وَمَعَهُ التُّحْفَةُ فتوضع بَين يَدَيْهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 {عاليهم ثِيَاب سندس خضر} وَبَعْضُهُمْ يَقْرَؤُهَا {عَالَيْهِمْ} الْإِسْتَبْرَقُ، وَالدِّيبَاجُ: الصَّفِيقُ الْكَثِيفُ، وَالسُّنْدُسُ: الْخَفِيفُ. {وَحُلُّوا أساور من فضَّة} لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أحدٌ إِلَّا وَفِي يَدِهِ ثَلَاثَةُ أَسْوِرَةٍ: سِوَارٌ مِنْ فِضَّةٍ، وسوارٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَسِوَارٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ {وَسَقَاهُمْ رَبهم شرابًا طهُورا}. يَحْيَى: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ [عَاصِمِ] بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: ((إِذَا تَوَجَّهَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ مَرُّوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 بِشَجَرَةٍ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ، فَيَشْرَبُونَ مِنْ إِحْدَاهِمَا، فَتَجْرِي عَلَيْهِمْ بِنَضْرَةِ النَّعِيمِ، فَلا تُغَبَّرُ أَبْشَارُهُمْ وَلا تشعَّث أَشْعَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا، ثُمَّ يَشْرَبُونَ مِنَ الأُخْرَى فَيَخْرُجُ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنْ أَذًى، ثُمَّ تَسْتَقْبِلُهُمُ الْمَلائِكَةُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ، فَتَقُولُ لَهُمْ: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طبتم فادخلوها خَالِدين})). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 قَوْلُهُ: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سعيكم} عَمَلكُمْ فِي الدُّنْيَا {مشكورا} شَكَرَهُ اللَّهُ لَكُمْ؛ فَجَزَاكُمْ بِهِ الْجنَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 {فاصبر لحكم رَبك} لِمَا حَكَمَ عَلَيْكَ فِيهِ وَفَرَضَ {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما} وَهُوَ الْمُنَافِقُ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ أَظْهَرَ الإِسْلامَ وَقَلْبُهُ عَلَى الشِّرْكِ {أَو كفورا} وَهُوَ الْمُشرك الجاحد. تَفْسِير سُورَة الْإِنْسَان من آيَة (25 - 31) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 {وَاذْكُر اسْم رَبك بكرَة} صَلَاة الصُّبْح {وَأَصِيلا} صَلَاة الظّهْر وَالْعصر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 {وَمن اللَّيْل فاسجد لَهُ} صَلاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ {وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَويلا} هَذَا تطوُّع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 {إِن هَؤُلَاءِ} يَعْنِي: الْمُشْركين {يحبونَ العاجلة} الدُّنْيَا {ويذرون وَرَاءَهُمْ} أمامهم {يَوْمًا ثقيلا} عَسِيرًا عَلَيْهِمْ؛ يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 (نَحن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 خلقناهم وشددنا أسرهم} يَعْنِي: خَلْقَهُمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنَ (الْإِسَارِ)، وَهُوَ الْقَدُّ، يُقَالُ: مَا أَحْسَنَ مَا أَسَرَّ قَتَبه، أَيْ: مَا أَحْسَنَ مَا شَدَّه! {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ} أَيْ: أَهْلَكْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ، وَبَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ: خيرا مِنْهُم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 {إِن هَذِه تذكرة} إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ تَذْكِرَةٌ {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا} بِطَاعَتِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 {إِن الله كَانَ عليمًا} {بخلقه} (حكيمًا} فِي أمره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ} فِي دينه الْإِسْلَام {والظالمين} {الْمُشْرِكِينَ} (أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} مُوجِعًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: نَصْبُ (الظَّالِمِينَ) عَلَى مَعْنَى: يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ، وَيُعَذُّبُ الظَّالِمِينَ، وَيَكُونُ (أعدّ لَهُم) تَفْسِيرًا لِهَذَا الْمُضْمَرِ (نَصْبُ الظَّالِمِينَ عَلَى مَعْنَى يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَيُعَذِّبُ الظَّالِمِينَ). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 تَفْسِير سُورَة والمرسلات وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة المرسلات من آيَة (1 - 19) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 قَوْله: {و المرسلات عرفا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَنَّهَا الرِّيَاحُ، وَقَالَ: عُرْفُهَا: جَرْيها. قَالَ مُحَمَّدٌ يُقَالُ: هُمْ إِلَيْهِ عُرْفٌ وَاحِدٌ إِذَا تتابعوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 {فالعاصفات عصفا} الرِّيَاح إِذا إشتدت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 {والناشرات نشرا} الرِّيَاح أَيْضا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 {فالفارقات فرقا} يَعْنِي: الْمَلائِكَةَ تَنْزِلُ بِالْوَحْيِ فَتَفْرِقُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالإِيمَانِ، وَبَيْنَ الْحَلالِ وَالْحرَام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 {فالملقيات ذكرا} الْمَلائِكَةُ تُلْقِي الْوَحْيَ، أَيْ: تَنْزِلُ بِهِ على الْأَنْبِيَاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 {عذرا أَو نذرا} أَيْ: يَعْذِرُ اللَّهُ بِهِ إِلَى عِبَادِهِ وَيُنْذِرُهُمْ. قَالَ السُّدي: الْمَعْنَى: عُذْرًا وَنُذْرًا، وَالْأَلِفُ صِلَةٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 قَالَ مُحَمَّدٌ: نَصْبُ عُذْرًا أَوْ نُذْرًا عَلَى مَعْنَى الْإِعْذَارِ وَالْإِنْذَارِ. وَقَرَأَهُ نَافِعٌ (عُذْرًا) بِالتَّخْفِيفِ (ونُذْرًا) بِالتَّثْقِيلِ وَهَذَا قَسَمٌ أَقْسَمَ بِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 {إِنَّمَا توعدون} مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، يقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ {لَوَاقِعٌ}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 {فَإِذا النُّجُوم طمست} أَيْ: يَنْزِلُ عَذَابُ اللَّهِ يَوْمَ تُطْمَسُ فِيهِ النُّجُومُ، فَيَذْهَبُ ضَوْؤُهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 {وَإِذا السَّمَاء فرجت} إنشقت {وَإِذا الْجبَال نسفت} ذَهَبَتْ مِنْ أُصُولِهَا وسوِّيت بِالْأَرْضِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 {وَإِذا الرُّسُل أقتت} أجلت فِي تَفْسِير الْحسن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 {لأي يَوْم أجلت} يعظم ذَلِك الْيَوْم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 {ليَوْم الْفَصْل} الْقَضَاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَيْ: أَنَّكَ لَمْ تَكُنْ تَدْرِي مَا يَوْمُ الْفَصْلِ حَتَّى أعلمتك (ل 383) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 {ألم نهلك الْأَوَّلين} عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: بَلَى قَدْ أَهْلَكْنَاهُمْ؛ يَعْنِي: الْأُمَمَ السَّالِفَةَ حِينَ كذبُوا رسلهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 {ثمَّ نتبعهم الآخرين} يَعْنِي: كفار آخر هَذِه الْأمة الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِمُ السَّاعَةُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ) بِالرَّفْعِ فَعَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَمَنْ قَرَأَ (نُتْبِعْهُمْ) بِالْجَزْمِ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى (نهلك). تَفْسِير سُورَة المرسلات من آيَة (20 - 28) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} ضَعِيف؛ يَعْنِي: النُّطْفَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 {فجعلناه فِي قَرَار مكين} الرَّحِم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 {إِلَى قدر مَعْلُوم} الْيَوْمَ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ الْمَخْلُوقُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 {فقدرنا} مَنْ قَرَأَهَا بِالتَّثْقِيلِ فَهِيَ مِنْ بَابِ التَّقْدِيرِ، وَمَنْ قَرَأَهَا مُخَفَّفَةً فَمِنْ بَابِ الْقُدْرَةِ {فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 {ألم نجْعَل الأَرْض كفاتا} تَكْفِتُهُمْ، أَيْ: تَضُمُّهُمْ، والكفتُ: الضمُّ وَالْجمع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 {أَحيَاء وأمواتا} أَيْ: يَكُونُونَ عَلَى ظَهْرِهَا أَحْيَاءً، وَيَكُونُونَ فِي بَطْنِهَا أَمْوَاتًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: تَقُولُ: كَفَتُّ الشَّيْءَ أَكْفِتُه وَتَقُولُ: أَكْفِتْ إِلَيْكَ كَذَا، أَيْ: ضُمَّه، وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْمَقْبُرَةَ كَفْتَةً؛ لِأَنَّهَا تضمُّ الْمَوْتَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 {وَجَعَلنَا فِيهَا رواسي شامخات} يَعْنِي: الْجِبَالَ الْمُرْتَفِعَةَ {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فراتا} عذبًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 {انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تكذبون} يُقَالُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ فِي الدُّنْيَا من الْعَذَاب. تَفْسِير سُورَة المرسلات من آيَة (29 - 40) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شعب} يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ لِسَانَانِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا النَّارَ فَيُحِيطُ بِالْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ يَسْطَعُ مِنَ النَّارِ دخانٌ أَسْوَدٌ، ثُمَّ يَصِيرُ ثَلاثَ فِرَقٍ؛ فَيَلْجَئُونَ إِلَيْهِ يَرْجُونَ أَنْ يُظِلَّهُمْ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ النَّارِ، فَلا يُظِلُّهُمْ وَيَجِدُونَ مِنْهُ مِنَ الْحَرِّ مِثْلَ مَا وَجَدُوا قَبْلَ أَنْ يلجئوا إِلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 {لَا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهب} أَيْ: لَا بَارِدٍ فِي الظِّلِ وَلَا كريم فِي الْمنزل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 {إِنَّهَا ترمي} يَعْنِي: النَّار {بشرر كالقصر} يَعْنِي: قصْرًا مِنَ الْقُصُورِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا بِجَزْمِ الصَّادِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 {كَأَنَّهُ جِمَالاتٌ صُفْرٌ} يَعْنِي: النُّوقَ السُّودَ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا بِكَسْرِ الْجِيمِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ لِلْإِبِلِ الَّتِي هِيَ سودٌ تَضْرِبُ إِلَى الصُّفرة: إِبِلٌ صُفْرٌ وجمالاتٌ بِكَسْر الْجِيم جمع جمال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 {هَذَا يَوْم لَا ينطقون} بحُجّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 {وَلَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون} وَقَدْ يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي الْكَلامِ فِي بعض المواطن، ولايؤذن لَهُمْ فِي بَعْضٍ؛ فَإِذَا أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلامِ لَمْ يَعْتَذِرُوا بِعُذْرٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقْرَأُ (يومُ) بِالرَّفْعِ والنَّصْبِ؛ فَمَنْ نَصَبَ جَعَلَهُ ظَرْفًا بِمَعْنَى: هَذَا الْوَعِيدُ يَوْمًا، وَمَنْ رَفَعَ جَعَلَ هَذَا لِلْيَوْمِ؛ كَمَا تَقول هَذَا يَوْمك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 {فَإِن كَانَ لكم كيد} تَنْجُوْنَ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ {فكيدون} أَيْ: أَنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِك. تَفْسِير سُورَة المرسلات من آيَة (41 - 50) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 {كلوا وتمتعوا} الْآيَةُ يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ وَعِيدًا لَهُمْ، وَانْقَطَعَتِ القَّصة الْأُولَى مِنْ أَمْرِ أهل النَّار. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 {وَإِذا قيل لَهُم ارْكَعُوا} أَيْ: صلُّوا {لَا يَرْكَعُونَ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بعده} يَعْنِي: الْقُرْآن {يُؤمنُونَ}. يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي الْيَسَعِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((إِذَا خَتَمَ أَحَدُكُمْ وَالْمُرْسَلاتِ فَلَيَقُلْ: آمَنَتُ بِاللَّهِ وَبِمَا أَنْزَلَ)) مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 تَفْسِيرُ سُورَةِ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَهِيَ مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة النبأ من آيَة (1 - 16) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 قَوْله: {عَم يتساءلون} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ؛ أَيْ: مَا الَّذِي يتساءلون عَنهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 ثُمَّ قَالَ: {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هم فِيهِ مُخْتَلفُونَ} يَعْنِي: الْبَعْثَ، اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُؤْمِنُونَ؛ فَآمَنَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ، وَكَفَرَ بِهِ الْمُشْركُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} وَعِيد بعد وَعِيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 {ألم نجْعَل الأَرْض مهادا} بساطًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 {وَالْجِبَال أوتادا} للْأَرْض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 {وخلقناكم أَزْوَاجًا} ذكرا وَأُنْثَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 {وَجَعَلنَا نومكم سباتا} يَعْنِي: نُعَاسًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: أصلُ السَّبتِ: انْقِطَاعُ الْحَرَكَةِ؛ يُقَالُ: رجلٌ سبُوتٌ وَقد سُبت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 {وَجَعَلنَا اللَّيْل لباسا} سِتْرًا يُغَطِّي الْخَلْقَ فَيَسْكُنُونَ فِيهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 (وَجَعَلنَا النَّهَار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 معاشًا} يجلبون فِيهِ مَعَايشهمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 {وبنينا فَوْقكُم سبعا شدادًا} {السَّمَاوَات الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 2 - ! (وَجَعَلنَا سِرَاجًا وهاجًا) {ل 384} فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ؛ يَعْنِي: الشَّمْسَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 {وأنزلنا من المعصرات} الرِّيَاحِ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ، وَبَعْضُهُمْ يَقُول: السَّحَاب {مَاء ثجاجًا} منصَبٌّ ابعضه على بعض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 {لنخرج بِهِ حبًّا} البُرَّ وَالشعِير. {ونباتًا} من كل شَيْء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 {وجنات ألفافًا}. قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي: بَسَاتِينَ مُلْتَفَّةٌ، وَمِنْ كَلامِهِمْ: امرأةٌ لَفَّاءُ إِذَا كَانَت عَظِيمَة الفخذين. تَفْسِير سُورَة النبأ من آيَة (17 - 30) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 {إِن يَوْم الْفَصْل} الْقَضَاء {كَانَ ميقاتًا} يوافونه كلهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 {يَوْم ينْفخ فِي الصُّور}. قَالَ مُحَمَّد: (يَوْم ينْفخ) بدلٌ من (يَوْم الْفَصْل). {فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} أمة أمة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 {وسيرت الْجبَال فَكَانَت سَرَابًا} مِثْلُ هَذَا السَّرَابِ تَرَاهُ، لَيْسَ بِشَيْء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 {إِن جَهَنَّم كَانَت مرصادًا} أَيْ: تَرْصُدُ مَنْ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ، وَالصِّرَاطُ عَلَيْهَا، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا هَوَى فِيهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 مِنْ أَهْلِهَا حَادَ عَنْهَا إِلَى الْجنَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 {للطاغين} الْمُشْركين {مآبا} مرجعًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 {لابثين فِيهَا أحقابا} أَيْ: تَأْتِي عَلَيْهِمُ الأحقابُ لَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا والحُقْبُ: ثَمَانُونَ عَامًا، والسَّنة: ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ يَوْمًا، كُلُّ يَوْمٍ أَلْفُ يَوْم من أَيَّام الدُّنْيَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 {لَا يذوقون فِيهَا بردا} هِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {لَا بَارِدٍ وَلَا كريم} وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْبَرْدُ النَّوْمُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَبْرُدُ فِيهِ عَطَشُ الْإِنْسَانِ. {وَلا شَرَابًا} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 {إِلَّا حميما وغساقا} الْحَمِيمُ: الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ مِنْ حَرِّهِ، والغسَّاق: القيحُ الْغَلِيظُ المنتنُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: الْغَسَّاقُ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ مِنْ شِدَّةِ بَرْدِهِ، وَهُو الزَّمْهَرِير. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 {جَزَاء وفَاقا} أَيْ: وَافَقَ أَعْمَالَهُمُ الْخَبِيثَةَ. قَالَ مُحَمَّد: (وفَاقا) من: وَافقه مُوَافقَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 {إِنَّهُم كَانُوا لَا يرجون} لَا يخَافُونَ {حسابا} لَا يقرونَ بِالْبَعْثِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 {وكذبوا بِآيَاتِنَا كذابا} تَكْذِيبًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 {وكل شَيْء أحصييناه كتابا} أحصتِ الْمَلائِكَةُ عَلَى الْعِبَادِ أَعْمَالَهُمْ، وَهِيَ عِنْدَ اللَّهِ مُحْصَاةٌ فِي أُمِّ الْكِتَابِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (كُلَّ) مَنْصُوبٌ بِمَعْنَى: وَأَحْصَيْنَا كُلَّ شَيْءٍ أحصيناه، و (كتابا) تَوْكِيدًا لِأَحْصَيْنَاهُ، الْمَعْنَى: كَتَبْنَاهُ كِتَابًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 قَوْلُهُ: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عذَابا} قَالَ عبد الله بْن عَمرو: ((مَا نَزَلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 عَلَى أَهْلِ النَّارِ آيَةٌ هِيَ أشدُّ مِنْهَا، فَهُمْ فِي زِيَادَةٍ من الْعَذَاب أبدا)) تَفْسِير سُورَة النبأ من آيَة (31 - 40) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 {إِن لِلْمُتقين مفازا} نجاة مِمَّا أعدّ للْكَافِرِينَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 {حدائق} جنَّات {وأعنابا} أَي: فِيهَا أعنابٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 {وكواعب أَتْرَابًا} عَلَى سنٍّ وَاحِدَة بَنَات ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 {وكأسا دهاقا} أَي: ممتلئة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا} اللَّغْو: الْبَاطِل {وَلَا كذابا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ يَقُولُ: لَا يَكْذِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (كذَّابًا) مثقَّلة، فَمِنْ قَوْلِهِمْ: كَذَّابٌ كَذَّبَ بِمَعْنى وَاحِد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 {جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: يَعْنِي: عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ الْمَنَازِلَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، ثُمَّ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 قَالَ مُحَمَّد: (جزاءٌ) مَنْصُوب بِمَعْنى: جزاهم جزاءًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 {رب السَّمَوَات وَالْأَرْض} {ربُّ} بِالرَّفْعِ كَلامٌ مُسْتَقْبَلٌ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ {وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لَا يَسْتَطِيعُونَ مُخَاطَبَتَهُ، كَقَوْلِهِ: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نفسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ} قَوْله: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 {يَوْم يقوم الرّوح} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَقُومُ رُوحُ كُلِّ شَيْءٍ فِي جَسَدِهِ {وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ} لَا يَشْفَعُونَ {إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن وَقَالَ صَوَابا} فِي الدُّنْيَا لَا إِلَهَ إِلَّا الله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 {فَمَنْ شَاءَ اتخذ إِلَى ربه مآبا} مَرْجِعًا بِعَمَلٍ صَالِحٍ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَن يَشَاء الله}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 قَوْلُهُ: {إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا}. يَحْيَى: عَنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ كَهَاتَيْنِ، فَمَا فَضَّلَ إِحْدَاهُمْا عَلَى الأُخْرَى. وَجَمَعَ بَيْنَ أَصْبَعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّذِي يَقُولُ النَّاسُ السَّبَّابَةُ)). {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قدمت يَدَاهُ} الْآيَةُ يَحْيَى: عَنِ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أول مَنْ يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْحِسَابِ الْبَهَائِمُ، فتُجْعَل الْقَرْنَاءُ جَمَّاءَ، وَالْجَمَّاءُ قَرْنَاءَ، فَيَقْتَصُّ لِبَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ؛ حَتَّى تَقْتَصَّ الْجَمَّاءُ مِنَ الْقَرْنَاءِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهَا: كُونِي تُرَابًا. فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ: {يَا لَيْتَني كنت تُرَابا})) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 تَفْسِيرُ سُورَةِ النَّازِعَاتِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَفْسِير سُورَة النازعات من آيَة (1 - 14) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 قَوْله: {والنازعات غرقا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: هِيَ النُّجُومُ تُنْزَعُ مِنَ الْمَشْرِقِ، وَتَغْرِقُ فِي الْمَغْرِبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 {والناشطات نشطا} (ل 385) قَالَ الْحَسَنُ: هِيَ النُّجُومُ تَنْشَطُ من مشارقها إِلَى مغاربها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 {والسابحات سبحا} النُّجُومُ لِقَوْلِهِ: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يسبحون} يدورون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 {فالسابقات سبقا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: هِيَ الْمَلائِكَةُ سَبَقُوا إِلَى طَاعَة الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 {فالمدبرات أمرا} الْمَلائِكَةُ يُدَبِّرُ اللَّهُ بِهِمْ مَا أَرَادَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قِيلَ: إِنَّ جَوَاب (والنازعات) محذوفٌ، الْمَعْنَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -: كَأَنَّهُ أَقْسَمَ فَقَالَ: وَهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لتُبْعَثُنّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 {يَوْم ترجف الراجفة} النفخة الأولى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 {تتبعها الرادفة} النفخة الْأُخْرَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 {قُلُوب يَوْمئِذٍ واجفة} مضطربة شَدِيدَة الِاضْطِرَاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 {أبصارها} أبصار تِلْكَ الْقُلُوب {خاشعة} ذليلة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 {يَقُولُونَ} يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ فِي الدُّنْيَا: (أَئِنَّا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 لمردودون فِي الحافرة} أَي: فِي أول خلقنَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 {إِذا كُنَّا عظامًا نخرة} بَالِيَةً يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: رَجَعَ فُلانٌ فِي حَافِرَتِهِ إِذَا رَجَعَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جَاءَ فِيهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 {تِلْكَ إِذا كرة خاسرة} كَاذِبَةٌ؛ أَيْ: لَيْسَتْ بِكَائِنَةٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ: الْمَعْنَى: تِلْكَ إِذًا رجعةٌ يخسر فِيهَا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 قَالَ اللَّهُ {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَة} أَي: نفخة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 {فَإِذا هم بالساهرة} أَيْ: بِالْأَرْضِ قَدْ خَرَجُوا مِنْ بَطْنِهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: السَّاهِرَةُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: وَجْهُ الْأَرْضِ، وَهُوَ معنى قَول يحيى. تَفْسِير سُورَة النازعات من آيَة (15 - 26) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 {هَل أَتَاك حَدِيث مُوسَى} أَي: قد أَتَاك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 {إِذْ ناداه ربه بالوادي الْمُقَدّس} يَعْنِي: الْمُبَارك {طوى} قَالَ: الْحَسَنُ: الْمَعْنَى: طُوِيَ بِالْبَرَكَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: لَمْ يُبَيِّنْ يَحْيَى كَيفَ الْقِرَاءَة فِي (طُوى)، وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَقْرَؤُهَا (طِوًى) مُنَوَّنَةٌ بِكَسْرِ الطَّاءِ، عَلَى مَعْنَى: قُدِّسَ مَرَّتَيْنِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 وَقَرَأَهَا نَافِعٌ (طُوَى) بِالضَّمِ غَيْرِ مَصْرُوفَةٍ، وَذَكَرَ الزَّجَّاجُ أَنَّ مَنْ قَرَأَهَا (طُوَى) بِحَرْفِ نَافِعٍ فَهُوَ اسْم الْوَادي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تزكّى} إِلَى أَن تؤمن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 {وأهديك إِلَى رَبك} أَيْ: وَأُبَيِّنُ لَكَ دِينَ رَبِّكَ {فتخشى} الله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 قَالَ: {فَأرَاهُ الْآيَة الْكُبْرَى} يَعْنِي: الْيَدَ وَهِيَ أَكْبَرُ الْآيَاتِ التسع الَّتِي أَتَاهُ بهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 {فَأَخذه الله نكال} أَي: عُقُوبَة {الْآخِرَة وَالْأولَى} قَالَ مُجَاهِدٌ: الْآخِرَةُ قَوْلُهُ: {أَنَا ربكُم الْأَعْلَى} وَالْأُولَى قَوْلُهُ: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ من إِلَه غَيْرِي} فَعَذَّبَهُ بِهِ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا بِالْغَرَقِ، وَيُعَذِّبُهُ فِي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يخْشَى} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لِمَنْ يَخْشَى أَنْ يُفْعَلَ بِهِ مَا فُعِلَ بِفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ فَيُؤْمِنُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (نَكَالَ) مَنْصُوبٌ مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى (أَخَذَهُ اللَّهُ): نكَّل اللَّهُ بِهِ نكال الْآخِرَة وَالْأولَى. تَفْسِير سُورَة النازعات من آيَة (27 - 35) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 تَفْسِير سُورَة الناعات من آيَة (35 - 46) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بناها} بِغَيْر عمد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 {رفع سمكها فسواها} بَيْنكُم (وَبَينهَا) مسيرَة خَمْسمِائَة عَام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 قَالَ: {وأغطش لَيْلهَا} أظلم لَيْلهَا {وَأخرج ضحاها} شمسها ونورها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 قَالَ: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} بَسَطَهَا بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاءِ. قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ {وَالْأَرْض} بِالنّصب {بعد ذَلِك دحاها} فَالْمَعْنَى: وَدَحَا الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا: {وَالْجِبَالَ أرساها} تَفْسِيرُ نَصْبِ الْجِبَالِ؛ كَتَفْسِيرِ نَصْبِ الْأَرْضِ. قَالَ يَحْيَى: وَكَانَ بَدْءُ خَلْقِ الْأَرْضِ فِيمَا بَلَغَنَا أَنَّهَا كَانَتْ طِينَةٌ فِي مَوْضِعِ بَيْتِ الْمُقَدّس، ثمَّ خلق السَّمَوَات، ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ فَقَالَ لَهَا: اذْهَبِي أَنْتِ كَذَا وَاذْهَبِي أَنْتِ كَذَا، وَمِنْ مَكَّةَ بُسِطَتِ الْأَرْضُ، ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا. جِبَالَهَا وَأَنْهَارَهَا وَأَشْجَارَهَا قَالَ: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا ومرعاها} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 {وَالْجِبَال أرساها} أَثْبَتَهَا جَعَلَهَا أَوْتَادًا لِلْأَرْضِ؛ لِئَلَّا تتحرَّكَ بِمن عَلَيْهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 {مَتَاعا لكم ولأنعامكم} تَسْتَمْتِعُونَ بِهِ إِلَى الْمَوْتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 قَالَ مُحَمَّد: (مَتَاعا) منصوبٌ عَلَى مَعْنَى: أخْرج مِنْهَا ماءها ومرعاها للإمتاع لكم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 {فَإِذا جَاءَت الطامة الْكُبْرَى} النفخة الْآخِرَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى} أَي: يُحَاسب النَّاس بأعمالهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 {فَأَما من طَغى} كفر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 {وآثر الْحَيَاة الدُّنْيَا} لم يُؤمن بِالآخِرَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} أَيْ: مَوْقِفَهُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ {وَنهى النَّفس عَن الْهوى} يَعْنِي: عَن هَواهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 {فَإِن الْجنَّة هِيَ المأوى} أَي: هِيَ منزلُه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} مَجِيئُها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 {فيمَ أَنْت من ذكرَاهَا} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: فِيمَ أَنْتَ مِنْ أَنْ تَسْأَلَ عَنْهَا وَلَمْ أُخْبِرْكَ بهَا مَتى تَجِيء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 {إِلَى رَبك مُنْتَهَاهَا} مُنْتَهى علم مجيئها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} إِنَّمَا يَقْبَلُ نَذَارتك مَنْ يَخْشَى السَّاعَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّة أَو ضحاها} أَيْ: أَوْ ضَحْوَةً تُضْحَى الدُّنْيَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 تَفْسِيرُ سُورَةِ عَبَسَ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَفْسِير سُورَة عبس من آيَة (1 - 22) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 قَوْلُه ُ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} أَيْ: لِأَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى؛ كَانَ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ رجلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ وُجُوهِهِمْ وَأَشْرَافِهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلامِ وَرَجَا أَنْ يُؤْمِنَ؛ فَيَتَّبِعَهُ ناسٌ مِنْ قَوْمِهِ فَهُوَ يُكَلِّمُهُ، وَقَدْ طَمِعَ فِي ذَلِكَ مِنْهُ؛ إِذْ جَاءَ ابنُ أمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَ أعمى؛ فَأَعْرض النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، فَجَعَلَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ لَا يتقارُّ لِمَا أَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيَّ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ حَدَثَ فِيهِ شَيْءٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 {وَمَا يدْريك لَعَلَّه يزكّى} يُؤمن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 {أَو يذكر فتنفعه الذكرى} قَالَ السُّدي: الْمَعْنَى: لَعَلَّهُ: يُزَّكَّى ويذّكّر وَالْألف صلَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 {أما من اسْتغنى} عَن الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 {فَأَنت لَهُ تصدى} تتعرّض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 {وَمَا عَلَيْك أَلا يزكّى} أَلا يُؤمن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 {وَأما من جَاءَك يسْعَى} يُسَارع فِي الْخَيْر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 {وَهُوَ يخْشَى} اللَّهَ؛ يَعْنِي: ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 {فَأَنت عَنهُ تلهى} تعرض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 {كلا إِنَّهَا تذكرة} أَي: هَذَا الْقُرْآن تذكرة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 {فَمن شَاءَ ذكره} وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: (وَمَا تذكرُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ). قَالَ محمدٌ: مَنْ قَرَأَ (فَتَنْفَعُهُ) بِالرَّفْعِ فَعَلَى الْعَطْفِ عَلَى (تزكّى) وَمن قَرَأَ (فتنفعه) بالنصْب فَعَلَى جَوَابِ (لَعَلَّ) وَقَوْلُهُ: {تلهي} يُقَالُ: لَهيتُ عَنِ الشَّيْءِ أَلْهَى عَنهُ إِذا تشاغلت عَنهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 {فِي صحف مكرمَة} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 {مَرْفُوعَة} عِنْدَ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ {مُطَهَّرَةٍ} من الدَّنَس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 {بأيدي سفرة} كَتَبة؛ يَعْنِي: الْمَلَائِكَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 {كرام بررة} لَا يَعْصُونَ اللَّهَ. قَالَ محمدٌ: وَاحِدُ السَّفَرة: سافِرٌ مِثْلُ كَاتِبٍ وكَتَبَة، وَيُقَالُ: إِنَّمَا قِيلَ لِلْكِتَابِ: سِفْرٌ وَلِلْكَاتِبِ: سافِرٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَنْ يُبَيِّن الشَّيْءَ وَيُوَضِّحَهُ، وَمِنْهُ سَفَرَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا كَشَفَتِ النِّقَاب عَنْ وَجْهِهَا، وَبَرَرَةٌ جَمْعُ بَارٍّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 قَوْله: {قتل الْإِنْسَان} أَيْ: لُعِنَ؛ وَهَذَا لِلْمُشْرِكِ {مَا أكفره} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: مَا أشدَّ كُفْرَهُ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً إِلَى أَنْ نفخ فِيهِ الرّوح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 {ثمَّ السَّبِيل يسره} تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: يَعْنِي: خُرُوجَهُ مِنْ بطن أمّه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 {ثمَّ أَمَاتَهُ فأقبره} جَعَلَ لَهُ مَنْ يَدْفِنُهُ فِي الْقَبْر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 {ثمَّ إِذا شَاءَ أنشره} أَحْيَاهُ؛ يَعْنِي: الْبَعْثَ؛ أَيْ: كَيْفَ يَكْفُرُ؟! كَقَوْلِهِ: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وكنتم أَمْوَاتًا} الْآيَةَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: أقبرتُ الرجلَ جَعَلْتُ لَهُ قَبْرًا، وقَبَرْتُه دَفَنْتُه، وَيُقَالُ: أَنْشَرَ اللهُ الْمَوْتَى فَنَشَرُوا , فواحدهم: ناشِرٌ. تَفْسِير سُورَة عبس من آيَة (23 - 42) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 قَالَ: {كلا لما يقْض} أَي: يصنع {مَا أمره} يَعْنِي: الْكَافِرُ لَمْ يَصْنَعْ مَا أمره الله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا آخَرَ فَقَالَ: {فَلْينْظر الْإِنْسَان إِلَى طَعَامه} من أَي شَيْء كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 {أَنا صببنا المَاء صبا} يَعْنِي: الْمَطَر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 {ثمَّ شققنا الأَرْض شقا} أَي: بالنبات إِلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 قَوْله: {وَحَدَائِق غلبا} قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي: شَجَرًا طُوالاً عراضًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 {وَفَاكِهَة وَأَبا} قَالَ الْحَسَنُ: الْفَاكِهَةُ: مَا تَأْكُلُونَ، والأبُّ: مَا تَأْكُل الْأَنْعَام. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 {مَتَاعا لكم ولأنعامكم} أَي: رزقا إِلَى الْمَوْت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 {فَإِذا جَاءَت الصاخة} اسْمٌ مِنْ أَسَمَاءِ الْقِيَامَةِ يُصيخُ لَهَا الْخلق من الفَرَقِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه} قَالَ محمدٌ: مَنْ قَرَأَ (يُغْنِيهِ) بِالْغَيْنِ مَنْقُوطَةٌ، فَالْمَعْنَى: يَصْرِفُهُ ويَصُدُّه عَنْ قَرَابَتِهِ، يُقَالُ: أَغْنِ عَنِّي وجهَك؛ أَي اصرفه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 {وُجُوه يَوْمئِذٍ مسفرة} يَعْنِي: ناعمة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 {ضاحكة مستبشرة} بِرِضَى اللَّهِ. قَالَ محمدٌ: (مُسْفِرة) حَقِيقَتُهُ: مُضِيئة، يُقَالُ: أَسْفَرَ الصُّبْحُ إِذا أَضَاء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 {ووجوه يَوْمئِذٍ عَلَيْهَا غبرة} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 {ترهقها قترة} أَي: يَغْشَاهَا سوادٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 {أُولَئِكَ هم الْكَفَرَة الفجرة}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 تَفْسِيرُ سُورَةِ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرت وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة التكوير من آيَة (1 - 14) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 قَوْله: {إِذا الشَّمْس كورت} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ يَعْنِي: ذَهَبَ ضَوْؤُها. قَالَ محمدٌ: (كُوِّرت) حقيقتُه: جُمِعَ ضَوْؤها، وَمِنْ كَلامِهِمْ: كُرْتُ الْعِمَامَةُ عَلَى رَأْسِي أكورُها وكَوَّرْتُها أُكَوِّرُها إِذَا لَفَفْتها وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الْحسن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 {وَإِذا النُّجُوم انكدرت} انتثرت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 {وَإِذا الْجبَال سيرت} تَذْهَبُ تَصِيرُ فِي حَالاتٍ أَمَّا أَوَّلُ مَا تُحوَّلُ عَنْ مَنْزِلَةِ الْحِجَارَةِ، فَتَكُونُ كَثِيبًا، وَتَكُونُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ، وَتَكُونُ هَبَاءً مُنْبَثًّا، وَتَكُونُ سَرَابًا؛ مِثْلُ هَذَا السَّرَابِ تَرَاهُ وَلَيْسَ بِشَيْء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 {وَإِذا العشار عطلت} وَهِيَ النُّوقُ عطَّلها أَهْلُهَا فَلَمْ تُحْلَب من الشُّغل بِأَنْفسِهِم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 (ل 387) قَالَ مُحَمَّدٌ: (العِشارُ) مِنَ الْإِبِلِ: الْحَوَامِلُ، وَاحِدُهَا: عشَراءُ، وَهِيَ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا فِي الْحَبَلِ عَشْرَةُ أَشْهُرٍ، ثُمَّ يَزَالُ ذَلِكَ اسْمُهَا حَتَّى تضع وَبَعْدَمَا تضع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 {وَإِذا الوحوش حشرت} جُمِعَتْ؛ لِيَقْتَصَّ لِبَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ ثُمَّ يُقَالُ لَهَا: كُونِي تُرَابًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 {وَإِذا الْبحار سجرت} قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: فَاضَتْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: سُجِّرت حَقِيقَتُهُ: مُلِئَت، فَيُفْضِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فَتَصِيرُ شَيْئًا وَاحِدًا؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 {وَإِذا النُّفُوس زوجت} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَيْ: تَلْحَقُ كُلُّ شِيعَةٍ بِشِيعَتِهَا: الْيَهُودُ بِالْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى بِالنَّصَارَى، وَالْمَجُوسُ بِالْمَجُوسِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَهِ شَيْئا بضهم ببعضهم، والمنافقون بالمنافقات، والمؤمنون بالمؤمنات. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 {وَإِذا الموءدة سُئلت} وَهِيَ بَنَاتُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يدفنونهنَّ أَحْيَاءً، لِخَصْلَتَيْنِ: أَمَّا إِحْدَاهُمَا فَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ بناتُ اللَّهِ، فَأَلْحِقُوا الْبَنَاتِ بِهِ فَهُوَ أحقُّ بِهِنَّ، وَأَمَّا الْخَصْلَةُ الأُخْرَى: فمخافة الْحَاجة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 {بِأَيّ ذَنْب قتلت} قَالَ الْحَسَنُ: أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يوبِّخ قَاتِلَهَا؛ لِأَنَّهَا قُتِلت بِغَيْرِ ذَنْبٍ فسُئلتْ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا ذَنْب، وَبَعْضهمْ يقْرَأ: (وَإِذا الموءدةُ سَأَلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)؛ فَتَتَعَلَّقُ الْجَارِيَةُ بِأَبِيهَا، فَتَقُولُ: بِأَيِّ ذَنْبٍ قَتَلْتَنِي؟! الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ وأدتُ المولودَ إِذَا دَفَنْتُهُ حَيًّا، فَأَنَا وائدٌ، والمصدر إدَةً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 {وَإِذا الصُّحُف نشرت} لِلْحِسَابِ وَهُوَ مَا كَتَبَتِ الْمَلائِكَةُ على الْعباد من أعماهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 {وَإِذا السَّمَاء كشطت} أَيْ: طُوِيَتْ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: اجتبذت. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ كَشَطْتُ السَّقْفَ أَيْ: قَلَعْتُهُ، فَكَأَنَّ الْمَعْنَى: قُلِعَت فطُويت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 {وَإِذا الْجَحِيم سعرت} أُوقِدَتْ، وَهِيَ تُوقَدُ مُنْذُ خُلِقَتْ السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي السِّتَّة الْأَيَّام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 {وَإِذا الْجنَّة أزلفت} أدنيتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 {علمت نفس مَا أحضرت} من عَملهَا. تَفْسِير سُورَة التكوير من آيَة (15 - 29) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 {فَلَا أقسم} الْمَعْنى: فأقسم ((وَلَا)) صلَة {بالخنس} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: هِيَ النُّجُومُ تخنِسُ؛ بِالنَّهَارِ أَيْ: تَتَوَارَى، وَهِيَ فِي ذَلِك جَارِيَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 {الْجَوَارِي} يَعْنِي: جَرْيَهَا فِي السَّمَاءِ {الْكُنَّسِ} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: يَعْنِي: أَنَّهَا تُكْنَسُ بِالنَّهَارِ كَمَا تَتَوَارَى الظِّبَاءُ فِي كِنَاسِها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 {وَاللَّيْل إِذا عسعس} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: إِذَا أَظْلَمَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 قَالَ مُحَمَّدٌ ": قَالَ قَوْمٌ: عَسْعَسَ اللَّيْل إِذَا أَظْلَمَ، وَقِيلَ: عَسْعَسَ أَدْبَرَ، وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ: (حَتَّى إِذَا الصُّبْحُ لَهَا تَنَفَّسَا ... وَانْجَابَ عَنْهَا لَيْلُهَا وعسعسا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 {الصُّبْح إِذا تنفس} إِذَا أَضَاءَ أَقْسَمَ بِهَذَا كُلِّهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 {إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم} يَعْنِي: جِبْرِيلَ يُرْسِلُهُ اللَّهُ إِلَى النَّبِيين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مكين} فِي الْمنزلَة والقربة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 {مُطَاع ثمَّ} يَعْنِي: فِي السَّمَاءِ. قَالَ الْحَسَنُ أَمَرَ اللَّهُ أَهْلَ السَّمَاءِ بِطَاعَةِ جِبْرِيلَ، كَمَا أَمَرَ أَهْلَ الْأَرْضِ أَن يطيعوا مُحَمَّدًا {امين} عِنْد الله وَعند الْمَلَائِكَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 {وَمَا صَاحبكُم بمجنون} يَعْنِي: مُحَمَّدا [صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم] وَذَلِكَ لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّهُ مَجْنُونٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 {وَلَقَد رَآهُ بالأفق الْمُبين} يَعْنِي: الْمَشْرِقَ الَّذِي مِنْهُ مَطَالِعُ النُّجُومِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، يَعْنِي أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ مَعَ الْأُفُقِ فَسَدَّ مَا بَيْنَ السَّمَاء وَالْأَرْض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 {وَمَا هُوَ على الْغَيْب} الْوَحْي {بضنين} بِبَخِيلٍ يَبْخَلُ عَلَيْكُمْ بِهِ، وَبَعْضُهُمْ يقْرَأ (بظنين) أَي: بمتهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 {وَمَا هُوَ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} مَلْعُون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 {فَأَيْنَ تذهبون} تعدلون عَنهُ يَقُوله للْمُشْرِكين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 {ان هُوَ} يَعْنِي: مَا هُوَ، أَيْ: مَا الْقُرْآن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 {إِلَّا ذكر للْعَالمين} يَعْنِي: مَنْ آمَنَ بِهِ يَذْكُرُونَ بِهِ الْآخِرَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} على أَمر الله والتذكرة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ الله رب الْعَالمين}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 تَفْسِيرُ سُورَةِ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الانفطار [من آيَة 1 - 19] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 قَوْله " {إِذا السَّمَاء انفطرت} يَعْنِي: انْشَقَّتْ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 {وَإِذا الْكَوَاكِب انتثرت} تساقطت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 {وَإِذا الْبحار فجرت} فُجِّرَ مِلْحُهَا فِي عَذْبِهَا، وَعَذْبُهَا فِي مِلْحِهَا فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 {وَإِذا الْقُبُور بعثرت} أُخْرِجَ مَا فِيهَا مِنَ الْأَمْوَاتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} مَا قَدَّمَتْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَمَا أَخَّرَتْ مِنْ سُنَّةٍ حَسَنَةٍ، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يُنْقَصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، أَوْ سُنَّةٍ سَيِّئَةٍ فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يُنْقَصُ مِنْ أوزارهم شَيْئا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 {يَا أَيهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هَذِهِ الْآيَة {يَا أَيهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} فَقَالَ: غَرَّهُ حُمْقُهُ وَجَهْلُهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى (غَرَّكَ) أَيْ: خدعك (ل 388) وسول لَك، حَتَّى أضعت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 {الَّذِي خلقك فسواك} يَعْنِي: سوى خلقك {فعدلك} يَعْنِي: اعْتِدَالَ الْخَلْقِ، أَيْ: جَعَلَ عَيْنَيْكَ سَوَاءً، وَيَدَيْكَ سَوَاءً، وَرِجْلَيْكَ سَوَاء، وجنبيك سَوَاء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ ركبك} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: إِنْ شَاءَ حَسَنًا، وَإِنْ شَاءَ قَبِيحًا، وَإِنْ شَاءَ ذكرا، وَإِن شَاءَ أُنْثَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 {كلا بل تكذبون بِالدّينِ} بِالْحِسَابِ يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 {وَإِن عَلَيْكُم لحافظين} يَعْنِي: الْمَلائِكَةَ الَّتِي تَكْتُبُ أَعْمَالَ الْعباد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 {كراما} على الله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 {يعلمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} من الظَّاهِر فيكتبونه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 {إِن الْأَبْرَار لفي نعيم} فِي الْجنَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 {وَإِن الْفجار} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {لَفِي جَحِيمٍ}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 {وَمَا هم عَنْهَا} عَنِ النَّارِ {بِغَائِبِينَ}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدّين} ثنى ذكره تَعْظِيمًا لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئا} أَيْ: لَا تَنْفَعُهَا {وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لله} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 تَفْسِيرُ سُورَةِ الْمُطَفِّفِينَ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَفْسِير سُورَة المطففين الْآيَة [1 - 17] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 قَوْله: {ويل لِلْمُطَفِّفِينَ} فِي الْآخِرَةِ، أَيْ: يَدْعَوْنَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ فِي النَّارِ، بَلَغَنِي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يخسرون} قَالَ مُحَمَّد: {ويل} رفع بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَر {لِلْمُطَفِّفِينَ} وَالْوَيْلُ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِكُلِّ مَنْ وَقَعَ فِي عَذَابٍ وَهَلَكَةٍ، وَالْمُطَفِّفُونَ: الَّذِينَ يَنْقُصُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، وَقَوْلُهُ: {على النَّاس} أَي: من النَّاس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 (وَإِذا كالوهم أَو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 وزنوهم} أَيْ: كَالُوا لَهُمْ أَوْ وَزَنُوا لَهُم {يخسرون} يُقَالُ: أَخْسَرْتَ الْمِيزَانَ، وَخَسِرْتَهُ وَالْقِرَاءَةُ على (أخسرت). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 قَوْلُهُ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالمين} يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يَقُومُونَ مِقْدَارَ ثَلَاثمِائَة سنة قبل أَن يفصل بَينهم. يَحْيَى: عَنْ خَدَّاشٍ، عَنْ عَوْفٍ الْكُوفِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم]: " مَا طُولُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا كَرَجُلٍ دَخَلَ فِي صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَتَمَّهَا وَأَحْسَنَهَا وَأَجْمَلَهَا ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 {كلا إِن كتاب الْفجار} الْمُشْركين {لفي سِجِّين} تَفْسِيرُ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: سَأَلْتُ كَعْبًا عَنْ قَوْلِهِ: {إِنَّ كِتَابَ الْفجار لفي سِجِّين} فَقَالَ: حَجَرٌ أَسْوَدُ تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ تُكْتَبُ فِيهِ أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 قَالَ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} أَيْ: لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا كُنْتَ تعلمه أَنْت وَلَا قَوْمك، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} أَي: مَكْتُوب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 {وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلا كُلُّ مُعْتَد} أَي: ظَالِم {أثيم} آثم، وَهُوَ الْمُشرك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} كَذِبِ الأَوَّلِينَ وَبَاطِلِهِمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} قَالَ الْكَلِّبِيُّ: يَعْنِي: طُبِعَ عَلَى قُلُوبهم {مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاحِدُ (الْأَسَاطِيرِ): أُسْطُورَةٌ، مِثْلُ: أُحْدُوثَةٍ وَأَحَادِيثٍ، وَمَعْنَى (كَلَّا) عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ رَدْعٌ وَتَنْبِيهٌ، و (ران) بِمَعْنَى غَطَّى، يُقَالُ: رَانَ عَلَى قلبه الذَّنب يرين رينا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لمحجوبون} يَحْتَجِبُ اللَّهُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فَلا يَرَوْنَهُ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَيَرَوْنَهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَيَتَجَلَّى لَهُمْ، حَتَّى ينْظرُوا إِلَيْهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 {هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} فِي الدُّنْيَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلمْشُرْكِينَ وهم فِي النَّار. تَفْسِير سُورَة المطففين من آيَة 18 - 36. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عليين} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: عِلِّيُّونَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 قَالَ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} أَيْ: أَنَّكَ لَمْ تَدْرِ مَا عليون؟ حَتَّى أعلمتك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 {كتاب مرقوم} مَكْتُوب، يكْتب فِي عليين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 {يشهده المقربون} مُقَرَّبُو أَهْلِ كُلِّ سَمَاءٍ يَشْهَدُونَ كِتَابَ عَمَلِ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يُكْتَبُ فِيهِ، وَيَشْهَدُونَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهَا أَعْمَالهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 {على الأرائك ينظرُونَ} الْأَرَائِكُ السُّرُرُ فِي الْحِجَالِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهِيَ سُرُرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَيَاقُوت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 {يسقون من رحيق مختوم} يَعْنِي: الشَّرَاب، وَهِي الْخمر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 {ختامه مسك} قَالَ مُجَاهِدٌ: يُخْتَمُ بِهِ آخِرُ جَرْعَةٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي: أَنَّهُمْ إِذا شربوا هَذَا الرَّحِيق فقني مَا فِي الْكَأْسِ وَانْقَطَعَ الشُّرْبُ، انْخَتَمَ ذَلِكَ بِطَعْمِ الْمِسْكِ وَرَائِحَتِهِ. قَالَ: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} فِي الدُّنْيَا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 قَالَ: {ومزاجه من تسنيم} ومزاج ذَلِك الشَّارِب من تسنيم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 {عينا يشرب بهَا المقربون} قَالَ قَتَادَةُ: يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا، وَتُمْزَجُ لِسَائِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 و (تسنيم) أَشْرَفُ شَرَابٍ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: وَنصب (عينا) لِأَنَّ الْمَعْنَى مِنْ عَيْنٍ، كَمَا قَالَ: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} أَي: من طين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 {إِن الَّذين أجرموا} أَشْرَكُوا {كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} فِي الدُّنْيَا، أَيْ: يَسْخَرُونَ بِهِمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} كَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِمُ النَّبي [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وَأَصْحَابُهُ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا إِلَى هَؤُلاءِ الَّذِينَ تَرَكُوا شَهَوَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا (ل 389) يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ - زَعَمُوا - نَعِيمَ الْآخِرَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 {وَإِذا انقلبوا} يَعْنِي: الْمُشْركين {إِلَى أهلهم} فِي الدُّنْيَا {انقلبوا فاكهين} أَي: مسرورين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 {وَإِذا رَأَوْهُمْ} رَأَوْا أَصْحَابَ النَّبِيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم] {قَالُوا إِن هَؤُلَاءِ لضالون} يتركون شهواتهم فِي الدُّنْيَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 قَالَ اللَّهُ: {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافظين} يحفظون أَعْمَالهم يَعْنِي: الْمُشْركين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: هَذِهِ وَاللَّهِ الدَّوْلَةُ الْكَرِيمَةُ الَّتِي أَدَالَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي الْآخِرَةِ، فَهُمْ يَضْحَكُونَ مِنْهُمْ، وَهُمْ مُتَّكِئُونَ عَلَى فُرُشِهِمْ يَنْظُرُونَ كَيْفَ يُعَذَّبُونَ، كَمَا كَانَ الْكُفَّارُ يَضْحَكُونَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْجَنَّةُ فِي السَّمَاءِ. قَالَ الْحَسَنُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم]: " يجاء بالمستهزئين يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُفْتَحُ لَهُمْ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: ادْخُلُوا، فَإِذَا جَاءُوا أُغْلِقَ دُونَهُمْ فَيَرْجِعُونَ، ثُمَّ يُدْعَوْنَ فَإِذَا جَاءُوا أُغْلِقَ دُونَهُمْ فَيَرْجِعُونَ، فَيُدْعَوْنَ لِيَدْخُلُوا فَإِذَا جَاءُوا أُغْلِقَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 دُونَهُمْ حَتَّى إِنَّهُمْ يُدْعَوْنَ فَمَا يجيئون من الْيَأْس ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 قَوْله: {هَل ثوب الْكفَّار} هَلْ جُوزِيَ الْكُفَّارُ؟ {مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} أَيْ: قَدْ جُوزُوا شَرَّ الْجَزَاءِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 تَفْسِيرُ سُورَةِ إِذَا السَّمَاءِ انْشَقَّتْ وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الانشقاق من آيَة 1 - 15 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 قَوْله: {إِذا السَّمَاء انشقت} وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 {وأذنت لِرَبِّهَا} سَمِعت وأطاعت {وحقت} وَحقّ لَهَا أَن تفعل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 {وَإِذا الأَرْض مدت} تُمَدُّ مَدَّ الْأَدِيمِ، وَهَذَا إِذَا بُدِّلَتْ بِأَرْضٍ بَيْضَاءَ، كَأَنَّهَا فِضَّةٌ لم يعْمل عَلَيْهَا خَطِيئَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 {وَأَلْقَتْ} أخرجت {مأ فِيهَا} يَعْنِي: الْأَمْوَات {وتخلت} إِلَى اللَّهِ مِنْهُمْ، فَصَارُوا عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 {وأذنت لِرَبِّهَا وحقت} هِيَ مِثْلُ الْأُولَى. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: أَذِنْتُ لِلشَّيْءِ آذَنُ أَذَنًا إِذَا اسْتَمْعَتُ. قَالَ الشَّاعِرُ (صُمٌّ إِذَا سَمِعُوا خَيْرًا ذُكِرْتُ بِهِ ... وَإِنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 قَوْله: {يَا أَيهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كدحا} أَيْ: عَامِلٌ إِلَى رَبِّكَ عَمَلًا {فملاقيه} فَمُلاقٍ ثَوَابَ ذَلِكَ الْعَمَلِ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْكَدْحُ فِي اللُّغَةِ: السَّعْيُ وَالدُّءُوبُ فِي الْعَمَلِ فِي بَابِ الدُّنْيَا وَفِي بَابِ الْآخِرَةِ. وَجَوَابُ (إِذَا) يَدُلُّ عَلَيْهِ فَمُلاقِيهِ، الْمَعْنَى: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لَقِي الْإِنْسَان عمله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} الْآيَة " سَأَلت عَائِشَة النَّبِي [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم] عَنِ الَّذِي يُحاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا فَقَالَ: يُعَرَّفُ بِعَمَلِهِ، ثُمَّ يَتَجَاوَزُ الله عَنهُ " الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 {وينقلب إِلَى أَهله} إِلَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ {مَسْرُورًا} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهره} تُخْلَعُ كَتِفُهُ الْيُسْرَى فَتُجْعَلُ خَلْفَهُ فَيَأْخُذ بهَا كِتَابه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 {فَسَوف يَدْعُو ثبورا} فِي النَّارِ يَقُولُ: يَا وَيْلاهُ {وَيَا ثبوراه} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 {وَيصلى سعيرا} أَيْ: يَكْثُرُ عَذَابُهُ، وَيُشْوَى فِي النَّار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 {إِنَّه كَانَ فِي أَهله} فِي الدُّنْيَا {مَسْرُورا} لَا يُؤمن بِالْبَعْثِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 {إِنَّه ظن} حسب {أَن لن يحور} أَيْ: يَرْجِعَ إِلَى رَبِّهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: حَارَ يَحُورُ حَوْرًا وَحُئُورًا، أَيْ: رَجَعَ، وَقَالَ لَبِيدٌ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 (وَمَا الْمَرْءُ إِلَّا كَالشِّهَابِ وَضَوْئِهِ ... يَحُورُ رَمَادًا بَعْدَ إِذْ هُوَ سَاطِع) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 قَوْلُهُ: {بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصيرًا} أَي: أَنه سيبعثه. تَفْسِير سور الانشقاق من آيَة 16 - 25 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 {فَلَا أقسم بالشفق} يَعْنِي: الْحُمْرَةَ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ مَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 {وَاللَّيْل وَمَا وسق} وَمَا جَمَعَ مِمَّا عَمِلَ فِيهِ الْخَلْقُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 {وَالْقَمَر إِذا اتسق} إِذَا اسْتَوَى فَاسْتَدَارَ، وَهَذَا قَسَمٌ مِنْ قَوْلِهِ: {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ أَقْسَمَ بِهَذَا كُله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 {لتركبن طبقًا عَن طبق} أَيْ: حَالًا بَعْدَ حَالٍ، فِي تَفْسِير الْحسن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 {فَمَا لَهُم لَا يُؤمنُونَ} يَعْنِي: الْمُشْركين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 {وَإِذا قرئَ عَلَيْهِم الْقُرْآن لَا يَسْجُدُونَ} لَا يصلونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 {وَالله أعلم بِمَا يوعون} أَي: يخفون فِي صُدُورهمْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم أجر} ثَوَابٌ وَهِيَ الْجَنَّةُ {غَيْرُ مَمْنُونٍ} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: غَيْرُ مَمْنُونٍ عَلَيْهِمْ مَنَّ أَذًى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 تَفْسِيرُ سُورَةِ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة البروج من آيَة 1 - 10 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 قَوْلُهُ: {وَالسَّمَاءِ ذَات ِ الْبُرُوجِ} تَفْسِيرُ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذَاتُ النُّجُومِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 {وَالْيَوْم الْمَوْعُود} يَعْنِي: يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 {وَشَاهد} يَعْنِي: يَوْم الْجُمُعَة {ومشهود} يَعْنِي: يَوْمَ عَرَفَةَ، هَذَا تَفْسِيرُ الْحسن، وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم]. قَوْله: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 {قتل} لعن {أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} إِلَى قَوْله {شُهُود} الْأُخْدُودُ: الشِّقُّ فِي الْأَرْضِ، وَجَمْعُهُ: أَخَادِيدُ. قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ثَمَانِينَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، فَأَخذهُم الْمُشْركُونَ، فَخُذُوا لَهُمْ أُخْدُودًا فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ أَوْقَدُوا لَهُمْ نَارًا ضَخْمَةً ثُمَّ (ل 390) فَجَعَلُوا يَقُولُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 لِلرَّجُلِ وَلِلْمَرْأَةِ مِنْهُمْ: إِمَّا أَنْ تَتْرُكَ دِينَكَ وَإِمَّا أَنْ نَقْذِفَكَ فِي النَّارِ. فَيَقُولُ: مَا أَنَا بِتَارِكِ دِينِي لِشَيْءٍ! فَيُقْذَفُ فِيهَا فَيَحْتَرِقُ حَتَّى أَتَوْا عَلَيْهِمْ، فَبَقِيَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ فَتَهَيَّبَتْ، فَقَالَ لَهَا الصَّبِيُّ: امْضِي وَلا تُنَافِقِي، فَمَضَتْ فَاحْتَرَقَتْ. قَالَ يَحْيَى: كَانَ صَغِيرًا لَمْ يَتَكَلَّمْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ مُجَاهِد: وَذَلِكَ بِنَجْرَان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 قَالَ: {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُود} من تحريقهم إيَّاهُم بالنَّار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 {وَمَا نقموا مِنْهُم} مَا كَرِهُوا مِنْهُمْ {إِلا أَنْ يُؤمنُوا بِاللَّه الْعَزِيز الحميد} مَا سَفَكُوا لَهُمْ دِمَاءً، وَلا أخذُوا لَهُم مَالا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} شَاهِدٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِعَمَلِهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} يَعْنِي: أحرقهم بوالنار، فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ فَتَنْتُ الشَّيْءَ أَحْرَقْتُهُ، وَالْفَتِينُ حِجَارَة سود كَأَنَّهَا محرقة. تَفْسِير سُورَة البروج من آيَة 11 - 22 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 {إِن بَطش رَبك} عُقُوبَة رَبك {لشديد}. قَالَ مُحَمَّدٌ: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لشديد) هُوَ جَوَابُ الْقَسَمِ (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 {إِنَّه هُوَ يبدئ} أَي: يخلق {وَيُعِيد} أَي: يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 {وَهُوَ الغفور} لِلذُّنُوبِ، وَلا يَغْفِرُ إِلَّا لِمَنْ آمن {الْوَدُود} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَتَوَدَّدُ إِلَى خَلْقِهِ بِمَا يُعْطِيهِمْ مِنَ النِّعَمِ فِي وَأَرْزَاقِهِمْ، وَمَا يَغْفِرُ لَهُمْ مِنَ الذُّنُوب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 {ذُو الْعَرْش} رب الْعَرْش {الْمجِيد} يقْرَأ (الْمجِيد) بِالرَّفْعِ وَالْجَرِّ، فَمَنْ قَرَأَ بِالرَّفْعِ رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُود} الْمَجِيدُ ذُو الْعَرْشِ، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالْجَرِّ جَعَلَهُ مِنْ صِفَةِ (الْعَرْشِ) وَتَفْسِير الْمجِيد: الْكَرِيم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 {هَل أَتَاك} أَيْ: قَدْ أَتَاكَ {حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْن وَثَمُود} كَيْفَ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ حِينَ كَذَّبُوا رسلهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 {وَالله من ورائهم مُحِيط} حَتَّى يَجْزِيَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: إِنَّ قُدْرَتَهُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهِمْ لَا يُعْجِزُهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ يحيى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 {بل هُوَ قُرْآن مجيد} كريم على الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 {فِي لوح مَحْفُوظ} وَهُوَ أُمُّ الْكِتَابِ قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ وأَبُو عُبَيْدٍ: قَرَأَ نَافِعٌ: (مَحْفُوظٌ) بِالرَّفْع، وقرأه غَيره (مَحْفُوظ) بِالْخَفْضِ وَالْخَفْضُ فِي هَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ لِيَكُونَ مِنْ نَعْتِ (اللَّوْحِ). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 تَفْسِيرُ سُورَةِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَهِيَ مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الطارق من آيَة [1 - 17] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 قَوْلُهُ: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطارق } الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 {النَّجْم الثاقب} وَالنَّجْمُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جَمَاعَةُ النُّجُومِ، وَالثَّاقِبُ: الْمُضِيءُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: ثَقَبَ يَثْقُبُ ثُقُوبًا إِذَا أَضَاءَ، وَيُقَالُ لِلْمُوقِدِ: أَثْقِبْ نَارَكَ، أَي: أضئها. وَهَذَا قسم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافظ} وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ (لَمَا) خَفِيفَة، و (لما) مُثَقَّلَةٌ، فَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّخْفِيفِ يَقُولُ: لَعَلَيْهَا حَافِظٌ وَ (مَا) صِلَةٌ، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّثْقِيلِ يَقُولُ: إِلَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ، يَعْنِي: حَافِظًا مِنَ الْمَلائِكَةِ يَحْفَظُ عَلَيْهَا عَمَلَهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 قَالَ مُحَمَّدٌ: إِنَّمَا قِيلَ لِلنَّجْمِ: الطَّارِقُ، لِأَنَّ طُلُوعَهُ بِاللَّيْلِ، وَكُلُّ مَا أَتَى لَيْلًا فَهُوَ طَارِقٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 {فَلْينْظر الْإِنْسَان مِم خلق} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 {خلق من مَاء دافق} يَعْنِي: النظفة. قَالَ مُحَمَّد: (دافق) قَالَ قَوْمٌ: مَعْنَاهُ: مَدْفُوقٌ، وَقَالَ قَوْمٌ الْمَعْنَى: مِنْ مَاءٍ ذِي اندفاق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} يَعْنِي: صُلْبَ الرَّجُلِ، وَتَرَائِبَ الْمَرْأَةِ وَهُوَ نَحْرِهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: التَّرَائِبُ مَوْضِعُ الْقِلادَةِ مِنَ الصَّدْرِ، وَاحِدُهَا: تريبة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 {إِنَّه} إِن الله {على رجعه لقادر} عَلَى أَنْ يَبْعَثَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 {يَوْم تبلى السرائر} أَيْ: تُخْتَبَرُ وَتُظْهَرُ، يَعْنِي: سَرَائِرَ الْقُلُوب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 {فَمَا لَهُ من قُوَّة} يَمْتَنِعُ بِهَا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ {وَلَا نَاصِر} ينصره وَهَذَا الْمُشرك، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 ثُمَّ أَقْسَمَ فَقَالَ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرجع} بالمطر عَاما فعاماً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 {وَالْأَرْض ذَات الصدع} بالنبات الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 {إِنَّه} يَعْنِي: الْقُرْآن {لقَوْل فصل} حق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} بِالْكَذِبِ. قَالَ مُحَمَّد: (الرجع) فِي اللُّغَةِ: الْمَطَرُ سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَجِيء وَيرجع ويتكرر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 {إِنَّهُم يكيدون كيداً} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ يَكِيدُونَ بِالنَّبِيِّ [صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 {وأكيد كيداً} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 أَيْ: أُعَذِّبُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَ مُحَمَّد: {وأكيد كيدا} يَعْنِي: أُجَازِيهِمْ جَزَاءَ كَيْدِهِمْ، وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ يَحْيَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 {فمهل الْكَافرين أمهلهم رويدا} أَيْ: قَلِيلًا، وَهَذَا وَعِيدٌ، تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: يَعْنِي: يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ مُحَمَّد: {رويدا} صِفَةٌ لِلْمَصْدَرِ، الْمَعْنَى: أَمْهِلْهِمْ إِمْهَالًا رُوَيْدًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 تَفْسِيرُ سُورَةِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الْأَعْلَى من آيَة 1 - 19 (ل 391) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 قَوْلُهُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّك َ الأَعْلَى} صَلِّ لِرَبِّكَ الْأَعْلَى {الَّذِي خَلَقَ فسوى} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 {وَالَّذِي قدر فهدى} أَيْ: قَدَّرَهُ فِي خَلْقِهِ نُطْفَةً، ثمَّ علقَة، ثمَّ مُضْغَة، ثمَّ عَظْمًا، ثُمَّ لَحْمًا، ثُمَّ شَعْرًا، ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ، قَالَ: {فهدى} بَيَّنَ لَهُ السَّبِيلَ: سَبِيلَ الْهُدَى، وَسَبِيلَ الضَّلالَةِ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أحوى} فِيهَا تَقْدِيمٌ: فَجَعَلَهُ أَحْوَى غُثَاءً، وَالْأَحْوَى عِنْدَ الْحَسَنِ: الْأَسْوَدُ مِنْ شِدَّةِ الْخُضْرَةِ، وَالْغُثَاءُ: الْهَشِيمُ الْيَابِسُ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاح} أَيْ: فَصَارَ هَشِيمًا بَعْدَ إِذْ كَانَ خَضِرًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 قَالَ مُحَمَّدٌ: الْحُوَّةُ: السَّوادُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلشَّدِيدِ الْخُضْرَةِ: أَحْوَى، لِأَنَّهُ يُضْرَبُ إِلَى الْحُوَّةِ. وَالْغُثَاءِ فِي كَلامِ الْعَرَبِ: الَّذِي تَرَاهُ فَوْقَ مَاء السَّيْل، يُقَال مِنْهُ: غثى الْوَادي يغثي إِذا جمع غثاءه، وَوَاحِد الغثاء: غثاءة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 قَوْلُهُ: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إِلا مَا شَاءَ الله} وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ يَجْعَلُ يَقْرَأُ وَيُدْئِبُ فِيهِ نَفْسَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَنْسَى، وَقَوْلُهُ: {إِلا مَا شَاءَ الله} هُوَ كَقَوْلِهِ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَة أَو ننسها} يُنْسِيهَا اللَّهُ نَبِيَّهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: {فَلَا تنسى} الْمَعْنَى: فَأَنْتَ لَا تَنْسَى لَمْ يُرِدِ الْأَمْرَ. قَوْلُهُ: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْر} الْعَلَانِيَة {وَمَا يخفى} السِّرّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 {ونيسرك لليسرى} لعمل الْجنَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 {فَذكر} أَيْ: بِالْقُرْآنِ {إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} أَيْ: إِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِالتَّذْكِرَةِ مَنْ يقبلهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 {سَيذكرُ من يخْشَى} الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 {ويتجنبها} يتَجَنَّب التَّذْكِرَة {الأشقى} يَعْنِي: الْمُشرك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 {الَّذِي يصلى النَّار الْكُبْرَى} وَهِيَ نَارُ جَهَنَّمَ، وَالصُّغْرَى: نَارُ الدُّنْيَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 {ثمَّ لَا يَمُوت فِيهَا} فيستريح {وَلَا يحيى} حَيَاةً تَنْفَعُهُ. {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تزكّى} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 {وَذكر اسْم ربه فصلى} وَكَانَتِ الصَّلاةُ يَوْمَئِذٍ رَكْعَتَيْنِ غُدْوةً، وَرَكْعَتَيْنِ عَشِيَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 {بل تؤثرون الْحَيَاة الدُّنْيَا} يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ، أَيْ: يَزْعُمُونَ أَنَّ الدُّنْيَا بَاقِيَةٌ، وَأَنَّ الْآخِرَةَ لَا تكون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 {وَالْآخِرَة خير} من الدُّنْيَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 {وَأبقى} أَيْ: وَأَنَّ الدُّنْيَا لَا تَبْقَى، وَأَنَّ الْآخِرَةَ بَاقِيَةٌ، يَعْنِي: بِهَذَا الْجنَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى} تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: يَقُولُ فِيهَا: إِنَّ الْآخِرَةَ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَأَبْقَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 تَفْسِيرُ سُورَةِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الغاشية من آيَة 1 - 16 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 قَوْله: {هَل أَتَاك} قد أَتَاك {حَدِيث الغاشية } يَعْنِي: الْقِيَامَةَ - فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ - تَغْشَى النَّاسَ بِعَذَابِهَا وَعِقَابِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 {وُجُوه يَوْمئِذٍ خاشعة} ذَلِيلَةٌ، يَعْنِي: وُجُوهَ أَهْلِ النَّارِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 {عاملة ناصبة} كَفَرَتْ بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا، فَأَعْمَلَهَا وأنصبها فِي النَّار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 {تسقى من عين آنِية} حارة قد انْتهى حرهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيع} قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَبْتٌ يَنْبُتُ فِي الرَّبِيعِ، فَإِذَا كَانَ فِي الصَّيْفِ يَبِسَ فَاسْمُهُ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ وَرَقُهُ: [شِبْرَقٌ] وَإِذَا تَسَاقَطَ وَرَقُهُ فَهُوَ الضَّرِيعُ، فَالْإِبِلُ تَأْكُلُهُ أَخْضَرَ، فَإِذا يبس لم تذقه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناعمة} وهم أهل الْجنَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 {لسعيها} لثواب عَملهَا {راضية} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 {فِي جنَّة عالية} {فِي السَّمَاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 2 - ! (لَا تسمع فِيهَا لاغية} يَعْنِي: اللَّغْو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 {فِيهَا عين جَارِيَة} يَعْنِي: جَمَاعَةَ الْعُيُونِ، وَهِيَ الْأَنْهَارُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 {فِيهَا سرر مَرْفُوعَة} عالية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 {وأكواب مَوْضُوعَة} وَاحِدُهَا كُوبٌ، وَهُوَ الْمُدَوَّرُ الْقَصِيرُ الْعُنُق الْقصير العروة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 {ونمارق مصفوفة} وَهِي الوسائد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 {وزرابي} وَهِي الْبسط {مبثوثة} مَبْسُوطَةٌ بَلَغَنَا أَنَّهَا مَنْسُوجَةٌ بِالدُّرِّ والياقوت. تَفْسِير سُورَة الغاشية من آيَة 17 - 26 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 وَقَوْلُهُ: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيفَ خلقت}. قَالَ مُحَمَّدٌ: قِيلَ: أَرَادَ أَنَّهَا تَنْهَضُ بِأَحْمَالِهَا وَهِيَ بَارِكَةٌ، وَلَيْسَ يَفْعَلُ ذَلِكَ غَيْرُهَا مِنَ الدَّوَابِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 {وإلي السَّمَاء كَيفَ رفعت} بَيْنكُم وَبَينهَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 {وَإِلَى الْجبَال كَيفَ نصبت} مثبتة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 {وَإِلَى الأَرْض كَيفَ سطحت} يَقُولُ: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا، فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَبْعَثَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 {لست عَلَيْهِم بمصيطر} أَيْ (بِمُسَلِّطٍ) تُكْرِهُهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 {إِلَّا من تولى وَكفر} أَيْ: فَكِلْهُ إِلَى اللَّهِ، وَكَانَ هَذَا قبل أَن يُؤمر بقتالهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 {فيعذبه الله الْعَذَاب الْأَكْبَر} جَهَنَّم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 {إِن إِلَيْنَا إيابهم} رجوعهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 {ثمَّ إِن علينا حسابهم} يَعْنِي: جَزَاءَهُمْ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 تَفْسِيرُ سُورَةِ وَالْفَجْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [تَفْسِير سُورَة الْفجْر من آيَة 1 إِلَى آيَة 14] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 قَوْله: {و َالْفَجْر} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 {وليال عشر} عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَيَّامٌ عَظَّمَهَا الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 {وَالشَّفْع وَالْوتر} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: الشَّفْعُ: الْخَلْقُ، وَالْوَتْرُ: اللَّهُ - تَعَالَى. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمِنْ كَلامِهِمْ: شَفَعَ زَيْدٌ خَالِدًا، أَيْ: كَانَ وَاحِدًا فَصَيَّرَهُ اثْنَيْنِ وَلُغَةُ تَمِيمٍ: الْوِتْرُ بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَأَهْلِ الْحِجَازِ بِالْفَتْحِ، وَأَمَّا الْوِتْرُ مِنَ الترة فبالكسر يُقَال: وَتَرَهُ يَتِرُهُ تِرَةً، وَهُوَ الظُّلْمُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 {وَاللَّيْل إِذا يسري} ذهب، وَهَذَا كُله قسم، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 ثُمَّ قَالَ: {هَلْ فِي ذَلِكَ قسم لذِي حجر} عَقْلٍ؛ يَقُولُ: فِيهِ قَسَمٌ لِذِي عَقْلٍ، وَجَوَابُ الْقَسَمِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 {إِن رَبك لبالمرصاد} قَالَ محمدٌ: ذكر ابْنُ مُجَاهِد أَنَّ قِرَاءَةَ نَافِعٍ (يَسْرِي) بِيَاءِ فِي الْوَصْل، وَبِغير يَاء فِي الْوَقْف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبك بعاد} وَهَذَا عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ؛ أَيْ: أهلكهم حِين كذبُوا رسولهم، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 {إرم} و {إرم} فِي تَفْسِيرِ بَعْضِهِمْ: قَبِيلَةٌ مِنْ عَاد. قَالَ مُحَمَّد: (إرم) هِيَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ وَلَمْ تُصْرَفْ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِلْقَبِيلَةِ. {ذَاتِ الْعِمَاد} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: ذَاتُ الْبِنَاءِ الرَّفِيعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَاد} يَعْنِي: عَادًا فِي طُولِهِمْ وَأَجْسَامِهِمْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 {وَثَمُود} أَيْ: وَكَيْفَ فَعَلَ بِثَمُودَ: أَهْلَكَهُمْ حِينَ كَذَّبُوا رُسُولَهُمْ {الَّذِينَ جَابُوا الصخر بالواد} جَابُوهُ: نَقَّبُوهُ فَجَعَلُوهُ بُيُوتًا قَالَ مُحَمَّدٌ: قِرَاءَةُ نَافِعٍ فِي رِوَايَةِ وَرْشٍ {بِالْوَادِي} بِيَاءٍ، وَرَوَى عَنْهُ غَيره {بالواد} بِغَيْرِ يَاءٍ ذَكَرَهُ ابْنُ مُجَاهِدٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 {وَفرْعَوْن ذِي الْأَوْتَاد} أَيْ: وَكَيْفَ فُعِلَ بِفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ: أَهْلَكَهُ بِالْغَرَقِ، وَكَانَ إِذَا غضب عَلَى أحدٍ أوتد لَهُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَوْتَادٍ عَلَى يَدَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 وَرجلَيْهِ، فِي تَفْسِير قَتَادَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} لونا من الْعَذَاب فأهلكهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 {إِن رَبك لبالمرصاد} جَوَابُ الْقَسَمِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {لبالمرصاد} قِيلَ: الْمَعْنَى: يَرْصُدُ مَنْ كَفَرَ بِهِ بِالْعَذَابِ تَفْسِير سُورَة الْفجْر من آيَة 15 - 23 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 {فَأَما الْإِنْسَان} وَهُوَ الْمُشْرِكُ {إِذَا مَا ابْتَلاهُ ربه فَأكْرمه ونعمه} أَيْ: وَسَّعَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا {فَيَقُول رَبِّي أكرمن} أَي: فضلني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ} فَقَتَرَ {عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أهانن} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 {كلا} قَالَ الْحَسَنُ: أَكْذَبَهُمَا جَمِيعًا بِقَوْلِهِ: {كلا} وَمَعْنَاهَا: لَا، أَيْ: لَا بِالْغِنَى أَكْرَمْتُ، وَلا بِالْفَقْرِ أَهَنْتُ. قَالَ محمدٌ: ذكر ابْنُ مُجَاهِد أَن قِرَاءَةَ نَافِعٍ {أَكْرَمَنِي} {وَأَهَانَنِي} بِيَاءٍ فِي الْوَصْلِ. {بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيم} يَقُوله للْمُشْرِكين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 (وَلَا تحضون على طَعَام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 الْمِسْكِين} وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أطْعمهُ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 {وتأكلون التراث أكلا لما} أَيْ: لَا تُبَالُونَ مِنْ حَرَامٍ أَوْ حَلالٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: لَمًّا شَدِيدًا، وَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ: لَمَمْتُ الشَّيْءَ إِذَا جَمَعْتُهُ وَالتُّرَاثُ أَصْلُهُ الْوَارِثُ مِنْ: وَرِثْتُ، التَّاءُ فِيهِ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ، يُقَالُ: إِنَّهُ أَرَادَ تراث الْيَتَامَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 {وتحبون المَال حبا جماً} {كثيرا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 2 - ! (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دكا} أَيْ: صَارَتْ مُسْتَوِيَةً. قَالَ مُحَمَّدٌ: معنى (دكت): دُقَّتْ جِبَالُهَا وَأَنْشَازُهَا حَتَّى اسْتَوَتْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَعْنِي: صُفُوفَ الْمَلائِكَةِ كُلَّ أَهْلِ سَمَاءٍ عَلَى حِدَةٍ. قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مُدَّتِ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ ثُمَّ يَحْشُرُ اللَّهُ فِيهَا الْخَلائِقَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، ثُمَّ أَخَذُوا مَصَافَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِمِثْلِ مَنْ فِي الْأَرْضِ، وَبِمِثْلِهِمْ مَعَهُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ أَضَاءَتِ الْأَرْضُ لِوُجُوهِهِمْ، وَخَرَّ أَهْلُ الْأَرْضِ سَاجِدِينَ، وَقَالُوا: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟! قَالُوا: لَيْسَ فِينَا وَهُوَ آتٍ. ثُمَّ أَخَذُوا مَصَافَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ بِمِثِلِ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 وَالْمَلائِكَةِ الَّذِينَ نَزَلُوا قَبْلَهُمْ وَمِثْلِهِمْ مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانُوا مَكَانَ أَصْحَابِهِمْ أَضَاءَتِ الْأَرْضُ لِوُجُوهِهِمْ وَخَرَّ أَهْلُ الْأَرْضِ سَاجِدِينَ وَقَالُوا: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ {قَالُوا: لَيْسَ فِينَا وَهُوَ آتٍ. ثُمَّ أَخَذُوا مَصَافَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ بِمِثْلِ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْمَلائِكَةِ الَّذِينَ نَزَلُوا قَبْلَهُمْ وَمِثْلِهِمْ مَعَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانُوا مَكَانَ أَصْحَابِهِمْ أَضَاءَتِ الْأَرْضُ لِوُجُوهِهِمْ، وَخَرَّ أَهْلُ الْأَرْضِ ساجدين (ل 393) وَقَالُوا: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟} قَالُوا: لَيْسَ فِينَا وَهُوَ آتٍ، وَيَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ عَلَى قَدْرِهِمْ مِنَ التَّضْعِيفِ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيفِ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ السَّادِسَةِ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيفِ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيفِ، حَتَّى يَنْزِلَ الْجَبَّارُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - قَالَ: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة} تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ عَلَى كَوَاهِلِهَا بِأَيْدٍ وَقُوَّةٍ وَحُسْنٍ وَجَمَالٍ، حَتَّى إِذَا جَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَنَادَى بِصَوْتِهِ {لمن الْملك الْيَوْم} فَلَا يجِيبه أحد فَيرد عَلَى نَفْسِهِ {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سريع الْحساب} ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 وَقَوله: {وَجِيء يَوْمئِذٍ بجهنم} يَحْيَى: عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: " يَجِيءُ الرَّبُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي مَلائِكَةِ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَهُمُ الْكَرْوبِيُّونَ لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلا اللَّهُ، فَيُؤْتَى بِالْجَنَّةِ مُفْتَحَةٌ أَبْوَابُهَا يَرَاهَا كُلُّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ عَلَيْهَا مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ، حَتَّى تُوضَعَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ فيوجد رِيحهَا من مسيرَة خَمْسمِائَة عَامٍ، قَالَ: وَيُؤْتَى بِالنَّارِ تُقَادُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ، يَقُودُ كُلَّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ مُصَفَّدَةٌ أَبْوَابُهَا عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ سُودٌ مَعَهُمْ السَّلاسِلُ الطِّوَالُ وَالأَنْكَالُ الثِّقَالُ وَسَرَابِيلُ الْقَطِرَانِ وَمُقَطِّعَاتُ النِّيرَانِ، لأَعْيُنِهِمْ لَمْعٌ كَالْبَرْقِ وَلِوُجُوهِهِمْ لَهَبٌ كَالنَّارِ، شَاخِصَةٌ أَبْصَارُهُمْ لَا يَنْظُرُونَ إِلَى ذِي الْعَرْشِ تَعْظِيمًا لَهُ، فَإِذَا أُدْنِيَتِ النَّارُ، فَكَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَلائِقِ مسيرَة خَمْسمِائَة عَامٍ زَفَرَتْ زَفْرَةً، لمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَأَخَذَتْهُ الرَّعْدَةُ وَصَارَ قَلْبَهُ معلقاُ فِي حَنْجَرَتِهِ، فَلا يَخْرُجُ وَلا يَرْجِعُ إِلَى مَكَانِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 فَيُنَادِي إِبْرَاهِيمُ: رَبِّ لَا تُهْلِكْنِي بِخَطِيئَتِي، وَيُنَادِي نُوحٌ وَيُونُسُ، وَتُوضَعُ النَّارُ عَنْ يَسَارِ الْعَرْشِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْمِيزَانِ فَيُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - ثُمَّ يُدْعَى الْخَلائِقُ لِلْحِسَابِ ". قَوْلُهُ: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَان} أَيْ: يَتُوبُ، وَهُوَ الْمُشْرِكُ {وَأَنَّى لَهُ الذكرى} أَيْ: وَكَيْفَ لَهُ التَّوْبَةُ وَهِيَ لَا تقبل يَوْم الْقِيَامَة؟! الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 {يَقُول يَا لَيْتَني قدمت} فِي الدُّنْيَا {لحياتي} بَعْدَ الْمَوْتِ، يَتَمَنَّى لَوْ آمَنَ فِي الدُّنْيَا فَيَحْيَا فِي الْجَنَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلَا يوثق وثَاقه أحد} يَقُولُ: لَا يُعَذِّبُ عَذَابَ اللَّهِ أحد، ويوثق وثاق الله أحد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} وَهُوَ الْمُؤْمِنُ نَفْسُهُ مُطْمَئِنَّةٌ آمِنَةٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 {ارجعي إِلَى رَبك راضية} قد رضيت الثَّوَاب {مرضية} قد رَضِي عَنْك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 {فادخلي فِي عبَادي} تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ مَعَ عِبَادِي {وَادْخُلِي جنتي}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 تَفْسِيرُ سُورَةِ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا (بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) تَفْسِير سُورَة الْبَلَد من آيَة 1 - 20 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 قَوْله: {لَا أقسم} أَي: أقسم {بِهَذَا الْبَلَد} يَعْنِي: مَكَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 {وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} وَهَذَا حِينَ أُحِلَّتْ لَهُ مَكَّةُ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَوْمَ الْفَتْحِ. تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: يَقُولُ: لَا تُؤَاخَذُ بِمَا فَعَلْتَ فِيهِ، وَلَيْسَ عَلَيْك فِيهِ مَا على الماس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 {ووالد} يَعْنِي: آدم {وَمَا ولد} وَهَذَا كُله قسم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: يُكَابِدُ عَمَلَ الدُّنْيَا، وَإِذَا كَانَ مُؤْمِنًا كَابَدَ أَيْضًا عمل الْآخِرَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أحد} يَعْنِي: أَلَّا يَقْدِرَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمُشْرِكُ يَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَبْعَثهُ الله بِعْ الْمَوْت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 {يَقُول أهلكت مَالا لبدا} كَثِيرًا، أَيْ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 أَكَلْتُ وَأْتَلَفْتُ، فَمَنْ ذَا الَّذِي يُحَاسِبُنِي؟! فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ. قَالَ مُحَمَّد: (لبدا) هُوَ مِنَ التَّلْبِيدِ، كَأَنَّ بَعْضَهُ على بعض. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} أَيْ: لَمْ يَرَهُ اللَّهُ حِينَ أَهْلَكَ ذَلِكَ الْمَالَ، أَيْ: بَلَى قد رَآهُ الله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وشفتين} فَالَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَبْعَثهُ فيحاسبه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 {وهديناه النجدين} أَيْ: بَصَّرْنَاهُ السَّبِيلَيْنِ: سَبِيلَ الْهُدَى، وسبيل الضَّلَالَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 {فَلَا اقتحم الْعقبَة} أَيْ: لَمْ يَقْتَحِمِ الْعَقَبَةَ، وَهَذَا خَبَرٌ، أَيْ: أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْعَرَبُ تَقُولُ: لَا فعل بِمَعْنى لم يفعل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 قَالَ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} يَقُوله (ل 394) للنَّبِي [صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم] أَيْ: أَنَّكَ لَمْ تَكُنْ تَدْرِي حَتَّى أعلمتك مَا الْعقبَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 {فك رَقَبَة} أَيْ: عِتْقُ رَقَبَةٍ مِنَ الرِّقِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مسغبة} مجاعَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 {يَتِيما ذَا مقربة} قرَابَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 {أَو مِسْكينا ذَا مَتْرَبَة} يَعْنِي: اللَّاصِقَ بِالتُّرَابِ مِنَ الْحَاجَةِ، فِي تَفْسِير الحَسَن. قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ {فك رَقَبَة} فَالْمَعْنَى: اقْتِحَامُ الْعَقَبَةِ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ يَحْيَى. وَقَالُوا: تَرَبَ الرَّجُلُ تَرْبًا بِإِسْكَانِ الرَّاءِ إِذَا لَصِقَ بِالتُّرَابِ وَتَرَبَ تَرَبًا بِفَتْحِ الرَّاءِ إِذَا افْتَقَرَ وَأَتْرَبَ إِتْرَابًا إِذَا اسْتَغْنَى. قَالَ الْحَسَنُ: وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنَّ قَوْمًا يَفْعَلُونَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَ لَا يُرِيدُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 الله بِهِ لَيْسُوا بمؤمنين، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 فَاشْترط فَقَالَ: {ثمَّ كَانَ} (الَّذِي فَعَلَ) هَذَا {مِنَ الَّذِينَ آمنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ} عَلَى مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَعَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ {وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} بِالتَّرَاحُمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (ثمَّ) هَاهُنَا فِي معنى الْوَاو. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 {أُولَئِكَ أَصْحَاب الميمنة} يَعْنِي: الميامين عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ. يَحْيَى: عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]: " مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً فَهِيَ فِكَاكُهُ مِنَ النَّارِ ". يَحْيَى: عَنِ الْجَارُودِ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم]: " أَيُّمَا مُسْلِمٍ أَطْعَمَ مُسْلِمًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ من ثمار الْجنَّة ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ المشئمة} أَصْحَابُ الشُّؤْمِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ {عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 تَفْسِيرُ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَفْسِير سُورَة الشَّمْس من آيَة 1 - 15 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 قَوْله: {و َالشَّمْس وَضُحَاهَا} أَي: وضوئها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 {وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا} إِذا تبعها لَيْلَة الْهلَال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 {وَالنَّهَار إِذا جلاها} يَعْنِي " ظلمَة اللَّيْل فأذهبها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 {وَاللَّيْل إِذا يَغْشَاهَا} إِذا غشي الشَّمْس فأذهبها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 {وَالسَّمَاء وَمَا بناها} أَيْ: وَالَّذِي بَنَاهَا، أَقْسَمَ بِالسَّمَاءِ وبنفسه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 {وَالْأَرْض وَمَا طحاها} أَيْ: وَالَّذِي بَسَطَهَا، يَعْنِي: نَفْسَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 {وَنَفس وَمَا سواهَا} أَيْ: وَالَّذِي سَوَّاهَا، يَعْنِي: نَفْسَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 {فألهمها فجورها وتقواها} بَيَّنَ اللَّهُ لَهَا الْفُجُورَ وَالتَّقْوَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 {قد أَفْلح من زكاها} يَعْنِي: مَنْ زَكَّى اللَّهُ نَفْسَهُ فهداها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 {وَقد خَابَ من دساها} أَيْ: مَنْ دَسَّى اللَّهُ نَفْسَهُ، أَيْ: أَشْقَاهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: {دَسَّاهَا} أَصْلُ الْكَلِمَةِ (دَسَّسَهَا) فَقُلِبَتِ السِّينُ الْوَاحِدَةُ يَاءً، الْمَعْنَى: جَعَلَهَا قَلِيلَةً خَسِيسَةً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 قَالَ يَحْيَى: هَذَا كُلُّهُ قَسَمٌ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هَذَا الْموضع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 {كذبت ثَمُود بطغواها} أَيْ: بِطُغْيَانِهَا؛ وَعَلَى هَذَا وَقَعَ الْقسم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 {إِذْ انْبَعَثَ أشقاها} وَهُوَ أَحْمَرُ ثَمُودَ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ، وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُهَا فِي سُورَة هود الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 {فَقَالَ لَهُم رَسُول الله} صَالِحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ: {نَاقَةَ اللَّهِ وسقياها} أَيْ: اتَّقُوا نَاقَةَ اللَّهِ لَا تمسوها بِسوء وَاتَّقوا (سقياها) شربهَا لَا تمنعوها مِنْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ} أهلكهم {فسواها} بالعقوبة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 {وَلَا يخَاف عقباها} أَيْ: لَا يَخَافُ اللَّهُ أَنْ يُتَّبَعَ بِذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 تَفْسِيرُ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَهِيَ مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة اللَّيْل من آيَة 1 إِلَى آيَة 21] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 قَوْله: {و َاللَّيْل إِذا يغشى} إِذَا غَشِيَ النَّهَارَ، فَأَذْهَبَ ضَوْءَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 {وَالنَّهَار إِذا تجلى} ظهر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 {وَمَا خلق الذّكر} أَيْ: وَالَّذِي خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى - يَعْنِي: نَفْسَهُ - وَهَذَا كُلُّهُ قَسَمٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 {إِن سعيكم لشتى} يَعْنِي: سَعْيَ الْمُؤْمِنِ وَسَعْيَ الْكَافِرِ وَهُوَ عَمَلُهُمَا. {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 {وَصدق بِالْحُسْنَى} بالثواب وَهُوَ الْجنَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 {فسنيسره لليسرى} لعمل الْجنَّة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 {وَأما من بخل} بِمَا عِنْدَهُ أَنْ يَتَقَرَّبَ بِهِ إِلَى ربه {وَاسْتغْنى} عَن ربه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 {فسنيسره للعسرى} لعمل النَّار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تردى} تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: إِذَا تَرَدَّى فِي النَّار، وَقيل: تردى: مَاتَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 (إِن علينا للهدى} أَيْ: نُبَيِّنُ لَكُمْ سَبِيلَ الْهُدَى وسبيل الضَّلَالَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 {لَا يصلاها إِلَّا الأشقى} لَا يخلدها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 {الَّذِي كذب وَتَوَلَّى} كَذَّبَ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَتَوَلَّى عَنْ طَاعَة الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 {وسيجنبها الأتقى} يجنب النَّار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 {الَّذِي يُؤْتِي مَاله يتزكى} يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ؛ تَفْسِيرُ الْحسن: إِن هَذَا تطوع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 {وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تجزى} أَيْ: لَيْسَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِنِعْمَةٍ (ل 395) يجزى بهَا أحدا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 {إِلَّا ابْتِغَاء} أَيْ: لَيْسَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا ابْتِغَاءَ {وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يرضى} الثَّوَابَ فِي الْجَنَّةِ، وَيُقَالُ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حِينَ أَعْتَقَ بِلالًا وَسِتَّةً مَعَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 تَفْسِيرُ وَالضُّحَى وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم [تَفْسِير سُورَة الضُّحَى من آيَة 1 إِلَى آيَة 1] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 قَوْله: {و َالضُّحَى} يَعْنِي: ضُحَى النَّهَارِ وَهُوَ ضَوْؤُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 {وَاللَّيْل إِذا سجى} إِذَا أَظْلَمَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ: سَجَى: سَكَنَ؛ وَذَلِكَ عِنْدَ تَنَاهِي ظَلامِهُ وَرُكُودِهُ. قَالَ يَحْيَى: وَهَذَا قسم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ {وَدَّعَكَ} مُثَقَّلَةٌ، وَ {وَدَعَكَ} خَفِيفَةٌ؛ فَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّثْقِيلِ يَقُولُ: لَمْ يُوَدِّعْكَ فَيَكُونُ آخِرُ الْفَرَاغِ مِنَ الْوَحْيِ، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّخْفِيفِ يَقُولُ: مَا تَرَكَكَ رَبُّكَ مِنْ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْكَ الْوَحْيُ، وَذَلِكَ أَنَّ جِبْرِيلَ أَبْطَأَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم بِالْوَحْيِ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدْ وَدَّعَهُ رَبُّهُ وَأَبْغَضَهُ! قَوْلُهُ: {وَمَا قَلَى} أَي: وَمَا أبغضك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 يَعْنِي: من الدُّنْيَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 {ولسوف يعطيك رَبك} فِي الْجَنَّةِ {فَتَرْضَى} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 {ألم يجدك يَتِيما فآوى} قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَقُولُ: وَجَدَكَ يَتِيمًا عِنْدَ أَبِي طَالب فآواك إِلَى خَدِيجَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 {ووجدك ضَالًّا فهدى} كَقَوْلِهِ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا من أمرنَا} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكتاب وَلَا الْإِيمَان} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 {ووجدك عائلا} أَي فَقِيرا: {فأغنى} قَالَ مُحَمَّد: جَاءَ عَنِ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فأغنى} أَيْ: فَرَضَّاكَ بِمَا أَعْطَاكَ مِنَ الرِّزْقِ ذَهَبَ إِلَى غِنَى النَّفْسِ. وَيُقَالُ: عَالَ الرَّجُلُ إِذَا افْتَقَرَ، وأعال إِذْ كثر عِيَاله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 {فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر} لَا تَقْهَرْهُ فَتَمْنَعْهُ حَقَّهُ الَّذِي أَمر الله بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 {وَأما السَّائِل فَلَا تنهر} أَيْ: لَا تَنْهَرْهُ: إِمَّا أَعْطَيْتَهُ، وَإِمَّا رَددته ردا لينًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 {وَأما بِنِعْمَة رَبك} بِالْقُرْآنِ {فَحدث} قَالَ مُحَمَّدٌ: يَقُولُ: بَلِّغْ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ وَحَدِّثْ بِالنُّبُوَّةِ وَهِيَ أَجَلُّ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ يَحْيَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 تَفْسِيرُ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم [تَفْسِير سُورَة الشَّرْح من آيَة إِلَى آيَة 8] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 قَوْلُهُ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} يَعْنِي: بِالْإِيمَانِ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 {ووضعنا عَنْك وزرك} الْوِزْرُ: الْحِمْلُ، وَهِيَ الذُّنُوبُ الَّتِي كَانَت عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 {الَّذِي أنقض ظهرك} أَي: أثقله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 {ورفعنا لَك ذكرك} بِالنُّبُوَّةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعسر يسرا} بلغنَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ قَالَ ((لن يغلب عسر يسرين)). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 قَالَ: {فَإِذا فرغت فانصب} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ الصَّلَاة فانصب فِي الدُّعَاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 {وَإِلَى رَبك فارغب} تَضَرَّعْ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: {فَإِنَّ مَعَ الْعسر يسرا} فَذَكَرَ الْعُسْرَ مَعَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ، ثُمَّ ثَنَّى ذِكْرَهُ، فَصَارَ الْمَعْنَى: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَيْنِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 تَفْسِيرُ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [تَفْسِير سُورَة التِّين من آيَة 1 إِلَى 8] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 قَوْله: {و التين وَالزَّيْتُون} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: التِّينُ: جَبَلُ دِمَشْقَ، وَالزَّيْتُون: جبل بَيت الْمُقَدّس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 {وطور سِنِين} الطُّورُ: الْجَبَلُ، وَسِنِينَ: الْحَسَنُ؛ وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي نَادَى اللَّهُ مِنْهُ مُوسَى؛ فِي تَفْسِير الْحسن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 {وَهَذَا الْبَلَد الْأمين} يَعْنِي: الْآمِنَ يُرِيدُ مَكَّةَ؛ يَقُولُ: إِنَّكُمْ تَأْمَنُونَ فِيهِ مِنَ الْقَتْلِ والسِّبَاءِ، وَالْعَرَبُ تَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَسْبِي بَعْضُهَا بَعْضًا، وَكَانَ هَذَا قبل أَن يُؤمر بِالْقِتَالِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم} فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، أَقْسَمَ بِهَذَا كُلِّهِ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هَذَا الْموضع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَعْنِي: بِالْإِنْسَانِ هَاهُنَا الْمُشرك و (أَسْفَل سافلين} يُرِيدُ جَهَنَّمَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قِيلَ: الْمَعْنَى: رَدَدْنَاهُ إِلَى أَمَاكِنَ سَافِلَةٍ، يُقَالُ: سَفُلَ الرَّجُلَ فَهُوَ سَافِلٌ إِذا كَانَ ذليلاً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} اسْتَثْنَى مَنْ آمَنَ {فَلَهُمْ أَجْرٌ} أَي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 ثَوَاب {غير ممنون} قَالَ الْحَسَنُ: غَيْرُ مَمْنُونٍ عَلَيْهِمْ من أَذَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 {فَمَا يكذبك بعد بِالدّينِ} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: قَالَ: يَقُولُ لِلْمُشْرِكِ: فَمَا يُكَذِّبُكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ بَعْدُ بِالْحِسَابِ يَوْم الْقِيَامَة، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 ثُمَّ قَالَ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمين} أَيْ: بَلَى هُوَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 تَفْسِيرُ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم [تَفْسِير سُورَة العلق من آيَة 1 إِلَى آيَة 19] (ل 396) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 قَوْلُهُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خلق} ((أَوَّلُ مَا كَلَّمَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَبَدَّى لَهُ قَالَ لَهُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 قَوْله: {الَّذِي علم بالقلم} وَهُوَ الْكتاب بالقلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 {كلا} قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهَا حَقًا {إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: يَعْنِي: يَرْتَفِعُ مِنْ مَنْزِلَةٍ إِلَى مَنْزِلَةٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: نزلت فِي أبي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 جَهْلٍ {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} الْمرجع يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صلى} كَانَ أَبُو جَهْلٍ يَنْهَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 {أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى أَو أَمر بالتقوى} وَهُوَ مُحَمَّدٌ، كَانَ عَلَى الْهُدَى وَأمر الْعباد بِطَاعَة الله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 {أَرَأَيْت إِن كذب وَتَوَلَّى} يَعْنِي: أَبَا جَهْلٍ كَذَّبَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَتَوَلَّى عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} عمله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 {كلا لَئِن لم ينْتَه} أَبُو جهل عَن كفره وتكذبيه {لنسفعن بالناصية} لَنَأْخُذَنَّ بِنَاصِيَتِهِ تَجُرُّهُ الْمَلائِكَةُ بِنَاصِيتَهِ فَتُلْقِيهِ فِي النَّارِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: سَفَعَتَ بِالشَّيْءِ إِذَا قَبَضْتَ عَلَيْهِ وجبذته جبذاً شَدِيدا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 {فَليدع نَادِيه سَنَدع الزَّبَانِيَة} فَلْيَدْعُ أَبُو جَهْلٍ إِذَا دَعَوْنَا بالزبانية خَزَنَةَ النَّارِ فَجَرُّوا بِنَاصِيَتِهِ إِلَى النَّارِ فَلْيَدْعُ حِينَئِذٍ نَادِيَهُ؛ يَعْنِي: عَشِيرَتَهُ وَجُلَسَاءَهُ فَلْيَمْنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاحِدُ الزَّبَانِيَةِ: زِبْنِيَةٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الزَّبْنِ، وَالزَّبْنُ: الدَّفْعُ؛ كَأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ أَهْلَ النَّارِ إِلَيْهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 {كلا لَا تطعه} لَا تُطِعْ أَبَا جَهْلٍ فِيمَا؛ يَأْمُرك بِهِ يَقُولُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم {واسجد} أَي: وصل لِرَبِّك {واقترب} وَهُوَ الدُّنُوُّ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ إِذَا كَانَ سَاجِدًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 تَفْسِيرُ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم [تَفْسِير سُورَة الْقدر من آيَة 1 إِلَى آيَة 5] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 قَوْلُهُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة ِ الْقدر} تَفْسِيرُ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: ((أُنْزِلَ الْقُرْآنُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ جَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْزِلُ نُجُومًا ثَلاثَ آيَاتٍ، وَأَرْبَعَ آيَاتٍ، وَخَمْسَ آيَاتٍ، وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {فَلا أقسم بمواقع النُّجُوم} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 قَالَ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألف شهر} تَفْسِيرُ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْعَمَلُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَا تُوافِقُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ. يَحْيَى: عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ أَوْ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: ((الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ)). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 يَحْيَى، عَنْ فِطْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ قَالَ: ((كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَيُشَمِّرُ فِيهِنَّ لِلصَّلاةِ)). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 قَوْلُهُ: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذن رَبهم} الرُّوحُ: جِبْرِيلُ؛ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ {من كل أَمر} يَعْنِي: بِكُلِّ أَمْرٍ؛ فِي تَفْسِيرِ السّديّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} يَعْنِي: هِيَ خَيْرٌ كُلُّهَا إِلَى مَطْلَعِ الْفَجْرِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: (الْمَطْلَعُ) بِفَتْحِ اللَّامِ: طُلُوعُ الشَّمْسِ، وَالْمَطْلِعُ بِالْكَسْرِ مِنْ حَيْثُ تَطْلُعْ، وَقَالُوا: الْقَدْرُ وَالْقَدَرُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، يُرِيدُونَ مَا يُقَّدِّرُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 تَفْسِير لم يكن الَّذِي كَفَرُوا وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ كُلُّهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم [تَفْسِير سُورَة الْبَيِّنَة من آيَة 1 إِلَى آيَة 8] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 قُولُهُ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} أَيْ: مُنْتَهِينَ عَنْ كُفْرِهِمْ {حَتَّى تأتيهم الْبَيِّنَة} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 {رَسُول من الله} وَهُوَ مُحَمَّد صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم {يَتْلُو صحفا} يَعْنِي: الْقُرْآن {مطهرة} من الشّرك وَالْكفْر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 {فِيهَا كتب قيمَة} أَيْ: مُسْتَقِيمَةٌ لَا عِوَجَ فِيهَا؛ يَعْنِي: الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَة} قَالَ مُحَمَّدٌ: قِيلَ: يَعْنِي: مَا تَفَرَّقُوا فِي مِلَلِهِمْ وَكُفْرِهِمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَّلَّمَ إِلَّا أَنْ تَفَطَّنُوا أَنَّهُ الَّذِي وُعِدُوا بِهِ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخلصين لَهُ الدّين حنفَاء} وَالْحَنِيفُ فِي تَفْسِيرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 الْحَسَنِ: الْمِخْلِصُ {وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاة} أَيْ: يُقِرُّونَ بِهَا {وَذَلِكَ دِينُ الْقيمَة} تَفْسِير السّديّ: الْملَّة المستقيمة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 {أُولَئِكَ هم شَرّ الْبَريَّة} يَعْنِي: الْخَلْقَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَكْثَرُ الْقِرَاءَة (الْبَريَّة) (ل 397) بِلا هَمْزٍ؛ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَاشْتِقَاقِ اللَّفْظَةِ مِنْ: بَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ [ابْتَدَأَهُ]. يَحْيَى: عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي الْمُهَزَّمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((الْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ من الْمَلَائِكَة الَّذين عِنْده)). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 قَوْلُهُ: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنهُ} أَيْ: وَرَضُوا ثَوَابَهُ {ذَلِكَ لِمَنْ خشِي ربه}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 تَفْسِيرُ إِذَا زُلْزِلَتِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [تَفْسِير سُورَة الزلزلة من آيَة 2 إِلَى آيه] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 قَوْلُهُ: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} يَعْنِي: تَحَرَّكَتْ مِنْ نَواحِيهَا كُلِّهَا؛ وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 {وأخرجت الأَرْض أثقالها} أَلْقَتْ مَا فِيهَا مِنَ الْأَمْوَاتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 {وَقَالَ الْإِنْسَان} الْمُشرك: {مَا لَهَا} تحركت؟! الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 قَالَ اللَّهُ: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} بِمَا أَلْقَتْ مِمَّا كَانَ فِي بَطنهَا من الْأَمْوَات الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 {بِأَن رَبك أوحى لَهَا} أَيْ: أَمَرَهَا - فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ - أَنْ تُلْقِيَ مَا فِي بَطْنِهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 {يَوْمئِذٍ يصدر النَّاس أشتاتا} من بَين يَدي الله؛ أَي: مُخْتَلِفِينَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَبَعْضُهُمْ إِلَى النَّار {ليروا أَعْمَالهم} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يره} وزن ذرة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يره} فِي عَمَلِ الآخِرَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 تَفْسِيرُ الْعَادِيَاتِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا وَقِيلَ: إِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم [تَفْسِير سُورَة العاديات من آيَة 1 إِلَى آيَة 1] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 قَوْله: {و َالْعَادِيات ضَبْحًا} تَفْسِيرُ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ الْخَيْلُ، وضبحها: أنفاسها إِذا جرت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 {فالموريات قدحا} تُصِيبُ الْحِجَارَةَ بِحَوَافِرِهَا فَتَخْرُجُ مِنْهَا النَّارُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ضَبْحَهَا صَوْتُ أَجْوَافِهَا إِذَا عدت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 قَوْله: {فالمغيرات صبحا} قَالَ الْحَسَنُ: هِيَ الْخَيْلُ تُغِيرُ عَلَى الْعَدُوِّ إِذَا أَصْبَحَتْ. قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: ((إِنَّ قَوْمًا كَانَ بَينهم وَبَين النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَنَقَضُوهُ - وَهُمْ أَهْلُ فَدَكٍ - فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ خَيْلَهُ فَصَبَّحُوهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 {فأثرن بِهِ نقعا} تُثِيرُ التُّرَابَ بِحَوَافِرِهَا؛ فِي تَفْسِيرِ الْحسن. قَالَ مُحَمَّد: النَّقْع: حَقِيقَة فِي اللُّغَةِ الْغُبَارُ. وَقَالَ: (بِهِ) وَلَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ الْمَكَانِ؛ إِذْ فِي الْكَلَام دَلِيل عَلَيْهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 {فوسطن بِهِ جمعا} أَيْ: جَمْعًا مِنَ النَّاسِ أَغَارَتْ عَلَيْهِ؛ يَعْنِي: مِنَ الْعَدُوِّ. قَالَ مُحَمَّد: معنى (وسطن): تَوَسَّطْنَ. قَالَ يَحْيَى: وَهَذَا كُلُّهُ قسم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 {إِن الْإِنْسَان لرَبه لكنود} وَهُوَ الْكَفُورُ فِي تَفْسِيرِ الْعَامَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 {وَإنَّهُ على ذَلِك لشهيد} يَعْنِي: عَلَى كُفْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 {وَإنَّهُ لحب الْخَيْر} المَال {لشديد} لبخيل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُور} أُخْرِجَ مَا فِيهَا مِنَ الْأَمْوَاتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 {وَحصل مَا فِي الصُّدُور} أَيْ: مُيِّزَ كَقَوْلِهِ: {يَوْمَ تُبْلَى السرائر} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} لَعَالِمٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَارِعَةِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [تَفْسِير سُورَة القارعة من آيَة 1 إِلَى آيَة 1] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 قَوْلُه ُ: {الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ} يُعَظِّمُهَا بِذَلِكَ، وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقِيَامَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَقْرَعُ بِالْأَهْوَالِ؛ يُقَالُ: أَصَابَتْهُم قوارع الدَّهْر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} الْمَبْسُوطِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْفَرَاشُ: مَا تَسَاقَطَ فِي النَّار من البعوض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 {وَتَكون الْجبَال كالعهن} كالصوف {المنفوش} وَهُوَ أَضْعَفُ الصُّوفِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاحِدُ الْعِهْنِ: (عِهْنَةٌ) مِثْلُ صُوفَةٍ وَصُوفٍ. قَالَ يَحْيَى: وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ (كَالصُّوفِ الْأَحْمَرِ المنفوش). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 {فَأَما من ثقلت مَوَازِينه} وَهُوَ الْمُؤمن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 {فَهُوَ فِي عيشة} أَي: معيشة {راضية} قَدْ رَضِيَهَا وَهِيَ الْجَنَّةُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 قَالَ مُحَمَّد: (راضية) مَعْنَاهُ: مُرْضِيَةٌ، وَقَدْ قِيلَ: ذَاتُ رضَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 {وَأما من خفت مَوَازِينه} وَهُوَ الْمُشرك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 {فأمه هاوية} وَالْهَاوِيَةُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ وَهُوَ البَّابُ الْأَسْفَلُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: معنى (أمه): مَسْكَنه، وَقيل: (أمه) لِمَسْكَنِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي السُّكُونِ إِلَى الْأُمَّهَاتِ. قَالَ يَحْيَى: عَنِ الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَن أَرْوَاحَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى عَشَائِرِكُمْ وَقَرَابَتِكُمْ مِنْ مَوْتَاكُمْ؛ فَإِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ اسْتَقْبَلُوهُ كَمَا يُسْتَقْبَلُ الْبَشِيرُ، فَيَقُولُونَ: دَعُوهُ حَتَّى يَسْكُنَ؛ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ فِي كَرْبٍ وَغَمٍّ فَيَسْأَلُونَهُ (ل 398) عَن الرجل فَإذْ ذَكَرَ خَيْرًا حَمِدُوا اللَّهَ وَاسْتَبْشَرُوا وَقَالُوا: اللَّهُمَّ سَدِّدْهُ، وَإِذَا ذَكَرَ شَرًّا اسْتَغْفَرُوا لَهُ، فَإِذَا سَأَلُوهُ عَنْ إِنْسَانٍ قَدْ مَاتَ قَبْلَهُ قَالَ: أَيْهَاتُ مَاتَ ذَلِكَ قَبْلِي أَمَا مَرَّ بِكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ بِئْسَتِ الْأُمِّ وَبِئْسَتِ الْمُرَبِّيَةِ فَمَا يَزَالُونَ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى يَقُولُونَ: هَلْ تَزَوَّجَ فُلانٌ؟ هَلْ تَزَوَّجَتْ فُلانَةٌ؟)). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 تَفْسِيرُ سُورَةِ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ وَهِيَ مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم [تَفْسِير سُورَة التكاثر من آيَة 1 إِلَى آيَة 8] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 قَوْله: {أَلْهَاكُم التكاثر } أَي فِي: الدُّنْيَا عَنِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ التَّكَاثُرُ فِي الْمَالِ وَالْولد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 {حَتَّى زرتم الْمَقَابِر} أَيْ: حَتَّى مُتُّمْ. يَحْيَى: عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ ((أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَهُ يَقْرَأُ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِر} فَقَالَ: يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَمَا لَكَ مِنْ مَالِكَ يَا ابْن آدَمَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فأمضيت)). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوف تعلمُونَ} وَهَذَا وعيداً بعد وَعِيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِين} أَيْ: أَنَّ عِلْمَكُمْ لَيْسَ بِعِلْمِ الْيَقِينِ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ وَأَنَّ عِلْمَ الْمُؤمنِينَ هُوَ علم الْيَقِين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 {لترون الْجَحِيم} قَالَ محمدٌ: الِاخْتِيَار فِي الْقِرَاءَة {لترون} بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْوَاوِ غَيْرِ مَهْمُوزَة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 {ثمَّ لترونها عين الْيَقِين} يَعْنِي: بالمعاينة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} يَحْيَى: عَنْ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((ثَلاثٌ لَيْسَ لَكَ مِنْهُنَّ بُدٌّ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهِنَّ تَبِعَةٌ: بَيْتٌ يُكِنُّكَ، وَثَوْبٌ تُوَارِي بِهِ عَوْرَتَكَ، وَطَعَامٌ تُقِيمُ بِهِ صُلْبَكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 تَفْسِيرُ سُورَةِ وَالْعَصْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [تَفْسِير سُورَة الْعَصْر من آيَة 1 إِلَى آيَة 3] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 قَوْله: {و َالْعصر} يَعْنِي: عَصْرَ النَّهَارِ؛ وَهُوَ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى اللَّيْلِ وَهُوَ قسم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 {إِن الْإِنْسَان لفي خسر} من الْجنَّة، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنَ النَّاسِ فَقَالَ: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} بِالتَّوْحِيدِ {وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ} عَلَى الْفَرَائِضِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْعَصْرُ أَيْضًا لَيْلَةٌ، وَالْيَوْمُ عَصْرٌ أَيْضًا. قَالَ الشَّاعِرُ (وَكُنْ يَلْبَثَ الْعَصْرَانِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ... إِذَا طَلَبَا أَنْ يُدْرِكَا مَا تَيَمَّمَا) وَالدَّهْرُ عَصْرٌ أَيْضًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 تَفْسِيرُ سُورَةِ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الْهمزَة من آيَة 1 - 9 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 قَوْلُهُ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} وَهُوَ الَّذِي يَطْعَنُ عَلَى النَّاسِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 {الَّذِي جمع مَالا وعدده} وَهِي تقْرَأ على وَجْهَيْن بالتثقيل وَالتَّخْفِيفِ، فَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّثْقِيلِ يَقُولُ: أَحْصَى عَدَدَهُ، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّخْفِيفِ يَقُول: أعده الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 {يحْسب أَن مَاله أخلده} أَيْ: يَحْسَبُ أَنَّهُ يُخَلِّدُ فِيهِ حَيَاته الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 {كلا لينبذن} ليرمين بِهِ {فِي الحطمة} وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 {الَّتِي تطلع على الأفئدة} يَقُولُ: تَأْكُلُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْفُؤَادِ، فَيَصِيحُ الْفُؤَادُ، ثُمَّ يُجَدَّدُ خَلْقَهُمْ، ثُمَّ تأكلهم أَيْضا حَتَّى يتنهى إِلَى الْفُؤَاد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 {إِنَّهَا عَلَيْهِم موصدة} مطبقة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 {فِي عمد ممددة} قَالَ قَتَادَةُ: لَهَا عَمَدٌ هِيَ مُمَدَّدَةٌ بِهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 تَفْسِيرُ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ وَهِيَ مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الْفِيل من آيَة 1 - 4 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 قَوْله: {ألم تَرَ} تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ يَعْنِي: أَلَمْ تُخْبَرْ {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَاب ِ الْفِيلِ} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ هَذَا خَبَرٌ أَخْبَرَ اللَّه بِهِ النَّبي [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم] وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ أَهْلَ الْحَرَمِ هَدَمُوا كَنِيسَةً لِلْحَبَشَةِ وَهُمْ نَصَارَى فَقَالَ أَبْرَهَةُ بْنُ الصَّبَّاحِ: لَنَهْدِمَنَّ كَعْبَةَ الْعَرَبِ كَمَا هَدَمُوا كَنِيسَتِنَا وَكَانَ أَبْرَهَةُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ مَلَّكَتْهُ الْحَبَشَةُ عَلَيْهِمْ فَبَعَثَ بِالْفِيلِ وَبِالْجُنُودِ فَجَاءَ حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى الْحَرَمِ أَلْقَى بِجِرَانِهِ فَسَقَطَ فَوَجَّهُوهُ نَحْوَ مَنَازِلهِمْ فَذَهَبَ يَسْعَى فَإِذَا وُجِّهَ نَحْوَ الْحَرَمِ أَلْقَى بجرانه (ل 399) وَلَمْ يَتَحَرَّكْ وَإِذَا وُجِّهَ نَحْوَ مَنَازِلِهِمْ ذَهَبَ يَسْعَى. قَالَ مُحَمَّدٌ: الْجِرَانُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: مَا بَين النَّحْر والصدر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 قَوْلُهُ: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تضليل} أَي: فِي ذهَاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 {وَأرْسل عَلَيْهِم طيرا أبابيل} تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: الْأَبَابِيلُ: الزُّمْرُ زُمْرَةٌ مُتَتَابِعَةً. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاحِدُ الْأَبَابِيلِ: إِبَالَةٌ، وَقَدْ قِيلَ: لَا وَاحِدَ لَهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 {ترميهم بحجارة من سجيل} أَيْ: مِنْ طِينٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَدْ جَاءَ لِابْنِ عَبَّاس أَن السجيل: الآجد. قَالَ يَحْيَى: كَانَ مَعَ الطَّائِرِ مِنْهَا ثَلاثَةُ أَحْجَارٍ: حَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ، وَحَجَرٌ فِي فِيهِ، فَكَانَ إِذَا وَقَعَ الْحَجَرُ مِنْهَا عَلَى رَأْسِ أَحَدِهِمْ ثَقَبَهُ حَتَّى يَسْقُطَ من دبره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 {فجعلهم كعصف مَأْكُول} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: الْعَصْفُ: وَرَقُ الزَّرْعِ، وَالْمَأْكُولُ: الَّذِي قَدْ أَخْرَقَهُ الدُّودُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْبَقْلِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 تَفْسِيرُ لِإِيلافِ قُرَيْشٍ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَفْسِير سُورَة قُرَيْش من آيَة 1 - 4 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 قَوْلُهُ: {لإِيلاف ِ قُرَيْشٍ} {إِيلافِهِمْ} تعودهم {رحْلَة الشتَاء والصيف} تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: كَانَتْ لَهُمْ رِحْلَةٌ فِي الشِّتَاءِ إِلَى الْيَمَنِ، لِأَنَّهَا حَارَّةٌ، وَأُخْرَى فِي الصَّيْفِ إِلَى الشَّامِ، لِأَنَّهَا بَارِدَةٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقيل {لِإِيلَافِ} مَصْدَرُ أَلَفْتُ تَقُولُ: أَلَفْتُ فُلانًا كَذَا إِيلافًا كَمَا تَقُولُ: أَلْزَمْتُهُ إِيَّاهُ إِلْزَامًا، الْمَعْنَى فَعَلَ هَذَا بِأَصْحَابِ الْفِيلِ لْيُؤْلِفَ قُرَيْشًا هَاتَيْنِ الرحلتين، فتقيم بِمَكَّة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أطْعمهُم من جوع} وَهُوَ مَا كَانَ أَصَابَهُمْ يَوْمَئِذٍ مِنَ الشِّدَّةِ {وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} وَهُوَ الْأَمْنُ الَّذِي كَانَ فِيهِ أَهْلِ الْحَرَمِ وَأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ، بَعْضًا وَهُمْ آمِنُونَ مِمَّا فِيهِ الْعَرَبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 تَفْسِيرُ سُورَةِ أَرَأَيْتَ الَّذِي وَهِيَ مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الماعون من آيَة 1 - 7 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 قَوْلُهُ: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} بِالْحِسَابِ، وَهُوَ الْمُشْرِكُ لَا يُقِرُّ بِالْبَعْثِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 {فَذَلِك الَّذِي يدع الْيَتِيم} يَدْفَعهُ عَن حَقه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَقُولُونَ {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أطْعمهُ}. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 {فويل للمصلين} وهم المُنَافِقُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: هُوَ الْمُنَافِقُ، إِنْ صَلَّاهَا لِوَقْتِهَا لَمْ يَرْجُ ثَوَابَهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا لَمْ يَخْشَ عِقَابَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 {الَّذين هم يراءون} لَا يُصَلُّونَهَا فِي السِّرِّ، وَيُصَلُّونَهَا فِي الْعَلانِيَةِ يُرَاءُونَ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 {وَيمْنَعُونَ الماعون} تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: الْمَاعُونُ: الْقِدْرُ وَالدَّلْوُ وَالرَّحَى وَالْفَأْسُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 تَفْسِيرُ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ وَهِيَ مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الْكَوْثَر من آيَة 1 - 3 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 قَوْلُهُ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} يَحْيَى: عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم]: " بَيْنَمَا أَنَا فِي الْجَنَّةِ إِذَا بِنَهْرٍ حَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى الْمَاءِ فَإِذَا مِسْكٌ أَذْفَرُ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاك الله ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 {فصل لِرَبِّك وانحر} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ يَقُولُ: فَصَلِّ لِرَبِّكَ صَلاةَ الْعِيدِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَانْحَرْ يَوْم النَّحْر {إِن شانئك} مبغضك {هُوَ الأبتر} قَالَ الْكَلْبِيُّ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَّلَّمَ] خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ دَاخِلٌ الْمَسْجِدِ فَالْتَقَيَا عِنْدَ الْبَابِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ لِلْعَاصِ: مَنِ الَّذِي اسْتَقْبَلَكَ عِنْدَ الْبَابِ؟ فَقَالَ: ذَلِكَ الأبتر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر} وَقَالَ: لَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرْتَ مَعِي، وَأَمَّا عَدُوُّ اللَّهِ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَأَبْتِرُ ذِكْرَهُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، فَلا يُذْكَرُ بِخَيْرٍ أَبَدًا ". قَالَ مُحَمَّدٌ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ الْأَبْتَرُ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي مَنْ كَانَ لَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَمَاتَ الْبَنُونُ وَبَقِيَ الْبَنَاتُ: أَبْتَرُ كَذَلِكَ رَأَيْتُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 تَفْسِيرُ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَهِي مَكِّيَّة كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الْكَافِرُونَ من آيَة 1 - 6 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 قَوْله: {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} من الْأَوْثَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أَيْ:: إِنَّكُمْ تَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ وَلا تَعْبدُونَ الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} من الْأَوْثَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أَي: أَنكُمْ تَعْبدُونَ الْأَوْثَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 {لكم دينكُمْ} الْكفْر {ولي دين} الإِسْلامُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " اجْتَمَعَ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا الْفَضْلِ، لَوْ أَنَّ ابْنَ أَخِيكَ اسْتَلَمَ بَعْضَ آلِهَتِنَا لَصَدَّقْنَاهُ فِيمَا يَقُولُ وَلَآمَنَّا بِإِلَهِهِ قَالَ: فَأَتَى الْعَبَّاسُ إِلَى النَّبِيِّ فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ السُّورَةِ فَغَدَا بِهَا رَسُولُ الله إِلَى جَمَاعَةِ قُرَيْشٍ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 تَفْسِيرُ سُورَةِ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ كُلُّهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة النَّصْر من آيَة 1 - 3 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 قَوْلُهُ ": {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} إِلَى قَوْله {أَفْوَاجًا} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مَكَّةَ قَالَتِ الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَيْسَ لَكُمْ بِهَؤُلاءِ الْقَوْمِ يَدَانِ. فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، أَيْ: قبائل قبائل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَعِنْدَ ذَلِكَ نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، وَقِيلَ: اعْلَمْ أَنَّكَ سَتَمُوتُ عِنْدَ ذَلِكَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 تَفْسِيرُ تَبَّتْ يَدَا وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كلهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَفْسِير سُورَة المسد من آيَة 1 - 5 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 قَوْلُهُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} أَي: خسرت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كسب} يَعْنِي: وَلَدَهُ أَيْ: إِذَا صَارَ إِلَى النَّارِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَبُو لَهَبٍ اسْمُهُ: عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكُنْيَتُهُ: أَبُو عُتْبَةَ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ: أَبُو لَهَبٍ - فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ - لِأَنَّ وَجهه كَانَ يتلهب جمالاً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 {وَامْرَأَته حمالَة الْحَطب} تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: كَانَتْ تَضَعُ الشَّوْكَ عَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ {حَمَّالَةُ} بِالرَّفْعِ فَعَلَى مَعْنَى: سَيَصْلَى هُوَ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ، حَمَّالَةُ نَعْتٌ لَهَا، وَمن قَرَأَهَا بِالنّصب {حمالَة} فَنَصْبُهُ عَلَى الذَّمِّ أَعْنِي: حَمَّالَةَ الْحَطب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 {فِي جيدها} عُنُقهَا {حَبل من مسد} تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: الْمَسَدُ: خُيُوطٌ صُفْرٌ وَحُمْرٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ فِي عُنُقِهَا قِلادَةٌ فِيهَا وَدَعَاتٌ فِي مَسَدٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 تَفْسِيرُ سُورَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الْإِخْلَاص من آيَة 1 - 4. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 قَوْلُهُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يَعْنِي: الْوَاحِد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 {الله الصَّمد} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: الصَّمَدُ: البَّاقِي، وَتَفْسِيرُ بَعْضِهِمُ الصَّمَدُ السَّيِّدُ الَّذِي قَدِ انْتهى سؤدده. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ كُفُوًا لَهُ (أَيْ: مِثْلٌ وَشِبْهٌ). تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: " إِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]: انْسِبْ لَنَا رَبَّكَ وَصِفْهُ فَأَنَزْلَ الله هَذِه السُّورَة ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 صفحة فارغة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 تَفْسِيرُ سُورَةِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا فِي قَوْلِ قَتَادَةَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ مَدَنِيَّةٌ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الفلق من آيَة 1 - 5. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 {قل أعوذ بِرَبّ الفلق } تَفْسِيرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: " الفلق: سجن فِي جَهَنَّم ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَعْنِي: اللَّيْلَ إِذَا أطبق الْأُفق بظلمته الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} هِيَ السَّوَاحِرُ، يَنْفُثْنَ فِي الْعُقَدِ للسحر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}. يَحْيَى: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " عَمُّوا هَذَا الْحَسَدِ بَيْنَكُمْ، فَإِنَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ يَعْرِضُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنَّهُ لَيْسَ بِضَائِرٍ عَبْدًا لَمْ يَعْدِ بِلِسَانٍ أَوْ يَدٍ ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 تَفْسِيرُ سُورَةِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ قَتَادَةَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: مَدَنِيَّةٌ نَزَلَتْ هِيَ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مُعَوِّذَتَيْنِ لِلنَّبِيِّ حِينَ سَحَرَتْهُ الْيَهُودُ. بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة النَّاس من آيَة 1 - 6. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 قَوْلُهُ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَب ِّ النَّاسِ} إِلَى قَوْله {الخناس} قَالَ قَتَادَةُ: الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا ذُكِرَ الله خنس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ من الْجنَّة}. قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي: الَّذِي هُوَ من الْجِنّ. قَوْله {وَالنَّاس} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 قَالَ يَحْيَى: وَمِنْ شَرِّ شَيَاطِينِ الْإِنْس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176